الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ١٦
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

نافع عن أبي سعيد الخدري حديث واحد وهو حديث سابع (1) وستون لنافع واسم أبي سعيد هذا سعد بن مالك بن سنان وقد ذكرناه في الصحابة (2) بما يغني عن ذكره ههنا من التعريف والرفع في النسب مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا (3) بعضها على بعض ولا تبيعوا شيئا منهما غائبا بناجز (4) لم يختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث وكذلك رواه أيوب وعبيد الله عن نافع عن أبي سعيد الخدري
5

كما رواه مالك وهو الصحيح في ذلك ورواه ابن عون عن نافع قال جاء رجل إلى عبد الله بن عمر فحدثه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث في الصرف هكذا رواه جماعة عن ابن عون ليس فيه سماع لنافع من أبي سعيد ولا لابن عمر من أبي سعيد وإنما فيه أن رجلا حدثه عن أبي سعيد بهذا الحديث والرجل قد سماه يحيى بن سعيد في حديثه عن نافع رواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد أنه أخبره أن نافعا أخبره أن عمرو بن ثابت العتواري ذكر لعبد الله بن عمر أنه سمع أبا سعيد الخدري يحدث بهذا الحديث ولم يجود يحيى بن سعيد ولا ابن عون هذا الحديث لأن فيه أن ابن عمر لما حدثه هذا الرجل بهذا الحديث عن أبي سعيد قام إلى أبي سعيد ومضى معه نافع فسمعا الحديث من أبي سعيد وقد جود ذلك عبيد الله بن عمر ورواه خصيف الجزري وعبد العزيز بن أبي رواد المكي عن نافع عن ابن عمر عن أبي سعيد الخدري وليس بشئ وإنما الحديث لنافع عن أبي سعيد سمعه معه ابن عمر على ما قال عبيد الله وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى قال حدثنا عبيد الله قال أخبرني نافع قال بلغ عبد الله بن عمر أن أبا سعيد الخدري يأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصرف فأخذ بيدي وبيد رجل فأتينا أبا سعيد فقال له عبد الله بن عمر شيء تأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصرف قال سمعته أذناي ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل ولا تفضلوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز
6

وهذا من أصح حديث يروى في الصرف هو يوجب تحريم الازدياد والنسأ جميعا في الذهب والورق تبرهما وعينهما وهو أمر مجتمع عليه إلا فرقة شذت وأباحت فيهما الازدياد والتفاضل يدا بيد وما قال بهذا القول أحد من الفقهاء الذين تدون عليهم الفتوى في أمصار المسلمين فلا وجه للاشتغال بالشذوذ والشف في كلام العرب بالكسر الزايدة يقال الشيء يشف ويستشف أي يزيد وفي قوله عليه السلام في هذا الحديث ولا تبيعوا منهما غائبا بناجز دليل على أنه لا يجوز في الصرف شيء من التأخير ولا يجوز حتى يحضر العين منهما جميعا وهذا أمر مجتمع عليه إلا أن من معنى هذا الباب مما اختلف فيه العلماء الصرف على ما ليس عند المتصارفين أو عند أحدهما في حين العقد قال مالك لا يجوز الصرف إلا أن يكون العينان حاضرتين وقال الشافعي وأبو حنيفة يجوز أن يشتري دنانير بدراهم ليست عند واحد منهما ثم يستقرض فيدفع قبل الافتراق وروى الحسن بن زياد عن زفر أنه لا يجوز الصرف حتى تظهر إحدى العينين وتعين فإن لم يكن ذلك لم يجز نحو أن يقول اشتريت صك ألف درهم بمائة دينار وسواء كان ذلك عندهما أم لم يكن فإن عين أحدهما جاز وذلك مثل أن يقول اشتريت منك ألف درهم بهذه الدنانير إذا دفعها قبل أن يفترقا وروي عن مالك مثل قول زفر إلا أنه قال يحتاج أن يكون قبضه لما لم يعينه قريبا متصلا بمنزلة النفقة يحلها من كيسه
7

وقال الطحاوي واتفقوا يعني هؤلاء الفقهاء الثلاثة على جواز الصرف إذا كان أحدهما دينا وقبضه في المجلس فدل على اعتبار القبض في المجلس دون كونه عينا واختلف الفقهاء أيضا في تصارف الدينين وتطارحهما مثل أن يكون لرجل على رجل دنانير ولآخر عليه دراهم فمذهب مالك وأبي حنيفة أنه لا بأس أن يشتري أحدهما ما عليه بما على الآخر ويتطارحانهما صرفا ومن حجة من ذهب هذا المذهب حديث سماك بن حرب عن سعيد بن يحيى عن ابن عمر قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله إني أبيع الإبل أبيع بالدنانير وآخر الدراهم وأبيع بالدراهم وآخر الدنانير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بأس بذلك ما لم تفترقا وبينكما شيء ففي هذا الحديث دليل على جواز الصرف إذا كان أحدهما دينا قالوا فكذلك إذا كانا دينين لأن الذمة الحاضرة كالعين الحاضرة وصار الطرح عندهم في ذلك كالمقبوض من العين الحاضرة ومعنى الغائب عندهم هو الذي يحتاج إلى قبض ولا يمكن قبضه حتى يفترقا بدليل حديث عمر لا تفارقه حتى تقبضه وقال الشافعي وجماعة وهو قول الليث لا يجوز تصارف الدينين ولا تطارحهما لأنه لما لم يجز غائب بناجز كان الغائب بالغائب أحرى أن لا يجوز وأجاز الشافعي وأصحابه قضاء الدنانير عن الدراهم وقضاء الدراهم عن الدنانير وسواء كان ذلك من بيع أو من قرض إذا كان حالا وتقابضا قبل أن يفترقا بأي سعر شاء فإن تفرقا قبل أن يتقابضا بطل الصرف بينهما ورجع كل واحد منهما إلى أصل
8

ما كان له على صاحبه واتفق الشافعي وأصحابه على كراهة قصاص الدنانير من الدراهم إذا كانت جميعا في الذمم مثل أن يكون لرجل على رجل دنانير وله عليه دراهم فأرادا أن يجعلا الدنانير قصاصا بالدراهم فهذا لا يجوز عندهم لأنه دين بدين وكذلك لو تسلف رجل من رجل دينارا (1) وتسلف الاخر منه دراهم على أن يكون هذا بهذا لم يجز عندهم وكان على من تسلف الدينار دينار مثله وعلى من تسلف الدراهم دراهم مثلها وأما إذا كان لرجل على رجل دينار فأخذ منه فيه دراهم صرفا ناجزا كان ذلك جائزا وأجاز أبو حنيفة أخذ الدنانير عن الدراهم والدراهم عن الدنانير إذا تقابضا في المجلس وسواء كان الدين حالا أو آجلا (2) وحجتهم حديث ابن عمر هذا لأنه لما لم يسأله عن دينه أحال هو أم مؤجل دل على استواء الحال عنده وقال مالك لا يجوز ذلك إلا أن يكونا جميعا حالين لأنه لما لم يستحق قبض الآجل إلا إلى أجله صار كأنه صارفه إلى ذلك الأجل وهذا هو المشهور من قول الشافعي وروى الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس أنه كره اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب وعن ابن مسعود مثله وعن ابن عمر أنه لا بأس به
9

قال ابن شبرمة لا يجوز أن يأخذ عن دراهم دنانير ولا عن دنانير دراهم وإنما يأخذ ما أقرض ويشهد لمذهب ابن شبرمة ويؤيده حديث أبي سعيد في هذا الباب وهو قول ابن عباس وابن مسعود ويشهد لقول سائر الفقهاء حديث ابن عمر إلا أن فيه بسعر يومكما وقال عثمان البتي يأخذها بسعر يومه وقال داود وأصحابه إذا كان لرجل على
رجل عشرة دراهم فباعه الذي عليه العشرة دراهم بها دينارا فالبيع باطل لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذهب بالورق إلا هاء وهاء وعن بيع أحدهما بالآخر غائبا بناجز قال ولو أخذ بذلك قيمة للعشرة دراهم كان جائزا لأن القيمة غير البيع وإنما ورد النهي عن البيع لا عن القيمة واحتجوا بحديث ابن عمر كنت أبيع الإبل بالبقيع فآخذ من الدنانير دراهم الحديث على ما نذكره ههنا إن شاء الله ومن هذا الباب أيضا أن يبيع السلعة بدنانير على أن يعطيه بها دراهم فقال مالك في مثل هذا لا يلتفت إلى اللفظ الفاسد إذا كان فعلهما حلالا وكأنه باعه السلعة بتلك الدراهم التي ذكرا أنه يأخذها في الدنانير وقال أبو حنيفة والشافعي فيمن باع سلعة بدنانير معلومة على أن يعطيه المشتري بها دراهم فالبيع فاسد وهو قول جمهور أهل العلم لأنه من باب بيعتين في بيعة ومن باب بيع وصرف لم يقبض ومن هذا الباب أيضا الصرف يوجد فيه زيوف وهو مما اختلفوا فيه أيضا فقال مالك إذا وجد في دراهم الصرف درهما
10

زائفا فرضي به جاز وإن رده انتقض صرف الدين كله وإن وجد فيها أحد عشر درهما رديئة انتقض الصرف في دينارين وكذلك ما زاد على صرف دينار انتقض الصرف في دينار آخر وقال زفر والثوري يبطل لاصرف فيما رد قل أو كثر وقد روي عن الثوري أنه إن شاء استبدله وإن شاء كان شريكه في الدينار بحساب وقال أبو يوسف ومحمد والأوزاعي والليث بن سعد والحسن بن حي يستبدله كله وهو قول ابن شهاب وربيعة وكذلك قال الحسن وابن سيرين وقتادة يرد عليه ويأخذ البدل ولا ينتقض من الصرف شيء وهو قول أحمد بن حنبل وهو أحد أقاويل الشافعي واختاره المزني قياسا على العيب يوجد في السلم أن على صاحبه أن يأتي بمثله وأقاويل الشافعي في هذه المسألة أحدها أنه قال إذا اشترى ذهبا بورق عينا بعين ووجد أحدهما ببعض ما اشترى عيبا قبل التفرق أو بعده فليس له إلا رد الكل أو التمسك به قال وإذا تبايعا ذلك بغير عينه فوجد أحدهما قبل التفرق ببعض ما اشترى عيبا فله البدل وإن وجده بعد التفرق ففيها أقاويل منها أنها كالعين ومنها البدل ومنها رد المعيب بحصته من الثمن قال ومتى افترق المصطرفان قبل التقابض فلا بيع بينهما وقال أبو حنيفة إذا افترقا ثم وجد النصف زيوفا أو أكثر فرده بطل الصرف في المردود وإن كان أقل من النصف استبدله وقد مضى القول مجودا في تحريم الازدياد في بيع الورق بالورق والذهب بالذهب في باب حميد بن قيس وهو أمر اجتمع عليه فقهاء الأمصار من أهل الرأي والأثر وكفى
11

بذلك حجة مع ثبوته من جهة نقل الآحاد العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى القول في تحريم النسيئة في الصرف في باب ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان من هذا الكتاب مجودا أيضا ممهدا وفي ذلك الباب أصول من هذا الباب ولا خلاف بين علماء المسلمين في تحريم النسيئة في بيع الذهب بالذهب والورق بالورق وبيع الورق بالذهب والذهب بالورق وأن الصرف كله لا يجوز إلا هاء وهاء قبل الافتراق هذه جملة اجتمعوا عليها وثبت قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك إلا هاء وهاء بنقل الآحاد العدول أيضا وما أجمعوا عليه من ذلك وغيره فهو الحق وكذلك كل ما كان في معناه ما لم يخرجه عن ذلك الأصل دليل يجب التسليم له فقد اختلفوا من هذا الأصل في المسائل التي أوردناها في هذا الباب على حسبما ذكرناه عنهم فيه مما نزعوا به وذهبوا إليه وبالله العصمة والتوفيق قال أبو عمر حديث ابن عمر في اقتضاء الدنانير من الدراهم والدراهم من الدنانير جعله قوم معارضا لحديث أبي سعيد الخدري في هذا الباب لقوله ولا تبيعوا منها غائبا بناجز وليس الحديثان بمتعارضين عند أكثر الفقهاء لأنه ممكن استعمال كل واحد منهما وحديث ابن عمر مفسر وحديث أبي سعيد الخدري مجمل فصار معناه لا تبيعوا منهما غائبا ليس في ذمة بناجز وإذا حملا على هذا لم يتعارضا وهذا الحديث حدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن محمد عن عبيد بن آدم بن أبي إياس قال حدثني ثابت بن نعيم قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال كنت أبيع الإبل بالبقيع فآخذ مكان الدنانير دراهم ومكان
12

الدراهم دنانير فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس به إذا افترقتما وليس بينكما شيء وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير وجعفر بن محمد قالا حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال كنت أبيع الإبل بالبقيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة فقلت يا رسول الله رويدا أسألك أبيع الإبل بالدنانير فآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم فآخذ الدنانير وآخذه هذه من هذه فقال لا بأس أن تأخذها بسعر يومها (1) وحدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل ومحمد بن محبوب المعنى واحد قالا حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال كنت أبيع الإبل بالبقيع فذكره سواء بمعناه إلى آخره (2) قال أبو داود وحدثنا الحسين بن الأسود قال حدثنا عبيد الله قال أخبرنا إسرائيل عن سماك بإسناده ومعناه والأول أتم لم يذكر بسعر يومكما (3)
13

حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال كنت أبيع الإبل ببقيع الغرقد فكنت أبيع البعير بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يدخل حجرته فأخذت بثوبه فقلت يا رسول الله إني أبيع ببقيع الغرقد البعير بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدرهم وآخذ الدنانير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذت أحدهما بالآخر فلا تفارقه وبينك وبينه بيع قال أبو عمر لم يرو هذا الحديث أحد غير سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر مسندا (1) وسماك ثقة عند قوم مضعف عند آخرين كان ابن المبارك يقول سماك بن حرب ضعيف الحديث وكان مذهب علي فيه نحو هذا وقد روي عن ابن عمر معناه من قوله وفتواه وروى أبو الأحوص هذا الحديث عن سماك فلم يقمه قال فيه عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر كنت أبيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه وبينك
14

وبينه لبس وكذلك رواه وكيع عن إسرائيل عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر كما قال أبو الأحوص ولم يقمه فجوده إلا حماد بن سلمة وإسرائيل في غير رواية
وكيع وهذا الحديث ما فات شعبة عن سماك ولم يسمعه منه فعز عليه وجرى بينه وبين حماد بن سلمة في ذلك كلام فيه بعض الخشونة ثم سمعه منه بعد ذكر علي بن المديني قال قال أبو داود الطيالسي سمعت خالد بن طليق وأبا الربيع يسألان شعبة وكان الذي يسأله خالد فقال يا أبا بسطام حدثني حديث سماك في اقتضاء الذهب من الورق حديث ابن عمر فقال شعبة أصلحك الله هذا حديث ليس يرفعه أحد إلى سماك وقد حدثنيه قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر ولم يرفعه وأخبرنيه أيوب عن نافع عن ابن عمر ولم يرفعه ورفعه سماك وأنا أفرق منه وأما قوله في هذا الحديث بسعر يومكما فلم يعول عليه جماعة من الفقهاء وقد ذكرنا ذلك عنهم في هذا الباب وكان أحمد بن حنبل يقول يأخذ الدنانير من الدراهم والدرهم من الدنانير في الدين وغيره بالقيمة وقال إسحاق يأخذها بقيمة سعر يومه
15

نافع عن أبي لبابة حديث واحد وهو ثامن وستون اسم أبي لبابة هذا بشير ويقال رفاعة بن عبد المنذر وقد ذكرناه في الصحابة ونسبناه (1) مالك عن نافع عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان (2) التي في البيوت (3) هكذا قال يحيى عن مالك عن نافع عن أبي لبابة وتابعه أكثر الرواة عن مالك وقال ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن أبي لبابة والصحيح ما قاله يحيى وغيره عن مالك عن نافع عن أبي لبابة لأن نافعا سمع هذا الحديث مع ابن عمر من أبي لبابة وكذلك سمع حديث
17

الصرف من أبي سعيد الخدري وكان دخوله عليه مع ابن عمر فحدثهما بحديث الصرف المذكور والجنان (1) الحيات أنشد نفطويه للخطفي (2) جد جرير واسمه حذيفة
* يرفعن لليل إذا ما أسدفا
* أعناق جنان وهاما رجفا
* وعنقا باقي الرسيم خيطفا
* قال نفطويه وبهذه الأبيات سمى الخطفى قال وقال قطرب السدفة من الأضداد تكون الظلمة وتكون الضياء قال أبو عبيد هي الضياء في لغة قيس والظلمة في لغة تميم وقال ابن الأعرابي هي الظلمة يخالطها الضياء قال والجنان ضرب من الحيات وقوله رجفا أي محركة والعنق ضرب من السير والرسيم مثله والخطفا والخيطفاء هي السرعة وقال الخليل بن أحمد الجنان الحية قال والجنان أيضا أبو الجن وجمعه الجنة والجنان
* تبدل حال بعد حال عهدتها
* تناوح جنان بهن وخيل
* قال ابن أبي ليلى الجن الذين لا يتعرضون للناس والخيل الذين يتخيلون للناس ويؤذونهم ويروى عن ابن عباس الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل
18

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو الطاهر قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن نافع أن أبا لبابة مر بعبد الله بن عمر وهو عند الأطم (1) الذي عند دار عمر بن الخطاب يرصد حية فقال أبو لبابة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا عبد الرحمان قد نهى عن قتل عوامر البيوت فانتهى عبد الله بن عمر عن ذلك ثم وجد بعد في بيته حية فأمر بها فطرحت ببطحان قال نافع ثم رأيتها بعد ذلك في بيته قال ابن وهب عوامر البيوت تتمثل في صفة حية رقيقة في البيوت بالمدينة (2) غيرها ففيها جاء النهي عن قتلها حتى تنذر قال وأما التي في الصحارى فلا وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال أخبرني نافع أنه سمع أبا لبابة يحدث عن عمر عن النبي عليه السلام أنه نهى عن قتل الجنان لم يقل القطان التي في البيوت أو غيره قال أبو عمر كل من روى هذا الحديث عن مالك عن نافع (عن) (3) أبي لبابة لم يزد فيه على قوله إن رسول
19

الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت إلا القعنبي وحده فإنه زاد فيه عن مالك عن نافع عن أبي لبابة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا أن يكون ذا الطفيتين والأبتر (1) فإنهما يخطفان البصر ويطرحان (ما في) (2) بطون النساء وهذه الزيادة قوله إلا أن يكون ذا الطفيتين إلى آخر (الحديث) (3) لم يقله أحد في حديث أبي لبابة إلا القعنبي وحده وليس بصحيح في حديث أبي (4) لبابة وهو وهم وإنما هذا اللفظ محفوظ من حديث ابن عمر عن النبي عليه السلام ومن حديث سائبة عن عائشة عن النبي عليه السلام ومنهم من ذكره عن سائبة عن النبي عليه السلام مرسلا (5) وأما حديث أبي لبابة فليس إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت (لا غير) (6) إلا ما زاد القعنبي وهو غلط والله أعلم في حديث أبي لبابة وهو محفوظ من حديث ابن عمر وعائشة كما وصفت لك
20

حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال أخبرنا محمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا أبو جعفر بن الأعجم قال حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمد قال سمعت عبيد الله يحدث عن نافع عن أبي لبابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقتلوا الجنان التي في البيوت وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي أن (أباه) (1) أخبره قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا الحسن بن أحمد قال حدثنا محمد بن عبيد بن حساب (2) قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر كان يقتل الحيات كلها ويقول إن الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل حتى حدثه أبو لبابة البدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت قال فوجد ابن عمر بعد ذلك حية في داره فأمر بها فأخرجت إلى البقيع قال أبو عمر هذا هو الصحيح في حديث أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت لا غير وأما حديث ابن عمر ففيه ذكر ذي الطفيتين والأبتر روى معمر وغيره عن الزهري عن سالم عن ابن عمر
21

قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يسقطان الحبل ويطمسان البصر قال ابن عمر فرآني أبو لبابة أو زيد بن الخطاب وأنا أطارد حية لأقتلها فنهاني فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتلهن فقال إنه قد نهى بعد ذلك عن قتل ذوات البيوت فقد بان في حديث الزهري رواية ابن عمر من رواية أبي لبابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه يونس والليث وابن عيينة وغيرهم بمعنى حديث معمر عنه سواء وقال فيه بكير بن الأشج عن سالم عن أبيه عن النبي عليه السلام فمن وجد ذا الطفيتين والأبتر فلم يقتلهما فليس منا وهذا الحديث لم يسمعه بكير من سالم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو إسماعيل قال حدثنا أصبغ بن الفرج قال حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحرث أنه أخبره أن بكيرا حدثه أن عبد الله بن عبد الرحمان حدثه عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا الحيات ومن وجد ذا الطفيتين والأبتر فلم يقتلهما فليس منا فإنهما اللذان يخطفان البصر ويسقطان ما في بطون النساء
22

قال أبو عمر يقال إن ذا الطفيتين حنش يكون على ظهره خطان أبيضان ويقال إن الأبتر الأفعى وقيل إنه حنش أبتر كأنه مقطوع الذنب وقال النضر بن شميل الأبتر من الحيات صنف أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها والله أعلم قال أبو عمر اختلف العلماء في قتل الحيات جملة فقال منهم قائلون تقتل الحيات كلها في البيوت والصحاري في المدينة وغير المدينة لم يستثنوا منها نوعا ولا جنسا ولا استثنوا في قتلهن موضعا وسنذكر اختلافهم في إذنها بالمدينة وغيرها في باب صيفي إن شاء الله ومن حجتهم حديث عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قتل حية فكأنما قتل كافرا ولم يخص حية من حية وحديث ابن مسعود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الجنان فلم يقتلهن مخافة ثأرهن فليس منا ومن حجتهم أيضا ما مضى من الأحاديث فيما سلف من هذا الباب في قتل الحية في الحل والحرم حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا محمد بن قدامة قال حدثنا جرير عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن حبيش عن عبد الله قال من قتل حية
23

أو عقربا قتل كافرا وروي من (طريق) (1) أبي الأحوص عن ابن مسعود عن النبي عليه السلام مرفوعا وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الحميد بن حيان السكري عن إسحاق بن يوسف عن شريك عن أبي إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمان عن أبيه عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوا الحيات كلهن فمن خاف ثأرهن فليس منا (2) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سالمناهن منذ حاربناهن فمن ترك شيئا منهم خيفة فليس منا يعني الحيات وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سالمناهن منذ حاربناهن ومن ترك شيئا منهن خيفة فليس منا (3)
24

أخبرنا خلف بن قاسم حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن الورد وأبو يوسف يعقوب بن المبارك قالا حدثنا أبو زكرياء يحيى بن أيوب بن بادي (1) العلاف قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا محمد بن جعفر قال أخبرني محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحيات ما سالمناهن منذ عاديناهن ومن ترك منهن شيئا خيفة فليس منا قال يحيى بن أيوب سئل أحمد بن صالح عن تفسير ما سالمناهن منذ عاديناهن فقيل له متى كانت العداوة قال حين أخرج آدم من الجنة قال الله عز وجل * (اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو) * 2 وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا عبد الرحمان بن عمرو الخزاعي قال قرأنا على معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يطمسان البصر ويسقطان الحبالى ويوضعان الغنم قالوا ففي هذه الأحاديث قتل الحيات جملة ذي الطفيتين وغيره وكذلك الأحاديث التي قبلها لم يخص شيئا دون شيء
25

وقال آخرون لا يقتل من الحيات ما كان في البيوت بالمدينة خاصة إلا أن ينذر ثلاثا وما كان في غيرها فيقتل في البيوت وغير البيوت ذا الطفيتين كان أو غيره ومن حجتهم حديث أبي سعيد الخدري من رواية صيفي عن أبي السائب عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن نفر من الجن بالمدينة أسلموا فإذا رأيتم أحدا منهم فحذروه ثلاثة أيام ثم إن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه وروى أبو حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه ومن حديث سهل بن سعد أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لهذه البيوت عوامر فإذا رأيتم منها شيئا فتعوذوا منه فإن عاد فاقتلوه وهذا يحتمل أن يكون إشارة إلى بيوت المدينة وهو الأظهر ويحتمل أن يكون إلى جنس البيوت والله أعلم وسيأتي ذكر حديث أبي سعيد الخدري وحديث سهل بن سعد في تخصيص حيات المدينة بالإذن في باب صيفي من هذا الكتاب إن شاء الله وقال آخرون لا تقتل حيات البيوت بالمدينة ولا بغيرها حتى تؤذن فإن عادت قتلت ومن حجتهم ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن
26

سليمان عن علي بن هاشم قال حدثنا ابن أبي ليلى عن ثابت البناني عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن حيات البيوت فقال إذا رأيتم منهن شيئا في مساكنكم فقولوا أنشدكم (1) العهد الذي أخذ عليكم سليمان (2) أن تؤذونا (3) فإن عدن فاقتلوهن (4) فلم يخص في هذا الحديث بيوت المدينة من غيرها وهو عندي محتمل للتأويل والأظهر فيه العموم وقال آخرون لا تقتل ذوات البيوت من الحيات بالمدينة أو بغير المدينة واحتجوا بظاهر حديث أبي لبابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل الجنان التي في البيوت لم يخص بيتا من بيت ولا موضعا من موضع ولم يذكر الإذن فيهن وقال آخرون يقتل من حيات البيوت ذو الطفيتين والأبتر خاصة بالمدينة وغيرها من المواضع دون إذن ولا إنذار ولا يقتل من ذوات البيوت غير هذين الجنسين من الحيات واحتجوا بما حدثناه سعيد بن
نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا مالك
27

ابن أنس عن نافع عن أبي لبابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا أن يكون ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء ومن حديث نافع عن سائبة مثل هذا سواء وسيأتي في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن وعبد الرحمان بن عبد الله بن أحمد قالا حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن عبد ربه عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يأمر بقتل الحيات كلها فقال له أبو لبابة أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل ذوات البيوت وأمر بقتل ذي الطفيتين والأبتر (1) قال أبو عمر هذا نص رواية القعنبي في المتن ورواية ابن وهب في الإسناد وقد أجمع العلماء على جواز قتل حيات الصحاري صغارا كن أو كبارا أي نوع كان الحيات وأما قتلهن في الحرم فقد مضى فيما سلف من كتابنا هذا وبالله توفيقنا قال أبو عمر ترتيب هذه الأحاديث كلها المذكورة في هذا الباب وتهذيبها استعمال حديث أبي لبابة والاعتماد عليه فإن فيه بيانا لنسخ قتل حيات البيوت لأن ذلك كان بعد الأمر
28

بقتلها جملة وفيه استثناء ذي الطفيتين والأبتر فهو حديث مفسر لا إشكال فيه لمن فهم وعلم وبالله التوفيق ومما يدلك على ذلك أن ابن عمر كان قد سمع من النبي عليه السلام الأمر بقتل الجنان جملة فكان يقتلهن حيث وجدهن حتى أخبره أبو لبابة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن قتل عوامر البيوت منهن فانتهى عبد الله بن عمر ووقف عند الآخر من أمره صلى الله عليه وسلم على حسبما أخبره أبو لبابة وقد بان ذلك في رواية أسامة بن زيد وغيره عن نافع على حسبما تقدم في الباب وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والأبتر فإنهما يلتمسان (1) البصر ويسقطان الحبل (2) قال وكان عبد الله يقتل كل حية وجدها فأبصره أبو لبابة أو زيد بن الخطاب وهو يطارد حية فقال إنه قد نهى عن ذوات البيوت (3) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي
29

قال حدثنا سفيان قال حدثنا الزهري عن سالم عن أبيه فذكره سواء (1) وزاد قال سفيان كان الزهري يشك فيه زيد أو أبو لبابة (2) قال أبو عمر هو أبو لبابة صحيح لم يشك فيه نافع وغيره وقد رواه بكر بن الأشج عن سالم فاستثنى من ذوات البيوت ذا الطفيتين والأبتر وهو موافق لرواية عبد ربه بن سعيد عن نافع عن ابن عمر ولرواية القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهو الصواب في هذا الباب وعليه يصح ترتيب الآثار فيه والحمد لله وقد روي عن ابن مسعود في هذا الباب قول غريب حسن حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم عن ابن مسعود أنه قال اقتلوا الحيات كلها إلا الجان الأبيض الذي كأنه قضيب فضة (3) وبالله التوفيق
30

ولنافع عن أبي هريرة في الموطأ حديثان موقوفان يستندان من غير ما وجه أحدهما وهو حديث تاسع وستون مالك عن نافع أن أبا هريرة قال أسرعوا بجنائزكم فإنما هو خير تقدمونه (1) إليه أو شر تطرحونه (2) عن رقابكم (3) هكذا روى هذا الحديث جمهور رواة الموطأ موقوفا على أبي هريرة ورواه الوليد (4) بن مسلم عن مالك عن نافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتابع على ذلك عن مالك ولكنه مرفوع من غير رواية مالك من حديث
31

نافع عن أبي هريرة من طرق ثابتة وهو محفوظ أيضا من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا فأما حديث نافع فحدثناه عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن القاضي البرتي قال حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن نافع مولى ابن عمر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أسرعوا بجنائزكم إن يكن خيرا عجلتموه إليه وإن يكن غير ذلك قذفتموه عن أعناقكم وروى الأوزاعي عن نافع عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام مرفوعا ولا سماع للأوزاعي من نافع كذلك قال أبو زرعة وقال حدثنا إسحاق بن الخطمي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال قلت للأوزاعي يا أبا عمرو نافع أو عن رجل عن نافع قال رجل عن نافع قلت فعمرو بن شعيب أو رجل عن عمرو بن شعيب قال عمرو بن شعيب قلت فالحسن أو رجل عن الحسن قال رجل عن الحسن وأما حديث الزهري فحدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد (1) عن أبي هريرة (2)
32

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أسرعوا بالجنازة فإن تكن (1) صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تكن (1) غير (2) ذلك فشر تضعونه عن رقابكم قال أبو عمر تأول قوم في هذا الحديث تعجيل الدفن لا المشي وليس كما ظنوا وفي قوله شر تضعونه عن رقابكم ما يرد قولهم مع أنه قد روي عن أبي هريرة وهو رواية الحديث ما يغني عن قول كل قائل روى شعبة وعيينة بن عبد الرحمان عن أبيه عن أبي بكرة أنه أسرع المشي في جنازة عثمان بن أبي العاص وأمرهم بذلك وقال لقد رأيتنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نرمل رملا (3) وروى أبو ماجد عن ابن مسعود قال سألنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن المشي مع الجنازة فقال (4) دون الخبب إن يكن خيرا يعجل إليه وإن يكن غير ذلك فبعدا لأهل النار (5) وذكر الحديث
33

وحديث أبي هريرة أثبت من جهة الإسناد ومعناهما متقارب والذي عليه جماعة العلماء في ذلك ترك التراخي وكراهة المطيطى والعجلة أحب إليهم من الإبطاء ويكره الإسراع الذي يشق على ضعفة من يتبعها وقد قال إبراهيم النخعي بطئوا بها قليلا ولا تدبوا دبيب اليهود والنصارى (1) وروي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة وجماعة من السلف أنهم أمروا أن يسرع بهم وهذا على ما استحبه الفقهاء وهو أمر خفيف إن شاء الله وقد روي عن النبي عليه السلام ما يفسر الإسراع من حديث أبي موسى ويوافق حديث ابن مسعود وقول إبراهيم حدثنا يعيش بن عبد الله وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال حدثنا أبو
معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا ليث عن أبي بردة عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر جنازة يسرع بها وهي تمخض كما يمخض الزق قال فقال عليكم بالقصد في جنائزكم إذا مشيتم (2) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن ليث بإسناده ومعناه
34

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح المدائني قال حدثنا عثمان بن عمر بن فارس قال أخبرنا شعبة عن ليث بن أبي سليم عن أبي بردة عن أبي موسى أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فكأنهم أسرعوا في السير فقال النبي صلى الله عليه وسلم عليكم بالسكينة (1) وهذه الآثار توضح لك معنى الإسراع وأنه على حسبما يطاق وما لا يضر بالمتبع الماشي معها وبالله التوفيق
35

والثاني لنافع عن أبي هريرة قوله وفعله موقوفا عليه في الموطأ وهو يستند من وجوه شتى وهو الحديث الموفي سبعين لنافع مالك عن نافع (1) أنه قال شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة (2) خمس تكبيران قبل القراءة (3) قال أبو عمر مثل هذا لا يكون رأيا ولا يكون إلا توقيفا لأنه لا فرق بين سبع وأقل وأكثر من جهة الرأي والقياس والله أعلم وقد روي عن النبي عليه السلام أنه كبر في العيدين سبعا في الأولى وخمسا في الثانية من طرق كثيرة حسان
37

من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ومن حديث جابر رواه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر ومن حديث عائشة رواه أبو الأسود عن عروة عن عائشة ورواه عقيل وابن مسافر عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة ومن حديث عمرو بن عوف المزني رواه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ومن حديث ابن عمر رواه عبد الله بن عامر الأسلمي عن نافع عن ابن عمر ومن حديث أبي واقد الليثي كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث (ابن) (1) عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدها (2) في (3) كلتيهما (4) وبهذا قال مالك والشافعي وأصحابهما والليث بن سعد إلا أن مالكا قال سبعا في الأولى بتكبيرة الإحرام وقال الشافعي سوى تكبيرة الإحرام واتفقا في الثانية على خمس سوى تكبيرة القيام والركوع وقال أحمد بن حنبل كقول مالك سبعا بتكبيرة الإحرام في الأولى وخمسا في الثانية إلا أنه لا يوالي بين التكبير ويجعل بين كل تكبيرتين ثناء على الله وصلاة على النبي عليه السلام
38

وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه التكبير في العيدين خمس في الأولى وأربع في الثانية بتكبيرة الافتتاح والركوع يحرم في الأولى ويستفتح ثم يكبر ثلاث تكبيرات ويرفع فيها يديه ثم يقرأ أم القرآن وسورة ثم يكبر ولا يرفع يديه ويسجد فإذا قام للثانية كبر ولم يرفع يديه وقرأ فاتحة الكتاب وسورة ثم كبر ثلاث تكبيرات يرفع فيها يديه ثم يكبر أخرى يركع بها ولا يرفع يديه فيها يوالي بين القرائتين قال أبو عمر ليس يروى عن النبي عليه السلام من وجه قوي ولا ضعيف مثل قول هؤلاء وأما الصحابة رضي الله عنهم فإنهم اختلفوا في التكبير في العيدين اختلافا كبيرا وكذلك اختلاف التابعين في ذلك وفعل أبي هريرة مع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أولى ما قيل به في ذلك والله الموفق للصواب قال الشافعي فعل أبي هريرة بين ظهراني المهاجرين والأنصار أولى لأنه لو خالف ما عرفوه وورثوه أنكروه عليه وعلموه وليس ذلك كفعل رجل في بلد كلهم يتعلم منه قال والتكبير في كلتا الركعتين قبل القراءة أشبه بسنن الصلاة قال وكما لم يدخلوا تكبيرة القيام في تكبيرة العيد فكذلك تكبيرة الإحرام بل هي أولى بذلك لأنها لا تدخل في الصلاة إلا بها وتكبيرة القيام لو تركها لم تفسد صلاته وقال المزني إجماعهم على أن تكبير العيد في الأولى قبل القراءة يقضي بأن الركعة في الآخرة كذلك لأن حكم الركعتين في القياس سواء
39

حدثنا سعيد وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا عبد الله بن روح المدائني حدثنا شبابة بن سوار حدثنا الحسن بن عمارة عن سعد بن إبراهيم عن حميد بن عبد الرحمان عن أبيه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم تخرج له الحربة فيصلي إليها فيكبر اثنتي عشرة تكبيرة (1) ثم كان أبو بكر وعمر وعثمان والأئمة يفعلون ذلك (2)
40

نافع عن صفية بنت أبي عبيد الثقفي حديث واحد وهو حديث حاد وسبعون لنافع مالك عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن عائشة وحفصة (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج (2) هكذا روى يحيى هذا الحديث فقال فيه عن عائشة وحفصة جميعا وتابعه أبو المصعب الزهري ومصعب بن عبد الله الزبيدي ومحمد بن المبارك الصوري وعبد الرحمان بن القاسم في رواية سحنون ورواه القعنبي وابن بكير وسعيد بن عفير ومعن بن عيسى وعبد الله بن يوسف التنيسي فقالوا فيه عن عائشة أو حفصة على الشك وكذلك رواه الحرث بن مسكين ومحمد بن سلمة عن ابن القاسم ورواه ابن وهب فقال عن عائشة أو حفصة أو عن كلتيهما
41

وقال فيه أبو مصعب إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولم يقل ذلك غيره وانتهى الحديث عند غيره إلى قوله إلا على زوج قرأت على أحمد بن قاسم بن عيسى أن عبيد الله بن محمد بن حبابة حدثهم ببغداد قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيدي قال حدثني مالك بن أنس عن نافع عن صفية عن عائشة وحفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت إلا على زوج وأما سائر أصحاب نافع غير مالك فإنهم اختلفوا في هذا الحديث أيضا عن نافع اختلافا كثيرا فرواه صخر بن جويرية عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة الحديث وكذلك رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ورواه سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن نافع عن صفية عن بعض أزواج النبي عليه السلام وهي أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه ابن علية عن أيوب بإسنادين أحدهما كما رواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع وصخر عن نافع والآخر
42

عن أيوب قال حدثني رجل عن أم حبيبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن صفية عن حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم فذكره حدثناه إبراهيم بن شاكر حدثنا عبد الله بن عثمان حدثنا سعيد بن خمير وسعيد بن عمثان قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا يزيد بن هارون قال يحيى بن سعيد ونافع أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته أنها سمعت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أو بالله ورسوله أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج ورواه الليث قال حدثني نافع أن صفية حدثته عن حفصة أو عن عائشة أو عن كلتيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره حدثناه أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا البغوي قال حدثني جدي قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا الليث فذكره قال البغوي وحدثنا ابن زنجويه قال حدثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني يزيد بن الهادي عن عبد الله
43

ابن دينار عن نافع عن صفية عن حفصة أو عن عائشة أو عن كلتيهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وكذلك رواه ابن أبي ذئب عن نافع عن صفية عن عائشة أو حفصة أو كلتيهما ورواه محمد بن إسحاق عن نافع عن صفية عن عائشة وأم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة فذكره وزاد في آخره والإحداد ألا تمتشط ولا تكتحل ولا تختضب ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا تخرج من بيتها قال أبو عمر هذه الزيادة عندي من قول ابن إسحاق والله أعلم وعليه الفقهاء ولا يختلفون في أن الإحداد ما ذكر ابن إسحاق وسيأتي شرح الإحداد في اللغة وما للفقهاء فيه من الأقاويل والمعاني مبسوطا في باب عبد الله بن أبي بكر عن حميد بن نافع من كتابنا هذا إن شاء الله
44

نافع عن نبيه بن وهب حديث واحد وهو حديث ثان وسبعون لنافع مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار أن عمر بن عبيد الله (1) أرسل إلى أبان بن عثمان وأبان يومئذ أمير الحاج وهما محرمان إني أردت (2) أن أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير وأردت أن تحضر ذلك (3) فأنكر عليه أبان وقال سمعت عثمان بن عفان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب (4)
45

هذا حديث صحيح احتج به وذهب إليه جماعة من أئمة أهل الحجاز منهم مالك والليث والشافعي وهو قول ابن عمر وسعيد بن المسيب وجماعة وقال عباس وغيره عن ابن معين نبيه بن وهب ثقة قال أبو عمر نبيه بن وهب نسبه ابن إسحاق فقال فيه نبيه بن وهب بن عامر بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي ونسبه الزبير بن أبي بكر القاضي فقال نبيه بن وهب بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزيز بن عثمان بن عبد الدار بن قصي والزبير أعلم بأنساب قريش والقلب إلى ما قاله أميل والله أعلم وعمر بن عبيد الله بن معمر التيمي مشهور هو مولى أبي النضر من فوق إلا أنه لم يقل أحد في هذا الحديث فيما علمت ابنة شيبة بن جبير إلا مالك عن نافع ورواه أيوب وغيره عن نافع فقال فيه ابنة شيبة بن عثمان ذكره أبو داود قال حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب عن نافع عن نبيه ابن وهب أن عمر بن عبيد الله أراد أن ينكح ابنه طلحة بن عمر من ابنة شيبة بن عثمان وساق الحديث بمعنى حديث مالك سواء وكذلك رواه عثمان بن عمر عن عمر بن عبيد الله أنه أراد أن ينكح ابنه طلحة ابنة شيبة بن عثمان وقد مضى القول في نكاح المحرم وما في ذلك من اختلاف السلف والخلف
46

واختلاف الآثار في نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة في باب ربيعة من كتابنا هذا فلا وجه لإعادة ذلك ههنا وجماعة الفقهاء يقولون أن للمحرم أن يراجع امرأته إن لم تكن بائنة منه إلا أحمد بن حنبل فإنه قال المراجعة عندي تزويج ولا يراجع امرأته
47

نافع عن القاسم بن محمد حديث واحد وهو ثالث وسبعون حديثا لنافع وهو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا أشهل عن ابن عون قال قال محمد بن سيرين مات القاسم بن محمد ولم يكن أحد أرضى عند الناس منه قال وحدثنا القعنبي قال ذكر عمر بن عبد العزيز القاسم بن محمد فقال إنه لها يعني الخلافة وذكر ابن البرقي أن القاسم بن محمد توفي سنة ثمان ومائة وهو قول الواقدي ويكنى أبا محمد وكان قد ذهب بصره قال ابن عون رأيت ثلاثة لم أر مثلهم ابن سيرين بالعراق والقاسم بن محمد بالحجاز ورجاء بن حيوة بالشام وقال ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة مات القاسم بن محمد فيما بين مكة والمدينة حاجا أو معتمرا وقال لابنه سن التراب علي سنا وسو علي قبري والحق بأهلك وإياك أن يغرك كان فكان قال ضمرة وتوفي القاسم بن محمد في
49

سنة إحدى أو اثنتين ومائة في خلافة يزيد بن عبد الملك (1) مالك عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة (2) أنها أخبرته (3) أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية فقالت (4) يا رسول الله أتوب إلى الله (5) ماذا (6) أذنبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال (7) هذه النمرقة قالت اشتريتها (8) لتقعد (9) عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب
50

هذه الصور يوم القيامة يعذبون (1) يقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال (1) صلى الله عليه وسلم إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة (3) قال أبو عمر النمرقة الوسادة وقال الخليل والنمروق الوسادة أيضا وهذا الحديث يقتضي تحريم استعمال ما فيه التصاوير من الثياب وأمثالها والاستمتاع بها في ثوب كانت أو غير ثوب كان الثوب مما يوطأ أو لم يكن لأن النمرقة مما توطأ وتمتهن وقد ورد فيها ما رأيت في هذا الباب ولم يخص بيتا فيه نوع التصاوير من نوع ما ولا في موضع ما ولا خص ثوبا من ثوب وحكم كل ثوب حكم النمرقة وليس في شيء من أحاديث هذا الباب أحسن إسنادا من هذا الحديث وقد رواه الزهري عن القاسم بن محمد عن عائشة مثله سواء إلا أنه جعل في موضع النمرقة قراما والقرام جمع قرامة قال الخليل القرامة ثوب صوف (4) ملون والمعنى في ذلك كله واحد لأنها كلها ثياب تمتهن ولم يرخص في شيء منها في هذا الحديث وإن كانت الرخصة قد وردت في غيره في هذا المعنى فإن ذلك متعارض
51

وحديث عائشة هذا من أصح ما يروى في هذا الباب إلا أن عبيد الله بن عمر روى هذا الحديث عن القاسم بن محمد عن عائشة فخالف في معناه وذكر فيه الرخصة فيما يرتفق ويتوسد وقد مضى في الصور وكراهيتها في الثياب وغيرها ذكر في باب إسحاق بن أبي طلحة من كتابنا هذا (1) وسيأتي القول في هذا الباب بما للعلماء فيه من
الوجوه والمذاهب في باب أبي النضر من كتابنا هذا ممهدا موعبا إن شاء الله حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا بحر بن نصر قال حدثنا بشر بن بكر وحدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد بن حبيب قالا حدثنا الأوزاعي عن ابن شهاب قال أخبرني القاسم بن محمد عن عائشة قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صور فهتكه وقال إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله (2) وحدثنا عبد الرحمان بن يحيى وأحمد بن فتح قالا حدثنا حمزة بن محمد قال أخبرنا محمد بن سعيد بن عثمان بن عبد
52

السلام السراج قال حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثني إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صور فتلون وجهه وتناول الستر فهتكه ثم قال إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله (1) ورواه ابن عيينة عن ابن شهاب بإسناده مثله ففي هذا الحديث دليل على أن القرام ستر ويحتمل أنه إذ هتكه وخرقه فقد أبطل الانتفاع به ويحتمل أن يكون أباح الانتفاع منه بما كان يوطأ ويمتهن وكره ما ينصب نصبا كالستر وشبهه ولهذا والله أعلم قال من قال من العلماء ما قطع رأسه فليس بصورة وما لم ينصب ويبسط فليس به بأس ويدل حديث عبيد الله بن عمر على نحو ما ذكرنا من الاحتمال حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا بشر بن الوليد قال حدثنا عبد العزيز بن عبد بن أبي سلمة عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت ستر منصوب عليه تصاوير فعرف الغضب في وجهه قالت فهتكته وأخذته فجعلته مرفقتين فكان يرتفق بهما في
53

بيته فرواية عبيد الله بن عمر هذه عن القاسم مخالفة لرواية الزهري ونافع عن القاسم وعبيد الله ثقة حافظ وسماعه من القاسم ومن سالم صحيح والزهري ونافع أجل منه والله أعلم بالصحيح من ذلك ومن جهة النظر لا يجب أن يقع المنع والحظر إلا بدليل لا منازع له وحديث سهل بن حنيف مع أبي طلحة الأنصاري يعضد ما رواه عبيد الله بن عمر في ذلك وسيأتي ذكر حديث سهل بن حنيف وأبي طلحة في باب أبي النضر من كتابنا هذا في حرف السين وقد مضى ما للفقهاء في هذا الباب من المذاهب في باب إسحاق بن أبي طلحة (1) ويأتي في باب أبي النضر سالم ما فيه أيضا عن التابعين إن شاء الله عز وجل
54

نافع عن سليمان بن يسار حديث واحد وهو حديث رابع وسبعون لنافع مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) (1) أن امرأة كانت تهراق الدماء في (2) عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لتنظر (3) عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر (قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر) (4) فإذا خلفت (5) ذلك فلتغتسل ثم لتستثفر بثوب ثم لتصلي (6)
55

هكذا رواه مالك عن نافع عن سليمان عن أم سلمة وكذلك رواه أيوب السختياني عن سليمان بن يسار كما رواه مالك عن نافع سواء ورواه الليث بن سعيد وخصر بن جويرية وعبيد الله بن عمر على اختلاف عنهم عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلا أخبره عن أم سلمة فأدخلوا بين سليمان بن يسار وبين أم سلمة رجلا وذكر حماد بن زيد عن أيوب في هذا الحديث أن المرأة المذكورة في هذا الحديث التي كانت تهراق الدماء فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك هي فاطمة بنت أبي حبيش وكذلك ذكر ابن عيينة أيضا عن أيوب في هذا الحديث وحديث فاطمة ابنة أبي حبيش رواه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بخلاف هذا اللفظ وسنذكره ههنا وفي باب هشام بن عروة من كتابنا هذا إن شاء الله وأما حديث سليمان بن يسار هذا فحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا الحسن بن أحمد قال حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب عن سليمان بن يسار أن فاطمة ابنة أبي حبيش استحيضت حتى كان المركن (1)
56

ينقل من تحتها وعاليه (1) الدم فأمرت أم سلمة أن تسأل لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال تدع أيام أقرائها وتغتسل وتستثفر وتصلي قال أيوب فقلت لسليمان بن يسار أيغشاها زوجها قال إنما نحدث بما سمعنا أو لا نحدث إلا بما سمعنا وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا أيوب السختياني عن سليمان بن يسار أنه سمعه يحدث عن أم سلمة أنها قالت كانت فاطمة ابنة أبي حبيش تستحاض فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه ليس بالحيضة ولكنه عرق وأمرها أن تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضتها ثم تغتسل فإن غلبها (2) الدم استثفرت (3) بثوب وصلت (4) وكذلك رواه وهيب عن أيوب عن سليمان بن يسار مثله أخبرناه أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال أخبرنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك قال
57

حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا عفان قال حدثنا وهيب قال حدثنا أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة أن فاطمة استحيضت وكانت تغتسل في مركن لها فتخرج وهو عاليه (1) الصفرة والكدرة واستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تنظر أيام قروئها أو أيام حيضتها فتدع فيها الصلاة وتغتسل فيما سوى ذلك وتستثفر بثوب قال أبو عمر قوله تدع الصلاة أيام أقرائها (2) أو أيام حيضتها يضارع حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قصة فاطمة ابنة أبي حبيش حين قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهبت عنك فاغتسلي وصلي (3) ويضارع حديث نافع هذا في قوله لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهم من الشهر الحديث وفي هذين المعنيين تنازع بين العلماء سنذكره ههنا في هذا الباب بعد الفراغ من طرق هذا الحديث وألفاظه بعون الله إن شاء الله وأما الاختلاف على نافع في هذا الحديث فإن أسد بن موسى ذكره في مسنده قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثنا نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة أن امرأة كانت
58

تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الحديث بمعنى حديث مالك سواء ولم يدخل في إسناده بين سليمان وبين أم سلمة أحدا وكذلك رواه أسد أيضا عن أبي خالد الأحمر سليمان بن حيان عن الحجاج بن أرطأة عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة وكذلك رواه أبو أسامة وابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن
سليمان بن يسار عن أم سلمة قالت سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث ليس بين سليمان وبين أم سلمة فيه أحد ذكره ابن أبي شيبة في مسنده عن أبي أسامة وابن نمير جميعا بالإسناد المذكور (1) وخالفهما عبيد الله بن عمر أنس بن عياض فأدخل بين سليمان بن يسار وبين أم سلمة رجلا حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا أنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار أن امرأة كانت تهراق الدم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل حديث مالك بمعناه (2) وأما رواية من روى عن الليث هذا الحديث فأدخل في إسناده بين سليمان بن يسار وبين أم سلمة رجلا فأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال
59

حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب قالا حدثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار عن رجل أخبره عن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدم فذكر معنى حديث مالك قال فإذا خلفت (1) ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل (2) قال أبو داود وحدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن مهدي قال حدثنا صخر بن جويرية عن نافع بإسناد الليث ومعناه قال فلتترك الصلاة قدر ذلك ثم إذا حضرت فلتغتسل ولتستثفر (3) بثوب وتصلي (4) وعند الليث في هذا أيضا عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة أن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي قالت عائشة رأيت مركنها ملآن دما (5) وعند الليث أيضا عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن
60

الزبير أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته أنها سألت رسول الله وشكت إليه الدم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي فإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء (1) ذكر ذلك كله أبو داود وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يقول في الحيض حديثان والآخر في نفسي منه شيء (2) قال أبو داود يعني أن في الحيض ثلاثة أحاديث هي أصول هذا الباب أحدها حديث مالك عن نافع عن سليمان بن يسار والآخر حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة والثالث الذي في قلبه منه شيء هو حديث حمنة بنت جحش الذي يرويه ابن عقيل (3) قال أبو عمر أما حديث نافع عن سليمان بن يسار فقد مضى في هذا الباب مجود الإسناد والحمد لله وأما حديث عائشة في قصة فاطمة ابنة أبي حبيش فحدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن
61

عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش الأسدية كانت تستحاض فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها إنما هو عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي قال اغسلي عنك الدم وصلي وهذا حديث رواه عن هشام جماعة كثيرة منهم حماد بن سلمة وحماد بن زيد ومالك بن أنس (1) وأبو حنيفة ومحمد بن كناسة وابن عيينة وزاد بعضهم فيه ألفاظا لها أحكام سنذكرها إن شاء الله في باب هشام بن عروة من هذا الكتاب وأما الحديث الذي ذكر أنه الثالث حديث حمنة فأخبرناه أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا زكرياء بن عدي قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا زهير بن حرب وغيره قالا حدثنا عبد الملك بن عمرو قال حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة ابنة جحش بمعنى
62

واحد قالت كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت (1) زينب بنت جحش فقلت يا رسول الله إني (1) أستحاض حيضة كثيرة شديدة فماذا ترى فيها قد منعتني من الصلاة فقال أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم قلت هو أكثر من ذلك قال فتلجمي قلت هو أكثر من ذلك قال فاتخذي ثوبا قلت هو أكثر من ذلك قالت إنما أثج ثجا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سآمرك أمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم إنما هي ركضة من الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت (3) فصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها (4) وصومي فإن ذلك يجزيك وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء
63

ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين) (1) فافعلي ثم تغتسلين مع الفجر فافعلي وصومي إن قدرت على ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أحب (2) الأمرين إلي (3) قال أبو داود وما عدا هذه الثلاثة الأحاديث ففيها اختلاف واضطراب (4) قال وأما حديث عدي بن ثابت والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت وحديث أيوب بن العلاء فهي كلها ضعيفة لا تصح (5) حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن أبي عدي عن محمد بن عمرو قال حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة ابنة أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي عليه السلام إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي (6) فإنما هو عرق
64

قال ابن المثنى حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا ثم حدثنا به من حفظه فقال حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة كانت تستحاض (1) وذكره قال أبو عمر اختلف عن الزهري في هذا الحديث اختلافا كثيرا فمرة يرويه عن عمرة عن عائشة ومرة عن عروة عن عائشة ومرة عن عروة وعمرة عن عائشة ومرة عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش وقد ذكرنا كثيرا من ذلك في باب هشام بن عروة وقال فيه سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة حدثتني فاطمة ابنة أبي حبيش أنها أمرت أسماء أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسماء حدثتني أنها أمرت فاطمة ابنة أبي حبيش تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحيض
فأمرها أن تقعد أيامها التي كانت تقعد ثم تغتسل وأكثر أصحاب ابن شهاب يقولون فيه عن عروة وعمرة عن عائشة أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تحت بعدالرحمان بن عوف استحيضت هكذا يقولون عن ابن شهاب في هذا الحديث أم حبيبة لا يذكرون فاطمة بنت (أبي) (2) حبيش وحديث ابن شهاب في هذا الباب مضطرب
65

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا عبيد الله بن يحيى حدثني أبي حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت استفتت أم حبيبة بنت جحش رسول الله قالت إني أستحاض فقال إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي فكانت تغتسل عند كل صلاة (1) ورواه عراك بن مالك عن عروة بخلاف رواية هشام والزهري حدثناه عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا مطلب بن شعيب حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة أن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدم قالت عائشة لقد رأيت مركنها ملآن دما فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمكثي قدر ما (2) تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وبإسناده (3) عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن الأشج عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير أن فاطمة بنت أبي حبيش حدثته أنها أتت النبي عليه السلام فشكت إليه الدم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق فانظري فإذا أتاك قرؤك فلا تصلي فإذا مر القرء فتطهري ثم صلي بين القرء إلى القرء (4)
66

قال أبو عمر لهذا الاختلاف ومثله عن عروة والله أعلم ضعف أهل العلم بالحديث ما عدا حديث هشام بن عروة وسليمان بن يسار من أحاديث الحيض والاستحاضة فهذه الأحاديث المرفوعة في هذا الباب وأما أقاويل الصحابة والتابعين وسائر فقهاء المسلمين فسنورد منها ههنا ما فيه شفاء واكتفاء إن شاء الله قال أبو عمر أما قوله في حديث مالك في هذا الباب عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعناه عند جميع العلماء أنها كانت امرأة لا ينقطع دمها ولا ترى منه طهرا ولا نقاء وقد زادها ذلك على أيامها المعروفة لها وتمادى بها فسألت عن ذلك لتعلم هل حكم ذلك الدم كحكم دم الحيض أو هل هو حيض أو غير حيض فأجابها رسول الله صلى الله عليه وسلم بجواب منعها به من الصلاة في أيام حيضتها فبان بذلك أن الحائض لا تصلي وهذا إجماع وأمرها صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتصلي إذا خلفت ذلك واحتملت ألفاظ هذه الأحاديث من التأويل ما أوجب اختلاف العلماء في هذا الباب على ما نذكره عنهم إن شاء الله والذي أجمعوا عليه أن المرأة لها ثلاثة أحكام في رؤيتها الدم السائل من فرجها فمن ذلك دم الحيض المعروف تترك له الصلاة إذا كان حيضا وللحيض عندهم مقدار اختلفوا فيه وكلهم يقول إذا جاوز الدم ذلك المقدار فليس بحيض والحيض خلقة في النساء وطبع معتاد معروف منهن وحكمه ألا تصلي معه المرأة ولا تصوم فإذا انقطع عنها كان طهرها منه الغسل
67

ومن ذلك أيضا الوجه الثاني وهو دم النفاس عند الولادة له أيضا عند العلماء حد محدود اختلفوا فيه على ما نذكره عنهم إن شاء الله وطهرها عندهم انقطاعه والغسل منه كالغسل من الحيض سواء والوجه الثاني دم ليس بعادة ولا طبع منهن ولا خلقة وإنما هو عرق انقطع سائل دمه لا انقطاع له إلا عند البرء منه فهذا حكمه أن تكون المرأة فيه طاهرا لا يمنعها من صلاة ولا صوم بإجماع من العلماء واتفاق من الآثار المرفوعة إذا كان معلوما أنه دم العرق لا دم الحيض وأما وطء الزوج أو السيد للمرأة هذه حالها فمختلف فيه من أهل العلم جماعة قالوا لا سبيل لزوجها إلى وطئها ما دامت تلك حالها قالوا لأن كل دم أذى يجب غسله من الثوب والبدن ولا فرق في المباشرة بين دم الحيض ودم الاستحاضة لأنه كله رجس وإن كان التعبد منه مختلفا كما أن ما خرج من السبيلين سواء في النجاسة وإن اختلفت عباداته في الطهارة قالوا وأما الصلاة فرخصة وردت بها السنة كما يصلى أسلس البول وممن قال أن المستحاضة لا يصبها زوجها إبراهيم النخعي وسليمان بن يسار والحكم وعامر الشعبي وابن سيرين والزهري واختلف فيه عن الحسن وروي عن عائشة في المستحاضة أنه لا يأتيها زوجها وبه قال ابن علية وذكر عن شريك عن منصور عن إبراهيم قال المستحاضة تصوم وتصلي ولا يأتيها زوجها وعن حماد بن زيد عن حفص بن سليمان عن الحسن مثله
68

وعن عبد الواحد بن سالم عن حريث عن الشعبي مثله وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن منصور قال (لا) (1) تصوم ولا يأتيها زوجها ولا تمس المصحف (2) وعن معمر عن أيوب قال مثل سليمان بن يسار أيصيب المستحاضة زوجها فقال إنما سمعنا الصلاة (3) وذكر إسماعيل بن إسحاق قال أخبرنا أبو مصعب قال سمعت المغيرة بن عبد الرحمان وكان من أعلى أصحاب مالك يقول قولنا في المستحاضة إذا استمر بها الدم بعد انقضاء أيام حيضتها إنا لا ندري هل ذلك انتقال دم حيضتها إلى دم (4) أكثر منها أم ذلك استحاضة فنأمرها أن تغتسل إذا مضت أيام حيضتها وتصلي وتصوم ولا يغشاها زوجها احتياطا ينظر إلى ما تصير إليه حالها بعد ذلك إن كانت حيضة انتقلت من أيام إلى أكثر منها عملت فيما تستقبل على الأيام التي انتقلت إليها ولم يضرها ما كانت احتاطت من الصلاة والصيام وإن كان ذلك الدم الذي استمر بها استحاضة كانت قد احتاطت للصلاة والصيام قال أبو مصعب وهذا قولنا وبه نفتي وقال جمهور العلماء المستحاضة تصوم وتصلي وتطوف وتقرأ ويأتيها زوجها
69

وممن روي عنه إجازة وطء المستحاضة عبد الله بن عباس وابن المسيب والحسن وسعيد بن جبير وعطاء وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وكان أحمد بن حنبل يقول أحب إلي ألا يطأها إلا أن يطول ذلك بها ذكر ابن المبارك عن الأجلح عن عكرمة عن ابن عباس قال في المستحاضة لا بأس أن يجامعها زوجها (1) وذكر عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن شروس قال سمعت عكرمة مولى ابن عباس يسأل عن المستحاضة أيصيبها زوجها قال نعم وإن سال الدم على عقبيها (2) عن الثوري عن سمي عن ابن المسيب وعن يونس عن الحسن قالا في المستحاضة تصوم وتصلي ويجامعها زوجها (3) وعن الثوري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير أنه سأله عن المستحاضة أتجامع فقال الصلاة أعظم من الجماع (4) وذكر ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال المستحاضة تصوم وتصلي
70

ويطؤها زوجها قال ابن وهب وقال مالك أمر أهل الفقه والعلم على ذلك وإن كان دمها كثيرا وقال مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس بالحيضة وإذا لم تكن حيضة فما يمنعها أن تصيبها وهي تصلي وتصوم قال أبو عمر (1) حكم الله عز وجل في دم المستحاضة بأنه لا يمنع من الصلاة وتعبد فيه بعبادة غير عبادة الحيض أوجب (2) أن لا يحكم له بشئ من حكم الحيض إلا فيما أجمعوا عليه من غسله كسائر الدماء وأما اختلاف العلماء في أكثر الحيض وفي أقله وفي أقل الطهر فواجب الوقوف عليه ههنا لأن الأصل في الاستحاضة زيادة الدم على مقدار أمد الحيض أو نقصان مدة الطهر عن أقله فبهذا تعرف الاستحاضة فأما اختلافهم في أكثر الحيض وأقله فإن فقهاء أهل المدينة يقولون أن الحيض لا يكون أكثر من خمسة عشر يوما وجائز عندهم أن يكون خمسة عشر يوما فما دون وأما ما زاد على خمسة عشر يوما فلا يكون حيضا وإنما هو استحاضة (3) وهذا مذهب مالك وأصحابه في الجملة وقد روي عن مالك
71

أنه قال لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره والدفعة عنده من الدم وإن قلت تمنع من الصلاة وأكثر الحيض عنده خمسة عشر يوما إلا أن يوجد في النساء أكثر من ذلك فكأنه ترك قوله خمسة عشر ورده إلى عرف النساء في الأكثر وأما الأقل فقليل الدم عنده حيض بلا توقيت يمنع من الصلاة وإن لم تكن المطلقة تعده قرءا هذه جملة رواية ابن القاسم وأكثر المصريين عنه وروى الأندلسيون عن مالك أقل الطهر عشر وأقل الحيض خمس وقال ابن الماجشون عن مالك أقل الطهر خمسة أيام وأقل الحيض خمسة أيام وهو قول عبد الملك بن الماجشون وقال الشافعي أقل الحيض يوم وليلة وروي عنه يوم بلا ليلة وأكثره عنده خمسة عشر يوما وللشافعي قول آخر كقول مالك في عرف النساء وقال محمد بن مسلمة أكثر الحيض خمسة وأقله ثلاثة أيام وقال الأوزاعي أقل الحيض يوم قال وعندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام فما نقص عندها ولاء من ثلاثة أيام فهو استحاضة وما زاد على عشرة أيام فهو استحاضة وكذلك ما كان أقل من يوم وليلة عند الشافعي فهو استحاضة وما زاد على خمسة عشر يوما فمثل ذلك
72

وكذلك ما نقص عن أقل الطهر فهو استحاضة عند أكثرهم وأما اختلافهم في أقل الطهر فإن مالكا وأصحابه اضطربوا في ذلك فروي عن ابن القاسم عشرة أيام وروي عنه ثمانية أيام وهو قول سحنون وقال عبد المالك بن الماجشون أقل الطهر خمسة أيام ورواه عن مالك وقال محمد بن مسلمة أقل الطهر خمسة عشر يوما وهو قول أبي حنيفة والثوري والشافعي قال الشافعي إلا أن يعمل طهر امرأة أقل من خمسة عشر فيكون القول قولها وحكى ابن أبي عمران عن يحيى بن أكثم أن أقل الطهر تسعة عشر واحتج بأن الله جعل عدل كل حيضة وطهر شهرا والحيض في العادة أقل من الطهر فلم يجز أن يكون الحيض خمسة عشر يوما ووجب أن يكون عشرة حيضا وباقي الشهر طهرا وهو تسعة عشر لأن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وقول أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد والطبري في أقل الحيض وأكثره كقول الشافعي وأما أقل الطهر فقال أحمد وإسحاق لا تحديد في ذلك وأنكرا على من وقت في ذلك خمسة عشر يوما وقالا باطل
73

وقال الثوري أقل ما بين الحيضتين من الطهر خمسة عشر يوما وذكر أبو ثور أن ذلك لا يختلفون فيه وحكاه عن الشافعي وأبي حنيفة وأما اختلاف الفقهاء في أقل النفاس وأكثره فلا أعلمهم يختلفون أعني فقهاء الحجاز والعراق أن النفساء إذا رأت الطهر ولو بعد ساعة أنها تغتسل واختلفوا في أكثر مدته فقال مالك وعبيد الله بن الحسن والشافعي أكثره ستون يوما ثم رجع مالك فقال يسأل النساء عن ذلك وأهل المعرفة فذكر الليث أن من الناس من يقول سبعين يوما وقال الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي أكثره أربعون يوما قال أبو عمر ما زاد عندهم على أكثر مدة الحيض وأكثر مدة النفاس فهو استحاضة لا يختلفون في ذلك فقف على أصولهم في هذا الباب لتعرف الحكم في المستحاضة وتعرف من قلد أصله منهم ومن خالفه إن شاء الله فأما أقاويل الصحابة والتابعين في صلاة المستحاضة فإن ابن سيرين روى عن ابن عباس في المستحاضة قال إذا رأت الدم البحراني فلا تصلي وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل ولتصل (1) وقال مكحول إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة إن دمها أسود غليظ فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها الاستحاضة فلتغتسل ولتصل (1)
74

وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القعقاع بن حكيم عن سعيد بن المسيب في المستحاضة إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة وإذا أدبرت اغتسلت وصلت وقد روي عن سعيد بن المسيب في المستحاضة تجلس أيام أقرائها ورواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عنه وروى يونس عن الحسن قال الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يوما أو يومين وهي مستحاضة وقال التيمي عن قتادة إذا زادت على أيام حيضتها خمسة أيام فلتصل قال التيمي فجعلت أنقص حتى إذا بلغت يومين قال إذا كان يومين فهو من حيضها وسئل ابن سيرين فقال النساء أعلم بذلك (1) قال أبو عمر فهذه أقاويل فقهاء التابعين في هذا الباب وأما أقاويل من بعدهم من أئمة الفتوى بالأمصار فقال مالك في المرأة إذا ابتدأها حيضها فاستمر بها الدم أو كانت ممن قد حاضت فاستمر الدم بها قال في المبتدأة تقعد ما تقعد نحوها من النساء من أسنانها وأترابها ولداتها ثم هي مستحاضة بعد ذلك رواه علي بن زياد عن مالك وقال ابن القاسم ما رأت المرأة بعد بلوغها من الدم فهو حيض تترك له الصلاة فإن تمادى بها قعدت عن الصلاة خمسة عشر يوما ثم اغتسلت وكانت مستحاضة تصلي وتصوم وتوطأ إلا أن ترى دما لا تشك أنه
75

دم حيض فتدع له الصلاة فقال والنساء يعرفن ذلك بريحه ولونه وقال إذا عرفت المستحاضة إقبال الحيضة وإدبارها وميزت دمها اعتدت به من الطلاق وقد روي عن مالك في المستحاضة عدتها سنة وإن رأت دما تنكره وقال مالك في المرأة ترى الدم دفعة واحدة لا ترى غيرها في ليل أو نهار أن ذلك حيض تكف له عن الصلاة فإن لم تكن غير تلك الدفعة اغتسلت وصلت ولا تعتد بتلك الدفعة من طلاق والصفرة والكدرة عند مالك في أيام الحيض وفي غيرها حيض وقال مالك المستحاضة إذا ميزت بين الدمين عملت على التمييز في إقبال الحيضة وإدبارها ولم يلتفت إلى عدد الليالي والأيام وكفت عن الصلاة عند إقبال حيضتها واغتسلت عند إدبارها وقال مالك في المرأة يزيد دمها على أيام عادتها أنها تمسك عن الصلاة خمسة عشر يوما فإن انقطع وإلا صنعت ما تصنع المستحاضة ثم رجع فقال تستظهر بثلاثة أيام بعد أيام حيضتها المعتادة ثم تصلي وترك قوله خمسة عشر يوما وأخذ بقوله الأول المدنيون من أصحابه وأخذ بقوله الآخر المصريون من أصحابه وقال الليث في هذه المسألة كلها مثل قول مالك
الأخير ولمالك وغيره من العلماء في المرأة ينقطع دم حيضها فترى دما يوما أو يومين وطهرا يوما أو يومين مذاهب سنذكرها في باب هشام بن عروة إن شاء الله
76

وذكر إسماعيل بن إسحاق قال قال محمد بن مسلمة أقصى ما تحيض النساء عند علماء أهل المدينة مالك وغيره خمسة عشر يوما فإذا رأت المرأة الدم أمسكت عن الصلاة خمسة عشر يوما فإن انقطع عنها عند انقضاء الخمسة عشر وفيما دونها علمنا أنه حيض واغتسلت عند انقطاعه وصلت وليست مستحاضة فإن تمادى بها الدم أكثر من خمسة عشر يوما اغتسلت عند انقضاء الخمسة عشر وعلمنا أنها مستحاضة فأمرناها بالغسل لأنها طاهر وتصلي من يومها ذلك ولا تصلي ما كان قبل ذلك لأنها تركت الصلاة باجتهاد في أمر يختلف فيه وقد ذهب وقت تلك الصلاة وقلنا أقيمي طاهرة حتى تقبل الحيضة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن تأتيها دفعة من دم تنكره بعد خمسة عشر يوما من يوم غسلها لأنه أقل الطهر عندنا فإذا رأت الدفعة بعد خمس عشرة من الطهر كفت عن الصلاة ما دامت ترى الدم إلى خمسة عشر ثم اغتسلت وصلت فيما تستقبل كما ذكرنا فإن لم يكن بين الدفعة وبين الطهر قدر بخمسة عشر يوما فهي امرأة حاضت في الشهر أكثر مما تحيض النساء فلا تعتد به ولا تترك الصلاة لتلك الدفعة ولا تزال تصلي حتى يأتيها ولو دفعة (1) بعد خمسة عشر أو أكثر من الطهر قال محمد بن
77

مسلمة إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المستحاضة أن تترك الصلاة إذا أقبلت الحيضة فإذا ذهب قدرها اغتسلت وصلت وقدرها عندنا على ما جاء في حديث أم سلمة لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإن جاوزت ذلك فلتغتسل ولتستثفر بثوب ولتصلي وإنما تترك الصلاة عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وحيضها مستقيم قلت أو كثرت لا تزيد عليها ثم تغتسل وتصلي وهي طاهر حتى ترى دفعة فتكف عدد الليالي والأيام فإن زادت دفعة قبل وقت حيضها لم تكف عن الصلاة لأنها لو كفت عن الصلاة بتلك الدفعة قبل وقت حيضها كانت قد خالفت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعدت عن الصلاة أكثر من أيام حيضها والدفعة في غير أيام الحيض عرق لن تقبل معه حيضة وإنما أمرت أن تكف عن الصلاة عند إقبال الحيضة فرأينا إقبالها في غير موضعها مخالفا للحديث في عدد الليالي والأيام فجعلنا ذلك استحاضة قال محمد بن مسلمة وكان المغيرة يأخذ بالحديث الذي جاء فيه عدد الليالي والأيام وكان مالك يحتاط بعد ذلك بثلاث قال وقول المغيرة في ذلك أحسن وأحب إلي وقال أحمد بن المعذل أما قول مالك في المرأة التي لم تحض قط ثم حاضت فاستمر بها الدم فإنها تترك الصلاة إلى
78

أن تتم خمسة عشر يوما فإن انقطع عنها قبل ذلك علمنا أنه حيض واغتسلت وإن انقطع عنها لخمس عشرة فكذلك أيضا وهي حيضة قائمة تصير قرءا لها وإن زاد الدم على خمسة عشر اغتسلت عند انقضاء الخمس عشرة وتوضأت لكل صلاة وصلت وكان ما بلغ خمسة عشر من دمها استحاضة يغشاها فيه زوجها وتصلي فيه وتصوم ولا تزال بمنزلة الطاهر حتى ترى دما قد أقبل غير الدم الذي كان بها وهي تصلي فإن رأته بعد خمس ليال من يوم اغتسلت فهو حيض مقبل تترك له الصلاة خمس عشرة ليلة لأنها ليست ممن كان لها حيض معروف ترجع إليه وتترك الصلاة قدر أيامها إنما وقتها أكثر الحيض وهي خمس عشرة وإذا رأت الدم المقبل بعدما اغتسلت بأقل من خمس ليال لم تترك له الصلاة وكانت استحاضة لأنها لم تتم من الطهر أيامها فيكون الذي يقبل حيضا مستأنفا فهذا حكم التي ابتدئت في أول ما حاضت بالاستحاضة قال وأما التي لها حيض معروف مستقيم وزادها الدم على أيامها فإنها تنتظر إلى تمام خمس عشرة فإن انقطع عنها الدم قبل ذلك اغتسلت وصلت وكان حيضها مستقيما وإن انقطع الدم مع تمام خمسة عشر فكذلك أيضا وإنما هي امرأة انتقل حيضها إلى أكثر مما كان وكل ذلك حيض لأن حيض المرأة مختلف أحيانا فيقل ويكثر وإن زادها الدم على خمسة عشر اغتسلت عند تمامها فصلت وكانت مستحاضة وتصلي وتصوم ويأتيها زوجها حتى ترى دما قد أقبل سوى الذي تصلي
79

فيه فإن رأته قبل خمس ليال من حين اغتسلت مضت على حال الطهارة فإنها مستحاضة وإن رأته بعد خمس ليال فأكثر فهو دم حيض مستأنف تترك له الصلاة أيامها التي كانت تحيضها قبل أن يختلط عليها أمرها وتزيد ثلاثة أيام على ما كانت تعرف من أيامها إلا أن تكون أيامها والثلاثة التي تحتاط بها أكثر من خمس عشرة فإن كان كذلك لم تجاوز خمس عشرة واغتسلت عند تمامها وصلت فهذا فرق بين المبتدأة بالاستحاضة وبين التي كان لها وقت معلوم وقال أحمد بن المعذل الذي كان عليه الجلة من العلماء في القديم أن الحيض يكون خمس عشرة ليلة لا تجاوز ذلك وما جاوزه فهو استحاضة قال وعلى هذا كان قول أهل المدينة القديم وأهل الكوفة حتى رجع عنه أبو حنيفة لحديث بلغه عن الجلد بن أيوب عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك أنه قال في المستحاضة تنتظر عشرا لا تجاوز فقال أبو حنيفة لم أزل أرى أن يكون أقل الطهر أكثر من أكثر الحيض وكنت أكره خلافهم يعني فقهاء الكوفة حتى سمعت هذا الحديث عن أنس فأنا آخذ به قال أحمد بن المعذل واختلف قول أصحابه في عدد الحيض وانقطاعه وعودته اختلافا يدلك على أنهم لم يأخذوه عن أثر قوي ولا إجماع قال واختلف أيضا قول مالك وأصحابه في عدد الحيض رجع فيها من قول إلى قول وثبت هو وأهل
80

بلده على أصل قولهم في الحيض أنه خمس عشرة قال وإنما ذكرت لك اختلاف أمر الحيض واختلاطه على العلماء لتعلم أنه أمر أخذ أكثره بالاجتهاد فلا يكون عندك سنة قول أحد من المختلفين فيضيق على الناس خلافهم قال أبو عمر قد احتج الطحاوي المذهب الكوفيين في تحديد الثلاث والعشر في أقل الحيض وأكثره بحديث أم سلمة إذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي كانت تهراق الدم فقال لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن في الشهر فلتترك قدر ذلك من الشهر ثم تغتسل وتصلي قال فأجابها بذكر عدد الأيام والليالي من غير مسألة لها على مقدار حيضها قبل ذلك قال وأكثر ما يتناوله أيام عشرة وأقله ثلاثة قال أبو عمر ليس هذا عندي حجة تمنع من أن يكون الحيض أقل من ثلاث لأنه كلام خرج في امرأة قد علم أن حيضها أيام فخرج جوابها على ذلك وجائز أن يكون الحيض أقل من ثلاث لأن ذلك موجود في النساء غير مدفوع وأما الجلد بن أيوب (1) فإن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أنه كان يضعفه ويقول من جلد ومن كان جلد وقال ابن
81

المبارك الجلد بن أيوب يضعفه أهل البصرة ويقولون ليس بصاحب حديث (1) يعني روايته في قصة الحيض عن أنس قال أبو عمر للجلد بن أيوب أيضا حديث آخر عن معاوية بن قرة عن عائد بن عمر وأنه قال لامرأته إذا نفست لا تغريني عن ديني حتى تمضي أربعون ليلة وروى عن الجلد بن أيوب هشام بن حسان وعمر بن المغيرة
وعبد العزيز بن عبد الصمد وغيرهم وله سماع من الحسن ونظرائه ولكنهم يضعفونه في حديثه في الحيض (2) وأما الاستظهار فقد قال مالك باستظهار ثلاثة أيام وقال غيره تستظهر يومين وحكى عبد الرزاق عن معمر قال تستظهر يوما واحدا على حيضتها ثم هي مستحاضة (3) وذكر عن ابن جريج عن عطاء وعمرو بن دينار تستظهر بيوم واحد (4) قال أبو عمر احتج بعض أصحابنا في الاستظهار بحديث رواه حرام بن عثمان عن أبي جابر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث لا يصح وحرام بن عثمان
82

ضعيف متروك الحديث (1) واحتجوا فيه من جهة النظر والقياس على المصراة (2) في اختلاط اللبنين فجعلوا كذلك اختلاف الدمين دم الاستحاضة ودم الحيض وفي السنة من حديث ابن سيرين وغيره عن أبي هريرة أن المصراة تستبرأ ثلاثة أيام ليعلم بذلك مقدار لبن التصرية من لبن العادة فجعلوا كذلك الذي يزيد دمها على عادتها ليعلم بذلك أحيض هو أم استحاضة استبراء واستظهارا وفي ذا المعنى نظر لأن الاحتياط إنما يجب أن يكون في عمل الصلاة لا في تركها وسيأتي هذا المعنى بأوضح من هذا في باب هشام بن عروة إن شاء الله وأما الشافعي فإنه قال الحيض أقل ما يكون يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما فإن تمادى بالمبتدأة الدم أكثر من خمسة عشر يوما اغتسلت وقضت الصلاة أربعة عشر يوما لأنها مستحاضة بيقين إذا زادت على خمسة عشر يوما فإن حيضها أقل الحيض احتياطا للصلاة وإن انقطع دمها لخمسة عشر يوما أو دونها فهو كله حيض وقال الشافعي إذا زادت المرأة على أيام حيضها نظرت فإن كان الدم محتدما ثخينا فتلك الحيضة تدع لها الصلاة فإذا جاءها الدم الأحمر فذلك الاستحاضة تغتسل وتصلي (ولا
83

تستظهر في أيام الدم وفي أيام أقرائها تغتسل وتصلي) (1) تعمل عنده على التمييز فإن لم تميز فعلى الأيام فإن لم تعرف رجعت إلى العرف والعادة واليقين وقول أبي ثور في هذا كله مثل قول الشافعي سواء قال أبو عمر الدم المحتدم هو الذي ليس برقيق ولا بمشرق وهو إلى الكدرة والدم الأحمر المشرق تقول له العرب دم عبيط والعبيط هو الطري غير المتغير تقول العرب اعتبط ناقته وبعيره إذا نحرهما من غير علة ومن هذا قولهم من لم يمت عبطة يمت هرما أي من لم يمت في شبابه وصحته مات هرما يقولون اعتبط الرجل إذا مات شابا صحيحا وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري في التي يزيد دمها على أيام عادتها أنها ترد إلى أيامها المعروفة فإن زادت فإلى أقصى مدة الحيض وذلك عندهم عشرة أيام تترك الصلاة فيها فإن انقطع وإلا فهي مستحاضة والعمل عندهم على الأيام لا على التمييز تجلس عندهم أيام أقرائها إلى آخر مدة الحيض وذكر بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة في المبتدأة ترى الدم ويستمر بها أن حيضها عشر وطهرها عشرون وأكثر الحيض عنده عشرة أيام وأقله ثلاثة
84

وقال أبو يوسف تأخذ في الصلاة بالثلاثة أقل الحيض وفي الأزواج بالعشر ولا تقضي صوما عليها إلا بعد العشرة وتصوم العشرين من رمضان وتقضي سبعا وقال الأوزاعي وسئل فيمن تستظهر بيوم أو يومين بعد أيام حيضها إذا تطاول بها الدم فقال يجوز ولم يوقت للاستظهار وقتا وقال أحمد بن حنبل أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما فلو طبق بها الدم وكانت ممن تميز وعلمت إقباله بأنه أسود ثخين أو أحمر يضرب إلى السواد وفي إدباره يصير إلى الرقة والصفرة تركت الصلاة في إقباله فإذا أدبر اغتسلت وصلت وتوضأت لكل صلاة فإن لم يكن دمها منفصلا وكانت لها أيام من الشهر تعرفها أمسكت عن الصلاة فيها واغتسلت إذا جاوزتها وإن كانت لا تعرف أيامها بأن تكون أنسيتها وكان دمها مشكلا لا ينفصل قعدت ستة أيام أو سبعة في كل شهر على حديث حمنة بنت جحش وأما المبتدأة بالدم فإنها تحتاط فتجلس يوما وليلة وتغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي فإن انقطع عنها الدم في خمسة عشر اغتسلت عند انقطاعه وتفعل مثل ذلك ثانية وثالثة فإن كان بمعنى واحد عملت عليه وأعادت الصوم إن كانت صامت وإن استمر بها الدم ولم تميز قعدت في كل شهر ستا أو سبعا لأن الغالب من النساء أنهن هكذا
85

يحضن وقول إسحاق بن راهويه وأبي عبيد في هذا الباب نحو قول أحمد بن حنبل في استعمال الثلاثة أحاديث حديث فاطمة بنت أبي حبيش في تمييز إقبال حيضتها وإدبارها وحديث أم سلمة في عدد الليالي والأيام المعروفة لها إذا كانت لا تميز انفصال دمها وحديث حمنة بنت جحش فيمن لا تعرف أيامها ولا تميز دمها وقال الطبري أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما فإن تمادى بها الدم أكثر من خمسة عشر يوما قضت صلاة أربعة عشر يوما وخمس عشرة ليلة إلا أن يكون لها عادة فتقضي ما زاد على عادتها واختلفوا في الحامل ترى الدم هل ذلك استحاضة لا يمنعها من الصلاة أم هو حيض تكف معه عن الصلاة فقال مالك والشافعي والليث بن سعد والطبري هو حيض وتدع الصلاة هذا هو المشهور من مذهب الشافعي وقد روي عنه أنه ليس بحيض والمشهور من مذهب مالك أيضا أنه حيض يمنعها من الصلاة إلا ابن خواز منداد قال إن هذا في مذهب مالك إذ رأت الدم في أيام عادتها فحينئذ يكون حيضا واختلف قول مالك وأصحابه في حكم الحامل إذا رأت الدم فروي عنه الفرق بين أول الحمل وآخره وروي عنه وعن أصحابه في ذلك روايات لم أر لذكرها وجها وأصح ما في ذلك على مذهب رواته أشهب عنه أن الحامل في رؤيتها الدم كغير الحامل سواء
86

وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن والأوزاعي ليس بحيض وإنما هو استحاضة لا تكف به عن الصلاة وهو قول ابن علية وداود وحجة هؤلاء ومن قال بقولهم أن الأمة مجمعة على أن الحامل تطلق للسنة إذا استبان حملها من أوله إلى آخره وأن الحمل كله كالطهر الذي لم يجامع فيه ومن حجتهم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض (1) قالوا فهذا دليل على أن الحمل ينفي الحيض ومن حجة مالك ومن ذهب مذهبه في أن الحامل تحيض ما يحيط به العلم بأن الحائض قد تحمل فكذلك جائز أن تحيض كما جائز أن تحمل والأصل في الدم الظاهر من الأرحام أن يكون حيضا حتى تتجاوز المقدار الذي لا يكون مثله حيضا فيكون حينئذ استحاضة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حكم بالاستحاضة في دم زائد على مقدار الحيض وليس في قوله عليه السلام لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ما ينفي أن يكون حيض على حمل لأن الحديث إنما ورد في سبي أوطاس حين أرادوا وطئهن فأخبروا عن الحامل لا
براءة لرحمها بغير الوضع والحائل لا براءة لرحمها بغير الحيض لا أن الحامل لا تحيض والله أعلم
87

وممن قال إن الحامل إذا رأت الدم كفت عن الصلاة كالحائض سواء ابن شهاب الزهري وقتادة والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه وابن مهدي وجماعة واختلف فيه عن عائشة فروي عنها مثل قول مالك والزهري وروي عنها أنها لا تدع الصلاة على حال رواه سليمان بن موسى عن عطاء عن عائشة وهو قول جمهور التابعين بالحجاز والعراق وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وأبو عبيد وأما غسل المستحاضة ووضوؤها فأجمعوا أن عليها إذا كانت ممن تميز دم حيضها من دم استحاضتها أن تغتسل عند إدبار حيضتها وكذلك إذا لم تعرف ذلك وقعدت ما أمرت به من عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن في الشهر اغتسلت عند انقضاء ذلك على حسبما جاء منصوصا في حديث أم سلمة وغيره على مذاهب العلماء في ذلك مما قد ذكرناه في هذا الباب والحمد لله ثم اختلفوا فيما عليها بعد ذلك من غسل أو وضوء فذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة بحديث ابن شهاب عن عروة وعمرة جميعا عن عائشة أن أم حبيبة بنت جحش وبعض أصحاب ابن شهاب يقول عنه فيه حمنة بنت جحش ولا يصح عنه وقال معمر وابن عيينة وإبراهيم بن سعد ويونس بن يزيد وغيرهم أم حبيبة بنت جحش وهو الصواب استحيضت فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي فكانت تغتسل لكل صلاة (1) قالوا فهي أعلم
88

بما أمرت به وقد فهمت ما جووبت عنه قالوا وقد قال محمد بن إسحاق في هذا الحديث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن أم حبيبة ابنة جحش استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغسل لكل صلاة وساق الحديث واحتجوا أيضا بما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثا مسلم قال حدثنا أبان وهشام الدستوائي قالا حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال أبان عن أم حبيبة وقال هشام أن أم حبيبة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت إني أهراق الدماء فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن محمد البرتي قالا جميعا حدثنا أبو معمر قال أبو داود عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال أخبرتني زينب بنت أم سلمة أن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تحت عبد الرحمان بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل
89

عند كل صلاة (1) قال أبو داود وفي حديث ابن عقيل في قصة حمنة الأمران (2) جميعا قال إن قويت فاغتسلي لكل صلاة وإلا فاجمعي بين الصلاتين بغسل واحد (3) قال وكذلك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس وعلي أنها تغتسل لكل صلاة (4) قال أبو عمر هذا الحديث رواه همام عن قتادة عن أبي حسان عن سعيد بن جبير أن امرأة أتت ابن عباس بكتاب بعدما ذهب بصره فدفعه إلى ابنه فتبرأ منه (5) فدفعه إلي فقرأته فقال لابنه ألا هذرمته (6) كما هذرمه الغلام المصري فإذا فيه بسم الله الرحمان الرحيم من امرأة من المسلمين أنها استحيضت فاستفتت عليا رضي الله عنه فأمرها أن تغتسل وتصلي فقال ابن عباس اللهم لا أعلم القول إلا ما قال علي ثلاث مرات (7) قال قتادة وأخبرني عذرة عن سعيد أنه قيل له إن الكوفة أرض باردة وأنه يشق عليها الغسل لكل صلاة فقال لو شاء الله لابتلاها بما هو أشد منه (8)
90

وقال يزيد بن إبراهيم عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير أن امرأة من أهل الكوفة استحيضت فكتبت إلى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير تناشدهم الله وتقول إني امرأة مسلمة أصابني بلاء وأنها استحيضت منذ سنين فما ترون في ذلك فكان أول من وقع الكتاب في يده ابن الزبير فقال ما أعلم لها إلا أن تدع قرءها وتغتسل عند كل صلاة وتصلي فتتابعوا على ذلك فهذا كله حجة من جعل على المستحاضة الغسل لكل صلاة وقال آخرون يجب عليها أن تغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا تصلي به الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا تقدم الأولى وتؤخر الآخرة وتغتسل للصبح غسلا واحتجوا بما رواه محمد بن إسحاق عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت إنما هي سهلة بنت سهيل بن عمرو استحيضت وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرها بالغسل عند كل صلاة فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع الظهر والعصر في غسل واحد والمغرب والعشاء في غسل واحد وتغتسل للصبح (1)
91

ورواه شعبة عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت استحيضت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلا واحدا وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا واحدا وتغتسل لصلاة الصبح غسلا قال شعبة قلت لعبد الرحمان أعن النبي عليه السلام قال لا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء (1) ورواه الثوري عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن زينب ابنة جحش أن النبي عليه السلام أمرها بذلك ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه مرسلا وروى سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة عن أسماء بنت عميس أن النبي عليه السلام أمر بمثل ذلك فاطمة ابنة أبي حبيش قالوا فقد بان في حديث ابن إسحاق وغيره عن عبد الرحمان بن القاسم في هذا الحديث الناس من المحكم في ذلك جمع الصلاتين بغسل واحد صلاتي الليل وصلاتي النهر وتغتسل للصبح غسلا واحدا فصار القول بهذا أولى من القول بإيجاب الغسل لكل صلاة لقوله فلما جهدها أمرها أن تجمع الظهر والعصر في غسل واحد والمغرب والعشاء بغسل واحد وتغتسل للصبح قالوا وقد روي عن علي وابن عباس مثل ذلك خلاف الرواية الأولى عنهما فذكروا
92

ما حدثنا به عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا محمد بن جحادة عن إسماعيل بن رجاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال جاءته امرأة مستحاضة تسأله فلم يفتها وقال لها سلي قال فأتت ابن عمر فسألته فقال لها لا تصلي ما رأيت الدم فرجعت إلى ابن عباس فأخبرته فقال رحمه الله إن كاد ليكفرك قال ثم سألت علي بن أبي طالب فقال تلك ركزة من الشيطان أو قرحة في الرحم اغتسلي عند كل صلاتين مرة وصلي قال فلقيت ابن عباس بعد فسألته فقال ما أجد لك إلا ما قال علي وروى حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن مجاهد قال قيل لابن عباس أن أرضها باردة قال تؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل لهما غسلا وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا وتغتسل للفجر غسلا وروى إبراهيم النخعي عن ابن عباس مثله وهو
قول إبراهيم النخعي وعبد الله بن شداد وفرقة وقال آخرون تغتسل كل يوم مرة في أي وقت شاءت رواه معقل الخثعمي عن علي قال المستحاضة إذا انقضى حيضها اغتسلت كل يوم واتخذت صوفة فيها سمن أو زيت (1)
93

وقال آخرون تغتسل من ظهر إلى ظهر وتتوضأ لكل صلاة (1) رواه مالك عن سمي عن سعيد بن المسيب وهو قول سالم وعطاء والحسن وروي مثل ذلك عن ابن عمر وأنس بن مالك وهي رواية عن عائشة وقال آخرون لا تغتسل إلا من ظهر إلى ظهر روي ذلك عن طائفة من أهل المدينة وقال آخرون لا تتوضأ إلا عند الحدث وهو قول عكرمة ومالك بن أنس إلا أن مالك يستحب لها الوضوء عند كل صلاة وقال آخرون تدع المستحاضة الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي واحتجوا بحديث شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي (2) وبحديث حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أستحاض فلا ينقطع عني فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وإن قطر الدم على الحصير
94

وبما حدثناه عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا يحيى بن هاشم قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا إنما هو عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي عند كل صلاة وصلي (1) ورواية أبي حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة لهذا الحديث كرواية يحيى بن هشام سواء قال فيه وتوضئي لكل صلاة وكذلك رواية حماد بن سلمة عن هشام أيضا بإسناده مثله وحماد بن سلمة في هشام بن عروة ثبت ثقة وأما سائر الرواة له عن هشام بن عروة فلم يذكروا فيه الوضوء لكل الصلاة إلا مالك ولا الليث ولا ابن عيينة ولا غيرهم إلا من ذكرت لك فيما علمت وروى شعبة قال حدثنا عبد الملك بن ميسرة والمجالد بن سعيد وبيان قالوا سمعنا عامر الشعبي يحدث عن قمير امرأة مسروق عن عائشة أنها قالت في المستحاضة تدع الصلاة أيام حيضها ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ عند كل صلاة (2)
95

وروى الثوري عن فراس وبيان عن الشعبي عن قمير عن عائشة مثله قالوا فلما روي عن عائشة أنها أفتت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة فقد كان روي عنها مرفوعا ما تقدم ذكره من حكم المستحاضة أنها تغتسل لكل صلاة ومن حكمها أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد علمنا بفتواها وجوابها بعد وفاة النبي عليه السلام أن الذي أفتت به هو الناسخ عندها لأنه لا يجوز عليها أن تدع الناسخ وتفتي بالمنسوخ ولو فعلت لسقطت روايتها فهذا وجه تهذيب الآثار في هذا المعنى قالوا وأما حديث أم حبيبة وقصتها فمختلف فيه وأكثرهم يقولون فيه أنها كانت تغتسل من غير أن يأمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا قد يجوز أن تكون أرادت به العلاج ويجوز أن تكون ممن لا تعرف أقرائها ولا إدبار حيضتها ويكون دمها سائلا وإذا كان كذلك فليست صلاة إلا وهي تحتمل أن تكون عندها طاهرا من حيض فليس لها أن تصليها إلا بعد الاغتسال فلذلك أمرت بالغسل والمستحاضة قد تكون استحاضتها على معان مختلفة فمنها أن تكون مستحاضة قد استمر بها الدم وأيام حيضتها معروفة فسبيلها أن تدع الصلاة أيام حيضتها ثم تغتسل وتتوضأ بعد ذلك لكل صلاة ومنها أن تكون مستحاضة قد استمر بها دمها فلا ينقطع عنها وأيام حيضتها قد خفيت عليها فسبيلها أن تغتسل لكل صلاة لأنه لا يأتي عليها وقت إلا احتمل أن تكون فيه حائضا أو طاهرا
96

من حيض أو مستحاضة فيحتاط لها فتؤمر بالغسل ومنها أن تكون مستحاضة قد خفيت عليها أيام حيضتها ودمها غير مستمر بها ينقطع ساعة ويعود بعد ذلك تكون هكذا في أيامها كلها فتكون قد أحاط علمها أنها في وقت انقطاع دمها طاهر من محيض طهرا يوجب عليها غسلا فلها إذا اغتسلت أن تصلي في حالها تلك ما أرادت من الصلوات بذلك الغسل إن أمكنها ذلك قالوا فلما وجدنا المرأة قد تكون مستحاضة لكل وجه من هذه الوجوه التي معانيها وأحكامها مختلفة واسم الاستحاضة يجمعها ولم يكن في حديث عائشة تبيان استحاضة تلك المرأة لم يجز لنا أن نحمل ذلك على وجه من تلك الوجوه دون غيرها إلا بدليل ولا دليل إلا ما كانت عائشة تفتي به في المستحاضة أنها تدع الصلاة أيام حيضتها ثم تغتسل غسلا واحدا ثم تتوضأ عند كل صلاة هذا كله من حجة من ينفي إيجاب الغسل على كل مستحاضة لكل صلاة وفي جملة مذهب أبي حنيفة وأصحابه والثوري ومالك والليث والشافعي والأوزاعي وعامة فقهاء الأمصار إلا أن مالكا يستحب للمستحاضة الوضوء لكل صلاة ولا يوجبه عليها وسائر من ذكرنا يوجب الوضوء عليها لكل صلاة فرضا كما يوجبه على سلس البول لأن الله قد تبعد من ليس على وضوء من عباده المؤمنين إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ وسلس البول والمستحاضة ليسا على وضوء فلما أمرا جميعا بالصلاة ولم يكن حدثهما الدائم بهما يمنعهما من الصلاة وكان عليهما أن يصليا على حالهما فكذلك
97

يتوضآن للصلاة لأن الحدث يقطع الصلاة بإجماع من العلماء وعلى صاحبه أن ينصرف من صلاته من أجله والمستحاضة مأمورة بالصلاة وكذلك سلس البول لا ينصرف واحد منهما عن صلاته بل يصلي كل واحد منهما على حاله فكذلك يتوضأ وهو على حاله لا يضره دوام حدثه لوضوئه كما لا يضره لصلاته لأنه أقصى ما يقدر عليه فكما لا تسقط عنه الصلاة فكذلك لا يسقط عنه الوضوء لها هذا أقوى ما احتج به من أوجب الوضوء على هؤلاء لكل صلاة وأما مالك فإنه لا يوجب على المستحاضة ولا على صاحب السلس وضوءا لأنه لا يرفع به حدثا وقد قال عكرمة وأيوب وغيرهما سواء دم الاستحاضة أو دم جرح لا يوجب شيء من ذلك وضوءا وروى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ليس على المستحاضة إلا أن تغسل غسلا واحدا ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة قال مالك والأمر عندنا على حديث هشام بن عروة عن أبيه وهو أحب ما سمعت إلي (1) والوضوء عليها عنده استحباب على ما ذكرنا عنه لأنه لا يرفع الحدث الدائم فوجه الأمر به الاستحباب والله أعلم وقد احتج بعض أصحابنا على سقوط الوضوء بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش فإذا ذهب قدر الحيضة فاغتسلي وصلي ولم يذكر وضوءا ولو كان
98

الوضوء واجبا عليها لما سكت عن أن يأمرها به وممن قال بأن الوضوء على المستحاضة غير واجب ربيعة وعكرمة وأيوب وطائفة والله الموفق للصواب وأما الأحاديث
المرفوعة في إيجاب الغسل لكل صلاة وفي الجمع بين الصلاتين بغسل واحد والوضوء لكل صلاة على المستحاضة فكلها مضطربة لا تجب بمثلها حجة
99

نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر حديث واحد وهو حديث خامس وسبعون لنافع مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر (1) عن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم (2) هكذا روى مالك هذا الحديث بهذا الإسناد بلا شك في شيء منه إلا ابن وهب رواه عن مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الله بن أبي
101

بكر الصديق فلم يصنع ابن وهب شيئا والصواب عن مالك في إسناد هذا الحديث ما رواه يحيى وجمهور رواة الموطأ عن مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه عبيد الله بن عمر كما رواه مالك سواء أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن عثمان حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا علي بن المديني حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبيد الله بن عمر قال أخبرني نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذي يشرب في إناء من فضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم قال علي عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر كانت عائشة عمته لأبيه وأمه وكانت أم سلمة خالته أخت أمه لأبيها وأمها أمة قريبة بنت أبي أمية قال علي ولا أعلم أحدا كان يدخل على زوجتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما عمته والأخرى خالته غيره ورواه ابن علية عن أيوب عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر عن عبد الرحمان أو عبد الله بن عبد الرحمان عن أم سلمة على الشك والصواب ما قاله مالك إلا أنه اختلف عنه في عبد الله
102

ابن عبد الله بن أبي بكر أو عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر وقال القعنبي وطائفة فيه كما قال يحيى وإن كان عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق فهو أبو عتيق وأم سلمة خالته وروى هذا الحديث شعبة عن سعد بن إبراهيم عن نافع عن امرأة ابن عمر عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذي يشرب في إناء الفضة أو إناء من فضة إنما يجرجر في بطنه نارا حدثناه أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا البغوي قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة فذكره بإسناده وحدثنا أحمد بن قاسم أيضا قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا البغوي قال حدثنا أحمد بن إبراهيم وعلي بن مسلم قالا حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا شعبة فذكره ورواه خصيف وهشام بن الغازي عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم وهذا عندي خطأ لا شك فيه ولم يرو ابن عمر هذا الحديث قط والله أعلم ولا رواه نافع عن ابن عمر ولو رواه عن ابن عمر ما احتاج أن يحدث به عن ثلاثة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما إسناد شعبة في هذا الحديث فيحتمل أن يكون إسنادا آخر ويحتمل أن يكون خطأ وهو الأغلب والله أعلم
103

والإسند الذي يجب العمل به في هذا الحديث وتقوم به الحجة إسناد مالك في ذلك وبالله التوفيق واختلف العلماء في المعنى المقصود بهذا الحديث فقالت طائفة إنما عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم المشركين الذين كانوا يشربون فيها فأخبر عنهم وحذرنا أن نفعل مثل ذلك من فعلهم وأن نتشبه بهم وقال آخرون كل من علم بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم الشراب في آنية الفضة ثم يشرب فيها استوجب النار إلا أن يعفو الله عنه بما ذكر من مغفرته لمن يشاء من لا يشرك به شيئا وأجمع العلماء على أنه لا يجوز الشرب بها واختلفوا في جواز اتخاذها فقال قوم تتخذ كما يتخذ الحرير والديباج وتزكى ولا تستعمل وقال الجمهور لا تتخذ ولا تستعمل ومن اتخذها زكاها وأما الجرجرة في كلام العرب فمعناها هدير يردده الفحل ويصوت به ويسمع من حلقه والمقصود ههنا إلى صوت جرعه إذا شرب قال الشاعر (1) يصف فحلا من الإبل
* وهو إذا جرجر عند (2) الهب
* جرجر في حنجرة كالحب
* وهامة كالمرجل المنكب
* 3)
104

وقال امرؤ القيس بن حجر
* إذا سافه العود النباطي (1) جرجرا (2
* أي رغا لبعد الطريق وصعوبته
* وأما قوله في الحديث يجرجر في بطنه نار جهنم فإنما معناه الزجر والتحذير والتحريم فجاء بهذا اللفظ كما قال الله عز وجل * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) * 3 وهذا الحديث يقتضي الحظر والمنع من اتخاذ أواني الفضة واستعمالها في الشرب والأكل فيها واتخاذها والعلماء كلهم لا يجيزون استعمال الأواني من الذهب كما لا يجيزون ذلك من الفضة لأن الذهب لو لم يكن الحديث ورد فيه لكان داخلا في معنى الفضة لأن العلة في ذلك والله أعلم التشبه بالجبابرة وملوك الأعاجم والسرف والخيلاء وأذى الصالحين والفقراء الذين لا يجدون من ذلك ما بهم الحاجة إليه ومعلوم أن الذهب أعظم شأنا من الفضة فهو أحرى بذلك المعنى ألا أن النهي لما ورد عن البول في الماء الراكد كان الغائط أحرى أن ينهى عنه في ذلك فكيف وقد ورد النهي عن ذلك منصوصا
105

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن الحكم عن أبي ليلى قال كان حذيفة بالمدائن فاستسقى فأتاه دهقان (1) بآنية ن فضة فرماه به وقال إني لم أرمه إلا أني نهيته فلم ينته فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير والديباج وعن الشرب في آنية الذهب والفضة وقال هي لهم في الدنيا ولكم في الآخرة (2) حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح المدائني قال حدثنا عثمان بن عمر بن فارس قالا
أخبرنا شعبة عن الأشعث بن سليم عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا باتباع الجنائز وعيادة المريض ورد السلام وإجابة الداعي ونصر المظلوم وتشميت العاطس وإبرار القسم ونهانا عن خاتم الذهب أو حلقة الذهب وعن آنية الفضة وعن لبس الحرير والديباج والإستبرق والمثيرة والقسي (3)
106

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم حدثنا محمد بن يونس الكديمي حدثنا أبو زيد وهشام أبو الوليد قالا حدثنا شعبة قال أخبرني أشعث بن سليم عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء قال أمرنا بسبع ونهينا عن سبع فذكر مثله وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا جعفر بن محمد بن الفضل حدثنا محمد بن العباس حدثنا محمد بن أحمد بن أبي المثنى حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن أشعث بن أبي الشعثاء عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع فذكر الحديث بمعنى ما تقدم وقال فيه ونهانا عن الشرب في الفضة فإنه من شرب فيها في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة (1) حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال استسقى حذيفة من دهقان بالمدائن فسقاه في إناء من فضة فحذفه ثم اعتذر إلى القوم فقال إني كنت نهيته أن يسقيني فيه ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال لا تشربوا في آنية الفضة
107

والذهب ولا تلبسوا الديباج والحرير فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة (1) وقد روي عن بعض أصحاب داود أنه كره الشرب في إناء الفضة ولم يكره ذلك في الذهب وهذا لا يشتغل به لما وصفنا والحمد لله وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل وقيل له رجل دعا رجلا إلى طعام فدخل فرأى آنية فضة فقال لا يدخل إذا رآها وغلط فيها وفي كسبها واستعمالها وذكر حديث حذيفة المذكور وحديث أم سلمة حديث هذا الباب وذكر حديث البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن آنية الفضة في سبع أشياء نهى عنها واختلف العلماء في الشرب في الإناء المفضض بعد إجماعهم على تحريم استعمال إناء الفضة والذهب في شرب أو غيره فذكر ابن وهب عن مالك والليث بن سعد أنهما كانا يكرهان الشرب والأكل في القدح المضبب بالفضة والصفحة التي قد ضببت بالورق وقال ابن القاسم عن مالك لا أحب أن يدهن أحد في مداهن الورق ولا يتسجمر في مجامر الورق قال وسئل مالك عن ثلمة القدح وما يلي الأذن فقال مالك قد سمعت سماعا كأنه يضعفه وما سلمت فيه بنهي
108

وقال الشافعي أكره المضبب بالفضة لئلا يكون شاربا على الفضة وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضض إذا لم يجعل فاه على الفضة كالشرب بيده وفيها الخاتم قال أبو عمر اختلف السلف أيضا في هذه المسألة على نحو اختلاف الفقهاء فروى خصيف عن نافع عن ابن عمر أنه لم يشرب في القدح المفضض لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن الشرب في آنية الفضة والذهب هكذا قال خصيف في هذا الحديث لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد فيها الذهب وقوله لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم خطأ وصوابه لما سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب في آنية الفضة والذهب وروى ابن عون عن ابن سيرين عن أبي عمرو مولى عائشة قال أبت عائشة أن ترخص لنا في تفضيض الآنية وعن عمران بن حصين وأنس بن مالك وطاوس ومحمد بن علي بن الحسين والحكم بن عتيبة وإبراهيم وحماد والحسن وأبي العالية أنهم كانوا يشربون في الإناء المفضض قال أبو عمر أجمع العلماء على أن متخذ الآنية من الفضة أو الذهب عليه الزكاة فيها إذا بلغت من وزنها ما تجب فيها الزكاة وليس ذلك عندهم من باب الحلي المتخذ لزينة النساء ولا من باب السيف المحلى ولا المصحف المحلى في شيء فقف على هذا الأصل وأعلم أن ما أجمعوا عليه فهو الحق الذي لا شك فيه وبالله التوفيق
109

نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين حديث واحد وهو حديث سادس وسبعون لنافع مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي (1) قال (2) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي (3) والمعصفر (4) وعن تختم الذهب وعن قراءة القرآن في الركوع (5)
111

روى هذا الحديث عن نافع جماعة وعن إبراهيم بن عبد الله بن حنين جماعة وعن علي بن أبي طالب جماعة وأكثر من رواه يقول فيه عن علي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضهم يقول ولا أقول نهاكم وهو حديث اختلف في إسناده ولفظه على نافع وعلى إبراهيم بن عبد الله بن حنين اختلافا كثيرا وحنين جد إبراهيم هذا مولى العباس بن عبد المطلب وقيل مولى علي بن أبي طالب وقيل بل حنين هذا مولى مثقب ومثقب مولى مسحل ومسحل مولى شماس شماس مولى العباس والحديث صحيح كما رواه مالك ومن تابعه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قل حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن حنين مولى علي عن علي قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع عن تختم الذهب وعن لبس القسي وعن قراءة القرآن وأنا راكع وعن لبس المعصفر كذا قال عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن حنين مولى علي عن علي لم يقل عن أبيه والصواب فيه عن أبيه وكذلك رواه أيوب ولم يقمه عبيد الله ولا أيوب ورواه الزهري فجود إسناده حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا الحسن بن علي بن راشد بن زولان
112

قال حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قال أخبرنا نافع بن يزيد عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال حدثني إبراهيم بن حنين أن أباه حدثه أنه سمع علي بن أبي طالب يقول نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القراءة وأنا راكع وعن لبس الذهب والمعصفر هكذا قال لبس الذهب وحديث نافع يفسره أنه تختم الذهب وليس في هذا الحديث عن ابن شهاب ذكر القسي وهو فيه محفوظ ورواه معمر عن ابن شهاب بإسناده مثله وزاد وعن قراءة القرآن في الركوع والسجود فزاد السجود وكذلك قال داود بن قيس عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال نهاني نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث لا أقول ونهى الناس نهاني عن تختم الذهب وعن لبس القسي والمعصفرة المفدمة (1) وأن أقرأ ساجدا أو راكعا وكذلك روى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه سمع عليا قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعا أو ساجدا وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا
يحيى عن محمد بن عجلان قال حدثني إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه
113

عن ابن عباس عن علي قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن قراءة القرآن راكعا وعن القسية والمعصفر هكذا قال ابن عجلان وداود بن قيس والضحاك بن عثمان في هذا الحديث عن إبراهيم عن أبيه عن ابن عباس عن علي فزادوا ذكر ابن عباس وفي حديث ابن شهاب وغيره أن عبد الله بن حنين سمعه من علي وقد يجوز أن يسمعه من ابن عباس عن علي ثم يسمعه من علي ويجوز أن يسمعهما منهما معا وقد ذكر علي بن المديني عن يحيى بن سعيد أنه كان يذهب إلى أن عبد الله بن حنين سمعه من ابن عباس ومن علي ويقول كان مجلسهما واحدا وتحفظاه جميعا حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو إسماعيل قال حدثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن إبراهيم بن حنين أن أباه حدثه أنه سمع علي بن أبي طالب يقول نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب ولبوس القسي والمعصفر وقراءة القرآن وأنا راكع وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم (1) وذكر مثله
114

وحدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن هبيرة عن علي قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن القسي وعن المثيرة الحمراء (1) قال أبو عمر النهي عن لباس الحرير وتختم الذهب إنما قصد به إلى الرجال دون النساء وقد أوضحنا هذا المعنى فيما تقدم من حديث نافع ولا نعلم خلافا بين علماء الأمصار في جواز تختم الذهب للنساء وفي ذلك ما يدل على أن الخبر المروي من حديث ثوبان ومن حديث أخت حذيفة عن النبي عليه السلام في نهي النساء عن التختم بالذهب إما أن يكون منسوخا بالإجماع وبأخبار العدول في ذلك على ما قدمنا ذكره في حديث نافع أو يكون غير ثابت فأما حديث ثوبان فإنه يرويه يحيى بن أبي كثير قال حدثنا أبو سلام عن أبي أسماء الرحي عن ثوبان ولم يسمعه يحيى بن أبي سلام ولا يصح وأما حديث أخت حذيفة فيرويه منصور عن ربعي بن خراش عن امرأته عن أخت حذيفة قالت قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلينه أما إنكن ليس منكن امرأة تحلي ذهابا تظهره إلا عذبت به والعلماء على دفع هذا الخبر لأن امرأة ربعي مجهولة لا تعرف بعدالة وقد تأوله بعض من يرى الزكاة في الحلي من أجل منع الزكاة منه إن منعت ولو كان ذلك لذكر وهو تأويل بعيد
115

وقد روى محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة أن النجاشي أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلية فيها خاتم من ذهب فصه حبشي فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود أو ببعض أصابعه وإنه لمعرض عنه فدعا ابنة ابنته أمامة بنت أبي العاصي فقال تحلي بهذا يا بنية وعلى هذا القياس للنساء خاصة والله الموفق للصواب روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل أحل لإناث أمتي الحرير والذهب وحرمها على ذكورها وقد ذكرنا هذا الخبر من طرق في باب نافع وأما قوله في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي فإنها ثياب مضلعة بالحرير يقال لها القسية تنسب إلى موضع يقال له قس ويقال أنها قرية من قرى مصر وهي ثياب يلبسها أشراف الناس النساء قال النميري (1) الشاعر
* ولما رأت ركب النميري راعها
* وكن من أن يلقينه حذرات
* فأدنين حتى جاوز الركب دونها
* حجابا من القسي والحبرات
* 2)
116

وقد مضى القول في لباس الحرير قليله وكثيره وما خالط الثياب منه فيما تقدم من حديث نافع في هذا الكتاب وقد مضى هنالك ما للعلماء في ذلك من الكراهية جملة والإباحة وقد مهدنا القول وبسطناه بالآثار وأوضحناه في تختم الذهب وغيره مما يجوز أن يختم به في باب عبد الله بن دينار فتأمله تراه هناك إن شاء الله إلا أنا لم نذكر هناك شد الأسنان بالذهب وقد اختلف في شد الأسنان بالذهب فكرهه قوم وأباحه آخرون حدثنا عبد الله حدثنا عبد الحميد حدثنا الخضر حدثنا الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل هل يضبب الرجل أسنانه بالذهب فقال لا بأس بذلك قد فعل ذلك بالذهب خاصة جماعة من العلماء وذكره الأثرم عن المغيرة بن عبد الله وأبي جمرة الضبعي وأبي رافع ومسي بن طلحة وإسماعيل بن زيد بن ثابت أنهم شدوا أسنانهم بالذهب وعن إبراهيم والحسن والزهري أنهم لم يروا بذلك بأسا قال وحدثني ابن الطباع قال رأيت شريكا وحفص بن غياث قد شدا أسنانهما بالذهب قال وسمعت أحمد بن حنبل يسأل عن رجل سقطت ثنيته فبانت منه فأخذها وأعادها فقال أرجو ألا يكون به بأس ولم يرها ميتة وكان يكره مشط العاج ويقول هو ميتة لا يستعمل وأما قراءة القرآن في الركوع فيجتمع أيضا أنه لا يجوز وقال صلى الله عليه وسلم أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم (1)
117

وأجمعوا أن الركوع موضع تعظيم لله بالتسبيح والتقديس ونحو ذلك من الذكر وأنه ليس بموضع قراءة حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا علي بن حجر قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال حدثنا سليمان بن سحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أبيه عن عبد الله بن عباس قال كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه قال اللهم هل بلغت ثلاث مرات إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له ألا وإني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود فإذا ركعتم فعظموا الرب وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم (1)
واختلفت الفقهاء في تسبيح الركوع والسجود فقال ابن القاسم عن مالك أنه لم يعرف قول الناس في الركوع سبحان ربي العظيم وفي السجود سبحان ربي الأعلى وأنكره ولم يجد في الركوع والسجود دعاء مؤقتا ولا تسبيحا وقال إذا أمكن يديه من ركبتيه في الركوع وجبهته من الأرض في السجود فقد أجزأ عنه وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق يقول في الركوع سبحان ربي العظيم
118

وفي السجود سبحان ربي الأعلى ثلاثا وقال الثوري أحب للإمام أن يقولها خمسا في الركوع والسجود حتى يدرك الذي خلفه ثلاث تسبيحات ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم أما الركوع فعظموا فيه الرب يقول سبحان ربي العظيم فيكون حديث عقبة مفسرا لحديث ابن عباس ومحتمل أن يكون بما وقع عليه معنى التعظيم من التسبيح والتقديس ونحو ذلك والآثار في هذا الباب تحتمل الوجهين جميعا والله أعلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال حدثنا موسى بن أيوب عن عمه إياس بن عامر الغافقي عن عقبة بن عامر الجهني قال لما نزلت * (فسبح باسم ربك العظيم) * 1 قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت * (سبح اسم ربك الأعلى) * قال لنا اجعلوها في سجودكم (2) وحدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حفص بن محمد قال حدثنا شعبة قال قلت لسليمان يعني الأعمش أدعو في
119

الصلاة إذا مررت بآية تخوف فحدثني عن سعد بن عبيدة عن مستورد عن صلة بن زفر عن حذيفة أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ (1) وروى الشعبي عن صلة بن زفر عن حذيفة أن النبي عليه السلام كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا وروى نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه عن النبي عليه السلام مثله وروى السعدي عن النبي عليه السلام مثله قال أبو عمر وقد روي عن النبي عليه السلام أنه كان يقول في ركوعه وسجوده أنواعا من الذكر منها حديث مطرف عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه سبوح قدوس رب الملائكة والروح (2) ومنها حديث أبي بكرة أن النبي عليه السلام كان يدعو في سجوده يقول اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر ومنها حديث عوف بن مالك أنه سمع النبي عليه السلام يقول في ركوعه وسجوده سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة (3) وهذا كله يدل على أن لا تحديد فيما
120

يقال في الركوع والسجود من الذكر والدعاء ولكن أكثر الفقهاء في صلاة الفريضة على التسبيح بسبح اسم ربك العظيم ثلاثا في الركوع وسبح اسم ربك الأعلى ثلاثا في السجود وحملوا سائر الأحاديث على النافلة وأما مالك وأصحابه فالدعاء أحب إليهم في السجود وتعظيم الله وتحميده في الركوع على حديث ابن عباس وكل ذلك حسن والحمد لله وأما لباس المعصفر المفدم وغيره من صباغ المعصفر للرجال فمختلف فيه أجازه قوم من أهل العلم وكرهه آخرون ولا حجة مع من أباحه إلا أن يدعي أن ذلك خصوص لعلي لقوله نهاني ولا أقول نهى الناس وبعضهم يقول فيه ولا أقول نهاكم وهذا اللفظ محفوظ في حديث علي هذا من وجوه وليس دعوى الخصوص فيه بشيء لأن الحديث في النهي عنه صحيح من حديث علي وغيره والحجة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فيما خالفها أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مخلد بن خالد قال حدثنا روح قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا أركب الأرجوان ولا ألبس المعصفر ولا ألبس القميص المكفف بالحرير (1) قال وأومأ الحسن إلى جيب قميصه قال وقال ألا وطيب الرجال ريح لا لون له ألا وطيب النساء
121

لون لا ريح له قال سعيد أراه قال إنما حملوا قوله في طيب النساء على أنها إذا أرادت أن تخرج وأما إذا كانت عند زوجها فلتطيب بما شاءت (1) وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لا أركب الأرجوان ولا ألبس القميص المكفف بالحرير وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا داود بن عمرو قال حدثنا إسماعيل بن عياش وشرحبيل بن مسلم عن شفعة السمعي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال أتيت النبي عليه السلام وعلي ثوبان معصفران فلما رآني قال من يحول بيني وبين هذه النار فقلت يا رسول الله ما أصنع بهما قال احرقهما وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو الأحوص حدثنا ابن بكير قال حدثني الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عطاء بن أبي رباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال دخلت يوما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ثوبان
122

معصفران فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذان الثوبان قلت صبغتهما أم عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسمت عليك إلا رجعت فأمرتها أن توقد لهما التنور ثم تطرحهما قال فرجعت إليها ففعلت قال أبو عمر هذا يحتمل أن يكون عقوبة لنهيه عن ذلك لئلا يعود رجل إلى لباسها أعني الثياب المعصفرة وقوله أقسمت عليك دليل على أن حرقها أحق بواجب ولكن الكراهة فيها صحيحة للرجال خاصة وأما النساء فإن العلماء لا يختلفون في جواز لباسهن المعصفر المفدم والمورد والممشق وقد روي عن مالك وبعض المدنيين أنهم كانوا يرخصون للرجال في لباس المورد والممشق وقال ابن القاسم عن مالك أكره المعصفر المفدم للرجال والنساء أن يحرموا فيه لأنه ينتقض قال مالك وأكرهه أيضا للرجال في غير الإحرام قال أبو عمر المفدم عند أهل اللغة المشبع حمرة والمورد دونه في الحمرة كأنه والله أعلم مأخوذ من لون الورد وأما الممشق فطين أحمر يصبغ به هو المغرة أو شبهها يقال للثوب المصبوغ به ممشق وقد ذكر الضحاك بن عثمان في هذا الحديث المعصفر المفدم وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا عبد الله بن محمد ومحمد بن محمد وأحمد بن عبد الله قالوا
123

حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله قال حدثنا يحيى بن المغيرة أبو سلمة المخزومي قال حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك يعني ابن عثمان عن
إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب أنه قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أقول نهاكم عن تختم الذهب وعن لبس القسي وعن لبس المفدم المعصفر وعن القراءة راكعا قال أبو عمر لم يذكر المفدم غير الضحاك بن عثمان وليس بحجة والذي يقتضيه حديث علي وعبد الله بن عمرو النهي عن لباس كل ثوب معصفر للرجال لأنه لم يخص فيه نوع من صباغ المعصفر من نوع والنبي عليه السلام إنما بعث مبينا معلما فلو كان منه نوع تقتضيه الإباحة لبينه ولم يشمله ويشكل به لأنه كان قد أوتي جوامع الكلام ونصح لأمته وبلغهم وعلمهم مما علمه صلى الله عليه وسلم
124

نافع عن رجل من الأنصار حديثان وهما تتمة ثمانية وسبعين حديثا مالك عن نافع أن (1) رجلا من الأنصار أخبره (2) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تستقبل القبلة لغائط أو بول (3) هكذا روى هذا الحديث يحيى عن مالك عن نافع عن رجل من الأنصار سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما سائر رواة الموطأ عن مالك فإنهم يقولون فيه عن مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن أبيه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه اختلف عن ابن بكير في ذلك فروي عنه كرواية يحيى ليس فيها عن أبيه وروي عنه كما روت الجماعة عن مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن أبيه وهو الصواب إن شاء الله
125

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن رجلا من الأنصار أخبره عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن تستقبل القبلة لغائط أو بول وروى هذا الحديث ابن علية عن أيوب عن نافع عن رجل من الأنصار عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تستقبل واحدة من القبلتين لغائط أو بول قال أبو عمر القبلتان الكعبة وبيت المقدس وقد مضى القول في استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط وما للعلماء في ذلك من الأقوال والاعتلال بها والمذاهب في باب إسحاق بن أبي طلحة (1) فلا معنى لإعادة ذلك ههنا والحديث الآخر مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن سعد بن معاذ أو معاذ بن سعد أنه أخبره أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت منها شاة فأدركتها فذكتها بحجر فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس بها فكلوها قال أبو عمر قد روي هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر وليس بشيء وهو خطأ والصواب رواية مالك ومن تابعه على هذا الإسناد
126

وأما الاختلاف فيه عن نافع فرواه مالك كما ترى لم يختلف عليه فيه عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ ورواه موسى بن عقبة وجرير بن حازم ومحمد بن إسحاق والليث بن سعد كلهم عن أنه سمع رجلا من الأنصار يحدث (عن) (1) ابن عمر أن جارية أو أمة لكعب بن مالك الحديث ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع أن كعب بن مالك سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مملوكة ذبحت شاءة بمروة فأمره النبي عليه السلام بأكلها ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري وصخر بن جويرية جميعا عن
((نافع عن ابن عمر))
وهو وهم عند أهل العلم والحديث لنافع عن رجل من الأنصار لا عن ابن عمر والله الموفق للصواب وأما قوله ترعى غنما بسلع فسلع موضع وإياه أراد الشاعر بقوله
* إن بالشعب الذي جنب (2) سلع
* لقتيلا دمه ما يطل (3
*
127

وفي هذا الحديث من الفقه إجازة ذبيحة المرأة وعلى إجازة ذلك جمهور العلماء والفقهاء بالحجاز والعراق وقد روي عن بعضهم أن ذلك لا يجوز منها إلا على حال الضرورة وأكثرهم يجيزون ذلك وإن لم تكن ضرورة إذا أحسنت الذبح وكذلك الصبي إذا أطاق الذبح وأحسنه وهذا كله قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والليث بن سعد والحسن بن حي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وروي ذلك عن ابن عباس وجابر وعطاء وطاوس ومجاهد والنخعي وأما التذكية بالحجر فمجتمع أيضا عليها إذا فرى الأوداج وأنهر الدم وقد مضى القول مستوعبا فيما يذكى به وما لا يجوز الذكاة به وفيما يذكى من الحيوان الذي قد أدركه الموت وما لا يذكى منه وما للعلماء في ذلك كله من المذاهب وتأويل قول الله عز وجل * (إلا ما ذكيتم) * 1 مستوعبا ذلك كله ممهدا مهذبا في باب زيد بن أسلم (2) عن عطاء بن يسار من كتابنا هذا فلا وجه لإعادة ذلك ههنا وقد مضى هناك حديث الشعبي عن محمد بن صفوان أو صيفي قال اصطدت أرنبين فذكيتهما بمروة فأتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني بأكلهما وحديث عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله أرأيت إن أصاب أحدنا صيدا وليس
128

معه سكين أيذبح بالمروة وبشق العصا قال أنهر الدم أو أنزل الدم بما شئت واذكر اسم الله والمروة فلقة الحجر لا خلاف في ذلك وحديث رافع بن خديج عن النبي عليه السلام ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما خلا السن والعظم (1) الحديث وقد أجمعوا على أن ما مر مرور الحديد ولم يثرد (2) فجائز الذكاة به وأجمعوا على أن الظفر إذا لم يكن منزوعا وكذلك السن فلا يجوز الذكاة به لأنه خنق وهذا أصل الباب والحمد لله وأولى ما قيل به في ذلك عندنا ما أخبرناه عبد الله بن محمد بن يوسف قال أخبرنا يوسف بن أحمد قال حدثنا محمد بن عمرو العقيلي قال حدثنا يوسف بن موسى قال حدثنا حسين بن عيسى قال حدثنا أصرم بن حوشب الهمداني عن الحسن بن عطاء عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يدرك أحد الثلاثة فلا ذكاة له أن تطرف بعين أو تركض برجل أوتمصع بالذنب وهذا الحديث وإن كان إسناده لا تقوم به حجة فإن قول جمهور العلماء بمعناه على
129

ما ذكرنا في باب زيد بن أسلم يوجب السكون إليه واستدل جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على صحة ما ذهب إليه فقهاء الأمصار وهم مالك وأبو حنيفة والشافعي والأوزاعي والثوري من جواز أكل ما ذبح بغير إذن مالكه وردوا به على من أبى من أكل ذبيحة السارق ومن أشبهه داود وإسحاق وتقدمهم إلى ذلك عكرمة وهو قول شاذ عند أهل العلم لم يعرج عليه فقهاء الأمصار لحديث نافع هذا وقد ذكر ابن وهب في موطئه بإثر حديث مالك عن نافع هذا قال ابن وهب وأخبرني أسامة بن زيد الليثي عن
ابن شهاب عن عبد الرحمان بن كعب بن مالك عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فلم ير بها بأسا ومما يؤكد هذا المذهب حديث عاصم بن كليب الحرمي عن أبيه عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشاة التي ذبحت بغير إذن ربها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعموها الأسارى وهم ممن تجوز عليهم الصدقة بمثلها ولو لم تكن ذكية ما أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم
130

نافع عن سائبة مولاة عائشة حديث واحد وهو حديث تاسع وسبعون حديثا لنافع مالك عن نافع عن سائبة مولاة لعائشة (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء (2) هكذا روى هذا الحديث يحيى عن مالك عن نافع عن سائبة مرسلا لم يذكر عائشة وليس هذا الحديث عند القعنبي ولا عند ابن بكير ولا عند ابن وهب ولا عند ابن القاسم لا مرسلا ولا غير مرسل وهو معروف من حديث مالك مرسلا ومن حديث نافع أيضا وأكثر أصحاب نافع وحفاظهم يروونه عن نافع عن سائبة عن عائشة مسندا متصلا
131

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن نمير قال حدثنا عبيد الله عن نافع عن سائبة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء فمن تركهن فليس منا وروى المعتمر بن سليمان قال سمعت عبيد الله بن عمر عن نافع عن سائبة عن عائشة عن النبي عليه السلام مثله وروى حماد بن زيد عن أيوب وعبد الرحمان جميعا عن نافع عن سائبة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يطمسان الأبصار ويقتلان أولاد النساء في بطون أمهاتهم من تركهما فليس منا قال عبد الرحمان فقلت لنافع فما ذو الطفيتين قال ذو الخطين في ظهره والدليل على هذا أن الحديث عن سائبة عن عائشة مسندا أن هشام بن عروة يرويه عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى القول في قتل الحيات وما للعلماء في ذلك من الأقوال والروايات فيما سلف من حديث نافع في هذا الكتاب (1) فلا معنى لإعادة ذلك ههنا وباستعمال ما في هذا الحديث يستعمل جميع الآثار على الترتيب الذي ذكرنا في ذلك الباب والله الموفق للصواب
132

وقال النضر بن شميل الأبتر من الحيات صنف أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها وقال المهري الواحد جن والاثنان والجمع جنان مثل صنو وصنوان للاثنين وللجمع صنوان أيضا
133

حديث موفي ثمانين حديثا لنافع مرسل يتصل من وجوه مالك عن نافع (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان (2) هكذا رواه يحيى عن مالك عن نافع مرسلا وتابعه أكثر رواة الموطأ ووصله عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا جماعة منهم محمد بن المبارك الصوري وعبد الرحمان بن مهدي وإسحاق بن سليمان الرازي والوليد بن مسلم وعتيق بن يعقوب الزبيري وعبد الله بن يوسف التنيسي وابن بكير وأبو مصعب الزهري وإبراهيم بن حماد وعثمان بن عمر
135

حدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا الحسن بن الخضر قال حدثنا أبو الطاهر المدني القاسم بن عبد الله بن مهدي قال حدثنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والولدان وحدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا الحسن بن ابن الخضر قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا عبد الرحمان بن مهدي قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأة مقتولة فذكر الحديث وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج حدثنا إبراهيم بن حماد المدني الضرير سنة ست وعشرين ومائتين حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والولدان حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا مالك بن عيسى وحدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا الطحاوي قالا حدثنا محمد بن عبد الله
136

ابن ميمون قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا مالك وغيره عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان وحدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والولدان وكذلك رواه جماعة أصحاب نافع عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يزيد بن خالد بن موهب وقتيبة بن سعيد وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا موسى بن داود الضبي قالوا حدثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والولدان وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا أبو ثابت قال حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن
137

موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة فكره ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل النساء والصبيان في دار الحرب من وجوه منها حديث ابن عمر هذا وحديث أبي سعيد الخدري وحديث ابن عباس وحديث عائشة وحديث الأسود بن سريع وأجمع العلماء على القول بجملة هذا الحديث ولا يجوز عندهم قتل نساء الحربيين ولا أطفالهم لأنهم ليسوا ممن يقاتل في الأغلب والله عز وجل يقول * (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) * 2 واختلفوا في النساء والصبيان إذا قاتلوا فجمهور الفقهاء على أنهم إذا قاتلوا قتلوا وممن رأى ذلك الثوري والأوزاعي والليث والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وكل هؤلاء وغيرهم ينهون عن قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا اتباعا للحديث والله أعلم واختلفوا في
طوائف ممن لا يقاتل فجملة مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما أنه لا يقتل الأعمى والمعتوه ولا المقعد ولا أصحاب الصوامع الذين طينوا الباب عليهم ولا يخالطون
138

الناس قال مالك وأرى أن يترك لهم من أموالهم ما يعيشون به ومن خيف منه شيء قتل وقال الثوري لا يقتل الشيخ ولا المرأة ولا المقعد ولا الطفل وقال الأوزاعي لا يقتل الحراث والزراع ولا الشيخ الكبير ولا المجنون ولا راهب ولا امرأة وقال الليث لا يقتل الراهب في صومعته ويترك له من ماله القوت وعن الشافعي قولان أحدهما أنه يقتل الشيخ والراهب وهو عنده أولى القولين وقال الطبري يقتل الأعمى وذو الزمانة والمقعد والشيخ الفاني والراعي والحراث والسائح والراهب وكل مشرك حاشا ما استثناه الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من النساء والولدان وأصحاب الصوامع قال والمغلوب على عقله في حكم الطفل قال وإن قاتل الشيخ أو المرأة أو الصبي قتلوا واحتج بما رواه الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة فقال من قتل هذه فقال رجل أنا يا رسول الله نازعتني قائم سيفي فسكت وذكر قول الضحاك بن مزاحم قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان إلا من سعى بالسيف
139

وذهب قوم من أصحاب مالك مذهب الطبري في هذا الباب وبه قال سحنون قال أبو عمر أحاديث هذا الباب التي منها نزع العلماء بما نزعوا من أقاويلهم التي ذكرناها عنهم منها ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير وحدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قالا حدثنا أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك قال حدثنا عمر بن المرقع بن صيفي بن رياح قال حدثني أبي عن جده رياح بن الربيع قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلا فقال انظر علام اجتمع هؤلاء فجاء فقال امرأة قتيل فقال ما كانت هذه لتقاتل قال وعلى المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلا فقال قل لخالد لا تقتلوا (1) امرأة ولا عسيفا ولفظ الحديث وسياقه لأبي داود (2) وقال أحمد بن زهير في حديثه إلحق خالدا فقل له لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرحمان بن مهدي عن سفيان عن أبي الزناد عن المرقع
140

ابن صيفي عن حنظلة الكاتب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فمررنا بامرأة مقتولة والناس مجتمعون عليها ففرجوا له فقال ما كانت هذه تقاتل إلحق خالدا فقل له لا تقتل ذرية ولا عسيفا لم يخرج أبو داود هذا الإسناد وخرج الأول وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إسحاق بن محمد الفروي قال حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأسلمي عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال اخرجوا باسم الله تقاتلون في سبيل الله لا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا النفيلي قال حدثنا محمد بن سلمة وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعيد قالا حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت لم يقتل من نسائهم يعني نساء بني قريظة إلا امرأة واحدة قالت عائشة والله أنها لعندي تحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل
141

رجالهم بالسيوف (1) إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا والله قلت ويلك مالك وما شأنك قالت اقتل قلت ولم قالت حدث أحدثته فانطلق بها فضربت عنقها فكانت عائشة تقول ما أنسى عجبي (2) من طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت (3) أنها تقتل (4) ولفظ الحديث لحديث إبراهيم بن سعد والمعنى واحد سواء وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا هشيم قال حدثنا حجاج قال حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا (5) شرخهم (6) قال أبو عمر شرخهم يعني غلمانهم وشبانهم الذين لم يبلغوا الحلم ولم ينبتوا وأجمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل دريد بن الصمت يوم حنين لأنه كان ذا رأي ومكيدة في الحرب فمن كان هكذا من الشيوخ قتل عند الجميع ومن لم يكن كذلك فمختلف في قتله من الشيوخ
142

واختلف الفقهاء أيضا في رمي الحصن بالمنجنيق إذا كان فيه أطفال المشركين أو أسارى المسلمين فقال مالك لا يرمى الحصن ولا تحرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسارى المسلمين لقول الله عز وجل * (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) * 1 قال وإنما صرف النبي صلى الله عليه وسلم عنهم لما كان فيهم من المسلمين لو تزيل الكفار من المسلمين لعذب الكفار وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري لا بأس برمي حصون المشركين وإن كان فيهم أسارى من المسلمين وأطفال من المسلمين أو المشركين ولا بأس أن يحرق الحصن ويقصد به المشركون فإن أصابوا واحدا من المسلمين بذلك فلا دية ولا كفارة وقال الثوري إن أصابوه ففيه الكفارة ولا دية وقال الأوزاعي إذا تترس الكفار بأطفال المسلمين لم يرموا لقول الله عز وجل * (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم) * 2 الآية قال ولا يحرق المركب فيه أسارى من المسلمين قال ويرمى الحصن بالمنجنيق وإن كان فيه أسارى مسلمون فإن أصاب واحدا من المسلمين فهو خطأ فإن جاءوا متترسين بهم رموا وقصد بالرمي العدو وهو قول الليث وقال الشافعي لا بأس برمي الحصن وفيه أسارى وأطفال ومن أصيب فلا شيء فيه وإن تترسوا ففيه قولان أحدهما
143

يرمون والآخر لا يرمون إلا أن يكون بقصد المشرك ويتوخي جهده فإن أصاب في هذه الحال مسلما وعلم أنه مسلم فلا دية مع الرقبة وإن لم يعلمه مسلما فالرقبة وحدها قال أبو عمر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الغارة على المشركين صباحا وليلا وبه عمل الخلفاء الراشدون وروى جندب بن مكيث الجهني قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي ثم أحمد بني خالد بن عوف في سرية كنت فيهم وأمرهم (1) أن تشن الغارة على بني الملوح بالكديد قال فشننا عليهم الغارة ليلا ومعلوم أن الغارة يتلف فيها من دنا أجله مسلما كان أو مشركا وطفلا وامرأة ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل * (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات) * الآية ونهيه عن قتل النساء والولدان من الغارة وهذا عندي محمول على أن الغارة إنما كانت والله أعلم في حصن ببلد لا مسلم فيه في الأغب وأما الأطفال من المشركين في الغارة فقد جاء فيهم حديث الصعب بن جثامة وهو حديث ثابت صحيح حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داد قال
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله
144

عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم منهم (1) قال وكان عمرو بن دينار يقول هم من آبائهم قال الزهري نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والولدان (2) قال أبو عمر جعل الزهري حديث الصعب بن جثامة منوسخا بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان وغيره يجعله محكما غير منسوخ ولكنه مخصوص بالغارة وترك القصد إلى قتلهم فيكون النهي حينئذ يتوجه إلى من قصد قتلهم وأما من قصد قتل آبائهم على ما أر به من ذلك فأصابهم وهؤلاء يريدهم فليس ممن توجه إليه الخطايا بالنهي عن قتلهم على مثل تلك الحال ومن جهة النظر لا يجب أن يتوجه النهي إلا إلى القاصد لأن الفاعل لا يستحق اسم الفعل حقيقة دون مجاز إلا بالقصد والنية والإرادة ألا ترى أنه لو وجب عليه فعل شيء ففعله وهو لا يريده ولا ينويه ولا يقصده ولا يذكره هل كان ذلك يجزي عنه من فعله أو يسمى فاعلا له وهذا أصل جسيم في الفقه فافهمه
145

وأما قوله صلى الله عليه وسلم من آبائهم فمعناه حكمهم حكم آبائهم لا دية فيهم ولا كفارة ولا إثم فيهم أيضا لمن لم يقصد إلى قتلهم وأما أحكام أطفال المشركين في الآخرة فليس من هذا الباب في شيء وقد اختلف العلماء في حكم أطفال المشركين في الآخرة وقد ذكرنا اختلافهم واختلاف الآثار في ذلك في باب أبي الزناد من كتابنا هذا والحمد لله
146

نافع بن مالك أبو سهيل عم مالك بن أنس رحمه الله وهو نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي قد ذكرنا نسبه في ذكر نسب مالك في صدر هذا الكتاب وهو من ثقات أهل المدينة وروى عن أبيه مالك بن أبي عامر والقاسم بن محمد وعلي بن حسين ويقال أنه رأى ابن عمر وأنس بن مالك وسهل بن سعد وروى عنهم روى عنه من أهل المدينة جماعة منهم مالك ويحيى بن سعيد وعاصم بن عبد العزيز الأشجعي وإسماعيل بن جعفر وأخوه محمد بن جعفر وعبد العزيز بن أبي حازم والدراوردي وقد روى عنه الزهري أيضا وهذا غاية في جلالته وفضله أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عمرو المالكي قال حدثنا بعض أصحابنا قال حدثنا جعفر بن ياسين قال حدثنا حرملة بن يحيى قال سمعت ابن وهب يقول مثل مالك فقيل له ما تقول في أبيك قال كان عمي أبو سهيل بن مالك ثقة لمالك عنه في الموطأ حديثان أحدهما مسند والآخر موقوف في الموطأ وهو مرفوع من وجوه صحاح
147

حديث أول لأبي سهيل بن مالك مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين (1) ذكرنا هذا الحديث ههنا لأن مثله لا يكون رأيا ولا يدرك مثله إلا توقيفا وقد روي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي سهيل هذا وغيره من رواية مالك وغيره ولا أعلم أحدا رفعه عن مالك إلا معن بن عيسى إن صح عنه حدثنا خلف بن قاسم حدثنا الحسين بن أحمد بن محمد حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الواشجي (2) حدثنا أبو موسى الأنصاري عن معن عن مالك عن أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنان وأغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين
149

ومعن بن عيسى أوثق أصحاب مالك أو من أوثقهم وأتقنهم حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن اصبغ حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا قالون قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير القارئ عن نافع عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال إذا استهل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين قال إسماعيل بن إسحاق ونافع هذا هو أبو سهيل بن مالك بن أبي عامر وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال حدثنا القعنبي عبد الله بن مسلمة قال حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد عن أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استهل رمضان غلقت أبواب النار وفتحت أبواب الجنة وصفدت الشياطين وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا علي بن حجر قال حدثنا إسماعيل قال حدثنا أبو سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين (1)
150

وأما رواية الزهري لهذا الحديث عن أبي سهيل فحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إبراهيم بن يعقوب قال حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين (1) ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن أبي أنس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة (2) وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين (3) وعند معمر فيه إسناد آخر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال حدثني نافع بن أبي أنس أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثل حديث معمر حرفا بحرف وقال شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال حدثني ابن أبي أنس مولى التيميين أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة
151

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله (1) سواء وكذلك قال يونس عن ابن شهاب عن ابن أبي أنس فذكر مثله ولم يقل مولى التيميين ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري عن ابن أبي أنس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام ومرة قال فيه من عدي بني تيم ومرة لم يقل ذلك قال أبو عمر قد ذكرنا أن مالك بن أنس وأباه وعمه ليسوا بموالي لبني تيم ولكنهم حلفاؤهم وكان الزهري يجعلهم موالي لهم وكان ابن إسحاق يقول ذلك وليس بشيء ومالك أعلم بنسبه وهو صريح فيما صح من حمير على ما ذكرنا في صدر هذا الكتاب (2) والله أعلم وأما قوله في هذا الحديث فتحت أبواب الجنة فمعناه والله أعلم أن الله يتجاوز فيه للصائمين عن ذنوبهم ويضاعف
لهم حسناتهم فبذلك تغلق عنهم أبواب الجحيم وأبواب جهنم لأن الصوم جنة يستجن بها العبد من النار وتفتح لهم أبواب الجنة لأن أعمالهم تزكو فيه لهم وتتقبل منهم هذا مذهب من حمل الحديث على الاستعارة والمجاز ومن حمله على الحقيقة فلا وجه له عندي إلا أن يرده إلى هذا المعنى وقد جاء ذكر ذلك مفسرا في غير موضع من كتابنا هذا والحمد لله
152

وأما قوله وصفدت فيه الشياطين أو سلسلت فيه الشياطين فمعناه عندي والله أعلم أن الله يعصم فيه المسلمين أو أكثرهم في الأغلب من المعاصي فلا يخلص إليهم فيه الشياطين كما كانوا يخلصون إليه منهم في سائر السنة وأما الصفد بتخفيف الفاء في كلام العرب فهو الغل فعلى هذا سواء قول صفدت الشياطين أو سلسلت الشياطين يقال صفدته أصفده صفدا وصفودا إذا أوثقته والاسم الصفاد والصفاد أيضا حبل يوثق به وهو الصفد أيضا والجمع أصفاد والصفد الغل وفي غير هذا المعنى الصفد العطاء يقال منه أصفدت الرجل إذا أعطيته مالا حدثنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي اسامة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام بن أبي هشام عن محمد بن محمد بن الأسود عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة قبلها خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله لهم كل يوم جنته ثم يقول يوشك عبادي الصائمون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ثم يصيرون إليك وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره ويغفر لهم آخر ليلة قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا انقضى عمله (1)
153

قال أبو عمر هشام بن أبي هشام هذا هو هشام بن زياد أبو المقدام وفيه ضعف (1) ولكنه محتمل فيما يرويه من الفضائل وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا بشر بن هلال قال حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم فيه صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم (2) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا حامد بن عمر قال حدثنا المعتمر بن سليمان عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبشر أصحابه جاءكم شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة القدر خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم أخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن يسار قال
154

حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن عطاء بن السائب عن عرفجة قال كنت في بيت فيه عتبة بن فرقد فأردت أن أحدث بحديث وكان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأنه أولى بالحديث فحدث الرجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رمضان تفتح له أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار ويصفد فيه كل شيطان مريد وينادي فيه مناد كل ليلة يا طالب الخير هلم ويا طالب الشر أمسك قال أبو عمر روى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب عن عرفجة عن عتبة بن فرقد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وهو عندهم خطأ وليس الحديث لعتبة وإنما هو لرجل من أصحاب النبي عليه السلام غير عتبة وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن عرفجة قال كنت عند عتبة بن فرقد وهو يحدثنا عن رمضان قال فدخل علينا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسكت عتبة كأنه هابه فلما جلس قال له عتبة يا أبا فلان حدثنا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في رمضان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تغلق فيه أبواب النار وتفتح
155

فيه أبواب الجنة وتصفد فيه الشياطين وينادي مناد كل ليلة يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر (1) قال أبو عمر هذه الأحاديث كلها تفسر حديث أبي سهيل على المعنى الذي وصفنا وهي كلها مسندة ولهذا ذكرنا هذا الحديث في المسند لأن توقيفه لا وجه له إذ لا يكون مثله رأيا وبالله التوفيق أخبرنا يحيى بن يوسف حدثنا يوسف بن أحمد حدثنا محمد بن إبراهيم أبو ذر حدثنا محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي حدثنا الحسين بن الأسود العجلي البغدادي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا الحسن بن صالح عن أبي بشر عن الزهري قال تسبيحة في رمضان أفضل من ألف تسبيحة في غيره وبالله تعالى التوفيق
156

حديث ثان لأبي سهيل بن مالك مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال (له) (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة قال (2) هل علي غيرهن قالا لا إلا أن تطوع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيام شهر رمضان قال هل علي غيره قال لا إلا أن تطوع قال وذكر له (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة فقال هل علي (4) غيرها قال لا إلا أن تطوع (قال) (5) فأدبر الرجل وهو
157

يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح (1) إن صدق هذا حديث صحيح لم يختلف في إسناده ولا في متنه إلا أن إسماعيل بن جعفر رواه عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر معناه سواء وقال في آخره أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق (2) وهذه لفظة إن صحت فهي منسوخة لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالآباء وبغير الله وقد ذكرنا ذلك فيما سلف من كتابنا هذا (3) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا يحيى بن أيوب وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا علي بن حجر قالا جميعا أخبرنا إسماعيل بن جعفر قال حدثني أبو سهيل عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة
158

قال الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا قال أخبرني بما افترض الله علي من الصيام قال صيام شهر رمضان إلا أن تطوع قال أخبرني بما افترض الله علي من الزكاة فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام فقال والذي أكرمك لا أتطوع شيئا غيره ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق (1) قال أبو عمر قد روي عن النبي عليه السلام معنى حديث طلحة بن عبيد الله هذا من حديث أنس ومن حديث ابن عباس ومن حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأتم ألفاظ وأكمل معان وفيها ذكر الحج وليس ذلك في حديث طلحة بن عبيد الله وسنذكرها بعد في هذا الباب إن شاء الله وقد جاء في حديث إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام وهذا يقتضي الحج مع ما في حديث طلحة وأما قوله في هذا الحديث فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات فإن
159

الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام تقتضي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ثم الصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان والحج وقد مضى ما للعلماء في معنى الإسلام ومعنى الإيمان في باب ابن شهاب عن سالم من هذا الكتاب (1) ومن الأحاديث في ذلك ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان بن أسد قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان (2) وذكر ابن وهب عن ابن لهيعة وحيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن الأشج حدثه عن نافع أن رجلا أتى ابن عمر فقال يا أبا عبد الرحمان ما جعلك على الحج عاما وتقيم عاما وتترد الجهاد في سبيل الله وقد علمت ما رغب الله فيه فقال يا ابن أخي بني الإسلام على خمس إيمان بالله ورسله والصلوات الخمس وصيام رمضان
160

وأداء الزكاة وحج البيت وذكر تمام الحديث وعلى هذا أكثر العلماء أن أعمد الدين التي بني عليها خمس على ما في خبر ابن عمر هذا إلا أنه جاء عن حذيفة رحمه الله خبر يخالف ظاهره خبر ابن عمر هذا في الإسلام رواه شعبة وغيره عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة قال الإسلام ثمانية أسهم الشهادة سهم والصلاة سهم والزكاة سهم وحج البيت سهم وصوم رمضان سهم والجهاد سهم والأمر بالمعروف سهم والنهي عن المنكر سهم وقد خاب من لا سهم له وقد ذكرنا فرض الجهاد وما يتعين منه على كل مكلف وما منه فرض على الكفاية وأنه لا يجري مجرى الصلاة والصوم في غير هذا الموضع فلا معنى لإعادته ههنا وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس يجري أيضا مجرى الخمس المذكورة في حديث ابن عمر لقول الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * 1 ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك وروي عن ابن مسعود وجماعة من الصحابة والتابعين رحمهم الله أنهم كانوا يقولون في تأويل قول الله عز وجل * (عليكم أنفسكم) * الآية قالوا إذا اختلفت القلوب في آخر الزمن وألبس الناس شيعا وأذيق بعضهم بأس بعض وكان
161

الهوى متبعا والشح مطاعا وأعجب كل ذي رأي برأيه فحينئذ تأويل هذه الآية وقد قيل في تأويل الآية لا يضركم من ضل من غير أهل دينكم إذا أدى الجزية إليكم وهذا الاختلاف في تأويل الآية يخرجها من أن تجرى مجرى الخمس التي بني الإسلام عليها وقد روي عن ابن عباس أن أعمدة الإسلام ثلاثة الشهادة والصلاة وصوم رمضان حدثنا أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمان بن علي رحمه الله قال حدثنا أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان قال حدثنا علي بن سعيد قال حدثنا أبو رجاء وسعيد بن حفص النجاري قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال حماد لا أظنه إلا رفعه قال عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة بني الإسلام عليها من ترك منهن واحدة فهو حلال الدم شهادة أأن لا إله إلا الله والصلاة وصيام رمضان قال ابن عباس نجده كثير المال لا يزكي فلا نقول له بذلك كافر ولا حلال دمه ونجده كثير المال ولا يحج فلا نراه بذاك كافرا ولا حل دمه (1) قال أبو عمر في حديث مالك من الفقه أنه لا فرض من الصلاة إلا الخمس صلوات في اليوم والليلة وأنه لا فرض من الصيام إلا صوم شهر رمضان وفيه أن الزكاة فريضة على
162

حسب سننها المعلومة وقد بينا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا وفي سائر كتبنا ولم يذكر في حديث مالك الحج وقد قال بعض من تكلم في الموطأ من أصحابنا ومن قبله منهم أن الحج لم يكن حينئذ مفترضا وأنه بعد ذلك نزل فرضه ومن قال هذا القول زعم أن فرض الحج على من استطاع السبيل إليه يجب في فور الاستطاعة على حسب الممكن وهذه مسألة ليس فيها لمالك جواب وقد اختلف فيها المالكيون فطائفة منهم قالت وجوب الحج على الفور ولا يجوز تأخيره مع القدرة عليه وإلى هذا ذهب بعض البغداديين المتأخرين من المالكيين وهو قول داود وقالت طائفة منهم بل ذلك على التراخي وعلى هذا القول أكثر المالكيين من أهل المغرب وبعض العراقيين منهم وإليه ذهب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن خواز بنداد البصري المالكي وله احتج في كتاب الخلاف وجاءت الرواية عن مالك رحمه الله أنه سئل عن المرأة تكون صرورة مستطيعة على الحج تستأذن زوجها في ذلك فيأبى أن يأذن لها هل يجبر على إذن لها قال نعم ولكن لا يعجل عليه ويؤخر العام بعد العام وهذه الرواية عن مالك تدل على أن الحج عنده ليس على الفور بل على التراخي والله أعلم واختلف قول أبي يوسف في هذه المسألة فروي عنه أنه على الفور وروي عنه أنه في سعة من تأخيره أعواما وهو قول محمد بن الحسن والشافعي
163

قال الشافعي يجوز تأخير الحج بعد الاستطاعة العام بعد العام ولم يحد وقال سحنون وسئل عن الرجل يجد ما يحج به فيؤخر ذلك سنين كثيرة مع قدرته على ذلك هل يفسق بتأخيره الحج وترد شهادته قال لا يفسق ولا ترد شهادته وإن مضى من عمره ستون سنة فإن زاد على الستين فسق وردت شهادته قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال أنه يفسق وترد شهادته إذا جاوز الستين غير سحنون وهذا توقيت لا يجب إلا بتوقيف ممن يجب التسليم له وكل من قال بالتراخي في هذه المسألة لا يحد في ذلك حدا والحدود في
الشرع لا تؤخذ إلا عمن له أن يشرع والله أعلم وقد اختلف في هذين الوجهين أصحاب مالك وأصحاب أبي حنيفة وأصحاب الشافعي إلا أن جمهور أصحاب الشافعي أنه على التراخي وهو تحصيل مذهبه وقال أبو العباس أحمد بن عمر بن شريح محتجا لقول الشافعي ومن تابعه على أن الحج ليس على الفور عند الاستطاعة قال وجه الأمر في ذلك أنا وجدنا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لا يفسقون من تأخر عاما أو عامين بعد بلوغه مع استطاعته على الحج ولا يسقطون شهادته ولا يزعمون أنه قد ترك أداء الحج في وقته وأنه ليس كتارك الصلاة حتى خرج وقتها فيكون قاضيا لها بعد خروج وقتها ووجدنا هذا
164

من شأنهم ليس مما يحدث في عصر دون عصر فعلمنا أن ذلك ميراث الخلف عن السلف ووجدنا فرائض كثيرة سبيلها كسبيل الحج في ذلك منها قضاء الصوم والصلاة فلم نرهم ضيقوا على الحائض إذا طهرت في قضاء الصلاة في أول وقتها ولها أن تؤخره ما دام في وقتها سعة ولا في قضاء ما عليها من الصوم ولا على المسافر إذا انصرف من سفره وكلهم لا يؤمن عليه هجمة الموت وقالت عائشة أنه ليكون علي الصوم من رمضان فما أقضيه حتى يدخل شعبان فتبين بذلك أن هذه أمور لم يضيقها المسلمون فبطل بذلك قول من شذ فضيقها ثم نظرنا في أمر الحج إذا أخره المرء المدة الطويلة كرجل ترك أن يحج خمسين سنة وهو مستطيع في ذلك كله فوجدنا ذلك مستنكرا لا يأمر بذلك أحد من أهل العلم غير أنه إذا حج بعد المدة الطويلة لم يكن قاضيا للحج كقضاء من ترك الصلاة حتى خرج وقتها فقلنا الوقت ممدود بعد وإن كان قد أخر تأخيرا مستنكرا فإذا مات علمنا أنه قد أخر الفرض حتى فات بموته وصار الموت علامة لتفريطه حين فات وقت حجه فإن قال قائل فمتى يكون عاصيا وبماذا عصى قلنا أما المعصية فتأخيره الفرض حتى خرج وقته ويقع عصيانه بالحال التي عجز فيها من النهوض إلى الحج وبان ذلك بالموت وكذلك قال عمر بن الخطاب من مات ولم يحج فليمت يهوديا إن شاء أو نصرانيا فعلق
165

الوقت بالموت أي يموت كما يموت اليهودي والنصراني دون أن يحج والنصراني واليهودي يموت كافرا بكفره وهذا يموت عاصيا بتركه الحج مستطيعا له قال أبو عمر الذي عندي في ذلك والله أعلم أنه إذا جاز له التأخير وكان مباحا له وهو مغيب عنه موته فلم يمت عاصيا إذا كانت نيته منعقدة على أداء ما وجب من ذلك عليه وهو كمن مات في آخر وقت صلاة لم يظن أنه يفوته كل الوقت والله أعلم وقد احتج بعض الناس لسحنون بما روي في الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال معترك أمتي من الستين إلى السبعين وقل من يجاوز ذلك وهذا لا حجة فيه لأنه كلام خرج على الأغلب من أعمار أمته لو صح الحديث (1) وفيه دليل على التوسعة إلى السبعين لأنه من الأغلب أيضا ولا ينبغي أن يقطع بتفسيق من صحت عدالته ودينه وأمانته بمثل هذا من التأويل الضعيف وبالله التوفيق
166

ومما احتج به ابن خواز بنداد في جواز تأخير الحج وأنه ليس على الفور حديث ضمام بن ثعلبة السعدي من بني سعد بن بكر قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإسلام فذكر الشهادة والصلاة والزكاة وصوم رمضان والحج وقال في آخر الحديث هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع الحديث على نحو ما ذكره مالك من حديث طلحة بن عبيد الله في الأعرابي من أهل نجد إلا أنه ليس في حديث مالك ذكر الحج وقد روى حديث ضمام هذا عبد الله بن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك وفيها كلها ذكرالحج وحديث أنس أحسنها سياقة وأتمها ونحوه حديث ابن عباس واختلف في وقت قدومه فقيل قدم ضمام بن ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة خمس وقيل في سنة سبع وقال ابن هشام عن أبي عبيدة في سنة تسع سنة وفد أكثر العرب وذكر ابن إسحاق قدوم ضمام بن ثعلبة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر العام الذي قدم فيه وقال الواقدي قدم ضمام بن ثعلبة وافد بني سعد بن بكر عام الخندق بعد انصراف الأحزاب فأسلم فكان أول من قدم من وفد العرب ويقال أول من قدم وافدا على النبي صلى الله عليه وسلم بلال بن الحرث المزني من وفد مزينة
167

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب وعبيد بن عبد الواحد البزار قالا حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن محمد بن محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن الوليد بن نويفع مولى الزبير عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس أن ضمام بن ثعلبة أخا بني سعد بن بكر لما أسلم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرائض الإسلام فعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس فلم يزد عليهن ثم الزكاة ثم صيام رمضان ثم حج البيت ثم أعلمه بما حرم الله عليه فلما فرغ قال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وسأفعل ما أمرتني به ولا أزيد ولا أنقص ثم ولى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يصدق يدخل الجنة (1) حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا حمزة حدثنا أحمد بن شعيب وحدثنا عبد الله حدثنا حمزة حدثنا علي بن سعيد بن بشير قالا حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا أبو عمارة حمزة بن الحرث بن عمير قال سمعت أبي ذكر عن عبيد الله بن
168

عمر عن سعيد بن أبي سعيد الخدري عن أبي هريرة قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه جاءهم رجل من أهل البادية فقال أيكم ابن عبد المطلب قالوا هذا الأمغر المرتفق قال إني سائلك فمشتد عليك في المسألة قال سل عما بدا لك قال أنشدك برب من قبلك ورب من بعدك آلله أرسلك قال اللهم نعم قال فأنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة قال اللهم نعم قال أنشدك بالله آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا قال اللهم نعم قال وأنشدك بالله آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من اثني عشر شهرا قال اللهم نعم قال وأنشدك بالله آلله أمرك أن نحج هذا البيت من استطاع إليه سبيلا قال اللهم نعم قال فإني آمنت وصدقت وأنا ضمام بن ثعلبة (1) قال أبو عمر قوله في هذا الحديث الأمغر المرتفق يريد الأبيض المتكئ والأمغر هو الذي يشوب بياضه حمرة وأصل الأمغر الأبيض الوجه والثوب وقد يكون الأحمر كناية عن الأبيض كما قال صلى الله عليه وسلم بعثت إلى الأحمر والأسود يريد الأبيض والأسود وفي خير ضمام هذا دليل على أن فرض الحج قد كان تقدم قبل وقت وفادته على النبي عليه السلام وأن ذلك قد كان اشتهر وانتشر في قبائل العرب وظهر ظهور الصلاة والزكاة التي كان يخرج فيها السعادة إليهم
169

ويأخذونها منهم على مياههم وكظهور صوم شهر رمضان لأنه على ذلك كله وقفه وسأله عنه لتقدم علم ضمام بأن ذلك كله دينه الذي بعث به إليه يدعو وأنه الإسلام
ومعانيه وشرائعه التي كان يقاتل من أبى منها وقد روى هذا الحديث أنس بن مالك وعبد الله بن العباس بأكمل سياقه من حديث طلحة ومن حديث أبي هريرة أيضا حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال كنا قد نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاءه رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق فقال من خلق السماوات قال الله قال فمن خلق الأرض قال الله قال فمن نصب الجبال قال الله قال فبالذي خلق السماوات وخلق الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا قال صدق قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا صوم ضهر في سنتنا قال صدق قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا الحج من استطاع إليه سبيلا قال صدق قال فبالذي خلق السماء
170

وخلق الأرض ونصب الجبال آلله أمرك بهذا قال نعم فقال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها شيئا ولا أنقص منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صدق دخل الجنة (1) وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا غلام بني عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك فقال إني رجل من أخوالك من بني سعد بن بكر وأنا رسول قومي إليك ووافدهم وأنا سائلك فمشتدة مسألتي إياك وناشدك فمشتدة مناشدتي إياك قال قل يا أخا بني سعد قال من خلقك وهو خالق من قبلك وخالق من بعدك قال الله قال فنشدتك بذلك أهو أرسلك قال نعم قال من خلق السماوات السبع والأرضين السبع وأجرى بينهن الرزق قال الله قال فأنشدك بذلك أهو أرسلك قال نعم قال وإنا قد وجدنا في كتابك وأتتنا رسلك أن نصلي في اليوم والليلة خمس صلوات لمواقيتها فأنشدك بذلك أهو أمرك به قال نعم فإنا قد وجدنا في كتابك وأتتنا رسلك أن نأخذ من حواشي أموالنا فترد على فقرائنا
171

فنشدتك بذلك أهو أمرك بذلك قال نعم قال ووجدنا في كتابك وآتتنا رسلك أن نصوم شهرا من السنة شهر رمضان فنشدتك بذلك آلله أمرك به قال نعم ثم قال وأما الخامسة يعني الحج فلست أسألك عنها قال ثم قال أما والذي بعثك بالحق لأعملن بها ولآمرن من أطاعني من قومي ثم رجع فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال والذي نفسي بيده لئن صدق ليدخلن الجنة قال أبو عمر في هذه الأحاديث كلها ذكر الحج وهي أحاديث ثابتة حسان صحيحة وقوله في حديث ابن عباس وأما الخامسة فلا أسألك عنها يعني الحج بعد أن جعلها خامسة ففيه دليل على أن الإسلام ودينه على خمسة أعمدة عنده فمنها الحج والمعنى في قوله ذلك أن العرب كانت تعرف الحج وتحج كل عام في الأغلب فلم ير في ذلك ما يحتاج فيه إلى المناشدة وكان ذلك مما ترغب فيه العرب لا سواقها وتبررها وتحنفها فلم يحتج في الحج إلى ما احتاج في غيره من السؤال والمناشدة والله أعلم وأظن سقوط ذكر الحج من حديث مالك حديث طلحة بن عبيد الله كان على ما في حديث ابن عباس فلم يذكره أحد رواته فيه والله أعلم ومن الدليل على جواز تأخير الحج إجماع العلماء على ترك تفسيق القادر على الحج إذا أخره العام والعامين ونحوهما وأنه إذا حج بعد أعوام من حين استطاعته فقد أدى الحج الواجب عليه في وقته وليس عند الجميع كمن فاتته الصلاة حتى خرج وقتها فقضاها بعد خروج
172

وقتها ولا كمن فاته صيام رمضان لمرض أو سفر فقضاه ولا عمن أفسد حجه فلزمه قضاءه فلما أجمعوا أنه لا يقال لمن بعد أعوام من وقت استطاعته أنت قاض لما كان وجب عليك ولم يأت بالحج وفي وقته علمنا أن وقت الحج موسع فيه وأنه على التأخير والتراخي لا على الفور وبالله التوفيق ومما نزع به من رآه على التراخي ما ذكر الله في كتابه من أمر الحج في سورة الحج وهي مكية ومن ذلك أيضا أن قول الله عز وجل * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * 1 في سورة آل عمران ونزلت في عام أحد وذلك سنة ثلاث من الهجرة ولم يحج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سنة عشر فإن قيل أن مكة كانت ممنوعة منه ومن المسلمين قيل قد افتتحها سنة ثمان في رمضان ولم يحج حجته التي لم يحج بعد فرض الحج عليه غيرها إلا في سنة عشر وأمر عتاب بن أسيد إذ ولاه مكة سنة ثمان أن يقيم الحج للناس وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه سنة تسع فأقام للناس الحج وحج هو صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة فصادف الحج في ذي الحجة وأخبر أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض وأن الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة إبطالا لما كانت العرب في جاهليتها عليه في تأخير الحج المنسي الذي
173

كانوا ينسونه له عاما بعد عام فأنزل الله تعالى * (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما) * 1 الآية نقلت ذلك كله الكافة لم يختلفوا فيه واستقر الحج من حجة النبي صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة إلى يوم القيامة إن شاء الله وأما قوله في حديث مالك والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق ففيه دليل والله أعلم على أن من أدى فرائض الله وجبت له الجنة إذا اجتنب محارمه لأن الفلاح معناه البقاء في نعيم الجنة التي أكلها دائم وظلها وفاكهتها لا مقطوعة ولا ممنوعة وعلى أداء فرائض الله واجتناب محارمه وعد الله المؤمنين بالجنة والله لا يخلف الميعاد كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول في خطبته ألا إن أفضل الفضائل أداء الفرائض واجتناب المحارم شكا رجل إلى سلمان الفارسي أنه لا يقدر على القيام بالليل فقال له يا ابن أخي لا تعص الله بالنهار تستغن عن القيام بالليل
174

وأصل الفلاح في اللغة البقاء والدوام قال الشاعر
* لكل هم من الأمور سعة
* والمسي والصبح لا فلاح معه
* أي لا بقاء معه وقال لبيد
* اعقلي إن كنت لما تعقلي
* ولقد أفلح من كان عقل
* وقال الراجز (1
* لو كان حي مدرك الفلاح
* أدركه ملاعب الرماح (2
* أي لو كان أحد يبقى ولا يموت لكان ذلك ملاعب الأسنة وهو أبو البراء عامر بن مالك ومن المعنى الذي ذكرنا قول المؤذن حي على الفلاح ومنه قول الله عز وجل * (قد أفلح من تزكى) * 3 وقوله * (أولئك هم المفلحون) * 4
175

((مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر))
وهو نعيم بن عبد الله المجمر (1) مولى عمر بن الخطاب كان أبوه عبد الله يجمر المسجد إذا قعد عمر على المنبر وقد قيل إنه كان من الذين كانوا يجمرون الكعبة والأول أصح والله أعلم لأنه كان مولى عمر وكان يجمر له مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعيم أحد ثقات أهل المدينة وأحد خيار التابعين بها قال مالك جالس نعيم المجمر أبا هريرة عشرين سنة ذكره الحلواني في كتاب المعرفة عن سعدي بن أبي مريم عن مالك لمالك عن نعيم هذا في الموطأ ثلاثة أحاديث مسندة ومن الموقوفات حديثان تتمة خمسة وهي كلها عندنا صحاح مسندة وكان نعيم يوقف كثيرا من حديث أبي هريرة مما يرفعه غير من الثقات
177

مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر وهو نعيم بن عبد الله المجمر (1) مولى عمر بن الخطاب كان أبوه عبد الله يجمر المسجد إذا قعد عمر على المنبر وقد قيل إنه كان من الذين كانوا يجمرون الكعبة والأول أصح والله أعلم لأنه كان مولى عمر وكان يجمر له مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعيم أحد ثقات أهل المدينة وأحد خيار التابعين بها قال مالك جالس نعيم المجمر أبا هريرة عشرين سنة ذكره الحلواني في كتاب المعرفة عن سعدي بن أبي مريم عن مالك لمالك عن نعيم هذا في الموطأ ثلاثة أحاديث مسندة ومن الموقوفات حديثان تتمة خمسة وهي كلها عندنا صحاح مسندة وكان نعيم يوقف كثيرا من حديث أبي هريرة مما يرفعه غير من الثقات
178

حديث أول لنعيم المجمر مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال (1) هكذا روى هذا الحديث عن مالك جماعة رواة الموطأ وغيرهم وقد روى فطر بن حماد بن واقد الصفار قال دخلت أنا وأبي على مالك بن أنس فقال له أبي يا أبا عبد الله أيهما أحب إليك المقام ههنا أو بمكة فقال ههنا وذلك أن الله اختارها لنبيه صلى الله عليه وسلم من جميع بقاع الأرض ثم قال حدثنا نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من خرج منها رغبة عنها أبدلها الله من هو خير منه وإنها لتنفي خبث الرجال كما ينفي الكير خبث الحديد وهذا الحديث خطأ بهذا الإسناد والصواب فيه ما في الموطأ
179

وأما قوله أنقاب المدينة فإنه أراد طرقها ومحاجها والوحد نقب ومن ذلك قول الله عز وجل * (فنقبوا في البلاد) * 1 أي جعلوا فيها طرقا ومسالك قال امرؤ القيس
* وقد نقبت في الآفاق حتى
* رضيت من الغنية بالإياب (2
*
والمنكب أيضا الطريق مثل المنقب وفي هذا الحديث دليل على فضل المدينة إذ لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وأنه يطأ الأض كلها ويدخلها حاشى المدينة ويروى في غيرها حديث حاشى مكة والمدينة روي ذلك من حديث جابر وغيره حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم له أربعون ليلة يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة واليوم منها كالشهر واليوم منها كالجمعة ثم سائر أيامه كأيامكم هذه وله حمار يركبه عريض ما بين أذنيه أربعون ذراعا فيقول للناس أنا ربكم وهو أعور وإن ربكم ليس بأعور
180

مكتوب بين عينيه كافر (1) يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب يرد كل ماء وسهل إلا المدينة ومكة حرسهما الله عنه (2) وقامت الملائكة بأبوابهما (3) وذكر الحديث
181

حديث ثان لنعيم المجمر مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري أنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم (1) وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على (2) آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم (3)
183

قال أبو عمر محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري هو الذي أرى أبوه النداء (1) فصار سنة وأبو مسعود الأنصاري اسمه عقبة بن عمرو (2) وبشير بن سعد (3) هو والد النعمان بن بشير وقد ذكرنا كل واحد منهم في كتابنا في الصحابة بما يغني من ذكره والحمد لله حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري بمصر قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزاز قال حدثنا إسماعيل بن مسعود الجحدري قال حدثني زياد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث مالك وقد روى مثل حديثه هذا عن النبي صلى الله
عليه وسلم جماعة منهم أبو سعيد الخدري وغيره حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء قال (4) أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قالا أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة
184

ابن سعيد قال حدثنا بكر بن مضر عن ابن الهادي عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صلى على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم (1) ورواه شعبة والثوري عن الحكم عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال لما نزلت يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما (2) جاء رجل إلى النبي ت عليه السلام فقال يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه فكيف الصلاة فقال قل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد هذا لفظ حديث الثوري وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند ويبين معنى قول الله تعالى * (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * 3 فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة عليه وعلمهم في التحيات كيف السلام
185

عليه وهو قوله في التحيات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وهذا معنى قوله في حديث مالك والسلام كما قد علمتم ويشهد لذلك قول عبد الله بن عباس وابن عمر وابن مسعود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن وهو أيضا معنى حديث كعب بن عجرة المذكور عند نزول الآية وقد قيل أن السلام في هذه الأحاديث أريد به السلام من الصلاة والقول الأول أكثر وقد اختلف العلماء في وجوب التشهد وفي ألفاظه وفي وجوب السلام من الصلاة وهل هو واحدة أو اثنتان ولست أعلم في الموطأ من حديث النبي عليه السلام موضعا أولى بذكر ذلك من هذا الموضع وأما التشهد فإن مالكا وأصحابه ذهبوا فيه إلى ما رواه في الموطأ عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمان بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول قولوا التحيات لله الزكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته (1) السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله (2) وأشهد أن محمدا عبده (3) ورسوله (4)
186

وأما الشافعي فذهب في التشهد إلى حديث الليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعملنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن قال إذا جلس أحدكم في الركعتين أو في الأربع فليقل التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رواه الشافعي (1) عن يحيى بن حسان أنه أخبره به عن الليث بإسناده ورواه عن أبي الزبير كما رواه الليث وجماعة وأما سفيان الثوري والكوفيون فذهبوا في التشهد إلى حديث ابن مسعود عن النبي عليه السلام وهو حديث كوفي رواه أئمة أهل الكوفة فممن رواه منصور والأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود ورواه إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود ورواه القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن ابن مسعود بمعنى واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
187

وقد روي التشهد عن ابن عمر عن النبي عليه السلام وعن سمرة بن جندب عن النبي عليه السلام وعن أبي موسى عن النبي عليه السلام وعن جابر بن سمرة عن النبي عليه السلام وفي بعض ألفاظها اختلاف وزيادة كلمة ونقصان أخرى وذلك كله متقارب المعنى وفيها كلها السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ومنهم من يقول فيه وبركاته ومنهم من لا يذكر ذلك ومنهم من لا يزيد على قوله السلام عليك أيها النبي فهذا وجه في معنى قوله والسلام كما قد علمتم والوجه الآخر كهيئة السلام من الصلاة فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم من الصلاة تسليمة واحدة من حديث سعد بن أبي وقاص وعائشة وأنس بن مالك وكلها معلولة الأسانيد لا يثبتها أهل العلم بالحديث وأما حديث سعد فإن الدراوردي رواه عن مصعب بن ثابت عن إسماعيل بن محمد بن سعيد عن (محمد) (1) عن أبيه سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم من الصلاة تسليمة واحدة فأخطأ فيه خطأ لم يتابعه أحد عليه وأنكروه عليه وصرحوا بخطئه فيه لأن كل من رواه عن مصعب بن ثابت بإسناده المذكور قال فيه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم من الصلاة تسليمتين
188

وأما حديث عائشة فانفرد به زهير بن محمد لم يروه مرفوعا غيره وهو ضعيف لا يحتج بما ينفرد به (1) وأما حديث أنس فإنما روي عن أيوب السختياني عن أنس ولم يسمع أيوب من أنس ولا رآه قال أبو بكر البزار وغيره لا يصح عن النبي عليه السلام في التسليمة الواحدة شيء يعني من جهة الإسناد قال أبو عمر لم يخرج البخاري في التسليم من الصلاة شيئا لا في الواحدة ولا في الاثنتين ولا خرج أبو داود السجستاني ولا أبو عبد الرحمان النسائي في التسليمة الواحدة شيئا خرج أكثر المصنفين في السنن حديث التسليمتين فمن ذلك حديث ابن مسعود رواه أبو الأحوص وعلقمة والأسود عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده وكذلك حديث سعد المذكور الصحيح فيه التسليمتان بالإسناد المذكور وأما حديث ابن عمر في التسليمتين فحديث حسن من حديث محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر
189

وروي في التسليمتين حديث جابر بن سمرة وحديث عمار وحديث سمرة بن جندب وحديث البراء بن عازب وليست بالقوية وروي عن طائفة من الصحابة وجماعة من التابعين التسليمتان والقول عندي في التسليمة الواحدة وفي التسليمتين أن ذلك كله صحيح بنقل من لا يجوز عليهم السهو ولا الغلط في مثل ذلك معمول به عملا مستفيضا بالحجاز التسليمة الواحدة وبالعراق التسليمتان وهذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل لتواتر النقل كافة عن كافة في ذلك ومثله لا ينسى ولا مدخل فيه للوهم لأنه مما يتكرر به العمل في كل يوم مرات فصح أن ذلك من المباح والسعة والتخيير كالأذان وكالوضوء ثلاثا واثنين وواحدة كالاستجمار بحجرين وبثلاثة أحجار من فعل شيئا من ذلك فقد
أحسن وحاد بوجه مباح من السنن فسبق إلى أهل المدينة من ذلك التسليمة الواحدة فتوارثوها وغلبت عليهم وسبق إلى أهل العراق وما وراءها التسليمتان فجروا عليها وكل جائز حسن لا يجوز أن يكون إلا توقيفا ممن يجب التسليم له في شرع الدين وبالله التوفيق وأما رواية من روى عن مالك أن التسليمتين لم تكن إلا من زمن بني هاشم فإنما أراد ظهور ذلك بالمدينة والله أعلم
190

وأجمع العلماء على أن الصلاة على النبي عليه السلام فرض واجب على كل مسلم لقول الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * ثم اختلفوا متى تجب ومتى وقتها وموضعها فمذهب مالك عند أصحابه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه أن الصلاة على النبي عليه السلام فرض في الجملة بعقد الإيمان ولا يتعين ذلك في الصلاة ومن مذهبهم أن من صلى على النبي عليه السلام في التشهد مرة واحدة في عمره فقد سقط فرض ذلك عنه وروي عن مالك وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي أنهم قالوا الصلاة على النبي عليه السلام في التشهد جائز ويستحبونها وتاركها مسيء عندهم ولا يوجبونها فيه وقال الشافعي إذا لم يصل المصلي على النبي عليه السلام في التشهد الآخر بعد التشهد وقبل التسليم أعاد الصلاة قال وإن صلى عليه قبل ذلك لم يجزه وهذا قول حكاه عنه حرملة بن يحيى لا يكاد يوجد هكذا عنه إلا من رواية حرملة وهو من كبار أصحابه الذين كتبوا عنه كتبه وقد تقلده أصحاب الشافعي ومالوا إليه وناظروا عليه وهو عندهم تحصيل مذهبه ومن حجة من قال أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست بواجبة في الصلاة حديث الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال أخذ علقمة بيدي فقال إن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي كما أخذت بيدك فعلمني التشهد فقال قل التحيات لله والصلوات
191

والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فإذا أنت قلت ذلك فقد قضيت الصلاة وإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد قالوا ففي هذا الحديث ما يشهد لمن لم ير الصلاة على النبي عليه السلام في التشهد واجبة ولا سنة مسنونة لأن ذلك لو كان واجبا أو سنة لبين ذلك وذكره ومن حجتهم أيضا حديث الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد وفي آخره ثم ليتخير أطيب الكلام أو ما أحب من الكلام ومن حجتهم أيضا حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله عز وجل ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه السلام عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم يصلي على النبي ثم يدعو بما شاء ففي حديث فضالة هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المصلي إذ لم يصل على النبي عليه السلام في صلاته بالإعادة فدل على أن ذلك ليس بفرض ولو ترك فرضا لأمره بالإعادة كما أمر الذي لم يقم ركوعه ولا سجوده بالإعادة وقال له ارجع فصل فإنك لم تصل
192

روى ذلك رفاعة بن رافع وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا حديثهما فيما سلف من كتابنا والحمد لله ومن حجة الشافعي ومن قال بقوله في هذه المسألة أن الله عز وجل أمر بالصلاة على نبيه وأن يسلم عليه تسليما ثم جاء أمره صلى الله عليه وسلم بالتشهد وأنه كان يعلم أصحابه ذلك كما يعلمهم السورة من القرآن وقال لهم أنه يقال في الصلاة لا في غيرها وقالوا قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة فقال لهم قولوا اللهم صل على محمد وعلمهم ذلك وقال لهم السلام كما قد علمتم فدل ذلك على أن الصلاة عليه في الصلاة قرين التشهد قالوا ووجدنا الأمة بأجمعها تفعل الأمرين جميعا في صلاتها فعلمنا أنهما في الأمر بهما سواء فلا يجوز أن يفرق بينهما ولا تتم الصلاة إلا بهما لأنهما وراثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر المسلمين قولا وعملا قالوا وأما احتجاج من احتج بحديث ابن مسعود في التشهد وقوله في آخره فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك فلا وجه (له) (1) لأنه حديث خرج على معنى في التشهد وذلك أنهم يقولون في الصلاة السلام على الله فقيل لهم إن الله هو السلام ولكن قولوا كذا (2) فعلموا التشهد ومعنى قوله
193

فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك يعني إذا ضم إليها ما يجب فيها من ركوع وسجود وقراءة وتسليم وسائر أحكامهما ألا ترى أنه لم يذكر له التسليم من الصلاة وهو من فرائضها لأنه قد كان وقفهم على ذلك فاستغنى عن إعادة ذلك عليهم وإنما حديث ابن مسعود هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم أي ومن سمى معهم ومثل قوله للذي قال له ارجع فصل فإنك لم تصل ثم أمره بما رآه لم يأت به ولم يقمه من صلاته وسكت له عن التشهد والتسليم وقد قام الدليل من غير هذا الحديث بوجوب التشهد ووجوب التسليم بما علمهم من ذلك وأعلمهم أن ذلك في صلاتهم وكذلك الصلاة على النبي عليه السلام مأخوذ من غير ذلك الحديث واحتجوا من الأثر بحديث أبي مسعود من رواية مالك وفيه أنه علمهم الصلاة على النبي عليه السلام وقال وفيه والسلام كما قد علمتم نعني التشهد وبأن أبا مسعود روى الحديث وفهم مخرجه وكان يراه واجبا ويقول أنه لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله النيسابوري قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا زياد بن يحيى قال حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبد الرحمان
194

ابن بشير بن أبي مسعود عن أبي مسعود قال لما نزلت هذه الآية * (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) * قالوا يا رسول الله قد علمنا السلام فكيف الصلاة فقال قولوا اللهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وروى عثمان بن أبي شيبة وغيره عن شريك عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي عن أبي مسعود قال ما أرى أن صلاة لي تمت حتى أصلي فيها على محمد وعلى آل محمد وروى ابن أبي فديك وأبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا وهذا الحديث وإن كان في إسناده ضعف فإن فيه استظهارا مع ما قدمنا من الدلائل قال أبو عمر ليس ما احتجوا به عندي بلازم لما فيه من الاعتراض ولست أوجب الصلاة على النبي عليه السلام في الصلاة فرضا من فروض الصلاة ولكني لا أحب لأحد تركها في كل صلاة فإن ذلك من تمام الصلاة وأحرى أن يجاب للمصلي دعاؤه إن شاء الله وحديث سهل بن سعد في ذلك
195

حدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الرحمان بن راشد أبو الميمون بدمشق قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا عبد الرحمان بن إبراهيم دحيم قال حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعيد الساعدي عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن لم يصل فيها على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا قد يحتمل من التأويل ما احتمله قوله لا إيمان لمن لا أمانة له ولا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ونحو هذا مما أريد به الفضل والكمال والله أعلم وقد روى هذا الحديث أبو ثابت محمد بن عبيد الله عن عبد المهيمن قال أبو عمر آل إبراهيم يدخل فيه إبراهيم وآل محمد يدخل فيه محمد ومن هنا والله جاءت الآثار في هذا الباب مرة بإبراهيم ومرة بآل إبراهيم وإنما جاء ذلك في حديث واحد ومعلوم أن قول الله عز وجل * (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) * 1 والآل ههنا الاتباع والآل قد يكون الأهل ويكون الاتباع ويكون الأزواج والذرية على ما جاء في بعض الآثار
196

حديث ثالث لنعيم مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن علي بن يحيى الزرقي عن أبيه عن رفاعة بن رافع أنه قال كنا يوما (1) نصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة وقال سمع الله لمن حمده قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من المتكلم آنفا قال الرجل أنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبهن (2) أول (3) في هذا الحديث من الفقه أن الإمام يقول سمع الله لمن حمده لا يزيد على ذلك والمأموم يقول ربنا ولك الحمد لا يقول سمع الله لمن حمده وهذا كله قول مالك وقد مضى
197

الاختلاف في هذه المسألة ووجوب الأقوال فيها من جهة الآثار لأنها مسألة مأخوذة من الأثر فيما تقدم من كتابنا هذا وفيه دليل على أنه لا بأس برفع الصوت وراء الإمام بربنا ولك الحمد لمن أراد الإسماع والإعلام للجماعة الكثيرة بقوله ذلك لأن الذكر كله من التحميد والتهليل والتكبير جائز في الصلاة وليس بكلام تفسد به الصلاة بل هو محمود ممدوح فاعله بدليل حديث هذا الباب وبما حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال أخبرنا هشام بن عبد الملك قال حدثنا عبيد الله بن إياد بن لقيط قال حدثنا إياد عن عبد الله بن سعيد عن عبد الله بن أبي أوفى قال جاء رجل ونحن في الصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الله أكبر كبيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا قال فرفع المسلمون رؤوسهم واستنكروا على الرجل وقالوا من هذا الذي يرفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من هذا العالي الصوت فقيل هو هذا يا رسول الله فقال والله لقد رأيت كلاما يصعد إلى السماء حتى فتح له فدخل (1) قال أبو عمر في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعل هذا الرجل وتعريفه الناس بفضل كلامه وفضل ما صنع من رفع صوته بذلك الذكر أوضح الدلائل على جواز ذلك
198

الفعل من كل من فعله على أي وجه جاء به لأنه ذكر الله وتعظيم له يصلح مثله في الصلاة سرا وجهرا ألا ترى أنه لو تكلم في صلاته بكلام يفهم عنه غير القرآن والذكر سرا لما جاز كما لا يجوز جهرا وهذا واضح وبالله التوفيق وفي حديث هذا الباب لمالك أيضا دليل على أن الذكر كله والتحميد والتمجيد ليس بكلام تفسد به الصلاة وأنه كله محمود في الصلاة المكتوبة والنافلة مستحب مرغوب فيه وفي حديث معاوية بن الحكم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التكبير والتسبيح والتهليل وتلاوة القرآن (1) فأطلق أنواع الذكر في الصلاة فدل على أن الحكم في الذكر غير الحكم في الكلام وبالله التوفيق
199

حديث رابع لنعيم موقوف مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول من توضأ فأحسن وضوءه (1) ثم خرج عامدا إلى الصلاة فإنه في صلاة ما دام (2) يعمد إلى الصلاة وإنه يكتب (3) له بإحدى خطوتيه حسنة ويمحى (4) عنه بالأخرى سيئة فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسع وإن أعظمكم أجرا أبعدكم دارا قالوا لم يا أبا هريرة قال من أجل كثرة الخطا (5) هكذا هذا الحديث موقوف في الموطأ لم يتجاوز به أبا هريرة ولم يختلف على مالك في ذلك ومعناه يتصل ويستند إلى النبي عليه السلام من طرق صحاح من غير حديث نعيم عن
201

أبي هريرة من حديث أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم والأسانيد فيه صحاح كلها ومثله أيضا لا يقال بالرأي حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وفي سوقه بخمس وعشرين درجة وذلك أن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لا ينهزه (1) غيرها لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه أحدا أو يحدث فيه (2) قال أبو عمر آخر هذا الحديث عند مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الحديث وبهذا الإسناد عند مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
202

مرفوعا أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة (1) وعنده في فضل الجماعة حديثه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وحديثه عن نافع عن ابن عمر كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا كل هذا في موضعه من هذا الكتاب والحمد لله حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن ابن أبي ذئب عن عبد الرحمان بن مصران عن عبد الرحمان بن سعد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا (2) وقد روى عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن إبراهيم بن مسلم عن أبي الأحموص عن عبد الله بن مسعود قال ما من رجل يتطهر فيحسن الطهر ويخطو خطوة يعمد بها إلى المسجد إلا كتب الله بها حسنة ورفعه بها درجة حتى إن
كنا لنقارب في الخطا (3) وهذا في معنى حديث نعيم
203

عن أبي هريرة ومثله لا يكون رأيا ويدلك على ذلك قوله حتى إن كنا لنقارب في الخطا وأما قوله في حديث نعيم فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسع فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون (1) الحديث روي عن أبي هريرة مسندا من طرق صحاح قد ذكرنا كثيرا منها في باب العلاء من كتابنا هذا ومضى القول هناك في معنى ذلك كله والحمد لله على ذلك كثيرا
204

حديث خامس لنعيم بن عبد الله المجمر موقوف في الموطأ وقد أسند من طريق مالك وغيره مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي (1) هكذا هذا الحديث في الموطأ من قول أبي هريرة وقد روي عن مالك بهذا الإسناد عن نعيم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وممن رواه هكذا مرفوعا عن مالك عبد الله بن وهب وإسماعيل بن جعفر وعثمان بن عمر والوليد بن مسلم فحديث ابن وهب حدثناه أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن قاسم
205

والحسن بن عبد الله الزبيدي قالا حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال حدثنا مسرور بن نوح قال حدثنا إبراهيم بن منذر قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي وحديث إسماعيل بن جعفر حدثناه خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا عبد الله بن مطيع قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن مالك عن نعيم بن عبد الله عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث أو يقم فإن قام من مصلاه فجلس مجلسا في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي وحديث عثمان بن عمر حدثناه عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا الحسن بن الخضر قال حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال حدثنا زكرياء بن يحيى قال حدثنا يحيى بن حكيم المقوم (1)
206

قال حدثنا عثمان بن عمر قال أخبرنا مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر معنى ما في الموطأ بهذا الإسناد مرفوعا (1) وهو في الموطأ موقوف وحديث الوليد بن مسلم حدثناه عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا الحسن بن خضر قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا أحمد بن المعلى بن يزيد قال حدثنا صفوان بن صالح قال حدثنا الوليد بن مسلم عن مالك عن نعيم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره قال أبو عمر هو حديث صحيح رواه جماعة من ثقات رواة أبي هريرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
207

((باب صاد صفوان بن سليم))
(1) وسليم أبوه مولى حميد بن عبد الرحمان بن عوف الزهري كان صفوان بن سليم من عباد أهل المدينة وأتقاهم لله عز وجل ناسكا كثير الصدقة بما وجد من قليل وكثير كثير العمل خائفا لله يكنى أبا عبد الله سكن المدينة لم ينتقل عنها ومات بها سنة اثنتين وثلاثين ومائة ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي يسأل عن صفوان بن سليم فقال ثقة من خيار عباد الله وفضلاء المسلمين وذكر أبو داود السجستاني قال ذكر أحمد بن حنبل صفوان بن سليم فقال يستنزل بذكره القطر وقال يحيى القطان صفوان بن سليم أحب إلي من زيد بن أسلم وقال أبو ضمرة أنس بن عياض رأيت صفوان بن سليم ولو قيل له إن الساعة غدا ما كان عنده مزيد
209

وقال أحمد بن صالح كان صفوان بن سليم أسود لمالك عن صفوان بن سليم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الموطأ سبعة أحاديث منها حديثان مسندان وخمسة أحاديث مرسلة
210

حديث أول لصفوان بن سليم مسند مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم (1) هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت ولم يختلفوا في إسناده هذا ورواه بكر بن الشرود الصنعاني عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمان بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا خطأ في الإسناد وبكر بن الشرود سئ الحفظ ضعيف الحديث عنده مناكير وقد تقدم القول مستوعبا في غسل الجمعة وما في ذلك من الآثار والمعاني للسلف من العلماء والخلف منهم في باب ابن شهاب عن سالم من هذا الكتاب (2) فلا وجه لإعادته ههنا
211

وأما قوله في هذا الحديث واجب فظاهره الوجوب الذي هو الفرض وليس كذلك لآثار وردت تخرج هذا اللفظ عن ظاهره إلى معنى السنة والفضل وقد ذكرناها في باب ابن شهاب عن سالم عند قول عمر لعثمان الوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل (3) وقد يحتمل أن يكون قوله في هذا الحديث واجب أي وجوب السنة أو واجب في الأخلاق الجميلة كما تقول العرب وجب حقك وليس على أن ذلك واجب فرضا ومن الدليل على ما قلناه في معنى هذا الحديث وما تأولنا فيه وهو مع ذلك قول أكثر أهل العلم وإليه ذهب أئمة الفتوى في أمصار المسلمين ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا عبد الله بن رجاء قال أخبرنا همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل (4) فكيف يجوز مع هذا الحديث ومثله أن يحمل قوله صلى الله عليه وسلم غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم على ظاهره هذا ما لا سبيل إليه
212

ومما يدل على ما قلنا أن أبا سعيد الخدري روى هذا الحديث الذي ظاهره وجوب غسل الجمعة وكان يفتي بخلاف ذلك وذلك دليل على أنه فهم من معنى الحديث ومخرجه
وفحواه أنه ليس على ظاهره وأن المعنى فيه ما تأولنا وبالله توفيقنا (وذكر) (1) عبد الرزاق عن عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال سمعت أبا سعيد الخدري يقول ثلاث هن على كل مسلم (2) يوم الجمعة الغسل والسواك ومس الطيب إن وجده (3) قال أبو عمر معلوم أن الطيب والسواك ليسا بواجبين يوم الجمعة ولا غيره فكذلك الغسل وقد روي عن أبي سعيد الخدري ما يدلك على أنه حمله على خلاف ظاهر حديثه الذي رواه مالك في هذا الباب حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم قال حدثنا صالح بن مالك قال حدثنا الربيع بن بدر عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
213

من أتى الجمعة فتوضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل وهذا أوضح شيء في سقوط وجوب غسل يوم الجمعة وفيه دليل على أن حديث صفوان بن سليم ليس على ظاهره والأصل في الفرائض أن لا تجب إلا بيقين ولا يقين في إيجاب غسل الجمعة مع ما وصفنا حدثنا عبد الرحمان بن مروان قال حدثنا أبو محمد الحسن بن يحيى قاضي القلزم قال حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال حدثنا عبد الله بن هاشم قال حدثنا عبد الرحمان بن مهدي عن هشام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل (1) قال أبو عمر نعمت في هذا الحديث وما كان في معناه لا تكتب إلا بالتاء ولا يوقف عليها إلا بالتاء وهي مجزومة في الوصل والوقف إلا أن تتصل بساكن بعدها فتكسر وسئل أبو حاتم من أين دخل التأنيث في نعمت فقال أرادوا نعمت الفعلة أو نعمت الخصلة قال ولا يقول عربي نعمة بالهاء قال أبو حاتم قلت للأصمعي في الحديث من توضأ يوم الجمعة
214

فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ما قولهم فيها قال أظنه يريد فبالسنة آخذ أضمر ذلك (1) إن شاء الله أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثنا أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد قال سألت عمرة عن غسل الجمعة فذكرت أنها سمعت عائشة تقول كان الناس عمال أنفسهم يروحون بهيئة فقيل لو اغتسلتم حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا زيد بن البشر قال حدثنا ابن وهب أن مالكا سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو قال سنة ومعروف قيل له إن في الحديث واجب قال ليس كل ما جاء في الحديث يكون كذلك وحدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أشهب عن مالك أنه سئل عن غسل يوم الجمعة أواجب هو فقال هو حسن وليس بواجب وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر وأحمد بن سعيد قالوا حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح
215

قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمان الدمشقي قال حدثنا ضمرة بن ربيعة عن عثمان بن عطاء عن أبيه قالك من لم يستطع أن يغتسل يوم الجمعة فليمس طيبا قال ابن وضاح وحدثنا دحيم قال حدثنا الوليد بن مسلم عن موسى بن صهيب قال كانوا يقولون الطيب يجزئ من الغسل يوم الجمعة قال ابن وضاح وحدثنا هشام بن خالد قال حدثنا بقية عن يونس بن راشد عن عبد الكريم بن مالك الجزري قال الطيب يجزئ من الغسل يوم الجمعة قال أبو عمر قد مضى في باب ابن شهاب عن سالم من الحجة في سقوط وجوب غسل يوم الجمعة من جهة الأثر والنظر ما فيه كفاية (1) وذكرنا هنالك ما استقر عليه القول في غسل الجمعة وما اختاره جمهور العلماء فيه والذي عليه أكثر الفقهاء أنه سنة دون فريضة وهو الصواب وبالله التوفيق
216

حديث ثان لصفوان بن سليم مسند مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل بني الأزرق عن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أنه أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ من ماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته (1) قال أبو عمر قد مضى ذكر صفوان بن سليم وحاله في أول بابه أما سعيد بن سلمة فلم يرو عنه فيما علمت إلا صفوان بن سليم والله أعلم يقال أنه مخزومي من آل ابن الأزرق أو بني الأزرق ومن كانت هذه حاله فهو مجهول لا تقوم به حجة عندهم (2) وأما المغيرة بن أبي بردة فهو
217

المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة قيل إنه غير معروف في حملة العلم كسعيد بن سلمة وقيل ليس بمجهول قال أبو حاتم الرازي روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وروى صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة عنه وروى الجلاح عن عبد الله بن سعيد المخزومي عنه قال أبو عمر المغيرة بن أبي بردة وجدت ذكره في مغازي موسى بن نصير بالمغرب وكان موسى يستعمله على الخيل وفتح الله له في بلاد البربر فتوحات في البر والبحر وقد سأل أبو عيسى الترمذي محمد بن إسماعيل البخاري عن حديث مالك هذا عن صفوان بن سليم فقال هو عندي حديث صحيح قال أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي فقلت للبخاري هشيم يقول فيه المغيرة بن أبي برزة فقال وهم فيه إنما هو المغيرة بن أبي بردة قال وهشيم ربما وهم في الإسناد وهو في المقطعات أحفظ قال أبو عمر لا أدري ما هذا من البخاري رحمه الله ولو كان عنده صحيحا لأخرجه في مصنفه الصحيح عنده ولم يفعل لأنه لا يعول في الصحيح إلا على الإسناد وهذا الحديث لا يحتج أهل الحديث بمثل إسناده وهو عندي صحيح لأن
218

العلماء تلقوه بالقبول له والعمل به ولا يخالف في جملته أحد من الفقهاء وإنما الخلاف في بعض معانيه على ما نذكر إن شاء الله حدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر وأبو عثمان النحوي قالا حدثنا أبو عمر أحمد بن دحيم بن خليل قال حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمان المخزومي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن رجل من أهل المغرب يقال له المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة أن ناسا من بني مدلج أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا نركب أرماتا (1) في البحر ويحمل أحدنا مويها (2) لسقيه (3) فإن توضأنا به عطشنا وإن توضأنا بماء البحر وجدنا في أنفسنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته (4)
219

قال أبو عمر أرسل يحيى بن سعيد الأنصاري هذا الحديث عن المغيرة بن أبي بردة لم يذكر أبا هريرة ويحيى بن سعيد أحد الأئمة في الفقه والحديث وليس يقاس به سعيد
بن سلمة ولا أمثاله وهو أحفظ من صفوان بن سليم وفي رواية يحيى بن سعيد لهذا الحديث ما يدل على أن سعيد بن سلمة لم (يكن) (1) بمعروف من الحديث عند أهله وقد روي هذا الحديث عن يحيى بن سعيد عن المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم والصواب فيه عن يحيى بن سعيد ما رواه عنه ابن عيينة مرسلا كما ذكرنا والله أعلم وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الفراسي رجل من بني فراس مذكور في الصحابة (2) حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن الحسن بن عتبة الرازي بمصر قال حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج القطان قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي أنه حدث أن الفراسي قال كنت أصيد في البحر الأخضر على أرماث وكنت أحمل قربة فيها ماء فإذا لم أتوضأ من القربة رفق ذلك بي وبقيت لي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه ذلك وقلت أنتوضأ من ماء البحر يا رسول الله فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته
220

وقد أجمع جمهور العلماء وجماعة أئمة الفتيا بالأمصار من الفقهاء أن البحر طهور ماؤه وأن الوضوء جائز به إلا ما روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص فإنه روي عنهما أنهما كرها الوضوء من ماء البحر ولم يتابعهما أحد من فقهاء الأمصار على ذلك ولا عرج عليه ولا التفت إليه لحديث هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يدلك على استشهار الحديث عندهم وعملهم به وقبولهم له وهذا أولى عندهم من الإسناد الظاهر الصحة بمعنى ترده الأصول وبالله التوفيق وقد خالفهما ابن عباس حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا خلف بن موسى بن سلمة الهذلي قال سألت ابن عباس عن الوضوء بماء البحر وقال هما البحران فلا تبالي بأيهما توضأت وفي حديث هذا الباب من الفقه إباحة ركوب البحر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كره ركوبه لنهى عنه الذين قالوا إنا نركب البحر وقولهم هذا يدل على أن ذلك كان كثيرا ما يركبونه لطلب الرزق من أنواع التجارة وغيرها وللجهاد وسائر ما فيه إباحة أو فضيلة والله أعلم فلم ينههم عن ركوبه وهذا عندي إنما يكون لمن سهل ذلك عليه ولم يشق عليه ويصعب به كالمائد المفرط الميد أو من لا يقدر معه على أداء فروض الصلاة ونحوها من الفرائض ولا يجوز عند أهل العلم ركوب البحر في حين ارتجاجه ولا في
221

الزمن الذي الأغلب منه عدم السلامة فيه والعطب والهلاك وإنما يجوز عندهم ركوبه في زمان تكون السلامة فيه الأغلب والله أعلم وفي قول الله عز وجل * (هو الذي يسيركم في البر والبحر) * 1 وقوله تعالى * (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) * 2 ما فيه كفاية ودلالة واضحة في إباحة ركوب البحر إذا كان كما وصفنا وبالله توفيقنا وأما ما جاء عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وغيرهما من السلف أنهم كانوا ينهون عن ركوب البحر فإنما ذلك على الاحتياط وترك التغرير بالمهج في طلب الاستكثار من الدنيا والرغبة في المال والله أعلم وإذا جاز ركوب البحر في الجهاد وطلب المعيشة فركوبه للحج في أداء الفرض أجوز لمن قدر على ذلك وسهل عليه وقد روي عن الشافعي رحمه الله أنه قال ما يبين لي أن أوجب الحج علي من وراء البحر ولا أدري كيف استطاعته قال أبو عمر قد أجمع العلماء على أن من بينه وبين مكة من اللصوص والفتن ما يقطع الطريق ويخاف منه في الأغلب ذهاب المهجة والمال فليس ممن استطاع إليه سبيلا فكذلك أهوال البحر والله أعلم
222

وفي هذا الحديث أيضا من الفقه أن المسافر إذا لم يكن معه من الماء إلا ما يكفيه لشربه وما لا غنى به عنه لشفته أنه جائز له أن يتيمم ويترك ذلك الماء لنفسه حتى يجد الماء وأما قوله صلى الله عليه وسلم الحل ميتته يقال حل وحلال وحرم وحرام بمعنى واحد فإن العلماء اختلفوا في ذلك فقال مالك يؤكل ما في البحر من السمك والدواب وسائر ما في البحر من الحيوان وسواء اصطيد أو وجد ميتا طافيا وغير طاف قال وليس شيء من ذلك يحتاج إلى ذكاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الطهور ماؤه الحل ميتته وكره مالك خنزير الماء من جهة اسمه ولم يحرمه وقال أنتم تقولون خنزير قال ابن القاسم أنا أتقيه ولا أراه حراما وقال ابن أبي ليلى لا بأس بأكل كل شيء يكون في البحر من الضفدع والسرطان وحية الماء وغير ذلك وهو قول الثوري في رواية الأشجعي وروى عنه أبو إسحاق الفزاري أنه قال لا يؤكل من صيد البحر إلا السمك وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يؤكل السمك الطافي ويؤكل ما سواه من السمك ولا يؤكل شيء من حيوان البحر إلا السمك وقال الأوزاعي صيد البحر كله حلال ورواه عن مجاهد وكره الحسن بن حي أكل الطافي من السمك وقال الليث
223

ابن سعد ليس بميتة البحر بأس قال وكذلك كلب الماء وترس الماء قال ولا يؤكل إنسان الماء ولا خنزير الماء وقال الشافعي ما يعيش في الماء فلا بأس بأكله وأخذه ذكاته ولا بأس بخنزير الماء قال أبو عمر قال الله عز وجل * (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم) * 1 فروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة قالوا طعامه ما ألقى وقذف وروي عن ابن عباس أنه قال طعامه ميتته وهو في ذلك المعنى وروي عنه أنه قال طعامه مليحه وروي عن أبي بكر الصديق قال كل دابة في البحر فقد ذبحها الله لكم ذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي الزبير عن مولى لأبي بكر عن أبي بكر قال كل دابة في البحر قد ذبحها الله لك فكلها (2)
224

قال وأخبرنا الثوري عن عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس قال أشهد على أبي بكر أنه قال السمكة الطافية حلال لمن أراد أكلها (1) وروي عن علي بن أبي طالب أنه كره الطافي من السمك وروي عنه أنه كره أكل الجري (2) من وجه لا يثبت وروي عنه أنه لا بأس بأكل ذلك كله وهو أصح عنه ذكر عبد الرزاق عن الثور عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال الجراد والحيتان ذكي كله (3) فعلي مختلف عنه في أكل الطافي من السمك ولم يختلف عن جابر أنه كره أكل الطافي من السمك وهو قول طاوس ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد وأبي حنيفة وأصحابه واحتج لهم من أجاز ذلك بما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن عبدة قال أخبرنا يحيى بن سليم الطائفي قال أخبرنا إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه وطفي فلا تأكلوه (4)
225

قال أبو داود روى هذا الحديث سفيان الثوري وأيوب السختياني وحماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر (1) وحجة مالك والشافعي في هذا الباب قوله صلى الله عليه
وسلم في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته وأصح ما في هذا الباب من جهة الإسناد مما هو حجة لمالك والشافعي حديث ابن عمر وحديث جابر حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا أبو ثابت المدني قال حدثنا عبد الله بن وهب قال حدثني عمر بن محمد أن نافعا حدثه أن ابن عمر قال غزونا فجعنا حتى إنا لنقسم التمرة والتمرتين فبينما نحن على شاطئ البحر إذ رمى البحر بحوت ميتة فاقتطع الناس منه ما شاءوا من شحم ولحم وهو مثل الطرب فبلغني أن الناس لم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه فقال هل معكم منه شيء وأما حديث جابر فحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا حماد بن زيد عن أبي الزبير عن جابر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في (2) سرية وأمر علينا أبا
226

عبيدة بن الجراح وزودنا جرابا من تمر فكان يقسمه بيننا قبضة قبضة ثم أقام ذلك حتى صار تمرة تمرة فلما فقدناها وجدنا فقدها فمررنا بساحل البحر فإذا حوت يقال له العنبر ميت فأردنا أن نجاوزه ثم قلنا نحن جيش رسول الله فأقمنا عليه عشرين ليلة نأكل منه وادهنا من ذلك الشحم ولقد قعد في عينه ثلاثة عشر رجلا منا فلما قدمنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رزق ساقه الله إليكم فهل عندكم منه شيء ففي هذا الحديث وهو من أثبت الأحاديث دليل على أن ما قذف البحر أو مات فيه من دابة وسمكة حلال كله ولهذا الحديث طرق كثيرة قد ذكرنا كثيرا منها في غير هذا الموضع وفيه ما يصحح حديث صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة وأن حديث سعيد بن سلمة له أصل في رواية الثقات حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي حدثنا زهير قال حدثنا أبو الزبير عن جابر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة بن الجراح يعطينا تمرة تمرة كنا نمصها كما يمص الصبي ثم (نشرب) (1) عليها من الماء فتكفينا يومنا (2)
227

إلى الليل وكنا نضرب بعصينا الخبط (1) ثم نبله بالماء فنأكله قال فانطلقنا (2) على ساحل البحر فرفع لنا كهيئة (الكثيب الضخم) (3) فأتيناه فإذا هو دابة تدعى العنبر فقال أبو عبيدة ميتة ولا تحل لنا ثم قال لا بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله وقد اضطررتم فكلوا فأقمنا عليها شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا فلما قدمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرنا ذلك له فقال هو رزق أخرجه الله لكم فهل معكم من لحمه شيء فتعطونا (4) فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكل (5)
228

حديث ثالث لصفوان بن سليم مرسل مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال يا رسول الله أستأذن على أمي فقال نعم فقال الرجل إني معها في البيت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها فقال الرجل إني خادمها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها (1) قال أبو عمر روى هذا الحديث ابن جريج عن زياد بن سعد عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار مثل حديث مالك سواء وهذا الحاديث لا أعلم يستند من وجه صحيح بهذا اللفظ وهو مرسل صحيح مجتمع على صحة معناه ولا يجوز عند أهل العلم أن يرى الرجل أمه ولا ابنته ولا أخته ولا ذات محرم منه عريانة لأن المرأة عورة فيما عدا وجهها وكفيها
229

ولا يحل النظر إلى عورة أحد عند الجميع لا يختلفون في ذلك وتأمل وجه المرأة الحرة وإدمان النظر إليها لشهوة لا يجوز لأنه داع إلى الفتنة وقد اختلف العلماء في تأويل قول الله عز وجل * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * 1 وفي قوله * (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن) * 2 الآية كلها على ما نذكره في أولى المواضع به إن شاء الله ومن ذلك ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثني أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثني معمر بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن الآية قال الزينة التي تبديها لهؤلاء قرطاها وقلادتها وسوارها فأما خلخالها وخصرها وجيدها وشعرها فإنها لا تبدي ذلك إلا لزوجها قال أبو عمر وهو مذهب ابن مسعود ومجاهد وعطاء والشعبي وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن الشعبي وعكرمة في قوله * (لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن) *
230

1 الآية قلت ما شأن العم والخال لم يذكرا قالا لأنهما ينعتانها لأبنائهما وقد قيل إن العم والخال يجريان مجرى الوالدين لأنهما ذوا محرم فاستغني بذكر من ذكر من ذوي المحارم عن ذكرهما وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا علي بن سهل قال حدثنا زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان في المرأة تخرج ثديها من كمها ترضع صبيها بين يدي ذي محرم منها فكرهه وقد اختلف العلماء أيضا في هذا الباب فكان الشعبي وطاوس والضحاك يكرهون أن ينظر الرجل إلى شعر أمه وذوات (محرمه) (2) وروي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يفلون أمهاتهم وممن روي ذلك عنه من العلماء أبو القاسم محمد بن علي بن الحنيفة وأبو محمد بن علي بن الحسين وطلق بن حبيب ومورق العجلي وعلى قول هؤلاء أئمة الفتيا بالأمصار في أنه لا بأس أن ينظر الرجل إلى شعر أمه وكذلك شعور ذوات المحارم العجائز دون الشواب ومن يخشى منه الفتنة على ما ذكرت لك
231

وذكر سنيد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قال سمعت عطاء بن أبي رباح قال قلت لابن عباس أستأذن على أخواتي يتامى في حجري معي في بيت واحد قال نعم فرددت عليه ليرخص لي فأبى قال أتحب أن تراهن عراة قلت لا قال فاستأذن فراجعته فقال أتحب أن تطيع الله قلت نعم قال فقال لي سعيد بن جبير إنك لتردد عليه قال قلت أردت أن يرخص لي قال وحدثنا ابن جريج قال أخبرني ابن طاوس عن أبيه قال ما من امرأة أكره إلي أن أراها عريانة أو أرى عريتها من ذات محرم قال وكان يشدد في ذلك قال ابن جريج قلت لعطاء أواجب على الرجل أن يستأذن على أمه وذوات قرابته قال نعم فقلت بأي وجبت قال بقول الله عز وجل * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا) * 1 قال سنيد وحدثنا حجاج عن ابن جريج عن الزهري قال سمعت هذيل بن شرحبيل الأزدي (2) الأعمى أنه سمع ابن مسعود يقول عليكم إذن على أمهاتكم
قال ابن جريج قلت لعطاء أيستأذن الرجل على امرأته قال لا
232

حدثنا عبد الرحمان حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال حدثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال يستأذن الرجل على أمه وأنها أنزلت * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) * في ذلك قال ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن أبي عبد الرحمان الجبلي أنه قال كان رجال من الفقهاء يكرهون أن يلج الرجل على أمته إذا كانت متزوجة حتى يستأذن عليها وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء قال سألت ابن عباس قلت إن لي أختين أعولهما وأنفق عليهما وهما معي في البيت أفأستأذن عليهما قال نعم فأعدت عليه فقال أتحب أن تراهما عريانتين قلت لا قال فاستأذن عليهما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي قال حدثنا الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة ان نفرا من أهل العراق قالوا يا ابن عباس كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا بما أمرنا فيها ولا يعمل بها أحد قول الله عز وجل * (ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر) * 1 وقرأ القعنبي إلى * (عليم حكيم) *
233

قال ابن عباس إن الله رحيم بالمؤمنين يحب الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجال (1) فربما دخل الخادم أو الولد (2) أو يتيم الرجل على أهله فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات ثم جاءهم الله بالستور والخير فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد (3) وذكر ابن وهب قال أخبرني قرة عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك أنه سأل عبد الله بن سويد الحارثي وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإذن في العورات الثلاث فقال إذا وضعت ثيابي من الظهيرة لم يلج علي أحد من الخدم الذين بلغوا الحلم ولا أحد ممن لم يبلغ الحلم من الأحرار إلا بإذن وإذا وضعت ثيابي بعد صلاة العشاء ومن قبل صلاة الفجر وقال أبو بكر الأثرم سألت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل عن الرجل ينظر إلى شعر أم امرأته أو امرأة ابنه أو امرأة أبيه فقال هذا في القرآن * (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن) * وكذا وكذا الآية قلت ينظر إلى ساق امرأة أبيه أو ابنه فقال ما أحب أن يرى ذلك من أخته وأمه فكيف بغيرهما
234

روى حماد بن سلمة عن الحجاج عن إبراهيم أنه كان لا يرى بأسا أن ينظر الرجل إلى شعر أمه وابنته وخالته وعمته وكره الساقين وقال ابن وهب سئل مالك عن المرأة لها العبد نصفه حر أيرى شعرها فقال لا فقيل له فلو كان لها كله أيرى شعرها فقال أما العبد الوغد من العبيد فلا أرى بذلك باسا وإن كان عبدا فارها فلا أرى ذلك لها قال مالك والستر أحب إلي قال أبو عمر اختلف العلماء في معنى قوله تعالى * (أو ما ملكت أيمانهن) * في الآيتين إحداهما في سورة النور قوله * (وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن) * والأخرى في سورة الأحزاب قوله * (لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن) * ذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا أبو بكر يعني ابن أبي شيبة قال أخبرنا أبو أسامة عن يونس بن أبي إسحاق عن طارق عن ابن المسيب قال لا تغرنكم هذه الآية * (أو ما ملكت أيمانكم) * إنما عني بها الآباء ولم يعن بها العبيد قال وأخبرنا أبو
235

بكر قال أخبرنا شريك عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس قال لا بأس أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته قال أبو عمر إلى هذا ذهب مالك وأجاز نظر العبد إلى شعر مولاته وروي مثل ذلك عن بعض أمهات المؤمنين وقالت به طائفة وكره ذلك جماعة من علماء التابعين ومن بعدهم وممن كره ذلك سعيد بن المسيب والحسن وطاوس والشعبي ومجاهد وعطاء قال إسماعيل حديث نبهان مولى أم سلمة يدل على أنه يجوز للعبد أن يرى من سيدته ما يراه ذو المحارم منها مثل الأب والأخ لأنه لا يحل له أن يتزوج سيدته ما دام مملوكا لكنه لا يدخل في المحرم الذي يحل لها أن تسافر معه لأن حرمته لا تدوم وتزول بزوال الرق إذا أعتقته قال أبو عمر هذا يقضى على قوله لأن من لا تدوم حرمته لا يكون ذا محرم مطلقا وإذا لم يكن كذلك فالاحتياط أن لا يرى العبد شعر مولاته وغدا كان أو غير وغد وقد يستحسن ويستحب الوغد لأشياء وقد سوى الله بين المملوك والحر في هذا المعنى فقال وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا وقال ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم وحديث أم سلمة لم يروه إلا نبهان مولاها وليس بمعروف بحمل العلم (1)
236

ولا يعرف إلا بذلك الحديث وآخر وحديث عائشة معلول أيضا وأكثر العلماء يجعلون العبد البالغ كالحر ولا يجيزون له النظر إلى شعر سيدته إلا لضرورة وينظر منها إلى وجهها وكفيها لأنهما ليسا بعورة منها حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا دحيم قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما جعل الإذن من أجل البصر (1)
237

حديث رابع لصفوان بن سليم مرسل مالك عن صفوان بن سليم قال مالك لا أدري أعن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا قال من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذر ولا علة طبع الله على قلبه (1) قال أبو عمر هذا الحديث يستند من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحسنها إسنادا حديث أبي الجعد الضمري أخبرنا محمد بن عبد الملك وعبيد بن محمد قالا حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال حدثنا أبو أسامة ويزيد بن هارون قالا حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن عبيدة بن سفيان الحضرمي قال سمعت أبا الجعد الضمري وكانت له صحبة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله على قلبه (2)
239

أخبرنا عبد الرحمان بن مروان قال أخبرنا الحسن بن حي القلزمي قال حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال حدثنا عبد الله بن هاشم قال حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو قال حدثني عبيدة بن سفيان عن أبي الجعد الضمري وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا داود بن عبد الله الجعفري قال حدثنا عبد العزيز بن محمد
الدراوردي عن أسيد بن أبي أسيد البراد عن ابن أبي قتادة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة فقد طبع على قلبه حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد قال حدثنا علي بن محمد بن لؤلؤ قال حدثنا أبو يزيد خالد بن النضر قال حدثنا محمد بن موسى الحرشي قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا أسيد بن أبي أسيد عن عبد الله بن أبي قتادة عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك الجمعة ثلاثا من غير ضرورة طبع الله على قلبه
240

هكذا قال عبد الله بن جعفر في هذا الحديث جعله عن جابر والأول عندي أولى بالصواب على رواية الدراودري وعبد الله بن جعفر هذا هو والد علي بن المديني وهو علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح وعلي أحد أئمة أهل الحديث وأبوه عبد الله بن جعفر مدني ضعيف وحدثنا يعيش بن سعيد وأحمد بن قاسم ومحمد بن إبراهيم قالوا أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا محمد بن الحسين بن مرداس أبو العباس الأيلي قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا عبد الله بن نافع عن أبي معشر عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك الجمعة ثلاثا ولاء من غير عذر طبع الله على قلبه أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قالا حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا عاصم بن علي قال حدثنا فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم يكونون من الغافلين
241

حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن المسور وبكير بن الحسن الرازي بمصر قالا حدثنا يوسف بن يزيد قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا الفرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نفاع عن ابن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لينتهين قوم عن تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين وبهذا الإسناد عن أسد بن موسى قال حدثنا مروان بن معاوية قال حدثنا عوف الأعرابي قال حدثني سعيد بن أبي الحسن قال سمعت ابن عباس يقول من ترك أربع جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره وبه عن أسد قال حدثنا محمد بن مطرف عن أبي حازم عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذر طبع على قلبه حدثنا محمد بن قاسم بن محمد وأحمد بن قاسم بن عبد الرحمان ومحمد بن إبراهيم بن سعيد قالوا حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا حمزة بن محمد بن عيسى الكاتب قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثنا عوف الأعرابي عن سعيد بن أبي الحسن عن ابن عباس قال من ترك ثلاث جمع متواليات من غير عذر فقد نبذ الإسلام وراء ظهره
242

ورواه سفيان الثوري عن عوف عن سعيد بن أبي الحسن عن ابن عباس مثله وبالإسناد عن نعيم بن حماد قال حدثنا عبد الله بن إدريس وجرير بن عبد الحميد عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد أن رجلا سأل ابن عباس شهرا كل يوم يسأله ما تقول في رجل يصوم بالنهار ويقوم الليل ولا يحضر صلاة الجمعة ولا جماعة فكل ذلك يقول له ابن عباس صاحبك في النار قال أبو عمر قد يجوز أن يكون ابن عباس علم منه مع ذلك ما أوجب أن يقول له صاحبك في النار وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد فيه لين أنه قال من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر كتب منافقا (1) وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الجمعة واجبة إلا على امرأة أو صبي أو مملوك أو مريض أو مسافر (2) وأما قوله في الحديث من غير عذر فالعذر يتسع القول فيه وجملته كل مانع حائل بينه وبين الجمعة مما يتأذى به
243

أو يخاف عدوانه أو يبطل بذلك فرضا لا بدل منه فمن ذلك السلطان الجائر يظلم والمطر الوابل المتصل والمرض الحابس وما كان مثل ذلك ومنح العذر أيضا أن تكون عنده جنازة لا يقوم بها غيره وإن تركها ضاعت وفسدت وقد روينا هذا في الجنازة عن يحيى بن سعيد الأنصاري ويحيى بن أبي كثير والأوزاعي والليث بن سعد وعن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن رجل كان مع الإمام وهو يخطب في الجمعة فبلغه أن أباه أخذه الموت فرخص له أن يذهب إليه ويترك الإمام في الخطبة قال أبو عمر هذا عندي على أنه لم يكن لأبيه أحد غيره يقوم لمن حضره الموت بما يحتاج الميت إليه من حضوره للتغميض والتلقين وسائر ما يحتاج إليه لأن تركه في مثل تلك الحال عقوق والعقوق من الكبائر وقد تنوب له عن الجمعة الظهر ولم يأت الوعيد في ترك الجمعة إلا من غير عذر ثلاثا فكيف بواحدة من عذر بين فقول عطاء صحيح والله أعلم وقد وردت في فرض الجمعة آثار قد ذكرتها في غير هذا الموضع وأصح ما في ذلك ما ذكرته في هذا الباب وقد ذكرنا على من تجب الجمعة من أهل المصر وغيرهم في باب ابن شهاب والحمد لله
244

حديث خامس لصفوان بن سليم من بلاغاته مرسل مالك عن صفوان بن سليم أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين إذا اتقى (1) وأشار بإصبعيه الوسطى والتي تلي (2) الإبهام (3) هذا الحديث قد رواه جماعة عن النبي عليه السلام من وجوه صحاح وحديث صفوان هذا يتصل من وجوه ويستند من غير رواية مالك من حديث الثقات سفيان ابن عيينة وغيره حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الحميدي قال حدثني سفيان قال حدثني صفوان بن سليم عن امرأة يقال لها أنيسة عن
245

أم سعيد بنت مرة الفهري عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة كهاتين وأشار بأصبعيه حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن صفوان بن سليم عن أنيسة عن أم سعيد ابنة مرة الفهري عن أبيها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو في الجنة كهاتين قال سفيان بإصبعيه الوسطى والتي تليها قال أبو عمر معنى قوله في هذا الحديث له أو لغيره يريد من قرابته ومن غير قرابته والله أعلم وعند القعنبي وابن وهب عن مالك عن ثور بن زيد عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الساعي على الأرملة واليتيم كالمجاهد في سبيل الله (1)
246

حديث سادس لصفوان بن سليم منقطع من بلاغاته مالك عن صفوان بن سليم أن رجلا قال يا رسول الله أأكذب امرأتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في
الكذب فقال الرجل يا رسول الله أعدها وأقول لها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا جناح عليك (1) هذا الحديث لا أحفظه بهذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا وقد رواه ابن عيينة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثناه محمد بن إبراهيم بن سعيد قال أخبرنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن صفوان بن سليم المدني عن عطاء بن يسار قال قال رجل يا رسول الله هل علي
247

جناح أن أكذب امرأتي قال لا يحب الله الكذب فأعادها فقال لا يحب الله الكذب فقال يا رسول الله أستصلحها وأستطيب نفسها قال لا جناح عليك قال ابن عيينة وأخبرني ابن أبي حسين قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلح الكذب إلا في ثلاث الرجل يصلح بين اثنين والحرب خدعة والرجل يستصلح امرأته (1) قال أبو عمر هذا الحديث يفسر الأول ولهذا أردفه ابن عيينة به والله أعلم ومعلوم أن الرخصة لم تأت في أن يصدق الرجل امرأته فيما يعدها به لأن الصدق لا يحتاج أن يقال فيه لا جناح عليك وفي هذا الحديث إباحة الكذب فيما يصلح به المرء على نفسه في أهله وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس بالكذاب من قال خيرا أو نمى خيرا أو أصلح بين اثنين ومعلوم أن إصلاح المرء على نفسه فيما بينه وبين أهله بما لا يؤذي به أحدا أفضل من إصلاحه على غيره كما أن ستره على نفسه أولى به من ستره على غيره أخبرنا خلف بن قاسم قال أخبرنا ابن أبي العقب بدمشق قال أخبرنا أبو زرعة قال أخبرنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني حميد بن عبد
248

الرحمان بن عوف أن أمه أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس بالكذاب الذي يقول خيرا ويرفع خيرا ليصلح بين اثنين وهذا الحديث قد رواه مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمان بن عوف عن أمه أم لثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس الكذاب الذي يمشي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقوله وقد روى هذا الحديث الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب عن مالك بن أنس بإسناده وروى معمر وابن أخي ابن شهاب وابن عيينة عن الزهري بإسناده مثله بمعنى واحد رواه عبد الرزاق وابن المبارك وحماد بن زيد وابن علية وموسى بن الحسين وهشام بن يوسف كلهم عن معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمان عن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس بالكذاب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو نمى خيرا (1) حدثنا خلف بن أحمد حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا يونس حدثنا ابن وهب قال أخبرني داود بن عبد الرحمان عن ابن خيثم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد الأشعري قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الكذب يكتب على ابن آدم إلا
249

ثلاثا كذب الرجل امرأته ليصلحها ورجل كذب بين اثنين ليصلح بينهما ورجل كذب في خدعة حرب أخبرنا محمد بن زكرياء قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا مروان بن عبد الملك قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا إبراهيم بن حبيب قال سمعت أبي يقول كان أبو مجلد بخراسان وكان قتيبة بن مسلم يعرض الجند فكان إذا أتي برجل قد باع سلاحه ضربه قال فأتي برجل فقال له أين سلاحك قال سرق قال من يعلم ذلك قال أبو مجلد قال عرفت ذلك يا أبا مجلد قال نعم فتركه قيل لأبي مجلد عرفت ذلك قال لا قيل فلم قلته قال أردت أن أرد عنه الضرب أخبرني سعيد بن نصر وإبراهيم بن شاكر قالا حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعد بن معاذ قال حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم قال حدثنا نعيم بن حماد قال قلت لسفيان بن عيينة أرأيت الرجل يعتذر إلي من الشيء عسى أن يكون قد فعله ويحرف فيه القول ليرضيه أعليه فيه حرج قال لا ألم تسمع قوله ليس بكاذب من قال خيرا أو أصلح بين الناس وقد قال الله عز وجل * (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك) * 1 الآية
250

فإصلاحه فيما بينه وبين الناس أفضل إذا فعل ذلك لله وكراهة أذى المسلمين وهو أولى به من أن يتعرض لعداوة صاحبه وبغضته فإن البغضة حالقة الدين قلت أليس من قال ما لم يكن فقد كذب قال لا إنم الكاذب الآثم فأما المأجور فلا ألم تسمع إلى قول إبراهيم عليه السلام * (إني سقيم) * 1 و * (بل فعله كبيرهم هذا) * 2 وقال يوسف لإخوته * (إنكم لسارقون) * وما سرقوا وما أثم يوسف لأنه لم يرد إلا خيرا قال الله عز وجل * (كذلك كدنا ليوسف) * 3 وقال الملكان لداود عليه السلام * (خصمان بغى بعضنا على بعض) * 4 ولم يكونا خصمين وإنما أرادا الخير والمعنى الحسن وفي حديث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر إلى المدينة أنهما لقيا سراقة بن مالك بن جعشم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أراد من أبي بكر أن يكون المقدم على دابته ويكون النبي عليه السلام خلفه فلما لقيا سراقة قال لأبي بكر من الرجل قال باغ قال فمن الذي خلفك قال هاد قال أحسست محمدا قال هو ورائي
251

حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف وسعيد بن سيد بن سعيد قالا حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبو عمرو بن أبي زيد قال حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن نصر قال حدثنا محمد بن أحمد البصري قال حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي قال سمعت عمر بن الخطاب يقول إن في المعاريض ما يغنيكم عن الكذب قال وحدثنا أبو داود الطيالسي وأبو عامر العقدي وعبد الرحمان بن مهدي قالوا حدثنا شعبة عن قتادة عن مطرف بن عبد الله قال صحبت عمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة فكان لا يخطئ يوما إلا أنشدني فيه شعرا وسمعته يقول إن في المعاريض مندوحة عن الكذب قال وحدثنا عبد الرحمان بن مهدي قال حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر قال بعثني إبراهيم النخعي إلى زياد بن حدير أمير على الكوفة فقال قل له كذا قل له كذا قلت كيف أقول شيئا لم يكن قال إن هذا صلح فلا بأس به ورواه بندار محمد بن بشار عن يحيى القطان عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر فذكر مثله
252

حديث سابع لصفوان بن سليم مرسل مقطوع مالك عن صفوان بن سليم أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانا قال نعم فقيل (له) (1) أيكون (المؤمن) بخيلا (2) قال نعم فقيل له أيكون المؤمن كذابا قال لا (3) قال أبو عمر لا أحفظ هذا الحديث مسندا بهذا اللفظ من وجه ثابت وهو حديث حسن ومعناه أن المؤمن لا يكون كذابا يريد أنه لا يغلب عليه الكذب حتى لا يكاد يصدق هذا ليس من أخلاق المؤمنين وأما قوله في المؤمن أنه يكون جبانا وبخيلا فهذا يدل على أن البخل
والجبن قد يوجدان في المؤمن وهما خلقان مذمومان قد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهما
253

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا ينبغي للمؤمن أن يكون جبانا ولا بخيلا وقال صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا وقال صلى الله عليه وسلم المؤمن سهل كريم والفاجر خب لئيم وهذه الآثار أقوى من مرسل صفوان هذا وهي معارضة له وقد روي من حديث مالك عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة وهو حديث موضوع على مالك لم يروه عنه ثقة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خصلتان لا تجتمعان في مؤمن سوء الخلق والبخل وضعه على مالك رجل يقال له إسحاق بن مسيح مجهول عن أبي مسهر عن مالك وأبو مسهر أحد الثقات الجلة وقال أحمد بن حنبل سمعت المعافي بن عمران يقول سمعت سفيان الثوري يقول سمعت منصورا يقول سمعت إبراهيم يقول وذكر عنده البخل فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق (1) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي داء أدوى من البخل
254

وأما الكذب فقد مضى في الباب قبل هذا ما يجوز منه وما أتت فيه الرخصة من ذلك وقد جاءت في الكذب أحاديث مشددة أحسنها إسنادا ما حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال أبو داود وحدثنا مسدد قال حدثنا عبد الله بن داود قالا حدثنا الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا وعليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا (1) قال أبو عمر هذا يشهد لقولي في أول هذا الباب عند قوله لا يكون المؤمن كذابا أي المؤمن لا يغلب عليه قول الزور فيستحلي الكذب ويتحراه ويقصده حتى تكون تلك عادته فلا يكاد يكون كلامه إلا كذبا كله ليست هذه صفة المؤمن وأما قول الله عز وجل * (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) * 2 فذلك (3) عندي والله أعلم الكذب على الله أو على رسوله
255

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى يعني القطان قالا جميعا حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له (1) حدثنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب قال أخبرني محمد بن مسلم عن أيوب السختياني عن ابن سيرين عن عائشة قالت ما كان شيء أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب وكان إذا جرب من رجل كذبة لم تخرج له من نفسه حتى يحدث توبة وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة رجل في كذبة كذبها قال شريك لا أدري أكذب على الله أو رسوله أو في أحاديث الناس
256

مالك عن صيفي حديث واحد وهو صيفي بن زياد يكنى أبا زياد مولى ابن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري رحمه الله وقيل صيفي هذا يكنى أبا سعيد يقال فيه مولى ابن أفلح ويقال مولى أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري ويقال مولى الأنصار ويقال مولى أبي السائب ومولى ابن السائب والصواب قول من قال مولى ابن أفلح كنيته أبو زياد وهو رجل من أهل المدينة روى عنه مالك وابن عجلان وسعيد المقبري (وسعيد بن أبي هلال وابن أبي ذئب) (1) وسعيد بن أبي هند ولا أعلم له رواية إلا عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة (2) مالك عن صيفي مولى ابن أفلح عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال دخلت على أبي سعيد الخدري فوجدته يصلي فجلست أنتظره (3) حتى قضى صلاته فسمعت
257

تحريكا تحت سريره في بيته (1) فإذا حية فقمت لأقتلها فأشار إلي أبو سعيد أن اجلس فلما انصرفت (2) أشار إلى بيت في الدار فقال (3) أترى هذا البيت قلت (4) نعم قال إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس فخرج مع (5) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فبينا هو به إذ أتاه (6) الفتى يستأذنه فقال يا رسول الله ائذن لي حتى أحدث بأهلي عهدا (7) فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة فانطلق الفتى إلى أهله فوجد امرأته قائمة بين البابين فأهوى إليها بالرمح ليطعنها وأدركته غيرة فقالت لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه فركز فيها رمحه ثم خرج (بها) (8) فنصبه في الدار فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى ميتا فما يدرى
258

أيهما كان اسرع موتا الفتى أم الحية فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم (1) شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان (2) هكذا قال مالك في هذا الحديث عن صيفي مولى ابن أفلح وذكره الحميدي عن ابن عيينة عن ابن عجلان عن صيفي مولى أبي السائب عن رجل قال أتيت أبا سعيد الخدري أعوده فسمعت (3) تحريكا تحت سريره فنظرت فإذا حية فأردت أن أقتلها وذكر الحديث نحو حديث مالك إلا أنه قد غلط في قوله فيه مولى أبي السائب ولم يقم (4) إسناده وقال فيه عن رجل وإنما هو صيفي عن أبي السائب ورواه يحيى القطان عن ابن عجلان عن صيفي عن ابن السائب عن أبي سعيد الخدري مختصرا حدثناه عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا يحيى عن ابن عجلان قال حدثني صيفي عن أبي السائب عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بالمدينة
259

نفرا من الجن أسلموا فمن رأى شيئا من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثا فإن بدا له بعد فليقتله فإنما هو شيطان وحدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن ابن عجلان فذكره بإسناده سواء حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي حدثنا أبو صالح قال حدثنا الليث قال حدثني محمد بن عجلان عن صيفي أبي سعيد مولى الأنصار عن أبي السائب أنه قال أتينا أبا سعيد الخدري فبينا أنا عنده جالس سمعت تحت سريره تحرك شيء فنظرت فإذا حية
فقمت فقال أبو سعيد مالك فقلت حية ههنا قال فتريد ماذا قال أريد قتلها قال فأشار إلى بيت في داره تلقاء بيته وقال ابن عم له كان في هذا البيت فلما كان يوم الأحزاب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله وكان حديث عهد بعرس فأذن له وأمره أن يذهب بسلاحه معه فأتى داره فوجد امرأته قائمة على باب البيت فأشار إليها بالرمح قالت لا تعجل حتى تنظر ما أخرجني فدخل البيت فإذا حية منكرة فقطعها بالرمح ثم خرج بها في الرمح ترتكض فلا أدري أيهما كان أسرع موتا الرجل أو الحية فأتى قومه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ادع الله أن يرد صاحبنا فقال استغفروا لصاحبكم ثم قال إن نفرا من الجن
260

بالمدينة أسلموا فإذا رأيتم أحدا منهم فحذروه ثلاثة أيام ثم إن بدا لكم أن تقتلوه فاقتلوه (1) قال أبو عمر رواية الليث لهذا الحديث عن ابن عجلان كرواية مالك في إسناده ومعناه ولا يضر اختلافهما في ولاء أبي سعيد صيفي إذ قال مالك مولى ابن أفلح وقال فيه الليث عن ابن عجلان عن صيفي مولى الأنصار وكذلك هو مولى الأنصار إلا أنه لم يحفظ لمن ولاؤه من الأنصار وقد جوده مالك في قوله مولى ابن أفلح وكذلك من قال فيه مولى أفلح لأن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري وأما قول ابن عيينة عن ابن عجلان عن صيفي مولى أبي السائب فلم يصنع شيئا ولم يقم الإسناد إذ جعله مولى أبي السائب عن رجل وإنما هو مولى ابن أفلح عن أبي السائب كذلك قال مالك عن صيفي عن أبي السائب وكذلك قال الليث ويحيى القطان عن ابن عجلان عن صيفي عن أبي السائب ومن قال في هذا الحديث عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن صيفي فقد أفرط في التصحيف والخطأ كذلك رواه علي بن حرب عن ابن عيينة عن ابن عجلان وهذا لا خفاء به عند أهل العلم بالحديث وإنما هو عن أبي سعيد صيفي ولا معنى لذكر سعيد بن أبي سعيد هنا ومن رواه أيضا عن صيفي عن أبي سعيد الخدري فليس بشيء وقد قطعه لأن صيفيا لم
261

يسمعه من أبي سعيد وإنما يرويه عن أبي السائب عن أبي سعيد الخدري وقد روي هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري من غير رواية صيفي إلا أنه مختصر نحو رواية القطان عن ابن عجلان عن صيفي حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا بكر بن عبد الرحمان قال حدثنا يحيى بن عثمان قال حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أذاكم شيء من الحيات في مساكنكم فحرجوا عليهن ثلاث مرات فإن عاد بعد ثلاث فاقتلوه فإنما هو شيطان وقد روي مثل حديث أبي سعيد الخدري هذا من حديث سهل بن سعد الساعدي حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا محمد بن غالب وزكرياء بن يحيى الناقد واللفظ لمحمد بن غالب قال حدثنا خالد بن خداش قال حدثنا حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن فتى من الأنصار كان حديث عهد بعرس وأنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فرجع من الطريق فإذا هو بامرأته قائمة في الحجرة فمد إليها (1) الرمح فقالت ادخل فانظر ما في البيت فدخل فإذا هو بحية
262

منطوية على فراشه فانتظمها برمحه وركز الرمح في الدار فانتفضت الحية وماتت ومات الرجل قال فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد نزل في المدينة جن مسلمون أو قال إن لهذه البيوت عوامر شك خالد فإذا رأيتم شيئا منها فتعوذوا فإن عاد فاقتلوه قال أبو عمر قال قوم لا يلزم أن تؤذن الحيات ولا تناشدن ولا يحرج عليهن إلا بالمدينة خاصة لهذا الحديث وما كان مثله لأنه خص المدينة بالذكر وممن قال ذلك عبد الله بن نافع الزبيري قال لا تنذر عوامر البيوت إلا بالمدينة خاصة قال وهو الذي يدل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم لقوله إن بالمدينة جنا قد أسلموا وقال آخرون المدينة وغيرها في ذلك سواء لأن من الحيات جنا وجائز أن يكن بالمدينة وغيرها وأن يسلم من شاء الله منهن قال مالك أحب إلي أن تنذر عوامر البيوت بالمدينة وغيرها ثلاثة أيام ولا تنذرن في الصحاري قال أبو عمر العلة الظاهرة في الحديث إسلام الجن والله أعلم إلا أن ذلك شيء لا يوصل إلى شيء من معرفته والأولى (1) أن تنذر عوامر البيوت كلها كما قال مالك
263

والإنذار أن يقول الذي يرى الحية في بيته أحرج (1) عليك أيتها الحية بالله واليوم الآخر أن تظهر لنا أو تؤذينا وقد روى عباد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن سعد بن أبي وقاص قال بينا أنا بعبادان إذ جاءني رسول زوجتي فقال أجب فلانة واستنكرت ذلك ثم قمت فدخلت فقالت لي إن (ههنا) (2) الحية وأشارت إليها كنت أراها بالبادية إذا خلوت ثم مكثت لا أراها حتى رأيتها الآن وهي هي أعرفها بعينها قال فخطب سعد خطبة حمد الله وأثنى عليه ثم قال إنك قد آذيتني وإني أقسم بالله لئن رأيتك بعد هذه لأقتلنك فخرجت الحية انسابت من باب البيت ثم من باب الدار فأرسل معها سعد إنسانا فقال انظر أين تذهب فتبعها حتى جاءت المسجد ثم جاءت منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم علته فرقته ثم صعدت إلى السماء حتى غابت حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا الحسين بن منصور النيسابوري قال حدثنا مالك بن سعير بن الخمس قال حدثنا ابن أبي ليلى عن ثابت البناني عن عبد الرحمان بن أبي
264

ليلى أنه ذكر عنده حيات البيوت فقال إذا رأيتم منها شيئا في مساكنكم فقولوا أنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم نوح عليه السلام وأنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان عليه السلام فإذا رأيتم منهن شيئا بعد ذلك فاقتلوه حدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثا بحر بن نصر قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجن على ثلاثة أثلاث فثلث لهم أجنحة يطيرون في الهواء وثلث حيات وكلاب وثلث يحلون ويظعنون (1) حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا حجاج قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا داود قال حدثنا أبو نضرة أن عبد الرحمان بن أبي ليلى حدثه أن رجلا من الأنصار خرج عشاء من أهله يريد مسجد قومه فاستطير فالتمس فلم يوجد فانطلقت امرأته إلى عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له فدعا بقومه فسألهم عنه فحدثوه بمثل ما حدثته امرأته فقال لهم أما سمعتم منه ذكرا بعد قالوا لا فأمرها أن
265

تتربص أربع سنين ففعلت ثم أتته فأخبرته أنها لم يذكر لها منه ذكر فدعا قومه فسألهم عن ذلك فقال ما ذكر لنا منه ذكر فأمرها أن تعتد منه فاعتدت ثم جاءته فأمرها أن
تتزوج إن (شاءت) (1) فتزوجت ثم جاء زوجها الأول بعد ذلك فقال زوجت امرأتي فقال عمر لم أفعل ودعاها عمر فقالت أنا المرأة التي أخبرتك بذهاب زوجي فأمرتني أن أتربص أربع سنين ففعلت ثم أيتك فأمرتني أن أعتد فأعددت ثم جئتك فأمرتني أن أتزوج ففعلت فقال عمر ينطلق أحدكم فيغيب عن أهله أربع سنين ليس بغاز ولا تاجر فقال له الرجل إني خرجت عشاء من أهلي أريد مسجد قومي فاستبتني الجن فكنت فيهم حتى غزاهم جن مسلمون فأصابوني في السبي فسألوني عن ديني فأخبرتهم أني مسلم فخيروني بين أن يردوني إلى قومي وبين أن أمكث معهم ويواسوني فاخترت أن يردوني إلى قومي فبعثوا معي نفرا أما الليل فرجال يحدثوني وأما النهار فأعصار ريح اتبعها حتى هبطت إليكم فقال له عمر فما كان طعامك فيهم فقال ما لم يذكر اسم الله عليه وهذا القول فخيره عمر بين المهر والمرأة حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا بكير بن الحسن بن عبد الله بن سلمة الرازي قال حدثنا أبي قال حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي الباكسالي قال حدثنا أبو أسامة عن
266

أبي سنان عن أبي منيب عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله الجن ثلاثة أثلاث فثلث كلاب وحيات وخشاش الأرض وثلث ريح هفافة وثلث كبني آدم لهم الثواب وعليهم العقاب وخلق الله الإنس ثلاثة أثلاث فثلث لهم قلوب لا يفقهون بها وأعين لا يبصرون بها وآذان لا يسمعون بها إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا وثلث أجسادهم أجساد بني آدم وقلوبهم قلوب شياطين وثلث في ظل الله يوم القيامة وروينا من وجوه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جنانا فأريت في المنام أن قائلا يقول لها قد قتلت مسلما فقالت لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال ما دخل عليك إلا عليك ثيابك فأصبحت فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلت في سبيل الله قال أبو عمر الغول وجمعها أغوال والسعلاة وجمعها السعالى (1) ضربان من الجن ونوع من شياطينهن قالوا إنها تتصور صورا كثيرة في القفار أمام الرفاق وغيرها فتطول مرة وتصغر أخرى وتقبح مرة وتحسن أخرى مرة في صورة بنات آدم وبني آدم ومرة في صورة الدواب وغير ذلك كيف شاءت قال كعب بن زهير
* فما تدوم على حال تكون بها
* كما تغول (2) في أثوابها الغول
*
267

وفي الحديث المرفوع إذا تغولت الغيلان فأذنوا بالصلاة أي إذا شبهت (1) عليكم الطريق فأذنوا وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا يزيد قال حدثنا هشام عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل وإذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان مختصرا وأما قوله في حديث عائشة قتلت جنانا فروي عن ابن عباس أنه قال الجنان مسخ الجن كما مسخت القردة من بني إسرائيل (2) وقد روي عن ابن عمر مثله وقال الخليل الجنان الحية وقال نفطويه الجنان الحيات وأنشد للخطفي جد جرير
* أعناق جنان وهاما رجفا
* 3) وقال غيره
* تبدل حال بعد حال عهدنها
* تناوح جنان بهن وخيل
*
268

قال ابن أبي ليلى الجنان الذين لا يعرضون للناس والخيل الذين يتخيلون للناس ويؤذونهم أخبرنا عبد الله حدثنا حمزة حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال حدثنا الحسن بن موسى قال حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق عن محمد قال وكان أبي بن كعب جد محمد قال كان لأبي بن كعب جرن (1) من طعام وحدثنا عبد الله حدثنا حمزة حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا أبو داود قال حدثنا معاذ بن هانئ قال حدثني حرب بن شداد قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني الحضرمي بن لاحق التميمي قال حدثني محمد بن أبي بن كعب قال كان لجدي جرن من طعام وكان يتعاهده فوجده ينقص فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة تشبه الغلام المحتلم فسلم فرد عليه السلام فقال من أنت أجن أم إنس قال بل جن قال أعطني يدك فأعطاه فإذا يد كلب وشعر كلب قال هكذا خلق الجن قال قد علمت الجن أنه ما فيهم أشد مني قال ما شأنك قال أنبئت أنك رجل تحب الصدقة (فأحببنا) (2) أن نصيب من طعامك قال ما يجير
269

منكم قال هذه الآية في سورة البقرة آية الكرسي * (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم) * 1 إذا قلتها حين تصبح أجرت منا حتى تمسي وإذا قلتها حين تمسي أجرت منا حتى تصبح فغدا أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق الخبيث ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن ابن أبي بن كعب أن أباه أخبره أنه كان لهم جرن من تمر وساق الحديث بمثل ما تقدم ولم يذكر في إسناده الحضرمي بن لاحق
270

مالك عن صدقة بن يسار حديث واحد وصدقة بن يسار هذا يعد في أهل مكة وكان من ساكنيها وأصله الجزيرة يقال صدقة بن يسار الجزري ويقال صدقة بن يسار المكي وهو ثقة مأمون سمع ابن عمر وله عنه أحاديث صالحة فهو من التابعين الثقات وقد روى عن رجل عن ابن عمر وروى عن الزهري أيضا روى عنه شعبة ومالك وابن عيينة وموسى بن عبيدة وغيرهم قال عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي قال حدثنا سفيان قال قلت لصدقة بن يسار إن أناسا يزعمون أنكم خوارج قال كنت منهم ثم إن الله عافاني (1) قال سفيان وكان من أهل الجزيرة قال عبد الله وسمعت أبي يقول صدقة بن يسار من الثقات روى عنه شعبة مالك عن صدقة بن يسار عن المغيرة بن حكيم أنه رأى عبد الله بن عمر يرجع في السجدتين في الصلاة على
271

صدور قدميه فلما انصرف ذكر له ذلك فقال إنها ليست سنة الصلاة وإنما أفعل ذلك من أجل أني أشتكي (1) المغيرة بن حكيم هذا أحد الفضلاء الجلة كان عمر بن عبد العزيز يفضله وقد عمل لعمر بن عبد العزيز أيام خلافته وهو الذي قال فيه عمر بن عبد العزيز لنافع مولى ابن عمر إذ أخرجه المح المغيرة بن حكيم وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا محمد بن عمرو العزمي (2) قال حدثنا مصعب بن مهان قال حدثنا سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال بعثني عمر بن عبد العزيز إلى اليمن فأردت أن آخذ من العسل الصدقة فقال المغيرة بن حكيم الصنعاني ليس فيه شيء فكتبت إلى عمر بن عبد العزيز فقال المغيرة عدل رضي لا تأخذ من العسل شيئا وفي هذا الحديث من الفقه أن الرجوع بين السجدتين في الصلاة على صدور القدمين خطأ ليس بسنة وفيه أن من عجز عن الإتيان بما يجب في الصلاة لعلة منعته من ذلك أن عليه أن يأتي بما يقدر لا شيء عليه غير ذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها والفرائض تسقط لعدم القدرة عليها فكيف السنن والأمر في هذا واضح يغني عن الإكثار فيه
272

واختلف العلماء في هذه المسألة أعني الانصراف على صدور القدمين في الصلاة بين السجدتين فكره ذلك منهم جماعة ورأوه من الفعل (1) المكروه المنهي عنه ورخص فيه آخرون ولم يروه من الإقعاء بل جعلوه سنة ونحن نذكر الوجهين جميعا والقائلين بهما ونذكر ما للعلماء في تفسير الإقعاء ههنا وبالله التوفيق فأما مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم فإنهم يكرهون الإقعاء في الصلاة وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو عبيد وقال أبو عبيد قال أبو عبيدة الإقعاء جلوس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع قال أبو عبيد وأما تفسير أصحاب الحديث فإنهم يجعلون الإقعاء أن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا عبد الله بن محمد الأذمري قال حدثنا محمد بن الحسن الهمذاني قال حدثنا عباد المنقري عن علي بن زيد بن جعدان عن سعيد بن المسيب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بني وإذا سجدت فأمكن كفيك وجبهتك من الأرض ولا
273

تنقر نقر الديك ولا تقع إقعاء الكلب ولا تلتفت التفات الثعلب يقال أقعى الكلب ولا يقال قعد ولا جلس وقعوده إقعاؤه ويقال إنه ليس شيء يكون إذا قام أقصر منه إذا قعد إلا الكلب إذا أقعى أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا هارون بن سفيان قال حدثنا يحيى بن إسحاق قال حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقعاء والتورك وعن أبي هريرة أنه قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقعي في صلاتي إقعاء الكلب وعن أبي إسحاق عن الحرث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقعين على عقبيك في الصلاة وصح عن أبي هريرة أنه كره الإقعاء في الصلاة وعن قتادة مثله وقال آخرون لا بأس بالإقعاء في الصلاة وروينا عن ابن عباس أنه قال من السنة أن تمس عقبيك أليتيك وقال طاوس رأيت العبادلة يفعلونه ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وكذلك روى الأعمش عن عطية العوفي قال رأيت العبادلة يقعون في الصلاة عبد الله بن
274

عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وفعل ذلك سالم بن عبد الله ونافع مولى ابن عمر وطاوس وعطاء ومجاهد وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه رأى ابن عمر وابن الزبير وابن عباس يقعون بين السجدتين (1) قال أبو عمر لا أدري كيف هذا الإقعاء وأما عبد الله بن عمر فقد صح عنه أنه لم يكن يقعي إلا من أجل أنه كان يشتكي على ما في حديثنا المذكور في هذا الباب وقال أنها ليست سنة الصلاة وحسبك بهذا ولهذه اللفظة أدخلنا حديثه هذا في هذا الكتاب وقد جاء عنه أنه قال إن رجلي لا تحملاني ويمكن أن يكون الإقعاء من ابن الزبير كان أيضا لعذر وقد ذكر حبيب بن أبي ثابت أن ابن عمر كان يقعي بعد ما كبر وهذا يدل على أن ذلك كان منه لعذر ويمكن أن يكون ذلك من أجل أن اليهود كانوا قد فدعوا (2) يديه ورجليه بخيبر فلم تعد كما كانت والله أعلم
275

وأما ابن عباس وأصحابه فالإقعاء عندهم سنة وذلك ثابت عنهم أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يحيى بن معي قال حدثنا الحجاج بن محمد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوسا يقول قلنا لابن عباس الإقعاء على القدمين في السجود قال هي السنة قال قلنا إنا لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس هو سنة نبيك صلى الله عليه وسلم وذكره عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاوسا يقول قلت لابن عباس في الإقعاء فذكره إلى آخره سواء (1) وعبد الرزاق عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال سمعت ابن عباس يقول من السنة أن تمس عقبيك أليتيك قال طاوس ورأيت العبادلة يقعون ابن عمر وابن عباس وابن الزبير (2) وعن عمر بن حوشب قال أخبرني عكرمة أنه سمع ابن عباس يقول الإقعاء في الصلاة السنة
276

قال أبو عمر من حمل الإقعاء على ما قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى خرج من الاختلاف وهو أولى ما حمل عليه الحديث من المعنى والله أعلم لأنهم لم يختلفوا أن الذي فسر عليه أبو عبيدة الإقعاء لا يجوز لأحد مثله في الصلاة من غير عذر وفي قول ابن عمر في حديثه المذكور في هذا الباب إنما أفعل ذلك من أجل أني أشتكي وأخبر أن ذلك ليس من سنة الصلاة دليل على أنه كان يكره ذلك لو لم يشتك ومعلوم أن ما كان عنده من سنة الصلاة لا يجوز خلافه عنده لغير عذر فكذلك ما لم يكن من سنة الصلاة لا يجوز عمله فيها من غير عذر فدل على أن ابن عمر كان ممن يكره الإقعاء فهو معدود فيمن كرهه كما روي عن علي وأبي هريرة وأنس إلا أن الإقعاء عن هؤلاء غير مفسر وهو مفسر عن ابن عمر أنه الانصراف على العقبين وصدور القدمين بين السجدتين وهذا هو الذي يستحسنه ابن عباس ويقول إنه سنة فصار ابن عمر مخالفا لابن عباس في ذلك وأما النظر في هذا الباب فيوجب ألا تفسد صلاة من فعل ذلك لأن إفسادها يوجب إعادتها وإيجاب إعادتها إيجاب فرض والفروض لا تثبت إلا بما لا معارض له من أصل أو نظير أصل ومن جهة النظر أيضا قول ابن عباس إن كذا وكذا سنة إثبات وقول ابن عمر ليس بسنة نفي وقول المثبت
277

في هذا الباب وما كان مثله أولى من النافي لأنه قد علم ما جهله النافي وعلى أن الإقعاء قد فسره أهل اللغة على غير المعنى الذي تنازع فيه هؤلاء وهذا كله يشهد لقول ابن عباس وقد مضى القول في نوع من أنواع الجلوس في الصلاة في باب مسلم بن أبي مريم وسيأتي تمام القول في كيفية الجلوس في الصلاة وبين السجدتين وما للعلماء في ذلك في باب عبد الرحمان بن القاسم من كتابنا هذا إن شاء الله عز وجل
278

((مالك عن صالح بن كيسان حديثان))
وصالح بن كيسان هذا يكنى أبا محمد وقيل يكنى أبا الحرث واختلف في نسبه وولائه فقيل هو من خزاعة وقيل هو مولى لنبي عامر أو بني غفار وقيل مولى (لأصبح) (1) وقيل مولى لدوس ووقال الواقدي حدثني عبد الله بن جعفر قال دخلت على صالح بن كيسان وهو يوصي فقال أشهد أن ولائي لامرأة مولاة لآل معيقيب الدوسي فقال له سعيد بن عبد الله بن هرمز ينبغي أن تكتبه فقال إني لأشهدك أنت شكاك وكان سعيد صاحب وضوء وشك فيه قال أبو عمر كان صالح بن كيسان هذا من أهل العلم والحفظ والفهم وكان كثير الحديث ثقة حجة فيما نقل كان مع عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة ثم بعث إليه الوليد بن عبد الملك فضمه إلى ابنه عبد العزيز
279

ابن الوليد وكان مسنا أدرك عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وسمع منهما ثم روى عن نافع وعن ابن شهاب كثيرا قال يحيى بن معين صالح بن كيسان أكبر من الزهري قال وقد سمع من ابن عمر وابن الزبير وقال البخاري أخبرنا إبراهيم بن موسى حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمان بن إسحاق عن صالح بن كيسان سمع ابن عمر في الصرف وقال ابن عيينة عن عمرو بن دينار كان صالح بن كيسان من رجالنا عند الحسن بن محمد يعني بالمدينة وروى معمر وعمرو بن دينار عن صالح بن كيسان قال اجتمعت أنا والزهري ونحن نطلب العلم فقلنا نكتب السنن فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال الزهري نكتب ما جاء عن أصحابه فإنه سنة قال قلت أنا ليس بسنة فلا نكتبه قال فكتب ولم أكتب فأنجح وضيعت وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبيه قال كنت أخرج مع صالح بن كيسان إلى الحج والعمرة
280

فكان ربما ختم القرآن مرتين في ليلة بين شعبتي رحله وصالح بن كيسان هو القائل إن الله عز وجل جواد إذا أشار بشيء من الخير إلى أحد أتمه ولم ينقص منه شيئا في كلام قاله لصديقه عكرمة بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام وكان صديقا له يشاوره في شيء واختلف في وقت وفاته فقيل كانت وفاته بالمدينة سنة أربعين ومائة وقال الواقدي مات صالح بن كيسان بعد سنة أربعين ومائة قبل مخرج محمد بن عبد الله بن حسن
281

حديث أول لصالح بن كيسان مسند مالك عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن زيد بن خالد الجهني أنه قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال أتدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال أصبح من عبادي مؤمن (بي) وكافر بي (1) فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته (2) فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب (3) وهذا الحديث رواه ابن شهاب عن عبيد الله عن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقمه كإقامة صالح بن كيسان ولم يسقه كسياقته قال فيه قال الله ما أنعمت على
283

عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون الكوكب وبالكوكب هكذا حدث به يونس بن يزيد وغيره عن ابن شهاب وفي لفظ هذا الحديث ما يدل على أن الكفر ههنا كفر النعم لا كفر بالله وروى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن صالح بن كيسان بإسناده وقال فيه ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة قال ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا وبنوء كذا فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذلك الذي آمن بي وكفر بالكوكب ومن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك الذي كفر بي وآمن بالكوكب (1) وروى سفيان بن عيينة أيضا عن إسماعيل بن أمية أن النبي عليه السلام سمع رجلا في بعض أسفاره يقول مطرنا ببعض عثانين الأسد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب بل هو سقيا الله عز وجل قال سفيان عثانين الأسد الذراع والجبهة
284

وقال الشافعي لا أحب لأحد أن يقول مطرنا بنوء كذا وإن كان النوء عندنا الوقت والوقت مخلوق لا يضر ولا ينفع ولا يمطر ولا يحبس شيئا من المطر والذي أحب أن يقول مطرنا وقت كذا كما يقول مطرنا شهر كذا ومن قال مطرنا بنوء كذا وهو يريد أن النوء أنزل الماء كما كان بعض أهل الشرك من أهل الجاهلية يقول فهو كافر حلال دمه إن لم يتب هذا من قوله أما قوله في هذا الحديث على إثر سماء كانت من الليل فإنه أراد (سحابا) (1) حيث نزل من الليل والعرب تسمي السحاب والماء النازل منه سماء قال الشاعر وهو أحد (2) فصحاء العرب
* إذا نزل (3) السماء بأرض قوم
* رعيناه وإن كانوا غضابا
* يعني إذا نزل الماء بأرض قوم ألا ترى أنه قال رعيناه يعني الكلأ النابت من الماء ولو أراد السماء لأنث لأنها مؤنثة فقال رعيناها وقوله رعيناه يعني الكلأ النابت من الماء فاستغنى بذكر الضمير إذ الكلام يدل عليه وهذا من فصيح كلام العرب ومثله في القرآن كثير
285

وأما قوله حاكيا عن الله عز وجل أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فمعناه عندي على وجهين أما أحدهما فإن المعتقد أن النوء هو الموجب لنزول الماء وهو المنشئ للسحاب دون الله عز وجل فذلك كافر كفرا صريحا يجب استتابته عليه وقتله لنبذه الإسلام ورده القرآن والوجه الآخر أن يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء وأنه سبب الماء على ما قدره الله وسبق في علمه فهذا وإن كان وجها مباحا فإن فيه أيضا كفرا بنعمة الله عز وجل وجهلا بلطيف حكمته لأنه ينزل الماء متى شاء مرة بنوء كذا ومرة دون النوء وكثيرا (1) ما يخوى النوء فلا ينزل معه شيء من الماء وذلك من الله لا من النوء وكذلك كان أبو هريرة يقول إذا أصبح وقد مطر مطرنا بنوء الفتح ثم يتلو ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها (2) وهذا عندي نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مطرنا بفضل الله وبرحمته ومن هذا قول عمر بن الخطاب للعباس بن عبد المطلب حين استسقى به يا عم رسول الله كم بقي من نوء الثريا فقال العباس العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعا فكأن عمر رحمه الله قد علم أن نوء الثريا وقت يرجى فيه المطر ويؤمل فسأله عنه أخرج أم بقيت منه بقية
286

وروي عن الحسن البصري أنه سمع رجلا يقول طلع سهيل وبرد الليل فكره ذلك وقال إن سهيلا لم يأت قط بحر ولا برد وكره مالك بن أنس أن يقول الرجل للغيم والسحابة ما أخلقها للمطر وهذا من قول مالك مع روايته إذا أنشأت (بحرية) (1) تدل على أن القوم احتاطوا فمنعوا الناس من الكلام بما فيه أدنى متعلق من زمن الجاهلية في قولهم مطرنا بنوء كذا وكذا على ما فسرناه والله أعلم وسيأتي القول في معنى قوله إذا أنشأت بحرية في موضعه إن شاء الله والنوء في كلام العرب واحد أنواء النجوم يقال ناء النجم ينوء أي نهض ينهض للطلوع وقد يكون أن يميل للمغيب ومما قيل ناوأت فلانا بالعداوة أي ناهضته ومنه قولهم الحمل ينوء بالدابة أي يميل بها وكل ناهض بثقل وإبطاء (2) فقد ناء والأنواء على الحقيقة النجوم التي هي منازل القمر وهي ثمان وعشرون منزلة يبدو لعين الناظر منها أربعة عشر منزلا ويخفى أربعة عشر فكلما غاب منها منزل بالمغرب طلع رقيبه من المشرق فليس يعدم منها أبدا أربعة عشر للناظرين في السماء وإذا لم ينزل مع النوء ماء قيل خوى النجم وأخوى وخوى النوء وأخلف وأما العرب
287

فكانت تضيف المطر إلى النوء وهذا عندهم معروف مشهور في أخبارهم وأشعارهم فلما جاء الإسلام نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأدبهم وعرفهم ما يقولون عند نزول الماء وذلك أن يقولوا مطرنا بفضل الله ورحمته ونحو هذا من الإيمان والتسليم لما نطق به القرآن وأما أشعار العرب في إضافتها نزول الماء إلى الأنواء فقال الطرماح
* محاهن صيب نؤ الربيع
* من نجم العزل والرامحة
* فسمى مطر السماك ربيعا وغيره يجعله صيفا وإنما جعله الرماح ربيعا لقربه من آخر الشتاء ومن أمطاره وإذا كان المطر بأول نجم من (1) أنواء الصيف جاز أن يجعلوه ربيعا ويقال للسماك الرامح وذو السلاح وهو رقيب الدلو إذا سقط الدلو طلع السماك والسماك والدلو والعواء من أنجم الخريف قال عدي بن زيد
* في خريف سقاه نوء من الدلو
* تدلي ولم يواز العراقا
* والعرب تسمي الخريف ربيعا لاتصاله بالشتاء وتسمي الربيع المعروف عند الناس بالربيع صيفا وتسمي الصيف قيظا وتذهب في ذلك كله غير مذاهب الروم فأول الأزمنة عندها
288

الخريف وليس هذا موضع ذكر معانيها ومعاني الروم في ذلك وكان أبو عبيدة يروي بيت زهير
* وغيث من الوسمى حو (1) تلاعه
* وجادته من نوء السماك هواطله
* وقال آخر
* ولا زال نوء الدلو يسكب ودقه
* بكن ومن نوء السماك غمام
* وقال الأسود بن يعفر النهشلي
* بيض مسامح في الشتاء وإن أخلف
* نجم عن نوئه وبلوا
* وقال الراجز
* بشر بني عجل بنوء العقرب
* إذ أخلفت أنواء كل كوكب
* يدلك أن أنواء النجوم أخلفت كلها فلم تمطر فأتاهم المطر في آخر الربيع بنوء العقرب وهم عندهم غير محمود لأنه (ودق) (3) دنئ وقال رؤبة
* وجف أنواء السحاب المرتزق
*
289

أي جف البقل الذي كان بالأنواء أقام ذكر الأنواء مقام ذكر البقل استغناء بأن المراد معلوم وهذا نحو قول القائل الذي قدمنا ذكر قوله إذا نزل السماء بأرض قوم وهو يريد الماء النازل من السماء وأشعار العرب بذكر الأنواء كثيرة جدا والعرب تعرف من أمر الأنواء وسائر نجوم السماء ما لا يعرفه غيرها لكثرة ارتقابها لها ونظرها إليها لحاجتها إلى الغيث وفرارها من الجدب فصارت لذلك تعرف النجوم الجواري والنجوم الثوابت وما يسير منها مجتمعا وما يسير فاردا وما يكون منها راجعا ومستقيما لأن من كان في الصحاري والصحاح الملساء (1) حيث لا أمارة ولا هادي طلب المنائر (2) في الرمل والأرض وعرف الأنواء ونجوم الاهتداء وسئلت أعرابية فقيل لها أتعرفين النجوم فقالت سبحان الله أما أعرف أشباحا وقوفا علي في كل ليلة وسمع بعض أهل الحضر أعرابيا وهو يتفنن في وصف نجوم ساعات الليل ونجوم الأنواء فقال لمن حضره أما ترى هذا الأعرابي يعرف من النجوم ما لا يعرف فقال ويل أمك من لا يعرف أجداع بيته ومن هذا الباب قول ابن عباس في المرأة التي جعل زوجها أمرها
بيدها فطلقت نفسها خطأ الله نوءها أي أخلى
290

الله نوءها من المطر والمعنى حرمها الله الخير كما حرم من لم يمطر وقت المطر وقال ابن عباس في قول الله عز وجل * (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) * 1 هو الاستمطار بالأنواء حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن خمير وسعيد بن عثمان قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا النضر بن محمد قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثنا أبو زميل قال حدثني ابن عباس قال مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أصبح من الناس شاكر وكافر قال بعضهم هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا قال نزلت هذه الآية * (فلا أقسم بمواقع النجوم) * 2 حتى بلغ * (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) * قال أبو عمر الرزق في هذه الآية بمعنى الشكر كأنه قال وتجعلون شكركم لله على ما رزقكم من المال أن تنسبوا ذلك الرزق إلى الكوكب وقال ابن قتيبة ومن هذا والله أعلم قال رؤية وجف أنواء السحاب المرتزق وأما قوله صلى الله عليه وسلم في
291

حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عتاب بن حنين عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لو أمسك الله القطر عن عباده خمس سنين ثم أرسله أصبحت طائفة من الناس كافرين يقولون سقينا بنوء المجدح (1) فمعناه كمعنى ما مضى من الحديث في هذا الباب وأما المجدح فإن الخليل زعم أنه نجم (2) كانت العرب تزعم أنها تمطر به قال ويقال أرسل السماء مجاديح الغيث قال ويقال مجدح ومجدح بالكسر والضم أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا أحمد بن الحسن قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا يحيى بن زكرياء عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث لن يزلن في أمتي التفاخر في (3) الأحساب والنياحة والأنواء (4)
292

حديث ثان لصالح بن كيسان مسند مالك عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) (1) أنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر (2) هذا حديث صحيح الإسناد عند جماعة أهل النقل لا يختلف أهل الحديث في صحة إسناده وكل من رواه قال فيه عن عائشة فرضت الصلاة لا يقول فرض الله ولا فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما حدث به أبو إسحاق الحربي قال حدثنا أحمد بن الحجاج قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا ابن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ركعتين فذكر الحديث
293

هكذا قال فرض رسول الله وعنه نقول فرضت إلا أن الأوزاعي قال فيه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة ولم يروه مالك عن ابن شهاب ولا عن هشام إلا أن شيخا يسمى يحيى بن محمد بن عباد بن هانئ رواه عن مالك وابن أخي الزهري جميعا عن الزهري عن عروة عن عائشة أن الصلاة أول ما فرضت ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر وهذا لا يصح عن مالك والصحيح في إسناده عن مالك في الموطأ وطرقه عن عائشة متواترة وهو عنها صحيح ليس في إسناده مقال إلا أن أهل العلم اختلفوا في معنى هذا الحديث فذهب منهم جماعة إلى ظاهره وعمومه وما يوجبه لفظه فأوجبوا القصر في السفر فرضا وقالوا لا يجوز لأحد أن يصلي في السفر إلا ركعتين ركعتين كل صلاة أربع قال أبو عمر فأما المغرب والصبح فلا خلاف بين العلماء أنهما كذلك فرضتا وأنهما لا قصر فيهما في السفر ولا غيره وهذا يدلك على أن قول عائشة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين قول ظاهره العموم والمراد به الخصوص ألا ترى أن صلاة المغرب غير داخلة في قولها فرضت الصلاة ركعتين ركعتين وكذلك الصبح غير داخلة في قولها فزيد في صلاة الحضر لأنه معلوم أن الصبح لم يزد فيها ولم ينقص منها وأنها في السفر والحضر سواء فحجة من ذهب إلى إيجاب القصر في السفر
294

فرضا قول عائشة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر وهذا واضح في أن الركعتين في السفر للمسافر فرض لا يجوز خلافه لأن الفرض الواجب لا يجوز خلافه ولا الزيادة عليه ألا ترى أن المصلي في الحضر لا يجوز له أن يصلي الظهر ستا ولا العصر ولا العشاء ولا يجوز له أن يصلي المغرب أربعا ولا الصبح أربعا لأنه لو فعل ذلك كان زائدا في فرضه عامدا لما يفسده وهذا كله إجماع لا خلاف فيه للحضري أنه لا يجوز له ذلك قالوا فكذلك المسافر لا يجوز له أن يصلي في السفر أربعا لأن فرضه في السفر ركعتان على ما ذكرت عائشة وممن ذهب إلى هذا عمر بن عبد العزيز إن صح عنه وحماد بن أبي سليمان وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقول بعض أصحاب مالك وقد روي عن مالك أيضا وهو المشهور عنه أنه قال من أتم في السفر أعاد في الوقت ومن حجة من ذهب إلى إيجاب القصر فرضا في السفر حديث عمر بن الخطاب قال صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وهو حديث رواه عبد الرحمان بن أبي ليلى عن عمر وقال ابن معين وعلي بن المديني لم يسمعه من عمر ورجاله ثقات
295

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن زبير عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن عمر قال سفيان قال زبيد مرة عن عمر قال صلاة المسافر ركعتان تمام غير قصر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر روى هذا الحديث يزيد بن هارون عن الثوري عن زبيد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال سمعت عمر فخطئوه فيه لقوله سمعت عمر وقد رواه محمد بن طلحة قال حدثنا زبيد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال خطبنا عمر فقال ألا إن صلاة يوم الفطر وصلاة يوم النحر وصلاة يوم الجمعة وصلاة السفر ركعتان ركعتان تمام غير قصر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فوهم أيضا فيه ورواه يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زبيد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله فزاد كعب بن عجرة أدخله بين عبد الرحمان بن أبي ليلى وابن عمر وليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد ومن أهل الحديث من يعلله ويضعفه ومنهم من يصحح إسناد يزيد بن أبي الجعد هذا فيه قال علي بن المديني هو أسندها وأحسنها وأصحها واحتجوا أيضا بما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد
296

وحدثنا عبد الوارث أيضا قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا موسى بن داود قالا حدثنا أبو عوانة عن بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس قال فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وهذا أيضا حديث انفرد به بكير بن الأخنس وليس بحجة فيما انفرد به (1) واحتجوا أيضا بأن قالوا وأما قول الله عز وجل * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * 2 فغير جائز لمن جعل الطواف بين الصفا والمروة من أركان الحج مع قول الله عز وجل * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * 3 أن يحتج بهذه الآية في إباحة القصر في السفر وقالوا إنما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان بين الظهر والعصر في صلاة الخوف وذكروا في ذلك حديثا رواه مجاهد عن أبي عياش الزرقي عن النبي عليه السلام
297

وقالوا ذلك يدل على أن القصر إنما هو قصر المأموم خلف إمامه يصلي معه بعضها بشرط الخوف ولا يقوم معه وإذا كان ذلك كذلك كان حديث عائشة في معنى غير معنى الآية قد أفاد حكما زائدا واحتجوا أيضا بأن جابرا وابن عمر قالا ليس الركعتين في السفر بقصر وأن ابن عباس قال من صلى في السفر أربعا كمن صلى في الحضر ركعتين فهذه جملة ما نزع به الذين ذهبوا إلى أن القصر في السفر فرض على ظاهر حديث عائشة وقال آخرون القصر في السفر سنة مسنونة ورخصة وتوسعة فمن شاء قصر في السفر ومن شاء أتم كما أن المسافر مخير إن شاء صام وإن شاء أفطر وحجتهم قول الله عز وجل * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * قالوا فالقرآن يدل على أن القصر ليس بحتم لأن الحتم لا يقال فيه ليس عليكم جناح أن تفعلوه قالوا كل ما قيل فيه لا جناح فإنما هو رخصة لا حتم مثل قوله عز وجل * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * 1 * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء) * 2 * (فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن) * 3
298

وما كان مثل هذا وكذلك قوله عز وجل في الصفا والمروة * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * 1 نزلت في إباحة ما كان عندهم محظورا لأن العرب كانت تتحرج من العمرة في أشهر الحج وتتحرج من فعل ما كانت تفعله في جاهليتها وقد بينا معنى هذه الآية في مواضع من كتابنا هذا والحمد لله قالوا وإن كان شرط الخوف مذكورا في الآية فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المبين عن الله مراده قد بين بسنته أن المسافر يقصر الصلاة في الخوف وفي غير الخوف لأنه كان يقصر وهو آمن لا يخاف إلا الله فكان القصر في السفر مع الأمن زيادة بيان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم ينزل به وحي يتلى ومثله كثير في الشرع واحتجوا من الأثر بما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال حدثني عبد الرحمان بن عبد الله بن أبي عامر عن عبد الله بن باببه عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب أرأيت إقصار الناس الصلاة اليوم وإنما قال الله عز وجل * (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * فقد ذهب ذلك اليوم فقال عجبت مما عجبت
299

منه فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته (1) هكذا قال يحيى القطان عن ابن جريج حدثني عبد الرحمان بن عبد الله بن أبي عمار وقال عبد الرزاق ومحمد بن بكر البرساني وأبو عاصم وحماد بن مسعدة عن ابن جريج قال سمعت عبد الله بن أبي عمار وقال الفزاري عن ابن جريج عن ابن أبي عمار قالوا ففي قوله صلى الله عليه وسلم إن القصر في السفر مع الأمن صدقة تصدق الله بها عليكم دليل على أن ذلك توسعة ورخصة ورحمة وليس بواجب وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال أما قوله * (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * فإنما ذلك إذا خافوا الذين كفروا وسن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركعتين وليستا بقصر ولكنهما وفاء (2) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال أنبئت
300

أن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج ما بين مكة والمدينة لا يخاف إلا الله يقصر الصلاة (1) ومما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر وهو آمن غير خائف قصره الصلاة في حجته حجة الوداع وهو يومئذ قد أمن وهذا ما لا يجهله أحد من أهل العلم حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب وعارم بن الفضل قالا حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين (3) زاد عارم وبينهما ستة أميال قال أنس وسمعتهم يصرخون بهما جميعا الحج والعمرة وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة سمعا أنس بن مالك يحدث قال صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا وصلينا العصر بذي الحليفة ركعتين (3) فاستدلوا
301

بهذه الآثار على أن القصر في السفر سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بفريضة واحتجوا أيضا بما حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم قال حدثنا عبد الله بن روح حدثنا عثمان بن عمر قال أخبرنا مالك بن مغول عن أبي حنظلة الحذاء قال قلت لابن عمر أصلي في السفر ركعتين والله يقول إن خفتم ونحن نجد الزاد والمزاد فقال كذلك سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا ابن عمر قد صرح بأن القصر سنة من رسول الله لا فريضة من الله ولا من رسوله ولو فرضها رسول الله لقال ابن عمر فرضها كما قال في زكاة الفطر وقد مضى في هذا المعنى ما فيه كفاية في باب ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد من كتابنا هذا (1) وقد جاء في هذا الباب عن ابن عباس نحو ما جاء عن ابن عمر ذكر عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال سأل حميد الضمري ابن عباس فقال إني أسافر أفأقصر الصلاة في السفر أم أتمها فقال ابن عباس ليس بقصرها ولكنه تمامها وسنة النبي صلى الله عليه وسلم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنا لا يخاف إلا الله فصلى اثنتين حتى رجع ثم خرج أبو بكر آمنا (2) لا يخاف إلا الله فصلى ركعتين حتى
302

رجع ثم خرج عمر آمنا لا يخاف إلا الله فصلى اثنتين حتى رجع ثم فعل ذلك عثمان ثلثي إمارته أو شطرها ثم صلاها أربعا ثم أخذ بها بنو أمية قال ابن جريج وبلغني إنما أوفاها عثمان أربعا بمنى من أجل أن أعرابيا ناداه في مسجد الخيف بمنى فقال يا أمير المؤمنين ما زلت أصليها ركعتين مذ رأيتك عام أول (1) صليتها ركعتين فخشي عثمان أن يظن جهال الناس أن الصلاة ركعتان وإنما كان أوفاها بمنى فقط (2) قال أبو عمر قد اختلف في المعنى الذي من أجله أتم عثمان الصلاة في سفره إلى مكة وبمكة فقال قوم أخذ بالمباح في ذلك إذ للمسافر أن يقصر وأن يتم كما كان له له أن يصوم وأن يفطر ومن ذهب إلى هذا المذهب احتج بما قدمنا ذكره من ظاهر الكتاب والسنة وبما حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتم في السفر ويقصر (3)
303

وأخبرنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي اسامة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا طلحة بن عمرو عن عطاء عن عائشة قالت كل قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صام وأفطر وأتم وقصر في السفر حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا مسلمة بن قاسم حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الأصبهاني حدثنا يونس بن حبيب حدثنا سليمان بن داود الطيالسي حدثنا حبيب بن يزيد الأنماطي حدثنا عمرو بن هرم عن جابر بن زيد قال قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين يعني الفرائض فلما قدم المدينة وفرضت عليه الصلاة أربعا وثلاثا صلى وترك الركعتين اللتين كان يصليهما بمكة تماما للمسافر فهذه عائشة قد اضطربت الآثار عنها في هذا الباب وإتمامها في السفر يقضي بصحة ما وافق معناه منها وروى زيد العمي (1) عن أنس قال كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نسافر فيتم بعضنا ويقصر بعضنا ويصوم بعضنا ويفطر بعضنا ولا يعيب أحد على أحد وقال آخرون إن عثمان إنما أتم في السفر لأنه كان له في تلك المناهل أهل ومال وهذا موجود في حديث رواه
304

عكرمة بن إبراهيم الأزدي المرطي عن عبد الله بن الحرث بن أبي ذباب عن أبيه عن عثمان بن عفان أنه صلى بأهل منى أربع ركعات فلما سلم أقبل على الناس فقال إني تأهلت بمكة وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تأهل في بلدة فهو من أهلها فليصل أربعا (1) فلذلك صليت أربعا ذكره الطحاوي عن يحيى بن عثمان بن صالح عن عمرو بن الربيع بن طارق الهلالي وعن إسماعيل بن حمدويه عن الحميدي عن عبد الله بن عبد الرحمان مولى بني هاشم قالا جميعا أخبرنا عكرمة بن إبراهيم بإسناده كما ذكرناه (2) والحرث بن أبي ذباب قد عمل لعمر بن الخطاب على الصدقة وقال آخرون إتمامه إنما كان على نحو إتمام عائشة وقد ذكرنا الوجوه التي تؤولت على عائشة في إتمامها في باب ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ومع عثمان صدرا من خلافته ثم صلاها أربعا
305

قال ابن شهاب فبلغني أن عثمان أيضا صلاها أربعا لأنه أزمع أن يقيم بعد الحج قال أبو عمر هذا وجه صحيح مجتمع عليه فيمن نوى الإقامة أنه يلزمه الإتمام وقال وهيب عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر صلوا بمنى ركعتين وعثمان شطر أمارته ثم أتمها عثمان (أربعا بمنى) (1) قال لأنه اتخذ أموالا بالطائف فأجمع المقام فأتم الصلاة أما قوله بالطائف فليس بشيء لأنه بلد آخر وقال معمر عن قتادة إن عثمان لما صلى أربعا بلغ ذلك ابن مسعود فاسترجع ثم قام أربعا فقيل له استرجعت ثم صليت أربعا قال الخلاف شر (2) وروى أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمان بن يزيد عن عبد الله قال صلى عثمان بمنى أربعا قال فقال عبد الله صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ثم تفرقت بكم الطرق ولوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين قال الأعمش فحدثني معاوية بن قرة أن عبد الله صلاها بعد أربعا فقيل له عبت على عثمان وتصلي أربعا قال الخلاف شر
306

حدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد ابن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا أبو معاوية محمد بن حازم قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمان بن يزيد عن عبد الله قال صلى عثمان فذكره قال وحدثنا أبي قال حدثنا جرير عن مغيرة عن أصحابه عن إبراهيم عن الأسود قال كنت مع عبد الله بمنى فلما صلى عثمان أربعا قال عبد الله صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان ركعتين وصلى أبو بكر ركعتين وصلى عمر ركعتين قال الأسود فقلت يا أبا عبد الرحمان ألا سلمت في ركعتين وجعلت الركعتين الأخريين تسبيحا قال الخلاف شر قال أبو عمر فهذا يدلك على أن القصر عند ابن مسعود ليس بفرض وإنما أنكر لمخالفة عثمان الأفضل عنده لأن الأفضل عنده اتباع السنة ثم رأى اتباع إمامه فيما أبيح له أولى من إتيان الأفضل في القصر لأن مخالفة الأئمة لا تجوز إلا فيما لا يحل وأما فيما أبيح فلا يجوز فيه مخالفة الأئمة إذا حملهم على ذلك الاجتهاد ولعل عثمان ذهب إلى أن اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره القصر كان لأنه أيسر على أمته فاختاره لذلك وقالت عائشة ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما الحديث وهذا لا حجة فيه لأن ما اختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وسنه وواظب عليه كان أفضل مما سواه ومثل حديث ابن مسعود هذا حديث سلمان
307

ذكر عبد الرزاق عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي ليلى الكندي عن سلمان انه كان مع قوم في السفر فحضرت الصلاة فقالوا له صل بنا فقال أنا لا نؤمكم ولا ننكح نساءكم فأبى فتقدم رجل من القوم فصلى بهم أربع ركعات فلما سلم قال سلمان ما لنا وللمربعة وإنما كان يكفينا نصف المربعة ونحن إلى الرخصة أحوج (1) إلا ترى أن سلمان لم يعد الصلاة بل تمادى مع إمامه فصلى أربعا وأن كان لم يحمد ذلك له فهذا يدل على أن القصر عند سلمان رخصة وسنة وقد تقدم عن ابن عباس وابن عمر أن ذلك سنة وحدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا هشام بن عبد الملك قال حدثنا شعبة عن قتادة عن موسى ابن سلمة قال سألت ابن عباس قلت أكون بمكة فكيف أصلي قال ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فحسبك بهذا عن ابن عباس وفيه تصريح أن ذلك سنة وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال قلت له فيم (2) جعل القصر في الخوف وقد أمن الناس قال
308

السنة قلت ورخصة قال نعم (1) قال وقال لي عمرو بن دينار مثله قال وحدثنا ابن جريج عن عطاء قال كان سعد ابن أبي وقاص وعائشة يوفيان الصلاة في السفر ويصومان قال وسافر نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأوفى سعد الصلاة وصام وقصر القوم وأفطروا فقالوا لسعد كيف نفطر ونقصر الصلاة وأنت تتمها وتصوم فقال دونكم أمركم فإني أعلم بشأني قال فلم يحرمه سعد عليهم ولم ينههم عنه قال ابن جريج فقلت لعطاء فأي ذلك أحب إليك قال قصرها قال وكل ذلك قد فعله الصالحون والأخيار قال أبو عمر حديث عطاء هذا وما حكاه عن سعد وعائشة أعرف من رواية جويرية عن مالك عن الزهري عن رجل عن عبد الرحمان بن المسور بن مخرمة أن سعد بن أبي وقاص والمسمور بن مخرمة وعبد الرحمان بن عبد يغوث كانوا جميعا فكان سعد يقصر الصلاة ويفطر وكانا يتمان الصلاة ويصومان فقيل لسعد في ذلك فقال سعد نحن أعلم المشهور عن سعد ما ذكره عطاء وعلى أن حال كان ففيه دليل على إباحة القصر والتمام وعلى هذا يخرج اختلاف الرواية عن سعد كأنه كان يتم مرة ويقصر أخرى وكذلك كل من روي عنه مثل ذلك من الصحابة والله أعلم
309

وروى ابن وهب عن ابن لهيعة عن بكر بن الأشج عن القاسم بن محمد أن رجلا قال له عجيب من عائشة كانت تصلي أربعا في السفر ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين فقال له القاسم عليك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن من الناس من لا يعاب وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها كانت تتم في السفر قال وأخبرنا الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عروة عن عائشة أنها كانت تتم في السفر قال أبو عمر رد الذين ذهبوا إلى أن القصر في السفر مع الأمن سنة مسنونة غير فريضة حديث عائشة حيث قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فردوه بأن قالوا قد صح عنها أنها كانت تتم في السفر وهذا من فعلها يرد قولها ذلك وان صح قولها ذلك عنها ولم يدخله الوهم من جهة النقل فهو على غير ظاهره وفيه معنى مضمر باطن وذلك والله أعلم كأنها قالت فأقرت صلاة السفر لمن شاء أو نحو هذا قالوا ولا يجوز على عائشة أن تقر بأن القصر فرض في السفر وتخالف الفرض هذا ما لا يجوز لمسلم أن ينسبه إليها قالوا وغير جائز تأويل من تأول عليها أن إتمامها كان من أجل أنها كانت أم المؤمنين
310

فكانت حيثما نزلت على بنيها فلم تقصر لأن ذلك كان منها كأنها كانت في بيتها وهذا لا يجوز لأحد أن يعتقده لأن النبي عليه السلام به صارت عائشة وسائر أزواجه أمهات المؤمنين وكان صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أبا رؤوفا رحيما وكان يقصر في أسفاره كلها في غزواته وعمرته وحجته صلى الله عليه وسلم وفي قراءة أبي بن كعب النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم (1) وهو أب لهم فمما يرد حديث عائشة إتمامها في أسفارها ومما يرده أيضا حديث ابن عباس وغيره أن الصلاة فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وما روي عنها مما قدمنا ذكره في هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم في السفر وقصر وصام وأفطر ومما يعارضه أيضا حديث القشيري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وضع الله عن المسافر الصوم وشطر الصلاة (2) والوضع (3) لا يكون في الأغلب إلا مما قد ثبت فوضع منه وفي إجماع الجمهور من الفقهاء على أن المسافر إذا دخل في صلاة المقيمين فأدرك منها ركعة أنه يلزمه أن يصلي
311

أربعا فلو كان فرض المسافر ركعتين لم ينتقل فرضه إلى أربع كما أن المقيم إذا دخل خلف المسافر لم ينتقل فرضه إلى اثنين وهذا واضح لمن تدبر وأنصف قالوا وكيف يجوز للمسافر أن يكون مخيرا إن شاء دخل خلف الإمام المقيم فصلى أربعا وإن شاء صلى وحده ركعتين ولا يكون مخيرا في حال انفراده إن شاء صلى ركعتين وإن شاء أربعا قالوا ولو كان فرض المسافر ركعتين ما جاز له تغيير فرضه بالدخول مع المقيم في صلاته ولبطلت صلاته كما لو صلى الصبح خلف إمام يصلى الظهر إلى آخرها وهذا بين واضح والحمد لله أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن حاتم قال أخبرنا ابن حبان قال حدثنا عبد الله عن ابن عيينة عن أيوب عن شيخ من بني قشير عن عمه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل أو قال يطعم فقال إذن فكل فقلت إني صائم فقال إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة والصيام وعن الحبلى والمرضع (1) ورواه عبد الله بن الشخير وعمرو بن أمية الضمري عن النبي عليه السلام فأما حديث ابن الشخير فرواه أبو عوانة عن أبي بشر عن هانىء بن عبد الله بن الشخير عن
312

أبيه عن النبي عليه السلام إنه قدم عليه فذكر مثل حديث القشيري وأما حديث عمرو بن أمية فرواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن جعفر بن عمرو ابن أمية عن أبيه عن النبي عليه السلام هكذا حدث به الوليد بن مسلم عن الأوزاعي ورواه أبو المغيرة ومحمد بن حرب عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عن أبي أمية الضمري يعني عمرو بن أمية وكذلك رواه معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير بإسناده مثله وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عبدة بن عبد الرحيم عن محمد بن شعيب قال أخبرنا الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة قال حدثني عمرو بن أمية الضمري قال قدمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر فقال انتظر الغداء يا أبا أمية فقلت إني صائم قال إدن مني حتى أخبرك عن المسافر إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة (1) حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا
313

أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن علية عن علي بن زيد عن أبي نضرة قال مر عمران بن حصين في مجلسنا فقال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وحججت معه فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد صلوا أربعا فإنا قوم سفر واعتمرت معه ثلاث عمر لا يصلي إلا ركعتين فهذا يدلك على أن الإمامة لا تنقل فرضا عن حاله ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم لمن خلفه من أهل الحضر صلوا أربعا فإنا قوم سفر وكذلك قال عمر لأهل مكة أيضا حين صلى بهم ثم سلم من ركعتين وقال لهم أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر (1) فلما لم يكن أتباع الإمام يحمل المقيم إذا صلى خلف المسافر على أن يجتزىء بركعتين ويقتصر على السلام معه لأن كلا على فرضه وكان المسافر إذا أدرك ركعة من صلاة المقيم انتقل حكمه إلى حكم المقيم ولزمه أن يصلي أربعا علمنا بذلك أن قصر الصلاة ليس بفرض واجب لأنه لو كان فرضا لأضاف المسافر إلى ركعته التي أدركها من
صلاة المقيم ركعة أخرى واستجزى بذلك فلما أجمعوا على غير ذلك علم أن القصر للمسافر سنة لا فرض ألا ترى
314

أنهم قد أجمعوا أنه جائز للمسافر أن يصلي خلف المقيم من كره ذلك منهم ومن استحسنه كلهم يجيزه وقد أجمعوا على أن المسافر إذا أدرك ركعة من صلاة المقيم لزمه الإتمام بل قد قال أكثرهم إنه إذا أحرم المسافر خلف المقيم قبل سلامه أنه تلزمه صلاة المقيم وعليه الإتمام فلو كان القصر فرضا واجبا ما دخل المسافر مع المقيم في صلاته والأمر في هذا واضح بين لمن لم يعاند وألهم رشده أخبرنا محمد بن عبد الملك وعبيد بن محمد قالا حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا شريك عن جابر عن عامر عن ابن عباس وابن عمر قالا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ركعتين وهما تمام قالا والوتر في السفر من السنة فهذا ابن عمر وابن عباس قد قالا إن صلاة المسافر سنة كما قالا أن الوتر في السفر من السنة وقد مضى في هذا الباب عن ابن عمر أيضا وابن عباس مثل ذلك وعن عطاء وعمرو بن دينار والقاسم بن محمد مثل ذلك وقد أشبعنا هذا المعنى عند ذكر حديث ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد في كتابنا هذا والحمد لله
315

وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب فروى عن مالك أنه قال مرة في مسافر أم مقيمين فأتم بهم الصلاة جاهلا ومنهم المسافر والمقيم قال أرى أن يعيدوا الصلاة جميعا وروي عنه أيضا أنه قال يعيد ما كان في الوقت وما مضى وقته فلا إعادة عليه وقال ابن المواز فيمن صلى أربعا ناسيا لسفر أو ناسيا لإقصاره أو ذاكرا فليعد في الوقت وكذلك قال سحنون فيمن صلى في السفر ناسيا أو ذاكرا وزاد أو جاهلا أربعا أنه يعيد في الوقت وقال ابن المواز لو افتتح على ركعتين فأتمهما أربعا تعمدا أعاد أبدا وإن كان سهوا سجد لسهوه وأجزأه وقال سحنون بل يعيد أبدال لكثرة السهو وقال ابن المواز ليس كسهو مجتمع عليه وذكر أبو الفرج عن مالك قال ومن أتم في السفر أعادها مقصورة ما دام في وقتها إلى أن ينوي مقاما فيعيدها كاملة ما دام في وقتها قال ولو صلى مسافر بمسافرين فسها فقام ليتم فليجلس من وراءه حتى يسلموا بسلامه وعليه إعادة الصلاة ما دام في الوقت قال القاضي أبو الفرج أحسبه أنه ألزم هذا الإعادة لأنه سبح به فتمادى في صلاته عامدا عالما بذلك وأما إن كان ساهيا فلا وجه لأمره بالإعادة لأنه بمنزلة مقيم
316

صلى الظهر خمسا ساهيا فلم يكن عليه إعادة وذكر ابن خواز منداد أن مالكا يقول إن القصر في السفر مسلون غير وجاب وهو قول الشافعي قال أبو عمر في قول مالك إن من أثم الصلاة في السفر لم تلزمه الإعادة إلا في الوقت دليل على أن القصر عنده ليس بفرض وقد حكى أبو الفرج في كتابه عن أبي المصعب عن مالك القصر في السفر للرجال والنساء سنة قال أبو الفرج فلا معنى للاشتغال بالاستدلال على مذهب مالك مع ما ذكره أبو المصعب إن القصر عنده سنة لا فرض قال ومما يدل على ذلك من مذهبه أنه لا يرى الإعادة على من أتم في السفر إلا في الوقت قال أبو عمر فهذا أصح ما في هذه المسألة وذلك أصح الأقاويل فيها من جهة النظر والأثر وبالله التوفيق وأما الشافعي وأبو ثور فكانا يقولان إن شاء المسافر قصر وإن شاء أتم وذكر أبو سعد القزويني المالكي أن الصحيح في مذهب مالك التخيير للمسافر في الإتمام والقصر كما قال الشافعي إلا أنه يستحب له القصر ولذلك يرى عليه الإعادة في الوقت إن أتم
317

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا صلى المسافر أربعا فإن كان قعد في كل ركعتين قدر التشهد صلاته تامة وإن لم يكن فقعد في الركعتين الأوليين قدر التشهد فعليه أن يعيد قال أبو عمر هذا على أصولهم في أن التشهد والسلام ليسا بواجبين والجلوس مقدار التشهد عندهم واجب وبه يخرج عندهم من الصلاة وللرد عليهم في ذلك موضع غير هذا وقال حماد بن أبي سليمان من أتم في السفر أعاد والإعادة عنده وعند أبي حنيفة على ما قدمنا من أصولهم أبدا وجاء عن عمر بن عبد العزيز ما يدل على أن القصر في السفر واجب لأنه قال الركعتان للمسافر حتم لا يصلح غيرهما واختلف في هذه المسألة عن أحمد بن حنبل فقال مرة أنا أحب العافية من هذه المسألة وقال مرة أخرى لا يعجبني أن يصلي أربعا السنة ركعتان وقد مضى القول في كثير من مسائل هذا الباب في باب ابن شهاب عن رجل من أل خالد بن أسيد من كتابنا هذا فلا وجه لإعادة ذلك ههنا
318

باب الضاد
مالك عن ضمرة بن سعيد المازني وهو ضمرة بن سعيد المازني النجاري من بني مازن ابن النجار من الأنصار مدني ثقة روى عنه مالك وابن عيينة وأبو أويس وسليمان بن بلال وغيرهم لمالك عنه حديثان مسندان
319

حديث أول لمالك عن ضمرة بن سعيد مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن الضحاك بن قيس سأل النعمان ابن بشير ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة قال كان يقرأ * (هل أتاك حديث الغاشية) * 1 هذا حديث متصل صحيح وقال فيه ابن عيينة عن ضمرة ابن سعيد عن عبيد الله أن الضحاك بن قيس كتب إلى النعمان ابن بشير أخبرني بأي شيء كان النبي عليه السلام يقرأ في الجمعة فكتب إليه ثم ذكر الحديث هكذا قال كتب الضحاك فكتب إليه النعمان حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا ابن
321

عيينة فذكره وليس مخالفا لحديث مالك لأن في حديث مالك أن الضحاك سأل وقد يحتمل أن يكون سأله بالكتاب إليه ورواية أبي أويس لهذا الحديث كرواية مالك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا ابن أبي أويس قال حدثني أبي عن ضمرة بن سعيد المازني النجاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الضحاك بن قيس الفهري عن النعمان بن بشير قال سألناه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة مع السورة التي ذكر فيها الجمعة قال كان يقرأ فيها * (هل أتاك حديث الغاشية) * 1 قال أبو عمر لم يقل في هذا الحديث بأثر سورة الجمعة وقال مع سورة الجمعة والمعنى في ذلك سواء والمراد به الركعة الثانية من الجمعة وفي الركعة الأولى سورة الجمعة وذلك كله مع فاتحة الكتاب في ابتداء كل ركعة على ما ستراه ممهدا واضحا في باب العلاء إن شاء الله واختلف الفقهاء فيما يقرأ
به في صلاة الجمعة فقال مالك أحب إلي أن يقرأ الإمام في الجمعة * (هل أتاك حديث الغاشية) * مع سورة الجمعة
322

وقال مرة أخرى أما الذي جاء به الحديث ف * (هل أتاك حديث الغاشية) * مع سورة الجمعة والذي أدركت عليه الناس * (سبح اسم ربك الأعلى) * 1 قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك أن كلتا السورتين قراءتهما حسنة مستحبة مع سورة الجمعة في الركعة الثانية وأما الأولى فسورة الجمعة ولا سورة * (هل أتاك حديث الغاشية) * و * (سبح اسم ربك الأعلى) * في الثانية فإن فعل وقرأ بغيرهما فقد أساء وبئس ما صنع ولا تفسد بذلك عليه صلاته إذا قرأ بأم القرآن وسورة معها في كل ركعة منها وقال الشافعي وأبو ثور يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة بسورة الجمعة وفي الثانية إذا جاءك المنافقون (2) ويستحب مالك والشافعي وأبو ثور وداود بن علي ألا يترك سورة الجمعة على حال وقال أبو حنيفة وأصحابه ما قرأ به الإمام في صلاة الجمعة فحسن وسورة الجمعة وغيرها في ذلك سواء ويكرهون أن يؤقت في ذلك شيء من القرآن بعينه
323

وقال الثوري لا يعتمد أن يقرأ في الجمعة بالسور التي جاءت في الأحاديث ولكنه يتعمدها أحيانا ويدعها أحيانا قال أبو عمر روى ابن عباس وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ يوم الجمعة وفي العيد أيضا بسورة الجمعة * (إذا جاءك المنافقون) * فأما حديث ابن عباس فرواه الثوري وشعبة عن مخول (1) بن راشد عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (2) وأما حديث أبي هريرة فرواه جعفر بن محمد عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن أبا هريرة وعلي بن أبي طالب كانا يفعلان ذلك (3) واختلف عن النعمان بن بشير في حديثه في هذا القباب ففي حديث مالك عن ضمرة ما ذكرنا وروى حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير أن النبي عليه السلام كان يقرأ في العيدين والجمعة * (سبح اسم ربك الأعلى) * و * (هل أتاك حديث الغاشية) * 4
324

وهكذا روى سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا جرير بن عبد الحميد عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال أبو بكر وحدثنا وكيع عن سفيان وشعبة عن إبراهيم ابن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين والجمعة * (هل أتاك حديث الغاشية) * و * (سبح اسم ربك الأعلى) * وإذا اجتمع عيدان في يوم قرأهما فيهما (1) وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد عن شعبة قال أخبرني معبد (2) بن خالد عن زيد وهو ابن عقبة عن سمر بن جندب قال كان النبي عليه السلام يقرأ في الجمعة ب * (سبح اسم ربك الأعلى) * و * (هل أتاك حديث الغاشية) * 3 وبهذا الإسناد عن خالد قال
325

حدثنا شعبة قال أخبرني مخول قال سمعت مسلما البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح * (ألم تنزيل) * و * (هل أتى على الإنسان) * 2 وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين (3) وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي قال حدثنا سليمان ابن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن أبي رافع قال صلى بنا أبو هريرة الجمعة فقرأ بسورة الجمعة وفي الركعة الأخرى إذا جاءك المنافقون قال فأدركت أبا هريرة حين انصرف فقلت له إنك قرأت بسورتين كان علي يقرأ بهما في الكوفة قال أبو هريرة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما يوم الجمعة (4) ويحتمل أن يكون سؤال الضحاك بن قيس للنعمان على سبيل التقرير ويحتمل أن يكون على سبيل الاستفهام والاستخبار عما جهل من ذلك والنعمان أصغر سنا من الضحاك ولم يزل الصحابة يأخذ بعضهم عن بعض رضي الله عنهم أجمعين
326

حديث ثان لضمرة بن سعيد مالك عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله (بن عبد الله) (1) بن عتبة بن مسعود أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ما (2) كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر قال كان يقرأ (3) ب * (ق والقرآن المجيد) * و * (اقتربت الساعة وانشق القمر) * 4 يحتمل سؤال عمر رحمه الله مع جلالته لأبي واقد عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين ليعلم أن كان عنده من ذلك علم وإلا أنبأه به ويحتمل أن يكون على مذهب من قال إن القراءة في العيدين تكون سرا وهو قول شاذ روي عن علي رضي الله عنه أنه قال من السنة أن لا يسمع الإمام قراءته من يليه ولا يرفع صوته ويحتمل أن يكون عمر نسي ذلك أو أراد عام بعينه والله
327

أعلم بما كان من ذلك وموضع عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف وأنه كان من أولي الأحلام والنهي الذين كانوا يلونه والله أعلم وهذا الحديث رواه ابن عيينة قال حدثني ضمرة بن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله قال خرج عمر يوم عيد فسأل أبا واقد الليثي بأي شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في هذا اليوم فقال ب * (ق) * و * (اقتربت) * وقد زعم بعض أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث منقطع لأن عبد الله لم يلق عمر وقال غيره هو متصل مسند ولقاء عبيد الله لأبي واقد الليثي غير مدفوع وقد سمع عبيد الله من جماعة من الصحابة ولم يذكر أبو داود في باب ما يقرأ به في العيدين إلا هذا الحديث (1) وهذا يدل على أنه عنده متصل صحيح واختلفت الآثار أيضا في هذا الباب وكذلك اختلف الفقهاء أيضا فيه فقال مالك يقرأ في صلاة العيدين ب * (والشمس وضحاها) * و * (سبح اسم ربك الأعلى) * ونحوها وقال الشافعي بحديث أبي واقد الليثي هذا في * (ق) * * (اقتربت الساعة) *
328

وقال أبو حنيفة يقرأ فيهما * (سبح اسم ربك الأعلى) * و * (هل أتاك حديث الغاشية) * وما قرأ من شيء أجزأه وقال أبو ثور يقرأ في العيدين ب * (سبح اسم ربك الأعلى) * و * (هل أتاك حديث الغاشية) * وقد روي عن عمر بن الخطاب مثل ذلك وعن ابن مسعود أنه كان يقرأ فيهما بأم القرآن وسورة من المفصل وكان أبان بن عثمان يقرأ فيهما ب * (سبح اسم ربك الأعلى) * و * (اقرأ باسم ربك الذي خلق) * وليس في هذا الباب وحديث سمرة ابن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يقرأ في العيدين ب * (سبح اسم ربك الأعلى) * و * (هل أتاك حديث الغاشية) * وحديث حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد ذكرناهما جميعا في الباب الذي قبل هذا وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال حدثنا أبي قال حدثنا هشام عن ابن جريج عن موسى بن عبيدة عن محمد بن عمرة بن عطاء عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيد ب * (سبح اسم ربك الأعلى) *
329

وفي الثانية ب * (هل أتاك حديث الغاشية) * 1 وهذا أولى ما قيل به في هذا الباب من طريق الاستحباب وفي اختلاف الآثار في هذا الباب دليل على أن لا توقيت فيه والله أعلم وما قرأ به الإمام في صلاة العيدين أجزأه إذا قرأ فاتحة الكتاب
330

باب العين
((مالك عن عبد الله بن دينار))
وهو عبد الله بن دينار مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب يكنى عبد الرحمان وكان ثقة روى عنه جماعة من الأئمة منهم مالك وشعبة والثوري وابن عيينة وغيرهم سكن المدينة وتوفي بها سنة سبع وعشرين ومائة هكذا ذكر الواقدي وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن أسامة بن عبد الرحمان بن أبي السمح قال حدثني أبي قال حدثنا هارون بن سعيد الإيلي قال حدثنا خالد بن نزار قال حدثنا سفيان بن عيينة قال مات عبد الله بن دينار وابن أبي نجيح سنة إحدى وثلاثين ومائة لمالك عنه في الموطأ من حديث (رسول الله) (1) صلى الله عليه وسلم ستة وعشرون حديثا وعن سليمان بن يسار حديثان وعن أبي صالح حديثان
331

حديث أول لعبد الله بن دينار عن ابن عمر مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته (1) هكذا روى هذا الحديث عن مالك جماعة الرواة فيما علمت وكذلك هو في الموطأ إلا أن محمد بن سليمان رواه عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الولاء لا يباع ولا يوهب ولم يتابعه أحد على ذلك وقد روى هذا الحديث شعبة والثوري وعبد العزيز ابن أبي سلمة وجماعة يطول ذكرهم من الأئمة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا عمر وروى هذا الحديث ابن الماجشون عن
333

مالك عن نافع عن ابن عمر وذلك خطأ لم يتابع ابن الماجشون عليه والصواب فيه مالك عن عبد الله بن دينار لا عن نافع والله أعلم حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا أحمد بن نصر حدثنا أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته (1) واختلافهم في بيع ولاء المكاتب وهبته أو اشتراط المكاتب لولاء نفسه باب آخر روى قتادة عن ابن المسيب أنه كان لا يرى بأسا ببيع الولاء إذا كان من المكاتبة ويكرهه إذا كان من عتق وسفيان وحماد عن عمرو بن دينار قال وهبت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولاء سليمان بن يسار لابن عباس وكان مكاتبا ومعمر عن قتادة قال لا يباع الولاء إلا رجل كوتب فإن اشترط في كتابته أن أوالي من شئت فهو جائز ومعمر عن قتادة عن ابن المسيب أن النبي عليه السلام مر
334

برجل يكاتب عبدا فقال له النبي عليه السلام اشترط ولاءه قال وكان قتادة يقول من لم يشترط ولاء مكاتبه والى المكاتب من شاء حين يعتق وقال مكحول لا يباع الولاء إلا أن المكاتب إذا اشترط ولاءه مع رقبته جاز وعن سعيد بن عبد العزيز مثله وقال ابن جريج كان عطاء يجيز هبة الولاء ثم رجع عنه فقال لا يباع الولاء ولا يوهب إلا أن من أذن لمولاه أن يتولى من شاء جاز ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم من تولى قوما بغير إذن مواليه قلت لعطاء رجل كاتب عبده ولم يشترط سيده أن ولاءك لي لمن ولاؤه قال لسيده وقاله عمرو بن دينار وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم ولاء المكاتب لسيده ليس له أن يشترطه لنفسه ولا أن يوالي غيره إذا أدى الكتابة إليه أو إلى ورثته من بعده وهذا الحديث إنما انفرد به عبد الله بن دينار واحتاج الناس فيه إليه وهو حديث عليه العمل عند أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين وقد روي عن عثمان بن عفان إجازة ذلك وروي عن ابن عباس إجازة هبة الولاء ولم يجز بيعه وإن عمرو بن حزم وهب ولاء مولى له لابنه محمد دون عبد الرحمان وإن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قضى بجواز هبة الولاء
335

وذكر حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أنه اشترى ولاء طهمان وبنيه لبني مصعب بن الزبير وذكر حماد بن سلمة أيضا عن عمرو بن دينار أن ميمونة بنت الحرث وهبت ولاء مواليها للعباس فولاؤهم لهم اليوم وقد روى عن ميمونة أنها وهبت ولاء سليمان بن يسار مولاها لعبد الله بن عباس وقد روى أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا قيس عن ليث عن عطاء بن السائب أن علقمة والأسود وأبا فضيلة وابن معقل رخصوا لسالم بن أبي الجعد أن يبيع ولاء مولى له بعشرة آلاف يستعين بها على عبادته وهذا عند أهل العلم غير مأخوذ به والذي عليه جماعة العلماء أن الولاء كالنسب لا يباع ولا يوهب وقد جاء عن ابن عباس في ذلك ما يرد قصة ميمونة ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس قال الولاء لمن اعتق لا يجوز بيعه ولا هبته (1) وعن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال سئل عبد الله بن مسعود عن بيع الولاء قال أيبيع
336

أحدكم نسبه (1) وهذا عن ابن مسعود يرد ما روي عن علقمة والأسود وذكر عبد الرزاق أيضا عن ابن عيينة عن مسعر عن عبد الله بن رباح عن عبد الله بن معقل عن علي رضي الله عنه قال الولاء شعبة من النسب من أحرز الولاء أحرز الميراث (2) وعن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن علي قال لا يباع الولاء ولا يوهب وعن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله يكره بيع الولاء وهبته قال ابن جريج وسمعت عطاء يقول كان ابن عباس ينكر بيع الولاء وعن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينكر بيع الولاء ويكرهه كراهية شديدة وأن يوالى أحد غير مواليه وأن يهبه وعن الثوري عن داود عن ابن المسيب قال الولاء لحمة كالنسب لا يباع ولا يوهب وقد مضى القول في كثير من مسائل الولاء في باب ربيعة من كتابنا هذا فلا وجه لإعادة شيء من ذلك ههنا
337

وفي نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ما يشهد لصحة ما ذهب إليه الفقهاء في هذا الباب وان من خالفه محجوج لأن الحجة به قائمة ما دام لم يرو عن النبي عليه السلام ما يخالفه فثبتت الحجة به وروى ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر كان ينكر أن يتولى أحد غير مولاه وأن يهب ولاءه وروى ابن وهب عن مالك أنه قال لا يجوز لسيد أن يأذن لمولاه أن يوالي من شاء لأنها هبة الولاء وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته وقد رخصت طائفة من العلماء أن يتولى المعتق من شاء إذا أذن له سيده فمنهم إبراهيم النخعي وعطاء وعمرو بن دينار واحتج من ذهب هذا المذهب بحديث ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يحل أن يتولى مولى رجل مسلم بغير إذنه وممن قال لا يجوز بيع الولاء ولا هبته من كتابة ولا غيرها جابر وابن عباس وابن عمر وطاوس والحسن وابن سيرين وسويد ابن غفلة والشعبي ومالك والشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وعلي
338

حديث ثان لعبد الله بن دينار عن ابن عمر مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه (1) ظاهر هذا الحديث يوجب التسوية بين ما بيع من الطعام حزافا وبين ما بيع منه كيلا أن لا يباع شيء من ذلك كله حتى يقبض لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص في هذا الحديث طعاما من طعام ولا حالا من حال ولا نوعا من نوع وفي ظاهر هذا الحديث أيضا ما يدل على أن ما عدا الطعام لا بأس ببيعه قبل قبضه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خص الطعام بالذكر دون غيره وهذان موضعان تنازع
339

فيهما العلماء قديما وحديثا وقد ذكرنا ما لهم في ذلك من الأقوال والاعتلال في باب نافع من هذا الكتاب (1) فلا معنى لإعادة ذلك ههنا وأما الطعام الذي لا يباع قبل القبض عند مالك وأصحابه فقال مالك فيما ذكر ابن وهب وغيره عنه لا يجوز بيع ما يؤكل أو يشرب قبل القبض لا من البائع ولا من غيره سواء كان عينه أو بغير عينه وقال ابن القاسم قال مالك لا تبيع الملح والكسبر والشونيز والتوابل حتى تستوفيها قال وأما زريعة الجزر وزريعة السلق والكراث والجرجير والبصل وما أشبهه فلا بأس أن تبيعه قبل أن تستوفيه لأن هذا ليس بطعام ويجوز فيه التفاضل وليس كزريعة الفجل الذي منه الزيت هذا طعام لأن الزيت فيه قال وقال مالك الطعام كله لا يجوز بيعه قبل القبض إذا اشتري كيلا فإن اشتري جزافا جاز ولا خلاف عن مالك وأصحابه في غير المأكول والمشروب ونحو الثياب وسائر العروض العقار وغيره أنه يجوز بيعها قبل قبضها ممن اشترى منه ومن غيره وكذلك إذا أسلف فيها يجوز بيعها من الذي هي عليه ومن غيره إلا أنه إذا باعها ممن
340

هي عليه في السلم لم يبعها إلا بمثل رأس المال أو بأقل لا يزاد على رأس ماله ولا يؤخره وإن باعه منه بعرض جاز قبل الأجل وبعده إذا قبض العرض ولم يؤخره وكان العرض مخالفا لهما بينا خلافه هذا كله أصل قول مالك في هذا الباب وجملته وأما فروع هذا الباب ونوازله فكثيرة جدا على مذهب مالك وأصحابه ولهم في ذلك كتب معروفة قد أكثروا فيها من التنزيل والتفريع على المذهب فمن أراد ذلك تأملها هناك ولا خلاف عن مالك وأصحابه أن الطعام كله المأكول والمشروب غير الماء وحده لا يجوز بيع شيء منه قبل قبضه إذا بيع على الكيل أوالوزن لا من البائع له ولا من غيره لا من سلم ولا من بيع معاينة لا بأكثر من الثمن ولا بأقل وجائز عندهم إلا إقالة في الطعام قبل أن يستوفى بمثل رأس المال سواء وكذلك الشركة عندهم والتولية فيه وقد قال بهذا القول طائفة من أهل المدينة وقال سائر الفقهاء وأهل الحديث لا يجوز بيع شيء من الطعام قبل أن يستوفى ولا تجوز فيه الإقالة ولا الشركة ولا التولية عندهم قبل أن يستوفى بوجه من الوجوه والإقالة والشركة والتولية عندهم بيع وقد جعل بعضهم الإقالة فسخ بيع ولم يجعلها بيعا وأبى ذلك بعضهم ولم يختلف فقهاء الأمصار غير مالك وأصحابه في أن
341

الشركة والتولية في الطعام لا يجوز قبل أن يستوفى وقد مضى ما للعلماء في معنى هذا الحديث من التنازع في المعاني في باب نافع عن ابن عمر من هذا الكتاب (1) وأما اختلاف الفقهاء في الإقالة جملة هل هي فسخ بيع أو بيع فقال مالك الإقالة بيع من البيوع يحلها ما يحل البيوع ويحرمها ما يحرم البيوع وهذا عنده إذا كان في الإقامة زيادة أو نقصان أو نظرة فإذا كان ذلك فهي بيع في الطعام وغيره ولا يجوز في الطعام قبل أن يستوفى إذا كان قد بيع على الكيل فإن لم يكن في الإقالة زيادة ولا نقصان فهي عنده جائزة في الطعام قبل أن يستوفى وفي غير الطعام وفي كل شيء وكذلك التولية والشركة على ما قدمنا وقال الشافعي لا خير في الإقالة على زيادة أو نقصان بعد القبض لأن الإقالة فسخ بيع وقال الشافعي أيضا وأبو حنيفة الإقالة قبل القبض وبعد القبض فسخ لا يقع إلا بالثمن الأول سواء تقايلا بزيادة أو نقصان أو ثمن غير الأول وروى الحسن بن زيادة عن أبي حنيفة قال الإقالة قبل القبض فسخ وبعد القبض بمنزلة البيع قال وقال أبو يوسف إذا كانت بالثمن الأول فهو كما قال أبو حنيفة وإن
342

كانت بأكثر من الثمن أو بأقل فهو بيع مستقبل قبل القبض وبعده وروي عن أبي يوسف قال هي بيع مستقبل بعد القبض وتجوز بالزيادة والنقصان وبثمن آخر وقال ابن سماعة عن محمد بن الحسن قال إذا ذكر ثمنا أكثر من ثمنها أو غير ثمنها فهي بيع بما سمى وروى أصحاب زفر عن زفر قال كان أبو حنيفة لا يرى الإقالة بمنزلة البيع في شيء إلا في الإقالة بعد تسليم الشفيع الشفعة فيوجب الشفعة بالإقالة وقال زفر ليست في الإقالة شفعة وأما الإقالة في بعض السلم فجملة قول مالك أنه لا يجوز أن يقيل من بعض ما أسلم فيه ويأخذ بعض رأس ماله وذكر ابن القاسم وغيره عن مالك قال إذا كان السلم طعاما ورأس المال ثيابا جاز أن يقيله في بعض ويأخذ بعضا وإن كان السلم ثيابا موصوفة ورأس المال دراهم لم تجز الإقالة في بعضها دون بعض لأنه تصير فضة بفضة وثياب إلى أجل وقال مالك إن أسلم ثيابا في طعام جازت الإقالة في بعض ويرد حصته من الثياب وإن حالت أسواق الثياب
343

وليست كالدراهم لأنه ينتفع بها والثياب لم ينتفع بها إذا ردت فلو أقال من البعض جاز وقال ابن أبي ليلى وأبو الزناد لا يجوز لمن سلم في شيء أن يقيل من بعض ويأخذ بعضا ولم يفسروا هذا التفسير ولا خصوا شيئا وقال أبو حنيفة والثوري والشافعي وأصحابهم جائز أن يقيل في بعض ويأخذ بعضا في السلم وغيره على كل حال وروى الثوري عن سلمة بن موسى وعبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الرجل يأخذ بعض سلمه وبعض رأس ماله قال ذلك المعروف والثوري عن جابر الجعفي عن نافع عن ابن عمر أنه لم يكن يرى بذلك بأسا وروى ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر قال من سلم في شيء فلا يأخذ بعضه سلفا وبعضه عينا ليأخذ
سلعته كلها أو رأس ماله أو ينظره وروى أشعث بن سوار عن أبي الزبير عن جابر قال إذا أسلفت في شيء فخذ الذي أسلفت فيه أو رأس مالك واختلفوا في الإقالة في السلم من أحد الشريكين فقال مالك إذا أسلم رجلان إلى رجل ثم أقاله أحدهما جاز في نصيبه وهو قول أبي يوسف والشافعي
344

وقال أبو حنيفة إذا أسلم رجلان إلى رجل ثم أقاله أحدهما لم يجز إلا أن يجيزها الآخر وهو قول الأوزاعي وقال مالك لا يجوز بيع السلم قبل القبض وتجوز فيه الشركة والتولية وكذلك الطعام لأن هذا معروف وليس ببيع وقال أبو حنيفة لا تجوز التولية والشركة في السلم ولا في الطعام قبل القبض وهو قول الثوري والأوزاعي والليث والشافعي وحجتهم أن الشركة والتولية بيع وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك وربح ما لم يضمن وعن بيع الطعام حتى يقبض (1) ومن حجة مالك في إجازة ذلك أن الشركة والتولية عنده فعل خير ومعروف وقد ندب الله ورسوله إلى فعل الخير والتعاون على البر وقال صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة (2) وقد لزم الشركة والتولية عنده اسم غير اسم البيع فلذلك جازا في الطعام قبل القبض وقد أجاز الجميع الإقالة برأس المال قبل القبض فالشركة والتولية كذلك
345

وقال الشافعي وإنما (1) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يقبض لأن ضمانه من البائع ولم يتكامل للمشتري فيه تمام ملك فيجوز له البيع قال فلذلك قسنا عليه بيع العروض قبل أن يقبض لأنه بيع ما لم يقبض وربح ما لم يضمن قال أبو عمر قد مضى في بيع الطعام قبل أن يستوفى ما فيه كفاية في باب نافع عن ابن عمر فأغنى ذلك عن إعادته ههنا وبالله التوفيق
346

حديث ثالث لعبد الله بن دينار عن ابن عمر (1) مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا فيما استطعتم (2) وروى مالك أيضا عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه فكتب إليه بسم الله الرحمان الرحيم أما بعد لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين من (3) عبد الله بن عمر سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأقر لك بالسمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت ففي هذا الحديث دليل على أخذ البيعة للخلفاء على الرعية
347

وكانت البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر والخلفاء الراشدين أن يصافحه الذي يبايعه ويعاقده على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأن لا ينازع الأمر أهله رواه عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه وأن يقوم أو يقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم وكان يقول لهم فيما استطعتم لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء عند البيعة وكان يصافح الرجال وقد مضى هذا المعنى مجودا في باب محمد بن المنكدر من كتابنا (1) هذا والحمد لله وأما الأيمان التي يأخذها الأمراء اليوم على الناس فشئ محدث وحسبك بما في الآثار من أمر البيعة حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ عليهم في البيعة أمورا كثيرة منها النصح لكل مسلم وقد ذكرنا ما يجب على الرعية من نصح الأئمة في باب سهيل من هذا الكتاب عند قوله صلى الله عليه وسلم وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم الحديث ونذكر ههنا أحاديث البيعة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذها على أصحابه لتقف على أصل هذا الباب والله الموفق للصواب
348

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا خالد عن يونس عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير (1) عن جرير (2) قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وأن أنصح لكل مسلم قال فكان إذا باع الشيء أو اشتراه قال أما إن الذي أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناك فاختر (3) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا غندر عن شعبة عن سليمان الأعمش عن أبي وائل عن جرير قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم وفراق المشرك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير حدثني أبي حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن (4) أبي نجيلة البجلي قال قال جرير أتيت
349

النبي عليه السلام وهو يبايع الناس فقلت يا رسول الله أبسط يدك أبايعك واشرط (1) علي فأنت أعلم بالشرط قال أبايعك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلم وتفارق المشرك وسيأتي قوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة في باب سهيل من كتابنا هذا إن شاء الله وفي حديث جرير المذكور أبسط يدك أبايعك وفيه بيان ما ذكرنا ومثله ما قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن اصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمان الدمشقي أبو أيوب قال حدثنا إسماعيل بن عياش قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر وابن الزبير أنهما بايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين فلما رآهما النبي صلى الله عليه وسلم تبسم وبسط يده وبايعهما وحدثنا سعيد بن نصر وأحمد بن محمد قالا حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر عن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع
350

والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم (1) وقد روى هذا الحديث مالك عن يحيى بن سعيد وسيأتي في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله حدثنا أحمد حدثنا مسلمة حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الأصبهاني حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس قال قدمت على عمر بعد هلاك أبي بكر فقلت ارفع يدك أبايعك على ما بايعت عليه صاحبيك من قبل أعني النبي عليه السلام وأبا بكر فبايعته على السمع والطاعة فيما استطعت وذكر سنيد عن حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) * 2 قال نزلت يوم الحديبية قال أبي جريج بايعوه على الإسلام ولم يبايعوه على الموت (3)
351

وذكر سنيد أيضا قال حدثنا هشيم (1) قال أخبرنا إسماعيل عن أبي خالد الشعبي أن أبا سنان بن وهب الأسدي بايع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بيعة الرضوان
فقال له علام تبايعني قال أبو سنان على ما في نفسك قال إسماعيل وكانوا بايعوه يومئذ على أن لا يفروا قال وقال غير هشيم عن عاصم الأحول عن الشعبي مثله غير أنه قال أبو سنان بن محصن الأسدي قال سنيد وحدثنا معتمر بن سليمان عن كليب بن وائل عن حبيب بن أبي مليكة عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله وأنا أبايعه فصفق بيده على الأخرى قال أبو عمر (2) في هذا أيضا دليل على أن المبايعة من شأنها المصافحة ولم تختلف الآثار في ذلك وقد مضى في باب محمد بن المنكدر من هذا الكتاب أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا بايع النساء لم يصافحهن (3) قال سنيد وحدثنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر سمعه يقول كنا بالحديبية أربع عشرة مائة فبايعناه وعمر بن الخطاب آخذ بيده تحت الشجرة وهي
352

سمرة قال فبايعناه غير الجد بن قيس اختبأ تحت بطن بعيره قيل لجابر هل بايع النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة قال لا ولكنه صلى بها ولم يبايع عند شجرة إلا عند الشجرة التي عند الحديبية قال أبو الزبير وسئل جابر كيف بايعوا قال بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت (1) قال ابن جريج وأخبرني أبو الزبير عن جابر قال جاء عبد لحاطب بن أبي بلتعة أحد بني أسد يشتكي سيده فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال له كذبت لا يدخلها إنه شهد بدرا والحديبية قال سنيد وحدثنا مبشر الحلبي عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج عن أبي العقيب قال شهدت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يبايع الناس بعد نبي الله صلى الله عليه وسلم فتجتمع عنده العصابة فيقول لهم أتبايعون على السمع والطاعة لله ولكتابه ثم للأمير فيقولون نعم قال فتعلمت شرطه هذا وأنا كالمحتلم أو فوقه فلما خلا من عنده أتيته فابتدأته فقلت أبايعك على السمع والطاعة لله ولكتابه ثم للأمير فصعد في البصر (2) وصوب ورأيته أعجبه
353

قال وحدثنا معتمر بن سليمان عن عاصم الأحول عن عمر أو عمرو بن عطية قال أتيت عمر بن الخطاب وأنا غلام فبايعته على كتاب الله وسنة نبيه هي لنا وهي علينا فضحك وبايعني وذكر ابن أبي شيبة قال أخبرنا عباد بن العوام عن أشعث بن سوار عن أبيه قال سمعت موسى بن طلحة قال بعث في أمير المؤمنين علي وأنا في الأسارى فانطلقت فدخلت عليه فسلمت فقال أتبايع وتدخل فيما دخل فيه الناس قلت نعم قال هكذا ومد يده فبسطها قال فبايعته ثم قال ارجع إلى أهلك ومالك قال فلما رآني الناس قد خرجت جعلوا يدخلون فيبايعون وقد مضى في باب ابن المنكدر (1) كثير (2) من أحاديث البيعة والمصافحة بها عند ذكر بيعة النساء والحمد لله حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا ابن أبي دليم حدثنا ابن وضاح حدثنا ابن أبي مريم حدثنا نعيم حدثنا ابن المبارك عن ابن عيينة قال أخبرني الوليد بن كثير عن وهب بن كيسان قال سمعت جابر بن عبد الله يقول لما قدم مسلم بن عقبة المدينة أتت الأحياء يبايعونه فأتى بنو سلمة ولم آت معهم فقال لا أبايعكم حتى يخرج إلي جابر قال فأتاني قومي فناشدوني
354

الله فقلت لهم أنظروني فأتيت أم سلمة فاستشرتها في الخروج إليه فقالت والله إني لأراها بيعة ضلالة ولكن قد أمرت أخي عبد الله بن أبي أمية أن يأتيه فيبايعه كأنها أرادت أن تحقن دمه قال جابر فأتيته فبايعته قال أبو عمر كذا قال أخي عبد الله بن أبي أمية وصوابه ابن أخي عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية ولم يدرك أخوها الحرة توفي قبل ذلك بكثير وبه عن ابن المبارك قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا سماك بن حرب أنه سأله رجل من الذين بايعوا المختار الكذاب فقال تخاف علينا من بيعتنا لهذا الرجل فقال ما أبالي أبايعته أو بايعت هذا الحجر إنما البيعة في القلب إن كنت منكرا لما قول فليس عليك من بيعتك بأس
355