الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ٢٣
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

باب الواو وهب بن كيسان أبو نعيم لمالك عنه حديثان قد غلبت عليه كنيته فأهل المدينة يقولون وهب بن كيسان وغيرهم يقول وهب بن أبي مغيث وهو وهب بن كيسان مولى عبد الله بن الزبير بن العوام ويقال مولى آل الزبير
قال الواقدي كان محدثا ثقة ولقي عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم سعد بن أبي وقاص وابن عمر وجابر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري ولم تكن له فتوى وكان من سكان مو المدينة وبها كانت وفاته سنة سبع وعشرين ومائة
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن وهب بن كيسان قال رأيت سعد بن مالك وأبا هريرة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك يلبسون الخز
قال أحمد بن زهير حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن وهب بن كيسان وكان قد أدرك ابن عمر
9

أخبرني أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن العباس قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا أشهب عن مالك قال كان وهب بن كيسان يقعد إلينا ولا يقوم أبدا حتى يقول لنا اعلموا أنه لا يصلح آخر هذا الأمر إلا ما أصلح أوله
قلت يريد ماذا قال يريد في بادىء الإسلام أو قال يريد التقوى
10

حديث أول لوهب بن كيسان
196 مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا قبل الساحل فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاثمائة قال وأنا فيهم قال فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبو عبيدة ابن الجراح بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك كله فكان مزودي تمر فكان يقوتناه كل يوم قليلا قليلا حتى فني ولم تصبنا إلا تمرة تمرة فقلت وما تغني تمرة فقال لقد وجدنا فقدها حين فنيت قال ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظرب فأكل منه الجيش ثمان عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبتا ثم أمر براحلة فرحلت (ثم مرت) تحتهما فلم تصبهما
قال ملك الظرب الجبيل
11

قال أبو عمر هذا حديث صحيح مجتمع على صحته وفيه من الفقه إرسال الخلفاء السرايا إلى أرض العدو والتأمير على السرية أوثق أهلها
وفيه أن المواساة واجبة بين المسلمين بعضهم على بعض إذا خيف على البعض التلف فواجب أن يرمقه صاحبه بما يرد مهجته ويشاركه فيما بيده ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أدخل على من ملك زادا في زاده أن يشرك معه فيه غيره في حديث سويد بن النعمان وهو عندي ضرب من القضاء بذلك ولوجوب المواساة عند الشدة ارتفع عند أهل العلم قطع السارق إذا سرق شيئا من الطعام في عام سنة والله أعلم وفي مجمع الأزواد بركة وخير
وقد ذكرنا في معنى الزاد في السفر ما فيه مقنع في باب يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار وفيه أكل ميتة البحر من دوابه وغيرها لأن دوابه إذا جاز أكلها ميتة فسمكه أولى بذلك لأن السمك لم يختلف في أكله
واختلف في أكل الدواب منه فكان أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي يقولون لا يؤكل من حيوان البحر شيء إلا السمك ما لم يكن طافيا فإذا كان طافيا لم يؤكل أيضا
وقال ابن أبي ليلى ومالك والأوزاعي والليث والشافعي لا بأس بأكل كل ما في البحر سمكا كان أو دابة وهو أحد قولي الثوري
12

وروى أبو إسحاق الفزاري عن الثوري أنه لا يؤكل من صيد البحر إلا السمك
وقال الشافعي ما يعيش في الماء حل أكله وأخذه ذكاته ولا يحتاج إلى ذكاته
وقد ذكرنا هذه المسألة مجودة ممهدة في باب صفوان بن سليم وأتينا فيها من أقاويل العلماء بأكثر مما ذكرنا ههنا والصحيح في هذا الباب أنه لا بأس بأكل ما في البحر من دابة وحوت وسواء ميتة وحية في ذلك بدليل هذا الحديث المذكور في هذا الباب وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته
ولا وجه لقول من قال إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا مضطرين ذلك الوقت إلى الميتة فمن هناك جاز لهم أكل تلك الدابة وهذا ليس بشيء لأن أكلهم لم يكن على وجه ما تؤكل عليه الميتة للضرورة وذلك أنهم أقاموا عليها أياما يأكلون منها ومن اضطر إلى الميتة ليس يباح له المقام عليها بل يقال له خذ منها ما تحتاج وانتقل منها إلى طلب المباح من القوت وقد ذكرنا في باب صفوان بن سليم من صحيح الأثر ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح ذلك لغير المضطر
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته ما يكفي ويغني عن قول كل قائل والحمد لله
وقد احتج بهذا الحديث من أجاز أكل اللحم الذكي إذا صل وأنتن وليس في هذا الحديث بيان ذلك بما يرفع الإشكال
13

وقد روي عن مالك أنه قال لا بأس بأكل الطافي من السمك ما لم ينتن وهو قول جمهور العلماء وفي حديث أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في الصيد الذي يغيب عن صاحبه يأكله ما لم ينتن وعلى أن هذا الخبر في أكل هذه الدابة قد تأول فيه قوم الضرورة كما ذكرته لك
وحديث أبي ثعلبة هذا حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا موسى بن معاوية حدثنا معن بن عيسى القزاز عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا الصيد وإن وجدتموه بعد ثلاثة أيام ما لم ينتن
وحدثناه سعيد بن سيد حدثنا عبد الله بن محمد الباجي حدثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن حدثنا ابن وضاح حدثنا موسى بن معاوية فذكره بإسناده سواء
وأما حديث جابر هذا فقد روي من وجوه كثيرة كلها ثابتة صحيحة وقد رواه هشام بن عروة عن وهب بن كيسان حدثنا خلف ابن القاسم قال حدثنا أحمد بن محمد ابن أبي
الموت المكي قال حدثنا أحمد بن زيد بن هارون قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي
14

قال حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال خرجنا في سرية بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ثلاثمائة رجل فقلت أزوادنا حتى ما كان يصيب كل رجل منا إلا تمرة فجئنا البحر فإذا نحن بحوت ألقاه البحر ميتا فأقمنا عليه فمكثنا اثنتي عشرة ليلة نأكل منه ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال نعم الجار البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته
وقد رواه أبو الزبير عن جابر حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر بن يحيى قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في سرية مع أبي عبيدة فألقى لنا البحر حوتا فأكلنا منه نصف شهر وايتدمنا منه وأدهنا بودكه حتى ثابت أجسامنا
ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي الزبير عن مولى لأبي بكر عن أبي بكر قال كل ما في البحر من دابة قد ذبحها الله لك فكلها
قال وأخبرنا الثوري عن عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس قال أشهد على أبي بكر أنه قال السمكة الطافية حلال لمن أراد أكلها
وهذا الباب فيه زيادات في باب صفوان بن سليم من هذا الكتاب
15

حديث ثان لأبي نعيم وهب بن كيسان
296 مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام ومعه ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم سم الله وكل مما يليك (4932)
هذا الحديث عند مالك ظاهره الانقطاع في الموطأ وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سم الله وكل مما يليك
وهو حديث مسند متصل لأن أبا نعيم سمعه من عمر بن أبي سلمة
وقد لقي في الصحابة من هو أكبر من عمر بن أبي سلمة
قال يحيى بن معين وهب بن كيسان أكبر من الزهري وقد سمع من ابن عمر وابن الزبير
قال أبو عمر قد ذكرنا جماعة من الصحابة سمع منهم أبو نعيم هذا منهم ابن عمر ومنهم سعد بن أبي وقاص وكان بدريا فكيف ينكر سماعه من عمر بن أبي سلمة
حدثنا أحمد بن فتح حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو العلاء محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قالا
16

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الوليد ابن كثير عن أبي نعيم وهب بن كيسان سمعه من عمر بن أبي سلمة قال كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك
وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم ابن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا الوليد بن كثير أنه سمع أبا نعيم وهب بن كيسان يقول سمعت عمر بن أبي سلمة يقول كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم يا غلام إذا أكلت فسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك
فما زالت تلك طعمتي بعد
قال أبو عمر وقد سمع أبو وجزة السعدي هذا الحديث من عمر بن أبي سلمة وأبو وجزة أصغر سنا من أبي نعيم وهب بن كيسان وأقل لقاء
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم قال حدثنا موسى بن داود قال حدثنا
17

سليمان بن بلال عن أبي وجزة السعدي قال أخبرني عمر بن أبي سلمة قال دعاني النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام نأكله فقال ادن فسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك
وقد روى هذا الحديث هشام بن عروة فاختلف عليه فيه فمنهم من رواه عن هشام بن عروة عن أبي وجزة عن عمر بن أبي سلمة ومنهم من رواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة هكذا رواه معمر وروح بن القاسم عن هشام بن عروة
18

85 مالك عن الوليد بن عبد الله بن صياد
396 مالك عن الوليد بن عبد الله بن صياد أن المطلب بن عبد الله بن حويطب المخزومي أخبره أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الغيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تذكر من المرء ما كره أن يسمع فقال رجل يا رسول الله وإن كان حقا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قلت باطلا فذلك البهتان (5610)
هكذا قال يحيى المطلب بن عبد الله بن حويطب وإنما هو المطلب ابن عبد الله بن حنطب كذلك قال ابن وهب وابن القاسم وابن بكير ومطرف وابن نافع والقعنبي عن مالك في هذا الحديث حنطب لا حويطب وهو الصواب إن شاء الله
وهو المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب المخزومي عامة أحاديثه مراسيل ويرسل عن الصحابة يحدث عنهم ولم يسمع منهم وهو تابعي مدني ثقة يقولون أدرك جابرا واختلف في سماعه من عائشة وحدث عن ابن عامر وأبي هريرة وأبي قتادة وأم سلمة وأبي موسى وأبي رافع ولم يسمع من واحد منهم وليس هذا
19

الحديث عند القعنبي في الموطأ وهو عنده في الزيادات وهو آخر حديث في كتاب الجامع من موطأ ابن بكير وهو حديث مرسل وقد روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا عبد الرحمن بن يحيى حدثنا علي بن محمد حدثنا أحمد ابن داود قال حدثنا سحنون قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة فقال ذكرك أخاك بما يكره قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته
حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث قال حدثنا محمد بن معاوية ابن عبد الرحمن قال حدثنا جعفر بن محمد بن المستفاض قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة قال سمعت العلاء بن عبد الرحمن يحدث عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال هل تدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره
قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته
20

قال أبو عمر رواه جماعة عن العلاء كما رواه شعبة سواء وهذا حديث يخرج في التفسير المسند في قول الله عز وجل * (ولا يغتب بعضكم بعضا) * 4912
فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الغيبة وكيف هي وما هي وهو المبين عن الله عز وجل
حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن أسامة بن عبد الرحمن بن أبي السمح حدثنا أبي قال حدثنا هارون بن سعيد حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا ابن زيد قال قال محمد بن المنكدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم خرج من هذا البيت فمر برجلين أعرفهما وأعرف أنسابهما فقال عليكما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فإنكما لا تؤمنان بالله ولا باليوم الآخر فقلت أجل يا رسول الله فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فما ذنبهما قال ذنبهما أنهما يأكلان لحوم الناس
قال أبو عمر يصحح هذا قوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت
وهذا وما كان مثله إنما معناه نقصان الإيمان وعدم كماله لا الكفر وقد بينا مثل هذا في غير موضع والحمد لله
21

أخبرنا عبد الرحمن حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة قال أخبرني سليمان بن كيسان قال كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر عنده رجل بفضل أو صلاح قال كيف هو إذا ذكر عنده إخوانه فإن قالوا إنه ينتقصهم وينال منهم قال عمر ليس هو كما تقولون وإن قالوا إنه يذكر منهم جميلا وخيرا ويحسن الثناء عليهم قال هو كما تقولون إن شاء الله
قال أبو عمر يكفي في ذم الغيبة قول الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) *
وقال الشاعر احذر الغيبة فهي ال فسق لا رخصة فيه إنما المغتاب كالآ كل من لحم أخيه وروى ابن علية عن يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين قال ظلم لأخيك المسلم أن تقول أسوأ ما تعلم فيه
وعن الحسن البصري أنه سأله رجل فقال يا أبا سعيد اغتبت فلانا وأنا أريد أن أستحله فقال لم يكفك أن اغتبته حتى تريد أن تبهته
22

وعن قتيبة بن مسلم أنه سمع رجلا يغتاب آخر فقال أمسك عليك فوالله لقد مضغت مضغة طالما لفظها الكرام
وعن عتبة بن أبي سفيان أنه قال لابنه عمرو إياك واستماع الغيبة نزه سمعك عن الخنا كما تنزه لسانك عن البذا فإن المستمع شريك القائل وإنما نظر إلى أخبث ما يكون في وعائه فألقاها في وعائك ولقد أحسن القائل تحر في الطريق أوساطها وعد عن الموضع المشتبه وسمعك صن عن سماع القبي ح كصون اللسان عن القول به فإنك عند استماع القبي ح شريك لقائله فانتبه وهذا مأخوذ من قول كعب بن زهير والله أعلم فالسامع مع الذم شريك له ومطعم المأكول كالآكل وكان أبو حازم يقول أربح التجارة ذكر الله وأخسر التجارة ذكر الناس يعني بالشر وهذا باب يحتمل أن يفرد له كتاب وقد أكثر العلماء والحكماء من ذم الغيبة والمغتاب وذم النميمة وجاء عنهم في ذلك من نظم الكلام ونثره ما يطول ذكره ومن وفق كفاه من الحكمة يسيرها إذا استعملها وما توفيقي إلا بالله وقد ذكرنا في
23

بهجة المجالس في باب الغيبة من النظم والنثر ما فيه الكفاية والحمد لله
ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول القائل إن شر الناس من يشكر لي حين يلقاني وإن غبت شتم ويحييني إذا لاقيته وإذا يخلو له لحمي كدم وكلام سئ قد وقرت منه أذناي وما بي من صمم لا يراني راتعا في مجلس في لحوم الناس كالسبع الضرم أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ببغداد إملاء يوم الجمعة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة قال حدثنا عبد الله بن روح المدائني قال حدثنا شبابة بن سوار قال حدثنا المغيرة بن مسلم عن يحيى البكاء قال كنت عند ابن عمر فجاءه رجل فوقع في الحجاج وشتمه فقال ابن عمر أرأيت لو كان شاهدا أكنت تقول هذا فقال لا فقال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
24

باب الياء
86 يزيد بن خصيفة ثلاثة أحاديث وهو يزيد بن خصيفة بن يزيد بن عبد الله الكندي ابن أخي السائب بن يزيد الكندي وكان ثقة مأمونا محدثا محسنا لا أقف له على وفاة روى عنه جماعة من أهل الحجاز
حديث أول ليزيد بن خصيفة
496 مالك عن يزيد بن خصيفة عن عروة بن الزبير أنه قال سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب المؤمن
مصيبة حتى الشوكة إلا قص بها أو كفر بها من خطاياه لا يدري أيهما قال عروة (506)
25

لم يختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث في الموطأ وتفرد فيه ابن وهب فيه بإسناد آخر عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وسائر أصحاب مالك يروونه عنه عن يزيد بن خصيفة كما في الموطأ ورواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة موقوفا هكذا حدث به عن هشام حماد بن سلمة والدراوردي ورواه يزيد بن الهادي عن أبي بكر بن حزم عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا وهو مرفوع صحيح وقد روي من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة مرفوعا وفيه دليل على أن الذنوب تكفرها المصائب والآلام والأمراض والأسقام وهذا أمر مجتمع عليه والحمد لله
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن جامع بن شداد عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال إن لا يكتب به الأجر وكان إذا حدثنا شيئا لم نسأله حتى يفسره لنا قال فكبر ذلك علينا فقال ولكن تكفر به الخطيئة
26

حديث ثان ليزيد بن خصيفة
596 مالك عن يزيد بن خصيفة أن السائب بن يزيد أخبره أنه سمع سفيان بن أبي زهير وهو من أزدشنؤة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث ناسا معه عند باب المسجد فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط قال أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إي ورب هذا المسجد (5412)
في هذا الحديث إباحة اتخاذ الكلب للزرع والماشية وهو حديث ثابت وقد ثبت عنه أيضا صلى الله عليه وسلم إباحة اتخاذه للصيد فحصلت هذه الوجوه الثلاثة مباحة بالسنة الثابتة وما عداها فداخل في باب الحظر وقد أوضحنا ما في هذا الباب من المعاني في باب نافع من هذا الكتاب والحمد لله
قال أبو عمر احتج بهذا الحديث ومثله من ذهب إلى إجازة بيع الكلب المتخذ للزرع والماشية والصيد لأنه ينتفع به في ذلك قال وكل ما ينتفع به في ذلك قال وكل ما ينتف به فجائز شراؤه وبيعه ويلزم قاتله القيمة لأنه أتلف منفعة أخيه
27

وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في هذا الباب كله أيضا في باب ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ولا معنى لتكرير ذلك ههنا
28

حديث حديث ثالث ليزيد بن خصيفة
696 مالك عن يزيد بن خصيفة أن عمرو بن عبد الله بن كعب السلمي أخبره أن نافع بن جبير أخبره عن عثمان ابن أبي العاص أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عثمان وبي وجع قد كاد يهلكني قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امسحه بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد قال فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر بذلك أهلي ومن أطاعني (509)
هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة وجمهورهم عن مالك وروته طائفة عن مالك عن يزيد بن خصيفة عن رجل أخبره أن نافع بن جبير بن مطعم أخبره أن عثمان بن أبي العاص أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث
في هذا الحديث دليل واضح على أن صفات الله غير مخلوقة لأن الاستعاذة لا تكون بمخلوق وفيه أن الرقي يدفع البلاء ويكشفه الله به وهو من أقوى معالجة الأوجاع لمن صحبه اليقين الصحيح والتوفيق الصريح وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم
29

أخبرنا عبد الرحمن حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال أخبرني نافع بن جبير بن مطعم عن عثمان ابن أبي العاص الثقفي أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر
30

مالك عن يزيد بن رومان أبي روح حديث واحد ويزيد بن رومان هذا مولى الزبير بن العوام كان أحد قراء أهل المدينة وكان عالما بالمغازي مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ثقة سكن مو المدينة وبها كانت وفاته سنة ثلاثين ومائة
(796) مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم صلى بهم (111)
31

لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ومتنه ورواه أبو أويس عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن أبيه خوات بن جبير فذكر معناه
ورواه عبد الله بن عمر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن القاسم ابن محمد عن صالح بن خوات عن أبيه مختصرا بمعناه
ورواه شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي خثمة مرفوعا ولم يختلف عن شعبة في إسناده هذا واختلف عنه في متنه على ما قد ذكرناه في باب نافع من هذا الكتاب وعند مالك فيه حديثه عن يحيى بن سعيد عن القاسم ابن محمد عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي خثمة موقوفا
وإلى حديث مالك عن يزيد بن رومان المذكور في هذا الباب ذهب الشافعي رحمه الله وأصحابه في صلاة الخوف وبه قال داود وهو قول مالك إلا أن ابن القاسم ذكر عنه
أنه رجع إلى حديث القاسم بن محمد في ذلك والخلاف منه إنما هو في موضع واحد وذلك أن الإمام عنده لا ينتظر الطائفة الثانية إذا صلى بها ركعة ولكن يسلم ثم تقوم تلك الطائفة فتقضي لأنفسها ذهب في ذلك إلى حديثه عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل ابن أبي خثمة
32

قال ابن القاسم كان مالك يقول لا يسلم الإمام حتى تقوم الطائفة الثانية فتتم لأنفسها ثم يسلم بهم على حديث يزيد بن رومان ثم رجع إلى حديث القاسم بن محمد أن الإمام يسلم ثم تقوم الطائفة الثانية فيقضون
قال أبو عمر لأهل العلم أقاويل مختلفة ومذاهب متباينة في صلاة الخوف قد ذكرناها وذكرنا الآثار التي بها نزع كل فريق منهم ومنها قال وإليها ذهب وأوضحنا ذلك ومهدناه بحججه ووجوهه وعلله في باب نافع من هذا الكتاب والحمد لله
وأما قوله يوم ذات الرقاع فهي غزاة معروفة عند جميع أهل العلم بالمغازي واختلف في المعنى الذي سميت به ذات الرقاع فذكر الأخفش عن أبي أسامة عن يزيد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فكنا نمشي على أقدامنا حتى نقبت فكنا نشدها بالخرق ونعصب عليها العصائب فسميت غزوة ذات الرقاع
قال أبو بردة فلما حدث أبو موسى بهذا الحديث ندم وقال ما كنا نصنع بذكر هذا كأنه كره أن يذكر شيئا من عمله الصالح
33

وقال غيره إنما سميت ذات الرقاع لأنهم رقعوا فيها راياتهم والرايات دون البنود وفوق الطرادات إلى البنود ما هي
وقيل كانت أرضا ذات ألوان وقيل إن ذات الرقاع شجرة نزلوا تحتها وانصرفوا يومئذ عن موادعة من غير قتال
34

يزيد بن الهادي وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي ابن أخي عبد الله بن شداد الهادي الليثي من أنفسهم ويكنى أبا عبد الله وكان أعرج وهو أحد ثقات المحدثين مو بالمدينة وتوفي بها في سنة تسع وثلاثين ومائة
روى عنه جماعة من الأئمة منهم مالك والليث
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال سئل يحيى بن معين عن يزيد بن الهادي فقال ثقة لمالك عنه من مرفوعات الموطأ ثلاثة أحاديث مسندة وبالله تعالى التوفيق
35

حديث أول ليزيد بن الهادي
896 ملك عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنه قال خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه فحدثني عن التوراة وحدثته عن رسول الله فكان فيما حدثته أن قلت قال رسول الله خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة وفيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين يصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه
قال كعب ذلك في كل سنة مرة
فقلت بل في كل جمعة فقرأ كعب التوراة فقال صدق رسول الله
قال أبو هريرة فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال من أين أقبلت فقلت من الطور فقال لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت سمعت رسول الله يقول لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الحرام أو
36

إلى مسجدي هذا أو إلى مسجد إيليا أو بيت المقدس
يشك قال أبو هريرة ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب وما حدثته في يوم الجمعة فقلت قال كعب ذلك في كل سنة مرة قال قال عبد الله بن سلام كذب كعب فقلت ثم قرأ كعب التوراة فقال بل هي في كل جمعة قال عبد الله بن سلام صدق كعب ثم قال عبد الله بن سلام قد علمت أية ساعة هي فقال أبو هريرة أخبرني بها ولا تضن علي فقال عبد الله بن سلام هي آخر ساعة في يوم الجمعة وقد قال رسول الله لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلى فيها فقال عبد الله بن سلام ألم يقل رسول الله من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي قال أبو هريرة فقلت بلى قال فهو ذلك (516)
قال أبو عمر لا أعلم أحدا ساق هذا الحديث أحسن سياقة من مالك عن يزيد بن الهادي ولا أتم معنى منه فيه إلا أنه قال فيه بصرة بن أبي بصرة ولم يتابعه أحد عليه وإنما الحديث معروف لأبي هريرة فلقيت أبا
37

بصرة الغفاري كذلك رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي أسامة عن أبي هريرة كذلك رواه سعيد بن المسيب وسعيد المقبري عن أبي هريرة كلهم يقول فيه فلقيت أبا بصرة الغفاري ولم يقل واحد منهم فلقيت بصرة بن أبي بصرة كما في حديث مالك عن يزيد بن الهادي وأظن الوهم فيه جاء من قبل مالك أو من قبل يزيد بن الهادي والله أعلم
وفيه من الفقه والعلم ضروب فأما قوله خرجت إلى الطور فقد بان في الحديث أنه لم يخرج البتة إلا تبركا به ليصلي فيه ولهذا المعنى لا يجب الخروج إلا إلى الثلاثة المساجد المذكورة في هذا الحديث وعلى هذا جماعة العلماء فيمن نذر الصلاة في هذه الثلاثة المساجد أو في أحدها أنه يلزمه قصدها لذلك ومن نذر صلاة في مسجد سواها صلى في موضعه ومسجده ولا شيء عليه ولا يعرف العلماء غير الثلاثة المساجد المذكورة في هذا الحديث المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد بيت المقدس لا يجري عندهم مجراها شيء من المساجد سواها
وقد روى محمد بن خالد الجندي عن المثنى بن الصباح عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله تعمل الرحال إلى أربعة مساجد إلى المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى وإلى مسجد الجند
38

قال أبو عمر هذا حديث منكر لا أصل له ومحمد بن خالد الجندي والمثنى بن الصباح متروكان ولا يثبت من جهة النقل والجند باليمن بلد طاوس
قال أبو عمر من كانت له حاجة من حوائج دنياه إلى ناحية الطور فليس خروجه إلى ذلك من هذا في شيء
وأما قوله فلقيت كعب الأحبار فكعب الأحبار هو كعب بن ماتع يكنى أبا إسحاق من آل ذي رعين من حمير ذكر الغلابي عن ابن معين قال هو كعب بن ماتع من ذي هجر الحميري
قال أبو عمر قيل أسلم كعب الأحبار في زمن عمر بن الخطاب وقيل كان إسلامه قبل ذلك وهو من كبار التابعين وعلمائهم وثقاتهم وكان من أعلم الناس بأخبار التوراة وكان حبرا من أحبار اليهود ثم أسلم فحسن إسلامه وكان له فهم ودين وكان عمر يرضى عنه وربما سأله وتوفي في خلافة عثمان سنة أربع وثلاثين قبل أن يقتل عثمان بعام
وفيه الإباحة في الحديث عن التوراة لأهل العلم بها وسماع ذلك مباح ممن لا يتهم بالكذب إلا أن الحكم في الحديث عن أهل الكتاب ما
39

قد ذكرناه في آخر كتاب العلم فمن تأمل هذا المعنى هناك اكتفى إن شاء الله
وفيه أن خير الأيام يوم الجمعة وهذا على الإطلاق والعموم وفي ذلك دليل على أن الأيام بعضها أفضل من بعض ولكن الفضائل في ذلك لا تعلم إلا بتوقيف ولا تدرك بقياس
وذكر موسى بن معاوية عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن ضمرة عن كعب الأحبار قال الصدقة يوم الجمعة تضاعف
قال حدثنا محمد بن فضيل عن حصين عن هلال بن يساف عن كعب الأحبار أنه قال في يوم الجمعة إنه لتفزع فيه الخلائق كلها إلا الجن والإنس وإنه لتضعف فيه الحسنة وإنه يوم القيامة
وفيه الخبر عن خلق آدم وهبوطه إلى الأرض وإنه قد تيب عليه من خطيئته وذلك والحمد لله ثابت بنص التنزيل الذي لا يجوز عليه التحريف والتبديل ولكن ليس في القرآن أن ذلك كان يوم الجمعة
وفيه دليل على إباحة الحديث عما يأتي ويكون وهذا من علم الغيب فما كان منه عن الأنبياء الذين يجوز عليهم إدراك بعضه من جهة الرسالة أو عمن أضاف إلى الله ذلك بخبر كتبه أو رسله فذلك جائز وقيام الساعة من الغيب الذي لم يطلع عليه أحد على حقيقة ونحن وإن علمنا أنها تقوم يوم جمعة بهذا الحديث فلسنا ندري
40

أي جمعة هي وقد سئل رسول الله عن الساعة وقيامها فقال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل وقد سأل عنها جبريل فقال نحو ذلك وقال الله عز وجل * (قل إنما علمها عند ربي) *
وقد أخبر رسول الله عن شروط وعلامات تكون قبلها وقد ظهر أكثرها أو كثير منها وقال الله عز وجل * (لا تأتيكم إلا بغتة) * 7 187
وأما قوله وما من دابة إلا وهي مصيخة فالإصاخة الاستماع وهو ههنا استماع حذر وإشفاق وخشية الفجأة والبغتة وأما أصل الكلمة في اللغة فالاستماع قال أعرابي وحديثها كالقطر يسمعه راعي سنين تتابعت جدبا فأصاخ يرجو أن يكون حيا ويقول من فرح أيا ربا وقال آخر لم أرم حتى إذا أصاخا صرخت لو يسمع الصراخا وقال أمية بن أبي الصلت فهم عند رب ينظرون قضاءه يصيخون بالأسماع للوحي ركد
41

وقال غيره يصف ثورا بريا يستمع صوت قانص ويصيخ أحيانا كما استمع ال مضل لصوت ناشد والمضل الذي وقد ضل بغيره أو دابته أو شيئه يقال منه أضل الرجل دابته فهو مضل وضلت البهيمة فهي ضالة والناشد الطالب يقال منه قد نشدت ضالتي إذا ناديت فيها وطلبتها ومنه نشدتك الله أب سألتك بالله وأما المنشد فهو المعرف بالضالة
وقيل هو الدال عليها والمعنى واحد متقارب ومنه قوله في لقطة مكة لا تحل إلا لمنشد
فمن هنا يقال أنشدت كما يقال في الشعر أنشدت الشعر ومن الأول يقال نشدت هذا قول جماعة من أهل اللغة
وفي هذا الحديث دليل على أن الإنس والجن لا يعلمون من معنى الساعة ما يعرف غيرهم من الدواب وهذا أمر تقصر عنه أفهامنا ومن هذا الجنس من العلم لم يؤت الناس منه إلا قليلا
وأما قوله وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا آتاه الله إياه فقد اختلف في تلك الساعة على حسبما قدمنا ذكره في باب أبي الزناد من هذا الكتاب وقول عبد الله بن سلام فيها أثبت شيء إن شاء الله ألا ترى إلى رجوع أبي هريرة إلى قوله وسكوته عندما ألزمه من الإدخال والمعارضة بأن منتظر الصلاة في صلاة وهو قول أبي هريرة وكعب وقد روي بنحو قول عبد الله بن سلام أحاديث مرفوعة قد ذكرنا بعضها هناك ومنها ما
42

حدثناه خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا الصباحي قال حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا بكر بن بكار حدثنا محمد بن أبي حميد حدثنا موسى بن وردان عن أنس بن مالك قال قال رسول الله التمسوا الساعة التي في يوم الجمعة بعد العصر إلى غروب الشمس
حدثنا يونس بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا عبد السلام بن حفص عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله إن الساعة التي يتحرى فيها الدعاء يوم الجمعة هي آخر ساعة من الجمعة
أخبرنا أحمد بن محمد قراءة مني عليه أن أحمد بن الفضل العباس حدثهم قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن إدريس وأسد بن عمرو والمحاربي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله إن في يوم الجمعة لساعة يقللها لا يوافقها عبد مسلم فيسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه
فقال عبد الله بن سلام قد علمت أي ساعة هي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة
قال الله عز وجل * (خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون) * 2137
43

حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير قال حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا ابن أبي فديك قال حدثني بن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن الرسول قال إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مؤمن يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه قال فقدم علينا كعب الأحبار فقال له أبو هريرة ذكر رسول الله ساعة في يوم الجمعة لا يوافقها مؤمن يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه
قال كعب صدق والذي أكرمه إنها الساعة التي خلق الله فيها ءدام والتي تقوم فيها الساعة
وحدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثني عمرو بن محمد العثماني حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن الثقة عن صفوان ابن سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال قال النبي الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة بعد العصر إلى غروب الشمس
قال وحدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحرث عن الجلاح مولى عمر بن عبد العزيز أن أبا سلمة
44

حدثه عن جابر عن رسول الله أنه قال في الجمعة اثنتا عشر ساعة منها ساعة لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا إعطاه إياه التمسوها آخر ساعة بعد العصر
قال أبو عمر الصحيح في هذا ما جاء عن أبي سلمة عن أبي هريرة وأما عن أبي سلمة عن أبي سعيد أو جابر فلا والله وأعلم
حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جبير حدثنا ابن المثنى حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن إبراهيم بن ميسرة قال أخبرني من أرسله عمرو بن أوس إلى أبي هريرة يسأله عن الساعة التي في الجمعة فقال هي بعد العصر وشعبة عن الحكم عن ابن عباس قوله مثله وشعبة عن يونس بن حباب عن عطاء عن أبي هريرة مثله
وحدثنا أحمد حدثنا محمد حدثنا ابن حميد حدثنا هارون عن عبسة عن سالم عن سعيد بن جبير عن عباس قال الساعة التي تذكر يوم الجمعة ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس
وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر يوم الجمعة لم يتكلم إلى غروب الشمس
45

وذكر موسى بن معاوية عن جرير عن ليث عن مجاهد وطاوس عن أبي هريرة أنه قال الساعة التي في الجمعة بعد العصر حتى تغيب الشمس أو بعد الصبح حتى تطلع الشمس قال فكان طاوس إذا صلى العصر يوم الجمعة لم يكلم أحدا ولم يلتفت مشغولا بالدعاء والذكر حتى تغيب الشمس
وذكر سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال أخبرني إسماعيل بن كثير أن طاوسا أخبره أن الساعة من يوم الجمعة التي تقوم فيها الساعة والتي أنزل فيها آدم والتي لا يدعو فيها المسلم بدعوة صالحة إلا استجاب الله له من حين تصفر الشمس إلى حين تغيب
فهذا ما بلغنا من الأخبار في معنى قول عبد الله بن سلام في ساعة يوم الجمعة وذلك أثبت ما قيل في ذلك إن شاء الله
أما الآثار المخالفة لذلك والأقوال فقد مضى ذكرها في باب أبي الزناد والحمد لله
وأما قوله فقال كعب هي كل سنة مرة فقلت بل في كل جمعة ثم قرأ كعب التوراة فقال صدق رسول الله ففيه دليل على أن العالم قد يخطئ وأنه ربما قال على أكبر ظنه فأخطأ ظنه
وفيه أن سمع الخطأ وجب عليه إنكاره ورده على كل من سمعه منه إذا كان عنده في رده أصل صحيح كأصل أبي هريرة في إنكاره على كعب
46

وفيه أن على العالم إذا رد عليه قوله طلب التثبت فيه والوقوف على صحته حيث رجاه من مواضعه حتى تصح له أو يصح قول منكره فينصرف إليه
وفيه دليل على أن الواجب على كل من عرف الحق أن يذعن إليه فأما قول أبي هريرة فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري إلى آخر قصته معه فهكذا في الحديث من رواية مالك بصرة بن أبي بصرة لم يختلف عنه في ذلك ولا عن يزيد بن الهادي وإنما جاء ذلك من يزيد لا من مالك فيما أظن والله أعلم
وغير يزيد يقول في هذا الحديث فلقيت أبا بصرة الغفاري وأبو بصرة اسمه حميل بن بصرة وقد سماه زيد بن أسلم في حديثه هذا
حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا زكرياء بن يحيى الناقد قال حدثنا سعيد بن سليمان عن محمد بن عبد الرحمن بن مجير قال حدثنا زيد بن أسلم عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه خرج إلى الطور ليصلي فيه ثم أقبل فلقي حميل الغفاري فقال له حميل من أين جئت قال من الطور قال أما إني لو لقيتك لم تأته قال لم قال لأني سمعت رسول الله يقول لا تضرب أكباد الإبل إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس
47

وروى القعنبي قال حدثنا الدراوردي عن زيد بن أسلم عن المقبري عن أبي هريرة أنه خرج إلى الطور يصلي فيه ثم أقبل فلقيني حميل ابن بصرة الغفاري ثم ذكر مثله حرفا بحرف إلى آخره
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا إسماعيل بن علي اللخمي ببغداد قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عثمان بن عمر قال حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن عبد الله بن سلام قال بدأ الله خلق الأرض فخلق سبع أضين في يومين يوم الأحد ويوم الاثنين وقدر فيها أقواتها في
يومين يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ثم استوى إلى السماء فخلقهن في يومين يوم الخميس وقضاهن في آخر يوم الجمعة وهي الساعة التي خلق الله فيها آدم على عجل والساعة التي تقوم فيه الساعة ما خلق الله عز وجل من دابة إلا هي تفزع من يوم الجمعة إلا الإنسان والشيطان
وحدثنا عبد الله حدثنا إسماعيل حدثنا محمد بن عثمان قال حدثنا أبو بلال الأشعري قال حدثنا الفضيل بن سليمان قال أخبرنا محمد بن زيد قال حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن قال اجتمع أبو هريرة وعبد الله بن سلام فذكروا عن النبي الساعات التي في
48

يوم الجمعة وذكر أنه قالها فقال عبد الله بن سلام أنا أعلم أية ساعة هي بدأ الله عز وجل في خلق السماوات والأرض يوم الأحد وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة فهي آخر ساعة من يوم الجمعة وفي قول عبد الله بن سلام كذب كعب ثم قوله صدق كعب دليل على ما كان القوم عليه من إنكار ما يجب إنكاره والإذعان إلى الحق والرجوع إليه إذا بان لهم
ومعنى قوله كذب كعب يريد غلط كعب وقد تضع العرب أحيانا هذه اللفظة بمعنى الغلط وقد فسرنا ذلك بالشاهد عليه في باب ابن شهاب عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمرو
وفي قول عبد الله بن سلام قد علمت أية ساعة هي دليل على أن للعالم أن يقول أنا أعلم كذا وقد علمت كذا وأنا أعلم بكذا إذا لم يكن ذلك على سبيل الفخر والسمعة وفي قول أبي هريرة أخبرني بها ولا تضن علي أي لا تبخل علي دليل على ما كان القوم عليه من الحرص على العلم والبحث عنه وفي مراجعة أبي هريرة لعبد الله بن سلام حين قال هيب آخر ساعة من يوم الجمعة واعتراضه عليه بأنها ساعة لا يصلى فيها ورسول الله قد قال لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه أدل دليل على إثبات المناظرة والمعارضة وطلب الحجة ومواضع الصواب وفي إدخال عبد الله بن سلام عليه قول رسول الله من انتظر صلاة فهو في صلاة وإذعان أبي هريرة إلى ذلك دليل بين على ما كان القوم
49

عليه من البصر بالاحتجاج والاعتراضات والإدخال والإلزامات في المناظرة وهذا سبيل أهل الفقه أجمع إلا طائفة لا تعد من العلماء أعرقوا في التقليد وأزاحوا أنفسهم من المناظرة والتفهم وسموا المذاكرة مناظرة جهلا منهم بالأصول التي منها ينزع أهل النظر وإليها يفزع أولوا البصر والله المستعان
حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله بن سلام قال قال النبي من انتظر الصلاة فهو في الصلاة حتى يصلي قال أنت سمعته قلت نعم قال فهو كذلك
وأخبرنا أحمد بن عبد الله حدثنا الحسن بن إسماعيل حدثنا عبد الملك بن يحيى حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا سنيد حدثنا الحجاج عن ابن جريج قال قال عطاء عن بعض أهل العلم لا أعلمه إلا ابن عباس أنه قال في الساعة المستجاب فيها يوم الجمعة هي بعد العصر فقيل له لا صلاة بعد العصر قال بلى ولكن ما كان في مصلاه لم يقم منه فهو في الصلاة
50

حديث ثان ليزيد بن الهادي
996 مالك عن يزيد بن الهادي عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أنه قال كان رسول الله يعتكف العشر الوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من صبحتها من اعتكافه قال من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد من صبحتها في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر
قال أبو سعيد فأمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد قال أبو سعيد فأبصرت عيناي رسول الله انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين (199)
قال أبو عمر في هذا الحديث وهو من أصح حديث يروى في هذا الباب دليل على أن الاعتكاف في رمضان سنة مسنونة لأن رسول الله كان
51

يعتكف في رمضان ويواظب على ذلك وما واظب عليه فهو سنة لأمته والدليل على أنه كان يعتكف في كل رمضان قوله كان رسول الله يعتكف العشر الوسط من رمضان فاعتكف عاما ثم ساق القصة وهذا يدل على أنه كان يعتكف كل رمضان والله أعلم
وأجمع علماء المسلمين على أن الاعتكاف ليس بواجب وأن فاعله محمود عليه مأجور فيه وهكذا سبيل السنن كلها ليست بواجبة فرضا ألا ترى إلى إجماعهم على قولهم هذا فرض وهذا سنة أي هذا واجب وهذا مندوب إليه وهذه فريضة وهذه فضيلة
وأما قوله حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج فيها من صحبتها من اعتكافه فهكذا رواية يحيى من صبحتها وتابعه على ذلك جماعة منهم ابن بكير والشافعي وأما القعنبي وابن وهب وابن القاسم وجماعة أيضا فقالوا في هذا الحديث عن مالك وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه
لم يقولوا من صبحتها
وقال يحيى بن يحيى وابن بكير والشافعي من صبحتها
حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن يزيد عبد الله بن الهادي عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
52

عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله يعتكف العشر الوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي كان يخرج من صبحتها من
اعتكافه وذكر الحديث إلى آخره حرفا بحرف كرواية يحيى إلا أنه قال في موضع وقد رأيت هذه الليلة وقال أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقال رأيتني أسجد فجعل في موضع وقد قال في الموضعين وقد أريت في موضع رأيت وقال فأمطرت السماء من تلك الليلة فزاد من
وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا يحيى ين أيوب وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطرف بن عبد الرحمن قالا حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن مالك عن يزيد بن الهادي عن محمد بن إبراهيم بم الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أنه قال كان رسول الله يعتكف العشر الوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبحتها من اعتكافه وساق الحديث كرواية يحيى حرفا بحرف إلى آخره هكذا قال ابن بكير يخرج من صبحتها وقال يحيى يخرج فيها من صبحتها وقال الشافعي
53

يخرج من صبحتها وقال القعنبي وابن القاسم وطائفة يخرج فيها ولم يقولوا من صبحها ولا من صحبتها وروى ابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك قال ولا بأس بالاعتكاف في أول الشهر ووسطه وآخره فمن اعتكف في أوله أو وسطه فليخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه وإن اعتكف في آخر الشهر فلينصرف إلى بيته حتى يشهد العيد مع المسلمين ويبيت ليلة الفطر في معتكفه ويرجع من المصلى إلى أهله قال وكذلك بلغني عن النبي
وقال ابن القاسم فأن خرج ليلة الفطر فلا قضاء عليه
وقال ابن الماجشون وسحنون يفسد اعتكافه لأنه السنة المجتمع عليها أنه يبيت في معتكفه حتى يصبح
قال أبو عمر لم يقل بقولهما أحد من أهل العلم فيما علمت ولا وجه له في القياس لأن ليلة الفطر ليست بموضع اعتكاف ولا صيام ولا من شهر رمضان ولا يصح فيها عن النبي شيء
وقد روى ابن القاسم عن مالك في المستخرجة في المعتكف يخرج ليلة الفطر من اعتكافه لا إعادة عليه
وقال مالك في الموطأ أنه رأى أهل الفضل إذا اعتكفوا العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهليهم حتى يشهدوا العيد مع الناس
54

وقال الشافعي إذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل قبل الغروب فإذا أهل هلال شوال فقد أتم العشر وهو قول أبي حنيفة وأصحابه
قال أبو عمر قد أجمعوا في المعتكف العشر الأول أو الوسط من رمضان أنه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه وفي إجماعهم على ذلك ما يوهن رواية من روى يخرج من صبحتها أو في صبحتها واختلفوا في العشر الأواخر وما أجمعوا عليه يقضي على ما اختلفوا فيه من ذلك ويدل والله أعلم على تصويب رواية من روى يخرج فيها من اعتكافه يعني بعد الغروب والله أعلم والصحيح في تحصيل مذهب مالك أن مقام المعتكف ليلة الفطر في معتكفه وخروجه منه إلى العيد استحباب وفضل لا إيجاب وليس مع من أوجب ذلك حجة من جهة النظر ولا صحيح الأثر بالله التوفيق
واختلف العلماء أيضا في المعتكف متى يدخل المسجد الذي يريد الاعتكاف فيه فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم إذا أوجب على نفسه اعتكاف شهر دخل المسجد قبل غروب الشمس
قال مالك وكذلك من أراد أن يعتكف يوما أو أكثر دخل معتكفه قبل
55

غروب الشمس من ليلة ذلك اليوم وقال الشافعي إذا قال لله علي اعتكاف يوم دخل قبل طلوع الفجر وخرج بعد غروب الشمس خلاف قوله في الشهر
وقال زفر والليث بن سعد يدخل في الشهر وفي اليوم قبل طلوع الفجر وهو قول أبي يوسف ولم يفرقوا بين الشهر واليوم
قال أبو عمر ذهب هؤلاء إلى أن الليل لا مدخل له في الاعتكاف إلا أن يتقدمه ويتصل به اعتكاف نهار وذهب أولئك إلى أن الليلة تبع لليوم في كل أصل فوجب اعتبار ذلك
وروى يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أن النبي كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل المكان الذي يعتكف فيه
قال أبو عمر قد ذكرنا معاني الاعتكاف وأصول مسائله وأمهات أحكامه في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب وأجمع العلماء على أن رمضان كله موضع للاعتكاف وأن الدهر كله موضع للاعتكاف إلا الأيام التي لا يجوز صيامها وقد ذكرنا ما لهم من التنازع في الاعتكاف بغير صوم في باب ابن شهاب عن عروة وذكرنا اختلافهم في صيام أيام التشريق في غير موضع من هذا الكتاب والحمد لله
56

وأما قوله في ليلة القدر إني رأيتها ثم أنسيتها ورأيتني أسجد من صبحتها في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر
فعلى هذا أكثر العلماء أنها عندهم في الوتر من العشر الأواخر وقد ذكرنا ما في ليلة القدر من المذاهب والآثار والاعتبار والاختيار في باب حميد الطويل من كتابنا هذا فلا معنى لتكرير ذلك ههنا
وقد روي من حديث جابر بن سمرة أن رسول الله قال التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان فإني قد رأيتها ونسيتها وهي ليلة مطر وريح وهذا نحو معنى حديث أبي سعيد الخدري في هذا الباب
أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا أحمد بن منظور قال حدثنا عبد الرحمن بن شريك عن أبيه عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان فإني قد رأيتها فنسيتها وهي ليلة مطر وريح أو قال قطر وريح
قال البزار ولا نعلم أحدا روى هذا اللفظ بهذا الحديث إلا عبد الرحمن بن شريك
وحدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا عبد الرحمن بن شريك عن أبيه عن سماك عن جابر بن سمرة عن النبي في ليلة القدر أنها ليلة ريح ومطر
57

قال أبو عمر هذا معناه في ذلك العلم وذلك الوقت والله أعلم وأما قوله وكان المسجد على عريش فإنه أراد أن سقفه كان معرشا بالجريد من غير طين فوكف المسجد يعني هطل فصار من ذلك في المسجد ماء وطين فانصرف رسول الله وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من سجوده على ذلك قال الشاعر في معنى وكف كأن أسطارها في بطن مهرقها نور يضاحك دمع الواكف الهطل وقد اختلف قول مالك في الصلاة في الطين فمرة قال لا يجزيه إلا أن ينزل بالأرض ويسجد عليها على قدر ما يمكنه ومرة قال يجزيه أن يوميء إيماء ويجعل سجوده أخفض من ركوعه إذا كان الماء قد أحاط به
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن عمر ابن يحيى قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أنه أومأ في ماء وطين
قال عمرو وما رأيت أعلم من جابر بن زيد قال عمرو وأخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول لو نزل أهل البصرة عند قول جابر ابن زيد لأوسعهم علما عما في كتاب الله وبه عن سفيان عن أبي بكر الهذلي قال ذكرت لقتادة الحسن ونفرا من نحوه فقال ما ذكرت أحدا إلا والحسن أفقه منه إلا جابر بن زيد
58

أخبرنا أبو عثمان سعيد بن نصر وسعيد بن عثمان قالا حدثنا أبو عمر أحمد بن دحيم بن خليل قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا داود بن عمرو الضبي قال حدثنا عمرو بن الرماح قاضي بلخ قال أخبرني كثير بن زياد أبو سهل عن عمرو بن عثمان بن يعلى عن أبيه عن جده قال كان النبي في سفر فأصابتنا السماء فكانت البلة من تحتنا والسماء من فوقنا وكان في مضيق فحضرت الصلاة فأمر رسول الله بلالا فأذن وأقام ثم تقدم رسول الله فصلى على راحلته والقوم على رواحلهم يوميء إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع
وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوارق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أحمد بن محمد بن هاني الأثرم قال حدثنا شريح بن النعمان قال حدثنا ابن الرماح عن أبي سهل كثير بن زياد البصري عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن أمية عن أبيه عن جده أن رسول الله انتهى إلى مضيق ومعه أصحابه والسماء من فوقهم البلة من أسفل منهم وحضرت الصلاة فأمر رسول الله المؤذن فأذن أو أقام فتقدمهم رسول الله فصلى بهم على راحلته وهم على رواحلهم يوميء إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع أو قال يجعل سجوده أخفض من ركوعه
59

قال وحدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا أبان قال حدثنا أنس ابن سيرين قال أقبلت مع أنس بن مالك من الشام حتى أتينا سواء ببط وحضرت الصلاة والأرض كلها غدير فصلى على حمار يوميء إيماء
قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن جابر بن زيد في الذي تحضره الصلاة وهو في ماء وطين قال يوميء إيماء
قال وحدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن لهيعة عن عمار بن غزية في الرجل تدركه الصلاة وهو في ماء وطين قال يصلي قائما متوجها إلى القبلة يوميء برأسه
قال وحدثنا منجاب بن الحارث قال أخبرنا شريك عن ليث عن طاوس قال إذا كان ردع أو مطر فصل على الدابة
قال وسمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يسأل عن الصلاة المكتوبة على الراحلة فقال لا يصلى على الراحلة في الأمن إلا في موضعين إما في طين وإما في تطوع قال وصلاة الخوف
وذكر أبو عبد الله حديث يعلى بن أمية الذي ذكرناه في هذا الباب
وسئل أبو عبد الله أحمد بن حنبل مرة أخرى عن الصلاة على الراحلة فقال أما في الطين فنعم يعني المكتوبة
قال أبو عمر من أتى من الصلاة على الراحلة أو على قدميه بالإيماء من أجل الطين والماء احتج بحديث هذا الباب عن أبي سعيد الخدري قوله
60

فأبصرت عيناي رسول الله انصرف وعلى جبهته وأنفه ويروي على جبينه وأنفه أثر الماء والطين قالوا فلو حاز الإيماء في ذلك ما كان رسول الله ليضع أنفه وجبهته في الطين وهذا حديث صحيح وحديث يعلى بن أمية ليس إسناده بشيء
قال أبو عمر أما إذا كان الطين والماء مما يمكن السجود عليه وليس فيه كبير تلويث وفساد للثياب وجاز تمكين الجبهة والأنف من الأرض فهذا موضع لا تجوز فيه الصلاة على الراحلة ولا على الأقدام بالإيماء لأن الله عز وجل قد افترض الركوع والسجود على كل من قدر على ذلك كيفما قدر وأما إذا كان الطين والوحل والماء الكثير قد أحاط بالمسجون أو المسافر الذي لا يرجو الانفكاك منه ولا الخروج منه قبل خروج الوقت وكان ماء معينا غرقا وطينا قبيحا وحلا فجائز لمن كان في هذه الحال أن يصلي بالإيماء على ما جاء في ذلك عن العلماء من الصحابة والتابعين فالله أعلم بالعذر وليس بالله حاجة إلى تلويث وجهه وثيابه وليس في ذلك طاعة إنما الطاعة الخشية والعمل بما في الطاقة
وفي هذا الحديث أيضا ما يدل على أن السجود على الأنف والجبهة جميعا وأجمع العلماء على أنه إن سجد على جبهته وأنفه فقد أدى فرض الله في سجوده واختلفوا فيمن سجد على أنفه دون جبهته أو
61

جبهته دون أنفه فقال مالك يسجد على جبهته وأنفه فإن سجد على أنفه دون جبهته لم يجزه وإن سجد على جبهته دون أنفه كره ذلك وأجزأ عنه
وقال الشافعي لا يجزيه حتى يسجد على أنفه وجبهته وهو قول الحسن بن حي
وقد روى حماد بن سلمة عن عاصم الأحوال عن عكرمة أن رسول الله قال من لم يضع أنفه بالأرض فلا صلاة له
وقال أبو حنيفة إذا سجد على جبهته أو ذقنه أو أنفه أجزأه وحجته حديث ابن عباس عن النبي أمرت أن أسجد على سبعة أرادب ذكر منها الوجه قال فأي شيء وضع من الوجه أجزأه وهذا ليس بشيء لأن هذا الحديث قد ذكر فيه جماعة الأنف والجبهة
وأما قوله وذلك صبيحة ليلة إحدى وعشرين فذلك يدل على أن تلك الليلة كانت ليلة القدر لا محالة والله أعلم لأن رسول الله قال إني رأيتها ثم أنسيتها ورأيتني أسجد من صبحتها في ماء وطين فكان كما رأى في نوم ومعلوم أن ليلة القدر جائز أن تكون ليلة إحدى وعشرين وفي كل وتر من العشر الأواخر أيضا وقد قيل في غير الوتر وفي غير العشر الأواخر أيضا إذا كان في شهر
62

رمضان وقد قدمنا ذكر ذلك كله في باب حميد الطويل من هذا الكتاب
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن ليلة القدر في كل رمضان ليلة إحدى وعشرين وذهب آخرون إلى أنها ليلة ثلاث وعشرين في كل رمضان وذهب آخرون إلى أنها ليلة سبع وعشرين في كل رمضان وذهب آخرون إلى أنها تنتقل في كل وتر من العشر الأواخر وهذا عندنا هو الصحيح إن شاء الله
وقد ذكرنا القائلين بهذه الأقاويل وما روي في ذلك كله من الأثر في باب حميد الطويل والحمد لله وذكرنا في باب أبي النضر من هذا الكتاب ما قيل في ليلة ثلاثة وعشرين ومن قطع بأنها ليلة ثلاث وعشرين أبدا وهي عندنا تنتقل وبهذا يصح استعمال الآثار المرفوعة وغيرها وبالله التوفيق
ذكر عبد الرزاق عن الأسلمي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا كان يتحرى ليلة القدر تسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين
وعن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود قال قال عبد الله بن مسعود تحروا ليلة القدر سبع عشرة صباحة بدر أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين
63

وعن الأسلمي عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال ليلة القدر في كل رمضان تأتي
ومن حديث أبي ذر أن رسول الله قال هي في كل رمضان
وعن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر في كل وتر
قال أبو عمر هذا أصح لأن ابن عمر روى عن رسول الله أنه قال التمسوها في العشر الأواخر في كل وتر وهي التسع الأواخر وفي التسع الأواخر في كل وتر
وقد روي ذلك من حديث عمر عن النبي حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير حدثنا عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس عن عمر أن النبي ذكر ليلة القدر فقال التمسوها في العشر الأواخر في وتر منها
64

وروي مثل ذلك من حديث أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقد روى الدراوردي حديث أبي سعيد عن يزيد بن الهادي بإسناده وساقه سياقة حسنة وذكر فيه أن رسول الله كان ينصرف إذا اعتكف العشر الأوسط ليلة إحدى وعشرين وهذا يدل على أن ذلك كان ليلا وهذا يرد رواية من روى عن مالك في هذا الحديث وهي الليلة التي كان يخرج من صبحتها من اعتكافه ويصحح رواية من روى هي الليلة التي كان يخرج فيها من اعتكافه
حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قراءة مني عليه أن الميمون بن حمزة الحسني حدثهم قال حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر فإذا كان يمسي من عشرين ليلة تمضي وتستقبل إحدى وعشرين يرجع إلى مسكنه ويرجع من كان يجاور معه ثم أقام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس وأمرهم بما شاء الله عز وجل فقال إني كنت أجاوز هذه العشر ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه وقد رأيت هذه
65

الليلة ثم أنسيتها فابتغوها في العشر الأواخر وابتغوها في كل وتر وقد رأيتني صبيحتها أسجد في طين وماء
قال أبو سعيد فاشتملت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد في مصلى رسول الله ليلة إحدى وعشرين بصر عيني نظرت إليه انصرف من صلاة الصبح وجبينه ممتلئ طينا وماء
66

حديث ثالث ليزيد بن الهادي
7007007 007 مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن أبي مرة مولى أم هانىء عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه دخل على أبيه عمرو بن العاصي فوجده يأكل قال فدعاني قال فقلت له إني صائم فقال هذه الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهن وأمرنا بفطرهن
قال مالك وهي أيام التشريق (20137)
هكذا يقول يحيى في هذا الحديث عن أبي مرة مولى أم هانىء عن عبد الله بن عمرو وأنه أخبره أنه دخل على أبيه عمرو بن العاصي فجعل الحديث عن أبي مرة عن عبد الله بن عمرو عن أبيه لم يذكر سماع أبي مرة من عمرو بن العاصي وقال يحيى أيضا مولى أم هانىء امرأة عقيل وهو خطأ فاحش أدركه عليه ابن وضاح وأمر بطرحه قال وللصواب أنها أخته لا امرأته وقال سائر الرواة عن مالك منهم القعنبي وابن القاسم وابن وهب وابن بكير وأبو مصعب ومعن والشافعي وروح بن عبادة ومحمد بن
الحسن وغيرهم في هذا الحديث عن يزيد بن الهادي عن أبي مرة مولى أم هانىء أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاصي وروى ابن وهب وغيره عن مخرمة بن بكير بن الأشبح عن أبيه قال سمعت أبا مرة
67

يحدث عن أبي رافع مولى ابن العجماء عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال دخلت على عمرو بن العاصي الغد من يوم النحر وعبد الله صائم فقال اقترب فكل فقلت إني صائم فقال عمرو فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن صيام هذه الأيام ذكره أبو الحسن الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا أحمد بن عبد الله محمد بن وهب حدثنا عمي عبد الله بن وهب فذكره
ورواية مخرمة بن بكير هذه تشهد لرواية يحيى بن يحيى عن مالك بأن أبا مرة لم يسمع الحديث من عمرو بن العاصي والله أعلم
وقال ابن أخي ابن وهب والربيع بن سليمان المرادي عن ابن وهب أخبرني ابن لهيمة عن مالك عن ابن الهادي عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أنه قال دخلت مع عبد الله بن عمرو على أبيه
هكذا يقول يزيد في هذا الحديث عن أبي مرة مولى أم هانىء وأكثرهم يقولون مولى عقيل بن أبي طالب واسمه يزيد بن مرة
وقال القعنبي في هذا الحديث عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن أبي مرة مولى أم هانىء أنه دخل مع عبد الله بن عمرو بن العاصي على أبيه عمرو بن العاصي وكذلك قال روح بن عبادة عن مالك وكذلك قال الليث عن يزيد بن الهادي عن أبي مرة مولى عقيل أنه دخل هو وعبد الله بن عمرو بن العاصي على عمرو بن العاصي وذكر مثل حديث مالك
68

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد ابن الجهم السمري حدثنا روح بن عبادة عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهادي عن أبي مرة مولى أم هانىء أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاصي يقرب إليه طعاما قال كل قال إني صائم فقال عمرو كل فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بفطرها وينهانا عن صيامها قال مالك وهي أيام التشريق
وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو عن عبد الله بن عمرو عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأحسن أسانيد حديث عمرو بن العاصي هذا إسناد مالك هذا عن يزيد بن الهادي عن أبي مرة عن عبد الله بن عمرو عن أبيه
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صيام أيام التشريق جماعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وعبد الله بن حذافة وبشر ابن سحيم وعمرو بن العاصي وعقبة بن عامر
حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا موسى بن علي وحدثنا عبد الله ابن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن موسى بن علي والأخبار في حديث بن
69

وهب قال سمعت أبي يقول إنه سمع عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيد أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب لا يوجد ذكر يوم عرفة في غير هذا الحديث وقد مضى القول في ذلك في غير هذا الباب من هذا الكتاب منها باب ابن شهاب وباب أبي النضر ومضى هنالك كثير من معاني هذا الباب والحمد لله
واختلف الفقهاء في صيام أيام التشريق للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم قبل يوم النحر ولمن نذر صومها أو صوم بعضها فذكر ابن عبد الحكم عن مالك قال لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها
وقال في موضع آخر ولا يتطوع أحد بصيام أيام منى
وروى ابن وهب عن مالك قال لا يصام يوم الفطر ويوم النحر وأيات التشريق
وروى ابن القاسم عن مالك قال لا يصوم أحد يوم الفطر ولا يوم النحر بحال من الأحوال ولا ينبغي لأحد أن يصوم أيام الذبح الثلاثة قال وأما اليومان اللذان بعد يوم النحر فلا يصومهما أحد
70

متطوعا ولا يقضي فيهما صياما واجبا من نذر ولا رمضان ولا يصومهما إلا المتمتع الذي لم يصم في الحج ولم يجد الهدي قال وأما آخر أيام التشريق فيصام إن نذءه رجل أو نذر صيام ذي الحجة فأما قضاء رمضان أو غيره فلا يفعل إلا أن يكون قد صام قبل ذلك صياما متتابعا فمرض ثم صح وقوي على الصيام في هذا اليوم فيبني على الصيام الذي كان صامه في الظهار أو قتل النفس
وأما رمضان خاصة فإنه لا يصومه عنه
وقال الشافعي في رواية الربيع والمزني ولا يصام يوم الفطر ولا يوم النحر ولا أيام منى فرضا ولا تطوعا ولو صامها متمتع لم يجد هديا لم يجز عنه بحال
قال المزني وقد قال مرة يجزي عنه ثم رجع عنه وأصحاب الشافعي على القولين جميعا
وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن علية لا يصام يوم الفطر ولا يوم النحر ولا أيام التشريق على حال ومن نذر صيامها لم يجز له وقضاها ولا يصومها المتمتع ولا غيره
وقال الليث لا يصوم أحد أيام منى متمتع ولا غيره والحجة لمذهب الليث ومن قال كقوله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديه فنادى
71

في أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب ونهى عن صيامها وقد علم أن في أصحابه من المتمتعين من يمكن أن يكون لا يجد هديا وحقيقة النهي حمله على العموم إلا أن يتفق
على أنه أريد به الخصوص
وقد روي عن عمر وابن عباس أنهما نهيا المتمتع عن صيام أيام منى وقد أجمعوا على أن النهي عن صيام يوم النحر ويوم الفطر نهى عموم فكذلك نهيه عن صيام أيام منى هذه جملة ما احتج به الكوفيون ومن قال بقولهم في ذلك
ومن حجة من أجاز صيام أيام التشريق للمتمتع إذا لم يجد الهدي عموم قول الله عز وجل في المتمتع * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج) * 296 ومعلوم أنها من أيام الحج لما فيها من عمله فبهذا قلنا إن النهي خرج على التطوع بها كنهيه عن الصلاة بعد العصر والصبح على ما قد ذكرناه والحمد لله
قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك في صيام المتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم الثلاثة الأيام في الحج أنه يصوم أيام التشريق وهو قول ابن عمر وعائشة وهو أحد قولي الشافعي قال مالك فإن فاته صيام أيام التشريق صام العشرة كلها إذا رجع إلى بلاده وأجزأه وإن وجد هديا بعد رجوعه أهدى ولم يصم
72

قال أبو عمر روي عن ابن عمر والزبير وأبي طلحة والأسود بن يزيد أنهم يصومون أيام التشريق تطوعا وليس ذلك بصحيح عنهم ولو صح كان الحجة فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما جاء عنهم وجماعة العلماء والفقهاء على كراهية صيام أيام التشريق تطوعا وبالله التوفيق
وأيام التشريق هي أيام منى وأيام الذبح بعد يوم النحر عند جماعة من أهل العلم وقد اختلف العلماء في أيام الذبح للأضحى وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك باب يحيى ابن سعيد عن بشير بن يسار من هذا الكتاب والحمد لله
وفي اشتقاق أيام التشريق لأهل اللغة قولان أحدهما أنها سميت بذلك لأن الذبح فيها يجب بعد شروق الشمس والآخر أنها سميت بذلك لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي إذا قددت
قال قتادة وقول ثالث إنما سميت أيام التشريق لأنهم كانوا يشرقون الشمس في غير بيوت ولا أبنية للحج هذا قول أبي جعفر محمد بن علي
73

مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط حديث واحد وهو يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي من أنفسهم يكنى أبا عبد الله وكان من سكان مو المدينة ومعدود في علمائها وثقاتها وفقهائها
روى عن أبي هريرة وابن عمر وسمع منهما روى عنه مالك بن أنس وعبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب وكان أعرج يجمع من رجله
قال الواقدي توفي يزيد بن عبد الله بن قسيط بالمدينة سنة اثنتين وعشرين في خلافة هشام وقال غيره سنة ثلاث وعشرين
أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم بن سهل بن أسود الحافظ قال حدثنا أبو بكر أحمد بن صالح بن عمر المقرئ قال حدثنا أبو الحسين أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المنادي المقرئ قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي أملاه علي إملاء قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال حدثني سفيان بن سعيد عن مالك بن أنس عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في الملطا وفي السمحاق بنصف الموضحة
قال عبد الرزاق ثم قدم علينا سفيان فحدثنا به عن مالك عن يزيد عن ابن المسيب عن عمر وعثمان مثله فلقيت مالكا فقلت له إن سفيان حدثنا عنك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن ابن
74

المسيب عن عمر وعثمان أنهما قضيا في الملطا بنصف الموضحة فحدثني به فقال لا لست أحدث به اليوم وصدق قد حدثته ثم تبسم وقال بلغني أنه يحدث به عني ولست أحدث به اليوم فقال له مسلم بن خالد عزمت عليك إلا حدثته به وهو إلى جنبه فقال لا تعزم علي فلو كنت محدثا به اليوم أحدا حدثته قلت فلم لا تحدثني به قال ليس العمل عليه عندنا وذلك أن صاحبنا ليس عندنا بذاك يعني يزيد بن عبد الله بن قسيط
قال أبو عمر قد قال مالك في موطئه لم أعلم أحدا من الأئمة في القديم ولا في الحديث قضى فيما دون الموضحة بشيء معلوم وهذا القول يعارض حديث يزيد بن قسيط هذا وحديث يزيد بن قسيط يدفع قول مالك هذا في موطئه فما أدري ما هذا ولا مخرج له إلا أن يكون لم يصح عنده وأما حديثه المسند في الموطأ فهو
107 مالك عن يزيد بن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت (2518)
75

هذا حديث ثابت من جهة الإسناد وبه أخذ مالك في جلود الميتة إذا دبغت أن يستمتع بها ولا تباع ولا ترهن ولا يصلى عليها ولا يتوضأ فيها ويستمتع بها في سائر ذلك من وجوه الانتفاع لأن طهارة الدباغ عنده ليست بطهارة كاملة وأكثر الفقهاء يقولون إن دباغها طهورها طهارة كاملة في كل شيء لقوله صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر وقد ذكرنا ما للعلماء في هذا الباب من المذاهب والأقوال والحجج والإعلال في باب يزيد بن أسلم عن ابن وعلة من هذا الكتاب والحمد لله
وروى مالك عن يزيد بن قسيط عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ذكاة ما في بطن الذبيحة ذكاة أمه إذا كان قد نبت شعره وتم خلقه
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكاة الجنين ذكاة أمه جابر وابن عمر وأبو سعيد وأبو أيوب بأسانيد حسان وليس في شيء منها ذكر شعر ولا تمام خلق
76

ويقول سعيد بن المسيب بقول مالك إن تم خلقه وأشعر أكل وإن لم يتم خلقه لم يؤكل
وقال الثوري والليث بن سعد والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد وإسحاق وداود يؤكل الجنين بذكاة أمه إن كان ميتا ولم يذكروا تمام خلق ولا شعر
وروى عن ابن عباس أحلت لكم بهيمة الأنعام قال الجنين
وقال أبو حنيفة وزفر لا يؤكل إلا إن كان حيا فيذكى وهو قول إبراهيم النخعي
وقال الحسن في قوله أحلت لكم بهيمة الأنعام قال الشاة والبقرة والبعير
وروى أبو إسحاق عن الحرث عن علي وأيوب عن نافع عن ابن عمر قالا ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر
وهذا القول ليس فيه رد للآثار المرفوعة بل هو تفسير لها وهو أول ما قيل به في هذا الباب لأنه إذا لم يتم خلقه ولا نبت شيء من شعره فهو في حكم مضغة الدم والله أعلم وهو الموفق للصواب
77

مالك عن يزيد بن زياد القرظي حديثان
207 مالك عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال قال معاوية بن أبي سفين وهو على المنبر أيها الناس لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله ولا ينفع ذا الجد منه الجد من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ثم قال سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله على هذه الأعواد (468)
وهذا حديث مسند صحيح وإن كان ظاهره في هذا الإسناد الانقطاع وقد سمع ذلك محمد بن كعب من معاوية ذكر ذلك بعض رواة مالك عن مالك وهو محفوظ أيضا من غير طريق مالك
وأما محمد بن كعب فأحد العلماء الفضلاء الثقات ومن التابعين بالمدينة وكان من أعلمهم بتأويل القرآن واقرئهم له ويكنى أبا حمزة توفي سنة عشرين ومائة وهو ابن ثمان وسبعين سنة وقد قيل توفي سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة هذا قول الواقدي وغيره
وقال أبو معشر وأبو نعيم مات محمد بن كعب القرظي سنة ثمان ومائة وهو محمد بن كعب بن حبان بن سليمان بن أسد القرظي من قريظة حلفاء الأوس وقد روى القاسم بن محمد عن
78

محمد بن كعب القرظي وحسبك بذلك جلالة له وقد سمع هذا الحديث ابن عجلان من محمد بن كعب القرظي
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان قال سمعت محمد بن كعب القرظي قال كان معاوية يخطب بالمدينة يقول تعلمن أيها الناس أنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله ولا ينفع ذا الجد منه الجد من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين سمعت هذه الأحرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد
لم تختلف الرواية والله أعلم في هذا الحديث عن محمد بن كعب عن معاوية أنه سمع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي رواية أهل المدينة وأما أهل العراق فيروون أن المغيرة بن شعبة كتب بهذا الحديث إلى معاوية والله أعلم
وقد يجوز أن يكون قوله من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين سمعه معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه لأن ذلك ليس في حديث المغيرة وسائره في حديث المغيرة وعلى هذا التخريج تصح الأحاديث في ذلك لأنها منقولة بأسانيد صحاح والحمد لله
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني
79

أبي قال حدثنا عبد الرزاق وروح وابن بكر قالوا حدثنا ابن جريج قال أخبرني عبدة بن أبي لبابة أن ورادا مولى المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة كتب إلى معاوية
كتب ذلك الكتاب له وراد إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا ممنوع لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد قال وراد ثم قدمت بعد ذلك على معاوية فسمعته على المنبر يأمر الناس بذلك القول ويعلمهموه
قال أحمد بن حنبل وحدثنا روح قال حدثنا ابن عون قال أنبأني أبو سعيد قال أنبأني وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال كتب معاوية إلى المغيرة أن أكتب إلى بشيء حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان إذا صلى ففرغ قال لا إله إلا الله قال وأظنه قال وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء
80

قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد منك الجد وسمعته ينهى عن قيل وقال وعن كثرة السؤال وإضاعة المال وعن وأد البنات وعقوق الأمهات ومنع وهات
قال وحدثنا علي بن عاصم قال أخبرنا الحريري عن عبدة عن وراد عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه لم يذكر وأد البنات
قال وحدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن منصور قال سمعت المسيب بن رافع يحدث عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة أن المغيرة بن شعبة كتب إلى معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد
حدثنا عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا هناد بن السري قال حدثنا عبدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال اللهم لك الحمد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد
81

قال أبو عمر أما قوله لا ينفع ذا الجد منك الجد فالرواية فيه بفتح الجيم لم أعلم عن مالك في ذلك خلافا وقد روي بكسر الجيم فأما الجد بفتح الجيم فهو الحظ وهو الذي يقال له البخت عند العامة
يقولون بخت فلان خير من بخت فلان
والعرب تقول جد فلان أحظى من جد فلان ومنه قولهم اسع بجد لا بكد
وقال الشاعر وبالجد يسعى المرىء لا بالتقلب وقال أبو عبيد المعنى في هذا الحديث ولا ينفع ذا الغنى منك غناه إنما ينفعه طاعتك والعمل بما يقرب منك
واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها الفقراء وإذا أصحاب الجد محبوسون يريد أصحاب الغنى في الدنيا محبوسون يومئذ وقال هو منزلة قوله * (لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) * 2688 89
وبمنزلة قوله * (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا) * 3437
وقال غير أبي عبيد في تأويل هذا الحديث نحو قول أبي عبيد وزاد قال الجد في هذا الموضع الحظ على ما قدمنا ذكره
قال ومعنى هذا
82

الحديث لا ينفع ذا الحظ منك الحظ وإنما ينفعه العمل بطاعتك قال وهو مأخوذ من قول العرب لفلان جد في هذا الأمر أي حظ واستشهد بقول امرئ القيس ألا يا لهف نفسي إثر قوم هم كانوا الشفاء فلم يصابوا وقاهم جدهم ببني أبيهم وبالأشقين ما كان العقاب أراد وقاهم حظهم
وقال الأخطل أعطاكم الله جدا تنصرون به لا جد إلا صغير بعد محتقر وقال غيره عش بجد ولا يضرك نوك إنما عيش من ترى بالجدود وقال آخر عش بجد ولا يضرك الن وكما لقيت جدا وقال أحمد بن حميد بالجد أجدى على امرئ طلبه ومن يطل حرصه يطل تعبه وقال ابن دريد عفا الله عنه لا يرفع اللب بلا جدولا يحطك الجهل إذا الجد علا
83

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أبو الحسن عبد الباقي بن نافع القاضي ببغداد قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن سعيد قال حدثنا أبو غسان مالك بن سعد قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا شعبة قال سمعت قتادة وسماك بن حرب وأبان ابن تغلب ينشدون هذا البيت أرى كل ذي جد ينوء بجده فلوشاء ربي كنت عمرو بن مرثد وقال بعض أهل هذا العصر لا تشرهن إلى دنيا تملكها قوم كثير بلا عقل ولا أدب ولا تقل إنني أبصرت ما جهلوا من الإدارة في مر ومنقلب فبالجدود هم نالوا الذي ملكوا لا بالعقول ولا بالعلم والأدب وأيسر الجد يجزي كل ممتنع على التمكن عند البغي والطلب وإن تأملت أحوال الذين مضوا رأيت من ذا وهذا أعجب العجب قال أبو عمر ومن روى هذا الحديث بكسر الجيم قال الجد الاجتهاد والمعنى أنه لا ينفع ذا الاجتهاد في طلب الرزق اجتهاده وإنما يأتيه ما قدر له وليس يرزق الناس على قدر اجتهادهم ولكن الله يعطي من يشاء ويمنع فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع وهذا وجه حسن والقول الأول أكثر
وقول أبي عبيد في هذا الباب حسن أيضا وبالله التوفيق
84

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن محمد القاضي الخصيبي قال حدثنا جعفر بن محمد الغريابي وأحمد بن يحيى بن إسحاق الحلواني قالا حدثنا علي بن حكيم الأودي قال أخبرنا شريك عن أبي عمر عن أبي جحيفة قال تذاكروا الجدود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم جدي في الغنم وقال بعضهم جدي في الخيل وقال بعضهم جديث في الإبل وحضرت الصلاة فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركوع قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد لا ينفع ذا الجد منك الجد يرفع بها صوته
85

حديث ثان ليزيد بن زياد
307 ملك عن يزيد بن زياد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة فقال أبو هريرة أنا أخبرك صل الظهر إذا كان ظلك مثلك والعصر إذا كان ظلك مثليك والمغرب إذا غربت الشمس والعشاء ما بينك وبين ثلثي الليل فإن نمت إلى نصف الليل فلا نامت عينك وصل الصبح بغبش يعني الغلس (19)
هذا حديث موقوف في الموطأ عند جماعة رواته والمواقيت لا تؤخذ بالرأي ولا تدرك إلا بالتوقيف وقد روي عن أبي هريرة حديث المواقيت مرفوعا بأتم من حديث يزيد هذا إلا أنه إنما اقتصر فيه على ذكر أواخر الأوقات المستحبة دون أوائلها وجعل للمغرب وقتا واحدا
وقد روي عن أبي هريرة مرفوعا كلاما بذكر أوائل الأوقات وأواخرها
أخبرنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا الحسين بن حريث أبو عثمان أخبرنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم فصلى الصبح
86

حين طلع الفجر وصلى الظهر حين زاغت الشمس ثم صلى العصر حين رأى الظل مثله ثم صلى العصر حين كان الظل مثليه ثم صلى المغرب حين غربت الشمس وحل فطر الصائم ثم صلى العشاء حين ذهب شفق الليل ثم جاء الغداة فصلى الصبح حين أسفر قليلا ثم صلى الظهر حين كان الظل مثله ثم صلى المغرب لوقت واحد حين غربت الشمس وحل فطر الصائم ثم صلى العشاء حين ذهب ساعة من الليل ثم قال الما بين صلاتك أمس وصلاتك اليوم
هذا حديث مسند ثابت صحيح لا مطعن فيه لأحد من أهل العلم بالحديث وفيه صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم لوقتين كل صلاة وأنه جعل للوقت أولا وآخرا إلا المغرب
وقد ذكرنا مذاهب العلماء في أوقات الصلوات وذكرنا اختلاف الآثار في ذلك وأوضحنا وجوهها ونزوع أهل العلم منها لما أوجبوه من ذلك وما استحبوه ممهدا مبسوطا في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب والحمد لله
87

يحيى بن سعيد الأنصاري رحمه الله وهو يحيى بن سعيد بن قيس بن عمر بن سهل بن ثعلبة بن الحرث بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ولجده قيس بن عمرو صحبة وقد ذكرناه في كتاب الصحابة
وقال قوم جد يحيى بن سعيد قيس بن فهد وقال آخرون قيس بن عاصم (وكل ذلك خطأ) وإنما جده قيس بن عمرو على ما ذكرناه وهو الصحيح عندنا ويكنى يحيى بن سعيد أبا سعيد وكان فقيها عالما محدثا حافظا ثقة مأمورنا عدلا مرضيا وكان كريما جوادا حين أدرك الغنى بعد ولايته القضاء وكان نزه النفس وكان في أول أمره مقلا قد ركبه الدين ثم أثرى بعد
وله أخبار كثيرة كرهت اجتلابها وسنذكر ما يستدل به على ما قلنا إن شاء الله
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا ابن مهدي عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة قال حدثني الأمين المأمون على ما يعيب عليه يحيى بن سعيد عن عروة قال يقطع
88

الآبق إذا سرق قال وسمعت أبي ويحيى ابن معين يقولان يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري مدني ثقة
وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا إسماعيل بن محمد قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال سمعت علي بن المديني يقول أربعة من أهل الأمصار يسكن القلب إليهم في الحديث يحيى بن سعيد بالمدينة وعمرو بن دينار بمكة وأيوب بالبصرة ومنصور بالكوفة
وذكر الواقدي قال لما استخلف الوليد بن يزيد بن عبد الملك استعمل على المدينة يوسف بن محمد بن يوسف الثقفي فاستقضى سعد بن إبراهيم على المدينة ثم عزله واستقضى يحيى بن سعيد الأنصاري
قال الواقدي وقدم يحيى بن سعيد على أبي جعفر الكوفة وهو بالهاشمية فمات بها سنة ثلاث وأربعين
قال وأخبرنا سليمان بن بلال قال خرج يحيى بن سعيد إلى إفريقية لميراث وجب له هناك وطلب له ربيعة بن أبي عبد الرحمن البريد فركبه إلى إفريقية فقدم بذلك الميراث وهو خمسمائة دينار قال فأتاه الناس يسلمون عليه وأتاه ربيعة فسلم عليه فلما أراد ربيعة أن يقوم حبسه فلما ذهب الناس أمر بالباب فأغلق ثم دعا بمنطقته فصبها بين يدي ربيعة وقال يا أبا عثمان والله الذي لا إله إلا هو ما غيبت منها دينارا إلا شيئا أنفقته في الطريق ثم عد خمسين ومائتي دينار فدفعها إلى ربيعة وأخد خمسين ومائتي دينار لنفسه قاسمه إياها وكان ثقة صدوقا
89

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثنا يحيى بن محمد قال حدثنا سليمان بن بلال قال لما خرج يحيى بن سعيد إلى العراق خرجت أشيعه فكان أول من استقبلته جنازة فتغير وجهي لذلك فالتفت إلي فقال يا أبا محمد كأنك تطيرت فقلت اللهم لا طير إلا طيرك
فقال لا عليك والله لئن صدق لينعشن الله أمري قال فمضى والله ما أقام إلا شهرين حتى بعث بقضاء دينه ونفقه أهله وأصاب خيرا
قال وحدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا يحيى بن محمد بن طلحة بن عبد الله بن أبي بكر الصديق قال حدثني سليمان بن بلال قال كان يحيى بن سعيد قد ساءت حاله وأصابه ضيق شديد وركبه الدين فبينما هو على ذلك إذ جاءه كتاب أبي العباس يستقضيه قال سليمان فوكلني يحيى بأهله وقال لي والله ما خرجت وأنا أجهل شيئا فلما قدم العراق كتب إلي أبي كنت قلت لك حين خرجت قد خرجت وما أجهل شيئا وإنه والله لأول خصمين جلسا بين يدي فاقتصا شيئا والله ما سمعته قط فإذا جاءك كتابي هذا فسل ربيعة بن أبي عبد الرحمن واكتب إلي بما يقول ولا يعلم أني كتبت إليك بذلك
90

قال وحدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا مالك قال قال لي يحيى بن سعيد اكتب لي أحاديث من أحاديث ابن شهاب في الأقضية قال فكتب له ذلك في صحيفة كأني أنظر إليها صفراء فقيل لمالك يا أبا عبد الله أعرض عليك قال هو كان أفقه من ذلك
قال أبو عمر يحيى بن سعيد من فقهاء التابعين بالمدينة سمع من أنس بن مالك وروى عنه أحاديث مسندة وغير مسندة وليس عند مالك عنه عن أنس حديث مسند
قال محمد بن عبد الله بن نمير مات يحيى بن سعيد سنة ثلاث وأربعين ومائة ويكنى أبا سعيد وكذلك قال يزيد بن هارون والواقدي إلا أنهما قالا بالهاشمية سنة ثلاث وأربعين
ولمالك عنه في الموطأ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم خمسة وسبعون حديثا منها ثلاثون حديثا مسندة في يسير منها انقطاع ومنها تسعة موقوفة وسائرها مرسلة ومنقطعة وبلاغات وكلها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم نصا أو معنى
91

يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب تسعة أحاديث
حديث أول ليحيى بن سعيد
407) مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه يقول لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح ثم كوم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه واستلقى ثم مد يديه إلى السماء فقال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط ثم قدم المدينة فخطب الناس فقال أيها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يمينا وشمالا وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رجمنا والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنا قد قرأناها
قال ملك قال يحيى بن سعيد قال سعيد بن المسيب فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر رحمه الله
قال مالك الشيخ والشيخة الثيب والثيبة فارجموهما البتة (4110)
92

قال أبو عمر هذا حديث مسند صحيح والذي يستند منه قوله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما سماع سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب فمختلف فيه قالت طائفة من أهل العلم لم يسمع من عمر شيئا ولا أدركه إدراك من يحفظ عنه وذكروا ما رواه ابن لهيعة عن بكير بن الأشج قال قيل لسعيد بن المسيب أدركت عمر بن الخطاب قال لا
وقال آخرون قد سمع سعيد بن المسيب من عمر أحاديث حفظها عنه منها هذا الحديث ومنها قوله حين رأى البيت وزعموا أن سعيد بن المسيب شهد هذه الحجة مع عمر وحفظ عنه فيها أشياء وأداها عنه وهي آخر حجة حجها عمر وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر وأربعة أيام وقتل بعد انصرافه من حجته تلك الأربع بقين من ذي الحجة سنة أربع وعشرين
حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا نصر بن المهاجر قال حدثنا عبد الصمد قال حدثنا شعبة عن قتادة قال قلت لسعيد بن المسيب رأيت عمر بن الخطاب قال نعم قال ابن وضاح ولد سعيد بن المسيب لسنتين مضتا من خلافة عمر وسمع منه كلامه الذي قال حين نظر إلى الكعبة اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام
كذلك قال لي ابن كاسب وغير واحد ابن وضاح يقوله
93

قال أبو عمر أصح ما قيل في قوله يقصد أنه لسنتين مضتا من خلافة عمر وقد قيل لسنتين بقيتا
وقال مالك والليث كان سعيد بن المسيب يقال له رواية عمر
وذكر الحلواني فقال حدثنا أسباط عن الشيباني عن بكير بن الأخنس عن سعيد بن المسيب قال سمعت عمر يقول على هذا المنبر لا أجد أحدا جامع ولم يغتسل أنزل أو لم ينزل إلا عاقبته
قال الحسن بن علي الحلواني وحدثنا الأصمعي قال حدثنا طلحة ابن محمد بن سعيد بن المسيب عن سعيد بن المسيب قال أنا في الغلمة الذين جروا جعدة العقيلي إلى عمر
قال وحدثنا عبد الصمد قال حدثنا شعبة عن إياس بن معاوية قال قال لي سعيد بن المسيب ممن أنت قلت من مزينة فقال إني لأذكر اليوم الذي نعى فيه عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني إلى الناس على المنبر وكان علي بن المديني يصحح سماعه من عمر
قال أبو عمر معنى هذا الحديث يستند من وجوه صحاح ثابتة من حديث ابن عباس عن عمر أخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا معمر عن
94

الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال سمعت عمر ابن الخطاب يقول إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب وكان فيما أنزل عليه آية الرجم فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده
قال سفيان وقد سمعته من الزهري بطوله فحفظت منه أشياء وهذا مما لم أحفظه يومئذ
قال أبو عمر قول ابن عيينة وقد سمعته من الزهري بطوله يعني حديث السقيفة وفيه هذا الكلام عن عمر في الرجم
وقد روى حديث السقيفة عن الزهري بتمامه مالك وغيره رواه عن مالك جماعة منهم ابن وهب وإسحاق بن محمد الفروي وعبد العزيز بن يحيى وجويرية بن أسماء
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا إسحاق بن محمد الفروي قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس
وأخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثنا جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري أن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة أخبره أن عبد الله بن عباس أخبره أنه كان يقرئ عبد
95

الرحمن بن عوف فذكرا حديث السقيفة بطوله وفيه قال عمر أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها لعلها بين يدي أجلي فمن وعاها وعقلها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعيها فلا أحل له أن يكذب علي إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب وكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها وعقلناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا وأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فنترك فريضة أنزلها الله فيضلوا فإن الرجم في كتاب الله على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف وذكر الحديث بتمامه
وذكر مالك في الموطأ هذا الكلام الآخر عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس أنه قال سمعت عمر بن الخطاب يقول الرجم في كتاب الله حق على من زنا من الرجال والنساء إذا أحصن إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل أو الاعتراف
وأجمع العلماء على أن البينة إذا كانوا شهودا أربعة عدولا أقيم الحد على الزاني وكذلك الاعتراف إذا ثبت على العاقل البالغ ولم
96

ينزع عنه واختلفوا في الحبل يظهر بالمرأة هل يكون مثل البينة والاعتراف أم لا ففي حديث عمر هذا التسوية بين البينة والاعتراف والحبل فذهب قوم إلى أن المرأة إذا ظهر بها حمل ولم يعلم لها زوج أن عليها الحد ولا ينفعها قولها إنه من زوج أو من سيد إن كانت أمة إذا لم يعلم ذلك قالوا وهذا حد قد وجب بظهور الحمل فلا يزيله إلا
يقين من بينة النكاح أو ملك يمين
وقال مالك إذا وجدت امرأة حاملا فقالت تزوجت أو استكرهت لم يقبل ذلك منها إلا ببينة على ما ذكرت لك أو جاءت تستغيث وهي تدمي أو نحو ذلك من فضيحة نفسها وإلا أقيم عليها الحد هكذا رواه ابن عبد الحكم وغيره عن مالك
وقال ابن القاسم إن كانت طارئة غريبة فلا حد عليها وإلا أقيم عليها الحد وهو قول عثمان البتي وقال أبو حنيفة والشافعي لا حد عليها إلا أن تقر بالزنا أو تقوم بذلك عليها بينة ولم يفرقوا بين طارئة وغير طارئة
وروى حديث السقيفة بتمامه عن ابن شهاب عقيل ويونس ومعمر وابن إسحاق وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم
وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا إسحاق بن عيسى
97

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قالا حدثنا حماد بن زيد واللفظ لحديث مسدد وهو أتم عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال سمعت عمر بن الخطاب يخطب فقال أيها الناس إن الرجم حق فلا تخدعن عنه وإن آية ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجم وأن أبا بكر قد رجم وإنا قد رجمنا بعدهما وسيكون قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم ويكذبون بالدجال ويكذبون بطلوع الشمس من مغربها
ويكذبون بالشفاعة ويكذبون بقوم يخرجون من النار بعدما امتحشوا
قال أبو عمر الخوارج كلها والمعتزلة تكذب بكل هذه الفصول الستة وأهل السنة على التصديق بها وهم الجماعة والحجة على من خالفهم بما هم عليه من استمساكهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ولا خلاف بين علماء المسلمين أهل الحديث والرأي أن المحصن إذا زنى حده الرجم وجمهورهم يقول ليس عليه مع الرجم شيء ومنهم من يقول يجلد ويرجم وهم قليل وقد ذكرنا هذه المسألة مجودة في باب ابن شهاب عن عبيد الله عن زيد بن خالد من هذا الكتاب والحمد لله
98

وذكر حماد بن سلمة عن الحجاج عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن شداد أن عمر رجم رجلا في الزنا ولم يجلده
وفي حديث مالك هذا دليل على أن آية الرجم مما نسخ خطه من القرآن ولم يكتبه عثمان في المصحف ولا جمعه أبو بكر في الصحف وقد ذكرنا وجوه النسخ في القرآن عند ذكر حديث زيد بن أسلم من كتابنا هذا فلا معنى لتكريره ههنا
99

حديث ثان ليحيى بن سعيد
507 مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري أتى عائشة زوج النبي فقال لها لقد شق علي اختلاف أصحاب رسول الله في أمر إني لأعظم أن أستقبلك به فقالت ما هو ما كنت سائلا عنه أمك فسلني عنه فقال الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل فقالت إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فقال أبو موسى لا أسأل عن هذا أحدا بعدك أبدا (273)
هكذا هذا الحديث موقوفا في الموطأ عند جماعة الرواة وقد روي عن أبي قرة عن مالك مرفوعا ما حدثناه خلف بن القاسم حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد المقدسي بمنى في مسجد الخيف إملاء من حفظه قال حدثنا أبو سعيد الخدري حدثنا علي بن زياد اللخمي حدثنا أبو قرة قال ذكر مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي موسى عن عائشة أن النبي قال إذا التقى الختانان وجب الغسل
وهذا خطأ والصواب ما في الموطأ وهذا الحديث يدخل في المسند بالمعنى والنظر لأنه محال
100

أن ترى عائشة نفسها في رأيها حجة على غيرها من الصحابة في حين اختلافهم في هذه المسألة النازلة بينهم ومحال أن يسلم أبو موسى لعائشة قولها من رأيها في مسألة قد خالفها فيها من الصحابة غيرها برأيه لأن كل واحد ليس بحجة على صاحبه عند التنازع لأنهم أمروا إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله وهذا يدلك على أن تسليم أبي موسى لعائشة في هذه المسألة إنما كان من أجل أن علم ذلك كان عندها عن رسول الله فلذلك سلم لها إذ هي أولى بعلم مثل ذلك من غيرها ومع ما ذكرنا من جهة الاستدلال فقد روي هذا الحديث عن عائشة عن النبي مسندا وروي أن سعيد بن المسيب دخل مع أبي موسى على عائشة في هذه القصة فبان بذلك حقيقة قولنا وصحة استدلالنا وبالله التوفيق
وأخبرنا عبد الوارث وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا يحيى بن أبي بكير قال حدثنا زائدة قال حدثنا علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال نازع أبو موسى ناسا من الأنصار فقالوا الماء من الماء قال سعيد فانطلقت أنا وأبو موسى حتى دخلنا على عائشة فقال لها أبو موسى الذي تنازعوا فيه فقالت عائشة عندي الشفاء من ذلك
101

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس الرجل بين الشعب الأربع وألصق الختان بالختان فقد وجب الغسل
وروى هشام وشعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي مثله سواء ذكره البخاري من طريق هشام ثم قال تابعه عمرو عن شعبة
وقد حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة وهشام عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي قال إذا قعد بين شعبها الأربع ولزق الختان بالختان فقد وجب الغسل
وحدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير والحرث ابن أبي أسامة قالا حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا همام وأبان قالا حدثنا قتادة عن
102

الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي قال إذا قعد بين شعبها الأربع وأجهد نفسه فقد وجب الغسل أنزل أو لم ينزل
قال أحمد بن زهير سئل يحيى بن معين عن أبان وهمام أيهما أحب إليك فقال كان يحيى ابن سعيد يروي عن أبان وكان أحب أليه وأما أنا فهمام أحب إلي وكلاهما ثقة
أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا ثابت عن عبد الله بن رباح عن عبد العزيز بن النعمان عن عائشة قالت كان رسول الله إذا التقى الختانان اغتسل
وقال فيه سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة بإسناده هذا أن النبي قال إذا التقى الختانان وجب الغسل
قال أبو عمر هذا إسناد كله ثقة عن ثقة لا أعلم فيه علة إلا أن البخاري قال لا أعلم لعبد العزيز بن النعمان سماعا من عائشة
وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح قال حدثنا عثمان بن عمر
103

قال أخبرنا عبيد الله بن زياد عن عطاء قال قالت عائشة إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل قد كنت أنا ورسول الله نفعله فنغتسل
ورواه أبو الزبير عن جابر عن أم كلثوم عن عائشة مثله مرفوعا
ورواه القاسم بن محمد عن عائشة
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا
قال أبو عمر تسليم أبي موسى لعائشة في هذه المسألة دليل على صحة رفعها إلى النبي لأن مثل هذا لا يقال من جهة الرأي وكذلك قطعها رضي الله عنها بصحة ذلك ألا ترى إلى توبيخها لأبي سلمة في ذلك
روى مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال سألت عائشة ما يوجب الغسل فقالت هل
104

تدري ما مثلك يا أبا سلمة مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل
قال أبو عمر على هذا القول جمهور أهل الفتوى بالحجاز والعراق والشام ومصر وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والليث بن سعد والأوزاعي والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد والطبري
واختلف أصحاب داود في هذه المسألة فبعضهم قال بما عليه الفقهاء والجمهور على ما وصفنا من إيجاب الغسل بمجاوزة الختان الختان ومنهم من قال لا غسل عليه إلا بإنزال الماء الدافق وجعل في الإكسال الوضوء واحتج من ذهب هذا المذهب بما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى القطان عن هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال أخبرني أبو أيوب الأنصاري قال أخبرني أبي بن كعب قال يا رسول الله إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل قال يغسل ما مس المرأة ثم يتوضأ ويصلي
وذكره البخاري عن مسدد بإسناده مثله سواء
وذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال حدثني هشام بن عروة بإسناده مثله حرفا بحرف وهذا حديث صحيح من جهة الإسناد
105

إلا أن حديث عائشة يعارضه لأن مثلها لا يجهل الحكم في هذا المعنى وأيضا فإن حديث أبي بن كعب هو في نفسه واه من جهة رجوع أبي بن كعب عن القول به وهو الذي رواه ولو كان عنده غير منسوخ لما رجع عنه لأن ما لم ينسخ من الكتاب والسنة لا يجوز تركه بوجه من الوجوه وقد كان هشام بن عروة يقول به ذكر عبد الرزاق عن مظهر قال سمعت هشام بن عروة يقول لقد أصبت فأكسلت ولم أنزل فما اغتسلت
وذكر عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي أيوب الأنصاري عن أبي بن كعب أنه سمع النبي يقول إذا جامع أحدكم فأكسل فليتوضأ وضوءه للصلاة
قال أبو عمر من روى هذا الحديث عن أبي بن كعب عن النبي لزمه القول به وعساه لم يبلغه رجوع أبي بن كعب عنه وأما رجوع أبي بن كعب عن ذلك فروى مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان أن محمود بن لبيد الأنصاري سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل فقال زيد يغتسل فقال محمود بن لبيد إن أبي بن كعب كان لا يرى الغسل فقال زيد إن أبيا نزع عن ذلك قبل أن يموت
106

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يفتون بها قولهم إنما الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص فيها في أول الإسلام ثم أمر بالغسل بعد فهذا بين في أن الماء من الماء منسوخ بالتقاء الختانين
وروى هذا الحديث معمر عن الزهري عن سهل بن سعد لم يتجاوزه ولم يسمع الزهري هذا الحديث من سهل بن سعد
حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا عبد الملك بن بحر قال سمعت موسى بن هارون يقول كان الزهري إنما يقول في هذا الحديث قال سهل بن
سعد ولم يسمع الزهري هذا الحديث من سهل بن سعد وقد سمع من سهل أحاديث إلا أنه لم يسمع هذا منه رواه ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن الزهري قال حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد أخبره قال موسى ولعمري إن كان الزهري سمعه من أبي حازم فإن أبا حازم رضى فقد روى أبو حازم هذا الحديث عن سهل بن سعد
قال أبو عمر أما رواية ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن الزهري في هذه القصة فأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال
107

حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحرث عن ابن شهاب قال حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك
قال أبو داود يعني الماء من الماء
قال أبو داود وحدثنا محمد بن مهران البزار الرازي قال حدثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان وهو ابن مطرف عن أب حازم عن سهل بن سعد قال حدثني أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يفتون الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد
قال أبو داود وحدثني أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحرث عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال الماء من الماء
وكان أبو سلمة يفعل ذلك
وهذا إسناد صحيح من جهة النقل ثابت ولكنه يحتمل التأويل لأن قوله الماء من الماء ليس فيه ما يدفع الماء من التقاء الختانين لأن من أوجب الغسل من التقاء الختانين يقول الماء من الماء ومن التقاء الختانين أيضا زيادة حكم وقد قيل معنى الماء من الماء في الاحتلام لا في اليقظة وهذا مجتمع عليه فيمن رأى أنه يجامع ولم ينزل أنه لا غسل عليه وهذا لعمري تأويل محتمل في
108

الماء من الماء لولا أن بعضهم يروي حديث أبي بن كعب وحديث أبي سعيد الخدري بغير هذا اللفظ وذلك قوله إذا جامع أحدكم فأكسل أو أقحط فلا يغتسل ولكن يتوضأ
ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن ذكوان عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله إذا أعجل أحدكم أو أقحط فلا يغتسل
ورواه شعبة عن الحكم عن ذكوان أبي فلح عن أبي سعيد مثله
وهذا يحتمل أن يكون أعجل فلم يبلغ مجاوزة الختان إلا أنه قد روي عن عثمان عن النبي في ذلك ما حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن عطاء بن يسار أخبره أن زيد بن خالد الجهني أخبره أنه سأل عثمان بن عفان قال قلت أرأيت إذا جامع الرجل امرأته ولم يمن قال عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره سمعته من رسول الله قال وسأل عن ذلك عليا والزبير وطلحة وأبي بن كعب فأمروه بذلك
109

وذكره البخاري عن سعد بن حفص قال حدثنا النفيلي عن شيبان بإسناده مثله سواء إلى آخره
ورواه حسين المعلم كما رواه شيبان عن يحيى سواء وهو حديث انفرد به يحيى بن أبي كثير وقد جاء عن عثمان وعلي وأبي بن كعب ما يدفعه من نقل الثقات الأثبات ويعارضه وقد دفعه جماعة منهم أحمد بن حنبل وغيره وقال علي وأبي بخلافه
قال يعقوب بن شيبة سمعت علي بن المديني وذكر حديث يحيى بن أبي كثير هذا فقال إسناده جيد ولكنه حديث شاذ
قال وقد روي عن عثمان وعلي وأبي بن كعب أنهم أفتوا بخلافه قال يعقوب بن شيبة هو حديث منسوخ كان في أول الإسلام ثم جاء بعد عن النبي أنه أمر بالغسل من مس الختان الختان أنزل أم لم ينزل
قال أبو عمر روى مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة زوج النبي كانوا يقولون
110

إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل وهذا هو الصحيح عن عثمان من نقل الثقات الأئمة الحفاظ
وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن المسيب قال كان عمر وعثمان وعائشة والمهاجرون الأولون يقولون إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل
وعلى أن لفظ حديث عثمان المرفوع ليس فيه تصريح لمجاوزة الختان الختان وهو محتمل التأويل الذي ذكرناه في حديث أبي سعيد
وقال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل حديث حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد قال سألت خمسة من أصحاب رسول الله عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وطلحة والزبير وأبي بن كعب فقالوا الماء من الماء فيه علة تدفعه بها قال نعم بما يروى عنهم من خلافه قلت عن عثمان وعلي وأبي بن كعب قال نعم وقال أحمد بن حنبل الذي أرى إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل قيل له قد كنت تقول غير هذا فقال ما أعلمني قلت غير هذا قط قيل له قد بلغنا ذلك عنك قال الله المستعان
111

قال أبو عمر قد تكلم في حديث أبي سلمة للاختلاف عنه فيه لأن ابن شهاب يرويه عن أبي سلمة عن أبي سعيد ويحيى بن أبي كثير يرويه عن أبي سلمة عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد عن عثمان ومن أهل العلم بالحديث من جعلهما حديثين وصححهما وهو الصواب لأن حديث أبي سعيد روي من وجوه عن أبي سعيد فهو غير حديث عثمان بلا شك والله الموفق للصواب
وأما الروايات عن الصحابة ومن بعدهم في هذا الباب فمنها ما ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن جابر عن الشعبي قال حدثني الحارث عن علي وعلقمة عن عبد الله بن
مسعود ومسروق عن عائشة قالوا إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل
قال مسروق وكانت أعلمهم بذلك يعني عائشة
وعن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن عليا قال كما يجب منه الحد كذلك يجب منه الغسل وعن محمد ابن مسلم عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر أن عليا وأبا بكر وعمر قالوا ما أوجب الحدين الرجم والجلد أوجب الغسل
112

وعن علي وشريح قالا أيوجب الحد ولا يوجب قدحا من ماء
وعن ابن جريج وعبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل
وعن الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أن ابن مسعود سئل عن ذلك فقال إذا بلغت ذلك اغتسلت
قال سفيان والجماعة على الغسل
قال أبو عمر ذكر ابن خواز بنداد أن إجماع الصحابة انعقد على إيجاب الغسل من التقاء الختانين وليس ذلك عندنا كذلك ولكنا نقول إن الاختلاف في هذا ضعيف وأن الجمهور الذين هم الحجة على من خالفهم من السلف والخلف
انعقد إجماعهم على إيجاب الغسل من التقاء الختانين ومجاوزة الختان الختان وهو الحق إن شاء الله وكيف يجوز القول بإجماع الصحابة في شيء من هذه المسألة مع ما ذكرناه في هذا الباب ومع ما ذكره عبد الرزاق عن ابن عيينة عن زيد بن أسلم
113

عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد قال سمعت خمسة من المهاجرين الأولين منهم علي بن أبي طالب فكلهم قال الماء من الماء
قال عبد الرزاق وأخبرنا ابن مجاهد عن أبيه قال اختلف المهاجرون والأنصار فيما يوجب الغسل فقالت طائفة الأنصار الماء من الماء وقال المهاجرون إذا مس الختان الختان وجب الغسل فحكموا بينهم علي بن أبي طالب واختصموا إليه فقال علي أرأيتم لو رأيتم رجلا يدخل ويخرج أيجب عليه الحد قالوا نعم قال فيوجب الحد ولا يوجب صاعا من ماء
فقضى للمهاجرين فبلغ ذلك عائشة فقالت ربما فعلنا ذلك أنا ورسول الله فقمنا واغتسلنا
قال وأخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال أخبرني إسماعيل الشيباني على امرأة رافع بن خديج كان لا يغتسل إلا إذا أنزل الماء وكان إسماعيل قد خلف على امرأة رافع قال وأخبرنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار عن عبيد الله بن أبي عياض عن أبي سعيد الخدري أنه قال الماء من الماء
114

قال وأخبرنا ابن جريج قال قال لي عطاء سمعت ابن عباس يقول الماء من الماء
قال وأخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن ابن مسعود مثله
قال أبو عمر عطاء لم يسمع من ابن مسعود وقد قدمنا بإسناد صحيح عن ابن مسعود خلاف هذا وأما أصحاب داود فاختلفوا في هذه المسألة فطائفة منهم قالت بما عليه جمهور الفقهاء من إيجاب الغسل إذا التقى الختانان ومنهم من أبى ذلك وقال لا غسل إلا بالإنزال وهو المشهور عن داود واحتج من ذهب مذهبه في ذلك بأن الحديث عن رسول الله بذكر الماء من الماء أثبت من جهة النقل رواه أبي بن كعب وعثمان بن عفان وأبو سعيد الخدري وغيرهم عن النبي أنه قال في الإكسال الوضوء وفي الإنزال الغسل
قالوا وعلى ذلك جماعة الأنصار وجمهورهم ومن المهاجرين علي وابن عباس وعثمان وغيرهم وضعفوا حديث علي في إيجاب الغسل من التقاء الختانين لأنه يدور على جابر الجعفي والحارث الأعور وهما ضعيفان وقالوا حديث عثمان المسند أولى بالمصير إليه مما روى عنه في ذلك لأن الحديث عليه حجة وليس هو على الحديث حجة وإنما يسوغ ما ذهب إليه راوي الحديث إذا لم يدفعه فأما إذا دفعه
115

فالحجة في المسند ولهم في هذا المعنى كلام طويل تركته قالوا ورجوع أبي بن كعب عن ذلك لا يصح لأن خبر زيد بن ثابت وأبي في ذلك يدور على عبد الله بن كعب ولم يصح له سماع من زيد بن ثابت وإنما يروى عن خارجة بن زيد وهو أيضا غير مشهور بنقل العلم وخبر ابن شهاب في ذلك لم يسمعه من سهل بن سعد ولا يدري من بينهما على صحة قالوا وأقل أحوال هذه المسألة أن تتكافأ فيها الحجج وتتعارض فيها الآثار فيرجع حينئذ إلى ظاهر كتاب الله وليس في كتاب الله إيجاب الغسل إلا على من كان جنبا ولا جنب إلا الذي ينزل الماء الدافق
قالوا ووجه آخر أن الفرائض لا تجب إلا بيقين في هذه المسألة إلا على قول من لم يوجب الغسل إلا بإنزال الماء وهو الاتفاق الذي يقطع عليه ويستيقن وبالله التوفيق
قال أبو عمر لا مدخل عند أولي الألباب من العلماء للنظر عند ثبوت الأثر وما ادعاه هؤلاء من ثبوت حديث الماء من الماء فقد مضى الجواب عن ذلك وعلة حديث أبي بينة لرجوعه عن الفتيا به ومعلوم أنه لا يجوز أن يدع الناسخ ويأخذ المنسوخ ولا حجة في حديث أبي أيوب لأنه إنما يرويه عن أبي كعب وحديث أبي سعيد وغيره يحتمل أن يكون أكسل ولم يجاوز الختان الختان فهذا فيه الوضوء للملامسة والمباشرة ولا يصح عن المهاجرين ما ذكر بل الصحيح عنهم غير ما
116

وصف على ما تقدم عنهم في هذا الباب وحديث عثمان المرفوع لا يصح لأنه لو صح عن عثمان وعنده ما خالف وقد كان يفتي بخلافه وكل خبر مروي في الماء من الماء يحتمل التأويل على ما وصفنا في هذا الباب وخبر ابن شهاب عن سهل صحيح عندنا لرواية أبي حازم له وموضع ابن شهاب موضعه وعبد الله بن كعب معروف روى عنه يحيى بن سعيد ومحمد بن إسحاق وغيرهما وقد مضى القول في هذه المعاني مبسوطا لمن تدبرها
وأما ما رجحوه من الاحتياط في ترك إيجاب الفرض إلا بيقين فإنه يدخل عليهم إن الصلاة لا تجب أن تؤدى إلا بطهارة مجتمع عليها وقد أجمعنا على أن المجامع إذا أكسل ولم ينزل فقد وجبت عليه طهارة وصار في حالة لا يدخل معها في الصلاة حتى يطهر وأجمعوا أن الغسل طهارة له إن فعله ولم يجمعوا على أن الوضوء طهارة له فالواجب على الاحتياط القول بالغسل إن شاء الله والأحوط الصحيح في هذا ما جاء عن عائشة مرفوعا وموقوفا وعلى حديثها المدار في هذا الباب وحديث أبي هريرة مثله ولا يصح فيه دعوى إجماع الصحابة وقد يقرب فيه دعوى إجماع من دونهم إلا من شذ ممن لا يعد خلافا عليهم ويلزمهم الرجوع إليهم والقول بأن لا غسل من التقاء الختانين شذوذ وقول عند جمهور الفقهاء مهجور مرغوب عنه ومعيب والجماعة على الغسل وبالله التوفيق
117

حديث ثالث ليحيى بن سعيد
607 مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق فقال إن الآخر زنى فقال له أبو بكر هل ذكرت ذلك لأحد غيري فقال لا فقال له أبو بكر فتب إلى الله واستتر بستر الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده فلم تقرره نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب فقال له عمر مثل الذي قال له أبو بكر فلم تقرره نفسه حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له إن الآخر زنى فقال سعيد فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أكثر عليه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال أيشتكي أبه جنة فقالوا يا رسول الله والله إنه لصحيح فقال أبكر أم ثيب فقالوا بل ثيب يا رسول الله فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم (412)
هذا الحديث مرسل عند جماعة الرواة عن مالك وقد تابعه على إرساله طائفة من أصحاب يحيى بن سعيد وروى هذا الحديث الزهري فاختلف عليه فرواه يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر أن رجلا من أسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم الحديث
118

ورواه شعيب بن أبي حمزة وعقيل بن خالد عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال شعيب أتى رجل من أسلم النبي صلى الله عليه وسلم وقال عقيل أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى واحد وألفاظ مختلفة ولم تختلف ألفاظهم في أنه ماعز الأسلمي وأنه رده رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات
وروى هذا الحديث عن ابن شهاب مرسلا وقد ذكرناه في مراسل ابن شهاب وذكرنا هناك الآثار المروية في هذا الباب وكثيرا من الأحكام التي توجبها ألفاظها والحمد لله
وفي هذا الحديث من الفقه أن الستر أولى بالمسلم على نفسه إذا وقع حدا من الحدود من الاعتراف به عند السلطان وذلك مع اعتقاد التوبة والندم على الذنب وتكون نيته ومعتقده إلا يعود فهذا أولى به من الاعتراف فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويحب التوابين وهذا فعل أهل العقل والدين والندم والتوبة واعتقاد أن لا عودة ألا ترى إلى قوله أيشتكي أبه جنة
وروى يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى إلى أبي بكر فأخبره أنه زنى فقال له أبو بكر هل ذكرت ذلك لأحد قبلي
119

فقال لا فقال له أبو بكر استتر بستر الله وتب إلى الله فإن الناس يعيرون ولا يغيرون وأن الله يقبل التوبة عن عباده
وأما إعراض رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ففيه مذاهب لأهل العلم منهم من زعم أن ذلك كان لأن الإقرار لا بد أن يكون أربع مرات كالشهادات على الزنى وكان إعراضه لئلا يتم الإقرار الموجب للحد محبة في الستر فلما تم الإقرار على حكمه أمر بالرجم ومنهم من قال مرة واحدة تجزىء وقد ذكرنا مذاهبهم والآثار التي منها نزع وفرع كل فريق منهم قوله في باب مرسل ابن شهاب من هذا الكتاب
وفي قوله عليه السلام أيشتكي أبه جنة دليل على أنه إنما رده وأعرض عنه من أجل ذلك والله أعلم لا ليتم إقراره وأربع مرات كما زعم من قال ذلك
ويدل على صحة هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن شهاب واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ولم يقل إن اعترفت أربع مرات
وفي حديث الأوزاعي عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عن عمران بن حصين أن امرأة قالت يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي فأمر بها فشكت عليها ثيابها وقد ذكرنا هذا الخبر في باب يعقوب بن زيد من هذا الكتاب
وفيه أيضا دليل على أن المجنون لا يلزمه حد ولهذا ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيشتكي أبه جنة وهذا إجماع أن المجنون المعتوه لا حد عليه والقلم عنه مرفوع
120

وفيه دليل على أن إظهار الإنسان ما يأتيه من الفواحش حمق لا يفعله إلا المجانين وأنه ليس من شأن ذوي العقول كشف ما واقعه من الحدود والاعتراف به عند السلطان وغيره وإنما من شأنها الستر على أنفسهم والتوبة من ذنوبهم وكما يلزمهم الستر على غيرهم فكذلك يلزمهم الستر على أنفسهم وسنذكر في هذا الباب الذي بعده في الستر أحاديث يستدل بها الناظر في كتابنا على صحة هذا إن شاء الله
وفيه دليل على أن حد الثيب حد البكر في الزنى ولهذا ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكر هو أم ثيب ولا خلاف بين علماء المسلمين أن حد البكر في الزنى غير حد الثيب وأن حد البكر الجلد وحده وحد الثيب الرجم وحده إلا أن من أهل العلم من رأى على الثيب الجلد والرجم جميعا وهم قليل روي ذلك عن علي وعبادة وتعلق به داود وأصحابه والجمهور على أن الثيب يرجم ولا يجلد وقد ذكرنا الاختلاف في ذلك في باب ابن شهاب عن عبيد الله وأما أهل البدع من الخوارج والمعتزلة فلا يرون الرجم على أحد من الزناة ثيبا كان أو غير ثيب وإنما حد الزناة عندهم الجلد الثيب وغير الثيب سواء عندهم وقولهم في ذلك خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاف سبيل المؤمنين فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وعلماء المسلمين في أقطار الأرض متفقون على ذلك من أهل الرأي والحديث وهم أهل
الحق وبالله التوفيق
121

وأما قوله إن رجلا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق فهذا الرجل هو ماعز الأسلمي لا يختلف أهل العلم في ذلك وقد تقدم من رواية يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه ماعز بن مالك الأسلمي وهو معروف عند العلماء محفوظ لا يختلفون فيه
أخبرنا قاسم بن محمد حدثنا خالد بن سعد حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا إسرائيل عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعز بن مالك فاعترف مرتين فقال اذهبوا به ثم ردوه فاعترف مرتين حتى اعترف أربعا فقال اذهبوا به فارجموه
قال ابن سنجر وحدثنا عارم قال حدثنا أبو عوانة عن سماك ابن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لماعز ما بلغني عنك قال وما بلغك عني قال وقعت على جارية بني فلان قال نعم قال فشهد على نفسه أربع شهادات أو أقر أربع مرات قال فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه
وفي الباب بعد هذا في قصة هزال بيان ذلك أيضا
حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا عبد
122

المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم ورجلا من اليهود وامرأة
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الرحمن المروزي قال حدثنا عبد الله بن الحسين قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا بشر بن عمر الزهراني قال حدثنا عبد الله بن لهيعة قال حدثنا أبو الزبير قال سألت جابر بن عبد الله هل رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رجم رجلا من أسلم ورجلا من اليهود وامرأة وقال لليهودي نحن نحكم عليكم اليوم
حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الرحمن بن إسماعيل أبو عيسى الأسوائي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح الرواسي حدثني أبي عن إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبي بكر الصديق أن ماعزا أقر على نفسه بالزنى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن إقررت الرابعة أقمت عليك الحد فأقر عنده الرابعة فأمر به فحبس ثم سأل عنه فذكروا خيرا فرجم
وليس في هذا الحديث حجة من أجل جابر الجعفي وإنما ذكرناه ليعرف وقد أجمعوا على أنه يكتب حديثه واختلفوا في الاحتجاج به وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه وكان أحمد وابن معين يضعفانه وشهد له بالصدق والحفظ الثوري وشعبة ووكيع وزهير
123

بن معاوية وقال وكيع مهما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابر الجعفي ثقة
حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد قال حدثنا الأوزاعي قال أخبرني عثمان بن أبي سودة قال حدثني من سمع عبادة بن الصامت يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليستر العبد من الذنب ما لم يخرقه قالوا وكيف يخرقه يا رسول الله قال يحدث به الناس
وأما قوله إن الاخر زنى فالرواية بكسر الخاء وهو الصواب ومعناه أن الرذل الدني زنى كأنه يدعو على نفسه ويعيبها بما نزل له من مواقعة الزنى
قال أبو عبيدة ومن هذا قولهم السؤال اخر كسب الرجل أي أرذل كسب الرجل
وقال الأخفش كنى عن نفسه فكسر الخاء وهذا إنما يكون لمن حدث عن نفسه بقبيح يكره أن ينسب ذلك إلى نفسه
124

حديث رابع ليحيى بن سعيد
707 مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أسلم يقال له هزال (ياهزال) لو سترته بردائك لكان خيرا لك قال يحيى بن سعيد فحدثت بهذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمي فقال يزيد هزال جدي وهذا الحديث حق (413)
وهذا الحديث لا خلاف في إسناده في الموطأ على الإرسال كما ترى وهو يستند من طرق صحاح
أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني الليث عن يحيى بن سعيد عن يزيد بن نعيم عن جده هزال وعن محمد بن المنكدر عن هزال أنه أمر ماعز الأسلمي أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره بحدثه فأتاه ماعز فأخبره بحدثه فأعرض عنه مرارا وهو يردد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلى قومه فسألهم أبه جنة فقالوا لا فسأل عنه أثيب أم بكر فقالوا ثيب فأمر به فرجم ثم قال يا هزال لو سترته بردائك كان خيرا لك
125

وأخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع قال حدثنا هشام بن سعد قال حدثني يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه أن ماعز بن مالك كان في حجر أبيه هزال فلما فجر قال له أبي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فلهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهزال حين لقيه يا هزال لو سترته بردائك كان خيرا لك
حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن محمد البغادي بكير بمكة حدثنا محمد بن يونس الكريمي قال حدثنا الربيع بن يحيى الأشناني قال حدثنا شعبة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن ابن هزال عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو سترته بردائك كان خيرا لك
قال أبو عمر هذا الحديث وإن كنا ذكرناه من رواية الكريمي فإنه محفوظ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن ابن الهزال عن هزال وعن يحيى بن سعيد عن يزيد بن نعيم بن هزال من وجوه وقد ذكرنا الحكم في معاني هذا الحديث في مواضع سلفت من كتابنا والحمد لله
وقد رويت آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الستر على المسلم أذكر منها ما حضرني ذكره بعون الله
126

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن الفضل عارم قال حدثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وربما قال عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة ومن يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
حدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا مالك بن عبد الله بن سيف قال حدثنا إسماعيل بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا حماد بن زيد عن محمد ابن واسع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة ومن ستر أخاه ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه
أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن أبيه عن مولى لخارجة حدثه عن أبي صياد الأسود الأنصاري وكان عريفهم أن رجلا قدم فحل بباب
127

مسلمة بن مخلد واستأذن فأذن له وقال حل قال لا ولكن أرسل معي إلى عقبة ابن عامر فأرسل معه أبا صياد فدخلوا على عقبة فرحب به فقال الرجل لعقبة هل تذكر مجلسا كنا فيه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ستر عورة مؤمن كانت له كموؤدة أحياها قال عقبة نعم لعمري إني لحاضر ذلك وسمعته منه فكبر الرجل وقال لهذا ارتحلت ورجع
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو جعفر محمد بن سليمان المنقري قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا همام بن يحيى قال حدثنا إسحاق بن أبي طلحة قال حدثنا شيبة الحضرمي قال شهدت عروة بن الزبير يحدث عمر بن عبد العزيز عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث كنت حالفا عليهم ولو حلفت على الرابعة رجوت أن لا إثم لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له قال وسهام الإسلام الصلاة والصيام والصدقة ولا يحب رجل قوما إلا جاء معهم يوم القيامة ولا يتولى الله عبد في الدنيا يوليه غيره يوم القيامة والرابعة لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره يوم القيامة
هكذا
128

قال شيبة الحضرمي وإنما هو شيبة الحضري وكذلك رواه عفان عن همام ذكر ابن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا همام قال سمعت إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال حدثني شيبة الحضري أنه شهد عروة يحدث عمر بن عبد العزيز عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يجعل الله رجلا له سهم في الإسلام كمن لا سهم له وذكر الحديث سواء إلى آخره بمعناه وزاد فقال عمر بن عبد العزيز إذا سمعتم بمثل هذا الحديث عن مثل عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم فاحفظوه
حدثنا خلف بن القاسم بن سهل بن محمد بن أسود الحافظ قال حدثنا أبو الطيب محمد بن جعفر غندر قال حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا الحسين بن الحسن حدثنا يحيى بن سليم حدثنا إسماعيل بن كثير قال سمعت مجاهدا يقول إن الملائكة مع ابن آدم فإذا ذكر أخاه المسلم بخير قالت الملائكة ولك مثله وإذا ذكره بشر قالت الملائكة ابن آدم المستور عورته أربع على نفسك واحمد الله الذي ستر عورتك
حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا وهيب قال حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن
129

النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة
حدثنا محمد بن عبد الله ومحمد بن إبراهيم قالا حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثني إبراهيم بن نشيط الخولاني عن كعب بن علقمة عن دخين أبي الهيثم كاتب عقبة قال قلت لعقبة بن عامر إن لنا جيرانا يشربون الخمر وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم قال لا تفعل ولكن عظهم وتهددهم قال يفعل ذلك بهم شهرا ثم جاء دخين إلى عقبة فقال إني نهيتهم فلم ينتهوا وإني داع لهم الشرط فقال له عقبة ويحك لا تفعل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ستر على مؤمن عورة فكأنما استحيا موؤودة
وهذا الحديث رواه ابن وهب عن إبراهيم بن نشيط عن كعب بن علقمة عن كثير مولى عقبة بن عامر عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من رأى عورة فسترها كان كمن استحيا موؤودة من قبرها
130

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيها علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن أبطأ به عمله لم يسرع به حسبه
حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أحمد بن الحسن الصباحي قال حدثنا يحيى بن ورد بن عبد الله حدثني أبي حدثنا عدي عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن عمار بن ياسر أخذ سارقا فقال ألا أستره لعل الله يسترني
131

حديث خامس ليحيى بن سعيد
807 مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر يوم الخندق حتى غابت الشمس (114)
وهذا يستند من حديث ابن مسعود وحديث أبي سعيد الخدري وحديث جابر وبعضها أتم معنى من بعض وقد يجوز أن يكون هذا النسيان وارد شغل عظيم
روى هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال جعل عمر بن الخطاب يسب كفار قريش يوم الخندق ويقول يا رسول الله والله ما صليت العصر حتى غابت الشمس أو كادت تغيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما صليتها ونزلنا معه إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا معه فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب
وأما قوله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس فقد ذكرنا طرق هذا الحديث في باب زيد بن أسلم وذكرنا حديث أبي سعيد الخدري وحديث ابن مسعود في باب مرسل زيد أيضا وفي حديثهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل يومئذ عن أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفي حديث جابر
132

العصر وحدها وفي مرسل سعيد الظهر والعصر والمعنى في ذلك كله سواء والحمد لله
قرأت على عبد الله بن محمد بن يوسف أن محمد بن أحمد بن يحيى حدثهم قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد قال حدثنا أحمد ابن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا هشام بن سنبر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال جعل عمر بن الخطاب يسب كفار قريش يوم الخندق ويقول يا رسول الله ما صليت العصر حتى كادت الشمس تغيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما صليتها فنزلنا معه إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا معه فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب وقد تقدم القول في معاني هذا الحديث في باب زيد بن أسلم
133

حديث سادس ليحيى بن سعيد
907 مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين (147)
هكذا هذا الحديث في الموطأ عن مالك عن يحيى بن سعيد مرسلا
ورواه محمد بن خالد بن عثمة عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس حتى حولت القبلة قبل بدر بشهرين
انفرد به عن محمد بن خالد بن عثمة عبد الرحمن بن خالد بن نجيح وعبد الرحمن ضعيف لا يحتج به
وفي هذا الحديث بيان النسخ في أحكام الله عز وجل وهو باب يستغني عن القول فيه لاتفاق أهل الحق عليه وقد أتينا بلمع من علله في مواضع من كتابنا والحمد لله
وذكرنا نسخ الصلاة إلى الكعبة وكيف كان الوجه في ذلك وكثيرا من معاني استقبال القبلة في باب ابن شهاب عن عروة وفي باب عبد الله بن دينار فأغنى عن ذكر ذلك ههنا وهذا الحديث ومثله أصل في علم الخبر وحفظ السير وقد روى معناه مسندا من وجوه من حديث البراء وغيره ولم يختلف العلماء في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم
134

المدينة صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا وقيل سبعة عشر وقيل ثمانية عشر وإنما اختلفوا في صلاته بمكة فقالت طائفة كانت إلى الكعبة وقال آخرون كانت إلى بيت المقدس وقد ذكرنا ما روي في ذلك وقيل به في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب في باب صلاة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم بمكة حين فرض الصلاة وذكرنا بعض ذلك مع حكم من صلى إلى غير القبلة مجتهدا وغير مجتهد في باب عبد الله بن دينار
أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا إسحاق عن زكرياء عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم إنه وجه إلى الكعبة فمر رجل قد كان صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من الأنصار فقال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجه إلى الكعبة فانصرفوا
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا سنيد قال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال لما قدم النبي عليه السلام المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان
135

يحب أن يوجه إلى الكعبة فأنزل الله * (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها) * 2 144 فوجه نحو الكعبة وكان يحب ذلك
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا أبو إسحاق عن البراء قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا فلما أنزلت هذه الآية في القبلة * (فولوا وجوهكم شطره) *
قال فنزلت بعدما صلى النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق رجل من القوم فمر بناس من الأنصار وهم يصلون فحدثهم الحديث فولوا وجوههم
وقد روى هذا الحديث شعبة والثوري وزهير بن معاوية وهو أتمهم له سياقة عن أبي إسحاق عن البراء مثله
وقد ذكرنا تاريخ تحويل القبلة إلى الكعبة والاختلاف في ذلك في باب ابن شهاب عن عروة والحمد لله
136

حديث سابع ليحيى بن سعيد
17017017 017 مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع عن سعيد بن المسيب يقول سمعت أبا هريرة يقول اختتن إبراهيم صلى الله عليه وسلم بالقدوم وهو ابن مائة وعشرين سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة
مثل هذا لا يكون رأيا وقد تابع مالكا على توقيف هذا الحديث جماعة عن يحيى بن سعيد منهم يحيى بن سعيد القطان وعلي بن مسهر
ورواه الأوزاعي عن يحيى بن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اختتن إبراهيم وهو ابن عشرين ومائة سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة
وروي مسندا من غير رواية يحيى بن سعيد من وجوه منها ما ذكره ابن بكير عن الليث عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اختتن إبراهيم حين بلغ ثمانين سنة واختتن بقدوم
137

قال ابن بكير وحدثني بمثلها عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
وروى يحيى القطان عن ابن عجلان سمع أباه سمع أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
ورواه المغيرة بن عبد الرحمن وورقاء بن عمر اليشكري عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا أن إبراهيم اختتن بعدما مر عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم
حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف حدثنا عبيد الله بن محمد بن أبي غالب بمصر حدثنا محمد بن محمد بن بدر حدثنا رزق الله بن موسى حدثنا شبابة بن سوار حدثنا ورقاء بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اختتن إبراهيم بعدما مر عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم
وذكر المروزي حديث الأوزاعي عن أبي الوليد أحمد بن عبد الرحمن قال حدثنا الوليد قال أخبرني أبو عمرو يعني الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال
138

رسول الله صلى الله عليه وسلم اختتن إبراهيم وهو ابن عشرين ومائة سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة
قال وحدثنا أبو قدامة قال حدثنا يحيى عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال سمعت أبا هريرة يقول اختتن إبراهيم وهو ابن عشرين ومائة سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة
قال وحدثنا همام قال حدثنا علي بن مسهر عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال اختتن إبراهيم بالقدوم وهو ابن عشرين ومائة سنة
قال سعيد وهو أول من اختتن وأول من أضاف الضيف وأول من استحد وأول من قلم الأظافر وأول من قص الشارب وأول من شاب فلما رأى الشيب قال ما هذا قال وقار قال يا ربي زدني وقارا
قال وحدثنا أبو كامل قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثني عمارة قال حدثني عكرمة قال أوحى الله إلى إبراهيم إنك قد أكملت الإسلام إلا بضعة منك فألقها فقدم يختن نفسه بالفأس فصرف بصره عن عورته أن ينظر إليها
قال عكرمة واختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة قال ولم يطف بالبيت بعد على ملة إبراهيم إلا مختون
قال أبو عمر هكذا قال عكرمة في إبراهيم إنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة وقد قاله المسيب بن رافع كذلك ذكر المروزي قال حدثنا محمد بن
139

الصباح قال حدثنا جرير عن مغيرة عن المسيب بن رافع أوحى الله إلى إبراهيم أن تطهر فتوضأ فأوحى الله إليه أن تطهر فاغتسل فأوحى الله إليه أن تطهر فاختتن بالقدوم بعد ثمانين سنة
وهذا هو المحفوظ في حديث عجلان وحديث الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى القول في الختان في باب سعيد بن أبي سعيد وتقصينا هنالك ما للعلماء في ذلك
وفي هذا الحديث دليل على جواز القول في سير الأنبياء والصالحين وفي معنى ذلك الحديث عن الماضين وأيام الناس جملة وبالله التوفيق
قرأت على أبي عمر أحمد بن محمد بن أحمد أن أبا عبد الله محمد بن عيسى حدثهم قال سأل رجل يحيى بن أيوب بن بادي العلاف ونحن عنده عن ختان النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد طلبت ذلك عند أكثر من لقيت ممن كتبت عنه فلم أجده حتى أتيت محمد ابن أبي السري العسقلاني في سفرتي الثانية فسألته عنه عند توديعي له منصرفا فقال حدثني الوليد بن مسلم عن شعيب عن عطاء الخرساني عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه وجعل له مأدبة وسماه محمدا وقد قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختونا فالله أعلم وقد ذكرنا ما للعلماء في هذا
140

المعنى مجودا في باب سعيد بن أبي سعيد عند قوله عليه السلام خمس من الفطرة فذكر منها الختان
141

حديث ثامن ليحيى بن سعيد
117 مالك عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يقول إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده وأشار بيديه نحو السماء يرفعهما (1538)
لم يختلف رواة الموطأ عن مالك في أن هذا الحديث فيه هكذا ورواه ابن وهب عن عمرو بن الحرث ومالك بن أنس عن يحيى بن سعيد قال كان سعيد بن المسيب يقول فذكره هكذا سواء من قول سعيد ابن المسيب وهذا لا يدرك بالرأي وقد روي بإسناد جيد عن النبي صلى الله عليه وسلم
قرأت على أبي عمر أحمد بن محمد بن أحمد أن أبا العباس أحمد بن الفضل الخفاف حدثهم قال حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير قال حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني قال حدثنا يونس بن محمد قال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله ليرفع العبد الدرجة فيقول أي رب أنى لي هذه الدرجة يقال باستغفار ابنك لك
142

وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا ابن السكين إملاء حدثنا محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع الخزاز حدثنا حميد بن علي النجيرمي حدثنا زيد بن حباب حدثنا سفيان الثوري عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال وأكبر ظني أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن المؤمن لترفع له الدرجة في الجنة فيقول فذكره
143

حديث تاسع ليحيى بن سعيد
217 مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة والصوم قالوا بلى قال إصلاح ذات البين وإياكم والبغضاء فإنها هي الحالقة (477)
هكذا هذا الحديث موقوفا على سعيد في الموطأ لم يختلف على مالك فيه الرواة إلا إسحاق بن بشر الكاهلي وهو ضعيف متروك الحديث فإنه رواه عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا بحديثه خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي قال حدثنا أبي قال حدثنا الفضل بن سليمان الأشج بمكة قال حدثنا إسحاق بن بشر الكاهلي حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والبغضاء فإنها الحالقة ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال صلاح ذات البين
وقد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا مسندا ومرسلا من حديث يحيى بن سعيد حدثناه
144

سلمة بن سعيد بن سلمة قال حدثنا علي بن عمر الحافظ قال حدثنا محمد بن القاسم بن زكرياء المحاربي قال حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال حدثنا حفص بن غياث عن يحيى بن سعيد ابن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصيام والصدقة إصلاح ذات البين وإياكم والبغضة فإنما هي الحالقة
وحدثنا سلمة قال حدثنا علي قال حدثنا محمد بن القاسم قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا حسين بن علي الجعفي عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو الدرداء أما إني لا أقول حالقة الشعر ولكنها حالقة الدين
قال أبو الحسن علي بن عمر تفرد به أبو كريب وقد روي هذا الحديث من غير رواية مالك وسنذكره إن شاء الله
وفيه علة ذكرها علي بن المديني فقال وذلك ما أخبرناه عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن عثمان حدثنا إسماعيل حدثنا علي بن المديني قال حدثنا معن بن عيسى حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد قال سمعت سعيد بن المسيب قال ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة وذكر الحديث
قال علي فقلت لمعن إن هذا الحديث لم يسمعه يحيى بن
145

سعيد من سعيد بن المسيب بينهما رجل فلا تقل فيه سمعت سعيد بن المسيب واجعله عن سعيد بن المسيب فكان لا يقول فيه إلا عن سعيد بن المسيب
قال علي وقد حدثناه عبد الوهاب ويزيد بن هارون وغيرهما عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن المسيب مرفوعا
وقد روى الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلكم على أفضل من كثير من الصلاة والصدقة قالوا ماذا يا رسول الله قال صلاح ذات البين
ذكره البزار قال حدثنا محمد بن المثنى وصالح بن معاذ قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش فذكره
وقد روى يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد عن مولى الزبير عن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء أو قال العداوة والبغضاء وهي الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين
وقد ذكرنا هذا الخبر من وجوه في كتاب العلم وفيه مع خبر هذا الباب أوضح حجة في تحريم العداوة وفضل المؤاخاة وسلامة الصدر من الغل
146

حديث عاشر ليحيى بن سعيد يحيى عن أبي سلمة
409 مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال سمعت أبا قتادة بن ربعي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره قال أبو سلمة إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل فلما سمعت هذا الحديث فما كنت أباليها (524)
هذا الحديث بين المعنى وفيه دليل على أن الرؤيا السيئة لا تضر من استعاذ بالله من شرها ونفث عن يساره والرؤيا السيئة حلم وتهويل من الشيطان وتحزين لابن آدم على
ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرناه في باب إسحاق بن أبي طلحة من هذا الكتاب
وقد روى هذا الحديث الزهري عن أبي سلمة وهو عند معمر وابن عيينة وعقيل وليس عند مالك
147

قال أبو عمر ذكر الجوهري والنسائي في مسنده حديث مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن عائشة سمعها تقول إن كان ليكون علي الصيام من رمضان فما أستطيع أن أقضيه حتى يأتي شعبان فأدخلا هذا في المسند ولا وجه له عندي إلا وجه بعيد وذلك أنه زعم أن ذلك كان لحاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها واستدل بحديث مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما منه في شعبان
وقد يستدل من قول عائشة هذا على جواز تأخير قضاء رمضان لأن الأغلب أن تركها لقضاء ما كان عليها من رمضان لم يكن إلا بعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا كان ذلك كذلك كان فيه بيان لمراد الله عز وجل من قوله * (فعدة من أيام أخر) * لأن الأمر يقتضي الفور حتى تقوم الدلالة على التراخي كما يقتضي الانقياد إليه ووجوب العمل به حتى
148

تقوم الدلالة على غير ذلك وفي تأخير عائشة قضاء ما عليها من صيام رمضان دليل على التوسعة والرخصة في تأخير ذلك وذلك دليل على أن شعبان أقصى الغاية في ذلك فمن أخره حتى يدخل عليه رمضان آخر وجبت عليه الكفارة التي أفتى بها جمهور السلف والخلف من العلماء وذلك مد عن كل يوم والله أعلم
149

حديث حادي عشر ليحيى بن سعيد يحيى عن سليمان بن يسار أربعة أحاديث
417 ملك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن اختلفا في المرأة تنفس بعد وفاة زوجها بليال فقال أبو سلمة إذا وضعت ما في بطنها فقد حلت وقال ابن عباس آخر الأجلين فجاء أبو هريرة فقال أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة فبعثوا كريبا مولى عبد الله بن عباس إلى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يسألها عن ذلك فجاءهم فأخبرهم أنها قالت ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد حللت فانكحي من شئت (2986)
في هذا الحديث دليل على جلالة أبي سلمة وأنه كان يفتي مع الصحابة وأبو سلمة القائل لو رفقت بابن عباس لأخرجت منه علما
وفيه دليل على أن العلماء لم يزالوا يتناظرون ولم يزل منهم الكبير لا يرتفع على الصغير ولا يمنعون الصغير إذا علم أن ينطق
150

بما علم ورب صغير في السن كبير في علمه والله يمن على من يشاء بحكمته ورحمته
وفيه دليل على أن المناظرة وطلب الدليل وموقع الحجة كان قديما من لدن زمن الصحابة هلم جرا لا ينكر ذلك إلا جاهل
وفيه دليل على أن الحجة عند التنازع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه من كتاب الله وفيما فيه نص أيضا إذا احتمل الخصوص لأن السنة تفيد مراد الله من كتابه
قال الشافعي رحمه الله من عرف الحديث قويت حجته ومن نظر في النحو رق طبعه ومن حفظ القرآن مثل قدره ومن لم يصن نفسه لم يصنه العلم
وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب عبد ربه بن سعيد من هذا الكتاب وفي حديث عبد ربه أن الاختلاف في عدة الحامل المتوفى عنها كان بين أبي هريرة وابن عباس وأن أبا سلمة كان رسولهما إلى أم سلمة في ذلك وعبد ربه ثقة ويحيى ثقة والمعنى الذي له جلب الحديث غير مختلف فيه والحمد لله وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوضع من الحامل المتوفى عنها انقضاء عدتها وهذا المعنى لم يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك بيان لمراد الله من قوله * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) * 2 233 أنه عنى منهن من لم تكن حاملا
151

وقد جاء عن علي وابن عباس في هذه المسألة ما قد ذكرناه وأوضحنا معناه في باب عبد ربه والحمد لله
وحديث يحيى بن سعيد هذا عن سليمان بن يسار ليس عند القعنبي ولا ابن بكير في الموطأ وهو عند ابن وهب وجماعة
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب حدثنا مالك فذكره إلى آخره وبالله التوفيق
152

حديث ثاني عشر ليحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار
517 ملك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عروة بن الزبير حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت أم سلمة وفي البيت صبي يبكي فذكروا أن به العين قال عروة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تسترقون له من العين (504)
هذا حديث مرسل عند جميع الرواة عن مالك في الموطأ وهو حديث صحيح يستند معناه من طرق ثابتة وقد تقدم ذكر بعضها في باب حميد بن قيس من كتابنا هذا في قصة ابني جعفر وفيه رواية النظير عن النظير
وقد روى هذا الحديث أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عروة عن أم سلمة ذكره البزار قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو معاوية
وحدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا روح قال حدثني ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله
153

يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء ابنة عميس ما شأن أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم حاجة قالت لا ولكن تسرع إليهم العين أفترقيهم قال وبمذا فعرضت عليه فقال أرقيهم
وحدثنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان قال حدثنا يوسف بن سعيد قال حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لبني عمرو ابن حزم في رقية الحمة قال وقال لأسماء بنت عميس ما شأن أجسام بني أخي ضارعة فذكر مثله حرفا بحرف إلى آخره
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عروة ابن عامر عن عبيد بن رفاعة البارقي أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن ابني جعفر تصيبهم العين أفأسترقي لهم قال نعم لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن غالب قال حدثنا سهل بن بكار قال حدثنا وهيب عن أبي واقد عن أبي سلمة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استعيذوا بالله من العين فإن العين حق
154

قال أبو واقد وذكر ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال بلغني عن رجال من أهل العلم أنهم كانوا يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الرقى حين قدم المدينة وكانت الرقى في ذلك الزمان فيها كثير من كلام الشرك فلما قدم المدينة لدغ رجل من أصحابه فقالوا يا رسول الله قد كان آل حزم يرقون من الحمة فلما نهيت عن الرقى تركوها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوا لي عمارة بن حزم ولم يكن له ولد وكان قد شهد بدرا فدعي له فقال اعرض علي رقيتك فعرضها عليه فلم ير بها بأسا وأذن لهم بها
قال ابن وهب وأخبرني أسامة بن زيد الليثي قال حدثني أبو بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم قال عرض آل عمرو بن حزم رقيتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يرقوا بها
قال ابن وهب وأخبرني ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أرقي من العقرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل
قال ابن وهب وأخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن المغيرة أن كثير بن أبي سليمان العدوي أخبره عن عبد الله بن عمرو أنه قال كثير من الرقي والأخذة والكهانة ونظر في النجوم طرف من السحر
155

قال ابن وهب وأخبرني ابن سمعان قال سمعت رجالا من أهل العلم يقولون إذا لدغ الإنسان فنهشته حية أو لسعته عقرب فليقرأ الملدوغ بهذه الآية * (نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين) * 27 8
فإنه يعافى بإذن الله
قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين أهل العلم في جواز الاسترقاء من العين والحمة وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم والآثار في الرقي أكثر من أن تحصى
وقال جماعة من أهل العلم الرقى جائز من كل وجع ومن كل ألم ومن العين وغير العين
وحجتهم حديث عثمان بن أبي العاصي ومثله عن النبي صلى الله عليه وسلم في جواز الرقى من الوجع وقد ذكرنا حديث عثمان بن أبي العاصي في باب يزيد بن خصيفة من هذا الكتاب وحديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذات ونفث وروى إبراهيم عن الأسود مثله بمعناه
وروى أنس وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل على مريض قال أذهب البأس رب الناس الحديث
وروى محمد بن حاطب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
156

وروى صالح بن كيسان عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال لها علمي حفصة رقية النملة كما علمتها الكتاب
ومن حديث عبادة وأبي سعيد الخدري وميمونة وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم جواز الرقى من كل شيء يشتكي به من الأوجاع كلها
وقال آخرون لا رقية إلا من عين أو لدغة عقرب واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم لا رقية إلا من عين أو حمة
والحمة لدغة العقرب وهذا حديث يرويه الشعبي واختلف عليه فيه اختلافا كثيرا
حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال حدثنا إسحاق بن سليمان عن أبي جعفر الرازي عن حصين عن الشعبي عن بريدة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رقية إلا من عين أو حمة
وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسين بن جعفر الزيات قال حدثنا يوسف بن يزيد قال حدثنا العباس بن طالوت حدثنا أبو عوانة عن حصين عن الشعبي عن بريدة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رقية إلا من عين أو حمة
157

ورواه مالك بن مغول عن حصين عن الشعبي عن عمران بن حصين حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا مالك بن مغول عن حصين عن الشعبي عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رقية إلا من عين أو حمة
ورواه مجاهد عن الشعبي عن جابر ورواه العباس بن ذريح عن الشعبي عن أنس
حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا عبد الله محمد الكرماني حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة حدثنا مجاهد عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا رقية إلا من عين أو حمة أو دم لا يرقأ
وقد مضى في باب حميد بن قيس في قصة ابني جعفر كثير من معاني هذا الباب
ومضى فيه حديث حجاج عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لبني عمرو بن حزم في رقية الحمة
قال ابن وهب الحمة اللدغة
158

حديث ثالث عشر ليحيى بن سعيد
617 مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الصلاة (318)
هكذا هذا الحديث مرسلا عند كل من رواه عن مالك وكذلك رواه شعبة عن يحيى بن سعيد وفي هذا الباب أحاديث مسندة كثيرة عند مالك وغيره نذكر منها في هذا الباب ما يشبهه ويليق به إن شاء الله
أخبرنا سعيد بن نصر ويحيى بن عبد الرحمن قالا حدثنا محمد بن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا شعبة عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر في الصلاة
حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الميمون محمد بن عبد الله بن مطرف العسقلاني بعسقلان قال حدثنا أبو معن ثابت بن نعيم قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا شعبة بن الحجاج عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر لافتتاح الصلاة وإذا رفع رأسه من الركوع
159

قال أبو عمر روى رفع اليدين عن النبي صلى الله عليه وسلم عند افتتاح الصلاة وعند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع جماعة من أصحابه رضي الله عنهم منهم عبد الله بن عمر ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأبو هريرة وأنس وأبو حميد الساعدي في عشرة من الصحابة وروي من حديث البراء بن عازب وعبد الله بن مسعود أنه كان يرفع يديه في أول افتتاح الصلاة ثم لا يعود وهما حديثان معلولان وقد تقدم القول في رفع اليدين وما في ذلك اعتلال الآثار ومذاهب علماء الأمصار ممهدا مجودا مختصرا موعبا في باب ابن شهاب عن سالم من هذا الكتاب فلا معنى لإعادة ذلك ههنا
أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال حدثني أبي عن جدي عن يحيى بن أيوب عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا ركع فعل مثل ذلك وإذا رفع للسجود فعل مثل ذلك وإذا قام من الركعتين فعل مثل ذلك
حدثنا خلف بن القاسم قراءة مني عليه أن أبا الميمون محمد بن عبد الله العسقلاني حدثهم بعسقلان قال حدثنا أبو معن ثابت بن نعيم قال حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا الحكم قال رأيت
160

طاوس يرفع يديه عند التكبير وعند ركوعه وعند رفع رأسه من الركوع حذو منكبيه فسألت رجلا من أصحابه فقال إنه يحدث به عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
وحدثنا خلف قال حدثنا محمد قال حدثنا ثابت قال حدثنا آدم حدثنا شعبة قال سمعت عاصم بن كليب قال سمعت أبي يحدث عن وائل الحضرمي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر للصلاة فرفع يديه حذو منكبيه ثم كبر ورفع يديه ثم كبر وسجد ورفع يديه
وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا ثابت قال حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع حذو أذنيه
قال أبو عمر في حديث وائل بن حجر أنه كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند السجود وهذا معناه عندنا إذا انحط إلى السجود من الركوع لأن ابن شهاب روى عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع بين السجدتين
وقال ابن عمر كان يرفع يديه حذو منكبيه وهو أثبت ممن روى حذو أذنيه
وقد ذكرنا هذه المعاني كلها وما روى فيها من الآثار وذكرنا الاختلاف عن مالك في هذه المسألة وما للفقهاء فيها من التنازع في باب ابن شهاب من كتابنا هذا والحمد لله
161

حديث رابع عشر ليحيى بن سعيد
717 مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم فوق رأسه وهو يومئذ بلحيي جمل مكان بطريق مكة (2074)
هذا مرسل في الموطأ عند جماعة الرواة وقد روي مسندا من وجوه صحاح من حديث ابن عباس وجابر وعبد الله بن بحينة وأنس
حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا هلال بن بشر قال حدثنا محمد بن خالد بن عثمة قال حدثنا سليمان بن بلال قال حدثني علقمة بن أبي علقمة أنه سمع الأعرج قال سمعت عبد الله بن بحينة يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وسط رأسه وهو محرم بلحيي جمل من طريق مكة وهذا حديث مدني لفظه لفظ حديث مالك سواء
وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس عن ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو محرم
162

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا علي بن الحسن بن عبد الله يعرف بابن قلنبة الإسكندراني قال حدثنا أحمد بن عبد الوارث قال حدثنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم
حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا وهب بن جرير أخبرنا شعبة عن يزيد عن مقسم عن ابن عباس قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم محرم
حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا إبراهيم بن جامع قالا حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا معلى بن أسد العمي قال حدثنا وهيب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم
وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم في رأسه من داء كان به
163

أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي قال حدثنا داود بن عمرو الضبي قال حدثنا عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم من داء كان برأسه
قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء في أن للمحرم أن يحتجم إذا كان به أذى ونزل به ضر إلا أنه إن حلق شيئا من الشعر في موضع المحاجم فعليه فدية إذا حلق شيئا له بال عند مالك وإن حلق عند مالك شعرة أو شعرتين فلا شيء عليه ويستحب له أن يطعم قبضة من طعام
وقال جماعة من أهل العلم إن حكم شعر البدن غير شعر الرأس للمحرم وليس في شعر البدن شيء وقد ذكرنا اختلاف العلماء في حكم حلاق الشعر وما لهم في ذلك من المذاهب فيما تقدم من هذا الكتاب
164

حديث خامس عشر ليحيى بن سعيد يحيى بن قاسم بن محمد حديث واحد
817 مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح ابن خوات الأنصاري أن سهل بن أبي حثمة حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو يركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فإذا استوى قائما ثبت وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون وينصرفون والإمام قائم فيكونون وجاه العدو ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام فيركع بهم ويسجد ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الثانية ثم يسلمون (112)
هذا الحديث موقوف على سهل في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك ومثله لا يقال من جهة الرأي وقد روي مرفوعا مسندا بهذا الإسناد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
رواه عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه وعبد الرحمن أسن من يحيى بن سعيد وأجل
165

رواه شعبة عن عبد الرحمن كذلك وكان مالك يقول في صلاة الخوف بحديثه عن يزيد بن رومان ثم رجع إلى حديثه هذا عن يحيى بن سعيد عن القاسم وإنما بينهما انتظار الإمام الطائفة الثانية حتى تتم فيسلم بهم
هكذا في حديث يزيد بن رومان وفي حديث يحيى أنه يسلم إذا صلى بها الركعة الثانية ثم يقومون فيركعون لأنفسهم وقد ذكرنا هذه المسألة مجودة في باب يزيد بن رومان من هذا الكتاب وذكرنا اختلاف الآثار واختلاف فقهاء الأمصار في صلاة الخوف ممهدا مبسوطا في باب نافع من هذا الكتاب فلا وجه لإعادة ذلك ههنا
وأما حديث سهل بن أبي حثمة هذا فاختلف فيه على خمسة أوجه منها الوجهان اللذان عند مالك عن يزيد بن رومان عن يحيى بن سعيد على ما ذكرنا من اختلافهما في انتظار الإمام الطائفة الثانية حتى تتم ركعتها ثم يسلم بها
والوجه الثالث هو أن الإمام ينتظر الطائفة الأخرى قاعدا فإذا كبروا خلفه قام وصلى بهم ركعة وسجدتين ثم قعد حتى يقضوا ركعة ثم يسلم بهم
وفي هذا الوجه وهذه الرواية أن الإمام ينتظر الطائفة الأخرى قاعدا واتفق حديث يزيد بن رومان ويحيى بن سعيد هذا على أن الإمام إنما ينتظرهم قائما
والوجه الرابع أن الإمام يصف الطائفتين خلفه صفين فيحرم بهم ثم يركع ويسجد بالذين يلونه ثم يقوم قائما حتى يصلي الصف الذي خلفهم ركعة ثم يتقدمون ويتأخر الذين كانوا قدامهم فيصلي
166

بهم ركعة ثم يجلس حتى يصلي الذين تخلفوا ركعة ثم يسلم بهم
والوجه الخامس أن يصلي بكل طائفة ركعة ثم يسلم فتقضي كل واحدة من الطائفتين ركعة ركعة بعد سلامه بمعنى حديث ابن عمر
وهذه الثلاثة الأوجه في حديث سهل بن أبي حثمة اختلف فيها أصحاب شعبة عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح عن سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يختلفوا في هذا الإسناد ولا في رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري قال حدثنا أبي قال حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في خوف فجعلهم صفين فصلى بالذين يلونه ركعة ثم قام فلم يزل قائما حتى صلى الذين خلفه ركعة ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة ثم قعد حتى صلى الذين خلفه ركعة ثم سلم
حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى عن
167

شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف فصف صفا خلفه وصفا مصافي العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم قاموا فقضوا ركعة ركعة
قال أبو عمر هذا موافق لحديث نافع وسالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد اختلف على شعبة كما ترى ولم يختلف على مالك في حديثه هذا وهو أصح شيء عندي في هذا الباب وأولى والصواب إن شاء الله لما فيه من مطابقة ظاهر القرآن لاستفتاح الإمام ببعضها وذلك قوله * (فلتقم طائفة منهم معك) * ثم قال * (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك) *
وفي حديث مالك هذا أن الطائفة الثانية لا تدخل في الصلاة إلا بعد انصراف الطائفة الأولى بخلاف رواية يحيى عن شعبة وفي حديث مالك أن الثانية لا تنصرف عن الإمام وعلى شيء من الصلاة وهذا أشبه بظاهر القرآن أيضا لما فيه من التسوية بين الطائفتين في افتتاحهم
168

حديث سادس عشر ليحيى بن سعيد يحيى عن أبي بكر بن حزم حديث واحد
917 مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره (3188)
هذا حديث متفق على صحة إسناده وقد مضى القول في معناه مجودا ممهدا في باب ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن من هذا الكتاب
169

حديث سابع عشر ليحيى بن سعيد يحيى عن أبي الحباب حديثان
27027027 027 مالك عن يحيى بن سعيد قال سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد
هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة ورواه إسحاق بن عيسى الطباع عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وهو خطأ والصواب فيه مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن يسار أبي الحباب كما في الموطأ والله أعلم
وأبو الحباب هذا سعيد بن يسار مولى الحسن بن علي وقيل مولى شميسة امرأة نصرانية أسلمت بالمدينة على يدي الحسن بن علي وقيل أبو الحباب سعيد بن يسار مولى شقران مولى النبي صلى الله عليه وسلم وكان أبو الحباب أحد الثقات من التابعين بالمدينة وبها توفي سنة سبع عشرة ومائة
وأما قوله صلى الله عليه وسلم تأكل القرى فروي عن مالك أنه قال معناه تفتح القرى وتفتح منها القرى لأن من المدينة افتتحت المدائن كلها
170

بالإسلام وفي هذا الحديث دليل على كراهية تسمية المدينة بيثرب على ما كانت تسمى في الجاهلية وأما القرآن فنزل بذكر يثرب على ما كانوا يعرفون في جاهليتهم ولعل تسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها بطيبة كان بعد ذلك وهو الأغلب في ذلك
وأما قوله تنفي الناس فإنه أراد شرار الناس ألا ترى أنه مثل ذلك وشبهه بما يصنع الكير في الحديد والكير إنما ينفي رديء الحديد وخبثه ولا ينفي جيده وهذا عندي والله أعلم إنما كان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحينئذ لم يكن يخرج من المدينة رغبة عن جواره فيها إلا من لا خير فيه
وأما بعد وفاته فقد خرج منها الخيار الفضلاء الأبرار وأما الكير فهو موضع نار الحداد والصائغ وليس الجلد الذي تسميه العامة كيرا
هكذا قال أهل العلم باللغة ومن هذا حديث أبي أمامة وأبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الحمى كير من جهنم وهي نصيب المؤمن من النار
حدثنا خلف بن أحمد حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا علي بن معبد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف عن أبي الحصين عن أبي صالح الأشعري عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحمى كير من جهنم فما إصاب المؤمن منها كان حظه من النار والله أعلم
171

حديث ثامن عشر ليحيى بن سعيد
127 مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي الحباب سعيد بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تصدق بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب كان إنما يضعها في كف الرحمن يربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى يكون مثل الجبل (581)
هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك في الموطأ مرسلا وتابعه أكثر الرواة عن مالك على ذلك وممن تابعه ابن القاسم وابن وهب مطرف وأبو المصعب وجماعة ورواه معن بن عيسى ويحيى بن عبد الله بن بكير عن مالك عن يحيى عن أبي الحباب عن أبي هريرة مسندا حدثناه عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا الحسن بن الخضر قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا علي بن شعيب قال حدثنا معن بن عيسى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تصدق بصدقة وذكر الحديث
حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا يحيى بن عمر ويحيى بن أيوب قالا حدثنا ابن بكير عن مالك
172

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطرف بن عبد الرحمن قال حدثنا ابن بكير عن مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تصدق من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيبا كان كإنما يضعها في كف الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فصيله أو فلوه حتى يكون مثل الجبل
قال أبو عمر موطأ ابن بكير بهذين الإسنادين قرأته على أبي عمر أحمد بن محمد بن أحمد وعلى أبي القاسم عبد الوارث بن سفيان رحمهما الله بالإسنادين المذكورين
وأخبرناه أيضا أبو القاسم خلف بن قاسم رحمه الله قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن رشيق قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز المؤدب قال حدثنا ابن بكير وهذا الحديث رواه سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي الحباب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
وروي عن أبي هريرة من وجوه وروته طائفة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث صحيح مجتمع على صحته وفيه أن الله عز وجل إنما يقبل من الصدقات ما طاب كسبه وأريد به وجهه والكسب الطيب هو الحلال المحض أو المتشابه فإن المتشابه عندنا في حيز الحلال بدلائل قد ذكرناها في غير هذا الكتاب وللعلماء
173

في المتشابه أقاويل أشبهها عندنا من جهة النظر ما ذكرنا وبالله توفيقنا ومعنى هذا الحديث يعضده قول الله عز وجل * (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) * قيل لبعض العلماء إن الله قال * (يمحق الله الربا) * وإنما نرى أصحاب الربا تنمى أموالهم فقال إنما يمحق الله الربا حيث يربي الصدقات ويضعفها وذلك في القيامة إذا نظر العبد إلى أعماله فرآها ممحوقة أو مضاعفة كما قال
روى وكيع عن عباد بن منصور عن القاسم بن محمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن العبد إذا تصدق بصدقة وضعت في كف الرحمن قبل أن تقع في كف السائل قال فيربيها كما يربي أحدكم فصيله أو فلوه حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد ثم قرأ * (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) * 2276
وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة دليل على عظيم فضل الصدقة
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ما أحسن عبد الصدقة إلا أحسن الله الخلافة على بنيه وكان في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله وحفظ في يوم صدقته من كل عاهة أو آفة
174

وفي فضل الصدقات آثار كثيرة ومن طلب العلم للعمل وأراد به الله فالقليل يكفيه إن شاء الله
حدثنا خلف بن القاسم حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن بحير القاضي قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمن قال حدثنا الحكم بن يعلى قال حدثنا عمرو بن الحرث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الصدقة لتطفىء على أهلها حر القبور
أخبرنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان القيسي قال حدثنا أبو البشر عبد الرحمن بن الجارود قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني حرملة بن عمران عن ابن أبي حبيب عن أبي الخير قال سمعت عقبة بن عامر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس أو قال يحكم بين الناس
قال يزيد وكان أبو الخير لا يخطيه يوم إلا تصدق فيه بكعكة أو بصلة أو شيء
وحدثنا خلف حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا يحيى بن حسان قال حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن علي بن حسين قال دعوة المتصدق عليه للمتصدق لا ترد
175

حديث تاسع عشر ليحيى بن سعيد يحيى عن بشير بن يسار أربعة أحاديث
227 مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار مولى بني حارثة عن سويد بن النعمان أنه أخبره أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كانوا بالصهباء وهي من أدنى خيبر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى العصر ثم دعا بالأزواد فلم يؤت إلا بالسويق فأمر به فثري فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلنا ثم قام إلى المغرب فمضمض ومضمضنا ثم صلى ولم يتوضأ (220)
وبشير بن يسار هذا هو بشير بن أبي كيسان مولى بني حارثة من الأنصار مدني تابعي ثقة
وهذا حديث صحيح إسناده ثابت معناه أدخله مالك في باب ترك الوضوء مما مست النار وهذا يدلك على أن السويق من الطعام الذي قد مسته النار وأنه لا وضوء فيه وقد أوضحنا هذا المعنى وجودناه من جهة الأثر والنظر ومهدناه وبسطناه وجلبنا فيه الاختلاف ووجوه الاعتلال في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب والحمد لله
176

وأما قوله فثري يعني بل الماء ومنه قيل للتراب الندي الثرى
وفي هذا الحديث دليل على أن الصالحين والفضلاء لا يستغنون عن الزاد في سفرهم وهو يبطل مذهب الصوفية الذين لا يدخرون لغد
وفيه دليل على أن جمع الأزواد واجتماع الأيدي عليها أعظم بركة ولذلك قال بعض العلماء جمع الأزواد في السفر سنة وقد أجاز لنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي قال حدثنا أبو بكر بن عبدان قال حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال حدثنا أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد قال حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع فقال اجمعوا أزوادكم قال فجعل الرجل يجيء بالحفنة من التمر والحفنة من السويق وطرحوا الأنطاع أو قال الأكسية فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده عليها ثم قال كلوا فأكلنا وشبعنا وأخذنا في مزاودنا ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله من قالها غير شاك فقد دخل الجنة
وقد استدل بعض الفقهاء بهذا الحديث لما فيه من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج أزوادهم للمساواة فيها على أنه جائز للإمام عند قلة الطعام وارتفاع السعر وغلاء الأقوات أن يأمر من عنده طعام فوق قوته بإخراجه للبيع ويجبره على ذلك لما فيه من ترميق مهج الناس وإحيائهم والإبقاء عليهم وقد روينا من طريق منقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم
177

أنه قال من السنة أن يخرج القوم إذا خرجوا في سفر نفقتهم جميعا فإن ذلك أطيب لأنفسهم وأحسن لأخلاقهم
وروينا عن ابن عمر من وجوه أنه قال من كرم الرجل طيب زاده في سفره وروينا أن محمد بن إسحاق لما أراد الخروج إلى العراق قال له رجل من أصحابه إني أحسب السفرة عندك خسيسة يا أبا عبد الله وكان ابن إسحاق ذلك الوقت قد رقت حالته فقال إن كانت السفرة خسيسة فما أخلاقنا بخسيسة ولربما قصر الدهر باع الكريم
أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف حدثنا الحسن بن إسماعيل الضراب حدثنا علي بن جعفر الفريابي قال حدثنا أحمد بن عبد الله الأقطع قال حدثنا أبو زرعة الرازي قال حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا أبو فراس عبد الرحيم بن عبيد قال سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول للسفر مروءة وللحضر مروءة فأما المروءة في السفر فبذل الزاد وقلة الخلاف على الأصحاب وكثرة المزاح في غير مساخط الله وأما المروءة في الحضر فالإدمان إلى المساجد وتلاوة القرآن وكثرة الإخوان في الله عز وجل
وأتى رجلان إلى ابن عون يودعانه ويسألانه أن يوصيهما فقال لهما عليكم بكظم الغيظ وبذل الزاد فرأى أحدهما في المنام أن ابن عون أهدى إليهما حلتين
178

ولبعض بني أسد وقيل إنها لحاتم الطائي إذا ما رفيقي لم يكن خلف ناقتي له مركب فضلا فلا حملت رجلي ولم يك من زادي له شطر مزودي فلا كنت ذا زاد ولا كنت ذا فضل شريكان فيما نحن فيه وقد أرى علي له فضلا بما نال من فضل وقال آخر وإني لأستحيي رفيقي أن يرى مكان يدي من جانب الزاد أقرعا أبيت هضيم الكشح مضطرم الحشى من الجوع أخشى الذم أن أتضلعا وإنك إن أعطيت بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا
179

حديث موفى عشرين ليحيى بن سعيد
327 مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن أبا بردة ابن نيار ذبح أضحيته قبل أن يذبح رسول الله يوم الأضحى فزعم أن رسول الله أمره أن يعود لضحية أخرى فقال أبو بردة لا أجد إلا جذعا قال فاذبح (234)
أبو بردة بن نيار اسمه هانىء بن نيار وقد ذكرناه في كتاب الصحابة بما يغني عن ذكره ههنا ويقال إن بشير بن يسار لم يسمع من أبي بردة وقد رواه معن بن عيسى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن أبي بردة بن نيار أنه ذبح قبل أن يذبح رسول الله فذكر الحديث
هكذا ذكره إسماعيل بن إسحاق عن علي بن المديني عن معن
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن أبي بردة بن نيار أنه ذبح فذكر الحديث مثله
وقصة أبي بردة هذه محفوظة من حديث البراء بن عازب
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا
180

المنصور بن المعتمر عن الشعبي عن البراء بن عازب قال خطبنا رسول الله يوم النحر بعد الصلاة فقال من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم
فقام أبو بردة بن نيار فقال والله يا رسول الله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فعجلت وأكلت ثم أطعمت أهلي وجيراني
فقال رسول الله تلك شاة لحم
قال فإن عندي عناقا جذعة هي خير من شاتي لحم فهل تجزي عني قال نعم ولن تجزيء عن أحد بعدك
ورواه داود بن أبي هند ومطرف بن طريف وعامر الأحول وسيار عن الشعبي عن البراء مثله بمعناه ومن رواه عن الشعبي عن جابر فقد أخطأ
وفي حديث مالك من الفقه أن الذبح لا يجوز قبل ذبح الإمام لأن رسول الله أمر الذي ذبح قبل أن يذبح بالإعادة وقد أمرنا الله بالتأسي به وحذرنا من مخالفة أمره ولم يخبرنا رسول الله أن ذلك خصوص له فالواجب في ذلك استعمال عمومه وقد أجمع العلماء على أن الأضحى مؤقت بوقت لا يتقدم إلا أنهم اختلفوا في تعيين ذلك الوقت على ما نورده عنهم في هذا الباب
181

إن شاء الله وأجمعوا على أن الذبح لأهل الحضر لا يجوز قبل الصلاة لقوله ومن ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم
وأما الذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام فموضع اختلف فيه العلماء لاختلاف الآثار في ذلك فذهب مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي إلى أنه لا يجوز لأحد أن يذبح أضحيته قبل ذبح الإمام
وحجتهم حديث مالك هذا عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله أمر أبا بردة بن نيار لما ذبح أضحيته قبل ذبح رسول الله أن يعيد بضحية أخرى
وروى ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن رسول الله قد نحر فأمر من كان نحر أن يعيد بذبح آخر ولا ينحر حتى ينحر النبي ذكره سنيد عن حجاج عن ابن جريج
ففي هذين الحديثين أن النحر لا يجوز قبل نحر الإمام
وقال معمر عن الحسن في قول الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * نزلت في قوم ذبحوا قبل أن ينحر النبي أو قبل أن يصلي النبي فأمرهم النبي أن يعيدوا
182

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث بن سعد لا يجوز ذبح الأضحية قبل الصلاة ويجوز بعد الصلاة قبل أن يذبح الإمام وحجتهم حديث الشعبي عن البراء أن رسول
الله قال من نسك قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم
وقد ذكرنا هذا الحديث فيما تقدم من هذا الباب
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زياد أبو جعفر البزاز ببغداد قال حدثنا زكرياء بن عدي قال حدثنا حفص عن داود وعاصم عن الشعبي عن البراء قال قال رسول الله في خطبته يوم النحر من ذبح قبل الصلاة فليعد
وحدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو وحدثنا محمد بن عبد الملك وعبيد بن محمد قالا حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قالا حدثنا ابن سنجر قال حدثنا هشام بن عبد الملك قال حدثنا شعبة عن زبيد عن الشعبي عن البراء بن عازب عن النبي أنه قال أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم ننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن تعجل فإنما هو لحم قدمه لأهله
وكان أبو بردة ابن نيار ذبح قبل الصلاة فقال يا رسول الله إن عندي جذعة خيرا من مسنة فقال اجعلها مكانه ولن تجزىء أو توفي عن أحد بعدك
183

وذكر الطحاوي حديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر المذكور في هذا الباب وقال لا حجة فيه لأنه قد خالفه حماد بن سلمة فرواه عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا ذبح قبل أن يصلي النبي عتودا جذعا فقال النبي لا تجزىء عن أحد بعدك ونهى أن يذبحوا قبل أن يصلي
فجعل ذبح أبي بردة كان قبل الصلاة لا قبل ذبح الإمام بعد الصلاة كما قال ابن جريج
ومن حجتهم أيضا ما حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك وقفه مرة ورفعه أخرى أن رسول الله صلى ثم خطب فقال من ذبح قبل الصلاة أعاد ذبحا فقام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله إن جيراني إما قال بهم حاجة أو قال فاقة فذبحت قبل الصلاة وعندي عناق لهي أحب إلي من شاتي لحم قال فرخص له فإن كانت رخصته عدت ذلك الرجل فلا علم لي ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما وتفرق الناس إلى غنيمة فتجزعوها
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي حدثنا موسى بن داود حدثنا سفيان الثوري عن الأسود بن قيس عن جندب قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
184

يوم أضحى فرأى قوما قد ذبحوا وقوما لم يذبحوا فقال من كان ذبح قبل صلاتنا فليعد ومن لم يذبح فليذبح باسم الله
وذكره الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة قال حدثنا الأسود ابن قيس قال سمعت جندب بن عبد الله البحلي قال شهدت العيد مع النبي وأن ناسا ذبحوا قبل الصلاة فقال من كان منكم ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله
قالوا فهذه الآثار كلها تدل على اعتبار الصلاة ومراعاتها دون ما سواها
وأما قوله في حديث مالك لا أجد إلا جذعا فإن الجذع الذي أراد أبو بردة كان عناقا أو عتودا وقد بان ذلك في الأحاديث التي ذكرنا من غير رواية مالك وهو أمر مجتمع عليه عند أهل العلم أن الجذع المذكور في حديث أبي بردة هذا كان عناقا أو عتودا على ما جاء في حديث البراء وحديث جابر وأنس بن مالك والعناق والعتود والجفرة لا تكون إلا من ولد المعز خاصة ولا تكون من ولد الضأن وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل اللغة وفيها قال رسول الله لأبي بردة لا تجزىء عن أحد بعدك وهو أمر مجتمع عليه عند العلماء أن الجذع من المعز لا تجزىء اليوم عن أحد لأن أبا بريدة خص بذلك
قال أهل اللغة الجفر والجفرة والعريض والعتود هذه كلها لا يكون إلا في أولاد المعز خاصة وهي كلها أسماء تقع على الجدي
185

والجدي الذكر والأنثى عناق من أولاد المعز خاصة والجفرة منها ما كان يرضع وينال من الكلأ فيجتمع فيه الرعي واللبن واختلف في سن الجذع من الضأن فقيل ابن سبعة أشهر أو ثمانية وقيل ابن عشرة وقيل ما بين الستة أشهر إلى العشر أشهر وقيل ما بين ثمانية أشهر إلى سنة وأول سن تقع من البهائم فهو جذع والسن الثانية إذا وقعت فهو ثني والسن الثالثة إذا وقعت فهو رباع فإذا استوت أسنانه فهو قارح من ذوات الحافر ومن الإبل بازل ومن الغنم ضالع
قالوا وأما أولاد الضأن فهي الخروف والبذح والحمل ويقال رخل فإذا أتى عليه الحول فالذكر كبش والأنثى نعجة وضانية وإذا أتى على ولد المعز الحول فالذكر تيس والأنثى عنز والسخلة والبهمة يقال في أولادهما جميعا
أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن إسحاق القاضي قال حدثنا أحمد بن مسعود الزبيري قال حدثنا محمد بن عبد الله ابن الحكم وأخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي قال حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قالا حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن داود بن أبي
186

هند عن عامر الشعبي عن البراء بن عازب أن رسول الله قام يوم النحر خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لا يذبحن أحد حتى نصلي قال فقام خالي فقال يا رسول الله هذا يوم اللحم فيه معدوم وإني ذبحت نسيكتي فأطعمت أهلي وجيراني فقال له النبي متى فعلت قال قبل الصلاة قال فأعد ذبحا آخر
فقال عندي عناق لبن هي خير من شاتي لحم فقال هي خير نسيكتيك ولن تجزىء جذعة عن أحد بعدك
قال عبد الوهاب أظن أنها ماعز قال الشافعي هي ماعزة كما قال عبد الوهاب إنما يقال للضانية رخل
قال الشافعي وقول النبي في هذا الحديث هي خير نسيكتيك لأنك ذبحتهما تنوي نسيكتين فلما ذبحت الأولى قبل وقت الذبح كانت الأخرى هي النسيكة والأول عير نسيكة
وإن نويت بها النسيكة
وقوله لن تجزىء عن أحد بعدك أنها له خاصة
وقوله عناق لبن يعني عناقا تقتنى للبن
وأخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال قال أخبرنا أحمد بن بهزاد بن مهران السيرافي قال حدثنا الربيع ابن سليمان في كتاب البويطي عن الشافعي قال قال الشافعي ولا يذبح أحد حتى يذبح الإمام إلا أن يكون ممن لا يذبح فإذا صلى وفرغ من الخطبة حل الذبح قال وينبغي للإمام أن يحضر ضحيته المصلى فيذبح حين يفرغ من الخطبة فإن لم يفعل فليتوخ الناس قدر
187

انصرافه وذبحه ومن ذبح قبل الإمام فلا ضحية له وأحب له أن يضحي بغيرها فإن لم يفعل فلا شيء عليه ولا ضحية له
قال أبو عمر ومثل قول الشافعي في هذا كله قول مالك وقال أحمد بن حنبل إذا انصرف الإمام فاذبح وهو قول إبراهيم
وقال إسحاق إذا فرغ الإمام من الخطبة فاذبح واعتبر الطبري قدر مضي وقت صلاة النبي وخطبته بعد ارتفاع الشمس وحكى المزني نحوه عن الشافعي
قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين العلماء من ذبح قبل الصلاة وكان من أهل المصر أنه غير مضح وكذلك لا أعلم خلافا أن الجذع من المعز ومن كل شيء يضحى به غير الضأن لا يجوز وإنما يجوز من ذلك كله الثني فصاعدا ويجوز الجذع من الضأن بالسنة المسنونة والذي يضحى به بإجماع من المسلمين الأزواج الثمانية وهي الضأن والمعز والإبل والبقر وقد اختلف الفقهاء في الأفضل من ذلك وقد ذكرنا ذلك في باب سمي من هذا الكتاب
وأما حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي أنه قال إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني فهذا إنما هو في الضأن بدليل حديث البراء وغيره في قصة أبي بردة بن نيار أن رسول الله قال له في العناق وهي من المعز أنها لن تجزىء عن أحد بعدك
وأما الأضحية بالجذع من الضأن فمجتمع عليها عند جماعة الفقهاء
188

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا سحنون قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه أن معاذ بن خبيب حدثه عن عقبة بن عامر الجهني قال ضحينا مع رسول الله بجذع من الضأن
وأما قوله في حديث مالك فأمره أن يعيد بضحية أخرى فبهذا احتج من ذهب إلى أن الضحية واجبة فرضا لأن ما لم يكن واجبا فرضا لم يؤمر فيه بالإعادة وهذا موضع اختلف العلماء فيه فقال أبو حنيفة الضحية واجبة وقال أبو يوسف ليست بواجبة وقال محمد بن الحسن الأضحى واجب على كل مقيم في الأمصار إذا كان موسرا هكذا ذكره الطحاوي عنهم في كتاب الخلاف وذكر عنهم في مختصره قال أبو حنيفة الأضحية واجبة على المقيمين الواجدين من أهل الأمصار وغيرهم ولا تجب على المسافرين قال ويجب على الرجل من الأضحية على ولده الصغير مثل الذي يجب عليه عن نفسه قال وخالفه أبو يوسف ومحمد فقالا ليست الأضحية بواجبة ولكنها سنة غير مرخص لمن وجد السبيل إليها في تركها قال وبه نأخذ
وقال إبراهيم النخعي الأضحى واجب على أهل الأمصار ما خلا الحاج وحجة من ذهب إلى إيجابه أمر رسول الله أبا بردة بن نيار بأن يعيد الضحية إذ أفسدها قبل وقتها وقال له في الجذعة
189

العناق لا يجزئ عن أحد بعدك ومثل هذا إنما يقال في الفرائض الواجبة لا في التطوع
وقال الطحاوي فإن قيل لأنه كان أوجبها فأتلفها فأوجب عليه إعادتها قيل له لو أراد هذا لتعرف قيمة المتلفة ليأمره بمثلها فلما لم يعتبر ذلك دل على أنه لم يقصد إلى ما ذكرت
واحتجوا أيضا بما حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنا عبد الله بن عياش قال حدثني عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله من كان له سعة فلم يضح فلا يشهد مصلانا
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة قال حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال حدثنا عبد الله بن عياش بن عباس القتباني قال حدثنا عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله فذكر مثله
قالوا وهذه غاية في تأكيدها ووجوبها
قال أبو عمر هذا حديث رواه ابن وهب عن عبد الله بن عياش القتباني هذا عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفا لم يرفعه كذا هو في موطئه
190

وكذلك رواه عبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفا وعبيد الله بن أبي جعفر فوق عبد الله بن عياش
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر عن الأعرج عن أبي هريرة قال وأخبرنا الليث بن سعد وبكر بن مضر قالا أخبرنا عبيد الله بن أبي جعفر عن ابن هرمز قال سمعت أبا هريرة وهو في المصلى يقول من قدر على سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا
قال أبو عمر الأغلب عندي في هذا الحديث أنه موقوف على أبي هريرة والله أعلم
وقال مالك على الناس كلهم أضحية المسافر والمقيم ومن تركها من غير عذر فبئسما صنع
وقال الثوري والشافعي ليست بواجبة وقال الثوري لا بأس بتركها وقال الشافعي هي سنة وتطوع ولا يجب لأحد قدر عليها تركها وتحصيل مذهب مالك أن الضحية سنة مؤكدة لا ينبغي تركها وهي على كل مقيم ومسافر إلا الحاج بمنى ويضحى عنده عن اليتيم والمولود وعن كل حر واجد
191

وقال الشافعي هي سنة على جميع الناس وعلى الحاج بمنى أيضا وليست بواجبة
وقول أبي ثور في هذا كقول الشافعي وكان ربيعة والليث يقولان لا نرى أن يترك المسلم الموسر المالك لأمره الضحية
وروي عن سعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود أنهم كانوا لا يوجبونها وهو قول أحمد بن حنبل وروي عن الشعبي أن الصدقة أفضل من الأضحية وقد روي عن مالك مثله وروى عنه أيضا أن الضحية أفضل والصحيح عنه وعن أصحابه في مذهبه أن الضحية أفضل من الصدقة إلا بمنى فإن الصدقة بثمن الأضحية بمنى أفضل لأنه ليس بموضع أضحية وقد روي عنه أن الصدقة بثمن الأضحية بمنى أفضل
وقال ربيعة وأبو الزناد وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل الضحية أفضل من الصدقة وقال أبو ثور الصدقة أفضل من الأضحية
قال أبو عمر الضحية عندنا أفضل من الصدقة لأن الضحية سنة وكيدة كصلاة العيد ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من سائر النوافل وكذلك صلوات السنن أفضل من التطوع كله
وقد روي في فضل الضحايا آثار حسان فمنها ما رواه سعيد بن داود بن أبي الزبير عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله ما من نفقة بعد صلة الرحم أعظم
192

عند الله من إهراق الدم
حدثناه خلف بن القاسم حدثنا أحمد بن محمد بن عثمان بن أبي التمام قال حدثنا كثير بن معمر الجوهري حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي حدثنا سعيد بن داود بن أبي زنبر حدثنا مالك بن أنس فذكره بإسناده إلى أخره وهو غريب من حديث مالك
وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم السمري قال حدثنا نصر بن حماد قال حدثنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت يا أيها الناس ضحوا وطيبوا بها أنفسا فإني سمعت رسول الله يقول ما من عبد توجه بأضحيته إلى القبلة إلا كان دمها وفرثها وصوفها حسنات محضرات في ميزانه يوم القيامة فإن الدم وإن وقع في التراب فإنما يقع في حرز الله حتى يوفيه صاحبه يوم القيامة
وقال رسول الله اعملوا يسيرا تجزوا كثيرا
قال أبو عمر احتج الشافعي في سقوط وجوب الضحية بحديث أم سلمة عن النبي أنه قال إذا دخل العشر عشر ذي الحجة فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره
قال في قوله فأراد أن يضحي دليل على أنها غير واجبة وهذا الحديث رواه شعبة عن
193

مالك بن أنس عن عمر بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة وكان مالك لا يحدث به أصحابه لأنه كان لا يأخذ بما فيه من معنى المنع من حلق الشعر وقطع الظفر لمن أراد الضحية وإنما لم يأخذ به لحديث عائشة أن رسول الله كان يبعث بهديه ثم لا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم حتى ينحر الهدي
وقد ذكرنا هذا المعنى مجودا في باب عبد الله بن أبي بكر
وذكر عمران بن أنس قال سألت ملكا عن حديث أم سلمة هذا فقال ليس من حديثي قال فقلت لجلسائه قد رواه عنه شعبة وحدث به عنه وهو يقول ليس من حديثي فقالوا إنه إذا لم يأخذ بالحديث قال فيه ليس من حديثي
وقد رواه عن مالك جماعة وروي من غير حديث مالك من وجوه قد ذكرناها في باب عبد الله بن أبي بكر والحمد لله
وروى الشعبي عن أبي سريحة الغفاري قال رأيت أبا بكر وعمر وما يضحيان
وقال ابن عمر في الضحية ليست بحتم ولكنها سنة ومعروف
وقال أبو مسعود الأنصاري إني لأدع الأضحى وأنا موسر مخافة أن يرى جيراني أنها حتم علي
وقال عكرمة كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين أشتري له لحما ويقول من لقيت فقل هذه أضحية ابن عباس وهذا أيضا محمله عند أهل العلم لئلا يعتقد فيها
194

للمواظبة عليها أنها واجبة فرضا وكانوا أئمة يقتدى بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم لأنهم الواسطة بين النبي وبين أمته فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم والأصل في هذا الباب أن الضحية سنة مؤكدة لأن رسول الله فعلها وواظب عليها أو ندب أمته إليها وحسبك أن من فقهاء المسلمين من يراها فرضا لأمر رسول الله المضحي قبل وقتها بإعادتها وقد بينا ما في ذلك والحمد لله
وأما وقت الأضحى فإن العلماء مجمعون على أن يوم النحر يوم أضحى وأجمعوا على أن قوله عز وجل * (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) * 22 28 إنما قصد به أيام الذبح والنحر
واختلفوا في تعيينها فقالت طائفة هي أيام العشر وروي هذا عن ابن عباس وإليه ذهب الشافعي والطبري وفرقة واحتج بعض من ذهب إلى هذا بأنه جائز أن يكون مراد الله من قوله في أيام معلومات بعض تلك الأيام وهو يوم النحر كما قال عز وجل * (الحج أشهر معلومات) * 2 197 يريد بعض الأشهر وأقلها كما قال عز وجل * (
وجعل القمر فيهن نورا) * 71 16 وليس القمر في السبع السماوات وإنما هو في بعضهن
195

وقال الآخرون الأيام المعلومات هي أيام الذبح وذلك يوم النحر ويومان بعده وروي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس أيضا وعلى هذا القول أكثر الناس
وأما تمهيد أقوال العلماء في مدة أيام النحر فإنهم أجمعوا على أنه لا يكون أضحى قبل طلوع الفجر من يوم النحر لا لحضري ولا لبدوي واختلفوا فيما بعد ذلك فروي عن ابن سيرين أن الأضحى يوم واحد يوم النحر وحده
وعن سعيد بن جبير وجابر بن زيد أن الأضحى في الأمصار يوم واحد وبمنى ثلاثة أيام
وعن قتادة النحر يوم النحر وستة أيام بعده
وعن الحسن الأضحى إلى هلال المحرم
قال أبو عمر هذه أقاويل كلها شاذة وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وأحمد بن حنبل وأكثر أهل العلم الأضحى يوم النحر ويومان بعده
وروي عن علي وابن عمر وابن عباس وأنس مثله
وقال الشافعي والأوزاعي الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده
وروي ذلك عن علي بن أبي طالب أيضا وهو قول عطاء وروى أيضا مثله عن ابن عباس والحسن عن اختلاف عنهما وهو قول عمر بن عبد العزيز
196

حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن الحسن الصوفي حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر أن عمر بن عبد العزيز قال الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده
وروى إسماعيل بن عياش أيضا عن سليمان بن موسى عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي كل فجاج مكة منحر وكل أيام التشريق ذبح واحتج بهذا أصحاب الشافعي
وأما أهل الحديث فإنهم يقولون إنه مما انفرد بوصله إسماعيل بن عياش ولم يتابع على ذلك وإنما هو مرسل
وقال أحمد بن حنبل الصحيح فيه مرسل قال أحمد وقد روي الأضحى يوم النحر ويومان بعده عن غير واحد من أصحاب النبي
حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمن قال حدثنا سعيد بن عثمن قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا ابن أبي ليلى عن أبي المنهال عن زر عن علي رضي الله عنه قال الأيام المعدودات يوم النحر ويومان بعده اذبح في أيها شئت وأفضلها أولها
وقال الطحاوي مثله لا يكون رأيا فدل أنه توقيف والله أعلم
197

حديث حاد وعشرون ليحيى بن سعيد
427 مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أنه أخبره أن عبد الله بن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما فقتل عبد الله بن سهل فقدم محيصة فأتى هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل إلى النبي فذهب عبد الرحمن ليتكلم لمكانه من أخيه فقال رسول الله كبر كبر فتكلم محيصة وحويصة فذكرا شأن عبد الله بن سهل فقال لهم رسول الله أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم
قالوا يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر فقال رسول الله فتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالوا يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار قال يحيى فزعم بشير أن رسول الله وداه من عنده (442)
لم يختلف الرواة عن مالك في إرسال هذا الحديث وقد رواه حماد بن زيد وسفيان بن عيينة والليث بن سعد وعبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة وبعضهم يجعل مع سهل بن أبي حثمة رافع بن خديج جميعا عن النبي وكلهم يجعله عن سهل بن أبي حثمة مسندا
198

أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبيد الله بن عمرو بن ميسرة ومحمد بن عبيد المعنى قالا حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج أن محيصة بن مسعود وعبد الله بن سهل انطلقا قبل خيبر فتفرقا في النخل فقتل عبد الله بن سهل فاتهموا اليهود فجاء أخوه عبد الرحمن بن سهل وأنبأ عميه حويصة ومحيصة فأتوا النبي فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه وهو أصغرهم فقال رسول الله الكبر الكبر قال ليبدأ الأكبر
فتكلموا في أمر صاحبهم فقال رسول الله يقسم منكم خمسون على رجل فيدفع برمته قالوا أمر لم نشهده كيف نحلف قال فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم
قالوا يا رسول الله قوم كفار قال فوداه رسول الله من قبله قال قال سهل دخلت مربد التمر فركضتني ناقة من تلك الإبل ركضة برجلها هذا أو نحوه
قال أبو داود رواه مالك وبشر بن المفضل عن يحيى فقالا فيه أتحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم ولم يذكر بشير دم وقال عبدة عن يحيى كما قال حماد
199

قال أبو عمر في حديث حماد بن زيد هذا دليل واضح على أنه لا يقتل بالقسامة إلا واحد لأنه أمرهم بتعيين رجل يقسمون عليه فيدفع إليهم برمته وهو حجة لمالك وأصحابه في ذلك وكذلك في حديث الزهري عن سهل ابن أبي حثمة تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينا فيسلم إليكم
ومن جهة النظر فلأن الواحد أقل من يستيقن أنه قتله فوجب أن يقتصر بالقسامة عليه
قال أبو داود ورواه ابن عيينة عن يحيى فبدأ بقوله تبرئكم يهود بخمسين يمينا تحلفون ولم يذكر الاستحقاق هكذا قال أبو داود وليس عندنا حديث ابن عيينة كذلك وهو عندنا من رواية الحميدي وهو أثبت الناس في ابن عيينة على غير ما ذكره
حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى بن سعيد قال أخبرني بشير بن يسار أنه سمع سهل بن أبي حثمة يقول وجد عبد الله بن سهل قتيلا في فقير أو قليب من قلب خيبر فأتى أخوه النبي عبد الرحمن بن سهل وعماه حويصه ومحيصة ابنا مسعود فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال النبي الكبر الكبر فتكلم محيصة فذكر مقتل عبد الله بن سهل فقال يا رسول الله إنا وجدنا عبد الله بن
200

سهل قتيلا وأن اليهود أهل كفر وغدر وهم الذين قتلوه فقال رسول الله تحلفون خمسين يمينا وتستحقون صاحبكم أو دم صاحبكم قالوا يا رسول الله كيف نحلف على ما لم نحضر ولم نشهد قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا قالوا كيف نقبل أيمان قوم مشركين قال فوداه رسول الله من عنده قال سهل فلقد ركضتني بكرة منها
ورواه الشافعي وغيره جماعة عن ابن عيينة كما قال أبو داود وأخبرنا محمد بن إبراهيم وأحمد بن محمد قالا حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا عبيد الله بن يحيى قال أخبرني أبي عن الليث عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة
قال يحيى حسبت أنه قال وعن رافع بن خديج أنهما قالا خرج عبد الله ابن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك ثم إذا محيصة يجد عبد الله قتيلا فدفنه ثم أقبل إلى رسول الله هو وحويصة بن مسعود وعبد الرحمن بن سهل وكان أصغر القوم فذهب عبد الرحمن ليتكلم قبل صاحبيه فقال رسول الله كبر للكبر في السن فصمت وتكلم صاحباه ثم تكلم معهما فذكروا لرسول الله مقتل عبد الله بن سهل فقال أتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم أو قتيلكم فقالوا وكيف نحلف ولم نشهد قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا
201

قالوا وكيف نقبل أيمان قوم كفار فلما رأى ذلك رسول الله أعطى عقله
وقد رواه بشر بن المفضل عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال وجد عبد الله بن سهل قتيلا فجاء أخوه وعماه وذكر الحديث
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال فحدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة قال ابن إسحاق وحدثني أيضا بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال أصيب عبد الله بن سهل بخيبر وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمرا فوجد في عين قد كسرت عنقه ثم طرح فيها فأخذوه فغيبوه ثم قدموا على رسول الله فذكروا له شأنه فتقدم إليه أخوه عبد الرحمن ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود وكان عبد الرحمن من أحدثهم سنا وكان صاحب الدم وكان ذا قدم في القوم فلما تكلم قبل ابني عمه قال رسول الله الكبر الكبر فسكت فتكلم حويصة ومحيصة ثم تكلم هو بعد فذكروا لرسول الله قتل صاحبهم فقال رسول الله تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين
202

يمينا فيسلم إليكم فقالوا يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم قال فيحلفون لكم بالله خمسين يمينا ولا يعلمون له قاتلا ثم يبرؤون من دمه قالوا يا رسول الله ما كنا لنقبل أيمان يهود ما فيهم من الكفر من أعظم من أن يحلفوا على إثم قال فوداه رسول الله من عنده مائة ناقة قال سهل فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها
ففي هذه الروايات لمالك وغيره إثبات تبدئة المدعين بالأيمان في القسامة وفي حديث مالك هذا من الفقه إثبات القسامة في الدم وهو أمر كان في الجاهلية فأقرها رسول الله في الإسلام
ذكر معمر ويونس عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال أو رجل من أصحاب رسول الله من الأنصار أن رسول الله أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية
ذكره عبد الرزاق عن معمر
وذكره ابن وهب عن يونس قال يونس عن رجل وقال معمر عن رجال وقال معمر عن الزهري عن ابن المسيب كانت القسامة في الجاهلية فأقرها رسول الله وقضى بها في الأنصاري الذي وجد مقتولا في جب اليهود بخيبر
وفيه أن القوم إذا اشتركوا في معنى من معاني الدعوى وغيرها كان أولاهم بأن يبدأ بالكلام أكبرهم فإذا سمع منه تكلم الأصغر
203

فسمع منه أيضا إن احتيج إلى ذلك وهذا أدب وعلم فإن كان في الشركاء في القول والدعوى من له بيان ولتقدمته في القول وجه لم يكن بتقديمه بأس إن شاء الله
أخبرنا محمد بن زكرياء قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا مرون بن محمد قال حدثنا أبو حاتم عن العتبي قال قال سفيان بن عيينة قدم وفد من العراق على عمر بن عبد العزيز فنظر عمر إلى شاب منهم يريد الكلام ويهش إليه فقال عمر كبروا كبروا يقول قدموا الكبار
قال الفتى يا أمير المؤمنين إن الأمر ليس بالسن ولو كان الأمر كذلك لكان في المسلمين من هو أسن منك قال صدقت فتكلم رحمك الله قال إنا وفد شكر وذكر الخبر
وفيه أن المدعين الدم يبدؤون بالأيمان في القسامة خاصة وهو يخص قول النبي البينة على المدعي واليمين على المنكر
فكأنه قال بدليل هذا الحديث إلا في القسامة ولا فرق بين أن يجيء ذلك في حديث واحد أو حديثين لأن ذلك كله بسنته
وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال حدثنا مطرف بن عبد الله قال حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله البينة على المدعي واليمين على من
204

أنكر إلا في القسامة
وهذا الحديث وإن كان في إسناده لين فإن الآثار المتواترة في حديث هذا الباب تعضده ولكنه موضع اختلف فيه العلماء فقال مالك رحمه الله الأمر المجتمع عليه عندنا والذي سمعت ممن أرضى في القسامة والذي اجتمعت عليه الأمة في القديم والحديث أن يبدأ بالأيمان المدعون في القسامة قال وتلك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا والذي
لم يزل عليه عمل الناس أن المبدئين في القسامة أهل الدم الذين يدعونه في العمد والخطأ لأن رسول الله بدأ الحارثيين في صاحبهم الذي قتل بخيبر
وذهب الشافعي في تبدئة المدعين الدم بالأيمان إلى ما ذهب إليه مالك في ذلك على ظواهر هذه الأحاديث المتقدم ذكرها في هذا الباب
ومن حجة مالك والشافعي في تبدئة المدعين الدم باليمين مع صحة الأثر بذلك قول الله عز وجل * (ولكم في القصاص حياة) * 2 179 وقوله عز وجل * (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) * 5 82 فالعداوة التي كانت بين الأنصار واليهود بدأ الحارثيين بالأيمان وجعل العداوة سببا تقوى به دعواهم لأنه لطخ يليق بهم في الأغلب لعداوتهم ومن سنته أن من قوي سببه في دعواه وجبت تبدئته باليمين ولهذا جاء اليمين مع الشاهد والله
205

أعلم مع ما في هذا من قطع التطرق إلى سفك الدماء وقبض أيدي الأعداء عن إراقة دم من عادوه على الدنيا والله أعلم
وذهب جمهور أهل العراق إلى تبدئة المدعى عليهم بالأيمان في الدماء كسائر الحقوق وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه وعثمن البتي والحسن بن صالح وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة كل هؤلاء قالوا يبدأ المدعى عليهم على عموم قول رسول الله البينة على من ادعى واليمين على من أنكر
حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن رسول الله قال البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه
قال وهذا على عمومه في سائر الحقوق من الدماء أو غيرها لأنه قد روي أن مخرج هذا الخبر كان في دعوى دم وذكروا ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ بمكة والحارث بن أبي أسامة قالا حدثنا يحيى بن أبي بكير قال حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال كتبت إلى ابن عباس في امرأتين أخرجت إحداهما يدها تشخب دما فقالت أصابتني هذه وأنكرت الأخرى فكتب إلى ابن عباس أن رسول الله قال إن اليمين على المدعى عليه وقال لو
206

أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ادعها فاقرأ عليها * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة) * 3 77 فقرأت عليها فاعترفت فبلغه فسره
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم حدثنا محمد بن الجهم حدثنا عبد الوهاب قال أخبرنا ابن جريج عن عبد الله ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن رسول الله قال لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه
قالوا فهذا عندنا في جميع الحقوق وعارضوا الآثار المتقدمة بما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن يسار عن رجال من الأنصار أن النبي قال لليهود وبدأ بهم أيحلف منكم خمسون رجلا فأبوا فقال للأنصار استحقوا فقالوا نحلف على الغيب يا رسول الله فجلعها رسول الله على يهود لأنه وجد بين أظهرهم
وأخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني قال حدثنا محمد بن سلمة وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ
207

قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثني أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد جميعا عن محمد بن إسحاق واللفظ لحديث عبد الوارث قال حدثني محمد بن إبراهيم بن الحرث عن عبد الرحمن بن بجيد بن قيظي أحد بني حارثة قال محمد بن إبراهيم وأيم الله ما كان سهل بأكثر علما منه ولكنه كان أسن منه أنه قال والله ما كان الشأن هكذا ولكن سهل أوهم ما قال رسول الله احلفوا على ما لا علم لكم به ولكنه كتب إلى يهود حين كلمته الأنصار أنه قد وجد وقتيلا بين أبياتكم فدوه فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا فوداه رسول الله من عنده
قال أبو عمر ليس قول عبد الرحمن بن بجيد هذا مما يرد به قول سهل بن أبي حثمة لأن سهلا أخبر عما رأى وعاين وشاهد حتى ركضته منها ناقة واحدة وعبد الرحمن بن بجيد لم يلق النبي ولا رآه ولا شهد هذه القصة
وحديثه مرسل وليس إنكار من أنكر شيئا بحجة على من أثبته ولكن قد تقدم عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار مخالفة في تبدئة الأيمان في هذه القصة وهو حديث ثابت وكذلك اختلف في حديث سهل بن أبي حثمة
208

أيضا ولكن الرواية الصحيحة في ذلك إن شاء الله رواية مالك ومن تابعه عن يحيى بن سعيد وغيره على ما ذكرناه في هذا الباب
ومن الاختلاف في حديث سهل ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سعيد يعني ابن عبيد الطائي عن بشير بن يسار أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفرا من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا منهم قتيلا فقالوا للذين وجدوه عندهم قتلتم صاحبنا قالوا ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا قال فانطلقوا إلى النبي فقالوا يا نبي الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا فقال رسول الله الكبر الكبر فقال لهم تأتون بالبينة على من قتل فقالوا ما لنا بينة قال فيحلفون لكم قالوا ما نرضى أيمان يهود
فكره رسول الله أن يبطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة
قال أبو عمر هذه رواية أهل العراق عن بشير بن يسار في هذا الحديث ورواية أهل المدينة عنه أثبت إن شاء الله وهم به أقعد ونقلهم أصح عند أهل العلم وقد حكى الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه ضعف حديث سعيد بن عبيد هذا عن بشير بن يسار وقال الصحيح عن بشير ابن يسار ما رواه عنه يحيى بن سعيد قال أحمد وإليه أذهب
209

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي بن راشد قال حدثنا هشيم عن أبي حيان التيمي قال حدثنا عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال أصبح رجل من الأنصار مقتولا بخيبر فانطلق أولياؤه إلى النبي فذكروا ذلك له فقال لهم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم قالوا يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود وقد يجترئون على أعظم من هذا قال فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم فأبوا فوداه رسول الله من عنده
قال أبو عمر في هذه الأحاديث كلها تبدئة المدعى عليهم بالأيمان في القسامة وفي الآثار المتقدمة عن سهل بن أبي حثمة تبدئة المدعين بالأيمان وقد روى ابن شهاب هذه وهذه وقضى بما في حديث سهل فدل على أن ذلك عنده الأثبت والأولى على ما قال أحمد بن حنبل وعلى ما ذهب إليه الحجازيون والله أعلم فإن قيل قد روي عن ابن شهاب عن عراك بن مالك وسليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب بدأ المدعى عليهم بالأيمان في القسامة قيل له المصير إلى المسند الثابت أولى من قول الصاحب من جهة الحجة وفي هذا الحديث حديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار نكول الفريقين عن الأيمان وفي ذلك ما
210

يدل على أن الدية إنما جعلها رسول الله من عنده تبرعا لئلا يبطل ذلك الدم وذلك ليس بواجب والله أعلم
وقد روى ابن عبد الحكم عن مالك في قتيل ادعى بعض ولاته أنه قتل عمدا وقال بعضهم لا علم لنا بمن قتله ولا نحلف فإن دمه يطل وللفقهاء في القسامة وفيما يوجبها من الأسباب وفيما يجب بها من القود أو الدية مذاهب نذكرها هنا نحن ليتبين للناظر في كتابنا معنى القسامة بيانا واضحا إن شاء الله
قال مالك رحمه الله القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين إما أن يقول المقتول دمي عند فلان أو يأتي ولاة المقتول بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة على الذي يدعى عليه الدم فهذا يوجب القسامة لمدعي الدم على من ادعوه فيحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا فإن قل عددهم أو نكل بعضهم ردت الأيمان عليهم إلا أن ينكل أحد من ولاة المقتول الذين يجوز عفوهم فلا يقتل حينئذ أحد ولا سبيل إلى الدم إذا نكل واحد منهم ولا ترد الأيمان على من بقي إذا نكل أحد ممن يجوز له العفو عن الدم وإن كان واحدا قال مالك وإنما ترد الأيمان على من بقي إذا نكل أحد ممن لا يجوز له عفو فإن نكل واحد ممن يجوز له العفو فإنه إذا كان ذلك ردت الأيمان حينئذ على المدعى عليهم الدم فيحلف منهم خمسون رجلا
211

خمسين يمينا فإن لم يبلغوا خمسين رجلا ردت الخمسون يمينا على من حلف منهم حتى تكمل الخمسون يمينا فإن لم يوجد أحد يحلف إلا الذي ادعى عليه الدم حلف وحده خمسين يمينا قال مالك لا يقسم في قتل العمد إلا اثنان من المدعين فصاعدا يحلفان خمسين يمينا تردد عليهما ثم قد استحقا الدم وقتلا من حلفا عليه وكذلك إن كان ولي الدم الذي ادعاه واحدا بدىء به فحلف وحده خمسين يمينا فإذا حلف المدعون خمسين يمينا استحقوا صاحبهم وقتلوا من حلفوا عليه ولا يقتل في القسامة إلا واحد ولا يقتل فيها اثنان هذا كله قول مالك في موطئه وموطأ ابن وهب
قال أبو عمر إنما جعل مالك قول المقتول دمي عند فلان شبهة ولطخا وجب به تبدئة أوليائه بالأيمان في القسامة لأن المعروف من طباع الناس عند حضور الموت الإنابة والتوبة والتندم عى ما سلف من سيىء العمل ألا ترى إلى قول الله عز وجل * (لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) * 63 10 وقوله * (حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) * 4 18
فهذا معهود من طباع الإنسان وغير معلوم من عادته أن يعدل عن قاتله إلى غيره ويدع
212

قاتله وما خرج عن هذا فنادر في الناس لا حكم له فلهذا وشبهه مما وصفنا ذهب مالك إلى ما ذكرنا والله أعلم
وقد نزع بعض أصحابنا في ذلك بقصة قتيل البقرة لأنه قبل قوله في قاتله وفي هذا ضروب من الاعترافات وفيما ذكرنا كفاية إن شاء الله
وذكر ابن القاسم عن مالك قال إذا شهد رجل عدل على القاتل أقسم رجلان فصاعدا خمسين يمينا وقال ابن القاسم والشاهد في القسامة إنما هو لوث وليست شهادة وعند مالك أن ولاة الدم إذا كانوا جماعة لم يقسم إلا اثنان فصاعدا واعتل بعض أصحابه لقوله هذا بأن النبي إنما عرضها على جماعة والقسامة في قتل الخطأ كهي في العمد لا تستحق بأقل من خمسين يمينا من أجل أن الدية إنما تجب عن دم والدم لا يستحق بأقل من خمسين يمينا فالقسامة على الخطأ وإن لم يكن يجب بها قتل ولا قود كالقسامة في قتل العمد واليمين في القسامة على من سمى أنه ضربه وأن من ضربته مات فأن أقسم ولاة المقتول على واحد لأنه لا يقتل بالقسامة أكثر من واحد قتل المحلوف عليه فإن كان معه ممن ادعى عليه الدم جماعة غيره ضربوا مائة مائة وسجنوا سنة ثم خلي عنهم والدية في
213

قتل الخطأ على عاقلة الذي يقسمون عليه أنه مات من فعله به خطأ قال مالك وإنما يحلفون في قسامة الخطأ على قدر ميراث كل واحد منهم في الدية فإن وقع في الأيمان كسور أتممت اليمين على أكثرهم ميراثا ومعنى ذلك أن يحلف هذا يمينا وهذا يمينا ثم يرجع إلى الأول فيحلف ثم الذي يليه حتى تتم الأيمان كلها
وقال مالك إذا ادعى الدم بنون أو أخوة فعفا أحدهم عن المدعى عليه لم يكن إلى الدم سبيل وكان لمن بقي منهم أنصباؤهم من الدية بعد أيمانهم قال ابن القاسم لا يكون لهم من الدية شيء إلا أن يكونوا قد أقسموا ثم عفا بعضهم فأما إذا نكل أحدهم عن القسامة لم يكن لمن بقي شيء من الدية
ولأصحاب مالك في عفو العصبات مع البنات وفي نوازل القسامة مسائل لا وجه لذكرها ههنا
وقال مالك في الموطأ إنما فرق بين القسامة في الدم وبين الأيمان في الحقوق وأن الرجل إذا داين الرجل استثبت عليه في حقه وأن الرجل إذا أراد أن يقتل الرجل لم يقتله في جماعة من الناس وإنما يلتمس الخلوة قال فلو لم تكن القسامة إلا فيما ثبت بالبينة وعمل فيها كما يعمل في الحقوق هلكت الدماء وبطلت اجترأ الناس عليها إذا عرفوا القضاء فيها ولكن إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول يبدؤون فيها ليكف الناس عن الدم وليحذر القاتل أن يؤخذ في ذلك بقول المقتول
214

وقال الشافعي إذا وجد القتيل في دار قوم محيطة أو قبيلة وكانوا أعداء للمقتول وادعى أولياؤه قتله فلهم القسامة وكذلك الزحام إذا لم يفترقوا حتى وجدوا بينهم قتيلا أو في
ناحية ليس إلى جانبه إلا رجل واحد أو يأتي شهود متفرقون من المسلمين من نواح لم يجتمعوا فيها يثبت كل واحد منهم على الانفراد على رجل أنه قتله فتتواطأ شهادتهم ولم يسمع بعضهم بشهادة بعض وإن لم يكونوا ممن يعدل أو شهد رجل عدل أنه قتله لأن كل سبب من هذا يغلب على عقل الحاكم أنه كما ادعى وليه فللولي حينئذ أن يقسم على الواحد وعلى الجماعة سواء كان جرح أو غيره لأنه قد يقتل بما لا أثر له قال ولا ينظر إلى دعوى الميت
وقال الأوزاعي يستحلف من أهل القرية خمسون رجلا خمسين يمينا ما قتلنا ولا علمنا قاتلا فإن حلفوا بروا وإن نقصت قسامتهم وليها المدعون فأحلفوا بمثل ذلك عن رجل واحد فإن حلفوا استحقوا وإن نقصت قسامتهم أو نكل رجل منهم لم يعطوا الدم وعقل قتيلهم إذا كان بحضرة الذين ادعي عليهم في ديارهم
وقال الليث بن سعد الذي يوجب القسامة أن يقول المقتول قبل موته فلان قتلني أو يأتي من الصبيان أو النساء أو النصارى ومن أشبههم ممن لا يقطع بشهادته أنهم رأوا هذا حين قتل هذا فإن القسامة تكون مع ذلك
215

وقال أبو حنيفة إذا وجد قتيل في محله وبه أثر وادعى الولي على أهل المحلة أنهم قتلوه أو على واحد منهم بعينه استحلف من أهل المحلة خمسون رجلا بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا يختارهم الولي فإن لم يبلغوا خمسين كرر عليهم الأيمان ثم يغرمون الدية وإن نكلوا عن اليمين حبسوا حتى يقروا أو يحلفوا وهو قول زفر
وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف إذا أبوا أن يقسموا تركهم ولم يحبسهم وجعل الدية على العاقلة في ثلاث سنين
وقالوا جميعا يعني أبا حنيفة وأصحابه إن ادعى الولي على رجل من غير أهل المحلة فقد أبرأ أهل المحلة ولا شيء له عليهم
وقال الثوري في هذا كله مثل قول أبي حنيفة إلا أن ابن المبارك روى عن الثوري أنه إن ادعى الولي على رجل بعينه من أهل المحلة فقد برئ أهل المحلة وصار دمه هدرا إلا أن يقيم البينة على ذلك الرجل
وقال الحسن بن حي يحلف من كان حاضرا من أهل المحلة من ساكن أو مالك خمسين يمينا ما قتلته ولا علمت قاتلا فإذا حلفوا كان عليهم الدية ولا يستحلف من كان غائبا وإن كان مالكا وسواء كان به أثر أو لم يكن
وقال عثمان البتي يستحلف منهم خمسون رجلا ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ثم لا شيء عليهم غير ذلك إلا أن تقوم البينة على رجل بعينه أنه قتله
216

وكان مسلم بن خالد الزنجي وأهل مكة لا يرون القسامة وهو قول عمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار وسالم بن عبد الله وقتادة والحسن وإليه ذهب ابن علية
وقال الحسن البصري القتل بالقسامة جاهلية
قال أبو عمر من حجة مالك والشافعي في أحد قوليه أنه يوجب القود في القسامة ومن قال بقولهما مع الآثار المتقدم ذكرها في هذا الباب ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمود بن خالد وكثير بن عبيد قالا حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قتل بالقسامة رجلا من بني نصر بن مالك
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه قضى فيها بالقود وقضى بها عبد الله بن الزبير وحسبك بقول مالك أنه الذي لم يزل عليه علماء أهل المدينة قديما وحديثا واحتج بعض أصحاب أبي حنيفة لقوله في هذا الباب بحديث مالك عن ابن أبي ليلى عن سهل بن أبي حثمة في هذه القصة قوله إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب
قالوا ومعلوم أن النبي لم يقل ذلك لهم إلا وقد تحقق عندهم قبل
217

ذلك وجود القتيل بخيبر فدل ذلك على وجوب الدية على اليهود لوجود القتيل بينهم لأنه لا يجوز أن يؤذنوا بحرب إلا بمنعهم حقا واجبا عليهم
واحتجوا أيضا بما روي عن عمر بن الخطاب في رجل وجد قتيلا بين قريتين فجعله على أقربهما وأحلفهم خمسين يمينا ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ثم أغرمهم الدية
فقال الحرث بن الأزمع نحلف ونغرم قال نعم قالوا وحديث سهل مضطرب قالوا والمصير إلى حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار في هذه القصة أولى لأن نقلته أئمة فقهاء حفاظ لا يعدل بهم غيرهم وفيه فجعلها رسول الله دية على اليهود لأنه وجد بين أظهرهم
وأما مالك والشافعي والليث بن سعد فقالوا إذا وجد قتيل في محلة قوم أو قبيلة قوم لم يستحق عليهم بوجوده شيء ولم تجب به قسامة حتى تكون الأسباب التي شرطوها كل على أصله الذي قدمنا عنه
قال ابن القاسم عن مالك سواء وجد القتيل في محلة قوم أو دار قوم أو أرض قوم أو في سوق أو مسجد جماعة فلا شيء فيه ولا قسامة وقد طل دمه
218

قال أبو عمر المحلة قرية البوادي والمجاشر والقياطن وكذلك القبائل والمياه والأحياء وقال الشافعي إذا وجد في محلة أو قبيلة قتيل وهم أعداؤه لا يحيط بهم غيرهم فذلك لوث يقسم معه وإن خالطهم غيرهم فقد طل دمه إلا أن يدعي الأولياء على أهل المحلة فيحلفون ويبرؤون وفرق الشافعي بين أن يكون أهل القبيلة والمحلة أعداء المقتول فيجعل عقله عليهم مع القسامة أو لا يكونوا فلا يلزمهم شيء وكذلك لو وجد قتيل في ناحية ليس بقرية إلا رجل واحد وجد بقرية رجل في يده سكين ملطوخة بالدم فإنه يجعل ذلك لوثا يقسم معه وسواء كان به أثر أم لم يكن
واعتبر أبو حنيفة إن كان بالقتيل أثر فيجعله على القبيلة أو لا يكون أثر له فلا يجعله على أحد وقول الثوري وابن شبرمة وعثمان البتي وابن أبي ليلى في القسامة كقول أبي حنيفة إلا أنه سواء عندهم كان به أثر أم لم يكن به أثر
وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وسائر أهل العلم غير مالك والليث لا يعتبر بقول المقتول دمي عند فلان ولا يستحق بهذا القول قسامة
واحتج جماعة من المالكيين لمذهب مالك في ذلك بقصة المقتول من بني إسرائيل إذ ذبحت البقرة وضرب ببعضها فأحياه الله وقال
219

فلان قتلني فأخذ بقوله ورد المخالف هذا بأن تلك آية لبني إسرائيل لا سبيل إليها اليوم وبأن شريعتنا فيها أن الدماء والأموال لا تستحق بالدعاوى دون البينات ولم نتعبد بشريعة من قبلنا لقوله عز وجل * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * 5 48
وقتيل بني إسرائيل لم يقسم أحد عليه مع قوله هذا قتلني وهذا لا يقوله أحد من علماء المسلمين أن المدعى عليه يقتل بقول المدعي دون بينة ولا قسامة فلا معنى لذكر قتيل بني إسرائيل ههنا وقد أجمع العلماء على أن قول الذي تحضره الوفاة لا يصدق على غيره في شيء من الأموال فالدماء أحق بذلك وقد علمنا أن من الناس من يحب الاستراحة من الأعداء للبنين والأعقاب ونحو هذا مما يطول ذكره
وقال مالك إذا كان القتل عمدا حلف أولياء المقتول خمسين يمينا على رجل واحد وقتلوه قال ابن القاسم لا يقسم في العمد إلا اثنان فصاعدا كما أنه لا يقتل بأقل من شاهدين وكذلك لا يحلف النساء في العمد لأن شهادتهن لا تجوز فيه ويحلفن في الخطأ من أجل أنه مال وشهادتهن جائزة في الأموال
وعند الشافعي يقسم الولي واحدا كان أو أكثر على واحد مدعى عليه وعلى جماعة مدعى عليهم ومن حجة الشافعي أنه ليس في قول رسول الله يقسم منكم خمسون على رجل منهم فيدفع إليهم برمته ما يدل على أنه لا يجوز قتل أكثر من واحد وإنما فيه التنبيه
220

على تعيين المدعى عليه الدم واحدا كان أو جماعة
ومن حجته أيضا في ذلك أن القسامة بدل من الشهادة فلما كانت الشهادة تقتل بها الجماعة فكذلك القسامة والله أعلم والاحتجاج على هذه الأقوال ولها يطول والله المستعان
وقال أبو حنيفة لا يستحق بالقسامة قود خلاف قول مالك وعلى كلا القولين جماعة من السلف وعن الشافعي روايتان إحداهما أن القسامة يستحق بها القود ويقتل بها الواحد والجماعة إذا أقسموا عليهم في العمد لقوله وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم والقول الآخر كقول أبي حنيفة أن القسامة توجب الدية دون القود في العمد والخطأ جميعا إلا أنها في العمد في أموال الجناة وفي الخطأ على العاقلة والحجة من جهة الأثر في إسقاط القود في القسامة حديث أبي ليلى عن سهل عن النبي قوله إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب وتأول من ذهب إلى هذا في قوله دم صاحبكم دية صاحبكم لأن من استحق دية صاحبه فقد استحق دمه لأن الدية قد تؤخذ في العمد فيكون ذلك استحقاقا للدم
قال أبو عمر الظاهر في ذكر الدم القود والله أعلم وسيأتي ذكر حديث أبي ليلى في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله
ويأتي القول في هذا المعنى فيه هناك بعون الله
221

قال أبو عمر كل من أوجب الحكم بالقسامة من علماء الحجاز والعراق فهم في ذلك على معنيين وقولين فقوم أوجبوا الدية والقسامة بوجوب القتيل فقط ولم يراعوا معنى آخر وقوم اعتبروا اللوث فهم يطلبون ما يغلب على الظن وما يكون شبهة يتطرق بها إلى حراسة الدماء ولم يطلبوا في القسامة الشهادة القاطعة ولا العلم البت وإنما طلبوا شبهة وسموه لوثا لأنه يلطخ المدعى عليه ويوجب الشبهة ويتطرق بها إلي حراسة الأنفس وحقن الدماء إذ في القصاص حياة والخير كله في ردع السفهاء والجناة وقد قدمنا عن مالك وغيره هذا المعنى فلذلك وردت القسامة والله أعلم
ولا أصل لهم في القسامة غير قصة عبد الله بن سهل الحارثي الأنصاري المقتول بخيبر على ما قد ذكرنا من الروايات بذلك على اختلافها موعبة واضحة في هذا الباب والحمد لله
وفي رد رسول الله الأيمان في القسامة دليل على رد اليمين على المدعي إذا نكل المدعى عليه عنها في سائر الحقوق وإلى هذا ذهب مالك والشافعي في رد اليمين وهذا أصلهم في ذلك
وأما أبو حنيفة وأهل العراق فهم يقضون بالنكول ولا يرون رد يمين في شيء من الحقوق والدعاوى والقول برد اليمين أولى وأصح لما روى من الأثر في ذلك وأما النكول فلا أثر فيه ولا أصل يعضده ولم نر في الأصول حقا ثبت على منكر بسبب واحد والنكول سبب واحد فلم يكن بد من ضم شيء غيره إليه كما ضم شاهد إلى شاهد مثله أو يمين الطالب والله الموفق للصواب
222

حديث ثان وعشرون ليحيى بن سعيد يحيى عن ععدي بن ثابت حديثان
527 مالك عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت الأنصاري عن البراء بن عازب أنه قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فقرأ فيها بالتين والزيتون (327)
لم يختلف على مالك في هذا الحديث وكذلك رواه جماعة عن يحيى بن سعيد إلا أن مسعرا رواه فزاد فيه وما سمعت أحسن صوتا منه صلى الله عليه وسلم
وقد ذكرنا هذا الخبر في باب تحسين الصوت بالقرآن من كتاب البيان عن تلاوة القرآن والحمد لله فلا معنى لذكره ههنا وهذا الحديث عندنا محله على أنه قد قرأ بالتين والزيتون مع أم القرآن بديل قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وكل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج
وقد ذكرنا مذاهب الفقهاء في هذا الباب العلاء من هذا الكتاب وليس في هذا الحديث بعد هذا معنى يشكل وما قرأ به المصلي في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر والمغرب والعشاء مع أم القرآن فحسن وكذلك صلاة الصبح
223

وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وكل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج دليل على أن من قرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة من صلاته ولم يزد فقد صلى صلاة كاملة وتامة غير ناقصة وحسبك بهذا وقد قدمنا ذكر الدلائل على أن ذكر الصلاة في هذين الحديثين أريد به الركعة في غير موضع من
كتابنا هذا فلا وجه لتكرير ذلك ههنا
وقد كان بعض أصحاب مالك يرى الإعادة على من تعمد ترك السورة مع أم القرآن وهو قول ضعيف لا أصل له في نظر ولا أثر وجمهور أصحاب مالك على أنه قد أساء وصلاته تجزؤه عنه وكذلك قول سائر العلماء والحمد لله وللفقهاء استحبابات فيما يقرأ به مع أم القرآن في الصلوات ومراتب وتحديد كل ذلك استحسان وليس بواجب والله التوفيق
224

حديث ثالث وعشرون ليحيى بن سعيد
627 مالك عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت الأنصاري أن عبد الله بن يزيد الخطمي أخبره أن أبا أيوب الأنصاري أخبره أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا (20198)
عدي بن ثابت هذا هو عدي بن ثابت بن عبيد بن عازب أخي البراء بن عازب ولجده صحبة وقد روى عن أبيه عن جده أحاديث وجده لأمه عبد الله بن يزيد الخطمي هذا فيما ذكر غير واحد
وقال الطحاوي عدي بن ثابت الأنصاري كوفي وجده قيس بن الخطيم الشاعر وأما عبد الله بن يزيد هذا فله صحبة ورواية وقد ذكرناه في كتاب الصحابة بما يغني عن ذكره ههنا
وكان عبد الله بن يزيد هذا أميرا على الكوفة لعبد الله بن الزبير ذكر ذلك الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن عدي بن ثابت وقد ذكرنا ما في هذا الحديث مع المعاني ومضى القول في ذلك في باب ابن شهاب عن سالم من هذا الكتاب والحمد لله
225

حديث رابع وعشرون ليحيى بن سعيد يحيى عن الأعرج حديث واحد
727 مالك عن يحيى بن سعيد عن الأعرج عبد الرحمن بن هرمز عن عبد الله بن بحينة أنه قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فقام في اثنتين ولم يجلس فيهما فلما قضى صلاته سجد سجدتين ثم سلم بعد ذلك (366)
قد مضى القول في هذا الحديث مجودا ممهدا في باب ابن شهاب عن الأعرج من هذا الكتاب
226

حديث خامس وعشرون ليحيى بن سعيد يحيى عن أبي صالح
827 مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأحببت أن لا أتخلف عن سرية تخرج في سبيل الله ولكني لا أجد ما أحملهم عليه ولا يجدون ما يتحملون عليه فيخرجون وييشق عليهم أن يتخلفوا بعدي فوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل (2140)
في هذا الحديث دليل على أن الجهاد ليس بفرض معين على كل أحد في خاصته ولو كان فرضا معينا ما تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو شق على أمته والجهاد عندنا بالغزوات والسرايا إلى أرض العدو فرض على الكفاية فإذا قام بذلك من فيه كفاية ونكاية للعدو سقط عن المتخلفين فإذا أظل العدو بلدة مقاتلا لها تعين الفرض على كل أحد حينئذ في خاصته على قدر طاقته خفيفا وثقيلا شابا وشيخا حتى يكون فيمن يكاثر العدو كفاية بهم
227

ومن أوضح شيء في أن الجهاد إلى أرض العدو ليس فرضا على الجميع قول الله عز وجل * (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى) * 4 95
وفي هذا إباحة القعود والتخلف وتفضيل المجاهد على القاعد فصار الجهاد فضيلة لمن سبق إليه وقام به لا فريضة على الجميع
228

حديث سادس وعشرون ليحيى بن سعيد يحيى عن عباد بن تميم حديث واحد
927 مالك عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح أضحيته قبل أن يغدو إلى المصلى فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعود بأضحية أخرى (235)
لم يختلف عن مالك في هذا الحديث ورواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم عن عويمر بن أشقر أنه ذبح قبل أن يصلي فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد
قال أبو عمر ذكر أحمد بن زهير عن يحيى بن معين أن حديث عباد بن تميم هذا عن عويمر بن أشقر مرسل وأظن يحيى بن معين إنما قال ذلك من أجل رواية مالك هذه عن يحيى عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر ذبح أضحيته
وظاهر هذا اللفظ الانقطاع لأن عباد بن تميم لا يجوز أن يظن به أحد من أهل العلم أنه أدرك ذلك الوقت ولكنه ممكن أن يدرك عويمر بن أشقر فقد روى هذا الحديث عبد العزيز الدراوردي عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر بن أشقر أخبره أنه ذبح قبل الصلاة وذكر ذلك
229

لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما صلى فأمره أن يعيد أضحيته
وهذه الرواية مع رواية حماد بن سلمة تدل على غلط يحيى بن معين وقوله في ذلك ظن لم يصب فيه والله أعلم
ولا خلاف بين العلماء أن من ذبح أضحيته قبل أن يغدو إلى المصلى ممن عليه صلاة العيد فهو غير مضح وأنه ذبح قبل وقت الذبح وكذلك من ذبح قبل الصلاة وإنما
اختلفوا فيمن ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب في باب يحيى عن بشير بن يسار والحمد لله
230

حديث سابع وعشرون ليحيى بن سعيد يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد
37037037 037 مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر أيكفر الله عني خطاياي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فلما أدبر الرجل ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فنودي له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت فأعاد عليه قوله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نعم إلا الدين كذلك قال لي جبريل (2131)
هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد وتابعه على ذلك جمهور الرواة للموطأ عن مالك وممن تابعه ابن وهب وابن القاسم ومطرف وابن بكير وأبو المصعب وغيرهم
ورواه معن بن عيسى والقعنبي جميعا عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد لم يذكروا يحيى بن سعيد فالله أعلم
وفي الممكن أن يكون مالك قد سمعه من يحيى عن سعيد ثم سمعه من سعيد
231

وقد رواه الليث بن سعد وابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد
حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا ابن أبي ذئب والليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل في سبيل الله صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر كان ذلك تكفيرا لخطاياه إلا الدين فإنه مأخوذ كما زعم جبريل
في هذا الحديث أن الخطايا تكفر بالأعمال الصالحة مع الاحتساب والنية في العمل وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قتل الصبر كفارة مجملا وهذا عندي إنما يكون لمن احتسب كما جاء في هذا الحديث أو يكون مظلوما فمن قتل مظلوما كفرت خطاياه على كل حال
وفيه دليل على أن أعمال البر المتقبلات لا يكفر من الذنوب إلا ما بين العبد وبين ربه فأما تبعات بني آدم فلا بد فيها من القصاص وقد ذكرنا وجوه الذنوب المكفرات بالأعمال الصالحة في غير موضع من كتابنا هذا والحمد لله
حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا هدبة ويزيد بن هارون قالا حدثنا همام قال حدثنا القاسم بن عبد الواحد قال سمعت عبد الله بن محمد يحدث عن جابر بن عبد الله قال بلغني حديث عن رجل من
232

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فابتعت بعيرا فشددت عليه رحلي ثم سرت إليه فسرت إليه شهرا حتى قدمت الشام فإذا عبد الله بن أنيس الأنصاري فأتيت منزله فأرسلت إليه إن جابرا على الباب فرجع إلي الرسول فقال جابر بن عبد الله فقلت نعم فرجع إليه فخرج فاعتنقته واعتنقني قال فقلت حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم لم أسمعه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الله العباد أو قال الناس شك همام وأومأ بيديه إلى الشام عراة غرلا بهما قلنا ما بهما قال ليس معهم شيء فيناديهم بصوت يسمعه من بعد ومن قرب أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة حتى اللطمة قال قلنا كيف وإنما نأتي الله عراة حفاة غرلا قال بالحسنات والسيئات
حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو طالب محمد بن زكرياء بن يحيى المقدسي ببيت المقدس قال حدثنا محمد بن النعمان بن بشير قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من كانت عنده مظلمة لأحد فليتحلله فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاته وطرحت عليه
233

وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثنا محمد بن علي بن زيد
وحدثنا خلف حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق حدثنا أحمد بن محمد بن بن الحجاج قالا حدثنا عبد العزيز بن يحيى المدني قال حدثنا مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كانت عنده مظلمة لأخيه فذكر الحديث
وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج حدثنا هانيء بن متوكل من كتابه سنة ثمان وعشرين ومائتين حدثني خالد بن حميد حدثنا مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض فليأته فليتحلله قبل أن يؤخذ منه وليس ثم دينار ولا درهم فإن كانت عنده حسنات وإلا أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه
وذكر ابن الجارود قال حدثنا أزهر بن زفر بن صدقة مولى جبر ابن نعيم قال حدثني هانيء بن المتوكل قال حدثني خالد بن حميد عن مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كانت عنده مظلمة لأخيه في مال أو عرض فذكر معناه
234

قال ابن الجارود وحدثنا إبراهيم بن الحسن قال حدثنا إسحاق بن محمد قال حدثنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هل تدرون من المقلون قالوا يا رسول الله المقلون فينا من لا درهم له ولا متاع له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المقلين من يأتي يوم القيامة بصيام وصلاة وزكاة ويأتي قد شتم عرض هذا وأكل مال هذا وقذف هذا وضرب هذا فيقعد يوم القيامة فيقتص هذا كله من حسناته فإن ذهبت قبل أن يقتص منه الذي عليه
من الخطايا أخذ من خطاياهم فتطرح عليه
ليس هذان الحديثان في الموطأ وهما من حديث مالك حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بن يزيد الجوهري بمصر قال حدثنا أحمد بن سلام البغدادي قال حدثنا أبو معمر حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبي مسلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه
235

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا سفيان قال أحمد بن زهير وحدثنا أبي قال حدثنا وكيع عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نفس المؤمن معلقة ما كان عليه دين
قال أحمد بن زهير سئل يحيى بن سعيد عن هذا الحديث فقال هو صحيح وسئل عن عمر ابن أبي سلمة فقال ضعيف الحديث
وقال علي بن المديني عن يحيى القطان كان شعبة يضعف عمر بن أبي سلمة
قال أبو عمر هذه الأحاديث تفسر حديث هذا الباب حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن عمرو حدثنا ابن سنجر قال حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا حماد بن سلمة أخبرني عبد الملك أبو جعفر عن أبي نضرة عن سعد بن الأطول قال إن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم وترك عيالا قال فأردت أن أنفقها عليهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن أخاك محبوس بدينه فاقض عنه قال فقضيت عنه ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد قضيت عنه ولم تبق إلا امرأة تدعي بدينارين وليس لها بينة فقال أعطهما فإنها صادقة
236

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي قال حدثنا حماد بن سلمة فذكر بإسناده مثله سواء
وفي حديث هذا الباب معان من الفقه منها أن الورثة لا ينفق عليهم ولا لهم ميراث حتى يؤدى الدين
وروى إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عن محمد بن جحش قال كنا جلوسا في موضع الجنائز مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ رفع رأسه ثم نكسه ثم وضع راحته على جبهته وقال سبحان الله ماذا نزل من التشديد فسكتنا وفرقنا فلما كان من الغد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا التشديد الذي نزل قال في الدينوالذي نفسي بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله ثم أحيي ثم قتل ثم أحيي ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه
هكذا ذكره ابن سنجر قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن فذكره
ورواه أنس بن عياض عن محمد بن أبي يحيى عن أبي كثير مولى الأشجعيين قال سمعت محمد بن عبد الله بن جحش وكانت له صحبة يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال يا رسول الله ما لي إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل قال الجنة
فلما ولى
237

الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كروه علي
فلما جاءه قال إن جبريل قال إلا أن يكون عليه دين
وروى سعيد بن سليمان قال حدثنا المبارك بن فضالة عن كثير أبي محمد عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الدين مأسور يوم القيامة يشكو إلى الله الوحدة
قال أبو عمر كثير أو محمد هو كثير بن أعين المرادي بصري ومنها أن المرء يحبس عن الجنة من أجل دينه حتى يقع القصاص ومنها أن القضاء عن الميت بعده في الدنيا ينفع الميت في الآخرة ومنها أن الميت إنما يحبس عن الجنة بدينه إذا كان له وفاء ولم يوص به ولم يشهد عليه والوصية بالدين فرض عند الجميع إذا لم يكن عليه بينة فإذا لم يوص به كان عاصيا وبعصيانه ذلك يحبس عن الجنة والله أعلم
وفي قوله في هذا الحديث أعطها فإنها صادقة دليل على أن الحاكم يقضي بعلمه وقد تكلمنا على هذا المعنى في غير هذا الموضع والدين الذي يحبس به صاحبه عن الجنة والله أعلم هو الذي قد ترك له وفاء ولم يوص به أو قدر على الأداء فلم يؤد أو
238

أدانه في غير حق أو في سرف ومات ولم يؤده وأما من أدان في حق واجب لفاقة وعشرة ومات ولم يترك وفاء
فإن الله لا يحبسه به عن الجنة إن شاء الله لأن على السلطان فرضا أن يؤدي عنه دينه إما من جملة الصدقات أو من سهم الغارمين أو مت الفيء الراجع على المسلمين من صنوف الفيء
وقد قيل إن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشديده في الدين كان من قبل أن يفتح الله عليه ما يجب منه الفيء والصدقات لأهلها
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن بديل عن علي بن أبي طلحة عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزي عن المقدام الكندي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك دينا أو ضيعة فإلي ومن ترك مالا فلورثته وذكر تمام الحديث
حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المسلمين فترك دينا فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته
وحدثنا عبد الوارث قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم
239

دحيم قال حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي إلى رجل من المسلمين ليصلي عليه أقبل على أصحابه فقال هل ترك من دين فإن قالوا نعم قال فهل ترك من وفاء فإن قالوا لا قال صلوا على صاحبكم
فلما فتح الله على رسوله الفتوح قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من ترك دينا أو ضياعا فعلى الله ورسوله ومن ترك مالا فلورثته
وعند سعيد بن أبي سعيد المقبري في هذا حديث آخر في هذا المعنى أخبرنا قاسم بن محمد قال أخبرنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا محمد بن عمرو عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة ليصلي عليها فقال أعليه دين قالوا نعم ديناران فقال أترك لهم وفاء قالوا لا قال صلوا على صاحبكم
قال أبو قتادة هما علي يا رسول الله قال فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم
وفي قوله عليه السلام كذلك قال لي جبريل دليل على أن من الوحي ما يتلى وما لا يتلى وما هو قرآن وما ليس بقرآن
240

وقالت طائفة من أهل العلم بالقرآن في قوله تعالى * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) * 33 34
قالوا القرآن آيات الله والحكمة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو عمر وكل من الله إلا ما قام عليه الدليل فإنه لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم
241

حديث ثامن وعشرون ليحيى بن سعيد يحيى عن عمرو بن كثير
137 مالك عن عمرو بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة بن ربعي أنه قال خرجنا مع رسول الله عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين قال فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني قال فلقيت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس فقال أمر الله ثم إن الناس رجعوا فقال رسول الله من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه قال فقمت ثم قلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال رسول الله من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقمت فقلت من يشهد لي وجلست
ثم قال ذلك الثالثة فقمت فقال رسول الله ما لك يا أبا قتادة فاقتصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه منه يا رسول الله فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صدق فأعطه إياه
242

فأعطانيه فبعت الدرع فاشتريت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام (2118)
هكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن كثير وتابعه قوم وقال الأكثر عمر بن كثير بن أفلح
وقال الشافعي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن كثير بن أفلح ولم يسمه والصواب فيه عن مالك عمر بن كثير وكذلك قال فيه كل من رواه عن يحيى بن سعيد منهم ابن عيينة وحفص بن غياث
وقال البخاري والعقيلي عمر بن كثير بن أفلح مدني روى عنه ابن عجلان وغيره
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عمر بن كثير بن أفلح فقال هذا مولى أبي أيوب روى عنه ابن عون
وذكر البخاري والعقيلي في باب عمرو عمرو بن كثير بن أفلح مدني روى عنه ابن أبي فديك وعثمان بن اليمان
قال أبو عمر عمرو بن كثير بن أفلح الذي روى عنه ابن أبي فديك ليس هو عمر الذي روى عنه يحيى بن سعيد وإنما الذي روى عنه يحيى بن سعيد هو الذي روى عنه ابن عجلان وغيره
وهو الذي روى عنه
243

ابن عون وهو من التابعين ممن لقي ابن عمر وأنس بن مالك وهو كبير أكبر من عمرو بن كثير وأظنهما أخوين ولكن عمر بن كثير بن أفلح أجل من عمرو بن كثير بن أفلح وأشهر وهو الذي في الموطأ وليس لعمرو بن كثير في الموطأ ذكر إلا عند من لم يقم اسمه وصحفه
وأما أبو محمد مولى أبي قتادة فمن كبار التابعين واسمه نافع يعرف بالأقرع وقد روى عنه ابن شهاب وحسبك وروى عنه صالح بن كيسان وجماعة من الجلة
وأما أبو قتادة الأنصاري فاسمه الحارث بن ربعي على اختلاف قد ذكرناه في كتاب الصحابة وكان يقال له فارس رسول الله ولم يقل ذلك لغيره كما قيل لخالد بن الوليد سيف الله وكان أبو قتادة من شجعان فتيان الصحابة رضي الله عنهم
ورواية ابن عيينة لهذا الحديث مختصرة عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد عن أبي قتادة أن رسول الله نفله سلب قتيله
وأما مالك فساق سياقة حسنة وكان حافظا وروى هذا الحديث حماد بن سلمة قال حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن
244

أنس بن مالك أن رسول الله قال يوم حنين من قتل كافرا فله سلبه فقتل أبو طلحة عشرين قتيلا وأخذ أسلابهم
وقال أبو قتادة يا رسول الله إني ضربت رجلا على حبال العاتق وعليه درع فأعجلت عنها أن آخذها فانظر مع من هي فقام رجل فقال أنا أخذتها فارضه منها أو أعطنيها فسكت رسول الله وكان لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت
فقل عمر لا ينزعها من أسد من أسد الله ويعطيكها
فضحك رسول الله وقال صدق عمر
وفي حديث أبي قتادة هذا من الفقه معرفة غزاة حنين وذكل أمر يستغنى بشهرته عن إيراده ولولا كراهتنا التطويل لذكرنا هنا خبر تلك الغزاة وقد ذكرنا ذلك في كتاب الدرر في اختصار المغازي والسير
وفي هذاالحديث دليل على أن المسلمين هزموا يوم حنين وأنهم كانت لهم الكرة بعد والظفرة والغلبة والحمد لله
* (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) * الآية وقال الله عز وجل * (وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين) * 9 26
وفيه دليل على موضع أبي قتادة من النجدة والشجاعة وفيه أن السلب للقاتل وهذا موضع اختلف فيه السلف والخلف على وجوه نذكرها إن شاء الله ولهذا النكتة وهذا المعنى جلب هذا الحديث ونقل فجملة مذهب مالك أنه لا ينفل إلا بعد إحراز الغنيمة وقد
245

ذكرنا حكم النفل في مذهبه ومذهب غيره في باب نافع من هذا الكتاب
قال مالك وإنما قال النبي من قتل قتيلا وله عليه بينة فله سلبه بعد أن برد القتال يوم حنين ولم يحفظ عنه ذلك في غير يوم حنين قال ولا بلغني فعله على الخليفتين فليس السلب للقاتل حتى يقول ذلك الإمام والاجتهاد في ذلك إلى الإمام
وقال ابن أبي زيد ظاهر حديث أبي قتادة هذا يدل على أن ذلك حكم فيما مضى ولم يرد به رسول الله أن يكون أمرا لازما في المستقبل لأنه أعطاه السلب بشهادة رجل واحد بلا يمين ويخرج ذلك على الاجتهاد من الخمس إذا رأى ذلك الإمام مصلحة والاجتهاد فيه مؤتنف
قال أبو عمر بل أعطاه إياه والله أعلم لأنه أقر له به من كان قد حازه لنفسه في القتال ثم أقر أن أبا قتادة أحق بما في يديه منه فأمر بدفع ذلك إليه
قال مالك والسلب من النفل والفرس من النفل وكذلك قال ابن عباس ولا نفل في ذهب ولا فضة ولا نفل إلا من الخمس ويكون في أول مغنم وآخره على الاجتهاد وكره مالك أن يقول الإمام من أصاب شيئا فهو له وكره أن يسفك أحد دمه على هذا وقال هو قتال على جعل وكره للإمام أن يقول من قاتل فله كذا ومن بلغ موضع كذا فله كذا ومن قتل قتيلا فله كذا أو نصف ما غنم قال وإنما
246

نفل النبي صلى الله عليه وسلم بعد القتال
هذا جملة مذهب مالك في هذا الباب ومذهب أبي حنيفة والثوري نحو ذلك واتفق مالك والثوري وأبو حنيفة على أن السلب من غنيمة الجيش حكمه كحكم سائر الغنيمة إلا أن يقول الأمير من قتل قتيلا فله سلبه فيكون حينئذ له
وقال الأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد السلب للقاتل على كل حال قال ذلك الأمير أو لم يقله إلا أن الشافعي قال إنما يكون السلب للقاتل إذا قتل قتيله مقبلا عليه وأما إذا قتله وهو مدبر عنه فلا سلب له
وقال الأوزاعي ومكحول السلب مغنم ويخمس
قال الشافعي يخمس كل شيء من الغنيمة إلا السلب فإنه لا يخمس وهن قول أحمد بن حنبل والطبري واحتجوا بقول عمر بن الخطاب كنا لا نخمس السلب على عهد رسول الله
ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال بارز البراء بن مالك أخو أنس بن مالك مرزبان الزآرة فقتله وأخذ سلبه فبلغ سلبه ثلاثين ألفا فبلع ذلك عمر بن الخطاب فقال لأبي طلحة إنا كانت لا نخمس السلب وإن سلب البراء قد بلغ مالا كثيرا ولا أرانا إلا خامسيه
وذكر ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن ابن عون وهشام بن حسان عن ابن سيرين عن أنس بن مالك أن البراء بن مالك حمل على مرزبان الزآرة فطعنه طعنة دق قربوس سرجه وقتله وسلبه فذكر معنى ما تقدم
247

قال محمد بن سيرين فحدثني أنس بن مالك أنه أول سلب خمس في الإسلام وقال إسحاق بهذا القول إذا استكثر الإمام السلب خمسه وذلك إليه
وقد حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب القاضي قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب بعث أبا قتادة فقتل ملك فارس بيده وعليه منطقة ثمنها خمسة عشر ألف درهم فنفله عمر إياها
وذكر ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج عن نافع عن ابن عمر قال قال لي عمر بلغني أنك بارزت دهقانا وقتلته قلت نعم فأعجبه ذلك ونفله سلبه
قال أبو عمر أحسن شيء في هذا مما يحتج به مرفوعا ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال أخبرنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن
248

عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن رسول الله قضى بالسلب للقاتل ولم يخمس السلب
وقال محمد بن جرير من قتل قتيلا كان له سلبه نادى به الإمام أم لم يناد مقبلا قتله أو مدبرا هاربا أو مبارزا إذا كان في المعركة وليس سبيل السلب سبيل النفل لأن النفل
لا يكون إلا أن يتقدم الإمام به قبل
قال أبو عمر روى عبد الرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج قال سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول لم نزل نسمع إذا التقى المسلمون والكفار فقتل رجل من المسلمين رجلا من الكفار فإن سلبه له إلا أن يكون في معمعة القتال فإنه لا يدري حينئذ من قتل قتيلا وظاهر هذا الحديث يرد قول الطبري لاشتراطه في السلب القتل في المعركة خاصة
وقال أبو ثور السلب لكل قاتل في معركة كان أو غير معركة في الإقبال والإدبار والهروب والانتهاز على كل الوجوه واحتج قائلوا هذه المقالة بعموم قول رسول الله من قتل قتيلا فله سلبه لم يخص حالا من حال واحتجوا أيضا بخبر سلمة بن الأكوع
249

قال أبو عمر ليس في خبر سلمة بن الأكوع حجة لأبي ثور ولا لغيره على الشافعي لأن سلمة لم يقتله إلا ملاقيا ومتحيلا في قتله مغافصا له وقد قيل إنه بارزه
وأخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا هشام بن عبد الملك قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثني إياس بن سلمة قال حدثني أبي سلمة بن الأكوع قال غزونا مع رسول الله هوازن قال فبينما نحن نعود نتضحى إذ جاء رجل على جمل أحمر فانتزع طاقا من خف البعير فقيد به بعيره ثم جاء يمشي حتى قعد معنا يتغذى فنظر في القوم فإذا في أظهرهم رقة وأكثرهم مشاة فلما نظر إلى القوم خرج فانطلق يعدو فأتى بعيره فقعد عليه فخرج يركضه وهو طليعة للكفار فاتبعه رجل منا من أسلم على ناقة له ورقاء قال إياس قال أبي فاتبعته أعدو قال والناقة عند ورك الجمل فلحقته فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى آخذ بخطام البعير فاخترطت سيفي فضربت رأسه فبرد ثم جئت بناقته أقودها عليها سلبة فاستقبلني رسول الله مع الناس فقال من قتل الرجل قالوا ابن الأكوع قال لك سلبه أجمع
250

وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن أبي العميس عن إياس بن سلمة عن أبيه أنه بارز رجلا فقتله فنفله النبي سلبه
واحتج أصحاب الشافعي لمذهبهم في أن القاتل لا يستحق سلب قتيله إلا أن يقتله مقبلا بأشياء يطول ذكرها أحسنها عندي ما ذكره أبو العباس بن سريج قال ليس الحديث من قتل قتيلا فله سلبه على عمومه لاجتماع العلماء على أن من قتل أسيرا أو امرأة أو شيخا أنه ليس له سلب واحد منهم وكذلك من دفف على جريح أو قتل من قد قطعت يداه ورجلاه قال وكذلك المنهزم لا يمتنع في انهزامه وهو كالمكتوف فعلم بذلك أن الحديث إنما جعل السلب لمن قتله معنى زائد ولمن في قتله فضيلة وهو القاتل في الإقبال لما في ذلك من المؤنة ولم يكن مخرج الحديث إلا على من في قتله مؤنة وله شوكة وأما من أثخن فلا ولو كان كما زعموا كان الذي أثخنه أولى بسلبه وليس بقاتل والسلب إنما هو للقاتل على المعنى الذي وصفنا والله أعلم هذا معنى قوله
وقال المزني عن الشافعي الغنيمة كلها مقسومة على ما وصفنا إلا السلب للقاتل في الإقبال قال ذلك الإمام أو لم يقله لأن رسول الله نفل أبا قتادة يوم حنين سلب قتيله وما نفله إياه إلا بعد تقضي
251

الحرب ونفل محمد بن مسلمة ثياب مرحب يوم خيبر ونفل يوم بدر عددا أسلابا ويوم أحد رجلا أو رجلين أسلاب قتلاهم قال وما علمته حضر محضرا فقتل رجل قتيلا في الإقبال إلا نفله سلبه
قال ولقد فعل ذلك بعد النبي أبو بكر وعمر
قال أبو عمر أما قول رسول الله يوم حنين من قتل قتيلا فله سلبه فمحفوظ من رواية الثقات غير مختلف فيه وأما قوله ذلك يوم بدر وأحد فأكثر ما يوجد ذلك في رواية أهل المغازي وقد روى من حديث أهل السير وغيرهم أن سعد بن أبي وقاص قتل يوم بدر سعيد بن العاصي وأخد سيفه فنفله رسول الله إياه حتى نزلت سورة الأنفال وأن الزبير بن العوام بارز يومئذ رجلا فقتله فنفله رسول الله سلبه وأن ابن مسعود نفله رسول الله يومئذ سيف أبي جهل
أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله يومئذ يعني يوم حنين من قتل كافرا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم ولقي أبو طلحة
252

أم سليم ومعها خنجر فقال يا أم سليم ما هذا معك قالت أردت والله إن دنا مني بعضهم أن أبعج به بطنه فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا يوسف بن الماجشون قال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده عبد الرحمن بن عوف أن النبي قضى أن السلب للقاتل
قال أبو عمر حديث عبد الرحمن بن عوف هذا أصله يوم بدر
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل الترمذي قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال حدثني يوسف بن الماجشون عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال إني لواقف يوم بدر فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين فتيين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما فعرفني أحدهما فقال لي يا عم أتعرف أبا جهل قال قلت نعم فما حاجتك إليه يا ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
253

والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال فتعجبت من ذلك قال وغمزني الآخر فقال مثله فلم أنشب أن رأيت أبا جهل يجول في الناس
فقلت لهما ألا تريان هذا هو صاحبكما الذي تسألاني عنه فابتدراه فضرباه بسيفهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله فأخبراه فقال رسول الله أيكما قتله قال كل واحد منهما أنا قتلته قال فهل مسحتما سيفكما قالا لا فنظر رسول الله إلى سيفهما فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والآخر معاذ بن عفراء
وحدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا يوسف بن يعقوب الماجشون قال حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال بينما أنا واقف في الصف يوم بدر فذكر مثله سواء إلى آخره
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا موسى ين معاوية حدثنا وكيع قال حدثنا إسرائيل وأبي عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة قال قال عبد الله انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيفه فذكر قصة قال فأخذت سيفه فضربته حتى برد وزاد فيه أبي عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله فنفلني رسول الله سيفه
254

واحتج بهذه الآثار من قال إن السلب للقاتل على كل حال نادى به الإمام أم لم يناد ولا حجة في ذلك لأن ذلك كان فيما ذكروا قبل نزول * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) * 8 41 الآية واحتج من جعل ذلك إلى الإمام وأنه أمر ليس بلازم إلا أن يجتهد في ذلك الإمام وينادي به على حسبما يراه وأن له منع القاتل من السلب وله إعطاؤه على حسبما يؤدي إليه اجتهاده بما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ورافقني مودي من أهل اليمن ليس معه غير سيفه فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المودي طائفة من جلده فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرق ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يغري بالمسلمين وقعد له المودي خلف صخرة ومر به الرومي فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله على المسلمين بعد إليه خالد بن الوليد فأخذ منه السلب قال عوف
255

فأتيته فقلت يا خالد أما علمت أن رسول الله قضى بالسلب للقاتل قال بلى ولكني استكثرته فقلت لتردنه إليه أو لأعرفنك عند رسول الله فأبى أن يرد عليه قال عوف فاجتمعنا عند رسول الله فاقتصصت عليه قصة المودي ما فعل خالد فقال رسول الله يا خالد ما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله استكثرته له فقال رسول الله يا خالد رد عليه ما أخذت منه
فقال عوف دونك يا خالد ألم أف لك فقال رسول الله وما ذاك فأخبرته فغضب رسول الله وقال يا خالد لا ترده عليه هل أنتم تاركون لي أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره
قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا الوليد قال سألت ثورا عن هذا الحديث فحدثني عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك الأشجعي نحوه
وذكر هذا الحديث أبو إسحاق الفزاري عن صفوان بن عمرو بإسناده ومعناه
قال الفزاري وأخبرني غير صفوان عن خالد بن معدان بنحو حديث صفوان وهذا الحديث يدل على ما ذكرنا أن السلب إنما يكون
256

للقاتل إذا أمضى ذلك الإمام ورآه وأداه اجتهاده إليه وهذا كله يدل على صحة ما ذهب إليه مالك في هذا الباب والله أعلم
وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الأسود بن قيس عن شبر بن علقمة العبدي قال كنا بالقادسية فخرج رجل منهم عليه السلاح والهيئة فقال مرد ومرد
يقول رجل إلى رجل فعرضت على أصحابي أن يبارزوه فأبوا وكنت رجلا قصيرا قال فتقدمت إليه فصاح صوتا وهدر وصحت وكبرت وحمل علي فاحتملني فضرب بي قال وتميل به فرسه فأخذت خنجره فوثبت على صدره فذبحته قال وأخذت منطقة له وسيفا ودرعا وسوارين فقوم باثني عشر ألفا فأتيت به سعد بن مالك فقال رح إلي ورح بالسلب قال فرحت إليه فقام على المنبر فقال هذا سلب شبر بن علقمة خذه هنيئا مريئا فنفلنيه كله
وهذا يدل على أن أمر السلب إلى الأمير والله أعلم
وذكر ابن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن الأسود بن قيس مثله سواء بمعناه في قصة شبر بن علقمة يوم القادسية قال وأخبرنا أبو الأحوص عن الأسود بن قيس عن شبر بن علقمة قال بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته وأخذت سلبه فأتيت سعدا فخطب سعد أصحابه ثم قال هذا سلب شبر بن علقمة لهو خير من اثني عشر ألف درهم وإنا قد نفلناه إياه
257

قال أبو عمر لو كان السلب للقاتل قضاء من النبي ما احتاج الأمراء إلى أن يضيفوا ذلك إلى أنفسهم باجتهادهم ولأخذه القاتل دون أمرهم والله أعلم
واختلف الفقهاء في الرجل يدعي أنه قتل رجلا بعينه وادعى سلبه فقالت طائفة منهم يكلف على ذلك البينة فإن جاء بشاهدين أخذه وإن جاء بشاهد واحد حلف معه وكان له سلبه واحتجوا بحديث أبي قتادة وبأنه حق يستحق بشاهد ويمين وممن قال ذلك الشافعي والليث بن سعد وجماعة من أصحاب الحديث
وقال الأوزاعي إذا قال إنه قتله أعطي سلبه ولم يسأل عن ذلك بينة
واختلفوا في النفر يضربون الرجل الكافر ضربات مختلفة فكان الشافعي يقول إذا قطع يديه ورجليه ثم قتله آخر فالسلب لقاطع اليدين والرجلين فإن ضربه وأثبته وبقي معه ما يمتنع به ثم قتله آخر كان السلب للآخر وإنما يكون السلب لمن صيره بحال لا يمتنع فيها
واختلف الشافعي والأوزاعي في مبارز عانق رجلا وحمل عليه آخر فقتله فقال الأوزاعي السلب للمعانق وقال الشافعي السلب للقاتل
وفي هذا الباب مسائل كثير لها فروع لو ذكرناها خرجنا عن تأليفنا وفيما أوردنا من أصول هذا الباب بما فيه كفاية وبالله التوفيق
258

وأما قوله فاشتريت به مخرفا في بني سلمة فقال ابن وهب هي الجنينة الصغيرة وقال غيره هو ما يخرف ويخترف أي يحفظ ويجتني وهو الحائط الذي فيه ثمر قد طاب وبدا صلاحه قالوا والحائط يقال له بالحجاز الخارف والخارف بلغة أهل اليمن الذي يجتني لهم الرطب
وقال أبو عبيد يقال النخل بعينه مخرف قال ومنه قول أبي طلحة إن لي مخرفا
قال وقال الأصمعي في حديث النبي عائد المريض في مخارف الجنة
قال واحدها مخرف وهو جني النخل وإنما سمي مخرفا لأنه يخرف منه أي يجتني منه
قال الأخفش المخرف بكسر الميم القطعة من النخل التي يخترف منها الثمر والمخرف بفتح الميم النخل أيضا
وأما قوله فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام فإنه أراد أول أصل باق من المال اقتناه وجمعه ومن اكتسب ما يبقى ويحمد فقد تأثل
قال امرؤ القيس ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي وقال لبيد لله نافلة الأجل الأفضل وله العلى وأثيث كل مؤثل ومن هذا حديث عمر في وقفه أرضه قال ولمن وليها أن يأكل منها أو يوكل صديقا عير متأثل مالا
259

حديث تاسع وعشرون ليحيى بن سعيد يحيى عن واقد
237 مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن سعد بن معاذ عن نافع بن جبير بن مطعم عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الجنائز ثم جلس بعد (1633)
هكذا قال يحيى عن مالك واقد بن سعد بن معاذ وتابعه على ذلك أبو المصعب وغيره وسائر الرواة عن مالك يقولون عن واقد ابن عمرو بن سعد بن معاذ وهو الصواب إن شاء الله وكذلك قال ابن عيينة وزهير بن معاوية وهو واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس الأشهلي الأنصاري يكنى أبا عبد الله مدني ثقة كناه خليفة بن خياط وذكره الحسن بن عثمان في بني عبد الأشهل وقال كانت وفاته سنة عشرين ومائة
وكان محمد بن عمرو بن علقمة يقول فيه واقد بن عمر بن سعد بن معاذ يهم فيه
260

روى يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن واقد بن عمر بن سعد بن معاذ قال دخلت على أنس بن مالك وكان واقد من أعظم الناس وأطولهم فقال لي من أنت فقلت واقد بن عمر بن سعد بن معاذ قال إنك بسعد لشبيه ثم بكى فأكثر البكاء وقال يرحم الله سعدا كان من أعظم الناس وأطولهم
وقد مضى ذكر نافع بن جبير بن مطعم في باب ابن شهاب وأما مسعود بن الحكم فرجل من بني زريق من الأنصار كبير جليل ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسعود بن الحكم بن الربيع بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق وكان له بالمدينة قدر وجلالة وهيئة وقد ذكرناه في كتاب الصحابة
قال أبو عمر حديث مالك في هذا الباب يدل على أن القيام للجنائز إذا مرت بالإنسان وقيامه إذا شيعها وشهدها حتى تدفن منسوخ وذلك أن الأمر أولا كان أن لا يجلس مشيع الجنازة حتى توضع في اللحد أو في الأرض وأن من مرت به الجنازة قام ثم نسخ ذلك بالتخفيف والحمد لله
وروى ابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم أو توضع
حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن
261

سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره
قال الحميدي وهذا منسوخ
وذكر عبد الرزاق عن معمر بإسناده مثله وروى أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عامر بن ربيعة النبي صلى الله عليه وسلم قبله
وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع
وروى ربيعة بن سيف عن أبي عبد الرحمن الجبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تمر بنا جنازة الكافر أفنقوم لها قال نعم قوموا لها فإنكم إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس
وروى في القيام للجنائز أبو موسى وجابر ويزيد وزيد ابنا ثابت وقيس بن سعد وسهل بن حنيف كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم
262

وروى الأوزاعي عن عبيد الله بن مقسم قال حدثني جابر بن عبد الله قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ مرت جنازة فقام لها فلما ذهبت فإذا بها جنازة يهودي فقلنا يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال إن الموت فزع فإذا رأيتم الجنازة فقوموا
وروى الثوري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شيعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع في الأرض
ورواه أبو معاوية عن سهيل بإسناده مثله إلا أنه قال حتى توضع في اللحد
ورواه زهير بن معاوية عن سهيل عن أبيه عن أبي سعيد الخدري وقول الثوري أشبه وأولى إن شاء الله فهذه الآثار وهي صحاح ثابتة توجب القيام للجنازة على ما ذكرنا وقد جاءت آثار ناسخة لذلك
روى جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد فمر حبر من أحبار
263

اليهود فقال هكذا نفعل فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وقال اجلسوا وخالفوهم
ذكره أبو داود بإسناده
وروى الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي معمر عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتشبه بأهل الكتاب فيما لم ينزل فيه وحي وكان يقوم للجنازة فلما نهي انتهى
ورواه ابن عيينة عن ليث عن مجاهد عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة الأزدي قال كانوا عند علي بن أبي طالب فمرت بهم جنازة فقاموا لها فقال علي ما هذا فقالوا أمر أبي موسى الأشعري فقال إنما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة ثم لم يعد
واختلف العلماء في هذا الباب فمن روى عنه أنه قال بالأحاديث التي زعمنا أنها منسوخة واستعملها ولم يرها منسوخة وقالوا لا يجلس من اتبع الجنازة حتى توضع من أعناق الرجال الحسن بن علي وأبو هريرة والمسور بن مخرمة وابن عمر وابن الزبير وأبو سعيد الخدري وأبو موسى الأشعري والنخعي والشعبي وابن سيرين وذهب إلى ذلك الأوزاعي وأحمد وإسحاق وبه قال محمد بن الحسن وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم إذا شيعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع
264

وروي عن أبي مسعود البدري وأبي سعيد الخدري وقيس بن سعد وسهل بن حنيف وسالم أنهم كانوا يقومون للجنازة إذا مرت بهم وقال أحمد وإسحاق من قام لها من أعبه ومن قعد فغير آثم وحجة هؤلاء قوله إذا رأيتم الجنازة فقوموا فإن الموت فزع
وروى علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس أن القيام في الجنازة كان قبل الأمر بالجلوس فبان بذلك أنهما علما الناسخ في ذلك من المنسوخ وليس على من لم يقف على ذلك نقيصة في تماديه على ما علم وهوالواجب عليه حتى يعلم أن ذلك قد رفع حكمه ونسخ
وقد زعم بعض العلماء أن علم الناسخ من المنسوخ في الحديث أشد نعذرا من علم ناسخ القرآن ومنسوخه ولذلك قال ابن شهاب الله أعلم أعيا الفقهاء أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه
قال أبو عمر لأن ذلك لا يصح إلا بعلم الآخر من الأول في غير باب الإباحة وذلك إنما يوقف عليه بنص أو تاريخ
حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد أن جنازة مرت بعبد الله بن عمر والحسن بن علي فقعد ابن عباس وقام الحسن
265

فقال الحسن أليس قد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي فقال ابن عباس بلى وجلس بعد
قال أبو عمر الصواب في هذا الباب المصير إلى ما قال علي وابن عباس فقد حفظا الوجهين جميعا وعرفا الناس أن الجلوس كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد القيام فوجب امتثال ذلك من سنته والآخر منها ناسخ
وهو أمر واضح وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ومالك والشافعي القيام لها منسوخ
وذكر عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يعيب من قام للجنازة وينكر ذلك عليه
حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل وأحمد بن زهير قالا حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن واقد بن عمرو عن نافع بن جبير عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام مرة واحدة ثم لم يعد
حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا زهير حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال
266

أخبرني واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال بينما أنا واقف أنتظر جنازة توضع فلما وضعت جلست إلى نافع بن جبير بن مطعم فقال لي نافع كأنك نظرت هذه الجنازة أن توضع قلت أجل قال نافع حدثني مسعود بن الحكم الأنصاري أنه سمع علي بن أبي طالب يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ثم قعد
قال أبو عمر اتفق مالك وابن عيينة وزهير على واقد بن عمرو فدل ذلك على أن قول محمد بن عمرو واقد بن عمر خطأ هذا إن صح عن محمد بن عمرو
وأما رواية يحيى وقوله واقد بن سعد فجائز أن ينسب المرء إلى جده والذي عند جمهور الرواة للموطأ واقد بن عمرو بن سعد وقد روى هذا الحديث عن مسعود بن الحكم ابنه قيس بن مسعود
ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن قيس بن مسعود عن أبيه أنه شهد جنازة مع علي بن أبي طالب بالكوفة فرأى الناس قياما ينتظرون الجنازة أن توضع فأشار إليهم أن اجلسوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلس بعد ما كان يقوم
ورواه أيضا عن مسعود بن الحكم محمد بن المنكدر حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال
267

حدثنا يوسف بن موسى حدثنا وكيع قال البغوي وحدثنا علي بن مسلم حدثنا أبو داود قال البغوي وحدثنا خلاد أخبرنا النضر بن شميل قال البغوي وحدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يحيى بن أبي بكير قال البغوي وحدثنا عباس حدثنا قراد قالوا كلهم حدثنا شعبة عن محمد بن المنكدر عن مسعود بن الحكم عن علي بن أبي طالب قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنازة فقمنا ثم جلس فجلسنا وهذا لفظ حديث وكيع
واختلف أيضا في القائم على القبر بعد أن توضع الجنازة في اللحد فكرة ذلك قوم وعمل به آخرون ذكر مالك عن أبي بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف أنه يسمع أبا أمامة
بن سهل بن حنيف يقول كنا نشهد الجنائز فما يجلس آخر الناس حتى يؤذنوا
وهذا عندي لم يدخل في المنسوخ لأن النسخ إنما جاء في القيام للجنازة عند رؤيتها شيعت حتى توضع
وقد كان من أهل العلم جماعة يذهبون إلى نسخ القيام على القبر وغيره في الجنائز وأظنهم ذهبوا إلى أن القيام كله في الجنائز منسوخ لقول علي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنائز ثم قعد بعد
ومن هنا والله أعلم قال أبو قلابة قيام الرجل على القبر حتى يوضع الميت في اللحد بدعة وقد جاء عن علي وهو روى حديث النسخ ما يدل على أن القيام على اللحد لم يدخل في النسخ
حدثنا سعيد بن نصر حدثنا ابن أبي دليم حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو مروان عبد الملك بن حبيب المصيصي حدثنا ابن المبارك عن
268

قيس بن مسلم عن عمر بن سعد أن عليا قام على قبر ابن المكفف فقيل له ألا تجلس يا أمير المؤمنين فقال قليل لأخينا قيامنا على قبره قال ابن وضح وحدثنا يزيد بن موهب عن يحيى بن زكرياء ابن أب زائدة عن مالك بن مغول عن عمير بن سعد عن علي مثله قال ابن وضاح وحدثنا موسى حدثنا وكيع عن سفيان عن قيس عن عمير بن سعد عن علي قال ليل أحدكم القيام على قبر أخيه حتى يدفنه
قال وحدثنا إبراهيم بن طيفور حدثنا علي بن الحسن بن شقيق حدثنا الحسين بن واقد عن فرقد السجي عن سعيد بن جبير قال رأيت ابن عمر قام على قبر قائما حين وضع في القبر وقال يستحب إذا أنس من الرجل الخير أن يفعل به ذلك
قال وحدثنا يوسف بن عدي عن أبي المليح عن ميمون بن مهران أنه وقف على قبر فقيل له أواجب هذا قال لا ولكن هؤلاء أهل البيت هذا لهم مني قليل
وقد روي في هذا المعنى حديث حسن مرفوع حدثنا سعيد بن نصر حدثنا ابن أبي دليم حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو خيثمة مصعب بن سعد حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن
269

الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على قبر حتى دفن
وذكر يعقوب بن شيبة قال حدثنا إسحاق بن إدريس الأسواري وإسحاق بن أبي إسرائيل قالا حدثنا هشام بن يوسف الصنعاني عن عبد الله بن بجير وأثنى عليه خيرا أنه سمع هانئا مولى عثمان بن عفان يذكر عن عثمان قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه فقال استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبت فإنه الآن يسأل
وبهذا الإسناد عن هانىء مولى عثمان قال كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى تبتل لحيته قيل له تذكر الجنة والنار ولا تبكي وتبكي من هذا قال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن القبر أول منازل الآخرة فإن نجا منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه
وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه وبالله التوفيق
270

حديث موفي ثلاثين ليحيى بن سعيد يحيى عن عبادة بن الوليد
337 مالك عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم (205)
هكذا روى هذا الحديث عن مالك بهذا الإسناد جمهور رواته وهو الصحيح منهم ابن وهب وابن القاسم ومعن وابن بكير وابن أويس وغيرهم وما خالفه عن مالك فليس بشيء ورواه القعنبي في جامع الموطأ عن مالك عن يحيى عن عبادة بن الوليد عن عبادة بن الصامت ولم يذكر أباه وتابعه عبد الله بن يوسف ورواه قتيبة عن مالك عن يحيى عن عبادة بن الوليد أخبرني أبي قال بايعنا رسول الله ولم يذكر عبادة بن الصامت وتابعه أبو مسهر وأبو مصعب عن محمد بن زريق بن جامع منه
وقد
271

اختلف فيه على يحيى بن سعيد فرواه بعضهم عنه عن عبادة بن الوليد عن أبيه قال وبايعنا رسول الله الحديث
لم يذكر عبادة بن الصامت وزعم أن البيعة المذكورة في هذا الحديث ليست بيعة العقبة وأن الوليد بن عبادة له صحبة وأنه ممكن أن يشاهد هذه البيعة لأنها كانت على الحرب وذلك بالمدينة
ورواه سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عبادة بن الوليد عن جده عبادة بن الصامت لم يذكر الوليد بن عبادة هكذا رواه الحميد عن ابن عيينة
ورواه أبو إسحاق الفزاري عن يحيى بن سعيد عن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه لم يذكر عبادة بن الوليد وهذا عندي غلط والله أعلم والصحيح فيه إن شاء الله يحيى بن سعيد عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه الوليد عن أبيه عبادة بن الصامت وكان أحد النقباء قال بايعنا رسول الله بيعة الحرب وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأن لا ننارع الأمر أهله وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم
272

قال أبو عمر كان عبادة بن الصامت قد شهد العقبة الأولى والثانية
وشهد بدرا والحديبية والمشاهد كلها وبايع رسول الله مرارا وقد ذكرنا من خبره في كتاب الصحابة ما فيه الكفاية
حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان بن الحسن النجاد الفقيه ببغداد قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الله عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي عن عبادة بن الصامت قال كنا فيمن حضر العقبة الأولى وكنا اثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله على بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض عليهم الحرب على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نشرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال فإن وفيتم فلكم الجنة وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله إن شاء عذب وإن شاء غفر
قال أحمد بن حنبل وحدثنا يحيى ين زكرياء بن أبي زائدة قال حدثني أبي ومجالد عن عامر الشعبي عن أبي مسعود الأنصاري قال انطلق النبي معه العباس عمه إلى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة فقال ليتكلم متكلمكم ولا يطيل الخطبة
273

فإن عليكم من المشركين عينا وإن يعلموا بكم يفضحوكم قال قائلهم وهو أبو أمامة سل يا محمد لربك ما شئت وسل لنفسك ولأصحابك ما شئت ثم أخبرنا بما لنا من الثواب على الله إذا فعلنا ذلك قال أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكن لنفسي ولأصحابي أن تؤونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم
قالوا فما لنا إذا فعلنا ذلك قال لكم الجنة قالوا فلك ذلك
قال الشعبي وكان أبو مسعود أصغرهم
قال أحمد بن حنبل وحدثني يحيى بن زكرياء قال حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال سمعت الشعبي يقول ما سمع الشيب ولا الشبان خطبة مثلها
قال أبو عمر هذه البيعة التي انفرد بها الأنصار بهذا اللفظ وهذا المعنى وسائر البيعات التي ذكر عبادة وغيره هي بيعات جماعات الناس قريش والأنصار وسائر أبناء العرب ممن دخل في الإسلام والله أعلم
قال أحمد بن حنبل سمعت سفيان بن عيينة وقيل له تسمي النقباء فقال نعم
سعد بن عبادة وأسعد بن زرارة وسعد بن
274

الربيع وسعد بن خيثمة وعبد الله بن رواحة والمنذر بن عمرو وأبو الهيثم بن التيهان والبراء بن معرور وأسيد بن حضير وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر
وعبادة بن الصامت ورافع بن مالك من بني زريق
قال سفيان عبادة عقبي بدري أحدى شجري نقيب
قال أبو عمر ما ذكره سفيان في النقباء خلاف م ذكره ابن إسحاق فيهم في السير فالله أعلم ولم يختلفوا أنهم اثنا عشر رجلا وهم الذين بايعوا رسول الله في العقبة الأولى وكان بينها وبين العقبة الثانية عام أو نحوه وكانوا في بيعة العقبة الثانية ثلاثا وسبعين رجلا فيما ذكر ابن إسحاق وامرأتين وكانت العقبة الثانية قبل الهجرة بأشهر يسيرة
حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أحمد بن سلمان حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي قال حدثنا حجاج بن محمد حدثنا الليث حدثنا عقيل عن ابن شهاب أنه كان بين ليلة العقبة وبين مهاجر رسول الله ثلاثة أشهر أو نحوها قال وكانت بيعة الأنصار ليلة العقبة في ذي الحجة وقدم رسول الله المدينة في ربيع الأول
حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثنا أحمد بن الوليد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة
275

عن سيار ويحيى بن سعيد أنهما سمعا عبادة بن الوليد يحدث عن أبيه قال سيار عن النبي
وقال يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله على أن نقوم بالحق حيثما كان
فهذا شعبة قد جوده ففرق بين رواية سيار ورواية يحيى ين سعيد فدل ذلك على صحة من جعل حديث يحيى بن سعيد عن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد وعبد الرحمن بن عمر بن إسحاق قالا حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا مالك والليث بن سعد عن يحيى بن سعيد قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة قال أخبرني أبي عن عبادة بن الصامت قال بايعت رسول الله على العسر واليسر والمكره والمنشط وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم وهذا هو الصحيح في إسناد هذا الحديث إن شاء الله
وأما قوله فيه بايعنا رسول الله على السمع والطاعة فقول مجمل يفسره حديث مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال كنا إذا بايعنا رسول الله على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعتم وأطقتم
وكذلك كان أخذه على النساء في البيعة كان يقول لهن فيما استطعتن وأطقتن وهذا كله يتضمنه قول الله عز
276

وجل * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * 2 286 ولا يلزم من طاعة الخليفة المبايع إلا ما كان في المعروف لأن رسول الله لم يكن يأمر إلا بالمعروف وقد قال إنما الطاعة في المعروف
وأجمع العلماء على أن من أمر بمنكر لا تلزم طاعته قال الله عز وجل * (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) * 5 2
حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا ابن ثوبان قال حدثني عمير بن هانىء قال حدثني جنادة بن أبي أمية قال حدثني عبادة بن الصامت قال قال رسول الله عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن يأمروك بأمر عندك تأويله من الكتاب
قال عمير وحدثني خضير الأسلمي أنه سمع عبادة بن الصامت يحدث به عن النبي
قال خضير فقلت لعبادة أفرأيت إن أنا أطعته قال يؤخذ بقوائمك فتلقى في النار وليجيء هذا فينقذك
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير حدثنا الحوظي حدثنا بقية بن الوليد حدثنا سعيد بن عبد العزيز حدثني ربيعة بن يزيد قال قعدت إلى الشعبي بدمشق
277

في خلافة عبد الملك فحدث رجل من التابعين عن رسول الله أنه قال اعبدوا ربكم ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الأمراء فإن كان خيرا فلكم وإن كان شرا فعليهم وأنتم منه براء
قال الشعبي كذبت لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف
وأما قوله في العسر واليسر والمنشط والمكره فمعناه فيما تقدر عليه وإن شق علينا وأيسر بنا وفيما نحبه وننشط له وفيما نكرهه ويثقل علينا وعلى هذا المعنى جاء حديث ابن عمر عن النبي في ذلك
حدثنا أحمد بن قاسم ومحمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا ليث بن سعد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي قال على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره
وروى عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر قال قال ابن عمر حين بويع يزيد بن معاوية إن كان خيرا رضينا وإن كان بلاء صبرنا
وأما قوله وأن لا ننازع الأمر أهله فاختلف الناس في ذلك فقال قائلون أهله أهل العدل والإحسان والفضل والدين فهؤلاء لا ينازعون
278

لأنهم أهله وأما أهل الجور والفسق والظلم فليسوا له بأهل ألا ترى إلى قول الله عز وجل لإبرهيم عليه السلام قال * (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) * وإلى منازعة الظالم الجائر ذهبت طوائف من المعتزلة وعامة الخوارج
وأما أهل الحق وهم أهل السنة فقالوا هذا هو الاختيار أن يكون الإمام فاضلا عدلا محسنا فإن لم يكن فالصبر على طاعة الجائرين من الأئمة أولى من الخروج عليه لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف ولأن ذلك يحمل على هراق الدماء وشن الغارات والفساد في الأرض وذلك أعظم من الصبر على جوره وفسقه والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك وكل إمام يقيم الجمعة والعيد ويجاهد العدو ويقيم الحدود على أهل العداء وينصف الناس من مظالمهم بعضهم لبعض وتسكن له الدهماء وتأمن به السبل فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو من المباح
حدثني خلف بن أحمد حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا أيوب بن سليمان ومحمد بن عمر قالا حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن إبراهيم قال حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال كنا مع رسول الله في سفر فنزلنا منزلا فمنا من ينتضل
279

ومنا من يصلح جناه ومنا من هو في جشرة إذ نادى منادي النبي الصلاة جامعة فانتهيت إلى رسول الله وهو يقول إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان لله عليه حق أن يدل أمته على الذي هو خير لهم وينذرهم الذي هو شر لهم وأن هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور ينكرونها وفتن مرفق بعضها بعضا تجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف ثم تجيء أخرى فيقول هذه هذه ثم تنكشف فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يمينه وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء أحد ينازعه فاضربوا عنق الآخر
قال عبد الرحمن فخرجت في الناس فقلت أنت سمعت هذا من رسول الله قال سمعته أذناي ووعاه قلبي قلت إن هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ونقتل أنفسنا والله يقول * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * 2 188 * (ولا تقتلوا أنفسكم) * 4 29 قال فضرب بيده على جبهته وأكب طويلا ثم قال أطعه فيما أطاع الله واعصه فيما عصى الله
280

قال أبو عمر قوله في هذا الحديث ومنا من ينتضل فإنه يريد الرمي إلى الأغراض وقوله ومنا من هو في جشره يريد أنه خرج في إبله يرعاها
حدثنا أحمد بن فتح وعبد الرحمن بن يحيى قالا حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أبو محمد إسحاق بن بنان بن معن الأنماطي البغدادي قال حدثنا الحسن بن حماد حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد القطيفة وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يف
وأما قوله وأن نقوم أو نقول بالحق فالشك من المحدث إما يحيى بن سعيد وإما مالك فإنه لم يختلف عن مالك في ذلك وفي ذلك دليل على الإتيان بالألفاظ ومراعاتها وقد بينا هذا المعنى في كتاب العلم
وأما قوله لا نخاف في الله لومة لائم فقد أجمع المسلمون أن المنكر واجب تغييره على كل من قدر عليه وإنه إذا لم يلحقه في تغييره إلا اللوم الذي لا يتعدى إلى الأذى فإن ذلك لا يجب أن يمنعه من تغييره بيده فإن لم يقدر فبلسانه فإن لم يقدر فبقلبه ليس عليه أكثر من ذلك وإذا أنكره بقلبه فقد أدى ما عليه إذا لم يستطع
281

سوى ذلك والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأكيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جدا ولكنها كلها مقيدة بالاستطاعة
قال أبو ذر أوصاني رسول الله أن أقول الحق وإن كان مرا وأن لا أخاف في الله لومة لائم
وقد روي عن النبي من وجوه أنه قال فضل الجهاد كلمة حق عند ذي سلطان
وقال الله عز وجل * (وجاهدوا في الله حق جهاده) * ولما وجبت مجاهدة الكفار حتى يظهر دين الحق فكذلك كل من عاند الحق من أهل الباطل واجب مجاهدته على من قدر عليه حتى يظهر الحق
حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن أبيه عن الشعبي عن أبي جحيفة قال قال علي الجهاد بثلاثة باليد واللسان والقلب فأولها اليد ثم اللسان ثم القلب فإذا كان لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا نكس فجعل أعلاه أسفله
حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثنا محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر قال إن خشيت أن يقتلك فلا
282

أخبرنا أحمد بن قاسم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا إبراهيم بن موسى بن جميل حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا نصر بن علي قال أخبرنا الأصمعي عن أبي الأشهب عن الحسن قال إنما يكلم مؤمن يرجى أو جاهل يعلم فإما من وضع سيفه أو سوطه وقال لك اتقني اتقني فمالك وله
حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أيوب عن مطرف بن الشخير أنه كان يقول لئن لم يكن لي دين حتى أقوم إلى رجل معه مائة ألف سيف أرمي إليه كلمة فيقتلني إن ديني إذا لضيق
حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان وحدثنا أحمد حدثنا أحمد حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة جميعا عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال جاء عتريس بن عرقوب إلى عبد الله فقال هلك من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقال عبد الله بل هلك من لم يعرف المعروف بقلبه وينكر المنكر بقلبه
حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن
283

عبد الملك بن عمير قال سمعت ربيع بن عميلة قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول حسب المؤمن إذا رأى منكرا لا يستطيع تغييره أن يعلم الله من قبله أنه له كاره
حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا عبد الله بن أبي حسان عن ابن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا يحل لمؤمن أن يذل نفسه
قالوا يا رسول الله وما إذلاله لنفسه قال يتعرض من البلاء لما لا يقوم له
وقد زدنا هذا المعنى بيانا بالآثار في باب بلاغ مالك عن أم سلمة قولها يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون وأشبعناه هناك والحمد لله وبه التوفيق
284

حديث حاد وثلاثون ليحيى بن سعيد يحيى عن محمد بن يحيى بن حبان أربعة أحاديث
437 مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن زيد بن خالد الجهني قال توفي رجل يوم خيبر وأنهم ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فزعم أنه قال صلوا على صاحبكم فتغيرت وجوه الناس لذلك فزعم زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن صاحبكم قد غل في سبيل الله قال ففتحنا متاعه فوجدنا خرزات من خرز يهود ما تساوين درهمين (2123)
هكذا في كتاب يحيى وروايته عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن زيد بن خالد لم يقل عن أبي عمرة ولا عن ابن أبي عمرة وهو غلط منه وسقط من كتابه ذكر أبي عمرة واختلف أصحاب مالك في أبي عمرة أو ابن أبي عمرة في هذا الحديث أيضا فقال القعنبي وابن القاسم ومعن بن عيسى وأبو المصعب وسعيد بن عفير وأكثر النسخ عن ابن بكير كلهم قالوا في هذا الحديث عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن
285

حبان عن ابن أبي عمرة أن زيد بن خالد الجهني قال توفي رجل فذكروا الحديث
وقال ابن وهب وصعب الزبيري عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد وابن وهب يقول في حديث ألا أخبركم بخير الشهداء
مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن أبي عمرة وسماه عبد الرحمن واختلاف أصحاب مالك عن مالك في إسناد حديث عبد الله بن أبي بكر هذا أكثر من اختلافهم عنه في إسناد يحيى بن سعيد هذا وقد ذكرنا ذلك في باب عبد الله بن أبي بكر
وروى ابن جريج وحماد بن زيد وابن عيينة عن يحيى بن سعيد هذا الحديث فقالوا فيه عن محمد بن يحيى عن أبي عمرة كما قال ابن وهب ومصعب وقالت فيه طائفة عن ابن أبي عمرة وكان عند أكثر شيوخنا في الموطأ عن يحيى في هذا الحديث توفي رجل يوم حنين وهو وهم إنما هو يوم خيبر وعلى ذلك جماعة الرواة وهو الصحيح والدليل على صحته قوله فوجدنا خرزات من خرزات يهود ولم يكن بحنين يهود والله أعلم
286

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث صلوا على صاحبكم فإن ذلك كان كالتشديد بغير الميت من أجل أن الميت قد غل لينتهي الناس عن الغلول لما رأوا من ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة على من غل وكانت صلاته على من صلى عليه رحمة فلهذا لم يصل عليه عقوبة له وتشديدا لغيره والله أعلم
وفي قوله صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم دليل على أن الذنوب لا تخرج المذنب عن الأيمان لأنه لو كفر بغلوله كما زعمت الخوارج لم يكن ليأمر بالصلاة عليه فإن الكافر والمشرك لا يصلي عليه المسلمون لا أهل الفضل ولا غيرهم ويجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أن ذلك الميت قد كان غل بوحي من الله ويجوز بغير ذلك والله أعلم
وقد ذكرنا أحكام الغلول وعقوبة الغال وما للعلماء في ذلك كله ممهدا في باب ثور بن زيد من هذا الكتاب والحمد لله وبه التوفيق
287

حديث ثان ثلاثون ليحيى بن سعيد
537 مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أن رجلا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يكنى أبا محمد يقول إن الوتر واجب قال المخدجي فرحت إلى عبادة بن الصامت فاعترضت له وهو رائح إلى المسجد فأخبرته بالذي قال أبو محمد قال عبادة كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة (714)
لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث فهو حديث صحيح ثابت رواه عن محمد بن يحيى بن حبان جماعة منهم يحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد ومحمد بن إسحاق وعقيل بن خالد ومحمد بن عجلان وغيرهم بهذا الإسناد ومعناه سواء إلا أن ابن عجلان وعقيلا لم يذكرا المخدجي في إسناده فيما روى الليث عنهما
288

ورواه الليث أيضا عن يحيى بن سعيد كما رواه مالك سواء وإنما قلنا إنه حديث ثابت لأنه روي عن عبادة من طرق ثابتة صحاح من غير طريق المخدجي بمثل رواية المخدجي فأما ابن محيريز فهو عبد الله بن محيريز وهو من جلة التابعين وهو معدود في الشاميين يروي عن معاذ بن جبل وأبي سعيد الخدري ومعاوية وأبي محذورة وغيرهم توفي في خلافة الوليد بن عبد الملك وأما المخدجي فإنه لا يعرف بغير هذا الحديث وقال مالك المخدجي لقب وليس بنسب في شيء من قبائل العرب وقيل إن المخدجي اسمه رفيع ذكر ذلك عن يحيى بن معين
وأما أبو محمد فيقال إنه مسعود بن أوس الأنصاري ويقال سعد بن أوس ويقال إنه بدري وقد ذكرناه في الصحابة
وفي هذا الحديث من الفقه دليل على ما كان القوم عليه من البحث عن العلم والاجتهاد في الوقوف على الصحة منه وطلب الحجة وترك التقليد المؤدي إلى ذهاب العلم
وفيه دليل على أن السلف من قال بوجوب الوتر وهو مذهب أبي حنيفة وقد ذكرنا وجه قوله والحجة عليه في غير موضع من كتابنا هذا والحمد لله
289

وقد روى أبو عصمة نوح بن أبي مريم عن أبان بن أبي عياش عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر علي فريضة وهو لكم تطوع والأضحى علي فريضة وهو لكم تطوع والغسل يوم الجمعة علي فريضة وهو لكم تطوع
وهذا حديث منكر لا أصل له ونوح بن أبي مريم ضعيف متروك ويقال اسم أبيه أبي مريم يزيد بن جعدبة وكان نوح أبو عصمة هذا قاضي مرو مجتمع على ضعفه وكذلك أبان بن أبي عياش مجتمع على ضعفه وترك حديثه
وفيه أن الصلوات المكتوبات المفترضات خمس لا غير وهذا محفوظ في غير هذا محفوظ في غير ما حديث وفيه دليل على أن من لم يصل من المسلمين في مشيئة الله إذا كان موحدا مؤمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا مقرا وإن لم يعمل وهذا يرد قول المعتزلة والخوارج بأسرها ألا ترى أن المقر بالإسلام في حين دخوله فيه يكون مسلما قبل الدخول في عمل الصلاة وصوم رمضان بإقراره واعتقاده وعقدة نيته فمن جهة النظر لا يجب أن يكون كافرا إلا برفع ما كان به مسلما وهو الجحود لما كان قد أقر به واعتقده والله أعلم
وقد ذكرنا اختلاف العلماء في قتل من أبى من عمل الصلاة إذا كان بها مقرا في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب والحمد لله
290

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثني يحيى بن سعيد ومحمد بن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن محيريز عن المخدجي قال قيل لعبادة بن الصامت إن أبا محمد يقول الوتر واجب قال وكان أبو محمد رجلا من الأنصار فقال عبادة كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة فمن أتى بهن لم ينتقص من حقهن شيئا استخفافا بهن كان حقا على الله أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه
وروى زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن الصنابحي قال زعم أبو محمد أن الوتر فرض واجب فقال عبادة بن الصامت كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وسجودهن كان له عند الله عهد أن يغفر له وإن لم يفعل جاء وليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن حرب الواسطي قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم فذكره
291

حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي عمرة النجاري أنه سأل عبادة بن الصامت عن الوتر قال أمر حسن جميل وقد عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعده وليس بواجب قال وكان عبادة يوتر بثلاث وربما خرج والمؤذن يقيم فأمر المؤذن أن يجلس حتى يوتر ويقيم
وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا يوسف بن موسى بن عبد الله الأودي حدثنا عبد الله بن حنين حدثنا يوسف بن أسباط عن السري بن إسماعيل عن الشعبي عن كعب بن عجرة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتدرون ما قال ربكم قال قلنا الله ورسوله أعلم قال يقول من صلى الصلاة لوقتها ولم يضيعها استخفافا بحقها فله علي أن أدخل الجنة ومن لم يصلها لوقتها وضيعها استخفافا بحقها فلا عهد له علي إن شئت غفرت له وإن شئت عذبته
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قالا حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ببغداد قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال
حدثنا هشيم قال حدثنا عيسى بن المسيب البجلي عن الشعبي عن
292

كعب بن عجرة قال بينما نحن جلوس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندي ظهورنا إلى قبلة مسجده سبعة رهط أربعة من موالينا وثلاثة من عربنا إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة الظهر حتى انتهى إلينا فقال ما يجلسكم ههنا قلنا يا رسول الله ننتظر الصلاة قال فأرم قليلا ثم رفع رأسه فقال أتدرون ما يقول ربكم تبارك وتعالى يقول من صلى الصلاة لوقتها وحافظ عليها ولم يضيعها استخفافا بحقها فله علي عهد أن أدخله الجنة ومن لم يصلها لوقتها ولم يحافظ عليها وضيعها استخفافا بحقها فلا عهد له إن شئت عذبته وإن شئت غفرت له
قال أبو عمر ذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن معنى حديث عبادة المذكور في هذا الباب ومعنى حديث كعب بن عجرة هذا أن التضييع للصلاة الذي لا يكون معه لفاعله المسلم عند الله عهد هو أن لا يقيم حدودها من مراعاة وقت وطهارة وتمام ركوع وسجود ونحو ذلك وهو مع ذلك يصليها ولا يمتنع من القيام بها في وقتها وغير وقتها إلا أنه لا يحافط على أوقاتها قالوا فأما من تركها أصلا ولم يصلها فهو كافر قالوا وترك الصلاة كفر
واحتجوا بآثار منها حديث أبي الزبير وأبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة وما كان في معنى هذه الآثار قد ذكرناها
293

في باب زيد بن أسلم عند ذكرنا اختلاف العلماء في أحكام تارك الصلاة هنالك فلا معنى لذكر ذلك ههنا
أخبرنا أبو ذر عبد بن حمد فيما أجاز لنا قال حدثنا محمد بن عبد الله بن خميرويه قال أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السامي حدثنا أحمد بن أبي رجاء حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين قال نبئت أن أبا بكر وعمر كانا يعلمان من دخل في الإسلام تؤمن بالله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة التي افترض الله عليك لمواقيتها فإن في تفريطها الهلكة وتؤدي الزكاة طيب النفس بها وتصوم رمضان وتحج البيت وتطيع لمن ولاه الله أمرك وتعمل لله ولا تعمل للناس
ومما احتجوا به في أن معنى حديث عبادة في هذا الباب تضييع الوقت وشبهه ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحسن بن علي الأشناني حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زريق حدثنا بقية بن الوليد عن ضبارة بن عبد الله عن دويد بن نافع عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن أبا قتادة بن ربعي أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله تبارك وتعالى افترض على أمتي خمس صلوات وعهد عنده عهدا من حافظ عليهن لوقتهن أدخله الله الجنة ومن لم يحافظ عليهن فلا عهد له عنده
وذكر إسماعيل قال حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال كل شيء في القرآن ساهون ودائمون وحافظون فعلى مواقيتها
294

قال وحدثنا ابن نمير قال حدثني أبي قال حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق قال الحفاظ على الصلاة الصلاة لوقتها والسهو عنها ترك وقتها
وعن عبد الله بن مسعود مثل ذلك وقد ذكرنا خبر ابن مسعود في باب زيد بن أسلم
وأصح شيء في هذا الباب من جهة النظر ومن جهة الأثر أن تارك الصلاة إذا كان مقرا بها غير جاحد ولا مستكبر فاسق مرتكب لكبيرة موبقة من الكبائر الموبقات وهو مع ذلك في مشيئة الله عز وجل إن شاء غفر له وإن شاء عذبه فإنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقد يكون الكفر يطلق على من لم يخرج من الإسلام ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم في النساء رأيتهن أكثر أهل النار بكفرهن قيل يا رسول الله أيكفرن بالله قال يكفرن بالعشير ويكفرن الإحسان
فأطلق عليهن اسم الكفر لكفرهن العشير والإحسان وقد يسمى كافر النعمة كافرا وأصل الكفر التغطية للشيء ألم تسمع قول لبيد في ليلة كفر النجوم غمامها فيحتمل والله أعلم إطلاق الكفر على تارك الصلاة أن يكون معناه أن تركه الصلاة غطى إيمانه وغيبه حتى صار غالبا عليه وهو مع ذلك مؤمن باعتقاده ومعلوم أن من صلى صلاته وإن لم يحافظ على أوقاتها أحسن حالا ممن لم يصلها أصلا وإن كان مقرا بها
295

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت أنه قال إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا ننتهب ولا نعصي فالجنة إن فعلنا ذلك فإن غشينا من ذلك شيئا كان أمر ذلك إلى الله
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال حدثنا محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم عن أبي حاجب عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من مات يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وجبت له الجنة
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن محمد البرتي ومحمد بن غالب التمتام قالا حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا أبو مسلم عن عثمان بن عبد الله بن أوس قال سمعت أوس بن عبد الله يقول سمعت عبادة بن الصامت يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة
296

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الترمذي قال حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثني محمد بن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن محيريز الجمحي عن الصنابحي أنه قال دخلت على عبادة بن الصامت وهو في الموت فلما رأيت ما به من العلز بكيت فقال ما يبكيك فوالله لئن شفعت لأشفعن لك ولئن سئلت لأشهدن لك ولئن استطعت لأنفعنك والله ما كتمتك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثا واحدا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الجنة
قال أبو عمر محمل هذه الأحاديث بعد القصاص والعفو أن يكون آخرا من الموحدين إلى الجنة والحمد لله
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد وعبد الواحد وهشيم ويزيد بن زريع قالوا حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن عبادة قال أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيعة حيث أخذ على النساء أن لا نشرك بالله شيئا ولا نزني ولا نسرق ولا نقتل أولادنا ولا بعضنا بعضا ولا نعصي في معروف فمن أتى منكم حدا في الدنيا فعجلت له عقوبته فهو كفارته ومن أخر ذلك عنه فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
297

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال سمعت الزهري يقول حدثني أبو إدريس الخولاني أنه سمع عبادة بن الصامت يقول كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا الآية فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه فذلك إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه
قال سفيان كنا عند الزهري فلما حدث بهذا الحديث أشار علي أبو بكر الهذلي أن أحفظه فكتبته فلما قدم الزهري أخبرت به أبا بكر
قال أبو عمر قوله في حديث ابن شهاب هذا ومن أصاب من ذلك شيئا يريد مما في الحدود ما عدا الشرك وقد بان ذلك في الحديث الذي قبل هذا وذلك مقيد بقول الله عز وجل * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * ومقيد بالإجماع على أن من مات مشركا فليس في المشيئة ولكنه في النار وعذاب الله أجارنا الله وعصمنا برحمته من كل ما يقود إلى عذابه
298

أخبرنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا معلى بن الوليد بن عبد الله العبسي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا الحكم بن موسى قالا حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي عن الأوزاعي عن عمير بن هانىء عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله زاد الحكم وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ثم اتفقا وأن عيسى بن مريم عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه أدخله الله الجنة على ما كان من عمل وقال الحكم من عمله
وذكر الطحاوي قال حدثنا فهد بن سليمان قال حدثنا عمرو بن عون الواسطي قال حدثنا جعفر بن سليمان عن عاصم عن شفيق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أمر بعبد من عباد الله عز وجل أن يضرب في قبره بمائة جلدة فلم يزل يسأل الله ويدعوه حتى صارت جلدة واحدة فجلد جلدة واحدة فامتلأ قبره عليه نارا فلما ارتفع عنه أفاق فقال علام جلدتموني قالوا إنك صليت صلاة بغير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره
299

قال الطحاوي وفي هذا ما يدل على أن تارك الصلاة ليس بكافر لأن من صلى صلاة بغير طهور فلم يصل وقد أجيبت دعوته ولو كان كافرا ما سمعت دعوته لأن الله يقول * (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * 1314 واحتج أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم الذي يترك صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله
قال فلو كان كافرا لكان القصد إلى ذكر ما ذهب من أيمانه لا إلى ذهاب أهله وماله
ومعلوم أن ما زاد على صلاة واحدة من الصلوات في حكم الصلاة الواحدة ألا ترى أن تاركها عامدا حتى يخرج وقتها يستتاب على الوجوه التي ذكرنا عن العلماء على مذاهبهم في ذلك في باب زيد بن أسلم
وجملة القول في هذا الباب أن من لم يحافظ على أوقات الصلوات لم يحافظ على الصلوات كما أن من لم يحافظ على كمال وضوئها وتمام ركوعها وسجودها فليس بمحافظ عليها ومن لم يحافظ عليها فقد ضيعها ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع كما أن من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ولا دين لمن لا صلاة له
ورحم الله أبا العتاهية حيث يقول أقم الصلاة لوقتها بطهورها ومن الضلال تفاوت الميقات قال أبو عمر إنما ذكرت أحاديث هذا الباب وإن كان فيها للمرجئة تعلق لأن المعتزلة أنكرت الحديث المروي في قوله ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له
وقالت من لم يأت
300

بهن فهو في النار مخلد
فردت الحديث المأثور في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من نقل العدول الثقات وأنكرت ما أشبهه من تلك الأحاديث ودفعت قول الله عز وجل * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) *
فضلت وأضلت فذكرنا في هذا الباب من الآثار ما يضارع هذه الآية حجة عليهم والحمد لله
301

حديث ثالث وثلاثون ليحيى بن سعيد
637 مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول إن ناسا يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس قال عبد الله لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته (143)
لم يختلف عن مالك في هذا الحديث وتابعه على لفظه في هذا الحديث عبد الوهاب الثقفي وسليم بن بلال
ذكره المروزي عن إسحاق عن عبد الوهاب وعن القعنبي عن سليمان كلاهما عن يحيى بن سعيد بإسناده هذا مثل حديث مالك في استقبال بيت المقدس خاصة لا زيادة
ورواه جماعة عن يحيى بن سعيد بإسناده فقالوا فيه على لبنتين يقضي حاجته نحو القبلة وربما زاد بعضهم أو بيت المقدس
ورواه عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه عن بن عمر قال فيه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا لحاجته مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة
وفي هذا الحديث أن قوما يقولون لا تستقبل الكعبة ولا بيت المقدس لحاجة الإنسان ومن قال ذلك في بيت المقدس من العلماء ابن سيرين ومجاهد وإبراهيم وقد ذكرنا ما للفقهاء من المذاهب في هذا الباب في باب إسحاق والحمد لله
302

حديث رابع وثلاثون ليحيى بن سعيد
737 مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس ودية فوجده فاستعدى على العبد مروان بن الحكم فسجن مروان العبد وأراد قطع يده فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك فأخبره أنه سمع رسول الله يقول لا قطع في ثمر ولا في كثر والكثر الجمار
قال الرجل فإن مروان بن الحكم أخذ غلاما لي وهو يريد قطعه فأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله فمعشى معه رافع إلى مرون بن الحكم فقال أخذت غلاما لهذا فقال نعم قال فما أنت صانع به قال أردت قطع يده فقال له رافع سمعت رسول الله يقول لا قطع في ثمر ولا في كثر فأمر مروان بالعبد فأرسل (4132)
قال أبو عمر هذا حديث منقطع لأن محمد بن يحيى لم يسمعه من رافع بن خديج وقد رواه ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن رافع بن خديج فإن صح
303

هذا فهو متصل مسند صحيح ولكن قد خولف ابن عيينة في ذلك ولم يتابع عليه إلا ما رواه حماد بن دليل المدائني عن شعبة فإنه رواه عن شعبة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه عن رافع بن خديج
وأما غير حماد بن دليل فإنما رواه عن شعبة عن يحيى عن محمد عن رافع كما رواه مالك وكذلك رواه الثوري وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وأبو عوانة ويزيد بن هارون وأبو خالد الأحمر وعبد الوارث بن سعيد وأبو معاوية كلهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن رافع بن خديج
ورواه ابن جريج وأبو أسامة والليث بن سعد على اختلاف عنه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن رجل من قومه عن رافع بن خديج
ورواه بشر بن المفضل عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن رجل من قومه عن عمه عن رافع بن خديج
ورواه الليث عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمة له أن غلاما سرق وديا وساق الحديث
ورواه الدراوردي عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي ميمون عن رافع بن خديج فأما رواية ابن عيينة فحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن
304

أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان أن عبدا سرق وديا من حائط فجاء به فغرسه في حائط أهله فأتى به مرون بن الحكم فأراد أن يقطعه فشهد رافع بن خديج أن رسول الله قال لاقطع في ثمر ولا كثر فأرسله مرون
قال الحميدي قال لنا سفيان أخبرنا عبد الكريم قال اسم الذي سرق الودي فيل
قال الحميدي فقيل لسفيان ليس يقول أحد في هذا الحديث عن عمه فقال هكذا حفظي قال الحميدي فقال لي أبو زيد المدائني حماد بن دليل أثبت عليه فإن شعبة كذا حدثنا عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه
وقال أحمد بن زهير سمعت يحيى بن معين يقول حماد بن دليل ليس به بأس كان على المدائن قاضيا ولا أدري من أين أصله
وأما حديث شعبة من غير رواية حماد بن دليل فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان قال سرق
305

غلام من الأنصار نخلا صغارا فأتى به مرون فأمر به أن يقطع فقال رافع بن خديج سمعت رسول الله يقول لا يقطع السارق في ثمر ولا كثر
فقلت ليحيى ما الكثر قال الجمار فضربه وحبسه
وأما رواية الثوري فحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن رافع بن خديج قال قال رسول الله لا قطع في ثمر ولا كثر
وأما رواية حماد بن زيد فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن غلاما لعمه واسع بن حبان سرق وديا من أرض جار له فغرسه في أرضه فرفع إلى مرون فأمر بقطعه فأتى مولاه رافع بن خديج فذكر ذلك له فقال لا قطع عليه فقال له تعال معي إلى مرون فجاء به فحدثه أن رسول الله قال لا قطع في ثمر ولا كثر فدرأ عنه القطع
وأما رواية أبي أسامة فأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا الحسين بن منصور حدثنا أبو أسامة حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن
306

يحيى بن حبان عن رجل من قومه عن رافع بن خديج قال سمعت رسول الله يقول لا قطع في ثمر ولا كثر
وأما رواية بشر بن المفضل فأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا بشر بن المفضل حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن رجلا من قومه حدثه عن عمة له أن رافع بن خديج قال سمعت رسول الله يقول لا قطع في ثمر ولا كثر
ورواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أنه أخبره أن غلاما لعمه يقال له فيل أسود سرق وديا لرجل فأتى به مرون بن الحكم فأراد أن يقطعه فقال له رافع سمعت رسول الله يقول لا قطع في ثمر ولا كثر فأرسله مروان فباعه أو نفاه
وأخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن فطيس قال أخبرنا عمران بن موسى قال حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا أبو عوانة قال كنت عند أبي حنيفة فأتاه رسول صاحب الشرطة فقال أرسلني إليك فلان يعني صاحب الشرطة أتى برجل سرق وديا من أرض قوم فقال إن كان قيمة الودي عشرة
307

دراهم فاقطعه فقلت له يا أبا حنيفة حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن رافع بن خديج أن رسول الله قال لا قطع في ثمر ولا كثر قال ما تقول قلت نعم أرسل في إثر الرسول فإني أخاف أن يقطع الرجل فقال قد مضى الحكم فقطع الرجل
قال أبو عمر هذا لا يصح عن أبي حنيفة لأن مذهبه المشهور عنه أنه لا قطع في ثمر ولا كثر ولا في أصل شجرة يقلع ولا في كل ما يبقى من الطعام ويخشى فساده لأنه عندهم في معنى الثمر المعلق
واختلف الفقهاء في هذا الباب فقال مالك لا قطع في كثر والكثر الجمار ولا قطع في النخلة الصغيرة ولا الكبيرة ومن قلع نخلة أو قطعها من حائط فليس فيها قطع قال ولا قطع في ثمر الأشجار ولا في الزرع ولا في الماشية فإذا أوى الجرين الزرع أو الثمر وأوى المراح الغنم فعلى من سرق من ذلك قيمة ربع دينار القطع
قال ابن المواز من سرق نخلة أو ثمرة في دار رجل قطع بخلاف ثمر شجر الحائط والجنان
308

قال أبو عمر لم يختلف قول مالك وأصحابه أن القطع واجب على من سرق رطبا أو فاكهة رطبة إذا بلغت قيمتها ثلاث دراهم وسرقت من حرز وهو قول الشافعي لحديث عثمان أنه قطع سارقا سرق أترجة قومت بثلاثة دراهم قال مالك وهي الأترجة التي يأكلها الناس
قال أبو عمر وهذا يدل على أن القطع واجب في الثمر الرطب صلح أن ييبس أو لم يصلح لأن الأترج لا ييبس
وقال أشهب يقطع سارق النخلة المطروحة في الجنان المحروسة
وقال ابن القاسم لا يقطع
وقال الثوري إذا كانت الثمرة في رؤوس النخل أو في شجرها فليس فيه قطع ولكن يعزر
وقال عطاء يعزر ويغرم ولا قطع عليه إلا فيما أحرز الجرين
وقال الشافعي الحوائط ليست بحرز للنخل ولا للثمر لأن أكثرها مباح يدخل من جوانب الحائط حيث شاء فمن سرق من حائط شيئا من شجرة أو ثمر معلق لم يقطع فإذا أواه الجرين قطع
قال الشافعي وذلك الذي تعرفه العامة عندنا أن الجرين حرز للثمر والحائط ليس بحرز
وقال أبو حنيفة وأصحابه في الثمر يسرق من رؤوس النخل والشجر أو السنبل من قبل أن يحصد فلا قطع في شيء من ذلك
309

وسواء كان الحائط قد استوثق منه وحظر أو لم يكن لأنه بلغنا أن رسول الله قال لا قطع في ثمر ولا كثر قالوا وكذلك النخلة تسرق بأصلها والشجرة تسرق بأصلها لا قطع في شيء من ذلك
وقال أبو ثور إذا سرق ثمر نخل أو شجر أو عنب كرم وذلك الثمر قائم في أصله وكان محروزا فبلغ قيمة المسروق من ذلك ما تقطع فيه اليد قطعت يده وذلك أن هذا كله ملك لمالكه لا يحل أخذه وعلى من استهلكه قيمته في قول جماعة أهل العلم لا أعلمهم اختلفوا في ذلك فلذلك رأينا على من سرق من ذلك ما يوجب القطع القطع
قال أبو عمر لأهل العلم في تأويل حديث هذا الباب قولان أحدهما أن المعنى المقصود إليه بهذا الحديث جنس الثمر والكثر من غير مراعاة حرز فمن ذهب إلى هذا المذهب لم ير القطع على سارق سرق من الثمر كله وأجناس الفواكه والطعام الذي لا يبقى ولا يؤمن فساده كثيرا كانت السرقة من ذلك كله أو قليلا من حرز كانت من غير حرز قالوا وهذا معنى حديث هذا الباب لأنه لو أراد ما لم يكن محروزا ما كان لذكر الثمر وتخصيصه فائدة هذا كله قول أبي حنيفة وأصحابه
والقول الآخر أن المعنى المقصود بهذا الحديث الحرز وفيه بيان أن الحوائط ليست بحرز للثمار حتى يأويها الجرين وما لم يكن في الجرين فليست محروزة
310

وقد قيل إن الحديث إنما قصد به حوائط المدينة خاصة لأنها حوائط لا حيطان لها وما كان لها حيطان منها فهي حيطان لا تمنع لقصرها من أراد الوصول إلى ما داخلها فهذا ما في هذا الحديث من المذاهب لمن استعمله ولم يدفعه وقد دفعته فرقة ولم تقل به
قال أبو عمر قد ثبت عن النبي من حديث البراء بن عازب أنه قضى بأن على أهل الحوائط حفظها وحرزها بالنهار وقضى بأن لا قطع في ثمر فخرج ما في الحيطان والأجنة من الثمار بذلك من حكم الحرز في سقوط القطع كما خرج المقدار المعتبر في المسروق بالسنة عن جملة وجوب القطع على عموم الآية في السراق والسارقات والله أعلم
وذكر محمد بن الحسين الخرقي الحنبلي في مختصره على مذهب أحمد بن حنبل قال وإذا سرق السارق ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الورق أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض كلها طعاما كان أو غيره وأخرجه من الحرز فعليه القطع ما لم يكن ثمرا ولا كثرا
311

وذكر إسحاق بن منصور قال سمعت أحمد بن حنبل يقول القطع فيما أوى الجرين أو المراح قال والمراح للغنم والجرين للثمار قال وقال إسحاق يعني بن راهويه كما قال أحمد
قال أبو عمر ذكر ابن خواز أن أحمد بن حنبل وأهل الظاهر وطائفة من أهل الحديث لا يعتبرون الحرز في السرقة ويقولون إن كل سارق سرق ما يجب فيه القطع من حرز ومن غير حرز
قال أبو عمر هذا غير صحيح عن أحمد بن حنبل والصحيح ما ذكرنا عنه في هذا الباب مما ذكره الخرقي وإسحاق بن منصور على ما ذكرنا
وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يذهب إلى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي فيمن سرق الثمر المعلق أنه لا قطع فيه حتى يأويه الجرين وأن عليه غرامة مثليه
واحتج أيضا بحديث عمر في ناقة المدني
قال أبو عمر حديث عمرو بن شعيب أصل عند جمهور أهل العلم في مراعاة الحرز واعتباره في القطع حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا
312

الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو بن العاصي عن النبي أنه سئل عن الثمر المعلق قال ما أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبئه فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع
قال أبو عبيد الثمر المعلق هو الذي في رؤوس النخل لم يجذ ولم يحرز في الجرين
قال أبو عمر وكذلك سائر ما في رؤوس الأشجار من سائر الثمار قال أبو عبيد والجرين يسميه أهل العراق البيدر ويسميه أهل الشام الأندر ويسمى بالبصرة الجودان ويقال بالحجاز المربد
قال أبو عبيد والودي النخل الصغار وأكثرها جمار النخل في كلام العرب
قال أبو عمر أما داود وأهل الظاهر فذهبوا إلى قطع كل سارق تلزمه الحدود إذا سرق ما يجب فيه القطع من حرز ومن غير حرز على عموم قول الله عز وجل وظاهره في السارق والسارقة وظاهر قول النبي القطع في ربع دينار فصاعدا ولم يذكر الحرز وضعف داود حديث عمرو بن شعيب
313

وحدث رافع بن خديج وشذ في ذلك عن جمهور الفقهاء كما شذ أهل البدع في قطع كل سارق قليلا أو كثيرا من حرز ومن غيره والذي عليه جمهور العلماء القول بهذين الحديثين على ما ذكرنا عنهم وكذلك لا أعلم أحدا قال بتضعيف القيمة غير أحمد بن حنبل وسائر العلماء يقولون بالقيمة أو المثل على حسبما ذكرنا في باب نافع من هذا الكتاب
قال أبو عمر قوله في هذ الحديث فعليه غرامة مثليه منسوخ بالقرآن والسنة فالقرآن قول الله عز وجل * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * 16 126
ولم يقل بمثلي ما عوقبتم له وقضى النبي فيمن أعتق شقصا له في عبد بقيمته قيمة عدل ولم يقل بمثلي قيمته ولا بتضعيف قيمته وقضى في الصحفة بمثليها لا بمثيلها وقد ذكرنا خبر الصحفة في باب نافع وأجمع فقهاء الأمصار على أن لا تضعيف في شيء من الغرامات وأجمعوا على إيجاب المثل على مستهلك المكيلات والموزونات واختلفوا في العروض على ما ذكرناه في باب نافع من هذا الكتاب والحمد لله وبه التوفيق
314

حديث خامس وثلاثون ليحيى بن سعيد يحيى عن محمد بن إبراهيم أربعة أحاديث
837 مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أبي حازم التمار عن البياضي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن (329)
محمد بن إبراهيم بن الحرث هذا هو أحد ثقات أهل المدينة ومحدثيهم معدود في التابعين روي عنه أنه قال رأيت سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر يأخذان برمانة المنبر ثم ينصرفان
ويكنى أبا عبد الله وهو محمد بن إبراهيم بن الحرث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة
قال الواقدي كان جده الحرث بن خالد من المهاجرين الأولين وتوفي محمد بن إبراهيم سنة عشرين ومائة في خلافة هشام
315

وأبو حازم التمار يقال اسمه دينار مولى الأنصار ويقال مولى أبي رهم الأنصاري
وذكر حبيب عن مالك أن اسم أبي حازم التمار يسار مولى قيس بن سعد بن عبادة
وأما البياضي فيقولون اسمه فروة بن عمر بن وذفة بن عبيد بن عامر بن بياضة فخذ من الخزرج
وهذا الحديث معناه في صلاة النافلة إذا كان كل أحد يصلي لنفسه وأما صلاة الفريضة فقد أحكمت السنة سرها وجهرها وأنها خلف إمام الجماعة أبدا هذه سنتها وكان أصل هذا الحديث في صلاة رمضان لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعهم لها إلا على ما قد مضى في باب ابن شهاب عن عروة من أنه صلى بهم ليلة وثانية وثالثة ثم امتنع من الخروج إليهم خشية أن تفرض عليهم
وقد روي هذا الحديث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد فقال فيه إن ذلك في رمضان
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا
316

حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن أبي حازم مولى الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معتكفا في رمضان في قبة على بابها حصير قال وكان الناس يصلون عصبا عصبا قال فلما كان ذات ليلة رفع باب القبة فأطلع رأسه فلما رآه الناس أنصتوا فقال إن المصلي يناجي ربه فلينظر أحدكم ما يناجي به ربه ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن
هكذا قال حماد بن زيد في هذا الباب عن يحيى بن سعيد عن محمد عن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا لم يذكر البياضي كذلك رواه كل من رواه عن حماد بن زيد
وقد روى هذا الحديث يزيد بن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن أبي حازم عن البياضي وعن محمد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار عن البياضي حدثناه خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن الحجاج الطبراني حدثنا الحسين بن محمد المدني حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث حدثنا ابن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني بياضة من الأنصار أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو مجاور في المسجد يوما فوعظ الناس وحذرهم ورغبهم ثم قال ليس مصل يصلي إلا وهو يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن
317

قال الليث وحدثنا ابن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن أبي حازم مولى الغفاريين أنه حدثهم هذا الحديث البياضي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل وعبيد بن عبد الواحد قالا حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى بن أيوب وابن لهيعة قالا حدثنا ابن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني بياضة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره سواء إلى آخره
وقد روى هذا الحديث أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن إسماعيل بن أمية عن أبي سلمة عن أبي سعيد قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة ولم يذكر أبو داود حديث البياضي وذكر حديث أبي سعيد هذا
وقد روى خالد الطحان عن مطرف عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل صوته بالقرآن
318

قبل العشاء وبعدها يغلط أصحابه وهم يصلون وهذا تفرد به خالد الطحان وهو ضعيف وإسناده كله ليس مما يحتج به
وحديث البياضي وحديث أبي سعيد ثابتان صحيحان والله أعلم والحمد لله وليس فيهما معنى يشكل يحتاج إلى القول فيه إن شاء الله
وإذا لم يجز للتالي المصلي رفع صوته لئلا يغلط ويخلط على مصل إلى جنبه فالحديث في المسجد مما يخلط على المصلي أولى بذلك وألزم وأمنع وأحرم والله أعلم وإذا نهي المسلم عن أذى أخيه المسلم في عمل البر وتلاوة الكتاب فأذاه في غير ذلك أشد تحريما وقد نظر عبد الله بن عمرو إلى الكعبة فقال والله إن لك لحرمة ولكن المؤمن عند الله أعظم حرمة منك حرم منه عرضه ودمه وماله وأن لا يظن به إلا خير
وحسبك بالنهي عن أذى المسلم في المعنى الوارد في هذا الحديث فكيف بما هو أشد من ذلك والله المستعان
319

حديث سادس وثلاثون ليحيى بن سعيد
937 مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله يقول يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم يقرؤون القرآن ولا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية تنظر في النصل فلا ترى شيئا وتنظر في القدح فلا ترى شيئا وتنظر في الريش فلا ترى شيئا وتتمارى في الفوق (1510)
هذا حديث صحيح الإسناد ثابت وقد روي معناه من وجوه كثيرة عن النبي ولم يختلف عن مالك فيما علمت في إسناد هذا الحديث
ورواه القعنبي عن الدراوردي عن يحيى بن سعيد أن محمد بن إبراهيم أخبره عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعطاء بن يسار أنهما سألا أبا سعيد الخدري عن الحرورية فقالا هل سمعت رسول الله يذكرها فقال لا أدري ما الحرورية ولكني سمعت رسول الله يقول يخرج في هذه الأمة ولم يقل منها قوم تحقورن صلاتكم مع صلاتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو
320

قال حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية فينظر الرامي إلى سهمه ثم إلى نصله ثم إلى رصافه فيتمارى في الفوقة هل علق بها من الدم شيء
ذكره يعقوب بن شيبة قال حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا عبد العزيز الدراوردي عن يحيى بن سعيد فذكره بإسناده إلى آخره كما ذكرناه
فأما قوله يخرج فيكم فمن هذه اللفظة سميت الخوارج خوارج ومعنى قوله يخرج فيكم يريد فيكم أنفسكم يعني أصحابه أي يخرج عليكم وكذلك خرجت الخوارج ومرقت المارقة في زمن الصحابة رضي الله عنهم وأول من سماهم حرورية علي رضي الله عنه إذ خرجوا مخالفين للمسلمين ناصبين لراية الخلاف والخروج وأما تسمية الناس لهم بالمارقة وبالخوارج فمن أصل ذلك هذا الحديث وهي أسماء مشهورة لهم في الأشعار والأخبار
قال عبد الله بن قيس الرقيات ألا طرقت من آل بثنة طارقه على أنها معشوقة الدل عاشقة تبيت وأرض السوس بيني وبينها وسولاب رستاق حمته الأزارقة إذا نحن شئنا فارقتنا عصابة حرورية أضحت من الدين مارقة والأزارقة من الخوارج أصحاب نافع بن الأزرق وأتباعه
321

والمعنى في هذا الحديث ومثله مما جاء عن النبي في ذلك عند جماعة أهل العلم المراد به عندهم القوم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب يوم النهروان فهم أصل الخوارج وأول خارجة خرجت إلا أن منهم طائفة كانت ممن قصد المدينة يوم الدار في قتل عثمان رحمه الله
قال أبو عمر كان للخوارج مع خروجهم تأويلات في القرآن ومذاهب سوء مفارقة لسلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان الذين أخذوا الكتاب والسنة عنهم وتفقهوا معهم فخالفوا في تأويلهم ومذاهبهم الصحابة والتابعين وكفروهم وأوجبوا على الحائض الصلاة ودفعوا رجم المحصن الزاني ومنهم من دفع الظهر والعصر وكفروا المسلمين بالمعاصي واستحلوا بالذنوب دماءهم وكان خروجهم فيما زعموا تغيير للمنكر ورد الباطل فكان ما جاءوا به أعظم المنكر وأشد الباطل إلى قبيح مذاهبهم مما قد وقفنا على أكثرها وليس هذا والحمد لله موضع ذكرها فهذا أصل أمر الخوارج وأول خروجهم كان على علي رضي الله عنه فقتلهم بالنهروان ثم يقيت منهم بقايا من أنسابهم ومن غير أنسابهم على مذاهبهم يتناسلون ويعتقدون مذاهبهم وهم بحمد الله مع الجماعة مستترون بسوء مذهبهم
322

غير مظهرين لذلك ولا ظاهرين به والحمد لله وكان للقوم صلاة بالليل والنهار وصيام يحتقر الناس أعمالهم عندها وكانوا يتلون القرآن آناء الليل والنهار ولم يكن يتجاوز حناجرهم ولا تراقيهم لأنهم كانوا يتأولونه بغير علم بالسنة المبينة فكانوا قد حرموا فهمه والأجر على تلاوته فهذا والله أعلم معنى قوله لا يجاوز حناجرهم يقول لا ينتفعون بقراءته كما لا ينتفع الآكل والشارب من المأكلون والمشروب بما لا يجاوز حنجرته
وقد قيل إن معنى ذلك أنهم كانوا يتلونه بألسنتهم ولا تعتقده قلوبهم وهذا إنما هو في المنافقين
وروى ابن وهب عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد قال ذكرت الخوارج واجتهادهم عند ابن عباس وأنا عنده فسمعته يقول ليسوا بأشد اجتهادا من اليهود والنصارى وهم يضلون
وحدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله يعني ابن إسحاق الجوهري قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثنا خالي أبو الربيع قال حدثنا ابن وهب فذكره
323

قال أحمد وحدثنا أحمد بن صالح وعبد الرحمن بن يعقوب وسعيد بن ديسم قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد فذكره
وكانوا بتكفيرهم الناس لا يقبلون خبر أحد عن النبي فلم يعرفوا لذلك شيئا من سنته وأحكامه المبينة لمجمل كتاب الله والمخبرة عن مراد الله من خطابه في تنزيله بما أراد الله من عباده في شرائعه التي تعبدهم بها وكتاب الله عربي وألفاظه محتملة للمعاني فلا سبيل إلى مراد الله منها إلا ببيان رسوله ألا ترى إلى قول الله عز وجل * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) * 16 44 وألا ترى أن الصلاة والزكاة والحج والصيام وسائر الأحكام إنما جاء ذكرها وفرضها في القرآن مجملا ثم بين النبي أحكامها فمن لم يقبل أخبار العدول عن النبي بذلك ضل وصار في عمياء فلما لم يقبل القوم أخبار الأمة عن نبيها ولم يكن عندهم بنبيهم عدل ولا مؤمن وكفروا عليا وأصحابه فمن دونهم ضلوا وأضلوا ومرقوا من الدين وخالفوا سبيل المؤمنين عافانا الله وعصمنا من الضلال كله برحمته وفضله فإنه قادر على ذلك لا شريك له
ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال قيل لابن عمر إن نجدة يقول إنك كافر وأراد قتل مولاك إذ لم يقل إنك
324

كافر فقال عبد الله كذب والله ما كفرت منذ أسلمت
قال نافع وكان ابن عمر حين خرج نجدة يرى قتاله
قال عبد الرزاق وأخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يحرض الناس على قتال زريق الحروري
فأما قوله يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم فالحناجر جمع حنجرة وهي آخر الحلق مما يلي الفم ومنه قول الله عز وجل * (وبلغت القلوب الحناجر) * 33 10 وقيل الحنجرة أعلى الصدر عند طرف الحلقوم
وأما قوله يمرقون من الدين فالمروق الخروج السريع كما يمرق السهم من الرمية والرمية الطريد من الصيد المرمية وأتت بهاء التأنيث لأنه ذهب مذهب الأسماء التي لم تجيء على مذهب النعت وإن كان فعيل نعتا للمؤنث وهو في تأويل مفعول كان بغير هاء نحو لحية خصيب وكف دهين وشاة رمي لأنها في تأويل مخضوبة ومدهونة ومرمية وقد تجيء فعيل بالهاء وهي في تأويل مفعولة تخرج مخرج الأسماء ولا يذهب بها مذهب النعوت نحو النطيحة والذبيحة والفريسة وأكيلة السبع
وهي فعيلة من الرمي لأن كل فاعل يبنى على فعله فالاسم منه فاعل والمفعول منه مفعول كقولك ضرب فهو ضارب والمفعول مضروب والأنثى مضروبة فإذا بنيت الفعل من بنات الياء قلت رمى فهو رام
325

والمفعول مرمي وكان أصله مرموي حتى يكون على وزن مفعول فاستثقلت العرب ياء قبلها ضمة فقلبت الواو ياء ثم أدغمتها في الياء التي بعدها فصار مرمي فإذا أنثته قلت مرمية وإذا أدخلت عليها الألم واللام قلت المرمية والرمية مثل المقتولة والقتيلة
قال الشاعر والنفس موقوفة والموت غايتها نصب الرمية للأحداث ترميها قال أبو عبيد في قوله كما يخرج السهم من الرمية قال يقول يخرج السهم ولم يتمسك بشيء كما خرج هؤلاء من الإسلام ولم يتمسكوا بشيء
وقال غيره تتمارى في الفوق أي تشك والتماري الشك وذلك يوجب أن لا يقطع على الخوارج ولا على غيرهم من أهل البدع بالخروج من الإسلام وأن يشك في أمرهم وكل شيء يشك فيه فسبيله التوقف عنه دون القطع عليه
وقال الأخفش شبهه برمية الرامي الشديد الساعد إذا رمى فأنفذ سهمه في جنب الرمية فخرج السهم من الجانب الآخر من شدة رميه وسرعة خروج سهمه فلم يتعلق بالسهم دم ولا فرث فكأن الرامي أخذ ذلك السهم فنظر في النصل وهو الحديدة التي في السهم فلم
326

ير شيئا يريد من فرث ولا دم ثم نظر في القدح والقدح عود السهم نفسه فلم ير شيئا ونظر في الريش فلم ير شيئا
وقوله تتمارى في الفوق الفوق هو الشق الذي يدخل في الوتر أي تشك إن كان إصاب الدم الفوق يقول فكما خرج السهم خاليا نقيا من الفرث والدم لم يتعلق منها شيء فكذلك خرج هؤلاء من الدين يعني الخوارج
وفي غير حديث مالك ذكر الرعظ وهو مدخل السهم في الزج والرصاف وهو العقب الذي يشد عليه والقذذ وهو الريش واحدتها قذة
أخبرنا خلف حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج حدثنا أحمد بن صالح قال النصل الحديدة والرصاف العقب والقذذ الريش والنضي السهم كله إلى الريش
قال أبو عمر قد قال فيهم رسول الله يخرج قوم من أمتي إن صحت هذن اللفظة فقد جعلهم من أمته وقد قال قوم معناه من أمتي بدعواهم
327

ذكر الحميدي عن ابن عيينة عن ابن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعواهما واحدة فبينما هم كذلك إذ مرقت مارقة كأنما يمرق السهم من الرمية تقتلها أولى الطائفتين بالحق
حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا أبو علي الحسن بن علي الرافقي بأنطاكية سنة ثلاث وعشرين قال حدثنا أحمد بن محمد بن أبي الحناجر قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله تلتقي من أمتي فئتان عظيمتان دعواهما واحدة فبينا هم كذلك إذ مرقت بينهما مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق
حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أبو يعلى محمد بن زهير الأيلي القاضي بالأيلة حدثنا يعقوب بن إسحاق بن زياد القلوسي حدثنا بشير بن عباد الساعدي حدثنا القاسم بن الفضل حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله تمرق مارقة عند فرقة من الناس تقتلها أولى الطائفتين بالحق
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال
328

حدثنا عبد الواحد قال حدثنا مجالد قال حدثنا أبو الوداك قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله يخرج قوم من أمتي بعد فرقة من الناس أو عند اختلاف من الناس قوم يقرؤون القرآن كأحسن ما يقرأه الناس ويرعونه كأحسن ما يرعاه الناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يرمي الرجل الصيد فينفذ الفرث والدم فيأخذ السهم فيتمارى أصابه شيء أم لا هم شرار الخلق والخليقة يقتلهم أولى الطائفتين بالله أو أقرب الطائفتين إلى الله
حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا علي بن مسهر عن الشيباني يعني أبا إسحاق عن بشير بن عمرو قال سألت سهل بن حنيف هل سمعت رسول الله يذكر هؤلاء الخوارج قال سمعته وأشار بيده نحو المشرق يقول يخرج منه قوم يقرؤون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية
وروى ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال بينا نحن عند رسول الله وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال يا رسول الله اعدل فقال رسول الله
329

صلى الله عليه وسلم ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل لقد خبت وخسرت إذا لم أعدل =
فقال عمر يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه فقال دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء وهو القدح ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس
قال أبو سعيد فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله الذي نعت
وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن آدم عن سعيد بن عبد العزيز قال حدثنا إسحاق بن راشد عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد الرحمن والضحاك بن قيس عن أبي سعيد
330

الخدري قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم مغنما يوم حنين أتاه رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة فقال يا رسول الله اعدل قال لقد خبت وخسرت إن لم أعدل فقال عمر يا رسول الله دعني أقتله قال لا إن لهذا أصحابا يخرجون عند اختلاف من الناس يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم أو حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية آيتهم رجل منهم كأن يده ثدي المرأة أو كأنها بضعة تدردر
فقال أبو سعيد سمعت أذني من رسول الله يوم حنين وبصرت عيني مع علي بن أبي طالب حين قتلهم فنظرت إليه
وذكر الضحاك في هذا الحديث طائفة عن يونس وعن الأوزاعي عن الزهري وطائفة تقول فيه الضحاك المشرقي وطائفة تقول الضحاك بن مزاحم ولم يذكره معمر
وروى ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب فقالوا لا حكم إلا لله فقال علي كلمة حق أريد بها باطل إن رسول الله وصف أناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم وأشار إلى حلقه من أبغض خلق الله إليه منهم أوسد إحدى يديه كطبي شاة وحلمة ثدي
فلما قتلهم
331

علي بن أبي طالب قال انظروا انظروا فلم يجدوا شيئا فقال ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يديه فقال عبيد الله أنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم قال بكير بن الأشج وحدثني رجل عن إبراهيم بن حنين أنه قال رأيت ذلك الأسود
قال أبو عمر قوله يخرج وقوله إن لهذا أصحابا يخرجون عند اختلاف من الناس يدل على أنهم لم يكونوا خرجوا بعد وأنهم يخرجون فيهم وقد استدل بنحو هذا الاستدلال من زعم أن ذا الخويصرة ليس ذا الثدية والله أعلم
ويحتمل قوله إن لهذا أصحابا يريد على مذهبه وإن لم يكونوا ممن صحبه كما يقال لأتباع الشافعي وأتباع مالك وأتباع أبي حنيفة وغيرهم من الفقهاء فيمن تبعهم على مذاهبهم هؤلاء أصحاب فلان وهذا من أصحاب فلان والله أعلم
ويقال إن ذا الخويصرة اسمه حرقوص وروى عن محمد بن كعب القرظي أنه قال حرقوص بن زهير هو ذو الثدية وهو الذي قال للنبي ما عدلت
وذكر المدائني عن نعيم بن حكيم عن أبي مريم قصة ذي الثدية بتمامها وطولها وقال يقال له نافع ذو الثدية
332

وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري قال بينا رسول الله يقسم قسما إذ جاء ابن أبي الخويصرة فقال اعدل يا محمد قال ويلك إذا لم أعدل فمن يعدل قال رسول الله إن له أصحابا يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فيهم رجل إحدى يديه أو على يديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فترة من الناس قال فنزلت فيهم * (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون) * 9 58
قال أبو سعيد أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله وأشهد أن عليا قتلهم وأنا حين قتلهم معه حتى أتى الرجل على النعت الذي قال رسول الله
أخبرنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير حدثنا علي بن الجعد حدثنا زهير جميعا عن الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة عن علي بن أبي طالب قال سمعت رسول الله يقول يكون قوم في آخر الزمان سفهاء
333

الأحلام يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإنما لقيتهم فاقتلهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم
وروى يحيى بن آدم عن إسرائيل عن محمد بن معن عن الحارث بن مالك قال شهدت مع علي النهروان فلما فرغ منهم قال اطلبوه اطلبوه فطلبوه فلم يقدروا على شيء فأخذه الكرب فرأيت جبينه يتحدر منه العرق ثم وجده فخر ساجدا وقال والله ما كذبت ولا كذبت
وروينا عن خليفة الطائي قال لما رجعنا من النهروان لقينا العزار الطائي قيل أن ينتهي إلى المدائن فقال لعدي بن حاتم يا أبا طريف أغانم سالم أم ظالم آثم قال بل غانم سالم إن شاء الله قال فالحكم والأمر إذا إليك فقال الأسود بن يزيد والأسود بن قيس المراديان ما أخرج هذا الكلام منك إلا شر وأنا لنعرفك برأي القوم فأتيا به عليا فقالا إن هذا يرى رأي الخوارج وقد قال كذا وكذا قال فما أصنع به قال تقتله قال لا أقتل من لا يخرج علي قال فتحبسه قال ولا أحبسن من ليست له جناية خليا سبيل الرجل
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله يعني ابن إسحاق
حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني ابن لهيعة قال حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج أنه
334

سأل نافعا كيف كان رأى ابن عمر في الخوارج فقال كان يقول هم شرار الخلق انطلقوا إلى آيات أنزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين
وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن إسحاق حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج قال حدثني خالي أبو الربيع وأحمد بن عمرو وأحمد بن صالح قالوا حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحرث أن بكير بن الأشج حدثه أنه سأل نافعا كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية قال يراهم شرار خلق الله قال إنهم انطلقوا إلى آيات في الكفار فجعلوها على المؤمنين
وروى حكيم بن جابر وطارق بن شهاب والحسن وغيرهم عن علي بمعنى واحد أنه سئل عن أهل النهروان أكفارهم قال من الكفر فروا
قيل فمنافقون هم قال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا
قيل فما هم قال قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها وصموا وبغوا علينا وحاربونا وقاتلونا فقتلناهم
وروى عنه أن هذا القول كان منه في أصحاب الجمل والله أعلم
وأخبار الخوارج بالنهروان وقتلهم للرجال والولدان وتكفيرهم الناس واستحلالهم الدماء والأموال مشهور معروف ولأبي زيد عمر ابن شبة في أخبار النهروان وأخبار صفين ديوان كبير من تأمله اشتفى من تلك الأخبار ولغيره في ذلك كتب حسان والله المستعان
335

وروى إسرائيل عن مسلم بن عبيد عن أبي الطفيل عن علي في قول الله عز وجل (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا (18 103) الآية قال هم أهل النهر
وروي الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن عتريس بن عرقوب أتى عبد الله بن مسعود فقال يا أبا عبد الرحمن هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر فقال عبد الله بن مسعود هلك من لم ينكر المنكر بقلبه ولم يعرف المعروف بقلبه
أخبرنا أحمد بن محمد حدثنا محمد بن عيسى حدثنا بكر بن سهل حدثنا نعيم بن حماد حدثنا وكيع عن مسعر عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن علي قال لم نقاتل أهل النهر على الشرك
حدثنا نعيم حدثنا وكيع عن ابن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن علي مثله
حدثنا نعيم حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا هشام بن يحيى الغسابي عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز كتب إليه في الخوارج إن كان من رأى القوم أن يسيحوا في الأرض من غير فساد على الأئمة ولا على أحد من أهل الذمة ولا يتناولون أحدا ولا قطع سبيل من سبل المسلمين فليذهبوا حيث شاؤوا وإن كان رأيهم القتال فوالله لو أن أبكاري من ولدي خرجوا رغبة عن جماعة المسلمين لأرقت دماءهم التمس بذلك وجه الله والدار الآخرة
336

وذكر ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال صاحبت الفتنة الأولى فأدركت رجالا ذوي عدد من أصحاب رسول الله ممن شهد بدرا فبلغنا أنهم كانوا يرون أن يهدر أمر الفتنة فلا يقام فيها على رجل قصاص في قتل ولا دم ولا يرون على امرأة سيبت فأصيبت حدا ولا يرون بينها وبين زوجها ملاعنة
ومن رماها جلد الحد وترد إلى زوجها بعد أن تعتد من الآخر
قال ابن شهاب وقالوا لا يضمن مال ذهب إلا أن يوجد شيء بعينه فيرد إلى أهله
وقال ابن القاسم بلغني أن ملكا قال الدماء موضوعة عنهم وأما الأموال فإن وجد شيء بعينه أخذ وإلا لم يتبعوا بشيء قال ذلك في الخوارج
قال ابن القاسم وفرق بين المحاربين وبين الخوارج لأن الخوارج خرجوا واستهلكوا ذلك على تأويل يرون أنه صواب والمحاربون خرجوا فسقا مجونا وخلاعة على غير تأويل فيوضع عن المحارب إذا تاب قبل أن يقدر عليه حد الحرابة ولا توضع عنه حقوق الناس يعني في دم ولا مال
قال أبو عمر قال إسماعيل بن إسحاق رأى مالك قتل الخوارج وأهل القدر من أجل الفساد الداخل في الدين وهو من باب الفساد في الأرض وليس
337

إفسادهم بدون فساد قطاع الطريق والمحاربين للمسلمين على أموالهم فوجب بذلك قتلهم إلا أنه يرى استتبابتهم لعلهم يراجعون الحق فإن تمادوا قتلوا على إفسادهم لا على كفر
قال أبو عمر هذا قول عامة الفقهاء الذين يرون قتلهم واستتابتهم ومنهم من يقول لا يتعرض لهم باستتابة ولا غيرها ما استتروا ولم يبغوا ويحاربوا وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما وجمهور أهل الفقه وكثير من أهل الحديث
قال الشافعي رحمه الله في كتاب قتال أهل البغي لو أن قوما أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا جماعة المسلمين وكفروهم لم تحل بذلك دماؤهم ولا قتالهم لأنهم على حرمة الإيمان حتى يصيروا إلى الحال التي يجوز فيها قتالهم من خروجهم إلى قتال المسلمين وإشهارهم السلاح وامتناعهم من نفوذ الحق عليهم وقال بلغنا أن علي بن أبي طالب بينما هو يخطب إذا سمع تحكيما من ناحية المسجد فقال ما هذا فقيل رجل يقول لا حكم إلا لله فقال علي رحمه الله كلمة حق أريد بها باطل لا نمنعكم مساجد الله أن يذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم من أيدينا ولا نبدؤكم بقتال
قال وكتب عدي إلى عمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر إن سبوني فسبوهم أو اعفوا عنهم وإن
338

شهروا السلاح فأشهروا عليهم وإن ضربوا فاضربوا
قال الشافعي وبهذا كله نقول فإن قاتلونا على ما وصفنا قاتلناهم فإن انهزموا لم نتبعهم ولم نجهز على جريحهم
قال أبو عمر قول مالك في ذلك ومذهبه عند أصحابه في أن لا يتبع مدبر من الفئة الباغية ولا يجهز على جريح كمذهب الشافعي سواء وكذلك الحكم في قتال أهل القبلة عند جمهور الفقهاء وقال أبو حنيفة إن انهزم الخارجي أو الباغي إلى فئة اتبع وإن انهزم إلى غير فئة لم يتبع
قال أبو عمر أجمع العلماء على أن من شق العصا وفارق الجماعة وشهر على المسلمين السلاح وأخاف السبيل وأفسد بالقتل والسلب فقتلهم وإراقة دمائهم واجب لأن هذا من الفساد العظيم في الأرض والفساد في الأرض موجب لإراقة الدماء بإجماع إلا أن يتوب فاعل ذلك من قبل أن يقدر عليه والانهزام عندهم ضرب من التوبة وكذلك من عجز عن القتال لم يقتل إلا بما وجب عليه قبل ذلك
ومن أهل الحديث طائفة تراهم كفارا على ظواهر الأحاديث فيهم مثل قوله من حمل علينا السلاح فليس منا ومثل قوله يمرقون من الدين وهي آثار يعارضها غيرها فيمن لا يشرك بالله شيئا ويريد بعمله
339

وجهه وإن أخطأ في حكمه واجتهاده والنظر يشهد أن الكفر لا يكون إلا بضد الحال التي يكون بها الإيمان لأنهما ضدان وللكلام في هذه المسألة موضع غير هذا وبالله التوفيق
340

حديث سابع وثلاثون ليحيى بن سعيد
47047047 047 مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله عن عمير بن سلمة الضمري عن البهزي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه
فجاء البهزي وهو صاحبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق ثم مضى حتى إذا كان بالأثاية بين الرويثة والعرج إذا ظبي حاقف في ظل شجرة وفيه سهم فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يقف عنده لا يريبه أحد من الناس حتى يجاوزه (2079)
لم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث واختلف أصحاب يحيى بن سعيد فيه على يحيى بن سعيد فرواه جماعة كما رواه مالك ورواه حماد بن زيد وهشيم ويزيد بن هارون وعلي بن مسهر عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
341

قرأت على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا عبد الله بن روح المدائني قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا يحيى بن سعيد أن محمدا بن إبراهيم أخبره عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة الضمري
وأخبرنا قاسم بن محمد واللفظ لحديثه قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا عارم قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثني يحيى عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة الضمري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل أو خرج وهم محرومون حتى إذا كانوا بالروحاء فإذا في بعض أفنائها حمار وحش عقير فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير فقال دعوه حتى يأتي طالبه قال فجاء رجل من بهز فقال يا رسول الله أصبت هذا بالأمس فشأنكم به فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يقسم لحمه بين الرفاق قال ثم سار حتى إذا كان بالأثاية بين العرج والرويثة إذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم فقيل يا رسول الله هذا ظبي حاقف في ظل فيه سهم قال لا يعرض له حتى يمر آخر الناس فأمر رجلا أن يقيم عنده حتى يمر آخر الناس
هكذا قال حماد بن زيد في هذا الحديث عن عمير بن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
وعمير بن سلمة من كبار الصحابة وقد ذكرناه في كتاب الصحابة بما يغني عن
342

ذكره ههنا
فالحديث لعمير بن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما قال حماد بن زيد وتابعه على ذلك جماعة منهم هشيم وعلي بن مسهر ويزيد بن هارون وجعله مالك عن عمير عن البهزي عن النبي صلى الله عليه وسلم ومما يدلك على صحة رواية حماد بن زيد ومن تابعه عن يحيى بن سعيد على ما ذكرنا أن يزيد بن الهادي وعبد ربه بن سعيد رويا هذا الحديث عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة الضمري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث يزيد بن الهادي بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
رواه الليث بن سعد هكذا عن يزيد بن الهادي وقال موسى بن هارون والصحيح عندنا أن هذا الحديث رواه عمير بن سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه أحد
قال وذلك بين في رواية يزيد بن الهادي وعبد ربه بن سعيد قال موسى بن هارون ولم يأت ذلك من مالك لأن جماعة رووه عن يحيى بن سعيد كما رواه مالك ولكن إنما جاء ذلك من يحيى بن سعيد كان يرويه أحيانا فيقول فيه عن البهزي وأحيانا لا يقول فيه عن البهزي وأظن المشيخة الأولى كان ذلك جائزا عندهم وليس هو رواية عن فلان وإنما هو عن قصة فلان هذا كله كلام موسى بن هارون قال أبو عمر البهزي اسمه زيد بن كعب وقد ذكرناه في الصحابة
343

قال أبو عمر الروحاء والأثاية والعرج مواضع ومناهل بين مكة والمدينة وإلى العرج نسب العرجي الشاعر وقيل بل نسب العرجي الشاعر إلى موضع آخر يدعى أيضا بالعرج قرب الطائف كان نزله لأنه كان له به مال
واسم العرجي الشاعر عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان وهو أشعر بني أمية
وفي هذا الحديث من الفقه أن كل ما صاد الحلال جائز للمحرم أكله وهذا موضع اختلف العلماء فيه قديما وحديثا واختلفت الآثار فيه أيضا وقد بينا ذلك وأوضحناه في باب ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله وفي باب أبي النضر أيضا من هذا الكتاب والحمد لله
وفيه أيضا دليل على أن المحرم لا يجوز له أن ينفر الصيد ولا يعين عليه ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يقف عند الظبي الحاقف حتى يجاوزه الناس لا يريبه أحد أي لا يمسه أحد ولا يحركه ولا يهيجه أحد والحاقف الواقف المنثني والمنحني وكل منحن فهو محقوقف وإذا صار رأس الظبي بين يديه إلى رجليه وميل رأسه فهو حاقف ومحقوقف هذا قول الأخفش وقال غيره من أهل اللغة الحاقف الذي قد لجأ إلى حقف وهو ما انعطف من الرمل
344

وقال العجاج سماوة الهلال حتى احقوقف يعني انعطف وسماوته شخصه
وقال أبو عبيد حاقف يعني قد انحنى وتثنى في نومه ويقال للرجل إذا انحنى حقف فهو حاقف قال وأما الأحقاف فجمع حقف ومن ذلك قول الله عز وجل * (إذ أنذر قومه بالأحقاف) * 46 21
قال أبو عبيد إنما سميت منازلهم بالأحقاف لأنها كانت بالرمال
وفي هذا الحديث أيضا من الفقه أن الصائد إذا أثبت الصيد برمحه أو نبله فقد ملكه بذلك إذا كان الصيد لا يمتنع من أجل ذلك الفعل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك أن يأتي صاحبه
وقد استدل قوم بهذا الحديث أيضا على جواز هبة المشاع لقول البهزي للجماعة شأنكم بهذا الحمار ثم قسمه أبو بكر بينهم بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفيه من الفقه جواز أكل الصيد إذا غاب عنه صاحبه أو بات تحته وإذا عرف أنها رميته وليس في حديث مالك ما يدل على أن ذلك الظبي كان قد غاب عن صاحبه ليلة وذلك في حديث حماد بن زيد لقوله فيه أصبت هذا بالأمس
وقد اختلف الفقهاء في هذا المعنى فقال مالك إذا أدركه الصائد من يومه أكله في الكلب والسهم جميعا وإن كان ميتا إذا كان فيه أثر جرحه وإن كان قد بات عنه لم يأكله
345

وقال الثوري إذا غاب عنه يوما وليلة كرهت أكله
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا توارى عنه الصيد وهو في طلبه فوجده وقد قتله جاز أكله فإن ترك الطلب واشتغل بعمل غيره ثم ذهب في طلبه فوجده مقتولا والكلب عنده كرهنا أكله
وقال الأوزاعي إذا وجده من الغد ميتا ووجد فيه سهما أو أثرا فليأكله
وقال الشافعي القياس ألا يأكله إذا غاب عنه
وروي عن ابن عباس كل ما أصبت ودع ما أنميت يريد كل ما عاينت صيده وموته من سلاحك أو كلبك ودع ما غاب عنك
وفي حديث أبي رزين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره أكل ما غاب عنك مصرعه من الصيد وهو حديث مرسل لأنه ليس بأبي رزين العقيلي وإنما هو أبو رزين مولى أبي وائل
رواه عنه موسى بن أبي عائشة من حديث الثوري وغيره
وروى أبو ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يدرك صيده بعد ثلاث يأكله ما لم ينتن
وفي حديث عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيد يغيب عن صاحبه الليلة والليلتين فقال إذا وجدت فيه سهمك ولم تجد أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكله
346

وفي حديث هذا الباب رد لقول أبي حنيفة وأصحابه في اشتراطهم التراخي في الطلب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل للبهزي هل تراخيت في طلبه وأباح لأصحابه المحرمين ولم يسأله عن ذلك وبالله التوفيق
347

حديث ثامن وثلاثون ليحيى بن سعيد
147 مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي أن عائشة أم المؤمنين قالت كنت نائمة إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ففقدته من الليل فلمسته بيدي فوضعت يدي على قدميه وهو ساجد يقول أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (1531)
هذا حديث مرسل في الموطأ عند جماعة الرواة لم يختلفوا عن مالك في ذلك وهو يستند من حديث الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة ومن حديث عروة عن عائشة من طرق صحاح ثابتة
حدثني أحمد بن محمد قراءة مني عليه قال حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري قال حدثنا محمد بن جرير الطبري قال حدثني ابن عبد الرحيم البرقي قال حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثني عمارة بن غزية قال سمعت أبا النضر يقول سمعت عروة بن الزبير يقول قالت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معي على فراشي فوجدته ساجدا راصا عقبيه مستقبلا بأطراف أصابعه القبلة فسمعته يقول أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك أثني عليك لا أبلغ كل ما
348

فيك
قالت فلما انصرف قال يا عائشة أخذك شيطانك فقلت أما لك شيطان قال ما من آدمي إلا له شيطان
فقلت يا رسول الله وأنت قال وأنا ولكني دعوت الله فأعانني عليه فأسلم
حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال حدثنا عمر بن إبراهيم المقرئ ببغداد قال حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي قال حدثنا علي بن شعيب وحدثنا خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن الحافظ قال حدثنا الحسين بن إسماعيل قال حدثنا يعقوب الدورقي وعلي بن شعيب ومحمد بن عثمان بن كرامة قالوا حدثنا أبو أسامة قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من الفراش فالتمسته في البيت وجعلت أطلبه بيدي فوقعت يدي على قدميه وهما منتصبتان
وفي حديث قاسم منصوبتان وهو ساجد فسمعته يقول أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ولفظهم متقارب والمعنى سواء
وفي هذا الحديث والله أعلم دليل على أن اللمس باليد لا ينقض الطهارة إذا كان لغير شهوة والله أعلم وفي ذلك نظر لأن من العلماء
349

من لا ينقض الطهارة بملامسة اليد على حال ومنهم من ينقضها بملامسة اليد على كل حال وقد بينا مسألة الملامسة وما للعلماء فيها من المذاهب وما بينهم في ذلك من التنازع وما احتج به كل فريق منهم لمذهبه ومهدنا ذلك وأوضحناه في باب أبي النضر من كتابنا هذا والحمد لله
وروينا عن مالك أنه قال في قوله في هذا الحديث لا أحصي ثناء عليك يقول وإن اجتهدت في الثناء عليك فلن أحصي نعمك وثناءك وإحسانك
قال أبو عمر في قوله أنت كما أثنيت على نفسك دليل على أنه لا يبلغ وصفه وأنه لا يوصف إلا بما وصف به نفسه تبارك اسمه وتعالى جده ولا إله غيره
وقد روي عن يحيى بن سعيد من حديث عائشة حديث يوافق حديث هذا الباب في بعض معانيه وهو عندي حديث آخر والله أعلم
حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا يحيى بن سعيد عن عبادة بن الوليد بن عبادة أن عائشة ذكرت أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأتته فإذا هو في المسجد فأدخلت يدها في شعره وانصرفت فقال ما شأنك أقد جاءك
350

شيطانك قلت أو مالك شيطان قال بلى ولكن الله أعانني عليه فأسلم
وحدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الوهاب قال سمعت يحيى بن سعيد يقول أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة أنه بلغه أن عائشة كانت نائمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ففقدته من الليل فسمعت صوته وهو يصلي قالت فقمت إليه فأدخلت يدي في شعره فمسسته أبه بلل ثم رجعت إلى فراشي ثم إنه سلم فقال أجاءك شيطانك فقلت أما لك شيطان قال بلى ولكن الله أعانني عليه فأسلم
حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن هشام بن عمرو عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
351

حديث تاسع وثلاثون ليحيى بن سعيد
247 مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة أنه قال جاء عثمان بن عفان إلى صلاة العشاء فرأى أهل المسجد قليلا فاضطجع في مؤخر المسجد ينتظر الناس أن يكثروا فأتاه ابن أبي عمرة فجلس إليه فسأله من هو فأخبره فقال له ما معك من القرآن فأخبره فقال عثمان من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة
وهذا أيضا لا يكون مثله رأيا ولا يدرك مثل هذا بالرأي وقد روي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم
ورواه ابن جريج عن يحيى عن سعيد قال أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال خرج عثمان إلى العشاء الآخرة فذكر مثل حديث مالك سواء إلى آخره بلفظه ومعناه موقوفا لم يرفعه
ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج وكذلك رواه عن يحيى بن سعيد موقوفا كما رواه مالك وابن جريج ويزيد بن هارون وعبد الوهاب الثقفي
352

ورواه عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف وهو عندهم ثقة لا بأس به وليس كيحيى بن سعيد في الإتقان والجلالة عن محمد بن إبراهيم عن ابن أبي عمرة عن عثمان مرفوعا
رواه عن عثمان بن حكيم سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد العبدي ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء في جماعة فهو كنصف قيام ليلة ومن صلى العشاء والصبح في جماعة فهو كقيام ليلة
وأخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسحاق بن يوسف قال حدثنا سفيان عن أبي سهل يعني عثمان بن حكيم قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة
هكذا في حديث عثمان بن حكيم هذا المرفوع من صلى العشاء والفجر في جماعة فكأنما قام ليلة
وفي حديث يحيى بن سعيد من قول عثمان رضي الله عنه من شهد الصبح في جماعة فكأنما قام ليلة لم يذكر معها العشاء
353

وكذلك في حديث الشفاء عن عمر بن الخطاب من قوله ذكره مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح وأن عمر غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين المسجد والسوق فمر على الشفاء أم سليمان فقال لم أر سليمان في الصبح فقالت أنه بات يصلي فغلبته عيناه فقال عمر لأن أشهد صلاة الصبح أحب إلي من أن أقوم ليلة
هكذا رواه مالك وخالفه معمر في إسناده والقول في ذلك قول مالك والله أعلم
ورواه أبو حفص الأبار عن يحيى بن سعيد مرفوعا إلا أنه جعل في موضع العشاء الصبح وفي موضع الصبح العشاء حدثناه أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا أحمد بن الحسن الصيرفي حدثنا أبو الربيع الزهراني عن عمر بن عبد الرحمن الأبار عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في جماعة تعدل قيام ليلة وصلاة الصبح في جماعة تعدل قيام نصف ليلة
ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء ابنة عبد الله قالت دخل علي بيتي عمر بن الخطاب فوجد عندي رجلين نائمين فقال ما شأن هذين أما شهدا معنا الصلاة قالت يا أمير المؤمنين صليا مع الناس وكان ذلك في
354

رمضان فلم يزالا يصليان حتى أصبحا ثم صليا الصبح ثم ناما فقال عمر لأن أصلي الصبح في جماعة أحب إلى من أن أصلي ليلة حتى أصبح
ليس في هذا الحديث حكم وإنما فيه فضل صلاة الفريضة في جماعة وزعم بعض الناس أن فيه دليلا على جواز صلاة الرجل وحده وإن كانت مفضولة وليس ذلك بالبين في هذا الحديث لأنه يجوز أن يكون صلاها بعد كالفائتة وقد مضى القول في هذه المسألة
355

حديث موفي أربعين ليحيى بن سعيد يحيى بن عمرة
347 مالك عن يحيى بن سعيد قال حدثتني عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة أم المؤمنين تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ذي
القعدة ولا نرى إلا أنه الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل
قالت عائشة فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا قالوا نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه
قال يحيى بن سعيد فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد فقال أتتك والله بالحديث على وجهه (20179)
قال أبو عمر هذا خلاف رواية عروة عنها لأن عروة يقول عنها خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهللنا بعمرة وهي حجة واحدة وخروج واحد
356

وقد تقدم القول في ذلك كله مبسوطا في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب
وأما قولها فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل فهذا فسخ الحج في العمرة
وقد تواترت به الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق صحاح من حديث عائشة وغيرها ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يدفعه إلا أن أكثر العلماء يقولون إن ذلك خصوص لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة واعتلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر أصحابه أن يفسخوا الحج في العمرة ليوري الناس أن العمرة في أشهر الحج جائزة وذلك أن قريشا كانت تراها في أشهر الحج من أفجر الفجور وكانت لا تستجيز ذلك البتة وكانت تقول إذا خرج صفر وكانوا يجعلون المحرم صفر وبرأ الدبر وعفا الأثر حلت العمرة لمن اعتمر
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من لم يكن منهم معه هدي أن يفسخ حجه في عمرة ليعلم الناس أنه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج
واعتلوا بقول الله عز وجل * (وأتموا الحج والعمرة لله) * 2 196 وهذا يوجب إتمام الحج على كل من دخل فيه إلا من خص بالسنة الثابتة وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على الوجه الذي ذكرنا واعتلوا بأن عمر بن الخطاب كان يقول متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج يعني فسخ
357

الحج في العمرة
ومعلوم أن عمر لم يكن لينهى عن شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أباحه أو أمر به ولا ليعاقب عليه إلا وقد علم أن ذلك إما خصوص وإما منسوخ هذا ما لا شك فيه ذو لب
واعتلوا أيضا بما روي في ذلك عن أبي ذر وبلال بن الحارث المزني أن ذلك خصوص لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وممن ذهب إلى أن فسخ الحج في العمرة لا يجوز لأحد اليوم وأنه لم يجز لغير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد في جماعة من التابعين بالحجاز والعراق والشام ومصر وبه قال أبو ثور وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد والطبري وهو قول أكثر أهل العلم وكان أحمد بن حنبل وداود بن علي يذهبان إلى أن فسخ الحج في العمرة جائز إلى اليوم ثابت وأن كل من شاء أن يفسخ حجه في عمرة إذا كان ممن لم يسق هديا كان ذلك له اتباعا للآثار التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
وقال أحمد بن حنبل في فسخ الحج أحاديث ثابتة لا تترك لمثل حديث أبي ذر وحديث بلال بن الحارث وضعفهما وقال من المرقع بن صيفي الذي يرويه عن أبي ذر قال وروي الفسخ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث جابر وعائشة وأسماء ابنة أبي بكر وابن عباس وأبي موسى الأشعري وأنس بن مالك وسهل بن حنيف
358

وأبي سعيد الخدري والبراء بن عازب وابن عمر وسبرة الجهني قال أحمد من أهل الحج مفردا أو قرن الحج مع العمرة فإن شاء أن يجعلها عمرة فعل ويفسخ إحرامه في عمرة إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل
واحتج أيضا أحمد ومن ذهب مذهبه بقوله صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ويقول سراقة بن جعشم يا رسول الله علمنا تعليم قوم أسلموا اليوم أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد فقال بل لأبد بل لأبد
قال أبو عمر ليس في هذا حجة لأن قوله صلى الله عليه وسلم لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة إنما معناه لأهللت بعمرة وجعلت إحرامي بعمرة أتمتع بها وإنما في هذا حجة لمن فضل التمتع وأما من أجاز فسخ الحج في العمرة فما له في هذا حجة لاحتمال ما ذكرنا وهو الأظهر فيه
وأما قوله لسراقة بل للأبد فإنما معناه أن حجته تلك وعمرته ليس عليه ولا على من حج معه غيرها للأبد ولا على أمته غير حجة واحدة أو عمرة واحدة في مذهب من أوجبها في دهره للأبد لا فريضة في الحج غيرها هذا معنى قوله لسراقة والله أعلم
359

وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج ومعمر عن ابن طاوس عن أبيه قال قدموا بالحج خالصا لا يخالطه شيء وكانوا يرون العمرة في أشهر الحج أفجر الفجور وكانوا يقولون إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر
وكانوا يدعون المحرم صفر فلما حج النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم فقال من كان أهل بالحج فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم ليلحق أو ليقصر ثم ليحل إلا من كان معه هدي
قال فبلغه أنهم يقولون يأمرنا أن نحل فقال لو شعرت ما أهديت نزل الأمر عليه من السماء بعدما طاف بين الصفا والمروة فكلمهم بذلك
فقال سراقة يا رسول الله علمنا تعليم قوم أسلموا اليوم عمرتنا هذه لعامنا هذا أم لأبد فقال بل لأبد بل لأبد
قال أبو عمر يحتمل أن يكون قوله هذا نحو حديث الزهري عن أبي سنان عن ابن عباس أن الأقرع بن حابس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الحج
في كل عام أو مرة واحدة قال بل مرة واحدة ومن زاد فهو متطوع
وروى أبو هريرة وأبو واقد الليثي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأزواجه في حجة الوداع هذه ثم ظهور الحصر
حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد حدثنا البغوي حدثنا جدي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا ابن أبي
360

ذئب عن صالح مولى التوءمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجة الوداع هذه ثم ظهور الحصر
ورواه صالح بن كيسان عن صالح مولى التوءمة مثله قال بشر بن عمر سألت مالك بن أنس عن صالح مولى التوءمة فقال ليس بثقة
وذكر عباس عن ابن معين قال هو ثقة ولكنه خرف فمن سمع منه قبل أن يختلط فهو ثبت
وهو صالح بن نبهان مولى التوءمة بنت أمية بن خلف الجمحي
وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل لأبيه قول مالك في صالح مولى التوءمة فقال أدركه مالك وقد اختلط ومن سمع منه قديما فلا بأس وقد روى عنه أكابر أهل المدينة وقال أبو حاتم الرازي روى عنه أبو الزناد وزياد بن سعد وعمارة بن غزية والثوري وابن جريج وابن أبي ذئب
أخبرنا عبد الله حدثنا محمد حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن لأبي واقد الليثي عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه في حجة الوداع هذه ثم ظهور الحصر
361

وروى شعبة عن عبد الملك عن طاوس عن سراقة بن جعشم أنه قال يا رسول الله أرأيت عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبد
وذكر النسائي عن هناد عن عبدة عن ابن أبي عروبة عن مالك ابن دينار عن عطاء عن سراقة قال تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا ألنا خاصة أم للأبد فقال بل للإبد
وهذا يحتمل أن يكون التمتع المعروف لا فسخ الحج
وأما حديث بلال بن الحارث المزني فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد وأخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قالا حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال المزني عن أبيه قال قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة فقال بل لنا خاصة
وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان عن يحيى ين سعيد عن المرقع عن أبي ذر أنه قال إنما كان فسخ الحج من رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا خاصة
362

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا النفيلي قال حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد قال أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه قال قلت يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم لمن بعدنا قال لكم خاصة
وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود حدثنا هناد بن السري قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود أن أبا ذر كان يقول فيمن حج ثم فسخها عمرة لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم عن قال أخبرنا عبد العزيز عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن الحارث بن بلال عن أبيه قال قلت يا رسول الله أفسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة قال بل لنا خاصة
وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن يزيد عن عبد الرحمن
363

حدثنا سفيان عن الأعمش وعياش الغامري عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر في متعة الحج قال كانت لنا رخصة
وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا بشر بن خالد قال أخبرنا غندر عن شعبة عن سليمان عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال كانت المتعة رخصة لنا
وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عبد الأعلى بن واصل قال حدثنا أبو أسامة عن وهيب بن خالد قال حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر ويقولون إذا برأ الدبر وعفا الوبر وانسلخ صفر أو قال دخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر
فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة رابعة مهلين فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا يا رسول الله أي الحل قال الحل كله
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو عبيدة بن أحمد قال حدثنا أبو خالد يزيد بن سنان
364

البصري حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال قال عمر متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج
وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد ابن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال قال عمر فذكر مثله
قال أبو عمر فسخ الحج في العمرة هي المتعة التي كان عمر ينهى عنها في الحج ويعاقب عليها لا التمتع الذي أذن الله ورسوله فيه
وقال بعض أصحابنا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفسخوا حجهم في عمرة أوضح دليل على أنه لا يجوز إدخال العمرة على الحج لأنه لو جاز ذلك لم يؤمروا بفسخ الحج في العمرة إذ الغرض كان في ذلك أن يريهم صلى الله عليه وسلم جواز العمرة في أشهر الحج لا غير لما كانوا عليه من أن ذلك لا يحل ولا يجوز على ما كانوا عليه في جاهليتهم فأراهم صلى الله عليه وسلم فسخ ذلك وإبطاله بعمل العمرة في أشهر الحج ولو جاز إدخالها على الحج ما احتاج والله أعلم إلى الخروج عما دخل فيه واستئنافه بعد المعنى المذكور والله الموفق للصواب
365

وفي قوله نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه البقر دليل على أن نحر البقر جائز وعلى جواز ذلك أهل العلم إلا أنهم يستحبون الذبح في البقر لقول الله عز وجل في البقرة * (فذبحوها) * ولم يقل فنحروها فذبح البقرة ونحرها جائز بالقرآن والسنة والحمد لله
وقال الشافعي عن مالك في هذا الحديث نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بقرة ومنهم من يرويه بقرا وقد ذكرنا هذا المعنى في باب مرسل بن شهاب من هذا الكتاب وذكرنا حكم الاشتراك في الهدي هناك وفي باب أبي الزبير فلا وجه لإعادة ذلك ههنا
366

حديث حاد وأربعون ليحيى بن سعيد
447 مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصارية أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه فقالت أنا حبيبة ابنة سهل يا رسول الله قال ما شأنك قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها فلما جاء زوجها ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها (2931)
لم يختلف على مالك في هذا الحديث وهو حديث صحيح ثابت مسند متصل وهو الأصل في الخلع وفيه إباحة اختلاع المرأة من زوجها بجميع صداقها وفي معنى ذلك جائز أن تختلع منه بأكثر من ذلك وأقل لأنه مالها كما الصداق مالها فجائز الخلع بالقليل والكثير إذا لم يكن الزوج مضرا بها فتفتدي من أجل ضرره
367

وأجمع العلماء على إجازة الخلع بالصداق الذي أصدقها إذا لم يكن مضرا بها وخافا ألا يقيما حدود الله واختلفوا في الخلع على أكثر مما أعطاها فذهب مالك والشافعي إلى جواز الخلع بقليل المال وكثيره وبأكثر من الصداق وبمالها كله إذا كان ذلك من قبلها قال مالك لم أزل أسمع إجازة الفدية بأكثر من الصداق لقول الله عز وجل * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * 2 229 ولحديث حبيبة بنت سهل مع ثابت بن قيس قال فإذا كان النشوز من قبلها جاز للزوج ما أخذ منها بالخلع وإن كان أكثر من الصداق إذا رضيت بذلك وكان لم يضر بها فإن كان لخوف ضرره أو لظلم ظلمها أو أضر بها لم يجز له أخذه وإن أخذ شيئا منها على هذا الوجه رده ومضى الخلع عليه
وقال الشافعي الوجه الذي تحل به الفدية والخلع أن تكون المرأة مانعة لما يجب عليها غير مؤدية حقه كارهة له فتحل الفدية حينئذ للزوج قال الشافعي وإذا حل له أن يأكل ما طابت به نفسا له على غير فراق جاز له أن يأكل ما طابت له به نفسا وتأخذه بالفراق إذا كان ذلك برضاها ولم يضرها
قال الشافعي والمختلعة لا يلحقها طلاق وإن كانت في العدة وهو قول ابن عباس وابن الزبير
قال أبو عمر وبه قال مالك وهو القياس والنظر لأنها ليست زوجة
368

وقال إسماعيل القاضي اختلف الناس فيما يأخذ منها على الخلع فاحتج الذين قالوا يأخذ منها أكثر مما أعطاها بقول الله عز وجل * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * 2 229
قال إسماعيل فإن قال قائل إنما هو معطوف على ما أعطاها من صداق أو بعضه قيل له لو كان كذلك لكان فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه أو من ذلك
قال وهو بمنزلة من قال لا تضربن فلانا إلا أن تخاف منه فإن خفته فلا جناح عليك فيما صنعت به فهذا إن خافه كان الأمر إليه فيما يفعل به لأنه لو أراد الضرب خاصة لقال من الضرب أو فيما صنعت به منه
واحتج الذين قالوا لا يحل له من ذلك شيء حتى يراها على فاحشة بقوله * (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * 4 19
واحتج الذين قالوا إنه لا يجوز الأخذ إذا كانت الإساءة من قبله بقوله * (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) * 4 20
الآية
هكذا قال إسماعيل قال ومن قال بأن قوله * (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله) * منسوخ بالآيتين فإن قوله مدفوع بأنه إنما يكون النسخ بالخلاف ولا خلاف في الآيتين للآية الأخرى لأنهما إذا خافا ألا يقيما حدود
369

الله فقد صار الأمر منهما جميعا والعمل في الآية الأخرى منسوب إلى الزوج خاصة وذلك إرادته لاستبدال زوج مكان زوج ولأن الزوجة إذا خافت ألا تقيم حدود الله فاختلعت منه فقد طابت نفسها بما أعطت وهو قول عامة أهل العلم وذكر حديث حبيبة بنت سهل عن أبي مصعب عن مالك ثم قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب أنه تلا * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) *
قال هو أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها
قال وحدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة قال كان أبي يقول إذا جاء الفساد من قبل المرأة حل له الخلع وإن جاء من قبل الرجل فلا ولا
نعمة
قال أبو عمر ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال لا يحل للرجل أن يأخذ من امرأته شيئا من الفدية حتى يكون النشوز من قبلها قيل له وكيف يكون النشوز قال أن تظهر له البغضاء وتسيء عشرته وتظهر له الكراهية وتعصي أمره فإذا فعلت ذلك فقد حل له أن يقبل منها ما أعطاها لا يحل له أكثر مما أعطاها وهو قول أبي حنيفة
370

قال أبو عمر روي عن علي بن أبي طالب بإسناد منقطع لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها وهو قول الحسن وعطاء وطاوس وعن ابن المسيب والشعبي كرها أن يأخذ منها كل ما أعطاها
وروي عن ابن عمر وابن عباس أنه لا بأس أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها وهو قول عكرمة وإبراهيم ومجاهد وجماعة
ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر جاءته مولاة لامرأته اختلعت من زوجها بكل شيء لها وبكل ثوب عليها فلم ينكر ذلك عبد الله
وقال عكرمة يأخذ منها حتى قرطها
وقال مجاهد وإبراهيم يأخذ منها حتى عقاص رأسها
واختلفوا في فرقة الخلع فذهب مالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابهم إلى أن الخلع تطليقة بائنة وهو أحد قولي الشافعي وأحب إلى المزني
وقال أحمد وإسحاق الخلع فرقة وليس بطلاق وهو قول داود
وقال الشافعي في أحد قوليه إن الرجل إذا خلع امرأته فإن نوى بالخلع طلاقا أو سماه فهو طلاق فإن كان سمى واحدة فهي تطليقة بائنة وإن لم ينو طلاقا ولا شيئا لم تقع فرقة
371

وقال أبو ثور إذا لم يسم الطلاق فالخلع فرقة وليس بطلاق وأن سمي تطليقة فهي تطليقة فهي تطليقه والزوج أملك برجعتها ما دامت في العدة
قال أبو عمر احتج من لم ير الخلع طلاقا بحديث ابن عيينة عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله فقال رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أيتزوجها قال نعم لينكحها ليس الخلع بطلاق ذكر الله عز وجل الطلاق في أول الآية وآخرها والخلع فيما بين ذلك فليس الخلع بشيء ثم قال * (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) * 2 229 وقرا * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * 2 230
واحتج من جعل الخلع طلاقا بحديث شعبة عن الحكم عن خيثمة عن عبد الله بن شهاب قال شهدت عمر بن الخطاب أتته المرأة ورجل في خلع فأجازه وقال إنما طلقك بمالك وبحديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن جمهان مولى الأسلميين عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان بن عفان في ذلك فقال هي تطليقة إلا أن تكون سميت فهو كما سميت
372

قال إسماعيل وكيف يجوز القول في رجل قالت له امرأته طلقني على ماله فطلقها أنه لا يكون طلاقا وهو لو جعل أمرها بيدها من غير شيء فطلقت نفسها كان طلاقا
قال فأما قوله * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد) * فهو معطوف على * (الطلاق مرتان) * لأن قوله (أو تسريح) (2 229) إنما يعني به أو تطليق والله أعلم فلو كان الخلع معطوفا على التطليقتين لكان لا يجوز الخلع أصلا إلا بعد تطليقتين وهذا لا يقوله أحد قال ومثل هذا في القرآن كثير مثل * (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) * 2 196
وهي على كل حال حلق محصر أو غير محصر لأنه لم يخص المحصر كما لم يخص بالفدية من قد طلق تطليقتين بل هي للأزواج كلهم
واختلف الفقهاء أيضا في عدة المختلعة فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وهو قول أحمد بن حنبل عدة المختلعة كعدة المطلقة فإن كانت ممن تحيض فثلاث حيض وإن كانت من اليائسات فثلاثة أشهر ويروى هذا عن عمر وعلي وابن عمر
وقال إسحاق وأبو ثور عدة المختلعة حيضة ويروى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث هشام بن يوسف عن معمر عن عمرو بن
373

مسلم عن عكرمة عن ابن عباس أن ثابت بن قيس اختلعت منه امرأته فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن حيون حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا هشام عن معمر بإسناده
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة مرسلا
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا من وجه آخر وكلاهما ليس بالقوي حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا المعلى بن منصور حدثنا ابن لهيعة قال حدثني أبو الأسود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن ربيع بنت معوذ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر امرأة ثابت بن قيس حين اختلعت منه أن تعتد بحيضة
وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه في ذلك بما حدثناه عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن زبان حدثنا محمد بن رمح قال حدثنا الليث بن سعد عن نافع أنه سمع الربيع ابنة معوذ بن عفراء تخبر عبد الله بن عمر أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان فجاء معها عمها معاذ بن عفراء إلى
374

عثمان فقال إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها أفتنتقل فقال عثمان تنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها ولكن لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حمل فقال ابن عمر عثمان خيرنا وأعلمنا
وفي رواية أيوب وعبيد الله بن عمر في هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر ولا نفقة لها
قال أبو عمر في هذا الحديث أحكام وعلوم منها أن عثمان رضي الله عنه أجاز الخلع وعلى ذلك جماعة الناس إلا بكر بن عبد الله المزني فإنه قال إن قوله عز وجل * (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * منسوخ نسخه قوله * (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا) * الآية
قال عقبة بن أبي الصهباء سألت بكر بن عبد الله المزني عن الرجل يريد أن يخالع امرأته فقال لا يحل له أن يأخذ منها شيئا
قلت فأين قول الله عز وجل * (فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) * قال هي منسوخة قلت وما نسخها قال ما في سورة النساء قوله * (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه) * الآية
375

قال أبو عمر قول بكر هذا خلاف السنة الثابتة في قصة ثابت بن قيس وحبيبة بنت سهل وخلاف جماعة العلماء والفقهاء بالحجاز والعراق والشام وكان ابن سيرين وأبو قلابة يقولان لا يحل للرجل الخلع حتى يجد على بطنها رجلا لأن الله يقول * (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) * 4 19
قال أبو قلابة فإذا كان ذلك جاز له أن يضارها ويشق عليها حتى تختلع منه
قال أبو عمر ليس هذا بشيء لأن له أن يطلقها أو يلاعنها وإما أن يضارها ليأخذ مالها فليس ذلك له
وفي حديث عثمان أيضا من الفقه إجازة الخلع عند غير السلطان وهو خلاف قول الحسن وزياد وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين قال سعيد بن أبي عروبة قلت لقتادة عمن أخذ الحسن الخلع إلى السلطان قال عن زياد وفيه انه جعله طلاقا خلافا لقول ابن عباس أنه فسخ بغير طلاق وفيه أنه أجازه بالمال ولم يسأل أهو أكثر من صداقها أو أقل على خلاف ما يقول أبو حنيفة والزهري وعطاء ومن تابعهم في أن الخلع لا يكون بأكثر من الصداق
وفيه أنه أجاز للمختلعة أن تنتقل فلم يجعل لها سكنى
376

وجعلها خلافا للمطلقة وهذا خلاف قول مالك والشافعي وأبي حنيفة
وفيه أنه لم يجعل عدتها عدة المطلقة وجعل عدتها حيضة وبهذا قال إسحاق بن راهويه وأبو ثور وهو قول ابن عباس بلا اختلاف عنه وأحد قولي الشافعي وروي عن ابن عمر مثل ذلك
وروي عنه أن عدة المختلعة عدة المطلقة رواه مالك وغيره عن نافع عن ابن عمر وهو أصح عن ابن عمر وهو المشهور من قول الشافعي وبه قال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وسالم وعروة وعمر بن عبد العزيز والزهري والحسن والنخعي ومالك والأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل
وفيه أن المختلعة أملك لنفسها لا تنكح إلا برضاها خلاف قول أبي ثور
وفيه دليل على أن المختلعة لا يلحقها طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا لعان لأنه لم يجعل لها سكنى ولا نفقة ولا يتوارثان وجعلها بخلاف الرجعية
وقول أبي حنيفة إنها يلحقها الطلاق خلاف أقاويل الفقهاء وكذلك ما رواه طاوس عن ابن عباس في أن الخلع ليس بطرق شذوذ في الرواية وما احتج به فغير لازم لأن قوله عز وجل * (الطلاق مرتان) * عند أهل العلم كلام تام بنفسه وقوله * (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) * حكم مستأنف
377

فيمن طلقت وفيمن لم تطلق ثم قال * (فإن طلقها) * فرجع إلى المعنى الأول في قوله * (الطلاق مرتان) * ومثل هذا التقديم والتأخير ودخول قصة على أخرى في القرآن كثير ولطاوس مع جلالته روايتان شاذتان عن ابن عباس هذه إحداهما في الخلع والأخرى في الطلاق الثلاث المجتمعات أنها واحدة
وروى عن ابن عباس جماعة من أصحابه خلاف ما روى طاوس في طلاق الثلاث أنها لازمة في المدخول بها وغير المدخول بها أنها ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وعلى هذا جماعة العلماء والفقهاء بالحجاز والعراق والشام والمشرق والمغرب من أهل الفقه والحديث وهم الجماعة والحجة وإنما يخالف في ذلك أهل البدع الخشبية وغيرهم من المعتزلة والخوارج عصمنا الله برحمته وذكر إسماعيل القاضي حدثنا علي بن المديني حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال تكلم طاوس فقال الخلع ليس بطلاق هو فراق فأنكره عليه أهل مكة فجمع ناسا منهم ابنا عباد وعكرمة بن خالد فاعتذر إليهم من هذا القول وقال إنما ابن عباس قاله
قال القاضي لا نعلم أحدا من أهل العلم قاله إلا من رواية طاوس
378

قال أبو عمر قال مالك رحمه الله المختلعة هي التي اختلعت من جميع مالها والمفتدية هي التي افتدت ببعض مالها والمبارئة هي التي بارأت زوجها من قبل أن يدخل بها فقالت قد أبرأتك مما كان يلزمك من صداقي ففارقني قال وكل هذا سواء هي تطليقة بائنة
قال أبو عمر قد تدخل عند غيره من أهل العلم بعض هذه الألفاظ على بعض فيقال مختلعة وإن دفعت بعض مالها وكذلك المفتدية ببعض مالها وكل مالها وهذا توجيه اللغة والله أعلم
قال أبو عمر واختلف العلماء في المختلعة هل لزوجها أن يخطبها في عدتها ويراجعها بإذنها ورضاها على حكم النكاح فقال أكثر أهل العلم ذلك جائز له وحده وليس لأحد غيره أن يخطبها في عدتها وهو مذهب مالك والشافعي وجمهور الفقهاء وهو قول سعيد بن المسيب والزهري وعطاء وطاوس والحسن وقتادة وغيرهم
وقالت طائفة من المتأخرين لا يخطبها في عدتها هو ولا غيره وهو وغيره في نكاحها وعدتها سواء وهذا شذوذ وبالله التوفيق والعصمة
379

حديث ثان وأربعون ليحيى بن سعيد
547 مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها قالت ما طال علي وما نسيت القطع في ربع دينار فصاعدا (4124)
قال أبو عمر هذا حديث مسند بالدليل الصحيح لقول عائشة ما طال علي وما نسيت فكيف وقد رواه الزهري وغيره مسندا وقد رواه الحنيني عن مالك عن الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا
وكذلك رواه الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم
وهذان الإسنادان عن مالك والأوزاعي ليسا بصحيحين لأن دونهما من لا يحتج به والحديث للزهري عروة وعن عمرة جميعا عن عائشة رواه ابن عيينة وإبراهيم بن سعد وابن مسافر ومعمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقطع اليد في ربع دينار فصاعدا
ورواه يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة وعمرة جميعا عن عائشة وهو صحيح عندي للزهري عنهما حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن ريان قال حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو
380

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قالا جميعا حدثنا سفيان بن عيينة قال أبو الطاهر عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا
وقال الحميدي قال الزهري قال أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة تقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعدا
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا أربعة عن عمرة عن عائشة لم يرفعوه عبد الله بن أبي بكر ورزيق بن حكيم الأيلي وعبد ربه بن سعيد ويحيى بن سعيد والزهري أحفظهم كلهم إلا أن في حديث يحيى ما دل على الرفع ما نسيت ولا طال علي القطع في ربع دينار فصاعدا
قال الحميدي وحدثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال حدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقطع السارق إلا في ربع دينار فصاعدا
381

فحدثت سفيان حديث ابن أبي حازم هذا فأعجب به وقال الزهري أحفظهم
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني ابن الهادي عن أبي بكر بن محمد عن عمرة عن عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقطع السارق إلا في ربع دينار فصاعدا
أخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ حدثنا سليمان بن داود حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القطع في ربع دينار فصاعدا
وهكذا هو في موطأ ابن وهب من رواية سحنون وغيره
ورواه القاسم بن مبرور عن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة
قال أبو عمر هذا حديث ثابت صحيح وعليه عول أهل الحجاز في مقدار ما تقطع فيه يد السارق ولم يختلفوا أنه يقطع إن سرق من ذهب ربع
382

دينار فصاعدا وخالفهم أهل العراق على حسبما قد ذكرناه في باب نافع من هذا الكتاب
واختلف مالك والشافعي في تقويم العروض المسروقة فذهب مالك إلى أنها تقوم بالدراهم وإذا بلغت ثلاثة دراهم كيلا قطع لحديث ابن عمر في قيمة المجن
وقال الشافعي لا يقطع إلا أن تبلغ قيمة ما سرق ربع دينار وهو قول الأوزاعي وداود وقد ذكرنا وجه المذهبين واعتلال الفريقين ومن قال من العلماء بالقولين وغيرهما في باب نافع عن ابن عمر من كتابنا هذا والحمد لله وبه التوفيق
383

حديث ثالث وأربعون ليحيى بن سعيد
647 مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن بريرة جاءت تستعين عائشة أم المؤمنين فقالت لها عائشة إن أحب أهلك أن أصب لهم صبة واحدة وأعتقك فعلت ويكون لي ولاؤك فذكرت ذلك بريرة لأهلها فقالوا لا إلا أن يكون ولاؤك لنا
قال مالك قال يحيى فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق (3818)
قد مضى القول ممهدا مبسوطا في معنى هذا الحديث في باب هشام بن عروة من هذا الكتاب والحمد لله
384

حديث رابع وأربعون ليحيى بن سعيد
747 مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلففات بمروطهن ما يعرفن من الغلس (14)
في هذا الحديث التغليس بصلاة الصبح وهو الأفضل عندنا لأنها كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ألا ترى إلى كتاب عمر إلى أعماله أن صلوا الصبح والنجوم بادية مشتبكة
وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وعامة فقهاء الحجاز وإليه ذهب داود بن علي وقد روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يغلسون بالصبح فلما قتل عمر أسفر بها عثمان
ومن حجة من ذهب إلى أن التغليس أفضل من الإسفار بصلاة الصبح حديث أم فروة ذكر عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر العمري عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته أو جداته عن أم فروة وكانت قد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال الصلاة لأول وقتها
385

وذكر أبو داود عن القعنبي ومحمد بن عبد الله الخزاعي جميعا عن العمري عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال الصلاة في أول وقتها
وذهب العراقيون قديما وحديثا إلى الإسفار بها وقالوا الإسفار بها أفضل
واحتج من ذهب مذهبهم بحديث رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر
وبعضهم يزيد في هذا الحديث أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر
حدثنا أحمد بن قاسم حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحرث بن أبي أسامة حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر
قال أبو عمر هذا الحديث إنما يدور على عاصم بن عمر وليس بالقوي وذكر عبد الرزاق عن الثوري وابن عيينة عن محمد بن عجلان عن عاصم
386

بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفروا بصلاة الغداة فإنه أعظم لأجركم
وذكره أبو داود عن إسحاق بن إسماعيل عن ابن عيينة بإسناده مثله إلا أنه قال أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم
وذكره ابن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفروا بالفجر فإنه كلما أسفرتم كان أعظم للأجر
وحدثنا وكيع عن هشام عن سعد عن زيد بن أسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر
وذكر عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن سعيد بن عبيد الطائي عن علي بن ربيعة قال سمعت عليا يقول لمؤذنه أسفر أسفر يعني بصلاة الصبح
وعن الثوري عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد قال كان عبد الله يسفر بصلاة الغداة
387

قال أبو عمر على مذهب علي وعبد الله في هذا الباب جماعة أصحاب ابن مسعود وهو قول إبراهيم النخعي وطاوس وسعيد بن جبير وإلى ذلك ذهب فقهاء الكوفيين وقد يحتمل أن يكون الإسفار المذكور في حديث رافع بن خديج وفي هذا الحديث عن علي وعبد الله يراد به وضوح الفجر وبيانه فإذا انكشف الفجر فذلك الإسفار المراد والله أعلم
من ذلك قول العرب أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته وذلك أن من كان شأنه التغليس جدا لم يؤمن عليه الصلاة قبل الوقت فلهذا قيل لهم أسفروا أي تبينوا وإلى هذا التأويل في الإسفار ذهب جماعة من أهل العلم منهم أحمد وإسحاق وداود
حدثنا عبيد بن محمد وأحمد بن محمد قالا حدثنا الحسن بن سلمة قال حدثنا عبد الله بن الجارود قال حدثنا إسحاق بن منصور قال قلت لأحمد بن حنبل ما الإسفار فقال الإسفار أن يتضح الفجر فلا تشك فيه أنه قد طلع الفجر قال إسحاق كما قال
وقال أبو بكر الأثرم قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل كان أبو نعيم يقول في حديث رافع بن خديج أسفروا بالفجر
388

وكلما أسفرتم بها فهو أعظم للأجر فقال نعم كله سواء إنما هو إذا تبين الفجر فقد أسفر
قال أبو عمر على هذا التأويل ينتفي التعارض والتدافع في الأحاديث في هذا الباب وهو أولى ما حملت عليه والأحاديث في التغليس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أثبت من جهة النقل وعليها فقهاء الحجاز في صلاة الصبح عند أول الفجر الآخر
ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء أي حين أحب إليك أن أصلي الصبح إماما وخلوا قال حين ينفجر الفجر الآخر ثم يطول في القراءة والركوع والسجود حتى ينصرف منها وقد تبلج النهار وتتآم الناس قال ولقد بلغني عن عمر بن الخطاب أنه كان يصليها حين ينفجر الفجر الآخر وكان يقرأ في إحدى الركعتين بسورة يوسف
قال أبو عمر إنما ذكرنا ههنا مذاهب العلماء في الأفضل من التغليس بالصبح والإسفار بها وقد ذكرنا أوقات الصلوات مجملة ومفسرة في باب ابن شهاب عن عروة وجرى ذكر وقت صلاة الصبح في مواضع من هذا الكتاب والحمد لله
389

وفي هذا الحديث شهود النساء في الصلوات في الجماعة ويؤكد ذلك قوله لا تمنعوا إماء الله مساجد الله
وسيأتي هذا المعنى مبسوطا ممهدا في باب يحيى عن عمرة عن عائشة قولها لو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده لمنعهن المسجد إن شاء الله
وأما قوله متلففات بالفاء فهي رواية يحيى وتابعه جماعة ورواه كثير منهم متلفعات بالعين والمعنى واحد
والمروط أكسية الصوف وقد قيل المرط كساء صوف مربع سداه شعر
وفي انصراف النساء من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح وهن لا يعرفن من الغلس دليل على أن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح لم
تكن بالسور الطوال جدا لأنه لو كان ذلك كذلك لم ينصرف إلا مع الإسفار
وقد أجمع العلماء على أن لا توقيت في القراءة في الصلوات الخمس إلا أنهم يستحبون أن يكون الصبح والظهر أطول قراءة من غيرهما والغلس بقية الليل عند أهل اللغة ومن ذهب إلى هذا جعل آخر الليل طلوع الشمس وضوء الفجر من الشمس والله أعلم
والغبش بالشين المنقوطة والباء النور المختلط بالظلمة والغلس والغبش سواء إلا أنه لا يكون الغلس إلا في آخر الليل وقد يكون الغبش في أول الليل وفي آخره
وأما الغبس بالباء والسين فغلط عندهم وبالله التوفيق
390

حديث خامس وأربعون ليحيى بن سعيد
847 مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أن يهودية جاءت تسألها فقالت أعاذك الله من عذاب القبر فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعذب الناس في قبورهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عائذا بالله من ذلك ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة مركبا فخسفت الشمس فرجع ضحى فمر بين ظهري الحجر ثم قام يصلي وقام الناس وراءه فقام قياما طويلا ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فسجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع ثم سجد ثم انصرف فقال ما شاء الله أن يقول ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر (123)
في هذا الحديث دليل على أن عذاب القبر تعرفه اليهود وذلك والله أعلم في التوراة لأن مثل هذا لا يدرك بالرأي
391

وأما صلاة الكسوف فقد مضى القول فيها ممهدا في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس وحديثه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وحديثه هذا عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة كلها في صلاة الكسوف بمعنى واحد ركعتين في كل ركعة ركوعان والقول فيها في موضع واحد يغني وقد مضى من القول والأثر في عذاب القبر في باب هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء من هذا الكتاب ما فيه كفاية
وأما قوله خسفت الشمس فالخسوف بالخاء عند أهل اللغة ذهاب لونها وأما الكسوف بالكاف فتغير لونها قالوا يقال بئر خسيف إذا غار ماؤها وفلان كاسف اللون متغير اللون إلى السواد
وقد قيل الخسوف والكسوف بمعنى واحد والله أعلم
قرأت على خلف بن أحمد بن مطرف حدثهم قال حدثنا أيوب بن سليمان ومحمد بن عمر بن لبابة قالا حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم أبو زيد قال حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ عن موسى بن علي قال سمعت أبي ليقول كنت عند عمرو بن العاصي بالإسكندرية فكسف بالقمر ليلة فقال رجل من القوم سمعت قسطال هذه المدينة يقول يكسف بالقمر هذه الليلة فقال رجل من الصحابة كذب أعداء الله هذا هم علموا ما في الأرض فما علمهم بما في السماء ولم ير عمرو ذلك كبيرا أو كثيرا ثم قال عمرو إنما الغيب خمس ما
392

سوى ذلك يعلمه قوم ويجهله آخرون * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) * 31 34
وذكره ابن وهب في جامعه عن موسى بن علي عن أبيه مثله سواء
قال أبو عمر روى مالك وغيره عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مفاتيح الغيب خمس ثم ذكر مثله سواء وبالله التوفيق
393

حديث سادس وأربعون ليحيى بن سعيد
947 مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنهن المسجد كما منعه نساء بني إسرائيل
قال يحيى بن سعيد فقلت لعمرة أو منع نساء بني إسرائيل المساجد قالت نعم (1415)
قال أبو عمر سائر رواة الموطأ يقولون في هذا الحديث لمنعهن المسجد ولم يقل المساجد غير يحيى بن يحيى
في هذا الحديث دليل على أن النساء كن يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة وفيه دليل على أن أحوال الناس تغيرت بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء ورجالا وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال ما نفضنا أيدينا عن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنكرنا قلوبنا
وإن كان في هذا الحديث دليل على أن مشاهدة النساء الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن النص في ذلك ثابت مغن عن الاستدلال إلا ترى إلى قول عائشة إن النساء كن ينصرفن متلففات بمروطهن من صلاة الصبح فما يعرفن من الغلس
394

وقد روى معمر والزبيدي وغيرهما عن الزهري عن هند ابنة الحرث وكانت تحت معبد بن المقداد الكندي أخبرته وكانت تدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن أم سلمة أخبرتها أن النساء كن يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فينصرفن إلى بيوتهن متلففات في مروطهن ما يعرفن من الغلس
قالت وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث قليلا وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال
دخل حديث بعضهم في بعض ولا بأس عند جمهور العلماء بمشاهدة المتجالات من النساء ومن لا يخشى عليهن ولا منهن الفتنة والافتتان بين الصلوات وأما الشواب
فمكروه ذلك لهن
وقد ثبت من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أذن لهن في مشاهدة الصلوات بالليل لا بالنهار وقال مع ذلك وبيوتهن خير لهن
حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل
قال وحدثنا ابن وكيع ومجاهد بن موسى قالا حدثنا يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر
395

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن
قال ابن جرير وحدثنا سوار بن عبد الله بن سوار العنبري قال حدثنا المعتمر بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استأذنكم النساء إلى المساجد بالليل فلا تمنعوهن وليخرجن ثفلات
وسيأتي معنى ثفلات في بلاغات مالك أنه بلغه أن بسر بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمسن طيبا إن شاء الله
أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير وأبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال قال عبد الله بن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل
فقال ابن له والله لا نأذن لهن فيتخذنه دغلا والله لا نأذن لهن قال فسبه وغضب وقال أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذنوا لهن وتقول لا نأذن لهن
وروى حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولم يقل بالليل
396

ولا بالنهار ذكره أبو داود حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد
وروى محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن ثفلات رواه ابن عيينة وحماد بن سلمة وجماعة عن محمد بن عمرو
وروى ابن أبي الرجال عن أبيه عن عمرة عن عائشة مثله
وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كانت امرأة لعمر تشهد العشاء والصبح في جماعة في المسجد فقيل لها تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار قالت فما يمنعه أن ينهاني قالوا يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله
وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تركنا هذا الباب للنساء قال فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات
397

قال أبو داود رواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع قال قال عمر لو تركنا هذا الباب للنساء فذكره موقوفا عن عمر وهذا أصح
وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام عن قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب حدثني داود بن قيس عن عبد الله بن سويد الأنصاري عن عمته أم حميد أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال فقال لها قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي
قال فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء في بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله
398

أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا جرير بن أيوب قال حدثنا أبو زرعة قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة في داخلتها وربما قال في مخدعها أعظم لأجرها من أن تصلي في بيتها ولأن تصلي في بيتها أعظم لأجرها من أن تصلي في دارها ولأن تصلي في دارها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد قومها ولأن تصلي في مسجد قومها أعظم لأجرها من أن تصلي في مسجد الجماعة ولأن تصلي في الجماعة أعظم لأجرها من الخروج يوم الخروج
حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا المعلى بن منصور حدثنا عبد العزيز بن محمد عن أبي اليمان عن شداد بن أبي عمرو بن حماس عن أبيه عن حمزة بن أبي أسيد عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد فاختلط النساء بالرجال فقال لا تحفظن الطريق عليكن بحافات الطريق وذكر تمام الحديث
حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار قال حدثنا سوار بن مصعب عن عطية العوفي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
399

ليس للنساء نصيب في الخروج وليس لهن نصيب في الطريق إلا في جوانب الطريق
حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا أبو شهاب عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن عبد الله بن الطيب عن أم سليمان ابنة أبي حكيم أنها قالت أدركت القواعد يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرائض
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا العوام بن حوشب قال حدثني حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن
وأخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرني العوام بن حوشب عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا النساء المساجد وبيوتهن خير لهن
فقال ابن لعبد الله بن عمر والله لنمنعهن فقال ابن عمر تراني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول لتمنعهن
400

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مضر بن محمد حدثنا سعيد بن حفص الحراثي حدثنا موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث عن أبي السمح عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير مساجد النساء قعر بيوتهن
حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا أبو ثابت حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يحيى بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها وصلاتها في حجرتها خير من صلاتها في دارها وصلاتها في دارها خير من صلاتها فيما وراء ذلك
قال أبو عمر قد أوردنا من الآثار المسندة في هذا الباب ما فيه كفاية وغنى فمن تدبرها وفهمها وقف على فقه هذا الباب
وأما أقاويل الفقهاء فيه فقال مالك لا يمنع النساء الخروج إلى المساجد فإذا جاء الاستسقاء والعيد فلا أرى بأسا أن تخرج كل امرأة متجالة هذه رواية ابن القاسم عنه
401

وروى عنه أشهب قال تخرج المرأة المتجالة إلى المسجد ولا تكثر التردد وتخرج الشابة مرة بعد مرة وكذلك في الجنائز يختلف في ذلك أمر العجوز والشابة في جنائز أهلها وأقاربها
وقال الثوري ليس للمرأة خير من بيتها وإن كانت عجوزا قال الثوري قال عبد الله المرأة عورة وأقرب ما تكون إلى الله في قعر بيتها فإذا خرجت استشرفها الشيطان
وقال الثوري أكره اليوم للنساء الخروج إلى العيدين
وقال ابن المبارك أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطهارها ولا تتزين فإن أبت أن تخرج كذلك فللزوج أن يمنعها من ذلك
وذكر محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال كان النساء يرخص لهن في الخروج إلى العيد فأما اليوم فإني أكرهه قال وأكره لهن شهود الجمعة والصلاة المكتوبة في الجماعة وأرخص للعجوز الكبيرة أن تشهد العشاء والفجر فأما غير ذلك فلا
وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه قال خروج النساء في العيدين حسن ولم يكن يرى خروجهن في شيء من الصلوات ما خلا العيدين
وقال أبو يوسف لا بأس أن تخرج العجوز في الصلوات كلها وأكره ذلك للشابة
402

قال أبو عمر أقوال الفقهاء في هذا الباب متقاربة المعنى وخيرها قول ابن المبارك لأنه غير مخالف لشيء منها ويشهد له قول عائشة لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء لمنعهن المسجد
ومع أحوال الناس اليوم ومع فضل صلاة المرأة في بيتها فتدبر ذلك
حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار قال حدثنا سوار بن مصعب عن عطية العوفي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس للنساء نصيب في الخروج وليس لهن نصيب في الطريق إلا في جوانب الطريق
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن أيوب ويونس وحبيب ويحيى بن عتيق وهشام في آخرين عن محمد أن أم عطية قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج ذوات الخدور يوم العيد قيل فالحيض قال يشهدن الخير ودعوة المسلمين فقالت امرأة يا رسول الله إن لم يكن لإحدانا ثوب كيف تصنع قال تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها
قال وحدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن محمد عن أم عطية بهذا الخبر قال ويعتزل الحيض مصلى المسلمين
403

قال أبو جعفر الطحاوي يحتمل أن يكون ذلك والمسلمون يومئذ قليل فأريد التكثير بحضورهن إرهابا للعدو واليوم فلا يحتاج إلى ذلك
أخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد حدثنا أحمد بن عمرو وحدثنا ابن سنجر حدثنا ابن نمير حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت خرجت سودة لحاجتها ليلا بعدما ضرب علينا الحجاب وكانت امرأة تفرع النساء جسمة فوافقها عمر فناداها يا سودة إنك والله ما تخفين علينا إذا خرجت فانظري كيف تخرجين فانكفت راجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقته يتعشى فأخبرته بما قال عمر وإن العرق لفي يده فأوحى الله إليه ثم رفع عنه وإن العرق لفي يده فقال قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن
وذكر مالك عن يحيى بن سعيد أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب كانت تستأذنه إلى المسجد فيسكت فتقول لأخرجن إلا أن تمنعني
وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد وأحمد بن سعيد بن بشر قالا حدثنا مسلمة بن القاسم قال حدثنا أحمد بن عيسى المقرئ المعروف بابن الوشا قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن زياد مولى بني
404

هاشم قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي قال حدثنا هشيم بن بشير قال حدثنا رجل من أهل المدينة يقال له محمد بن مجبر عن زيد بن أسلم وعبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال تزوج عبد الله بن أبي بكر الصديق عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل وكانت امرأة جميلة وكان يحبها حبا شديدا فقال له أبو بكر الصديق طلق هذه المرأة فإنها قد شغلتك عن الغزو فأبى وقال ومن مثلي في الناس طلق مثلها وما مثلها في غير بأس تطلق قال ثم خرج في بعض المغازي فجاء نعيه فقالت فيه عاتكة رزيت بخير الناس بعد نبيهم وبعد أبي بكر وما كان قصرا فآليت لا تنفك عيني حزينة عليك ولا ينفك جلدي أغبرا فلله عينا من رأى مثله فتى أعف وأحصى في الهياج وأصبرا قال فلما انقضت عدتها زارت حفصة ابنة عمر فدخل عمر على حفصة فلما رأت عاتكة عمر قامت فاستترت فنظر إليها عمر فإذا امرأة بارعة ذات خلق وجمال فقال عمر لحفصة من هذه فقالت هذه عاتكة ابنة زيد عمرو بن نفيل فقال عمر اخطبيها علي قال فذكرت حفصة لها ذلك فقالت إن عبد الله بن أبي بكر جعل لي جعلا على أن لا أتزوج بعده فقالت ذلك حفصة لعمر فقال لها عمر مريها فلتردي ذلك على ورثته وتزوجي
قال فذكرت ذلك لها حفصة فقالت لها عاتكة أنا اشترط عليه ثلاثا ألا يضربني ولا يمنعني من الحق
405

ولا يمنعني عن الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة فقالت حفصة لعمر ذلك فتزوجها فلما دخل عليها أو لم عليها ودعا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيهم علي بن أبي طالب فلما فرغوا من الطعام وخرجوا خرج علي فوقف فقال أههنا عاتكة قالوا نعم فصارت خلف الستر وقالت ما تريد بأبي وأمي فذكرها بقولها في عبد الله بن أبي بكر فآليت لا تنفك عيني سخينة عليك ولا ينفك جلدي أغبرا تلك الأبيات وقال لها هل تقولين الآن هذا فبكت عاتكة فسمع عمر البكاء فقال ما هذا فأخبر فقال لعلي ما دعاك إلى ذلك غممتها وغممتنا قال فلبثت عنده حتى أصيب رحمه الله فرثته بأبيات قد ذكرتها في بابها من كتاب النساء من كتابي في الصحابة ثم اعتدت فلما انقضت عدتها خطبها الزبير بن العوام فقالت له نعم إن اشترطت لي الثلاث الخصال التي اشترطتها على عمر فقال لك ذلك فتزوجها فلما أرادت أن تخرج إلى الشعاء شق ذلك على الزبير فلما رأت ذلك قالت ما شئت أتريد أن تمنعني فلما عيل صبره خرجت ليلة إلى العشاء فسبقها الزبير فقعد لها على الطريق من حيث لا تراه فلما مرت جلس خلفها فضرب بيده على
406

عجزها فنفرت من ذلك ومضت فلما كانت الليلة المقبلة سمعت الأذان فلم تتحرك فقال لها الزبير مالك هذا الأذان قد جاء فقالت فسد الناس ولم تخرج بعد فلم تزل مع الزبير حتى خرج الزبير إلى الجمل فقتل فبلغها قتله فرثته فقالت يا عمرو لو نبهته لوجدته لا الطائش منه الجنان ولا اليد وهي أبيات قد ذكرتها في بابها من كتاب الصحابة
وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور حدثنا عيسى بن مسكين حدثنا محمد بن سنجر حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا موسى بن عبيدة عن داود بن مدرك عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد إذ دخلت امرأة من مزينة ترفل في زينة لها في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المساجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبختروا في المسجد
هذا ما ليحيى بن سعيد عن عمرة وله عن عمرة حديث الاعتكاف قد ذكرناه في باب ابن شهاب برواية يحيى له عن مالك عن ابن شهاب وهو مما رواه عن زياد عن مالك وذلك خطأ
وإنما الحديث ليحي بن سعيد عند جماعة الرواة ليس لابن شهاب والله الموفق للصواب وهو حديث مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى
407

المكان الذي أراد أن يعتكف فيه رأى خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم البر تقولون بهن ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال
هكذا هو في الموطأ مرسلا وقد وصله الوليد بن مسلم عن مالك وكذلك رواه جماعة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة مسندا
وقد ذكرنا ذلك وذكرنا ما في هذا الحديث من المعاني وما للعلماء فيها من المذاهب في باب ابن شهاب عن عمرة وإن كان ذلك خطأ لا شك فيه ولكن لما رواه يحيى بن يحيى عن مالك كذلك على ما وصفنا وبالله توفيقنا
حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا ابن ملاس حدثنا أبو عامر العقري حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا أبو عمرو والأوزاعي ومالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان فاستأذنته عائشة فأذن لها
وسألته حفصة أن يأذن لها ففعل فلما رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببناء لها
قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح انصرف إلى بنائه فأبصر الأبينة فقال ما هذا قالوا عائشة وحفصة وزينب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بمعتكف فرجع فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال
408

حديث سابع وأربعون ليحيى بن سعيد يحيى بن النعمان بن مرة حديث واحد وهو أول مراسيل يحيى
57057057 057 مالك عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ترون في الشارب والسارق والزاني وذلك قبل أن ينزل فيهم
قالوا الله ورسوله أعلم قال هن فواحش وفيهن عقوبة وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته قالوا وكيف يسرق صلاته قال لا يتم ركوعها ولا سجودها (972)
لم يختلف الرواة عن مالك في إرسال هذا الحديث عن النعمان بن مرة وهو حديث صحيح يستند من وجوه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد
أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر أخبرنا مسلمة بن قاسم أخبرنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن الحسن بن سعيد الأصبهاني بسيراف حدثنا أبو بشر يونس بن حبيب بن عبد القاهر قال حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري
وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال
409

حدثنا هارون بن عبد الله قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري
وحدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد قال أخبرنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أسوأ السرقة سرقة الذي يسرق صلاته قالوا وكيف يسرقها قال لا يتم ركوعها ولا سجودها
وحدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد بن حبيب قال حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى حدثني أبو سلمة حدثني أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شر الناس سرقة الذي يسرق صلاته قالوا وكيف يسرق صلاته قال لا يتم ركوعها ولا سجودها
وروى الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تعدون الكبائر فيكم قلنا الشرك والزنا والسرقة وشرب الخمر قال هن كبائر وفيهن عقوبات ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى قال شهادة الزور
والحكم هذا ضعيف عنده مناكير لا يحتج به ولكن فيما تقدم ما يعضد هذا
410

في حديث مالك من الفقه طرح العالم على المتعلم المسائل وفيه أن شرب الخمر والسرقة والزنا فواحش والله عز وجل قد حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ومعلوم أنه لم يرد شرب الماء وإنما أراد شرب ما حرمه الله من الأشربة
وفيه دليل على أن الشارب يعاقب وعقوبته كانت مردودة إلى الاجتهاد فلذلك جمع عمر الصحابة فشاورهم في حد الخمر فاتفقوا على ثمانين فصارت سنة وبها العمل عند جماعة فقهاء المدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام والمغرب وجمهور أهل الحديث وما خالفهم شذوذ وبالله التوفيق
وأما السرقة والزنى فقد أحكم الله حدودهما في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بما لا مدخل للرأي فيه وأظن قوله صلى الله عليه وسلم هذا كان عند نزول قول الله عز وجل في فاحشة الزنى * (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما) * وبعد قوله * (فأمسكوهن في البيوت) * ثم نسخ ذلك كله بالجلد والحد
وفيه دليل على أن ترك الصلاة أو ترك إقامتها على حدودها من أكبر الذنوب ألا ترى أنه ضرب المثل لذلك بالزاني والسارق ومعلوم أن السرقة والزنا من الكبائر ثم قال وشر السرقة أو أسوأ السرقة الذي يسرق صلاته كأنه قال وشر ذلك سرقة من يسرق صلاته فلا
411

يتم ركوعها ولا سجودها
وقد مضى القول في تارك الصلاة ممن يؤمن بفرضها في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب
حدثني قاسم بن محمد قال حدثني خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا بشر بن عمر حدثنا شعبة أخبرني سليمان الأعمش سمعت عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود
حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا عبد الملك بن بحر حدثنا موسى بن هارون حدثنا ابن أخي جويرية حدثنا مهدي بن ميمون عن واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة أنه رأى رجلا يصلي لا يقيم ركوعه ولا سجوده فلما قضى صلاته دعاه فقال مذ كم صليت هذه الصلاة قال صليتها منذ كذا وكذا فقال له حذيفة ما صليت لله صلاة
وقال مالك في رواية ابن وهب عنه والشافعي والثوري وجمهور الفقهاء من لم يتم ركوعه ولا سجوده في الصلاة وجب عليه إعادتها وكذلك عندهم من لم يعتدل قائما في ركوعه ولا جالسا بين السجدتين وقد روى ابن القاسم عن مالك في ذلك ما يشبه قول أبي حنيفة وقد أوضحنا أن قول أبي حنيفة في ذلك شذوذ عن جمهور الفقهاء وخلاف لظاهر الآثار المرفوعة في هذا الباب وذكرنا
412

اختلاف الفقهاء فيمن لم يعتدل في ركوعه ولا سجوده في باب أبي الزناد عند قوله من أم الناس فليخفف وأوضحنا ذلك المعنى هناك بالآثار فلا معنى لإعادة ذلك ههنا
وقد حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد المؤمن حدثنا المفضل بن محمد حدثنا علي بن زياد حدثنا أبو قرة قال سمعت ملكا يقول إذا نقص الرجل صلاته في ركوعه وسجوده فإني أحب أن يبتدئها
قال أبو عمر كأنه يقول إنه أحب إليه من إلغاء الركعة
413

حديث ثامن وأربعون ليحيى بن سعيد
157 مالك عن يحيى بن سعيد وغير واحد عن الحسن بن أبي الحسن البصري وعن محمد بن سيرين أن رجلا في زمن رسول الله أعتق عبيدا له ستة عند موته فأسهم رسول الله بينهم فأعتق ثلث تلك العبيد (383)
هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك عن يحيى بن سعيد وغير واحد وتابعه طائفة من رواة الموطأ وروته أيضا جماعة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن غير واحد عن الحسن وابن سيرين مثله مرسلا
وقال مالك بلغني أنه لم يكن للرجل مال غيرهم وهذا الحديث يتصل من حديث الحسن وابن سيرين عن عمران بن حصين عن النبي وهو حديث ثابت صحيح
رواه عن الحسن جماعة منهم قتادة وسماك بن حرب وأشعث بن عبد الملك ويونس بن عبيد ومبارك بن فضالة وخالد الحذاء ويتصل أيضا من حديث أبي هريرة من رواية ابن سيرين وغيره
أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس حدثنا محمد بن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن
414

يزيد بن إبراهيم عن الحسن وابن سيرين عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة أعبد في مرضه فأقرع رسول الله بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
سقط هذا الحديث ومن حديث مالك قوله فيه ليس له مال غيرهم وهو لفظ محفوظ في هذا الحديث عند الجميع والأصول كلها تشهد بأن الأمر الموجب للقرعة بينهم أنه لم يكن له مال غيرهم
وحدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين البغدادي بمكة قال حدثنا عبد الله بن صالح البخاري حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين وعن قتادة وحميد وسماك عن الحسن عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته وليس له مال غيرهم فأقرع رسول الله بينهم فأعتق اثنين ورد أربعة في الرق
قال حماد بن سلمة وحدثنا عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب عن النبي مثله
حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال أخبرنا مبارك بن فضالة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فرفع ذلك إلى النبي فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
415

قال أبو عمر قال يحيى القطان مبارك أحب إلي في الحسن من الربيع بن صبيح
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قالا حدثنا مسدد قال حدثنا حماد عن يحيى بن عتيق وأيوب عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند موته ولم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
قال يحيى وقال محمد لو لم يبلغني عن النبي لكان رأي
أخبرنا محمد بن خليفة قال أخبرنا محمد بن الحسين قال أخبرنا عبد الله بن أبي داود حدثنا نصر بن علي حدثنا يزيد بن زريع حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين أن رجلا كان له ستة أعبد لم يكن له مال غيرهم فأعتقهم عند موته فرفع ذلك إلى النبي فجزأهم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين وأرق أربعة
حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا علي بن المديني قال حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا الأشعث عن الحسن عن عمران بن
416

حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين لم يكن له مال غيرهم عند موته فأقرع النبي بينهم فأعتق اثنين فأرق أو أبقى أربعة
وأخبرنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا قاسم بن زكرياء المطرز قال حدثنا أحمد بن سفيان وأبو بكر بن رنجويه قال حدثنا الفرياني عن سفيان عن سماك وخالد عن الحسن عن عمران بن حصين أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد غلمة عند الموت فأقرع النبي بينهم فأعتق ثلثهم وقال لو علمنا ما صلينا عليه أو ما دفن في مقابرنا
وحدثنا سعيد بن نصير وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا علي بن المديني حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن الحسن عن عمران بن حصين أن رجلا مات وأعتق ستة مملوكين ليس له مال غيرهم فأقرع النبي بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال لو أدركته ما صليت عليه
وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر قال حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب بن أبي الحسن البصري عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق عند موته ستة رجلة فجاء ورثته من الأعراب فأخبروا رسول الله بما صنع فقال أو فعل ذلك قالوا نعم قال لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه فأقرع بينهم فأعتق منهم اثنين ورد أربعة في الرق
417

وحدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا يونس بن عبيد عن الحسن عن عمران بن حصين أن رجلا كان له ستة أعبد فأعتقهم عند موته لم يكن له مال غيرهم فرفع ذلك إلى رسول الله فكره ذلك ثم جزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم رسول الله فأعتق اثنين وأرق أربعة
حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب عن محمد أن عمران بن حصين كان يحدث أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك النبي فدعا بهم فجزأهم ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين ورد أربعة في الرق
فهذه رواية الحسن وابن سيرين لهذا الحديث وقد رواه أبو المهلب عن عمران بن حصين وهو حديث بصري انفرد به أهل البصرة
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو دواد وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قالا حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند موته لم يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك رسول الله فقال للرجل قولا شديدا
418

ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
ورواه أبو هريرة عن النبي حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن موسى قال حدثنا إسرائيل عن عبد الله بن المختار عن محمد بن زياد عن أبي هريرة أن رجلا كان له ستة أعبد فأعتقهم عند موته فأقرع النبي بينهم فأعتق منهم اثنين وأرق أربعة
ورواه بشر بن المفضل عن عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ذكره إسماعيل بن إسحاق حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا بشر بن المفضل أخبرنا إسماعيل بن أمية أنه سمع مكحولا يحدث عن سعيد بن المسيب أن امرأة أعتقت ستة مملوكين على عهد رسول الله ليس لها مال غيرهم فأقرع النبي بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
قال حدثنا علي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال أخبرني قيس بن سعد أنه سمع مكحولا يقول سمعت سعيد بن المسيب يقول أعتقت امرأة أو رجل ستة أعبد لها عند الموت لم يكن لها مال غيرهم فذكر الحديث
419

قال وأخبرنا ابن جريج قال أخبرني سليمان بن موسى قال سمعت مكحولا يقول أعتقت امرأة من الأنصار توفيت أعبدا لها ستة لم يكن لها مال غيرهم فلما بلغ النبي غضب وقال في ذلك قولا شديدا ثم دعا بستة قداح فأقرع بينهم فأعتق اثنين
قال سليمان بن موسى كنت أراجع مكحولا فأقول إن كان ثمن عبد ألف دينار أصابته القرعة فذهب المال فقال قف على أمر رسول الله
قال ابن جريج قلت لسليمن الأمر يستقيم على ما قال مكحول قال كيف قلت يقامون قيمة فإن زاد اللذان أعتقا على الثلث أخذ منهما وإن نقصا أعتق ما بقي أيضا بالقرعة فإن فضل عليه أخذ منه قال لم يبلغنا أن النبي أقامهم
قال إسماعيل القاضي قد ذكر غير واحد في الأحاديث المسندة أن النبي جزأهم فهذا يدل على القيمة ولو لم يذكر التجزئة في الحديث لعلم أن القيمة لا بد منها إذا كان الواجب في ذلك إخراج الثلث فإن استوى الرقيق كانوا على العدد وإن لم يستووا كانوا على القيمة على ما فسره ابن جريج وهو قول مالك
حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد عن أيوب
420

وعن كثير بن شبطير أن الحسن حدث به عن عمران بن حصين وكان يراه ويقضي به
وحدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد عن أيوب عن يحيى قال ذهب بعض الناس إلى أن يراجع محمدا فيه فقال لو لم يبلغني عن النبي لكان رأيي
قال أبو عمر اختلف العلماء في الرجل يعتق عنه موته عبيدا له في مرضه ولا مال له غيرهم أو يوصي بعتقهم كلهم ولا مال له غيرهم فقال مالك والشافعي وأصحابهما بهذا الأثر الصحيح وذهبوا إليه وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور وداود والطبري وجماعة من أهل الرأي والأثر
ذكر ابن عبد الحكم قال من أعتق عبيدا له عند الموت ليس له مال غيرهم قسموا ثلاثا ثم يسهم بينهم فيعتق ثلثهم بالسهم ويرق ما بقي وإن كان فيهم فضل رد السهم عليهم فأعتق الفضل وسواء ترك مالا غيرهم أو لم يترك قال ومن أعتق رقيقا له عند الموت وعليه دين يحيط بنصفهم فإن استطاع أن يعتق من كل واحد نصفه فعل ذلك بهم
421

قال ومن قال ثلث رقيقي حر أسهم بينهم وإن أعتقهم كلهم أسهم بينهم إذا لم يكن له مال غيرهم وإن قال ثلث كل رأس حر أو نصفه لم يسهم بينهم
وقال ابن القاسم كل من أوصى بعتق عبيده أو بتل عتقهم في مرضه ولم يدع غيرهم فإنه يعتق بالسهم ثلثهم وكذلك لو ترك مالا والثلث لا يسعهم لعتق مبلغ الثلث منهم بالسهم وكذلك لو أعتق منهم جزءا سماه أو عددا سماه وكذلك لو قال رأس منهم حر فبالسهم يعتق منهم من يعتق إن كانوا خمسة فخمسهم أو ستة فسدسهم خرج لذلك أقل من واحد أو أكثر ولو قال عشرة وهم ستون عتق سدسهم أخرج السهم أكثر من عشرة أو أقل وهذا كله مذهب مالك
قال أبو عمر لم يختلف مالك وأصحابه في الذي يوصي بعتق عبيده في مرضه ولا مال له غيرهم أنه يقرع بينهم فيعتق ثلثهم بالسهم وكذلك لم يختلف قول مالك وجمهور أصحابه إن هذا حكم الذي يعتق عبيده في مرضه عتقا بتلا ولا مال له غيرهم
وقال أشهب وأصبغ إنما القرعة في الوصية وأما في البتل فهم كالمدبرين
قال أبو عمر حكم المدبرين عندهم إذا دبرهم سيدهم في كلمة واحدة أنه لا يبدأ بعضهم على بعض ولا يقرع بينهم ويفض الثلث على جميعهم
422

بالقيمة فيعتق من كل واحد حصته من الثلث وإن لم يدع مالا غيرهم عتق ثلث كل واحد وإن دبر في مرضه واحدا بعد واحد بدأ الأول فالأول كما لو دبرهم في الصحة أو في مرض ثم صح
قال أبو عمر قول أشهب وأصبغ هذا خلاف السنة ولأن الحديث إنما ورد في رجل أعتق في مرضه ستة مملوكين لا مال له غيرهم وهو أيضفا مخالف لقول أهل الحجاز ومخالف لقول أهل العراق
وذكر ابن حبيب عن ابن القاسم وابن كنانة وابن الماجشون ومطرف قالوا إذا أعتق الرجل في مرضه عبيدا له عتقا بتلا أو أوصى لهم بالعتاقة كلهم أو بعضهم سماهم أو لم يسمهم إلا أن الثلث لا يحملهم أن السهم يجزيء فيهم كان له مال سواهم أو لم يكن
قال ابن حبيب وقال ابن نافع إن كان له مال سواهم لم يسهم بينهم وأعتق من كل واحد ما ينوبه وإن لم يكن له مال سواهم أو كان له مال تافه فإنه يقرع بينهم
وقال الشافعي وإذا أعتق الرجل في مرضه عبيدا له عتق بتات انتظر بهم فإن صح عتقوا من رأس ماله وإن مات ولا مال له غيرهم أقرع بينهم فأعتق ثلثهم قال الشافعي والحجة في أن العتق البتات في المرض وصية أن رسول الله أقرع بين ستة مملوكين
423

أعتقهم الرجل في مرضه وأنزل عتقهم وصية فأعتق ثلثهم قال ولو أعتق في مرضه عبيدا له عتق بتات وله مدبرون وعبيد أوصى بعتقهم بعد موته بدىء بالذين بت عتقهم لأنهم يعتقون عليه إن صح وليس له الرجوع فيهم بحال قال الشافعي والقرعة أن تكتب رقاع ثم تكتب أسماء العبيد ثم تبندق بنادق من طين ويجعل في كل رقعة بندقة ويجزأ الرقيق أثلاثا ثم يؤمر رجل لم يحضر الرقاع فيخرج رقعة على كل جزء بعينه وإن لم يستووا في القيمة عدلوا وهم قليل الثمن إلى كثير الثمن وجعلوا ثلاثة أجزاء قلوا أو كثروا إلا أن يكونوا عبدين فأن وقع العتق على جزء فيه عدة رقيق أقل من الثلث أعيدت القرعة بين السهمين الباقيين فأيهم وقع عليه عتق منه باقي الثلث وقول أحمد بن حنبل في هذا كله كقول الشافعي
وقال أبو حنيفة وأصحابه فيمن أعتق عبيدا له في مرضه ولا مال له غيرهم أنه يعتق من كل واحد منهم ثلثه ويسعى في ثلثي قيمته الورثة
قال أبو حنيفة وحكمه ما دام يسعى حكم المكاتب
وقال أبو يوسف ومحمد هم أحرار وثلثا قيمتهم دين عليهم يسعون في ذلك حتى يؤدوه إلى الورثة
قال أبو عمر وإنما حمل الكوفيين على ذلك أصلهم في أخبار الآحاد لأنهم لا يقبلون منها ما عارضه شيء من معاني السنن المجتمع عليها وقالوا
424

من السنة المتفق عليها فيمن بتل عتق عبيده في مرضه وله مال يحملهم ثلثه أنهم يعتقون كلهم والقياس على هذا إذا لم يكن له مال غيرهم أن يعتق من كل واحد ثلث فليس منهم أحد أولى من صاحبه
قال أبو عمر رد الكوفيون هذه السنة ولم يقولوا بها ورأوا القرعة في ذلك من القمار الخطر حتى لقد حكى مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن محمد بن ذكوان أنه سمع حماد بن أبي سليمان فذكر له الحديث الذي جاء في القرعة بين الأعبد فقال هذا قول الشيخ يعني إبليس فقال له محمد بن ذكوان وضع القلم عن ثلاثة أحدهم المجنون حتى يفيق أي أنك مجنون وكان حماد يصرع في بعض الأوقات ثم يفيق فقال له حماد ما دعاك إلى هذا فقال له محمد بن ذكوان وأنت ما دعاك إلى هذا
قال أبو عمر في قول الكوفيين في هذا الباب ضروب من الخطأ والاضطراب مع خلاف السنة في ذلك وقد رد عليهم في ذلك جماعة من المالكيين والشافعيين وغيرهم منهم إسماعيل وغيره
وحكمهم بالسعاية فيه ظلم لأنهم أحالوهم على سعاية لا يدرى ما يحصل منها وظلم للورثة إذ أجازوا عليهم في الثلث عتق الجميع بما لا يدرى أيضا أيحصل أم لا وظلم للعبيد لأنهم ألزموا مالا من غير جناية وبين
425

الشافعي ومالك في هذا الباب من فروعه تنازع ليس هذا موضع ذكره لتشعب القول فيه
قال أبو عمر أما القول في هذا الباب بالقرعة فقد احتج فيه الشافعي وغيره بقول الله عز وجل * (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) * الآية وبقوله عز وجل * (وإن يونس لمن المرسلين إذ أبق إلى الفلك المشحون فساهم فكان من المدحضين) * وكفى بحديث النبي في الذي أعتق ستة مملوكين له عند موته لا مال له غيرهم فأقرع رسول الله بينهم فأعتق ثلثهم
وبأنه كان يقرع بين نسائه أيتهن يخرج بها إذا أراد سفرا لاستوائهم في الحق لهن
وبإجماع العلماء على أن دورا لو كانت بين قوم قسمت بينهم وأقرع بينهم في ذلك وهذا طريق الشركة في الأملاك التي تقع فيها القسمة بالقرعة على قدر القيمة لأن حق المريض الثلث وحق الورثة الثلثان فصار بمنزلة شريكين لأحدهما سهم وللآخر سهمان كما لو أن الميت وهب العبيد كلهم لقوم ثم مات لقسموا بين القوم وبين الورثة بالقرعة هكذا وإنما نفر
426

أبو حنيفة ومن قال بقوله من هذا القول لأنهم جعلوا هذا بمنزلة من أعتق ثلث كل عبد من عبيده فلم يجز أن يعتق بالقرعة بعضهم فغلطوا ههنا في التشبيه والله المستعان
أخبرنا فائق مولى أحمد بن سعيد عنه عن عبد الملك بن بحر بن شاذان عن محمد بن إسماعيل الصائغ عن الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا عفان بن مسلم قال أخبرنا سليم قال حدثنا ابن عون قال قال لي محمد جاءني خالد فقال أرأيت الذين قالوا في القرعة إنه أقرع بينهم فقلت له إن نقصا برأيك أن ترى أن رأيك أفضل من رأي رسول الله وأصحابه ولولا أنه كان في بيتي لأسمعته غير ذلك
قال أبو عمر في هذا الحديث أيضا من الفقه إبطال السعاية ورد لقول العراقيين في ذلك لأن رسول الله لم يجعل على أولئك العبيد سعاية
وفيه دليل على أن أفعال المريض كلها من عتق وهبة وعطية ووصية لا يجوز منها أكثر من الثلث وأن ما بتله في مرضه حكمه حكم الوصية وعلى ذلك جماعة فقهاء الأمصار وخالفهم في ذلك أهل الظاهر وطائفة من أهل النظر والحجة عليهم بينة بهذا الحديث
427

وفيه أيضا دليل على أن الوصية جائزة لغير الوالدين والأقربين لأن العبيد عتقهم في المرض وصية لهم ومعلوم أنهم لم يكونوا بوالدين لمالكهم المعتق لهم ولا بأقربين له
وقد مضى ذكر الوصايا ممهدا في باب نافع من هذا الكتاب والحمد لله
428

حديث تاسع وأربعون ليحيى بن سعيد يحيى بن سعيد عن عبد الله بن المغيرة
257 مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى الناس في قبائلهم يدعو لهم وأنه ترك قبيلة من القبائل قال وإن القبيلة وجدوا في برذعة رجل منهم عقد جزع غلولا فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر عليهم كما يكبر على الميت (2124)
هذا الحديث لا أعلمه في حفظي أنه روي مسندا بوجه من الوجوه والله أعلم
وأما تركه الدعاء للقوم الذين وجد عند بعضهم الغلول فعلى وجه العقوبة والتشديد والإعلام بعظيم ما جنوه وقد مضى القول في عقوبة الغال وما للعلماء في ذلك من المذاهب في باب ثور بن زيد من هذا الكتاب وهذا الحديث عندي لا يوجب حكما لأنه منقطع عمن لا يعرف بكبير علم وليس مثل هذا مما يحتج به لأن عبد الله بن المغيرة هذا مجهول قوم يقولون فيه عبد الله بن المغيرة بن أبي
429

بردة وقوم يقولون المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة وأما تكبيره عليهم فالله أعلم به وجملة القول أن هذا حديث لا يحتج بمثله فلا وجه للاشتغال بتخريج معانيه
وقد رواه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميتة وليس هذا من حديث هذا الباب في شيء والله أعلم
وروى مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه قال ما ظهر الغلول في قوم قط إلا ألقي في قلوبهم الرعب ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير الحق إلا فشا فيهم الدم ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط عليهم العدو
قال أبو عمر وهذا حديث قد رويناه متصلا عن ابن عباس ومثله والله أعلم لا يكون رأيا أبدا
حدثنا أحمد بن إبراهيم ومحمد بن عبد الله بن حكم قالا حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي القاضي بالبصرة قال حدثنا محمد بن كثير وأبو الوليد جميعا عن
430

شعبة قال أخبرني الحكم عن الحسن بن مسلم عن ابن عباس قال ما ظهر البغي في قوم قط إلا ظهر فيهم الموتان ولا ظهر البخس في الميزان في قوم إلا ابتلوا بالسنة ولا ظهر نقض العهد في قوم إلا أديل منهم عدوهم
431

حديث موفي خمسين ليحيى بن سعيد يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب حديثان
357 مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت (132)
هكذا رواه مالك عن يحيى عن عمرو بن شعيب مرسلا وتابعه جماعة على إرساله منهم المعتمر بن سليمان وعبد العزيز بن مسلم القسملي فرووه عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب مرسلا
ورواه جماعة عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مسندا منهم حفص بن غياث والثوري وعبد الرحيم بن سليمان وسلام أبو المنذر
فأما حديث الثوري فذكره أبو داود قال حدثنا سهل بن صالح حدثنا علي بن قادم حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى يقول فذكر مثل لفظ حديث مالك سواء
وذكر العقيلي حدثنا محمد بن يحيى العسكري حدثنا سهل بن عثمان حدثنا حفص بن غياث عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن
432

شعيب عن أبيه عن جده قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال اللهم أسق عبادك وأحي بلدك الميت وانشر رحمتك
وأحسن شيء روي في الدعاء في الاستسقاء مرفوعا ما أخبرناه عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا ابن أبي خلف حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا مسعر عن يزيد الفقيمي عن جابر بن عبد الله قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بواكي فقال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل قال فأطبقت عليهم السماء
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الهيثم حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا ابن إدريس قال حدثنا حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع ولا يخطر لهم فحل فصعد المنبر فحمد الله ثم قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا مريئا طبقا غدقا عاجلا غير رائث ثم نزل فما يأتيه أحد من وجه من الوجوه إلا قال قد أحيينا
وذكر ابن أبي شيبة عن وكيع عن عيسى بن حفص عن عطاء ابن أبي مروان عن أبيه قال خرجنا مع عمر بن الخطاب نستسقى فما زاد على الاستغفار
433

وعن وكيع عن سفيان عن مطرف عن الشعبي أن عمر خرج يستسقي فصعد المنبر فقال * (استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) * واستغفروا ربكم إنه كان غفارا ثم نزل فقيل يا أمير المؤمنين لو استسقيت فقال لقد طلبت بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر
وروينا من وجوه عن عمر رحمه الله أنه خرج يستسقي وخرج معه بالعباس فقال اللهم إنا نتقرب إليك بعم نبيك ونستشفع به فاحفظ فيه نبيك كما حفظت الغلامين لصلاح
أبيهما وأتيناك مستغفرين مستشفعين ثم أقبل على الناس فقال * (استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) * إلى قوله * (وأنهارا) *
ثم قال العباس وعيناه تنضحان فطال عمر ثم قال اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكسير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الشكوى وأنت تعلم السر والنجوى اللهم فأغثهم بغياثك من قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون
فنشأت طريرة من سحاب فقال الناس ترون ترون
ثم تلاءمت واستتمت وهبت فيها ريح ثم هرت
434

ودرت فوالله ما برحوا حتى اعتلقوا الحذاء وقلطوا المباز وطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون هنيئا لك ساقي الحرمين
وقد ذكرنا كثيرا من معاني هذا الباب في باب شريك بن أبي نمر من هذا الكتاب
435

حديث حاد وخمسون ليحيى بن سعيد
457 مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن رجلا من بني مدلج يقال له قتادة حذف ابنه بالسيف فأصاب ساقه فنزي في جرحه فمات
فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال له عمر أعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير حتى أقدم عليك فلما قدم عليه عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ثم قال أين أخو المقتول قال هأنذا قال خذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس لقاتل شءء (4310)
لم يختلف على مالك في هذا الحديث وإرساله وقد رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس لقاتل شيء مختصرا وهذا منقطع كرواية مالك سواء
وقد روي مسندا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك روي قوله صلى الله عليه وسلم لا يقاد والد بولد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
436

ومن حديث عمر بن الخطاب أيضا ومن حديث ابن عباس وهو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم يستغني بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه حتى يكاد أن يكون الإسناد في مثله لشهرته تكلفا
وأما قوله حذف ابنه بالسيف فمعناه رماه فقطعه والحذف الرمي والقطع بالسيف أو العصا ومن رواه بالخاء المنقوطة فقد صحف لأن الخذف بالخاء إنما هو الرمي بالحصى أو النوى
وحديث هذا الباب ليس فيه تصريح بطرح القود بين الأب وابنه إذا قتله ولكنه فيه دليل على ذلك لأن عمر إنما أمر فيه بالمدية المغلظة لطرح القود وهذا ما لا إشكال فيه إن شاء الله
وقد اختلف الفقهاء في ذلك بعض الاختلاف فروي عن مالك أنه قال يقتل الوالد بولده إذا قتله عمدا وهو قول عثمن البتي ودفع من ذهب هذا المذهب ما روى من الأثر في ذلك لأنها كلها معلولة الأسانيد والمشهور من مذهب مالك عند أصحابه أن الرجل إذا ذبح ولده أو عمل به عملا لا يشك في أنه عمد إلى قتله دون أدب فإنه يقاد به وإن حذفه بسيف أو عصا لم يقتل به
وقال الشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي لا يقاد والد بولده على حال وكذلك الجد لا يقاد بابن ابنه
437

وقال الحسن بن حي يقاد الجد بابن الابن ولا يقاد الأب بابنه وكان يجيز شهادة الجد لابن ابنه
وفي هذا الحديث أيضا تغليظ الدية على الأب في قتله ابنه لأن عمر غلظها على قتادة المدلجي في قتله ابنه وقد يحتمل أن يكون قتله عمدا ويحتمل أن يكون شبه عمد على مذهب من أثبت شبه العمد وقد ذكرما حكم الديات في العمد وشبهه وفي الخطأ وما يغلظ منها وما لا يغلظ وكيف الحكم فيها ممهدا مبسوطا في باب عبد الله بن أبي بكر من هذا الكتاب والحمد لله
ولم يدخل مالك هذا الحديث في باب الديات وإنما أدخله في باب ميراث العقل فإن كان قتل قتادة المدلجي ابنه خطأ بأن يكون أراد غيره وأصابه فالدية في ذلك على عاقلته وإن كان أراده فليس الحذف بالسيف من شأن القتل به ولا خلاف بين العلماء أن من قصد إلى غيره بحديدة يقال مثلها إنه عمد صحيح فيه القود إلا أن يكون القاتل أبا فإنهم اختلفوا فيه وقد حكم مالك في حذف الرجل ابنه بالسيف بغير حكم الأجنبي في ذلك لأن ذلك من الأجنبي عنده عمد يجب فيه القود لأنه لا يعرف شبه العمد وينكره
وقد ذكرنا وجه العمد والخطأ ووجه شبه العمد في القتل في كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة وجرى من ذلك ذكر كاف في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب
وأما قول عمر في هذا الحديث لسراقة بن جعشم أعدد على ماء قديد عشرين ومائة بعير فإنه أراد أن يأخذ منها ثلاثين حقة وثلاثين
438

جذعة وأربعين خلفة حوامل يختار ذلك في المائة والعشرين وهذا بين في الحديث وهكذا التغليظ على الأب في دية الإبل
وأما تغليظها في الذهب أو الورق على أهلها فإنه ينظر إلى قيمة أسنان الدية غير مغلظة فتعرف ثم ينظر إلى قيمة أسنان التغليظ ثم يحكم بزيادة ما بينهما فإن كان قيمة الأسنان في الخطأ ستمائة وقيمة المغلظة ثمانمائة فبين القيمتين مائتان وذلك ثلث دية الخطأ فيزاد على أهل الورق أو الذهب ثلث الدية أو أقل أو أكثر على حسبما بين القيمتين وتكون الدية المغلظة على الأب في ماله
هذا مذهب مالك وأصحابه وعامة العلماء ومعنى قول عمر عندهم لسراقة المدلجي أعدد على ماء قديد كذا وكذا قال له ذلك لأنه كان المخاطب بذلك لوجاهته في قومه
ومعرفة عمر به لأنه أحد الصحابة وكان سيد بني مدلج فاستغنى عمر بمخاطبته عن مخاطبة الأب لأنه كان الذي قدم عليه بخبر قتل قتادة المدلجي لابنه فلذلك توجه الخبر إليه لا لأن ذلك على عاقلة قتادة هذا قول من جعل الدية في قتل الأب ابنه في مال الأب ومن جعلها على عاقلة يجعل الخطاب لسراقة لأنه وجه قومه الذين يعقلون عنه وهو يجمعها فيهم
وذكر ابن وهب في موطئه وقد تقدم إسناده قال أخبرني حفص بن ميسرة أن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي حدثه قال
439

حدثني غير واحد أن عديا الجذامي كان له امرأتان فاقتلتا فرمى إحداهما فماتت منها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعقلها ولا ترثها
ومذهب مالك أن الدية تغلظ على الأب في قتل ابنه ولا تغلظ عنده على أحد الدية إلا على الأب أو الجد في قتل ابنه أو ابن ابنه والأم في هذا مثل الأب وتغلظ عنده الدية في الإبل وفي الذهب والورق وتغلظ في النفس وفي الأعضاء وقد ذكرنا مذهبه ومذهب غيره في الديات المغلظات فيما سلف من هذا الكتاب والحمد لله فلا وجه لإعادة ذلك ههنا
والحجة لمذهب مالك في قتل الأب بابنه ظاهر قول الله عز وجل * (الحر بالحر) * * (النفس بالنفس) * ولم يخص أبا من غيره وقوله عز وجل * (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) * 2 179
حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن صالح المقرئ قال حدثنا أبو الحسن محمد بن جعفر بن أحمد بن عمر الناقد يعرف بابن الكوفي قال حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال حدثنا محمد بن
440

جابر عن يعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاد والد بولد
حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقتل الوالد بالولد
ورواه ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره مثله سواء
وقد روي هذا الخبر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن سراقة عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا خلف بن القاسم حدثنا محمد بن الحسين بن صالح الحلبي حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي حدثنا الهيثم بن خارجة قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن سراقة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يقيد الأب من ابنه ولا يقيد الابن من أبيه
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد
441

بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قالا جميعا حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف قال حدثنا إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقام الحدود في المساجد ولا يقاد بالولد الوالد
وليس في حديث خلف بن القاسم عن طاوس سقط إن شاء الله من الإسناد
وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران السراج قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا خلاد بن يحيى المقرئ عن قيس بن مسلم عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقام الحدود في المساجد ولا يقاد بالولد الوالد
قال أبو عمر استفاض عند أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم لا يقاد بالولد الوالد
وقوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث استفاضة هي أقوى من الإسناد والحمد لله
وأما منع القاتل عمدا من الميراث فإنها عقوبة لاستعجاله إياه من غير وجهه والمخطئ عند مالك ليس كذلك لأنه لم يقصد إلى القتل وقد قال الله عز وجل * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) * 4 92
فجعل ذلك كله كفارة ومن كفر عنه قالوا فلا عقوبة
442

عليه والله أعلم فلهذا لم يمنع عند مالك وجماعة معه الميراث إلا أنه لا يرث من الدية عندهم لأنها محمولة عنه ويستحيل أن تحمل عنه إليه
وفي هذا الحديث أيضا أن القاتل لا يرث ولا يحجب ألا ترى أن عمر رد إلى ابن قتادة المدلجي دية أخيه ولم يعط الأب منها شيئا وقال لأخي المقتول خذها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس لقاتل شيء
وأجمع العلماء على أن القاتل عمدا لا يرث شيئا من مال المقتول ولا من ديته روي عن عمر وعلي أن القاتل عمدا لا خطأ لا يرث من المال ولا من الدية شيئا ولا مخالف لهما من الصحابة
واختلفوا في قاتل الخطأ فقالت طائفة من أهل العلم يرث قاتل الخطأ من المال ولا يرث من الدية وإلى هذا ذهب مالك وقال آخرون لا يرث قاتل الخطأ من المال ولا من الدية كما لا يرث قاتل العمد لأن الحديث عام في كل قاتل وإلى هذا ذهب الشافعي وأبو حنيفة ومعنى هذا عند جماعة من أهل النظر عقوبة لئلا يتطرق إلى الميراث بالقتل
وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن ابن جريج
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول لله صلى الله عليه وسلم ليس للقاتل من الميراث شيء
443

وروى أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن قتادة رجلا من بني مدلج قتل ابنه فأخذ عمر منه مائة من الإبل وقال أين أخو المقتول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس لقاتل ميراث
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد حدثنا الحياش محمد بن محمد حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب أن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس لقاتل شيء قال يزيد بن هارون وأخبرنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن لا يرث قاتل عمدا من الدية شيئا
رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال القاتل لا يرث
وروى أحمد بن حنبل قال حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثني أبي عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي نجيح وعمرو بن شعيب كلاهما حدثني عن مجاهد أن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس لقاتل شيء
قال أحمد وحدثنا عبد الرزاق عن معمر عن رجل سمع عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فإنه لا
444

يرثه وإن لم يكن له وارث غيره وإن كان والده أو ولده وليس لقاتل ميراث
روى عبد الواحد بن زياد عن الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قتل ابنه فغرمه عمر الدية مائة من الإبل ولم يورثه من الدية ولا من سائر ميراثه شيئا وقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقتل والد بولد لقتلتك
وروى أبو بكر بن عياش عن مطرف عن الشعبي قال قال عمر لا يرث قاتل خطأ ولا عمد
وروى وكيع عن الحسن بن صالح عن ليث عن أبي عمرو العبدي عن علي قال لا يرث القاتل من المال ولا من الدية شيئا
وروى ابن سيرين عن عبيدة قال لم يورث قاتل بعد صاحب البقرة
وروى الشعبي عن علي وعبد الله وزيد قالوا لا يرث قاتل عمدا ولا خطأ شيئا وابن أبي ليلى عن علي مثله ومجاهد عن عمر مثله وبهذا قال مجاهد وطاوس وجابر بن زيد وشريح وإبراهيم وعروة والحكم بن عتيبة وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وزفر وشريك والحسن بن صالح ووكيع ويحيى بن
445

آدم كل هؤلاء يقول لا يرث قاتل عمدا ولا خطأ من المال ولا من الدية شيئا
وقال سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والزهري ومكحول ومالك بن أنس وابن أبي ذئب والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأبو ثور وداود لا يرث قاتل العمد شيئا ويرث قاتل الخطأ من المال ولا يرث من الدية شيئا
وقالت طائفة من البصريين يرث من ماله وديته جميعا وروي عن مجاهد أن قاتل الخطأ يرث من المال دون الدية
446

حديث ثان وخمسون ليحيى بن سعيد
557 مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من الليل فنظر في أفق السماء فقال ماذا فتح الله الليلة من الخزائن وماذا وقع من الفتن كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة أيقظوا صواحب الحجر (488)
هكذا يروي هذا الحديث مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب مرسلا
ورواه غير مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب عن امرأة من قريش حدثناه سعيد بن نصر حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر حدثنا عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد عن محمد بن شهاب عن امرأة من قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة فنظر إلى أفق السماء فقال ماذا فتح الله من الخزائن وما وقع من الفتن رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة أيقظوا صواحب الحجر
قال أبو عمر لم يقمه يحيى بن سعيد وإنما يرويه ابن شهاب عن هند بنت الحارث عن أم سلمة أخبرناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن
447

رحمه الله قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك ببغداد قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وهو يقول لا إله إلا الله ما فتح الله من الخزائن لا إله إلا الله ما أنزل الله الليلة من الفتن من يوقظ صواحب الحجر يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة
وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثني الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار عن يحيى بن سعيد عن الزهري عن أم سلمة قال سفيان وحدثنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات ليلة يا سبحان الله ماذا نزل من الفتن وما فتح من
448

الخزائن فأيقظوا صواحبات الحجر فرب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة
في هذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم بخبره عن الغيب وذلك أنه أخبر بما كان بعده من الفتن فكان كما قال صلى الله عليه وسلم فتن كمواقع القطر وكالليل المظلم
وكذلك قوله ماذا فتح الله الليلة من الخزائن يريد والله أعلم من أرزاق العباد من خزائن الله التي لا تنفد يريد ما يفتح الله على هذه الأمة من ديار الكفر والاتساع في المال والله أعلم
وهذا أيضا من الغيب الذي لا يعلمه إلا هو ومثله من الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم
وأما قوله أيقظوا صواحب الحجر فصواحب جمع صاحبة والحجر ههنا البيوت أراد أزواجه أن يوقظن للصلاة في تلك الليلة رجاء بركتها ولئلا يكن من الغافلين فيها
وقد يجوز أن تكون ليلة القدر ففيها يفرق كل أمر حكيم قيل ما يكون في كل عام ويجوز أن تكون ليلة غيرها قضى الله فيها بقضائه وأعلمه رسوله صلى الله عليه وسلم وقد يجوز أن تكون لتلك الليلة أخوات مثلها وهذه أمور لا يعلمها إلا من أطلعه الله عليها ممن ارتضى من رسله صلوات الله عليهم
449

وفي هذا الحديث دليل على أن لباس الخفيف الذي يصف ولا يستتر من الثياب لا يجوز للنساء وكذلك ما وصف العورة ولم يسترها من الرجال
وأما قوله عارية يوم القيامة فيحتمل أن يكون أراد ما يحشر الناس عراة يوم القيامة ويحتمل أن يكون عارية من الحسنات والله أعلم
24
450