الكتاب: معرفة السنن والآثار
المؤلف: البيهقي
الجزء: ٦
الوفاة: ٤٥٨
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: سيد كسروي حسن
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة: لبنان/ بيروت - دار الكتب العلمية
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات:

بسم الله الرحمن الرحيم
965 - [باب]
ذكر المرمى بالمرأة
قال الشافعي في كتاب أحكام القرآن:
ورمى العجلاني امرأته برجل بعينه فالتعن ولم يحضر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] المرمى
بالمرأة.
فاستدل به على أن الزوج إذا التعن لم يكن للرجل الذي رماه بامرأته عليه
حد.
وقد ذكرنا حديث سهل بن سعد في قصة عويمر العجلاني وليس فيه ذكر إحضار
المرمى بالمرأة كما قال الشافعي ها هنا.
وقد قال في الإملاء المسموع من أبي سعيد بإسناده:
وقد قذف العجلاني امرأته بابن عمه وابن عمه شريك بن السحماء وسماه
لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] وذكر أنه رآه عليها وسأل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] شريكا فأنكر فلم يحلفه فكذلك
3

لا يجلد أحد ادعي عليه الزنا.
والتعن العجلاني فلم يحد النبي [صلى الله عليه وسلم] شريكا بالتعانه.
فكذلك لا يحد من قذف برجل بعينه.
قال أحمد:
ذكر الشافعي في الإملاء.
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] سأل شريكا فأنكر فلم يحلفه وكأنه أخذه من تفسير مقاتل بن
حيان فكذلك ذكره مقاتل بن حيان في تفسيره.
وقد حكى الشافعي في تفسيره في غيره موضع إلا أنه سمى القاذف بشريك بن
السحماء بن أمية.
وكذلك هو في رواية عكرمة عن ابن عباس وفي رواية أنس بن مالك.
والشافعي سماه العجلاني والعجلاني هو عويمر العجلاني المذكور في حديث
سهل بن سعد.
وليس في حديث سهل أنه رماه بشريك بن سحماء ولا بغيره مسمى بعينه.
إلا أن قول النبي [صلى الله عليه وسلم] إن جاءت به كنعت كذا فلا أحسبه إلا قد صدق عليها على
أنه رماها برجل بعينه وإن لم يسم في حديثه.
وعندي أن الشافعي رحمه الله ذهب في هذه الأحاديث إلى أنها خبر عن قصة
واحدة ومن تفكر فيها وجد فيها ما يدله على صحة ذلك.
ثم اعتمد على حديث سهل بن سعد الساعدي في تسمية القاذف بعويمر
العجلاني لفضل حفظ الزهري على حفظ غيره.
ولأن ابن عمر قال في حديثه.
فرق رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بين أخوي بني العجلاني.
4

وفيه إشارة إلى من سماه سهل بن سعد الساعدي فكان ذلك عنده أولى من
رواية عكرمة عن ابن عباس ورواية هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أنس بن مالك
عن تسميه القاذف بهلال بن أمية ثم وجدهما سميا المرمى بالمرأة ولم يسمه سهل
فذهب في تسمية المرمى بالمرأة إلى روايتهما وفي تسمية الرامي إلى رواية سهل وابن
عمر.
وعلى ذلك خرج قوله في الإملاء والله أعلم.
وقد روينا عن الوقداي عن الضحاك بن عثمان عن عمران بن أبي أنس عن عبد
الله بن جعفر في حضوره رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حين لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته وأنكر
حملها الذي في بطنها وقال:
هو من ابن السحماء فيشبه أن يكون قول الشافعي في الإملاء مأخوذا من هذه
الرواية أو من / رواية المغيرة بن عبد الرحمن وابن أبي الزناد عن أبي الزناد عن
القاسم بن محمد عن ابن عباس أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لاعن بين العجلاني وامرأته وكانت
حاملا فذكر الحديث وقال فيه:
وكان الذي رميت بن ابن السحماء والله أعلم.
وقال أحمد:
وفيما كتب إلي أبو نعيم الأسفرائيني:
أن أبا عوانة أخبرهم حدثنا إبراهيم بن مرزوق البصري وأحمد بن عصام
الأصفهاني أخبرنا أبو عامر العقدي حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن
القاسم عن ابن عباس أنه سمع من رسول [صلى الله عليه وسلم] أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لاعن بين العجلاني وامرأته وكانت حاملا فقال زوجها:
والله ما قربتها منذ عفرنا النخل.
وقال أحمد بن عصام منذ عفرنا قال: والعفر: أن يسقى النخل بعد أن يترك
السقي بعد الإبار بشهرين.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((اللهم بين)).
5

قال: وزعموا أن زوج المرأة كان حمش الذراعين والساقين [سبط] الشعر
وكان الذي رميت به [ابن] السحماء فجاءت بغلام أسود جعد عبل الذراعين خدل
الساقين.
قال القاسم قال ابن شداد بن الهاد لابن عباس:
أهي المرأة التي قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((لو كنت راجما بغير بينة لرجمتها))؟.
فقال ابن عباس: لا تلك امرأة قد أعلنت [السوء] في الإسلام.
تابعة ابن ابن أبي
الزناد عن أبيه.
قال أحمد:
وقد ذكر الشافعي رحمه الله في كتاب إبطال الاستحسان فصلا في أن الأحكام في الدنيا إنما هي على ما أظهر العباد وأن الله مدين بالسرائر.
واحتج بأمر المنافقين وبحديث أبي هريرة:
((لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)).
ثم قال: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة وإنما أراد حديث هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
(إنما أنا بشر وإنكم تخصمون إلي)) الحديث.
6

لكنه انقطع إما بترك / وقع في نسخة وإما بترك الشافعي الحديث ليرجع إلى الأصل فيثبته وكأنه كره إثباته من الحفظ ثم كتب بلا إسناد:
وجاء العجلاني إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وهو أحيمر سبط نضو الخلق فقال: يا رسول الله رأيت شريك ابن السحماء - يعني ابن عمه - وهو رجل عظيم الأليتين أدعج العينين حاد الخلق يصيب فلانة - يعني امرأته - وهي حبلى وما قربتها منذ كذا وكذا.
فدعا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] شريكا فجحد ودعا المرأة فجحدث فلاعن بينهما وبين زوجها وهي حبلى ثم قال:
((أبصروهما فإن جاءت به أدعج عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمر كأنه وخرة فلا أراه إلا قد كذب)).
فجاءت به أدعج عظيم الأليتين.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فيما بلغنا:
((إن أمره لبين لولا ما قضى الله)).
يعني إنه لمن زنا لولا ما قضى الله أن لا يحكم على أحد إلا بإقرار.
قال أحمد:
والصواب إلا بشهود.
قال الشافعي:
أو اعتراف على نفسه لا يحل بدلالة غير واحد منهما وإن كانت بينة.
قال أحمد:
يعني ظاهرة.
قال الشافعي.
7

وقال: ((لولا ما قضى الله لكان لي فيها قضاء غيره):
ولم يعرض لشريك ولا للمرأة وأبعد الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب ثم علم بعد أن الزوج هو صادق.
قال أحمد:
فظن أبو عمرو بن مطر رحمنا الله وإياه ومن خرج المسند في المبسوط أن قوله:
وجاء العجلاني. من قول هشام بن عروة فخرجه في المسند مركبا على إسناد حديث مالك عن هشام وهو فيما:
4578 - أخبرناه أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي فذكراه.
وهذا وهم فاحش والشافعي يبرا إلى الله تعالى من هذه الرواية.
وقد وهم أبو عمرو أو من خرج المسند وهكذا في غير حديث مما خرجه في المسند وقد ذكرته في هذا الكتاب وبينته وبالله التوفيق.
قال أحمد:
/ وهذا الحديث فيما قرأته على أبي سعيد بن أبي عمرو في كتاب إبطال الاستحسان عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي عن مالك عن هشام.
لكنه في أصل عتيق فصل بينه وبين ما بعده بدائرة ثم كتب:
وجاء العجلاني - وتفكر في قوله عن هشام بن عروة.
وجاء العجلاني. علم أنه ابتدأ كلام معطوف على ما قبله وليس لهذا الحديث أصل من حديث مالك عن هشام عن أبيه عن زينب عن أم سلمة.
ثم بحديث العجلاني وانا مستغن عن هذا الشرح. لكن لبعد أفهام أكثر الناس عن هذا الشأن هو ولا أحتاج في مثل هذا الوهم الفاحش منذ مائة سنة إلى زيادة بيان.
وبالله التوفيق.
8

966 - [باب]
وقف الزوجين عند الخامسة وتذكيرهما الله عز وجل
4579 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
وإنما أمرت بوقفهما وتذكيرهما أن سفيان أخبرنا عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمر رجلا حين لاعن بين المتلاعنين أن يضع يده على فيه عند الخامسة وقال:
إنها موجبة)).
4580 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي قال أنبأنا هشام بن حسان قال حدثني عكرمة عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي [صلى الله عليه وسلم] بشريك بن شحماء فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((البينة أو حد وفي ظهرك)).
فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته يلتمس البينة؟
فجعل النبي [صلى الله عليه وسلم] يقول: ' البينة وإلا فحد في ظهرك '
فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق وليبن لي الله عز وجل في أمري ما يبرئ به ظهري من الحد.
فنزلت:
* (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) * فقرأ حتى بلغ * (من الصادقين) *.
9

فانصرف النبي / [صلى الله عليه وسلم] فأرسل إليهما فجاءا فقام هلال بن أمية فشهد والنبي [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب))؟
ثم قامت فشهدت فلما كان عند الخامسة:
* (أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) *.
قالوا لها: إنها موجبة.
قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها سترجع.
فقالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
(أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن السحماء)).
فجاءت به كذلك:
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم].
((لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن)).
رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن بشار.
وهذا الحديث مما تفرد به أهل البصرة.
967 - [باب]
ما يكون بعد التعان الزوج
4581 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي: فإذا
10

أكمل الزوج الشهادة والإلتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبدا بحال وإن أكذب نفسه لم تعد إليه.
وإنما قلت هذا لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال: ((الولد للفراش)).
وكانت فراشا فلم يجز أن ينفي الولد عن الفراش إلا بأن يزول الفراش فلا يكون فراش أبدا.
وقد أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة.
قال الشافعي:
وكان معقولا في حكم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذ ألحق الولد بأمه أنه نفاه عن أبيه وأن نفيه عن أبيه بيمينه وإلتعانه لا بيمين أمه على كذبه بنفيه وبسط الكلام في هذا.
وقال في موضع آخر.
ولما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا سبيل لك عليها)).
استدللنا على أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا إذ لم يقل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلا أن يكذب نفسه أو يفعل كذا كما قال الله عز وجل في المطلق الثالثة:
* (حتى تنكح زوجا غيره) *.
وبسط الكلام / فيه.
قال في القديم:
11

وروى الذين خالفونا في هذا حديثا عن عمر وعلي وابن مسعود أنهم قالوا في المتلاعنين:
لا يجتمعان أبدا.
ورجع بعضهم إلى قولنا فيه وأبى بعضهم الرجوع إليه وقال:
لا يجتمعان أبدا ما كانا على اللعان.
قال الشافعي:
فقلت له: أو تعلم حديثا لا يحتمل أن يوجه وجوها إلا قليلا وإنما الأحاديث على ظاهرها حتى تأتي دلالة تخبر عن الذي حمل الحديث عنه أو إجماع من الناس على توجيهها وظاهر فيها سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وما رويتم عن عمر، وعلي وابن مسعود على ما قلنا؟
قال أحمد:
روينا عن الزبيري عن الزهري عن سهل بن سعد في قصة المتلاعنين قال:
فتلاعنا ففرق رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بينهما وقال:
((لا يجتمعان أبدا)).
4582 - أخبرناه أبو عمرو الأديب أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي حدثنا ابن أبي حسان أخبرنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا الوليد - هو ابن مسلم - وعمر - هو ابن عبد الواحد قالا: حدثنا الأوزاعي عن الزبيري. فذكره.
هذا إسناد صحيح.
4583 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب عن عياض بن عبد الله الفهري وغيره عن ابن شهاب عن سهل بن سعد في هذا الخبر قال سهل.
12

حضرت هذا عند رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا.
وفي الجامع عن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب قال:
في المتلاعنين يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا.
وعن أبي هاشم الواسطي عن جهم بن دينار عن إبراهيم قال: إذا أكذب نفسه بعد اللعان ضرب الحد وألزق به الولد ولا يجتمعان أبدا.
وفي حديث قيس بن الربيع عن عاصم عن زرعن علي وعن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله أنهما قالا:
مضت السنة في المتلاعنين أن لا يجتمعان أبدا.
4584 - أنبأني أبو / عبد الله إجارة أن أبا العباس حدثهم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال قلت لعطاء أرأيت الذي يقذف امرأته ثم ينزع عن الذي قال قبل [أن] يلاعنها؟
قال: فهي امرأته ويحد.
4585 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي ومتى إلتعن الزوج فعليها أن تلتعن فإن أبت حدت لقول الله عز وجل.
* (ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله) *.
قال الشافعي:
والعذاب: الحد.
فكان عليها أن تحد إذا التعن الزوج ولم تدرأ عن نفسها بالإلتعان.
13

قال أحمد:
وروينا في حديث عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس في قصة المتلاعنين قال:
فقيل لهلال: تشهد أربع شهادات بالله إنك لمن الصادقين.؟ وقيل له عند الخامسة:
يا هلال اتق الله فإن عذاب الله أشد من عذاب الناس وأن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب. فقال:
والله لا يعذبني الله أبدا كما لم يجلدني عليها قال: فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين.
وقيل: إشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين وقيل لها عند الخامسة:
يا هذه اتق الله فإن عذاب الله أشد من عذاب الناس وأن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب.
فتلكأت ساعة ثم قالت:
والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
4586 - أخبرناه أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا عباد بن منصور فذكره.
4587 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن عطاء في الرجل يقول لامرأته يا زانية وهو يقول: لم أر ذلك عليها [أو عن غير حمل].
قال: يلاعنها.
وعن سعيد عن ابن جريج قال: قلت لعطاء الرجل يقذف امرأته قبل أن تهدي
14

إليه قال: يلاعنها والولد لها.
وعن سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار / أنه قال: يلاعنها والولد لها إذا قذفها قبل أن نهدي إليه.
قال الشافعي:
وبهذا كله نأخذ.
968 - [باب]
التعريض بالقذف
4588 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو زكريا المزكي قالوا:
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن رجلا من أهل البادية أتى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
إن امرأتي ولدت غلاما أسود فقال له النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((وهل لك من إبل))؟
قال: نعم. قال:
((ما ألوانها))؟
قال: حمر. قال:
((فهل فيها من أورق))؟
قال: نعم. قال:
((أنى ترى ذلك))؟
قال: عرقا نزعه.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((فلعل هذا نزعه عرق)).
15

ورواه البخاري في الصحيح عن ابن أبي أويس عن مالك.
4589 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن أعرابيا من بني فزارة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
إن امرأتي ولدت غلاما أسود.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((هل لك من إبل))؟
قال: نعم. قال:
((فما ألوانها))؟
قال: حمر. قال:
((هل فيها من أورق))؟
قال: نعم إن فيها لورقا. قال:
((فأنى أتاها ذلك))؟
قال لعله نزعه عرق.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((وهذا لعله نزعه عرق)).
رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة وغيره عن سفيان.
ورواه معمر عن الزهري وزاد فيه:
وهو حينئذ يعرض بأن ينفى.
16

ورواه يونس بن يزيد وزاد فيه وإني أنكرته.
قال الشافعي:
فلما كان قول الفزاري تهمة الأغلب منها عند من سمعها أنه أراد قذفها فسمعه النبي [صلى الله عليه وسلم] فلم يره قذفا إذ كان لقوله وجه يحتمل أن لا يكون أراد به القذف من التعجب والمسألة عن ذلك.
استدللنا / على أنه لا حد في التعريض.
وبسط الكلام في هذا.
4590 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء في الرجل يقول لامرأته: لم أجدك عذراء ولا أقول ذلك من زنا فلا يحد.
قال المزني في الجامع الكبير:
سمعت الشافعي يقول:
أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه كان يجلد الحد في التعريض.
4591 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو السلمي أخبرنا أبو مسلم حدثنا أبو عاصم عن ابن أبي ذئب فذكره بإسناده ومعناه.
4592 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن الفضل الهاشمي حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.
أن رجلا قال: والله ما أنا بزان ولا ابن زانية فجلده عمر بن الخطاب الحد.
قال المزني:
وقوله بدلائل الكتاب والسنة أولى من هذا - يريد استدلال الشافعي بما ذكرنا من السنة - وبأن الله أباح التعريض بالخطبة في عدة المتوفي عنها فكان خلافا للتصريح.
17

969 - [باب]
الشهادة في اللعان
روينا عن جابر بن زيد عن ابن عباس في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها.
قال: يلاعن الزوج ويجلد الثلاثة.
ويمثل ذلك قال الشافعي رحمه الله على أن قوله أن الشهود إذا لم يتم قذفه يحدون.
970 - [باب]
الإقرار بالولد
روينا عن عمر رضي الله عنه أن الرجل إذا أقر بولده طرفه عين فليس له أن ينفيه.
971 - [باب]
الفراش بالوطىء بملك اليمين والنكاح
4593 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي قال:
الولد للفراش بالوطىء بملك اليمين والنكاح.
أخبرنا / ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال:
أرسل عمر إلى رجل من بني زهرة كان ساكنا معنا فذهبنا معه فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية.
فقال: أما الفراش فلفلان وأما النطفة فلفلان فقال عمر: صدقت ولكن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى بالفراش.
18

4594 - وأخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأرموي أخبرنا أبو النضر شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال،: أرسل عمر بن الخطاب إلى شيخ من بني زهرة من أهل دارنا فذهبت مع الشيخ إلى عمر وهو في الحجر فسأله عن ولاد الجاهلية.
قال: وكانت المرأة في الجاهلية إذا طلقها زوجها أو مات عنها نكحت بغير عدة.
فقال الرجل: أما النطفة فمن فلان وأما الولد فهو على فراش فلان.
فقال عمر: صدقت ولكن قضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالولد للفراش.
4595 - وبإسناده أخبرنا الشافعي عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((الولد للفراش وللعاهر الحجر)).
4596 - وبإسناده حدثنا الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] أنها قالت:
كان عتبة بن أبي وقاص عهد على أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فأقبضه إليك. فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص. وقال: ابن أخي كان عهد إلي فيه.
[فقام عبد بن زمعة فقال: أخي ولد على فراش أبي فتساوقا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال سعد يا رسول الله إن] أخي كان عهد إلي فيه.
19

فقال: عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشة.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
((هو لك يا عبد بن زمعة)).
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
الولد للفراش وللعاهر الحجر)).
ثم قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لسودة بنت زمعة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((احتجبي / منه)).
لما رأى من شبهة بعتبة.
فما رآها حتى لقي الله عز وجل.
رواه البخاري في الصحيح عن القعنبي عن مالك.
وأخرجاه من حديث ابن عيينة عن الزهري.
وأخرج مسلم في حديث أبي هريرة عن سعيد بن منصور عن سفيان.
قال الشافعي في القديم:
قضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بأن وليدة زمعة يدعوه أخيه ونسبه إلى أبيه وقال:
((الولد للفراش)).
فأعلم أن الأمة تكون فراشا)).
4597 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يعزلونهن لا تأتينني وليدة تعترف سيدها أن قد ألم بها إلا قد ألحقت به ولدها فاعزلوا بعد أو اتركوا.
20

4598 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن صفيه بنت أبي عبيد عن عمر في إرسال الولائد يوطئن بمثل معنى حديث ابن شهاب عن سالم.
وساق الحديث في القديم:
أن عمر بن الخطاب قال:
ما بال رجال يطئون ولائدهم ثم يتركونهن يخرجن.
لا تأتينني وليدة تعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها فأرسلوهن بعد أو أمسكوهن.
4599 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قلت للشافعي: فهل خالفك في هذا غيرنا؟
قال: نعم بعض المشرقيين.
قلت: فما كان حجتهم؟
قال: كانت حجتهم أن قالوا: انتفى عمر من ولد جارية له. وانتفى زيد بن ثابت من ولد جارية له.
وانتفى ابن عباس من ولد جارية له.
قلت: فما كانت حجتك عليهم؟
قال: أما عمر: فروي عنه أنه أنكر حمل جارية [له] أقرت بالمكروه.
وأما زيد بن ثابت وابن عباس: فإنهما أنكر إن كانا فعلا ولد جاريتين عرفا أن ليس منهما.
فحلال لهما.
وكذلك ينبغي لهما في الأمة وكذلك ينبغي لزوج الحرة إذا علم أنها حبلت من
21

الزنا أن يدفع ولدها ولا يلحق بنفسه من ليس منه.
وإنما قلت هذا / فيما بينه وبين الله كما تعلم المرأة بأن زوجها قد طلقها ثلاثا فلا ينبغي لها الامتناع منه بجهدها وعلى الإمام أن يحلفه ثم يردها فالحكم غير ما بين العبد وبين الله عز وجل ثم بسط الكلام في الحجة عليهم.
قال أحمد:
وإذا غاب الرجل عن امرأته فبلغها وفاته فاعتدت ثم نكحت فولدت أولادا ثم قدم فرق بينها وبين زوجها الآخر وألحق الولد بالآخر.
وكذلك رويناه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في امرأة عبيد الله بن الحر حين لحق بمعاوية فأطال الغيبة ومات أبوها فزوجها أهلها من رجل آخر ثم قدم عبيد الله بن الحر وكانت حاملا من الرجل.
فلما وضعت ما في بطنها ردها إلى عبيد الله بن الحر وألحق الولد بأبيه.
4600 - أخبرناه أبو حازم أخبرنا محمد بن أحمد بن حمزة الهروي حدثنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم عن الشيباني قال أخبرني عمران بن كثير النخعي.
فذكره في حديث طويل.
22

بسم الله الرحمن الرحيم
30 - كتاب العدد
972 - [باب]
عدة المدخول بها
4601 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حدثهم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
قال الله تبارك وتعالى:
* (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) *.
قال الشافعي:
الأقراء عندنا والله أعلم الأطهار فإن قال قائل ما دل على أنها الأطهار وقد قال غيركم الحيض قيل له: دلالتان أولهما الكتاب الذي دلت عليه السنة.
والآخر اللسان.
فإن قال: وما الكتاب؟
قيل: قال الله تبارك وتعالى:
* (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) *
23

قال الشافعي:
أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] فسأل عمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن ذلك فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((_ _ مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء)).
قال أحمد:
قرأت في كتاب أبي سليمان في معنى اللام في قوله لها أنها بمعنى في يريد أنها العدة التي تطلق النساء فيها كما يقول القائل كتبت لخمس خلون من الشهر أي وقت خلا فيه من الشهر خمس ليال.
وإذا كان وقت الطلاق الطهر ثبت أنه محل العدة.
4602 - وبالإسناد الذي تقدم ذكره قال الشافعي: أخبرنا مسلم وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع ابن عمر يذكر طلاق امرأته حائضا فقال قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك)).
وتلا النبي [صلى الله عليه وسلم]:
* (إذا طلقتم النساء فطلقوهن) * لقبل عدتهن أو في قبل عدتهن.
قال الشافعي: أنا شككت.
قال الشافعي:
فأخبر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن الله جل ثناؤه أن العدة الطهر دون الحيض وقرأ:
24

فطلقوهن لقبل عدتهن.
وهو أن يطلق طاهرا لأنها حينئذ تستقبل عدتها ولو طلقت حائضا لم تكن مستقبلة عدتها إلا بعد الحيض فإن قال: فما اللسان؟
قيل: القرء اسم وضع لمعنى فلما كان الحيض دما يرخيه الرحم فيخرج.
والطهر دما يحتبس فلا يخرج كان معروفا من لسان العرب أن القرء الحبس.
تقول العرب: هو يقري الماء في حوضه وفي سقائه.
وتقول العرب: [هو] يقري الطعام في شدقه يعني يحبس الطعام في شدقه.
زاد في رواية حرملة.
تقول العرب: إذا حبس الرجل الشيء قراه - يعني: خبأه.
وقال عمر بن الخطاب.
العرب تقري في صحانها - يعني: تحبس في صحانها.
4603 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو الحسن الكارزي حدثنا علي بن عبد العريز قال قال أبو عبيد: يقال قد أقرأت المرأة إذا دنا حيضها وأقرأت إذا دنا طهرها.
زعم ذلك أبو عبيد والأصمعي وغيرهما.
قال: وقد ذكر ذلك الأعشى في شعر يمدح / به رجلا غزا غزوة غنم فيها وظفر فقال:
* مورثة عزا وفي الحي رفعة
* لما ضاع فيها من قروء نسائكا
*
25

فمعنى القروء ها هنا الأطهار لأنه ضيع إطهارهن في غزاته وأثرها عليهن وشغل بها عنهن.
فذهب أبو عبيد إلى أن اسم القروء واقع عليهما.
وكأنه في الطهر أظهر لما ذكر الشافعي من حكم الاشتقاق ولأن ذلك أسبق إلى الوجود فهو أولى بالاسم والله أعلم.
4604 - أخبرنا أبو زكريا وأبو بكر قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها انتقلت حفصة بنت عبد الرحمن حين دخلت في الدم من الحيضة الثالثة.
قال ابن شهاب: فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت: صدق عروة.
وقد جادلها في ذلك ناس وقالوا: إن الله تعالى يقول:
* (ثلاثة قروء) *
فقالت عائشة: صدقتم وهل تدرون ما الأقراء؟
الأقراء: الأطهار.
4605 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب قال سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول:
ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول: هذا: يريد الذي قالت عائشة.
4606 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال وأخبرنا سفيان عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت:
إذا طعنت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه.
4607 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
26

الشافعي أخبرنا مالك عن نافع وزيد بن أسلم عن سليمان بن يسار أن الأحوص - يعني ابن حكيم - هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة وقد كان طلقها فكتب معاوية إلى زيد بن ثابت يسأله عن ذلك.
فكتب إليه زيد: إنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد / برئت منه وبرىء منها ولا ترثه ولا يرثها.
4608 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال وأخبرنا سفيان عن الزهري قال حدثني سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت
قال: إذا طعنت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد برئت منه.
وفي حديث سعيد بن أبي عروبة عن رجل عن سليمان بن يسار أن عثمان بن عفان وابن عمر قالا: إذا دخلت في الحيضة الثالثة فلا رجعة له عليها.
ذكره يوسف بن يعقوب عن أبي الخطاب عن أبي بحر عن ابن أبي عروبة.
4609 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: إذا طلق الرجل امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرىء منها ولا ترثه ولا يرثها.
4610 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن الفصيل بن أبي عبد الله مولى المهري أنه سأل القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن المرأة إذا طلقت فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة؟ فقالا: قد باتت منه وحلت.
4611 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك أنه بلغه عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وابن شهاب أنهم كانوا
27

يقولون: إذا دخلت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت منه ولا ميراث بينهما.
زاد فيه غيره عن مالك: ولا رجعة له عليها.
قال مالك.
وذلك الأمر الذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا.
4612 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأبو موسى:
لا تحل المرأة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وذهبوا إلى أن الأقراء: الحيض.
وقال هذا ابن المسيب وعطاء وجماعة من التابعين.
4613 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري / عن ابن المسيب أن علي بن أبي طالب قال:
إذا طلق الرجل امرأته فهو أحق برجعتها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة في الواحدة والاثنين.
4614 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان قال أخبرني منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عمرو عن عبد الله بن مسعود. مثله.
قال: وسمعت ابن عيينة يحدث عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن الحسن بن أبي الحسن عن أبي موسى الأشعري مثل معنى حديث عمر، وعلي، وعبد الله.
قال الشافعي في القديم:
فقيل لهم: - يعني للعراقيين - لم تقولوا بقول من احتججتم بقوله ورويتم هذا عنه ولا قول أحد من السلف علمناه.
28

قال قائل: أين خالفناهم؟
قلنا: قالوا: حتى تغتسل وتحل لها الصلاة.
فلم قلتم: إن فرطت في الغسل حتى يذهب وقت صلاة فقد حلت وهي لم تغتسل ولم تحل لها الصلاة.
وبسط الكلام في هذا إلى أن قال:
ولا تعدو أن تكون الأقراء الأطهار كما قالت عائسة.
والنساء بهذا أعلم لأنه فيهن بما في الرجال أو يكون الحيض فإذا جاءت بثلاث حيض حلت.
ولا نجد في كتاب الله للغسل معنى يدل عليه ولستم تقولون بواحد من القولين.
وفي رواية حرملة قال:
قال الشافعي:
وزعم إبراهيم بن إسماعيل بن علية أن الأقراء الحيض واحتج بحديث سفيان عن أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال في امرأة استحيضت:
((أن تدع الصلاة أيام أقرائها)).
قال الشافعي:
وما حدث سفيان بهذا قط إنما قال سفيان عن أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((تدع الصلاة عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن)).
أو قال:
((أيام أقرائها)).
الشك من أيوب.
29

لا يدري قال هذا أو هذا فجعله هو أحدهما على ناحية مما يريد وليس هذا بصدق.
4615 - وقد أخبرنا مالك عن نافع عن سليمان / بن يسار عن أم سلمة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل [أن] يصيبها الذي أصابها ثم لتدع الصلاة ثم لتغتسل ولتصل)).
ونافع أحفظ عن سليمان من أيوب وهو يقول مثل أحد معنيي أيوب الذين رواهما.
قال أحمد:
هذا اللفظ الذي احتجوا به قد روي في أحاديث قد ذكرنا في كتاب الحيض من كتاب السنن.
وتلك الأحاديث في أنفسها مختلف فيها.
فبعض الرواة قال فيها: ((أيام أقرائها)). وبعضهم قال فيها: ((أيام حيضها)). أو في معناها.
وكل ذلك من جهة الرواة كل واحد منهم يعبر عنها بما يقع له.
والأحاديث الصحاح متفقة على العبارة عنها بأيام الحيض دون لفظ الأقراء والله أعلم.
973 - [باب]
تصديق المرأة على ثلاث حيض في أقل ما حاضت له امرأة قط
4616 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي
30

أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال: أؤتمنت المرأة على فرجها.
قال أحمد:
وروينا هذا عن أبي بن كعب قال:
إن من الأمانة أن المرأة ائتمنت على فرجها.
4617 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن هشيم وأبي معاوية ومحمد بن يزيد عن إسماعيل عن الشعبي عن شريح أن رجلا طلق امرأته فذكرت أنها قد حاضت في شهر ثلاث حيض.
فقال علي لشريح: قل فيهما. فقال:
إن جاءت ببينة من بطانة أهلها يشهدون صدقت.
فقال له: قالون وقالون بالرمية أصبت.
قال أحمد.
ورواه ابن شهاب عن إسماعيل وقال فيه:
فجاءت بعد شهر فقالت: قد انقضت عدتي.
4618 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العرني أن شريحا رفعت إليه امرأة طلقها زوجها فحاضت / ثلاث حيض في خمس وثلاثين ليلة فلم يدر ما يقول فيها فرفع إلى علي فقال:
سلوا عنها جارتها فإن كان حيضها كان بكذا وإلا فأشهر ثلاثة.
قال الشافعي:
وهم لا يأخذون بهذا ويخالفون.
31

أما بعضهم فيقول لا تنقضي العدة في أقل من أربعة وخمسين يوما.
وقال بعضهم: أقل ما تنقضي به تسع وثلاثين يوما.
وأما نحن فنقول بما روي عن علي لأنه موافق لما روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه لم يجعل للحيض وقتا ثم ذكر حديثه عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في شأن فاطمة بنت أبي حبيش.
((فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي)).
قال الشافعي:
فلم يوقت النبي [صلى الله عليه وسلم] لها وقتا في الحيضة فيقول كذا وكذا يوما ولكنه قال: إذا أقبلت وإذا أدبرت.
قال الربيع قال الشافعي:
لا تنقضي العدة في أقل من ثلاثة وثلاثين.
قال أحمد:
وأحسبه أراد اثنين وثلاثين يوما وبعض الثالث إذا حسبت القروء بالوقت الذي يقع فيه الطلاق واشتراط مضى أقل الحيض من الحيضة الثالثة ليعلم أنه حيض. والله أعلم.
قد روينا عن ابن عمر أنه قال:
إذا طلقها وهي حائض لم تعتد بتلك الحيضة.
وروينا عن زيد بن ثابت أنه قال:
إذا طلقها وهي نفساء لم تعتد بدم نفاسها في عدتها.
974 - [باب]
عدة من تباعد حيضها
4619 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
32

الشافعي أخبرنا مالك عن محمد بني يحيى بن حبان - قال أحمد كذا وجدته وقال غيره - عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان: أنه كان عند جده هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت بها سنة ثم هلك ولم تحض.
فقالت أنا أرثه لم أحض فاختصموا إلى عثمان فقضى / للأنصارية بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال: هذا علي ابن عمك هو أشار علينا بهذا - يعني علي بن أبي طالب.
4620 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريح عن عبد الله بن أبي بكر أخبره أن رجلا من الأنصار يقال له حبان بن منقذ طلق امرأته وهو صحيح وهي ترضع ابنته فمكثت سبعة عشر شهرا لا تحيض يمنعها الرضاع أن تحيض ثم مرض حبان بعد أن طلقها بسبعة أشهر أو ثمانية فقيل له:
إن امرأتك تريد أن ترث فقال لأهله:
احملوني إلى عثمان فحملوه إليه فذكر له شأن امرأته وعنده علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت فقال لهما عثمان: ما تريان؟ فقالا:
نرى أنها ترثه إن مات ويرثها إن ماتت فإنها ليست من القواعد اللاتي قد يئسن المحيض وليست من الأبكار اللاتي لم يبلغن المحيض ثم هي على عدة حيضها ما كان من قليل أو كثير.
فرفع حبان إلى أهله فأخذ ابنته فلما فقدت الرضاع حاضت حيضة ثم حاضت حيضة أخرى ثم توفي حبان قبل أن تحيض الثالثة فاعتدت عدة المتوفي عنها زوجها وورثته.
4621 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا
33

الشافعي أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه بلغه عن عمر بن عبد العزيز في أمر حبان مثل خبر عبد الله بن أبي بكر.
4622 - وبإسناده أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء: المرأة تطلق وهم يحسبون أن يكون الميحض قد أدبر عنها ولم يبن لهم ذلك كيف نفعل؟ قال: كما قال الله تعالى إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر.
قلت: ما ينتظر بين ذلك؟
قال: إذا يئست اعتدت ثلاثة أشهر كما قال الله عز وجل.
4623 - وبإسناده أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء: تعتد باقرائها ما كانت إن تقاربت وإن تباعدت؟
قال: نعم كما قال الله عز وجل.
4624 - وبإسناده أخبرنا / سعيد عن المثنى عن عمرو بن دينار في امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضتها فقال:
أما أبو الشعثاء فكان يقول: أقراؤها حتى يعلم أنها قد يئست من المحيض.
4625 - وبإسناده أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سمعه يقول:
عدة المطلقة الأقراء وإن تباعدت.
قال أحمد:
في الجامع عن الثوري عن حماد والأعمش ومنصور عن إبراهيم عن علقمة:
أنه طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم حاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفع حيضها سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا ثم ماتت.
فجاء إلى ابن مسعود فسأله.
34

فقال: حبس الله عليك ميراثها فورثه منها.
وفي رواية محمد بن سيرين قال قال عبد الله بن مسعود: وعدة المطلقة بالحيض وإن طالت.
وعلى قول ابن مسعود اعتمد الشافعي في الجديد.
4626 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد ويزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن المسيب أنه قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعتها حيضة فإنها تنتظر تسعة أشهر فإن بان بها حمل فذلك وإلا اعتدت بعد التسعة ثلاثة أشهر ثم حلت.
وإلى هذا كان يذهب الشافعي في القديم فيمن ارتفع حيضها بغير عارض ثم رجع عنه في الجديد إلى ما بلغه في ذلك عن ابن مسعود وقال:
قد يحتمل قول عمر أن يكون في المرأة قد بلغت السن التي من بلغها من نسائها يئسن من المحيض.
فلا يكون مخالفا لقول ابن مسعود.
قال الشافعي:
وذلك وجهه عندنا.
975 - [باب]
قول الله عز وجل في الآية التي ذكر فيها المطلقات ذوات الأقراء
* (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) *
35

/ قال الشافعي:
وكان بينا في الآية بالتنزيل أنه لا يحل للمطلقة أن تكتم ما في رحمها من الميحض كان ذلك يحتمل الحمل مع الحيض لأن الحمل مما خلق الله في أرحامهن.
ثم بسط الكلام في بيان ذلك ثم ذكر ما:
4627 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد عن ابن جريح أنه قال لعطاء.
ما قوله:
* (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) *.
قال: الولد لا تكتمه ليرغب فيها.
وما أدري لعل الحيض معه.
4628 - وبإسناده أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عطاء سئل: أيحق عليها أن تخبره بحملها وإن لم يرسل إليها يسألها عنه ليرغب فيها؟ قال: تظهره وتخبر به أهلها فسوف يبلغه. قال: وأخبرنا سعيد عن ابن جريح أن مجاهدا قال في قوله الله:
* (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) *.
المرأة المطلقة لا يحل لها أن تقول: أنا حبلى وليست بحبلى ولا ليست بحبلى وهي حبلى ولا أنا حائض وليست بحائض ولا لست بحائض وهي حائض.
قال الشافعي:
وهذا - إن شاء الله - كما قال مجاهد لمعان منها أن لا يحل الكذب.
36

والآخر أن لا تكتمه الحمل والحيض لعله يرغب فيراجع.
ولا تدعيهما لعله يراجع وليست له حاجة بالرجعة لولا ما ذكرت من الحمل والحيض فتغره والغرور لا يحل.
قال: وأخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء: أرأيت إن أرسل إليها فأراد ارتجاعها فقالت قد انقضت عدتي وهي كاذبة فلم تزل تقوله حتى انقضت عدتها؟
قال: لا وقد خرجت.
قال الشافعي:
هذا كما قال عطاء - إن شاء الله - وهي آثمة.
976 - [باب]
عدة التي يئست من المحيض والتي لم تحض وعدة الحامل
4629 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
سمعت من أرضى من أهل العلم يقول:
إن أول ما أنزل الله تعالى / من العدد:
* (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) *.
فلم يعلموا ما عدة المرأة لا أقراء لها وهي التي لا تحيض ولا الحامل.
فأنزل الله عز وجل:
* (واللآئي يئسن من المحيض من نسآئكم إن ارتبتم قعدتهن ثلاثة أشهر واللآئي لم يحضن) *.
37

فجعل عدة الميئوسة والتي لم تحض ثلاثة أشهر وقوله: * (إن ارتبتم) * فلم تدروا ما تعتد غير ذوات الأقراء. وقال:
* (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) *.
قال الشافعي:
وهذا والله أعلم يشبه ما قالوا:
قال أحمد:
وروينا هذا عن أبي بن كعب أنه ذكر معنى ما حكاه الشافعي دون تفسير قوله: * (إن ارتبتم) *.
قال الشافعي:
ولو حاضت الصغيرة قبل انقضائها استقبلت الأقراء.
4630 - أنبأئي أبو عبد الله إجازة أخبرنا أبو الوليد حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن حبيب عن عمرو قال: سئل جابر بن زيد عن جارية طلقت بعد ما دخل بها الزوج وهي لا تحيض فاعتدت بشهرين وخمسا وعشرين ليلة ثم أنها حاضت؟
قال: تعتد بعد ذلك ثلاثة قروء.
كذلك قال ابن عباس.
ورويناه عن الحسن والشعبي.
قال الشافعي:
وأعجل من سمعت به من النساء يحضن نساء تهامة يحضن لتسع سنين.
قال أحمد:
وقد روينا عن عباد بن عباد المهلبي أنه قال:
38

أدركت فينا امرأة صارت جدة وهي ابنة ثمان عشرة ولدت لتسع سنين ابنتا فولدت ابنتها لتسع سنين.
وعن عبد الله بن صالح كاتب الليث:
أن امرأة في جوارهم حملت وهي ابنة تسع سنين.
وفي رواية وهي ابنة عشر سنين.
وروينا عن عبد الله بن مسعود أنه قال:
أجل كل حامل أن تضع ما في بطنها.
وروينا عن عمر بن الخطاب ما دل على أن الحامل تحيض وروينا عن أم علقمة عن عائشة أنها سئلت عن الحامل ترى الدم أتصلي؟
فقالت: لا تصلي حتى يذهب عنها الدم.
4631 - / وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان حدثنا ابن بكير حدثنا الليث عن بكير بن عبد الله عن أم علقمة مولاة عائشة أن عائشة سئلت عن الحامل ترى الدم؟ قالت: لا تصلي.
قلت: وروي عن عمرة عن عائشة بنحوه.
وهو أصح من رواية من روى عنها أنها تغتسل وتصلي.
قال إسحاق الحنظلي قال لي أحمد بن حنبل؟
ما تقول في الحامل ترى الدم؟
فقلت: تصلي واحتججت بخبر عطاء عن عائشة قال: فقال لي أحمد: أين أنت من خبر المدنيين خبر أم علقمة عن عائشة فإنه أصح.
قال إسحاق: فرجعت إلى قول أحمد.
39

قال البيهقي:
وروته أيضا عمرة عن عائشة.
وحديث عطاء تفرد به مطر الوراق عن عطاء ورواه أيضا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عطاء وهو غير قوي.
وأهل العلم بالحديث رجحوا رواية المدنيين في هذا عن عائشة على رواية غيرهم.
977 - [باب]
لا عدة على التي لم يدخل بها زوجها
قال الشافعي: قال الله تبارك وتعالى:
* (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) *.
قال الشافعي رحمه الله:
فكان بينا في حكم الله أن لا عدة على المطلقة قبل أن تمس وأن المسيس [هو] الإصابة.
ولم أعلم في هذا خلافا ثم اختلف بعض المفتين في المرأة يخلو بها زوجها فيغلق بابا ويرخي سترا وهي غير محرمة ولا صائمة.
فقال ابن عباس وشريح وغيرهما:
لا عدة عليها إلا بالإصابة نفسها لأن الله تعالى هكذا قال.
وذكر ما:
4632 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا.
40

مسلم عن ابن جريح عن ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس: ليس لها إلا نصف المهر ولا عدة عليها.
قال الشافعي:
وشريح يقول ذلك وهو ظاهر الكتاب.
978 - [باب]
/ العدة من الموت والطلاق والزوج غائب
قال الشافعي رحمه الله:
قد روي عن غير واحد من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
تعتد من يوم يكون الطلاق والوفاة.
4633 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو الفضل بن خميرويه أخبرنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عمر قال:
تعتد من يوم مات أو طلق.
ورويناه أيضا عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس.
4634 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن هشيم عن أشعث عن الحكم عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي قال: العدة من يوم يموت أو يطلق.
قال الشافعي:
وبهذا نقول:
41

قال أحمد:
كذا وقع في هذه الرواية وفي رواية غيره عن علي أنه كان يقول:
تعتد من يوم يأتيها الخبر.
4635 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد عن ابن جريج أنه قال لعطاء.
الرجل يطلق المرأة أو يموت عنها وهو بمصر وهي بمصر آخر من أي يوم تعتد؟
قال: من يوم مات أو طلقها تعتد.
4636 - وبإسناده أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن داود بن أبي عصام قال سمعت سعيد بن المسيب يقول:
إذا قامت بينة فمن يوم طلقها أو مات عنها.
4637 - وبإسناده أخبرنا سعيد عن ابن جريج عن ابن شهاب أنه قال في رجل طلق امرأته؟
قال: تعتد من يوم طلقت.
4638 - وبإسناده أخبرنا سعيد عن ابن أبي ذئب عن الزهري قال:
المتوفى عنها تعتد من يوم مات والمطلقة من يوم طلقت.
979 - [باب]
عدة الأمة
4639 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن
42

سليمان بن يسار / عن عبد الله بن عتبة عن عمر بن الخطاب أنه قال:
ينكح العبد امرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين فإن لم تكن تحيض فشهرين أو شهرا ونصفا.
قال سفيان وكان ثقة.
4640 - وأخبرنا أبو زكريا وأبو بكر قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أبي أوس الثقفي عن رجل من ثقيف أنه سمع عمر بن الخطاب يقول:
لو استطعت لجعلتها حيضة ونصفا.
فقال رجل: فاجعلها شهرا ونصفا فسكت عمر.
4641 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس حدثنا بحر بن نصر حدثنا الشافعي حدثنا سفيان بن عيينة عن صدقة بن يسار:
أن عمر بن عبد العزيز كان بالمدينة فاجتمع له على أن لا يتبين الحمل في أقل من ثلاثة أشهر. وحكاه الشافعي في القديم عن بعض أصحابه ثم قال: وقال غيره شهر ونصف على النصف من عدة الحرة.
ثم قال: وهذا أقيس والأول أحوط.
وروينا فيما مضى عن ابن عمر أنه كان يقول:
عدة الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان.
وروينا عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار كانا يقولان:
عدة الأمة إذا هلك عنها زوجها شهران وخمس ليال.
وعن ابن شهاب: مثل ذلك.
43

980 - [باب]
عدة الوفاة
4642 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى:
* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن) *.
قال الشافعي:
حفظت عن غير واحد من أهل العلم بالقرآن أن هذه الآية نزلت قبل نزول أي المواريث وأنها منسوخة.
وبسط الكلام فيه إلى أن قال:
وكان مذهبهم أن الوصية لها بالمتاع إلى الحول والسكنى منسوخة / - يعني بآية الميراث - فإن الله تعالى أثبت عليها عدة أربعة أشهر وعشرا ليس لها الخيار في الخروج منها ولا النكاح قبلها.
قال أحمد:
قد روينا عن عثمان وابن الزبير في نسخ هذه الآية بقوله:
* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) *.
4643 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس:
44

* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول) *.
فنسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله لهن من الربع والثمن ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهر وعشرا.
4644 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم والربيع بن سليمان قالا: قال الشافعي في كتاب الوصايا: وقال بعض أهل العلم أن عدتها في الوفاة كانت ثلاثة قروء كعدة الطلاق ثم نسخت بقول الله تبارك وتعالى:
* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) *
فإن كان هكذا فقد بطلت عنها الأقراء وثبتت عليها العدة بأربعة أشهر وعشر منصوصة في كتاب الله ثم في سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
واحتج بحديث حميد بن نافع أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)).
وذلك السياق إسناده ومتنه مذكور في باب الإحداد.
45

قال الشافعي في رواية أبي عبد الله:
ودلت السنة على أنها على غير الحوامل وأن الطلاق كالوفاة في الحوامل المعتدات سواء وأن أجلهن كلهن أن يضعن حملهن.
4645 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا أخبرنا العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد ربه بن سعيد بن قيس عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال:
سئل ابن عباس وأبو هريرة عن المتوفى عنها زوجها وهي حامل؟ فقال ابن عباس:
آخر الأجلين:
وقال أبو هريرة:
إذا ولدت فقد حلت.
فدخل أبو سلمة على أم سلمة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] فسألها عن ذلك فقالت:
ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بنصف شهر فخطبها رجلين أحدهما شاب والآخر كهل فحطت إلى الشاب فقال الكهل: لم تحلل وكان أهلها غيبا ورجا إذا جاء أهلها أن يؤثروه فجاءت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال: ((قد حللت فانكحي من شئت)).
4646 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن ابن عباس وأبا سلمة اختلفا في المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال فقال ابن عباس:
آخر الأجلين.
46

وقال أبو سلمة:
إذا نفست فقد حلت.
قال: فجاء أبو هريرة فقال أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة.
فبعثوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة يسألها عن ذلك فجاءهم فأخبرهم أنها قالت: ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال لها:
((قد حللت فانكحي [من شئت])).
أخرجه مسلم في الصحيح من أوجه عن يحيى بن سعيد.
4647 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فاستأذنته في أن تنكح فأذن لها.
رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن قزعة عن مالك.
4648 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه:
أن سبيعة بنت الحارث الأسلمية وضعت بعد وفاة زوجها بليال فمر بها أبو السنابل ابن بعكك فقال: تصنعت للأزواج إنها أربعة أشهر وعشرا. فذكرت سبيعة لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((كذب أبو السنابل - أوليس كما قال أبو السنابل - قد حللت فتزوجي)).
47

رواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبيد الله:
أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم يأمره أن يدخل على سبيعة فيسألها عن حديثها.
فذكره موصولا.
ومن ذلك الوجه أخرجاه في الصحيح.
4649 - أخبرناأبو زكريا وأبو بكر قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: أنه سئل عن المرأة يتوفى عنها زوجها وهي حامل؟
فقال ابن عمر: إذا وضعت حملها فقد حلت.
فأخبره رجل من الأنصار أن عمر بن الخطاب قال: لو ولدت وزوجها على السرير لم يدفن لحلت.
4650 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن علي قال:
الحامل المتوفى عنها تعتد بآخر الأجلين.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي وإنما رغب عنه بما مضى من سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] التي هي حجة على الخلق.
981 - [باب]
ما جاء في نفقة المتوفى عنها زوجها
4651 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه قال:
ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة حسبها الميراث.
48

قال أحمد:
ورويناه أيضا عن ابن عباس.
4652 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم والربيع بن سليمان قالا: قال الشافعي:
قال الله تبارك وتعالى:
* (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول) * الآية.
قال الشافعي:
فكان فرض الزوجة أن يوصي لها الزوج بمتاع / إلى الحول ولم أحفظ عن أحد خلافا أن المتاع النفقة والكسوة والسكنى إلى الحول وثبت لها السكنى فقال: * (غير إخراج) * ثم قال:
* (فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف) *.
فدل القرآن على أنهن إن خرجن فلا جناح على الأزواج لأنهن تركن ما فرض لهن.
ودل الكتاب إذ كان السكنى لها فرضا فتركت حقها فيه ولم يجعل الله على الزوج حرجا أن من ترك حقه غير ممنوع له لم يخرج من الحق عليه ثم حفظت عمن أرضى من أهل العلم أن نفقة المتوفى عنها وكسوتها حولا منسوخة بآية الميراث.
قال الله عز وجل:
* (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) * إلى قوله: * (ولهن الربع مما تركتم) * الآية.
4653 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن هشيم عن من سمع الحكم يحدث عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن علي قال:
49

الحامل المتوفى عنها لها النفقة من جميع المال.
4654 - وبإسناده قال قال الشافعي فيما بلغه عن هشيم عن ابن أبي ليلى عن الشعبي عن عبد الله: في الحامل المتوفى عنها لها النفقة من جميع المال.
قال الشافعي:
وليسوا يقولون بهذا.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي وعبد الله وفي كلا الإسنادين انقطاع.
قال الشافعي:
إذا مات الميت وجب الميراث لأهله.
982 - [باب]
مقام المطلقة في بيتها
4655 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
قال الله عز وجل في المطلقات:
* (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) *.
قال الشافعي:
فالفاحشة أن تبذو على أهل زوجها فيأتي من ذلك ما يخاف الشقاق بينها وبينهم فإذا فعلت حل لهم إخراجها وكان عليهم أن ينزلوها منزلا غيره.
4656 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس / أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن ابن عباس في قول الله عز وجل:
* (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) *
50

قال: إن تبذو على أهل زوجها فإذا بذت فقد حل إفراجها.
4657 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم أن عائشة كانت تقول:
اتق الله يا فاطمة فقد علمت في أي شيء كان ذلك.
4658 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا [قالا]: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعر فسخطته فقال:
والله ما لك علينا من شيء.
فجاءت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فذكرت ذلك له فقال:
((ليس لك عليه نفقه)).
وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال:
((تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى فتضعين ثيابك)).
4659 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا [الشافعي أخبرنا] مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم وسليمان بن يسار أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق ابنة عبد الرحمن بن الحكم البتة فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم فأرسلت عائشة إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فقالت: اتق الله يا مروان وأردد المرأة إلى بيتها.
51

فقال مروان في حديث سليمان:
أن عبد الرحمن غلبني.
وقال مروان في حديث القاسم:
أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس؟
فقالت عائشة:
لا عليك أن لا تذكر شأن فاطمة.
فقال: إن كان إنما بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر.
4660 - وبهذا الإسناذ أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال:
قدمت / المدينة فسألت عن أعلم أهلها فرفعت إلى سعيد بن المسيب فسألته عن المبتوتة؟
فقال: تعتد في بيت زوجها.
قلت: فأين حديث فاطمة بنت قيس؟
فقال: هاه ووصف أنه تغيظ وقال:
فتنت فاطمة الناس كانت للسانها ذرابة فاستطالت على أحمائها فأمرها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم.
4661 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع:
أن ابنة سعيد بن زيد كانت عند عبد الله - يعني ابن عمرو بن عثمان - فطلقها البتة فخرجت فأنكر ذلك عليها ابن عمر.
52

4662 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي قال:
فعائشة ومروان وابن المسيب يعرفون أن حديث فاطمة في أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم كما حدثت ويذهبون إلى أن ذلك إنما كان
للشر. ويزيد ابن المسيب تبيين استطالتها على أحمائها ويكره لها ابن المسيب وغيره أنها كتمت في حديثها السبب خوفا أن يسمع ذلك سامع غيري أن للمبتوتة أن تعتد حيث شاءت.
قال: وسنته [صلى الله عليه وسلم] في فاطمة تدل على أن ما تأول ابن عباس في قول:
* (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) *.
هو البذاء على أهل زوجها كما تأول إن شاء الله.
ولم يقل لها النبي [صلى الله عليه وسلم] اعتدي حيث شئت ولكنها حصنها حيث رضى إذ كان زوجها غائبا ولم يكن له وكيل يتحصنها.
4663 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود أخبرنا سليمان بن داود أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال:
لقد عابت ذلك عائشة أشد العيب - يعني حديث فاطمة بنت قيس - وقالت:
إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
أخرجه البخاري فقال: وقال ابن / أبي الزناد عن هشام فذكره.
قال أحمد:
قد يكون هذا ويكون ما روينا من بذائها على أهل زوجها وتلك واحد من هذين العذرين يجوز إخراجها وتحصنها في موضع آخر. والله أعلم.
53

983 - [باب]
سكنى المتوفى عنها زوجها
4664 - أخبرنا أبو زكريا وأبو بكر قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب:
أن الفريعة بنت مالك بن سنان أخبرتا أنها جاءت إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له [أبقوا] حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه قالت: فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
((نعم)).
فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له فقال:
((فكيف قلت)).
فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي فقال:
((امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)).
قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به.
4665 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا ابن عبد الحكم والربيع قالا:
قال الشافعي:
ولم أعلم مخالفا فيما وصفت من نسخ نفقة المتوفى عنها وكسوتها سنة وأقل من سنة ثم احتمل سكناها إذا كان مذكورا مع نفقتها بأنه يقع عليه اسم المتاع أن يكون
54

منسوخا في السنة وأقل منها كانت النفقة والكسوة منسوختين في السنة وأقل واحتملت أن تكون نسخت في السنة وأثبتت في عدة المتوفى عنها حتى تنقضي بأصل هذه الآية أو أن تكون داخلة في جملة المعتدات فإن الله تعالى أنزل في المطلقات:
* (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن).
فلما فرض في المعتدة من الطلاق والسكنى وكانت المعتدة المتوفى في معناها احتملت أن يجعل لها السكنى وإن لم يكن هكذا ففرض السكنى لها في السنة.
وقال في القول الثاني في كتاب العدد:
الاختيار لورثته أن يسكنوها وإن لم يفعلوا فقد ملكوا المال دونه.
وقول النبي [صلى الله عليه وسلم].
((امكثي في بيتك)).
يحتمل ما لم تخرجي منه إن كان لغيرك لأنها قد وصفت أن المنزل ليس لزوجها.
قال أحمد:
روينا عن عطاء عن ابن عباس أنه قال:
نسخت هذه الآية عدتها في أهله تعتد حيث شاءت وهو قول الله عز وجل:
([غير] إخراج).
قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها.
4666 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن محمد بن عبيد عن إسماعيل عن الشعبي: أن عليا كان يرحل المتوفى عنها لا ينتظر بها.
55

وفيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن فراس عن الشعبي قال:
نقل علي أم كلثوم بعد قتل عمر بسبع ليال.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي.
ورواه الثوري في الجامع وزاد فيه:
لأنها كانت في دار الإمارة.
وروي عن عائشة أنها كانت تخرج المرأة وهي في عدتها من وفاة زوجها وقبل الفتنة.
فلذلك أحجت بأختها حين قتل طلحة.
وروي عن عمر، وابن عمر ما دل على وجوب السكنى لها. والله أعلم:
4667 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال في المرأة البدوية يتوفى عنها زوجها: أنها تنتوي حيث ينتوي أهلها.
4668 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن هشام عن أبيه وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مثله أو مثل معناه لا يخالفه.
4669 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي / أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه سئل عن المرأة يطلقها زوجها في بيت يكرى على من الكراء؟
فقال سعيد: على زوجها.
قال: فإن لم يكن عند زوجها؟
قال: فعليها. قال: فإن لم يكن عندها؟
56

قال: فعلى الأمير.
أورده إلزاما لمالك في خلاف بعض التابعين ولم يتكلم عليه.
984 - [باب]
كيف السكنى
4670 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
وقد ذهب بعض من ينتسب إلى العلم في المطلقة أنها لا تخرج ليلا ولا نهارا بحال إلا من عذر ولو فعلت هذا كان أحب إلي وإنما منعنا من إيجاب هذا عليها مع احتمال الآية لما ذهبنا إليه أن عبد المجيد أخبرنا [قال] أخبرنا ابن جريج أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال:
طلقت خالتي فأرادت تجد نخلا لها فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((بلى فجدي نخلك فلعلك أن تصدقي أو تفعلي معروفا)).
4671 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا أحمد بن عبيد الله النرسي حدثنا حجاج بن محمد قال قال ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طلقت خالتي فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجل أن تخرج فأتت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا)).
4672 - وأخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا حجاج بن محمد فذكره.
57

رواه مسلم في الصحيح عن هارون بن عبد الله عن حجاج.
قال الشافعي:
نخل الأنصار قريب من منازلهم والجداد إنما يكون نهارا.
4673 = أنبأني أبو عبد الله عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد [عن] ابن جريج قال أخبرني إسماعيل بن كثير عن مجاهد قال:
استشهد رجال يوم أحد / فقام نساؤهم وكن متجاورات في دار فجئن النبي [صلى الله عليه وسلم] فقلن: يا رسول الله إنا نستوحش بالليل فنبيت عند إحدانا فإذا أصبحنا تبددنا إلى بيوتنا.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((تحدتكن عند إحداكن ما بدا لكن فإذا أردتن النوم فلتؤب كل امرأة منكن إلى بيتها)).
4674 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله أنه كان يقول:
لا يصلح للمرأة أن تبيت ليلة واحدة إذا كانت في عدة وفاة أو طلاق إلا في بيتها.
985 - [باب]
الإحداد
4675 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الريع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
58

حزم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة قال:
قالت زينب: دخلت على أم حبيبة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] حين توفي أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مسحت بعارضيها ثم قالت:
والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)).
وقالت زينب:
دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها عبد الله فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول على المنبر:
((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)).
قال زينب:
وسمعت أمي أم سلمة / تقول:
جاءت امرأة إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا)) مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: ((لا)) ثم قال: ((إنما هي أربعة أشهر وعشرا وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول)).
59

قال حميد: فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟
فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتي بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطي بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
قال الشافعي:
في روايتهم الحفش البيت الصغير الذليل من الشعر والبناء وغيره.
والقبض: أن تأخذ من الدابة موضعا بأطراف أصابعها.
والقبض: الأخذ بالكف كلها.
قال أحمد:
وفي رواية القعنبي عن مالك: تفتض.
قال القتيبي: هو من فضضت الشيء إذا كسرته أو فرقته ومنه قولهم:
فض خاتم الكتاب. وقوله:
* (لا نفضوا من حولك) *.
وأرادت أنها كانت تكون في عدة من زوجها فتكسر ما كانت منه وتخرج منه بالدابة.
60

وقال الأخفش: تفتض به مأخوذ منه الفضة أي فتطير به شبه ذلك بالفضة لصفائها.
4676 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن عائشة وحفصة أو عائشة وحفصة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)).
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث الليث وغيره عن نافع هكذا بالشك.
وأخرجه من حديث / يحيى بن سعيد عن نافع عن صفية عن حفصة بلا شك.
وأما حديث عبد الله بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عميس قالت:
لما أصيب جعفر أمرني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال: ((لا تسلني ثلاثا ثم اصنعي ما شئت)).
فلم يثبت سماع عبد الله من أسماء.
وقد قيل عنه: أن أسماء قالت. فهو مرسل.
والحديث في إحدادها ثابت فالمصير إليه أولى وبالله التوفيق.
4677 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان حدثنا إبراهيم بن الحارث حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان حدثنا هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية الأنصارية قالت قال لي رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تختضب ولا تمس طيبا إلى أدنى طهر بها إذا تطهرت من حيضتها نبذة من قسط أو أظفار)).
61

أخرجاه في الصحيح من حديث هشام بن حسان.
وقال بعضهم في هذا الحديث: ولا ثوب عصب.
وليس ذلك بمحفوظ.
وقد قال الشافعي في القديم فيما لا تلبسه:
والعصب من الثياب إلا عصبا غليظا.
وهذا القول أقرب من الحديث.
وروينا عن أم سلمة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل)).
4678 - حدثناه أبو محمد بن يوسف أخبرنا أبو بكر القطان حدثنا إبراهيم بن الحارث حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان قال حدثني بديل بن ميسرة عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] عن النبي [صلى الله عليه وسلم] فذكره.
أخرجه أبو داود في كتاب السنن عن زهير بن حرب عن محمد بن أبي بكير.
وروى موقوفا على أم سلمة.
4679 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك:
أنه بلغه أن النبي / [صلى الله عليه وسلم] دخل على أم سلمة وهي حاد على أبي سلمة فقال: ((ما هذا يا أم سلمة))؟
62

فقالت: يا رسول الله إنما هو صبر.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((أجعليه بالليل وامسحيه بالنهار)).
قال الشافعي:
الصبر: يصفر فيكون زينة وليس بطيب وأذن لها أن تجعله بالليل حيث لا يرى وتمسحه بالنهار.
قال أحمد:
هذا منقطع وقد روي موصولا عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها:
أنها أرسلت مولاة لها إلى أم سلمة فذكرت أم سلمة ذلك عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
986 - [باب]
اجتماع العدتين
4680 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب وسليمان بن يسار أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها البتة فنكحت في عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما ثم قال عمر بن الخطاب:
أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول وكان خاطبا من الخطاب وإن كان
63

دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لم ينكحها أبدا.
قال سعيد:
ولها مهرها بما استحل منها.
قال أحمد:
كان الشافعي في القديم يقول بقضاء عمر بن الخطاب فيهما ويقول:
لا يجتمعان أبدا إذا دخل بها ثم رجع عنه في الجديد فقال:
وبقول علي نقول أنه يكون خاطبا من الخطاب.
قال أحمد:
وقد روينا عن عمر أنه رجع عن ذلك أيضا وهو في الجامع عن الثوري عن أشعث عن الشعبي عن مسروق:
أن عمر رجع عن ذلك وجعل لها مهرها وجعلهما يجتمعان.
4681 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: / حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن عطاء بن السائب عن زاذان أبي عمر عن علي: أنه قضى في التي تتزوج في عدتها أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما أفسدت من عدة الأول وتعتد من الآخر.
4682 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج أخبرنا عطاء:
أن رجلا طلق امرأته فاعتدت منه حتى إذا بقي شيء من عدتها نكحها رجل في آخر عدتها جاهلا ذلك وبنى بها فأتى علي بن أبي طالب في ذلك ففرق بينهما وأمرها أن تعتد ما بقي من عدتها الأولى ثم تعتد من هذا عدة مستقبلة فإذا انقضت عدتها فهي
64

بالخيار إن شاءت نكحت وإن شاءت فلا.
4683 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن صالح بن مسلم عن الشعبي أن عليا قال في التي تتزوج في عدتها:
تتم ما بقي من عدتها من الأول وتستأنف من الآخر عدة جديدة.
قال الشافعي:
وكذلك نقول وهو موافق لما روينا عن عمر.
وهم يقولون عليها عدة واحدة ويخالفون ما روي عن علي.
قال الشافعي في القديم:
فقيل هذا قضاء عمر، وعلي، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم كما قلنا.
عمن أخذت قولك؟
قال: عن إبراهيم.
قلنا: أو ما زعمت أن إبراهيم وحده لا يكون حجة؟ فكيف يكون حجة على من زعمت أن ليس لأحد من الأمة خلافة؟ لأن ذلك قولك وقولنا في الواحد من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
987 - [باب]
أقل الحمل
4684 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عطان حدثنا محمد بن بشر حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن داود بن أبي القصاف عن أبي حرب عن أبي الأسود الديلي:
أن عمر رفعت إليه امرأة ولدت لستة أشهر فأمر برجمها فأتى علي في ذلك فقال:
لا رجم عليها فبلغ ذلك / عمر فأرسل إلي علي فسأله عن ذلك فقال:
65

لا رحم عليها لأن الله تعالى يقول:
* (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين) *
وقال الله: * (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) *.
ستة أشهر وحولين كاملين تمام لا رجم عليها فخلى عنها عمر.
وروينا عن ابن عباس ما دل على أن أقل الحمل ستة أشهر وبه قال الشافعي وغيره من الفقهاء.
وروينا عن الوليد بن مسلم أنه قال:
قلت لمالك بن أنس: أي حديث عن عائشة أنها قالت: لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل؟
فقال: سبحان الله من يقول هذا؟!
هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثني عشرة سنة تحمل كل بطن أربع سنين.
4685 - أخبرنيه أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا محمد بن مخلد حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر بن خالد حدثنا داود بن رشيد قال سمعت الوليد بن مسلم يقول فذكره.
قال أحمد:
وقول عمر في امرأة المفقود: تربص أربع سنين.
يشبه أن يكون إنما قاله لبقاء الحمل أربع سنين.
وإليه في أكثر الحمل ذهب الشافعي رحمه الله.
66

988 - [باب]
عدة المطلقة يملك زوجها رجعتها ثم يموت أو يطلق
قال الشافعي في الموت اعتدت عدة الوفاة:
وقال فيه إذا طلقها قبل أن يمسها قولان أحدهما: أنها تعتد من الطلاق الآخر عدة مستقبلة. والثاني: أن العدة من الطلاق الأول ما لم يدخل بها.
4686 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه سمع أبا الشعثاء يقول:
تعتد من يوم طلقها.
قال ابن جريج وعبد الكريم وطاوس وحسن بن مسلم يقولون: تعتد من يوم طلقها وإن لم يكن مسها.
قال سعيد:
يقولون طلاقه الآخر.
قال سعيد: وكان ذلك رأي ابن جريج.
وعن سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال: أرى أن تعتد / من يوم طلقها.
قال أحمد:
ورويناه من حديث عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي الشعثاء.
وذكر [عن] عبد الكريم وحسن بن مسلم وطاوسا.
قال الشافعي:
67

وقد قال هذا بعض المشرقيين.
وقد قال بعض أهل العلم بالتفسير أن قول الله عز وجل.
* (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف) *
إنما أنزلت في ذلك: كان الرجل يطلق امرأته ما شاء بلا وقت فيمهل المرأة حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها فإذا شارفت انقضاء عدتها راجعها فنزل:
* (الطلاق مرتان) *
قال الشافعي:
أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان له ذلك وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها ثم قال:
والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا فأنزل الله عز وجل:
* (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) *
فاستقبل الناس الطلاق جديدا من كان منهم طلق ومن لم يطلق.
ثم ذكر الشافعي توجيه القولين.
وروينا عن عطاء أنه قال: تعتد باقي عدتها وتلا:
68

* (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) *.
989 - [باب]
امرأة المفقود
4687 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن أبي عوانة عن منصور بن المعتمر عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي أنه قال في امرأة المفقود: إنها لا تتزوج.
4688 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن هشيم بن بشير عن سيار أبي الحكم عن علي في امرأة المفقود إذا قدم وقد تزوجت امرأته: هي امرأته إن شاء طلق وإن شاء أمسك ولا تخير.
قال أحمد:
ورواه أبو عبيد عن هشيم عن سيار عن الشعبي عن علي.
ورواه أيضا سماك بن حرب عن حنش / عن علي.
وروي عن سعيد بن جبير عن علي.
4689 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن منصور عن الحكم أنه قال:
إذا فقدت المرأة زوجها لم تتزوج حتى تعلم أمره.
69

توجد صفحة فارغة
70

الجزء الحادي والثلاثون
4690 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال:
أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثم تنظر أربعة أشهر وعشرا.
قال الشافعي:
الحديث الثابت عن عمر وعثمان في امرأة المفقود: فمثل ما روى مالك وزيادة: فإذا تزوجت فقدم زوجها المفقود قبل أن يدخل بها زوجها الآخر كان أحق بها وإن دخل بها زوجها الآخر فالأول المفقود بالخيار بين امرأته والمهر.
قال أحمد:
رواه يونس بن يزيد عن الزهري عن ابن المسيب عن عمر كما قال الشافعي بزيادته.
قال ابن شهاب: وقضى بذلك عثمان بعد عمر.
4691 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا
71

الثقفي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال:
لولا أن عمر خير المفقود بين امرأته أو الصداق لرأيت أنه أحق بها إذا جاء.
قال الشافعي:
ومن قال بقول عمر في المفقود قال بهذا كله اتباعا لقول عمر، وعثمان.
قال الربيع: فقلت للشافعي: فإن صاحبنا - يريد مالكا - قال: أدركت من ينكر ما قال بعض الناس عن عمر يعني في التخيير.
قال الشافعي:
فقد رأينا من ينكر قصة عمر كلها في المفقود فهل كانت الحجة عليه؟! إلا أن الثقات إذا حملوا ذلك عن عمر لم يتهموا فكذلك الحجة عليك.
وكيف جاز أن يروي الثقات عن عمر حديثا واحدا فيأخذ بعضه ويدع بعضا.
قال الشافعي:
وقال علي بن أبي طالب في امرأة المفقود:
امرأة ابتليت فلتبصر لا تنكح حتى يأتيها يقين موته.
قال الشافعي:
وبهذا نقول لا تنكح امرأة المفقود [حتى يأتيها] يقين موته / وذكر أنه للعدة والميراث ثم قال:
وإنما جعل لها العدة في يقين الموت كما جعل لها الميراث في نفسه ولا يكون أن تعتد ولا ترث.
قال: وحديث النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((إن الشيطان ينقر عند عجز أحدكم حتى يخيل إليه أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)).
72

فأخبر أنه إذا كان على اليقين من الطهارة فلا يزيل يقين الطهارة إلا بيقين الحدث فكذلك هذه المرأة لها زوج بيقين فلا تزيل نكاحها بالشك ولا تزيله إلا بيقين موت أو طلاق.
قال أحمد:
وهذا الحديث فيما:
4692 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((إن الشيطان ينقر عند عجز أحدكم حتى يخيل إليه أنه قد أحدث فلا يتوضأ حتى يجد ريحا يعرفه أو صوتا يسمعه)).
وقد مضى معنى هذا في الحديث الثابت عن الزهري عن ابن المسيب وعباد عن عبد الله بن زيد دون ذكر الشيطان فيه.
قال أحمد:
وروي عن قتادة عن خلاس بن عمرو، وعن أبي المليح عن علي:
إذا جاء الأول خير بين الصداق الأخير وبين امرأته.
وروايات خلاس عن علي ضعيفة.
وأبا المليح لم يسمعه من علي. إنما رواه عن امرأة مجهولة غير معروفة بما يثبت به حديثها.
وفي حديثها أن ذلك كان في امرأة نعي إليها زوجها.
والمشهور عن علي ما قدمنا ذكره.
وروي عن عمر في قضيته: أن ولي زوجها يطلقها بعد أربع سنين ثم تعتد.
وروي عن ابن عباس وابن عمر نحو رواية مالك عن عمر.
73

قال ابن المنذر:
روينا عن ابن عمر أنه قال:
ينفق عليها الأربع السنين من مال المفقود لأنها حبست نفسها عليه.
وقال ابن عباس:
لسنتين فإن جاء زوجها قضت من ماله فإن مات قضت من نصيبها من الميراث.
وقالا جميعا:
لا تنفق عليها من مال زوجها / في العدة بعد الأربع سنين أربعة أشهر وعشرا.
وذكر الشافعي في القديم بعض الآثار التي رويت في منع الضرر ثم قال:
وأحسب قضاء عمر في امرأة المفقود من بعض هذه الوجوه التي منع فيها الضرر بالمرأة إذا كان الضرر عليها أبين ثم قال:
إذا جاءت الضرورات فحكمها مخالف حكم غير الضرورات.
لم أجد له في القديم في هذا أكثر من هذا. والله أعلم.
990 - [باب]
استبراء أم الولد
4693 - أخبرنا أبو بكر بن الحسن وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا: حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها:
تعتد بحيضة.
قال أحمد:
وروينا عن القاسم بن محمد وغيره من فقهاء التابعين من أهل المدينة مثل ذلك.
74

وأما حديث قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال: لا تلبسوا علينا سنة نبينا محمد [صلى الله عليه وسلم] في أم الولد إذا توفي عنها سيدها عدتها أربعة أشهر وعشرا.
4694 - فقد أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا علي بن عيسى بن إبراهيم الحيري حدثنا محمد بن عمرو بن النضر الحرشي حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثني عبد الأعلى بن عبد الأعلى حدثنا سعيد عن مطر عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب فذكره.
ورواه غيره عن سعيد عن قتادة ومطر.
ورواه غندر عن سعيد عن مطر ولم يقل: نبينا.
قال أبو الحسن الدارقطني فيما أخبرني أبو عبد الرحمن عنه: قبيصة لم يسمع من عمرو. والصواب:
لا تلبسوا علينا موقوف.
قال أحمد:
ورواه سليمان بن موسى عن رجاء بن حيوة عن قبيصة عن عمرو أنه قال:
عدة أم الولد عدة الحرة.
قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر.
وقيل عن الزهري عن قبيصة عن عمرو مثل ذلك.
وقيل غير ذلك.
والله أعلم.
991 - [باب]
استبراء من ملك أمة
/ قال الشافعي رحمه الله:
75

أصل الاستبراء أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عام سبي أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع أو توطأ حتى تحيض.
4695 - أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى أخبرنا أحمد بن سلمان الفقيه حدثنا محمد بن الهيثم حدثنا محمد بن سعيد حدثنا شريك بن قيس - يعني ابن وهب عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري قال أصبنا سبايا يوم أوطاس فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا توطأ حامل حتى تضع حملها ولا غير حامل حتى تحيض حيضة)).
أخرجه أبو داود في كتاب السنن.
4696 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
اختلفت الناس في استبراء الأمة لا تحيض من صغر أو كبر فقال بعضهم:
شهر قياسا على الحيضة.
وقال بعضهم.
شهر ونصف.
وليس لهذا وجه هو إما أن يكون شهرا.
وإما ما ذهب إليه بعض أصحابنا من ثلاثة أشهر.
قال الشافعي:
استبراء الأمة شهر إذا كانت ممن لا تحيض قياسا على الحيضة إلا أن يمضي أثر بخلافه يثبت مثله فالأثر أولى أن يتبع.
قال أحمد:
لا أعلم في هذا أثر عن من يلزم قوله.
76

وروينا عن أبي قلابة وابن سيرين أنهما كانا لا يريان أن ذلك يتبين إلا بثلاثة أشهر.
وبه قال طاوس وعطاء ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم النخعي.
قال أحمد:
وروينا عن نافع عن ابن عمر أنه قال:
عدة المختلعة عدة المطلقة.
وبه قال ابن المسيب وسليمان بن يسار والشعبي والزهري وجماعة.
والذي روي عن عكرمة أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي [صلى الله عليه وسلم] عدتها حيضة. حديث مرسل.
وروي موصولا بذكر أبن عباس فيه وليس بمحفوظ والله أعلم.
وروينا في كتاب السنن عن عكرمة عن ابن عباس في قصة بريرة حين اختارت نفسها:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] جعل عليها عدة الحرة.
4697 - وأخبرنا أبو بكر بن / الحارث أخبرنا أبو محمد بن حيان أخبرنا أبو يعلي حدثنا محمد بن بكار حدثنا أبو معشر قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] جعل عدة بريرة حين فارقها زوجها عدة المطلقة.
77

بسم الله الرحمن الرحيم
31 - كتاب الرضاع
4698 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي - رحمه الله - قال: قال الله تبارك وتعالى:
* (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * إلى قوله:
* (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) *
فاحتمل إذ ذكر الله تحريم الأم والأخت من الرضاعة فأقامهما مقام الأم والأخت من النسب أن تكون [الرضاعة] كلها تقوم مقام النسب فما حرم بالنسب حرم بالرضاع مثله.
وبهذا نقول بدلالة سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] والقياس على القرآن.
4699 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر القاضي وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] أخبرتها: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة فقالت عائشة: فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
78

((أراه فلانا)).
لعم حفصة من الرضاعة.
فقلت: يا رسول الله لو كان فلانا حيا لعمها من الرضاعة أيدخل علي؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((نعم إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة)) رواه البخاري عن أبي أويس.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك.
4700 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا / الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة)).
4701 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وزكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: جاء عمي - أظنه قال من الرضاعة - ابن أبي القعيس يستأذن علي بعد ما ضرب الحجاب فلم آذن له فلما جاء النبي [صلى الله عليه وسلم] أخبرته فقال:
((إنه عمك [فليلج] عليك)).
79

رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان.
وأخرجاه من حديث مالك وغيره عن ابن شهاب وقالوا: أفلح أخو أبي قعيس. وفي رواية بعضهم:
فقلت: يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته؟!
فقال:
((إئذني له فإنه عمك تربت يمينك)).
قال عروة فبذلك كانت عائشة تقول:
حرموا من الرضاعة ما تحرمون من النسب.
وفي رواية معمر عن الزهري قال:
وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة فأفلح أخو أبي القعيس يكون عمها من الرضاعة.
وفي رواية عراك بن مالك عن عروة فقال لها:
((لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)).
وقد ذكرنا هذه الروايات في كتاب السنن.
4702 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة قال سمعت ابن جدعان قال سمعت ابن المسيب يحدث عن علي بن أبي طالب أنه قال: يا رسول الله هل لك في ابنة عمك ابنة حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال:
((أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب)).
80

4703 - قال: وأخبرنا الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في / بنت حمزة مثل حديث سفيان.
قال أحمد:
الحديث في ابنة حمزة رواه أبو عبد الرحمن السلمي عن علي.
ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح.
ورواه جابر بن زيد عن ابن عباس.
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح.
ورواه أحمد بن عبد الرحمن عن أم سلمة.
وأخرجه مسلم في الصحيح.
وقوله: ((وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب في حديث ابن عباس.
وقد أخرجاه في الصحيح في قصة ابنة حمزة.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد.
وفي نفس السنة أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة وأن لبن الفحل يحرم كما تحرم ولادة الأب يحرم لبن الأب لا اختلاف في ذلك.
4704 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عمرو بن الشريد:
أن ابن عباس سئل عن رجل كانت له امرأتان فأرضعت إحداهما غلاما وأرضعت الأخرى جارية.
فقيل له: هل يتزوج الغلام الجارية؟
فقال: لا اللقاح واحد.
81

وهذا الحديث يعد في أفراد مالك بن أنس.
وقد رواه عبد الله بن إدريس عن ابن جريج ومالك عن الزهري.
4705 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا سعيد بن محمد بن أحمد الحناط حدثنا عبد الرحمن بن يونس السراج حدثنا عبد الله بن إدريس فذكر معناه غير أنه قال:
فولدت إحداهما غلاما وأرضعت الأخرى جارية.
4706 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم أخبرنا ابن جريج أنه سأل عطاء عن لبن الفحل يحرم؟
قال: نعم.
فقلت له: أبلغك من ثبت؟ قال: نعم. قال ابن جريح قال عطاء:
* (وأخواتكم من الرضاعة) *
فهي أختك من أبيك.
4707 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عمرو بن دينار أخبره أنه سمع أبا الشعثاء يرى لبن الفحل يحرم.
وقال ابن جريج عن ابن طاوس / عن أبيه أنه قال:
لبن الفحل يحرم.
قال ابن المنذر:
وروي معنى ذلك عن علي وبه قال ابن عباس.
992 - [باب]
من قال لبن الفحل لا يحرم
4708 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
82

عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي عن محمد بن عمرو - وهو ابن علقمة بن وقاص - عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول:
كان يدخل على عائشة من أرضعه بنات أبي بكر ولا يدخل عليها من أرضعه نساء بني أبي بكر.
4709 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز عن محمد بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة أن أمة زينب بنت أبي سلمة أرضعتها أسماء بنت أبي بكر امرأة الزبير بن العوام فقالت زينب بنت أبي سلمة: وكان الزبير يدخل علي وأنا أمتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول أقبلي علي فحدثيني أريد أبي وما ولد فهم إخوتي ثم أن عبد الله بن الزبير قبل الحرة أرسل إلي فخطب إلى أم كلثوم ابنتي على حمزة بن الزبير وكان حمزة للكلبية.
فقلت لرسوله: وهل تحل له إنما هي ابنة أخيه؟
فأرسل إلي عبد الله إنما أردت بها المنع لما قبلك ليس لك بأخ أبا وما ولدت أسماء فهم إخوتك وما كان من ولد الزبير من غير الزبير فليسوا لك بإخوة فأرسلي فسلي عن هذا.
فأرسلت فسألت وأصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا لها:
إن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا فأنكحتها إياه فلم تزل عنده حتى إذا هلك.
4710 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن بعض آل رافع أن رافع بن خديج كان يقول:
الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا.
4711 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا / وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن
83

يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن سليمان بن يسار وعطاء بن يسار:
إن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئا.
4712 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد قال أخبرني مروان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري:
أن رجلا أرضعته أم ولد رجل من مزينة وللمزني امرأة أخرى سوى المرأة التي أرضعت الرجل وأنه ولدت من المزني جارية فلما بلغ ابن الرجل وبلغت الجارية خطبها فقال له الناس:
ويلك إنها أختك.
قال مروان: إن ذلك رفع إلى هشام بن إسماعيل فكتب فيه إلى عبد الملك بن مروان.
فكتب عبد الملك أن ليس ذلك برضاع.
4713 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عثمان بن مروان بن أبي المعلى:
أن عبد الملك كان لا يرى الرضاعة من قبل الرجال تحرم شيئا.
4714 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن ابن عباس كان لا يرى الرضاعة من قبل الرجال تحرم شيئا.
قال عبد العزيز: وذلك كان رأي ربيعة ورأي فقهائنا.
وأنكر حديث عمرو بن الشريد عن ابن عباس في: اللقاح واحد.
قال حديث رجل من أهل الطائف وما رأيت من فقهاء أهل المدينة أحدا يشك في هذا. إلا أنه روي عن الزهري خلافهم فما التفتوا إليه.
وهؤلاء أكثر وأعلم.
قال الشافعي:
84

فقلت له - يعني لبعض أصحاب مالك - أتجد بالمدينة من علم الخاصة شيئا أولى أن يكون عاما ظاهرا عند أكثرهم من ترك تحريم لبن الفحل.
فقد تركناه وتركته ومن يحتج لقوله إذ كنا نجد في الخبر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] / كالدلالة على ما نقول.
وهذا إنما أورده على طريق الإلزام في تركهم في بعض المواضع الخبر الواحد بقول بعض أهل المدينة وتركهم ما قال الأكثر من المدنيين.
أن لبن الفحل لا يحرم بما ثبت عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة.
قال الشافعي:
وأنا لم نختلف بنعمة الله قولي أنه لا نذهب إذا ثبت عن النبي [صلى الله عليه وسلم] شيء إلى أن أدعه لا أكثر ولا أقل.
993 - [باب]
ما يحرم من الرضاع
4715 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت:
كان فيما أنزل الله عز وجل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن.
ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي النبي [صلى الله عليه وسلم] وهن مما يقرأ في القرآن.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
4716 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها
85

كانت تقول: نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم صيرن إلى خمس يحرمن.
فكان لا يدخل [على] عائشة إلا من استكمل خمس رضعات.
أخرجه مسلم من حديث الثقفي وغيره عن يحيى بن سعيد دون فعل عائشة.
4717 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان)).
4718 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا تحرم المصة ولا المصتان)).
زاد أبو سعيد في روايته عن أبي العباس عن الربيع / قال: قلت للشافعي أسمع ابن الزبير من النبي [صلى الله عليه وسلم]؟ فقال: نعم وحفظ عنه وكان يوم توفي النبي [صلى الله عليه وسلم] ابن تسع سنين.
قال أحمد:
سماع عبد الله بن الزبير من النبي [صلى الله عليه وسلم] صحيح كما قال الشافعي رحمه الله إلا أنه إنما روي هذا الحديث عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
4719 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا
86

محمد بن إسحاق حدثنا أبو عبيد حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي الزبير عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]. مثله.
4720 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن بالويه حدثنا محمد بن نصر الصائغ حدثنا شريح بن يونس حدثنا معتمر بن سليمان قال سمعت أيوب يحدث عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا تحرم المصة من الرضاعة ولا المصتان)).
رواه مسلم في الصحيح عن سويد عن معتمر.
4721 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المعتمر قال سمعت أيوب عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل أن رجلا جاء إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
إني تزوجت امرأة ولي امرأة أخرى فزعمت امرأتي الحدثى أنها أرضعت امرأتي الأولى.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا [تحرم] الإملاجة والإملاجتان)).
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه من حديث قتادة عن أبي الخليل بإسناده.
أن رجلا من بني عامر بن صعصعة قال: يا نبي الله هل تحرم الرضعة الواحدة؟
قال: ((لا)).
87

4722 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمر امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالم خمس رضعات / يحرم بلبنها ففعلت فكانت تراه إبنا.
4723 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج - أظنه عن أبي هريرة - قال:
لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء.
قال أحمد:
وكذلك رواه الزهري عن الحجاج الأسلمي عن أبي هريرة موقوفا.
ورواه محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن عقبة قال: كان عروة بن الزبير يحدث عن الحجاج بن الحجاج عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا تحرم من الرضاعة المصة ولا المصتان ويحرم إلا ما فتق الأمعاء من اللبن)).
4724 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن محمد بن إسحاق فذكره.
4725 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تكمل لي عشر رضعات.
88

زاد أبو سعيد في روايته:
قال الشافعي: أمرت به عائشة يرضع عشرا لأنها أكبر الرضاع ولم يتم له خمس فلم يدخل عليها.
ولعل سالما أن يكون ذهب عليه قول عائشة في العشر رضعات فنسخن بخمس معلومات فحدث عنها بما علم من أنه أرضع ثلاثا فلم يكن يدخل عليها.
وإنما أخذنا خمس رضعات عن النبي [صلى الله عليه وسلم] بحكاية عائشة أنهن يحرمن وأنهن من القرآن.
قال أحمد:
وروينا عن سالم بن عبد الله عن زيد بن ثابت:
أن الرضعة والرضعتين والثلاث لا تحرم.
4726 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته أن حفصة أم المؤمنينأرسلت لعاصم بن عبد الله / بن سعد إلى أختها فاطمة بنت عمر ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها وهو صغير يرضع ففعلت فكان يدخل عليها.
قال أحمد:
والقول في هذا ما قال الشافعي في حديث سالم.
قال الشافعي في القديم:
وقال بعض الناس ما كان في الحولين وإن كانت مصة تحرم واحتج بحديث:
أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلي عن ابن عباس شبيها بهذا المعنى.
4727 - أخبرناه أبو أحمد المهرجاني أخبرنا أبو بكر بن جعفر المزكي حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا ابن بكير حدثنا مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول:
89

ما كان في الحولين وإن كانت مصة واحدة فإنها تحرم.
قال الشافعي:
وأراه من حديث عكرمة - يريد أن ثورا إنما أخذه عن عكرمة عن ابن عباس - وهو كما قال.
فكذلك رواه الدراوردي عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس وزاد:
وإن كان بعد الحولين فليس بشيء.
قال أحمد:
وروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس: أن قليل الرضاعة وكثيرها يحرم في المهد.
وروي عن ابن عباس بخلاف ذلك في القليل.
والأول أصح.
وروي عن ابن عمر في الرضعة الواحدة أنها تحرم.
وروي عن علي وعبد الله إلا أن الرواية عنهما مرسلة.
والله أعلم.
4728 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي: فدل ما حكت عائشة في الكتاب وما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
((لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان)).
على أن الرضاع لا يحرم به على أقل اسم الرضاع ولم يكن لأحد مع النبي [صلى الله عليه وسلم] حجة وقد قال بعض من مضى بما حكت عائشة في الكتاب ثم في السنة والكفاية فيما حكت في الكتاب ثم في السنة.
90

4729 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا أبو حامد محمد بن هارون حدثتا يحيى بن يحيى القطعي حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى حدثنا يحيى بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن / عمرة عن عائشة - وعبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت:
لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا فلقد كانت في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله [صلى الله عليه وسلم] اشتغلنا فدخل الداجن فأكلها.
قال أحمد:
هكذا بلغنا هذا الحديث.
وهذا أمر وقع فأخبرت عن الواقعة دون تعليق حكم بها وقد كانت آية الرجم معلومة عن الصحابة وعلموا نسخ تلاوتها وإثباتها في المصحف دون حكمها وذلك حين راجع النبي [صلى الله عليه وسلم] عمر في كتبها فلم يأذن له فيها. وأما رضاعة الكبير فهي عند غير عائشة منسوخة أو كانت رخصة لسالم وحده فلذلك لم يثبتوها.
وأما رضاعته عشرا فقد أخبرت في رواية عمرة عن عائشة أنها صارت منسوخة بخمس يحرمن فكان نسخ حكمها وتلاوتها معلوما عند الصحابة فلأجل ذلك لم يثبتوها لا لأجل أكل الداجن صحيفتها.
وهذا واضح بين بحمد الله ونعمته.
944 - [باب]
رضاع الكبير
4730 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن رضاعة الكبير فقال: أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قد كان شهد بدرا وكان قد تبنى سالما الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة كما تبنى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] زيد بن حارثة وأنكح أبو حذيفة سالما وهو يرى أنه ابنه فأنكحه بنت أخته فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهي يومئذ من المهاجرات الأول وهي
91

يومئذ من أفضل أيامى قريش فلما أنزل الله في زيد بن حارثة ما أنزل فقال:
* (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين) *.
رد كل واحد من أولئك [من] تبنى / إلى أبيه فإن لم يعلم أباه رده إلى الموالي فجاءت سهيلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة وهي من بني عامر بن لؤي إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقالت:
يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا وكان يدخل علي وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه؟ فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها)).
ففعلت وكانت تراه ابنا من الرضاعة.
فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت [تأمر] أختها أم كلثوم وبنات أختها يرضعن [لها] من أحبت أن يدخل عليها من الرجال والنساء وأبي سائر أزواج النبي [صلى الله عليه وسلم] أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن ما نرى الذي أمر به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سهلة بنت سهيل إلا رخصة في سالم وحده من رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد.
فعلى هذا من الخبر كان أزواج النبي [صلى الله عليه وسلم] في رضاعة الكبير.
4731 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وهذا - والله أعلم - في سالم مولى أبي حذيفة خاصة فإن قال قائل: ما دل على
92

ما وصفت؟ فذكرت حديث سالم الذي يقال له مولى أبي حذيفة عن أم سلمة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
أنه [أمر] امرأة أبي حذيفة أن ترضعه خمسة رضعات يحرم بهن.
وقالت أم سلمة في الحديث وكان ذلك في سالم خاصة.
قال أحمد:
لم أجد حديث أم سلمة في رواية الربيع.
وذكر المزني في المختصر الكبير أن الشافعي حين عورض بهذا قال: ما جعلناه خاصا بهذا الحديث ولكن أخبرني الثقة عن معمر عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله - يعني بن زمعة - عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة أنها ذكرت حديث سالم عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وقالت في الحديث:
كانت رخصة لسالم / خاصة.
قال الشافعي:
فأخذنا به يقينا لا ظنا.
قال أحمد:
وإنما قال هذا لأن حديث مالك مرسل وقد وصله عقيل بن خالد وشعيب بن أبي حمزة ويونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة.
وفيه حكاية عروة عن أم سلمة وسائر أزواج النبي [صلى الله عليه وسلم] إلا أنه لم يقطع بالرخصة أنها لسالم خاصة في الحكاية عنهن وإنما قال:
وقلن لعائشة: والله ما نرى لعلها رخصة لسالم من رسول الله [صلى الله عليه وسلم] دون الناس.
وهو في الرواية التي رواها عن أم سلمة مقطوع بأنها له خاصة.
93

وقد أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح من حديث الليث عن عقيل عن الزهري كما:
4732 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا عبيد بن شريك حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة أن أمة زينب بنت أبي سلمة قالت: سمعت أم سلمة زوج الني [صلى الله عليه وسلم] تقول:
أبى سائر أزواج النبي [صلى الله عليه وسلم] أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة.
زاد مسلم في روايته: ولا رائينا.
قال الشافعي:
وإذا كان هذا لسالم خاصة فالخاص لا يكون إلا مخرجا من حكم العام ولا يجوز إلا أن يكون رضاع الكبير لا يحرم.
واحتج أيضا بقول الله عز وجل:
* (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) *
وما جعل الله له غاية فالحكم بعد مضى الغاية فيه غيره قبل مضيها.
وبسط الكلام فيه.
4733 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار قال جاء رجل إلى ابن عمر وأنا معه عند دار القضاء فسأله عن رضاعة الكبير فقال ابن عمر:
جاء رجل إلى عمر بن الخطاب / فقال: كانت لي وليدة فكنت أطؤها
94

فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت: دونك فقد والله أرضعتها.
فقال عمر: أوجعها وائت جاريتك فإنما الرضاع رضاعة الصغير.
4734 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول:
لا رضاع إلا لمن أرضع في الصغر.
4735 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا موسى قال في رضاعة الكبير: ما أراها إلا تحرم.
فقال ابن مسعود: أبصر ما تفتى به الرجل.
فقال أبو موسى:
فما تقول أنت؟.
فقال ابن مسعود: لا رضاعة إلا ما كان في الحولين.
فقال أبو موسى:
لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم.
قال أحمد:
ورواه أيضا إبراهيم النخعي في الحولين عن ابن مسعود.
وروي عنه من أوجه أخر موصولا ومقطوعا غير محدود بالحولين.
وروي عنه موقوفا ومرفوعا.
95

((لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم)).
وروينا في الحديث الثابت عن مسروق عن عائشة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((يا عائشة أنظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة)).
وروينا عن ابن عباس أنه قال:
لا رضاع إلا ما كان في الحولين.
وروي ذلك مرفوعا والصحيح موقوف.
995 - [باب]
المرضع ترضع بلبن امرأة حملت من زنا
4736 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
فإن ولدت امرأة حملت من زنا فأرضعت مولودا فهو ابنها ولا يكون ابن الذي زنى بها.
وأكره له في الورع أن ينكح بنات الذي ولد له من زنا كما أكرهه للمولود من زنا ولو نكح من بناته أحدا لم أفسخه لأنه ليس بابنه في حكم رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بأن أمه زمعة لزمعة وأمر سودة أن تحتجب منه / لما رأى من شبهه بعتبة فلم يرها.
وقد قضى أنه أخوها حتى لقيت الله لأن ترك رؤيتها مباح وإن كان أخاها فكذلك ترك رؤية المولود من نكاح أخته مباح.
وإنما منعني من فسخه أنه ليس بابنه إذا كان من زنا.
96

996 - [باب]
الشهادة في الرضاع
4737 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
لم أعلم أحدا ممن ينسبه العامة إلى العلم مخالفا في أن شهادة النساء تجوز فيما لا يحل للرجال غير ذوي المحارم أن يتعمدوا أن يروه لغير شهادة.
وقالوا ذلك في ولادة المرأة وعيبها الذي تحت ثيابها والرضاعة عندي مثله.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ولا تجوز إلا بأن يكن حرائر عدولا بوالغ وليكن أربعا لأن الله إذ أجاز شهادتهن في الدين جعل امرأتين تقومان مقام رجل بعينه.
قال الشافعي:
أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال:
لا يجوز من النساء أقل من أربع.
4738 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكه أن عقبة بن الحارث أخبره أنه نكح أم يحيى بنت أبي أهاب فقالت: أمة سوداء قد أرضعتكما.
قال: فجئت النبي [صلى الله عليه وسلم] فذكرت ذلك له فأعرض فتنحيت فذكرت ذلك له فقال:
((وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما)).
97

أخرجه البخاري في الصحيح من حديث ابن جريج وأيوب وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن عبد الله بن أبي مليكة.
وفي حديث ابن أبي حسين قال:
((كيف وقد قيل)).
4739 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
إعراضه [صلى الله عليه وسلم] يشبه أن يكون لم ير هذا شهادة تلزمه. وقوله:
((وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما)).
يشبه أن يكون كره له أن يقيم معها وقد قيل أنها أخته من الرضاعة.
وهذا معنى ما قلنا من أن يتركها ورعا لا حكما.
قال أحمد:
وروينا عن عمر بن الخطاب في حديثين مرسلين عنه أنه لم يقبل شهادة امرأة واحدة في الرضاع.
وقال في رواية زيد بن أسلم لزوجها: دونك امرأتك.
وروي عنه أنه قال:
يجوز فيه رجلان أو رجل وامرأتان.
98

بسم الله الرحمن الرحيم
32 - كتاب النفقات
997 - [باب]
وجوب النفقة للزوجة
4740 - أنبأئي أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي العباس الأصم أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى:
* (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) *
قال: وقول الله * (ذلك أدنى ألا تعولوا) * يدل والله أعلم على أن على الزوج نفقه امرأته وقوله: * (ألا تعولوا) * أن لا تكثروا من تعولوا إذا اقتصر المرء على واحدة وإن أباح له أكثر منها.
4741 - وقد أخبرنا به أبو عبد الله في موضع آخر قراءة عليه قال حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي: * (ألا تعولوا) * فذكره.
قال أحمد:
قد روينا هذا التفسير عن الليث بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن
99

أسلم في قوله: * (ذلك أدنى ألا تعولوا) *
قال: ذلك أدنى أن لا تكثر من تعولونه.
4742 - أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا أبو عبد الله الحافظ إجازة أخبرنا الوليد حدثنا أبو بكر الثعالبي حدثنا يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه في قوله:
* (ذلك أدنى ألا تعولوا) *.
أي لا تكثروا عيالكم.
وروينا عن أبي عمر غلام ثعلب أنه ذكره لثعلب فقال:
أحسن هو لغة.
وقال بعض أهل التفسير:
هو / مشتق من قول الفريضة إذا كثرت سهامها فقصرت عن الوفاء بحقوق دون الميراث. فيشبه أن يكون قوله:
* (ذلك أدنى ألا تعولوا) *
أي لا تكثروا ما يلزمكم من النفقة فيقصر عن الوفاء بجميع حقوق نسائكم. بلغني عن ابن الأنباري أنه ذهب إلى هذا المعنى.
4743 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت محمد بن عبد الله الفقيه يقول سألت أبا عمر غلام ثعلب الذي لم تر عيناي مثله عن حروف أخذت على الشافعي مثل قوله: ماء مالح. ومثل قوله:
* (ذلك أدنى ألا تعولوا) *
أي لا تكثر من تعولون. وقوله: أدنى أن يكون كذا وكذا.
100

فقال لي: كلام الشافعي صحيح سمعت أبا العباس ثعلب يقول يأخذون على الشافعي وهو من بيت اللغة يجب أن يؤخذ عنه.
4744 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن هند بنت عتبة أتت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي منه إلا ما يدخل علي.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)).
4745 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام عن أبيه عن عائشة أنها حدثته أن هند أم معاوية جاءت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم فهل علي في ذلك من شيء؟
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)).
أخرجاه في الصحيح من حديث هشام.
4746 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال: يا رسول الله عندي دينار. قال:
((أنفقه على / نفسك)).
قال عند آخر. قال:
101

((أنفقه على ولدك)).
قال عندي: آخر. قال:
((أنفقه على أهلك)).
قال عندي آخر. قال:
((أنفقه على خادمك)).
قال: عندي آخر. قال:
((أنت أعلم)).
قال سعيد: ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث:
يقول ولدك أنفق علي إلي من تكلني.
تقول زوجتك أنفق علي أو طلقني.
يقول خادمك أنفق علي أو بعني.
998 - [باب]
قدر النفقة
4747 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس حدثنا الربيع قال قال الشافعي:
قال الله تبارك وتعالى:
* (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله) *. الآية.
فذكر نفقه المقتر والموسع ثم قال:
وإنما جعلت أقل الفرض مدا بالدلالة عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في دفعه إلى الذي
102

أصاب أهله في شهر رمضان عرقا فيه خمسة عشر صاعا لستين مسكينا فكان ذلك مدا مدا لكل مسكين والعرق: خمسة عشر صاعا.
قال أحمد في هذا الشك:
إنما هو في رواية عطاء الخراساني عن ابن المسيب.
وقد رويناه عن الأعمش عن طلق بن حبيب عن ابن المسيب: خمسة عشر صاعا من تمر يكون ستين ربعا فأعطاه إياه. فقال:
((أطعم هذا ستين مسكينا)).
ورويناه في حديث الأوزاعي عن حميد بن عبد الرحمن عن الزهري في قصة المجامع.
قال الشافعي:
وإنما جعلت أكثر ما فرضت مدين مدين لأن أكثر ما جعل النبي [صلى الله عليه وسلم] في فدية الكفارة للأذى مدين لكل مسكين وبينهما وسط.
فلم أقصر عن هذا ولم أجاوز هذا مع أن معلوما أن الأغلب أن أقل القوت مدا وان أوسعه مدان.
قال: والفرض على الوسط الذي ليس بالموسع / ولا المقتر ما بينهما مدا، ونصفا للمرأة.
وذكر من الأدم والكسوة على كل واحد منهم ما هو المعروف ببلدها.
999 - [باب]
غيبة الزوج عن المرأة بعد التخلية
4748 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا
103

مسلم بن خالد عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا.
فإن طلقوا بعثوا بنققة ما حبسوا.
1000 - [باب]
الرجل لا يجد نفقة زوجته يفرق بينهما
4749 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
لما كان من فرض الله على الزوج نفقة المرأة ومضت بذلك سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] والآثار والاستدلال بالسنة لم يكن له - والله أعلم - حبسها على نفسه يستمتع بها و [منها] عن غيره تستغني به وهو مانع لها فرضا عليه عاجز عن تأديته.
وكان حبس النفقة والكسوة يأتي على نفسها فتموت جوعا وعطشا وعريا.
قال: فأين الدلالة على التفريق بينهما؟
قال الشافعي:
قلت: قال أبو هريرة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أمر الزوج بالنفقة على أهله وقال أبو هريرة:
تقول امرأتك أنفق علي أو طلقني.
ويقول خادمك أنفق علي أو بعني.
قال: فهذا بيان أن عليه طلاقها.
قلت: أما نص فلا وأما بالاستدلال فهو يشبه والله أعلم.
104

وقلت له: فما تقول في خادم له لا عمل فيها بزمانة عجز عن نفقتها؟
قال: نبيعها عليه.
قلت: فإذا صنعت هذا في ملكه كيف لا تصنعه في امرأته التي ليست بملك له؟
قال: فهل شيء أبين من هذا؟
قلت: فذكر الحديث الذي:
4750 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي الزناد / قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته؟
قال: يفرق بينهما.
قال أبو الزناد: قلت سنة.
فقال سعيد: سنة.
قال الشافعي:
والذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال أحمد:
وقد روي عن إسحاق بن منصور عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته؟
قال: يفرق بينهما.
قال: وحدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] بمثله.
105

4751 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن بالويه حدثنا أحمد بن علي الخزاز.
4752 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا عثمان بن أحمد بن السماك حدثنا أحمد بن علي الخزاز حدثنا إسحاق بن إبراهيم الماوردي حدثنا إسحاق بن منصور فذكراه.
4753 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر:
أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا.
ثم جعل الشافعي فقد النفقة أشد من فقد الجماع بالعنة.
[قال الشافعي: وأنت تزعم أن الرجل] إذا عجز عن إصابة امرأته [وإن كان يصيب غيرها] أجل سنة ثم يفرق بينهما إن شاءت. [قال هذا رواية عمر بن لخطاب رضي الله عنه قلت].
فإن كانت الحجة فيه الرواية عن عمر فإن قضاء عمر بأن يفرق بين الزوج وامرأته إذا لم ينفق عليها أثبت عنه لأن خبر العنين عن عمر منقطع وخبر الفرقة عنه موصول.
فكيف رددت هذا ولم يخالفه فيه أحد علمته من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وقبلت قضاءه في العنين؟
وأنت تزعم أن عليا يخالفه.
وبسط الكلام فيه.
106

1001 - [باب]
التي لا يملك زوجها الرجعة
4754 - / أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى في المطلقات:
* (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) *.
فدلت على أن النفقة للمطلقة الحامل دون المطلقات سواها [فلم يجزأن ينفق على مطلقة] إلا أن يجمع الناس على مطلقة تخالف الحامل [إلى غيرها من المطلقات] فينفق عليها بالإجماع دون غيرها.
وبسط الكلام في بيان هذا.
قال: فلم لا تكون المبتوتة قياسا عليها - يعني على الرجعية؟
قلت: أرأيت التي يملك زوجها رجعتها في عدتها أليس يملك عليها أمرها إن شاء ويقع عليها إيلاؤه وظهاره ولعانه ويتوارثان؟
[قال: بلى. قلت]: أفهذه في معاني الأزواج في أكثر أمرها؟ [قال: نعم قلت]:
أفتجد كذلك المبتوتة؟
وبسط الكلام فيه ثم احتج بما:
4755 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان
107

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيلة بشعير فسخطته.
فقال: والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فذكرت ذلك له فقال لها:
((ليس لك عليه نفقة)).
وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال:
((تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني)).
قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال:
((أما أو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له أنكحي أسامة بن زيد)).
قالت: فكرهته ثم قال:
((أنكحي أسامة)).
فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى عن مالك.
4756 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
فقال - يعني من كلمه / في هذه المسألة -:
فإنكم تركتم [من] حديث فاطمة شيئا قالت: قال لي النبي [صلى الله عليه وسلم]:
108

((لا سكنى لك ولا نفقة)).
فقلت له: ما تركنا من حديث فاطمة حرفا.
قال: إنما حدثنا عنها أنها قالت:
قال لي رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا سكنى [لك] ولا نفقة)).
فقلنا: لكنا لم نحدث هذا عنها.
ولو كان ما حدثتم عنها كما حدثتم كان على ما قلنا وعلى خلاف ما قلتم.
قال: وكيف؟ قلت: أما حديثنا فصحيح على وجهه أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا نفقة لك عليه)).
وأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم.
ولو كان في حديثها إحلاله لها أن تعتد حيث شاءت لم يحظر عليها أن تعتد حيث شاءت.
فقال: وكيف أخرجها من بيت زوجها. وأمرها أن تعتد في بيت غيره؟
قلت: لعلة لم تذكرها فاطمة كأنها استحيت من ذكرها وقد ذكرها غيرها.
قال: وما هي؟
قلت: كان في لسانها ذرب فاستطالت على أحمائها استطالة تفاحشت فأمرها النبي [صلى الله عليه وسلم] أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم.
قال: فهل من دليل على ما قلت؟
قلت: نعم من الكتاب والخبر عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وغيره من أهل العلم بها.
قال: فذكره.
109

قلت: قال الله عز وجل:
* (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) *
وأخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن ابن عباس في قول الله عز وجل:
* (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) *.
قال: أن تبذو على أهل زوجها فإذا بذت فقد حل إخراجها.
فقال: هذا تأويل وقد يحتمل ما قال ابن عباس ويحتمل غيره: أن تكون الفاحشة خروجها وأن تكون الفاحشة خروجها للحد.
[قال] فقلت له: فإذا احتملت الآية ما وصفت فأي المعاني أولى بها؟
قال: معنى ما وافقته السنة قلت له: / فقد ذكرت لك السنة في فاطمة وأوجدتك ما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال أحمد:
وأما ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من إنكاره ذلك على فاطمة بنت قيس فهو فيما:
4757 - أخبرنا أبو علي الروذباري قال: أخبرنا أبو بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا نصر بن علي قال أخبرني أبو أحمد قال حدثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحاق قال:
كنت في المسجد الجامع مع الأسود فقال:
أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب فقال:
110

ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا [صلى الله عليه وسلم] لقول امرأة لا ندري أحفظت أم لا.
وهذا حديث رواه أبو أحمد الزبيري عن عمار بن رزيق هكذا.
وزاد فيه بعضهم عن أبي أحمد من قول عمر غير مرفوع: لها السكنى والنفقة قال الله:
* (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) *.
وأخرجه مسلم في الصحيح عن محمد بن عمرو بن جبلة عن أبي أحمد.
وذهب غيره من الحفاظ إلى أن قوله:
وسنة نبينا [صلى الله عليه وسلم]؛ غير محفوظ في هذا الحديث.
فقد رواه يحيى بن آدم وغيره عن عمار بن رزيق في السكنى دون هذه اللفظة.
وكذلك رواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر دون قوله: وسنة نبينا.
وإنما ذكره أبو أحمد عن عمار وأشعث عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن عمر، والحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن الخليل الحضرمي عن عمر قال أبو الحسن الدارقطني الحافظ رحمه الله فيما:
4758 - أخبرني أبو عبد الرحمن السلمي وغيره عنه: هذا الكلام لا يثبت. ويحيى بن آدم أحفظ من أبي أحمد الزبيري وأثبت منه.
وقد تابعه قبيصة بن عقبة فرواه عن عمار بن رزيق مثل قول يحيى بن آدم سواء.
والحسن بن عمارة متروك.
وأشعث بن سوار ضعيف.
ورواه الأعمش / عن إبراهيم دون قوله:
111

وسنة نبينا [صلى الله عليه وسلم]:
والأعمش أثبت من أشعث وأحفظ منه.
والله أعلم.
قال أحمد:
وإنما يعرف هذا اللفظ الزائد عن عمر من رواية إبراهيم والحكم عن عمر مرسلا.
وفي حديث هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد: أنه ذكر عند الشعبي قول عمر هذا فقال الشعبي:
امرأة من قريش ذات عقل ورأي تنسى قضاء قضى به عليها؟!
قال: وكان الشعبي يأخذ بقولها. وفيما:
4759 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ عن أبي عبد الله بن بطة الأصبهاني عن أبي حامد أحمد بن جعفر الأشعري عن أبي داود قال سمعت أحمد بن حنبل وذكر له قول عمر: لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا. قلت: يصح هذا عن عمر؟
قال: لا.
قال الشافعي في القديم:
قال قائل: فإن عمر بن الخطاب اتهم حديث فاطمة بنت قيس وقال:
لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة.
قلنا: لا نعرف أن عمر اتهمها وما كان في حديثها ما يتهم له ما حدثت إلا بما لا تحب وهي امرأة من المهاجرين لها شرف وعقل وفضل ولو رد شيء من حديثها كان إنما يرد منه: أنه أمرها بالخروج من بيت زوجها.
فلم تذكر هي لم أمرت بذلك.
وإنما أمرت به لأنها استطالت على أحمائها فأمرت بالتحول عنهم للشر بينهما وبينهم.
ولم تؤمر أن تعتد حيث شاءت إنما أمرت أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم لأن من حق الزوج أن تحصن له حتى تنقضي العدة.
112

فلما جاء عذر حصنت في غير بيته.
فكأنهم أحبوا لها ذكر السبب الذي أخرجت له لئلا يذهب ذاهب إلى أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى أن تعتد المبتوتة حيث شاءت في غير بيت زوجها.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وما نعلم في كتاب الله ذكر نفقة إنما في كتاب الله ذكر السكنى.
ثم ذكر حديث ابن المسيب وقول مروان لعائشة وقد مضى في كتاب العدد.
قال أحمد:
/ قد روينا في حديث عمر: أنه تلا عند ذلك قول الله عز وجل:
* (لاتخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) *.
وذلك يؤكد ما قال الشافعي.
4760 - أخبرنا أبو الحسين بن بشر أن قال أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا سعدان بن نصر قال حدثنا أبو معاوية عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: قلت لسعيد بن المسيب:
أين تعتد المطلقة بيتا؟
قال: تعتد في بيتها.
قال قلت: أليس قد أمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم؟
قال: تلك المرأة التي فتنت الناس: إنها استطالت على أحمائها بلسانها فأمرها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم وكان رجلا مكفوف البصر.
وروينا عن سليمان بن يسار في خروج فاطمة قال: إنما كان ذلك من سوء الخلق.
وفي قصة عائشة ومروان ما دل على أن ذلك كان للشر بينها وبينهم.
113

وهذا كله يؤكد ما قال الشافعي وقد أتى على جواب ما عورض به فيما احتج ولم يدع لقائل فيه مغمزا.
فيما إنكار من أنكر عليه إنكاره رواية من روي في حديث فاطمة بنت قيس:
((لا سكنى لك ولا نفقة)).
وإنه لم يرو الحديث بتمامه.
فهو قد روى الحديث بتمامه كما سمعه وليس ذلك في حديث مالك عن عبد الله بن يزيد ولا في أكثر الروايات عن أبي سلمة.
والزهري أحفظ من رواه عن أبي سلمة وليس ذلك في حديثه ولا يعاب العالم بالسكوت عما لم يسمع إنما يعاب بترك ما سمع من غير حجة أو رواية ما لم يسمع.
ثم إنه لم يقتصر على الإنكار حتى تكلم عليه وبين بما تلا من الآية وروى من تأويل ابن عباس وحكي عن ابن المسيب وغيره أنها لم تستحق السكنى في بيت زوجها لاستطالتها بلسانها على أحمائها.
وأن قول النبي [صلى الله عليه وسلم] / في السكنى خرج على هذا الوجه ولم يقله ظنا من غير علم حتى أقام الحجة على أن قوله:
((لا سكنى لك)).
خرج على هذا الوجه وأن إنكار من أنكر عليها وقع على كيما أنها سبب الإخراج.
ولم يجد في قوله:
((لا نفقة لك)).
وجه يحمله عليه سوى ما دل عليه ظاهره بل وجدنا في بعض الأخبار ما يؤكده ويجعله موافقا لما دل عليه كتاب الله عز وجل من الإنفاق على أولات الأحمال دون غيرهن.
4761 - أخبرناه أبو علي الروذباري قال أخبرنا أبو بكر بن داسة قال حدثنا أبو
114

داود قال حدثنا محمد بن خالد قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله وهو ابن عبد الله بن عتبة قال:
أرسل مروان إلى فاطمة فسألها فأخبرته أنها كانت عند ابن حفص وكان النبي [صلى الله عليه وسلم] أمر علي بن أبي طالب على بعض اليمن فخرج معه زوجها فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها وأمر عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها فقالا: والله ما لها نفقة إلا أن تكون حاملأ فأتيت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا)).
واستأذنته في الانتقال فأذن لها.
فقالت: أين أنتقل يا رسول الله؟ قال:
((عند ابن أم مكتوم)).
وكان أعمى تضع ثيابها عنده فلا يبصرها فلم تزل هنالك حتى قضت عدتها فأنكحها النبي [صلى الله عليه وسلم] أسامة.
فرجع قبيصة - يعني إلى مروان - فأخبره ذلك.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد الرزاق.
4762 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه
سمعه يقول: نفقة المطلقة ما لم تحرم فإذا حرمت فمتاع بالمعروف.
4763 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال عطاء:
ليست المبتوتة / الحبلى منه في شيء إلا أنه ينفق عليها من أجل الحبل فإذا
115

كانت غير حبلى فلا نفقة لها.
وروينا عن ابن عباس أنه قال في المطلقة ثلاثا: ليست لها نفقة.
وعن نافع عن ابن عمر أنه قال: المطلقة ثلاثا لا تنتقل وهي في ذلك لا نفقة لها.
1002 - [باب]
النفقة على الأقارب
4764 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
قال الله تبارك وتعالى:
* (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) *.
وقال: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) *.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن هندا قالت لرسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما أدخل علي.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)).
116

أخرجاه في الصحيح من حديث هشام.
قال الشافعي:
كتاب الله ثم في سنة رسول الله بيان أن الإجارات جائزة على ما يعرف الناس إذ قال الله:
* (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) *
وبسط الكلام في تبيينه قال:
وبيان أن على الوالد نفقة الولد دون أمه كانت أمه متزوجه أو مطلقة.
وفي هذا دلالة على أن النفقة ليست على الميراث وذلك أن الأم وارثة. وفرض النفقة والرضاع على الأب دونها.
قال: وقال ابن عباس في قول الله:
* (وعلى الوارث مثل ذلك) *
من أن * (لا تضار والدة بولدها) *.
لا أن عليها الرضاع.
قال أحمد:
وهذا فيما روي عن الشعبي وعن عطاء / عن ابن عباس:
* (وعلى الوارث مثل ذلك) *.
قالا في الإضرار: أن لا يضار.
117

قال الشافعي:
فإن قال قائل: فإنا قد روينا من حديثكم أن عمر بن الخطاب خير عصبة غلام على رضاعة الرجال دون النساء.
قلنا: أفتأخذ بهذا؟
قال: نعم. قلت: أفتخص العصبة وهم الأعمام وبنو العم والقرابة من قبل الأب؟
قال: لا إلا أن يكون ذوي رحم محرم.
قلنا: فالحجة عليك في هذا كالحجة فيما احتججت به من القرآن وقد خالفت هذا قد يكون له بنو عم فيكونون عصبة وورثة فلا تجعل عليهم نفقة وهم العصبة الورثة.
وإن لم تجد له ذا رحم تركته ضائعا.
فقال لي قائل: قد خالفتهم هذا أيضا.
قلنا: أما الأثر عن عمر فنحن أعلم به منك ليس نعرفه ولو كان ثابتا لم تخالفه.
وابن عباس كان يقول:
* (وعلى الوارث مثل ذلك) * على الوارث أن * (لا تضار والدة بولدها) *.
وابن عباس أعلم بمعنى كتاب الله عز وجل منا والآية محتملة ما قال ابن عباس.
وبسط الكلام فيه.
قال أحمد:
وهذا الأثر عن عمر رواه ابن عيينة عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب: أن عمر جبر عصبة صبي أن ينفقوا عليه الرجال دون النساء.
118

ورواه ليث بن أبي سليم عن رجل عن ابن المسيب: أن عمر بن الخطاب جبر رجلا على رضاع ابن أخيه.
وفي حديث معمر عن الزهري:
أن عمر بن الخطاب أغرم ثلاثة كلهم يرث الصبي أجر رضاعه.
وحديث الزهري منقطع.
وحديث ابن المسيب مع انقطاعه ينفرد به عمرو بن شعيب.
ورواية ليث عن رجل مجهول ضعيفة. والله أعلم.
قال الشافعي في القديم:
ولا يجبر فيه إلا والد أو ولد من ذوي الأرحام.
وذكر فيما احتج به ما بلغه من قول رسول الله / [صلى الله عليه وسلم]:
((وأنت ومالك لأبيك)).
وقالت عائشة:
أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسبكم والولد من الوالد فلا يترك يضيع شيئا منه إذا لم يكن له غنى ولا حيلة.
ولم أجد هكذا أحدا (....).
قال أحمد:
قوله: ((أنت ومالك لأبيك)).
قد رواه الشافعي في كتاب الرسالة عن ابن عيينة عن ابن المنكدر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مرسلا.
119

4765 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة. فذكره. وأما ما ذكر من قول عائشة:
فكذلك رواه سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عمته عن عائشة أنها قالت:
إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه.
4766 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو عمرو بن السماك حدثنا حنبل بن إسحاق حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يحيى حدثنا سفيان فذكره موقوفا.
4767 - وبهذا الإسناد عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عمارة مرفوعا إلى النبي [صلى الله عليه وسلم].
ورويناه في كتاب السنن من حديث محمد بن كثير عن سفيان عن منصور موصولا مرفوعا.
ورواه الحكم بن عيينة عن عمارة عن أمه عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وزاد:
((فكلوا من أموالهم)).
ورواه يعلى بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه)).
4768 - أخبرناه أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل حدثنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا يعلى بن عبيد حدثنا الأعمش. فذكره.
120

وكذلك رواه أبو معاوية عن الأعمش.
وكذلك رواه حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم وزاد فيه:
((إذ احتجتم)).
قال الثوري: هذا وهم من حماد.
وقال أبو داود هو منكر.
4769 - وأخبرنا / أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أو عمرو بن السماك حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا أتى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
إن أبي يحتاج مالي. فقال:
((أنت ومالك لوالدك إن أطيب ما أكلتم من كسبكم فكلوه هنيئا)).
4770 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا أحمد بن بشر المرثدي حدثنا الفيض بن وثيق حدثنا المنذرين بن زياد الطائي حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال:
سمعت أبا بكر الصديق جاءه رجل فقال:
إن أبي يريد أن يأخذ مالي كله فيجتاحه.
فقال له - يعني لأبيه -: إنما لك من ماله ما يكفيك.
فقال: يا خليفة رسول الله أليس قد قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((أنت ومالك لأبيك))؟
فقال: أرض منه بما رضي الله عز وجل.
121

ورواه غيره عن ابن المنذر بن زياد وقال فيه: فقال: نعم.
وإنما عنى بذلك النفقة.
ومنذر بن زياد غير قوي.
فالله أعلم.
1003 - [باب]
أي الوالدين أحق بالولد
4771 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن زياد بن سعد - قال أبو محمد أظنه - عن هلال بن أبي ميمونة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خير غلاما بين أبيه وأمه.
هكذا رواه في رواية الربيع مختصرا.
ورواه في كتاب حرملة فقال:
حدثنا سفيان حدثنا زياد بن سعد سمعه من هلال بن أبي ميمونة يحدثه عن أبي ميمونة عن أبي هريرة:
أنه أتى رجل فارسي وامرأة له يختصمان في ابن لهما فقال الفارسي:
يا أبا هريرة هذا بشر.
فقال أبو هريرة: لأقضين بينكما بما شهدت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى به.
يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فاختر أيهما / شئت.
ثم قال أبو هريرة:
شهدت النبي [صلى الله عليه وسلم] أتاه رجل وامرأة يختصمان في ابن لهما فقال الرجل: يا رسول الله ابني - يعني وقالت المرأة ابني يسقيني من بئر أبي عنبة فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
122

((يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فاختر أيهما شئت)).
4772 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن يونس بن عبد الله الجرمي عن عثمان الجرمي قال:
خيرني علي بين أبي وعمي ثم قال لأخ لي أصغر مني: وهذا أيضا لو بلغ مبلغ هذا لخيرته.
قال الشافعي:
قال إبراهيم - يعني بن محمد - عن يونس عن عمارة عن علي مثله.
وقال في الحديث: وكنت ابن سبع أو ثمان.
وفي رواية الزعفراني عن الشافعي في القديم:
أخبرنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله بن المهاجر عن عبد الرحمن بن عثم: أن عمر بن الخطاب خير غلاما بين أبيه وأمه.
قال الشافعي في القديم:
وقال بعض الناس: الأم أحق بالغلام حتى يأكل وحده ويلبس وحدة ثم الأب أحق به ثم الأم أحق بالجارية حتى تحيض.
وساق الكلام إلى أن قال:
وقد رووا عن النبي [صلى الله عليه وسلم]: أنه خير غلاما بين أبويه وأحدهما مشرك.
ورووه عن علي وعن شريح بأحاديث يثبتونها ولم يخالفوهم إلى قول أحد يقوم بقوله عندهم حجة.
قال أحمد:
أما الرواية فيه عن علي:
123

فقد ذكرها في الجديد بالإسناد الذي تقدم ذكره.
وأما الذي رووا فيه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] فإنما أرادوا - والله أعلم - ما:
4773 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى - هو ابن يونس - حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان: أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقالت:
ابتني وهي فطيم أو شبهه.
وقال رافع: ابنتي.
/ فقال النبي [صلى الله عليه وسلم].
((اقعد ناحية)). وقال لها ((اقعدي ناحية)).
فأقعد الصبية بينهما ثم قال:
((ادعواها)).
فمالت الصبية إلى أمها.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((اللهم أهدها)).
فمالت إلى أبيها فأخذها.
قال الشافعي:
وإذا نكحت المرأة فلا حق لها في كينونة ولدها عندها.
4774 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا الوليد عن أبي عمرو قال حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو:
أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء
124

وحجري له حواء وأن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني.
فقال لها رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((أنت أحق به ما لم تنكحي)).
قال الشافعي:
وإذا تزوجت المرأة ولها أم لا زوج لها فالأم تقوم مقام ابنتها في الولد.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
أخبرنا مالك بن أنس - ثم انقطع الحديث من الأصل - وأظنه أراد ما:
4775 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو السلمي حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا ابن بكير حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت القاسم بن محمد يقول:
كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر ثم فارقها عمر فركب يوما إلى قباء فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد فأخذ بعضده فوضعه بين يديه
على الدابة.
فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه فأقبلا حتى أتيا أبا بكر الصديق فقال عمر:
ابني. وقالت المرأة: ابني.
فقال أبو بكر: خل بينها وبينه.
فما راجعه عمر الكلام.
قال أحمد:
وروينا عن علي بن أبي طالب في تنازعهم في حضانة ابنه حمزة فقال علي:
125

أنا آخذها وهي ابنة عمي.
وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي.
وقال زيد بن حارثة ابنة أخي.
فقضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بخالتها وقال: ((الخالة بمنزلة الأم)).
1004 - [باب]
نفقة المماليك
4776 - / أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عجلان أبي محمد عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال: ((للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق)).
قال أحمد:
وهذا الحديث قد رواه عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج.
ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح.
4777 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن إبراهيم بن أبي خداش عن عتبة بن لهب أنه سمع ابن عباس يقول في المملوكين:
* أطعموهم مما تأكلون
* وأكسوهم مما تلبسون
*.
126

قال أحمد:
وقد ثبت عن المعرور بن سويد عن أبي ذر عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
4778 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا عبد الرحمن بن حسن القاضي حدثنا إبراهيم بن الحسين حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا واصل الأحدب قال: سمعت المعرور بن سويد يقول: رأيت أبا ذر الغفاري وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألنا عن ذلك فقال: ساببت رجلا فشكاني إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال لي رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((أعيرته بأمه)).
ثم قال:
((إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم من كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفونهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم عليه)).
رواه البخاري في الصحيح عن آدم بن أبي إياس.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة.
4779 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في جملة ما قال في هذا الحديث وما قبله: وكان أكثر حال الناس فيما مضى ضيقا وكان كثير ممن اتسعت حاله مقتصدا ومعاشهم ومعاش رقيقهم متقاربا.
فأما من لم تكن حاله هكذا وخالف معاش السلف والعرب فأكل رقيق الطعام ولبس جيد الثياب فلو آسى رقيقه كان أكرم وأحسن وأتم وإن لم يفعل فله ما قال النبي [صلى الله عليه وسلم] نفقته وكسوته بالمعروف والمعروف عندنا المعروف بمثله في بلده الذي يكون به.
4780 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن
127

رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدعه فليجلسه فإن ابن أبي
فليروغ له لقمة فليناوله إياها - أو يعطه إياها)).
أو كلمة هذا معناها.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وقال في الحديث:
((فليناوله أكلة أو أكلتين)).
وأخرجه مسلم من حديث موسى بن يسار عن أبي هريرة وقال:
((فإن كان الطعام قليلا فليضع في يده أكلة أو أكلتين)).
قال الشافعي في رواية أبي سعيد:
وهذا يدل على ما وصفنا من تباين طعام المملوك وطعام سيده إذا أراد سيده طيب الطعام لا أدنى ما يكفيه.
قال الشافعي:
والمملوك الذي يلي طعام الرجل مخالف عندنا للمملوك الذي لا يلي طعامه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وفي كتاب الله عز وجل ما يدل على ما يوافق بعض معنى هذا. قال الله عز وجل:
128

* (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) *.
فأمر الله تعالى أن يرزق من القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين الحاضرون القسمة ولهذا أشباه وهي أن تضيف من جاءك ولا تضيف من لم يقصد قصدك ولو كان محتاجا إلا أن تطوع.
قال الشافعي:
وقال لي بعض أصحابنا في قسمة المواريث.
وقال بعضهم: قسمة الميراث وغيره من الغنائم.
فهذه أوسع وأحب إلي يعطون ما طاب به نفس المعطي لا يؤقت ولا يحرمون.
قال أحمد:
قد روينا ما بلغنا في هذه / الآية من أقاويل أهل التفسير في كتاب الوصايا.
قال الشافعي:
ومعنى: ((لا يكلف من العمل إلا ما يطيق)).
يعني - والله أعلم - إلا ما يطيق الدوام عليه ليس ما يطيقه يوما أو يومين أو ثلاثة أو بنحو ذلك ثم يعجز فيما بقي عليه.
وبسط الكلام فيه.
4781 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عمه أبي سهل عن أبيه أنه سمع عثمان بن عفان يقول في خطبته: لا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلفتموه الكسب سرق ولا تكلفوا الأمة
129

غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها.
1005 - [باب]
نفقة الدواب
4782 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
وإن كانت لرجل دابة في المصر أو شاة أو بعير علفه ما يقيمه فإن امتنع من ذلك أخذه السلطان بعلفه أو بيعه ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ولا تحلب أمهات النسل إلا فضلا عما يقيم أولادهن ولا يحلبها ويتركهن يمتن هزالا.
4783 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا محمد
بن عبد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر قال:
أردفني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ذات يوم خلفه فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل (يغني) فلما رأى النبي [صلى الله عليه وسلم] ذرفت عيناه فأتاه النبي [صلى الله عليه وسلم] فمسح سراته إلى سنامه ودفزيه فسكن. فقال:
((من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل))؟
فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله. فقال:
((ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنها تشكو إلي أنك تجيعه وتدئبه)).
قال أحمد.
130

وروينا في الحديث الثابت عن ابن عمر، وغيره أن النبي / [صلى الله عليه وسلم] قال:
((عذبت امرأة في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعا)).
وروينا في حديث ضرار بن الأزور قال:
أهديت لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] لقحة فأمرني أن أحلبها فحلبتها فجهدت حلبها فقال:
((دع داعي اللبن)).
4784 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن اليشكري حدثنا سلم بن عبد الرحمن قال سمعت سوادة بن ربيع قال أتيت النبي [صلى الله عليه وسلم] فسألته فأمر لي بذود وقال:
((إذا رجعت إلى بنيك فمرهم فليحسنوا غذاء رباعهم ومرهم فليقلموا أظافرهم لا يعبطوا بها ضروع مواشيهم إذا حلبوا)).
4785 - وأخبرنا أبو طاهر الفقيه حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان حدثنا أبو الأزهر حدثنا المعلى بن أسد حدثنا محمد بن حمران حدثنا سلم الجرمي عن سوادة بن الربيع قال أتيت النبي [صلى الله عليه وسلم] فأمر لي بذود قال لي:
((مر بنيك أن يقصوا أظافرهم عن ضروع إبلهم ومواشيهم وقل لهم: فليحتلبوا عليها سخالها لا تدركها السنة وهن عجاف)).
131

وقال لي:
((هل لك مال))؟
قال: قلت: نعم لي مال إبل وخيل ورقيق. قال: ((عليك بالخيل فارتبطها فإن الخيل معلق في نواصيها الخير)).
رواه البخاري في التاريخ عن معلى وقال في متنه: ((فليحلبوا عليها سخالها)).
تم الجز الثالث يتلوه في الرابع: كتاب الخراج إن شاء الله تعالى
وصلواته على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وصحبه وسلامه. حسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله وحده.
132

بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
33 - كتاب الجراح
1006 - [باب]
تحريم القتل ومن يجب عليه القصاص
4786 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ رحمه الله أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: قال الله تبارك وتعالى:
* (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) *.
وذكر سائر الآيات التي وردت في تحريم القتل.
قال: وقال:
* (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) *.
وقال في قتل الوالدان:
قال الله جل ثناؤه لنبيه [صلى الله عليه وسلم]:
133

* (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) * إلى قوله:
* (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) *
وذكر سائر الآيات فيه. وذكر ما:
4787 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن أبي معاوية عمرو البجلي قال سمعت عمرو الشيباني يقول سمعت ابن مسعود يقول:
سألت النبي [صلى الله عليه وسلم] قلت:
أي الكبائر أكبر؟ قال:
((أن تجعل لله ندا وهو خلقك)).
قلت: ثم أي؟ قال:
((أن تقتل ولدك [من] أجل أن يأكل معك)).
قال أحمد.
ورواه عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح.
4788 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
134

((لا يحل قتل امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان أو زنا بعد / إحصان أو قتل نفس بغير نفس)).
قال أحمد:
هكذا رواه جماعه من الثقات عن حماد بن زيد.
ورواه أيضا عبد الله بن مسعود عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
ومن ذلك الوجه أخرجاه في الصحيح.
4789 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)).
4790 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي حدثنا يحيى بن حسان عن الليث عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد أنه أخبره أنه قال يا رسول الله:
أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟
قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا تقتله)).
فقلت: يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
135

((لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)).
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث الليث.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن الزهري.
4791 - وفيما كتب إلي أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفرائيني إجازة أن أبا عوانة أخبرهم قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول - يعني في هذا الحديث:
معناه أنه يصير مباح الدم لا أنه يصير مشركا كما إن كان مباح الدم قبل أن يقول شهادة أن لا إله إلا الله).
4792 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن ثابت بن / الضحاك أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة)).
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث أيوب.
4793 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بإسناده لا يحضرني ذكره أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مر بقتيل فقال:
((من به)).
فلم يذكر له أحد فغضب ثم قال:
136

((والذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء وأهل الأرض لكبهم الله في النار)).
قال أحمد:
روينا معنى هذا في حديث عطاء بن مسلم الخفاف عن العلاء بن المسيب عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس.
4794 - وأخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بإسناد لا أحفظه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((قتل المؤمن يعدل عند الله زوال الدنيا)).
4795 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((من أعان على قتل إمرىء مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمه الله)).
قال أحمد:
قد روينا عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أنه قال:
لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.
وروي ذلك مرفوعا.
وروينا في الحديث الثاني عن الزهري عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مرسلا.
ورواه يزيد بن زياد وقيل: ابن أبي زياد الشامي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] موصولا.
137

1007 - [باب]
جماع إيجاب القصاص في العمد
4796 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قال الله جل ثناؤه:
* (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) *.
قال: لا يقتل غير قاتله.
وهذا يشبه ما قيل. والله أعلم.
قال الله:
* (كتب عليكم القصاص في القتلى) *.
فالقصاص: إنما يكون ممن / فعل ما فيه القصاص لا ممن لم يفعله.
قال أحمد.
وقد روينا هذا التفسير لقوله:
* (فلا يسرف في القتل) *.
عن زيد بن أسلم وطلق بن حبيب.
4797 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: وجد في قائم سيف رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كتاب:
((أن أعدى الناس على الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل الله على محمد)).
138

4798 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن إسحاق قال:
قلت لأبي جعفر بن علي: ما كان في الصحيفة التي في قراب رسول الله [صلى الله عليه وسلم]؟ فقال:
كان فيها: ((لعن الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن تولى غير ولي نعمته فقد كفر بما أنزل على محمد)).
4799 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي ليلى عن الحكم أو عن عيسى ابن أبي ليلى عن ابن أبي ليلى قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((من اعتبط مؤمنا بقتل فهو قود به إلا أن يرضى ولي المقتول فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل)).
4800 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عبد الملك بن سعيد بن أبجر عن إياد بن لقيط عن أبي رمثة قال:
دخلت مع أبي على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فرأى أبي الذي بظهر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال دعني أعالج الذي بظهرك فإني طبيب. فقال: ((أنت رفيق)).
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((من هذا معك)).
قال: ابني أشهد به فقال:
((أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه)).
139

1008 - [باب]
الحكم في قتل العمد
4801 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي / رحمه الله:
من العلم العام الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته فحدثني وبلغني عنه من علماء العرب أنها كانت قبل نزول الوحي على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] تباين في الفضل ويكون بينها ما يكون بين الجيران من قتل العمد والخطأ فكان بعضها يعرف لبعض الفضل في الديات حتى تكون دية الرجل الشريف أضعاف دية الرجل دونه.
فأخذ بذلك بعض من بين أظهرها من غيرها بأقصد مما كانت تأخذ به فكانت دية النضري ضعف دية القرظي.
وكان الشريف من العرب إذا قتل تجاوزوا قاتله إلى من [لم] يقتله من أشراف القبيلة التي قتله أحدهما وربما لم يرضوا إلا بعدد يقتلونهم. فقتل بعض غنى شأس بن زهير فجمع عليهم أبوه زهير بن جذيمة.
فقالوا له أو بعض من ندب عنهم: سل في قتل شأس.
فقال: إحدى ثلاث لا يرضيني غيرها.
فقالوا: ما هي قال:
تحيون لي شأسا أو تملأون ردائي من نجوم السماء أو تدفعون إلي غنيا بأسرها فأقتلها ثم لا أرى أني أخذت [منه عوضا.
140

وقتل كليب وائل فاقتتلوا دهرا طويلا واعتزلهم بعضهم فأصابوا أبنا له يقال له: بجير فأتاهم فقال: قد عرفتم عزلتي فبجير بكليب وكفوا عن الحرب.
فقالوا: بجبر بشسع [نعل] كليب. فقاتلهم وكان معتزلا.
قال: فيقال أنه نزل في ذلك وغيره فيما كانوا يحكمون به في الجاهلية هذا الحكم الذي أحكيه بعد هذا.
وحكم الله بالفداء فسوى في الحكم بين عباده الشريف منهم والوضيع:
* (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقو م يوقنون) *.
فيقال: إن الإسلام نزل وبعض العرب يطلب بعضا بدماء وجراح فنزل فيهم:
* (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) *. الآية والآية بعدها.
/ قال: لا إنما رواه الشعبي عن الحارث الأعور والحارث مجهول.
ونحن نروي عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالإسناد الثابت أنه بدأ المدعين فلما لم يحلفوا قال:
((فتبرئكم يهود بخمسين يمينا)).
وإذ قال فتبرئكم فلا يكون عليهم غرامة ولما لم يقبل الأنصاريون أيمانهم وداه
141

النبي [صلى الله عليه وسلم] ولم يجعل على يهود والقتيل بين أظهرهم شيئا.
قال: أخبرني بعض أهل العلم عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: حارث الأعور كان كذابا.
4802 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا عبد الله بن محمد الكعبي حدثنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال حدثنا الحارث الأعور. وأشهد بالله إنه كان كذابا.
قال وروي ذلك عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع عن عمر.
قال شعبة: فقلت لأبي إسحاق: من حدثك؟
قال حدثني مجالد عن الشعبي عن الحارث بن الأزمع.
وقيل: عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عمر. ومجالد غير محتج به واختلف عليه في إسناده وقد:
4803 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنه بلغه عن محمد بن يحيى المصري - خادم المزني - قال سمعت ابن عبد الحكم يقول سمعت الشافعي يقول:
سافرت إلى خيوان ووداعة أربعة عشر سفرا أسألهم عن حكم عمر بن الخطاب في القتيل وأحكي لهم ما روي عنه. فقالوا:
إن هذا الشيء ما كان ببلدنا قط.
قال الشافعي:
والعرب أحفظ شيء لأمر كان.
وقرأته في كتاب أبي الحسن العاصمي عن أبي بكر محمد بن يحيى بن آدم - خادم المزني - قال: وداعة.
ورواه أيضا محمد بن إسحاق بن خزيمة عن ابن عبد الحكم بمعناه غير أنه قال:
142

ثلاث وعشرين سفرة.
وقال: بين خيوان ووداعة.
قال الشافعي في رواية الربيع:
ويروى عن عمر أنه بدأ المدعى عليهم ثم رد الأيمان على المدعين.
4804 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن رجلا من بين / سعد بن ليث أجرى فرسا فوطىء على أصبع رجل من جهينة فنزى منها فمات.
فقال عمر بن الخطاب للذين أدعى عليهم.
أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها؟
فأبوا وتحرجوا من الأيمان.
فقال للآخرين:
احلفوا أنتم فأبوا.
فقضى عمر بشطر الدية على السعديين.
قال أحمد:
قد روينا قضاء رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في ذلك ولو سمع به عمر بن الخطاب ما جاوزه إلى غيره كما روينا عنه في كل ما بلغه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مما لم يسمعه.
ومن تكلم في دين الله وفي أخبار رسوله [صلى الله عليه وسلم] فلا ينبغي له أن يحتج في ذلك برواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في استحلافه خمسين يمينا من اليهود في قصة الأنصاري ثم جعل عليهم الدية.
ولا برواية عمر بن صبيح عن مقاتل بن حيان عن صفوان عن ابن المسيب عن عمر في قضائه بنحو ذلك وقوله:
إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم [صلى الله عليه وسلم] لإجماع أهل الحديث على ترك الاحتجاج بهما ومخالفتهما في هذه الرواية رواية الثقات الأثبات.
143

وأما حديث أبي سعيد: أن قتيلا وجد بين حيين فأمر النبي [صلى الله عليه وسلم] أن يقاس إلى أيهما أقرب فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر فألقى ديته عليهم.
إنما رواه أبو إسرائيل الملائي عن عطية العوفي وكلاهما ضعيف.
وأما القتل بالقسامة ففي:
حديث عمرو بن شعيب عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قتل بالقسامة رجلا من بني نضر بن مالك.
وفي حديث أبي المغيرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أقاد بالقسامة بالطائف.
وكلاهما منقطع.
وأصح ما روي في القتل بالقسامة وأعلاه بعد حديث سهل برواية ابن إسحاق: ما رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال حدثني خارجه بن زيد ين ثابت قال:
قتل رجل من الأنصار وهو سكران رجلا آخر من / الأنصار من بني النجار في عهد معاوية ضربه بالشوبق حتى قتله ولم يكن على ذلك شهادة إلا لطخ وشبهه.
قال: فاجتمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلوه.
فقال خارجه بن زيد: فركبنا إلى معاوية فقصصنا عليه القصة فكتب معاوية إلى سعيد بن العاص: إن كان ما ذكرنا له حقا أن يحلفنا على القاتل ثم يسلمه إلينا.
فجئنا بكتاب معاوية إلى سعيد بن العاص فقال:
أنا منفذ كتاب أمير المؤمنين فاغدوا على بركة الله فغدونا عليه فأسلمه إلينا سعيد بعد أن حلفنا عليه خمسين يمينا.
وقال أبو الزناد أمر لي عمر بن عبد العزيز فرددت قسامه على سبعة نفر أو خمسة نفر.
4805 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه أخبرنا أبو الوليد محمد بن
144

إسحاق حدثنا يونس بن عبد الأعلى أن ابن وهب أخبره قال أخبرني ابن أبي الزناد بهذا الحديث.
ورويناه في كتاب السنن من وجه آخر عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجه دون ذكر معاوية وسعيد غير أنه قال:
وفي الناس يومئذ من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ومن فقهاء التابعين ما لا يحصى وما اختلف اثنان منهم أن يحلف ولاة المقتول ويقتلوا أو يستحيوا.
فحلفوا خمسين يمينا وقتلوا وكانوا يخبرون أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى بالقسامة وروينا عن هشام بن عروة في الخطأ الذي قتله الصهيبي فقضى عبد الملك بن مروان بالقسامة والقتل بها.
قال هشام: فلم يذكر ذلك عروة ورأى أن قد أصيب فيه الحق.
وروى ابن أبي مليكه عن عمر بن عبد العزيز وأبي الزبير أنهما أقادا بالقسامة.
ثم ذكر عن عمر بن عبد العزيز أنه رجع عن ذلك.
وروينا في حديث محمد بن راشد عن مكحول أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لم يقض في القسامة بقود.
وهذا أيضا منقطع.
وفي جامع / الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب قال:
القسامة توجب القتل ولا تشيط الدم.
وهذا عن عمر منقطع.
145

قال ابن المنذر:
وروينا هذا القول عن ابن عباس ومعاوية.
هكذا وجدته.
وقد روينا عن معاوية بخلافه.
4806 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن الطيالسي عن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن الشعبي عن مسروق قال:
كنت عند علي فأتاه ثلاثة فشهدوا على اثنين أنهما غرقا صبيا وشهد الاثنان على ثلاثة أنهم غرقوه فقضى على الثلاثة بخمس الدية وعلى الثلاثة بثلاثة أخماس الدية.
قال الشافعي:
ولسنا ولا أحد علمناه يقول بهذا.
يقولون ليس لولي الدم إلا أن يدعي على إحدى الطائفتين.
وقول الشافعي: إذا قتل بعضهم ولم يدر من قتله قيل للأولياء أقسموا على من شئتم واستحقوا الدية.
هذا إذا جاءوا جميعا فشهدوا.
4807 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي فيما بلغه عن عباد بن العوام عن عمر بن عامر عن قتادة عن خلاس عن علي:
أن غلامين كانا يلعبان نضليه فقال أحدهما: حذاري. وقال الآخر: حذاري.
فأصاب ثنيته فكسرها.
فرفع إلى علي فلم يضمنه.
قال الشافعي:
وهم يضمنون هذا ويخالفون ما رووا فيه.
4808 - وبإسناده قال قال الشافعي فيما بلغه عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن عبيد بن القعقاع قال:
كنت رابع أربعة نشرب الخمر فتطاعنا بمدية كانت معنا فرفعنا إلى علي فسجننا
146

فمات ما اثنان. فقال أولياء المقتولين:
أقدنا من الباقين.
فسأل على القوم: ما تقولون؟
قالوا نرى أن تقدهما.
قال: فلعل أحدهما قتل صاحبه.
فقالوا: لا ندري. قال: وأنا لا أدري.
وسأل الحسن بن علي فقال مثل مقالة القوم.
فأجابه بمثل ذلك.
فجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة ثم أخذ دية جراج الباقين.
لم يتكلم على هذا وإنما أورد هذه الآثار إلزاما للعراقيين / بالقصاص.
والثالث أن الهرمزان وإن أقر بالإسلام في الخبر الذي رواه حين مسه السيف فكان قد أسلم قبل ذلك وهو معروف مشهور فيما بين أهل المغازي.
وإنما قال: لا إله إلا الله حين مسه السيف.
إما تعجبا أو سعيدا لما اتهمه به عبيد الله بن عمر.
ومن الدليل على إسلامه قبل ذلك ما:
4809 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو الحسن المصري حدثنا مالك بن يحيى حدثنا علي بن عاصم عن داود بن أبي هند عن عامر عن أنس بن مالك. فذكر قصة قدوم الهرمزان على أمير المؤمنين عمر، وما جرى في أمانه.
قال فقال عمر بن الخطاب:
أخرجوا هذا عني سيروه في البحر.
قال الهرمزان: فسمعت عمر يتكلم بكلام بعدي فقلت للذي بعدي: إيش.
قال: قال: اللهم إكسر به.
قال قلت: قال: اللهم غرقه. قال: لا إنما قال: اللهم إكسر به. قال: فلما حمل في السفينة فسارت غير بعيد ففتح ألواح السفينة.
147

فقال الهرمزان: فوقعت في البحر فذكرت قوله أنه لم يقل: اللهم غرقه فرجوت أن أنجو فاستجيبت فنجوت فأسلم.
فهو ذا أنس بن مالك قد أخبر بإسلامة قبل ذلك بزمان.
4810 - وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس بن مالك قال:
حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر. فذكر الحديث في قدومه به على عمر وما جرى في أمانه قال أنس وأسلم وفرض له يعني أسلم الهرمزان وفرض له عمر.
وروينا عن جبير بن حية في حديث الأهواز قصة الهرمزان مع عمر، وقول عمر:
أما لي فأسلم.
قال: نعم فأسلم.
4811 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا الحسن بن صالح عن إسماعيل بن أبي خالد قال فرض عمر رضي الله عنه للهرمزان دهقان الأهواز / ألفين حين أسلم.
4812 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان أخبرنا الحميدي حدثنا عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن عبيد الله بن خليفة قال رأيت الهرمزان مع عمر بن الخطاب رافعا يديه يهل أو يكبر.
قال أحمد:
ولو اقتصر هذا الشيخ على ما احتج به مشايخه لم يقع له هذا الخطأ الفاحش.
لكنه يعرب ويخطىء ولا يستوحش من رد الأخبار الصحيحة ومعارضتها بأمثال هذا والله المستعان.
4813 - وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد السبعي في آخرين قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
148

((لا يقتل مؤمن بكافر)).
وروينا في حديث عائشة وعمران بن حصين ومعقل بن يسار عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وأما الحديث الذي:
4814 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني:
أن رجلا من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((أنا أحق من أوفى بذمته ثم أمر به فقتل)).
4815 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا أو حنيفة عن حماد عن إبراهيم:
أن رجلا من بكر من وائل قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب فيه عمر بن الخطاب أن يدفع إلى أولياء المتقول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا.
فدفع الرجل إلى ولي المقتول إلى رجل يقال له حنين من أهل الحيرة فقتله.
فكتب عمر بعد ذلك:
إن كان الرجل لم يقتل فلا تقتلوه.
فرأوا أن عمر أراد أن يرضيهم من الدية.
4816 - / وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا محمد بن يزيد أخبرنا سفيان بن
149

حسين عن الزهري أن ابن شاس الجذامي قتل رجلا من أنباط الشام فرفع إلى عثمان فأمر بقتله فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فنهوه عن قتله.
قال: فجعل ديته ألف دينار.
4817 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن - وفي كتاب أبي سعيد قال - قال محمد أخبرنا قيس بن الربيع عن أبان بن تغلب عن الحسن بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله مولى بني هاشم عن أبي الجنوب الأسدي قال:
أتي علي بن أبي طالب برجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة.
قال: فقامت عليه البينة فأمر بقتله.
فجاء أخوه فقال: قد عفوت.
قال: فلعلهم هددوك أو فرقوك [وفزعوك] قال: لا ولكن قتله لا يرد علي أخي وعوضوني فرضيت.
قال: أنت أعلم من كان ذميا فدمه كدمنا وديته كديتنا.
زاد أبو سعيد في روايته قال: وأخبرنا محمد بن الحسن قال أخبرنا ابن المبارك عن معمر قال حدثني من شهد قتل رجل بذمي بكتاب عمر بن عبد العزيز.
قال أحمد:
فقد كفانا الشافعي:
الجواب عن هذه الأخبار وذلك فيما:
4818 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قال قائل: فقد روينا من حديث ابن البيلماني أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قتل مؤمنا بكافر.
قلنا أفرأيت لو كنا نحن وأنت نثبت المنقطع بحسن الظن بمن روى فروى حديثان أحدهما منقطع والآخر متصل بخلافه.
150

أيهما كان أولى بنا أن نثبته الذي تبيناه وقد عرفنا من رواه بالصدق والذي تبيناه بالظن قال بالذي تبيناه متصلا.
قلنا فحديثنا متصل وحديث ابن البيلماني منقطع وحديث ابن البيلماني خطأ وإنما روى ابن البيلماني / فيما بلغني أن عمرو بن أمية قتل كافرا كان له عهد إلى مدة وكان المقتول رسولا فقتله النبي [صلى الله عليه وسلم].
فلو كان ثابتا كنت أنت قد خالفت الحديثين حديثنا وحديث ابن البيلماني.
قال: والذي قتله عمرو بن أمية قبل بني النضير وقبل الفتح بزمان.
وخطبة النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((لا يقتل مسلم بكافر)).
عام الفتح.
فلو كان كما يقول كان منسوخا.
قال: فلم لم تقل به وتقول هو منسوخ؟ وقلت: هو خطأ.
قلت: عاش عمرو بن أمية بعد النبي [صلى الله عليه وسلم] دهرا.
وأنت إنما تأخذ العلم من بعد ليس لك به مثل معرفة أصحابنا وعمرو قتل اثنين وداهما النبي [صلى الله عليه وسلم] ولم يزد النبي [صلى الله عليه وسلم] عمرا على أن
قال:
((قتلت رجلين لهما مني عهد لا دينهما)).
قال: فأنا إنما قلت بهذا مع ما ذكرنا بأن عمر كتب في رجل من بني شيبان قتل رجلا من أهل الحيرة فكتب أن اقتلوه.
ثم كتب بعد ذلك لا تقتلوه.
قلنا: أفرأيت لو كتب أن اقتلوه وقتل ولم يرجع عنه أكان يكون في أحد مع النبي [صلى الله عليه وسلم] حجة؟ قال: فلا.
قلنا: فأحسن حالك أن تكون احتججت بغير حجة أرأيت لو لم يكن فيه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] شيء نقيم الحجة عليك به ولم يكن فيه إلا ما قال عمر أكان يحكم ثم يرجع عنه إلا عن علم بلغه هو أولى من قوله أو أن يرى أن الذي رجع إليه أولى به من الذي قال فيكون قوله راجعا أولى أن تصير إليه.
151

قال: فلعله أراد أن يرضيه بالدية.
قلنا: فلعله أراد يخيفه بالقتل ولا يقتله.
قال: ليس هذا في الحديث.
قلنا: وليس ما قلت به في الحديث.
قال: فقد رويتم عن عمرو بن دينار أن عمر كتب في مسلم قتل نصرانيا: إن كان القاتل قتالا فاقتلوه وإن كان غير قتال فدوه ولا تقتلوه.
قلنا: فقد رويناه فإن شئت فقل هو ثابت / ولا تنازعك فيه.
قال: فإن قتله؟ قلت: فاتبع عمر كما قال فأنت لا تتبعه فيما قال.
قال: ولا نسمعك تحتج بما عليك.
قال: فيثبت عندكم عن عمر في هذا شيء؟
قلنا: ولا حرف.
وهذه أحاديث منقطعات أو ضعاف أو تجمع الانقطاع والضعف جميعا.
قال: فقد روينا فيه أن عثمان بن عفان أمر بمسلم قتل كافرا أن يقتله فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فمنعوه فوداه ألف دينار ولم يقتله.
فقلت: هذا من حديث من يجهل فإن كان غير ثابت فدع الاحتجاج به وإن كان ثابتا فعليك فيه حكم ولك فيه آخر فقل به حتى نعلم أنك قد اتبعته على ضعفه.
قال وما علي منه.
قلنا: زعمت أنه أراد قتله فمنعه أناس من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فرجع لهم.
فهذا عثمان وناس من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مجمعون أن لا يقتل مسلم بكافر فقد خالفتم.
قال: فقد أراد قتله.
152

قلنا: فقد رجع فالرجوع أولى به.
قال أحمد:
قد روينا عن علي بن المديني ثم عن صالح بن محمد الحافظ ثم عن أبي الحسن الدارقطني الحافظ أنهم ضعفوا حديث ابن البيلماني.
قال أبو الحسن فيما:
4819 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه:
ابن البيلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث. فكيف بما يرسله؟
وقال أبو عبيدة: هذا حديث ليس بمسند ولا يجعل مثله إماما تسفك به دماء المسلمين.
قال أبو عبيد: وقد أخبرني عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الواحد بن زياد قال:
قلت لزفر: إنكم تقولون: إنا نذرا الحدود بالشبهات وإنكم جئتم إلى أعظم الشبهات فأقدمتم عليها.
قال: وما هو؟ قال: قلت: المسلم يقتل بالكافر.
قال: فاشهد أنت على رجوعي عن هذا.
4820 - أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو الحسن الكارزي أخبرنا علي بن / عبد العزيز عن أبي عبيدة. فذكره.
وروينا عن مكحول في قتل عبادة بن الصامت نبطيا وقول عمر إجلس للقصاص.
153

فقال زيد بن ثابت: أتقيد عبدك من أخيك؟ فترك عمر القود وقضى عليه بالدية.
وفي حديث يحيى بن سعيد الأنصاري.
فقال المسلمون ما ينبغي هذا ولم يسم القاتل.
وفي حديث عمر بن عبد العزيز في مثل هذه القصة فقال أبو عبيدة بن الجراح:
أرأيت لو قتل عبدا له أكنت قاتله به؟
فصمت عمر بن الخطاب.
وروينا بإسناد موصول عن سالم عن ابن عمر.
أن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الذمة عمدا ورفع إلى عثمان فلم يقتله.
وأما الذي روي عن علي في قتل المسلم بالذمي.
فإنما رواه عنه أبو الجنوب وأبو الجنوب ضعيف الحديث. قاله الدارقطني فيما:
4821 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه.
وقاله غيره أيضا.
قال الشافعي في القديم:
وفي حديث أبي جحيفة عن علي ما دلكم أن عليا لا يروي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] شيئا فيقول بخلافه؟
154

قال ابن المنذر:
وقد ثبت عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب أنهما قالا:
لا يقتل مؤمن بكافر.
وروي عن عمر، وزيد بن ثابت.
وبالله التوفيق.
1009 - [باب]
منع قتل الحر بالعبد
4822 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
وإنما منعنا من قود العبد من الحر ما لا اختلاف شيئا فيه والسبب الذي قلناه له مع الاتباع أن الحر كامل الأمر في أحكام الإسلام والعبد ناقص في أحكام الإسلام وبسط الكلام في شرحه.
ثم ناقضهم لمنعهم القصاص بينهما في الجراح ولعله أراد بالاتباع ما روينا عن عمرو بن شعيب عن أبينه عن جده أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بقتل العبد.
4823 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث أخبرنا علي بن عمر / الحافظ حدثنا محمد بن الحسن المقرئ حدثنا أحمد بن العباس الطبري حدثنا إسماعيل بن سعيد حدثنا عباد بن العوام عن عمر بن عامر والحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فذكره.
4824 - وأخبرنا الإمام أبو عثمان أخبرنا زاهر بن أحمد حدثنا أبو القاسم البغوي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عباد بن العوام عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن أبا بكر وعمر كانا لا يقيدان الحر بالعبد.
155

وروينا عن بكير بن عبد الله بن الأشج أنه قال: مضت السنة بأن لا يقتل الحر المسلم بالعبد.
وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
4825 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا محمد بن أحمد بن عبدك حدثنا عمرو بن تميم حدثنا أبو غسان حدثنا إسرائيل عن جابر عن عامر قال قال علي:
من السنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حر بعبد.
تابعه وكيع بن الجراح عن إسرائيل.
وروي عن الحكم بن عتبة عن علي وعبد الله في الحر يقتل العبد؟ قالا: القود.
وفي رواية أخرى عن الحكم قال: قال علي وابن عباس:
إذا قتل الحر العبد متعمدا فهو قود.
وهذا لا يثبت لانقطاعه.
ولا الأول لتفرد جابر الجعفي به.
وروي عن عبد الله بن الزبير أنه لم يقد حرا بعبد.
ذكره ابن المنذر.
وروينا عن عطاء والحسن والزهري أنهم قالوا: لا يقتل الحر بالعبد.
وبه قال عكرمة وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز وأما حديث الحسن عن سمرة بن جندب:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه ومن خصاه خصيناه)).
156

فذهب جماعة من الحفاظ إلى أن الحسن عن سمرة كتاب وأنه لم ينتفع منه بغير حديث العقيقة.
وقد روى قتادة عنه هذا الحديث.
قال قتادة: ثم أن الحسن نسي هذا الحديث فقال:
لا يقتل حر بعبد.
قال أحمد:
ويحتمل أنه لم ينس / الحديث لكن رغب عنه لضعفه أو عرف ما نسخه والله أعلم.
وقد روى إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن علي:
أن رجلا قتل عبدا له فجلده رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مائة ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به.
وعن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثل ذلك.
4826 - أخبرناه أبو حازم الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن خميرويه حدثنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن عياش حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي فروه. فذكره بالإسنادين.
وهذا مما لا تقوم به الحجة لضعف إسحاق وإسماعيل.
وقد قيل عن إسماعيل عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وزاد: وأمره أن يعتق رقبة.
157

وقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في عبد أبصره سيده - أظنه قال -:
يقبل جارية له فغاز فجب مذاكيره.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((علي بالرجل)).
فطلب فلم يقدر عليه.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إذهب فأنت حر)).
فقال يا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على من نصرتي؟ قال:
((على كل مسلم)).
أو قال:
((على كل مؤمن)).
4827 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن الحسن بن تسنيم العتكي حدثنا محمد بن بكير حدثنا سوار أبو حمزة حدثنا عمرو بن شعيب. فذكره.
ورواه أيضا المثنى بن الصباح عن عمرو.
وروي فيه عن عمر، ولم يثبت إسناده والله أعلم.
وروي عن ابن عباس أنه لم ير قتله يقيده وقال: ليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين.
158

1010 - [باب]
قيمة العبد إذا قتل
4828 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في العبد يقتل:
فيه قيمته بالغة ما بلغت.
قال الشافعي:
وهذا / يروى عن عمر، وعلي رضي الله عنهما.
ثم جعله قياسا على البعير يقتل والمتاع يستهلك.
قال أحمد:
وقد روينا عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن عمر، وعلي في الحر يقتل العبد قالا:
ثمنه بالغا ما بلغ.
وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله.
1011 - [باب]
الرجل يقتل ابنه
4829 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب: أن رجلا من بني مدلج يقال له: قتادة حذف ابنه بسيف فأصاب ساقه فنزي في جرحه فمات.
فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال عمر:
159

أعدد لي على قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك فلما قدم عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ثم قال:
أين أخو المقتول؟ قال: ها أنا ذا. قال:
خذها فإن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((ليس لقاتل شيء)).
زاد أو عبد الله في روايته.
قال الشافعي:
وقد حفظت عن عدد من أهل العلم لقيتهم: أن لا يقتل الوالد بالولد.
وبذلك أقول.
قال أحمد:
هذا الحديث منقطع وهو في القود غير مرفوع للنبي [صلى الله عليه وسلم] فأكره الشافعي بأن عامة أهل العلم يقولون به.
وقد روي موصولا مرفوعا في القود.
4830 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا علي بن إبراهيم بن معاوية النيسابوري حدثنا محمد بن مسلم بن وارة قال حدثني محمد بن سعيد بن سابق حدثنا عمرو - يعني ابن أبي قيس - عن منصور عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص فذكر قصة وقال فيها عن عمر بن الخطاب:
لولا أني سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((لا يقاد الأب لابنه لقتلتك هلم ديته فأتاه بها)).
160

فدفعها إلى / ورثته وترك أباه.
وهذا إسناد صحيح.
رواه الدارقطني عن ابن مخلد وغيره عن ابن وراة ورواه الحجاج بن أرطأة عن عمرو بإسناده مرفوعا في إقادة الابن من أمه دون الأب من ابنه والحجاج غير محتج به.
ورواه الحكم بن عتيبة عن عرفجة عن عمر مرفوعا:
((ليس على الوالد قود من ولد)).
ورواه إسماعيل المكي ضعيف غير أن عبيد الله بن الحسن العنبري قد تابعه على روايته عن عمرو.
1012 - [باب]
القود بين الرجال والنساء وبين العبيد فيما دون النفس
قال البخاري في الترجمة.
وذكره ابن المنذر يذكر عن عمر بن الخطاب أنه قال: تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح.
قال البخاري:
وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو الزناد عن أصحابه.
قال البخاري:
وجرحت أخت الربيع إنسانا فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((القصاص)).
161

قال أحمد:
وروينا عن عمر بن الخطاب فيما كتب عمر بن عبد العزيز: يقاد المملوك من المملوك في كل عمد يبلغ نفسه فيما دون ذلك.
وروي عن علي أنه قال:
تجري جراحات العبيد على ما تجري عليه جراحات الأحرار.
وروى علي بن أبي طلحة في التفسير عن ابن عباس مثل قول عمر.
وروي عن زيد بن ثابت مرسلا نحو قوله الأول وقد ذكرنا أسانيد الأكثر من هذه الآثار في كتاب السنن.
قال الشافعي:
وإذا كانت النفس التي هي الأكثر بالنفس فالذي هو أقل أولى أن يكون بالذي هو أقل.
قال: وليس القصاص من العقل بسبيل وبسط الكلام فيه.
1013 - [باب]
النفر يقتلون الرجل ويصيبونه بجرح
4831 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب:
أن عمر بن الخطاب قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل قتلوه قتل غيلة.
وقال عمر: / لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله:
وقد سمعت عددا من المفتين وبلغني عنهم يقولون:
162

إذا قتل الرجلان أو الثلاثة أو أكثر الرجل عمدا فلوليه قتلهم معا.
وروى البخاري في الترجمة بإسناد صحيح عن ابن عمر: أن غلاما قتل غيلة.
فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم.
قال وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه: أن أربعة قتلوا صبيا. فقال عمر. مثلة.
قال أحمد:
وروى معناه عن علي.
4832 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
عن سفيان عن مطرف عن الشعبي عن رجلين أتيا عليا يشهدا على رجل أنه سرق. فقطع علي يده.
ثم أتياه بآخر. فقالا: هذا الذي سرق وأخطئنا على الأول.
فلم يجز شهادتهما على الآخر وعزمهما دية يد الأول وقال:
لو أعلمكما تعمدتما لقطعتكما.
ذكره البخاري في ترجمة الباب.
وروي عن علي:
أنه قتل ثلاثة نفر برجل.
وعن المغيرة بن شعبة: أنه قتل سبعة.
وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي وأبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن البصري.
1014 - [باب]
صفة قتل العمد وشبه العمد والخطأ
4833 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
163

القتل ثلاثة وجوه:
عمد: وهو ما عمده المرء بالحديد الذي هو وحي الإتلاف وبما الأغلب أنه لا يعاش من مثله بكثرة الضرب وتتابعه أو عظيم ما يضرب به مثل فضخ الرأس وما أشبهه فهذا كله عمد.
والخطأ: كل ما ضرب الرجل أو رمي يريد شيئا فأصاب غيره.
وسواء كان ذلك بحديد أو غيره.
وشبه العمد:
وهو ما عمد بالضرب الخفيف بغير الحديد مثل الضرب بالسوط أو العصا أو اليد فأتى على بدن المضروب فهذا العمد في الفعل.
القتل في الخطأ:
وهو الذي يعرفه العامة بشبه العمد وفي هذا الدية مغلظة فيه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعة خلفه ما بين ثنية إلى بازل / عامها.
4834 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((ألا إن في قتل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها)).
4835 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان حدثنا علي بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قام على درجة الكعبة يوم الفتح فقال:
((الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم ألا أن قتل العمد الخطأ بالسوط أو العصا فيه مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفه في بطونها أولادها ألا وإن كل
164

مأثرة ودم ومال كان في الجاهلية فهو تحت قدمي هاتين إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت فإني أمضيها لأهلها كما كانتا)).
4836 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((من قتل في عمية في رميا تكون بينهم بحجارة أو جلد بالسوط أو ضرب بعصا فهو خطأ عقله عقل الخطأ ومن قتل عمدا فهو قود يده فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل)).
قال أحمد:
الحديث الأول: رواه حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وأخرجه أبو داود في السنن.
والحديث الثاني: مرسل وقد رواه سليمان بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس موصولا.
وأخرجه أبو داود في السنن.
وقوله:
((فهو خطأ عقله عقل الخطأ)).
يشبه أن يكون المراد فهو شبه خطأ لا يجب به القود كالحديث الأول. والله أعلم.
165

والأصل في وجوب القصاص / بالمثل من طريق السنة ما:
4837 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس: أن جارية رضخ رأسها بين حجرين فقيل لها: من فعل هذا بك أفلان أفلان حتى سمى اليهود فأومت برأسها فبعث إلى اليهود فاعترف فأمر به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فرضخ رأسه بين حجرين.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث همام بن يحيى.
وروينا عن زياد بن علاقة عن مرداس: أن رجلا رمى رجلا بحجر فقتله فأتى به النبي [صلى الله عليه وسلم] فأقاده منه.
4838 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا عثمان بن عمر الضبي حدثنا مسدد حدثنا محمد بن جابر عن زياد بن علاقة عن مرداس فذكره.
تابعه الوليد بن أبي أيوب عن زياد بن علاقة.
ورواه الحجاج بن أرطأة عن زياد بن علاقة قال: أخبرنا أشياخنا الذين أدركوا النبي [صلى الله عليه وسلم]. فذكره.
وأما حديث المرأة التي ضربت ضرتها بعمود فسطاط: فقد روى أبو عاصم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أن عمر سأل الناس في الجنين فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال:
كنت بين امرأتين لي فضربت إحداهما الأخرى بعمود في بطنها جنين فقتلتها.
فقضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في الجنين بغرة وقضى أن تقتل المرأة بالمرأة.
166

4839 - أخبرناه أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد حدثتا أبو عاصم فذكره.
وذكره أيضا عبد الرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى بديتها وبغرة في جنينها.
وقد يضربها ضربا الأغلب منه أن لا تموت منه لا يجب به القصاص. والله أعلم.
وروينا عن عمر بن الخطاب ما دل على وجوب القصاص بالضرب بالعصا وغيره إذا كان مثله يقتل.
والله أعلم.
وروي عن علي / أنه قال: العمد كله قود.
وروي عن ابن عباس أنه قال في رجل أحرق دارا على قوم فاحترقوا قال:
يقتل.
ذكره ابن المنذر عنهما.
وأما حديث النعمان بن بشير عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((كل شيء خطأ إلا السيف)).
فمداره على جابر الجعفي وقيس بن الربيع وهما غير محتج بهما.
وقد روي في بعض ألفاظه.
((أن لكل شيء خطأ إلا السيف)).
وقد احتج الشافعي في جواز وقوع قتل الخطأ بالحديد بحديث أبي حذيفة بن اليمان قتل يوم أحد بالحديد. وحذيفة يقول: أبي أبي
قال أحمد:.
167

قد رواه الشافعي في موضع آخر بإسناده.
وروينا عن ابن شهاب عن عروة أنه قال:
أخطأ به المسلمون يومئذ فتوشقوه بأسيافهم يحسبونه من العدو وحذيفة يقول: أبي أبي فلم يفقهوا قوله حتى فرغوا منه فوداه رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال أحمد:
واختلف الحديث في المرأة التي سمت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بخيبر:
فروي أنه لم يتعرض لها.
وروي أنه أكل من تلك الشاة المسمومة بشر بن البراء فمات فقتلها رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
فيحتمل أنه لم يتعرض لها في الابتداء فلما مات منه بشر بن البراء أمر بقتلها وهذا هو الأظهر.
والله أعلم.
1015 - [باب]
الحال التي إذا قتل بها الرجل أقيد منه
4840 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع قال قال الشافعي:
قد خرق معاء عمر بن الخطاب من موضعين وعاش ثلاثا ولو قتله أحد في تلك الحال كان قاتلا.
وبرىء الذي جرحه من القتل في الحكم.
1016 - [باب]
قتل الإمام
4841 - أنبأئي أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع قال قال الشافعي:
168

بلغنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ولى رجلا على اليمن فأتاه رجل / أقطع اليد والرجل فذكر أن والي اليمن ظلمه.
فقال: لأن كان ظلمك لأقتد لك منه.
قال الشافعي:
وبهذا نأخذ.
قال أحمد:
قد روينا معنى هذا في حديث طويل عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة.
وعن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر.
وروينا عن بكير بن الأشج عن عبيدة بن مسافع عن أبي سعيد الخدري قال:
بينا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقسم شيئا أقبل رجل فأكبه عليه فطعنه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعرجون كان معه فجرح الرجل.
فقال له رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((تعالى واستقد)).
فقال: بل عفوت يا رسول الله.
4842 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج فذكره.
4843 - وأخبرناه أبو علي الروذباري حدثنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب عن عمرو فذكره بإسناده مثله إلا [أنه] قال:
يقسم قسما.
169

وقال: فجرح بوجهه.
وروينا عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] بعث أبا جهم مصدقا فلاجه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا النبي [صلى الله عليه وسلم] فقالوا القود يا رسول الله.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم].
(لكم كذا وكذا)).
فلم يرضوا. فقال:
((لكم كذا وكذا)).
فلم يرضوا. فقال:
' لكم كذا وكذا '.
فرضوا. وذكر الحديث.
هكذا رواه معمر موصولا.
ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال:
بلغنا. فذكره منقطعا.
ومعمر بن راشد حافظ قد أقام إسناده فقامت به الحجة.
وروينا عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان: أعطوا القود من أنفسهم فلم يستقد منهم وهم سلاطين.
4844 - أخبرناه محمد بن موسى حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب قال أخبرني / ابن أبي ذئب عن ابن شهاب فذكره.
4845 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن حماد عن قتادة عن خلاس عن علي قال:
170

إذا أمر الرجل عبده أن يقتل رجلا فإنما هو كسيفه أو كسوطه يقتل الولي ويحبس العبد في السجن.
قال ابن المنذر.
قال أبو هريرة:
يقتل الأمر ولا يقتل العبد.
وبه قال الشافعي في العبد إذا كان أعجميا لا يعقل أو صبيا.
4846 - وأخبرنا أبو سعيد في موضع آخر قال حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي فيما حكي عن محمد بن الحسن أخبرنا إسماعيل بن عياش الحمصي حدثنا
عبد الملك بن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أنه قضى في رجل قتل رجلا متعمدا وأمسكه آخر قال:
يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت.
قال الشافعي:
حد الله تبارك وتعالى الناس على الفعل نفسه وجعل فيه القود وتلي الآيات التي وردت فيه وفي الحدود فلو أن رجلا حبس رجلا لرجل فقتله قتل به القاتل وعوقب الحابس.
ثم ناقض محمد بن الحسن فيما أدخل على أهل المدينة حين قال بعضهم يقتل كلاهما بما قال في قتل الردة وفي قطاع الطريق.
قال الشافعي:
وروى محمد بن الحسن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:
يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت.
171

وهو لا يحبسه حتى يموت فيخالف ما احتج به.
قال أحمد:
روايات إسماعيل بن عياش عن ابن جريج ضعيفة.
وعطاء عن علي مرسل.
وقد رواه سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن عامر الشعبي عن علي قال:
يقتل القاتل ويحبس الممسك.
وجابر غير محتج به.
وروى سفيان وغيره عن إسماعيل بن أمية قال: قضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في رجل أمسك رجلا وقتل الآخر. قال:
((يقتل القاتل ويحبس الممسك)).
وهذا منقطع.
وروي عن أبي داود الحفري عن سفيان وعن إسماعيل / عن نافع عن ابن عمر.
موصولا، والصواب مرسل.
1017 - [باب]
الخيار في القصاص
4847 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا معاذ بن موسى عن بكر بن معروف عن مقاتل بن حيان قال مقاتل: أخذت هذا التفسير عن نفر حفظ معاذ منهم:
مجاهد، الحسن، الضحاك بن مزاحم في قوله عز وجل:
* (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأدآء إليه بإحسان) * إلى آخر الآية.
172

قال: كان كتب على أهل التورارة:
من قتل نفسا بغير نفس حق أن يقاد بها ولا يعفى عنه ولا تقبل منه الدية.
وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل ورخص لأمة محمد [صلى الله عليه وسلم] إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا وذلك قوله:
* (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة).
يقول الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية ولا يقتل.
ثم قال:
* (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم).
يقول من قتل بعد أخذه الدية فله عذاب أليم.
وقال في قوله:
* (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) *.
يقول لكم في القصاص حياة ينتهي بها بعضكم عن بعض أن يصيب مخافة أن يقتل.
4848 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة أخبرنا عمرو بن دينار قال سمعت مجاهدا يقول سمعت ابن عباس يقول:
كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله لهذه الأمة:
* (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء) *.
قال: العفو أن يقبل الدية في العمد.
173

* (فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم) *.
مما كتب على من كان قبلكم.
* (فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم) *.
أخرجه البخاري في الصحيح.
/ قال الشافعي في رواية أبي عبد الله:
وما قال ابن عباس في هذا كما قال. والله أعلم.
وكذلك قال مقاتل.
وتقضي مقاتل فيه أكثر من تقضي ابن عباس.
والتنزيل يدل على ما قال مقاتل لأن الله جل ثناؤه إذ ذكر القصاص ثم قال:
* (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) *.
لم يجز والله أعلم أن يقال إن عفي أن صولح عن أخذ الدية. لأن العفو ترك حق بلا عوض فلم يجز إلا أن يكون إن عفي عن القتل فإذا عفا لم يكن إليه سبيل وصار للعافي القتل مال في مال القاتل وهو دية قتيله فيتبعه بمعروف ويؤدي إليه القاتل بإحسان ولو كان إذا عفا عن القاتل لم يكن له شيء لم يكن للعافي أن يتبعه ولا على القاتل شيء يؤديه بإحسان.
قال: وقد جاءت السنة مع بيان القرآن بمثل معنى القرآن.
4849 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب
174

عن سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((إن الله تعالى حرم مكة ولم يحرمها الناس فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا فإن ارتخص أحد فقال: أحلت لرسول الله فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس وإنما أحلت لي ساعة من النهار ثم هي حرام كحرمتها بالأمس ثم إنكم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وإنا والله عاقلة من بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل)).
4850 - وأخبرنا أبو سعيد - في كتاب الديات - وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن ابن شريح الكعبي أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فلهم العقل وإن أحبوا فلهم القود)).
/ قال وأخبرنا الثقة عن معمر بن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثله أو مثل معناه.
وحديث أبي هريرة مخرج في الصحيحين من حديث شيبان والأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير.
وقال بعضهم في الحديث:
((ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعطى الدية وإما أن يقاد أهل القتيل)).
175

وقال بعضهم:
((إما أن يؤدوا وإما أن يقاد)).
وقال بعضهم:
((إما أن يقاد أو إما أن يفادى)).
وهذا الاختلاف في لفظ حديث أبي هريرة من أصحاب يحيى بن أبي كثير فاللفظ الذي يوافق حديث أبي شريح أولى.
وقد روى حديث أبي شريح من وجه آخر كذلك وذلك فيما:
4851 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو زرعة الدمشقي حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن الحارث بن
الفضيل عن سفيان بن أبي العوجاء السلمي عن ابن شريح الخزاعي قال سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((من أصيب بدم أو [خبل] فهو بالخيار بين إحدى ثلاث فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه بين أن يقبض أو يعفوا أو يأخذ العقل فإن قبل من ذلك شيئا ثم عدا بعد ذلك فإن له النار)).
وهذه الأحاديث لا تخالف حديث حميد عن أنس في كسر الربيع ثنية جارية وقول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((كتاب الله القصاص)).
وذاك لأن كتاب الله القصاص إلا أن يعفو عنه ولي الدم وليس إذا لم يقل في
176

ذلك الحديث التخيير بين الدية والقصاص ما دل على أنه لا يخير بدليل آخر على أنه أحاله على الكتاب.
وقد بين الشافعي ثبوت الخيار بقوله:
* (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) *).
قال المحتج بهذا الحديث:
لم يقض لهم بالدية حتى عفا القوم وهذا منه غفلة.
ففي هذا الحديث أنهم عرضوا الأرش عليهم فأبوا ثم قال في الحديث: فرضي القوم فعفوا.
/ والظاهر من هذا أنهم رضوا بأخذ الأرش وعفوا عن القصاص.
ثم هو في حديث المعتمر بن سليمان عن حميد عن أنس بن مالك قال: فرشوا بأرش أخذوه)).
وفي الحديث الثابت عن ثابت عن أنس: أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانا فاختصموا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((القصاص. القصاص)).
فقالت أم الربيع أيقتص من فلانة؟ لا والله لا يقتص منها.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((سبحان الله يا أم الربيع القصاص كتاب الله)).
فقالت: لا والله لا يقتص منها أبدا.
قال فما زالت حتى قبلوا الدية.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إن من عباد الله لو أقسم على الله لأبره)).
177

4852 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس هو الأصم حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا زهير حدثنا عفان أخبرنا حماد عن ثابت فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان وقد أخرجته في كتاب السنن عاليا.
1018 - [باب]
العفو عن القصاص بلا مال
4853 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وإن أحب الولاة أو المجروح العفو في القتل بلا مال ولا قود فذلك لهم.
فإن قال قائل: فمن أين أخذت العفو بلا مال ولا قود؟
قيل: قول الله تعالى:
* (فمن تصدق به فهو كفارة له) *.
ومن الرواية عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في أن العفو عن القصاص كفارة أو قال سببا يرغب به في العفو عنه.
\ فإن قال قائل: فإنما قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فالقود وإن أحبوا فالعقل)).
قيل له: نعم قيل: قاله فيما يأخذون من القاتل من القتل والعفو بالدية والعفو بلا واحد منهما ليس يأخذ من القاتل إنما هو ترك له.
كما قال:
((من وجد / غير ماله عند معدم فهو أحق به)).
ليس أن ليس له تركه.
178

ولو ترك شيء يوجب له إنما هو له وكل ما قيل له أخذه فله تركه.
قال أحمد:
قد روينا عن أنس بن مالك قال:
ما رأيت النبي [صلى الله عليه وسلم] وسلم رفع إليه شيء من قصاص إلا أمر فيه بالعفو.
4854 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس - هو الأصم - حدثنا أبو عبد الله حدثنا محمد بن الجهم بن هارون حدثنا هوذة بن خليفة البكراوي حدثنا عوف عن حمزة أبي عمر العائذي عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال:
شهدت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حين جيء بالرجل القاتل يقاد في نسعه فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لولي المقتول.
((أتعفو))؟.
قال: لا، قال:
((فتأخذ الدية))؟.
قال: لا. قال:
((فتقتله))؟
قال: نعم. قال:
((إذهب به)). فلما ذهب به فتولى من عنده قال له:
((تعاله أتعفو)).
مثل قوله الأول. فقال ولي المقتول مثل قوله الأول ثلاث مرات. قال: فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عند الرابعة:
((أما إنك إن عفوت فإنه يبوء بإثمك وإثم صاحبك)).
قال: فتركه.
179

قال: فأنا رأيته يجر نسعيه.
وروينا في حديث مرسل عن عبادة بن الصامت عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((من أصيب بجسده بقدر نصف ديته فعفا كفر عنه نصف سيئاته وإن كان ثلثا أو أربعا فعلى قدر ذلك)).
وقيل: في هذه القصة:
عن أبي الدرداء أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((ما من رجل مسلم يصاب بشيء في جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه خطيئة)).
4855 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وإلى الإمام قتل من قتل على المحاربة لا ينتظر به ولي المقتول.
وقد قال بعض أصحابنا ذلك.
قال: ومثله الرجل يقتل الرجل من غير نائرة.
واحتج لهم بعض من تعرف مذاهبهم بأمر مجذر بن زياد أو مجذر بن زياد ولو كان حديثه يثبت قلنا به فإن ثبت فهو كما قالوا. ولا أعرفه إلى يومي هذا ثابتا.
وإن لم / يثبت فكل مقتول قتله غير المحارب فالقتل فيه إلى ولي المقتول من قبل إن الله تعالى يقول:
* (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) *.
وقال: * (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف) *.
فبين في حكم الله أنه جعل القتل والعفو إلى ولي الدم دون السلطان إلا في المحارب فإنه قد حكم في المحاربين أن يقتلوا أو يصلبوا فجعل ذلك عليهم حكما
180

مطلقا لم يذكر فيه أولياء الدم.
قال أحمد:
قصة مجذر بن زياد فيما:
4856 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا محمد بن أحمد بن بطة حدثنا الحسن بن الجهم حدثنا الحسين بن الفرح حدثنا الواقدي قال: ومجذر بن زياد قتله الحارث بن
سويد غيلة وكان مجذر قتل أباه سويد بن الصامت في الجاهلية فلما رجع النبي [صلى الله عليه وسلم] من حمراء الأسد أتاه جبريل عليه السلام فأخبره أن الحارث بن سويد قتل مجذر بن زياد غيلة وأمر بقتله فركب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى قباء. فذكر قصة في أخذه وأمره عويمر بن ساعدة بقتله وقوم مجذر حضور لا يقول لهم شيئا فقدمه فضرب عنقه.
وهذا منقطع.
ولم أضبط عن شيخنا ابن زياد إلا أن أبا أحمد العسكري وغيره من الحفاظ يقولون هو بالذال.
وذكر المفضل بن غسان الغلابي: الحارث بن سويد بن صامت في جملة من عرف بالنفاق قال:
وهو الذي قتل المجذر يوم أحد غيلة فقتله به نبي الله [صلى الله عليه وسلم].
4857 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي: أن عمر بن الخطاب أتي رجل قد قتل عمدا فأمر بقتله فعفا بعض الأولياء فأمر بقتله.
فقال ابن مسعود: كانت النفس لهم جميعا فلما عفا هذا أحيا النفس فلا يستطيع أن يأخذ حقه حتى يأخذ غيره.
قال: فما ترى؟ قال: أرى أن تجعل الدية عليه في ماله وترفع رخصة / الذي عفى.
181

فقال عمر: وأنا أرى ذلك.
وعن حماد عن إبراهيم قال:
من عفا من ذي سهم فعفوه عفو قد أجاز عمر وابن مسعود العفو من أحد الأولياء ولم يسلوا أقتل غيلة كان أو غيره.
قال أحمد:
هذا الذي رواه إبراهيم النخعي منقطع.
وقد روينا بإسناد موصول عن الأعمش عن زيد بن وهب قال:
وجد رجل عند امرأته رجلا فقتلها فرفع ذلك إلى عمر الخطاب فوجد عليها بعض إخوتها فتصدق عليه بنصيبه فأمر عمر لسائرهم بالدية وقيل: كانوا ثلاثة إخوة.
فقال عمر للباقين: خذا ثلثي الدية فإنه لا سبيل إلى قتله.
وروي من وجه آخر عن عمر:
أن رجلا رفع إليه قتل رجل فقالت أخت المقتول وهي امرأة القاتل قد عفوت عن حصتي من زوجي.
فقال عمر: عتق الرجل من القتل.
وروينا عن حصين عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة)).
4858 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس حدثنا ابن عبد الحكم حدثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي قال حدثني حصين. فذكر.
وروي في رواية أخرى:
182

((لأهل القتيل أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى وإن كانت امرأة)).
قال أبو عبيد:
يقول أيهم عفا عن دمه من الأقرب فالأقرب من رجل أو امرأة فعفوه جائز.
وقوله: ((ينحجزوا)) يعني يكفوا عن القود.
4859 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وإذا ضرب الرجل الرجل بالسيف ضربة يكون من مثلها القصاص أقص منه وإن لم يكن فيها قصاص فعليه الأرش ولا تقطع يد أحد إلا السارق.
فقد ضرب صفوان بن معطل حسان بن ثابت بالسيف ضربا شديدا على عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فلم يقطع صفوان وعفى حسان بعد أن برئ فلم / يعاقب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] صفوان.
وهذا يدل على أن لا عقوبة على كل من كان عليه قصاص فعفا عنه في دم ولا جرح.
قال أحمد:
قد روينا في حديث ابن أوس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في حديث الإفك:
ضرب صفوان حسان بن ثابت بالسيف فسأله النبي [صلى الله عليه وسلم] أن يهب له ضربه صفوان إياه فوهبها له.
وروينا عن ابن شهاب أنه سئل عن رجل يضرب الآخر بالسيف في غضب ما يصنع به؟
قال: قد ضرب صفوان بن المعطل حسان بن ثابت فلم يقطع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يده.
183

1019 - [باب]
ولي الدم
4860 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى:
* (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا الوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) *.
وكان معلوما عند أهل العلم ممن خوطب بهذه الآية أن ولي الدم من جعل الله له ميراثا منه وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((من قتل قتلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا فالقود وإن أحبوا فالعقل)).
ولم يختلف المسلمون عليه في أن العقل موروث كما يورث المال وإذا كان هكذا لكل وارث ولي الدم كما كان لكل وارث ما جعل الله له من ميراث الميت.
وليس لأحد من الأولياء أن يقتل حتى يجمع جميع الورثة على القتل.
4861 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قال أبو يوسف عن رجل عن أبي جعفر: أن الحسن بن علي قتل أبا ملجم بعلي.
قال أبو يوسف:
وكان لعلي أولاد صغار.
قال أحمد:
يشبه أن يكون الحسن بن علي رضي الله عنه وقف على استحلال عبد الرحمن بن ملجم قتل أبيه فقتله لأجل ذلك.
184

واستدل بعض من / قال ذلك من أصحابنا بما روينا عن أبي سنان الدؤلي أنه عاد عليا في شكوى له قال:
فقلت له: لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين.
فقال: لكني والله ما تخوفت لأني سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الصادق المصدوق يقول:
((إنك ستضرب ضربة ها هنا وضربة ها هنا)).
- وأشار إلى صدغيه - ((فيسيل دمها حتى تغضب لحيتك ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقر أشقى ثمود)).
قلت: ويحتمل أن يكون رآه من الساعين في الأرض بالفساد فقتله لذلك لا بولاية القصاص.
والله أعلم.
1020 - [باب]
شرك من لا قصاص عليه
4862 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي فيما حكي عن محمد بن الحسن أخبرنا عباد بن العوام أخبرنا هشام بن حسان عن الحسن البصري أنه سئل عن قوم قتلوا رجلا عمدا فيهم مصاب؟
قال: تكون دية.
قال: وأخبرنا عباد بن العوام عن عمر بن عامر عن إبراهيم النخعي أنه قال:
إذا دخل خطأ في عمد فهي دية.
قال الشافعي:
أصل هذا عندي أن ينظر إلى القتل فإن كان عمدا كله لا يخلطه خطأ فاشترك
185

فيه اثنان أو ثلاثة فمن كان عليه القود منهم اقتد منه ومن زال عنه القود أزاله وجعل عليه حصته من الدية.
وجعل ذلك شبيها بالرجلين يقتلان الرجل فيعفو الولي عن أحدهما أو يصالحه فيكون له أن يقتل الآخر.
قال أحمد:
وروي عن عمر أنه قال:
عمد الصبي وخطؤه سواء.
وإسناده منقطع وراويه ضعيف إنما رواه جابر الجعفر عن الحكم عن عمر.
وروي عن علي أنه قال:
عمد الصبي والمجنون خطأ.
وإسناده ضعيف بمرة.
1021 - [باب]
القصاص بغير السيف
قد روينا في الحديث الثابت عن قتادة عن أنس أن جارية قد رض رأسها بين حجرين فقيل لها: من فعل بك هذا؟
أفلان أفلان حتى سمى / اليهودي فأومت برأسها فأخذ اليهودي فاعترف فأمر النبي [صلى الله عليه وسلم] أن ترض رأسه بالحجارة.
4863 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس. فذكره.
أخرجاه في الصحيح من حديث همام.
186

وفي رواية عفان عن همام:
إن جارية رضخ رأسها بين حجرين [فقيل لها من فعل هذا بك؟ أفلان أفلان حتى سمى اليهودي فأومت برأسها فبعث إلى اليهودي فاعترف] فأمر به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فرضخ رأسه بين حجرين:
وفي رواية هشام بن زيد عن أنس بن مالك قال:
فقتلها بحجر فقتله رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بين حجرين.
فهذا كله يدل على أنه [صلى الله عليه وسلم] اعتبر المماثلة في قتله بها حكما يقتضيه لفظ القصاص الذي ورد به الكتاب.
ولا يجوز معارضته بحديث أبي قلابة عن أنس أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أمر به أن يرجم حتى يموت فرجم.
فإن هذا لا يخالفه فإن الرجم والرضخ والرض: كله عبارة عن الضرب بالحجارة.
ثم بين قتادة الموضع الذي ضرب فيه.
وفي رواية هشام دلالة عليه ولم يثبته أبو قلابة فيما روي عنه فيؤخذ بالبيان.
ولا تجوز دعوى النسخ فيه بنهي النبي [صلى الله عليه وسلم] عن المثلى إذ ليس فيه تاريخ ولا يستدل على النسخ ويمكن الجمع بينهما.
فإنه إنما نهى عن المثلة ممن وجب قتله ابتداء لا على طريق المكافأة والمساواة.
وحديث جابر الجعفي عن أبي حارث عن النعمان بن بشير عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((لا قود إلا بالسيف)).
187

تفرد به جابر الجعفي وهو ضعيف لا يحتج به.
واختلف عليه في لفظه.
وروي عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن النعمان بن بشير.
وقيل عن أبي بكرة وكلاهما ضعيف.
وروي من أوجه أخر كلها ضعيفة.
والله أعلم.
1022 - [باب]
القصاص فيما دون النفس
4864 - / أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
ذكر الله تعالى ما فرض على أهل التوراة فقال:
* (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص).
قال: وروي من حديث عن عمر أنه قال:
رأيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يعطي القود من نفسه وأبا بكر يعطي القود من نفسه وأنا أعطي القود من نفسي.
وهذا الذي ذكره الشافعي:
رويناه عن العمري عن أبي النضر عن عمر مرسلا. وقد:
4865 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أبو صالح أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي فراس قال:
خطبنا عمر بن الخطاب فقال:
188

إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخدوا أموالكم فمن فعل به غير ذلك فليرفعه إلى أقصه منه.
قال عمرو بن العاص:
لو أن رجلا أدب بعض رعيته أتقصه منه؟
قال: أي والذي نفسي بيده أقصه وقد رأيت النبي [صلى الله عليه وسلم] أقص من نفسه.
ثم في حديث أبي النضر من الزيادة ما أشار إليه الشافعي من حديث أبي بكر.
4866 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا محمد بن أبان عن صالح القرشي عن حماد عن النخعي قال: ليس في عظم قصاص إلا في السن (...).
قال أحمد:
وروينا عن الحجاج بن أرطأة عن عطاء أن عمر بن الخطاب قال: لا أقيد من العظام.
قال ابن المنذر:
وروينا عن ابن عباس أنه قال:
ليس في العظام قصاص.
قلت: وروي عن معاذ بن محمد الأنصاري عن أبي صهبان عن العباس بن عبد المطلب عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا قود في المأمومة ولا الجائفة ولا المنقلة)).
وروي عن طلحة بن يحيى عن يحيى وعيسى بن طلحة / أو أحدهما عن طلحة
189

أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((ليس في المأمومة قود)).
وروي عن طاوس عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((لا قصاص فيما دون الموضحة من الجراحات)).
وهذه الآثار كلها غير قوي إلا أنها إذا ضم بعضها إلى بعض أحدث قوة فيما اجتمعت فيه في المعنى.
والله أعلم.
1023 - [باب]
الاستثناء بالقصاص من الجرح والقطع
4867 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه حدثنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة قال:
طعن رجل في رجله فأتى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
أقدني منه. قال:
((انتظر)).
فعاد إليه. فقال:
((انتظر)).
فعاد إليه. فقال:
((انتظر)).
فعاد إليه فأقاده فبرئ المستقاد منه وشلت رجل الآخر فأتى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال: يا رسول الله.
برأت رجله وشلت رجلي. فقال:
190

((قد قلت لك انتظره)).
ولم ير له شيئا.
قال أحمد:
هذا هو الأصل في هذا الحديث وهو مرسل.
كذلك رواه أيوب وابن جريج عن عمرو بن دينار مرسلا. ورواه أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب عن عمرو عن جابر.
قال أبو الحسن الدارقطني الحافظ فيما:
4868 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه: أخطأ فيه ابنا أبي شيبة وخالفهما أحمد بن حنبل وغيره.
فرووه عن ابن عليه عن أيوب عن عمر مرسلا.
وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه وهو المحظوظ مرسلا.
قال أحمد:
وروي من أوجه كلها ضعيف عن أبي الزبير عن جابر: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى أن يمتثل من الجارح حتى يبرأ المجروح.
وفي بعضها:
((تقاس الجراحات ثم يستأنى بها سنة ثم يقضى فيها بقدر ما انتهت إليه)).
والعجب أن بعض من يدعي المعرفة بالآثار احتج برواية يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر أن النبي / [صلى الله عليه وسلم] أتي في جراح فأمرهم أن يستأنوا بها سنة.
ثم حكي عن علي بن المديني عن يحيى بن سعيد أنه أحب إليه في حديث
191

الزهري من محمد بن إسحاق فإن كان يستجيز بهذه الحكاية أن يحتج برواية يحيى بن أبي أنيسة وأخوه زيد بن أنيسة من الثقات يقول:
لا تكتبوا عن أخي فإنه كذاب.
وأحمد بن حنبل يقول:
يحيى بن أبي أنيسة متروك الحديث.
ويحيى بن معين في جميع الروايات عنه: يضعفه ويقول: لا يكتب حديثه.
فلم لا يجيز بتوثيق يحيى بن سعيد: سيف بن سليمان المكي الذي روى حديث القضاء بشاهد ويمين.
لخصمه أن يحتج بحديثه وله فيما روى متابعون.
وقد روى لنا يحيى بن أبي أنيسة أحاديث منها:
روايته عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في النهي عن بيع الرطب بالتمر الجاف وغير ذلك لم نعتمد على شيء مما تفرد به لمخالفته الثقات في كثير من رواياته.
وبالله التوفيق.
1024 - [باب]
من مات تحت حد أو قصاص في جرح
قال أحمد:
قد روينا عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عمر، وعلي أنهما قالا في الذي يموت في القصاص:
لا دية له.
وقد ذكره أبو يحيى الساجي في كتابه.
قال ابن المنذر.
192

وروينا عن أبي بكر وعمر أنهما قالا:
من قتله حد فلا عقل له.
وروينا عن عمر، وعلي أنهما قالا:
من مات في حد أو قصاص / فلا دية له.
4869 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن عبد الله في الذي يقتص منه فيموت.
قال على الذي اقتص منه الدية ويرفع عنه بقدر جراحه.
قال الشافعي:
وليسوا يقولون بهذا بل نقول نحن وهم:
لا شيء على المقتص لأنه فعل فعلا كان له أن يفعله. أورده فيما ألزم بعض العراقيين في خلاف عبد الله بن مسعود.
وهذا ليس بثابت عن ابن مسعود.
193

بسم الله الرحمن الرحيم
34 - كتاب الديات
1025 - [باب]
ما جاء في أسنان الإبل المغلظة
4870 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن علي بن زيد عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((ألا أن في قتل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مائة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها)).
4871 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقفي عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم].
قال أحمد:
وكذلك رواه هشيم بن بشير عن خالد الحذاء بإسناده هذا أن النبي [صلى الله عليه وسلم] خطب يوم الفتح فذكر ذلك بمعناه.
ورواه حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خطب يوم الفتح وقال فيه:
194

((ألا وإن قتل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط أو بالعصا [مائة من الإبل] منها أربعون في بطونها أولادها)).
4872 - أخبرناه أبو الحسن علي بن محمد المقبري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف / بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا حماد بن زيد فذكره.
4873 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
والستون التي مع الأربعين الخلفة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة.
وقد روي هذا عن بعض أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] وهو قول عدد ممن لقيت من المفتين.
ورواه في موضع آخر عن عمر بن الخطاب في قصة قتادة المدلجي.
ورويناه في أوجه آخر عن عمر.
ورويناه عن الشعبي عن زيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة.
قال الشافعي:
وروي عن علي بن أبي طالب مثل قولنا في شبه العمد: ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفه.
ومن حديث آخر:
ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة.
4874 - أخبرناه أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي قال:
الخطأ شبه العمد بالخشبة والحجر الضخم ثلث حقاق وثلث جذاع وثلث ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة.
195

قال أحمد:
وروي عن عثمان وزيد بن ثابت في المغلظة:
أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون.
وعن ابن مسعود في شبه العمد:
خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض.
وفي رواية أخرى عن ابن مسعود:
وربع ثنية إلى بازل عامها بدل بنات مخاض.
وإذا اختلفوا هذا الاختلاف فقول من يوافق قوله ما روينا فيه من السنة يكون أولى بالاتباع مع ما فيه عن عمر بن الخطاب وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في العمد وشبه العمد مثل قول عمر.
4875 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن مكرم أخبرنا أبو النضر حدثنا محمد - هو ابن / راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((من قتل متعمدا دفع إلى أولياء القتيل فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة)).
وذلك عقل العمد وما صالحوا عليه فهو لهم وذلك تشديد في العقل.
زاد فيه أبو بكر أحمد بن الحسن عن أبي العباس بإسناده هذا:
وأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
196

((عقل شبه العمد مغلظة مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه ذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فتكون دماء في عمياء في غير ضغينة ولا حمل سلاح)).
4876 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: تغليظ الإبل؟
قال: مائة من الأصناف كلها من كل صنف ثلثه ويؤخذ في مضي كل سنة ثلاث عشرة وثلث خلفة وعشر جذاع وعشر حقائق.
قال الشافعي:
والتغليظ كما قال عطاء يؤخذ في مضي كل سنة ثلاث عشرة خلفة وثلث وعشر حقاق وعشر جذاع.
قال الشافعي:
والدية في هذا على العاقلة.
قال: ومثل هذا أسنان دية العمد إذا زال فيه القصاص. ودية العمد حالة كلها في مال القاتل.
قال الشافعي:
وتغلظ الدية في العمد في الشهر الحرام والبلد الحرام وقتل ذي الرحم.
كما تغلظ في العمد [غير] الخطأ لا تختلف ولا تغلظ فيما سوى هؤلاء.
4877 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
197

ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلا أوطأ امرأة بمكة فقضى فيها عثمان بن عفان بثمانية آلاف درهم دية وثلث.
قال الشافعي:
ذهب عثمان رضي الله عنه إلى التغليظ لقتلها في الحرم.
قال أحمد:
وفي رواية سعيد بن منصور عن سفيان في هذا الحديث بمكة في ذي القعدة فضلها.
قال أحمد:
/ وروى ليث عن مجاهد:
أن عمر بن الخطاب قضى فيمن قتل في الحرم أو في الشهر الحرام أو وهو محرم بالدية وثلث الدية.
وهو منقطع.
وروي عن عكرمة عن عمر ما دل على التغليظ في الشهر الحرام والحرمة.
وفي حديث إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت في تقويم عمر بن الخطاب الدية قال فيه:
وتزاد ثلث الدية في الشهر الحرام وثلث أخرى للبلد الحرام قال:
فتمت دية الحرمين عشرين ألف.
وهذا منقطع بين إسحاق وعبادة وحديث عثمان أصح.
4878 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة أخبرنا أبو الوليد حدثنا عبد الله بن شيرويه أخبرنا إسحاق أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي زيد عن نافع بن جبير قال قال ابن عباس: يزاد في دية المقتول في أشهر الحرام
198

أربعة آلاف وفي دية المقتول في الحرم.
وروي عن ابن المسيب وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وجابر بن زيد أنهم قالوا في الذي يقتل في الحرم:
دية وثلث.
1026 - [باب]
دية الخطأ
4879 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قال الله تبارك وتعالى:
* (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) *.
قال الشافعي رحمه الله:
فأحكم الله جل ثناؤه في تنزيل كتابه أن على قاتل المؤمن دية مسلمة إلى أهله وأبان على لسان نبيه [صلى الله عليه وسلم] كم الدية.
قال: وكان نقل عدد من أهل العلم عن عدد لا تنازع بينهم أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى بدية المسلم مائة من الإبل.
وكان هذا أقوى من نقل الخاصة.
وقد روي من طريق الخاصة.
وبه نأخذ ففي المسلم يقتل خطأ مائة من الإبل.
وذكر حديث ابن عيينة وقد مضى.
4880 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي /
199

أخبرنا الثقفي عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب البني [صلى الله عليه وسلم] أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال يوم فتح مكة:
((ألا إن في قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا الدية مغلظة منها أربعون في بطونها أولادها)).
وإنما قصد الشافعي بهذا إثبات العدد دون الصفة.
4881 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لعمرو بن حزم:
((وفي النفس مائة من الإبل)).
4882 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر في الديات في كتاب النبي [صلى الله عليه وسلم] لعمرو بن حزم:
((وفي النفس مائة من الإبل)).
قال ابن جريج: قلت لعبد الله بن أبي بكر:
أفي شك أنتم من أنه كتاب النبي [صلى الله عليه وسلم]؟ قال: لا.
1027 - [باب]
أسنان الإبل في الخطأ
4883 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وإذا قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((في قتيل العمد الخطأ مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها)).
ففي ذلك دليل على أن دية الخطأ الذي لا يخلطه عمد مخالفة هذه الدية وقد
200

اختلف الناس فيها فألزم القاتل مائة من الإبل بالسنة ثم ما لم يختلفوا فيه ولا ألزمه من أسنان الإبل إلا أقل ما قالوا: يلزمه لأن اسم الإبل يلزم الصغار والكبار فدية الخطأ أخماس عشرون ابنة مخاض وعشرون ابنة لبون وعشرون بنو لبون ذكور وعشرون حقة وعشرون جذعة.
4884 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن.
وبلغه عن سليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون:
دية الخطأ / عشرون ابنة مخاض وعشرون ابنة لبون وعشرون ابن لبون ذكر وعشرون حقة وعشرون جذعة.
قال أحمد:
ورواه مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار.
ورواه أبو الزناد عن أصحابه من فقهاء التابعين بالمدينة.
4885 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن أبي عاصم عن عاصم بن ضمرة عن علي:
في الخطأ خمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون.
وروينا عن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت:
الخطأ ثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون وعشرون بنات مخاض وعشرون بنو لبون ذكور.
فكان ما حكاه الشافعي عن التابعين أقل ما قيل فيها واسم الإبل واقع عليها فلم يوجب أكثر منها. وقد:
201

4886 - أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان أخبرنا حمزة بن محمد بن العباس حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه قال:
في الخطأ أخماس عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات لبون وعشرون بنات مخاض وعشرون بني مخاض.
وكذلك رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله. وعن منصور عن إبراهيم عن عبد الله.
وكذلك رواه أبو ملجز عن أبي عبيدة عن عبد الله.
وهذا الذي قاله عبد الله بن مسعود في السن أقل مما حكاه الشافعي عن بعض التابعين.
واسم الإبل يقع عليه وهو قول صحابي فقيه فهو أولى بالاتباع ومن رغب عنه احتج بحديث سهل بن أبي حثمة في القسامة قال:
كره نبي الله [صلى الله عليه وسلم] أن يبطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة.
قالوا: وليس لبني المخاض مدخل في فرائض الصدقات.
/ وحديث القسامة وإن كان من قتل العمد ونحن نتكلم في دية الخطأ فكأن النبي [صلى الله عليه وسلم] حين لم يثبت ذلك القتل عليهم وداه بدية الخطأ متبرعا بذلك.
والله أعلم.
وعلل حديث ابن مسعود بأنه منقطع وذلك لأن أبا إسحاق رأى علقمة ولم يسمع منه شيئا.
4887 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا
202

يعقوب بن سفيان حدثنا بندار حدثنا أمية بن خالد حدثنا شعبة قال:
كنت عند أبي إسحاق الهمداني فقيل له: إن شعبة يقول: إنك لم تسمع من علقمة شيئا؟
قال: صدق.
وأما أبو عبيدة فإنما لم يسمع من أبيه شيئا.
4888 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس الدوري حدثنا قراد أبو نوح حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال:
سألت أبا عبيدة: تحفظ من أبيك شيئا؟
قال: لا.
وأما إبراهيم عن عبد الله فهو منقطع لا شك فيه.
وقد روي ذلك عن الحجاج بن أرطأة عن زيد بن جبير عن خشيف بن مالك عن ابن مسعود عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وحشف بن مالك مجهول.
واختلف فيه على الحجاج بن أرطأة والحجاج غير محتج به والله أعلم.
وروي عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في الدية الكبرى والصغرى بخلاف هذا كله في بعض الأسنان.
وإسحاق عن عبادة منقطع.
وروى محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في الدية الصغرى بخلاف ذلك ولم يضم إليه ما يؤكده.
ومحمد بن راشد غير محتج به.
203

1028 - [باب]
إعواز الإبل
4889 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
وعام في أهل العلم أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فرض / الدية من الإبل ثم قومها عمر بن الخطاب عن أهل الذهب والورق والعلم محيط إن شاء الله أن عمر لا يقومها إلا قيمة يومها. ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ولعل عمر أن لا يكون قومها إلا في حين وبلد هكذا قيمتها [فيه] حين إعوزت ولا يكون قومها إلا برضا من الجاني وولي الجناية.
4890 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب ومكحول عن عطاء قالوا:
أدركنا الناس على أن دية الرجل المسلم الحر على عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] مائة من الإبل.
فقوم عمر رضي الله عنه [تلك الدية] على أهل القرى ألف دينارا أو اثنى عشر ألف درهم فإن كان الذي أصابه من الأعراب فديته مائة من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق.
ودية الأعرابي إذا أصابه الأعرابي مائة من الإبل.
قال الشافعي:
وهذا يدل على ما وصفت ألا ترى أنه لا يكلف الأعرابي ذهبا ولا ورقا لوجود
204

الإبل وأخذ الذهب والورق من القروي لإعواز الإبل فيما أرى - والله أعلم - لأن الحق لا يختلف في الدية.
4891 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال:
كان النبي [صلى الله عليه وسلم] يقيم الإبل على أهل القرى بأربعمائة دينار أو عدلها من الورق ويقسمها على أثمان الإبل فإذا غلت رفع في قيمتها وإذا هانت نقص من ثمنها على أهل القرى الثمن ما كان.
4892 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال:
قضى أبو بكر على أهل القرى حين كثر المال وغلت الإبل فأقام مائة من الإبل بستمائة دينار إلى ثمانمائة دينار.
4893 - وبإسناده / أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يقول: على الناس أجمعين أهل القرى وأهل البادية مائة من الإبل على الأعرابي والقروي.
4894 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال: قلت لعطاء:
الدية الماشية أو الذهب؟
قال: كانت الإبل حتى كان عمر بن الخطاب فقوم الإبل عشرين ومائة كل بعير فإن شاء القروي أعطى مائة ناقة ولم يعط ذهبا كذلك الأمر الأول.
205

4895 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا شافع أخبرنا الطحاوي حدثنا المزني حدثنا الشافعي قال: سمعت عبد الوهاب الثقفي يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول:
أدركت الناس وهم يحفظون في دية المسلم من الغنم ألفي شاة.
زاد فيه غير شيخنا قال:
وسمعت الثقفي يقول سمعت يحيى بن سعيد يحدث عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب قال:
في الدية على أهل الشاة الشاة.
4896 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
قال محمد بن الحسن:
بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه فرض على أهل الذهب ألف دينار في الدية وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم.
حدثنا بذلك أبو حنيفة عن الهيثم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب.
وزاد: على أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل الغنم ألفي شاة.
قال: وأخبرنا الثوري قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن عن الشعبي قال:
على أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار.
قال محمد بن الحسن:
وقال أهل المدينة أن عمر فرض الدية على أهل الورق اثني عشر ألف درهم.
ثم ساق محمد بن الحسن كلامه إلى أن قال:
ونحن فيما نظن أعلم بفريضة عمر بن الخطاب حين فرض الدية دراهم من أهل المدينة لأن الدراهم على أهل العراق وإنما كان يؤدي الدية دراهم أهل العراق.
206

قال محمد: وقد / صدق أهل المدينة أن عمر بن الخطاب فرض الدية اثني عشر ألف درهم ولكنه فرضها اثني عشر ألف درهم وزن ستة.
4897 - أخبرنا الثوري عن مغيرة الضبي عن إبراهيم قال:
كانت الدية الإبل فجعلت الإبل الصغير والكبير كل بعير مائة وعشرين درهما وزن ستة فذلك عشرة آلاف درهم.
وقيل الشريك بن عبد الله: أن رجلا من المسلمين عانق رجلا من العدو فضربه فأصابت رجلا من المسلمين.
فقال شريك: قال أبو إسحاق:
عانق رجل منا رجلا من العدو فضربه فأصاب رجلا منا فسلت وجهه حتى وقع ذلك على حاجبيه وأنفه ولحيته وصدره فقضى فيه عثمان بن عفان بالدية اثني عشر ألفا.
وكانت الدراهم يومئذ وزن ستة.
قال الشافعي:
روى عطاء ومكحول وعمرو بن شعيب وعدد من الحجازيين أن عمر رضي الله عنه فرض الدية اثني عشر ألف درهم.
ولم أعلم أحدا بالحجاز خالف فيه عنه بالحجاز ولا عن عثمان بن عفان.
وممن قال الدية اثني عشر ألف درهم ابن عباس وأبو هريرة وعائشة.
لا أعلم خالف في ذلك قديما ولا حديثا.
ولقد رواه عكرمة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قضى بالدية اثني عشر ألف درهم.
وزعم عكرمة أنه نزل فيه:
* (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) *.
207

قال: أجد حديث عكرمة قد رواه محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس موصولا:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] جعل الدية اثني عشر ألفا.
قال: وذلك قوله:
* (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) *.
قال: أخذهم الدية.
4898 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا محمد بن غالب بن حرب حدثنا محمد بن سنان حدثنا محمد بن مسلم الطائفي فذكره.
قال أحمد:
ورواه أيضا سفيان بن عيينة عن / عمر، ومرة موصولا.
قال الشافعي:
فقلت لمحمد بن الحسن: أفتقول أن الدية اثني عشر ألف درهم وزن ستة؟
فقال: لا. فقلت:
فمن أين زعمت إذ كنت أعلم بالدية فيما زعمت من أهل الحجاز لأنك من أهل الورق وإنك عن عمر قبلتها لأن عمر قضى فيها بشيء لا تقضي به؟.
قال: لم يكونوا يحسنون.
قلت: أفتروي شيئا تجعله أصلا في الحكم وأنت تزعم أن من روى عنه لا يعرف ما قضى به؟
وبسط الكلام في هذا.
وفي الجواب عما احتج به محمد بن الحسن قال الشافعي:
ادعى محمد على أهل الحجاز أنه أعلم بالدية منهم وإنما عن عمر قبل الدية
208

من الورق ولم يجعل لهم أنهم أعلم بالدية إذ كان عمر منهم فمن الحاكم منه أولى بالمعرفة ممن الدراهم منه إذ كان الحكم إنما وقع بالحاكم.
قال أحمد:
رواياته عن عمر وعثمان منقطعة.
والرواية التي ذكرها الشافعي رحمه الله عن عمر أيضا منقطعة إلا أن أهل الحجاز أعرف بمذهب عمر من غيرهم.
وقد رويناها موصولة.
4899 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن عثمان حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:
كانت قيمة الدية على عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم.
ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين.
قال: فكان كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال:
إن الإبل قد غلت.
قال: فقومها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا وعلى أهل البقرة مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة.
قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع في الدية.
4900 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن يزيد بن هارون / هن هشام عن الحسن:
أن عليا قضى بالدية اثني عشر ألفا.
قال الشافعي:
209

وبهذا نقول وهم يقولون:
الدية عشرة آلاف درهم.
1029 - [باب]
جماع الديات فيما دون النفس
4901 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لعمرو بن حزم:
((وفي الأنف إذا أوعى جدعا مائة من الإبل وفي المأمومة ثلث النفس وفي الجائفة مثلها وفي العين خمسون وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل وفي السن خمس وفي الموضحة خمس)).
قال أحمد:
وقد حكى جماعة من التابعين عن هذا الكتاب الأحكام التي أمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في الديات وغيرها فكتبتها فيه وبعضهم يزيد على بعض.
وقد رواه يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن وهذه نسختها.
فذكر الحديث بطوله وفيه:
((وأن في النفس الدية مائة من الإبل وفي الأنف إذا أوعب جدعة الدية وفي اللسان الدية وفي الذكرالشفتين الدية وفي الدية وفي البيضتين وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي كل أصبع من الأصابع من
210

اليد والرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة / خمس من الإبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار.
4902 - أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان أخبرنا الحسن بن سفيان وأبو يعلى الموصلي وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار وحامد بن محمد بن شعيب وعبد الله بن محمد بن عبد العزيز قالوا: حدثنا الحكم بن موسى حدثنا يحيى بن حمزة فذكره قال:
كان في الكتاب: ((أنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بيته فإنه قود إلا أن يرضي أولياء المقتول)).
ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري أنه قرأ في هذا الكتاب وكان عند أبي بكر بن حزم فزاد ونقص فما زاد:
((في الأذن خمسون من الإبل وفي اليد خمسون من الإبل)).
قال الشافعي:
والموضحة من الرأس والوجه كله سواء.
وقد حفظت عن عدد لقيتهم وحكي لي عنهم أنهم قالوا:
في الهاشمة عشر من الإبل.
وبهذا أقول.
قال أحمد:
وقد روى محمد بن راشد عن مكحول عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت أنه قال:
في الهاشمية عشر.
قال الشافعي:
211

ولم نعلم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى فيما دون الموضحة من الشجاج بشيء.
وأكثر قول من لقيت: أن ليس فيما دون الموضحة أرش معلوم وأن في جميع ما دونها حكومة.
وبهذا أقول.
قال أحمد:
قد روينا معناه عن ابن شهاب وعمر بن عبد العزيز وربيعة وأبي الزناد.
وقاله مالك بن أنس.
4903 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن عبد الله بن الحارث - إن لم أكن سمعته من عبد الله عن مالك بن أنس عن يزيد بن قسيط - عن سعيد بن المسيب: أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف دية الموضحة.
4904 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج / عن الثوري عن مالك بن أنس عن يزيد بن عبيد الله بن قسيط عن ابن المسيب عن عمر وعثمان مثله أو مثل معناه.
قال الشافعي:
وأخبرني من سمع ابن نافع يذكره مالك بهذا الإسناد مثله.
قال الشافعي:
وقرأنا على مالك أنا لم نعلم أحدا من الأئمة في القديم والحديث قضى فيما دون الموضحة بشيء.
زاد أبو سعيد في روايته وهو - والله يغفر لنا وله - يروى عن إمامين عظيمين من
212

المسلمين عمر وعثمان:
أنهما قضيا فيما دون الموضحة بشيء مؤقت.
قال أحمد:
قد روينا عن عبد الرزاق أنه سأل مالك بن أنس أن يحدثه بحديث عمر وعثمان في الملطاة فامتنع وقال:
إن العمل عندنا على غيره.
ورجله عندنا ليس هناك - يعني يزيد بن عبد الله بن قسيط.
4905 أخبرناه أبو محمد السكري أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق فذكره.
4906 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
والذي قضى عمر بن الخطاب في الملطاة: وهي السمحاق والضلع عندنا - والله أعلم - أن ذلك على ما نقص المضروب وإنما ذلك حكومة.
وفيما ساق الشافعي كلامه إليه: روينا أن زيد بن ثابت قد قضى فيما دون الموضحة حتى في الدامية.
قال أحمد:
وهذا فيما رواه محمد بن راشد عن مكحول عن قبيصة عن زيد أنه قال:
في الدامية بعير وفي الباضعة بعيران وفي المتلاحمة ثلاث وفي السمحاق أربع وفي الموضحة خمس.
ومحمد بن راشد: ليس بالقوي.
وروي عن الحكم بن عتيبة عن علي أنه قال:
213

في السمحاق أربع من الإبل.
وعن جابر الجعفي عن عبيد الله بن نجي عن علي. مثله.
والأول منقطع. والثاني إسناده ضعيف.
وكأنهم إن صح شيء من ذلك حكموا فيها بحكومة بلغت هذا المقدار كما قال الشافعي في الملطاة.
والله أعلم.
/ وروينا عن إبراهيم بن أبي عبلة: أن معاذا وعمر جعلا فيما دون الموضحة أجر الطبيب.
وهو عنهما منقطع.
وروينا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن أبا بكر وعمر قالا:
في الموضحة في الوجه والرأس سواء.
1030 - [باب]
تفسير الشجاج
4907 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال الحسين بن محمد الماسرجسي - فيما قرأته من سماعه - أخبرنا أبو بكر أحمد بن مسعود التجيبي حدثنا يحيى بن محمد بن أخي حرملة حدثنا عمي حرملة بن يحيى قال قال الشافعي رحمه الله:
أول الشجاج الحارصة: وهي التي تحرص الجلد حتى تشقه قليلا ومنه قيل: حرص القصار الثوب إذا شقه.
ثم الباضعة: وهي التي تشق اللحم وتبضعه بعد الجلد.
214

ثم المتلاحمة: وهي التي أخذت في اللحم ولم تبلغ السمحاق.
والسمحاق: جلدة رقيقة بين اللحم والعظم وكل قشرة رقيقة فهي سمحاق.
فإذا بلغت الشجة تلك القشرة الرقيقة حتى لا يبقى بين اللحم والعظم غيرها فتلك السمحاق وهي الملطاة.
ثم الموضحة: وهي التي يكشف عنها ذاك القشر وتشق حتى يبدو وضح العظم فتلك الموضحة.
والهاشمة: التي تهشم العظم.
والمنقلة: التي ينتقل منها فراش العظم.
والآمة وهي: المأمومة وهي: التي تبلغ أم الرأس الدماغ.
والجائفة: وهي التي تخرق حتى تصل إلى السفاق.
وما كان دون الموضحة فهو خدوش فيه الصلح.
والدامية: التي تدمى من غير أن يسيل منها دم.
قال الشافعي في رواية الربيع:
لست أعلم خلاقا أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((في الجائفة ثلث الدية)).
وبهذا أقول.
قال أحمد:
روينا عن ابن المسيب: أن أبا بكر الصديق قضى في الجائفة نفذت من الجانب الآخر ثلثي الدية.
قال الشافعي:
215

إذا اصطلمت الأذنان ففيهما الدية قياسا على ما قضى به النبي صلى الله / عليه وسلم فيه بالدية من الاثنين من الإنسان.
قال أحمد:
وقد روينا في حديث يونس عن الزهري أنه قرأ في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لعمرو بن حزم:
((وفي الأذن خمسون من الإبل)).
وروينا عن عمر، وعلى أنهما قضيا بذلك.
4908 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قال عطاء: في الأذن إذا استوعبت نصف الدية.
قال الشافعي:
وفي السمع الدية والأذنان غير السمع.
قال الشافعي:
وإذا جنى عليه فذهب عقله ففي ذهاب عقله الدية.
قال أحمد:
وروى رشد بن سعد عن الإفريقي عن عتبة بن حميد عن عبادة بن نسي عن ابن غنم عن معاذ بن جبل عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((وفي السمع مائة من الإبل)).
وفيه:
216

((وفي العقل مائة من الإبل)).
وإسناده غير قوي.
وروي عن عمر ما دل على وجوب الدية في كل واحد منهما.
وروي عن زيد بن ثابت أنه قال:
وفي جفن العين ربع الدية.
وروينا فيه عن الشعبي.
وكذلك قال الشافعي.
4909 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
وروى عن ابن طاوس عن أبيه قال: عند أبي كتاب عن النبي [صلى الله عليه وسلم] فيه:
((وفي الأنف إذا قطع المارن مائة من الإبل)).
قال الشافعي:
حديث ابن طاوس في الأنف أبين من حديث آل حزم.
قال أحمد:
وإنما قال ذلك لأنه ليس فيما رواه الشافعي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن هذا الكتاب ذكر المارن.
وقد رواه محمد بن عمارة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: كان في كتاب عمرو بن حزم:
((وفي الأنف إذا استؤصل المارن الدية كاملة)).
قال الشافعي:
217

وفي الشفتين الدية وسواء العليا منهما والسفلى.
قضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] / في الأصابع بعشر عشر والأصابع مختلفة الجمال والمنفعة. فلما رأيناه إنما قصد الأسماء كان ينبغي في كل ما وقعت عليه الأسماء أن يكون هذا.
وبسط الكلام فيه.
وروينا عن زيد بن أسلم أنه قال:
مضت السنة في أشياء من الإنسان قال:
((وفي اللسان الدية وفي الصوت إذا انقطع الدية وفي الأسنان الدية)).
كذا روي في حديث زيد بن أسلم:
((وفي الأسنان الدية)).
وكذلك روي في حديث معاذ وإسناده ضعيف.
ورواية من روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((في كل سن خمس من الإبل)).
كثر وأشهر.
وروي عن عاصم بن حمزة عن علي قال:
وفي السن خمس.
4910 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري أن مروان بن الحكم بعثه إلى عبد الله بن عباس يسأله: ماذا في الضرس؟
218

فقال ابن عباس:
فيه خمس من الإبل.
قال فردني إليه مروان قال:
أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس؟
فقال ابن عباس:
لو لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء.
قال الشافعي:
وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله.
والدية المؤقتة على العدد لا على المنافع.
قال أحمد:
قد رواه الشافعي عن مالك في كتاب جراح الخطأ.
وإنما رواه في كتاب الديات والقصاص عن محمد بن الحسن عن مالك لأنه يحكي في ذلك الكتاب: أخبار محمد بن الحسن وكلامه على أهل المدينة ثم يذب الشافعي عنهم ويجيب محمد عما احتج به عليهم لا أنه لم يسمعه من مالك.
4911 - وأخبرنا أبو سعيد - في كتاب الديات - حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا محمد بن أبان عن حماد عن النخغي قال: في الأسنان في كل سن نصف العشر مقدم الفم ومؤخره سواء.
قال محمد بن الحسن:
وأخبرنا أبو حنيفة / عن حماد عن إبراهيم عن شريح قال:
الأسناد كلها سواء في كل سن نصف عشر الدية.
قال وأخبرنا بكير بن عامر عن الشعبي أنه قال:
219

الأسنان كلها سواء في كل سن نصف عشر الدية وذكر حديث أبي غطفان كما مضى.
قال الشافعي الحجة فيه ما قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((وفي السن خمس)).
فكانت الضرس سنا في فم لا يخرج من اسم السن.
وبسط الكلام فيه:
قال أحمد:
وروينا عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((الأصابع سواء والأسنان سواء الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء)) - يعني الخنصر والبنصر)).
4912 - وأخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد أباذي حدثنا أبو قلابة عبد الملك الرقاشي.
حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((هذه وهذه سواء)).
- يعني الخنصر والإبهام - ((والضرس والسنية)).
4913 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد سمع سعيد بن المسيب يقول:
قضى عمر بن الخطاب في الأضراس ببعير ببعير.
وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة.
220

فالدية تنقص في قضاء عمر وتزيد في قضاء معاوية. فلو كنت أنا جعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء.
قال الربيع: فقلت للشافعي:
فإنا نقول في الأضراس خمس خمس:
قال الشافعي:
فقد خالفتم حديث عمر وقلتم في الأضراس خمس خمس.
وهكذا تقول لما جاء عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((في السن خمس)).
وكانت الضرس سنا.
وبسط الكلام في ذلك وقال فيه:
هكذا ينبغي لنا ولكم أن لا نترك عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] شيئا أبدا لقول غيره.
قال أحمد:
وقد روي عن عمر أنه قال:
الأسنان / سواء الضرس والثنية.
وكأنه رجع إليه.
وروينا عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال:
إن السن إذا سودت تم عقلها.
وروينا عن بكير بن الأشج عن ابن المسيب أنه قال: في السن إذا أصيبت فاسودت بعد ذلك فسقطت ففيها عقلها كله كاملا.
221

1031 - [باب]
عقل الأصابع
4914 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إسماعيل بن علية بإسناده [عن رجل] عن أبي موسى قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((في الأصابع عشر عشر)).
هكذا رواه في كتاب الجراح ولم يسق إسناده.
4915 - وقد أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا إسماعيل حدثنا غالب التمار عن حميد بن هلال عن مسروق بن أوس عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((في الأصابع عشر عشر)).
هكذا رواه علي بن المديني عن إسماعيل.
ورواه ابن أبي عروية عن غالب التمار عن حميد بن هلال عن مسروق بن أوس عن أبي موسى.
وروينا في الحديث الثابت عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((هذه وهذه سواء)).
يعني: الخنصر والإبهام.
وفي رواية يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال:
222

جعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أصابع اليدين والرجلين سواء.
4916 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان وعبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب:
أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمس عشرة وفي التي تليها بعشر وفي الوسطى بعشر وفي التي تلي الخنصر بتسع وفي الخنصر بست.
زاد أبو عبد الله في روايته قال الشافعي:
لما كان معروفا / - والله أعلم - عند عمر رضي الله عنه:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى في اليد خمسين.
وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع نزلها منازلها فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف.
وهذا قياس على الخبر فلما وجد كتاب آل عمرو بن حزم فيه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل)).
صاروا إليه ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم - والله أعلم - حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال أحمد:
روينا عن جعفر بن عون عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في قضاء عمر في الأصابع نحو من رواية الشافعي إلا أنه قال:
في الإبهام ثلاثة عشر وفي التي تليها بإثني عشر وزاد حتى وجد كتاب عند آل عمرو بن حزم يذكرون أنه من رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
223

((وفيما هنالك من الأصابع عشر عشر)).
قال سعيد: فصارت الأصابع إلى عشر عشر.
4917 - أخبرناه أبو زكريا أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر بن عون فذكره.
1032 - [باب]
عين الأعور
4918 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال الشافعي:
وإذ قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((وفي العين خمسون)).
فإنما جعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في العين خمسين فمن جعل في عين الأعور أكثر من خمسين فقد خالف رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال أحمد:
وروينا عن عبد الله بن مغفل في أعور فقأ عين صحيح قال: العين بالعين.
وعن مسروق في الأعور تصاب عينه [الصحيح] قال: ما أنا فقأت عينه أنا أدى قتيل الله فيها نصف الدية.
قال أحمد:
وبعض أهل المدينة ذهبوا إلى إيجاب كمال الدية فيها.
وروي فيها عن عمر / وعلي.
والرواية فيها عن علي منقطعة.
224

وظاهر الكتاب والسنة يدل على ما قلنا.
والله أعلم.
1033 - [باب]
دية المرأة
4919 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب ومكحول وعطاء قالوا:
أدركنا الناس على أن دية المسلم الحر على عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] مائة من الإبل.
فقوم عمر بن الخطاب تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم.
ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمس مائة دينار أو ستة آلاف درهم.
فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل.
ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل.
وذكر حديث عثمان في المرأة التي وطئت بمكة.
4920 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي عن محمد بن الحسن أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علي بن أبي طالب أنه قال:
عقل المرأة على النصف من عقل الرجل والمرأة في العقل إلى الثلث ثم النصف فيما بقي.
قال: وأخبرني أو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال:
قول علي في هذا أحب إلي من قول زيد.
225

قال: وأخبرنا محمد بن أبان عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب أنهما قالا:
عقل المرأة على النصف من دية الرجل في النفس وفيما دونها.
قال أحمد:
وروينا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سأل سعيد بن المسيب بكم في أصبع المرأة؟
قال: عشر.
قال: كم في اثنين؟
قال: عشرون.
قال: كم في ثلاث؟
قال ثلاثون.
قال: كم في أربع؟ قال: عشرون.
قال ربيعة: حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها.
قال: أعراقي أنت؟
/ قال ربيعة: عالم متثبت أو جاهل متعلم.
قال: يا ابن أخي إنها السنة.
4921 - أخبرنا أبو زكريا في آخرين قالوا: حدثنا أبو العباس حدثنا بحر بن نصر قال حدثنا ابن وهب حدثني مالك وأسامة وسفيان عن ربيعة فذكره.
4922 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
القياس الذي لا يدفعه أحد يغفل ولا يخطئ به أحد فيما نرى أن نفس المرأة إذا كانت فيها من الدية نصف دية الرجل وفي يدها مثل نصف ما في يده أنه ينبغي أن يكون ما صغر من جراحها هكذا.
226

فلما كان هذا من الأمور التي لا يجوز لأحد أن يخطئ بها من جهة الرأي وكان ابن المسيب يقول: في ثلاث أصابع المرأة ثلاثون وفي أربع عشرون.
ويقال له: حين عظم جرحها ينقص عقلها؟
فيقول: هي السنة.
وكان يروي عن زيد بن ثابت:
أن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث دية الرجل ثم تكون على النصف من عقله.
لم يجز أن يخطئ أحد هذا الخطأ من جهة الرأي لأن الخطأ إنما يكون من جهة الرأي فيما يمكن مثله فيكون رأي أصح من رأي.
فأما هذا فلا أحسب أحد يخطئ بمثله إلا الاتباع لمن لا يجوز خلافه عنده.
فلما قال سعيد بن المسيب: هي السنة.
أشبه أن يكون عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أو عن عامة من أصحابه.
ولم يشبه زيد أن يقول هذا من جهة الرأي لأنه لا يحمله الرأي.
فإن قال قائل: عن علي خلافه.
فلا يثبت عن علي ولا عن عمر ولو ثبت كان يشبهان أن يكونا قالا به من جهة الرأي ولا يكون فيما قال سعيد السنة إذ كان يخالف القياس والعقل إلا علم اتباع فيما نرى. والله أعلم.
قال أحمد:
هذا قوله فيما ذب عن أهل المدينة ثم أردفه بأن قال: وقد كنا نقول به على هذا المعنى ثم وقفت عنه وأسأل الله الخير من قبل أنا قد نجد منهم من يقول السنة ثم لا نجد / لقوله السنة نفاذا بأنها عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
فالقياس أولى بنا فيها.
227

قال: ولا يثبت عن زيد إلا كثبوته عن علي.
قال أحمد:
إنما رواه عن علي وزيد الشعبي وإبراهيم النخعي وروايتهما عنهما منقطعة وكذلك رواية إبراهيم عن عمر.
والقياس ما قال الشافعي رحمه الله.
4923 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في ما بلغه عن شعبة عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله في جراحات الرجال والنساء:
يستوي في السن والموضحة وما خلا فعلى النصف.
قال الشافعي:
وهم يخالفون هذا فيقولون:
على النصف من كل شيء.
أورده فيما ألزم العراقيين عبد الله بن مسعود.
وقد روى هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال:
كان فيما جاء به عروة البارقي إلى شريح من عند عمر فذكر نحو قول ابن مسعود في جرح النساء. والله أعلم.
قال أحمد:
وروينا عن زيد بن أسلم أنه قال:
مضت السنة بأن في الذكر الدية وفي الأنثيين الدية.
وعن الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال في البيضتين: هما سواء.
228

وكذلك قاله عطاء ومجاهد وعروة ومسروق والحسن.
4924 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار: أن زيد بن ثابت قضى في العين القائمة إذا طفئت أو قال: بخقت بمائة دينار.
قال مالك: ليس على هذا العمل إنما فيها الاجتهاد لا شيء مؤقت.
وجعل الشافعي رحمه الله فيها الحكومة في موضع آخر ثم قال:
وقد قضى زيد بن ثابت في العين القائمة بمائة دينار ولعله قضى به على هذا المعنى.
قال أحمد:
وعلى هذا المعنى يشتبه أن يكون قول عمر بن الخطاب في العين القائمة والسن السوداء واليد الشلاء ثلث ديتها.
وروينا / عن مسروق أنه قال:
في العين العوراء واليد الشلاء ولسان الأخرس حكم.
وكذلك رواه محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي فيما حكاه الشافعي.
4925 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال:
سألت عطاء عن الحاجب يشان؟
قال: ما سمعت فيه بشيء.
قال الشافعي:
229

فيه حكومة بقدر الشين والألم.
4926 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قلت لعطاء:
حلق الرأس فيه نذر؟
فقال: لم أعلم.
قال الربيع: النذر والقدر واحد.
قال الشافعي:
لا نذر في الشهر معلوم.
قال أحمد:
ولم يثبت عن أحد من الصحابة ما روي عنهم.
فالذي روي عن أبي بكر:
أنه قضى في الحاجب إذا أصيبت حتى يذهب شعره بموضحتين عشر من الإبل.
إنما رواه عمرو بن شعيب عن أبي بكر منقطعا.
والذي روي عن زيد بن ثابت أنه قال:
في الشعر إذا لم ينبت الدية.
إنما رواه الحجاج بن أرطأة.
والحجاج غير محتج به عن مكحول عن زيد.
ومكحول لم يدرك زيدا فهو منقطع.
230

قال ابن المنذر وروينا عن زيد بن ثابت أنه قال:
في الحاجب ثلث الدية.
وقال في الشعر يجنى عليه فلا ينبت:
روينا عن علي وزيد أنهما قالا: فيه الدية.
قال ابن المنذر:
ولم يثبت عن علي وزيد ما روي عنهما.
1034 - [باب]
الترقوة والضلع
4927 - أخبرنا أبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب:
أن عمر بن الخطاب قضى في الضرس بجمل وفي الترقوة بجمل وفي الضلع بجمل.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد:
في الأضراس خمس خمس لما جاء عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((في السن خمس)).
وكانت / الضرس سنا.
ثم قال: وأنا أقول بقول عمر في الترقوة والضلع لأنه لم يخالفه أحدا من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] فيهما علمته.
فلم أراني أذهب إلى رأي فأخالفه به.
231

قال أحمد:
بهذا أجاب في كتاب اختلافه ومالك.
وبه أجاب في كتاب الديات.
وهو قول سعيد بن المسيب.
وقال الشافعي في كتاب الجراح:
يشبه والله أعلم أن يكون ما حكي عن عمر فيما وصفت حكومة لا توقيت عقل.
ففي كل عظم كسر من إنسان غير السن حكومة وليس في شيء منها أرش.
1035 - [باب]
دية أهل الذمة
4928 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
أمر الله تعالى في المعاهد يقتل خطأ بدية مسلمة إلى أهله.
ودلت سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على أن لا يقتل مؤمن بكافر.
مع ما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين فلم يجز أن يحكم على قاتل الكافر [إلا] بدية ولا أن يتقص منها إلا بخبر لازم.
وقضى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في دية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم.
وقضى عمر في دية المجوسي بثمانمائة درهم.
ولم نعلم أحدا قال في دياتهم أقل من هذا.
وقد قيل أن دياتهم أكثر من هذا فألزمنا قاتل كل واحد من هؤلاء الأقل مما اجتمع عليه.
232

4929 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن ثابت الحداد عن ابن المسيب:
أن عمر بن الخطاب قضى في دية اليهودي والنصراني بأربعة آلاف وفي دية المجوسي بثمانمائة درهم.
وكذلك رواه ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عمر وهو في كتاب / الدارقطني بإسناد صحيح.
وفيه أيضا عن يحيى بن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه.
4930 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن صدقة بن يسار قال:
أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن دية المعاهد فقال: قضى فيه عثمان بن عفان بأربعة آلاف.
قال فقلنا: فمن قتله؟: قال: فحصبنا.
قال الشافعي:
هم الذين سألوه آخرا.
وإنما أراد - والله أعلم - أن ابن المسيب كان يقول بخلاف ذلك ثم رجع إلى هذا.
وروي في دية المجوسي عن علي وعبد الله بن مسعود مثل قول عمر.
4931 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا محمد بن يزيد أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري أن ابن شاس الجذامي قتل رجلا من أنباط الشام فرفع إلى عمر فأمر بقتله فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فنهوه عن قتله.
قال: فجعل ديته ألف دينار.
233

4932 - وبإسناده عن الزهري عن ابن المسيب قال: دية كل معاهد في عهده ألف دينار.
4933 - وبإسناده قال وأخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا خالد بن عبد الله عن مغيرة عن إبراهيم قال:
دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء.
4934 - وبإسناده قال أخبرنا محمد أخبرنا خالد عن مطرف عن الشعبي مثله إلا أنه لم يذكر المجوسي.
قال الشافعي في حديث عثمان:
هذا من حديث من يجهل فإن كان غير ثابت فدع الاحتجاج به وإن كان ثابتا فعليك فيه حكم ولك فيه آخر فقل به حتى نعلم أنك قد اتبعته على ضعفه. يريد رجوعه عن قتل المسلم بالكافر.
قال: فقد روينا عن الزهري أن دية المعاهد كانت في عهد أبي بكر وعمر وعثمان دية تامة حتى جعل معاوية نصف الدية في بيت المال.
قلنا: فتقبل أنت / من الزهري إرساله فنحتج عليك بمرسله؟
قال: ما يقبل المرسل من أحد وإن الزهري لقبيح المرسل.
قلنا: فإذا أبيت أن تقبل المرسل فكان هذا مرسلا وكان الزهري قبيح المرسل عندك أليس قد رددته من وجهين؟
ثم استدل الشافعي برواية ابن المسيب عن عمر، وعثمان على خلاف حديث الزهري فيه.
قال سعيد بن المسيب عن عمر منقطع.
قال الشافعي:
إنه ليزعم أنه حفظ عنه ثم تزعمونه أنتم خاصة وهو عن عثمان غير منقطع.
قال أحمد:
234

أظنه أراد ما:
4935 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران حدثنا أبو عمرو بن السماك حدثنا حنبل بن إسحاق قال حدثني أبو عبد الله أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن إياس بن معاوية قال قال سعيد بن المسيب:
ممن أنت؟ قلت: من مزينة.
قال: إني لأذكر يوم نعى عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني على المنبر.
وروينا عن يحيى بن سعيد الأنصاري: أن ابن المسيب كان يسمي راوية عمر بن الخطاب لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه.
وقال مالك: بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره.
قال الشافعي:
الدية جملة لا دلالة على عددها في تنزيل الوحي وإنما قلنا عدد الدية مائة من الإبل عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وقبلنا عن عمر الذهب والورق إذ لم يكن عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في شيء.
فهكذا قبلنا عن النبي [صلى الله عليه وسلم] عدد دية المسلم.
وعن عمر دية غيره ممن خالف الإسلام إذ لم يكون فيه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] شيء.
ثم ذكر استواء الرجال والنساء والعبيد والأجنة في وجود الرقبة واختلافهم في بدل النفس.
قال في القديم:
فإذا كان الخبر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في دية الحر المسلم أنها مائة من الإبل فهل وجدت حديثا / عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أن دية المعاهد مثل دية المسلم؟
فذكر خبرا لا يثبت مثله.
قال أحمد:
وكأنه ذكر له حديث أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس قال:
235

جعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] دية العامريين دية الحر المسلم.
وكان لهما عهد.
وهذا حديث ينفرد به أبو سعد سعيد بن المرزبان البقال.
وأهل العلم لا يحتجون بحديثه.
ورواه أبو كرز الفهري عن نافع عن ابن عمر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ودى ذميا دية مسلم.
وأبو كرز هذا متروك الحديث ولم يروه عن نافع غيره.
قاله الدارقطني فيما:
4936 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه.
وأما من قال من أهل المدينة أن ديته نصف دية المسلم فإنما ذهبوا فيه إلى حديث عمرو بن شعيب.
قال الشافعي في القديم:
ذكر مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا يقتل مؤمن بكافر وديته نصف دية المسلم)).
236

قال الشافعي:
ورووه عن عمر بن عبد العزيز وقاله عوام منهم.
قال أحمد:
حديث عمر وقد روي عنه عن أبيه عن جده عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وقد روينا عن حسين المعلم عن عمرو عن أبيه عن جده قال: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ثمانمائة دينار: ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلم.
قال: وكان كذلك حتى استخلف عمر فذكر خطبته في رفع الدية حين غلت الإبل.
قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية.
فيشبه - والله أعلم - أن يكون قوله: على النصف من دية المسلم راجعا إلى: ثمان آلاف درهم. فتكون ديتهم في روايته في عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] أربعة ألاف درهم ثم لم يرفعها عمر فيما رفع من الدية وكأنه علم / - والله أعلم - أنها في أهل الكتاب توقيت وفي أهل الإسلام تقويم.
والذي يؤكد ما قلنا حديث جعفر بن عون ابن جريج عن عمرو بن شعيب:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] فرض على كل مسلم قتل رجلا من أهل الكتاب أربعة آلاف.
4937 - أخبرناه أبو زكريا أخبرنا أبو عبد الله الشيباني حدثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر فذكره.
4938 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد قال أخبرني سليمان بن يسار:
أن الناس كانوا يقضون في المجوس بثمانمائة درهم وأن اليهود والنصارى إذا أصيبوا يقضى لهم بقدر ما يعقلهم قومهم فيما بينهم.
أورده إلزاما لمالك في خلاف بعض التابعين.
237

1036 - [باب]
جراحة العبد
4939 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال:
عقل العبد في ثمنه.
زاد أبو عبد الله في روايته قال الشافعي:
سمعت منه كثيرا هكذا وربما قال كجراح الحر في ديته.
4940 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعيد عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال:
جراح العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته.
قال ابن شهاب:
وإن ناسا يقولون تقوم بسلعة.
وفي رواية أبي عبد الله قال أخبرنا الثقة = وهو يحيى بن حسان -.
قال أحمد:
ورويناه عن ابن المسيب من وجه آخر قال:
إذا شج العبد موضحة فله فيها نصف عشر قيمته.
وقال ذلك سليمان بن يسار وهو معنى قول شريح والشعبي والنخعي.
4941 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في العبد يقتل:
238

/ فيه قيمته بالغة ما بلغت.
وهذا يروى عن عمر، وعلي.
قال أحمد:
روينا عن عامر الشعبي أنه قال:
لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا.
وروي ذلك عن عمر مرسلا موقوفا على عمر.
4942 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا محمد بن أحمد بن زهير حدثنا عبد الله بن هاشم حدثنا وكيع حدثنا عبد الملك بن حسين أبو مالك عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عمر قال:
العمد والعبد والصلح والاعتراف في مال الرجل لا تعقله العاقلة.
وهذا منقطع بين الشعبي وعمر.
وعبد الملك بن حسين غير قوي والمحفوظ رواية ابن إدريس عن مطرف عن الشعبي من قوله.
وروي عن ابن عباس أنه قال:
لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك.
ورواه أبو الزناد عن أصحابه من فقهاء تابعي أهل المدينة بهذا المعنى.
وروي عن ابن عباس: أن العبد لا يغرم سيده فوق نفسه شيئا.
وروي عن عروة بن الزبير وغيره من فقهاء التابعين.
239

1037 - [باب]
من العاقلة التي تغرم
4943 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
لم أعلم مخالفا أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: قضى بالدية على العاقلة.
وهذا أكثر من حديث الخاصة وقد ذكرناه من حديث الخاصة يعني ما:
4944 - أخبرنا أبو سعيد وغيره - في مسئلة الجنين - قالوا حدثنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان أخبرنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم أن المرأة التي قضى عليها بالغزة توفيت / فقضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بأن ميرائها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها.
قال الشافعي:
فبين في قضاء رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذ قضى امرأة أصابت جنينا بغرة وقضى على عصبتها بأن عليهم ما أصابت وأمن ميراثها لولدها وزوجها وأن العقل على العاقلة وإن لم يرثوا وأن الميراث لمن جعله الله له.
قال: وقد روى هذا إبراهيم النخعي عن عبيد بن نضيلة عن المغيرة بن شعبة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة وقضى به على عاقلة الجانية التي أصابته.
4945 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضيلة عن المغيرة بن شعبة:
أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها
240

_ يعني وأسقطت ما في بطنها - فاختصموا إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال أحد الرجلين: كيف تدي من لا صاح ولا أكل ولا شرب ولا استهل فقال:
((أسجع كسجع الأعراب))؟
وقضى فيه بغرة وجعله على عاقلة المرأة.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث غندر عن شعبة.
4946 - أخبرنا أبو علي أبو بكر حدثنا أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور. بإسناده ومعناه وزاد قال:
فجعل النبي [صلى الله عليه وسلم] دية المقتولة على عصبة القاتلة وغرة لما في بطنها.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث جرير.
4947 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
ولم أعلم مخالفا في أن العاقلة العصبة وهم القرابة من قبل الأب.
قال: وقد قضى عمر بن الخطاب على علي بن أبي طالب بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب / وقضى للزبير بميراثهم لأنه ابنها.
قال أحمد:
وفي جامع الثوري عن حماد عن إبراهيم:
أن الزبير وعليا اختصما في موالي لصفية إلى عمر بن الخطاب فقضى بالميراث للزبير والعقل على علي.
ورواه أبو الزناد عن فقهاء التابعين من أهل المدينة.
قال أحمد:
241

وفي حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في حديث الجنين قال:
قضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بميراثها لولدها وزوجها وأن عقلها على عصبتها وقال:
((يد من أيديكم حنت)).
4948 - أخبرناه علي بن محمد المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق فذكره.
ورواه عبد الواحد بن زياد عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله:
أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد فجعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها.
فقالت عاقلة المتقولة: ميراثها لنا.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((ميراثها لزوجها وولدها)).
ثم ذكر حديث الجنين.
4949 - أخبرناه أبو الحسن المقرئ أخبرنا محمد بن الحسين حدثنا يوسف القاضي حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد. فذكره.
قال الشافعي:
ومن في الديوان ومن ليس فيه من العاقلة سواء قضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على العاقلة ولا ديوان حتى كان الديوان حين كثر المال في زمان عمر رضي الله عنه.
قال أحمد:
وروينا في الحديث الثابت عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كتب النبي [صلى الله عليه وسلم] على كل بطن عقولة.
242

4950 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عمرو / ابن أبي جعفر حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج فذكره.
1038 - [باب]
ما تحمل العاقلة
4951 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
قضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالدية على العاقلة وقضى في الجنين بغرة وقضى به على العاقلة فإذا قضى بالدية على العاقلة حين كانت دية ونصف عشر الدية على العاقلة حين كان نصف عشر الدية لأنهما معا من الخطأ فكذلك يقضى لكل خطأ - والله أعلم - وإن كان درهما واحدا.
وقال أبو حنيفة: يقضي عليهم بنصف عشر الدية ولا يقضي عليهم بما دونه لأنه لا يحفظ عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قضى فيما دون نصف العشر بشيء.
قيل له: فإن كنت إنما اتبعت الخبر فقلت: أجعل الجنايات على جانيها إلا ما كان فيه خير لزمك أن تقول:
إن جني جان ما في دية أو ما فيه نصف عشر دية فهي على عاقلته وإذا جنى ما هو أقل من دية وأكثر من نصف عشر الدية ففي ماله حتى تكون امتنعت من القياس عليه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وإذا قضى النبي [صلى الله عليه وسلم] أن العاقلة تعقل خطأ الحر في الأكثر قضينا به في الأقل.
والله أعلم.
قال الشافعي:
وقال بعض من ذهب إلى أن تعقل العاقلة الثلث ولا تعقل دونه.
فإن يحيى بن سعيد قال:
243

من الأمر القديم أن تعقل العاقلة الثلث فصاعدا.
قلنا: القديم قد يكون ممن يقتدى به ويلزم قوله ويكون من الولاة الذين لا يقتدى بهم ولا يلزم قولهم.
فمن أي هذا هو؟
قال: أظن به أعلاها وأرفعها.
قلت: أفتترك اليقين أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى بنصف عشر الدية على العاقلة لظن؟ لبئس ما أمرتنا لو لم يكن في هذا إلا القياس ما تركنا القياس بالظن.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
والسنة الثابتة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه / قضى بنصف عشر الدية على العاقلة.
فمن زعم أنه لا يقضي بها على العاقلة فلينظر من خالف.
فإن قال: قد أثبت المنقطع كما أثبت الثابت.
فقد روي عن ابن أبي ذئب عن الزهري:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمر رجلا ضحك في الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة.
وهو يعرف فضل الزهري في الحفظ عمن يروي عنه.
وأخبرنا سفيان عن ابن المنكدر أن رجلا جاء إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال: إن لي مالا وعيالا وإن لأبي مالا وعيالا يريد أن يأخذ مالي يطعم عياله؟!
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((أنت ومالك لأبيك)).
قال الشافعي:
244

وهو يخالف هذين الحديثين معهما لعله لو جمع لكان كثيرا من المنقطع فإن كان أحد أخطأ بترك تثبيت المنقطع فقد شركه في الخطأ وتفرد دونه بترك المتصل.
فكيف يجوز أن يكون المتصل مردودا ويكون المنقطع مردودا حيث أراد ثابتا حيث أراد. العلم إذا في هذا الذي يزعم هذا لا في الحديث. (...)
1038 - مكرر - [باب]
تنجيم الدية على العاقلة
((حلول الدية
4952 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
القتل ثلاثة وجوه:
عمد محض.
وعمد خطأ.
وخطأ محض.
فأما الخطأ:
فلا اختلاف بين أحد علمته في أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى فيه بالدية في ثلاث سنين.
وذلك في مضي ثلاث سنين من يوم مات القتيل.
ثم ساق الكلام في شرحه إلى أن قال:
والذي أحفظ من جماعة من أهل العلم أنهم قالوا في الخطأ العمد هكذا.
فأما العمد إذا قبلت فيه الدية [وعفى عن القتل] فالدية حالة كلها في مال القاتل وكذلك العمد الذي لا قود فيه.
245

مثل أن يقتل الرجل ابنه عمدا [أو غير مسلم عمدا].
وهكذا صنع عمر بن الخطاب في ابن قتادة المدلجي أخذ منه الدية في مقام واحد.
قال أحمد:
/ هكذا قال الشافعي في الخطأ أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى فيه بالدية في ثلاث سنين.
وإنما أراد - والله أعلم - في نقل العامة دون الخاصة وذلك بين في كلامه.
والذي قال في كتاب الرسالة من إضافة القضاء بدية الخطأ على العاقلة إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] وإضافة تنجيمها عليهم إلى من دونه أصح وأحرى على ما نقل إلينا من أخبار الخاصة. وبالله التوفيق.
4953 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ - في كتاب الرسالة - حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
وجدنا عاما في أهل العلم أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى في جناية الحر المسلم على الحر خطأ بمائة من الإبل على عاقلة الجاني.
وعام فيهم أنها في مضي الثلاث سنين في كل سنة ثلثها وبأسنان معلومة.
قال أحمد:
وروينا عن الشعبي أنه قال:
جعل عمر بن الخطاب الدية في ثلاث سنين وثلثي الدية في سنتين ونصف الدية في سنتين وثلث الدية في سنة.
وعن يزيد بن أبي حبيب:
أن عليا قضى بالعقل في قتل الخطأ في ثلاث سنين.
246

وإسنادهما مرسل.
وروينا عن يحيى بن سعيد أنه قال:
أن من السنة أن تنجم الدية في ثلاث سنين.
4954 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو بن نجيد حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا المعافى بن سليمان حدثنا زهير بن معاوية حدثنا الحسن بن عمارة حدثني واصل الأحدب عن المعرور:
أن عمر جعل الدية العقل كاملا في ثلاث سنين والنصف في سنتين وما دون ذلك في سنة.
وإنما أراد - والله أعلم - إن صح الحديث وهو ضعيف النصف وما في معناه في سنتين هو ما فوق الثلث إلى الثلثين والثلث فما دونه في سنة واحدة وشاهده رواية الشعبي وقد مضى ذكرها في كتاب السنن.
4955 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع / قال قال الشافعي: ولم أعلم مخالفا في أن لا يحمل أحد من الدية إلا قليل.
وأرى على مذاهبهم أن يحمل من كثر ماله وشهر من العاقلة إذا قومت الدية نصف دينار ومن كان دونه ربع دينار.
4956 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وإذا أصاب المسلم نفسه بجرح خطأ فلا يكون له عقل على نفسه ولا على عاقلته.
ولا يضمن المرء ما جنى على نفسه وقد يروى أن رجلا من المسلمين ضرب رجلا من المشركين في غزاة أظنها خيبر بسيف فرجع السيف عليه فأصابه فرجع ذلك إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فلم يجعل له في ذلك عقلا.
4957 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا قتيبة حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع
قال:
247

خرجنا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى خيبر. فذكر الحديث قال:
فلما تصاف القوم كان سيف عامر - يعني ابن الأكوع - فيه قصر فتناول بها ساق يهودي ليضربه فرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة عامر فمات منه فلما قفلوا رآني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأنا شاحب فقال لي:
((ما لك))؟
فقلت: فدأ لك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله.
قال:
((من قاله).
قلت: فلان وفلان. فقال:
((كذب من قاله إن له لأجرين)) وجمع بين أصبعيه ((إنه لجاهد مجاهد قتل غريبا مشابها مثله)).
أخرجاه في الصحيح.
1039 - [باب]
من حفر بئرا في ملكة أو في صحراء أو في طريق واسعة محتملة لا ضرر على المارة فيها
4958 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة / أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس)).
248

4959 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((جرح العجماء جبار)).
ثم ذكر الباقي مثله.
قال أحمد:
حديثه عن مالك عن أبي الزناد غريب ليس في الموطأ.
وإنما رواه الربيع عن الشافعي عن سفيان عن أبي الزناد وهو المحفوظ.
وحديثه عن مالك عن ابن شهاب محفوظ مخرج في الصحيحين.
1040 - [باب]
ما ورد في الازدحام على البئر
4960 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر:
أن ناسا حفروا بئرا لأسد فازدحم الناس عليها فتردى فيها رجل فتعلق بآخر وتعلق الآخر بآخر فجرحهم الأسد فاستخرجوا منها فماتوا فتشاجروا في ذلك حتى أخذوا السلاح.
فقال علي: لم تقتلون مائتي [رجل] من أجل أربعة؟
تعالوا فلنقض بينكم بقضاء إن رضيتم وإلا فارتفعوا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال: للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية كاملة وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا على البئر فمنهم من رضي ومنهم من لم
249

يرض. فارتفعوا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقصوا عليه القصة وقالوا: إن عليا قضى بكذا وكذا فأمضى قضاء علي.
قال الشافعي:
وهم لا يقولون بهذا أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي. وهو مرسل.
وحنش بن المعتمر غير قوي. قاله أبو عبد الرحمن النسائي.
وقال البخاري: حنش بن المعتمر يتكلمون في حديثه.
4961 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما / بلغه عن ابن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي أنه قضى في القامصة والقارصة والواقصة جارية ركبت جارية فقرصتها جارية فقمصت فوقصت المحمولة فاندق عنقها فجعلها أثلاثا.
قال الشافعي:
وليسوا يقولون بهذا وينكرون الحكم ويقولون: ما يقول هذا أحد.
ويزعمون أن ليس على الموقوصة شيء وأن ديتها على عاقلة القارصة.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي رضي الله عنه.
1041 - [باب]
دية الجنين
4962 - أخبرنا أبو سعيد الزاهد حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة:
أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بغرة عبد أو وليدة.
250

أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك بن أنس. ورواه عيسى بن يونس عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وزاد فيه: أو فرس أو بغل.
قال أبو داود: روي هذا الحديث عن محمد بن عمر وحماد بن سلمة وخالد بن عبد الله لم يذكروا فيه: فرسا ولا بغلا.
قال أحمد البيهقي:
ذكر الفرس والبغل فيه غير محفوظ.
وروي من وجه آخر ضعيف ومرسل وهو من تفسير طاوس.
4963 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو زكريا المزكي وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة - يعني ابن حسان - أخبرنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم أن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى النبي [صلى الله عليه وسلم] بأن ميراثها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها.
أخرجاه في الصحيح من حديث الليث.
4964 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن ابن المسيب: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة.
فقال الذي قضى عليه: كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إنما هذا من إخوان الكهان)).
251

أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك هكذا مرسلا.
4965 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو عن طاوس:
أن عمر بن الخطاب قال: أذكر الله امرءا سمع من النبي [صلى الله عليه وسلم] في الجنين شيئا.
فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال:
كنت بين جارتين [لي] فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا فقضى فيه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بغرة.
فقال عمر: إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا.
وقال في موضع آخر في روايتهم دون رواية أبي سعيد:
أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن طاوس عن طاوس فذكره وقال فيه:
جارتين: عني ضرتين.
وقال في آخره:
فقال عمر لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا.
قال الشافعي رحمه الله.
وبهذا كله نأخذ.
4966 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في الجنين بغرة عبد أو أمة وقوم أهل العلم الغرة خمسا من الإبل ولم يحك أن النبي [صلى الله عليه وسلم] سأل عن الجنين أذكر أم أنثى إذ قضى فيه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
فلما حكم فيه بحكم / فارق حكم النفوس الأحياء والأموات وكان مغيب الأمر
252

كان الحكم فيما حكم به على الناس اتباعا لأمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
4967 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
لا اختلاف بين أحد أن قيمة الغرة خمس من الإبل.
وفي قول غيرنا على أهل الذهب خمسون دينارا وعلى أهل الورق ستمائة درهم.
4968 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي:
إذا ضرب الرجل بطن الأمة فألقت جنينا ميتا ففيه عشر قيمة أمه لأنه ما لم يعرف فيه حياة فإنما حكمه حكم أمه إذا لم يكن حرا في بطنها.
وهكذا قال ابن المسيب والحسن وإبراهيم النخعي وأكثر من سمعنا منه من مفتي الحجازيين وأهل الآثار.
قال أحمد:
وروينا عن الزهري أنه قال في الجنين كفارة مع الغرة وحكاه ابن المنذر عنه وعن عطاء والحسن والنخعي.
وورى ليث عن شهر بن حوشب:
أن عمر صاح بامرأة فأسقطت فأعتق عمر غرة.
وروى إسماعيل بن عياش عن زيد بن أسلم: أن عمر بن الخطاب قوم الغرة خمسون دينارا.
وفي إسنادهما انقطاع وضعف. والله أعلم.
وروينا عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب:
أن قيس بن عاصم جاء إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال إني وأدت في الجاهلية ثمان بنات؟ فقال:
((اعتق عن كل واحدة منهن نسمة)).
253

1042 - [باب]
القسامة
4969 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن أبي ليلى ابن عبد الله بن عبد الرحمن عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره ورجال من كبراء قومه:
أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فتفرقا في حوائجهما فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير أو عين فأتى يهود فقال:
/ أنتم والله قتلتموه. قالوا: والله ما قتلناه.
فأقبل حتى قدم على قومه فذكر ذلك لهم فأقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الله بن سهل وهو أخو المقتول فذهب محيصة يتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لمحيصة:
((كبر كبر)).
يريد السن.
فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب)) فكتب إليهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في ذلك وكتبوا: إنا والله ما قتلناه.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن:
((تحلفون وتستحقون دم صاحبكم)).
قالوا: لا. قال:
((فتحلف يهود)).
254

قالوا: لا ليسوا بمسلمين.
فوداه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار.
فقال سهل: لقد ركضتني منها ناقة حميراء.
رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف وابن أبي أويس عن مالك وقال في إسناده كما قال الشافعي أنه أخبره وهو ورجال من كبراء قومه.
وكذلك قاله ابن وهب ومعن وجماعة عن مالك.
وأخرجه مسلم عن إسحاق بن منصور عن بشر بن عمر عن مالك وقال في إسناده:
أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه.
وقال ابن بكير عن مالك: أنه أخبره رجال من كبراء قومه.
4970 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة: أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا لحاجتهما فقتل عبد الله بن سهل فانطلق هو وعبد الرحمن أخو المقتول وحويصة بن مسعود إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فذكروا له قتل عبد الله بن سهل.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم)).
فقالوا: يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر.
/ فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((فتبرئكم يهود بخمسين يمينا)).
255

قالوا: يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار؟
فزعم أن النبي [صلى الله عليه وسلم] عقله من عنده.
قال بشر بن يسار: قال سهل: لقد ركضتني فريضة من تلك الفرائض في مربد لنا.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن مثنى عن عبد الوهاب.
4971 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثل معناه.
قال الشافعي:
إلا أن ابن عيينة كان لا يثبت أقدم النبي [صلى الله عليه وسلم] الأنصاريين في الإيمان أو يهود.
فقال في الحديث: أنه قدم الأنصاريين فيقول فهو ذاك أو ما أشبه هذا.
4972 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان أخبرنا يحيى بن سعيد قال أخبرني بشير بن يسار قال أخبرني سهل بن أبي حثمة قال:
وجد عبد الله بن سهل قتيلا في فقير من فقار خيبر - أو قال - قليب من قلب خيبر - فأتى النبي [صلى الله عليه وسلم] أخوه عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((الكبر الكبر)).
فتكلم محيصة فقال: يا رسول الله إنا وجدنا عبد الله بن سهل قتيلا وإن اليهود أهل كفر وغدر وهم قتلوه.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((فتحلفون خمسين - يمينا وتستحقون دم صاحكبم)) فقالوا: يا رسول الله وكيف نحلف على ما لم نحضر ولم نشهد؟
256

فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((تبرئكم يهود بخمسين يمينا)).
فقالوا: كيف نقبل أيمان قوم مشركين؟
قال: فوداه رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال سهل: قد ركضتني فريضة منها.
قال الشافعي:
وكان سفيان يحدثه هكذا وربما قال:
لا أدري أبدأ رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بالأنصار في أمر يهود.
فيقال له: / الناس يحدثون أنه بدا بالأنصار.
قال: فهو ذلك. وربما حدثه ولم يشك فيه.
قال أحمد:
قد أخرج مسلم حديث سفيان عن عمرو الناقد عنه وأحال به على رواية الجماعة عن يحيى بن سعيد.
وقد أخرج البخاري ومسلم هذا الحديث عن حديث الليث بن سعد وحماد بن زيد وبشر بن المفضل عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج واتفقوا كلهم على البداية بالأنصار.
4973 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أنه أخبره.
أن عبد الله بن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما فقيل عبد الله بن سهل فقدم محيصة فأتى هو وأخو حويصة وعبد الرحمن بن سهل وهو أخو المقتول إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فذهب عبد الرحمن يتكلم
257

لمكانه من أخيه فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((كبر كبر)).
فتكلم محيصة أو حويصة فذكر شأن عبد الله بن سهل فقال لهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((تحلفون خمسون يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم)).
قالوا: يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((فتبرئكم يهود بخمسين يمينا)).
قالوا: يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار؟
قال مالك: قال يحيى: فزعم بشير: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وداه من عنده.
قال أحمد:
وهكذا رواه سليمان بن بلال وهشيم بن بشير عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار: أنه ذكره.
قال سليمان: وهو يحدث عن من أدرك من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم].
وقال هشيم: قال يحيى فحدثني بشير بن يسار قال أخبرني سهل قال:
قد ركضتني فريضة من تلك الفرائض.
وقد أخرجهما مسلم في الصحيح.
واتفقوا على أنه [صلى الله عليه وسلم] بدأ بالأنصار.
ورواه أبو أويس المدني عن يحيى بن / سعيد عن بشير عن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة وسويد بن النعمان.
ورواه محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري وبشير بن أبي كيسان عن سهل بن أبي حثمة نحو رواية الجماعة في البداية بأيمان المدعين وقال:
258

((تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينا فنسلمه إليكم)).
ورواه سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره:
أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلا وقالوا للذين وجد فيهم: قتلتم صاحبنا.
قالوا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلا.
فانطلقوا إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقالوا:
يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا.
فقال لهم:
((تأتوني بالبينة على من قتله)).
قالوا: ما لنا بينة. قال:
((فيحلفون [لكم])).
قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود.
فكره رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يبطل دمه فوداه مائة من إبل الصدقة.
4974 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا إبراهيم بن إسحاق حدثنا أبو نعيم حدثنا سعيد بن عبيد بهذا الحديث.
رواه البخاري عن أبي نعيم.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سعيد ولم يسق متنه لمخالفته رواية يحيى.
قال مسلم بن الحجاج: رواية سعيد غلط ويحيى بن سعيد أحفظ منه.
259

قال أحمد:
وهذا يحتمل أن لا يخالف رواية يحيى بن سعيد عن بشير.
وكأنه أراد بالبينة أيمان المدعين مع اللوث كما فسره يحيى بن سعيد أو طالبهم بالبينة كما في هذه الرواية.
فلما لم يكن عندهم بينة عرض عليهم الأيمان كما في رواية يحيى بن سعيد.
فلما لم يحلفوا ردها على اليهود كما في الروايتين جميعا - والله أعلم - والذي يؤكد هذا التأويل ما:
4975 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة - أظنه عن قتادة - أن سليمان بن يسار حدث. فذكر إنكار عمر بن عبد العزيز قول من أقاد بالقسامة فقال سليمان:
/ القسامة حق قضى بها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بينا الأنصار عند رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فإذا هم بصاحبهم يتشخط في دمه فرجعوا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقالوا:
قتلتنا اليهود وسموا رجلا منهم ولم تكن لهم بينة فقال لهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((شاهدان من عندكم حتى أدفعه إليكم برمته)).
فلم تكن لهم بينة. فقال:
((استحقوا بخمسين قسامة أدفعه إليكم برمته)).
فقالوا: يا رسول الله إنا نكره أن نحلف على غيب فأراد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن نأخذ بقسامة اليهود بخمسين منهم.
قالت الأنصار: يا رسول الله إن اليهود لا يبالون الحلف بينما نقبل هذا منهم يأتون على آخرنا.
فوداه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من عنده.
قال أحمد:
260

ورواه غيره عن سعيد عن قتادة عن سليمان بن يسار.
وهذا المرسل يؤكد ما ذكرنا.
وروينا في حديث عمرو بن شعيب ما يوافق هذا.
4976 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن يحيى حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
أن محيصة أصبح قتيلا على أيواب خيبر فعدا أخوه على النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال: يا رسول الله أخي أصبح قتيلا على أبواب خيبر. فقال:
((شاهداك على من قتله ندفع إليك برمته)).
فقال: كيف لي بالشاهدين؟ قال:
((فتحلف خمسين قسامة)).
قال: وذكر الحديث - يعني في امتناعه - وعرض أيمان اليهود وامتناعه من قبولها ثم دفع النبي [صلى الله عليه وسلم] ديته.
وروينا عن عقيل وقرة وابن جريج عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال:
مضت السنة في القسامة أن يحلف خمسون رجلا خمسين يمينا فإن نكل واحد منهم لم يعطوا الدم.
4977 - أخبرنا أبو الحسن الرزاز أخبرنا أبو بكر الشافعي حدثنا عبيد بن عبد الواحد حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عنهم.
وهذا الذي ذكرنا عن سعيد بن المسيب / وسليمان بن يسار أولى مما روي عنهما بخلاف ذلك لموافقته الأحاديث الثابتة في البداية.
فأما القود بها ففيه خلاف وذلك مذكور في آخره.
4978 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
261

فقال - يعني من كلمة في هذه المسألة: - قد خالف حديثكم ابن المسيب وابن بجيد.
قلت: أفأخذت بحديث سعيد وابن بجيد فتقول اختلفت أحاديث عن النبي [صلى الله عليه وسلم] فأخذت بأحدها فقد خالفت كل ما روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في القسامة.
قال: فلم لا تأخذ بحديث ابن المسيب؟
قلت: منقطع والمتصل أولى أن يؤخذ به والأنصاريون أعلم بحديث صاحبهم من غيرهم.
قال: فكيف لم تأخذ بحديث ابن بجيد؟
قلت: لا يثبت ثبوت حديث سهل.
قال الشافعي:
ومن كتاب عمر بن حبيب عن محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عبد الرحمن بن بجيد بن قيظي أحد بني حارثة قال محمد - يعني ابن إبراهيم - وأيم الله ما كان سهل بأكثر علما منه ولكنه كان أسن منه أنه قال:
والله ما هكذا كان الشأن ولكن سهلا أوهم ما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] احلفوا على ما لا علم لهم به ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمة الأنصار أنه وجد [فيكم] قتيل من أبياتكم فدوه فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا فوداه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من عنده.
قال الشافعي:
فقال لي قائل: ما منعك أن تأخذ بحديث ابن بجيد؟
قلت: لا أعلم ابن بجيد سمع من النبي [صلى الله عليه وسلم] وإن لم يكن سمع منه فهو مرسل ولسنا [ولا] وإياك يثبت الرسل.
262

وقد علمت سهلا صحب النبي [صلى الله عليه وسلم] وسمع منه وساق الحديث سياقا لا يشبه إلا الإثبات فأخذت به لما وصفت.
قال: فما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب؟
قلت: مرسل والقتيل أنصاري والأنصاريون بالعناية أولى / بالعلم به من غيرهم إذ كان كل ثقة وكل عندنا بنعمة الله ثقة.
قال أحمد:
وأظنه أراد بحديث الزهري ما روي عنه معمر عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال ليهود وبدأ بهم:
((يحلف منكم خمسون رجلا)).
فأبوا. فقال للأنصار:
((استحقوا)).
فقالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله؟
فجعلها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على يهود لأنه وجد بين أظهرهم.
وخالفه ابن جريج وغيره فرووه عن الزهري عن أبي سلمة وسليمان عن رجل أو عن ناس من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم]:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أقر القسامة على من كانت في الجاهلية وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل أدعوه على اليهود.
وقال بعضهم: إن القسامة كانت قسامة الدم فأقرها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على ما كانت عليه في الجاهلية.
وكل من نظر فيما سوى حديث سهل بن أبي حثمة ثم في حديث سهل في هذه القصة علم أن سهلا أحفظ لها وأحسن سياقا للحديث من غيره.
263

وحدثنه متصل والمتصل أبدا أولى من غيره إذا كان كل ثقة.
قال الشافعي رحمه الله:
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن منصور عن الشعبي:
أن عمر بن الخطاب كتب في قتيل وجد بين خيوان ووادعة: أن يقاس ما بين الفريقين قال: أيهما كان أقرب أخرج إليهم منهم خمسين رجلا حتى يوافوه بمكة فأدخلهم الحجر فأحلفهم ثم قضى عليهم بالدية.
فقالوا: ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا.
فقال عمر: كذلك الأمر.
قال الشافعي:
وقال غير سفيان عن عاصم الأحول عن الشعبي قال عمر بن الخطاب: حقنتم بأيمانكم دمائكم ولا يطل دم مسلم.
ذكر الشافعي في الجواب عنه ما يخالفون عمر رضي الله عنه في هذه القصة من الأحكام فقيل له:
أثابت هو عندك؟
/ قال الشافعي:
أخبرنا معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال مقاتل: أخذت هذا التفسير عن نفر حفظ معاذ منهم: مجاهد والضحاك والحسن قوله:
* (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) * الآية.
قال: بدو ذلك في حيين من العرب اقتتلوا قبل الإسلام بقليل وكان لأحد
264

الحيين فضل على الآخر فأقسموا بالله لنقتلن بالأنثى الذكر وبالعبد منهم الحر.
فلما نزلت هذه الآية رضوا وسلموا.
قال الشافعي:
وما أشبه ما قالوا من هذا بما قالوا لأن الله تعالى إنما ألزم كل مذنب ذنبه ولم يجعل جرم أحد على غيره فقال: * (الحر بالحر) * إذا كان - والله أعلم - قائلا له * (العبد بالعبد) * إذا كان قاتلا له * (والأنثى بالأنثى) * إذا كانت قاتلة لها لا أن يقتل بأحد ممن لم يقتله لفضل المقتول على القاتل.
وقد جاء عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أعدى الناس على الله من قتل غير قاتله)).
وما وصفت من أني لم أعلم مخالفا في أن يقتل الرجل بالمرأة دليل على أن لو كانت هذه الآية غير خاصة كما قال من وصفت قوله من أهل التفسير لم يقتل ذكر بأنثى.
وبسط الكلام في هذا.
1043 - [باب]
قتل الرجل بالمرأة
4979 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
ولم أعلم ممن لقيت من أهل العلم مخالفا في أن الذميين متكافئان بالحرية والإسلام فإذا قتل الرجل المرأة عمدا قتل بها وإذا قتلته قتلت به ولا يؤخذ من المرأة ولا أوليائها شيء [للرجل] إذا قتلت به ولا إذا قتل بها.
قال أحمد:
265

روينا عن عمر بن الخطاب أنه قتل ثلاثة نفر بامرأة أقادهم بها.
وبه قال سعيد بن المسيب واحتج بقوله عز وجل:
* (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) *.
وروينا عن أنس بن مالك أن يهوديا قتل جارية على أوضاح فقتله رسول الله [صلى الله عليه وسلم] / بها.
وفي كتاب النبي [صلى الله عليه وسلم] إلى أهل اليمن الذي بعثه مع عمرو بن حزم:
((أن الرجل يقتل بالمرأة)).
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم)).
4980 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن جرير عن مغيرة عن الشعبي عن علي في الرجل يقتل المرأة قال:
إن أراد أولياء المرأة أن يقتصوا لم يكن ذلك لهم حتى يعطوا نصف الدية.
قال الشافعي:
وليسوا يقولون بهذا يقولون بينهما القصاص في النفس.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي.
وروي ذلك أيضا عن الحسن عن علي وكلاهما ذكر منقطع وروي عن علي والحسن خلاف ذلك فيما حكاه ابن المنذر.
1044 - [باب]
لا يقتل مؤمن بكافر
4981 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
266

قال الله تبارك وتعالى:
* (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر) * الآية.
فكان ظاهر الآية والله أعلم أن القصاص إنما كتب على البالغين المكتوب عليهم القصاص لأنهم المخاطبون بالفرائض إذا قتلوا المؤمنين بابتداء الآية.
وقوله:
* (فمن عفي له من أخيه شي) *
لأنه جعل الأخوة بين المؤمنين فقال:
* (إنما المؤمنون إخوة) *
وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين.
قال الشافعي: ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ظاهر الآية.
قال الشافعي:
سمعت عددا من أهل المغازي وبلغني عن عدد منهم أنه كان في خطبة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم الفتح:
((لا يقتل مؤمن بكافر)).
قال: وبلغني عن عمران بن حصين أنه روى ذلك عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال وأخبرنا مسلم بن خالد عن / ابن أبي حسين عن مجاهد وعطاء - وأحسب طاوس والحسن - أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا يقتل مؤمن بكافر)).
267

4982 - وأخبرنا به أبو عبد الله - في موضع آخر - وأبو بكر القاضي وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن أبي حسين عن عطاء وطاوس - وأحسبه قال - مجاهد والحسن أو طاوس والحسن.
وقد رواه في كتاب الديات والقصاص من غير شك.
4983 - أخبرناه أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن أبي حسين عن عطاء وطاوس ومجاهد والحسن أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال في خطبته يوم الفتح:
((لا يقتل مسلم بكافر)).
قال الشافعي:
وقد يصله غيره من أهل المغازي من حديث عمران بن حصين وحديث غيره قال: في موضع آخر:
وعمرو بن شعيب ولكن فيه حديث من أحسن إسنادكم فذكر الحديث الذي.
4984 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي عن أبي جحيفة قال: سألت عليا رضي الله عنه فقلت: هل عندكم من رسول الله [صلى الله عليه وسلم] شيء سوى القرآن؟
قال: لا والذي فلق الحبة وأبرأ النسمة إلا أن يؤتي الله عبدا كلما في القرآن وما في الصحيفة.
قلت: وما في الصحيفة؟
قالت: العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر.
وقال الشافعي في هذا الحديث في موضع آخر في روايتهم دون رواية أبي سعيد:
268

إلا أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه. وقال: ولا يقتل مسلم بكافر.
رواه البخاري في الصحيح عن صدقة بن الفضل عن سفيان بن عيينة.
قال الشافعي:
وذكر يحيى بن سعيد عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد عن علي أن رسول الله / [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا يقتل مسلم بكافر)).
وهذا فيما:
4985 - أخبرنا أبو علي الروذباري حدثنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سعيد بن أبي عروبة حدثنا قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال:
انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا: هل عهد إليك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] شيئا لم يعهده إلى الناس عامة؟ قال: لا إلا ما في كتابي هذا وكتاب في قراب سيفه فإذا فيه.
((المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثا فعلى نفسه ومن أحدث حدثا أو أوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)).
4986 - أخبرنا أبو عبده حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في قوله:
((ولا ذو عهد في عهده)).
يشبه أن يكون لما أعلمهم أنه لا قود بينهم وبين الكفار أعلمهم أن دماء أهل العهد محرمة عليهم فقال:
((لا يقتل مؤمن بكافر ولا يقتل ذو عهد في عهده)).
احتج أبو جعفر الطحاوي - رحمنا الله وإياه - على صحة ما تأولوا عليه الخبر من أن المراد به لا يقتل مؤمن بكافر حربي ويقتل به ذو عهد.
269

بأن رواية علي بن أبي طالب هو أعلم بتأويله من غيره.
وقد أشار المهاجرون على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر حين قتل الهرمزان وجفينة وهما ذميان وكان فيهم علي.
فثبت بهذا أن معنى الخبر ما ذكرنا.
وهذا الذي ذكر ساقط من أوجه.
أحدهما: أنه ليس في الحديث الذي رواه في هذا الباب أن عليا أشار بذلك فإدخاله في جملة من أشار به على عثمان برواية منقطعة دون رواية موصولة محال.
والثاني: أن في الحديث الذي رواه أيضا قتل ابنتا لأبي لؤلؤة صغيرة كانت تدعي الإسلام.
وإذا وجب القتل يؤاخذ من قتلاه صح أن يشيروا عليه / في خلاف علي رضي الله عنه.
1045 - [باب]
كفارة القتل
4987 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى:
* (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) *.
قال الشافعي:
* (من قوم) * يعني في قوم عدو لكم.
4988 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
270

الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مروان بن معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال:
لجأ قوم إلى خثعم فلما غشيهم المسلمون استعصموا بالسجود فقتلوا بعضهم فبلغ النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((أعطوهم نصف العقل لصلاتهم)).
ثم قال عند ذلك:
((ألا إني بريء من كل مسلم مع مشرك)).
قالوا: لم يا رسول الله؟ قال:
((لا ترايا نارهما)).
قال أحمد:
هذا مرسل. وقد رويناه عن أبي معاوية وحفص بن غياث عن إسماعيل عن قيس عن جرير موصولا.
وقال بعضهم: فوداهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بنصف الدية.
وهو بإرساله أصح.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله:
إن كان هذا ثبت فأحسب النبي [صلى الله عليه وسلم] أعطى من أعطى منهم تطوعا وأعلمهم أنه بريء من كل مسلم مع مشرك - والله أعلم - في دار شرك ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قود.
وقد يكون هذا قبل نزول الآية فنزلت الآية بعد ويكون إنما قال:
((إني بريء من كل مسلم مع مشرك)).
بنزول الآية. قال:
271

ولا يجوز أن يقال لرجل من قوم عدو لكم إلا من قوم عدو لنا وذلك أن عامة المهاجرين كانوا من / قريش وقريش عامة أهل مكة وقريش عدو لنا. وبسط الكلام في بيانه.
قد روينا من أوجه عن ابن عباس أنه قال في تأويل الآية معنى ما قال الشافعي.
قال: ولو اختلفوا في القتال فقتل بعض المسلمين بعضا فادعى القاتل على أنه لم يعرف المقتول فالقول قوله مع يمينه ولا قود عليه وعليه الكفارة ويدفع إلى أولياء المقتول ديته.
ثم ساق الكلام إلى أن ذكر الحديث الذي:
4989 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مطرف عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال:
كان أبو حذيفة اليمان شيخا كبيرا فرفع في الآ [طا] م مع النساء يوم أحد فخرج يتعرض الشهادة فجاء من ناحية المشركين فابتدره المسلمون فتوشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول أبي أبي فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه.
فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.
فقضى النبي [صلى الله عليه وسلم] بديته.
وهذا قد رواه أيضا موسى بن عقبة عن الزهري عن عروة فقال: ووداه رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وروي عن محمود بن لبيد أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أراد أن يديه فتصدق به حذيفة على المسلمين.
قال الشافعي في رواية المزني:
إذا وجبت الكفارة في قتل المؤمن في دار الحرب وفي الخطأ الذي وضع الله فيه
272

الإثم كان العهد أولى وجعله قياسا على قتل الصيد.
4990 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عيسى بن محمد [الرملي حدثنا] ضمرة عن ابن أبي عبلة عن الغريف بن الديلمي قال أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا له: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
أتينا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في صاحب لنا أوجب النار بالقتل فقال:
((أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار)).
1046 - [باب]
لا يرث القاتل خطأ
4991 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال قال محمد بن الحسن - وذلك في كتاب اختلاف أبي حنيفة وأهل المدينة - أخبرنا عباد بن العوام أخبرنا الحجاج بن أرطأة عن حبيب بن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن رجل قتل أخاه خطأ فلم يورثه قال: ولا يرث قاتل شيئا.
قال: وأخبرنا أبو حنيفة عن حماد النخعي قال: لا يرث قاتل ممن قتل خطأ أو عمدا ولكن يرثه أولى الناس به بعده.
قال الشافعي:
وليس في الفرق من أن يرث قاتل الخطأ ولا يرث قاتل العمد خبر يتبع إلا خبر رجل فإنه يرفعه لو كان ثابتا كانت الحجة فيه ولكنه لا يجوز أن نثبت له شيء ونرد له آخر لا معارض له.
قال أحمد:
وإنما أراد حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن رسول
273

الله [صلى الله عليه وسلم] قام يوم فتح مكة فقال:
((المرأة ترث من دية زوجها وهو يرث من ديتها ومالها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا فإن قتل أحدهما صاحبه عمدا لم يرث من ديته وما له شيئا وإن قتل [أحدهما] صاحبه خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته)).
ومن احتج بحديث عمرو بن شعيب لزمه أن يقول بهذا كما ذهب إليه أهل المدينة.
وأما الشافعي فإنه كالمتوقف في حديث عمرو حتى ينضم إليه ما يؤكده.
والله أعلم.
1047 - [باب]
ميراث الدية
4992 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب كان يقول: الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كتب إليه:
أن يورث [امرأة] أشيم الضباني من ديته فرجع إليه عمر.
4993 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن / شهاب أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضباني من ديته.
قال ابن شهاب: وكان أشيم قتل خطأ.
274

1048 - [باب]
الحكم في الساحر
قال الشافعي رحمه الله:
قال تبارك وتعالى:
* (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سلميان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) * إلى قوله: * (ما له في الآخرة من خلاق) *.
4994 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((يا عائشة أما علمت أن الله عز وجل أفتاني في أمر استفتيتنيه فيه)).
وقد كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قد مكث كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن.
((أتاني رجلان فجلس أحدهما عند رجلي والآخر عند رأسي فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي ما بال الرجل؟ قال مطبوب. قال من طبة؟ قال: لبيد بن الأعصم قال وفيم؟ قال: في جف طلعة ذكر في مشط ومشاقة تحت زعونة أو رعونة)) - شك ربيع - وقال غيره تحت راعوفة في بئر ذروان.
قال: فجاءها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((هذه الذي أريتها كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين وكأن ماءها نقاعة الحناء)).
فأمر بها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فأخرج.
قالت عائشة: فقلت يا رسول الله فهلا؟ قال سفيان يعني تنشرت.
قالت فقال:
275

((أما والله فقد شفاني وأكره أن أثير على الناس [منه] شرا)).
قالت: ولبيد بن أعصم رجل من بني زريف حليف ليهود.
رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن محمد عن سفيان.
وأخرجاه من أوجه عن هشام.
4995 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يقول: كتب عمر:
أن أقتلوا كل ساحر وساحرة.
/ قال: فقتلنا ثلاث سواحر.
4996 - وبهذا الإسناد قال الشافعي وأخبرنا أن حفصة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] قتلت جارية لها سحرتها.
قال الشافعي في الكتاب بعد ما بسط الكلام في أنواع السحر وأمر عمر أن تقتل السحار - والله أعلم - إن كان السحر كما وصفنا شركا.
وكذلك أمر حفصة.
وأما بيع عائشة الجارية التي سحرتها ولم تأمر بقتلها فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها لأن لها بيعها عندنا وإن لم تسحرها.
ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك ما تركت قتلها.
إن لم تتب أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها إن شاء الله.
قال وحديث عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] على أحد هذه المعاني عندنا. والله أعلم.
واحتج في حقن دم الساحر ما لم يكن سحره شركا أو يقتل بسحره أحدا بما:
4997 - أخبرنا أبو زكريا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
276

عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا: لا إله إلا الله فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل)).
277

بسم الله الرحمن الرحيم
35 - كتاب قتال أهل البغي
4998 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى:
* (وإن طآئفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) * الآية.
قال الشافعي:
فذكر الله اقتتال الطائفتين والطائفتان الممتنعتان [الجماعتان] وأمر بالإصلاح بينهما فحق أن لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الصلح وأمر بقتال [الفئة] الباغية وهي مسماة باسم الإيمان حتى تفي إلى الله فإذا فاءت لم يكن لأحد قتالها.
والفيء الرجعة / عن القتال بالهزيمة أو التوبة وغيرها.
وبسط الكلام في ذلك.
قال: وأمر إن فاءوا أن يصلح بينهم بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال فأشبه هذا والله أعلم أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم
278

وقد يحتمل أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم فيعطي بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عز وجل * (بالعدل) * والعدل: أخذ الحق لبعض الناس من بعض.
وإنما ذهبنا إلى أن القود ساقط والآية تحتمل المعنيين.
فذكر حديث الزهري.
قال الشافعي:
أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر بن راشد عن الزهري قال: أدركت الفتنة الأولى في أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فكانت فيها دماء وأموال فلم يقص فيها من دم ولا مال ولا قرح أصيب بوجه التأويل إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه.
قال أحمد:
ورواه ابن المبارك عن معمر بمعناه إلا أنه لم يقل: أدركت.
ورواه يونس عن الزهري وقال: فأدركت يعني: تلك الفتنة - رجالا ذوي عدد من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ممن شهد معه بدرا.
وبلغنا أنهم كانوا يرون أن يهدر أمر الفتنة.
ثم ذكر بعض معناه.
قال الشافعي في القديم:
وقد ظهر علي على بعض من قاتل وفي أصحابه من قتل منهم وفيهم من قتل من أصحابه وجرح فلم يقد واحدا من الفريقين من صاحبه من دم ولا جرح ولم يغرمه شيئا علمناه.
4999 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع قال قال الشافعي:
وأهل الردة بعد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ضربان: منهم كفروا بعد إسلامهم مثل طليحة
279

ومسيلمة والعنسى وأصحابهم.
ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وقول عمر لأبي بكر: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه / وسلم:
((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).
وقول أبي بكر: هذا من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لقاتلتهم عليها معرفة منهما معا بأن ممن قاتلوا من هو على التمسك بالإيمان ولولا ذلك ما شك عمر في قتالهم ولقال أبو بكر: قد تركوا لا إله إلا الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبي بكر وأشعار من قال الشعر منهم ومخاطبتهم لأبي بكر بعد الإسار فقال شاعرهم:
* ألا فأصبحينا قبل نائرة الفجر
* لعل منايانا قريب وما ندري
*
* أطعنا رسول الله ما كان وسطنا
* فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر
*
* فإن الذي سالوكم فمنعتم
* لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر
*
* سنمنعهم ما كان فينا بقية
* كرام على العزاء في ساعة العسر
*
وقالوا لأبي بكر بعد الإسار: ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا.
قال الشافعي:
280

وقول أبي بكر: لا تفرقوا بين ما جمع الله - يعني فيما أرى والله أعلم - أن مجاهدهم على الصلاة وأن الزكاة مثلها.
ولعل مذهبه فيه أن الله تعالى يقول:
* (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) *.
وأن الله فرض عليهم شهادة الحق والصلاة والزكاة وأنه متى منع فرضا قد لزمه لم يترك ومنعه حتى يؤديه أو يقتل.
قال: فسار إليهم أبو بكر بنفسه حتى لقي أخي بني بدر الفزاري فقاتله معه عمر وعامة أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
ثم أمضى أبو بكر خالد بن الوليد في قتال من ارتد ومن منع الزكاة معا فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال الشافعي:
وفي هذا ما دل على أن مراجعة / عمر، ومراجعة أبي بكر معه في قتالهم على وجه النظر له وللمسلمين لئلا يجتمع عليه حربهم مع حرب أهل الردة لا على التأثم من قتالهم.
قال أحمد:
وهذا الذي ذكره الشافعي في قتال أهل الردة قد روينا أكثره بأسانيده في كتاب السنن من حديث غيره.
1049 - [باب]
أهل البغي إذا فاءوا لم يتبع مدبرهم ولم يقتل أسيرهم ولم يجهز على جريحهم ولم يستمتع بشيء من أموالهم
5000 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال::
281

روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين قال: دخلت على مروان بن الحكم فقال:
ما رأيت أحدا أكرم غلبة من أبيك ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه:
لا يقتل مدبر ولا يدفف على جريح.
قال الشافعي:
هكذا ذكرت هذا الحديث للدراوردي فقال:
ما أحفظه تعجب بحفظه.
هكذا ذكره جعفر بهذا الإسناد.
قال الدراوردي: أخبرنا جعفر عن أبيه أن عليا كان لا يأخذ سلبا وإن كان يباشر القتال بنفسه وإنه كان لا يدفف على جريح ولا يقتل مدبرا.
ورواه في القديم عن إبراهيم بن محمد عن جعفر.
وذكره في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه فقال:
أخبرنا غير واحد عن جعفر بن محمد. فذكر معناه.
وذكر حديث ابن أبي إدريس عن حصين عن أبي جميلة عن علي أنه قال يوم الجمل:
لا تتبعوا مدبرا ولا تجيزوا على جريح ولا تغنموا مالا.
قال الشافعي:
لا تغنم أموالهم لأن الله تعالى إنما جعل الغنيمة في أموال الكافرين ولم يجعلها في أموال المصلين ولا يحل مال المسلم إلا بطيب نفس منه لقول رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)).
282

قال وقد اختلف على علي في / غنيمة أهل القبلة.
فذكر حديث موسى بن داود عن ابن المبارك عن الصلت بن بهرام قال: قلت لأبي وائل خمس علي؟
قال: لا - يعني الخوارج من أهل النهر -.
وذكر حديث سفيان عن الشيباني عن عرفجة عن أبيه أن عليا أتى برثة أهل النهر فعرفها فكان من عرف شيئا أخذه حتى بقيت قدر لم تعرف.
وذكر حديث يزيد بن هارون عن حجاج بن أرطأة عن منذر عن ابن الحنفية أن عليا قال: نغنم ما أوجفوا علينا من سلاح أو كراع.
قال أحمد:
الحجاج غير محتج به.
وروي من وجه آخر منقطع أنه قال يوم الجمل: إن ظهرتهم فلا تطلبوا مدبرا ولا تجيزوا على جريح وانظروا ما حضرت به الحرب من آنية فاقبضوه وما كان سوى ذلك فهو لو رثته.
وهذا إنما بلغنا من حديث جعفر بن إبراهيم عن محمد بن عمر بن علي عن علي مرسلا.
ومثل ذلك لا يحتج به.
والمشهور عن علي أنه لم يسب يوم الجمل ولا يوم النهر ولم يأخذ من متاعهم شيئا.
5001 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا علي بن حمشاذ حدثنا الحارث بن أبي أسامة أن كثير بن هشام حدثهم قال حدثنا جعفر بن برقان حدثنا ميمون بن مهران عن أبي أمامة قال:
283

شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا.
قال أحمد:
وقل قتيل في الحرب لا يكون معه سلاح.
وفي حديث سماك الحنفي عن ابن عباس في قصة الحرورنة ومناظرته معهم قالوا:
فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم - يعنون عليا -.
5002 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي فاختة: أن عليا أتى بأسير يوم صفين فقال:
لا تقتلني صبرا. فقال علي: لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين فخلى سبيله ثم قال: أفيك خير تبايع.
قال الشافعي:
والحرب يوم صفين قائمة ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها منتصفا أو مستعليا.
وعلى يقول لأسير من أصحاب معاوية: لا أقتلك / صبرا إني أخاف الله رب العالمين وأنت تأمر بقتل مثله - يريد - من كلمة في هذه المسألة.
ويعني بقوله: منتصفا أو مستعليا: أي تساويه مرة في الغلبة في الحرب ويعلوه أخرى.
وقيل منتصفا: عند نفسه في طلب دم عثمان.
ومستعليا: عند غيره.
فلما علم من براءة علي عن قتل عثمان رضي الله عنهما والأول أصح.
284

1050 - [باب]
الرجل يأول فيقتل أو يتلف مالا أو جماعة غير ممتنعة
قال الشافعي:
أقصصت منه وأغرمته المال.
واحتج بقول الله عز وجل:
* (ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) *.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فيما يحل دم المسلم ((أو قتل نفس بغير نفس)).
وروي عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: ((من اعتبط مسلما بقتل فهو قود يده)).
وساق الكلام إلى أن قال:
علي بن أبي طالب ولي قتال المتأولين فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل وقتله ابن ملجم متأولا فأمر بحبسه وقال لولده.
إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى له القتل.
زاد في القديم:
ولو لم يكن له القود لقال لا تقتلوه فإنه متأول.
5003 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه:
أن عليا قال في ابن ملجم بعد ما ضربه: أطعموه وأسقوه وأحسنوا إساره فإن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا.
285

قال الشافعي في رواية أبي عبد الله بالإجازة:
قتله حسن بن علي وفي التابعين بقية من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لا نعلم أحدا أنكر قتله ولا عابة ولا خالف في أن يقتل إذا لم يكن له جماعة يمتنع بمثلها.
قال: ولم يقد علي ولا أبو بكر قبله ولي من قتله الجماعة الممتنعة مثلها على التأويل كما وصفنا.
ولا على الكفر قد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم فلم يضمن عقلا ولا قودا.
/ قال الربيع: وللشافعي قول آخر:
أنه يقاد منهم إذا ارتدوا وحاربوا وقتلوا.
قال أحمد:
وذلك يرد مع ما روي فيه عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - إن شاء الله.
1051 - [باب]
القوم يظهرون رأي الخوارج لم يحل به قتالهم
5004 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع قال قال الشافعي:
بلغنا أن علي بن أبي طالب بينا هو يخطب إذ سمع تحكيما من ناحية المسجد لا حكم إلا الله.
فقال علي بن أبي طالب: لا حكم إلا لله كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث:
لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله.
ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا.
286

ولا نبدؤكم بقتال.
قال في القديم:
\ وبلغني أن علي بن أبي طالب أوتي بابن ملجم وقد بلغه أنه يريد قتله فخلاه وقال:
أقتله قبل أن يقتلني؟!
5005 - وأخبرني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي الغساني عن أبيه أن عديا كتب إلى عمر بن عبد العزيز.
أن الخوراج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر:
إن سبوني فسبوهم أو أعفوا عنهم وإن شهروا السلاح فاشهروا عليهم وإن ضربوا فاضربوا.
قال الشافعي:
وبهذا نقول...
قال الشافعي:
ولو أن قوما متأولين [كثيرا كانوا أو قليلا] اعتزلوا جماعة الناس وكان عليهم وال لأهل العدل يجري حكمه فقتلوا وغيره قبل أن ينصبوا إماما ويعتقدوا ويظهروا حكما مخالفا لحكمه كان عليهم في ذلك القصاص.
وهكذا كان شأن الذين اعتزلوا عليا ونقموا عليه الحكومة فقالوا:
لا نساكنك في بلد واستعمل عليهم عاملا فسمعوا له ما شاء الله ثم قتلوه فأرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به.
287

قالوا: كلنا قتله. قال: فاستسلموا نحكم عليكم.
قالوا: لا. فسار إليهم قاتلهم فأصاب أكثرهم.
قال أحمد:
قد روينا عن أبي مجلز أنه ذكر قصة الخوارج ونهى علي أصحابه / عن أن يتبسطوا عليهم حتى يحدثوا حدثا فمروا بعبد الله بن خباب فقتلوه.
ثم ذكر معنى ما قال الشافعي.
قال الشافعي في كتاب البويطي:
وكل إمام ولي الناس باختيار أو بغيره أو متغلب فجرت أحكامه وسلكت به السبل وأمنت به البلاد لا يقاتل ولا يقاتل معه المسلمون.
والحجة في ذلك قول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((وإسمعوا وأطيعوا وإن ولي عليكم كذا وكذا)).
وقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني)).
فإن قيل: فقد قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أطيعوهم ما أطاعوا الله فإن عصوا الله فلا طاعة عليكم)).
قال: فإنهم ما قاموا الصلاة مطيعين لله في إقامتها فعلينا طاعتهم فيما أطاعوا الله وما عصوا فيه أمسكنا عنهم ولم نطعهم في أن نشاركهم في المعصية.
5006 - أخبرنا أبو عمر ومحمد بن عبد الله حدثنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني الحسن بن سفيان حدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا شعبة حدثني أبو التياح عن أنس بن مالك قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
288

((أسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة)).
رواه البخاري في الصحيح عن بندار.
5007 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا بشر بن عمر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة قال سمعت أنس بن مالك عن أسيد بن حصين أن رجلا من الأنصار قال: يا رسول الله استعملت فلانا ولم تستعملني قال:
((فإنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)).
أخرجاه في الصحيح من حديث شعبة.
وروينا في الحديث الثابت عن عبد الله بن مسعود قال قال لنا رسول اله [صلى الله عليه وسلم]:
((إنكم سترون بعدي أثره وأمورا تنكرونها)).
قلنا فما تأمرنا؟ قال:
((أدوا إليهم حقهم واسألوا الله عز وجل حقكم)).
وروينا في الحديث الثابت عن ابن عباس أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((من / رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة إلا مات ميتة جاهلية)).
5008 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي حدثنا حماد بن زيد عن المعلى بن زياد وهشام بن حسان عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] قالت: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((سيكون عليكم أئمة تعرفون منهم وتنكرون فمن أنكر)).
289

قال سليمان: قال هشام:
((بلسانه فقد برئ ومن كره)).
يعني بقلبه:
((فهو سلم لكن من رضي وتابع)).
فقيل يا رسول الله: أو لا نقاتلهم؟ قال: ((لا ما صلوا)).
رواه مسلم في الصحيح عن سليمان العتكي.
وهذا يدل على صحة ما قال الشافعي في كتاب البويطي في طاعة السلطان.
5009 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وأكره للعدل أن يعمد قتل ذي رحمه من أهل البغي ولو كف عن قتل أبيه أو ذي رحمه أو أخيه من أهل الشرك لم أكره ذلك بل أحبه وذلك أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كف أبا حذيفة ابن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكر يوم أحد عن قتل ابنه.
قال أحمد:
وقد ذكر الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قصة أبي حذيفة وذكر قصة عبد الرحمن بن أبي بكر بمعناه)).
1052 - [باب]
من أريد ماله فقاتل دونه
5010 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
290

((من قتل دون ما له فهو شهيد)).
1053 - [باب]
الخلاف في قتال أهل البغي
احتج الشافعي في جواز قتالهم بالآية وبما ذكرنا في أول هذا الكتاب / من قتال الصحابة ما نعي الزكاة بعد وفاة رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
واحتج في القديم في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه بحديث إسحاق الأزرق وهو فيما:
5011 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا محمد بن عبيد الله - وهو ابن المنادى - حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق حدثنا عوف الأعرابي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((تفترق أمتي فرقتين فتمرق بينهم مارقة تقتلها أولى الطائفتين بالحق)).
أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن أبي نضرة.
وذكر أيضا في رواية أبي عبد الرحمن ما بلغه عن روح عن عثمان الشحام وذلك فيما:
5012 - أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا الحارث بن أبي سلمة حدثنا روح حدثنا عثمان الشخام حدثنا مسلم بن أبي بكرة وسئل: هل سمعت في الخوارج من شيء؟
291

قال: سمعت والدي أبا بكرة يقول عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((ألا إنه سيخرج في أمتي قوم أشداء أحداء ذلقة ألسنتهم بالقرآن لا يجاوز تراقيهم فإذا لقيتموهم فأنيموهم ثم إذا رأيتموهم فأنيموهم فالمأجور من قتلهم)).
وذكر أيضا حديث وكيع عن الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة عن علي أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((يخرج قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم)).
5013 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا وكيع فذكر هذا الحديث بإسناده ومعناه وهو مخرج في الصحيحين.
وذكر أيضا حديث كثير بن هشام عن حماد بن سلمة عن أبي غالب عن أبي أمامة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال في الخوارج:
((طوبى لمن قتلهم وقتلوه)).
5014 - أخبرناه أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا حماد.
فذكره بإسناده في حديث الخوارج ببعض معناه.
وذكر الشافعي أيضا حديث يزيد / عن هشام عن محمد عن عبيدة عن علي قال:
لولا أن تنظروا لحدثتكم ما وعد الله على لسان نبيه [صلى الله عليه وسلم] الذين يقتلونهم.
292

علامتهم رجل مخدج اليد أو مثدون اليد أو مودن اليد.
5015 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا هشام عن محمد عن عبيدة عن علي. فذكر معناه.
قال الشافعي رحمه الله:
فأمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بقتال أقوام يخرجون فوصفهم ولم نعلم أحدا من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنكر على علي قتاله الخوارج وقد تأول على أن الذين أمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بقتلهم هم الخوارج وذاك أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((علامتهم رجل مخدج)).
وقال أبو سعيد في حديثه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في الخوارج:
فأتيت أريد قتالهم فوجدت عليا قد سبقنا إليهم.
1054 - [باب]
أمان العبد
احتج الشافعي رحمه الله في ذلك بحديث النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم)).
وقد ذكرنا إسناده في كتاب الجراح.
قال الشافعي:
الحديث والعقل [معا] يدلان على أنه يجوز أمان المؤمنين بالإيمان لا بالقتال.
293

واستدل على ذلك بأن المرأة تؤمن فيجوز أمانها والزمن لا يقاتل فيؤمن فيجوز أمانة.
وبسط الكلام فيه.
وروينا عن عمر بن الخطاب أنه أجاز أن العبد وكتب: أن عبد المسلمين من المسلمين ذمته ذمتهم.
294

بسم الله الرحمن الرحيم
36 - كتاب المرتد
5016 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان قال / قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى:
* (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) *
وقال في المرتد عن الإسلام:
* (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) *.
وذكر غيرها ثم ذكر ما:
5017 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن عفان أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا يحل دم امرئ مسلم إلا من إحدى ثلاث: كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس)).
295

5018 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أيوب بن أبي تميمة عن عكرمة قال:
لما بلغ ابن عباس أن عليا حرق المرتدين أو الزنادقة قال: لو كنت أنا لم أحرقهم ولقتلتهم لقول رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((من بدل دينه فاقتلوه)).
ولم أحرقهم لقول رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله)).
رواه البخاري في الصحيح عن علي بن عبد الله بن سفيان.
5019 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((من غير دينه فاضربوا عنقه)).
5020 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
حديث يحيى بن سعيد ثابت ولم أر أهل الحديث يثبتون الحديثين بعده حديث زيد لأنه منقطع ولا الحديث قبله.
وذكره في القديم فقال:
زيد مرسل لا تقوم بمثله حجة.
296

وعكرمة يتقى حديثه ولا تقوم به حجة.
قال أحمد:
حديث يحيى بن سعيد موصول صحيح وقد ثبت معناه من حديث عبد الله بن مسعود وعائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وروى / الشافعي في كتاب حرملة عن سفيان حديث ابن مسعود وهو فيما:
5021 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلا في إحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه أو زنى بعد إحصانة أو نفس بنفس)).
رواه مسلم في الصحيح عن أبي عمر عن سفيان.
أما حديث زيد بن أسلم فهو منقطع لا شك فيه.
وأما حديث عكرمة فإنه موصول قد احتج به البخاري وأخرجه في الجامع الصحيح إلا أن مالك بن أنس وجماعة من أئمة أهل الحديث كانوا يتقون رواية عكرمة مولى ابن عباس ولا يحتجون بها وقد وثقه جماعة منهم يحيى بن معين وكان أبو الشعثاء جابر بن زيد يقول لعكرمة:
هذا مولى ابن عباس هذا أعلم الناس.
وأحاديثه مستقيمة تشبه أحاديث أصحابه إذا كان الراوي عنه ثقة والله أعلم.
5022 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في مبسوط كلامه في وجوب قتل المرتد: إذا لم يتب من الكفر يشبه أن يكون حكم المرتد حكم الذي لم يزل كافرا محاربا وأكبر منه لأن الله تعالى أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح قدم المشرك قبل شركه وأن الله جل ثناؤه كفر من لم يزل مشركا ما كان قبله.
297

وأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أبان من لم يزل مشركا ثم أسلم كفر عنه ما قبل الشرك وقال لرجل قدم خيرا في الشرك:
((أسلمت على ما سبق لك من خير)).
وإن من سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فيمن ظفر به من رجال المشركين أنه قتل بعضهم ومن على بعض وفادى ببعض وأخذ الفدية من بعض.
ولم يختلف المسلمون أنه لا يحل أن يفادى مرتد بمرتد بعد إيمانه ولا يمن عليه ولا تؤخذ منه / فدية ولا يترك بحال حتى يسلم أو يقتل.
5023 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني أخبرنا علي بن محمد بن عيسى حدثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله [صلى الله عليه وسلم]: أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة هل لي فيها أجر؟
قال حكيم: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((أسلمت على ما سلف من خير)).
رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان.
وأخرجاه من أوجه آخر.
1055 - [باب]
ما يحرم به الدم من الإسلام
قال الشافعي رحمه الله:
اختلف أصحابنا في المرتد فقال منهم قائل:
298

من ولد على الفطرة ثم ارتد إلى دين يظهره أو لا بظهره لم يستتب وقتل.
وقال بعضهم: سواء من ولد على الفطرة ومن أسلم لم يولد عليها فأيهما ارتد فكانت ردته إلى يهودية أو نصرانية أو دين يظهر استتب فإن تاب قبل منه وإن لم يتب قتل.
وإن كانت ردته إلى دين لا يظهر مثل الزندقة وما أشبهها قتل ولم ينظر إلى توبته.
قال في القديم:
وقد روى بعض محدثينا في هذا شيئا يشبه هذا عن بعض التابعين.
وروي عن علي مثله وهو كالضعيف عن علي.
قال أحمد:
قد روينا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال في الزنديق: يقتل ولا يستتاب.
وعن ابن شهاب: إن قامت عليه البينة فإنه يقتل وإن جاء معترفا تائبا فإنه يترك من القتل.
وأما علي رضي الله عنه فإنه لم يبلغني عنه ما أشار إليه.
وقد بلغني عن قابوس بن المخارق عن أبيه أن محمد بن أبي بكر كتب إلى علي يسأله عن زنادقة مسلمين؟
قال علي:
أما الزنادقة فيعرضون على الإسلام فإن أسلموا وإلا قتلوا.
قال الشافعي في الجديد:
وقال بعضهم: سواء من ولد على الفطرة ومن لم يولد عليها إذا أسلم / فأيهما ارتد استتيب فإن تاب قبل وإن لم يتب قتل.
قال الشافعي:
وبهذا أقول:
5024 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
299

قال الله جل ثناؤه:
* (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) * إلى قوله: * (فهم لا يفقهون) *.
قال الشافعي:
فببن أن إظهار الإيمان ممن لم يزل مشركا حتى يظهر الإيمان وممن أظهر الإيمان ثم أشرك بعد إظهاره ثم أظهر الإيمان مانع لدم من أظهره في أي هذين الحالين كان وإلى أي كفر صار.
وساق الكلام إلى أن قال:
فأخبر الله عن المنافقين بالكفر وحكم فيهم بعلمه من أسرار خلقه ما لم يعلمه غيره من أنهم في الدرك الأسفل من النار وأنهم كاذبون بأيمانهم وحكم فيهم جل ثناؤه في الدنيا بأن ما أظهروا من الإيمان وإن كانوا به كاذبين لهم جنة من القتل.
وبين على لسان نبيه [صلى الله عليه وسلم] مثل ما أنزل في كتابه.
5025 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد أنه أخبره أنه قال: يا رسول الله إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال:
أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ [فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ((لا تقتله)) فقلت يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله يا رسول الله؟] فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا تقتله فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)).
300

قال الشافعي:
فأخبر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن الله حرم دم هذا بالإيمان في حال خوف على دمه ولم يبحه بالأغلب أنه لم يسلم إلا متعوذا بالإسلام من القتل.
5026 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن / عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار:
أن رجلا سار رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فلم يدر ما ساره به حتى جهر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فإذا هو يستأمره في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((أليس يشهد أن لا إله إلا الله))؟.
قال: بلى ولا شهادة له. قال:
((أليس يصلي))؟.
قال: بلى ولا صلاة له.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أولئك الذين نهاني الله عنهم)).
قال الشافعي:
فأخبر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] المستأذن في قتل المنافق إذ أظهر الإسلام أن الله نهاه عن قتله.
5027 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز عن محمد بن عمرو عن
301

أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوا: لا إله إلا الله فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها [و] حسابهم على الله)).
قال الشافعي:
وهذا موافق ما كتبنا قبله من كتاب الله وسنة نبيه [صلى الله عليه وسلم] وبين أنه إنما حكم على ما ظهر وأن الله ولي ما غاب لأنه عالم بقوله وحسابهم على الله عز وجل وكذلك قال الله عز وجل فيما ذكرنا وفي غيره فقال:
* (ما عليك من حسابهم من شيء) *.
قال: وقال عمر بن الخطاب لرجل كان يعرفه بما شاء الله في دينه أمؤمن أنت؟ قال: نعم. قال: إني لأحسبك متعوذا.
قال: أفما في الإيمان ما أعاذني؟
فقال عمر: بلى.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في رجلين:
((هما من أهل النار)).
فخرج أحدهما معه حتى أثخن الذي قال من أهل النار فآذته الجراح فقتل نفسه.
ولم يمنع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ما استقر عنده من نفاقه وعلم إن كان علمه من الله فيه من أن حقن دمه بإظهار الإيمان.
قال وأخبر الله عن قوم من الأعراب فقال:
302

* (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) *.
فأعلم أن من / لم يدخل الإيمان قلوبهم وأنهم أظهروه وحقن به دماءهم.
قال الشافعي:
قال مجاهد في قوله: (أسلمنا) استسلمنا مخافة القتل والسبي.
ثم أعاد الاحتجاج بأمر المنافقين ثم قال: وهؤلاء الأعراب لا يدينون دينا بل يظهرون الإسلام ويستخفون الشرك والتعطيل.
قال الله عز وجل:
* (يسخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول) *.
قال الشافعي:
وقد سمع من عدد منهم الشرك وشهد به عند النبي [صلى الله عليه وسلم] فمنهم من جحده وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بما أظهر. [ولم يقفه على أن يقول أقر].
ومنهم من أقر بما شهد به عليه وقال تبت إلى الله وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بما أظهر.
ومنهم من عرف النبي [صلى الله عليه وسلم] علنه.
5028 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن أسامة بن زيد قال:
شهدت من نفاق عبد الله بن أبي ثلاثة مجالس.
زاد أبو سعيد في روايته قال الشافعي:
303

فأما أمره عز وجل أن لا يصلي عليهم فإن صلاته - بأبي هو وأمي - مخالفة صلاة غيره وأرجو أن يكون قد قضى إذ أمره بترك الصلاة على المنافقين أن لا يصلي على أحد إلا غفر له وقضى أن لا يغفر لمقيم على شرك فنهاه عن الصلاة على من لا يغفر له.
[فإن قال قائل: ما دل على هذا؟ قيل]:
ولم يمنع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من الصلاة عليهم مسلما ولم يقتل منهم بعد هذا أحدا ولم يحبسه ولم يعاقبه ولم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم.
وترك الصلاة مباح على من قامت بالصلاة عليه طائفة من المسلمين.
قال الشافعي:
وقد عاشرهم حذيفة يعرفهم فأعيانهم ثم عاشرهم مع أبي بكر وعمر، وهم يصلي عليهم وكان عمر إذا وضعت جنازة فرأى حذيفة فإن أشار إليه أن أجلس جلس وإن قام معه صلى عليها عمر، ولا يمنع هو / ولا أبو بكر قبله ولا عثمان بعده المسلمين الصلاة عليهم ولا شيئا من أحكام الإسلام ويدعها من تركها معنى ما وصفت من أنها إذا أبيح تركها من مسلم لا يعرف إلا بالإسلام كان تركها من المنافق أولى.
قال الشافعي:
وقد أعلمت عائشة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لما توفي إشرأب النفاق بالمدينة.
قال الشافعي:
304

ولم يقتل أبو بكر ولا عمر، ولا عثمان ولا غيرهم منهم أحدا.
قال الشافعي:
ما ترك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على أحد من أهل دهره لله حدا بل كان أقوم الناس بما افترض الله عليه من حدوده حتى قال في امرأة سرقت فشفع لها.
((إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه)).
قال: وقد آمن من بعض الناس ثم ارتد ثم أظهر الإيمان فلم يقتله رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال أحمد:
روينا هذا في عبد الله بن أبي سرح حين أزله الشيطان فلحق بالكفار ثم عاد إلى الإسلام.
وروينا في رجل آخر من الأنصار.
وروي عن عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلا:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] استتاب نبهان أربع مرات وكان ارتد.
قال الشافعي:
وقتل من المرتدين من لم يظهر الإيمان واحتج الشافعي بحديث اللعان وقد مضى ذكره.
وبقول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من
305

بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار)).
فأعلم أن حكمه كله على الظاهر وأنه لا يحل ما حرم الله وحكم الله له على الباطن لأن الله تعالى تولى الباطن.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إن الله ولي منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات فتوبوا إلى الله واستتروا بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)).
وقال عمر بن الخطاب / لرجل أظهر الإسلام كان يعرف منه [خلافه]: إني لأحسبك متعوذا.
فقال: إن في الإسلام ما أعاذني.
قال: أجل في الإسلام ما أعاذ من استعاذ به.
قال أحمد:
والذي نقلته هذا لفقته من مبسوط كلام الشافعي رحمه الله في هذه المسألة.
واحتجاجه بهذه الأخبار وبما ورد في كتاب الله عز وجل في شأن المنافقين ولم أنقله على الوجه لكثرته. وفيما نقلته كفاية.
وبالله التوفيق.
1056 - [باب]
قتل المرتدة عن الإسلام
5029 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
306

وسواء في القتل على الردة الرجل والمرأة.
وخالفنا بعض الناس وكانت حجتهم في أن لا تقتل المرأة على الردة شيئا رواه عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس في المرأة ترتد عن الإسلام:
تحبس ولا تقتل.
قال الشافعي:
وكلمني بعض من يذهب هذا المذهب وبحضرتنا جماعة من أهل العلم بالحديث فسألناهم عن هذا الحديث فما علمت منهم واحدا سكت عن أن قال:
هذا خطأ والذي روى هذا ليس ممن يثبت أهل الحديث حديثه.
فقلت له: قد سمعت ما قال هؤلاء الذين لا يشك في علمهم بحديثك.
وقد روي بعضهم عن أبي بكر أنه قتل نسوة ارتددن عن الإسلام فكيف لا تصير إليه.
قال الشافعي في موضع آخر في رواية أبي عبد الله بالإجازة:
وقلت له: قد حدث بعض بحديثكم عن أبي بكر الصديق أنه قتل نسوة ارتددن عن الإسلام فما كان لنا أن نحتج به إذا كان ضعيفا عند أهل العلم بالحديث.
5030 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عبد الله محمد بن نصر حدثنا هشام بن عمار حدثنا عمرو بن واقد حدثني يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب عن أبي بكر أنه أتي بأم قرفة الفزارية وكانت ارتدت عن الإسلام فأمر بها / فقتلت.
ورواه الليث بن سعد والوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن امرأة يقال لها: أم قرفة كفرت بعد إسلامها فاستتابها أبو بكر فلم تتب فقتلها.
وهذا منقطع.
وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال:
307

سألت سفيان الثوري عن حديث عاصم في المرتدة فقال: أما من ثقة فلا.
وروينا عن عكرمة عن ابن عباس أن أم ولد رجل سبت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقتلها فنادى منادي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن دمها هدر.
وروينا عن رجل من بلقين: أن امرأة سبت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقتلها خالد بن الوليد وروي لنا في قتل المرتدة ولهم في تركها من القتل مرفوعا إلى النبي [صلى الله عليه وسلم].
ولا ينبغي لأهل العلم أن يحتج بأمثال ذلك.
5031 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قلت له: هل تعدو الحرة أن تكون في معنى ما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((من بدل دينه فاقتلوه)).
فتكون مبدلة دينها فتقتل أو يكون هذا على الرجال دونها؟ فمن أمرك بحبسها؟
وهل رأيت حبسا قط [هكذا]؟
إنما الحبس ليبين لك على الحد فقد بان لك كفرها فإن كان عليها قتل قتلتها وإن لم يكن فالحبس لها ظلم.
وأنت لا تحبس الحربية.
قال فيقول: ماذا قلت؟
أقول: إن قتلها نص في سنه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بقوله:
((من بدل دينه فاقتلوه)).
308

وقوله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس)).
فكانت كافرة بعد إيمان فعل دمها كما إذا كانت زانية بعد إحصان أو قاتلة نفس بغير نفس قتلت.
1057 - [باب]
استتابة المرتد
5032 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ عن أبيه أنه / قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره ثم قال:
هل فيكم من مغربة خبر؟ فقال: نعم رجل كفر بعد إسلامه.
قال: فما فعلتم به؟
قال: قربناه فضربنا عنقه.
قال عمر: فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني.
قال أحمد:
كان الشافعي في القديم يقول بهذا وبه قال في أحد القولين في كتاب المرتد الصغير وقال في القول الآخر:
ثبت عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
309

((يحل الدم بثلاث كفر بعد إيمان)).
وهذا كفر بعد إيمانه ويدل دينه دين الحق ولم يأمر النبي [صلى الله عليه وسلم] فيه بأناة مؤقتة تتبع ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وممن قال لا يتأنى به من زعم أن الحديث الذي روي عن عمر لو حبستموه ثلاثا ليس بثابت لأنه لا يعلمه متصلا وإن كان ثابتا كان لم يجعل على من قتله قبل ثلاث شيئا.
1058 - [باب]
إذا لحق المرتد بدار الحرب لم يقسم ماله بين ورثته ولم تعتق أمهات أولاده ولا مدبروه
وإذا مات أو قتل على الردة لم ترثه ورثته وكان ماله فيئا
5033 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في مبسوط كلامه:
إنما ورث الله الأحياء من الموتى فقال:
* (إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) * الآية.
فكيف زعمت أن المرتد يورث كما يورث الميت وتحل ديته وتعتق أمهات أولاده ومدبروه.
في لحوقه بدار الحرب.
ونحن على يقين من حياته؟ أيشكل عليك أن هذا خلاف كتاب الله عز وجل؟
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن
310

زيد أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر / المسلم)).
قال الشافعي:
أيعدو المرتد أن يكون كافرا أو مؤمنا؟
قال: بل كافر. قلت: فكيف ورثت المسلمين من الكافرين؟
قال: إنما أخذنا بهذا أن عليا قتل مرتدا وأعطى ورثته من المسلمين ميراثه.
فقلت له: هل سمعت من أهل العلم بالحديث منكم من يزعم أن الحفاظ لم يحفظوا عن علي قسم ماله بين ورثته المسلمين؟
ونخاف أن يكون الذي زاد هذا غلط.
فقال: قد رواه ثقة وإنما قلنا خطأ بالاستدلال وذلك ظن.
فقلت له: روى الثقفي وهو ثقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قضى باليمين مع الشاهد.
فقلت له: لم يذكر جابرا الحفاظ وهذا يدل على أنه غلط.
أفرأيت أن قلنا هذا ظن أو الثقفي ثقة وإن ضيع غيره أو شك؟
قال إذا لا تنصف.
قلت: وكذلك لم تنصف أنت.
قال الشافعي:
311

قلت له: أليس إذا ثبت عن النبي [صلى الله عليه وسلم] شيء لم يكن في أحد معه حجة؟
قال: بلى.
قلت: فقد ثبت عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((لا يرث المسلم الكافر)).
فكيف خالفته؟
قال: فلعله أراد الكافر الذي لم يكن أسلم ولعل عليا قد علم قول النبي [صلى الله عليه وسلم].
فعارضه في موضع آخر بحديث بروع بنت واشق وأن عليا قضى بخلاف ذلك وقال مثل قول علي بن عمر، وزيد بن ثابت وابن عباس.
فقلت: لا حجة لأحد ولا في قوله مع النبي [صلى الله عليه وسلم].
وإن كان يمكن إنما قالوا هذا لأنهم علموا أن النبي [صلى الله عليه وسلم] علم أن زوج بروع فرض لها بعد عقدة النكاح فحفظ مغفل عقدة النكاح بغير فريضة وعلم هؤلاء الفريضة.
أظنه قال أو الدخول.
قال: ليس هذا في حديث مغفل وهؤلاء لم يرووه.
قلت: فلم لا يكون ما رويت عن علي في المرتد هكذا؟
فقال منهم قائل: فهل رويت في ميراث المرتد شيئا عن أحد من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم]؟
فقلت: إذ أبان رسول الله / [صلى الله عليه وسلم] أن الكافر لا يرث المسلم ولا المسلم الكافر وكان كافرا ففي السنة كفاية في أن ماله مال كافر لا وارث له وإنما هو فيء.
وقد روي أن معاوية كتب إلى ابن عباس وزيد بن ثابت سألهما عن ميراث المرتد؟
312

فقالا لبيت المال.
قال الشافعي:
يعينان أنه فيء.
قال: أفعلمت أن النبي [صلى الله عليه وسلم] غنم مال ابن خطم؟
قلت: ولا علمته ورث ورثته المسلمين ولا علمت له مالا.
وبسط الكلام في أن لا معنى للمتوهم.
قال: فقد قال بعض أصحابك أن رجلا ارتد في عهد عمر ولحق بدار الحرب فلم يتعرض عمر لماله ولا عثمان بعده.
قلنا: ولا نعرف هذا ثابتا عن عمر، ولا عثمان ولو كان خلاف قولك وبما قلنا أشبه.
أنت تزعم أنه إذا لحق بدار الحرب قسم ماله.
وتروى عن عمر وعثمان أنهما لم يقسماه وتقول: لم يعرض له.
وقد يكون بيدي من وثق به أو يكون ضمنه من هو في يديه ولم يبلغه موته فأخذه فيئا.
قال أحمد:
وروينا عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه قال:
لقيت عمي ومعه راية فقلت أين تريد؟
فقال: بعثني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله.
313

5034 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن إسة حدثنا أبو داود حدثنا عمرو بن قسيط الرقي حدثنا عبد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت فذكره.
قال أصحابنا: وضرب العنق لا يجب فض النكاح دون الاستحلال فكأنه استحله بعد اعتقاد تحريمه فصار به مرتدا فوجب به ضرب عنقه وأخذ ماله فيئا والله أعلم.
5035 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
وإذا ارتد أحد الزوجين - يعني بعد الدخول - لم ينفسخ النكاح إلا بمضي العدة لأنه في معنى حكم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذا كان الزوجان الوثنيان متناكحين فأسلم أحدهما فحرم على الآخر فجعل النبي صلى الله عليه / وسلم منتهى بينونة المرأة من الزوج أن تمضي عدتها قبل أن يسلم الآخر منهما إسلاما بدلالة عنه ممن روى الحديث.
ثم بسط الكلام في التشبيه وإنما أراد بقوله:
بدلالة عنه ممن روى الحديث حديث الزهري في قصة أبي سفيان وامرأته وحكيم بن حزام وصفوان ابن أمية وعكرمة بن أبي جهل وامرأة كل واحد منهم زمن الفتح وقد مضى في كتاب النكاح.
1059 - [باب]
ذرية المرتدين
قال الشافعي:
لا تسبى للمرتدين ذرية امتنعوا أو لم يمتنعوا أو لحقوا بدار الحرب أو أقاموا لأن حرمة الإسلام قد ثبتت للذرية ولا ذنب لهم في تبديل آبائهم.
وحكي في رواية عبد الرحمن البغدادي عنه عن بعض العراقيين:
أن حكمهم حكم أهل الأوثان إذا حاربوا ولحقوا بدار من دور المشركين.
314

قال: واحتج بأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعل ذلك في بني ناجية فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم بعد ما ارتدوا.
قال الشافعي:
قد زعم أبو الطفيل أن بني ناجية كانوا على أصناف ثلاثة:
فمنهم قوم كانوا على النصرانية ثم أسلموا ثم ارتدوا.
وقوم كانوا ثابتين على النصرانية لم يسلموا.
وقوم منهم كانوا على إسلامهم فأتاهم عامل علي فأخبروه بأمرهم وكانوا قد نصبوا الحرب واعتزل المسلمون منهم وقاتل من لم يزل على النصرانية ومن ارتد.
قال أحمد:
حديث أبي الطفيل فيما:
5036 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي حدثنا أبو عمرو المقري حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن عبد الملك بن سعد بن حيان عن عمار الدهني قال حدثني أبو الطفيل قال:
كنت في الجيش الذين بعثهم علي بن أبي طالب إلى ناجية. فذكر معنى ما حكى الشافعي.
وقد خرجته في كتاب السنن.
قال الشافعي:
فقد يجوز أن يكون علي سبى من بني ناجية من لم يكن ارتد للذي وصفنا.
قال: ويقال له قد كانت / الردة في عهد أبي بكر فلم يبلغنا أن أبا بكر خمس شيئا من ذلك.
1060 - [باب]
المكره على الردة
5037 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
315

قال الله تبارك وتعالى:
* (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا) * الآية.
قال الشافعي:
فلو أن رجلا أسره العدو فأكره على الكفر لم تبن منه امرأته ولم يحكم عليه بشيء من حكم المرتد.
قد أكره بعض من أسلم في عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] على الكفر فقاله ثم جاء النبي [صلى الله عليه وسلم] فذكر له ما عذب به فنزلت فيه. فذكر الآية.
ولم يأمره النبي [صلى الله عليه وسلم] باجتناب زوجته ولا بشيء مما على المرتد.
قال أحمد:
قد روينا في قصة عمار بن ياسر أن المشركين عذبوه فلم يتركوه حتى سب النبي [صلى الله عليه وسلم] وذكر آلهتهم بخير فتركوه فقال له النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((يا عمار ما وراءك)).
قال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير. فقال:
((فكيف تجد قلبك)).
قال: مطمئنا بالإيمان. قال:
((إن عادوا فعد)).
قال: فأنزل الله عز وجل:
* (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * قال ذلك عمار بن ياسر * (ولكن من شرح بالكفر صدرا) * عبد الله بن أبي سرح.
316

5038 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا محمد بن الفضل بن جابر حدثنا يحيى بن يوسف حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال:
أخذ المشركون عمارا فذكره.
5039 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن سويد بن غفلة:
أن عليا أتي بزنادقة فخرج إلى السوق فحفر حفرا فقتلهم ثم رمى بهم في الحفر فحرقهم بالنار.
قال الشافعي:
وهم يخالفون هذا فيقولون لا يحرق أحد بالنار.
وأما / نحن فروينا أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى أن يعذب أحد بعذاب الله فقلنا به ولا نحرق أحدا حيا ولا ميتا.
وعن ابن علية عن سليمان التيمي عن أبي عمرو الشيباني أن رجلا تنصر بعد إسلامه فأتي به علي فجعل يعرض عليه فقال:
ما أدري ما تقول غير أنه شهد أن المسيح ابن الله فوثب إليه عليه يوطئه وأمر الناس أن يطئوه ثم قال: كفوا. فكفوا عنه وقد مات.
قال الشافعي:
هم لا يأخذون بهذا يقولون لا يقتل الإمام أحدا هذه القتلة ولا يقتل إلا بالسيف.
أوردهما إلزاما للعراقيين في خلاف علي رضي الله عنه.
317

بسم الله الرحمن الرحيم
37 - كتاب الحدود
1061 - [باب]
العقوبات في المعاصي
5040 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
كانت العقوبات في المعاصي قبل أن ينزل الحد ثم نزلت الحدود ونسخت العقوبات فيما فيه الحدود.
وذكر ما:
5041 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((ما تقولون في الشارب والزاني والسارق))؟
وذلك قبل أن ينزل الحد.
فقالوا: الله ورسوله أعلم.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((هن فواحش وفيهن عقوبة وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته)).
318

قال: ثم ساق الحديث.
وقال غير الشافعي في غير هذا الحديث قالوا:
وكيف يسرق صلاته يا رسول الله؟ فقال:
((لا يتم ركوعها ولا سجودها)).
وهذا مرسل.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله.
ومثل معنى هذا في كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل:
* (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما) *.
قال الشافعي:
فكان حد الزانيين بهذه الآية الحبس والأذى حتى أنزل الله على نبيه [صلى الله عليه وسلم] حد الزاني فقال:
* (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) *.
واستدللنا بسنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] - بأبي وأمي هو - على من أريد بالمائة جلدة فذكر ما.
5042 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبادة بن الصامت أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)).
5043 - قال وأخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة من أهل العلم عن يونس بن عبيد عن
319

الحسن عن حطان الرقاشي عن عبادة عن النبي [صلى الله عليه وسلم]. مثله.
قال الشافعي:
ولا أدري أدخله عبد الوهاب بينهما فذكر في كتابي حين حولته وهو في الأصل أم والأصل يوم كتبت هذا الكتاب غائب عني.
قال أحمد:
روينا في هذا الحديث عن يزيد بن زريع عن يونس عن الحسن قال:
كان أول حدود النساء يحسبن في بيوت لهن حتى نزلت الآية التي في ((النور)).
قال عبادة بن الصامت [كنا] عند النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((خذوا)). فذكر هذا الحديث.
وقد رواه الشافعي في كتاب أحكام القرآن عن عبد الوهاب الثقفي عن يونس عن الحسن عن عبادة بمعنى هذه الزيادة ثم قال:
وهذا الحديث يقطع الشك ويبين أن حد الزانيين كان الحبس أو الحبس والأذى.
وأن أول ما حد الله به الزانيين من العقوبة في أبدانهما بعد هذا.
قال أحمد:
وقد روي هذا الحديث / دون هذه الزيادة موصولا قتادة ومنصور بن زاذان عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
ومن هذين الوجهين أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح.
320

5044 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
ودلت سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن جلد المائة ثابت على البكرين الحرين ومنسوخ عن الثيبين وأن الرجم ثابت على الثيبين الحرين لأن قول رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا)).
أول ما أنزل فنسخ به الحبس والأذى عن الزانيين فلما رجم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ماعزا ولم يجلده.
وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الأسلمي فإن اعترفت يرجمها.
دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين وثبت الرجم عليهما لأن كل شيء أبدا بعد أول فهو آخر.
5045 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن رجل عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي:
أن عليا جلد شر احة يوم خميس ورجمها يوم الجمعة وقال: أجلدها بكتاب الله وأرجمها بسنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قال الشافعي:
وليسوا يقولون بهذا.
يقولون: يرجم ولا يجلد.
والسنة الثابتة أن تجلد البكر ولا ترجم ويرجم الثيب ولا يجلد.
ثم ذكر حديث ماعز وأنيس.
أورده إلزاما للعراقيين في خلاف علي رضي الله عنه.
1062 - [باب]
حد الثيب الزاني
5046 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
321

العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى النبي [صلى الله عليه وسلم].
فقال أحداهما: يا رسول الله اقض بيننا / بكتاب الله.
وقال الآخر: أفقهما أجل يا رسول الله فاقض بكتاب الله وأذن لي في أن أتكلم فقال:
((تكلم)).
قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن علي ابني الرجم فأفتديت منه بمائة شاة وجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن علي ابن جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
[أما] والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد إليك)).
وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيس الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمهما.
فاعترفت فرجمها.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك.
وأخرجاه من أوجه عن الزهري.
5047 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو عبد الله وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول:
الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت
322

عليه البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
5048 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب:
إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله عز وجل فقد رجم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ورجمنا.
فوالذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة [إذا زنيا] فارجموها البتة.
فإنا قد قرأناها.
5049 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن أبي واقد الليثي:
أن عمر بن الخطاب أتاه رجل وهو بالشام / فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك فأتاها وعندها نسوة حولها فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع فأبت أن تنزع وتمت على الاعتراف فأمر بها عمر بن الخطاب فرجمت.
1063 - [باب]
ما يستدل به على شرائط الإحصان
5050 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رجم يهوديين زنيا.
323

وقال في موضع آخر: رجم يهوديا ويهودية زنيا.
والحديث بتمامه مخرج في الصحيحين وهذا مختصر منه.
5051 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني أخبرنا الشافعي عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود عن ابن جريج قال أخبرني ابن الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:
رجم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رجلا من أسلم ورجلا من اليهود وامرأة.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث ابن جريج.
ورواه ابن لهيعة عن عبد الملك بن عبد العزيز بن مليك أنه أخبره أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي يذكر أن اليهود أتوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بيهودي ويهودية زنيا وقد أحصنا فأمر بهما رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فرجما.
5052 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا ابن لهيعة فذكره.
وروي هذا اللفظ في حديث ابن عباس وابن عمر، وأبي هريرة.
وفي الحديثين قبله كفاية وفيهما مع الإجماع على شرط الإحصان في الرجم دلالة على أنهما كانا محصنين وإن كفرهما لم يمنع / إحصانهما بالنكاح والحرية.
وقد روي عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول:
من أشرك بالله فليس بمحصن.
وروي ذلك عنه مرفوعا ولا يصح رفعه.
قاله الدارقطني وغيره من الحفاظ.
وكأنه أراد والله أعلم إحصان القاذف فهو الراوي مع غيره أن النبي [صلى الله عليه وسلم] رجم يهوديين زنيا وهو لا يخالف النبي [صلى الله عليه وسلم] فيما يروي عنه.
324

وأما حديث كعب بن مالك أنه أراد أن يتزوج يهودية أو نصرانية فسأل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فنهاه عنها وقال:
((إنها لا تحصنك)).
فهذا حديث رواه أبو بكر بن أبي مريم الغساني وهو ضعيف.
عن علي بن أبي طلحة عن كعب وعلي بن أبي طلحة لم يدرك كعبا قاله: أبو الحسن الدارقطني فيما:
5053 - أخبرني أبو عبد الرحمن السلمي عنه.
ورواه بقية بن الوليد عن بعض مشائخه المجهولين وهو أبو سبأ عتبة بن تميم عن علي بن أبي طلحة عن كعب.
وهو منقطع.
ورويناه عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الملك بن مروان سأله أو قال سأل عبد الله بن عتبة عن الأمة هل تحصن الحر؟
قال: نعم. قال: عمن تروي هذا؟
قال: أدركنا أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقولون ذلك.
وروينا عن علي. ورواه أبو الزناد عن أصحابه فيمن تزوج ولم يدخل بها حتى زنى لم يرجم.
وقال ابن المسيب: السنة فيه أن يجلد ولا يرجم.
وروينا عن جابر بن عبد الله:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] جلد رجلا في الزنا مائة فأخبر أنه كان أحصن فأمر به فرجم.
وقيل عن جابر موقوفا غير مرفوع والله أعلم.
325

5054 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وحد المحصن والمحصنة أن يرجما بالحجارة حتى يموتا ثم يغسلا ويصلي عليهما ويدفنا.
قال أحمد:
قد روينا في حديث / عمران بن حصين: أن امرأة من جهينة أتت النبي [صلى الله عليه وسلم] وهي حبلى من الزنا فقالت:
يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي الله [صلى الله عليه وسلم] وليها فقال:
((أحسن إليها فإذا وضعت فأتيني بها)).
ففعل فأمر بها النبي [صلى الله عليه وسلم] فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال عمر: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت!!
قال:
((لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل)).
5055 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن سلمان حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام.
قال: وأخبرني محمد بن صالح بن هانئ حدثنا أبو علي القباني حدثنا عبيد الله بن سعيد حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو قلابة أن أبا المهلب حدثه أن عمران بن حصين حدثه:
أن امرأة من الأنصار من جهينة أتت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فذكره إلا أنه قال:
فشدت عليها ثيابها.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي غسان عن معاذ.
326

وروينا عن بريدة في قصة الغامدية حين رجمت فأمر بها فصلى عليها ودفننت.
وفي حديث أبي بكرة:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] رجم امرأة فلما طفئت أخرجها فصلى عليها.
وأما ماعز بن مالك:
فروي في حديث جابر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يصل عليه.
وروي فصلى عليه وهو خطأ.
وفي حديث أبي سعيد قال:
فما استغفر له ولا سبه.
وحديث الغامدية كان بعد حديث ماعز.
وروينا عنه أنه أمرهم بالاستغفار لماعز بعد يومين أو ثلاثة.
وأما حفر المرجوم:
فروينا عن أبي سعيد الخدري في قصة ماعز قال:
فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكنه قام لنا فرميناه.
وروينا في حديث / بريدة في قصة ماعز قال:
فأمر نبي الله [صلى الله عليه وسلم] فحفر له حفرة فجعل فيها إلى صدره ثم أمر الناس أن يرجموه.
وفيه في قصة الغامدية:
ثم أمر بها فحفر لها حفرة فجعلت فيها إلى صدرها ثم أمر الناس أن يرجموها.
327

وروينا في حديث اللجاج في الحفر للشاب المحصن الذي اعترف بالزنا.
وعن أبي بكرة في الحفر للمرأة التي رجمت.
5056 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
أمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] برجم ماعز ولم يحضره وأمر أنيسا أن يأتي امرأة فإن اعترفت رجمها ولم يقل أعلمني لأحضرها.
ولم أعلمه أمر برجم أحد فحضره.
ولو كان حضور الإمام حقا حضره رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وقد أمر عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي أن يأتي امرأة فإن اعترفت رجمها ولم يقل أعلمني أحضرها.
[وما علمت إماما حضر رجم مرجوم).
ولقد أمر عثمان برجم امرأة فرجمت وما حضرها.
قال أحمد:
تركه حضور رجم ماعز والمعترفة بالزنا في قصة أنيس يدل على أن حضوره ليس بشرط ويشبه أن يكون حضر رجم الغامدية وليس بالبين جدا وذلك لا يدل على الوجوب. والله أعلم.
وإنما قلت هذا في الغامدية لأن في حديث بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه في قصة الغامدية قال:
ثم أمر الناس أن يرجموها فتقبل خالد بن الوليد لحجر فرمى رأسها فتنضخ الدم على وجه خالد فسبها فسمع نبي الله [صلى الله عليه وسلم] سبه إياها فقال:
((مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له '
328

وإنما قلت ليس بالبين جدا لأنه قد يكون في حجرته أو في المسجد فيبلغه سبه إياها ثم ينهاه حين يحضره.
وروي في حديث أبي بكرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في المرأة التي رجمت قال:
ثم رماها بحصاة مثل الحمصة ثم / قال:
((إرموا واتقوا الوجه)).
وهذا إيما يرويه شيخ غير مسمى عن أبي بكرة عن أبيه.
والله أعلم.
1064 - [باب]
جلد البكر ونفيه
5057 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك وابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد.
وزاد سفيان شبل:
أن رجلا ذكر أن ابنه زنى بامرأة رجل فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لأقضين بينكما بكتاب الله)).
فجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك بن عيينة دون ذكر شبل.
والحفاظ يزعمون أن ابن عيينة أخطأ في ذكره شبلا في إسناده وهو يقول حفظناه
329

من في الزهري واتقناه.
والله أعلم.
5058 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر ابن إسحاق الفقيه أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه قال فيمن زنى ولم يحصن:
((ينفى عاما من المدينة مع إقامة الحد عليه)).
قال ابن شهاب: وكان عمر ينفي من المدينة إلى البصرة وإلى خيبر.
رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير.
5059 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وروي عبادة بن الصامت الجلد والنفي عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
قال أحمد:
وفي حديث عبادة إخبار النبي [صلى الله عليه وسلم] عن الله عز وجل بذلك.
وفي حديث أبي هريرة وحده فتوى رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وفي حديث زيد بن خالد وأبي هريرة قضاؤه به في شخص بعينه فلم تر سنة أثبت من هذا.
وروينا عن نافع / عن صفية بنت أبي عبيد عن أبي بكر الصديق:
أنه جلد رجلا وقع على جارية بكر فأحبلها ثم اعترف على نفسه ولم يكن أحصن فنفاه عاما.
5060 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا عبد الكريم بن الهيثم حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب قال قال نافع. فذكره.
ورواه مالك في الموطأ عن نافع وقال فيه.
330

فأمر به أبو بكر فجلد الحد ثم نفاه إلى فدك.
وروينا عن أبي كريب عن عبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ضرب وغرب وأن أبا بكر وعمر ضربا وغربا.
5061 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا أبو محمد بن حيان الأصبهاني حدثنا محمد بن العباس ومحمد بن يحيى قالا حدثنا أبو كريب حدثنا ابن إدريس فذكره.
ورواه أبو سعيد الأشج عن ابن إدريس موقوفا.
5062 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث أخبرنا أبو محمد حدثنا محمد بن العباس حدثنا أبو سعيد حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر:
أن أبا بكر وعمر ضربا وغربا.
قال أبو سعيد: وهم فيه أبو كريب.
قال أحمد:
أبو كريب: حافظ ثقة وتابعه على رفعه يحيى بن أكثم عن ابن إدريس.
ثم هو عن أبي بكر وعمر صحيح.
وعن النبي [صلى الله عليه وسلم] من غير هذا الوجه صحيح.
وروينا عن مسروق عن أبي بن كعب قال:
البكران يجلدان وينفيان والثيبان يرجمان.
5063 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو الفضل بن خميرويه أخبرنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا شريك عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن أبي بن كعب فذكره.
331

تابعه أبو عوانة عن فراس.
5064 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن هشيم عن الشيباني عن الشعبي:
أن عليا نفى إلى البصرة.
5065 - وبإسناده قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أشياخه:
أن عليا نفى إلى البصرة.
5066 - / وبإسناده قال قال الشافعي فيما بلغه عن يزيد بن هارون عن ابن أبي عروبة عن حماد عن إبراهيم - أظنه عن عبد الله - في أم الولد تزني بعد موت سيدها: تجلد وتنفى.
قال الشافعي:
وهم: لا يقولون بهذا. يقولون لا ننفي أحد زان ولا غيره. ونحن نقول ننفي الزاني لسنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وما روي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعبد الله، وأبي بن كعب، وأبي الدرداء، وعمر بن عبد العزيز كلهم قد رووا النفي.
5067 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي [قال].
قال قائل: لا أنفي أحدا.
فقيل لبعض من يقول قوله: ولم رددت النفي في الزنا وهو ثابت عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وأبو بكر وعمر، وعثمان وعلي، وابن مسعود، والناس عندنا إلى اليوم؟
قال: رددته بأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا تسافر المرأة سفرا يكون ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم)).
332

فقلت له: سفر المرأة شيء حيطت به المرأة فيما لا يلزمها من الأسفار وقد نهيت أن تخلو في المصر برجل وأمرت بالقرار في بيتها وقيل لها صلاتك في بيتك أفضل لئلا تعرضي أن تفتني أو يفتتن بك.
وليس هذا مما يلزمها سبيل.
ثم بسط الكلام في الجواب عنه إلى أن قال:
أرأيت إن كانت ببادية لا قاضي عند قربها إلا على ثلاث ليال أو أكثر فادعى عليها مدعي حقا أو أصابت حدا؟
قال: ترفع إلى قاضي.
قلنا: مع ذي محرم؟ قال: نعم قلنا: قد أبحت لها أن تسافر ثلاثا أو أكثر مع غير ذي محرم؟
قال: هذا يلزمها. قلنا: فهذا يلزمها برأيك فأبحته لها ومنعتها منه فيما سن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأخبر به عن الله فيها.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
فلم لا يكون الرجل إذا كان لا يحتاج إلى محرم منفيا والنفي حده؟
قال: فقد [نفي] عمر رجلا وقال: لا أنفي بعده.
قلنا: عمر نفى في الخمر. والنفي في السنة على الزاني والمخنث وفي / الكتاب على المحارب وهو خلاف نفيهما فإن رأى عمر نفيا في الخمر ثم رأى أن يدعه فليس الخمر بالزنا وقد نفى عمر في الزنا فكيف لم تحتج بنفي عمر في الزنا.
وقد قلنا نحن وأنت أن ليس في أحد مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم]؟
333

قال أحمد:
جاء من يدعي تسوية الآثار على مذهبه وعرض ما ذكرنا من الأخبار من نفي البكر بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال:
((إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير)).
وقال: إن كان سكوت النبي [صلى الله عليه وسلم] في حديث أنيس عن ذكر الجلد يدل على رفع الجلد فسكوته ها هنا عن ذكر النفي يدل على رفع النفي.
قال أحمد:
خالف هذا الشيخ حديث عبادة بن الصامت وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في نفي البكر وخالف مذهب الخلفاء الراشدين فيه ومن رويناه عنه سواهم.
وزعم أنه ذهب فيه إلى حديث زيد وأبي هريرة في الأمة إذا زنت فاجلدوها وهو يخالف حديثهما في الأمة فيما ورد فيه الخبر وذاك لأن الخبر يدل على أن للسادات أن تجلد وإماءهم إذا زنين ولا يجوز ذلك عند السادات فهو مخالف لجميع ما ورد فيه من الأحاديث.
وأما الشافعي رحمه الله فإنه قال بالأحاديث التي وردت في نفي البكر وقال بهذا الحديث في جلد السيد أمته إذا زنت وأما نفيها فقد:
5068 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
أختلف أصحابنا في نفيهما - يعني نفي العبد والأمة - فمنهم من قال: لا ينفيان كما لا يرجمان ولو نفيا نفيا نصف سنة.
وهذا مما استخير الله فيه.
فهو ذا يشير إلى التوقف / في نفيهما.
334

وقد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أنهما لا ينفيان.
وحكاه أبو الزناد عن أصحابه وهو مذهب مالك فعلى هذا قد قلنا بظاهر هذه الأحاديث لم نخالف شيئا منها وإن قلنا بنفيهما فلم نخالف فيما قلنا إجماعا.
فقد روى أبو بكر بن المنذر - صاحب الخلافيات - عن عبد الله بن عمر:
أنه حد مملوكه له في الزنا ونفاها إلى فدك.
5069 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن نافع:
أن عبدا كان يقوم على رقيق الخمس وأنه استكره جارية من ذلك الرقيق فوقع بها فجلده عمر، ونفاه ولم يجلد الوليدة لأنه استكرهها.
وهذا في الموطأ عن مالك.
وهو إن كان مرسلا فنافع مولى ابن عمر كان مشهورا بالرواية عن الثقات وبالعناية بأخبار آل عمر.
ورواه الليث بن سعد عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن عمر.
وروي في ذلك أيضا عن علي بن أبي طالب وفي إسناد حديثه نظر.
قال أحمد:
5070 - وقد أخبرنا الإمام أبو عثمان رحمه الله قال حدثنا أبو علي الزاهري حدثنا أبو القاسم البغوي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عباد بن العوام حدثنا عمر بن عامر عن حماد عن إبراهيم: أن عليا قال في أم ولد بغت قال: تضرب ولا نفي عليها.
5071 - وبهذا الإسناد عن حماد عن إبراهيم أن ابن مسعود قال:
تضرب وتنفى.
فاختلفت الرواية فيه عن علي.
فرواه إبراهيم النخعي عن ابن مسعود كما قلنا.
والذي يخالفنا يحتج بمراسيل إبراهيم عن عبد الله ونفيهما قياسا على نفي
335

الحرين وترك ذكره في حديث الأمة لا يدل على رفعه لأمور منها:
أن القصد من الحديث إذن السادات في جلد الإماء ألا تراه لم يذكر عدد الجلد كما لم يذكر النفي.
ومنها: أنه ليس في شيء من الأحاديث أن حديث الأمة كان بعد حديث أبي هريرة في النفي حتى يكون ناسخا له.
وفي حديث / أنيس أنه أمره بالرجم دون الجلد وأنه رجمها ولم يجلدها وكان بعد حديث الجلد مع الرجم فاستدللنا به على نسخ الجلد ومنها أنه يجوز أن يعبر في الكلام ببعض الشيء عن جملته ويكتفي في باقية بما سبق منه فيه ولا يجوز أن يقتصر في الفعل على بعض الشيء إلا بعد جواز الاقتصار عليه.
فأنيس لما اقتصر على الرجم دون الجلد علمنا أن الجلد مرفوع واقتصار النبي [صلى الله عليه وسلم] في الأمة على ذكر الجلد يشبه أن يكون اكتفى بما سبق منه في ذكر النفي.
والله أعلم.
وأمره بالبيع لا يمنع النفي كما لا يمنع الجلد.
ويجوز بيعها بنفيه عن بلدها وهي في موضع معلوم كما يجوز بيعها في بلدها.
ومن خالف ما ذكرنا من الأخبار والآثار في نفي البكر حقيق عليه أن لا ينسب من وافقها ووافق عمر، وابن عمر في نفي العبد والأمة وقاسهما على الحر والحرة إلى ما هو أولى به من الجهل ومخالفة من تقدم من أهل العلم في أصل النفي وجلد السيد أمته إذا زنت - والله يعصمنا من الطعن في أئمة المسلمين وما يقبح من الكلام فيمن يقتدى به من أعلام الدين.
والعجب أن قائل هذا يدعي المعرفة بالآثار ثم يجعل تركه القول بما تقدم من الأخبار في نفي البكر لتركنا معا القول بحديث رواه محمد بن عبد العزيز الواسطي عن إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل عبده عمدا فجلده النبي [صلى الله عليه وسلم] مائة ونفاه سنة ومحاسهمه من المسلمين وأمره أن يعتق رقبة.
ونحن لا ندري لأي معنى تركه فهو يحتج بما هو أضعف من هذا الإسناد فيما يوافق هواه وأما نحن فإنما تركناه لضعف إسناده وهذا حديث مختلف فيه على
336

إسماعيل فروي عنه هكذا.
ورواه عنه سعيد بن منصور عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عمرو / وعن إسحاق عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن علي وإسحاق وإسماعيل.
كلاهما ضعيف لا يحتج بروايتهما ولو كان ثابتا لقلنا به كما قلنا بما ثبت من نفي البكر - والحمد لله على حسن التوفيق.
5072 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
النفي ثلاثة وجوه منها:
نفي نصا في كتاب الله عز وجل وهو قول الله عز وجل في المحاربين:
* (أو ينفوا من الأرض) *.
وذلك النفي يطلبون فيتبعوا ثم يطلبون فيتبعوا فمتى قدر عليهم أقيم عليهم حد الله إلا أن يتوبوا قبل أن يقدر عليهم فيسقط عنهم وتثبت عليهم حقوق الآدميين.
والنفي في السنة وجهان أحدهما ثابت عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وهو:
نفي البكر الزاني يجلد مائة وينفى سنة.
وقد روي عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((لأقضين بينكما بكتاب الله)).
ثم قضى بالنفي والجلد على البكر.
والنفي الثاني:
أنه يروى عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مرسلا:
أنه نفى مخنثين كانا بالمدينة يقال لأحدهما هيت والآخر ماتع.
337

ويحفظ في أحدهما أنه نفاه إلى الحمى وأنه كان في ذلك المنزل حياة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وحياة أبي بكر وحياة عمر، وأنه شكا الضيق فأذن له بعض الأئمة أن يدخل المدينة في الجمعة يوما يتسوق ثم ينصرف.
وقد رأيت أصحابنا يعرفون هذا ويقولونه لا أحفظ عن أحد منهم أنه خالف فيه وإن كان لا يثبت ثبوت نفي الزنا.
قال أحمد:
قد روي معنى هذا في حديث ابن عياش ابن أبي ربيعة وفيه:
فجعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوما في كل سبت يدخل يسأل ويرجع إلى منزله واسمه ماتع.
قال: ونفى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] معه صاحبيه هدم وهيت.
وفي الحديث الثابت عن عكرمة عن ابن عباس:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لعن المخنثين من / الرجال والمترجلات من النساء وقال:
((أخرجوهم من بيوتكم وأخرجوا فلانا وفلانا)).
يعني المخنثين.
وفي رواية أخرى فأخرج رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مخنثا وأخرج عمر مخنثا.
وفي حديث أيوب عن عكرمة فأمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] برجل من المخنثين فأخرج من المدينة.
وأمر أبو بكر برجل منهم فأخرج أيضا.
وروينا في حديث أبي يسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة:
338

أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أتى بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فأمر به فنفي إلى النقيع.
5073 - أخبرناه أبو علي الروذباوي أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا هارون بن عبد الله عن أبي أسامة عن مفضل بن يونس عن الأوزاعي عن أبي يسار القرشي فذكره أتم من ذلك.
قال الشافعي في كتاب حرملة:
أخبرنا سفيان حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت:
دخل النبي [صلى الله عليه وسلم] بيت أم سلمة وعندها مخنث فسمعه النبي [صلى الله عليه وسلم] وهو يقول لعبد الله بن أبي أمية يا عبد الله إذا فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنه غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((لا تدخلوا هذا عليكم)).
5074 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان فذكره بإسناده ومعناه غير أنه قال: قالت: دخل علي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وعندي مخنث وقال: فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((لا يدخلن هؤلاء عليكم)).
قال سفيان: قال ابن جريج واسمه هيت.
رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي.
339

1064 - مكرر - [باب]
إقامة الحد على من اعترف بالزنا مرة وثبت عليها.
5075 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
/ إذا اعترف مرة وثبت عليها حد وكذا هي واحتج بحديث الرجلين اختصما إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] في حد الزنا وفي آخره:
وأمر أنيس الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها.
ولم يذكر عدد الاعتراف.
قال أحمد:
وروينا في حديث عمران بن حصين:
أن امرأة من جهينة أتت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقالت: إنها زنت وهي حبلى.
ولم يذكر فيه عدد اعتراف.
5076 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
يخالف هذا الحديث بعض الناس فقال:
لا ترجم حتى تعترف أربعا.
واحتج بأن الزهري روى أن رجلا اعترف عند النبي [صلى الله عليه وسلم] أربع مرات.
قلنا: وقد روى ابن المسيب: أنه اعترف مرارا فرده ولم يذكر عددها.
قال أحمد:
حديث الزهري في الموطأ عن مالك منقطعا وقد ثبت من وجه آخر موصولا.
5077 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني والحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله:
340

أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فاعترف بالزنا فأعرض ثم اعترف فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع شهادات.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أبك جنون)).
قال: لا. قال:
((أحصنت))؟
قال: نعم.
قال: فأمر به النبي [صلى الله عليه وسلم] فرجم بالمصلى فلما أزلقته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات.
فقال له النبي [صلى الله عليه وسلم] خيرا ولم يصل عليه.
قد أخرجناه في كتاب السنن عاليا.
ورواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق.
ورواه البخاري عن محمد بن غيلان عن عبد الرزاق إلا أنه قال:
فصلى عليه.
وهو خطأ لإجماع أصحاب عبد الرزاق على / خلافه ثم إجماع أصحاب الزهري على خلافه.
وأما حديث ابن المسيب:
5078 - فأخبرناه أبو زكريا المزكي أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال:
341

أن رجلا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق فقال له: إن الآخر زنى.
فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟
فقال: لا. قال أبو بكر: فتب إلى الله واستتر بستر الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده.
فلم تقره نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب فقال له مثل ما قال لأبي بكر فقال له عمر مثل ما قال أبو بكر فلم تقره نفسه حتى أتى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال: إن الآخر زنى.
قال سعيد: فأعرض عنه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مرارا كل ذلك يعرض عنه حتى إذا أكثر عليه بعث إلى أهله فقال:
((أيشتكي؟ أبه جنة؟)).
فقالوا: يا رسول الله والله إنه لصحيح.
فقال له النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أبكر أم ثيب))؟
قال: بل ثيب.
فأمر به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فرجم.
ورواه عقيل وعبد الرحمن بن خالد عن الزهري عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة على لفظ حديث أبي سلمة عن جابر دون ذكر الصلاة.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد:
وإنما كان ذلك في أول الإسلام لجهالة الناس بما عليهم ألا ترى أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول في المعترف:
((أيشتكي أبه جنة))؟
342

لا يرى أن أحدا ستر عليه يقر بذنبه إلا وهو يجهل حده.
أو لا ترى أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)).
ولم يذكر عدد الاعتراف.
وأمر عمر أبا واقد الليثي بمثل ذلك ولم يأمره بعدد اعتراف.
قال أحمد:
وروينا في حديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال:
جاء ماعز بن مالك إلى النبي / [صلى الله عليه وسلم] فقال: يا رسول الله طهرني. فقال:
((ويحك إرجع فاستغفر الله وتب إليه)).
قال فرجع غير بعيد ثم جاء. فقال: يا رسول الله طهرني. فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه)).
قال فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول الله طهرني. فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] مثل ذلك حتى كانت الرابعة. قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((مم أطهرك))؟
فقال: من الزنى. قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أبه جنون))؟
فأخبر أنه ليس به جنون فقال:
((أشرب خمرا))؟
فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أثيب أنت))؟
قال: نعم. فأمر به فرجم.
343

فكان الناس فيه فريقين تقول فرقة لقد هلك ماعز على أسوإ عمله لقد أحاطت به خطيئته.
وقائل يقول: أتوبة أفضل من توبة ماعز أن جاء إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فوضع يده في يده فقال: اقتلني بالحجارة.
قال: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة ثم جاء النبي [صلى الله عليه وسلم] وهم جلوس فسلم ثم جلس ثم قال:
((استغفروا لماعز بن مالك)).
فقالوا: يغفر الله لماعز بن مالك.
قال: فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتها)).
ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول الله طهرني فقال:
((ويحك إرجعي فاستغفري الله وتوبي إليه)).
فقالت: لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك قال:
((وما ذاك)).
قالت: أنا حبلى من الزنى. قال:
((أثبت أنت))؟
قالت: نعم. قال:
((إذا لا نرجمك حتى تضعي ما في بطنك)).
قال فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت.
فأتى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال: قد وضعت الغامدية.
قال:
344

((إذا لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه)).
فقام رجلا من الأنصار فقال: إلي رضاعة يا نبي الله.
/ فرجمها.
5079 - أخبرناه أبو عبد الله الحسن بن شجاع الصوفي ببغداد أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر الأنباري حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر حدثنا يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي حدثنا أبي عن غيلان بن جامع عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي كريب عن يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي.
وفي الحديث الثابت عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال لماعز:
((لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت)).
وفي رواية أخرى:
((لعلك قبلت أو لمست)).
قال: لا. قال:
((أفنكتها))؟
قال: نعم. قال فعند ذلك أمر برجمه.
وفي حديث عبد الرحمن بن الصامت عن أبي هريرة في هذه القصة: فأقبل في الخامسة فقال:
((أنكتها))؟
قال: نعم قال:
345

((وحتى غاب منك ذلك في ذلك منها)).
قال: نعم. [قال]:
((كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر)).
قال: نعم. قال:
((هل تدري ما الزنى)).
قال: نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا. قال:
((فما تريد بهذا القول))؟
قال: أريد أن تطهرني.
فأمر به فرجم.
كل هذه الأخبار تؤكد ما قال الشافعي من أن رده لم يكن لاشتراط عدد في الاعتراف ولكنه كان يستنكر عقله فلما عرف صحته استفسر منه الزنا فلما فسره أمر برجمه والله أعلم.
قال الشافعي:
وإذا أقر بالزنى أو بشرب الخمر أو بالسرقة ثم رجع قبلت رجوعه قياسا على أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال في ماعز بن مالك:
((فهلا تركتموه)).
قال: وأغرمته السرقة لأنها حق للآدميين.
5080 - أخبرنا أبو الحسن بن عبدان أخبرنا أبو القاسم الطبراني حدثنا ابن كيسان حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمي عن أبيه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال في ماعز:
((أذهبوا به فارجموه)).
فلما مسته الحجارة جزع فاشتد فرماه عبد الله بن أنيس بوظيف فصرعه ورماه
346

الناس حتى قتلوه فذكر للنبي صلى الله عليه / وسلم فراره فقال:
((هلا تركتموه فلعله يتوب فيتوب الله عليه يا هزال لو سترته بثوبك كان خيرا لك مما صنعت)).
1065 - [باب]
الضرير في خلفته لا من مرض يصيب الحد
5081 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد وأبي الزناد كلاهما عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلا قال أحدهما: أحبن وقال الآخر: مقعد كان عند جوار سعد فأصاب امرأة حبل فرمته به فسئل فاعترف فأمر النبي [صلى الله عليه وسلم] به - قال أحدهما: _ فجلد بأثكال النخل - وقال آخر: بأثكول النخل.
قال أحمد:
وقد روي هذا موصلا يذكر أبي سعيد فيه.
وقيل عن أبي الزناد عن أبي أمامة عن سعيد بن سعد بن عبادة.
ورواه الزهري عن أبي أمامة بن سهل:
أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من الأنصار فذكره وقال فيه:
فأمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة.
1066 - [باب]
الشهادة في الزنا
5082 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا
347

مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتى بأربعة شهداء؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((نعم)).
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث مالك.
5083 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن رجلا بالشام وجد مع امرأته رجل فقتله أو قتلها فكتب لمعاوية إلى أبي موسى الأشعري أن يسأل له عن ذلك عليا فسأله. فقال علي.
إن هذا الشيء ما هو بأرض / العراق عزمت عليك لتخبرني. فأخبرته.
فقال علي: أنا أبو حسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.
قال الشافعي:
وبهذا كله نأخذ ولا أحفظ عن أحد قبلنا من أهل العلم فيه مخالفا.
وقال في موضع آخر:
وشهد ثلاثة على رجل عند عمر بالزنى ولم يثبت الرابع فجلد الثلاثة.
قال أحمد:
وروينا في إثبات الشهادة بالزنى حديث مجالد عن عامر الشعبي عن جابر في قصة اليهود فقال ابن صوريا: نجد في التوراة: إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما.
قال فدعى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] باليهود فجاءوا أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة.
فأمر برجمهما)).
348

وروي من غير حديث مجالد مرسلا مختصرا.
1067 - [باب]
حد اللواط
5084 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن رجل عن ابن أبي ذئب عن القاسم بن الوليد عن يزيد - أراه ابن مدكور -: أن عليا رجم لوطيا.
قال الشافعي:
وبهذا نأخذ يرجم اللوطي محصنا كان أو غير محصن وهذا قول ابن عباس.
وسعيد بن المسيب يقول:
السنة أن يرجم اللوطي أحصن أو لم يحصن.
وعكرمة يرويه عن ابن عباس عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
قال الشافعي:
وصاحبهم يقول: ليس على اللوطي حد ولو يلوط وهو محرم لم يفسد إحرامه ولا غسل عليه ما لم يمن.
وقد خالفه بعض أصحابه فقال:
اللوطي مثل الزاني يرجم إن أحصن ويجلد إن لم يحصن ولا يكون اللوطي أشد حالا من الزاني.
قال الشافعي:
وقد بين الله فرق ما بينهما فأباح جماع النساء بوجهين أحدهما النكاح والآخر بملك اليمين وحرم هذا من كل الوجوه.
349

فمن أن يشتبهان؟
قال الربيع: رجع الشافعي فقال: لا يرجم إلا / أن يكون قد أحصن.
قال أحمد:
حديث علي قد رواه الثوري عن ابن أبي ليلى عن رجل من همدان: أن عليا رجم رجلا محصنا في عمل قوم لوط.
وهذا منقطع. ورواية ابن أبي ذئب أصح.
وأما حديث ابن عباس: ففي رواية ابن خثيم عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس في البكر يوجد على اللوطية.
قال: يرجم.
5085 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن جريح أخبرني ابن خثيم فذكره.
وروي عن أبي نضرة عن ابن عباس أنه قال في حد اللوطي: ينظر أعلى بناء في القربة فيرمى به منكسا ثم يتبع الحجارة.
وأما حديث عكرمة:
5086 - فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن عمرو مولى المطلب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)).
أخرجه أبو داود في كتاب السنن.
وروينا عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي أنهما قالا:
350

هو بمنزلة الزاني.
وقاله أيضا عطاء بن أبي رباح.
وروي عن ابن المسيب.
وروينا عن ابن المنكدر وصفوان بن سليم:
أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه في ذلك فجمع أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فكان من أشدهم يومئذ قولا علي بن أبي طالب قال:
إن هذا ذئب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم نرى أن نحرقه بالنار فاجتمعوا على ذلك فكتب أبو بكر يأمره بذلك.
وروي عن علي في غير هذه القصة قال يرجم ويحرق بالنار.
وقال الشعبي: يرجم أحصن أو لم يحصن.
وقال جابر بن زيد: عليه الرجم.
1068 - [باب]
/ حد إتيان البهيمة
قال الشافعي رحمه الله في كتاب الشهادات:
والشهادة على اللواط وإتيان البهائم أربعة لأن كلا جماع هذا هو المذهب.
فأما قوله في مسألة الشهود: أزنى بامرأة؟ لأنهم قد يعدون الزنى وقوعا على بهيمة فيحتمل أنه إنما قاله للفرق بين حديهما ففي الزنى لا يرجم ما لم يكن محصنا وفي إتيان البهيمة يقتل بكل حال في أحد القولين على ظاهر الحديث. والله أعلم.
5087 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد قال حدثني عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه)).
351

قال قلت له - يعني لابن عباس: _ ما شأن البهيمة؟ قال: ما أراه قال ذلك إلا أنه كره أن يؤكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل.
ورواه عبد الحميد بن سليمان عن عمرو قال فيه:
لا يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا.
ورواية عبد العزيز أصح.
وقد أردفه أبو داود بحديث عاصم بن أبي النجود عن أبي رزين عن ابن عباس قال:
ليس على الذي يأتي البهيمة حد.
5088 - أخبرناه أبو علي أخبرنا أبو بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن يونس أن شريكا وأبا الأحوص وأبا بكر بن عياش حدثهم عن عاصم فذكره.
ثم قال حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو.
قال أحمد:
ونحن لا نرى عمرو بن أبي عمرو يقصر عن عاصم في الحفظ.
وقد رواه إبراهيم بن أبي يحيى وإبراهيم بن إسماعيل الأشهلي عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس.
ورواه عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس.
وعكرمة عند أكثر الحفاظ من الثقات الأثبات.
352

وقال الحسن البصري: هو بمنزلة الزاني.
وقال جابر بن زيد: من أتى البهيمة أقيم عليه الحد.
ويذكر / عن الحسن بن علي:
أنه سئل عن رجل أتى بهيمة.
قال: إن كان محصنا رجم.
1069 - [باب]
المستكرهة
5089 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وإذا استكره الرجل المرأة أقيم عليه الحد ولم يقم عليها لأنها مستكرهة ولها مهر مثلها)).
5090 - وبإسناده في موضع آخر قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن عبد الملك بن مروان قضى في امرأة أصيبت مستكرهة بصداقها على من فعل ذلك بها.
كان في كتابي مروان والصحيح عبد الملك بن مروان هكذا رواه أصحاب الموطأ.
وروينا عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: عليه الحد والصداق.
وعن الحسن قال: عليه الحد العقر.
وروينا عن أبي موسى الأشعري قال:
353

أتي عمر بن الخطاب رضي الله [عنه] بامرأة من أهل اليمن قالوا: بغت.
قالت: إني كنت نائمة فلم اسيتقظ إلا برجل رمى في مثل الشهاب.
فقال عمر: يمانية مؤمنة شابة فخلى عنها ومتعها.
وروينا عنه في العبد الذي استكره جارية من رقيق الخمس في مسألة النفي.
1070 - [باب]
من وقع على ذات محرم بنكاح أو غيره
روينا عن أبي الجهم عن البراء بن عازب قال:
إني لأطوف في تلك الأحياء على إبل لي ضلت في عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] إذ جاء ركب أو فوارس معهم لواء فجعل الأعراب يلوذون بي لمنزلتي من رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فانتهوا إلينا فأطافوا بقبة فاستخرجوا رجلا فضربوا عنقه فسألت عن قصته فقيل:
وجد قد عرس بامرأة أبيه.
5091 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا أسباط بن محمد عن مطرف.
5092 - قال وحدثنا أبو العباس حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا يعلى بن منصور حدثنا أبو زبيد حدثنا مطرف عن أبي الجهم مولى البراء بن عازب / عن البراء فذكره.
واللفظ لحديث أبي زبيد.
ورويناه من حديث يزيد بن البراء عن أبيه وفيه:
إلى رجل نكح إمرإة أبيه.
وكأنه نكحها وعرس بها بمجموع الروايتين فأمر بقتله.
قال الشافعي في رواية المزني فيمن تزوج بأم امرأته بعد دخوله بالنبت وهما عالمان ثم أصابها:
354

أقمنا عليهما الحد وهما زانيان سميا الزنا باسم النكاح.
وبسط الكلام فيه.
جاء من يدعي تسوية الأخبار على مذهبه وحمل الخبر الذي رويناه في هذا الباب على أنه إنما أمر بمثله لأنه كان قد استحله فصار به مرتدا محاربا.
واحتج بما روينا في حديث يزيد بن البراء عن أبيه قال:
لقيت عمي ومعه راية فقلت أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله.
وبحديث معاوية بن قرة عن أبيه:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] بعث جد معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن يضرب عنقه ويخمس ماله.
قال: فدل على أنه كان مرتدا محاربا لأن المرتد الذي لم يحارب لا يخمس ماله.
وهذا الذي ذكره ليس في الحديث منه شيء لا الاستحلال ولا المحاربة.
ولو جاز دعوى الاستحلال في هذا لجاز مثلها في زنى من رجم لأن أهل الجاهلية كانوا يستحلون الزنا.
وفي حديث أبي الجهم عن البراء:
أنهم أطافوا بقية فاستخرجوا رجلا.
فأين المحاربة ها هنا؟
ثم إن كان الأمر على ما قال من الاستحلال فهو حجة عليه في أن مال المرتد لا يكون لورثته وتخميسه لأننا في مذهب الشافعي فإنه يوجب الخمس فيما أوجف عليه من الغنيمة وفيما لم يوجف عليه من أموال الفيء.
قال الشافعي:
الخمس ثاتب لأهله في كل ما أخذ من مشرك غنيمة كانت أو فيئا.
قال: والفيء ما رده الله على أهل دينه من مال من خالف دينه.
355

قال أحمد:
وإن / كان فعله على وجه الاستحلال فهو حجة عليه في وجوب الحد عليه.
وقول الراوي: إلى رجل نكح امرأة أبيه يدل على العقد.
وقول الآخر: إلى رجل عرس بامرأة أبيه يدل على الدخول.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى ظاهر الخبر في إيجاب القتل به لكل حال لعظم التحريم.
وذهب بعضهم إلى أن ذلك كان قبل نزول الحدود في سورة النور قبل بيان النبي [صلى الله عليه وسلم] رجم الثيب الزاني فلما نزلت وبين صار الأمر إلى ذلك.
قالوا: ثم أنه إنما نسخ منه كيفية القتل فأما أصل وجوب القتل فإنه لم تقم دلالة على نسخة فهو باق على الوجوب. والله أعلم.
1071 - [باب]
إدرأوا الحدود بالشبهات
ذكر الشافعي رحمه الله في هذا مسائل ثم قال في آخرها:
الناس لا يحدون إلا بإقرارهم أو بينة تشهد عليهم بالفعل وأن الفعل محرم فأما بغير ذلك فلا حد وهكذا لو وجدت حاملا فادعت تزويجا أو إكراها لم تحد فإن ذهب في الحامل خاصة إلى أن يقول:
قال عمر بن الخطاب: الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
فإن مذهب عمر فيه بالبيان عنه بالخبر أنه يرجم بالحبل إذا كان مع الحبل إقرار بالزنى أو غير ادعاء نكاح أو شبهة يدرأها الحد.
5093 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن حاطب حدثه قال:
توفي حاطب فأعتق من صلى من رقيقة وصام وكانت له أمة نوبية قد صلت
356

وصامت وهي أعجمية لم تفقه لم ترعه إلا بحبلها [وكانت ثيبا] فذهب [إلى] عمر فحدثه فقال: لأنت الرجل لا تأتي بخير فأفزعه ذلك فأرسل / إليها عمر فقال:
أحبلت؟ فقال نعم من مرغوش بدرهمين فإذا هي تستهل بذلك لا تكتمه.
قال وصادف عليا وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال:
أشيروا علي وكان عثمان جالسا فاضطجع فقال علي وعبد الرحمن قد وقع عليها الحد.
فقال أشر علي يا عثمان. فقال قد أشار عليك أخواك.
قال أشر علي أنت قال: أراها تستهل به كأنها لا تعلمه وليس الحد إلا على من علمه.
فقال: صدقت والذي نفسي بيده ما الحد إلا على من علمه.
فجلدها عمر مائة وغربها عاما.
قال أحمد:
كان حدها الرجم لأنها كانت قد عتقت وكانت ثيبا فكأنه رضي الله عنه لما درأ عنها الرجم للشبهة بالجهالة رأى أن يحدها حد الأبكار تعزيزا. والله أعلم.
5094 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن أبي بشر عن شبيب أبي روح:
أن رجلا كان يواعد جاريته مكانا في خلاء فعلمت جارية بذلك فأتته فحسبها جاريته فوطأها ثم علم فأتى عمر فقال: ايت عليا فسأل عليا فقال: أرى أن تضرب في خلاء وأن تعتق رقبة وعلى المرأة الحد.
قال الشافعي:
وليسوا يقولون بهذا.
يقولون: يدرأ عنها الحد بالشبهة.
357

فأما نحن فنقول في المرأة تحد كما رووا عن علي لأنها زنت وهي تعلم.
قال أحمد:
ويدرأ عنه بالشبهة.
وقد روينا عن علي مرفوعا.
((إدرأوا الحدود)).
وروى يزيد بن أبي زياد الشامي عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا:
((إدرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)).
ويزيد بن أبي زياد غير قوي ورواه عنه وكيع مرفوعا وهو أشبه.
وأصح / ما روي فيه حديث سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال:
إدرأوا الحدود والقتل عن المسلمين ما استطعتم.
1072 - [باب]
من أتى جارية امرأته
5095 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي قال:
كنت عند علي فأتته امرأة فقالت إن زوجي وقع على جاريتي؟
قال: إن تكوني صادقة نرجمه وإن تكوني كاذبة نجلدك.
قال الشافعي:
358

وبهذا نأخذ لأن زناه بجارية امرأته مثل زناه بغيرها إلا أن يكون ممن يعذر بالجهالة ويقول كنت أرى أنها لي حلال.
قال أحمد:
وروينا عن عمر بن الخطاب مثل قول علي في وجوب الرجم إذا لم يدع شبهة.
وروينا عن النعمان بن بشير في الرجل يقع على جارية امرأته:
لأقضين بقضية رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة.
وهذا حديث قد اختلف في إسناده.
قال أبو عيسى الترمذي: سألت عنه محمد بن إسماعيل البخاري فقال: أنا أنفي هذا الحديث.
وروي عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى في رجل وقع على جارية امرأته.
إن استكرهها فهي حرة وعليه لسيدتها مثلها وإن طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها.
وهذا حديث مختلف فيه على الحسن فقيل عنه هكذا وقيل عنه عن جون بن قتادة عن سلمة.
وقد رواه الشافعي في كتاب حرملة عن سفيان عن عمرو بن دينار عن الحسن عن سلمة بن المحبق.
وعن سفيان عن الهذلي عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه / وسلم مثله.
359

وقبيصة بن حريث غير معروف.
روينا عن أبي داود أنه قال:
سمعت أحمد بن حنبل يقول:
الذي رواه عن سلمة بن المحبق شيخ لا يعرف لا يحدث عنه غير الحسن - يعنى قبيصة بن حريث -.
قال: وسمعت أحمد يقول:
جون بن قتادة شيخ لم يحدث عنه غير الحسن.
وقال البخاري في التاريخ:
قبيصة بن حريث سمع سلمة بن المحبق في حديثه نظر.
وقال ابن المنذر.
لا يثبت خبر سلمة بن المحبق.
وقال أشعث:
بلغني أن هذا كان قبل الحدود.
وقال بعض أهل العلم:
كان هذا حين كانت العقوبات بالمعاصي في الأموال.
وروي عن ابن مسعود أنه أفتى بمثل ما روي عن سلمة بن المحبق.
وروي عنه أنه قال: استغفر الله ولا تعد.
5096 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي قال سفيان عن مطرف عن الشعبي عن ابن مسعود:
أنه كان لا يرى على الذي يصيب وليده امرأته جلدا ولا عقرا.
5097 - وبإسناده قال قال الشافعي عن رجل عن شعبة عن منصور عن ربعي بن خراش عن عبد الله:
360

أن رجلا أتاه فذكر أنه أصاب جارية امرأته فقال: استغفر الله ولا تعد.
قال الشافعي:
إن كان من أهل الجهالة وقال كنت أرى أنها حلال لي فإنا ندرا عنه الحد وعذرناه وإن كان عالما حددناه حد الزاني.
قال أحمد:
روينا عن الثوري عن خالد عن ابن سيرين أن عليا قال:
أن أم عبد (...).
_ لا ندري ما حدث بعده - لو أتيت به لرجمته.
وعن حماد عن إبراهيم أن عليا قال:
لو أتيت به لرجمته - يعني: رجلا وقع على جارية امرأته.
وفي هذا إن ثبت إشارة إلى نسخ ورد على ما أفتى به أن أم عبد - وهو عبد الله بن مسعود _.
والله أعلم.
1073 - [باب]
حد المماليك
5098 - / أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى في المملوكات:
* (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) *.
361

والنصف لا يكون إلا في الجلد الذي يتبعض فأما الرجم الذي هو قتل فلا نصف له.
وقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها)).
ولم يقل يرجمها.
ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوك في الزنا.
قال الشافعي:
وإحصان الأمة إسلامها وإنما قلنا هذا استدلالا بالسنة وإجماع أكثر أهل العلم ولما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها)).
ولم يقل محصنة كانت أو غير محصنة استدللنا على أن قول الله تعالى في الإماء.
* (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) *.
إذا أسلمن لا إذا نكحن فأصبن بالنكاح.
ولا إذا عتقن ولم تصبن.
وبسط الكلام في هذا.
قال أحمد:
وروينا عن عبد الله بن مسعود أنه قال:
إحصانها إسلامها.
362

وعن أنس بن مالك:
أنه كان يضرب إماءه إذا زنين تزوجن أو لم يتزوجن.
وعن الشعبي قال:
إحصان الأمة دخولها في الإسلام.
وعن إبراهيم النخعي أنه كان يقرأ:
* (فإذا أحصن) *.
قال: إذا أسلمن.
وروينا عن ابن عباس أنه كان يقرأ:
* (فإذا أحصن) * بالضم قال: إذا تزوجن.
وكان يقول: ليس على الأمة حد حتى تحصن.
وكذلك كان يقرأها مجاهد.
وقد غلط في حديث ابن عباس بعض الرواة فرفعه وهو فيما:
5099 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا محمد بن إسحاق الصفار حدثنا عبد الله بن عمران العابدي حدثنا سفيان عن مسعر عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال / قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((ليس على أمة حد حتى تحصن بزوج فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات)).
هذا خطأ ليس هذا من قول النبي [صلى الله عليه وسلم] إنما هو من قول ابن عباس.
قاله أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة فيما:
363

5100 - أخبرنا أبو الفضيل بن أبي سعد الهروي أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمود الفقيه بمرو قال حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدثنا عبد الله بن عمران العابدي. فذكر الحديث وذكر عقيبة كلام ابن خزيمة هذا.
وقد رواه سعيد بن منصور وغيره عن سفيان موقوفا.
5101 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال الحسن بن محمد الماسرجي فيما أخبرت عنه وقرأته في كتابه قال أخبرنا محمد بن سفيان حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي في قوله:
* (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) *.
ذوات الأزواج من النساء.
* (أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) *.
عفائف غير خبائث.
* (فإذا أحصن) *
قال: فإذا نكحن * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) *.
غير ذوات الأزواج.
وقال في قوله:
* (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) *.
الحرائر من أهل الكتاب.
* (محصنين غير مسافحين) *.
عفائف غير فواسق.
364

وحكى أيضا أبو علي الطبري صاحب الإفصاح عن ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال:
إحصانها نكاحها.
فعلى هذا يشبه أن يكون إنما نص على الجلد في أكمل حاليها ليستدل به على سقوط الرجم عنها ثم يكون الجلد ثابتا عليها قبل النكاح وبعده بدلالة السنة.
5102 - خبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال:
((إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها / ثم إذا زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير)).
قال ابن شهاب:
لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة قال: والضفير الحبل.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
هكذا رواه جماعة من الحفاظ عن الزهري.
ولا يجوز تعليل هذا الحديث برواية عقيل وغيره عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن شبل بن خليد عن مالك بن عبد الله الأوسي.
وقيل عبد الله بن مالك عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ليس فيه ذكر الإحصان.
ولا بحديث سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وليس فيه ذكره.
والذي ذكره حافظ ثقة.
وقد يجوز أن يكون عند عبيد الله فيه إسنادان وكان السؤال في أحد الإسنادين دون الآخر.
ولما كان معلوما عند الرواة بدلالة المقال أن الحكم لا يختلف بإحصانها وعدم إحصانها أعرض بعضهم عن نقله - والله أعلم _.
365

وروينا عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي قال خطب علي رضي الله عنه فقال:
أيها الناس أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحص فإن أمة لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديث عهد بالنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن تموت فأتيت النبي [صلى الله عليه وسلم] فأخبرته فقال:
((أحسنت)).
5103 - أخبرناه الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا زائدة عن السدي عن سعيد بن عبيدة فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي داود.
وروينا عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا.
5104 - أخبرناه أبو زكريا أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك / عن يحيى بن سعيد أن سليمان بن يسار أخبره أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال أمرني فذكره والكلام في النفي قد مضى ذكره.
1074 - [باب]
حد الرجل أمته إذا زنت
5105 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي
366

أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل.
5106 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد الجهني وشبل وأبي هريرة قالوا:
كنا قعود عند النبي [صلى الله عليه وسلم] فأتاه رجل فقال: إن جاريتي زنت؟ فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أجلدها فإن زنت فاجلدها فإن زنت فاجلدها فإن زنت فبعها ولو بضفير)).
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث ابن عيينة دون ذكر شبل.
فالحفاظ يقولون ذكر شبل في حديث عبيد الله إنما هو كما أشرنا إليه في المسألة المتقدمة. والله أعلم.
وقد ثبت الحديث من وجه آخر عن أبي هريرة.
5107 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن عادت فزنت فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن عادت فزنت فتبين زناها فليبعها ولو يضفر من شعر))
يعني: الحبل.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان.
5108 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان الثوري وإسرائيل عن عبد الأعلى عن أبي جميلة عن علي قال قال رسول الله / [صلى الله عليه وسلم]:
367

((أقيموا الحدود على ما ملكت إيمانكم)).
قال الشافعي:
وهم يخالفون هذا إلى غير فعل أحد من أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
ونحن نقول به وهو السنة الثابتة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أخبرنا مالك. فذكر حديث أبي هريرة وزيد بن خالد وقد وذكرناه.
5109 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حدث جارية لها زنت.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
وكان الأنصار ومن بعدهم يحدون إمآءهم.
وابن مسعود يأمر به.
وأبو برزة حد وليدته.
قال أحمد:
وروينا عن زيد بن ثابت وابن عمر وأنس بن مالك.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت.
ورواه أبو الزناد عن أصحابه.
واستشهد الشافعي في ذلك بضرب الرجل امرأته عند النشوز قال:
368

وإذا إباحة الله فيما ليس بحد فهو في الحد الذي بعدد أولى أن يباح لأن العدد لا يتعدى والعقوبة لا حد لها.
وبسط الكلام فيه وقال في خلاله ما يجهل ضرب خمسين أحد يعقل.
قالوا: وروينا عن ابن عباس ما يشبه قولنا.
قال الشافعي:
أو في أحد مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حجة؟
قال: لا. قلنا: فلم نحتج به وليس عن ابن عباس بمعروف أيضا.
قال أحمد:
لم نجده عن ابن عباس في شيء من كتب أهل الحديث.
1075 - [باب]
ما جاء في حد (*) الذميين
5110 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
/ قال الله تبارك وتعالى لنبيه [صلى الله عليه وسلم] في أهل الكتاب:
* (فإن جآءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) *. قال الشافعي:
في هذه الآية بيان - والله أعلم - أن الله تعالى جعل لنبيه [صلى الله عليه وسلم] الخيار في أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم وجعل عليه إن حكم أن يحكم بالقسط. والقسط: حكم الله الذي أنزل على نبيه [صلى الله عليه وسلم] المحض الصادق أحدث الأخبار عهدا بالله تبارك وتعالى قال الله:
369

* (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) *.
قال الشافعي:
وفي هذه الآية ما في التي قبلها من أمر الله له بالحكم بما أنزل الله إليه.
قال: وسمعت من أرضى من أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل:
* (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) *.
إن حكمت لا عزما أن تحكم.
قال أحمد:
وقد روينا عن الشعبي وإبراهيم أنهما قالا:
إذا ارتفع أهل الكتاب إلى حكام المسلمين إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم وإن حكم حكم بما أنزل الله عز وجل.
قال الشافعي:
وحكم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في يهوديين زنيا بأن رجمهما وهذا معنى قوله:
* (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) *,
5111 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: أن النبي [صلى الله عليه وسلم] رجم يهوديين زنيا.
قال عبد الله بن عمر:
370

فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة.
قال أحمد:
هكذا رواه أصحاب الموطأ عن مالك يحني على المرأة وأهل اللغة يقولون: الصواب: يجنا أي يكب.
وقيل يجني. وروي يجانىء.
5112 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن / سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال:
كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه [صلى الله عليه وسلم] أحدث الأخبار تقرأونه محضا لم يشب ألم يخبركم الله في كتابه أنهم حرفوا كتاب الله وبدلوا وكتبوا بأيديهم فقالوا:
* (هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) *.
ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم عن مسألتهم والله ما رأينا رجلا منهم قط يسألكم عما أنزل الله إليكم.
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد.
5113 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
قال لي قائل في قول الله تبارك وتعالى:
* (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) *.
ناسخة لقوله:
* (فإن جآءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) *.
371

فقلت له: الناسخ إنما يؤخذ بخبر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أو عن بعض أصحابه لا مخالف له أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء.
فهل معك من هذا واحد؟
قال: لا [فهل معك ما يبين أن الخيار غير منسوخ)]؟
قلت: قد يحتمل قول الله تبارك وتعالى:
* (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) *.
إن حكمت.
وقد روي عن بعض أصحابك عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن قابوس أن محمد بن أبي بكر كتب إلى علي بن أبي طالب في مسلم زنى بذمية؟
فكتب إليه: أن يحد المسلم وتدفع الذمية إلى أهل دينها.
وذكره في كتاب علي وعبد الله عن وكيع عن سفيان.
ورواه في القديم عن الثقة عن سفيان.
ورواه أبو الأحوص عن قابوس عن أبيه.
قال في القديم:
وأخبرنا محمد بن خالد الجندي عن معمر عن الزهري قال:
مضت السنة أن يرد أهل الكتاب إلى حكامهم في حدودهم ومواريثهم.
قال الزهري: إلا أن يأتونا راغبين في السنة فتقام عليهم فيحكم عليهم بذلك.
قال: وأخبرنا بعض أصحابنا عن / الضحاك عن عثمان عن موسى بن سعد عن سليمان بن يسار قال:
إذا جاءنا أهل الكتاب يطلبون حكمنا حكمنا عليهم فإن لم يأتون راغبين في السنة لم نلتفت إليهم.
372

5114 - قال الشافعي فيما روينا عن أبي سعيد بإسناده: فإن كان هذا ثابتا عندك - يعني ما ذكره عن علي - فهو بذلك على أن الإمام مخير في أن يحكم بينهم أو يترك الحكم عليهم.
قال فقال: قد روى بجالة عن عمر بن الخطاب: أنه كتب: فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة.
وقال في القديم:
كتب إلي جزي بن معاوية: أن فرقوا. ثم ذكره.
فما روينا ثابت فكيف لم تأخذوا به؟
قال الشافعي:
فقلت له: بجالة رجل ليس بالمشهور ولسنا نحتج برواية رجل مجهول ليس بالمشهور.
ولا نعرف أن جزي بن معاوية كان لعمر بن الخطاب عاملا.
ثم بسط الكلام في الجواب عنه وقال في خلاله: حديث بجالة موافق لنا لأن عمر بن الخطاب إنما حملهم أن كان حديث بجالة ثابتا على ما كان حاملا عليه المسلمين بأن الجرائم لا يحللن للمسلمين ولا ينبغي لمسلم الزمزمة.
أفتحملهم على ما تحمل عليه المسلمين وتتبعهم كما تتبع المسلمين؟
قال. لا. قلت: فقد خالفت ما رويت عن عمر.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ولا نعلم أحدا من أهل العلم روى عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الحكم بينهم إلا في
373

الموادعين اللذين رجما ولا نعلم عن أحد من أصحابه بعده إلا ما روى بجالة مما يوافق حكم الإسلام.
وسماك بن حرب عن قابوس عن علي مما يوافق قولنا في أنه ليس على الإمام أن يحكم إلا أن يشاء.
قال الشافعي:
وهاتان الروايتان وإن لم تخالفانا غير معروفتين عندنا ونحن نرجو أن لا نكون ممن تدعوه الحجة على من خالفه إلى قبول خبر من لم يثبت خبره بمعرفته عنده.
قال أحمد:
كذا قال الشافعي / رحمه الله في كتاب الحدود ونص في كتاب الجزية على أن ليس للإمام الخيار في أحد من المتعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاءوه في حد لله وعليه أن يقيمه.
واحتج بقول الله عز وجل:
* (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) *.
قال: فكان الصغار أن يجزي عليهم حكم الإسلام وذكر في كتاب الجزية حديث بجالة في الجزية وقال:
حديث بجالة متصل ثابت لأنه أدرك عمر وكان رجلا في زمانه كاتبا لعماله.
ويشبه أن يكون الشافعي لم يقف على حال بجالة بن عبد ويقال: ابن عبدة حين صنف كتاب الحدود ثم وقف عليه حين صنف كتاب الجزية.
وحديث بجالة قد أخرجه البخاري في الصحيح.
وحديث علي مرسل.
وقابوس بن مخارق غير محتج به فالله أعلم.
374

5115 - وقد حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال:
آيتان نسختا من هذه السورة - يعني المائدة - آية القلائد؛ وقوله:
* (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) *.
قال: وكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مخيرا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى حكامهم قال: ثم نزلت:
* (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) *.
قال: فأمر النبي [صلى الله عليه وسلم] أن يحكم بينهم بما في كتابنا.
قال أحمد:
سفيان بن حسين: صدوق.
وقد روي عن عطية العوفي عن ابن عباس وهو قول عكرمة.
5116 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن الشيباني عن بعض أصحابه:
أن رجلا أتى عليا برجل فقال: إن هذا يزعم أنه احتلم على أم الآخر.
فقال: أقمه في الشمس فاضرب ظله.
1076 - [باب]
حد القذف
قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى:
375

* (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا) *.
فأمر الله أن يضرب القاذف ثمانين وأن لا تقبل له شهادة وسماه فاسقا إلا أن يتوب والمحصنات ها هنا الحرائر البوالغ المسلمات.
قال أحمد:
وروينا عن سعيد بن المسيب أنه سمع ابن عباس يقول:
بينا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يخطب أتاه رجل فقال:
يا رسول الله أقم علي الحد.
فذكر الحديث في إشهادة مرتين ثم قال الثالثة:
((ما حدك)).
قال: أتيت امرأة حراما. فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] لرجال من أصحابه:
((انطلقوا به فاجلدوه مائة جلدة)).
ولم يكن تزوج.
ثم ذكر الحديث في إنكار المرأة فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((من شهودك أنك خبثت بها فإنها تنكر فإن كان لك شهداء جلدتها وإلا جلدتك حد الفرية)).
فقال يا رسول الله والله ما لي شهداء.
فأمر به فجلد حد الفرية ثمانين.
5117 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا علي بن المديني حدثنا هشام بن يوسف حدثنا القاسم بن أبي خلاد عن خلاد بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب. فذكره.
376

وروي في حديث الإفك.
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أمر برجلين وامرأة ممن تكلم بالفاحشة فضربوا حدهم: حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش.
وروينا عن أبي بكر، وعمر، وعثمان وعلي في ضرب المملوك في القذف أربعين.
وروينا عن الأشعث عن الحسن:
إذا قال يا ابن الزانيين؟ قال: يجلد حدين.
وفي رواية أخرى قال:
كانوا يقولون عليه حدان.
377

بسم الله الرحمن الرحيم
38 - كتاب السرقة
1077 - [باب]
ما يجب فيه القطع
قال الشافعي رحمه الله:
قال الله جل ثناؤه.
* (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) *.
5118 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((القطع في ربع دينار فصاعدا)).
قال أحمد:
هكذا حمله الشافعي عن ابن عيينة بهذا اللفظ.
378

وقرأته في موضع آخر برواية عبد الله بن عمر العمري عن الزهري.
5119 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن عبد الله بن عمرو بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((القطع في ربع دينار فصاعدا)).
قال الشافعي:
وبهذا نأخذ.
5120 - أخبرنا به أبو عبد الله في كتاب مناقب الشافعي منقولا عن كتاب اختلاف العراقيين للشافعي ووقع له في النقل عن عروة وهو خطأ. إنما هو عن عمرة بلا شك.
وهذا الحديث للشافعي عن ابن عيينة سماع وعن عبد الله بن عمر بن حفص بلاغ عن الثقة عنده.
فقد رواه في كتاب الحدود وكتاب القطع في السرقة عن ابن عيينة واحدة سماعا منه كما ذكرنا.
وبهذا اللفظ رواه أيضا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في أحد الموضعين من سنده عقيب حديث هشام بن عروة عن أبيه في القطع.
وبهذا المعنى روي في / إحدى الروايتين عن الحميدي وحجاج بن منهال عن سفيان بن عيينة.
وبهذا اللفظ رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب الحث على اتباع السنة عن محمد بن عبيد بن حساب عن سفيان بن عيينة.
ورواه مسلم بن الحجاج في الصحيح عن يحيى بن يحيى وغيره عن سفيان عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت:
كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا.
379

فجاء أبو جعفر الطحاوي رحمنا الله وإياه:
ورواه عن يونس بن عبد الأعلى عن سفيان بهذا اللفظ وتعلق به وزعم أنها أخبرت عما قطع فيه رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
فيحتمل أن يكون ذلك لأنها قومت ما قطع فيه فكانت قيمته عندها ربع دينار فجعلت ذلك مقدار ما كان النبي [صلى الله عليه وسلم] يقطع فيه وقيمته عند غيرها أكثر من ربع دينار.
قال أحمد:
ولو كان أصل الحديث على هذا اللفظ فعائشة رضي الله عنها عند أهل العلم بحالها كانت أعلم بالله وأفقه في دين الله وأخوف من الله تعالى وأشد إتقانا في الرواية من أن تقطع على النبي [صلى الله عليه وسلم] بأنه كان يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا فيما لم تحط به علما أو تطلق مثل هذا التقدير في ما تقومه بالظن والتخمين.
ومن الجائز أن يكون عند غيرها أكثر قيمة منه ثم تفتي بذلك المسلمين.
نحن لا نظن بعائشة مثل هذا لما تقرر عندنا من إتقانها في الرواية وحفظها لسنته ومعرفتها بالشريعة وتعظيمها محارم الله عز وجل.
هذا وحديث ابن عيينة هذا لم يخرجه البخاري في الصحيح.
وأظنه إنما تركه لمخالفه سائر الرواة في لفظه واضطرابه فيه.
5121 - وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو عمرو بن أبي جعفر حدثنا عبد الله بن محمد السمناني حدثنا أبو الطاهر وأبو الربيع / قالا: حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] عن رسول الله [صلى الله
عليه وسلم] قال:
((تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا)).
5122 - وأخبرنا أبو عمرو البسطامي أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني الحسن بن سفيان حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا عبد الله بن وهب.
380

5123 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو أحمد الحافظ حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا الوليد بن شجاع قال حدثني ابن وهب. فذكراه بهذا الإسناد وقالا في متن الحديث:
((لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا)).
ولا فرق بين اللفظين في المعنى.
رواه البخاري في الصحيح عن ابن أبي أويس عن ابن وهب.
ورواه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة والوليد بن شجاع.
وهذا إخبار عن قول النبي [صلى الله عليه وسلم].
فرجع هذا الشيخ إلى ترجيح رواية ابن عيينة وقال: يونس بن يزيد عندكم لا يقارب ابن عيينة فكيف تحتجون بما روى يونس بن يزيد وتدعون ما روى ابن عيينة؟
وكان ينبغي لهذا الشيخ أن ينظر في تواريخ أهل العلم بالحديث ويبصر مدارج الرواة ومنازلهم في الرواية ثم يدعي عليهم ما رأى من مذاهبهم ويلزمهم ما وقف عليه من أقاويلهم.
لو قال ابن عيينة لا يقارب يونس بن يزيد في الزهري لكان أقرب إلى أقاويل أهل العلم بالحديث من أن يرجح رواية ابن عيينة على رواية يونس.
5124 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو بكر أحمد بن محمد الإشناني قالوا: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي قال سمعت عثمان بن سعيد الدارمي / يقول:
سألت يحيى بن معين عن أصحاب الزهري فذكر مالكا ويونس بن يزيد ومعمرا وعقيلا وغيرهم وذكر منازلهم.
قلت: فابن عيينة أحب إليك أم معمر؟
فقال: معمر. قلت له: إن بعض الناس يزعمون يقولون: سفيان بن عيينة أثبت الناس في الزهري.
381

فقال: إنما يقول ذاك من سمع منه وأي شيء كان سفيان إنما كان غليم - يعني أيام الزهري -:
قال: وسمعت عثمان بن سعيد يقول سمعت أحمد بن صالح يقول:
لا يقدم في الزهري على يونس أحد.
قال أحمد بن صالح: وكان الزهري إذا قدم أيله نزل على يونس بن يزيد وإذا سار إلى المدينة زمله يونس.
5125 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بمصر حدثنا موسى بن سهل الرملي حدثنا عمران بن هارون حدثنا صدقة بن المنتصر حدثني يونس بن يزيد قال:
صحبت الزهري أربعة عشر سنة.
قال أحمد:
وأما ابن عيينة فإنه قال:
ولدت سنة سبع ومائة وجالست الزهري وأنا ابن ست عشرة وشهرين ونصف قدم علينا الزهري سنة ثلاث وعشرين ومائة وخرج إلى الشام ومات.
5126 - أخبرنا بذلك أبو بكر الفارسي أخبرنا أبو إسحاق الأصبهاني حدثنا أبو أحمد بن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال قال لي علي - هو ابن المديني - عن ابن عيينة فذكره.
قال أحمد:
وفيما ذكرنا بيان كبر يونس وطول صحبته الزهري وصغر سفيان وقصر صحبته إياه.
وكان الزهري يقول لابن عيينة:
ما رأيت طالبا للعلم أصغر منك.
382

وكان الزهري يجلسه على فخذه ويحدثه فكم بين سماعه وسماع من صحب الزهري أربع عشرة سنة يسمعه يبدي الحديث ويعيده ويثنيه ويكرره.
والعجب أن هذا الشيخ أوهم من نظر / في كتابه أنه لم يروا هذا الحديث عن الزهري غير سفيان بن عيينة ويونس بن يزيد.
ثم رواه في آخر الباب من حديث إبراهيم بن سعد عن الزهري.
5127 - أخبرناه أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا العباس بن الفضل حدثنا أبو الوليد حدثنا إبراهيم عن الزهري عن عمرة عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا)).
رواه البخاري في الصحيح عن القعنبي عن إبراهيم.
وكذلك رواه سليمان بن كثير مع إبراهيم بن سعد عن الزهري.
5128 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن أبي الفوارس قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن مكرم حدثنا يزيد بن هارون حدثنا سليمان بن كثير وإبراهيم بن سعد قالا: حدثنا الزهري عن عمرة عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((القطع في ربع دينار فصاعدا)).
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون.
قال البخاري: تابعه معمر عن الزهري.
5129 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن
383

الزهري عن عمرة عن عائشة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا)).
5130 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن يحيى ومحمد بن رافع كلهم عن عبد الرزاق بهذا الإسناد قالت: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا)).
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم.
فهؤلاء جماعة من حفاظ أصحاب الزهري وثقاتهم قد أجمعوا على / رواية هذا الحديث من لفظ النبي [صلى الله عليه وسلم] كما رواه يونس بن يزيد الأيلي.
أفما تدل روايتهم على أن أصل الحديث ما رووا دون ما رواه ابن عيينة؟
وإن كان يجوز أن يكون محفوظين بأن تقطع في ربع دينار ويقول القطع في ربع دينار فصاعدا فيؤدي ابن عيينة مرة الفعل دون القول ومرة القول دون الفعل ويؤدي هؤلاء القول دون الفعل لكونه أبلغ في البيان والله أعلم.
هذا وقد رواه سليمان بن يسار وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومحمد بن عبد الرحمن الأنصاري عن عمرة عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثل معنى رواية الجماعة.
وأما حديث سليمان:
5131 - فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو عمرو بن جعفر حدثنا عبد الله بن محمد بن يونس حدثنا أبو الطاهر وأبو الربيع قالا: حدثنا ابن وهب قال أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن عمرة أنها سمعت عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] تحدث أنها سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فما فوقه)).
رواه مسلم في الصحيح عن أبي الطاهر.
384

وأما حديث أبي بكر بن حزم:
5132 - فأخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا خالد بن مخلد حدثنا عبد الله بن جعفر عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا)).
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث أبي عامر العقدي عن عبد الله بن جعفر.
وأخرجه من حديث عبد العزيز بن محمد عن ابن الهاد.
ورواه أيضا محمد بن إسحاق بن يسار عن أبي بكر بن حزم.
ورواه محمد بن راشد عن يحيى / بن يحيى الغساني عن أبي بكر بن حزم.
وقد ذكرنا روايتهما في كتاب السنن.
وأما حديث محمد بن عبد الرحمن الأنصاري:
5133 - فأخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو النضر الفقيه حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث بن سعيد حدثنا الحسين المعلم حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري أن عمرة بنت عبد الرحمن حدثته أن عائشة حدثتها أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((تقطع اليد بربع دينار)).
رواه البخاري عن عمران بن مسرة عن عبد الوارث.
قال أحمد:
حديث محمد بن عبد الرحمن هذا لم يورده هذا الشيخ ولا أدري بأي شيء كان يعلل أن لو بلغه.
وقد غلط بعض الرواة فيه فقال في إسناده.
عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.
385

وإنما هو: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري.
في قول بعض من حكاه عنه البخاري.
يروى عن عمة أبيه بنت عبد الرحمن.
قال شعبة: ما رأيت رجلا منا يشبهه.
وسأله عمر بن عبد العزيز أن يكتب له حديث عمرة.
وأما حديث مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه فإنه علله هذا الشيخ بأنه لم يسمع من أبيه شيئا واحتج بما حكى عنه من إنكار سماع كتب أبيه.
5134 - وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أخبرنا عبد الله بن جعفر النحوي حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا ابن أبي أويس قال: قرأت في كتاب مالك بن أنس بخط مالك قال:
وصلت الصفوف حتى قمت إلى جنب مخرمة بن بكير في الروضة فقلت له:
إن الناس يقولون إنك لم تسمع هذه الأخبار التي تروى عن أبيك من أبيك.
فقال: ورب هذا المنبر والقبر لقد سمعتها من أبي ورب هذا المنبر والقبر لقد سمعتها من أبي ورب هذا المنبر والقبر لقد سمعتها من أبي. ثلاثا.
وروينا عن معن بن عيسى / أنه قال:
مخرمة سمع من أبيه وعرض عليه ربيعة أشياء من رأي سليمان بن يسار.
قال أحمد:
وقد اعتمده مالك بن أنس فيما أرسل في الموطأ عن أبيه بكير.
وإنما أخذه عن مخرمة.
واعتمده مسلم بن الحجاج فأخرج أحاديثه عن أبيه في الصحيح.
ووثقة أحمد بن حنبل وعلي بن المديني.
فيحتمل أن يكون المراد بما حكي عنه من إنكاره سماع البعض دون الجميع - والله أعلم - ثم ذهب أن الأمر على ما حكي عنه من الإنكار.
386

أليس قد جاء بكتب أبيه الرجل الصالح فإذا فيها تلك الأحاديث؟
أفما يدلنا ما وجد في كتاب أبيه من حديث القطع على متابعة سليمان بن يسار عن عمرة أكبر أصحاب الزهري في لفظ الحديث؟
وعلل هذا الشيخ حديث أبي بكر بن حزم بما رواه ابنه عبد الله بن أبي بكر ويحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد وزريق بن حكيم هذا الحديث عن عمرة عن عائشة موقوفا.
وأخذ في كلام يوهم من نظر في كتابه أن أبا بكر بن حزم يتفرد بهذا الحديث وأن الذين خالفوه أكثر عددا وأشد اتقانا وحفظا.
ولم نعلم حال أبي بكر بن حزم في علمه بالقضاء والسنن وشدة اجتهاده في عبادة ربه.
روينا عن مالك بن أنس أنه قال:
لم يكن عند أحد من أهل المدينة من علم القضاء ما كان عند أبي بكر بن حزم.
وذكر أن عمر بن عبد العزيز أمره أن يكتب له العلم من عند عمرة بنت عبد الرحمن والقاسم بن محمد.
وذكر غيره أن سجدته كانت أحدت جبهته وأنفه.
فإذ كان عمر بن عبد العزيز يعتمده في القضاء من المسلمين بالمدينة ثم يعتمده في كتبه الحديث له عن عمرة وغيرها أفلا تعتمده فيما رواه عنها وقد تابعه أحفظ الناس في دهره محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وتابعه سليمان بن يسار ومحمد بن عبد الرحمن الأنصاري وغيرهما عن عمرة.
فأما ما روي في ذلك عن يحيى بن سعيد وغيره:
5135 - / فأخبرناه أبو الحسن بن الفضل قال أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان قال قال أبو بكر الحميدي في حديث:
((يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا)).
قيل لسفيان: أن الزهري رفعه ولم يرفعه غيره.
قال سفيان: حدثناه يحيى وعبد ربه أخبرنا سعيد وعبد الله بن أبي بكر
387

ورزيق بن حكيم عن عمرة عن عائشة أنها قالت:
القطع في ربع دينار فصاعدا.
إلا أن يحيى قال كلمة تدل على الرفع - ما نسيت ولا طال علي - القطع في دينار فصاعدا.
والزهري أحفظهم كلهم.
قال أحمد:
ففي هذال الحديث بين سفيان بن عيينة أن الزهري رفعه إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] قولا منه كما حكاه الحميدي.
وهذا خلاف ما اعتمده هذا الشيخ من رواية سفيان وبين أن الزهري أحفظهم وأخبر أن يحيى بن سعيد أشار إلى الرفع.
وكذلك رواه مالك بن أنس عن يحيى.
5136 - أخبرناه أو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] قالت:
ما طال علي ولا نسيت القطع في ربع دينار فصاعدا)).
وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن يحيى بن سعيد مرفوعا.
ولا أدري عن من أخذه عن يحيى.
5137 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس - هو الأصم - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا سعيد عن يحيى عن عمرة عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((القطع في ربع دينار فصاعدا)).
وأسنده أيضا أبان بن يزيد عن يحيى وبدل ابن المحبر عن شعبة عن يحيى.
وكانت عائشة تفتي بذلك وترويه عن النبي [صلى الله عليه وسلم] فهؤلاء الرواة كان يقتصرون في
388

الرواية مرة على فتواها ومرة على روايتها لقيام الحجة بكل واحدة منهما.
/ وأما حديث عبد الله بن أبي بكر:
فإنه روى عن عمرة قصة المولاتين اللتين خرجتا مع عائشة والعبد الذي سرق منهما وأنها أمرت به فقطعت يده وقالت:
القطع في ربع دينار فصاعدا.
فعائشة كانت تقضي بذلك وتفتي به طول عمرها وترويه عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
فعمرة بنت عبد الرحمن كانت تروي مرة فتواها ومرة روايتها عن النبي [صلى الله عليه وسلم] كما عادة الرواة ونقلة الأخبار فلا يعلل حديث الحفاظ الثقات بمثل هذا.
5138 - فقد أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب أخبرنا إبراهيم بن عبد الله أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن دينار:
أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يأمره: أنظر ما كان من حديث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أو سنة ماضية أو حديث عمرة فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله.
5139 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا عمرو بن السماك حدثنا حنبل بن إسحاق حدثني أبو عبد الله - وهو أحمد بن حنبل - حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن قال قال لي عمر بن عبد العزيز:
ما بقي أحدا أعلم بحديث عائشة منها - يعني عمرة -.
قال: وكان عمر يسألها.
قال أحمد:
فعلى هذا الوجه كان حال عمرة بنت عبد الرحمن في التابعين.
وقد روينا من حديث يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
389

وروي عن همام عن قتادة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((السارق يقطع في ربع دينار)).
5140 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا أبو عمرو الحوضي حدثنا همام حدثنا قتادة. فذكره.
/ (...) رفعه عن همام بن يحيى عبد الصمد بن عبد الوارث وإسحاق (...) عن هدبة بن خالد في بعض الروايات عنه.
وروي موقوفا وهذا لا يخالف رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت:
لم تكن تقطع يد في عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] في أقل من ثمن المجن حجفة أو ترس.
(...) وكلاهما ذو ثمن.
وهشام بن عروة إنما روى هذا (...) في رجل سرق قدحا فأتى به عمر بن عبد العزيز.
قال هشام (...) قال أبي:
أنه لا تقطع اليد في الشيء التافه.
وقال أخبرتني عائشة أنه لم تكن تقطع اليد في عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في أدنى من ثمن مجن جحفة أو ترس.
5141 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا علي بن عيسى أخبرنا إبراهيم بن أبي طالب وعبد الله بن محمد قالا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبده بن سليمان.
قال: وأخبرنا إبراهيم أبي طالب حدثنا هارون بن إسحاق حدثنا عبده عن هشام بن عروة:
390

أن رجلا سرق قدحا فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن عثمان بن أبي شيبة عن عبده بن سليمان.
وقيمة المجن غير مذكورة في هذه الرواية وقد ذكرتها عمرة عن عائشة في رواية ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن عمرة قالت قيل لعائشة:
ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينار.
وبينهما عبد الله بن عمر بن الخطاب وذلك فيما.
5142 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قطع سارقا في مجن قيمته ثلاثة دراهم:
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
وكذلك رواه جماعة عن نافع.
5143 - أخبرناه أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن سعيد السكري النيسابوري أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن الصواف حدثنا أبو علي بشر بن موسى الأسدي / حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أيوب وإسماعيل بن أمية وعبيد الله وموسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم.
رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي نعيم.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر، وموسى بن عقبة.
5144 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
391

حديث ابن عمر موافق لحديث عائشة لأن ثلاثة دراهم في عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] ومن بعده ربع دينار.
قال الشافعي في موضع آخر:
وذلك أن الصرف على عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] اثنا عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده وفرض عمر رضي الله عنه الدية اثني عشر ألف درهم على أهل الورق وعلى أهل الذهب ألف دينار.
وقالت عائشة وأبو هريرة وابن عباس في الدية اثنا عشر ألف درهم.
5145 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمره بنت عبد الرحمن: أن سارقا سرق أترجة في عهد عثمان فأمر بها عثمان فقومت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار فقطع يده.
قال مالك: وهي الأترجه التي يأكلها الناس.
قال الشافعي:
فحديث عثمان يدل من أن الدراهم كانت أثني عشر بدينار.
قال: ويدل حديث عثمان على أن قطع اليد في الثمر الرطب صلح تيبس أو لم يصلح لأن الأترج لا ييبس.
5146 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا: حدينا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن حميد الطويل أنه سمع قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع فقال / أنس:
حضرت أبا بكر الصديق قطع سارقا في شيء ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم.
5147 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
392

الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا غير واحد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال:
القطع في ربع دينار فصاعدا.
قال أحمد:
ورواه سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن عليا قطع يد سارق في بيضة من حديد ثمن ربع دينار.
قال أحمد:
هذا الشيخ تكلم على الأخبار التي احتجنا بها بالطعن فيها الآن ابصر بايش احتج.
روى في مقابلة حديث مالك بن أنس وعبيد الله بن عمر وأيوب السختياني وموسى بن عقبة وإسماعيل بن أمية وحنظلة بن أبي سفيان وأيوب بن موسى وأسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم.
وفي رواية الليث بن سعد - وهو إمام - عن نافع عن ابن عمر: قومت ثلاثة دراهم.
حديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال:
كانت قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عشرة دراهم.
وحديث ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله.
وحديث مجاهد وعطاء عن أيمن الحبشي قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((أدنى ما يقطع فيه السارق ثمن المجن)).
393

قال وكان يقوم دينارا.
وقيل عن أيمن بن أم أيمن عن أم أيمن.
ومن أنصف ورجع إلى أدنى معرفة بالأخبار علم أن بمثل هذه الأخبار لا يترك حديث ابن عمر ولا حديث عائشة.
ومن يرد في هذه المسألة حديث أبي بكر بن حزم عن عمرة عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في القطع بأن رواية عن أبي بكر بن حزم يزيد بن الهاد ومحمد بن إسحاق.
ويزيد بن الهاد ممن / أجمع الحفاظ على توثيقه والاحتجاج بروايته.
ومحمد بن إسحاق قد يحتج به فيما لا يخالف فيه أهل الحفظ وهو في تلك الرواية لم يخالف أحدا فحقيق له أن لا يحتج بروايته هذه وقد خالف فيها من هو أحفظ منه الحكم بن عتيبة.
فإنه إنما رواه عن عطاء ومجاهد عن أيمن هذا وفي رواية أبي داود في كتاب السنن عن عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن أبي السري العسقلاني ولفظ الحديث له عن عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال:
قطع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم.
5148 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود فذكره.
وهذه حكاية عن سرقة بعينها وهي لا تخالف في المعنى ما مضى.
قال أحمد:
ومن يرد في هذه المسألة روايته عن محمد بن شيبة عن عبد الله بن صالح عن يحيى بن أيوب عن جعفر بن ربيعة عن العلاء بن الأسود وأبي سلمة بن عبد الرحمن وكثير بن حبيش - أو قال: ابن حنيس - أنهم تنازعوا في القطع فدخلوا على عائشة يسألونها فقالت عائشة: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا)).
394

بأنه لا نعلم لجعفر بن رببعة من أبي سلمة بن عبد الرحمن سماعا فلا ينبغي له أن يحتج برواية أيمن الحبشي.
وروايته عن النبي [صلى الله عليه وسلم] منقطعة.
ولا برواية القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود أنه قال:
لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم.
لانقطاعها.
5149 - وقد أنبأني بالحديث أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا الحسن أحمد بن واصل البيكندي أخبرهم حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال قال لنا أبو صالح حدثني يحيى بن أيوب عن جعفر بن ربيعة عن / ابن جارية وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الملك بن مغيرة وكثير بن حبيش - أو قال: ابن خنيس - وكان غير مقيد والحفاظ لا يختلفون فيه أنهم تنازعوا فدخلوا على عائشة فقالت عائشة: سمعت النبي [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((لا قطع إلا في ربع دينار)).
5150 - وبهذا الإسناد قال البخاري وقال ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثني جعفر بن ربيعة أن الأسود بن العلاء بن حارثة حدثه أنه سمع عمرة تحدث عن عائشة أنها سمعت النبي [صلى الله عليه وسلم]. مثله.
قال البخاري: وقال ابن إسماعيل أخبرنا علي بن المبارك أخبرنا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري أن عمرة حدثته عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثله.
قال وقال الأويس حدثنا ابن أبي الرجال عن أبيه عن عمرة عن عائشة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] نحوه.
وقال أصبغ أخبرني ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن عمرة قالت سمعت عائشة تقول: سمعت النبي [صلى الله عليه وسلم] مثله.
هكذا وجدنا هذا الحديث في تاريخ البخاري في ترجمة كثير من حبش إلا أنه
395

قال في ذكر كثير: سمع عمرة بنت عبد الرحمن. روى عنه الأسود بن العلاء أو العلاء بن الأسود.
ثم أردفه بأحاديث جماعة ممن رواه عن عمرة فيشبه أن يكون الحديث عن جعفر بن ربيعة عن الأسود بن العلاء عن أبي سلمة وصاحبيه:
أنهم تنازعوا فدخلوا على عمرة ثم عمرة حدثت عن عائشة وعائشة حدثت عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
ويحتمل أن يكون الأسود بن العلاء معهم حين دخلوا على عمرة.
وفي رواية ابن أبي مريم دلالة على ذلك.
وقد أثبت البخاري في التاريخ سماعه من أبي سلمة وعمرو وقال: قاله جعفر بن ربيعة.
/ وسماع جعفر من الأسود بن العلاء غير مدفوع مع أنه قد سمع من عبد الرحمن بن هرمز الأعرج فليس من البعيد سماعه أيضا من أبي سلمة والمذكورين معه.
وروى الأسود عن أبي سلمة غير هذا الحديث فليس في ما يرد به هذا الشيخ حديث أبي سلمة ما يوجب الرد.
وقد أغنانا الله تعالى برواية الجماعة عن عمرة عن عائشة.
ورواية الجماعة عن نافع عن ابن عمر عن رواية جعفر بن ربيعة وإن كان فيها زيادة تظاهر. وبالله التوفيق.
والذي نستدل به على انقطاع حديث أيمن ما:
5151 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعدان بن نصر حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن عبد الملك عن عطاء عن أيمن مولى ابن الزبير عن تبيع عن كعب قال:
من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى العشاء الآخرة ثم صلى بعدها أربع ركعات فأتم ركوعهن وسجودهن يعلم مما يقتري فيهن فإن له - أو قال كن له - بمنزلة ليلة القدر.
396

كذا قال مولى ابن الزبير.
وقد قيل مولى ابن أبي عمرة يروي عن عائشة وليس له عن من فوقها رواية.
وقد استدل الشافعي بهذه الرواية على انقطاع حديثه في ثمن المجن.
قال أحمد:
وأما روايته عن أيمن ابن أم أيمن عن أم أيمن فإنها خطأ وإنما قال شريك بن عبد الله القاضي وخلط في إسناده.
وشريك ممن لا يحتج به في ما يخالف فيه أهل الحفظ والثقة لما ظهر من سوء حفظه.
وقد أجاب الشافعي رحمه الله عن أخبارهم بما فيه كفاية وذلك فيما:
5152 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
فقلت لبعض الناس هذه سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يقطع في ربع دينار فصاعدا.
فكيف قلت: لا تقطع اليد إلا في / عشرة دراهم فصاعدا؟ وما حجتك في ذلك؟
قال: قد روينا عن شريك عن منصور عن مجاهد عن أيمن عن النبي [صلى الله عليه وسلم] شبيها بقولنا.
قلت: أتعرف أيمن؟ أما أيمن الذي روى عنه عطاء فرجل حدث لعله أصغر من عطاء.
روى عنه عطاء حديثا عن تبيع ابن امرأة كعب عن كعب فهذا منقطع.
والحديث المنقطع لا يكون حجة.
قال: فقد روى شريك بن عبد الله عن منصور عن مجاهد عن أيمن ابن أم أيمن أخي أسامة لأمه.
397

قلت: لا علم لك بأصحابنا.
أيمن أخو أسامة قتل مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم حنين قبل [أن] يولد مجاهد ولم يبق بعد النبي [صلى الله عليه وسلم] فيحدث عنه.
قال: فقد روينا عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قطع في ثمن المجن.
قال عبد الله بن عمرو:
وكانت قيمة المجن على عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] دينارا.
قلت له: هذا رأي من عبد الله بن عمرو.
وفي رواية عمرو بن شعيب:
والمجان قديما وحديثا سلع يكون ثمن عشرة ومائة ودرهمين.
وإذا قطع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في ربع دينار قطع في أكثر منه وأنت تزعم أن عمرو بن شعيب ليس ممن تقبل روايته وتترك علينا سننا رواها توافق أقاويلنا وتقول غلط.
فكيف ترد روايته مرة ثم تحتج به على أهل الحفظ والصدق مع أنه لم يرو شيئا يخالف قولنا؟
قال: فقد روينا قولنا عن علي.
قلت له: رواه الزعافري عن الشعبي عن علي.
وقد أخبرنا أصحاب جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قال:
القطع في ربع دينار فصاعدا.
وحديث جعفر عن علي أولى أن يثبت من حديث الزعافري.
قال: فقد روينا عن ابن مسعود:
398

أنه لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم.
قلنا: فقد روى الثوري عن عيسى بن / أبي عزة عن الشعبي عن ابن مسعود:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قطع سارقا في خمسة دراهم.
وهذا أقرب أن يكون صحيحا عن عبد الله من حديث الشعبي عن القاسم عن عبد الله.
قال: فكيف لم تأخذوا بهذا؟
قلنا: هذا حديث لا يخالف حديثا إذا أقطع في ثلاثة دراهم قطع في خمسة وأكثر.
قال: فقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه لم يقطع في ثمانية.
قال الشافعي:
روايته عن عمر غير صحيحة.
وقد روى معمر عن عطاء الخراساني عن عمر: القطع في ربع دينار فصاعدا.
فلم نر أن نحتج به لأنه ليس بثابت وليس لأحد مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حجة وعلى المسلمين اتباع أمره.
قال الشافعي:
فلا إلى حديث صحيح ذهب من خالفنا ولا إلى ما يذهب إليه من ترك الحديث واستعمل ظاهر القرآن.
قال أحمد:
حديثهم عن عمر: إنما رواه القاسم بن عبد الرحمن وهو منقطع.
وقد روى قتادة عن ابن المسيب عن عمر، وقيل عن سليمان بن يسار عن عمر قال:
399

لا تقطع الخمس إلا في الخمس.
وقيل عن قتادة عن أنس عن أبي بكر وعمر:
أنهما قطعا في خمسة.
5153 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن ابن مسعود:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قطع سارقا في قيمة خمسة دراهم.
قال الشافعي:
ونحن نأخذ بهذا إلا أنا نقطع في ربع دينار وخمسة دراهم على عهد النبي [صلى الله عليه وسلم] أكثر من ربع دينار.
وهم يخالفون هذا ويقولون: لا قطع في أقل من عشرة دراهم.
قال أحمد:
وكذلك رواه أبو خيثمة عن عبد الرحمن بن مهدي.
1078 - [باب]
/ السرقة من غير حرز
5154 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان عن رافع بن خديج أنه سمع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((لا قطع في ثمر ولا كثر)).
400

5155 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان عن عمه واسع بن حيان عن رافع بن خديج أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا قطع في ثمر ولا كثر)).
قال الشافعي:
وبهذا نقول لا قطع في ثمر معلق لأنه غير محرز ولا في جمار لأنه غير محرز.
وهو يشبه حديث عمرو بن شعيب يعني: عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((لا قطع من ثمر معلق فإذا آواه الجرين ففيه القطع)).
قال الشافعي:
واحتج بهذا الحديث بعض الناس وقال من ها هنا قلنا لا نقطع في الثمر الرطب.
قال الشافعي:
والثمر اسم جامع للرطب من الثمر واليابس من التمر والزبيب وغيره.
فسقط القطع عن من سرق ثمرا في بيت؟
وإنما أجاب النبي [صلى الله عليه وسلم] حين قال:
((لا قطع في ثمر ولا كثر)).
على ما سئل عنه وكان حيطان المدينة ليس عليها حظار لأنه يقول:
((فإذا آواه الجرين والمراح ففيه القطع)).
واحتج بحديث عثمان في الأترجة وقد مضى بإسناده.
401

1079 - [باب]
السن التي إذا بلغها الرجل والمرأة أقيمت عليهما الحدود
5156 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عبيد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر قال:
عرضت على النبي [صلى الله عليه وسلم] عام أحد وأنا ابن أربع عشرة فردني وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.
قال: / قال نافع:
فحدثت به عمر بن عبد العزيز فقال عمر:
هذا فرق بين الذرية ومقاتله ثم كتب إلى عماله أن يفرضوا لابن خمس عشرة في المقاتلة ولابن أربع عشرة في الذرية.
وقال في موضع آخر:
يوم أحد ويوم الخندق.
قال الشافعي:
فبكتاب الله ثم بهذا القول نأخذ.
فذكر آية الابتلاء.
وروينا عن علي رضي الله عنه في مجنونة زنت أنه قال لعمر رضي الله عنه: أما تذكر قول رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق.
402

قال: نعم فأمر بها فخلى عنها.
5157 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن رجل عن عنبسة عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي جحيفة:
أن عليا أتي بصبي قد سرق بيضة فشك في احتلامه فأمر به فقطعت بطون أنامله.
قال الشافعي:
وليسوا ولا أحد علمته يقول بهذا يقولون ليس على الصبي حد حتى يحتلم أو يبلغ خمسة عشر.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي. وفي إسناده نظر.
1080 - [باب]
ما يكون حرزا ولا يكون
5158 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله أن صفوان بن أمية قيل له من لم يهاجر هلك فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد متوسدا رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه من تحت رأسه فأخذ صفوان السارق فجاء به النبي [صلى الله عليه وسلم] فأمر به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] [أن] تقطع يده.
فقال صفوان إني لم أرد هذا هو عليه صدقة فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((فهلا قبل أن تأتيني به)).
5159 - وبهذا الإسناد / قال أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن طاوس عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثل حديث مالك.
وكد الشافعي أحد المرسلين بالآخر.
403

وروي من أوجه آخر.
5160 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان أن رافع بن خديج أخبره أنه سمع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((لا قطع في ثمر ولا كثر)).
هكذا وقع هذا الحديث في كتاب القطع في السرقة وهو غلط من الكاتب والصواب ما نقلناه منقولا عن كتاب الحدود:
عن رافع بن خديج.
/ وقد ذكر الشافعي في القديم أنه مرسل - يعني بين محمد بن يحيى ورافع - وإنما هو موصولا من حديث ابن عيينة.
5161 - أخبرناه أبو بكر وأبو زكريا قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي عن يحيى بن سعيد وعن محمد بن يحيى بن حيان عن عمه واسع بن حيان عن رافع بن خديج عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثله.
5162 - وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني أخبرنا ابن حنبل حدثني أبي حدثنا وكيع عن سفيان عن يحيى بن سعيد فذكره بإسناده موصولا في جمع الطبراني أحاديث سفيان.
ورواه الفريابي وجماعة عن الثوري مرسلا دون ذكر واسع بن حيان.
ورواه أبو عيسى عن قتيبة عن الليث عن يحيى بن سعيد عن محمد عن عمه أن رافع بن خديج قال:
سمعت. فذكره مختصرا موصولا.
وقد رواه المزني عن الشافعي بطوله على الصحة.
5163 - أخبرناه أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر المزني حدثنا الشافعي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان:
أن عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فجاء / صاحب
404

الودي يلتمس وديه فوجده فاستعدى على العبد إلى مروان بن الحكم فسجن العبد وأراد أن يقطع يده.
فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك فأخبره أنه سمع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((لا قطع في ثمر ولا كثر)).
فقال الرجل: فإن مروان أخذ غلامي وهو يريد قطع يده وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فمشى معه رافع بن خديج حتى أتى مروان فقال:
أخذت غلاما لهذا؟ قال: نعم. فقال: ما أنت صانع به؟ قال: أردت قطع يده.
فقال له رافع: إني سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((لا قطع في ثمر ولا كثر)).
فأمر مروان بالعبد فأرسل.
5164 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان عن عمه واسع بن حيان:
أن عبدا سرق وديا من حائط فغرسه في مكان آخر فأتي به مروان فأراد أن يقطعه فشهد رافع بن خديج أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا قطع في ثمر ولا كثر)).
5165 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن أبي حسين عن عمرو بن شعيب عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((لا قطع في ثمر معلق فإذا آواه الجرين ففيه القطع)).
5166 - أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا ابن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث وهشام بن سعد عن عمرو بن
405

شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((وليس في شيء من الثمر المعلق قطع إلا ما آواه الجرين فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع)).
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
فانظر أبدا إلى الحال التي يسرق فيها السارق فإذا سرق السرقة ففرق بينهما وبين حرزها / فقد وجب الحد عليه.
فإن وهبت السرقة للسارق قبل يقطع قطع واحتج بحديث صفوان.
قال: وانظر إلى المسروق فإن كان في موضع تنسبه العامة إلى أنه في مثل ذلك الموضع محرز فأقطع فرداء صفوان كان محرزا لإضطجاعه عليه.
وبسط الكلام في بيان ذلك.
1081 - [باب]
من سرق عبدا صغيرا أو أعجميا
قال الشافعي: يقطع.
قال أحمد:
قد رويناه عن أبي الزناد فيما رواه عن الفقهاء التابعين من أهل المدينة.
ورويناه عن الحسن والزهري.
5167 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة أخبرنا أبو الوليد حدثنا الحسن حدثنا أبو بكر حدثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال: أخبرت أن عمر بن الخطاب قطع رجلا في غلام سرقه.
406

قال وأخبرنا أبو بكر - هو ابن أبي شيبة - عن ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن معروف بن سويد:
أن قوما كانوا يسرقون رقيق الناس بإفريقية.
فقال علي بن رباح: ليس عليهم قطع قد كان هذا على عهد عمر فلم ير عليهم قطعا.
فقال: هؤلاء خلابون.
قال الأستاذ أبو الوليد: قال أصحابنا معناه أنهم كانوا عقلاء.
لأنه روي عن عمر أنه قطع رجلا في غلام سرقه.
قال أحمد:
وروي عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أتي برجل كان يسرق الصبيان فأمر بقطعه.
وهذا لا يثبت عبد الله هذا ضعيف كثير الخطأ على هشام قاله الدارقطني وغيره.
1082 - [باب]
قطع العبد إذا سرق
5168 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن عبدا لابن عمر سرق وهو آبق فأرسله عبد الله إلى سعيد بن العاص وهو أمير المدينة ليقطع يده فأبى سعيد بن العاص أن يقطع يده وقال: لا نقطع يد الآبق إذا سرق.
فقال / عبد الله بن عمر:
في أي كتاب الله وجدت هذا فأمر به ابن عمر فقطعت يده.
407

هذا لفظ حديث أبي سعيد.
5169 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن زريق بن حكيم أنه أخذ عبدا آبقا قد سرق فكتب فيه [إلى] عمر بن عبد العزيز أني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم يقطع فكتب عمر: إن الله يقول:
* (والسارق والسارقه فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم).
فإن بلغت سرقته ربع دينار أو أكثر فاقطعه.
1083 - [باب]
النباش
5170 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لعن المختفي والمختفية.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي عبد الله:
المختفي: النباش.
وقال في روايتنا عن أبي سعيد:
ويقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر لأن هذا حرز مثله.
قال أحمد:
وقد روينا هذا القول عن ابن المسيب وعطاء والشعبي والحسن وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم.
408

وروى عن أبي الزبير.
وروى سويد بن عبد العزيز عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت:
سارق أمواتنا كسارق أحيائنا.
5171 - أنبأنية أبو عبد الله إجازة أخبرنا أبو الوليد حدثنا محمد بن سليمان حدثنا علي بن حجر حدثنا سويد بن عبد العزيز فذكره.
وروى بشر بن حازم عن عمران بن يزيد بن البراء عن أبيه عن جده في حديث ذكره أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((ومن نبش قطعناه)).
5172 - أنبأنيه أبو عبد الله إجازة أخبرنا أبو الوليد حدثنا الحسن هو ابن سفيان قال وفيما أجاز لي عثمان بن سعيد عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن بشر بن حازم فذكره.
وزاد فيه بموضع آخر بهذا الإسناد:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] [قال]:
((من حرق / حرقناه)).
وزاد فيه غيره عن عثمان بن سعيد بإسناده قال:
((ومن غرق غرقناه)).
وفي هذا الإسناد بعض من يجهل.
1084 - [باب]
قطع اليد والرجل في السرقة
قال الشافعي رحمه الله في القديم:
409

أخبرني الثقة من أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال في السارق:
((إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق سرق فاقطعوا رجله)).
وذكره أيضا في الجديد وسقط من رواية الربيع وهو:
5173 - فيما كتب إلي أبو نعيم الإسفرائيني: أن أبا عوانة أخبرهم عن المزني عن الشافعي أخبرنا بعض أصحابنا فذكره.
قال أحمد:
وفي رواية حرملة والمزني عن الشافعي قال:
أخبرنا عبد الله بن نافع عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مثله.
وقد رويناه عن مصعب بن ثابت عن محمد بن المنكدر عن جابر جيء بسارق إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((اقتلوه)).
فقال يا رسول الله إنما سرق قال:
((اقطعوه)).
قال: فقطع ثم جيء به الثانية فقال:
((اقتلوه)).
فقالوا: يا رسول الله إنما سرق. قال:
((اقطعوه)).
قتل فقطع ثم جيء به الثالثة فقال:
((اقتلوه)).
فقالوا: يا رسول الله إنما سرق. قال:
410

((اقطعوه)).
قال ثم أتي به الرابعة فقال:
((اقتلوه)).
فقالوا: يا رسول الله إنما سرق.
فأتي به الخامسة فقال:
((اقتلوه)).
قال جابر: فانطلقنا به فقتلناه ثم أجررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة.
5174 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي حدثنا جدي حدثنا مصعب بن ثابت فذكره.
وفي غير هذه الرواية عن مصعب قال في المرة الأولى ((اقطعوا يده)) وفي المرة الثانية: ((اقطعوا رجله)) وفي / المرة الثانية: ((اقطعوا يده)) وفي المرة الرابعة ((اقطعوا رجله)).
ورويناه عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مرسلا.
وهو مرسل جيد يقوي ما ذكرناه من الموصول ويرجح قول من وافقه من الصحابة.
5175 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلا من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم على أبي بكر الصديق فشكى إليه أن عامل اليمن ظلمه وكان يصلي من الليل فيقول أبو بكر: وأبيك ما ليلك بليل سارق ثم أنهم افتقدوا حليا لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر فجعل الرجل يطوف معهم ويقول: اللهم
411

عليك بمن بيت [أهل] هذا البيت الصالح فوجدوا الحلى عند صائغ [زعم] أن الأقطع جاء به فاعترف الأقطع أو شهد عليه فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى.
وقال أبو بكر: والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد:
فبهذا كله نأخذ.
قال: وذكر عبد الله بن عمر، وفي كتاب القديم عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أبي بكر مثله.
قال أحمد:
وروينا عن موسى بن عقبة عن نافع عن صفية في هذه القصة قال:
فأراد أبو بكر أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها.
فقال عمر:
لا والذي نفسي بيده لتقطعن يده الأخرى فأمر به أبو بكر فقطعت يده.
وفي حديث الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه في هذه القصة:
أن أبا بكر أراد أن يقطع رجلا بعد اليد والرجل فقال عمر السنة اليد.
وروينا عن عكرمة عن ابن عباس قال شهدت عمر بن الخطاب قطع يدا بعد يد ورجل.
قال الشافعي:
قال قائل: إذا قطعت يده ورجله ثم سرق حبس وعزر ولم تقطع.
412

قيل: قد روينا هذا / عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأبي بكر في دار الهجرة وعمر يراه ويشير به على أبي بكر.
وروي عنه أنه قطع أيضا فكيف خالفتموه؟
قال: قاله علي بن أبي طالب.
قلنا: فقد رويتم عن علي في القطع أشياء مستنكرة تركتموها عليه منها:
أنه قطع بطون أنامل صبي.
ومنها: أنه قطع القدم من نصف القدم.
وكل ما رويتم عن علي في القطع غير ثابت عنه عندنا وبسط الكلام في هذا.
5176 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار: أن عليا قطع من شطر القدم.
وفيما بلغه عن هشيم عن مغيرة عن الشعبي:
أن عليا كان يقطع الرجل من القدم ويدع العقب يعتمد عليه.
وعن عمرو بن شعيب قال:
رأيت رجلا يسقي على بئر قد قطعت يده وتركت إبهامه فقلت من قطعك؟ فقال: علي بن أبي طالب.
أورد الشافعي هذه الآثار إلزاما للعراقيين في خلاف علي.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب: أنه كان يقطع رجل السارق من المفصل.
5177 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن صالح البغدادي ببلخ حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عمرو قال: كان عمر. فذكره.
وذكر ما رواه الشافعي عن علي.
وقد روينا عن علي: أنه قطع أيدي جماعة من المفصل وحسمها.
413

وروينا في حديث مرسل أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قطع يد سارق من المفصل وروي ذلك عن جابر.
وروينا عن فضالة بن عبيد أنه قال: رأيت النبي [صلى الله عليه وسلم] قطع سارقا ثم أمر بيده فعلقت في عنقه.
وروينا عن علي بن أبي طالب أنه فعل ذلك.
5178 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قال أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه قال:
لم أر السراق أكثر منهم في / زمان علي ولا رأيته قطع منهم أحدا.
قلت: وكيف كان يصنع؟
قال: كان يأمر بالشهود أن يقطعوا.
وهذا أورده إلزاما فيما خالفوا عليا قالوا: إذا شهد الشهود فمن شاء الحاكم أن يأمر بقطع قطع ولا يأمر بذلك الشهود.
ونحن نقول هذا.
ولم نعلم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ومن بعده أمر شاهدا أن يقطع.
5179 - وبإسناده قال قال الشافعي فيما بلغه عن يزيد بن هارون عن رجل عن قتادة عن خلاس عن علي في حرين باع أحدهما صاحبه فقطعهما علي جميعا.
قال الشافعي:
وهم يخالفون هذا.
قال أحمد:
وهذا لا يثبت عن علي.
5180 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
414

روى عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها)).
ثم قال: ((ليبيعها)) بعد الثالثة أو الرابعة.
وروي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في الشارب:
يجلد ثلاثا أو أربعا ثم يقتل.
وحفظ عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه جلد الشارب العدد الذي قال يقتل بعده ثم أتي به فجلده ووضع القتل فصارت رخصة.
قال الشافعي:
القتل فيمن أقيم عليه حد في شيء أربعا فأمر به الخامسة منسوخ بما وصفت وكذلك بيع الأمة بعد زناها ثلاثا أو أربعا.
قال أحمد:
وقد ذكره في موضع آخر أتم من ذلك.
وقد نقلناه في الأشربة.
1085 - [باب]
الإقرار بالسرقة
5181 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فما بلغه عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: جاء رجل إلى علي فقال: إني سرقت فطرده.
ثم قال: إني سرقت. فقطع يده.
وقال: إنك قد شهدت على نفسك مرتين.
قال الشافعي:
415

وهم يخالفون هذا.
قال أحمد:
خالفه أبو حنيفة ومحمد ووافقه أبو يوسف وأنزله منزله / الشهادة.
قال الشافعي:
وإنما تركنا نحن أن نقول أن الاعتراف بمنزلة الشهادة لأن النبي [صلى الله عليه وسلم] أمر أنيس الأسلمي أن يغدوا على امرأة فإن اعترفت رجمها ولم يقل أربع مرات.
قال: ولو كان الإقرار يشبه الشهادة أن لو أقر أربع مرات ثم رجع عنه بطل عنه الحد كما لو رجع الشهود عن الشهادة عليه ثم عادوا فشهدوا عليه ثم رجعوا عنه لم تقبل شهادتهم.
ولو أقر ثم رجع ثم أقر قبل منه.
5182 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي المنذر مولى أبي ذر عن أبي أمية المخزومي:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أتي بلص قد اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
(ما أخالك سرقت)).
فقال: بلى. فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فأمر به فقطع وجئ به فقال:
((استغفر الله وتب إليه)).
قال: استغفر الله وأتوب إليه. فقال:
((اللهم تب عليه)). ثلاثا.
قال أحمد:
416

ورواه همام بن يحيى عن إسحاق وقال فيه:
قالها ثلاث مرات لم يشك.
وهذا يدل على أن توقيت الإقرار بمرتين غير موجود في هذا الحديث وكأنه لم يفسر إقراره أول مرة.
وروي عن يزيد عن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال:
أتي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بسارق سرق شملة فقالوا: إن هذا سرق. فقال:
((لا أخاله سرق)).
فقال: بلى يا رسول الله قد سرقت. قال:
((إذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم ائتوني به)).
فأتي به فقال:
((تب إلى الله)).
قال: تبت إلى الله.
قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((تاب الله عليك)).
وفي هذا إن صح دلالة على أنه أمر بالقطع حين اعترف عنده مره واحدة.
وقد اختلف فيه على عبد العزيز الدراوردي / عن يزيد منهم من وصله عنه ومنهم من أرسله فلم يذكر فيه أبا هريرة.
وأرسله أيضا سفيان بن عيينة وعبد العزيز بن أبي حازم عن يزيد بن خصيفة وهو المحفوظ.
417

1086 - [باب]
قطع المملوك بإقراره
5183 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت:
خرجت عائشة إلى مكة ومعها مولاتان وغلام لبني عبد الله بن أبي بكر الصديق فبعث مع المولاتين ببرد مراجل قد خيط عليه خرقة خضراء.
قالت: فأخذ الغلام البرد ففتق عنه فاستخرجه وجعل مكانه لبدا أو فروة وخاط عليه فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد ولم يجدوا فيه البرد فكلموا المولاتين فكلمتا عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] [أو كتبتا] واتهمتا العبد فسئل العبد عن ذلك فاعترف فأمرت به عائشة فقطعت يده وقالت عائشة:
القطع في ربع دينار فصاعدا)).
1087 - [باب]
غرم السارق
قال الشافعي رحمه الله.
القطع لله فلا يسقطه غرمه ما أتلف للناس.
قال أحمد:
ورويناه عن الحسن وإبراهيم.
418

وروينا عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((على اليد ما أخذت حتى تؤديه)).
من حديث الحسن عن سمرة.
وأما حديث سعد بن إبراهيم عن المسور عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد)).
فهو إن ثبت قلنا به لكنه تفرد به المفضل بن فضالة قاضي مصر واختلف عليه فيه فقيل:
عنه عن يونس بن يزيد عن سعد هكذا.
وقيل: عنه عن يونس عن الزهري عن سعد عن المسور.
وقيل: المسور بن مخرمة.
وقيل: عنه عن يونس عن سعد بن إبراهيم عن أخيه / المسور.
فإن كان سعد هذا ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فقد قال أهل العلم بالحديث: لا يعرف له في التواريخ أخا معروفا بالرواية يقال له: المسور.
وإن كان غيره فلا نعرفه ولا نعرف أخاه ولا يحل لأحد من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه.
قال أحمد:
وقد رأيت حديثا لسعد بن محمد بن المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
419

فإن كان هذا الانتساب صحيحا وثبت كون المسور لسعد بن إبراهيم أخا فلم يثبت له سماع من جده عبد الرحمن ولا رواية وذلك لأن إبراهيم كان في خلافه عمر بن الخطاب صبيا صغيرا ومات أبوه في خلافة عثمان فإنما كان أدرك أولاده بعد موت أبيه وإنما رواية ابنيه المعروفين صالح وسعد عن أبيهما عبد الرحمن فهذا الذي عرفناه بحفيديه وفيه نظر لا يعرف له روية ولا رواية عن جده ولا عن غيره من الصحابة فهو مع الجهالة منقطع وبمثل هذه الرواية لا تترك أموال المسلمين تذهب باطلا.
وبالله التوفيق.
قال أبو بكر بن المنذر:
لا يثبت خبر عبد الرحمن بن عوف في هذا الباب.
1088 - [باب]
ما جاء في تضعيف الغرامة
قال أحمد:
روينا في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في الماشية فيما آواه المراح والثمر المعلق فيما آواه الجرين:
((فما أخذ منه فبلغ ثمن المجن ففيه القطع وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال)).
5184 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب.
أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم.
ثم قال عمر: إني أراك / تجيعهم والله لأغرمنك غرما يشق عليك.
420

ثم قال للمزني: كم ثمن ناقتك؟
قال أربعمائة درهم.
قال عمر: أعطه ثمانمائه درهم.
قال الشافعي:
وقال مالك في كتابه ليس عليه العمل.
أورده الشافعي إلزاما لمالك فيما ترك من قول بعض الصحابة.
5185 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
لا تضعف الغرامة على أحد في شيء إنما القعوبة في الأبدان لا في الأموال.
وإنما تركنا تضعيف الغرامة من قبل أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
قضى فيما أفسدت ناقة البراء بن عازب أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها.
قال: فإنما يضمنونه بالقيمة لا بقيمتين ولا يقبل قول المدعي لأن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه)).
1089 - [باب]
ما لا قطع فيه
5186 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع [أخبرنا الشافعي] أخبرنا مالك عن ابن شهاب:
أن مروان بن الحكم أتي بإنسان قد اختلس متاعا فأراد قطع يده فأرسل إلى
421

زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فقال زيد: ليس في الخلسة قطع.
قال مالك: الأمر عندنا أنه ليس في الخلسة قطع.
قال الشافعي:
وكذلك من استعار متاعا فجحده أو كانت عنده وديعة فجحدها لم يكن عليه فيها قطع إنما القطع على من أخرج متاعا من حرز بغير شبهة.
قال أحمد:
وقد روينا عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((ليس على المختلس ولا على المنتهب ولا على الخائن قطع)).
5187 - أخبرناه أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان الغزال في آخرين قالوا: حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا الحسن بن عرفة حدثني عيسى بن [يونس عن] ابن جريج عن أبي الزبير فذكره.
/ وذكر بعض أهل العلم أن ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير إنما سمعه من ياسين الزيات.
وقد رواه المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير نحو ذلك.
وروينا عن عمرو ما دل على ذلك.
وأما الحديث الذي روى معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:
كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتججدها فأمر النبي [صلى الله عليه وسلم] بقطع يدها.
فقد رواه الليث بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت. وبمعناه قاله عبد الله بن وهب عن يونس عن الزهري
422

وبمعناه قاله أبو الزبير عن جابر.
وبمعناه قاله مسعود بن الأسود عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وقول النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).
في هذه القصة دليل على أن المخزومية كانت سرقت وكأنها كانت قد اشتهرت باستعارة المتاع وجحودها ثم سرقت فعرفت بما اشتهرت والقطع تعلق بالسرقة والله أعلم.
والحديث الذي يروى عن نافع في هذه القصة كما روى معمر مختلف فيه على نافع.
فقيل: عنه عن ابن عمر.
وقيل: عنه عن ابن عمر أو عن صفية بنت أبي عبيد.
وقيل: عنه عن صفية بنت أبي عبيد.
وحديث الليث عن الزهري أولى بالصحة لما ذكرنا من توافقه. والله أعلم.
5188 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو زرعة الدمشقي حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن أمه عائشة بنت مسعود بن الأسود عن أبيها مسعود قال:
لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أعظمنا ذلك وكانت امرأة من قريش فجئنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فكلمناه فقلنا: يا رسول الله نحن نفديها / بأربعين أوقية. قال:
((تظهر خير لها)).
فلما سمعنا لين قول رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أتينا أسامة بن زيد فقلنا: اشفع لنا إلى
423

رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في شأن هذه المرأة نحن نفديها بأربعين أوقية. فلما رأى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] جد الناس في ذلك قام فينا خطيبا فقال:
((يا أيها الناس ما إكثاركم في حد من حدود الله وقع على أمة من إماء الله والذي نفس محمد بيده لو كانت فاطمة بنت محمد نزلت بالذي نزلت به هذه المرأة لقطع محمد يدها)).
فأيس الناس فقطع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يدها.
قال محمد: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان بعد ذلك يرحمها ويصلها.
1090 - [باب]
العبد يسرق من مال سيده أو من مال امرأة سيده
5189 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد:
أن عبد الله بن عمرو بن الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له:
اقطع يد هذا فإنه سرق.
فقال له عمر: ماذا سرق؟
قال: سرق مرآة لإمرأتي ثمنها ستون درهما.
فقال عمر: أرسله ليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
424

وقد قال صاحبنا - يعني مالكا -: إذا سرق الرجل من امرأته أو المرأة من زوجها من البيت الذي هما فيه لم يقطع واحد منهما.
وإن سرق غلامه من امرأته أو غلامها منه وهو يخدمهما لم يقطع لأن هذه حياته.
فإذا سرق من امرأته أو هي منه من بيت محرز فيه لا يسكنانه معا أو سرق عبدها منه أو عبده منها وليس بالذي يلي خدمتها قطع أي هؤلاء سرق.
قال الشافعي:
هذا مذهب /. فأراه يقول أن قول عمر خادمكم أي الذي يلي خدمتكم. ولكن قول عمر خادمكم يحتمل عبدكم فأرى والله أعلم على الاحتياط لا يقطع الرجل لامرأته ولا المرأة لزوجها ولا عبد واحد منها سرق من متاع الآخر شيئا للأثر والسنة فيه.
وكذلك الرجل يسرق متاع أبيه أو أمه أو أجداده من قبلهما أو متاع ولده وولد ولده لا يقطع واحد منهم.
1091 - [باب]
الرجل يسرق من مال له فيه شرك
5190 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي فيما حكي عن أبي يوسف قال أخبرنا بعض مشايخنا عن ميمون بن مهران عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
أن عبدا من الجيش سرق من الخمس فلم يقطعه وقال:
((مال الله بعضه في بعض)).
قالوا: حدثنا بعض أشياخنا عن سماك بن حرب عن ابن النابغة عن علي بن أبي طالب أن رجلا سرق مغفرا من المغنم فلم يقطعه.
425

قال الشافعي:
ضرب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] للأحرار بالسهمان ورضخ للعبيد.
فإذا سرق أحد حضر المغنم من المغنم شيئا لم أر عليه قطعا لأن الشرك بالكثير والقليل سواء.
قال أحمد:
وروينا عن علي أنه كان يقول:
ليس على من سرق من بيت المال قطع.
1092 - [باب]
قطاع الطريق
5191 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى:
* (إنما جزآؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) *. الآية.
5192 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا.
وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا.
وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف.
وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
426

وبهذا نقول وهو موافق معنى كتاب الله عز وجل وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم فأما أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل أو السبي أو الجزية.
قال: واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس إن شاء الله.
قال الشافعي:
وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطرق عفو وكان على الإمام أن يقتلهم واحتج بالآية.
قال ابن المنذر: وروي ذلك عن عمر بن الخطاب.
قال الشافعي:
ونفيهم أن يطلبوا فينفوا من بلد إلى بلد فإذا أظفر بهم أقيم عليهم الحد أي هذه الحدود كان حدهم.
قال الشافعي:
قال الله عز وجل:
* (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) *.
فمن تاب قبل أن يقدر عليه سقط حد الله وأخذ حقوق بني آدم.
قال الشافعي في كتاب الشهادة:
فأخبر الله بما عليهم من الحد إلا أن يتوبوا من قبل أن يقدر عليهم.
ثم ذكر حد الزنى والسرقة ولم يذكره فيما استثنى فاحتمل ذلك أن لا يكون الاستثناء إلا حيث جعل في المحارب خاصة واحتمل أن يكون كل حد لله فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه.
قال أحمد:
روي عن علي وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما في قبول توبة المحارب.
427

وروينا في حديث علي (...) وائل بن حجر في قصة المرأة التي وقع عليها رجل في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد ثم فر وأخذ من استغاثت به فلما أمر به / قام صاحبها الذي وقع عليها فقال: لا ترجموه وارجموني أنا الذي فعلت بها فاعترف فقال النبي [صلى الله عليه وسلم] للمرأة:
((أما أنت فقد غفر لك)).
وقال للرجل الذي أخذ قولا حسنا.
فقيل له: ارجم الذي اعترف فقال:
((لا إنه قد تاب إلى الله توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم)).
فأرسلهم.
وهذا حديث رواه أبو داود في كتاب السنن وإسناده حسن.
ومثل هذا قد وجد من ماعز والجهينية والغامدية وجعل توبتهم فيما بينهم وبين الله وأمر برجمهم.
وقوله في ماعز:
((هلا تركتموه)).
يشبه أن يكون إنما قاله لعلة يرجع فيقبل رجوعه عن الإقرار فيما كان حدا لله تعالى.
والله أعلم.
428

بسم الله الرحمن الرحيم
39 - كتاب الأشربة والحد فيها
قال أحمد:
روينا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل عن عمر بن الخطاب رضي الله [عنه] قال:
لما نزل تحريم الخمر قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت:
* (يسألونك عن الخمر والميسر) *.
التي في سورة البقرة.
فدعى عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت التي في النساء:
* (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) *.
فدعى عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا.
فنزلت التي في المائدة.
فدعى عمر فقرئت عليه فلما بلغ:
* (فهل أنتم منتهون) *.
429

قال عمر: قد انتهينا
5193 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو عبد الله الصفار حدثنا أحمد بن مهران حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق فذكره.
5194 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن / أنس بن مالك قال:
كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة:
يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها. قال أنس:
فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
5195 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب؟ فقال ابن عباس: أهدى رجل لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] رواية خمر فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أما علمت أن الله حرمها))؟
فقال: لا فسار إنسانا إلى جنبه قال:
بم ساررته))؟
قال: أمرته أن يبيعها. فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
430

((إن الذي حرم شربها حرم ثمنها)).
ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث مالك.
5196 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاووس قال:
بلغ عمر بن الخطاب أن رجلا باع خمرا فقال: قاتل الله فلانا باع الخمر أما علم أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها)).
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
5197 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر:
أن رجالا من أهل العراق قالوا له: إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها؟
فقال عبد الله: / إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس أني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تعتقوها فإنها رجس من عمل الشيطان.
5198 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
431

العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة)).
أخرجاه في الصحيح من حديث مالك.
5199 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال أبو علي الماسرجسي فيما أخبرت عنه عن محمد بن سفيان عن يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي في قوله عز وجل:
* (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا) *.
قال: * (اتقوا) * لم يقوبوا ما حرم عليهم.
قال أحمد:
روينا عن ابن عباس أنه قال:
هذه الآية أنزلت عذرا للماضين لأنهم لقوا الله قبل أن تحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله يقول:
* (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) *.
فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا فإن الله تعالى قد نهى أن يشرب الخمر.
وفي هذا بيان ما قاله الشافعي.
432

وقول الشافعي أعم لعموم الآية.
5200 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه حدثنا محمد بن أيوب أخبرنا أبو الربيع العتكي حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس قال:
كنت ساقي - يعني القوم - يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة وما شرابهم إلا الفضيخ [البسر] والتمر فإذا مناد ينادي فقال: أخرج فانظر فخرجت فإذا مناد ينادي [ألا] إن الخمر قد حرمت.
قال: فجرت في سكك المدينة.
فقال أبو طلحة: أخرج فأهرقها. فقالوا أو قال بعضهم: قتل فلان وفلان وفلان وهي في بطونهم.
قال: فلا أدري من حديث أنس فأنزل الله:
* (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) * الآية.
رواه مسلم في الصحيح عن / أبي الربيع.
ورواه البخاري عن أبي النعمان عن حماد.
وفيه دليل على أنه رفع الجناح فيما طعموا قبل التحريم إذا اتقوا شربها بعد التحريم.
وروي سبب نزول هذه الآية أيضا في حديث البراء بن عازب.
5201 - أخبرنا أبو بكر بن فورك حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال:
لما نزل تحريم الخمر قالوا:
كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم فنزلت:
* (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) * الآية.
433

تابعه وهب بن جرير وغيره عن شعبة.
1093 - [باب]
ما أسكر كثيرة فقليله حرام
5202 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد وأبو نصر منصور بن الحسن المقبري [قالوا] حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] قالت قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((كل شراب أسكر فهو حرام)).
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
5203 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة قالت: سئل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن البتع فقال:
((كل شراب أسكر فهو حرام)).
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
قال أحمد:
وقد روينا في حديث أبي موسى الأشعري أنه سأل النبي [صلى الله عليه وسلم] عن البتع وهو من العسل وعن المزر وهو من الذرة والشعير وهما يسكران فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((كل مسكر حرام)).
434

وهو مخرج في الصحيحين.
وقد مضى في حديث أنس بن مالك قال:
كنت أسقي شرابا من فضيخ وتمر.
وفي الحديث الثابت عن ثابت عن أنس بن / مالك قال: حرمت علينا الخمر وما نجد خمور الأعناب إلا القليل وعامة خمرهم البسر والتمر.
وفي كتاب أبي داود عن أبي حريز عن عامر الشعبي عن النعمان بن بشير قال:
سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة وإني أنهاكم عن كل مسكر)).
وفي الحديث الثابت عن أبي حيان التيمي عن عامر الشعبي عن ابن عامر قال:
خطبنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((إن الخمر نزل تحريمها يوم نزل تحريمها وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل)).
وثلاث أيها الناس وددت أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لم يفارقنا حتى يعهد إلينا [فيها] عهدا ننتهي إليه الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا.
5204 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا عبد الله بن نمير عن أبي حيان عن الشعبي عن عبد الله بن عمر
435

قال: خطبنا عمر فذكره.
أخرجه البخاري في الصحيحين من أوجه عن أبي حيان.
وأما حديث أبي هريرة أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة)).
فقد قال أبو سليمان:
هذا غير مخالف لما تقدم ذكره وإنما معناه أن معظم ما يتخذ من الخمر إنما هو من النخلة والعنبة وإن كانت قد تتخذ أيضا من غيرهما وإنما هو من باب التأكيد لتحريم ما يتخذ منهما لمرارته وشدة سورته كما يقال: شبع من اللحم والدفء من الوبر وليس فيه نفي الشبع عن غير اللحم ولا نفي الدفء من غير الوبر ولكن فيه التوكيد لأمرهما والتقديم لهما على غيرهما في نفس ذلك المعنى والله أعلم.
5205 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه أن أبا وهب الجيشاني سأل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] / عن البتع فقال:
((كل مسكر حرام)).
كذا وقع في هذه الرواية عن البتع.
وقال غيره: عن سفيان عن المزر قال:
((وما المزر))؟
قال: شيء يصنع من الحب. فقال:
((كل مسكر حرام)).
وهو من حديث سفيان مرسل.
436

وهو في الحديث الثابت عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا قدم من جيشان؛ وجيشان من اليمن فسأل النبي [صلى الله عليه وسلم] عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: المزر. فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((ومسكر هو))؟
قالوا: نعم. قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((كل مسكر حرام وأن الله عهد لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)).
قالوا: يا رسول الله وما طينة الخبال؟ قال:
((عرق أهل النار أو عصارة أهل النار)).
5206 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا عمارة بن غزية فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة.
5207 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي حدثنا سفيان قال: سمعت أبا الحويرية الجرمي يقول:
إني لأول العرب سأل ابن عباس وهو مسند ظهره إلى الكعبة فسألته عن الباذق؟ فقال: سبق محمد [صلى الله عليه وسلم] الباذق وما أسكر فهو حرام.
تابعه سفيان الثوري عن أبي الجويرية.
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري.
5208 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سئل عن الغبيراء فقال:
((ولا خير فيها)).
437

ونهى عنها.
قال مالك عن زيد: هي السكركة.
هذا مرسل.
وروينا في حديث موصول عن أم حبيبة زوج النبي [صلى الله عليه وسلم] أن ناسا من أهل اليمن قدموا على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قالوا: يا رسول الله إن لنا شرابا نصنعه من القمح والشعير.
فقال:
((الغبيراء))؟
قالوا: نعم. قال:
((لا تطعموه)).
5209 - / وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا هناد حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن ديلمة الحميري قال: سألت النبي [صلى الله عليه وسلم] فقلت: يا رسول الله إنا بأرض باردة نعالج فيها حملا شديدا وإنا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا. قال:
((هل يسكر))؟
قال: نعم: قال:
((فاجتنبوه)).
قلت: فإن الناس غير تاركيه. قال:
((فإن لم يتركوه قاتلوهم)).
438

قال أحمد:
قوله في شراب القمح ((فاجتنبوه)) وذلك يتناول القليل والكثير.
قال أحمد:
كقول الله عز وجل في الخمر * (فاجتنبوه) *.
وذلك [أن] الأخبار كلها تدل على منع النبي [صلى الله عليه وسلم] من شرب المسكر وذلك يتناول القليل والكثير.
وقد سموه خمرا فهو داخل تحت قوله:
* (إنما الخمر) * إلى قوله * (فاجتنبوه) *.
5210 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال:
كل مسكر خمر وكل مسكر حرام.
هكذا رواه مالك موقوفا في أكثر الروايات عنه.
ورواه روح بن عبادة عن مالك مرفوعا.
5211 - أخبرنا أبو الحسن العلوي أخبرنا أبو حامد بن الشرقي حدثنا أحمد بن محمد بن الصباح حدثنا روح حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((كل مسكر خمر وكل مسكر حرام)).
439

5212 - وبهذا الإسناد قال: حدثنا روح حدثنا ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((كل مسكر خمر وكل مسكر حرام)).
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم وغيره عن روح عن ابن جريج.
وأخرجه أيضا من حديث أيوب السختياني وعبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
5213 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ / وعن سلمة بن عوف بن سلامة أخبراه عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكى إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب.
فقال عمر: إشربوا العسل.
فقالوا: لا يصحلنا العسل. فقال رجال من أهل الأرض هلك لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر؟ فقال: نعم.
فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر: فأدخل عمر فيه أصبعه ثم رفع يده فتبعهما يتمطط فقال: هذا الطلا هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه.
فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها والله فقال عمر: كلا والله اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم.
5214 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال:
440

إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وأنا سائل عما يشرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما.
5215 - وبهذا الإسناد قال حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب خرج فصلى على الجنازة فسمعه السائب يقول:
إني وجدت من عبيد الله وأصحابه ريح شراب وأنا سائل عما شربوا فإن كان مسكرا حددتهم.
قال سفيان: فأخبرني معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد أنه حضره يحدثهم.
5216 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال:
لا أوتي بأحد شرب خمرا ولا نبيذا مسكرا إلا جلدته الحد.
5217 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر أن عمر بن الخطاب قال: إن يجلد قدامة اليوم فلن يترك أحد بعده وكان قدامة بدريا.
5218 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أيجلد في ريح الشراب؟
فقال عطاء: إن الريح ليكون من الشراب الذي ليس به بأس فإذا اجتمعوا جميعا على شراب واحد فسكر أحدهم جلدوا جميعا الحد تاما.
قال الشافعي:
وقول عطاء مثل قول عمر لا نخالفه لا نعرف إلا الإسكار في الشراب حتى يسكر منه واحد فنعلم أنه مسكر ثم يجلد الحد على شربه وإن لم يسكر صاحبه قياسا على الخمر.
441

5219 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قال لي بعض الناس الخمر حرام والسكر من كل شراب ولا يحرم المسكر حتى يسكر منه ولا يحد من شرب نبيذا مسكرا حتى يسكره.
فقيل لبعض من قال هذا القول كيف خالفت ما روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وثبت عن عمر، وروي عن علي ولم يقل أحد من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] خلافه قال: روينا فيه عن عمر أنه شرب فضل شراب رجل حده.
قلنا: رويتموه عن رجل مجهول عندكم لا تكون روايته حجة.
قال أحمد:
وهذا الحديث رواه الأعمش تارة عن أبي إسحاق عن عامر الشعبي عن سعيد بن ذي لعوة وتارة عن أبي إسحاق عن سعيد بن ذي جدان وابن ذي لعوة أن رجلا أتى سطيحة لعمر فشرب منها فسكر فأتى به عمر فاعتذر إليه وقال إنما شربت من سطيحك فقال عمر: إنما أضربك على السكر فضربه عمر.
ومن لا ينصف يحتج برواية سعيد بن ذي لعوة على ما قدمنا ذكره عن عمر وغيره.
5220 - أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي أخبرنا إسحاق الأصبهاني حدثنا أبو أحمد بن فارس قال قال محمد بن إسماعيل البخاري: سعيد بن ذي لعوة عن عمر في النبيذ يخالف الناس في حديثه لا يعرف.
وقال بعضهم: سعيد بن ذي جدان وهو وهم.
5221 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا محمد بن صالح حدثنا أحمد بن محمد بن الأزهر قال سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول:
كنت عند ابن إدريس - يعني عبد الله بن إدريس الكوفي وعنده جماعة فجرى ذكر المسكر / فحرمه الحجازيون وجعل أهل الكوفة يحتجون في تحليله إلى أن قال بعضهم:
حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن ذي لعوة في الرخصة.
فقال الحجازيون أو قال ابن إدريس:
442

والله ما تجيئون به عن المهاجرين والأنصار وأبنائهم وإنما تجيئون به عن العوران والعميان والعرجان والعمشان والحولان.
ورواه محمد بن نصر عن إسحاق عن عبد الله بن إدريس ببعض معناه وزاد: أين أنتم عن أبناء المهاجرين والأنصار.
حدثني محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
يقول:
((كل مسكر خمر وكل مسكر حرام)).
قال أحمد:
الأحاديث التي احتججنا بها أحاديث قد أجمع أهل العلم بالحديث على صحتها.
والأحاديث التي رويت في الكسر بالماء عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ثم عن عمر أسانيدها غير قوية فإجراء ما روينا عن ظاهرها وحمل ما رووا على الأمر بالكسر بالماء إذا خشي شدته قبل أن يشتد أولى.
فقد روي في بعض ألفاظها: فإن خشي شدته فليصبب عليه الماء وإن كان قد اشتد وبلغ حد الإسكار فقد ورد فيه ما:
5222 - أخبرنا أبو علي الروذباري في كتاب السنن لأبي داود قال أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا زيد بن واقد عن خالد بن عبد الله بن حسين عن أبي هريرة قال:
علمت أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعنه في دباء ثم أتيته به فإذا هو ينش فقال:
((اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر)).
443

تابعه عثمان بن غلاب عن زيد بن واقد وذكر فيه سماع خالد بن حسين من أبي هريرة.
وروي في معناه عن أبي موسى الأشعري وكيف يمكن حمل حديثا على تحريم مقدار ما يسكر والنبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((كل شراب أسكر فهو حرام)).
فعم / الشراب الذي يسكر بالتحريم وقال:
((كل مسكر خمر)).
فسماه خمرا ثم سماه حراما فقال:
((وكل مسكر حرام)).
فحرم بتحريمه ودخل بتسميته خمرا تحت قوله:
* (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) *.
ثم منع تأويل المتأولين وتحريف المحرفين فقال:
((ما أسكر كثيرة فقليله حرام)).
هكذا روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وفي حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره)).
444

5223 - وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا الأسفاطي - يعني عباس بن الفضل - حدثنا سعيد بن منصور عن مهدي بن ميمون عن أبي عثمان الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام)).
رواه أبو داود في كتاب السنن عن مسدد وموسى بن إسماعيل عن مهدي بن ميمون وأبو عثمان مولى الأنصار قاضي مرو: اسمه عمر بن سالم وقيل: عمرو قاله البخاري.
قال أحمد:
والأخبار المطلقة في النبيذ لا يحتج بها من عرف صفة أنبذتهم.
وروينا في الحديث الثابت عن عائشة أنها قالت:
كنا ننبذ لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] في سقاء يوكي أعلاه ينبذ غدوه فيشربه عشاء وينبذ عشيا فيشربه غدوة.
وفي رواية أخرى: فإن فضل شيء صببته.
وفي حديث عبد الله الديلمي عن أبيه قلنا - يعني للنبي [صلى الله عليه وسلم] - ما تصنع بالزبيب؟ قال:
((أنبذوه على غدائكم ولا تنتبذوه في القلل فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلا)).
وفي حديث يحيى بن عبيد الله البهراني قال: سئل ابن عباس عن الطلاء؟ فقال:
إن النار لا تحل شيئا ولا تحرمه.
قال: وكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ينبذ له الزبيب من الليل في السقاء / فإذا أصبح شربه
445

يومه وليلته ومن الغد فإذا كان مساء الثالث شربه أو سقاه الخدم فإن فضل شيء أهراقه.
5224 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن الأعمش عن يحيى بن عبيد أبي عمر البهراني فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق.
ورواه زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن عبيد في يومين.
ورواه شعبة عن يحيى واختلف عليه فقيل عنه: في يومين وقيل: في ثلاثة وكل ذلك دون الأيام التي يخشى فيها شدتها.
وعائشة أعلم بشرابه ومع روايتها رواية ابن الديلمي وعلى هذا الوجه كان ينبذ عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة.
وروينا عن زيد بن أسلم عن أبيه قال:
كان النبيذ الذي يشربه عمر كان ينقع له الزبيب غدوة فيشربه عشية وينقع له عشية فيشربه غدوة ولا يجعل فيه دردي.
وأما الذي روي عن عمر أنه أتى بشراب فوجدوه قد اشتد فقال: اكسروه بالماء.
فقد قال عبيد الله بن عمر: إنما كسر عمر النبيذ من شدة حلاوته.
قال أحمد:
والذي يدل على هذا أنه روي عن ابن عمر أن عمر انتبذ له في مزادة فذاقه فوجده حلوا.
446

والذي روي عن عمر أنه دعى بشراب فذاقة فقبض وجهه ثم دعى بماء فصب عليه ثم شرب.
فقد قال نافع: والله ما قبض عمر، وجهه عن الأداوة حين ذاقها إلا أنها تخللت.
وروينا عن ابن المسيب معناه.
وقال عتبة بن فرقد: كان النبيذ الذي يشربه عمر قد تخلل.
وأما الذي روي عن ابن عباس قال: حرمت الخمر بعينها القليل منها والكثير والسكر من كل شراب.
فالمراد به: والمسكر من كل شراب.
فكذلك رواه أحمد بن حنبل قال: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال:
حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب.
5225 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الوليد حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا أحمد بن حنبل فذكره.
وكذلك رواه موسى بن هارون عن أحمد وقال:
هذا هو الصواب عن ابن عباس.
فقد روي عنه طاوس وعطاء ومجاهد أنه قال:
ما أسكر كثيره فقليله حرام.
وفي العرنيين في تفسير السكر قال: هو خمر الأعاجم.
ويقال: لما أسكر السكر.
447

والذي روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((إشربوا ولا تسكروا)).
خطأ في الرواية والصحيح رواية ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الإسقية كلها ولا تشربوا مسكرا)).
والذي روي عن ابن مسعود: كل مسكر حرام هي الشربة التي تسكرك.
فإنما رواه الحجاج بن أرطأة عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود.
والحجاج لا يحتج به.
وذكر ذلك لعبد الله بن المبارك فقال: هذا باطل.
وإنما قال ذلك لأن المبارك يروي عن الحسن بن عمر الفقيمي عن فضيل بن عمرو عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: إذا سكر من شراب لم يحل له أن يعود فيه أبدا.
5226 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاقأخبرنا الحسن بن علي بن زياد حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: قال زكريا بن عدي.
لما قدم ابن المبارك الكوفة فذكر قصة وذكر فيها هذه الرواية.
فكيف يكون عند إبراهيم قول ابن مسعود هكذا ثم يخالفه؟
فدل على بطلان ما رواه الحجاج بن أرطأة.
وروينا عن ابن عباس في قوله:
448

* (تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) *.
قال: السكر ما حرم من ثمرتها والرزق الحسن ما حل من ثمرتها.
5227 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا منصور النضروي حدثنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو عوانة وأبو الأحوص وسفيان وشريك عن الأسود بن قيس عن عمرو بن سفيان عن ابن عباس فذكره.
وروينا عن سعيد بن جبير قال: السكر الحرام.
وقال مرة: الخمر والرزق الحسن الحلال.
وروينا عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي وابن رزين في قوله:
* (تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) *.
قالوا: هي منسوخة.
وعن مجاهد قال:
السكر الخمر قبل تحريمها والرزق الحسن طعامه.
وعن الشعبي أنه سئل عنها فقال: هذه مكية حرمت الخمر بعدها.
وعن قتادة قال: هي خمور الأعاجم ونسخت في سورة المائدة.
1094 - [باب]
من أقيم عليه حد أربع مرات ثم عاد له
5228 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن قبيصة بن أبي ذؤيب أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
449

((من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه)).
لا ندري بعد الثالثة أو الرابعة.
ثم أتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ووضع القتل وصارت رخصة.
هكذا في روايتهم.
وقال في موضع آخر في رواية أبي سعيد وحده يرفعه إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] ولم يذكر قول الزهري قال:
فأتي برجل فجلده ثم أتي به الثانية فجلده ثم أتي به الثالثة فجلده ثم أتي به الرابعة فجلده ووضع القتل فكانت رخصة.
وقال في روايتهم جميعا: قال سفيان: ثم قال الزهري لمنصور بن المعتمر ومخول كونا وافدي العراق بهذا الحديث.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد وحده:
والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره وهذا مما لا اختلاف فيه عند أحد من أهل العلم علمته.
5229 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
وقد بلغني عن الحارث بن عبد الرحمن وعنده أحاديث حسان ولم أحفظ عن أحد من أهل الرواية عنه إلا ابن أبي ذئب ولا أدري هل كان ممن يحفظ الحديث أولا.
وقد روى من حديث عمرو بن شعيب أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
450

((من أقيم عليه حد في شيء أربع مرات)) - أو ثلاث مرات أنا شككت - ثم أتي به الرابعة أو الخامسة قتل أو قطع)).
وروي من حديث / أبي الزبير:
((من أقيم عليه حد أربع مرات ثم أتي به الخامسة قتل)) ثم أتي النبي [صلى الله عليه وسلم] برجل قد أقيم عليه الحد أربع مرات ثم أتي به الخامسة فحده ولم يقتله
فإن كل شيء من هذه الأحاديث يثبت عن النبي [صلى الله عليه وسلم] فقد روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] نسخة بحديث أبي الزبير.
وقد روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثلهما ونسخة مرسلا.
فذكر حديث قبيصة بن ذؤيب عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وقد ذكرناه.
قال الشافعي:
فإن قال قائل: فهل في هذا حجة سوى ما وصفت؟
قيل: نعم. أخبرنا الثقة عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن عفان أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس)).
ثم بسط الكلام في الحجة فيه.
قال أحمد:
أما حديث الحارث بن عبد الرحمن:
فقد رويناه عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
451

((إذا سكر فاجلدون ثم إن كسر فاجلدوه ثم سكر فاجلدوه فإن عاد الرابعة فاضربوا عنقه)).
قال الزهري: فأتي النبي [صلى الله عليه وسلم] برجل سكران فضربه ثم أتي به فضربه ثم أتي به فضربه ثم أتي به فضربة.
5230 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا ابن أبي ذئب. فذكره.
وبمعناه رواه الشافعي في كتاب حرملة عن محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب وقال فيه:
قال ابن أبي ذئب فحدثني ابن شهاب أنه أتي به إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] بعد فجلده ولم يضرب عنقه.
5231 - أخبرنا أبو الحسن بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا ابن ناجية حدثنا محمد بن موسى الحرشي حدثنا زياد بن عبد الله حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إن شرب الشارب / فاضربوه فإن عاد فاضربوه فإن عاد فاضربوه فإن عاد الرابعة فاضربوا عنقه)).
فضرب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] النعمان أربع مرات فرأى المسلمون أن الحد قد وقع وأن القتل قد أخر ضرب النبي [صلى الله عليه وسلم] النعمان أربع مرات.
وبمعناه رواه محمد بن العلاء بن عبد الكافي اليامي عن أبي إسحاق.
ورواه معمر عن ابن المنكدر وعن زيد بن أسلم عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مرسلا.
1095 - [باب]
الخليطين
5232 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
452

الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب عن أمه وكانت قد صلت القبلتين:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عن الخليطين وقال:
((إنبذوا كل واحد منهما على حدته)).
5233 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى أن ينبذ التمر والبسر جميعا والتمر والزهو جميعا.
قال أحمد:
قد روينا في الحديث الثابت عن أبي قتادة:
أن [صلى الله عليه وسلم] نهى عن خليط البسر والتمر وعن خليط الزبيب والتمر وعن خليط الزهو والرطب وقال:
((أنبذوا كل واحد على حدته)).
ورويناه في حديث جابر بن عبد الله بمعناه.
قال الشافعي في كتاب الشهادات:
الخمر والعنب الذي لا يخالطه ماء ولا يطبخ بنار ويعتق حتى يسكر فتحريمها نص في كتاب الله عز وجل سكر أو لم يسكر وما سواهما من الأشربة من المتصنف والخليطين أو مما سوى ذلك مما زال أن يكون خمرا فإن كان يسكر كثيرة فمن شربه فهو عندنا مخطىء بشربه آثم به.
1096 - [باب]
الأوعية
5234 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو
453

العباس أخبرنا / الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خطب للناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن عمر فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا؟ قال قالوا:
نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى عن مالك.
5235 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان قال سمعت الزهري يقول سمعت أنسا يقول: نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن الدباء والمزفت أن ينبذ فيه.
5236 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا تنبذوا في الدباء والمزفت)).
قال: ثم يقول أبو هريرة:
واجتنبوا الحناتم والنقير.
رواه مسلم في الصحيح عن عمرو الناقد عن سفيان.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن الزهري عن أنس.
5237 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة:
454

أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت.
5238 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن ابن أبي أوفى قال: نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن نبيذ الأخضر والأبيض والأحمر.
أخرجه البخاري من وجه آخر عن أبي إسحاق الشيباني مختصرا.
5239 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان ينبذ له في سقاء وإن لم يكن فتور من حجارة.
أخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي الزبير.
5240 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن سليمان الأحول عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال:
لما نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن الأوعية قيل له: ليس كل الناس يجد سقاء فأذن لهم في الجر / غير المزفت.
سقط من إسناده أبو عياض.
5241 - وقد أخبرناه أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن سليمان الأحول عن مجاهد عن أبي عياض عن عبد الله بن عمرو بن العاص فذكره بنحوه.
أخرجاه من حديث سفيان.
5242 - وبإسناده حدثنا الشافعي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا إسحاق بن سويد عن معاذة عن عائشة قالت:
نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت.
455

لم أجد للشافعي رحمه الله كلاما على هذه الأخبار ولم يفصلها مما روينا قبلها في الخليطين وتحريم المسكر والحد فيه وكأنه سقط من الأصل.
وقد قال في كتاب البويطي:
ولا أكره من الآنية إذا لم يكن الشراب يسكر شيئا سمي بعينه.
وكأنه أراد ما رواه في حديث عبد الله بن عمرو وقد ثبتت الرخصة في الشرب من الأوعية بعد النهي عنه من غير استثناء إذا لم يشرب مسكرا.
5243 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن يونس حدثنا معرف بن واصل بن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن نهيتكم: عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكره ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا إلا في ظروف الأوم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا واستمتعوا بها أسفاركم)).
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث معرف بن واصل.
وروينا في حديث جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وغيرهما الرخصة في الأوعية.
1097 - [باب]
عدد حد الخمر
5244 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال:
/ رأيت النبي [صلى الله عليه وسلم] عام حنين يسأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت بين يديه
456

أسأل عن رحل خالد حتى أتاه جذعا وأتى النبي [صلى الله عليه وسلم] بشارب قال:
((أضربوه)).
فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب.
ثم قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((بكتوه)).
فبكتوه ثم أرسله قال فلما كان أبو بكر سأل من حضر ذلك المضروب فقومه أربعين فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر حتى تتابع الناس في الخمر فاستشار فضربه ثمانين.
قال أحمد:
وكذلك رواه هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر.
ورواه أسامة بن زيد عن الزهري قال أخبرني عبد الرحمن بن أزهر فذكر أوجز من ذلك قال: وحثا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] التراب لم يذكر التبكيت. قال: ثم أتي أبو بكر بسكران فتوخي الذي كان من ضربهم يومئذ فضرب أربعين.
قال الزهري: ثم أخبرني حميد بن عبد الرحمن عن ابن وبرة الكلبي قال:
أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر فأتيته ومعه عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وعلي وطلحة والزبير وهم معه متكئون في المسجد فقلت:
إن خالد بن الوليد أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام ويقول: أن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فيه فقال عمر:
هم هؤلاء عندك فسألهم.
فقال علي: نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون.
قال فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قال.
457

قال: فجلد خالد ثمانين وجلد عمر ثمانين.
قال وكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الزلة ضربه أربعين.
قال: وجلد عثمان أيضا ثمانين وأربعين.
5245 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا أسامة بن زيد فذكره.
وروى عن عقيل عن الزهري عن عبد الله بن عبد الرحمن / بن أزهر عن أبيه فذكر معنى حديث معمر وزاد: ثم جلد عثمان الحدين كلاهما ثمانين وأربعين.
5246 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلمي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال علي بن أبي طالب:
نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى. أو كما قال:
فجلده عمر ثمانين في الخمر.
قال أحمد:
ورواه يحيى بن فليح عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس.
5247 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن ابن علية عن سعيد عن عبد الله عن حصين بن المنذر أن عليا جلد الوليد أربعين في الخمر.
هكذا ذكره فيما ألزم العراقيين في خلاف علي.
5248 - وقد أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى حدثنا عمر بن إسحاق حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن علية
458

حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن عبد الله الداناج قال سمعت حضين بن المنذر الرقاشي يحدث قال: لما جيء بالوليد بن عقبة إلى عثمان وقد شهدوا عليه يشرب الخمر قال: لعلي دونك فأقم عليه الحد فأمر به علي فجلد أربعين جلدة ثم قال:
جلد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة.
5249 - أخبرناه عاليا أتم من ذلك أبو علي الروذباري حدثنا عبد الله بن عمر بن أحمد بن شوذب بواسط حدثنا شعيب بن أيوب حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن عبد الله الداناج عن حضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة قال: صلى الوليد بن عقبة بالناس الفجر أربعا وهو سكران فالتفت إليهم فقال: أزيدكم.
فرفع ذلك إلى عثمان بن عفان فقال له علي: أجلده فأمر بضربه فقال علي للحسن: يا حسن قم فاضربه. قال فيم أنت من ذلك؟
قال: لا بل ضعفت ووهنت وعجزت ثم قال: يا عبد الله بن جعفر فاضربه.
قال: فقام / إليه عبد الله بن جعفر فجعل يضربه وعلي يعد حتى بلغ أربعين.
فقال: كفاك أو كف ثم قال:
ضرب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أربعين وأبو بكر وعمر صدرا من خلافته أربعين ثم أتمها عمر ثمانين وكل سنة.
رواه مسلم في الصحيح عن علي بن حجر وغيره.
وأخرجه أيضا من حديث عبد العزيز بن المختار عن عبد الله بن فيروز الداناج وزاد: وهو أحب إلي: وقال أبو عيسى الترمذي سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: هو حديث حسن.
قال أحمد:
هذا حديث صحيح مخرج في مسانيد أهل الحديث ومخرجات أكثرهم في السنن والذي يدعى تسوية الأخبار على مذهبه لم يمكنه صرف هذا الحديث إلى ما وقته صحبه فأنكر الحديث أصلا واستدل على فساده بما جرى من الصحابة في حديث
459

شارب الخمر وأن عليا قال:
من شرب الخمر فجلدناه فمات وديناه لأنه شيء صنعناه.
وفي رواية رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لم يسن فيها شيئا وبأن عمر، وعليا جلدا ثمانين وإنهم أجمعوا على الثمانين فصار الحد موقتا بها في الخمر وقبل ذلك لم يكن موقتا وهذا الذي ذكر من إنكار الحديث وفساده غير مقبول منه فصحة الحديث إنما تعرف بثقة رجاله ومعرفتهم بما وجب قبول خبره وقد عرفهم حفاظ أهل الحديث وقبلوا حديثهم.
كيف وقد ثبت عن عثمان وعلي رضي الله عنهما في هذه القصة من وجه آخر لا يشك حديثي في صحته جلد أربعين.
5250 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا علي بن بحر بن بري حدثنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره فذكر قصة دخوله على عثمان وأنه كلمه في شأن الوليد بن عقبة قال فقال عثمان:
فأما ما ذكرت من شأن الوليد فسنأخذ فيه - إن شاء الله - بالحق فجلده أربعين سوطا وأمر علي بن أبي طالب أن يجلده.
/ أخرجه البخاري في الصحيح من حديث هشام بن يوسف.
وهذا وإن كان موقوفا ففيه قوة حديث حضين بن المنذر وهو يوافقه في اجتماع عن عثمان وعلي رضي الله عنهما على جلد أربعين وأنه يجوز الاقتصار على الأربعين بعد ما أشير على عمر بالثمانين.
وفي حديث حضين زيادة سند وقد وافقه على ذلك قتادة عن أنس وذلك فيما.
5251 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو عمرو الحيري قال أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن هشام عن قتادة عن أنس:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين وأبو بكر ضرب أربعين فلما ولي عمر سئل عن ذلك فشاورهم عمر.
460

فقال ابن عوف: أرى أن تضربه ثمانين فضربه ثمانين.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة.
ورواه همام بن يحيى عن قتادة عن أنس:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أتي برجل قد سكر قال: فأمر قريبا من عشرين رجلا فجلده كل رجل جلدتين بالجريد والنعال.
وهذا يوافق رواية هشام في العدد وهذا القائل ذكر هذا الحديث من وجه آخر بلفظ آخر محتجا به في أنه لم يكن فيه جلد معلوم حتى كان زمن عمر رضي الله عنه.
وإذا كان أنس بن مالك يخبره في رواية بأنه جلده بجريدتين نحو الأربعين وفي روايتنا بأنه كان يضرب أربعين وأبو بكر ضرب أربعين وعلي.
وفي الحديث الأول يخبر بأنه جلد أربعين وأبو بكر الصديق سأل من حضره فقومه أربعين وجلد هو أربعين وجلد عمر صدرا من خلافته أربعين.
وحين تكلم فيه أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] لم ينكروا جلد أربعين وقال فيه سائلهم: إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فيه يعني العقوبة المعهودة المعروفة بينهم وهي أربعون أفلا يكون هذا معلوما ولئن صار الثمانون حدا معلوما بتوقيت الصحابة في أيام عمر فلم لم تصير الأربعون حدا معلوما بتقويم الصحابة في / أيام أبي بكر وتحريهم في ذلك أمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وفعل أصحابه بين يديه بل هذا أولى أن يكون حدا موقتا بتوقيتهم فلم يعدل عنه أبو بكر حياته.
وقد روينا عن عمر أنه بعد توقيتهم إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الزلة ضربه أربعين وجلد عثمان بعده ثمانين وجلد أربعين وجلد علي أربعين. وكل هذا يدل على أن الحد الموقت في الخمر أربعون وأنهم لم يوقتوه بالثمانين حدا وأن الزيادة التي زادوها إنما هي على وجه التعزيز وقد أشار علي إلى علة التعزيز فيما أشار به على عمر، وفي قول علي رضي الله [عنه] فيمن مات في حد الخمر
461

وديناه ودليل بين على أنها لم يجتمعوا على الثمانين حدا إذ لو كانوا وقتوه بالثمانين لم يجب فيمن مات منه دية وإنما أراد - والله أعلم - عندنا إذا مات في الأربعين الزائدة.
وقوله فإن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لم يسنه يعني: لم يسن فوق الأربعين أو لم يسن ضربه بالسياط وقد سنه بالجريد والنعال وأطراف الثياب.
ونحن هكذا نقول لا نخالف منه شيئا بتوفيق الله وبعصمته.
والذي يحتج به في إبطال حديث ابن المنذر لا يقول به ولا يرى فيمن مات منه دية.
وهذا دأبه في بعض ما لا يقول به من الأحاديث الصحيحة يجتهد في إبطاله بحديث آخر فإذا نظرنا في ذلك الحديث الآخر وجدناه لا يقول به أيضا.
فكيف يحتج به في إبطال غيره؟
فإن قال روي عن علي أنه جلد الوليد بالمدينة بسوط له طرفان أربعين فيكون ذلك ثمانين. وذكر ما:
5252 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي: أن علي بن أبي طالب جلد الوليد بسوط له طرفان.
5253 - وأخبرنا أبو سعيد - في موضع آخر - حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة. فذكره وذكر فيه: أربعين.
قلنا: هذا حديث منقطع.
وقد / روينا في الحديث الثابت أنه أمر به فجلد أربعين جلدة.
وهذا يشبه أن لا يخالفه أن يكون جلده بكل طرف عشرين فيكون الجميع أربعين.
وهذا هو المراد بما روي في حديث شعبة عن قتادة عن أنس:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو الأربعين.
462

أي بهما صار العدد أربعين.
وذلك بين في رواية همام عن قتادة وقد مضى ذكره ولأنه خالف بينه وبين ما أشار به عبد الله على عمر ولو كان المراد بالأول ثمانين لم يكن بينهما مخالفه وكذلك علي رضي الله عنه لما جلد الوليد بهذا السوط إن كان ثابتا أربعين.
قال في الحديث الثابت: جلد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة.
وقال في رواية عبد العزيز بن المختار: وهذا أحب إلي: فلولا أنه اقتصر على الأربعين لم يقل وهذا أحب إلي - والله أعلم -.
1098 - [باب]
خطأ السلطان في غير حد وجب لله عز وجل
5254 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
الحد فرض على السلطان أن يقوم به إن تركه كان عاصيا بتركه فأبطلت ما تلف بالحد والأدب أمر لم يبح له إلا بالرأي وحلال له تركه.
ألا ترى أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قد ظهر على قوم أنهم قد غلوا في سبيل الله فلم يعاقبهم ولو كانت العقوبة تلزم لزوم حد ما تركهم كما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، وقطع امرأة لها شرف فكلم فيها [فقال]: ((لو سرقت فلانة - لامرأة شريفة - لقطعت يدها)).
ثم جعله شبيها بالرجل يرمي الصيد أو الغرض ولا يرى إنسانا ولا نيالا لإنسان فأصابت الرمية إنسانا أو شاة لإنسان ضمن.
بل العقوبة أولى أن تكون مضمونة إن جاء منها تلف لأنه لا يختلف أحد في أن الرمية مباحة وقد يختلف الناس في العقوبات / فيكرهها بعضهم ويقول بعضهم لا يبلغ بها كذا ولا يزاد فيها على كذا.
463

ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وقد قال علي بن أبي طالب.
ما من أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئا لأن الحق قتله إلا المحدود في الخمر فإنه شيء أحدثناه بعد النبي [صلى الله عليه وسلم] فمن مات فيه فديته - لا أدري قال: في بيت المال أو على الذي حده - شك الشافعي - قال: وبلغنا أن عمر بن الخطاب بعث إلى امرأة في شيء بلغه عنها فذكرها ففزعت فأسقطت فاستشار في سقطها فقال علي كلمة لا أحفظها أعرف أن بمعناها أن عليه الدية.
فأمر عمر عليا أن يضربها على قومه.
قال الشافعي:
وقد كان لعمر أن يبعث وللإمام أن يحد في الخمر عند العامة فلما كان في البعثة تلف على المبعوث إليها أو على ذي بطنها فقال علي وقال عمر أن عليه مع ذلك الدية.
كان الذي نراهم ذهبوا إليه إنه وإن كانت له الرسالة فعليه أن لا يتلف بها أحد فإن تلف ضمن وكان المأثم - إن شاء الله - موضوعا.
5255 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن علي بن يحيى عن الحسن أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
[ما] من أحد يموت في حد من الحدود فأجد في نفسي منه شيئا إلا الذي يموت في حد الخمر فإنه شيء أحدثناه بعد النبي [صلى الله عليه وسلم] فمن مات منه فديته:
_ إما قال - في بيت المال - وإما - على عاقلة الإمام.
464

أشك - يعني الشافعي رحمه الله -.
قال أحمد:
وإنما أراد - والله أعلم - فيما أحدثوه من الزيادة على الأربعين على وجه التعزير.
1099 - [باب]
الختان واجب
روينا في الحديث الثابت عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((اختتن إبراهيم النبي [صلى الله عليه وسلم] وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم)).
قلنا وقد قال الله عز وجل:
* (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) *.
وروينا في حديث ابن جريج قال أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
قد أسلمت فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((ألق عنك شعر الكفر واختتن)).
يقول احلق. قال: وأخبرني آخر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا خير معه ألق عنك شعر الكفر واختتن)).
5256 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج فذكره.
465

وفي حديث عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس - قال أحمد: وليس بالفهري - قال:
كانت بالمدينة امرأة تخفض الجواري يقال لها: أم عطية فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((يا أم عطية اخفضي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج)).
5257 - أخبرناه أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان حدثنا عبد الله بن أبي مسلم الحراني حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو قال حدثني رجل من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس قال:
كانت: فذكر الحديث.
ورواه مروان بن محمد عن محمد بن حسان الكوفي - وهو مجهول - عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية أن امرأة كانت تختن: فذكره.
وروينا عن ابن عباس:
الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء.
ولا يثبت رفعه.
ورواه الحجاج بن أرطأة من وجهين آخرين مرفوعا ولا يثبت.
والله أعلم.
1100 - [باب]
ما جاء في صفة السوط وغير ذلك
5258 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم: أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا فدعا له رسول الله [صلى الله عليه وسلم]
466

بسوط فأتي بسوط مكسور فقال:
((فوق هذا)).
فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال:
((بين هذين)).
فأتي بسوط قد ركب به فلان فأمر به فجلد.
/ ثم قال:
((أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله فمن أصاب منكم من هذه القاذورة شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)).
قال الشافعي رحمه الله:
هذا حديث منقطع ليس مما يثبت به هو نفسه حجة وقد رأيت من أهل العلم عندنا من يعرفه ويقول به فنحن نقول به.
قال أحمد:
وروينا عن أبي عثمان النهدي قال:
أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل في حد فأتي بسوط فيه شدة فقال: أريد ألين من هذا. ثم أتي بسوط فيه لين فقال أريد أشد من هذا. فأتي بسوط بين السوطين فقال: اضرب ولا يرى ابطك وأعط كل عضو حقه.
5259 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران وأبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي ببغداد قالا: حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البحتري حدثنا أحمد بن الوليد النحام حدثنا حجاج بن محمد الأعور قال قال ابن جريج أخبرني أبو
467

الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:
نهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن الضرب في الوجه.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث حجاج.
وروينا عن علي رضي الله عنه أنه قال للجالد: أضربه واعط كل عضو حقه واتق وجهه ومذاكيره. قال ودع يديه يتق بهما.
وفي حديث يحيى بن الجزار: أن عليا رضي الله عنه كان يقول:
يضرب الرجل قائما والمرأة قاعدة.
وقد حكاه الشافعي رحمه الله عن بعض العراقيين عن علي رضي الله عنه.
5260 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أشياخه: أن عليا جلد امرأة في الزنا وعليها درع حديد.
قال الشافعي رحمه الله:
وكذلك يقول المفتون.
قال أحمد:
وروي في الجلد في ثوب واحد وترك التجريد عن عثمان وأبي عبيدة بن الجراح وابن مسعود والمغيرة بن شعبة.
وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بضرب امرأة في حد فقال: / إضرباها ولا تخرقا جلدها.
1101 - [باب]
التعزيز
5261 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما
468

بلغه عن أبي بكر بن عياش قال حدثني أبو حصين عن عامر الكاهلي قال:
كنت عند علي رضي الله عنه إذ أتي برجل فقال:
ما شأن هذا؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين وجدناه تحت فراش امرأة.
فقال: لقد وجدتموه على نتن فانطلقوا به إلى نتن مثله فمرغوه فيه، فمرغوه في عذره وخلى سبيله.
قال الشافعي:
وهم يخالفون هذا ويقولون يضرب ويرسل وكذلك قول المفتين.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي رضي الله عنه.
5262 - وبإسناده قال قال الشافعي عن رجل عن شعبة عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله:
أنه وجد امرأة مع رجل في لحافها على فراشها فضربه خمسين فذهبوا فشكوا ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال:
لم فعلت ذلك؟ قال: لأني أرى ذلك.
قال: وأنا أرى ذلك.
قال الشافعي رحمه الله.
وأصحابنا يذهبون إلى أنه يبلغ بالتعزيز هذا وأكثر منه إلى ما دون الثمانين بقدر الذنوب وهم لا يقولون لا يبلغ بالتعزيز في شيء أربعين فيخالفون ما رووا عن عمر، وابن مسعود.
قال أحمد:
وبهذا الذي حكاه عنهم أجاب في موضع آخر قال في رواية المزني:
وقد روى مسعر بن كدام حديثا منقطعا عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين)).
469

قال أحمد:
وهذا فيما رواه أبو داود الحفري عن مسعر عن الوليد عن الضحاك عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مرسلا.
وروى من وجه آخر عن مسعر عن خاله الوليد بن عبد الرحمن عن النعمان بن بشير عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب:
أن لا يبلغ في التعزيز أدنى الحدود أربعين سوطا.
وأحسن ما يصار إليه في / هذا ما ثبت عن بكير بن الأشج قال:
كنا جلوسا مع سليمان بن يسار فجاءه عبد الرحمن بن جابر فكلمه ثم انصرف فقال حدثني عبد الرحمن بن جابر عن أبيه عن أبي بردة بن نيار الأنصاري قال سمعت النبي [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله)).
5263 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو النضر الفقيه قال حدثنا أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي قال حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي بمصر قال حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله فذكره.
رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن سليمان.
ورواه مسلم عن أحمد بن عيسى عن ابن وهب.
470

وهذا حديث ثابت أقام إسناده عمرو بن الحارث فلا يضره تقصير من قصر به.
1102 - [باب]
الحدود كفارات
5264 - أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى وأحمد بن الحسن القاضي ومحمد بن موسى بن الفضل قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي إدريس عن عبادة بن الصامت قال:
كنا مع النبي [صلى الله عليه وسلم] في مجلس فقال:
((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا)).
وقرأ عليهم الآية وقال:
((فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
قال الشافعي في روايتنا عن محمد بن موسى:
لم أسمع في الحدود حديثا أبين من هذا.
وقد روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((وما يدريك لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب)).
وهو يشبه هذا وهو أبين منه وقد روي عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] / حديث معروف عندنا وهو غير متصل الإسناد فيما أعرفه وهو أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
471

((من أصاب منكم من هذه القاذورة شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)).
قال الشافعي:
وروي أن أبا بكر على عهد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أمر رجلا أصاب حدا بالاستتار وأن عمر أمر به.
وهذا حديث صحيح عنهما.
ونحن نحب لمن أصاب الحد أن يستتر وأن يتقي الله ولا يعود لمعصية الله فإن الله يقبل التوبة عن عبادة.
قال أحمد:
حديث زيد بن أسلم عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في الأمر بالاستتار قد مضى في أول الكتاب.
وروي معنى هذا اللفظ في حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] موصولا.
وحديث أبي بكر وعمر في الاستتار في باب الاعتراف بالزنى.
وروينا في الستر على أهل الحدود حديث نعيم بن هزال أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((يا هزال لو سترته بثوبك كان خيرا لك مما صنعت)).
وعن عقبة بن عامر أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة من قبرها)).
472

وروينا عن عبد الله بن عمرو أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب)).
5265 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((تجافوا لذوي الهيئات عثراتهم)).
قال الشافعي:
سمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث ويقول:
يتجافى للرجل ذي الهيئة عن عثرته ما لم يكن حدا.
أزاد أبو عبد الله وأبو سعيد في روايتهما قال الشافعي:
وذوو / الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون الشر فيزل أحدهم الزلة.
قال أحمد:
قد رواه عبد الملك بن زيد عن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا حدا من حدود الله)).
473

5266 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا ابن عبد الحكم حدثنا ابن أبي فديك قال حدثني عبد الملك بن زيد فذكره.
هكذا رواه جماعة عن ابن أبي فديك.
ورواه جماعة دون ذكر أبيه فيه.
وكذلك أبو بكر بن نافع عن محمد عن عمرة.
قال أحمد:
وإنما أراد بهذا والله أعلم الأئمة يقيلون ذوي الهيئات عثراتهم ما لم يكن حدا فإذا كان حدا وبلغ الإمام فلا يدعه ولا ينبغي لأحد أن يشفع فيه.
5267 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة:
أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها قالوا: ومن يجترىء إلا أسامة بن زيد حب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فكلمه أسامة فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
((يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله عز وجل))؟
ثم قام فاختطب فقال:
((إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها)).
474

أخرجاه في الصحيح من حديث الليث.
وأشار إليه الشافعي فيما مضى.
5268 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن بشير بن ذعلوق عن خليد العوزي أن رجلا أقر عند علي - أظنه بحد - فجهد عليه أن يخبره ما هو فأبى فقال: أضربوه حتى ينهاكم.
قال الشافعي:
وهم يخالفون هذا / أورده في إلزام العراقيين في خلاف علي.
ولعله أقر بحد هو حق لآدمي.
وقد روينا في الحديث الثابت عن أنس: أن رجلا قال يا رسول الله إني قد أصبت حدا فأقم علي كتاب الله. قال.
((أليس قد صليت معنا))؟
قال: نعم. قال؟
((فإن الله قد غفر لك ذنبك)).
1103 - [باب]
قتال أهل الردة وما أصيب في أيديهم
5269 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في المرتدين: على المسلمين أن يبدأوا بجهادهم وما أصاب أهل الردة للمسلمين فالحكم عليهم كالحكم على المسلمين لا يختلف في العقل والقود وضمان ما يصيبون فإن قيل:
فما صنع أبو بكر رضي الله عنه في أهل الردة؟
قيل: قال لقوم جاءوه تائبين: تدون قتلانا ولا ندري قتلاكم. فقال عمر:
475

لا نأخذ لقتلانا دية.
قال الشافعي:
وإذا ضمنوا الدية في قتل غير متعمدين كان عليهم القصاص في قتلهم متعمدين.
وقال في موضع آخر:
في قول عمر لا نأخذ لقتلانا دية:
قد يجب الشيء للرجل فيدعه طلب الثواب ولم يرو عنهما أن أحدا طلب وأقام بينه على القاتل بعينه فلم يعط حقه فلا يدع ما ثبت من أصل القصاص بلعل قال: وقد قيل:
لا يقص منهم ولا يتبعوا بشيء إلا أخذ ما كان قائما في أيديهم.
ومن قال بهذا احتج بترك عمر إياهم.
5270 أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قد ارتد طليحة فقتل ثابت بن أقرم وعكاشة بن محصن ثم أسلم فلم يقد بواحد منهما ولم يؤخذ منه عقل لواحد منهما.
قال أحمد:
حديث أبي بكر وعمر، وقولهما حين جاءه وفد بزاخة.
قد رويناه في حديث قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب.
وحديث طليحة وصاحبيه قد رويناه عن الزهري وذكره الواقدي بإسناده.
1104 - [باب]
منع الرجل نفسه وحريمه
5271 - / أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد بن
476

عمرو بن نفيل أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((من قتل دون ماله فهو شهيد)).
5272 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عن عمرو بن شعيب عن أبيه أو بعض أهله عن عبد الله بن عمرو أن معاوية أو بعض الولاة بعث إلى الوهط ليقبضه فلبس ابن عمرو سلاحه وجمع من أطاعه وجلس على بابه فقيل أتقاتل؟
قال: وما يمنعني أن أقاتل وقد سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول:
((من قتل دون ماله فهو شهيد)).
5273 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن الحكم حدثنا محمد بن أبي السري حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
' من قتل دون ماله فهو شهيد '.
قال أحمد:
والحديث ثابت من جهة سليمان الأحول عن ثابت مولى عمر بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن جهة عكرمة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروينا في حديث سعيد بن زيد:
((من قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد)).
477

1105
ما يسقط القصاص من العمد
:
5274 - أخبرنا أبو عبد لله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج - قال الربيع أظنه عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن يعلى بن أمية قال: غزوت مع النبي [صلى الله عليه وسلم] غزوة قال: وكان يعلى يقول: وكانت تلك الغزوة أوثق عملي في نفسي قال عطاء قال صفوان قال يعلى: كان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما يد الآخر فانتزع المعضوض يده من في العاض فذهبت إحدى ثنيتيه فأتى النبي [صلى الله عليه وسلم] فأهدر ثنيته.
قال عطاء: وحسبت أنه قال: قال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
/ ((أيدع يده في فيك فتقضمها كأنها في في فحل يقضهما)).
قال عطاء: وقد أخبرني صفوان أيهما عض فنسيته.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من أوجه عن ابن جريج.
5275 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج أن ابن أبي مليكة أخبره أن أباه أخبره إن إنسانا جاء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعضه إنسان فانتزع يده منه فذهبت سنته فقال أبو بكر:
بعدت سنه.
1106 - [باب]
الرجل يجد مع امرأته الرجل فيقتله
5276 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن سعدا قال:
478

يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء.؟
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((نعم)).
5277 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: أن رجلا من أهل الشام يقال له ابن خيبري وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلها فأشكل على معاوية القضاء فيها فكتب معاوية إلى أبي موسى يسأل له عن ذلك علي بن أبي طالب فسأل أبو موسى عن ذلك علي بن أبي طالب فقال له علي بن أبي طالب:
أن هذا لشيء ما هو بأرضنا عزمت إليك لتخبرني فقال أبو موسى كتب إلي في ذلك معاوية.
فقال علي: أنا أبو حسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.
5278 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي فيما بلغه عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي المغيرة في قوم دخلوا على امرأة في دار قوم فخرج إليهم
بعض أهل الدار فقتلوهم فأصبحوا وقد جاءت عشائرهم إلى علي فرفعوهم إليه.
فقال علي: وما جمع هؤلاء في دار واحدة ليلا وقال بيده فقلبها ظهر البطن ثم قال:
لصوص قتل بعضهم بعضا قوموا فقد أهدرت دمائهم.
فقال الحسن إن أضمن / هذه الدماء.
فقال: أنت أعلم بنفسك.
479

قال الشافعي:
وليسو يقولون بهذا.
أما نحن فنروي عن علي أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله فسئل علي فقال:
إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.
أخبرنا بذلك مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب.
وبهذا نقول نحن وهم إلا أنهم يقولون في اللص يدخل دار رجل فيقتله.
ينظر إلى المقتول فإن لم يكن يعرف باللصوصية قتل القاتل وإن كان عرف باللصوصية درأ عن القاتل القتل وكانت عليه الدية.
وهذا خلاف ما رواه عن علي كله.
قال في موضع آخر فيما قرأنا على أبي سعيد قال:
روينا عن عمر بن الخطاب أنه أهدره. فقلت له:
قد روي عن عمر بن الخطاب أنه أهدره وقال: هذا قتيل الله والله لا يؤدي أبدا.
5279 - أخبرناه أبو محمد بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعدان بن نصر حدثنا سفيان عن الزهري عن القاسم بن محمد عن عبيد بن عمير:
أن رجلا أضاف ناسا من هذيل فذهبت جارية لهم تحتطب فأرادها رجل منهم عن نفسها فرمته بفهر فقتلته فرفع ذلك إلى عمر فقال:
ذاك قتيل الله والله لا يؤدي أبدا.
قال الشافعي:
وهذا عندنا من عمر أن البينة قامت عنده على المقتول أو على أن ولي المقتول أقر عنده بما يوجب له أن يقتل المقتول.
قال الشافعي:
480

وأنت تخالف ظاهره عمر لم يسل أن يعرف المقتول بالزنى أو لا ولم يجعل فيه دية وأنت تجعل فيه دية قال فإني إنما قسته على حكم لعمر بن الخطاب.
روى عمرو بن دينار أن عمر كتب في رجل من بني شيبان قتل نصرانيا من أهل الحيرة: إن كان القاتل معروفا بالقتل فاقتلوه وإن كان غير معروف بالقتل فدوه ولا تقتلوه.
فقلت: وهذا غير ثابت عن عمر، وإن كان ثابتا عندك أفتقول به؟ قال: لا بل يقتل القاتل للنصراني كان معروفا بالقتل أو غير معروف به.
قلت له: أو يجوز لأحد / ينسب إلى شيء من العلم أن يزعم أن قضية رواها عن رجل ليست عنده كما قضى به ثم يقيس عليها؟
قال الشافعي:
وقلت له: ويخطىء القياس الذي رويت عن عمر أنه أمر أن ينظر في حال القاتل أمعروف بالقتل فيقاد منه أو غير معروف به. فرفع عنه القود.
وأنت لم تنظر في السارق إلى القاتل إنما نظرت إلى المقتول.
وبسط الكلام في هذا.
1107 - [باب]
التعدي والاطلاع
5280 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لو أن إمرءا أطلع عليك بغير إذن فحذقته بحصاه ففقأت عينه ما كان عليك جناح)).
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
481

5281 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان حدثنا الزهري قال سمعت سهل بن سعد يقول:
أطلع رجل من جحر في حجرة النبي [صلى الله عليه وسلم] ومع النبي [صلى الله عليه وسلم] مدرى يحك به رأسه فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)).
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
5282 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان في بيته رأى رجلا اطلع عليه فأهوى له بمشقص في يده كأنه لو لم يتأخر لم يبال أن يطعنه.
ورواه أيضا عبد الله بن أبي بكر عن أنس.
ومن ذلك الوجه أخرجاه في الصحيح.
ورواه إسحاق بن عبد لله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك وزاد فيه: فقال له النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أما أنك لو ثبت / ففقأت عينيك)).
وروينا عن عبد الرحمن بن أبي عتيق عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لو أن رجلا أطلع في بيت رجل ففقأ عينه ما كان عليه فيه شيء)).
482

5283 - أخبرناه أبو الحسن بن الفضل القطان أخبرنا أحمد بن كامل القاضي حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي حدثنا أيوب بن سليمان حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن أبي عتيق فذكره.
5284 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا العباس بن الوليد النرسي حدثنا معاذ بن هشام.
قال: وحدثنا محمد بن المعلى الشونيزي والحسن بن إسماعيل وجماعة قالوا:
حدثنا عمرو بن علي حدثنا معاذ بن هشام قال أخبرني أبي عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لو أن رجلا أطلع على جاره فحذف عينه بحصاة فلا دية ولا قصاص)).
وهذا إسناد صحيح.
قال ابن المنذر: وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال:
من اطلع على جاره فأصابته جراحة فلا شيء عليه.
1108 - [باب]
الضمان على البهائم
5285 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((العجماء جرحها جبار)).
483

قال الشافعي في القديم:
أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((والعجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس)).
5286 - أخبرناه أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان ومالك بن أنس بهذا الحديث.
أخرجه / البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
وأخرجه مسلم من حديث سفيان.
5287 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ بأسدأباذ حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر بمصر حدثنا إبراهيم بن محمد بن أيوب قال سمعت الشافعي يقول:
أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار)).
زاد فيه في موضع آخر:
((في الركاز الخمس)).
5288 - وأخبرنا إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك فذكره بنحوه غير أنه لم يقل: ((جرحها)).
قال أبو عبد الله: هذا حديث غريب لمالك ليس في الموطأ ولا في المبسوط.
484

قال أحمد:
هو في المبسوط في مسألة الركاز من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد مختصرا في الركاز.
5289 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا لقوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها.
5290 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا أيوب بن سويد حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن حرام بن محيصة عن البراء بن عازب:
أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل من الأنصار فأفسدت فيه فقضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على أهل الحوائط حفظها بالنهار وعلى أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل.
وهكذا رواه أبو داود عن محمود بن خالد عن الفريابي عن الأوزاعي.
وكذلك رواه الرمادي وغيره عن محمد بن مصعب عن الأوزاعي.
وكذلك رواه معاوية بن هشام ومؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن / عبد الله بن عيسى عن الزهري موصولا بذكر البراء فيه.
5291 - وأخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب وحرام بن سعد بن محيصة:
أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت فقضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: أن على أهل الأموال حفظ أموالهم بالنهار وعلى أهل الماشية ما أفسدت مواشيهم بالليل. - أو قال - ما أصابت مواشيهم.
485

قال الشافعي في رواية حرملة:
رواه غير سفيان بن عيينة عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه.
قال أحمد:
رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على أهل المواشي حفظها بالليل وعلى أهل الأموال حفظها بالنهار.
5292 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن علي المقري عن الحسن بن عبد الأعلى البوسي أخبرنا عبد الرزاق فذكره.
وقد رواه أبو داود في كتاب السنن عن أحمد بن محمد بن ثابت المروزي عن عبد الرزاق.
فقد صح وصل الحديث من هذين الوجهين.
فالذين وصلوه ثقات وانضم إليهما مرسل سعيد بن المسيب من حديث ابن عيينة عن الزهري عن سعيد ومرسل أبي أمامة بن سهل بن حنيف من حديث ابن جريج عن الزهري عن أبي أمامة وهما من أكابر التابعين.
ورواه إبراهيم بن طهمان عن محمد بن ميسرة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن البراء بن عازب موصولا.
وكان شريح القاضي يضمن ما أفسدت الغنم بالليل ولا يضمن ما أفسدت بالنهار ويتأول هذه الآية:
* (وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم) *.
ويقول: كان النفش بالليل.
ولا تجوز دعوى النسخ في حديث البراء بحديث: ((العجماء جبار)).
من غير / تاريخ ولا سبب يدل على النسخ والحكم في الحديثين على ما قال
486

صاحبنا رحمه الله وهو فيما:
5293 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
فأخذنا به - يعني بحديث البراء بن عازب - قضاء لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله ولا يخالف هذا الحديث حديث ((العجماء جرحها جبار)) ولكن ((العجماء جرحها جبار)) جملة من الكلام العام المخرج الذي يراد به الخاص فلما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] العجماء جرحها جبار وقضى فيما أفسدت العجماء بشيء في حال دون حال دل ذلك على أن ما أصابت العجماء من جرح وغيره في حال جبار وفي حال غير جبار.
وفي هذا دليل على أنه إذا كان على أهل العجماء حفظها ضمنوا ما أصابت وإذا لم يكن عليهم حفظها لم يضمنوا شيئا مما أصابت.
فيضمن أهل الماشية السائمة بالليل ما أصابت من زرع ولا يضمنونه بالنهار.
ويضمن القائد والراكب والسائق لأن عليهم حفظها في تلك الحال ولا يضمنون لو انفلتت.
ثم بسط الكلام في ذكر نظائرها.
قال الشافعي في موضع آخر فيما:
5294 - أنبأني أبو عبد الله إجازة بإسناده.
وأما ما روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] من: ((الرجل جبار)).
فهو غلط - والله أعلم - لأن الحفاظ لم يحفظوا هكذا.
قال أحمد:
الأمر فيه على ما قال الشافعي وذلك لأن حديث أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم] ((في العجماء جبار)).
487

رواه مالك بن أنس وابن جريج والليث بن سعد ومعمر وعقيل وسفيان بن عيينة وغيرهم عن الزهري فلم يذكر فيه أحد منهم ((الرجل جبار)) إلا سفيان بن حسين فإنه رواه عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
5295 - أخبرنا أبو سعيد الماليني أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا أحمد بن الحسين الصوفي حدثنا داود بن رشيد حدثنا عباد بن العوام حدثنا سفيان بن حسين فذكره.
قال أبو أحمد: لم يأت به عن الزهري غير سفيان بن حسين فيما علمت.
وقال أبو / الحسن الدارقطني الحافظ فيما:
5296 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه:
لم يتابع سفيان بن حسين على قوله: ((الرجل جبار)) أحد وهو وهم لأن الثقات خالفوه ولم يذكروا ذلك.
قال أحمد:
وروي ذلك من وجه آخر عن أبي هريرة وهو وهم قاله الدارقطني فيما:
5297 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه.
قال أحمد:
وإنما تعرف هذه اللفظة من حديث أبي قيس عبد الرحمن بن مروان عن هزيل بن شرحبيل عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مرسلا.
ورواه قيس بن الربيع موصولا بذكر أبن مسعود فيه.
وقيس لا يحتج به. وأبو قيس أيضا غير قوي فالله أعلم.
وقد روى أبو جزي نصر بن طريف عن السري بن إسماعيل عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
488

((من أوقف دابة في سبيل من سبل المسلمين أو أسواقهم فأوطئت بيد أو رجل فهو ضامن)).
وهذا لا يصح أبو جزي والسري ضعيفان.
1109 - [باب]
أخذ الولي بالولي
قال الشافعي رحمه الله:
قال الله جل ثناؤه:
* (أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى) *.
5298 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن أبحر عن إياد بن لقيط عن أبي رمثة قال:
دخلت مع أبي على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((من هذا))؟
قال: ابني يا رسول الله أشهد به فقال له النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه)).
5299 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس قال: كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال الله عز وجل:
489

* (وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى) *.
قال الشافعي:
والذي سمعت - والله أعلم - في قول الله عز وجل:
* (ألا تزر وازرة وزر أخرى) *.
أن لا يؤخذ أحد بذنب / غيره في بدنه لأن الله جزى العباد على أعمال أنفسهم وعاقبهم وكذلك أموالهم لا يجني أحد على أحد في مال إلا حيث خص رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بأن جناية الخطأ من الحر على الآدميين على عاقلته.
وبسط الكلام في شرحه.
وبالله التوفيق.
490

بسم الله الرحمن الرحيم
40 - كتاب السير
5300 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله قال:
قال الله جل ثناؤه:
* (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) *.
قال الشافعي:
خلق الله الخلق لعبادته.
قال أحمد:
يعني خلق من يعبده لعبادته.
وروي معنى ذلك عن سعيد بن المسيب.
قال الشافعي:
ثم أبان جل ثناؤه أن خيرته من خلقه أنبياؤه فقال:
* (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) *.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ثم اصطفى محمدا [صلى الله عليه وسلم] من خير آل إبراهيم وأنزل كتبه قبل إنزاله الفرقان على
491

محمد [صلى الله عليه وسلم] بصفة فضيلته وفضيلة من تبعه فقال:
* (محمد رسول الله والذين معه) * إلى قوله: * (ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فأذره) * الآية.
وقال لأمته:
* (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * الآية.
ثم أخبر جل ثناؤه أنه جعله فاتح رحمته عند فترة رسله فقال:
* (يآ أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جآءنا من بشير ولا ندير فقد جآءكم بشير ونذير) *.
وقال: * (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) * الآية.
وكان في ذلك ما دل على أنه بعثه إلى خلقه لأنهم كانوا أهل كتاب وأميين وأنه فتح به رحمته وختم به نبتوه فقال:
* (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) *.
وقضى أن يظهر دينه على الأديان فقال:
* (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) *.
الآية.
1110 - [باب]
مبتدأ التنزيل والفرض على النبي [صلى الله عليه وسلم] ثم على الناس
5301 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله.
492

لما بعث الله نبيه [صلى الله عليه وسلم] أنزل عليه فرائضه كما شاء * (لا معقب لحكمه) *.
ويقال - والله أعلم - أن أول ما أنزل الله عليه من كتابه:
* (اقرأ باسم ربك الذي خلق) *.
ثم أنزل عليه بعدها لم يؤمر فيه بأن يدعو إليه المشركين فمرت لذلك مدة ثم يقال أتاه جبريل عليه السلام عن الله بأن يعلمهم نزول الوحي إليه ويدعوهم إلى الإيمان به فكبر ذلك عليه وخاف التكذيب يتثاول فنزل عليه:
* (يا أيها الرسول بلغ ما أ نزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) *.
فقال: يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حتى تبلغ ما أنزل إليك فبلغ ما أمر به فاستهزأ به قوم فنزل عليه:
* (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزءين) *.
وأعلمه من أعلمه منهم أنه لا يؤمن بالله فقال:
* (وقالوا لن نؤمن لك) *.
وأنزل الله فيما ثبته به إذ ضاق من أذاهم.
* (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) *.
فعرض عليه إبلاغهم وعبادته ولم يفرض عليه قتالهم وأبان ذلك في غير آية من كتابه ولم يأمره بعزلتهم وأنزل عليه:
* (قل يا أيها الكافرون) *.
493

وذكر سائر الآيات التي وردت في ذلك قال:
وأمرهم أن لا يسبوا أندادهم وذكر الآية قال:
ثم أنزل بعد هذا في الحال التي فرض فيها غزلة المشركين فقال:
* (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم) * الآية.
وقال لمن تبعه:
* (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره) *.
1111 - [باب]
/ الإذن بالهجرة
5302 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
وكان المسلمون مستضعفين بمكة زمانا لم يأذن لهم فيه بالهجرة منها ثم أذن الله لهم بالهجرة وجعل لهم مخرجا فقال نزلت:
* (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) *.
فأعلمهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن قد جعل الله لهم مخرجا وقال:
* (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) *.
وأمرهم ببلاد الحبشة فهاجرت إليها منهم طائفة ثم دخل أهل المدينة الإسلام فأمر طائفة فهاجرت إليهم غير محرم على من بقي ترك الهجرة [إليهم] وذكر الله أهل الهجرة فتلى الشافعي فيهم آيات قال:
ثم أذن الله لرسوله [صلى الله عليه وسلم] بالهجرة فهاجر إلى المدينة.
494

1112 - [باب]
مبتدأ الإذن بالقتال
قال الشافعي رحمه الله في الإسناد الذي ذكرنا: ثم أذن لهم بأن يبتدؤوا المشركين بقتال؛ قال الله عز وجل:
* (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) * الآية.
وأباح لهم القتال بمعنى آياته في كتابه فقال عز اسمه:
* (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) * إلى قوله: * (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين) *.
قال الشافعي:
يقال: نزل هذا في أهل مكة وهم كانوا أشد العدو على المسلمين ففرض عليهم في قتالهم ما ذكر الله.
ثم يقال: نسخ هذا كله والنهي عن القتال حتى يقاتلوا والنهي عن القتال في الشهر الحرام يقول الله:
* (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة). الآية.
ونزول هذه الآية بعد فرض الجهاد.
1113 - [باب]
فرض الهجرة
قال الشافعي رحمه الله في الإسناد الذي ذكرنا:
ولما فرض الله الجهاد على رسول [صلى الله عليه وسلم] بعد إذ كان أباحه وأثخن رسول الله صلى
495

الله / عليه وسلم في أهل مكة ورأوا كثرت من دخل في دين الله اشتدوا على من أسلم منهم ففتنوهم عن دينهم أو من فتنوا منهم فعذر الله جل ثناؤه من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال:
* (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) *.
وبعث إليهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إن الله جاعل لكم مخرجا)).
ففرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن يفتن عن دينه ولا يمنع فقال في رجل منهم توفي تخلف عن الهجرة:
* (الذين تؤفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض) *. الآية.
وأبان الله جل ثناؤه عذر المستضعفين فقال:
* (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم) *.
قال: ويقال: ((عسى)) من الله واجبه.
ودلت سنه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على أن فرض الهجرة على من أطاقها إنما هو على من فتن عن دينه بالبلدة التي يسلم بها لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أذن لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم منهم.
العباس بن عبد المطلب وغيره إذ لم يخافوا الفتنة وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم ((إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين وإن أقمتم فأنتم كأعراب المسلمين)).
496

وليس يخبرهم إلا فيما يحل لهم.
1114 - [باب]
أصل فرض الجهاد
قال الشافعي رحمه الله في الإسناد الذي ذكرنا:
ولما مضت لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] مدة من هجرته أنعم الله فيها على جماعات باتباعه حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم يكن قبلها ففرض الله عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضا فقال تبارك وتعالى:
* (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) * الآية.
وقال: * (وقاتلوا في سبيل الله) *.
وقال: * (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) *.
وذكر آيات أخر من كتاب الله عز وجل ثم قال مع ما / ذكر به فرض الجهاد وأوجب على التخلف عنه.
1115 - [باب]
من لا يجب عليه الجهاد
قال الشافعي في الإسناد الذي ذكرنا:
فلما فرض الله الجهاد دل في كتابه ثم على لسان رسول [صلى الله عليه وسلم] أنه لم يفرض
497

الخروج إلى الجهاد على مملوك أو أنثى ولا حر لم يبلغ.
وذكر الآيات التي دلت على ذلك ثم ذكر ما:
5303 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عبد الله بن عمر أو عبيد الله بن عمر - الشك من الربيع - عن نافع عن ابن عمر قال:
عرضت على النبي [صلى الله عليه وسلم] ((يوم أحد)) وأنا ابن أربع عشرة فردني وعرضت عليه ((عام الخندق)) وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.
قد رواه في مواضع عن الشافعي عن سفيان عن عبيد الله بن عمر لم يشك فيه.
5304 - وأخبرناه أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن عمر فذكره بإسناده نحوه.
5305 - قال: وحدثنا الشافعي أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] مثله.
والحديث مخرج في الصحيحين من حديث عبيد الله.
قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد:
وأجازه إذ بلغ أن تجب عليه الفرائض ورده إذ لم يبلغها وفعل ذلك معه ببضعه عشر رجلا منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وغيرهم.
قال أحمد:
وروينا عن زيد بن حارثة الأنصاري أنه قال:
استصغر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ناسا يوم أحد منهم: زيد بن جارية - يعني نفسه -
498

والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر.
قال الشافعي:
وشهد مع النبي [صلى الله عليه وسلم] القتال:
عبيد ونساء وغير بالغين فرضخ لهم ولم يسهم فدل على أن لا فرض للجهاد عليهم.
5306 - أخبرنا أبو بكر / وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خلال؟
فقال ابن عباس: إن ناسا يقولون إن ابن عباس يكاتب الحرورية ولولا أني أخاف أن أكتم علما لما كتبت إليه فكتب نجدة إليه:
أما بعد: فأخبرني هل كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يغزو بالنساء؟
وهل كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يضرب لهن بسهم؟
وهل كان يقتل الصبيان؟
ومتى ينقضي يتم اليتيم؟
وعن الخمس لمن هو؟
فكتب إليه ابن عباس:
إنك كتبت تسألني هل كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يغزو بالنساء؟
وقد كان يغزو بهن يداوين المرضى يحذين من الغنيمة.
وأما السهم فلم يضرب لهن بسهم.
وأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لم يقتل الولدان فلا تقتلهم إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتل فتميز المؤمن من الكافر فتقتل الكافر وتدع المؤمن.
وكتبت متى ينقضي يتم اليتيم؟ ولعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف
499

الأخذ، ضعيف الإعطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليتم.
وكتبت تسألني عن الخمس؟ وإنا كنا نقول هو لنا فأبى ذلك علينا قومنا فصبرنا عليه.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن حاتم بن إسماعيل.
وفي حديث قيس بن سعد عن يزيد بن هرمز عن ابن عباس في هذه القصة:
وأما النساء والعبيد: فلم يكن لهم سهم معلوم إذا حضروا الناس ولكن يحذون من غنائم القوم.
قال الشافعي في كتاب حرملة:
أخبرنا سفيان أخبرنا عمرو بن دينار أخبرني سلمة - رجل من ولد أم سلمة - قال: قالت أم سلمة:
يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله عز وجل:
* (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) *.
5307 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو منصور النضروي أخبرنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور / حدثنا سفيان فذكره. وزاد قال: قالت الأنصار هي أول ظعينة قدمت علينا.
5308 - وبهذا الإسناد قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قالت سلمة: تغزوا الرجال ولا نغزوا وإنما لنا نصف الميراث فنزلت:
* (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) * إلى آخر الآية ونزلت:
* (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات) * إلى آخر الآية.
500

وذكر الشافعي عقيب الحديث الأول عن سفيان في حرمة نساء المجاهدين ما:
5309 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن محمد بن عبدوس حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا علي بن المديني حدثنا سفيان حدثنا قعنب التميمي - وكان ثقة خيارا - عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((حرمة نساء المجاهدين على القاعدين في الحرمة كأمهاتهم وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله إلا نصب له يوم القيامة فيقال له يا فلان هذا فلان ابن فلان خانك فخذ من حسناته ما شئت)) ثم التفت إليها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((ما ظنكم)).
رواه مسلم في الصحيح عن سعيد بن منصور عن سفيان.
1116 - [باب]
من له عذر بالضعف وغيره
قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد:
قال الله جل ثناؤه في الجهاد:
* (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله) * الآية.
وقال: * (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) *.
قال الشافعي:
501

وقيل الأعرج المقعد والأغلب أنه العرج في الرجل الواحدة.
وقيل نزلت أن لا حرج عليهم أن لا يجاهدوا.
وهو يشبه ما قالوا غير محتملة غيره.
وبسط الكلام فيه.
قال أحمد:
وفي الحديث الثابت عن البراء بن عازب قال:
لما نزلت هذه الآية:
* (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) *.
دعا رسول الله صلى الله / عليه وسلم زيدا فجاء بكتف فكتبها فشكى ابن أم مكتوم ضرارته فنزلت:
* (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) *.
5310 - أخبرناه أبو عمرو الأديب أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرنا الفضل بن الخباب حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء فذكره.
رواه البخاري عن أبي الوليد:
5311 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري عن أبيه قال:
جاء رجل إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر أيكفر الله عني خطاياي؟ قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((نعم)).
فلما ولى الرجل ناداه أو أمر به فنودي فقال:
((كيف قلت)).
502

قال: فأعاد عليه القول. فقال:
((نعم إلا الدين كذلك قال لي جبريل عليه السلام)).
أخرجه مسلم من وجه آخر عن يحيى بن سعيد.
5312 - وأخبرنا أبو إسحاق أخبرنا شافع أخبرنا الطحاوي حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن محمد بن قيس عن عبد الله بن أبي قتادة أن رجلا أتى النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال: يا رسول الله أرأيت إن ضربت بسيفي هذا في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر يكفر الله عني خطاياي؟ فقال:
((نعم)).
قال: فلما أدبر قال:
تعال هذا جبريل يقول إلا أن يكون عليك دين)).
رواه مسلم عن سعيد بن منصور.
قال الشافعي في رواية الربيع:
فإذا كان يحجبه مع الشهادة عن الجنة الدين فبين أن لا يجوز له الجهاد وعليه دين إلا أن يأذن له أهل الدين.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وعليه أن لا يجاهد إلا بإذن أبويه إذا كانا على دينه.
قال أحمد:
روينا في الحديث الثابت عن عبد الله بن عمرو أن رجلا أتى النبي [صلى الله عليه وسلم] فاستأذنه في الجهاد فقال له:
((أحي والداك))؟
503

قال: نعم. فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
((ففيهما / فجاهد)).
5313 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا أبو داود ويعقوب بن إسحاق قالا: حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو أن رجلا أتى النبي [صلى الله عليه وسلم] يستأذنه في الجهاد. فذكره.
أخرجاه في الصحيح من حديث شعبة.
وروينا في حديث عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو في هذا الحديث قال:
وتركت أبوي يبكيان فقال:
((إرجع فأضحكهما كما أبكيتهما)).
وفي رواية أبي سعيد الخدري قال؛
((أذنا لك)).
قال: لا. قال:
((فارجع فاستأذنهما)).
5314 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
فإذا كانا على غير دينه فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما في ترك الجهاد.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
504

قد جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي [صلى الله عليه وسلم] وأبوه يجاهد النبي [صلى الله عليه وسلم] ولست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي [صلى الله عليه وسلم].
وجاهد عبد الله بن عبد الله بن أبي مع النبي [صلى الله عليه وسلم] وأبوه يتخلف عن النبي [صلى الله عليه وسلم] بأحد ويخذل عنه من أطاعه مع غيرهم مما لا أشك - إن شاء الله - في كراهيتهم لجهاد أبنائهم مع النبي [صلى الله عليه وسلم].
5315 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
ولا يجوز له أن يغزو بجعل من مال رجل وإن غزا به فعليه أن يرجع ويرد الجعل وإنما أجزت له هذا من السلطان لأنه يغزو بشيء من حقه.
قال أحمد:
وهذا لأنه إذا حضر الوقعة صار جهاده عن نفسه فلا يجوز له أن يأخذ عن غيره عنه عوضا.
وقد روينا عن ابن عمر أنه سئل عن الجعائل؟ قال: لم أكن لأرتشي إلا ما رشاني الله.
وأما حديث عبد الله بن عمرو أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((للغازي أجره وللجاعل أجره)).
وأجر الغازي فإنما أراد - والله أعلم - إن جهز / غازيا من غير أن يشترط عليه أن يغزو بما أعطاه. وهو نظير ما روينا عن زيد بن خالد الجهني عن النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه من أهله بخير فقد غزا)).
505

5316 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي وليس للإمام أن يجهز بالغزى فإن جهزهم فقد أساء.
ويجوز لكهلهم خلافه والرجوع.
وبسط الكلام فيه.
واحتج في القديم في رواية عبد الرحمن البغدادي عنه ونقلناه في كتاب القسم لحديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن كعب بن مالك:
أن قوما من الأنصار كلموا عمر في أناس منهم وأخبروه بما أمر به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من أعقاب السرية.
وهذا الحديث قد أخرجه أبو داود في كتاب السنن عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد قال أخبرنا ابن شهاب عن عبد الله بن كعب بن مالك:
أن جيشا من الأنصار كانوا بأرض فارس معهم أميرهم وكان عمر يعقب الجيوش في كل عام فشغل عنهم عمر فلما مر الأجل قفل أهل ذلك الثغر فاشتد عليه وأوعدهم وهم أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قالوا: يا عمر إنك غفلت عنا وتركت فينا الذي أمر به النبي [صلى الله عليه وسلم] من أعقاب الغزية بعضا.
5317 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل. فذكره.
وذكر الشافعي أيضا:
حديث ابن عليه عن الجريري عن ابن أبي
نضرة عن أبي فراس قال:
لا تجمروا المسلمين فتفتنوهم.
5318 - أخبرناه علي بن محمد المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق
506

حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا سعيد الجريري. فذكره.
قال الشافعي:
فالتجمير عندنا: جور وفساد وفتنة على الرعية والذي عليه أعقاب المسلمين في كل ستة أشهر وكذلك الأئمة كانت تفعل.
قال أحمد:
قد روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال لحفصة كم أكثر ما / تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر وأربعة.
فقال عمر: لا أحبس الجيش أكثر من هذا.
1117 - [باب]
شهود من لا فرض عليه القتال
5319 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز: أن نجدة كتب إلى ابن عباس:
هل كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟
فقال: قد كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ولم يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
ومحفوظ أنه شهد مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] القتال العبيد والصبيان وأحذاهم من الغنيمة.
قال أحمد:
روينا في حديث إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز في هذا
507

الحديث ذكر العبد والمرأة.
وذكر أبو يوسف عن إسماعيل بن أمية في هذا الحديث في اليتيم متى يخرج من اليتم ومتى يضرب له بسهم؟ فقال: إذا احتلم.
1118 - [باب]
من ليس للإمام أن يغزو به بحال
5320 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
غزا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فغزا مكة بعض من يعرف نفاقه فانخذل عنه يوم أحد بثلاثمائة ثم شهد معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله من قولهم:
* (ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) *.
ثم غزا بني المصطلق فشهدها معه منهم عدد فتكلموا بما حكى الله من قولهم:
* (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) *.
وغير ذلك مما حكى الله عز وجل من نفاقهم.
ثم غزا غزوة تبوك فشهدها معه منهم قوم نفروا ليلة العقبة فوقاه الله شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله عز وجل عليه غزاة تبوك / أو منصرفه منها من أخبارهم فقال:
* (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم) * قرأ إلى قوله * (ويتولوا وهم فرحون) *.
فأظهر الله لرسوله [صلى الله عليه وسلم] أسرارهم وخبر السماعين لهم وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتخذيل لهم فأخبر أنه كره انبعاثهم إذ كانوا على هذه النية.
508

فكان فيها ما دل على أن الله جل ثناؤه أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزوا مع المسلمين لأنه ضرر عليهم ثم زاد في تأكيد بيان ذلك بقوله:
* (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله) *.
قرأ إلى قوله: * (فاقعدوا مع الخالفين) *.
ثم بسط الكلام في ذلك إلى أن قال:
ولما نزل هذا على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لم يكن ليخرج بهم أبدا وإذ حرم الله أن يخرج بهم فلا يسهم لهم لو شهدوا القتال ولا رضخ ولا شيء.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه صفة منفعة للمسلمين فلا بأس أن يغزى به.
قال أحمد:
قد روى مالك بن أنس عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن نيار عن عروة عن عائشة قالت:
خرج رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حين رأوه فلما أدركه قال:
يا رسول الله جئت لأتبعك وأصب معك.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((تؤمن بالله ورسوله)).
قال: لا. قال:
((فارجع فلن أستعين بمشرك)).
ثم مضى حتى إذا كانت الشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له
509

النبي [صلى الله عليه وسلم] [كما قال] أول مرة قال: لا. قال:
((فارجع فلن أستعين بمشرك)).
قالت: فرجع ثم أدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة:
((تؤمن بالله ورسوله)).
قال: نعم. فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((فانطلق)).
5321 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا ابن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك / بن أنس. فذكره.
وقد أخرجه مسلم من حديث ابن وهب وغيره عن مالك.
5322 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
الذي روى مالك كما روى.
رد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مشركا أو مشركين في غزاة بدر وأبى أن يستعين إلا بمسلم ثم استعان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعد بدر بسنين في غزوة خيبر بعدد يهود من بني قينقاع كانوا أشداء واستعان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في غزوة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية وهو مشرك.
فالرد على الأول أن كان بأن له الخيار فليس واحد من الحديثين مخالفا للآخر.
وأن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين.
قال الشافعي:
ولعله رده رجاء إسلامه وذلك واسع للإمام له أن يرد المشرك ويأذن له.
510

وبسط الكلام فيه.
1119 - [باب]
تفريع فرض الجهاد
5323 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قال الله تبارك وتعالى:
* (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) *.
قال: فرض الله جهاد المشركين ثم أبان من الذين نبدأ بجهادهم من المشركين فأعلم أنهم الذين يلون المسلمين. ثم ساق الكلام في التفريع إلى أن قال:
فإن اختلف حال العدو وكان بعضهم أنكى من بعض أو أخوف فليبدأ [الإمام بالعدو] الأخوف أو الأنكى.
قد بلغ النبي [صلى الله عليه وسلم] عن الحارث بن أبي ضرار أنه يجمع له فأغار النبي [صلى الله عليه وسلم] وقربه عدو أقرب منه.
وبلغه أن خالد بن سفيان بن بليح يجمع له فأرسل ابن أنيس فقتله وقربه عدو أقرب منه.
ثم ساق الكلام في التفريع [إلى أن قال]: وأقل ما يجب عليه أن لا يأتي عام إلا وله فيه غزو حتى لا يكون الجهاد معطلا في عام إلا من عذر.
واحتج بأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لم يخل من حين فرض عليه الجهاد / من أن غزا بنفسه أو غيره في عام من غزو أو غزوين أو سرايا وقد كان يأتي عليه الوقت لا يغزو فيه
511

ولا يسري سرية وقد يمكنه ولكنه يستجم ويجم له ويدعو ويظاهر الحجج على من دعاه.
ثم ساق الكلام في التفريع إلى أن قال: وإن كانت دار من المسلمين ممتنعة فأكثر من يجوز له أن يغزي من كل رجلين رجلا فيخلف المقيم الظاعن في أهله وماله فإن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لما تجهز إلى تبوك فأراد الروم وكثرة جموعهم قال:
((ليخرج من كل رجلين رجل)).
والمدينة ممتنعة بأقل ممن خلف فيها.
قال أحمد:
وقد روينا في الحديث الثابت عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعث إلى بني لحيان وقال:
((ليخرج من كل رجلين رجل)).
ثم قال للقاعد:
((إيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج)).
5324 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا ابن عبد الحكم قال أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن يزيد بن أبي سعيد مولى المهري عن أبيه عن أبي سعيد فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن سعيد بن منصور عن ابن وهب.
5325 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي ولا ينبغي أن يولي الإمام الغزو إلا ثقة في دينه شجاعا ببدنه حسن الإناه عاقلا للحرب بصيرا بها غير عجل ولا نزق وأن يتقدم إليه وإلى من ولى أن لا يحمل المسلمين
512

على مهلكه بحال.
وبسط الكلام في شرحه.
وذكر في موضع آخر ما:
5326 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرني الثقفي عن حميد عن موسى بن أنس عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب سأله إذا حاصرتم المدينة كيف تصنعون؟
قال: نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هنة من جلود.
قال: أرأيت إن رمى بحجر؟
قال: إذا يقتل.
قال: فلا تفعلوا فوالدي نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع / رجل مسلم.
قال الشافعي:
ما ذكر عمر بن الخطاب من هذا احتياط وحسن نظر للمسلمين.
ثم بسط الكلام فيه وفي موضع آخر وذكر:
أنه يحل لهم بأنفسهم أن يقدموا على ما ليس عليهم بتعرض القتل لرجاء إحدى الحسنيين ألا ترى أني لا أرى ضيقا على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسرا ويبارز الرجل وإن كان الأغلب أنه مقتول لأنه قد بورز بين يدي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وحمل رجل من الأنصار حاسرا على جماعة المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي [صلى الله عليه وسلم] إياه بما في ذلك من الخير فقتل.
513

قال أحمد:
هو عوف بن عفرة فيما ذكره ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة.
وأما قول الله عز وجل:
* (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *.
5327 - فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن صالح بن هاني حدثنا محمد بن أحمد بن أنس القرشي حدثنا عبد الله بن يزيد المقبري أخبرنا حيوة بن شريح حدثنا يزيد بن أبي حبيب أخبرني أسلم أبو عمران مولى تجيب قال:
كنا بقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد الأنصاري فخرج صف عظيم من الروم فصففنا لهم صفا عظيما من المسلمين فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ثم خرج إلينا مقبلا فصاح في الناس فقالوا: سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة. فقال أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل وإنما أنزلت فينا معشر الأنصار أنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا من رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: إن أموالنا قد ضاعت فلو قمنا فيها فأصلحنا منها فرد الله علينا ما هممنا به. قال فأنزل الله تبارك وتعالى:
* (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *.
فكانت التهلكة في الإقامة على أموالنا التي أردنا فأمرنا بالغزو فما زال أبو أيوب غازيا في سبيل الله حتى قبضه الله عز وجل.
قال الشافعي:
والاختيار أن يتحرز وذكر ما:
5328 - أخبرنا / أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا
514

الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ظاهر يوم أحد بين درعين.
قال أحمد:
ورواه إبراهيم بن بشار الرمادي عن سفيان عن يزيد عن السائب عن رجل من بني تيم عن طلحة.
قال أحمد:
وقد روينا فيما ندب إليه الشافعي رحمه الله كل من يلي أمرا من أمور المسلمين من الجهد في مصلحتهم والنصح لهم والرحمة عليهم حديث معقل بن يسار أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم ولا ينصح إلا لم يدخل معهم الجنة)).
وحديث جرير بن عبد الله قال:
((لا يرحم الله من لا يرحم الناس)).
5329 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود.
5330 - (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع عليهم
515

وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤوله عنهم والعبد راع على مال سيدة وهو مسؤول عنه فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).
رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وأخرجاه من أوجه آخر.
1120 - [باب]
النفير
5331 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
قال الله تبارك وتعالى:
* (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى) *.
قال الشافعي:
وبين إذ وعد الله القاعدين غير أولي الضرر الحسنى أنهم لا يأثمون / بالتخلف ويوعدون الحسنى في التخلف بل وعدهم بما وضع لهم من التخلف الحسنى إذ كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شكا ولا سوء نية وإن تركوا الفضل في الغزو.
وأبان الله جل ثناؤه في قوله في النفير:
* (انفروا خفافا وثقالا) *.
وقال: * (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) *.
516

وقال: * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) *.
فأعلمهم أن فرضه الجهاد على الكفاية من المجاهدين.
قال الشافعي:
ولم يغز رسول الله [صلى الله عليه وسلم] غزاة علمتها إلا تخلف فيها عنه يسيرا فغزا بدرا وتخلف عنه رجال معروفون وكذلك تخلف عنه عام الفتح وغيره من غزواته وقال في غزاة تبوك وفي تجهيز الجمع للروم.
((ليخرج من كل رجلين رجل فيخلف الباقي الغازي في أهله وماله)).
قال في موضع آخر:
وخلف آخرين حتى خلف علي بن أبي طالب في غزاة تبوك.
قال ها هنا: وبعث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] جيوشا وسرايا تخلف عنها بنفسه مع حرصه على الجهاد.
قال الشافعي:
فدل كتاب الله وسنة نبيه [صلى الله عليه وسلم] أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به.
قال الشافعي:
وأبان أن لو تخلفوا معا أثموا معا بالتخلف لقوله:
* (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) *.
يعني - والله أعلم - إلا أن تركتم النفير كلكم عذبتكم.
517

وبسط الكلام فيه في موضع آخر وجعله شبيها بالصلاة على الجنازة ورد السلام وغير ذلك من فرائض الكفايات.
1121 - [باب]
جامع السير
5332 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
الحكم في المشركين حكمان فمن كان منهم من أهل الأوثان ومن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب من كانوا فليس له أن يأخذ منهم الجزية ويقاتلهم إذا قوي عليهم حتى يقتلهم أو يسلموا وذلك لقول الله تبارك وتعالى:
* (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * الآيتين.
ولقول رسول الله / [صلى الله عليه وسلم]:
((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)).
5333 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا أزال أقاتل الناس)).
فذكروا هذا الحديث.
5334 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر فيمن منع الصدقة:
518

أليس قد قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله؟
فقال أبو بكر: هذا من حقها يعني: منعهم الصدقة.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد:
من كان من أهل الكتاب من المشركين المحاربين قوتلوا حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فإذا أعطوها لم يكن للمسلمين قتلهم ولا إكراههم على غير دينهم لقول الله جل ثناؤه:
* (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) *.
5335 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان إذا بعث جيشا أمر عليهم أميرا وقال:
((فإذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال أو ثلاث خصال - شك علقمة - أدعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم أدعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما عليهم وإن اختاروا المقام في دارهم [فأعلمهم] أنهم كأعراب المسلمين / يجري عليهم حكم الله كما يجري على المسلمين وليس لهم في الفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن لم يجيبوك إلى الإسلام فادعهم إلى أن
519

يعطوا الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم)).
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان الثوري وشعبة عن علقمة.
وحديث أبي هريرة في قصة أبي بكر وعمر قد أخرجاه كما مضى.
قال الشافعي:
حديث ابن بريدة في أهل الكتاب خاصة كما كان حديث أبي هريرة في أهل الأوثان خاصة.
قال: وليست واحدة من الاثنين ناسخة للأخرى ولا واحد من الحديثين ناسخا للآخر ولا مخالفا له ولكن إحدى الاثنين وأحد الحديثين من الكلام الذي مخرجه مخرج عام برواية الخاص.
ومن الجمل التي يدل عليها المفسر.
وبسط الكلام في شرحه في رواية أبي عبد الله.
5336 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سلميان بن بريدة عن أبيه قال:
كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذا بعث أميرا على جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا ثم قال:
((اغزوا بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله أغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال - أو خلال فأيتهم ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم)).
520

ثم ذكر معنى رواية الشافعي.
1122 - [باب]
السلب للقاتل
5337 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال يوم حنين:
((من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه)).
قال الشافعي:
وهذا حديث ثابت / صحيح لا مخالف له علمته عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وفيه دلالة على أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إنما قاله بعد [أن] يفض الحرب لأنه وجد سلب قتيل أبي قتادة في يد رجل فأجرجه من يده وقد قاله رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم حنين وفي غير يوم من مغازية وقاله من بعده من الأئمة.
قال الشافعي:
أخبرنا سفيان عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه يسمى شبر بن علقمة قال:
بارزت رجلا يوم القادسية فبلغ سلبه اثني عشر ألفا فنفلنيه سعد.
قال أحمد:
قد ذكرنا هذه المسألة أتم من هذا في كتاب قسم الفيء والغنيمة.
521

1123 - [باب]
الرجل يموت في أرض العدو قبل الغنيمة
5338 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباسي أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي في كتاب اختلاف أبي حنيفة والأوزاعي:
قال أبو حنيفة في الرجل يموت في دار الحرب أو يقتل قال:
أنه لا يضرب له بسهم في الغنيمة.
وقال الأوزاعي:
أسهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لرجل من المسلمين قتل بحنين.
واجتمعت أئمة الهدى على الإسهام لمن مات أو قتل.
قال أبو يوسف حدثنا بعض أشياخنا عن الزهري عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
أنه لم يضرب لأحد ممن استشهد معه بسهم في شيء من المغانم قط.
وأنه لم يضرب لعبيدة بن الحارث في غنيمة بدر ومات بالصفرا قبل أن يدخل المدينة.
قال أبو يوسف:
ما قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فهو كما قال. قال: ولرسول الله [صلى الله عليه وسلم] في الفيء وفي غيره حال ليست لغيره.
وقد أسهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لعثمان بن عفان في بدر ولم يشهدها.
قال: وأجري يا رسول الله؟ قال:
((وأجرك وسهمك)).
وأسهم أيضا لطلحة بن عبيد الله في بدر ولم يشهدها. فقال: وأجري قال:
((وأجرك)).
522

ولو أن إماما من أئمة المسلمين أشرك قوما لم يغزوا مع الجند لم يسع ذلك له وكان / مسيئا ولا نعلم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أسهم لأحد من الغنيمة ممن قتل يوم بدر ولا يوم حنين ولا يوم خيبر فقد قتل بها رهط معروفون.
فعليك من الحديث ما تعرفه العامة وإياك والشاذ منه فإنه: حدثنا خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى ابن مريم عليه السلام فصعد النبي [صلى الله عليه وسلم] على المنبر فخطب الناس فقال:
(إن الحديث سيفشو عني فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني)).
وعن مسعر بن كدام والحسن بن عمارة عن عمرو بن مرة عن أبي البحتري الطائي عن علي بن أبي طالب أنه قال:
إذا أتاكم الحديث عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أتقى والذي هو أهنأ.
وعن أشعث بن سوار وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن قرظة بن كعب الأنصاري أنه قال:
أقبلت في رهط من الأنصار إلى الكوفة فشيعنا عمر بن الخطاب يمشي حتى انتهى إلى مكان قد سماه ثم قال:
هل تدرون لما مشيت معكم يا معشر الأنصار؟
قالوا: نعم لحقنا. قال إن لكم لحقا ولكنكم تأتون قوما لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فأقلوا الرواية عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأنا شريككم فقال قرظة: لا أحدث حديثا عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أبدا.
وكان عمر فيما بلغنا لا يقبل الحديث عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلا بشاهدين.
وكان علي بن أبي طالب لا يقبل الحديث عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حتى يستحلف معه.
قال أبو يوسف: حدثنا الثقة عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه قال في مرضه الذي مات
523

((إني لا أحرم إلا ما حرم القرآن ولا أحل إلا ما أحل القرآن والله لا تمسكون علي بشيء)).
قال أبو يوسف:
فاجعل القرآن والسنة المعروفة / لك إماما وقائدا واتبع ذلك وقس به ما يرد عليك.
حدثنا الثقة عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في قسمته هوازن أن وفد هوازن حين سألوه فقال:
((أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وأسل لكم الناس إذا صليت الظهر فقوموا فقولوا إنا نستشفع برسول الله على المسلمين وبالمسلمين على رسول الله [صلى الله عليه وسلم])).
فقاموا ففعلوا ذلك فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم)).
فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وقال الأنصار مثل ذلك.
وقال عباس بن مرداس: أما ما كان لنا ولبني سليم فلا.
وقالت بنو سليم: أما ما كان لنا فهو لرسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وقال الأقرع بن حابس: أما ما كان لي ولبني تميم فلا.
وقال عيينة: أما ما كان لي ولبني فزاره فلا.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((من تمسك بحصته من هذا السبي فله بكل رأس ستة فرائض من أول فيء نصيبه فردوا الناس أبناءهم ونساءهم)).
ورد الناس ما كان في أيديهم.
524

قال أبو يوسف: ولرسول الله [صلى الله عليه وسلم] في حال لا يشبه حال الناس.
ولو أن إماما أمر جندا أن يدفعوا ما في أيديهم من السبي إلى أصحاب السبي بستة فرائض كل رأس لم يجز ذلك لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فيما بلغنا قد نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
وهذا حيوان بعينه بحيوان بغير عينه.
قال الشافعي رحمه الله:
أما ما ذكر من أمر بدر وأن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يسهم لعبيدة بن الحارث فهو عليه إن كان كما قال زعم أن القسمة أحرزت وعاش عبيدة بعد الغنيمة وهو يزعم في مثل هذا أن له سهما فإن كان كما قال فقد خالفه وليس كما قال.
قسم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] الغنيمة وأعطى عبيدة وهو حي ولم يمت عبيدة إلا بعد قسم الغنيمة.
وأما ما ذكر من أن رسول الله / [صلى الله عليه وسلم] أسهم لعثمان ولطلحة بن عبيد الله.
فقد فعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأسهم لسبعة أو ثمانية من أصحابه لم يشهدوا بدرا.
وإنما نزل خمس الغنيمة وقسم الأربعة أخماس بعد بدر.
قال الشافعي:
وقد قيل أعطاهم من سهمه كسهمان من حضر.
فأما الرواية المظاهرة عندنا فكما وصفت.
قال الله عز وجل:
* (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) * إلى * (إن كنتم مؤمنين) *.
فكانت غنائم بدر لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] يضعها حيث شاء وإنما نزلت:
* (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول) * الآية بعد بدر.
525

وقسم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كل غنيمة بعد بدر على ما وصفت لك يرفع خمسها ثم يقسم أربعة أخماسها وافرا على من حضر الحرب من المسلمين إلا السلب كأنه سن أنه للقاتل في الإقبال فكان السلب خارجا منه.
وإلا الصفي فإنه قد اختلف فيه فقيل:
كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يأخذه فارغا من الغنيمة.
وقيل: كان يأخذه من سهمه من الخمس.
ولا البالغين من السبي فإن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سن فيهم سننا فقتل بعضهم وفادى بعضهم ومن على بعضهم وفادى ببعضهم أسرى المسلمين.
وأما قوله في سبي هوازن وأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] استوهبهم المسلمين فهو كما قال.
وذلك يدل على أنه سلم للمسلمين حقوقهم من ذلك إلا ما طابوا عنه أنفسا.
وأما قوله أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ضمن ست فرائض لكل سبي شح به صاحبه فكما قال ولم يكرههم على أن يحتالوا عليه بست فرائض إنما أعطاهم إياها ثمنا فمن رضي منهم قبله فلم يرض عيينة فأخذ عجوزا فقال: أعير بها هوازن فما أخرجها من يده حتى قال له بعض من خدعه عنها أرغم الله أنفك فوالله لقد أخذتها ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا خدها بماجد.
قال: حقا ما تقول؟ قال: إي والله قال: / فابعدك الله وإياها ولم يأخذ بها عوضا.
وأما قوله نهى النبي [صلى الله عليه وسلم] عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فهذا غير ثابت عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وقد كان قوله أن يبدأ بنفسه فيما أمر به من أن لا يروى عن النبي [صلى الله عليه وسلم] إلا من الثقات وقد أجاز رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بيع الحيوان نسيئة واستسلف بعيرا وقضى مثله أو خيرا منه وهو يجز الحيوان نسيئة في الكتابة ومهور النساء والديات.
فإن زعم أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قضى بها في الديات بصفة إلى ثلاث سنين فقد أجازها نسيئة. فكيف زعم أنه لا يجيزها نسيئة؟
وإن زعم أن المسلمين أجازوها في الكتابة ومهور النساء نسيئة. فكيف رغب
526

عما اختار المسلمون ودخل معهم فيه؟
وأما ما ذكر من أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا يمسكن الناس علي بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله)).
فما أحل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] شيئا قط لله فيه حكم إلا بما أحله الله وكذلك ما حرم شيئا قط لله فيه حكم إلا بما حرم وبذلك أمر وكذلك افترض عليه.
قال الله جل ثناؤه:
* (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم) *.
ففرض عليه الاستمساك بما أوحي إليه وشهد له بأنه على صراط مستقيم.
وكذلك قال:
* (ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) *.
فأخبر أبه فرض عليه أتباع ما أنزل وشهد له بأنه هادي مهتدي.
وكذلك يشهد له.
وأما قوله:
((لا يمسكن الناس علي بشيء)).
فإن الله أحل له أشياء حذرها على غيره من عدد النساء وأن يأتهب المرأة من غير مهر وفرض عليه أشياء خففها عن غيره مثل فرضه عليه أن يخير نساءه ولم يفرض هذا على غيره فقال:
((لا يمسكن الناس علي بشيء)).
يعني: مما خص به دونهم.
527

فأما ما ذهب إليه من إبطال الحديث وعرضه على القرآن فلو كان كما ذهب إليه كان محجوجا / به وليس يخالف الحديث القرآن ولكن حديث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] مبينا معنى ما أراد خاصا وعاما وناسخا ومنسوخا ثم يلزم الناس ما سن بفرض الله فمن قبل عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فعن الله قبل لأن الله أبان ذلك في غير موضع من كتابه وقرأ الآيات في ذلك ثم قال: وبين ذلك رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أخبرنا سفيان عن سالم أبي النضر قال أخبرني عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((لأعرفن ما جاء أحدكم الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما هذا ما وجدنا في كتاب الله أخذنا به)).
قال الشافعي:
ولو كان كما قال أبو يوسف دخل لمن رد الحديث ما احتج به على الأوزاعي فلم يجز له المسح على الخفين ولا تحريم الجمع بين المرأة وعمتها ولا تحريم كل ذي ناب من السباع وغير ذلك.
1124 - [باب]
الغنيمة لمن شهد الوقعة
5339 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله قال: معلوم عند غير واحد ممن لقيت من أهل العلم بالردة أن أبا بكر رضي الله عنه قال:
إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.
وأخبرنا الثقة من أصحابنا عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة بن الحجاج عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن عمر بن الخطاب قال:
إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.
قال الشافعي:
وبهذا نقول وقد روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] شيء يثبت في معنى ما روي عن أبي بكر
528

وعمر لا يحضرني حفظه.
قال أحمد:
وإنما أراد - والله أعلم - ما:
5340 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الزهري أخبرني عنبسة بن سعيد بن العاص عن أبي هريرة قال:
قدمت على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وأصحابه بخيبر بعدما افتتحوها / فسألت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يسهم لي من الغنيمة فقال بعض بني سعيد بن العاص: لا تسهم له يا رسول الله. فقلت: يا رسول هذا قاتل ابن قوقل. فقال ابن سعيد: واعجبا لو بر تدلي علينا من قدوم صان ينعى علي قتل رجل مسلم أكرمه الله على يدي ولم يهنى على يديه.
قال سفيان: حدثنيه السعيدي أيضا عن جده عن أبي هريرة عن النبي [صلى الله عليه وسلم].
رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي.
واسم السعيدي: عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص.
قال أحمد:
ثم روينا عن خثيم بن عراك عن أبيه عن نفر من بني غفار عن أبي هريرة في قصة قدومه على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وقد فتح خيبر قال:
وكلم المسلمين فأشركونا في سهمانهم.
وفي رواية أخرى عن خثيم بإسناده قال:
واستأذن الناس أن يقسم لنا من الغنائم فأذنوا له فقسم لنا.
وفي ذلك دلالة على أنهم لم يستحقوها حين كان قدومهم بعد تقضي الحرب
529

حتى استأذن أصحابه في القسم لهم.
5341 - وقد أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري أن عنبسة بن سعيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بخيبر بعد أن فتحها وأن حزم خيلهم ليف فقال أبان أقسم لنا يا رسول الله. قال أبو هريرة: لا تقسم لهم يا رسول الله. فقال أبان: أنت بها يا وبر تحدر علينا من رأس ضال.
فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((أجلس يا أبان)).
ولم يقسم لهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
قال البخاري: ويذكر عن الزبيدي عن الزهري فذكر هذا الحديث.
وهذا لأن سعيد بن عبد العزيز رواه عن الزهري / بهذا المعنى إلا أنه قال عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
وسعيد بن عبد العزيز من الثقات.
ويحتمل أن يكون الزهري رواه عنهما.
ويحتمل أن يكون أبو هريرة وأبان بن سعيد قال كل واحد منهما لصاحبه: لا تقسم له يا رسول الله.
فلم يقسم لأبان وقسم لأبي هريرة بإذن أصحابه كما روينا في حديث خثيم عن عراك.
وعلى هذا الوجه كان قسمه لمن قدم عليه من الحبشة مع جعفر بن أبي طالب.
وفي بعض الروايات عن أبي موسى الأشعري في قصة جعفر قال: فوافقنا
530

رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها.
فاحتمل أنهم صادفوه قبل نقض الحرب ويحتمل أن يكون أعطاهم من سهمه إن كان مجيئهم بعد مضي الحرب أو سأل أصحابه أن يشركوه في مقاسمهم فقد روي ذلك في حديث محمد بن إسحاق بن يسار واحتج بعض من أشرك المدد في الغنيمة وإن لم يحضروا الوقعة بأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ضرب لعثمان بن عفان في غنائم بدر بسهم ولم يحضرها لأنه كان غائبا في حاجة الله وحاجة رسوله [صلى الله عليه وسلم] فجعله كمن حضرها.
فكذلك كل من غاب عن الوقعة بشغل شغله به الإمام من أمور المسلمين.
وهذا الذي قاله هذا القائل يبطل بطلحة بن عبيد وسعيد بن زيد بن عمر بن نوفل فإنهما كانا خرجا إلى الشام في تجارة لهما قبل خروج النبي [صلى الله عليه وسلم] إلى بدر وقدما بعد ما رجع من بدر فكلما رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فجعل لهما سهمهما.
وفي نص الكتاب دلالة على أن غنائم بدر كانت للنبي [صلى الله عليه وسلم] خاصة فكان يعطي منها من شاء.
وإنما نزلت الآية في تخميس الغنائم وقسمها بين الغانمين بعد بدر وبعد نزول الآية لا نعلمه قسم لأحد لم يحضر الوقعة كما قسم لمن حضرها.
وقد ذكره الشافعي في موضع آخر وقام بحجته.
قال أحمد:
والذي قاله هذا القائل / يبطل أيضا بقصة أبان بن سعيد فإن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان بعثه على سرية قبل نجد فكان قد شغله بشغل من أمور المسلمين ثم لم يقسم له ولا لأصحابه حين قدموا بعد تقضي الحرب وإن لم يكن خرج بالغنيمة من دار الحرب.
وعذر هذا القائل بأنه إنما لم يقسم لهم لأنه كان شغلهم بذلك قيل أرادته الخروج إلى خيبر يخالف قول صاحبه الذي ينصر قوله فإنه جعل الغنيمة لكل من دخل دار الحرب مددا قبل أن يخرجوا بها إلى دار الإسلام.
ثم أن الله تعالى كان وعد رسوله [صلى الله عليه وسلم] فتح خيبر حين انصرف من الحديبية وكان يريد الخروج إليها بعدما قدم المدينة في ذي الحجة حين خرج إليها في المحرم وإنما بعث أبان بن سعيد قبل خروجه ثم من الذي شرع لهذا القائل ما يشرع لنفسه حتى
531

يترك به خبر أبي هريرة في قصة أبان بن سعيد وترك ما روي عن أبي بكر وعمر في ذلك.
وقد احتج في ترك قسمة الأراضي بين الغانمين بفعل عمر، ولم يعتد بخلاف الزبير وبلال في جماعة من الصحابة إياهم في طلب القسمة ومعهم خبر النبي [صلى الله عليه وسلم] في قسمة خيبر وبين في قول عمر أنه كان يطلب استطابت قلوبهم بما رأى من المصلحة في وقتها.
ثم أعتد بخلاف عمار بن ياسر عمر في هذه المسألة حين جاء مددا لبني عطارد بعد الوقعة قال نحن شركاؤكم في القسمة فكتب في ذلك إلى عمر فكتب:
إن القسمة لمن شهد الوقعة.
وليس مع عمار في ذلك خبر ومع عمر ما ذكرنا من خبر النبي [صلى الله عليه وسلم] وأبي بكر الصديق.
وكتب عمر كتاب قطع بأنها لمن شهد الوقعة.
ويشبه أن لا يكون قطع بمثله من جهة الرأي ومع ظاهر القرآن حين أضاف الغنيمة إلى من غنمها واقتطع منها الخمس لأهل الخمس وإنما غنمها من شهد الوقعة فلا يكون لمن شهدها فيها نصيب إلا ما خصته السنة من رد السرية على الجيش والجيش على السرية إذا كان كل / واحد منهما ردءا لصاحبه والله أعلم.
5342 _ أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
قال الأوزاعي: قد كانت تجتمع الطائفتان من المسلمين بأرض الروم لا تشارك واحدة منهما صاحبتها في شيء أصابت من الغنيمة.
وقال أبو يوسف: حدثنا الكلبي وغيره عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه بعث أبا عامر الأشعري يوم حنين إلى أوطاس فقاتل بها ممن هرب من حنين وأصاب المسلمون يومئذ سبايا وغنائم فلما بلغنا عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فيما قسم من غنائم أهل حنين أنه فرق بين أهل أوطاس وأهل حنين ولا نعلم إلا أنه جعل ذلك غنيمة واحدة وفيئا واحدا.
532

قال أبو يوسف:
وحدثنا المجالد عن عامر وزيادة بن علاقة أنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص:
قد أمددتك بقوم فمن أتاك منهم قبل أن تنفقأ القتلى فأشركه في الغنيمة.
وعن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث عكرمة بن أبي جهل في خمس مائة من المسلمين مددا لزياد بن لبيد وللمهاجرين أبي أمية فوافقهم الجند قد افتتحوا النجير باليمن فأشركهم زياد بن لبيد وهو ممن شهد بدرا في الغنيمة.
قال الشافعي:
احتج أبو يوسف بأن النبي [صلى الله عليه وسلم] بعث أبا عامر إلى أوطاس فغنم غنائم فلم يفرق النبي [صلى الله عليه وسلم] بين من كان مع أبي عامر وبين من كان متخلفا مع النبي [صلى الله عليه وسلم] عن أبي عامر.
وهذا كما قال وليس مما قال الأوزاعي وخالفه هو فيه (...).
أبو عامر كان في جيش النبي [صلى الله عليه وسلم] ومعه بحنين فبعثه النبي [صلى الله عليه وسلم] في اتباعهم وهذا جيش واحد كل فرقة منهم رد للأخرى وإذا كان الجيش هكذا فلو أصاب الجيش شيئا دون السرية أو السرية شيئا دون الجيش كانوا فيه شركاء ثم ساق الكلام إلى أن قال:
فأما جيشان / متفرقان فلا يرد كل واحد منهما على صاحبه شيئا وليسا بجيش واحد أحدهما رد لصاحبه مقيم له وعليه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وما احتج من حديث مجالد فهذا غير ثابت عن عمر ولو ثبت عنه كنا أسرع إلى قبوله منه وهو إن كان يثبته فهو محجوج به لأنه يخالفه هو يزعم أن الجيش لو قتلوا قتلى وأحرزوا غنائمهم بكرة وأخرجوا الغنائم إلى بلاد الشام عشية وجاءهم المدد والقتلى يشحطون في دمائهم لم يشكوهم ولو قتلوهم فتفقئوا وبلوا والجيش في بلاد العدو وقد أحرزوا الغنائم بعد القتل بيوم وقبل مقدم المدد بأشهر شركوهم.
533

فخالف عمر في الأول والآخر واحتج به.
فأما ما روي عن زياد بن لبيد أنه أشرك عكرمة بن أبي جهل فإن زيادا كتب فيه إلى أبي بكر فكتب أبو بكر: إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.
ولم ير لعكرمة شيئا لأنه لم يشهد الوقعة فكلم زياد أصحابه فطابوا أنفسا بأن أشركوا عكرمة وأصحابه متطوعين عليهم.
وهذا قولنا وهو يخالفه.
ويروى عنه خلاف ما رواه أهل العلم بالرد.
1125 - [باب]
سهم الفارس والراجل
5343 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال: القول ما قال الأوزاعي في الفارس أن له ثلاثة أسهم أخبرنا عن - أظنه عن - عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ضرب للفارس ثلاثة أسهم وللراجل بسهم.
قال الشافعي:
وأما تفضيل الأوزاعي الفرس على الهجين واسم الخيل يجمعها. فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن الأسود بن قيس عن ابن الأقمر قال:
أغارت الخيل بالشام فأدركت الخيل من يومها وأدركت الكوادن ضحى وعلى الخيل المنذر بن أبي خميصة الهمداني فنفل الكوادن وقال: لا أجعل ما درك كما لم يدرك.
فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال:
هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به / أمضوها على ما قال.
قال الشافعي وهم يروون في هذا أحاديث كلها أبو بعضها أثبت مما احتج به أبو
534

يوسف فإن كان فيما احتج به حجة فهي عليه ولكن هذا أحاديث منقطعة ولو كنا نثبت مثل هذا ما خالفناه.
قال أحمد:
وقد ذكرنا في كتاب قسم الغنيمة هاتين المسألتين أتم من هذا.
5344 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال:
أحفظ من لقيت ممن سمعت منه من أصحابنا أنهم لا يسهمون إلا لفرس واحد.
وبهذا آخذ.
أخبرنا عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن الزبير بن العوام كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم: سهم له وسهمين لفرسه وسهم في ذي القربى - سهم أمه صفية - يعني: يوم خيبر.
وكان ابن عيينة يهاب أن يذكر ابن عباد والحفاظ يروونه عن يحيى بن عباد.
قال أحمد:
قد رواه محمد بن بشر وهو من الحفاظ عن هشام عن يحيى بن عباد كما قال الشافعي.
وقد وصله سعيد بن عبد الرحمن ومحاضر بن المودع عن هشام عن يحيى بن عباد عن عبيد الله بن الزبير.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي عبد الله وأبي سعيد.
روى مكحول أن الزبير حضر خيبر فاسهم له رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خمسة أسهم: سهم له وأربعة أسهم لفرسيه.
535

فذهب الأوزاعي إلى قبول هذا عن مكحول منقطعا. وهشام بن عروة أحرص لو زيد الزبير لفرسين أن يقول به وأشبه إذا خالفه مكحول أن يكون أثبت في حديث أبيه منه لحرصه على زيادته وإن كان حديثه مقطوعا لا تقوم به حجة فهو كحديث مكحول ولكنا ذهبنا إلى أهل المغازي فقلنا أنهم لم يرووا أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أسهم لفرسين ولم يختلفوا أن النبي [صلى الله عليه وسلم] حضر خيبر بثلاثة أفراس لنفسه: السكب والظرب والمرتجز.
ولم يأخذ منها إلا لفرس واحد.
1126 - [باب]
العبيد والنساء والصبيان يحضرون الوقعة
5345 - / أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز أنه أخبره:
أن ابن عباس كتب إلى نجدة كتبت تسألني:
هل كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يغزو بالنساء؟
وقد كان يغزو بهن فيداوين المريض - وذكر كلمة أخرى.
وكتبت تسألني هل كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يضرب لهن بسهم؟
فلم يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة.
أخرجه مسلم كما مضى.
وذكر الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه:
حديث سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز في النساء والعبيد.
5346 - وقد أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو حامد بن بلال حدثنا يحيى بن الربيع حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد عن يزيد بن هرمز فيما كتب ابن عباس إلى نجدة:
536

وكتبت تسأل عن العبد والمرأة يحضران المغنم هل لهما من المغنم شيء؟
ليس لهما شيء إلا أن يحذيا.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان.
وذكر الشافعي حديث حفص بن غياث عن محمد بن زيد بن المهاجر عن عمير مولى أبي اللحم قال:
شهدت خبير وأنا مملوك فأعطاني رسول الله [صلى الله عليه وسلم] من خرثي المتاع.
5347 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا حفص بن غياث. فذكره بإسناده نحوه وزاد قال: ولم يسهم لي.
5348 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وإنما ذهب الأوزاعي إلى حديث رجل ثقة وهو منقطع وروى أن النبي [صلى الله عليه وسلم] غزا بيهود ونساء من نساء المسلمين فضرب لليهود والنساء بمثل سهمان الرجال.
والحديث المنقطع عندنا لا يكون حجة وإنما اعتمدنا على حديث ابن عباس لأنه متصل.
وقد رأيت أهل العلم بالمغازي قبلنا يوافقون ابن عباس فيه.
قال أحمد:
وروينا عن ابن جريج وغيره عن / الزهري:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] غزا بناس من اليهود فأسهم لهم.
وروينا عن مكحول وخالد بن معدان:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أسهم للنساء والصبيان وكلاهما منقطع.
537

ويحتمل أن يكون المراد به الرضخ.
وفيما روى الواقدي بإسناده فيمن استعان بهم من اليهود:
فاسهم لهم كسهمان المسلمين.
وإسناده ضعيف ومنقطع.
5349 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما حكي عن أبي يوسف عن محمد بن إسحاق عن رجل:
أن ابن عباس كتب إلى نجدة في جواب كتابه:
كتبت إلي تسألني عن الصبي متى يخرج من اليتم ومتى يضرب له بسهم؟
وأنه يخرج من اليتم إذا احتلم. ويضرب له بسهم.
واحتج بحديث ابن عمر وأنه لم يجزه النبي [صلى الله عليه وسلم] يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة.
5350 - وبهذا الإسناد حكاه عن أبي يوسف قال:
أخبرنا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أنه قال: استعان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بيهود قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم.
قال أحمد:
تفرد به الحسن بن عمارة وهو متروك.
وقد روى محمد بن عمرو عن سعد بن المنذر عن أبي حميد الساعدي قال:
خرج رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: فذكر قصة بني قينقاع.
وهم رهط عبد الله بن سلام إياه وهم على دينهم فقال: قل لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين وهذا الإسناد أصح.
538

وقد كره الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه الاستعانة بالمشركين.
واحتج بحديث مالك وقد مضى ذكره.
وبحديث يزيد بن هارون عن مسلم بن سعيد عن حبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال:
خرج رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في بعض غزواته فأتيته أنا ورجل قبل أن نسلم فقال:
((أسلمتما))؟
قلنا: لا. قال:
((فإنا لن نستعين بالمشركين على المشركين)).
فأسلمنا وشهدنا.
5351 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا مكرم بن أحمد حدثنا / عبد الله بن روح حدثنا يزيد بن هارون فذكره. ورخص في الجديد الاستعانة بهم إذا كانت فيهم منفعة للمسلمين واحتج بخروج صفوان بن أمية معه في غزوة حنين وهو مشرك وحمل الحديث على أنه كان يرجوا إسلامه.
والله أعلم.
ويرضخ لهم قياسا على النساء والعبيد والصبيان.
وروي عن سعيد بن مالك: أنه غزا بقوم من اليهود فرضخ لهم.
وهذا فيما ذكره وكيع عن الحسن بن صالح عن الشيباني أنه حكاه.
1127 - [باب]
قسمة الغنيمة في دار الحرب
5352 - أخبرنا أبو سعيد وأبو عبد الله قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله بعد حكاية قول أبي حنيفة والأوزاعي وأبي يوسف في ذلك القول:
539

كا قاله الأوزاعي وما احتج به عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] معروف عند أهل المغازي لا يختلفون فيه أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قسم غير مغنم في بلاد الحرب.
فأما ما احتج به أبو يوسف من أن النبي [صلى الله عليه وسلم] ظهر على بني المصطلق فصارت دارهم دار إسلام.
فإن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أغار عليهم وهو غارون في نعمهم فقتلهم وسابهم وقسم أموالهم وسبيهم في دارهم سنة خمس وإنما أسلموا بعدها بزمان وإنما بعث إليهم الوليد بن عقبة مصدقا سنة عشر وقد رجع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عنهم ودارهم دار حرب.
وأما خيبر فما علمته كان فيها مسلم واحد ما صالح إلا اليهود وهم على دينهم وما حول خيبر كله دار حرب.
وما علمت لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] سرية قفلت من موضعها حتى تقسم ما ظهرت عليه.
وأما حديث مجالد عن الشعبي عن عمر أنه قال:
من جاءك منهم قبل [أن] يتفقأ القتلى فأسهم له.
فهو إن لم يكن ثابتا داخلا فيما عاب على الأوزاعي فإنه عاب عليه أن يروى عن غير الثقات المعروفين.
وما علمت الأوزاعي / قال عن النبي [صلى الله عليه وسلم] من هذا إلا ما هو معروف.
وقد احتج على الأوزاعي بحديث رجال هو يرغب عن الرواية عنهم.
وإن كان حديث مجالد ثابتا فهو يخالفه فذكر وجه مخالفته إياه كما مضى في مسألة المدد.
قال: وبلغني عنه أنه قال:
وإن قسم ببلاد الحرب ثم جاء المدد قبل [أن] تتفقأ القتلى لم يكن للمدد شيء وإن تفقأت القتلى وهو في بلاد الحرب لم يخرجوا.
540

وكذلك روي عن أبي بكر وعمر.
فأما ما احتج به من أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يقسم غنائم بدر حتى ورد المدينة وما ثبت من الحديث إن قال والدليل على ذلك أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أسهم لعثمان وطلحة ولم يشهدا بدرا.
فإن كان كما قال فهو يخالف سنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فيه لأنه يزعم أنه ليس للإمام أن يعطي أحدا لم يشهد الوقعة ولم يكن مددا على الذين شهدوا الوقعة ببلاد الحرب.
وقد زعم أن النبي صلى الله عليه [وسلم] أعطى هذين ولم يكونا مددا ولم يشهدا الوقعة.
وليس كما قال:
قسم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] غنائم بدر بسير شعب من شعاب الصفراء قريب من بدر.
وكانت غنائم بدر كما روى عبادة بن الصامت عنهما المسلمون قبل تنزل الآية في سورة الأنفال فلما تشاحوا عليها انتزعها الله من أيديهم بقوله:
* (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) *.
وكانت لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] [كلها] خالصا وقسمها بينهم وأدخل معهم ثمانية نفر لم يشهدوا الوقعة من المهاجرين والأنصار وهم بالمدينة وإنما أعطاهم من ماله وإنما نزلت:
* (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) * بعد غنيمة بدر.
ولم يعلم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أسهم لخلق لم يشهدوا الوقعة بعد نزول الآية.
541

ومن أعطى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خالصا من المؤلفة قلوبهم وغيرهم وإنما من ماله أعطاهم لا من أربعة أخماس.
وأما ما احتج به من وقعة عبد الله بن جحش وابن الحضرمي / فذلك قبل بدر وقبل نزول الآية وكانت وقعتهم في آخر يوم من الشهر الحرام فتوقفوا فيما صنعوا حتى نزلت:
* (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير) *.
وليس مما خالف فيه الأوزاعي بسبيل.
قال أحمد:
وإنما قال هذا لأن أبا يوسف احتج بأن عبد الله بن جحش حين بعثه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في سرية فأصاب عمرو بن الحضرمي وأصاب أسيرا أو اثنين وأصاب ما كان معهم أدما وزبيبا.
فقدم بذلك على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ولم يقسمه حتى قدم المدينة.
فأجاب الشافعي عنه بأنهم إنما لم يقسموه لأنهم كانوا متوقفين فيما صنعوا لوقوع قتالهم في الشهر الحرام ثم أن ذلك قبل بدر وقبل نزول الآية في قسمة الغنيمة.
وأما احتجاج أبي يوسف على الأوزاعي بحديث رجال هو يرغب عن الرواية عنهم فهو:
أنه احتج بحديث الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يقسم غنائم بدر إلا من بعد مقدمه المدينة.
وعن بعض أشياخهم عن الزهري ومكحول عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه لم يقسمه غنيمة في دار الحرب قط.
وهذا منقطع.
542

والحسن بن عمارة عن أهل العلم بالحديث متروك.
وأما ما قال الشافعي في قسمة غنيمة بدر فكذلك ذكره محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي.
وما ذكر من نزول الآية فكذلك ذكره عبادة بن الصامت.
وما ذكر من إسهام النبي [صلى الله عليه وسلم] ثمانية لم يشهدوها فهم:
عثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد فهؤلاء من المهاجرين.
وأما من الأنصار: فأبو لبابة، والحارث بن حاطب، وعاصم بن عدي، وخوات بن جبير والحارث بن الصمة.
سماهم أبو الأسود في المغازي عن عروة بن الزبير.
وسماهم محمد بن إسحاق بن يسار.
وقال الشافعي في موضع آخر:
سبعة أو ثمانية.
وإنما قال ذلك لأن موسى بن عقبة لم يذكر الحارث بن حاطب.
وأما احتجاج أبي يوسف بأن النبي [صلى الله عليه وسلم] افتتح بلاد بني / المصطلق فصارت بلادها دار إسلام وبعث الوليد بن عقبة يأخذ صدقاتهم بهذا بخلاف ما يعرفه أهل العلم بالمغازي.
وقد روينا في الحديث الثابت عن نافع عن ابن عمر:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تستقي على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم.
وفي حديث عروة ثم في حديث موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن ذلك كان سنة خمس.
543

وروينا في حديث أبي موسى الهمداني عن الوليد بن عقبة: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لما افتتح مكة وذلك سنة ثمان جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح رؤسهم ويدعو لهم وأنه جيء به إليه فلم يمسحه.
فكيف يجوز أن يستدل ببعث الوليد بن عقبة على أن بلادهم صارت دار إسلام حين قسم بها غنائمهم والوليد كان صبيا بعده في سنة ثمان وإنما بعثه إليهم مصدقا بعد ذلك بزمان طويل كما قال الشافعي رحمه الله وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في كتاب السنن.
1128 - [باب]
السرية تأخذ العلف والطعام
5353 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في مبسوط كلامه:
قد قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((أدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار، ونار وشنار يوم القيامة)).
وكان الطعام داخلا في معنى أموال المشركين وأكثر من الخيط والمخيط والفلس والخرزة التي لا يحل أخذها لأحد دون أحد.
فلما أذن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في بلاد الحرب في الطعام كان الإذن فيه خاصا خارجا من الجملة التي استثنى. ثم ساق الكلام إلى أن قال:
مع أنه يروى من حديث بعض الناس مثل ما علمت من أن النبي [صلى الله عليه وسلم] أذن لهم أن يأكلوا في بلاد العدو ولا يخرجوا بشيء من الطعام.
فإن كان مثل هذا يثبت عن النبي [صلى الله عليه وسلم] فلا حجة لأحد معه.
وإن كان لا يثبت لأن في رجاله من يجهل فكذلك / في رجال من روى عنه إحلاله من يجهل.
544

قال أحمد:
أما الحديث في إباحته في دار الحرب: فقد ذكر الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه حديث يزيد بن هارون وغيره عن سليمان بن المغيرة وذلك فيما:
5354 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أحمد بن سلمان حدثنا الحسن بن مكرم حدثنا شبابة بن سوار حدثنا سليمان بن المغيرة.
5355 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثناأبو داود حدثنا القعنبي وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا سليمان عن حميد بن هلال عن عبد الله بن معقل قال:
دلى جراب من شحم يوم خيبر فأتيته فالتزمته ثم قلت لا أعطي من هذا أحدا اليوم شيئا قال فالتفت فإذا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يبتسم إلي.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سليمان.
وأخرجاه من حديث شعبة.
وذكره الشافعي أيضا حديث حماد بن زيد وذلك فيما:
5356 - أخبرنا أبو زكريا المزني أخبرنا عبد الباقي بن قانع حدثنا إسحاق بن الحسن حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا ابن المبارك حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال:
كنا نأتي المغازي مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فتصيب العسل والسمن فنأكله.
رواه البخاري في الصحيح عن مسدد عن حماد إلا أنه قال:
كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكل ونرفعه.
وذكر الشافعي أيضا ما:
545

5357 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ أخبرنا أبو عمرو بن حماد أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن عن أبي برزة قال: كنا في غزاة لنا فلقينا أناس من المشركين فأجهضناهم عن ملة لهم فوقعنا فيها.
قال: فجعلنا نأكل منها وكنا نسمع في الجاهلية أنه من أكل الخبر سمن فلما أكلنا تلك الخبزة جعل أحدنا ينظر في عطفيه هل يسمن.
وذكر الشافعي حديث يزيد عن هشام عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يغزون فيصيبون من الطعام ويعلفون من العلف.
وذكر / غير ذلك وفيما ذكرنا كفاية.
فأما الحديث الذي أشار إليه في الجديد في النهي عن الخروج بشيء من الطعام فكأنه أراد - والله أعلم - حديث الواقدي عن عبد الرحمن بن الفضيل عن العباس بن عبد الرحمن الأشجعي عن أبي سفيان عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم خيبر:
((كلوا واعلفوا ولا تحملوا)).
5358 - أخبرناه علي بن محمد بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا أحمد بن الخليل حدثنا الواقدي فذكره.
وأراد بالحديث الذي روي في معارضته ما:
5359 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا سعيد بن منصور حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن ابن حرشف الأزدي حدثه عن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] قال:
كنا نأكل الجزر في الغزو ولا نقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتنا منه مملأة.
546

وفي كلا الإسنادين ضعف كما قال الشافعي وروينا عن الحسن البصري أنه قال:
غزوت مع عبد الرحمن بن سمرة مع رجال من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] وكانوا إذا صعدوا إلى الثمار أكلوا من غير أن يفسدوا أو يحملوا.
5360 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا أحمد بن علي الجرار حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا أبو حمزة العطار قال قلت للحسن:
إني امرؤ متجري إلى الأيلة وأنا أملأ بطني من الطعام فأصعد إلى أرض العدو وآكل من تمره ومن بسره فما ترى؟
فقال الحسن: فذكره.
وذكر الشافعي في القديم حديث ابن محيريز عن فضالة عن عبيد.
5361 - أخبرناه علي بن محمد بن بشران أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا سعدان حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون قال حدثنا خالد بن دريك عن ابن محيريز عن فضالة بن عبيد قال:
إن ناسا يريدون أن يستنزلوني عن ديني وإني والله لأرجو أن لا أزال عليه حتى أموت: ما كان من شيء بيع بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين.
وفي / رواية الشافعي قال:
يؤكل الطعام في أرض الحرب فأما بيع منه من شيء بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين.
وبمعناه رويناه من وجه آخر.
1129 - [باب]
أخذ السلاح وغيره بغير إذن الإمام
5362 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال
547

قال الشافعي: وقال الأوزاعي في السلاح يأخذه من الغنيمة يقاتل به ما كان الناس في معمعة القتال ولا ينتظر برده الفراغ من الحرب فيعرضه للهلاك وانكسار ثمنه في طول مكثه في دار الحرب.
وروي أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((إياك وربا الغلول أن تركب الدابة حتى تج [دها] قبل أن ترد إلى المغنم أو تلبس الثوب حتى يخلق قبل أن يرد إلى المغنم)).
قال الشافعي:
وقد روي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه قال:
((لو نزعت سهما من جنبك في بلاد العدو ما كنت بأحق به من أخيك)).
قال أحمد:
الحديث الذي ذكر الشافعي قد مضى بإسناده في كتاب القسم.
وأما الحديث الذي احتج به الأوزاعي فمعناه فيما رواه محمد بن إسحاق قال:
حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق مولى نجيب عن حنش عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال:
قام فينا خطيبا فقال: إني لا أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يقول يوم حنين قال قال عليه السلام:
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره)).
يعني: إتيان الحبالى من الفيء.
((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها بحيضة ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيع مغنما حتى يقسم ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه)).
548

5363 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا سعيد بن منصور وغيره قالا:
حدثنا أبو / معاوية عن محمد بن إسحاق فذكره.
قال أبو داود: الحيضة ليست بمحفوظة.
قال أحمد:
رواه غيره عن ابن إسحاق فلم يذكرها.
5364 - أخبرناه أبو عبد الله وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال قال أبو يوسف:
هذا الحديث عندنا على من يفعل ذلك وهو عنه غني يبقى بذلك على دابته أو على ثوبه أو يأخذ ذلك يريد به الخيانة. ثم ساق الكلام إلى أن قال:
وكيد يحل هذا ما دام في المعمعة ويحرم بعد ذلك؟
وقد بلغنا عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه كان يغنم الغنيمة فيها الطعام فيأكل أصحابه منها إذا احتاج رجل جاء فأخذ حاجته فحاجة الناس إلى السلاح في دار الحرب وإلى الدواب والثياب أشد من حاجتهم إلى الطعام.
وذكر حديث أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن أبي المجالد عن عبد الله بن أبي أوفى صاحب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
كنا مع رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بخيبر يأتي أحدنا إلى الطعام من الغنيمة فيأخذ حاجته.
قال الشافعي:
إن كان أبو يوسف إنما جعل السلاح والدواب والثياب قياسا على الطعام فمن أخذ الطعام من غني يجد ما يشتري به طعاما وفقير لا يجده سواء يحل لهم أكله وأكله استهلاك له وهو إذا قال السلاح والدواب عليه جعل له أن يستهلك السلاح والدواب كما يستهلك الطعام ويتفكه بركوب الدواب كما يتفكه بالطعام.
وبسط الكلام في هذا إلى أن قال:
وما أعلم ما قال الأوزاعي إلا موافقا للسنة معقولا لأنه يحل في حال الضرورة الشيء فإذا انقضت الضرورة لم يحل.
549

1130 - [باب]
الحكم في ذراري من ظهر عليه
وحد البلوغ في أهل الشرك
5365 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
وحد البلوغ في أهل الشرك الذين يقتل بالغهم ويترك غير بالغهم أن ينبتوا الشعر. وذكر المعنى في ذلك ثم قال:
كشف رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بني قريظة حين قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وكان من سنته أن لا يقتل إلا رجلا بالغا فمن كان أنبت قتله ومن لم يكن أنبت سبا.
وقال في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه:
أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي أنه سمعه وهو يقول:
كنت فيمن حكم فيه سعد فلم أنبت فتركت.
5366 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال حدثني إبراهيم بن عثمان الكوفي عن عبد الملك بن عمير قال سمعت عطية القرظي يقول:
عرضنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يوم قريظة فمن أنبت منا قتله ومن لم ينبت منا استحياه وسباه.
وقد مضى في كتاب الحجر ما ذكره من الأسانيد في هذا الباب.
1131 - [باب]
الحكم في الرجال البالغين
5367 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
550

ظهر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على قريظة وخيبر فقسم عقارها من الأرضين والنخل قسمة الأموال.
وسبى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ولدان بني المصطلق وهوازن ونساءهم فقسمهم قسمة الأموال.
وأسر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أهل بدر فمنهم من من بلا شيء أخذه منه ومنهم من أخذ منه فدية ومنهم من قتله.
وكان المقتولان بعد الإسار يوم بدر: عقبة بن معيط والنضر بن الحارث.
وكان من الممنون عليهم بلا فدية:
أبو غرة الجمحي تركه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لبناته وأخذ عليه أن لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن لا يفلت فما أسر من المشركين رجلا غيره.
فقال يا محمد: امنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن لا أعود لقتالك.
/ فقال النبي [صلى الله عليه وسلم]:
((لا تمسح على عارضيك بمكة تقول قد خدعت محمدا مرتين)).
فأمر به فضربت عنقه.
ثم أسر رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ثمامة بن أثال الحنفي بعد فمن عليه ثم عاد ثمامة بن أثال الحنفي بعد فأسلم وحسن إسلامه.
قال الشافعي:
أخبرنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فدا رجلا من المسلمين برجلين من المشركين.
551

هكذا وقع متن هذا الحديث في كتاب قتال المشركين وأظنه غلطا من الكاتب والصحيح ما:
5368 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ - في كتاب اختلاف الأحاديث - قال: حدثنا أبو الربيع أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال:
أسر أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رجلا من بني عقيل وكانت ثقيف قد أسرت رجلا من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم] ففداه النبي [صلى الله عليه
وسلم] بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف.
5369 - وبإسناده قال قال الشافعي:
وأخبرنا عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل المغازي أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أسر النضر بن الحارث العبدري يوم بدر وقتله بالبادية أو بالنازية أو الأثيل صبرا.
وأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أسر عقبة بن أبي معيط يوم بدر فقتله صبرا.
5370 - وبإسناده قال قال الشافعي:
أخبرنا عدد من أهل العلم:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أسر أبا غرة الجمحي يوم بدر فمن عليه ثم أسره يوم أحد فقتله صبرا.
وأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أسر سهيل بن عمرو، وأبا وداعة السهمي وغيرهم ففداهم بأربعة آلاف أربعة آلاف وفادى بعضهم بأقل.
وكان ما وصفت من فعل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يدل على أن الإمام إذا أسر رجلا من المشركين أن يقتل وأن يمن بلا شيء وأن / يفادى بمال يأخذ منه وأن يفادى بأن يطلق منهم على أن يطلق له بعض أسرى المسلمين.
لا إن بعض هذا ناسخ لبعض ولا مخالف له إلا من جهة إباحته.
552

5371 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي:
وسواء كان السبي من أهل الكتاب أو غير أهل الكتاب لأن بني قريظة كانوا أهل كتاب.
ومن وصفت أن النبي [صلى الله عليه وسلم] من عليهم كانوا من أهل الأوثان.
وقد من على بعض الكتابيين فلم يقتل وقتل أعمى من بني قريظة بعد الإسار.
قال أحمد:
قد روينا عن عروة أن ثابت بن قيس قال لرسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
هب لي الزبير اليهودي أجزيه بيد كانت له عندي فإعطاء إياه ثم أنه سأل ثابتا أن يقتله حين أخبره بقتل قومه فذكره لرسول الله [صلى الله عليه وسلم] فأمر به فقتل.
وفي مغازي موسى بن عقبة:
أنه الزبير بن باطا القرظي وكان يومئذ كبيرا أعمى.
1132 - [باب]
قتلهم بضرب الأعناق دون المثلة
5372 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله:
وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم قتلوهم بضرب الأعناق لأن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عن المثلة وقتل من قتل كما وصفت.
فإن قال قائل: قد قطع أيدي الذين استاقوا لقاحه وأرجلهم وسمل أعينهم فإن أنس بن مالك ورجلا رويا هذا عن النبي [صلى الله عليه وسلم] رويا فيه أو أحدهما:
أن النبي [صلى الله عليه وسلم] لم يخطب بعد ذلك خطبة إلا أمر بالصدقة ونهى عن المثلى.
5373 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا
553

المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن حميد الطويل عن أنس بن مالك:
أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فاحتووا المدينة فقال:
((لو خرجتم إلى ذودنا فشربتم من ألبانها وأبوالها)).
ففعلوا وارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي رسول الله [صلى الله عليه وسلم] واستقاقوا ذوده فبعث رسول الله / [صلى الله عليه وسلم] في طلبهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا.
5374 - وبإسناده قال حدثنا الشافعي عن الثقة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك بمثل معنى هذا الحديث عن النبي [صلى الله عليه وسلم] وزاد فيه أنس:
فما خطبنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بعد هذا خطبة إلا نهى فيها عن المثلة.
قال أحمد:
هذا الحديث دون هذه الزيادة مخرج في الصحيحين من حديث عبد العزيز بن صهيب عن حميد عن أنس.
وفي حديث قتادة عن أنس ثم نهى عن المثلة.
وفي رواية أخرى عن قتادة وقال:
بلغنا أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان يحث في خطبته بعد ذلك على الصدقة وينهى عن المثلة.
وروينا عن قتادة عن ابن سيرين أن هذا كان قبل أن تنزل الحدود.
قال الشافعي في رواية الربيع:
وكان علي بن الحسين ينكر حديث أنس في أصحاب اللقاح.
554

5375 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن حسين قال:
لا والله ما سمل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عينا ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم.
قال أحمد:
حديث أنس حديث ثابت صحيح قد رواه عنه جماعة من أصحابه وروى أيضا عن ابن عمر وفيهما جميعا أنه سمل أعينهم.
فلا معنى للإنكار بعد صحة الإسناد فإما أن يحمل على النسخ كما ذهب إليه ابن سيرين وقتادة.
وعلى ذلك حمله الشافعي في أول كلامه وإما أن يحمل على أنه فعل بهم ما فعلوا بالرعاء وعلى ذلك يدل حديث يحيى بن غيلان عن يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس:
أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إنما سمل أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة.
5376 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا محمد بن إسماعيل بن مهران حدثنا الفضل بن سهل الأعرج حدثنا يحيى بن غيلان قال حدثنا يزيد بن زريع فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن الفضل بن سهل.
5377 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا / أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح أن هبار بن الأسود كان قد أصاب زينب بنت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بشيء فبعث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] سرية فقال:
((إن ظفرتم بهبار فاجعلوه بين خرمتين من حطب ثم حرقوه)).
555

ثم قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله إن ظفرتم به فاقطعوا يده ثم رجله)).
وهذا منقطع.
وقوله أصابها بشيء يريد خروجه خلفها حين خرجت من مكة وردها حتى سقط بها بعيرها وأسقطت لذلك سقطا وقد ذكر الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه:
حديث الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة أن قال بعثنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في بعث وقال:
((إن وجدتم فلانا وفلانا)).
لرجلين من قريش.
((فاحرقوهما بالنار)).
ثم قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] حين أردنا الخروج:
((إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا بالنار وأن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما)).
5378 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد. بهذا الحديث.
رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة.
وذكر أيضا في رواية أبي عبد الرحمن حديث حمزة بن عمرو الأسلمي عن النبي [صلى الله عليه وسلم] في هذا المعنى.
وذكر الحديث ابن عليه عن يونس عن الحسن عن عمران بن حصين وسمرة قالا:
556

ما خطبنا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة.
وحديث بريدة أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان إذا بعث سرية قال:
((لا تمثلوا)).
وحديث عبد الله بن يزيد أن النبي [صلى الله عليه وسلم] نهى عن المثلة.
وحديث ابن عباس أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عن الصبر.
وحديث أبي أيوب أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] نهى عن صبر / الروح.
وحديث ابن عباس أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا تتخدوا شيئا فيه الروح غرضا)).
وحديث ابن عمر أنه مر بقوم قد نصبوا دجاجة وهم يرمونها فقال إن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال:
((لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا)).
وحديث أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
نهى أن تصبر البهائم.
وحديث هني بن نويرة أن ابن مكعبر مثل به فقال علقمة قال عبد الله قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان)).
557

وحديثه عن ابن علية عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد قال قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم مديته وليرح ذبيحته)).
وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في كتاب السنن.
قال الشافعي:
والمثلة التي نهى عنها رسول الله [صلى الله عليه وسلم] هو أن تقطع أيدي المشركين إذا أسروا وتجزع آذانهم وأنفهم.
وقد فعل ذلك أبو سفيان يوم أحد فمثل بأصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((لأمثلن بكذا وكذا منهم)).
قال: ونهى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عند ذلك عن المثلة.
قال أحمد:
روينا في حديث روي عن ابن عباس أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال حين رأى حمزة:
((لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين رجلا منهم)).
فأنزل الله عز وجل:
* (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) *.
فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
((بل نصبر يا رب)).
558

قال الشافعي:
المثلة واتخاذ ما فيه الروح غرضا وإحراق أهل الشرك بالنار لا يحل فعل ذلك بهم بعد أن يؤسروا ويحل أن يقاتلوا فيرموا بالنبل والحجارة وبشهب النار وكل ما فيه دفع لهم عن حرب المسلمين ومعونة لأهل الإسلام عليهم وقد أباح الله رمي الصيد بالنبل ما كان ممتنعا فإذا أخذ فقد نهى رسول الله صلى الله / عليه وسلم أن يتخذ غرضا برمي وأمر أن يذبح أحسن الذبح والآدمي في ذلك أكثر من الصيد وبسط الكلام فيه.
1133 - [باب]
إسلام المشرك بعد الأسر
5379 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال:
أسر أصحاب رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رجلا من بني عقيل فأوثقوه فطردوه في الحرة فمر به رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ونحن معه - أو قال أتى رسول الله [صلى الله عليه وسلم] على حمار وتحته قطيفة - فناداه يا محمد يا محمد فأتاه النبي [صلى الله عليه وسلم] فقال:
((ما شأنك))؟
قال: فيم أخذت وفيم أخذت سابقة الحج؟ قال:
((أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف)).
وكان ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي [صلى الله عليه وسلم].
فتركه ومضى. فناداه يا محمد. يا محمد. فرحمه رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فرجع إليه فقال:
[((ما شأنك))].
فقال: إني مسلم. قال:
559

((لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح)).
قال: فتركه ومضى فناداه: يا محمد. يا محمد فرجع إليه فقال: إني جائع فأطعمني. قال: وأحسبه قال: وإني عطشان فأسقني. قال:
هذه حاجتك)).
قال ففداه رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
وفي نسخة أخرى: ففاداه بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف.
وأخذ ناقته تلك.
أخرجه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الوهاب.
وفي حديث إسحاق: وأخذت ناقة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] بتلك.
وسبيت امرأة من الأنصار فذكر قصة المرأة.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد وحده في قول رسول الله [صلى الله عليه وسلم].
((أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف)).
إنما هو أن المأخوذ مشرك مباح الدم والمال لشركه من جميع جهاته والعفو عنه مباح فلم ينكر أن يقول:
((أخذت)) أي حبست بجريرة حلفائكم ثقيف ويحبسه بذلك / ليصيروا إلى أن يحلوا من أراد.
وقد غلظ بهذا بعض من تشدد في الولاية فقال:
يؤخذ الولي بالولي من المسلمين.
وهذا مشرك يحل بأن يؤخذ بكل جهة وقد قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لرجلين من المسلمين:
560

((هذا ابنك))؟
قال: نعم. فقال:
((أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه)).
وقضى الله تبارك وتعالى أن:
* (ألا تزر وازرة وزر أخرى) *.
فلما كان حبسه هذا حلالا بغير جناية غيره وإرساله مباحا جاز أن يحبس بحناية غيره لاستحقاقه ذلك بنفسه.
قال الشافعي:
وأسلم هذا الأسير فرأى النبي [صلى الله عليه وسلم] أنه أسلم بلا نية قال:
((لو قلتها وأنت تملك نفسك أفلحت كل الفلاح)).
وحقن بإسلامه دمه ولم يخله بالإسلام إذ كان بعد إساره وإذ فداه النبي [صلى الله عليه وسلم] بعد إسلامه بالرجلين فهذا أنه أثبت عليه الرق بعد إسلامه.
وهذا رد لقول مجاهد فإن سفيان أخبرنا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال:
إذا أسلم أهل العنوة فهم أحرار وأموالهم فيء للمسلمين.
فتركنا هذا استدلالا بالخبر عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال: وإذ فداه برجلين من أصحابه فإنما فداه بهما أنه فك الرق عنه بأن خلوا صاحبيه.
وفي هذا دلالة على أن لا بأس أن يعطي المسلمون المشركين كل من يجري عليه الرق وإن أسلم إذا كان لا يسترق.
وهذا العقيلي لا يسترق لموضعه فيهم.
وبسط الكلام فيه إلى أن قال:
561

فدا النبي [صلى الله عليه وسلم] هذا العقيلي الذي أسلم ورده إلى بلده وهي أرض كفر لعلمه بأنهم لا يصدونه لقدرة فيهم وشرفه عندهم.
قال أحمد:
ومن ادعى نسخ هذا الحديث بقوله:
* (فلا ترجعوهن إلى الكفار) *.
فالآية في النساء وقد رد أبا بصير بعد نزول الآية حتى انفلت بنفسه ورجع العباس إلى مكة بعد إسلامه وقبل الفتح لأنه كان لا يخاف أن يضروه أو يفتن عن دينه لشرفه فيهم.
[تم المجلد السادس ويليه إن شاء الله المجلد السابع
وأوله [باب من يجري عليه الرق)]
وأسأل الله لي ولذريتي ولجميع المسلمين حسن الختام
القاهرة في: 22 / 2 / 1991 م
أبو إسلام: سيد كسروي حسن
562