الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ٢١
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

((عطاء الخراساني أبو عثمان وهو عطاء بن أبي مسلم))
قيل (1) عطاء بن عبد الله وقيل عطاء بن ميسرة مولى المهلب بن أبي صفرة وقيل مولى لهذيل والأول أكثر وأشهر أنه مولى المهلب بن أبي صفرة أصله من مدينة بلخ من خراسان وسكن الشام وهو يعد في الشاميين وكان فاضلا عالما بالقرآن عاملا روى عنه جماعة من الأئمة منهم مالك ومعمر والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وغيرهم ولد سنة خمسين من التاريخ وتوفي سنة خمس وثلاثين ومائة ذكر ذلك ضمرة وغيره عن عثمان بن عطاء وذكر البخاري عن عبد الله بن عثمان بن عطاء أنه سأله فقال نحن من أهل بلخ قال وعطاء (2) مولى المهلب بن أبي صفرة ذكر ذلك في التاريخ الكبير (3) وأدخله البخاري في كتاب الضعفاء له وذكر حكاية أيوب عن القاسم بن عاصم قال قلت لسعيد بن المسيب إن عطاء الخراساني حدث عنك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي واقع امرأته في رمضان بعتق رقبة أو بكفارة الظهار فقال سعيد كذب ما حدثته إنما بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له تصدق تصدق
2

فأدخله البخاري في كتاب الضعفاء له من أجل هذه الحكاية وليس القاسم بن عاصم ممن يجرح بقوله ولا بروايته (4) مثل عطاء الخراساني (5) وعطاء الخراساني أحد العلماء الفضلاء وربما كان في حفظه شيء وله أخبار طيبة عجيبة في فضائله ليس هذا موضع ذكرها منها ما أخبرنا عبد الوارث ابن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا ضمرة عن (إبراهيم) (6) بن أبي عبلة قال كان عطاء الخراساني يتكلم إذا صلى بكلمات فغاب يوما فتكلم المؤذن فقال رجاء ابن حيوة اسكت إنا نكره أن نسمع الخبر إلا من أهله وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد ابن جرير قال حدثنا علي بن سهل (7) الرملي قال حدثنا ضمرة عن إبراهيم بن أبي عبلة قال كنا نجلس إلى عطاء الخراساني فكان يدعو بدعوات فغاب فتكلم رجل من المؤذنين قال فأنكر رجاء بن حيوة صوته فقال من هذا فقال أنا يا أبا المقدام فقال اسكت فإنا نكره أن نسمع الخبر إلا من أهله وقال يحيى بن معين روى مالك عن عطاء الخراساني وعطاء ثقة قد رأى ابن عمر وسمع منه لمالك عنه من مرفوعات الموطأ ثلاثة أحاديث أحدها مسند والاثنان مرسلان
3

حديث أول لعطاء الخراساني مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني أنه قال حدثني شيخ بسوق البرم (8) بالكوفة عن كعب بن عجرة أنه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنفخ تحت قدر لأصحابي وقد امتلأ رأسي ولحيتي قملا فأخذ بجبهتي ثم قال احلق هذا الشعر وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علم أنه ليس عندي ما أنسك به (9) لم يختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث ويقولون إن الشيخ الذي روى عنه عطاء الخراساني هذا الحديث عبد الرحمان بن أبي ليلى وهذا بعيد لأن عبد الرحمان بن أبي ليلى أشهر في التابعين من أن يقول فيه عطاء حدثني شيخ وأظن القائل بأنه عبد الرحمان بن أبي ليلى لما عرف أنه كوفي وأنه (الذي) (10) يروي الحديث عن كعب بن عجرة ظن أنه هو والله أعلم وقد روى هذا الحديث عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة جماعة منهم الشعبي وأبو قلابة ومجاهد والحكم بن عتيبة وغيرهم وكلهم قال فيه أنسك بشاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم
4

وقد ذكرنا كثيرا من ألفاظ المحدثين في هذا الحديث والحكم في ذلك عند العلماء في باب حميد بن قيس من كتابنا هذا وقال في هذا الحديث بعضهم عن داود عن الشعبي أمعك دم قال لا وقال بعضهم فيه عن الحكم بن عتيبة فحلقت رأسي ونسكت وهذا متعارض وأصح ما فيه التخيير في النسك والإطعام والصيام وقد روى هذا الحديث عبد الله بن معقل عن كعب بن عرجة وقد يكون ذلك الشيخ الذي ذكره عطاء الخراساني (11) فهو كوفي لا يبعد أن يلقاه عطاء وهو أشبه عندي والله أعلم حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال أخبرنا شعبة قال أخبرني عبد الرحمان بن (12) الأصبهاني قال سمعت عبد الله بن معقل قال جلست إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد يعني مسجد الكوفة فسألته عن هذه الآية * (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * 13 فقال حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى الجهد بلغ بك هذا ما عندك شاة قال قلت لا فنزلت هذه الآية * (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * فقال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام قال فنزلت هذه الآية في خاصة وهي لكم عامة
5

أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد ابن جعفر قال حدثنا شعبة عن عبد الرحمان بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل قال قعدت في هذا المسجد إلى كعب بن عجرة فسألته عن هذه الآية * (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * فقال كعب في نزلت وكان في أذى من رأسي فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى أتجد شاة قلت لا قال فنزلت هذه الآية * (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * فالصوم ثلاثة أيام والصدقة على ستة مساكين لكل مسكن نصف صاع من طعام والنسك شاة (14) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو عوانة عن عبد الرحمان بن الأصبهاني عن عبد الله بن معقل قال كنا في المسجد جلوسا فجلس إلينا كعب بن عجرة فقال في أنزلت هذه الآية * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * قال قلت كيف كان شأنك قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمين فوقع القمل في رأسي ولحيتي وشاربي حتى تقع في حاجبي فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ما كنت أرى بلغ منك هذا ادع الحلاق فدعا الحلاق فحلق رأسي قال هل تجد من نسيكة قال لا قال فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين بين (15) كل مسكينين صاع فنزلت في خاصة وللناس عامة
6

قال أبو عمر أما الشيخ الذي روى عنه عطاء الخراساني بالكوفة هذا الحديث فيمكن أن يكون ابن أبي ليلى وممكن (16) أن يكون عبد الله بن معقل الكوفي ولا يبعد أن يلقاه عطاء وهو الأشبه عندي والله أعلم وقد مضى القول في معنى هذا الحديث ممهدا مبسوطا في باب حميد بن قيس من هذا الكتاب (17) والحمد لله وبه التوفيق
حديث ثان لعطاء الخراساني مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني عن سعيد بن المسيب أنه قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب نحره وينتف
شعره ويقول هلك الأبعد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك قال أصبت أهلي وأنا صائم في رمضان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تعتق رقبة فقال لا فقال هل تستطيع أن تهدي بدنة فقال لا قال فاجلس فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق (18) تمر فقال خذ هذا فتصدق به فقال ما أحد أحوج مني فقال كله وصم يوما مكان ما أصبت (19)
7

هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة مرسلا وقد روي معناه متصلا من وجوه صحاح وقد ذكرناها في باب ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة إلا أن قوله في هذا الحديث هل تستطيع أن تهدي بدنة غير محفوظ في الأحاديث المسندة الصحاح ولا مدخل للبدن أيضا في كفارة الواطئ في رمضان عند جمهور العلماء وذكر البدنة هو الذي أنكر على عطاء في هذا الحديث وأما ذكر الرقبة وذكر الصدقة بالعرق وسائر ما ذكرنا في هذا الحديث فمحفوظ من حديث أبي هريرة وحديث عائشة من راوية الثقات الأثبات والحمد لله وقد روى القاسم بن عاصم البصري ويقال (20) فيه التميمي ويقال الكلبي (21) وليس بشيء ويمكن أن يكون كليبا فكليب في تميم وكلب في قضاعة وأين قضاعة من تميم فروى القاسم بن عاصم هذا عن سعيد بن المسيب أنه كذب عطاء الخراساني في حديثه هذا وعطاء الخراساني عندي فوق القاسم بن عاصم في الشهرة يحمل العلم والفضل وليس مثله عند أهل الفهم والنظر ممن يجرح به عطاء ويدفع ما رواه وقد اختلف على القاسم في حكايته تلك فروى سعيد بن منصور عن إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن القاسم بن عاصم قال قلت لسعيد بن المسيب ما حديث حدثناه عنك عطاء الخراساني قال ما هو قلت في الذي وقع على امرأته في رمضان فذكر الحديث هكذا قال فيه حدثنا عنك عطاء الخراساني
8

وروى أبو صالح عن الليث بن سعد عن عمرو بن الحرث عن أيوب السختياني عن القاسم أنه قال لسعيد بن المسيب إن عطاء بن أبي رباح حدثني أن عطاء الخراساني حدث عنك في الرجل الذي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أفطر في رمضان أنه أمره بعتق رقبة فقال لا أجدها فقال قاهد جزورا قال لا أجدها قال فتصدق بعشرين صاعا من تمر قال سعيد كذب الخراساني إنما قلت تصدق تصدق ففي هذه الرواية أن القاسم هذا قال لسعيد إن عطاء بن أبي رباح حدثني أن عطاء الخراساني حدثه عنك وفي الرواية الأولى أن القاسم هذا قال لسعيد ما حديث حدثناه عنك عطاء الخراساني وهذا اضطراب وباطل وروى حماد بن زيد هذا الخبر (22) عن أيوب قال حدثني القاسم بن عاصم قال قلت لسعيد بن المسيب إن عطاء الخراساني حدثني عنك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي واقع امرأته في رمضان بكفارة الظهار فقال كذب ما حدثته إنما بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له تصدق تصدق فهذه مثل رواية خالد الحذاء وأما قول حماد بن زيد في حديثه (هذا) (23) إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي واقع امرأته في رمضان بكفارة الظهار فإن الرواية الثابتة عن أبي هريرة من رواية ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي وقع على امرأته في رمضان بالكفارة على ترتيب كفارة الظهار هكذا رواه ابن عيينة ومعمر والأوزاعي والليث بن سعد ومنصور بن المعتمر وغيرهم عن ابن شهاب بإسناده على ترتيب كفارة الظهار
9

ورواه مالك وأبو أويس وابن جريج عن ابن شهاب بإسناده المذكور على التخيير وقد ذكرنا ذلك كله في باب ابن شهاب من هذا الكتاب فلا معنى لتكرير ذلك ههنا حدثنا عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو بكر محمد بن أبي العوام قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا الحجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن عامر عن سعيد بن المسيب وعن الزهري عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل ينتف شعره ويدعو ويله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك قال قد وقع على امرأته في رمضان قال اعتق رقبة قال لا أجدها إن قال صم شهرين متتابعين قال لا أستطيع قال أطعم ستين مسكينا قال لا أجد قال فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال خذ هذا فأطعمه عنك ستين مسكينا قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا قال كله أنت وعيالك وهكذا رواه الجمهور من أصحاب الزهري على هذا الترتيب وقال فيه معمر قال الزهري وإنما كان هذا رخصة له خاصة فلو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير وقد ذكرنا ما للفقهاء في تأويل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بأكل ذلك العرق من التمر هو وعياله وفي وجوب الكفارة عليه إذا أيسر في باب ابن شهاب بما يغني عن ذكره ههنا وأما ذكر البدنة في هذا الحديث فهو موجود من حديث مجاهد وعطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها اضطراب ولا أعلم أحدا كان يفتي بذلك من أهل العلم إلا الحسن البصري فإنه قال إذا لم يجد المجامع في رمضان يعني عامدا غير معذور رقبة أهدى بدنة إلى مكة وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن يزيد المعلم
10

قال حدثنا موسى بن معاوية الصمادحي قال حدثنا جرير عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وقعت على أهلي في رمضان قال بئسما صنعت أعتق رقبة قال لا أجدها قال انحر بدنة قال لا أجدها قال اذهب فتصدق بعشرين صاعا إن أو أحد وعشرين صاعا من تمر قال لا أجد قال فجئني أتصدق (24) عنك قال ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه مني قال اذهب فكله أنت وأهلك ففي هذا الحديث أنه قال انحر بدنة إذ قال لا أجد رقبة وهكذا رواية عطاء وذكر البخاري في التاريخ قال حدثنا ابن شريك قال حدثني أبي عن ليث عن عطاء ومجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعتق رقبة ثم قال انحر بدنة قال البخاري ولا يتابع عليه (25) قال البخاري وقال عارم عن أبي عوانة عن إسماعيل بن سالم عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (26) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد ابن محمد البرتي قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا هشيم عن إسماعيل بن سالم عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي افطر يوما في (27) رمضان بكفارة الظهار
11

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا البرتي قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا هشيم أخبرنا ليث عن مجاهد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عثمان بن أحمد الخلال قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد البزار قال حدثنا أبو الجماهر محمد بن عثمان قال سمعت سعيد
بن بشير (28) يقول عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن الرجل الذي وقع على أهله في رمضان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان بن صخر أحد بني بياضة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تصدق قال أبو عمر أظن هذا وهما لأن المحفوظ أنه ظاهر من امرأته ثم وقع عليها لا أنه كان ذلك = منه في رمضان والله أعلم
حديث ثالث لعطاء الخراساني مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصافحوا يذهب الغل (29) وتهادوا (30) تحابوا وتذهب (31) الشحناء (32) وهذا يتصل من وجوه شتى حسان كلها
12

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو طالب محمد بن زكرياء المقدسي قال حدثنا جعفر بن محمد بن حماد قال حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا سليمان بن حيان حدثنا الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا (33) أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر وابن نمير عن الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره حرفا بحرف حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الذيبلي قال حدثنا عامر بن محمد بن عبد الرحمان القرمطي قال حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا عمر بن حمزة حدثنا المنذر بن ثعلبة عن أبي العلاء بن الشخير عن البراء بن عازب قال لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فقلت يا رسول الله أن كنت لأحسب أن المصافحة للأعاجم (34) فقال نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال حدثنا إسماعيل بن عيسى بن سليم البصري وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو قلابة حدثنا عمر ابن عامر أبو حفص قالا حدثنا عبيد الله بن الحسن القاضي بالبصرة قال حدثنا
13

سعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي قال (35) إسماعيل بن عيسى عن عمر ابن الخطاب وقال عمر بن عامر سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان فتصافحا أنزل الله عليهما مائة رحمة تسعون منها للذي بدأ بالمصافحة وعشر للذي صوفح وكان أحبهما إلى الله أحسنهما بشرا بصاحبه (36) وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي حدثنا عامر بن محمد حدثنا أبو صالح حمزة بن مالك الأسلمي حدثنا سفيان ابن حمزة عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله والوليد بن رباح أن معاذ بن جبل قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معاذ إذا التقى الأخوان في الإسلام فأخذ أحدهما بيد أخيه تحاتت خطاياهما بينهما كتحات ورق الشجر عنها قال أبو عمر حديث معاذ هذا إسناده ليس بالقوي حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن أبي بلج عن زيد أبي الحكم العنبري عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما (37)
14

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن فطر الفروجردي (38) حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج حدثنا أحمد بن الحسن بن خداش حدثنا عبد الصمد حدثنا أبو هاشم أخبرنا منصور عن رفيع ابن لوط عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المسلم إذا أخذ بيد صاحبه فصافحه وهو صادق لم يبق بينهما ذنب إلا سقط حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا وهب بن مسرة وقاسم بن اصبغ قالا حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن حنظلة بن عبد الله السدسوي عن أنس بن مالك قال قلنا يا رسول الله أينحني بعضنا (39) لبعض إذا التقينا قال لا فقلنا فيعانق بعضنا بعضا قال لا قلنا فيصافح بعضنا بعضا قال نعم أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا حميد عن أنس بن مالك قال لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة (40) ورواه ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن حميد الطويل عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقدم عليكم قوم أرق منكم قلوبا فقدم علينا الأشعريون فيهم أبو موسى فكانوا أول من أظهر المصافحة في الإسلام
15

حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد ابن حبيب قال حدثنا الأوزاعي حدثنا عطاء قال رأيت ابن عباس يصلي في الحجر فجاءه رجل فقام إلى جنبه ثم مد الرجل يده فالتفت ابن عباس فبسط يده يصافحه فرأيته يغمز يده وهو في الصلاة فعرفت أن ذلك من مودته إياه ثم مضى في صلاته أخبرنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا أبو علي الحسن ابن علي بن شعيب المعمري قال حدثنا شيبان بن فروخ قال حدثنا أبو هلال الراسي قال حدثنا حنظلة عن أنس بن مالك قال المعمري وحدثنا محمد ابن عبيد قال حدثنا حماد بن زيد عن حنظلة بن عبيد الله السدوسي قال سمعت أنس بن مالك أنهم قالوا يا رسول الله أينحني بعضنا لبعض إذا التقينا قال لا قال فيلتزم بعضنا بعضا قال لا ولكن تصافحوا وقال حماد في حديثه قالوا فيصافح بعضنا بعضا قال تصافحوا وذكره سنيد قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن حنظلة السدوسي عن أنس قال قيل يا رسول الله أينحني بعضنا لبعض إذا لقي الرجل أخاه قال لا قيل أفيلتزمه ويقبله قال لا قيل أفيصافحه ويأخذ بيده قال نعم وذكر سنيد قال حدثنا أبو الحوص عن أبي إسحاق عن عبد الرحمان بن الأسود عن أبيه وعلقمة أنهما قالا من تمام التحية المصافحة قال وحدثنا حماد بن زيد عن هشام عن الحسن أنه سئل عن المصافحة قال تزيد في المودة وقد روي في الالتزام حديث أبي ذر بإسناد ليس بالقوي قال أبو ذر ما لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صافحني وأتيته يوما وهو على سرير له فالتزمني فكانت أجود وأجود
16

قال أبو عمر روى ابن وهب وغيره عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة وذهب إلى هذا سحنون وغيره من أصحابنا وقد روي عن مالك خلاف هذا (41) من جواز المصافحة وهو الذي يدل عليه معنى ما في الموطأ وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف وفيه آثار حسان قد ذكرنا كثيرا منها في مواضع من هذا الكتاب والحمد لله وأما الهدية فقوله صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا يتصل من حديث أبي هريرة من رواية أهل مصر حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن
أصبغ قال حدثنا أحمد ابن زهير قال حدثنا محمد بن بكير الحضرمي قال حدثنا ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا (42) وحدثنا عبد الرحمان حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تهادوا يبنكم فإن الهدية تذهب السخيمة (43) قال ابن وهب سألت يونس عن السخيمة ما هي فقال الغل (44)
17

قال أبو عمر هذا الحديث وصله عثمان الوضاحي عن الزهري حدث به ابن صاعد قال حدثنا زياد بن يحيى أبو الخطاب حدثنا أبو عتاب الدلال حدثنا عثمان ابن عبد الرحمان حدثني الزهري عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم العون الهدية على طلب الحاجة وبإسناده قال النبي صلى الله عليه وسلم تهادوا فإن الهدية تذهب السخيمة قيل وما السخيمة قال الجنة تكون في الصدر أخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر الحافظ حدثنا علي بن محمد بن أحمد المصري حدثنا محمد بن عبد الرحمان بن بحير حدثنا أبي حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن معاوية بن الحكم أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تهادوا فإنه يضاعف الود ويذهب بغوائل الصدر قال أبو الحسن تفرد به ابن بحير عن أبيه عن مالك ولم يكن بالرضى ولا يصح عن مالك ولا عن الزهري وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا محمد بن عيسى بن شيبة البغدادي قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا يحيى بن بكير عن ضمام بن إسماعيل المعافري عن موسى بن ودان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تهادوا تحابوا قال أبو عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية وندب أمته إليها وفيه الإسوة الحسنة به صلى الله عليه وسلم ومن فضل الهدية مع اتباع السنة أنها تورث المودة وتذهب العداوة على ما جاء في حديث مالك وغيره مما في معناه حدثنا
18

عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي حدثنا الحسين بن الحسن المروزي حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا أبو معشر قال سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدور (45) ولا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن (46) شاة (47) ولقد أحسن = القائل
* هدايا الناس بعضهم لبعض
* تولد في قلوبهم الوصالا
* وتزرع في الضمير هوى وودا
* وتكسوهم إذا حضروا جمالا
* وقال غيره
* إن الهدايا لها حفظ إذا وردت
* أحظى من الابن عند الوالد الحدب (48
* حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن محمد بن الخصيب القاضي بمصر حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا فضيل بن سليمان عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المعروف كله صدقة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة (49) من حديث جابر وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وغيرهم
19

وفي حديث ابن مسعود وابن عمر كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة (50) حدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثنا أبو يونس المديني حدثني هارون بن يحيى الحاطبي (51) حدثني عثمان بن عثمان بن خالد بن الزبير عن أبيه عن علي بن حسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما تكون الصنيعة إلى ذي دين أو ذي حسب وجهاد الضعيف الحج وجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها والتودد نصف الدين وما عال امرؤ على اقتصاد واستنزلوا الرزق بالصدقة أبى الله أن يرزق عباده المؤمنين إلا (52) من حيث لا يحتسبون وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الحلبي ببيت المقدس حدثنا أحمد بن داود الحراني حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال اجتمع علي بن أبي طالب وأبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فتماروا في أشياء فقال لهم علي بن أبي طالب انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسأله فلما وقفوا على النبي عليه السلام قالوا يا رسول الله جئنا نسألك قال إن شئتم سألتموني وإن شئتم أخبرتكم بما جئتم له قالوا أخبرنا يا رسول الله قال جئتم تسألوني عن الصنيعة لمن تكون ولا ينبغي أن تكون الصنيعة إلا لذي حسب أو دين وجئتم تسألوني عن الرزق يجلبه الله على العبد الله يجلبه عليه فاستنزلوه
20

بالصدقة وجئتم تسألوني عن جهاد الضعيف وجهاد الضعيف الحج والعمرة وجئتم تسألوني عن جهاد المرأة وجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها وجئتم تسألوني عن الرزق من أين يأتي وكيف يأتي (أبى) (53) الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب قال أبو عمر هذا حديث غريب من حديث مالك وهو حديث حسن ولكنه منكر (54) عندهم عن مالك ولا يصح عنه ولا له أصل (55) في حديثه آخر باب العين والحمد لله رب العالمين
21

((باب القاف))
((مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع أحد بني سعد بن ليث))
وهو مدني ثقة (1) روى عنه مالك وغيره لمالك عنه حديث واحد مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع أن يحنس (2) مولى الزبير بن العوام أخبره أنه كان
جالسا عند عبد الله بن عمر في الفتنة (3) فأتته مولاة (4) له تسلم عليه فقالت إن أردت الخروج يا أبا عبد الرحمان اشتد علينا الزمان فقال لها عبد الله بن عمر اقعدي لكع (5) فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة (6)
22

هكذا روى يحيى بن يحيى هذا الحديث عن مالك فقال فيه عن قطن ابن وهب بن عويمر بن الأجدع وكذلك رواه ابن بكير وأكثر الرواة ورواه ابن القاسم عن مالك عن قطن بن وهب عن عويمر بن الأجدع أن يحنس والصحيح ما رواه يحيى ومن تابعه وكذلك نسبه ابن البرقي وقال فيه القعنبي عن قطن بن وهب أن يحنس مولى الزبير ورواية القعنبي تشهد لصحة ما روى (7) يحيى ومن تابعه والله أعلم وكذلك قال (8) أبو مصعب عن مالك عن قطن بن وهب أن يحنس حدثنا خلف بن القاسم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا محمد بن رزيق ابن جامع حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك عن قطن بن وهب إن يحنس مولى الزبير أخبره أنه كان جالسا مع عبد الله بن عمر في الفتنة فذكر الحديث وكذلك حدثنا خلف بن قاسم أيضا قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد ابن أبي الموت حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي البصري أبو عبد الله (9) حدثنا مالك بن أنس عن قطن بن وهب عن يحنس مولى الزبير أنه أخبره عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصير على لأوائها يعني المدينة وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة قال أبو عمر قوله على لأوائها وشدتها يعني المدينة والشدة الجوع واللأواء تعذر المكسب وسوء الحال
23

وأما قوله لكع فإنه أراد ضعيفة الرأي وأصل هذه اللفظة الخسة والدناءة والضعف ويقال للرجل لكع وللمرأة أيضا لكع وقد يقال للمرأة لكاع مبني على الكسر مثل حذام وقطام وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يأتي على الناس زمان أسعد الناس فيه بالدنيا لكع بن لكع وفي هذا الحديث فضل المدينة وفضلها غير مجهول ومخرج حديث ابن عمر هذا يعم الأوقات كلها وقد قيل إن ذلك إنما ورد فيمن صبر على لأوائها وشدتها ذلك الوقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل خروج الصحابة (10) عنها بعده وقد بينا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا هذا والحمد لله وقد أخبرنا سعيد بن عثمان قال حدثنا أحمد بن دحيم وحدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قالا حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثنا أبو عبيد الله المخزومي سعيد بن عبد الرحمان قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا موسى بن أبي عيسى أنه سمع أبا عبد الله القراظ يقول سمعت أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما جبار أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء ولا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة والقول في هذا الحديث كالقول في حديث قطن بن وهب وقد تقدم فضل المدينة في مواضع من هذا الكتاب والحمد لله وقد روى أبو معشر المدني عن عبد السلام بن محمد بن أبي الجنوب (11) عن الحسن عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المعدينة
24

مهاجري (12) ومضجعي من الأرض وحق على أمتي أن يكرموا جيراني ما اجتنبوا الكبائر فمن لم تفعل سقاه الله من طينة الخبال عصارة أهل النار وهذا إسناد فيه لين وضعف ليس مما يحتج به والفضائل يتسامح فيها قديما والله المستعان حدثنا خلف بن القاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد وعبد الله بن محمد بن إسحاق قالا حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا مالك عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع أن يحنس مولي الزبير أخبره أنه كان جالسا عند عبد الله بن عمر في الفتنة فأتته ملاوه له تسلم عليه فقالت يا أبا عبد الرحمان إني أردت الخروج اشتد علينا الزمن فقال لها اقعدي لكع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة (13) =
25

((باب السين))
((مالك عن سعيد بن إسحاق ويقال سعد حديث واحد))
وهو سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا جده كعب بن عجرة في كتاب الصحابة (1) بما يغني عن ذكره ههنا وهو من بلي حليف لبني سالم (2) من الأنصار وسعد بن إسحاق هذا ثقة لا يختلف في ثقته وعدالته (3) روى عنه مالك ومعمر والثوري والقطان وشعبة وكان من ساكني المدينة وبها كانت وفاته سنة أربعين ومائة وروى عنه من الجلة ابن شهاب ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وقد قيل إن هذا الحديث رواه ابن شهاب عن مالك فقال فيه حدثني رجل من أهل المدينة يقال له مالك بن أنس عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب عن الفريعة بنت مالك بن سنان فذكر الحديث رواه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب كتبناه عن خلف بن قاسم من وجوه وأحمد بن شبيب يتكلمون فيه (4)
26

مالك عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة (5) بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا (6) بطرف القدوم (7) لحقهم فقتلوه قالت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي في بني خدرة (8) فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قالت فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة (9) ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمرني فنوديت له فقال كيف قلت فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فأتبعه وقضى به (10) هكذا قال يحيى سعيد بن إسحاق وتابعه بعضهم وأكثر الرواة يقولون فيه سعد بن إسحاق وهو الأشهر وكذلك قال شعبة وغيره (11) وقال عبد الرزاق في هذا الحديث عن الثوري ومعمر عن سعيد بن إسحاق كما قال يحيى كذلك في كتاب الدبري
27

أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد ابن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري (12) قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن (13) لكعب بن عجرة قال حدثتني عمتي وكانت تحت أبي سعيد الخدري أن فريعة حدثتها أن زوجها خرج في طلب أعلاج أباق (14) حتى إذا كان بطرف القدوم وهو جبل أدركهم فقتلوه قالت فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن زوجها قتل وأنه تركها في مسكن ليس له واستأذنته في الانتقال فأذن لها
فانطلقت حتى إذا كانت بباب الحجرة أمر بها فردت وأمرها أن تعيد عليه حديثها ففعلت فأمرها ألا تبرح حتى يبلغ الكتاب أجله (15) قال وأخبرنا معمر عن سعيد بن إسحاق قال أحمد بن خالد كذا قرأعلينا الدبري سعيد بن إسحاق وإنما أعرفه سعد بن إسحاق فقرأ علينا عن عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة أنه حدثه عن عمته زينب ابنة كعب بن فريعة بهذا الحديث وزاد معمر فلما كان في زمن عثمان أتت امرأة تسأله عن ذلك قالت (16) فريعة فذكرت له فأرسل إلي فسألني فأخبرته فأمرها ألا تخرج من بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله (17) قال وأخبرنا الثوري عن سعيد بن إسحاق هكذا قال سعيد بن إسحاق ابن كعب بن عجرة عن عمته زينب ابنة كعب بن عجرة عن فريعة ابنة مالك
28

أن زوجها قتل بالقدوم قالت (18) فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له إن لها أهلا فأمرها أن تنتقل فلما أدبرت دعاها فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله أربعة أشهر وعشرا (19) قال وأخبرنا ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن أبي بكر أن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة أخبره عن عمته زينب ابنة كعب بن عجرة أن فريعة بنت مالك أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أن زوجا لها خرج حتى إذا كان من المدينة على ستة أميال عند طرف جبل يقال له القدوم تعادى عليه اللصوص فقتلوه وكانت فريعة في بني الحرث بن الخزرج في مسكن لم يكن لبعلها إنما كان سكناها فجاءها إخوتها فيهم أبو سعيد الخدري فقالوا ليس بأيدينا سعة فنعطيك ونمسك ولا يصلحنا إلا أن نكون جميعا ونخشى عليك الوحش فسلي النبي صلى الله عليه وسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقصت عليه ما قال إخوتها بالوحشة واستأذنته في أن تعتد عندهم فقال افعلي إن شئت قالت فأدبرت حتى إذا كنت في الحجرة قال تعالي عودي لما قلت فعادت فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ثم إن عثمان بعثت إليه امرأة من قومه تسأله أن تنتقل من بيت زوجها فتعتد في غيره فقال افعلي ثم قال لمن حوله هل مضى من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صاحبي في مثل هذا شيء فقالوا إن فريعة تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها فأخبرته فانتهى إلى قولها وأمر المرأة أن لا تخرج من بيتها قال ابن جريج وأخبرت أن هذه المرأة التي أرسلت إلى عثمان أم أيوب بنت ميمون بن عامر الحضرمي وأن زوجها عمران بن طلحة بن عبيد الله (20)
29

هكذا قال عبد الله بن أبي بكر سعد بن إسحاق وكذلك قال يحيى القطان حدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن يوسف وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا محمد بن مسعود قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال حدثني سعد بن إسحاق قال حدثتني زينب بنت كعب عن فريعة بنت مالك قالت خرج زوجي في طلب أعلاج فأدركهم بطرف القدوم فقتلوه فأتى نعيه وإنا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له إني أتاني نعي زوجي وأنا في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع لي نفقة ولا مالا ورثته وليس المسكن لي فلو تحولت إلى إخوتي وأهلي كان أرفق بي في بعض شأني فقال تحولي فلما خرجت من المسجد أو الحجرة دعاني أو أمر من دعاني فدعيت له فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله فاعتدت أربعة أشهر وعشرا فأرسل إلي عثمان فأتيته فحدثته فأخذ به أخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال حدثنا عبد الله ابن نمير قال حدثني يحيى بن سعيد عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب أنها سمعت فريعة ابنة مالك بن سنان تحدث أن زوجها قتل بمكان بالمدينة (21) يسمى طرف القدوم وأن فريعة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تريد أن تنتقل من بيت زوجها إلى أهلها فذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لها في ذلك فقامت ثم دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله
30

في (22) هذا الحديث إيجاب العمل بخبر الواحد ألا ترى إلى عمل عثمان ابن عفان به وقضائه باعتداد المتوفى عنها (زوجها) (23) في بيتها من أجله في جماعة الصحابة من غير نكير وفي هذا الحديث وهو حديث مشهور معروف عند علماء الحجاز والعراق أن المتوفى عنها زوجها عليها أن تعتد في بيتها ولا تخرج منه وهو قول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وهو قول عمر وعثمان وابن عمر وابن مسعود وغيرهم وكان داود وأصحابه يذهبون إلى أن المتوفى عنها زوجها ليس عليها أن تعتد في بيتها وتعتد حيث شاءت لأن السكنى إنما ورد به القرآن في المطلقات ومن حجته أن المسألة مسألة اختلاف (24) قالوا هذا الحديث إنما ترويه امرأة غير معروفة بحمل العلم وإيجاب السكنى إيجاب حكم والأحكام لا تجب إلا بنص كتاب أو سنة ثابتة أو إجماع قال أبو عمر أما السنة فثابتة بحمد الله وأما الإجماع فمستغنى عنه مع السنة لأن الاختلاف إذا نزل في مسألة كانت الحجة في قول من وافقته السنة وبالله التوفيق وأما الاختلاف في هذه المسألة فذكر عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عطاء عن ابن عباس قال إنما قال الله تعتد أربعة
31

أشهر وعشرا ولم يقل في بيتها (25) قال وأخبرني عطاء أن عائشة حجت واعتمرت (26) بأختها بنت أبي بكر في عدتها وكان قتل عنها زوجها طلحة بن عبيد الله (27) قال عطاء ولا يضر المتوفى عنها أين اعتدت (28) قال ابن جريج وأخبرني ابن شهاب (29) عن عروة قال خرجت عائشة بأختها أم كلثوم حين قتل عنها زوجها طلحة بن عبيد الله إلى مكة في عمرة قال عروة وكانت عائشة تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها (30) قال وأخبرنا الثوري عن عبيد الله بن عمر أنه سمع القاسم بن محمد يقول أبى الناس ذلك عليها (31) وعن الثوري وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن علي رضي الله عنه أنه انتقل ابنته (32) أم كلثوم في عدتها وقتل عنها عمر رحمه الله (33)
32

قال وأخبرنا معمر عن الزهري قال أخذ المترخصون في المتوفى عنها بقول عائشة وأخذ أهل العزم والورع بقول ابن عمر (34) قال وأخبرنا معمر وابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه قال لا تنتقل المتوفى عنها إلا أن ينتوي (35) أهلها منزلا فتنتوي معهم (36) وهو قول ابن شهاب وأما إذا كان المسكن بكراء فقال مالك هي أحق بسكناه من الورثة والغرماء من رأس مال المتوفى إلا أن لا يكون فيه عقد لزوجها وأراد أهل المسكن إخراجها وإذا كان المسكن لزوجها لم يبع في دينه حتى تنقضي عدتها وهذا كله قول الشافعي وأبي حنيفة وجمهور العلماء وبالله التوفيق
33

سعيد بن أبي سعيد المقبري يكنى بأبي سعد واسم أبيه أبي سعيد كيسان وهو مولى لبني جندع من بني ليث بن بكر بن عبد مناة كان مكاتبا لرجل منهم فأدى كتابته في زمن عمر بن الخطاب وعتق ولهما جميعا رواية عن أبي هريرة وغيره من الصحابة ويقال إنهما قد سمعا من سعد بن أبي وقاص وسماعهما واحد ممن سمعا منه أو قريب بعضه من بعض وكانا ثقتين وسعيد في الرواية أشهر من أبيه روى عنه من الأئمة جماعة منهم مالك وابن أبي ذئب وابن عيينة والليث وقيل إنه اختلط قبل وفاته بأربع سنين وسماع ابن أبي ذئب منه قبل الاختلاط وكذلك مالك (1) واختلف في وفاة سعيد بن أبي سعيد فقيل كانت وفاته بالمدينة وكان بها (2) سكناه قبل سنة ثلاث وعشرين ومائة في خلافة هشام قبل موت الزهري بعام وقيل سنة خمس وعشرين وقيل سنة ست وعشرين ومائة وتوفي أبوه أبو سعيد في خلافة عمر بن عبد العزيز وقيل في خلافة الوليد ابن عبد الملك وكان يقال له المقبري لأنه كان يسكن على المقبرة (3) وفي المقبرة لغتان مغبرة ومقبرة بالضم والفتح لمالك عن سعيد بن أبي سعيد خمسة أحاديث أحدها موقوف يستند مرفوعا من وجوه ثابتة
34

حديث أول لسعيد بن أبي سعيد مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن = كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته (4) يوم وليلة وضيافته ثلاثة أيام فما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه (5) لم يختلف الرواة للموطأ في هذا الحديث عن مالك وهو حديث صحيح وقد رواه عن سعيد بن أبي سعيد جماعة أجلهم يحيى بن أبي كثير لأنه في درجة مع سعيد ابن أبي سعيد في أبي سلمة وغيره وقد سمع أبو سعيد من أبي شريح الكعبي هذا الحديث وفي هذا الحديث آداب وسنن منها التأكيد في لزوم الصمت وقول الخير أفضل من الصمت لأن قول الخير غنيمة والسكوت سلامة والغنيمة أفضل من السلامة وكذلك قالوا قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم قال عمار الكلبي
* وقل الخير (6) وإلا فاصمتن
* فإنه من لزم الصمت سلم
35

وقال آخر
* ومن لا يملك الشفتين يسخو
* بسوء اللفظ من قيل وقال (7
* ولقد أحسن القائل (8
* رأيت اللسان على أهله
* إذا ساسه الجهل ليثا مغيرا
* وقال آخر (9
* لسان الفتى حتف الفتى حين يجهل
* وكل امريء ما بين فكيه مقتل (10
* فمن كانت هذه حاله هو المأمور بالصمت لا قائل الخير وذاكر الله وقد ذكرنا هذا المعنى وكثيرا مما قيل فيه من النظم والنثر في كتاب العلم (11) وتقصيته في كتاب بهجة المجلاس (12) والحمد لله وروي عن ابن مسعود أنه قال ما الشؤم إلا في اللسان وما شيء أحق بطول السجن منه وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حامد قال حدثنا الحسن بن الطيب قال حدثنا داود بن بلال قال حدثنا عبد السلام بن هاشم عن خالد بن فرز (13) عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
36

رد غيظه دفع الله عنه عذابه ومن حفظ لسانه ستر الله عورته ومن اعتذر إلى الله قبل عذره حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أبو بكر ابن أبي داود قال حدثنا أحمد بن صالح المصري قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا ابن لهيعة وعمرو بن الحرث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمان الحبلي (14) عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صمت نجا (15) وقال الحسن رحمه الله أربع لا مثل لهن الصمت وهو أول العبادة والتواضع وذكر الله وقلة المشي وقد اختلف العلماء فيما يكتب على المرء من كلامه فذكر سنيد قال حدثنا معتمر (16) بن سليمان عن طلحة بن عمرو عن عطاء في قوله * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * 17 قال يكتب كل شيء حتى ما يعلل به الرجل صبيه والمرأة صبيها
37

قال وحدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله * (عن اليمين وعن الشمال قعيد) * 18 قال كانت الحسنات عن يمينه وكانت السيئات عن شماله (19) * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * قال وحدثنا خالد بن عبد الله عن عبد الملك بن أبي سليمان عن أبي عبيد الله عن مجاهد في قوله * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * قال يكتب كل شيء حتى أنينه في مرضه قال وحدثنا معتمر عن ليث عن طلحة بن مطرف قال ما ظفرت من أيوب بشيء إلا بأنينه قال ليث فحدثت به طاوسا وهو مريض فما أن حتى مات فقال بهذا قوم وخالفهم آخرون فقالوا لا يكتب إلا الخير والشر ذكر أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر قال حدثنا أبو حاتم محمد بن
إدريس الرازي قال حدثنا الأنصاري قال حدثنا هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس في قوله * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * قال يا غلام اسقني (20) الماء وأسرج الفرس لا يكتب إلا الخير والشر قال وحدثنا أبو سعيد الهروي قال حدثنا محمد بن عبد المجيد (21) قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا النضر بن شميل قال حدثنا هشام بن حسان قال سمعت عكرمة يحدث عن ابن عباس قال يكتب عن الإنسان ما يتكلم به من خير أو شر وما سوى ذلك فلا يكتب
38

قال وحدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو النعمان قال حدثنا حماد بن زيد عن يزيد (22) بن خازم عن عكرمة قال * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * قال لا يكتب عليه إلا ما يؤجر فيه ويؤزر فيه قال لو قال رجل لامرأته تعالي حتى نفعل كذا وكذا أكان يكتب عليه قال حماد ابن شعيب وسمعت الكلبي يقول يكتب كل شيء فإذا كان يوم الاثنين والخميس ألقي منه أطعمني واسقني وكتب البقية وذكر عن الأحنف وجها رابعا قال صاحب اليمين يكتب الخير وهو أمين على صاحب الشمال فإذا أصاب العبد الخطيئة قال امسك فإن استغفر الله نهاه أن يكتبها وإن أبى إلا أن يصر عليها كتبها وقال عطاء كانوا يكرهون فضول الكلام وقال شفي الأصبحي من كثر كلامه كثر خطاياه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله ابن الحرث عن أبي كثير عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش فإن الله لا يحب الفحش والتفحش وإياكم الشح فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالبخل فبخلوا وبالفجور ففجروا فقام رجل فقال يا رسول الله أي الإسلام أفضل قال أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك وذكر تمام الحديث (23)
39

وذكر مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رأى أبا بكر الصديق وهو آخذ بلسانه بيده وهو يقول إن ذا أوردني الموارد (24) ورواه الدراوردي عن زيد ابن أسلم عن أبيه مثله وزاد فيه وقال ليس شيء من الجسد إلا وهو يشكو اللسان إلى الله وروى حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري يرفعه قال إذا أصبح ابن آدم أصبحت الأعضاء تستعيذ من شر اللسان وتقول اتق الله فينا فإنك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا (25) حدثناه أحمد بن فتح قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حامد بن ثرثال البغدادي قال حدثنا الحسن بن الطيب بن حمزة البلخي قال حدثنا محمد بن عبيد بن حباب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا (26) أبو الصهباء عن سعيد ابن جبير عن أبي سعيد الخدري يرفعه فذكره وأخبرنا خلف بن قاسم حدثنا يعقوب بن المبارك حدثنا إسحاق بن أحمد البغدادي حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا عبد الرحمان بن مهدي حدثنا حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بمعناه مرفوعا قال ابن مهدي رأيت سفيان الثوري جالسا عند حماد بن زيد يكتب هذا الحديث
40

قال أبو يوسف يعقوب بن المبارك هكذا وجدته في كتابي عن أبي يعقوب الكاغذي (27) وحدثناه يحيى بن زكرياء عن يعقوب الدورقي فلم يجز به أبا سعيد الخدري قال وحدثناه إسحاق بن أبي إسرائيل قال حدثنا حماد بن زيد عن أبي الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخدري موقوفا وروى شعبة عن الأعمش عن صالح بن خباب عن حصين بن عقبة عن سلمان قال ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان وروى الحكم عن أبي وائل عن ابن مسعود مثله ومن ههنا اتخذ القائل (28) قوله
* وما شيء إذا فكرت فيه أحق بطول سجن من لسان
* ومن الآداب أيضا والسنن في هذا الحديث الحض على بر الجار وإكرامه لقوله صلى الله عليه وسلم ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث مالك وغيره أنه قال ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه (29) والله عز وجل قد أوصى بالجار ذي القربى والجار الجنب قالوا الجار ذو القربى جارك من قرابتك والجار الجنب قالوا الجار المجانب وقالوا الجار من غير قرابتك من قوم آخرين وروى الأوزاعي عن الزهري قال جاء رجل يشكو جاره فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي ألا إن أربعين دارا جار فلا يدخل الجنة من خاف جاره
41

بوائقه (30) قال الزهري أربعين دارا يمينا وشمالا وبين يديه ومن خلفه ذكره سنيد عن محمد بن كثير عن الأوزاعي قال سنيد وأخبرنا حجاج عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قالها ثلاثا قالوا وما ذلك يا رسول الله قال الجار الذي لا يأمن جاره بوائقه قالوا وما بوائقه قال شره (31) وفيه الحض على إكرام الضيف وإجازته وفي ذلك دليل على أن الضيافة ليست بواجبة وأنها مستحبة مندوب إليها غير مفترضة لقوله جائزته والجوائز لا تجب فرضا لأنها إتحاف الضيف بأطيب ما يقدر عليه من الطعام قال ابن وهب وسمعت مالكا يقول في تفسير جائزته يوم وليلة قال يحسن ضيافته ويكرمه وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير فيمن لا يضيف (32) رواه ابن وهب وقتيبة والوليد بن مسلم عن ابن لهيعة وروى أبو توبة الربيع بن نافع عن بقية عن الأوزاعي أنه قال له يا أبا عمرو الضيف ينزل بنا فنطعمه الزيتون والكامخ وعندنا ما هو أفضل منه العسل والسمن فقال إنما يفعل هذا من لا يؤمن بالله واليوم الآخر
42

قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين العلماء في مدح مضيف الضيف وحمده والثناء بذلك عليه وكلهم يندب إلى ذلك ويجعله من مكارم الأخلاق وسنن المرسلين لأنه ثبت أن إبراهيم عليه السلام أول من ضيف الضيف وحض رسول الله صلى الله عليه وسلم على الضيافة وندب إليها واختلف العلماء في وجوبها فرضا فمنهم من أوجبها ومنهم من لم يوجبها وكل من لم يوجبها يندب إليها ويستحبها وممن أوجبها الليث بن سعد قال ابن وهب سألت الليث عن عبد مملوك تمر به فيقدم إليك طعاما لا تدري هل أمره سيده أم لا فقال الليث الضيافة حق واجب وأرجو أن لا يكون به بأس وقال مالك لا تجوز هبة العبد المأذون له ولا دعوته ولا عاريته ولا يجوز له إخراج شيء من ماله بغير عوض إلا أن يأذن له سيده وهو قول الشافعي والحسن بن حي وقال الليث لا بأس بضيافته وقد روى الربيع عن الشافعي أنه قال الضيافة على أهل البادية والحاضرة حق واجب في مكارم الأخلاق وقال مالك ليس على أهل الحضر ضيافة وقال سحنون إنما الضيافة على أهل القرى وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر ومن حجة من ذهب
هذا المذهب ما حدثناه عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا الحسن بن إسماعيل قال حدثنا بكر بن محمد بن العلاء القشيري القاضي قال حدثنا أبو مسلم الكشي قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن
43

أخي عبد الرزاق قال حدثنا عبد الرزاق عن سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر (33) قال أبو عمر هذا حديث لا يصح وإبراهيم بن (34) أخي عبد الرزاق متروك الحديث منسوب إلى الكذب وهذا مما انفرد به ونسب إلى وضعه ومما احتج به بعض من ذهب مذهب الليث في الضيافة حديث شعبة عن منصور عن الشعبي عن المقدام أبي (35) كريمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم فإن أصبح بفنائه فإنه دين إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه (36) وروى الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فنمر بقوم لا يقروننا فما ترى فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي (37) (لهم) (38) حدثناه محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين (الآجري بمكة) (39) قال حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث فذكره
44

وروى عبد الرحمان بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أضاف قوما فلم يقروه كان له أن يعقبهم (39) بمثل قراه (40) وروى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى المثنى بن الصباح عن عطاء عن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (سواء) (41) وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف حدثنا الحسن بن إسماعيل حدثنا علي بن عبد الله بن أبي مطر حدثنا محمد بن علي بن مروان حدثنا سليمان بن حرب أبو أيوب حدثنا الوليد حدثنا جرير بن عثمان الرحبي عن عبد الرحمان بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معدي كرب الكندي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نزل بقوم فعليهم أن يقروه فاحتج بهذه الآثار من ذهب مذهب الليث في وجوب الضيافة واحتجوا أيضا بما روي في تأويل قوله عز وجل * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * 42 قال مجاهد ذلك في الضيافة إذا لم يضف فقد رخص له أن يقول فيه ذكره وكيع عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال ابن جريج عن مجاهد نزلت في رجل ضاف رجلا بفلاة من الأرض فلم يضفه فنزلت * (إلا من ظلم) * ذكر أنه لم يضفه لا يزيد على
45

ذلك قالوا فهذه الآية تدل على أن ذلك ظلم والظلم ممنوع منه فدل على وجوب الضيافة واحتج الآخرون بحديث سعيد بن أبي سعيد هذا عن أبي شريح الكعبي العدوي عن النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في أول هذا الباب وقد رواه الليث عن سعيد بن أبي سعيد كما رواه مالك سواء وفيه دليل على أن الضيافة إكرام وبر وفضيلة لا فريضة ومما يدل على ذلك أيضا ما رواه (43) عبد الرحمان بن أبي ليلى قال حدثنا المقداد بن الأسود قال جئت أنا وصاحب لي قد كادت تذهب أبصارنا وأسماعنا من الجوع فجعلنا نتعرض للناس فلم يضفنا أحد فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله أصابنا جوع شديد فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد فأتيناك فذهب بنا إلى منزله وعنده أربعة أعنز فقال يا مقداد أحلبهن وجزئ اللبن لكل اثنين (44) جزءا ففي هذا الحديث أن المقداد وصاحبه قد استضافا فلم يضافا ولم يأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذا ممن استضافا قدر ضيافتهما مع شدة حاجتهما فدل ذلك أن الضيافة غير واجبة جملة أو كانت واجبة في بعض الأوقات فنسخت وأهل العلم يأمرون بالضيافة ويندبون إليها ويستحبونها وهي عندهم على أهل البوادي آكد (45) وقولهم (46) ليس على أهل الحضر ضيافة يدل على تأكيد سنتها على أهل البادية ومنهم من سوى بين البادية والحاضرة في ذلك وأما اختلافهم في إيجابها فرضا فعلى ما تقدم ذكره وأما الآية فقد مضى عن مجاهد فيها في هذا الباب ما ذكرنا
46

وقال سعيد عن قتادة في قوله * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * الآية قال عذر الله المظلوم كما تسمعون أن يدعو على من ظلمه وقال ابن جريج عن عبد الله بن كثير إلا من ظلم قال إلا من أثر ما قيل له فلم يقل هؤلاء إن الآية نزلت في الضيافة ولا في قولهم شيء يدل على أن الآية (47) لم تنزل في الضيافة وقال الطحاوي الضيافة من كرامة الضيف على حديث أبي شريح الكعبي وفيه دليل على انتفاء وجوبها قال وجائز أن تكون كانت واجبة عند الحاجة إليها لقلة عدد أهل الإسلام في ذلك الوقت وتباعد أوطانهم وأما اليوم فقد عم الإسلام وتقارب أهله في الجوار قال وفي حديث أبي شريح جائزته يوم وليلة قال والجائزة منحة والمنحة إنما تكون عن اختيار لا عن وجوب وبالله التوفيق ومما يدل على أن الضيافة ليست بواجبة فرضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه وقد أجمعوا أن إكرام الجار ليس بفرض فكذلك الضيف وفي هذا الحديث وما كان مثله دليل على أن الضيافة من مكارم الأخلاق في الحاضرة والبادية ويجوز أن يحتج بهذا من سوى بين الضيافة في البادية والحاضرة إلا أن أكثر الآثار في تأكيدها إنما وردت في قوم مسافرين منعوها ومما يدل على أنها ليست بواجبة فرضا ما حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف حدثنا الحسن بن إسماعيل حدثنا أحمد بن عاصم حدثنا جعفر بن محمد القلانسي حدثنا أحمد بن يونس حدثنا سفيان وهو الثوري عن أبي
47

إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه قال قلت يا رسول الله إني مررت برجل فلم يضفني ولم يقرني أفاجازيه قال لا بل أقره حدثنا يونس بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر ابن محمد الفريابي قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير قال حدثنا العلاء بن عبد الرحمان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الضيف ثلاث ليال وما سوى ذلك فهو صدقة (48) وروى أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى شريك عن أبي إسحاق عن حارثة بن مطرب قال سمعت عمر ابن الخطاب يقول إكرام الضيف يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فإن أصابه بعد ذلك مرض أو مطر فهو دين عليه قال أبو عمر ينبغي له أن يتنزه عما كان من الضيافة صدقة كما ينبغي له التنزه عن الصدقة وليست صدقة التطوع بمحرمة على أحد إلا أن السؤال مكروه على ما بينا فيما سلف من هذا الكتاب والحمد لله حدثنا عبد الله حدثنا الحسن حدثنا محمد بن أحمد بن جابر حدثنا إسحاق بن أحمد القطان حدثنا أحمد بن
منصور حدثنا عثمان بن عمر حدثنا أبو عامر الجزار عن نافع قال كان ابن عمر إذا قدم مكة نزل على أصهاره فيأتيه طعامه من عند دار خالد بن أسيد فيأكل من طعامهم ثلاثة أيام ثم يقول احبسوا عنا صدقتكم ويقول لنافع أنفق من عندك (الآن) (49) وقوله
48

صلى الله عليه وسلم لا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه يريد أن يقيم عنده حتى يحرجه والثواء الإقامة قال عنترة
* طال الثواء على رسوم المنزل (50
* وقال الحرث بن لحزة
* آذنتنا ببينها أسماء
* رب ثاو يمل منه الثواء (51
* وقال كثير
* أريد الثواء عندها وأظنها
* إذا ما أطلنا عندها المكث ملت (52
* وقوله يحرجه أي يضيق عليه بإقامته عنده حتى يحرج وتضيق نفسه هذا لا يحل له
حديث ثان لسعيد بن أبي سعيد مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها (53)
49

هكذا رواه جماعة الرواة للموطأ عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة ورواه بشر بن عمر عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وكان سعيد بن أبي سعيد فيما يقولون قد سمع من أبي هريرة وسمع من أبيه عن أبي هريرة كذا قال ابن معين وغيره فجعلها كلها أحيانا عن أبي هريرة قال أبو عمر في هذا الحديث من الفقه أن المرأة لا يجوز لها أن تسافر هذه المسافة فما فوقها إلا مع ذي محرم أو زوج وقد اختلفت ألفاظ أحاديث هذا الباب في مقدار المسافة وسنذكر ذلك والمعنى فيه في آخر هذا الباب إن شاء الله واختلف الفقهاء من هذا المعنى في ذي المحرم للمراة هل هو من السبيل الذي ذكر الله في الحج أم لا فقالت طائفة المحرم من السبيل الذي قال (54) الله عز وجل * (من استطاع إليه سبيلا) * 55 فمن لم يكن لها من النساء ذو محرم فتخرج معه فليست ممن استطاع إلى الحج سبيلا لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم منها وممن ذهب إلى هذا إبراهيم النخعي والحسن والبصري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الرجل هل يكون محرما لأم امرأته يخرجها إلى الحج (56) فقال أما في حجة الفريضة فأرجو لأنها
50

تخرج إليها مع النساء ومع كل من أمنته وأما في غيرها فلا وكأنه ذهب إلى أنه لم يذكر في القرآن قال أبو عمر يعني في قول الله عز وجل * (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) * 57 الآية كلها قال لأثرم قيل لأحمد فيحج الرجل بأخت امرأته قال لا لأنها ليست منه بمحرم لأنها قد تحل له قيل له فالأخ من الرضاعة يكون محرما قال نعم قيل له فيكون الصبي محرما قال لا حتى يحتلم لأنه لا يقوم بنفسه فكيف تخرج معه امرأة في سفر لا حتى يحتلم وتجب عليه الحدود أو يبلغ خمس عشرة سنة وقال آخرون جائز للمراة أن تحج حجة الفريضة إذا كانت مع ثقات من ثقات المسلمات والمسلمين فأما مالك والشافعي فقالا تخرج مع جماعة النساء قال الشافعي وإذا خرجت مع حرة مسلمة ثقة لا شيء عليها وقال الأوزاعي تخرج مع قوم عدول وتتخذ سلما تصعد عليه وتنزل ولا يقربها رجل إلا أن يأخذ برأس البعير وتضع رجلها على ذراعه وقال ابن سيرين تخرج مع رجل من المسلمين لا بأس به وروى أيوب عن محمد أنه كان إذا سئل عن المرأة لم تحج وليس لها محرم
51

فربما قال إنما المؤمنون إخوة (58) ويقول رب من ليس بمحرم أوثق من محرم ذكره عبد الرزاق عن معمر وابن التيمي عن أيوب عن ابن سيرين قال أبو عمر ليس المحرم عند هؤلاء من شرائط الاستطاعة ومن حجتهم الإجماع في الرجل يكون معه الزاد والراحلة وفيه الاستطاعة ولم يمنعه فساد طريق ولا غيره أن الحج عليه واجب قالوا فكذلك المرأة لأن الخطاب واحد والمرأة من الناس وفي هذا الحديث أيضا دليل على صحة ما ذهب إليه مالك والشافعي وأصحابهما في تقدير المسافة التي يجوز فيها للمسافر قصر الصلاة وتحديدها لأنهم قالوا لا تقصر الصلاة في مسافة أقل من يوم وليلة وقدروا ذلك بثمانية وأربعين ميلا وهي أربعة برد وهو قول ابن عباس وابن عمر والأصل في ذلك حديث أبي هريرة هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا واستدلوا من هذا الحديث بأن كل سفر يكون دون يوم وليلة فليس بسفر حقيقة وأن حكم من سافر حكم الحاضر لأن في هذا الحديث دليلا على إباحة السفر للمرأة فيما دون هذا المقدار مع غير ذي محرم فكان ذلك في حكم خروج المراة في حوائجها إلى السوق وما قرب من المواضع المأمون عليها فيها في البادية والحاضرة وأما اليوم والليلة فظعن وانتفال يكون فيه الانفراد وتعترض فيه الأحوال فكان في حكم الأسفار الطوال لأن كل ما زاد عن اليوم والليلة من المدة في نوع اليوم والليلة وفي حكمها والله أعلم
52

وقد اختلف الفقهاء في هذا الباب واختلفت فيه الآثار فقال مالك والشافعي ما ذكرنا عنهما وهو قول ابن عباس وابن عمر على ما وصفنا وبه قال أحمد وإسحاق وحجتهم الاستدلال بحديث هذا الباب على حسبما اجتلبنا (59) وهو حديث مالك المذكور عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه ابن أبي ذئب بمعنى رواية مالك في تحديد مسيرة يوم وليلة وربما قال مسيرة يوم فما فوقه إلا أنه قال فيه عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه كما قال بشر بن عمر عن مالك وكذلك رواه شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله على اختلاف عن سهيل في ذلك وقد روي هذا الحديث عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافر امرأة بريدا إلا مع زوج أو ذي محرم (60
) ورواه ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم لم يقل يوما ولا غيره والألفاظ عن سهيل في هذا الحديث مضطربة لا تقوم بها حجة من روايته وقالت طائفة لا تقصر الصلاة إلا في مسيرة يومين وكل سفر يكون دون ليلتين فللمراة أن تسافر بغير محرم هذا قول الحسن البصري والزهري ومن حجتهم ما رواه شعبة وغيره عن عبد الملك بن عمير عن قزعة مولى زياد عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلا مع زوج أو ذي محرم
53

ورواه مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن قزعة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تسافر امرأة فوق يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم منها (61) وقال آخرون لا يقصر المسافر الصلاة إلا في مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا وكل سفر يكون دون ثلاثة أيام فللمرأة أن تسافر بغير محرم هذا قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وهو قول ابن مسعود قال أبو حنيفة ثلاثة أيام ولياليها مسير الإبل ومشي الأقدام ومن حجتهم ما رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع محرم (62) ورواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها (63) وبعض أصحاب الأعمش يقول فيه بإسناده فوق ثلاث وروى سهيل عن أبيه وسعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء هذه رواية وهيب عن سهيل وروى روح بن القاسم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا مثله بمعناه والرواية الأولى عن سهيل رواها حماد بن سلمة وعبد العزيز بن المختار عن سهيل
54

وروى بكر بن خنيس عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر امرأة في الإسلام مسيرة بريد إلا مع زوج أو ذي محرم فحصل حديث سهيل في هذا الباب مضطربا في إسناده ومتنه وقد روى سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يا نساء المؤمنات لا تخرج امرأة مسيرة ليلة إلا ومعها ذو محرم وقد اضطربت الآثار المرفوعة في هذا الباب كما ترى في ألفاظها ومحملها عندي والله أعلم أنها خرجت على أجوبة السائلين فحدث كل واحد بمعنى ما سمع كأنه قيل له صلى الله عليه وسلم في وقت ما هل تسافر المرأة مسيرة يوم بلا محرم فقال لا وقيل له في وقت آخر هل تسافر المرأة مسيرة يومين بغير محرم فقال لا وقال له آخر هل تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام بغير محرم فقال لا وكذلك معنى الليلة والبريد ونحو ذلك فأدى كل واحد ما سمع على المعنى والله أعلم ويجمع معاني الآثار في هذا الباب وإن اختلفت ظواهرها الحظر على المرأة أن تسافر سفرا يخاف عليها الفتنة بغير محرم قصيرا كان أو طويلا والله أعلم ومن حجة من ذهب في هذه المسالة مذهب أبي حنيفة أن الثلاثة الأيام سفر مجتمع على تقصير الصلاة فيه والأصل في الصلاة التمام باليقين فالواجب أن لا تقصر إلا بيقين واليقين ما أجمعوا عليه في الثلاثة الأيام لأن ما دون ذلك مختلف فيه وهو قول ابن عليه وهذا وإن كان نظرا واحتياطا فليس بجيد من طريق الاتباع وأولى ما قيل في هذا الباب من طريق الاتباع مذهب ابن عمر وابن عباس وأهل المدينة والشافعي والله الموفق للصواب وقال الأوزاعي عامة العلماء يقولون يقصر المسافر في مسيرة اليوم التام قال وبه نأخذ وفي هذا الباب شذوذ تركنا حكايته تعلق به داود
55

حديث ثالث لسعيد بن أبي سعيد مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال خمس من الفطرة تقليم الأظفار وقص الشارب وحلق العانة ونتف الإبط والاختتان (64) هذا الحديث في الموطأ موقوف عند جماعة الرواة إلا أن بشر بن عمر رواه عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فرفعه وأسنده وهو حديث محفوظ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا صحيحا رواه ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولصحته مرفوعا ذكرناه والحمد لله حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا مالك بن أنس عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الفطرة تقليم الأظفار وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة والختتان وكذلك ذكره ابن الجارود عن عبد الرحمان بن يوسف عن بندار ويحيى بن حكيم جميعا عن بشر بن عمر عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
56

ورواه محمد بن يحيى الذهلي عن بشر بن عمر عن مالك عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة موقوفا لم يتجاوز به أبا هريرة وهو الصحيح في رواية مالك إن شاء الله وقد روي عن مالك مرفوعا من غير رواية بشر بن عمر حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرازي قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح بن صفوان السهمي حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة عن عيسى بن موسى بن حميد بن أبي الجهم العدوي عن مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة يأثره قال الفطرة قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة وأما رواية الزهري فصحيح رفعه فيها حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان بن عيينة وأخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا سليمان بن داود قال أخبرنا إبراهيم بن سعد جميعا عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الفطرة خمس الختان والاستحداد (65) وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وكذلك رواه أبو داود الطيالسي عن زمعة بن صالح عن الزهري بإسناده مثله وقد روي أن قص الشارب والختان مما ابتلي به إبراهيم الخليل عليه السلام ذكر سنيد عن ابن علية عن أبي رجاء أنه سأل الحسن عن قوله عز
57

وجل * (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) * 66 قال ابتلاه بالكوكب فرضي وابتلاه بالقمر فرضي وابتلاه بالشمس فرضي وابتلاه بالنار فرضي وابتلاه بالهجرة فرضي وابتلاه بالختان فرضي وذكر عن أبي سفيان عن معمر عن الحسن مثله قال معمر وقال قتادة قال ابن عباس ابتلاه الله بالمناسك قال وقال آخرون ابتلاه الله بالطهر وقص الشارب قال أبو عمر قص الشارب والختان من ملة إبراهيم لا يختلفون في ذلك ذكر (67) مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد أنه قال كان إبراهيم أول من ضيف
الضيف وأول الناس اختتن وأول الناس قص شاربه وأول الناس رأى الشيب فقال يا رب ما هذا (68) فقال الله وقار يا إبراهيم فقال رب زدني وقارا (69) وروى الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اختتن إبراهيم وهو ابن عشرين ومائة سنة ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة (70) وروى هذا الحديث غير الأوزاعي جماعة عن يحيى بن سعيد عن سعيد عن أبي هريرة موقوفا وهو مرفوع من حديث ابن عجلان (71) عن
58

أبيه عن أبي هريرة ومن حديث المغيرة الحزامي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع العلماء على أن إبراهيم أول من اختتن وقال أكثرهم الختان من مؤكدات سنن المرسلين ومن فطرة الإسلام التي لا يسع تركها في الرجال وقالت طائفة ذلك فرض واجب لقول الله عز وجل * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) * 72 قال قتادة هو الاختتان قال أبو عمر ذهب إلى هذا بعض أصحابنا المالكيين إلا (أنه (73)) عندهم في الرجال وقد يحتمل أن تكون ملة إبراهيم المأمور باتباعها التوحيد بدليل قوله * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * 74 وقد روى أبو إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي أن سارة لما وهبت هاجر لإبراهيم فأصابها غارت سارة فحلفت ليغيرن منها ثلاثة أشياء فخشي إبراهيم أن تقطع أذنيها أو تجذع أنفها فأمرها أن تخفضها وتثقب أذنيها وروي عن أم عطية أنها كانت تخفض نساء الأنصار وروى حجاج بن أرطاة عن ابن أبي المليح عن أبيه عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الختان سنة للرجال مكرمة للنساء واحتج من جعل الختان سنة بحديث أبي المليح هذا وهو يدور على حجاج بن أرطاة وليس ممن يحتج بما انفرد به والذي أجمع المسلمون عليه الختان في الرجال على ما وصفنا
59

وذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن أبي سفيان بن حرب في حديث هرقل أنه أصبح مهموما يقلب طرفه إلى السماء فقال له بطارقته لقد أصبحت أيها الملك مهموما فقال لهم إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر قالوا (75) لا يهمنك إنا لا نعرف أمة تختتن إلا اليهود وهم في سلطانك وتحت يديك فابعث إلى كل من لك عليه سلطان في بلادك فليضرب أعناق من تحت يديه من اليهود واسترح من هذا الغم فبينا هم على أمرهم ذلك إذ أتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استخبره هرقل قال اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا فنظروا إليه فإذا هو مختتن فسأله عن القوم فقال هم يختتون فقال هرقل هذا ملك هذه الأمة قد ظهر في حديث طويل وتواترت الروايات عن جماعة العلماء أنهم قالوا ختن إبراهيم (ابنه) (76) إسماعيل لثلاث عشرة سنة وختن ابنه إسحاق لسبعة أيام وروي عن فاطمة رضي الله عنها أنها كانت تختن ولدها يوم السابع وقال الليث بن سعد يختن الصبي ما بين سبع سنين إلى عشر وقال ابن حنبل لم أسمع في ذلك شيئا وقال الميموني قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل مسألة سئلت عنها ختان ختن صبيا فلم يستقص قال إذا كان الختان جاوز نصف الحشفة إلى فوق فلا يعيد لأن الحشفة تغلظ وكلما غلظت ارتفع الختان فأما إذا كان الختان دون النصف فكنت أرى أن يعيد قلت فإن الإعادة شديدة جدا وقد يخاف عليه من الإعادة فقال لا أدري ثم قال لي أحمد
60

فإن ههنا رجلا ولد له ابن مختون فاغتم لذلك غما شديدا فقلت له إذا كان الله قد كفاك (هذه) (77) المؤونة فما غمك بهذا قال أبو عمر في هذا الباب حديث مسند غريب حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد حدثنا محمد بن عيسى حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي العلاف حدثنا محمد ابن أبي السري العسقلاني قال حدثني الوليد بن مسلم عن شعيب يعني ابن أبي حمزة عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه وجعل له مأدبة وسماه محمدا قال يحيى بن أيوب طلبت هذا الحديث فلم أجده عند أحد من أهل الحديث ممن لقيته إلا عند ابن أبي السري وكره جماعة من العلماء الختان يوم السابع فروي عن الحسن أنه قال أكرهه خلافا على اليهود وقال ابن وهب قلت لمالك أترى أن يختن الصبي يوم السابع فقال لا أرى ذلك إنما ذلك من عمل اليهود ولم يكن هذا من عمل الناس إلا حديثا قلت لمالك فما حد ختانه قال إذا أدب على الصلاة قلت له عشر سنين أو أدنى من ذلك قال نعم وقال الختان من الفطرة وقال ابن القاسم قال مالك من الفطرة ختان الرجل والنساء قال مالك وأحب للنساء من قص الأظفار وحلق العانة مثل ما هو على الرجال ذكره الحرث بن مسكين وسحنون عن ابن القاسم وقال سفيان بن عيينة قال لي سفيان الثوري أتحفظ في الختان وقتا قلت لا قلت وأنت لا تحفظ فيه وقتا قال لا
61

واستحب جماعة من العلماء في الرجل الكبير يسلم أن يختتن ذكر (78) يونس عن ابن شهاب قال كان الرجل إذا أسلم أمر بالختان وإن كان كبيرا وكان عطاء يقول لا يتم إسلامه حتى يختتن وإن بلغ ثمانين سنة وروي عن ابن عباس وجابر بن زيد وعكرمة أن الأغلف لا تؤكل ذبيحته ولا تجوز شهادته وروي عن الحسن أنه كان يرخص للشيخ الذي يسلم ألا يختتن ولا يرى به بأسا ولا بشهادته وذبيحته وحجه وصلاته وعامة أهل العلم على هذا ولا يرون بذبيحته بأسا قال أبو عمر حديث يزيد في حج الأغلف لا يثبت والصواب فيه ما عليه جماعة العلماء فهذا ما بلغنا عن العلماء في الختان وأما قص الشارب فيذكر فيه أيضا ما روينا عنهم في ذلك وبالله عوننا لا شريك له اختلف الفقهاء (79) في قص الشارب وحلقه فذهب قوم إلى حلقه واستئصاله لقول النبي صلى الله عليه وسلم أحفوا الشوارب في حديث ابن عمر (80) وقد حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهكوا الشوارب واعفوا اللحى (81) وذهب آخرون إلى قصة لحديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب ولما روي أن إبراهيم عليه السلام (82) أول من قص شاربه وقد أمر الله
62

نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع ملة إبراهيم حنيفا وقد أجمعوا أنه لا بد للمسلم من قص شاربه أو حلقه روى زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لم يأخذ من شاربه فليس منا (83) حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا مسلمة بن القاسم قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال حدثنا محمد بن عيسى المدائني قال حدثنا شعيب بن حرب قال حدثنا يوسف بن صهيب عن حبيب بن يسار عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يأخذ من شاربه فليس منا وحدثنا
عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى يعني القطان عن يوسف بن صهيب عن حبيب بن يسار عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يأخذ من شاربه فليس منا وروى الحسن بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقص شاربه ويذكر أن إبراهيم كان يقص شاربه وروته طائفة منهم زائدة عن سماك عن عكرمة عن أبن عباس موقوفا وأما اختلاف الفقهاء في قص الشارب وحلقه فقال مالك في الموطأ يؤخذ من الشارب حتى يبدو طرف الشفة وهو الإطار ولا يجزه فيمثل بنفسه وذكر ابن عبد الحكم عنه قال وتحفى الشوارب وتعفى اللحى وليس إحفاء الشارب حلقه وأرى أن يؤدب من حلق شاربه وقال ابن القاسم عنه إحفاء الشوارب عندي مثله قال مالك وتفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشوارب إنما هو الإطار وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه
63

وذكر أشهب عن مالك أنه قال في حلق الشارب هذه بدع وأرى أن يوجع ضربا من فعله وقال مالك كان عمر بن الخطاب إذا كربه أمر نفخ فجعل رجل يراده وهو يفتل شاربه وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد ابن فطيس قال حدثنا يحيى بن إبراهيم قال حدثنا اصبغ بن الفرج قال حدثنا عيسى بن يونس عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه قال السنة في الشارب الإطار قال الطحاوي ولم نجد عن الشافعي شيئا منصوصا في هذا وأصحابه الذين رأيناهم المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما ويدل ذلك على أنهما أخذا ذلك عن الشافعي قال وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد فكان مذهبهم في شعر الرأس والشارب أن الإحفاء أفضل من التقصير وذكر ابن خواز بنداد عن الشافعي أن مذهبه في حلق الشارب كمذهب أبي حنيفة سواء وقال الأثرم رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه شديدا وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشوارب (84) فقال يحفى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أحفوا الشوارب وذكر ابن وهب عن الليث بن سعد قال لا أحب لأحد أن يحلق شاربه جدا حتى يبدو الجلد وأكرهه ولكن يقصر الذي على طرف الشارب وأكره أن يكون طويل الشاربين
64

قال أبو عمر روت عائشة وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر من الفطرة منها قص الشارب وفي إسناديهما (85) مقال وكذلك حديث عمار بن ياسر في ذلك أيضا وأحسن ذلك ما حدثناه عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا يحيى بن معين حدثنا وكيع عن زكرياء بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن أبي الزبير عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية والسواك والاستنشاق بالماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط وحلق العانة وانتقاص الماء يعني الآستنجاء بالماء (96) قال زكرياء قال مصعب نسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة قال الطحاوي وروي المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من شاربه على سواك وهذا لا يكون معه إحفاء وروى عكرمة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجز شاربه قال وهذا الأغلب فيه الإحفاء وهو محتمل الوجهين وروى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال احفوا الشوارب وأعفوا اللحى وروى العلاء بن عبد الرحمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جزوا الشوارب وأرخوا اللحى قال وهذا يحتمل الإحفاء أيضا وقد روى عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى فبان بهذا أن الجز في حديثه الآخر الإحفاء
65

وذكر الطحاوي هذه الآثار كلها بأسانيدها من طرق وذكر أيضا بالأسانيد عن أبي سعيد الخدري وأبي أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد الله ابن عمر وجابر بن عبد الله وأبي هريرة أنهم كانوا يحفون شواربهم وقال إبراهيم بن محمد بن حاطب رأيت ابن عمر يحفي شاربه كأنه ينتفه وقال بعضهم حتى يرى بياض الجلد وقال (87) الطحاوي لما كان التقصير مسنونا عند الجميع في الشارب كان الحلق فيه أفضل قياسا على الرأس قال وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة فجعل حلق الرأس أفضل من تقصيره فكذلك الشارب قال وما احتج به مالك أن عمر كان يفتل شاربه إذا غضب أو اهتم فجائز أن يكون كان يتركه حتى يمكن فتله ثم يحلقه كما ترى كثيرا من الناس يفعله قال أبو عمر إنما في هذا الباب أصلان أحدهما أحفوا الشوارب وهو لفظ مجمل محتمل للتأويل والثاني قص الشارب وهو مفسر والمفسر يقضي على المجمل مع ما روي فيه أن إبراهيم أول من قص شاربه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قص الشارب من الفطرة يعني فطرة الإسلام وهو عمل أهل المدينة وهو أولى ما قيل به في هذا الباب والله الموفق للصواب وقد كان أبو بكر محمد بن أحمد بن الجهم يقول الشارب إنما هو أطراف الشعر الذي يشرب به الماء قال وإنما اشتق له لفظ شارب لقربه من موضع شرب الماء وذكر خبر سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من شاربه وكان إبراهيم خليل الله يقص شاربه أو من شاربه
66

وهذا الحديث حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن آدم عن حسن ابن صالح عن سماك فذكره وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن مسعر قال حدثني أبو صخرة عن المغيرة بن عبد الله الثقفي (88) عن المغيرة بن شعبة قال ضفت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي ثم أخذ الشفرة فجعل يجز منها فجاء بلال فآذنه بالصلاة فألقى الشعرة فقال ماله تربت يداه وكان شاربي قد وفى بعضه فقصه لي على سواك وروى ابن وهب عن حي بن عبد الله المعافري عن أبي عبد الرحمان الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن إبراهيم أول رجل اختتن وأول رجل قص شاربه وقلم أظفاره واستن وحلق عانته وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله * (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) * قال ابتلاه الله بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس وفي الجسد تقليم الأظفار وحلق العانة والاختتان ونتف الإبط وغسل مكان الغائط والبول بالماء وذكر مطر عن أبي العالية قال ابتلي إبراهيم بعشرة أشياء هن في الإنسان سنة الاستنشاق وقص الشارب والسواك ونتف الإبط وتقليم الأطفار وغسل البراجم والختان وحلق العانة وغسل الدبر والفرج فهذا ما انتهى إلينا في قص الشارب وحلقه وقد روى هشيم عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عباس أنه قال من السنة قص الأظفار والأخذ
67

من الشارب وحلق العانة ونتف الإبط وأخذ العارضين ولم أجد أخذ العارضين إلا في هذا الخبر وسيأتي ذكر إعفاء اللحية والحكم في ذلك في باب أبي بكر بن نافع من هذا الكتاب إن شاء الله وأما قص الأظفار وحلق العانة فمجتمع على ذلك أيضا إلا أن من أهل العلم من وقت في حلق العانة أربعين يوما وأكثرهم على أن لا توقيت في شيء من ذلك وبالله التوفيق ومن وقت ذهب إلى حديث حدثناه أحمد بن فتح قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حامد بن ثرثال قال حدثنا الحسن بن الطيب قال حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق الجرمي وقطن بن بشير قالا حدثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال وقت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلق العانة وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط في كل أربعين يوما وهذا حديث ليس بالقوي من جهة النقل ولكنه قد قال به قوم وذكره سنيد قال حدثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال وقت لنا فذكره سواء ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم (89) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد ابن زهير قال حدثنا أبو معاوية الغلابي غسان بن المفضل (90) قال حدثنا عمر ابن علي بن مقدم قال قال سفيان بن حسين أتدري ما السمت الصالح ليس هو بحلق الشارب ولا تشمير الثوب وإنما هو لزوم طريق القوم إذا فعل ذلك قيل قد أصاب السمت وتدري ما الاقتصاد هو المشي الذي ليس فيه غلو ولا تقصير
68

حديث رابع لسعيد بن أبي سعيد مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمان بن عوف أنه سال عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا قالت عائشة فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر فقال يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي (91) قال أبو عمر هكذا هو في الموطأ عند جماعة الرواة فيما علمت وقد رواه محمد بن معاذ بن المستهل عن القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة والصواب ما في الموطأ في هذا الحديث أن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره كانت واحدة وقد مضى القول في قيام رمضان وما الأصل فيه وكيف كان بدو أمره من باب ابن شهاب من هذا الكتاب وأكثر الآثار على أن صلاته كانت بالوتر إحدى عشرة ركعة وقد روي ثلاث عشرة ركعة فمنهم من قال فيها ركعتا الفجر ومنهم من قال إنها زيادة حفظها من تقبل زيادته بما نقل منها ولا يضرها تقصير من قصر عنها وكيف كان الأمر فلا
69

خلاف بين المسلمين أن صلاة الليل ليس فيها حد محدود وأنها نافلة وفعل خير وعمل بر فمن شاء استقل ومن شاء استكثر وأما قوله يصلي أربعا ثم يصلي أربعا ثم يصلي ثلاثا فذهب قوم (إلى) (92) أن الأربع لم يكن بينها سلام وقال بعضهم ولا جلوس إلا في آخرها وذهب فقهاء الحجاز وجماعة من أهل العراق إلى أن الجلوس كان منها في كل مثنى والتسليم أيضا ومن ذهب هذا المذهب كان معنى قوله في هذا الحديث عنده أربعا يعني في الطول والحسن وترتيب القراءة ونحو ذلك ودليلهم على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى (93) لأنه محال أن يأمر بشيء ويفعل خلافه صلى الله عليه وسلم وقد مضى ما للعلماء من المذاهب والأقوال في صلاة الليل وما نزعوا به في ذلك من الآثار والاعتلال في باب ابن شهاب ونافع من هذا الكتاب (94) ومضى في باب نافع أيضا اختلافهم في الوتر بواحدة وبثلاث (95) وبما زاد فلا معنى لتكرير (96) ذلك ههنا واختصار اختلافهم في صلاة التطوع بالليل أن مالكا والشافعي وابن أبي ليلى وأبا يوسف ومحمدا والليث بن سعد قالوا صلاة الليل مثنى مثنى تقتضي الجلوس والتسليم في كل اثنتين ألا ترى أنه لا يقال صلاة الظهر مثنى لما كانت الأخريان (97) مضمنتين بالأوليين ولأنه قد روي في حديث عائشة هذا من رواية عروة عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم في كل ركعتين منها وقد ذكرنا من روى ذلك من باب ابن شهاب
70

وقال أبو حنيفة في صلاة الليل إن شئت ركعتين أو أربعا أو ستا أو ثمانيا وقال الثوري والحسن بن حي صل بالليل ما شئت بعد أن تقعد في كل اثنتين وتسلم في آخرهن وحجة هؤلاء ظواهر الأحاديث عن عائشة مثل هذا الحديث ومثل ما رواه الأسود عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل تسع ركعات فلما أسن صلى سبع ركعات وقال فيه (98) مسروق عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع فلما أسن أوتر بسبع ويحيى بن الجزار عن عائشة مثل ذلك على اختلاف عنه وروى ابن نمير ووهب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر منها بخمس لا يجلس في شيء من الخمس حتى يجلس في الآخرة فيسلم ورواه مالك عن هشام على غير هذا (99) وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة كان يصلي ثمان ركعات وأربع ركعات يوتر (100) بركعة وروى الدراوردي عن محمد بن عمرو (101) عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة تسعا قائما واثنتين جالسا واثنتين قاعدا واثنتين بين النداءين
71

وقد روى الأوزاعي وابن أبي ذئب ويونس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يسلم في كل ركعتين قال أبو عمر فلما اختلفت الآثار عن عائشة في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل هذا الاختلاف وتدافعت واضطربت (102) لم يكن في شيء منها حجة على غيره وقامت الحجة بالحديث الذي لم يختلف في نقله ولا في متنه وهو حديث ابن عمر رواه عنه جماعة من التابعين كلهم بمعنى واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الليل مثنى مثنى وقد ذكرنا حديث ابن عمر وطرقه في باب نافع من هذا الكتاب وقضى حديث ابن عمر بأن رواية من روى عن عائشة في صلاة الليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم منها في كل ركعتين أصح وأثبت لقوله صلاة الليل مثنى مثنى وبالله التوفيق وأما قولها في هذا الحديث أتنام قبل أن توتر فإنه لا يوجد إلا في هذا الإسناد ففيه تقديم وتأخير لأنه في هذا الحديث بعد ذكر الوتر ومعناه أنه كان ينام قبل أن يصلي الثلاث التي ذكرت وهذا يدل على أنه كان يقوم ثم ينام ثم يقوم فينام (103) ثم يقوم فيوتر ولهذا ما جاء في هذا الحديث أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا أظن ذلك والله أعلم من أجل أنه كان ينام بينهن فقالت أربعا ثم أربعا (يعني (104) بعد نوم ثم ثلاث بعد نوم ولهذا ما قالت له أتنام قبل أن توتر وإذا كان هذا على ما ذكرنا لم يجز لأحد أن
72

يتأول أن الأربع كن بغير تسليم لا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى وأما رواية من روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضطجع بعد
الوتر ومن روى أنه كان يضطجع بعد ركعتي الفجر فقد ذكرنا ذلك في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب وذكرنا عن العلماء ما صح عندهم وما ذهبوا إليه في ذلك والحمد لله هناك وأما قوله إن عيني تنامان ولا ينام قلبي فهذه جبلته صلى الله عليه وسلم التي طبع عليها وقد روي عنه عليه السلام أنه قال إنا معشر الأنبياء تنعم أعيننا ولا تنام قلوبنا (105) ولهذا قال ابن عباس وغيره من العلماء رؤيا الأنبياء وحي وقد ذكرنا أقاسم الوحي في باب إسحاق بن أبي طلحة وذكرنا (106) في باب زيد ابن أسلم معنى نومه عن الصلاة في سفره حتى ضربه حر الشمس بما يغني عن إعادته ههنا ذكر عبد الرزاق وأبو سفيان جميعا عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل لي لتنم عينك وليعقل قلبك ولتسمع أذنك فنامت عيني وعقل قلبي وسمعت أذني وذكر الحديث وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان ينام حتى ينفخ ويغط ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ (107) لأن قلبه لم يكن ينام وإنما يجب الوضوء على من غلب النوم على قلبه وغمر نفسه وكان صلى الله عليه وسلم مخصوصا دون سائر أمته بأن تنام عينه ولا ينام قلبه صلوات الله عليه وسلامه
73

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد الخصبي القاضي قال حدثنا عبد الله (108) بن الحسن بن أبي شعيب قال حدثنا عبيد الله ابن عائشة قال حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمع غطيطه ثم صلى ولم يتوضأ قال عكرمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظا
حديث خامس لسعيد بن أبي سعيد مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمان رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها قال ما هن يا ابن جريج قال رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين ورأيتك تلبس النعال السبتية ورأيتك تصبغ بالصفرة ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى كان يوم التروية فقال عبد الله ابن عمر أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس إلا اليمانيين وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها وأما الإهلال فإني لم ار رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته (109)
74

عبيد بن جريج من ثقات التابعين (110) ذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال حدثني أبو صخر عن ابن قسيط عن عبيد بن جريج قال حججت مع عبد الله بن عمر بين حج وعمرة اثنتي عشرة مرة قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب كان في الصحابة موجودا وهو عند العلماء أصح ما يكون في الاختلاف إذا كان بين الصحابة وأما ما أجمع عليه الصحابة واختلف فيه من بعدهم فليس اختلافهم بشيء (111) وإنما وقع الاختلاف بين الصحابة والله أعلم في (112) التأويل المحتمل فيما سمعوه ورأوه أو فيما انفرد بعلمه (113) بعضهم دون بعض أو فيما كان منه عليه السلام على طريق الإباحة في فعله لشيئين مختلفين وقد بينا العدل في اختلافهم في غير هذا الكتاب وفي هذا الحديث دليل على أن الحجة عند الاختلاف السنة وإنها حجة على من خالفها وليس من خالفها بحجة عليها ألا ترى أن ابن عمر لما قال له عبيد بن جريج رأيتك تصنع أشياء لا يصنعها أحد من أصحابك لم يستوحش من مفارقة أصحابه إذ (114) كان عنده في ذلك علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل له ابن جريج الجماعة أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منك ولعلك وهمت (115) كما
75

يقول اليوم من لا علم له بل انقاد للحق إذ سمعه وهكذا يلزم الجميع (116) وبالله التوفيق وأما قوله رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين فالسنة التي عليها جمهور الفقهاء أن ذينك الركنين يستلمان دون غيرهما وأما السلف فقد اختلفوا في ذلك فروي عن جابر وأنس (117) وابن الزبير والحسن والحسين أنهم كانوا يستلمون الأركان كلها وعن عروة مثل ذلك واختلف عن معاوية وابن عباس في ذلك فقال أحدهما ليس من البيت شيء مهجور والصحيح عن ابن عباس أنه كان لا يستلم إلا الركنين الأسود واليماني وهما المعروفان باليمانيين وهي السنة وعلى ذلك جماعة الفقهاء منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وحجتهم حديث ابن عمر هذا وما كان مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حدثنا خلف بن سعيد حدثنا عبد الله بن محمد ابن علي حدثنا أحمد بن خالد حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال (118) حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح من (119) البيت إلا الركنين اليمانيين (120) ورواه ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثله
76

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مخلد بن خالد قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه أخبر بقول عائشة أن الحجر بعضه من البيت فقال ابن عمر والله إني لظن عائشة إن كانت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأظن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك استلامهما إلا أنهما ليسا على قواعد البيت ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك (121) وأما قوله رأيتك تلبس النعال السبتية فهي (122) النعال السود التي لا شعر لها كذلك فسره ابن وهب صاحب مالك وقال الخليل في العين (123) السبت الجلد المدبوغ بالقرظ (124) وكذلك قال الأصمعي وهو الذي ذكر ابن قتيبة وقال أبو عمرو هو كل جلد مدبوغ وقال أبو زيد السبت جلود البقر خاصة مدبوغة كانت أو غير مدبوغة ولا يقال لغيرها سبت وجمعها سبوت وقال غيره السبت نوع من الدباغ يقلع الشعر والنعال السبتية من لباس وجوه الناس وأشراف العرب وهي معروفة عندهم قد ذكرها شعراؤهم قال عنترة يمدح رجلا
* بطل كأن ثيابه في سرحة
* يحذي نعال السبت ليس بتوأم (125
* يعني أنه لم يولد توأما
77

وقال كثير
* كأن مشافر النجدات منها
* إذا ما قارفت قمع الذباب
* بأيدي ماتم متصاعدات
* نعال السبت أو عذب الثياب
* شبه اضطراب مشافر الإبل وهي تنفي الذباب عنها بنعال السبت في أيدي المأتم والمأتم النساء اللواتي يبكين وينحن على الميت وقوله أو عذب الثياب يريد خرقا يحبسها النساء بأيديهن عند النياح ويحبسن أيضا النفال بأيديهن كان هذا من فعل المأتم في الجاهلية ولا أعلم خلافا في جواز لباس النعال السبتية في غير المقابر وحسبك أن ابن عمر يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبسها وفيه الإسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم وقد روي عنه أنه رأى رجلا يلبسها في المقبرة فأمره بخلعها وقد يجوز أن يكون ذلك الذي رآه فيها أو لما شاء الله فإنه حديث مختلف فيه وقد روي عنه ما يعارضه والحديث حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن سليمان بن داود المنقري البصري بمصر قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا الأسود بن شيبان قال أخبرني خالد بن سمير قال أخبرني بشير بن نهيك قال أخبرني بشير بن الخصاصية وكان اسمه في الجاهلية زحم فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرا قال بشير بينما أنا أمشي بين المقابر وعلي نعلان فإذا رجل ينادي من خلفي يا صاحب السبتيين فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي إذا كنت في مثل هذا الموضع فاخلع نعليك قال فخلعتهما هكذا قال إنه كان اللابس لهما والمأمور فيهما وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سهل بن بكار قال حدثنا الأسود بن شيبان عن خالد بن سمير السدوسي عن بشير بن نهيك عن بشير قال وكان اسمه في الجاهلية زحم بن معبد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنت بشير قال بينما أنا أماشي رسول الله
78

صلى الله عليه وسلم مر بقبور المشركين فقال لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا ثلاثا ثم مر بقبور المسلمين فقال لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا وحانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة فإذا رجل يمشي في القبور وعليه نعلان فقال يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما (126) وذهب قوم إلى أنه لا يجوز لأحد المشي بالنعال والحذاء بين القبور لهذا الحديث وقال آخرون لا بأس بذلك واحتجوا بما حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن سليمان الأنباري قال حدثنا عبد الوهاب يعني ابن عطاء عن سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه يسمع قرع نعالهم (127) وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن المشي بين القبور في النعلين فقال أما أنا فلا أفعله أخلع نعلي على حديث بشير قال وقد تأول بعض الناس أنه ليسمع خفق نعالهم وقال أبو عبد الله الأسود بن شيبان ثقة وبشير بن نهيك ثقة روى عنه عدة قلت (128) روى عنه النضر بن أنس وأبو مجلز وبركة قال نعم قال الأثرم حدثنا عفان وسليمان بن حرب وهذا لفظ عفان قال حدثنا الأسود بن شيبان قال حدثنا خالد بن سمير قال حدثني بشير بن نهيك عن بشير قال بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على قبور المسلمين فقال لقد أدرك
79

هؤلاء خيرا ثم حانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرة فإذا برجل يمشي في القبور عليه نعلاه فناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه فرمى بهما قال وحدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا قال ورأيت أبا عبد الله عند المقابر معلقا نعليه بيده وأما قوله رأيتك تصبغ بالسفرة وقول ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فإن العلماء اختلفوا في تأويل هذا الحديث فقال قوم أراد الخضاب للحية بالصفرة واحتجوا بما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم ابن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا يعقوب ابن إبراهيم قال حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني سعيد المقبري عن عبيد بن جريج قال قلت لابن عمر يا أبا عبد الرحمان إني رأيتك تصفر لحيتك قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصفر بالورس فأنا أحب أن اصفر به كما كان يصنع وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن ابن جريج كذا قال رأيت ابن عمر يصفر لحيته فقلت أراك تصفر لحيتك قال (129) رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصفر لحيته ورواه يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن ابن جريج وفي حديثه أنه قال رأيته يصفر لحيته وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عيسى بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا الحجاج عن عطاء قال رأيت ابن عمر ولحيته صفراء
80

وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال وحدثنا محمد بن عبد الله الرازي قال حدثنا محمد بن الزبير قال أبو همام الأهوازي عن مروان بن سالم عن عبد الله بن همام قال قلت يا أبا الدرداء بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب قال يا ابن أخي أو يا بني ما بلغ منه الشيب ما كان يخضب ولكنه قد كان منه ها هنا شعرات بيض وكان يغسله بالحناء والسدر قال وحدثنا ابن الأصبهاني قال أخبرنا شريك عن عثمان بن موهب قال رأيت شعر النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه أحمر قال وحدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا سلام بن أبي مطيع عن عثمان بن عبد الله بن موهب قال دخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجت إلينا شعر النبي صلى الله عليه وسلم مخضوبا بالحناء والكتم قال وحدثنا ابن الأصبهاني قال أخبرنا شريك عن سدير الصيرفي عن أبيه قال كان علي لا يخضب فذكرت ذلك لمحمد بن علي قال قد خضب من هو خير منه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحدثنا هارون بن معروف قال حدثنا ضمرة عن علي بن أبي حملة (130) قال كان رجاء بن حيوة لا يغير الشيب فحج فشهد عنده أربعة أن النبي صلى الله عليه وسلم غير قال فغير في بعض المرات ذكر البخاري عن ابن بكير عن الليث عن
خالد عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان سمعت أنسا يصف النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان ربعة من القوم ليس بالطويل وذكر الحديث إلى قوله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء (131) قال ربيعة فرأيت شعرا من شعره فإذا هو
81

أحمر فسألت فقيل أحمر من الطيب وقد ذكرنا في باب حميد الطويل (132) إجازة أكثر السلف للباس الثياب المزعفرة على ما قال مالك رحمه الله فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخضب بالحناء ويصفر شيبه على أنهم مجمعون أنه إنما شاب منه عنفقته وشئ في صدغيه لا غير صلى الله عليه وسلم وقال آخرون معنى حديث مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة أراد أنه كان يصفر ثيابه ويلبس ثيابا صفرا وأما الخضاب فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب واحتجوا من الأثر بحديث ربيعة عن أنس وما كان مثله وقد ذكرنا حديث ربيعة في بابه من هذا الكتاب (133) وبما حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد ابن زهير قال حدثنا خلف بن الوليد قال حدثنا إسرائيل عن سماك عن جابر ابن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مشط مقدم رأسه ولحيته فإذا ادهن وامتشط لم يتبين شيبه فإذا شعث رأيته متبينا وكان كثير شعر الرأس واللحية وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا (134) أبي قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثنا أبي عن قتادة قال سألت سعيد بن المسيب أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يبلغ ذلك قال وحدثنا عاصم بن علي قال حدثنا محمد بن راشد عن مكحول عن موسى بن أنس عن أبيه قال لم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم من الشيب ما يخضب
82

قال وحدثنا علي بن الجعد قال حدثنا زهير بن معاوية عن حميد الطويل قال سئل أنس عن الخضاب فقال خضب أبو بكر بالحناء والكتم وخضب عمر بالحناء وحده قيل له فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يكن في لحيته عشرون شعرة بيضاء وأصغى حميد إلى رجل عن يمينه فقال كن سبع عشرة شعرة وذكر مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمان أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قال وكان جليسا لهم وكان أبيض الرأس واللحية قال فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرهما قال فقال له القوم هذا أحسن فقال إن أمي عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت علي لأصبغن وأخبرتني أن أبا بكر الصديق كان يصبغ قال مالك في هذا الحديث بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصبغ ولو صبغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمان بن الأسود (135) وقال مالك في صبغ الشعر بالسواد لم اسمع في ذلك شيئا معلوما وغير ذلك من الصبغ أحب إلي قال وترك الصبغ كله واسع إن شاء الله ليس على الناس فيه ضيق (136) قال أبو عمر فضل جماعة من العلماء الخضاب بالصفرة والحمرة على بياض الشيب وعلى الخضاب بالسواد واحتجوا بحديث الزهري عن أبي سلمة وسليمان بن يسار جميعا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم رواه سفيان بن عيينة وجماعة (137) عن الزهري ومن حديث
83

ابن عيينة وغيره أيضا عن الزهري عن عروة عن عائشة ان أبا بكر خضب بالحنا والكتم واحتجوا بهذا أيضا وجاء عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين أنهم خضبوا بالحمرة والصفرة وجاء عن جماعة كثيرة منهم أنهم لم يخضبوا وكل ذلك واسع كما قال مالك والحمد لله وممن كان يخضب لحيته حمراء قانية أبو بكر وعمر ومحمد بن الحنفية وعبد الله بن أبي أوفى والحسن بن علي وأنس بن مالك وعبد الرحمان بن الأسود وخضب علي مرة ثم لم يعد وممن كان يصفر لحيته عثمان بن عفان رضي الله عنه وأبو هريرة وزيد بن وهب وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن بسر وسلمة بن الأكوع وقيس بن أبي حازم وأبو العالية وأبو السواد وأبو وائل وعطاء والقاسم والمغيرة بن شعبة والأسود وعبد الرحمان بن يزيد ويزيد بن الأسود وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وروي عن علي وأنس أنهما كانا يصفران لحاهما والصحيح عن علي رضي الله عنه أنه كانت لحيته بيضاء وقد ملأت ما بين منكبيه ذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال رأيت علي بن أبي طالب أبيض الرأس واللحية قد ملأت ما بين منكبيه وقال أبو (عائشة) (138) التيمي رأيت عليا أصلع أبيض الرأس واللحية وكان السائب بن يزيد وجابر بن زيد ومجاهد وسعيد بن جبير لا يخضبون ذكر الربيع بن سليمان قال كان الشافعي يخضب لحيته حمراء قانية وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد ابن فطيس قال حدثنا يحيى بن إبراهيم قال حدثنا يحيى بن يحيى قال
84

رأيت الليث بن سعد يخضب بالحناء قال ورأيت مالك بن أنس لا يغير الشيب وكان نقي البشرة ناصع بياض الشيب حسن اللحية لا يأخذ منها من غير أن يدعها تطول قال ورأيت عثمان بن كنانة ومحمد بن إبراهيم بن دينار وعبد الله بن نافع وعبد الرحمان بن القاسم وعبد الله بن وهب وأشهب ابن عبد العزيز لا يغيرون الشيب ولم يكن شيبهم بالكثير يعني ابن القاسم وابن وهب وأشهب وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا أبو مسلم قال حدثنا سفيان قال كان عمرو بن دينار وأبو الزبير وابن أبي نجيح لا يخضبون وأخبرنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا يحيى بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية البغدادي قال حدثنا الليث بن سعد عن أبي عشانة قال رأيت عقبة بن عامر (139) يخضب بالسواد ويقول نسود أعلاها وتأبى أصولها قال أبو عمر هو (140) بيت محفوظ له
* نسود أعلاها وتابى أصولها
* ولا خير في الأعلى إذا فسد الأصل
* قال أبو عمر قد روي عن الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية أنهم كانوا يخضبون بالوسمة وعن موسى بن طلحة وأبي سلمة ونافع بن حمير أنهم خضبوا بالسواد ومحمد بن إبراهيم والحسن ومحمد بن سيرين لا يرون به بأسا
85

وممن كره الخضاب بالسواد عطاء ومجاهد ومكحول والشعبي وسعيد بن جبير وذكر أبو بكر قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال سمعت سعيد بن
جبير وسئل عن الخضاب بالوسمة قال يكسو الله العبد في وجهه النور فيطفئه بالسواد قال أبو عمر ومما يدل على أن الصبغ بالصفرة المذكور في هذا الحديث هو صبغ الثياب لا تصفير اللحية ما ذكره مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق (141) والمصبوغ بالزعفران (142) قال أبو عمر فحديث مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والزعفران مع روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبغ بالصفرة دليل على أن تلك الصفرة كانت منه في لباسه والله أعلم وإلى هذا ذهب مالك على ما ذكرناه (143) في باب حميد الطويل وأما غيره من العلماء فإنهم لا يجيزون للرجل أن يلبس شيئا مصبوغا بالزعفران لحديث عبد العزيز بن صهيب عن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل وهو معناه عند مالك وأكثر العلماء تخليق الجسد وتزعفره وقد ذكرنا هذا المعنى بأشبع من ذكرنا له (144) ههنا في باب حميد الطويل من كتابنا هذا (145) والحمد لله
86

وقد روي أن تلك الصفرة كانت في ثيابه نصا دون تأويل حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد ابن زهير قال حدثنا يحيى (بن) (146) عبد الحميد قال حدثنا سليمان بن بلال عن زيد ابن أسلم عن ابن عمر أنه كان يصبغ ثيابه بالصفرة حتى عمامته وذكر ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بالصفرة وذكره ابن وهب عن عمر بن محمد عن زيد ابن أسلم مرسلا حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا عبد الله بن زيد بن اسلم عن أبيه أن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران فقيل له فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ به ورأيته يحبه أو رأيته أحب الصبغ إليه وفي الموطأ سئل مالك عن الملاحف المعصفرة في البيوت للرجال وفي الأفنية فقال لا أعلم من ذلك شيئا حراما وغير ذلك من اللباس أحب إلي (147) وأما قوله في الحديث ورأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى كان يوم التروية فقال ابن عمر لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته فإن ابن عمر قد جاء بحجة قاطعة نزع بها وأخذ بالعموم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخص مكة من غيرها وقال لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل واتصل له عمله وقد تابع ابن عمر على قوله هذا في إهلال المكي ومن بمكة من غير أهلها جماعة من أهل العلم
87

ذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال لا يهل أحد من مكة بالحج حتى يريد الرواح إلى منى قال ابن طاوس وكان أبي إذا أراد أن يحرم من المسجد استلم الركن ثم خرج قال عبد الرزاق وأخبرنا ابن جريج قال قال عطاء وجه إهلال أهل مكة أن لا يهل أحدهم حتى تتوجه به دابته نحو منى فإن كان ماشيا فحين يتوجه نحو منى قال ابن جريج قال لي عطاء أهل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا في حجتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم عشية التروية حين توجهوا إلى منى قال ابن جريج وقال لي ابن طاوس ذلك أيضا قال ابن جريج وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله وهو يخبر عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال فأمرنا بعدما طفنا أن نحل وقال إذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى فأهلوا قال فأهللنا من البطحاء وفي هذه المسألة وهذا الباب مذهب آخر لعمر بن الخطاب تابعه عليه أيضا جماعة من العلماء ذكر مالك في الموطأ عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال يا أهل مكة ما شأن الناس يأتون شعثا وأنتم مدهنون أهلوا إذا رأيتم الهلال (148) ومالك عن هشام بن عروة أن عبد الله بن الزبير أقام بمكة تسع سنين يهل بالحج لهلال ذي الحجة وعروة بن الزبير معه يفعل ذلك (149) قال مالك من أهل بمكة من أهلها ومن كان مقيما بها من أهل المدينة وغيرهم فليؤخر الطواف الواجب بالبيت والسعي بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى ويكون إهلاله من جوف مكة لا يخرج إلى الحرم وكذلك فعل ابن عمر
88

وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين أهلوا من مكة أخروا الطواف والسعي حتى رجعوا من منى (150) قال مالك ومن أهل بعمرة من مكة فليخرج إلى الحل (151) وذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر عن هشام بن عروة قال أقام عبد الله بن الزبير تسع سنين يهل بالحج إذا رأى هلال ذي الحجة ويطوف بين الصفا والمروة قبل أن يخرج إلى منى قال وأخبرنا هشام بن حسان قال كان عطاء بن أبي رباح يعجبه إذا توجه إلى منى أن يهل ثم يمضي على وجهه وقال عطاء إذا أحرم عشية التروية فلا يطف بالبيت حتى يروح إلى منى قال هشام وقال الحسن أي ذلك فعل فلا بأس إن شاء أهل حين يتوجه إلى منى وإن شاء قبل ذلك وإن أهل قبل يوم التروية فإنه يطوف باليت ويسعى بن الصفا والمروة قال أبو عمر ليس يريد الطواف الواجب لأن الطواف الواجب لا يكون إلا بعد رمي جمرة العقبة ولكنه يطوف ما بدا له بالبيت ويركع إن شاء وهو قول مالك أيضا قال أبو عمر قد روي عن ابن عمر في هذا الباب أنه فعل فيه أيضا بقول أبيه وهو كله واسع جائز لمن فعله لا يختلف الفقهاء في جواز ذلك
89

ذكر عبد الرزاق عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع قال أهل ابن عمر مرة بالحج حين رأى الهلال ومرة أخرى بعد الهلال من جوف الكعبة ومرة أخرى حين راح منطلقا إلى منى قال وأخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه أهل بالحج من مكة ثلاث مرات فذكر مثله قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله وعن معمر وابن جريج عن خصيف عن مجاهد عن ابن عمر نحوه قال مجاهد فقلت لابن عمر قد أهللت فينا إهلالا مختلفا قال أما أول عام (152) الأول فأخذت بأخذ أهل بلدي ثم نظرت فإذا أنا أدخل على أهلي حراما وأخرج حراما وليس كذلك كنا نصنع إنما كنا نهل ثم نقبل على شأننا قلت فبأي ذلك نأخذ قال نحرم يوم التروية قال وأخبرنا ابن عيينة عن ابن جريج عن عطاء قال إن شاء المكي ألا يحرم بالحج إلا يوم منى فعل قال وكذلك إن كان أهله دون الميقات إن شاء أهل من أهله وإن شاء (153) من الحرم قال أبو عمر قد ذكرنا إهلال من كان مسكنه (154) دون المواقيت إلى مكة في باب نافع من هذا الكتاب والحمد لله وفي الموطأ أيضا مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أنه كان يقول غسل الجمعة واجب على كل محتلم كغسل الجنابة (155) وهذا قد جاء عن رجل لا يحتج به عن عبيد الله بن عمر
90

عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى عن أبي هريرة عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغسل يوم الجمعة وقد أوردنا الآثار في ذلك وأوضحنا معانيها في باب ابن شهاب عن سالم وفي باب صفوان بن سليم أيضا ذكر من ذلك والحمد لله وروى مالك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة
أنه نهى أن يتبع بنار وهذا مجتمع عليه وقد رويت الكراهية في ذلك من حديث ليث عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (156) =
91

مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل حديث واحد وهو سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي قد ذكرنا نسب جده سعد بن عبادة في كتاب الصحابة (1) بما يغني عن ذكره ههنا وسعيد هذا ثقة عدل فيما نقل (2) وحديث مالك عنه في الموطأ مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده أنه قال خرج سعد بن عبادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فحضرت أمه الوفاة بالمدينة فقيل لها أوصي فقالت فيم أوصي وإنما المال مال سعد فتوفيت قبل أن يقدم سعد فلما قدم ذكر ذلك له فقال سعد يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال سعد حائط كذا وكذا صدقة عنها لحائط سماه (3) هكذا قال يحيى سعيد بن عمرو وعلى ذلك أكثر الرواة منهم ابن القاسم وابن وهب وابن كثير وأبو المصعب وقال فيه القعنبي سعد بن عمرو
92

وكذلك قال ابن البرقي سعد بن عمرو بن شرحبيل كا قال القعنبي والصواب فيه سعيد بن عمرو والله أعلم وعلى ذلك أكثر الرواة وهذا الحديث مسند لأن سعيد بن سعد بن عبادة له صحبة قد روى عنه أبو أمامة بن سهل بن حنيف وغيره وشرحبيل ابنه غير نكير أن يلقى جده سعد بن عبادة على أن حديث سعد بن عبادة هذا في قصة أمه قد روي مسندا من وجوه ومقطوعا أيضا بألفاظ مختلفة وقد ذكرناها في أبواب سلفت من كتابنا هذا منها باب ابن شهاب عن عبيد الله ومنها باب عبد الرحمان بن أبي عمرة وقد يشبه أن يكون حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة من رواية مالك وغيره في صدقة الحي عن الميت هو حديث سعد ابن عبادة (4) هذا والله أعلم وأما معنى هذا الحديث فمجتمع عليه في جواز صدقة الحي عن الميت لا يختلف العلماء في ذلك وأنها مما ينتفع الميت بها وكفى بالاجتماع (5) حجة وهذا من فضل الله على عباده المؤمنين أن يدركهم بعد موتهم عمل البر والخير بغير سبب منهم ولا يلحقهم وزر يعمله غيرهم ولا شر إن لم يكن لهم فيه (6) سبب يسببونه أو يبتدعونه فيعمل به بعدهم حدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن عبد العزيز بن أبي عبيد اللؤلؤي البغدادي بمكة قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا عبد الملك ابن عبد العزيز بن أبي سلمة قال حدثنا مالك بن أنس عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل عن أبيه عن جده عن سعد بن عبادة أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وحضرت أمه الوفاة فقيل لها أوصي فقالت (7) بم أوصي
93

إنما المال كله لسعد قال فلما قدمت أخبرت بذلك فقلت للنبي صلى الله عليه وسلم أينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وهذا الإسناد عن مالك يدل على الاتصال وهو الأغلب منه والله أعلم وكذلك حديث الدراوردي في ذلك أخبرنا أحمد بن عبد الله أن أباه أخبره قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سعيد بن عمرو ابن شرحبيل عن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه أن أمه توفيت وهو غائب فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وقد روي متصلا من حديث أنس حدثناه أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي حدثنا عبد الله بن يونس حدثنا بقي قال حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال حدثنا مروان قال حدثنا حميد الطويل عن انس قال قال سعد بن عبادة يا رسول الله إن أم سعد كانت تحب الصدقة أفينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وعليك بالماء قال وحدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمارة بن غزية عن حميد بن أبي الصعبة عن سعيد بن سعد بن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن عبادة أن يسقى عنها الماء وسئل ابن عباس أي الصدقة أفضل فقال الماء ثم قل ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة * (أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) *
94

أبو حازم سلمة بن دينار الحكيم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد ابن زهير قال سمعت مصعب بن عبد الله يقول اسم أبي حازم سلمة بن دينار وأصله فارسي مولى لبني ليث وأمه رومية وكان أشقر أقرن أحول قال أحمد بن زهير وسألت يحيى بن معين عن أبي حازم فقال سلمة ابن دينار مشهور مدني ثقة وسمعت يحيى بن معين يقول مات أبو حازم المدني سنة أربعين ومائة وقيل غير ذلك وهذا أصح إن شاء الله وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا مطرف قال أخبرني ابن أبي حازم عن أبيه أنه حدث بحديث عند هشام وهو عامل المدينة وابن شهاب حاضر فقال ابن شهاب ما سمعت بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو حازم أكل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته قال لا قال فنصفه قال أرى ذلك قال فاجعل هذا في النصف الذي لم تسمع فقال ابن شهاب أصلحك الله والله إنه لجاري منذ كذا وكذا وما عرفته هكذا قط فقال أبو حازم أما والله لو كنت من الأغنياء لعرفتني منذ زمان ولكني من الفقراء هذا الخبر مختلف فيه قد روي عن أبي سهيل مع الزهري وروي لغيره أيضا وقصة أبي حازم في خبره الطويل عند سليمان مخطئا جرى قول الزهري فيما روى والله أعلم وأبو حازم القائل ما الدنيا أما ما مضى منها فإعلام وأما ما بقي فأماني وأما إبليس والله لقد أطيع فما نفع ولقد عصي فما ضر
95

وكان أبو حازم هذا أحد الفضلاء الحكماء العلماء الثقات الأثبات من التابعين وله حكم وزهديات ومواعظ ورقائق ومقطعات يطول الكتاب بذكرها (1) لمالك عنه في الموطأ من مرفوعاته تسعة أحاديث فيها واحد مرسل وآخر موقوف عند أكثر الرواة
حديث أول لأبي حازم مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك (2) قال أبو عمر ينمي ذلك يعني يرفعه يريد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى رفع هذا الحديث من طرق شتى ومضى ما فيه للعلماء في باب عبد الكريم أبي أمية من هذا = الكتاب فلا وجه لتكرير ذلك ههنا وقد حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا أحمد بن الحسن الرازي قال حدثنا أحمد بن داود المكي قال حدثنا عمار بن مطرف قال حدثنا مالك بن أنس عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال أمرنا أن نضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى في الصلاة
96

حديث ثان لأبي حازم مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن كان ففي الفرس والمراة والمسكن يعني الشؤم (3) ليس
في هذا الحديث قطع في الشؤم لقوله إن كان = وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب ابن شهاب عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمز من هذا الكتاب وقيل شؤم الفرس ألا يغزى عليه في سبيل الله وشؤم المراة ألا تكون ولودا ولا ودودا وشؤم الدار جيرانها إذا كانوا جيران سوء
حديث ثالث لأبي حازم مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر (4) قال أبو عمر من السنة تعجيل الفطر وتأخير السحور والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس ولا يجوز لأحد أن يفطر وهو شاك هل غابت
97

الشمس أم لا لأن الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج عنه (5) إلا بيقين والله عز وجل يقول ثم أتموا الصيام إلى الليل (6) وأول الليل مغيب الشمس كلها في الأفق عن أعين الناظرين من شك لزمه التمادي حتى لا يشك في مغيبها قال صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ههنا يعني المشرق وأدبر النهار من ههنا يعني المغرب وغربت الشمس فقد أفطر الصائم حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير ومحمد بن إسماعيل قالا حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال سمعت عاصم بن عمر ابن الخطاب يحدث عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم (7) واختلف الفقهاء فيمن أفطر وهو يظن أن الشمس قد غربت ثم بدت له بعد إفطاره فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث فيمن أكل وظنه ليلا ثم تبين له أنه نهار أو أفطر وهو يظن أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب فعليه القضاء وقال مجاهد وجابر بن زيد لا قضاء عليه في شيء من ذلك كله وبه قال داود وقال الشافعي وعبيد (8) الله بن الحسن من أكل وهو شاك في الفجر فلا شيء عليه وقال الثوري يتسحر الرجل ما شك حتى يرى الفجر
98

وقال أبو حنيفة إن كان أكثر ظنه في حين أكله أنه أكل بعد طلوع الفجر فأحب إلينا أن يقضي أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أنهم أفطروا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس فقلت لهشام فأمروا بالقضاء قال ومن ذلك بد أخبرنا أحمد بن محمد بن هشام قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن فراس قال حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثنا علي بن زيد الفرائضي قال حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل أحب عبادي إلي أسرعهم فطرا قال أبو عمر لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث من الزهري بينهما قرة بن حيويل كذلك رواه ثقات أصحاب الأوزاعي وأما محمد بن كثير هذا فكثير الخطأ ضعيف النقل حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال (حدثنا (9) الحرث ابن أبي أسامة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي حازم عن سهل ابن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في رمضان حتى يفطر ولو على شربة من ماء وقد مضت آثار هذا الباب في باب عبد الرحمان بن حرملة من هذا الكتاب
99

حديث رابع لأبي حازم مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر الصديق فقال أتصلي للناس فأقيم قال نعم فصلى أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته فلما أكثر الناس من التصفيق التفت أبو بكر فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ثم استأخر حتى استوى في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقال يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لي رايتكم أكثرتم التصفيق من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيح (10) للنساء (11)
100

قال أبو عمر لم يختلف رواة الموطأ في إسناد هذا الحديث وانفرد عبد الله بن محمد ابن ربيعة القدامي عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ولم يتابع عليه وحديث الزهري محفوظ عند جماعة من أصحابه وإن اختلفوا في إسناده وروى هذا الحديث ابن عيينة وخارجة والمسعودي عن أبي حازم عن سهل بن سعد بمعنى حديث مالك وقالوا كلهم في آخره إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال والمعنى الذي له خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم أن رجلين منهم تشاجرا كذا رواه أسد بن موسى عن المسعودي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال كان بين رجلين من الأنصار شيء فانطلق إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلح بينهما فذكر (12) الحديث وقال خارجة عن أبي حازم عن سهل بن سعد كان بين بني عمرو بن عوف شيء بالمدينة فاستبوا وتراموا بالحجارة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق يصلح بينهم والصلاة التي شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم صلاة العصر والمؤذن بلال كذلك ذكر جمهور الرواة لهذا الحديث عن أبي حازم في الصلاة أنها العصر والمؤذن أنه بلال حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح قال حدثنا عثمان بن عمر وحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا يونس بن محمد قالا
101

حدثنا حماد عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني عمرو بن عوف في لحاء كان بينهم فحضرت صلاة العصر فقال بلال لأبي بكر أأقيم الصلاة فتصلي بالناس قال نعم فأقام بلال وتقدم أبو بكر فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرق الصفوف وصفق القوم وكان أبو بكر لا يكاد يلتفت فلما أكثروا التصفيق التفت فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم يفرق الصفوف فتأخر أبو بكر وأومأ إليه أن مكانك فتأخر وتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بهم فلما قضى صلاته قال يا أبا بكر مالك إذ أومأت إليك لم تقم قال ما كان لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا قوم ما بالكم إذا نابكم أمر صفقتم سبحوا فإنما التصفيق للنساء في هذا الحديث من الفقه أن الصلاة إذا خشي فوات وقتها لم ينتظر الإمام من كان فاضلا كان أو مفضولا وفيه أن الإقامة إلى المؤذن هو أولى بها وهذا
موضع اختلف العلماء فيه فذهب (13) قوم إلى أن من أذن فهو يقيم ورووا فهي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد فيه لين يدور على الإفريقي عبد الرحمان بن زياد وقال مالك وجماعة غيره من العلماء لا بأس بأذان مؤذن وإقامة غيره واستحب الشافعي أن يقيم المؤذن فإن أقام غيره فلا بأس بذلك عنده وفي حديث عبد الله بن زيد ما يدل على أنه لا بأس (14) بإقامة غير المؤذن وهو أحسن إسنادا من حديث الإفريقي وفيه أنه لا باس بتخلل الصفوف ودفع الناس والتخلص بينهم للرجل الذي تليق به الصلاة في الصف الأول حتى يصل إليه ومن شأن الصف الأول أن يكون فيه أهل الفضل والعلم بحدود الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم ليلني منكم أهل
102

الأحلام والنهى يريد ليحفظوا عنه ويعوا ما يكون منه في صلاته وكذلك ينبغي أن يكون في الصف من يصلح للاستخلاف إن ناب الإمام شيء في صلاته ممن يعرف إرقاعها وإصلاحها وفيه أن التصفيق لا تفسد به صلاة الرجال إن فعلوه لأنهم لم يؤمروا بإعادة ولكن قيل لهم شأن الرجال في مثل هذه الحال التسبيح وفيه أن أبا بكر كان لا يلتفت في صلاته ثم التفت إذ أكثر الناس للتصفيق وفيه أن الالتفات لا يفسد الصلاة لأنه لو أفسدها لآمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعادتها ولقال له قد أفسدت صلاتك بالتفاتك لأنه صلى الله عليه وسلم إنما بعث آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر ومعلما شرائع الدين وقد بلغ كل ما أمر به صلى الله عليه وسلم وما أقر عليه مما رآه فهو في حكم ما أباحه قولا وعملا وقد جاءت في النهي عن الالتفات في الصلاة أحاديث محملها عند أهل (15) العلم على ما وصفت لك وأجمع العلماء على أن الالتفات في الصلاة مكروه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الالتفات في الصلاة خلسة يختلسها الشيطان من صلاة العبد وجمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيرا وقال أبو ثور إذا التفت ببدنه كله أفسد صلاته وقال الحكم من تأمل من عن يمينه أو يساره في الصلاة حتى يعرفه فليس له صلاة وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن قاسم بن محمد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان مطين قال حدثنا موسى بن زياد قال حدثنا الوليد بن مسلم عن
103

الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن نافع قال سئل ابن عمر أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت في الصلاة قال لا ولا في غير الصلاة وفيه أن الإشارة في الصلاة باليد وبالعين وبغير ذلك لا بأس بذلك حدثنا خلف بن القاسم حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا زكرياء بن يحيى السنجري حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة وفيه أن رفع اليدين حمدا وشكرا ودعاء في الصلاة لا يضر بها شيء من ذلك كله وفيه دليل على جواز الاستخلاف في الصلاة إذا أحدث الإمام أو منعه مانع من تمام صلاته لأن الإمام إذا أحدث كان أولى بالاستخلاف (16) وكان ذلك منه أجوز من تأخر أبي بكر رضي الله عنه من غير حدث لأن المحدث لا يجوز له أن يتمادى في تلك الصلاة وقد كان لأبي بكر أن يتمادى لولا موضع فضيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم التقدم بين يديه بغير إذنه صلى الله عليه وسلم وقد كان يجوز له أن يثبت ويتمادى لإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك وليس كذلك المحدث ولهذا يستخلف عند جمهور العلماء وقد ذكرنا ما في هذه المسألة من الاختلاف في باب إسماعيل بن أبي حكيم والحمد لله وأما استئخار أبي بكر عن إمامته وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكانه وصلاته في موضع أبي بكر ما كان بقي عليه فهذا موضع خصوص عند جمهور العلماء لا أعلم بينهم أن إمامين في صلاة واحدة من غير عذر حدث يقطع صلاة الإمام ويوجب الاستخلاف لا يجوز وفي إجماعهم على هذا دليل على خصوص هذا الموضع لفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه لا نظير له في
104

ذلك ولأن الله عز وجل قد أمرهم أن لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله وهذا على عمومه في الصلاة والفتوى والأمور كلها ألا ترى إلى قول أبي بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضيلة الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجهلها مسلم ولا يلحقها أحد وأما سائر الناس فلا ضرورة بهم إلى ذلك لأن الأول والثاني سواء ما لم يكن عذر ولو صلى أبو بكر (17) بهم تمام الصلاة لجاز لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك أن تثبت إذ أمرتك وفي هذا دليل على أنه لولا أنه أمره ما قال له ما منعك أن تثبت وفي هذا (18) ما يدلك على أنهم قد كانوا عرفوا منه ما يدل على خصوصه في ذلك والله أعلم وموضع الخصوص من هذا الحديث هو استئخار الإمام لغيره من غير حدث يقطع عليه صلاته وأمالوا تأخر بعد حدث (19) وقدم غيره لم يكن بذلك بأس بل في هذا الحديث دليل عليه للعلة التي ذكرنا فكذلك كل علة تمنع من تماديه في صلاته وقد روى عيسى عن ابن القاسم في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم أحدث فخرج وقدم رجلا ثم توضأ وانصرف فأخرج الذي قدمه وتقدم هل تجزئ عنهم صلاتهم فقال قد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاء وأبو بكر يصلي بالناس فسبح الناس بأبي بكر فتأخر وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرى أن يصلي بهم بقية صلاتهم ثم يجلسون حتى يتم هو لنفسه ثم يسلم ويسلمون قال عيسى قلت لابن القاسم فلو ذكر قبيح ما صنع بعد أن صلى ركعة قال يخرج ويقدم الذي أخرج قلت فإن لم يجده قال فليقدم غيره ممن أدرك الصلاة كلها
105

وفيه أن التصفيق لا يجوز في الصلاة لمن نابه شيء فيها ولكن يسبح وهذا ما لا خلاف فيه للرجال وأما النساء فإن العلماء اختلفوا في ذلك فذهب مالك وأصحابه إلى أن التسبيح للرجال والنساء جميعا لقوله صلى الله عليه وسلم من نابه شيء في صلاته فليسبح ولم يخص رجالا من نساء وتأولوا قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما التصفيق للنساء أي إنما التصفيق من فعل النساء قال ذلك على جهة (20) الذم ثم قال من نابه شيء في صلاته فليسبح وهذا على العموم للرجال والنساء هذه حجة من ذهب هذا المذهب وقال آخرون منهم الشافعي والأوزعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وجماعة من نابه من الرجال شيء في صلاته سبح ومن نابها من النساء شيء في صلاتها صفقت إن شاءت لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فرق بين حكم النساء والرجال في ذلك فقال التصفيق للنساء ومن نابه شيء في صلاته يعني منكم أيها الرجال فليسبح واحتج بحديث أبي هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ففرق بين حكم الرجال والنساء وكذلك رواه جماعة في حديث سهل بن سعد هذا (21) قال الأوزاعي إذا نادته أمه وهو في الصلاة سبح فإن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء سنة حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمرو
بن عون قال أخبرنا حماد بن زيد عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال كان قتال بين بني عمرو بن عوف فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر فقال لبلال إذا حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس فلما حضرت صلاة
106

العصر أذن بلال ثم أقام ثم أمر (22) بلال أبا بكر فتقدم (23) وذكر الحديث وقال في آخره إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال وليصفق النساء فهذا قاطع في موضع الخلاف يرفع الإشكال وكذلك رواه ابن عجلان وغيره جماعة (24) قد ذكرنا بعضهم في هذا الباب عن أبي حازم عن سهل بن سعد بمعنى حديث حماد بن زيد هذا وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال وهذا المعنى محفوظ من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عن أبي هريرة جماعة من أصحابه منهم سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وأبو صالح السمان وأبو سلمة وأبو نضرة وغيرهم حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحامد بن يحيى وأخبرنا عبد الله ابن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة بن سعيد قالوا حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التسبيح للرجال والتصفيق للنساء (25) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمود بن خالد قال حدثنا الوليد عن عيسى بن أيوب قال (26) قوله
107

التصفيح للنساء تضرب المرأة بأصبعين من يمينها على كفها الشمال (27) وقال بعض أهل العلم إنما كره التسبيح للنساء وأبيح لهن التصفيق من أجل أن صوت المراة رخيم في أكثر النساء وربما شغلت بصوتها الرجال المصلين معها وفي هذا الحديث دليل على جواز الفتح على الإمام لقوله صلى الله عليه وسلم من نابه شيء في صلاته فليسبح فإذا جاز التسبيح جازت التلاوة حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن حدثنا عبد الحميد بن أحمد حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا قبيصة بن عقبة قال حدثنا سفيان عن خالد الحذاء قال سمعت الحسن يقول إن أهل الكوفة يقولون لا يفتح على الإمام وما بأس به أليس الرجل يقول سبحان الله قال أبو عمر ذكر الطحاوي أن الثوري وأبا حنيفة وأصحابه كانوا يقولون لا يفتح على الإمام وقالوا بأن فتح عليه لم تفسد صلاته وروى الكرخي عن أصحاب أبي حنيفة أنهم لا يكرهون الفتح على الإمام قال أبو عمر قد روى عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمان السلمي عن علي رحمه الله قال إذا استطعمكم الإمام فأطعموه ولا مخالف له من الصحابة وأصل هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم إذا نابكم شيء في صلاتكم فسبحوا فلما كان تسبيحه لما ينويه مباحا كان فتحه على الإمام أحرى أن يكون مباحا وقد
108

كان أبو حنيفة يقول إذا كان التسبيح جوابا قطع الصلاة وإن كان من مرور إنسان بين يديه لم يقطع وقال أبو يوسف لا يقطع وإن كان جوابا وهو الصحيح لقوله صلى الله عليه وسلم من نابه شيء في صلاته فليسبح وجائز أن يسبح من سلم عليه وهو في الصلاة على عموم هذا الحديث وأجمع العلماءعلى أن من سلم عليه وهو يصلي لا يرد كلاما وكذلك أجمعوا على أن من رد إشارة أجزأه ولا شيء عليه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر عن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي والأنصار يدخلون يسلمون عليه وكان يرد إشارة ومن سلم عليه وهو في الصلاة فلم يرد إشارة رد إذا = فرغ منها كلاما وأحب إلى أهل العلم أن يشير بيده إلى من سلم عليه وقد كره قوم السلام على المصلي وأجازه الأكثر من العلماء على حكم ما ذكرنا وبالله توفيقنا
حديث خامس لأبي حازم مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شيء تصدقها إيه فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئا فقال ما أجد شيئا قال التمس ولو خاتما من حديد (28) فالتمس فلم يجد شيئا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل معك من
109

القرآن شيء قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور (29) سماها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحتكها بما معك من القرآن (30) روى هذا الحديث عن أبي حازم عن سهل جماعة (31) وأحسنهم كلهم (32) له سياقة مالك رحمه الله وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند في قوله عز وجل * (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي) * 33 الآية والموهوبة خص بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده دون سائر أمته صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل * (خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) * 34 يعني من الصداق فلا بد لكل مسلم من صداق (35) قل أو أكثر على حسبما للعلماء في ذلك من التحديد في قليله دون كثيره على ما نورده في هذا الباب إن شاء الله وخص النبي صلى الله عليه وسلم بأن الموهوبة له جائزة دون صداق وفي القياس أن كل ما يجوز البدل منه والعوض جازت هبته إلا أن الله عز وجل حرم الأبضاع من النساء إلا بالمهور وهي الصدقات المعلومات قال الله عز وجل * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * 36
110

قال أبو عبيدة يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرضها الله من ذلك دون خير حكومة قال وما أخذ بالحكام فلا يقال له نحلة وقد قيل إن المخاطب بهذه الآية الاباء لأنهم كانوا يستأثرون بمهور بناتهم التي فرضها الله لهن وقال الله عز وجل * (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) * 38 يعني مهورهن وقال في الإماء * (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن) * 39 يعني مهروهن وأجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجا وهب له وطؤه دون رقبته بغير صداق وأن الموهوبة لا تحل لأحد غير النبي صلى الله عليه وسلم واختلفوا في عقد النكاح بلفظ الهبة مثل أن يقول الرجل (للرجل) (4) قد وهبت لك (41) ابنتي أو وليتي وسمى صداقا أو لم يسم فقال الشافعي لا يصح النكاح بلفظ الهبة ربيعة والشافعي ومالك على اختلاف عنه وأبو ثور وأبو عبيد وداود وغيرهم وذهبت طائفة من أصحاب مالك أن النكاح ينعقد بلفظ الهبة لأنه لفظ يصح للتمليك والاعتبار فيه بالمعنى لا باللفظ وقال ابن القاسم عن مالك لا تحل الهبة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال وإن كانت هبته إياها ليست على نكاح إنما وهبها له ليحضنها أو ليكفلها فلا أرى بذلك باسا
111

قال ابن القاسم وإن وهب ابنته وهو يريد إنكاحها فلا أحفظه عن مالك وهو عندي جائز كالبيع قال مالك من قال أهب لك هذه السلعة على أن تعطيني كذا وكذا فهو بيع وإلى هذا ذهب أكثر المتأخرين من المالكيين البغداديين وقالوا إذا قال رجل لرجل قد وهبت لك ابنتي على دينار جاز وكان نكاحا صحيحا قياسا على البيع وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي ينعقد النكاح بلفظ الهبة إذا كان اشهد عليه ولها المهر المسمى إن كان سمى وإن كان لم يسم لها مهرا فلها مهر مثلها ومما احتج به أصحاب أبي حنيفة في هذا أن الطلاق يقع بالتصريح وبالكناية قالوا فكذلك النكاح والذي خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم تعري البضع من العوض لا النكاح بلفظ الهبة قال أبو عمر الصحيح أنه لا ينعقد بلفظ الهبة نكاح كما أنه لا ينعقد بلفظ النكاح هبة شيء من الأموال مع ما ورد به التنزيل المحكم في الموهوبة أنها للنبي صلى الله عليه وسلم خالصة دون المؤمنين فلما لم تصح الهبة في ذلك لم يصح بلفظها نكاح هذا هو الصحيح في النظر والله أعلم ومن جهة النظر أيضا أن النكاح مفتقر إلى التصريح لتقع الشهادة عليه وهو ضد الطلاق فكيف يقاس عليه وقد أجمعوا أن النكاح لا ينعقد بقوله قد أبحت لك وقد أحللت لك فكذلك الهبة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استحللتم فروجهن بكلمة الله بمعنى القرآن وليس في القرآن عقد النكاح بلفظ الهبة وإنما فيه التزويج والنكاح وفي إجازة النكاح بلفظ الهبة إبطال بعض خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم وفي هذا الحديث أيضا من الفقه إجازة أخذ الأجرة على تعليم القرآن وقد اختلف في ذلك العلماء فكرهه قوم منهم أبو حنيفة وأصحابه وأجازه
112

آخرون منهم مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد والحجة في جواز ذلك حديث هذا الباب وحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم انه بعث سرية فنزلوا بحي فسألوهم القرى أو الشراء فلم يفعلوا فلدغ سيد الحي فقالوا لهم هل فيكم من راق فقالوا لا حتى تجعلوا لنا على ذلك جعلا فجعلوا لهم قطيعا من غنم فأتاهم رجل منهم فقرا عليه فاتحة الكتاب فبرأ فذبحوا وشووا وأكلوا فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له فقال ومن أين علمت أنها رقية من أخذ برقية باطل فلقد أخذت برقية حق اضربوا لي فيها بسهم (42) رواه أبو المتوكل الناجي وسليمان بن قنة وأبو نضرة عن أبي سعيد الخدري وروى الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وحجة أبي حنيفة من قال بقوله حديث سعد بن طريف (439 عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال معلمو صبيانكم شراركم أقلهم رحمة باليتيم وأغلظهم على المسكين وحديث علي بن عاصم عن حماد بن سلمة عن أبي جرهم عن أبي هريرة قال قلت يا رسول الله ما تقول في المعلمين قال درهمهم حرام وقوتهم سحت وكلامهم رياء وحديث المغيرة بن زياد عن عبادة بن نسي (44) عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة بن الصامت أنه علم رجلا من أهل الصفة فأهدى له قوسا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سرك أن يطوقك الله طوقا من نار فاقبله (45)
113

وروي من حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وهذ الأحاديث منكرة لا يصح شيء منها (46) عند أهل العلم بالنقل وسعد بن طريف متروك الحديث وأبو جرهم مجهول لا يعرف ولم يرو حماد ابن سلمة عن أحد يقال له أبو جرهم وإنما رواه عن أبي المهزم وهو متروك أيضا وهو حديث لا أصل له وأما المغيرة بن زياد فمعروف بحمل العلم ولكنه له مناكر هذا منها (47) وأما حديث القوس فمعروف عند أهل العلم لأنه روي عن عبادة من وجهين وروي عن أبي بن كعب من حديث موسى بن علي عن أبيه عن أبي ابن كعب وهو منقطع وليس في هذا الباب حديث يجب به حجة من جهة النقل والله أعلم واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم اقرءوا القرآن ولا تأكلوا به ولا تستكثروا (48) وهذا يحتمل التأويل وكذلك حديث عبادة وأبي يحتمل التأويل أيضا لأنه جائز أن يكون علمه لله ثم أخذ عليه أجرا ونحو هذا واختلف الفقهاء أيضا في حكم المصلي بأجرة فروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة خلف من استؤجر في رمضان يقوم بالناس فقال أرجو أن لا يكون به بأس إن كان به بأس فعليه وروى عنه ابن القاسم أنه كرهه وهو أشد كراهية له في الفريضة وقال الشافعي وأصحابه وأبو ثور لا بأس بذلك ولا بأس بالصلاة خلفه
114

وذكر الوليد بن مزيد (49) عن الأوزاعي أنه سئل عن رجل أم قوما فأخذ عليه أجرا فقال لا صلاة له وكرهه أبو حنيفة وأصحابه وهذه المسألة معلقة من التي قبلها وأصلهما واحد وفي هذه المسألة اعتلالات يطول ذكرها وفيه أيضا من الفقه أن الصداق كل ما وقع عليه اسم شيء مما يصح تملكه قل أو كثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له التمس ربع دينار فصاعدا ولا عشرة دراهم فصاعدا ألا ترى إلى قوله هل عندك من شيء تصدقها ثم قال التمس ولو خاتما من حديد فقال أصحابنا يريد بقوله التمس شيئا وهل عندك من شيء أي من شيء تقدمه إليها من صداقها لأن عادتهم جرت بأن يقدموا من الصداق بعضه وقال الشافعي وأصحابه يريد شيئا تصدقها إياه فيقتضي أن كل شيء وجده مما يكون ثمنا لشيء جاز أن يكون صداقا قل أو كثر وقد مضى القول في هذا المعنى مجودا في باب حميد من هذا الكتاب (50) وأما اختلاف العلماء في مبلغ أقل الصداق فذهب مالك وأصحابه إلى أن النكاح لا يكون بأقل من ربع دينار ذهبا أو ثلاثة دراهم كيلا من ورق أو قيمة ذلك من العروض قياسا على قطع اليد لأنه عضو يستباح بمقدر من المال فاشبه قطع اليد ولم يكن بد من التقدير في ذلك لأن الله شرط عدم الطول في نكاح الإماء وقلما يعدم الإنسان ما يتمول أو يتملك وقد ذكرنا الحجة لهذا القول في باب حميد الطويل من هذا الكتاب (51) وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يكون المهر أقل من عشرة دراهم قياسا أيضا على ما تقطع اليد فيه عندهم واحتجوا بحديث يروى عن جابر عن
115

النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا صداق أقل من عشرة دراهم وهو حديث لا يثبت وروي عن الشعبي عن علي مثله ولا يصح أيضا عن علي وقال ابن شبرمة أقل المهر خمسة دراهم يعني كيلا وفي ذلك تقطع اليد عنده أيضا وروي عن النخعي ثلاثة أقاويل أحدها أنه كره (52) أن يتزوج بأقل من أربعين درهما وروي عنه أنه قال أكره أن يكون مثل مهر البغي ولكن العشرة والعشرون وكان سعيد بن جبير يستحب أن يكون المهر خمسين درهما وقال الحسن البصري وسعيد بن المسيب وابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي وعطاء وعمرو بن دينار والشافعي ومسلم بن خالد الزنجي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور والليث بن سعد والحسن بن حي والطبري وداود يجوز النكاح بقليل المال وكثيرة إلا أن الحسن يعجبه أن لا يكون أقل من دينار أو عشرة دراهم ويجيزه بدرهم وقال الأوزاعي كل نكاح وقع بدرهم فما فوقه لا ينقضه قاض قال
(53) والصداق ما تراضى عليه الزوجان من قليل أو كثير وقال الشافعي كل ما كان ثمنا لشيء أو أجره جاز أن يكون صداقا وقال سعيد بن المسيب لو أصدقها سوطا لحلت (54) أخبرنا خلف بن قاسم حدثنا ابن شعبان حدثنا عمران بن موسى بن زكرياء حدثنا خشيش بن اصرم حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عكرمة عن ابن عباس قال النكاح جائز على موزة إذا هي رضيت
116

قال أبو عمر أجمع العلماء على أن لا توقيت ولا تحديد في أكثر الصداق وذكر الله تعالى الصداق في كتابه ولم يحد في أكثره ولا في أقله حدا ولو كان الحد مما يحتاج في ذلك إليه لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو المبين عن الله مراده صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم التمس ولو خاتما من حديد والحدود لا تصح إلا بكتاب الله أو سنة ثابتة لا معارض لها أو إجماع يجب التسليم له هذه جملة ما احتج به من ذهب هذا المذهب وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن ما يصدقه الرجل امرأته لا يملك شيئا منه وأنه للمرأة دونه ألا ترى إلى قوله إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك وفي هذا ما يدل على أن الصداق لو كان جارية ووطئها الزوج حد لأنه وطئ ملك غيره وهذا موضع اختلف فيه السلف والآثار وأما فقهاء الأمصار فعلى ما ذكرت لك وهو الصحيح لقول الله عز وجل * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) * 55 ومن وطئ جارية قد أمهرها زوجته وملكتها عليه ببضعها فلم يطأ ملك يمين وتعدى واختلف الفقهاء في المهر المسمى هل تستحق المرأة جميعه بالعقد أم لا فالظاهر من مذهب مالك أنه لا تستحق بالعقد إلا نصفه وأما الصداق إذا كان شيئا بعينه فهلك ثم طلق قبل الدخول لم يكن له عليها شيء وأنه لو سلم وطلق قبل الدخول أخذ نصفه ناميا أو ناقصا والنماء والنقصان بينهما وقد روي عن مالك وقال به طائفة من أصحابه أنها تستحق المهر كله بالعقد
117

واستدل قائل ذلك بالموت قبل الدخول وبوجوب الزكاة في الماشية نفسها عليه وأنه لا يقال للزوج أغرم عليها الزكاة ثم تدخل وبأنه لو كانت بينهما لم تجب عليها في أربعين شاة أو خمس ذود زكاة فلما أوجبوا عليها الزكاة في ذلك علم أنها كلها على ملكها وبهذا القول قال الشافعي وأصحابه واعتلوا بالإجماع على أن الصداق إذا قبضته وكان معينا في غير ذمة الزوج وهلك قبل الدخول كان منها وكان له أن يدخل بها بغير شيء وبأنها لو كان الصداق أباها عتق عليها عقب العقد قبل الدخول بلا خلاف واحتجوا أيضا بقول الله عز وجل * (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) * فأمر بتسليم الصداق إليها فوجب ملكه لها وشبهوا سقوطه بالطلاق قبل الدخول بعد وجوبه وثبوته بالبائع يرجع إليه عين ملكه عند فلس المبتاع منه ولهم في ذلك ضروب من الكلام يكفي منه ما ذكرنا وهو عينه وعليه مداره والحمد لله وفيه إجازة اتخاذ خاتم الحديد وقد اختلف العلماء في جواز لباس خاتم الحديد على ما بينا في باب عبد الله بن دينار (56) والحمد لله وفيه أيضا دليل على أن تعليم القرآن جائز أن يكون مهرا وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما لا يكون القرآن ولا تعليم القرآن مهرا وهو قول الليث وحجة من ذهب هذا المذهب أن الفروج لا تستباح إلا بالأموال لذكر الله الطول في النكاح والطول المال والقرآن ليس بمال وقال الله عز وجل * (أن تبتغوا بأموالكم) * 57 والقرآن ليس بمال ولأن التعليم من المعلم والمتعلم يختلف ولا يكاد يضبطه فأشبه الشيء المجهول قالوا ومعنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد
118

أنكحتكها بما معك من القرآن فإنما هوعلى جهة التعظيم للقرآن وأصله لا على أنه مهر وإنما زوجه إياها لكونه من أهل القرآن كما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه والمهر مسكوت عنه لأنه معهود معلوم أنه لا بد منه أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو بالبزار قال حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني وإسحاق (58) بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يسلم فقالت أتزوج بك وأنت تعبد خشبة نحتها عبد بني فلان إن أسلمت تزوجت بك قال فأسلم أبو طلحة فتزوجها على إسلامه يريد لما أسلم استحل نكاحها وسكت عن المهر وكان أحمد بن حنبل يكره النكاح على القرآن وقال الشافعي وأصحابه جائز أن يكون تعليم القرآن أو سورة منه مهرا قال فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف أجر التعليم هذه رواية المدني عنه وذكر الربيع عنه في البويطي أنه إن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف مهر مثلها لأن تعليم النصف لا يوقف على حده قال فإن وقف عليه جعل امرأة تعلمها ومن الحجة لمذهب الشافعي في ذلك أن الحديث الثابت ورد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج ذلك الرجل تلك المراة على تعليمه إياها سورا سماها ولأن (59) تعليم القرآن يصح أخذ الأجرة عليه فجاز أن يكون صداقا قالوا ولا
119

وجه لقول من قال إن ذلك كان من أجل حرمة القرآن ومن أجل كونه من أهل القرآن لأن في الحديث ما يبطل هذا التأويل لأنه قال التمس شيئا ثم قال له التمس ولو خاتما من حديد ثم قال له هل معك من القرآن شيء فقال سورة كذا فقال قد زوجتكها بما معك من القرآن أي بأن تعلمها تلك السورة من القرآن قال أبو عمر دعوى التعليم على الحديث دعوى باطل لا يصح وتأويل الشافعي على ما ذكرنا في هذا الباب محتمل فأما دعوى الخصوص فضعيف لا وجه له ولا دليل عليه وأكثر أهل العلم لا يجيزون ما قال الشافعي وأولى ما قيل به في هذا الباب قول مالك ومن تابعه إن شاء الله والله الموفق للصواب وقد أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد عن أبيه عن محمد بن عمر بن لبابة قال أخبرنا مالك بن علي القرشي عن يحيى بن يحيى أن يحيى بن مضر حدثه عن مالك بن أنس في الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح بما معه من القرآن أن ذلك في أجرته على تعليمها ما معه
حديث سادس لأبي حازم مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال لا والله
120

يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا قال فتله (60) رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده (61) روى ابن أبي حازم هذا الحديث عن أبيه فقال فيه وعن يساره أبو بكر ثم ساق معنى حديث مالك سواء وذكر أبي بكر في هذا الحديث عندهم خطأ وإنما هو محفوظ في حديث ابن شهاب وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب ابن
شهاب عن أنس أخبرنا يحيى بن يوسف قال حدثنا يوسف بن أحمد قال حدثنا محمد ابن إبراهيم قال حدثنا أبو عيسى الترمذي حدثنا أحمد بن منيع حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا علي بن زيد عن عمر بن أبي حرملة عن ابن عباس قال دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة فجاءتنا بإناء من لبن فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عن يمينه وخالد عن شماله فقال لي الشربة لك وإن شئت آثرت بها خالدا فقلت ما كنت لأوثر بسؤرك أحدا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه (62) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس شيء يجزئ مكان الطعام والشراب غير اللبن ولا يجوز عندي لأحد (63) شرب ماء أو لبنا (64)
121

أو غير ذلك من الأشربة الحلال وحوله من يريد أن يشرب من ذلك معه ممن به الحاجة إليه أوليس به حاجة إليه إذا وسعهم ذلك الشراب أن يناول من على يساره البتة بحال فاضلا كان أو مفضولا حتى يشاور من على يمينه فإنه حق له بالسنة الثابتة في هذا الحديث فإن أذن له فعل وإلا فهو أحق بالشراب (65) من الذي على يساره وهذا نص صحيح ثابت لا يلتفت إلى ما خالفه من آراء الرجال وبالله التوفيق وهو المستعان والشراب المذكور في هذا الحديث كان لبنا حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا حفص بن حمزة قال حدثنا إسماعيل ابن جعفر قال أخبرني أبو حازم عن سهل بن سعد قال أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن وغلام عن يمينه والأشياخ أمامه وعن يساره فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال للغلام يا غلام أتأذن لي أن أسقي الأشياخ قال ما أحب أن أوثر بفضل شربتك على نفسي أحدا من الناس فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الأشياخ والغلام المذكور في هذا الحديث هو ابن عباس والأشياخ خالد بن الوليد أو منهم خالد بن الوليد حدثنا خلف بن القاسم حدثنا أحمد بن صالح المقرئ حدثنا أحمد بن جعفر المنادي حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا محمد بن الصباح البزار حدثنا إسماعيل بن زكرياء الخلقاني أبو زياد (66) عن سفيان عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقعب من لبن فشرب منه وابن عباس عن يمينه وخالد بن الوليد عن يساره فقال يا ابن
122

عباس إن الشربة لك فإن شئت أن تؤثر بها خالدا فقال ما أنا بمؤثر بسؤرك علي أحدا وقد روى الحميدي هذا الحديث عن سفيان فخالف في إسناده الخلقاني والحميدي أثبت منه حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم حدثنا الترمذي حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا علي بن زيد بن جدعان عن عمر بن أبي (67) حرملة عن ابن عباس قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالتي ميمونة ومعنا خالد ابن الوليد فقالت له ميمونة ألا نقدم إليك يا رسول الله شيئا أهدته لنا أم عفيف قال بلى فأتته بضباب (68) مشوية فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تفل ثلاث مرات ولم يأكل منها وأمره أن نأكل ثم أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فيه لبن فشرب وأنا عن يمينه وخالد عن يساره فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الشربة لك يا غلام وإن شئت آثرت بها خالدا فقلت ما كنت لأوثر بسؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا ثم قال من أطعمه الله طعاما فليقل الله بارك لنا فيه وابدلنا بما هو خير منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإني لا أعلم شيئا يجزي من الطعام والشراب غيره (69) ورواه شعبة عن عمر بن أبي حرملة عن ابن عباس مثله وقال أبو داود الطيالسي كذا قال شعبة وغيره يقول عمر بن أبي حرملة وفي هذا الحديث من الفقه أن من وجب له شيء من الأشياء لم يدفع عنه ولم يتسور عليه فيه إلا بإذنه صغيرا كان أو كبيرا إذا كان ممن يجوز له
123

إذنه وليس هذا موضع كبر كبر لأن السن إنما يراعى عند استواء المعاني والحقوق وكل ذي حق أولى بحقه أبدا والمناولة على اليمين من الحقوق الواجبة في آداب المجالسة وفي هذا الحديث دليل على أن الجلساء شركاء في الهدية وذلك على جهة الأدب والمروءة والفضل والأخوة لا على الوجوب لإجماعهم على أن المطالبة بذلك غير واجبة لأحد وبالله التوفيق وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم جلساؤكم شركاؤكم في الهدية بإسناد فيه لين
حديث سابع لأبي حازم مالك عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني أنه قال دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا (70) وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن قوله فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئت من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت له والله إني لأحبك في الله فقال آلله قال فقلت آلله فقال آلله فقلت آلله قال فأخذ بحبوة ردائي بجبذني إليه وقال ابشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى
124

وجبت محبتي للمتحابين في وللمتجالسين في والمتباذلين (71) في والمتزاورين (72) في (73) قد مضى القول والآثار في المتحابين في الله في باب أبي طوالة (74) والحمد لله وفي هذا الحديث لقاء أبي إدريس الخولاني لمعاذ بن جبل وسماعة منه وهو إسناد صحيح ولكن لقاء أبي إدريس هذا لمعاذ بن جبل مختلف فيه فطائفة تنفيه وطائفة لا تنكره من أجل هذا الحديث وغيره ومن نفاه احتج بما رواه معمر وابن عيينة عن الزهري قال سمعت أبا إدريس الخولاني يقول أدركت عبادة بن الصامت وفلانا وفلانا وفاتني معاذ بن جبل فحدثني أصحاب معاذ عن معاذ وذكر الحديث وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني قال أدركت عبادة بن الصامت ووعيت عنه وأدركت أبا الدرداء ووعيت عنه وأدركت شداد بن أوس ووعيت عنه وفاتني معاذ بن جبل ولهذا الخبر عن الزهري زعم قوم أن هذا الحديث خطأ فقال قوم وهم فيه مالك وأسقط من إسناده أبا مسلم الخولاني وزعموا أن أبا إدريس رواه عن أبي مسلم عن معاذ وقال آخرون وهم فيه أبو حازم وغلط في قوله عن أبي إدريس الخولاني أنه لقي معاذ بن جبل
125

قال أبو عمر هذا كله تخرص وتظنن لا يغني من الحق شيئا وقد رواه غير مالك جماعة عن أبي حازم كما رواه مالك سواء وروي أيضا عن أبي إدريس من وجوه شتى غير طريق أبي حازم أنه لقي معاذ بن جبل وسمع منه فلا شيء في هذا على مالك ولا على أبي حازم عند أهل العلم بالحديث والاتساع في علمه وإذا صح عن أبي إدريس أنه لقي معاذ بن جبل فيحتمل ما حكاه ابن شهاب عنه من (75) قوله فاتني معاذ يريد فوت لزوم وطول مجالسة أو فاتني في حديث كذا أو معنى كذا والله أعلم وعلى
هذا يتسق تخريج الأخبار عنه في هذا الباب والله أعلم حدثنا عبد الرحمان بن يحيى وأحمد بن فتح قالا حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر القطان قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا مالك قال حدثنا أبو حازم عن أبي إدريس الخولاني فذكر هذا الحديث حرفا بحرف كما ذكرناه من الموطأ إلا أنه لم يقل شاب وإنما قال فتى براق الثنايا ثم ساق الحديث إلى آخره وقال فأخذ بحبوتي ولم يقل بحبوة ردائي قال ابن أبي مريم وأخبرني ابن أبي حازم عن أبيه عن أبي إدريس بنحوه فهذا ابن أبي حازم قد رواه عن أبي حازم كما رواه مالك وحسبك برؤية مالك مع حفظه وإتقانه وثقته وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال أخبرنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمان عن أبي إدريس قال كنت في حلقة فيها عشرون
126

من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم رجل أدعج العينين أغر الثنايا حدث السن فإذا اختلفوا في شيء فقال قولا انتهوا إلى قوله فإذا به معاذ بن جبل ففي هذا الحديث لقاء أبي إدريس لمعاذ بن جبل وسماعه منه من غير رواية أبي حازم وهذا أيضا إسناد صحيح ثابت ووجدت في أصل سماع أبي رحمه الله بخطه أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال حدثهم قال حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي قال حدثنا نصر ابن مرزوق قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب قال حدثني عائد الله بن عبد الله أنه سمع معاذ بن جبل يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الذين يتحابون (76) لجلال الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله (77) وعائذ الله هذا هو أبو إدريس الخولاني لا خلاف بين أحد من العلماء بهذا الشأن في ذلك وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف قال أخبرنا ضمرة عن ابن عطاء عن أبيه عن أبي إدريس الخولاني قال دخلت مسجد حمص فإذا فيه ثلاثون رجلا أو نحو ذلك في حلقة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا فيهم رجل وضيء الوجه أكحل العينين براق الثنايا وإذا هم يسندون حديثهم إليه فإذا هو معاذ بن جبل فهذا عطاء الخراساني وشهر بن حوشب والوليد بن عبد الرحمان الحرشي يقولون عن أبي إدريس الخولاني ما قال أبو حازم عنه من لقائه معاذ بن جبل وسماعه منه وغير نكير لقاء أبي إدريس لمعاذ لأن ابا إدريس الخولاني ولد عام حنين وولي قضاء دمشق والشام بعد فضالة بن عبيد لم يكن بينهما واسطة وفضالة من الصحابة ولي
127

القضاء بعد أبي الدرداء واسم أبي إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله لا يختلفون في ذلك وقد ذكرناه في هذا الكتاب في باب ابن شهاب لروايته عنه حديث الاستجمار بالأحجار وحديث النهي عن أكل ذي الناب من السباع ذكر أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي قال حدثنا أبو اليمان الحكم ابن نافع قال إسماعيل بن عياش عن الوليد بن أبي السائب عن مكحول أنه كان إذا ذكر أبا إدريس الخولاني قال ما رأيت مثله وكان مولده يوم حنين وسئل الوليد بن مسلم هل لقي أبو إدريس الخولاني معاذ بن جبل فقال نظن أن أبا إدريس الخولاني لقي معاذا وأبا عبيدة بن الجراح وهو ابن عشر سنين ثم قال قال سعيد بن عبد العزيز ولد أبو إدريس الخولاني أيام غزوة حنين قال الوليد ولقي أبو إدريس أبا ثعلبة وأبا الدرداء وشداد ابن أوس وعبادة بن الصامت وغيرهم أخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال سمعت يحيى بن معين يقول بلغني أن أبا إدريس الخولاني ولد عام حنين وأما معاذ بن جبل فتوفي في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة في خلافة عمر وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة لا يختلفون في ذلك وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة ونسبناه وذكرنا أشياء من أخباره هناك (78) والحمد لله حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد ابن زهير قال حدثنا محمد بن إسماعيل العبدي حدثنا ابن المبارك عن يونس ابن يزيد عن الزهري عن عبد الرحمان بن كعب قال كان معاذ بن جبل شابا حليما من أفضل شباب قومه
128

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال وحدثنا يحيى بن معين قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمان (79) بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال كان معاذ ابن جبل رجلا سمحا شابا جميلا من أفضل شباب قومه وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال وأخبرنا المدائني قال معاذ بن جبل أبو عبد الرحمان كان أجمل الرجال لم يولد له قط طوال حسن الشعر عظيم العينين أبيض جعد قطط وقد روي هذا الحديث عن معاذ بن جبل من طرق شتى من غير رواية أبي إدريس بمعنى حديث أبي إدريس ومختصر المعنى أيضا حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا موسى بن عبيدة قال أخبرني عبد الله بن أبي سليمان عن أبي بحرية قال قدمت الشام فدخلت المسجد فإذا أنا بنفر جلوس في المسجد شيوخ فيهم شاب يحدثهم قد انصتوا له فقلت ألا تسألون من هؤلاء قالوا هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من الرجل الشاب الذي يحدثهم قالوا (80) هذا معاذ بن جبل قال فرحت إلى الصلاة فإذا هو قد هجر فقضى صلاته ثم جلس فجلست إليه فقلت والله إني لأحبك فأخذ بحبوتي ثم جبذني فقال آلله مرتين أو ما شاء الله قال قلت نعم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل وجبت محبتي أو رحمتي للذين يتحابون في ويتباذلون في ويتجالسون في ويتحاورون في فهذا أبو بحرية
129

السكوني (81) قد روى عن معاذ نحو (82) حديث أبي إدريس سواء في المعنى وليس في حديثه هذا ذكر مسجد دمشق ولا مسجد حمص وأخبرنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال أخبرني مالك عن أبي حازم بن دينار عن أبي إدريس الخولاني قال دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بفتى براق الثنايا وإذا الناس حوله فذكر الحديث كما في الموطأ سواء إلا أنه قال في آخره سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتجاورين في والمتباذلين في وقد روى أبو مسلم الخولاني عن معاذ بن جبل مثل ما روى عنه في هذا الحديث أبو إدريس وأبو بحرية إلا أن حديثه مختصر المعنى عن معاذ وقال في مسجد حمص وألفاظ هذا الحديث رواها أبو مسلم عن عبادة وجائز أن يكون عبادة ومعاذ وغيرهما أيضا سمعا ذلك من رسول (83) رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ممكن غير ممتنع على أن ابا مسلم الخولاني وإن كان فاضلا فإنهم يضعفون نقله وليس ممن يقاس بأبي إدريس
الخولاني في فهمه وعلمه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ وأخبرنا أحمد بن محمد قال أخبرنا وهب بن مسرة قالا أخبرنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن جعفر بن برقان عن حبيب بن أبي مرزوق عن عطاء بن أبي رباح عن أبي مسلم الخولاني قال أتيت مسجد أهل حمص
130

فإذا فيه حلقة فيها كهول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا شاب منهم أكحل العينين براق الثنايا كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى فتى شاب قال (84) فقلت لجليس لي من هذا قال هذا معاذ بن جبل قال فجئت من العشي فلم يحضر قال فغدوت من الغد فلم يجيء فرحت فإذا أنا بالشاب يصلي إلى سارية قال فركعت ثم تحولت إليه قال فسلم فدنوت منه فقلت إني لأحبك في الله قال فمدني إليه قال كيف قلت قال قلت إني لأحبك في الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله قال وحدثنا وكيع عن جعفر بن برقان عن حبيب بن أبي مرزوق عن عطاء بن أبي رباح عن أبي مسلم الخولاني قال خرجت فلقيت عبادة ابن الصامت فذكرت له حديث معاذ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن ربه عز وجل قال حقت محبتي على المتحابين في وحقت محبتي على المتزاورين في وحقت محبتي على المتباذلين في والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله فهذا أبو مسلم الخولاني يروي عن معاذ وعبادة جميعا هذا الحديث إن كان واحدا والحديثين جميعا عن عبادة كما ترى وأبو مسلم الخولاني اسمه عبد الله بن ثوب لا يختلف في ذلك (85) أهل العلم بالنقل والسير وكان فاضلا عابدا جليلا من كبار التابعين وخيارهم وجلتهم له كرامات كثيرة وأخبار عجيبة مشهورة ذكرها ابن أبي خيثمة وسعيد بن أسد وغيرهما وكان أبو مسلم الخولاني مسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم المدينة حين استخلف أبو بكر الصديق
131

وقد أجرينا ذكره في كتاب الصحابة على شرطنا (86) وقد روى عنه أبو إدريس الخولاني حديثا نذكره في آخر هذا الباب إن شاء الله قال أحمد بن زهير سمعت أحمد بن حنبل يقول أبو مسلم الخولاني اسمه عبد الله بن ثوب سمعته من أبي المغيرة قال أحمد بن زهير وسألت يحيى بن معين عن أبي مسلم الخولاني فقال اسمه عبد الله بن ثوب شامي ثقة (87) قال أبو عمر قد روي عن أبي إدريس الخولاني في هذا الحديث مثل رواية أبي مسلم الخولاني سواء عن معاذ وعن عبادة فأما حديثه عن معاذ فنحو حديث أبي مسلم عنه فقد ذكرناه من رواية أسد عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر ابن حوشب عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله عن معاذ وأما حديث أبي إدريس عن عبادة فمثل حديث أبي مسلم أيضا فذكره (88) ابن أبي شيبة قال حدثنا غندر عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمان عن أبي إدريس قال حدثت عبادة بن الصامت فقال لا أحدث إلا بما (89) سمعت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حقت محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتزاورين في أو المتواصلين شك شعبة في المتواصلين والمتزاورين وقد يمكن أن يكون أبو إدريس وأبو مسلم الخولانيان عرض لكل واحد منهما ما روي في هذا الباب عنهما مع معاذ وعبادة والله أعلم بالصحيح في ذلك ولا يقطع على خبر الآحاد
132

وأما إسناد مالك عن أبي حازم فصحيح وليس في شيء من الأسانيد عن أبي إدريس ولا عن أبي مسلم مثله ولا ما يحلق به وحديث أبي مسلم الخولاني إنما يدور على حبيب بن أبي مرزوق وليس ممن يعارض بمثله حديث لمالك عن أبي حازم وكذلك حديث يعلى بن عطاء عن الوليد أيضا ليس بحجة على حديث مالك عن أبي حازم وقد روى أبو إدريس الخولاني عن أبي مسلم الخولاني عن عوف بن مالك الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث تبايعوني بتمامه وهو يدخل في رواية النظير عن النظير حدثناه أحمد بن فتح قال حدثنا أبو علي الحسن بن عبد الله بن الخضر حدثنا محمد بن صالح الدمشقي حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي مسلم الخولاني قال حدثني الحبيب الأمين اما هو إلي فحبيب وأما هو عندي فأمين عوف بن مالك الأشجعي قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية فقال ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسطنا أيدينا فبايعناه ثم قال قائل يا رسول الله على م نبايعك قال على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وتصلوا الصلوات الخمس وتسمعوا وتطيعوا وأشد كلمة ولا تسألوا الناس شيئا فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فلا يسأل أحدا يناوله إياه وهذا حديث مشهور ليس من هذا الباب ولكني ذكرته لرواية أبي إدريس له مع حديث مشهور ليس من هذا الباب ولكني ذكرته لرواية أبي إدريس له مع جلالته عن أبي مسلم فإن من الناس من جعل أبا مسلم الخولاني مجهولا وهذا جهل بهذا الشأن وحسبك برواية أبي إدريس وهو من أجل تابعي الشاميين عنه وأما حديثه في هذا الباب فمعروف عن معاذ وعن عبادة أيضا وهو عن معاذ أشهر وكلاهما محفوظ وحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا حماد بن زيد عن
133

الجريري عن رجل قال قلت لمعاذ بن جبل إني أحبك في الله أو أحبك لله فقال لي أنظر ما تقول قالها ثلاث مرات ثم ثم قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يحب الذين يتحابون في الله ويحب الذين يتقاعدون فيه ويحب الذين يتباذلون فيه ويحب الذين يتزاورون فيه ويحب الذين يتجاورون فيه قال أبو عمر قوله براق الثنايا أي أبيض الثنايا وقد مضى في باب أبي طوالة في المتحابين في الله ما فيه كفاية والحمد لله ولقد أحسن أبو العتاهية رحمه الله في قوله
* من لم يكن في الله يمنحك الهوى
* مزج الهوى بملالة وثقال
*
حديث ثامن لأبي حازم مالك عن أبي حازم بن دينار عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر (90) هكذا هذا الحديث في الموطأ بهذا الإسناد مرسل لم تختلف الرواة عن مالك فيه فيما علمت وقد روى فيه أبو حذافة عن مالك إسنادا منكرا عن نافع عن ابن عمر حدثنا خلف بن القاسم حدثنا الحسن بن علي المطرز حدثنا أحمد بن الحسن بن هارون الصباحي حدثنا أبو حذافة حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر
134

قال أبو عمر هذا منكر الإسناد (91) لا يصح والصحيح فيه عن مالك ما في الموطأ عن أبي حازم عن سعيد مرسلا وهو حديث يتصل ويستند من حديث أبي هريرة بنقل الثقات الأثبات حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن يونس قال حدثنا محمد بن يزيد الثغري قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا شعبة عن سيار عن الشعبي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا إسحاق ابن إبراهيم قال حدثنا عبد الرحمان بن يونس قال حدثنا ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال أبو عمر هذا خطأ ولم يرو هذا الحديث أبو حازم عن سهل وإنما رواه عن سعيد بن المسيب كما قال مالك وليس ابن أبي حازم في الحديث ممن يحتج به فيما خالفه غيره وهو عندهم لين الحديث ليس بحافظ وهذا الحديث محفوظ من حديث أبي هريرة ومعلوم ان سعيد بن المسيب من كبار رواة أبي هريرة حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس ويحيى بن سعيد وأبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر وعن بيع الحصاة (92)
135

وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا عبد العزيز ابن محمد عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن نافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر وعن بيع الحصاة وقال أيما رجل اشترى محفلة فله أن يمسكها ثلاثا فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر (93) قال أبو عمر بيع الغرر يجمع وجوها كثيرة منها المجهول كله في الثمن والمثمن إذا لم يوقف على حقيقة جملته فبيعه على هذا الحال من بيع الغرر وإن وقف على أكثر ذلك ويحاصر حتى لا يشكل المراد فيه (94) فما جهل منه من التافه اليسير الحقير والنزر في جنب الصفقة إذا كان مما لا يمكن الوصول إلى معرفة حقيقته فلا يضر ذلك وهو متجاوز عنه غير مراعى عند جماعة العلماء ومن بيوع الغرر بيع الآبق والجمل الشارد والإبل الصعاب في المرعى وكذلك الرمك والبقر الصغار إذا كان الأغلب من أمرها جهل أسنانها وعدم تقليبها والحيتان في الآجام والطائر غير الداجن إذا لم يكن مملوكا مقبوضا عليه والقمار كله من بيع الغرر وبيع الحصاة من القمار ومعنى بيع الحصاة عندهم أن تكون جملة ثياب منشورة أو مطوية فيقول القائل أي هذه الثياب وقعت عليها حصاتي هذه فقد وجب فيها البيع بيني وبينك بكذا دون تأمل ولا رؤية فهذا أيضا غرر واسم بيع الغرر اسم جامع لهذه المعاني كلها وما أشبهها إلا أن العلماء اختلفوا في الآبق يكون في يد مشتريه فقال مالك لا يجوز
136

بيع الآبق إلا أن يكون بحيث يقدر على تسليمه ويعرف البائع والمشتري حاله في وقت البيع وقال الحسن بن حي والشافعي وعبيد الله بن الحسن لا يجوز بيع العبد الآبق وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز بيع العبد الآبق إلا أن يكون في يد مشتريه وقال عثمان البتي لا بأس ببيع الآبق والبعير الشارد وإن هلك فهو من مال المشتري وإن اختلفا في هلاكه فعلى المشتري البينة أنه هلك قبل ان يشتريه وإلا أعطاه قيمته وكذلك المبتاع إذا تقدم شراؤه قال أبو عمر قول عثمان البتي هذا هو مردود بالسنة المذكورة في هذا الحديث وقول أبي حنيفة في جواز بيعه إذا علمه المشتري دون البائع ليس بشيء والصحيح ما قاله مالك فيما ذكرنا عنه وهو مذهب الشافعي وغيره أيضا إذا كان على ما وصفنا والبيع الفاسد من بيوع الغرر وغيرها إذا وقع فسخ إن أدرك قبل القبض وبعده فإن فات بعد القبض رد إلى قيمته بالغا ما بلغ يوم قبضه إلى يوم وقعت صفقته فإن أصيب عند البائع قبل القبض فمصيبته بكل حال منه ومن هذا الباب بيع اللبن في الضرع وبيع المغيب تحت الأرض من البقول إذا لم تر ومن ذلك بيع الدين على المفلس وعلى الميت وبيع المضامين والملاقح (95) وحبل حبلة (96) وقد مضى تفسير ذلك في باب نافع
137

ومن ذلك بيع الجنين في بطن أمه وكل ما لا يدري المبتاع حقيقة ما يحصل عليه ولا ما يصير إليه وفروع هذا الباب كثيرة جدا وللعلماء فيها مذاهب لو تقصيناها لخرجنا عن تأليفنا ومقصدنا وبالله التوفيق
حديث تاسع لأبي حازم مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وقل داع ترد عليه دعوته حضرة النداء للصلاة والصف في سبيل الله (97) هكذا هو موقوف على سهل بن سعد في الموطأ عند جماعة الرواة ومثله لا يقال من جهة الرأي وقد رواه أيوب بن سويد ومحمد بن خالد (98) وإسماعيل بن عمرو عن مالك مرفوعا كتب إلى أبو الفضل أحمد بن أبي عمران الهروي إجازة بخطه قال حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن عاصم الأصبهاني قال حدثنا أبو بشر الدولابي قال حدثنا أبو عمير أحمد بن عبد العزيز بن سويد البلوي حدثنا أيوب بن سويد قال حدثنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء وقلما ترد على داع دعوته لحضور الصلاة والصف في سبيل الله (99) قال وحدثنا الطبراني قال حدثنا موسى بن جمهور قال حدثنا مؤمل ابن إهاب قال حدثنا أيوب بن سويد حدثني مالك عن أبي حازم عن سهل
138

ابن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعتان لا ترد على داع دعوته فيهما حين تقام الصلاة والصف في سبيل الله وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء حدثنا محمد بن جعفر الكوفي حدثنا مؤمل بن إهاب حدثنا أيوب بن سويد حدثني مالك فذكره بإسناده مرفوعا وحدثنا خلف حدثنا أحمد بن الحسين بن إسحاق بن عتبة الرازي وأبو القاسم علي بن الحسن بن جعفر بن أخي محمد بن جعفر الإمام بدمياط (100) قالا حدثنا بكر بن سهل الدمياطي حدثنا محمد بن مخلد الرعيني حدثنا مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء قلما ترد فيهن دعوة حضور الصلاة وعند الصف للقتال وقد وي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة من وجوه حسان أخبرنا خلف بن قاسم حدثنا ابن السكن حدثنا يحيى بن محمد بن ساعد حدثنا حفص بن عمرو الرقاشي حدثنا أبو زياد سهل بن زياد الطحان عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا نودي بالأذان فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء (101) وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد ابن عبد السلام الخشني حدثنا بندار حدثنا عبد الرحمان بن مهدي
حدثنا سفيان عن زيد عن أبي إياس عن انس بن مالك قال لا يرد الدعاء بين
139

الأذان والإقامة وروى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الأذان تفتح أبواب السماء وعند الإقامة لا ترد دعوة وقال عطاء عند نزول الغيث والتقاء الزحفين والأذان يستجاب الدعاء وحدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثنا أبو عميرة عبد العزيز بن أحمد بن سويد حدثنا أيوب بن سويد الرملي حدثنا مالك بن أنس عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وقلما ترد على الداعي فيهما دعوته حضور الصلاة والصف في سبيل الله وحدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثنا محمد بن عمارة الأسدي قال حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن يزيد بن أبي مريم عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة وأخبرنا أحمد (102) حدثنا أحمد (102) حدثنا محمد بن جرير حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا ابن عامر حدثنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن انس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة ووقفه ابن مهدي عن سفيان حدثنا أحمد حدثنا محمد حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمان حدثنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس عن أنس بن مالك قال لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة قال وحدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا يحيى بن سعيد عن سليمان التيمي عن قتادة عن أنس قال إذا أقيمت الصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء
140

مالك عن سلمة بن صفوان حديث واحد وهو سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي (1) مدني ثقة يروي عن أبي سلمة وغيره روى عنه مالك وغيره مالك عن سلمة بن صفوان عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء (2) هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جمهور الرواة عن مالك ورواه وكيع عن مالك عن سلمة بن صفوان عن يزيد بن طلحة بن ركانة عن أبيه ولا أعلم أحدا قال فيه عن أبيه عن مالك إلا وكيع فإن صحت رواية وكيع فالحديث مسند من هذا الطريق (3) وأما معناه فمتصل مستند من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال يحيى بن يحيى في هذا الحديث زيد بن طلحة وقال القعنبي وابن بكير وابن القاسم وغيرهم يزيد بن طلحة بن ركانة وهو
141

الصواب وهو يزيد بن طلحة بن ركانة بن عبد يزيد (4) بن هاشم بن المطلب ابن عبد مناف وقد أنكر يحيى بن معين على وكيع في هذا الحديث قوله عن أبيه وقال ليس فيه عن أبيه وهو مرسل وقد رواه محمد بن سليمان الأنباري عن وكيع عن مالك بن أنس عن سلمة بن صفوان عن ابن ركانة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وهذا يشبه أن يكون مثل رواية جماعة أصحاب مالك لأنه لم يقل فيه عن أبيه وإن كان لم يسمه ولا أعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث بغير هذا الإسناد إلا ما انفرد به معاوية بن يحيى عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء (5) ومعاوية بن يحيى ضعيف لا يحتج بحمله ولا يوثق بنقله وقد روى من حديث الشاميين بإسناد حسن حدثناه خلف بن القاسم رحمه الله قال حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح السبيعي الحلبي بدمشق قال حدثنا أبو عمر عبد الله بن محمد بن يحيى الأزدي قال حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني عن معن ابن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن مهران عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء من لا حياء له لا دين له وبإسناده عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زينوا الإسلام بخصلتين قلنا وما هما فقال الحياء والسماحة في الله لا في غيره وأما حديث وكيع فحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الحسن علي ابن محمد بن بديع البغدادي المعدل حدثنا محمد بن صالح بن ذريح حدثنا
142

هناد بن السدي حدثنا وكيع عن مالك بن أنس عن سلمة بن صفوان عن يزيد بن ركانة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لكل دين خلقا وإن خلق هذا الدين الحياء وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو العباس محمد بن إسماعيل بن محمد الزبيري حدثنا يوسف بن محمد بن عيسى حدثنا يوسف بن موسى القطان حدثنا وكيع عن مالك بن أنس عن ابن صفوان (6) عن يزيد بن ركانة عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لكل دين خلقا وإن خلق هذا الدين الحياء وقد روي عن عيسى بن يونس عن مالك عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لكل دين خلق وخلق هذا الدين الحياء وذلك عندنا خطأ وإنما هو لمالك عن سلمة بن صفوان لا عن الزهري عن أنس وحديث عيسى بن يونس إنما هو عن معاوية بن يحيى عن الزهري عن أنس لا عن مالك بن أنس ذكره البزار قال حدثنا أحمد بن منصور حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عيسى بن يونس بن يحيى عن الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الحياء شعبة من الإيمان رواه عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة وروى ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الحياء من الإيمان (7) وقد مضت هذه الآثار في باب ابن شهاب عن سالم من هذا الكتاب (8) والحمد لله
143

حدثنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي (9) حدثنا خالد بن الحرث عن ابن عجلان عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحياء شعبة (10) من الإيمان (11) =
144

أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله واسمه سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي تيم قريش وكان كاتبا لعمر بن عبيد الله وهو أحد الثقات الأثبات من أهل المدينة روى عن جماعة من التابعين بالمدينة وقد رأى عبد الله بن عمر وسمع منه ويروي عن ابن أبي أوفى والسائب بن يزيد حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إسحاق بن محمد الفروي حدثنا عبد الله بن عمر عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله قال كنت جالسا مع عبد الله بن عمر فجاء رجل فسلم (1) عليه فرأى بين عينيه أثر سجدة فقال ما هذا صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر فلم أر ههنا شيئا ومسح عبد الله بين عينيه وروى عن أبي النضر جماعة من الأئمة منهم = مالك والثوري وابن عينة ومحمد بن إسحاق وعبيد الله بن عمر وغيرهم ونسبه محمد بن إسحاق فقال سالم بن أبي أمية
وتوفي أبو النضر في سنة ثلاثة وثلاثين وقيل سنة ثلاثين ومائة (2) لمالك عنه في الموطأ خمسة عشر حديثا منها تسعة متصلة مسندة ومنها حديث ظاهره الاتصال وليس بمتصل وسائرها منقطعة مرسلة
145

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن سالم أبي النضر فقال ثقة وقال يحيى بن معين سالم أبو النضر مدني ثقة وقال الحميدي سئل سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر فقال ثقة وكان مالك يصفه بالفضل والعقل (3) والعبادة
حديث أول لأبي النضر مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم يسأله ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المار بين يدي المصلي فقال أبو جهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه (4) قال أبو النضر لا أدري أربعين يوما أو شهرا أو سنة (5) قال أبو عمر أبو جهيم هذا هو أبو جهيم بن الحرث بن الصمة الأنصاري وهو ابن أخت أبي بن كعب وقد قيل فيه عبد الله بن جهيم أبو جهيم وقد ذكرناه في الصحابة (6) بما يغني عن ذكره ههنا ولم تختلف الرواة عن مالك في شيء من هذا الحديث
146

وروى ابن عيينة هذا الحديث مقلوبا عن أبي النضر عن بسر بن سعيد جعل في موضع زيد بن خالد أبا جهيم وفي موضع أبي جهيم زيد بن خالد والقول عندنا قول مالك وقد تابعه الثوري وغيره أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الرحمان بن مهدي عن سفيان يعني الثوري عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد قال أرسلني زيد بن خالد إلى أبي جهيم أسأله ماذا سمع فذكر مثل حديث مالك وأخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد قال أرسلني زيد بن خالد الجهني إلى أبي جهيم أسأله ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الذي يمر بين يدي المصلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأن يقوم الرجل مقامه خير له من أن يمر بين يدي المصلي ورواه وكيع عن سفيان عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد عن عبد الله بن جهيم قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم فذكره (هكذا قال عبد الله بن جهيم ذكره أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع وهو وهم من وكيع والصحيح في ذلك رواية مالك ومن تابعه (7)) وذكر ابن أبي شيبة أيضا عن وكيع عن عبد الله بن عبد الرحمان بن موهب عن عمه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي المصلي معترضا كان لأن يقف مائة عام خير له من الخطوة التي خطا (8)
147

وأما حديث ابن عيينة فرواه الحميدي وغيره عنه بمعنى واحد مقلوبا كما وصفنا وزاد عنه أو ساعة (9) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا أبي قال حدثنا سفيان عن سالم أبي النضر عن بشر بن سعيد قال أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يمر بين يدي المصلي فقال لأن يقوم أربعين خير من أن يمر بين يديه لا أدري سنة أو يوما أو ساعة قال أحمد بن زهير سئل يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال خطأ إنما هو زيد إلى أبي جهيم كما روى مالك قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء في كراهية المرور بين يدي المصلي لكل أحد ويكرهون للمصلي أيضا أن يدع أحدا يمر بين يديه وعليه عندهم أن يدفعه جهده ما لم يخرج إلى حد من العمل يفسد به على نفسه صلاته وقد مضى القول في درء المصلي من يمر بين يديه والحكم في ذلك مبسوطا في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب (10) والإثم على المار بين يدي المصلي فوق الإثم على الذي يدعه يمر بين يديه وكلاهما عاص إذا كان بالنهي عالما والمار أشد إثما إذا تعمد ذلك وهذا ما لا أعلم فيه خلافا ومع هذا فإنه لا يقطع صلاة من مر (11) بين يديه على ما قد قدمنا ذكره في باب زيد ابن أسلم (12) والحمد لله
148

حدثنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا محمد بن عمر بن لبابة وأيوب بن سليمان قالا حدثنا عبد الرحمان بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا أيوب بن موسى الغافقي حدثني أبو عمر أن الغافقي قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول لأن يكون الرجل رمادا يذرى خير له (13) من أن يمر بين يدي رجل يصلي متعمدا قال أبو عمر قال بعض أهل العلم إن من صلى إلى غير سترة لم يحرم على أحد المرور بين يديه ولا يجوز له أن يدفع من مر بين يديه إذا صلى إلى غير سترة قال وإنما المعنى في هذا الباب لمن صلى إلى سترة وغيره يقول السترة وغير السترة في هذا الباب سواء ولمالك عن أبي النضر عن بسر بن سعيد حديث آخر موقوف عند مالك وقد وصله غيره من الثقات منهم موسى بن عقبة وغيره حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال حدثنا أحمد بن سليمان قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا وهيب قال سمعت موسى بن عقبة قال سمعت أبا النضر يحدث عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة ورواه ابن جريج عن موسى بن عقبة عن أبي النضر عن بسر عن زيد مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا وهو حديث ثابت مرفوع صحيح ومثله لا يكون رأيا وإذا كانت صلاة النافلة في البيت أفضل منها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه
149

عليه خرج (14) هذا الخبر فما ظنك بها في غير هذا البلد ولهذا قال بعض الحكماء إخفاء العمل نجاة وإخفاء العلم هلكة والمأمور بستره من أعمال البر النوافل دون المكتوبات والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
حديث ثان لأبي النضر مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن نافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حمار وحش (15) فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك فقال إنما هي طعمة أطعمكموها الله (16) هذا حديث ثابت صحيح لا يختلف أهل العلم بالحديث في ثبوته وصحته وقد روي عن أبي قتادة من وجوه وقد رواه جابر
أيضا عن أبي قتادة أخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا سليمان بن حرب وحجاج بن منهال قالا حدثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر أن أبا قتادة أصاب حمار وحش وهو حلال فأكلوا منه
150

قال حماد بن سلمة سمعت محمد بن المنكدر يحدث عن أبي هريرة وجابر بمثل هذا الحديث أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب حدثنا أبو صالح حدثنا الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة أنه حدثه أن نافعا الأقرع مولى بني غفار حدثه أن أبا قتادة حدثه أنه اعتمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث نحوا من حديث مالك وروى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة في الحمار الوحشي مثل حديث أبي النضر إلا أن في حديث زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل معكم من لحمه شيء (17) وأخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا صالح بن كيسان قال سمعت أبا محمد يقول سمعت أبا قتادة يقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالقاحة (18) فمنا المحرم وغير المحرم إذ بصرت بأصحابي يتراءون شيئا فنظرت فإذا أنا بحمار وحش فأسرجت فرسي وأخذت رمحي وركبت فرسي فسقط سوطي فقلت لأصحابي ناولوني وكانوا محرمين فقالوا لا والله لا نعينك عليه بشيء فتناولت سوطي ثم أتيت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة فطعنته برمحي فعقرته فأتيت به أصحابي فقال بعضهم نأكله وقال بعضهم لا نأكله قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمامنا فحركت فرسي فأدركته فسألته فقال هو حلال فكلوه (19)
151

قال أبو عمر يقال إن أبا قتادة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه على طريق البحر مخافة العدو فلذلك لم يكن محرما إذا اجتمع مع أصحابه (20) لأن مخرجهم لم يكن واحدا وكان ذلك عام الحديبية أو بعده بعام عام القضية وكان اصطياد أبي قتادة الحمار لنفسه لا لأصحابه والله أعلم وفي حديث أبي قتادة هذادليل على أن لحم الصيد حلال أكله للمحرم إذا لم يصده وصاده الحلال وفي ذلك أيضا دليل على أن قوله عز وجل * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * 21 معناه الاصطياد وقتل الصيد وأكله لمن صاده وأما من لم يصده فلي ممن عني بالآية والله أعلم وتكون هذه الآية على هذا التأويل مثل قوله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * 22 سواء لأن هذه الآية إنما نهي فيها عن قتل الصيد واصطياده لا غير وهذا باب اختلف فيه السلف والخلف فكان عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير يرون للمحرم أكل ما صاده الحلال من الصيد مما يحل للحلال أكله وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وأبي هريرة وحجة من ذهب هذا المذهب حديث أبي قتادة هذا وحديث البهزي وسنذكره في باب يحيى بن سعيد من كتابنا هذا إن شاء الله وحديث طلحة بن عبيد الله أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا ابن جريج قال حدثني محمد بن المنكدر عن معاذ بن عبد الرحمان التيمي
152

عن أبيه قال كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن محرمون فأهدي لنا (23) طير وهو راقد فأكل بعضنا فاستيقظ طلحة فوفق من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون لحم الصيد محرم على المحرمين على كل حال ولا يجوز لمحرم أكل لحم صيد ألبته على ظاهر عموم قول عز وجل * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * قال ابن عباس هي مبهمة وكذلك كان علي بن أبي طالب وابن عمر لا يريان أكل الصيد للمحرم ما دام محرما وكره ذلك طاوس وجابر بن زيد وروي عن الثوري وإسحاق مثل ذلك وحجة من ذهب هذا المذهب حديث ابن عباس عن الصعب بن جثامة أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش أو لحم حمار وحش بالأبواء أو بودان فرده عليه وقال لم نرده عليك إلا أنا حرم وقد ذكرنا هذا الخبر في باب ابن شهاب من هذا الكتاب وحجتهم أيضا حديث زيد بن أرقم وابن عباس حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا جعفر بن محمد حدثنا عفان وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود حدثنا أبو سلمة قالا جميعا حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس أنه قال لزيد بن أرقم يا زيد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي له عضد صيد وقال عفان عضو صيد فلم يقبله وقال أنا حرم قال نعم وقال عفان بلى (24) وروي عن علي بن زيد عن عبد الله بن الحرث بن نوفل عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه في حديث فيه طول وفيه عن عثمان إجازة ذلك وقال آخرون ما صاده الحلال للمحرم أو من أجله فلا يجوز له أكله وما لم يصد له ولا من أجله فلا بأس للمحرم بأكله وهو الصحيح عن عثمان
153

في هذا الباب وبه قال مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد وإسحاق وأبو ثور وروي أيضا عن عطاء مثل ذلك وحجة من ذهب هذا المذهب أنه عليه تصح الأحاديث في هذا الباب وأنها إذاحملت على ذلك لم تتضاد ولا تدافعت وعلى هذا يجب أن تحمل السنن ولا يعارض بعضها ببعض ما وجد إلى استعمالها سبيل هذا وجه النظر في ذلك وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مثل ذلك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا ابن وهب عن يعقوب بن عبد الرحمان عن عمرو مولى المطلب أخبره عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصطادوه أو يصطد لكم أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا يعقوب عن عمرو عن (25) المطلب عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم (26) قال حمزة قال لنا أبو عبد الرحمان عمرو بن أبي عمر ليس بالقوي في الحديث وإن كان مالك قد روى عنه (27) واختلف عن مالك وطائفة من أهل المدينة فيما صيد لقوم معينين من المحرمين هل يجوز أكله لغيرهم من المحرمين فقال بعضهم لا يجوز وأجازه بعضهم على مذهب عثمان رحمه الله وقد أتينا بما للعلماء في هذه المسألة وأخواتها من التنازع والمذاهب في كتاب الاستذكار والحمد لله
154

قال أبو عمر وفي حديث أبي قتادة أنه لما استوى على فرسه سأل أصحابه أن يناولوه سوطه أو رمحه فأبوا وفي هذا دليل على أن المحرم إذا أعان الحلال على الصيد بما قل أو كثر فقد فعل ما لا يجوز له وهذا إجماع من العلماء واختلفوا في المحرم يدل المحرم أو الحلال على الصيد فأما إذا دل المحرم الحلال على الصيد فقال مالك والشافعي وأصحابهما يكره له ذلك ولا جزاء عليه وهو قول ابن الماجشون وأبي ثور ولا شيء عليه وقال المزني جائز أن يدل المحرم الحلال على الصيد وقال أبو حنيفة وأصحابه عليه الجزاء قال أبو حنيفة ولو دله في الحرم لم يكن عليه جزاء وقال زفر عليه الجزاء في الحل دله عليه أو الحرم وبه قال أحمد وإسحاق وهو قول علي وابن عباس وعطاء قال أبو عمر القول الأول أقيس وأصح في النظر واختلف العلماء أيضا فيما يجب على المحرم يدل المحرم على الصيد فيقتله فقال قوم عليهما كفارة واحدة منهم عطاء وحماد بن أبي سليمان وقال آخرون على كل واحد منهما كفارة روي ذلك عن سعيد بن جبير والشعبي والحرث العكلي وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وعن سعيد بن جبير أنه قال على كل واحد من القاتل والآمر والمشير والدال جزاء وقال الشافعي وأبو ثور لا جزاء إلا على القاتل وحده واختلفوا في الجماعة يشتركون في قتل الصيد فقال مالك إذا قتل جماعة محرمون صيدا أو جماعة محلون في الحرم صيدا فعلى كل واحد منهم جزاء كامل وبه قال الثوري والحسن بن حي وهو قول الحسن البصري
155

والنخعي ورواية عن عطاء وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قتل جماعة محرمون صيدا فعلى كل واحد منهم جزاء كامل وإن قتل جماعة محلون صيدا في الحرم فعلى جماعتهم جزاء واحد وقال الشافعي عليهم كلهم جزاء واحد وسواء كانوا محرمين أو محلين في الحرم وهو قول عطاء والزهري وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وروي عن عمر وعبد الرحمان بن عوف أنهما حكما على رجلين أصابا ظبيا بشاة قال أبو عمر من جعل على كل واحد منهم جزاء قاسه على الكفارة في قتل النفس لأنهم لا يختلفون في وجوب الكفارة على جميع القتلة خطأ على كل واحد منهم كفارة ومن جعل فيه جزاء واحدا قاسه على الدية ولا يختلفون أن من قتل نفسا خطأ وإن كانوا جماعة إنما عليهم دية واحدة يشتركون فيها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة هذا ما يدل على أن المشير المحرم لا يجوز له أكل ما أشار بقتله على الحلال أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد ابن شعيب أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود قال أخبرنا شعبة قال أخبرني عثمان بن عبد الله بن موهب قال سمعت عبد الله بن أبي قتادة يحدث عن أبيه أنهم كانوا في مسير لهم بعضهم محرم وبعضهم ليس بمحرم قال فرأيت حمار وحش فركبت فرسي وأخذت الرمح فاستعنتهم فأبوا أن يعينوني فاختلست سوطا من بعضهم وشددت على الحمار فأصبته فأكلوا منه فأشفقوا قال فسئل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل أشرتم أو أعنتم قالوا لا قال فكلوه (28)
156

حديث ثالث لأبي النضر مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عمير مولى ابن عباس عن أم الفضل بنت الحرث أنا أناسا اختلفوا (29) عندها في يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم هو صائم وقال بعضهم ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه (30) قال أبو عمر محمل هذا الحديث عندنا أنه كان بعرفة وقد روي ذلك منصوصا وإذا كان بعرفة فالفطر أفضل تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقوة على الدعاء وقد قال صلى الله عليه وسلم أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ونهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وتخصيصه بعرفة دليل على أن غير عرفة ليست كذلك وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم فضل صوم عرفة وأنه يكفر سنتين والله أعلم وقد روي عن ميمونة في هذا الباب مثل حديث أم الفضل سواء حدثناه أحمد بن سعيد حدثنا ابن أبي دليم حدثنا ابن وضاح حدثنا يعقوب بن حميد حدثنا الدراوردي عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة أنهم تماروا في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فقالت ميمونة سأبعث إليه بشراب فإن كان مفطرا لم يرده فبعثت إليه بقدح لبن فشرب والناس ينظرون يعني يوم عرفة (31)
157

وكان مالك والثوري والشافعي يختارون الفطر يوم عرفة بعرفة قال إسماعيل عن ابن أبي أويس عن مالك أنه كان يأمر بالفطر يوم عرفة في الحج ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك اليوم مفطرا وقال الشافعي أحب صوم يوم عرفة لغير الحاج فأما من حج فأحب إلي أن يفطر ليقويه (32) الفطر على الدعاء قال أبو عمر قول الشافعي أحسن شيء في هذا الباب وكان ابن الزبير وعائشة يصومان يوم عرفة وعن عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي العاصي مثل ذلك إلا أنه قد جاء عن عمر أنه لم يصم يوم عرفة وهذا عندي على أنه بعرفة لئلا تتضاد عنه الرواية في ذلك روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب لم يصم يوم عرفة وأما عثمان ابن أبي العاصي فكان يصومه ذكر الفاكهي قال حدثنا حسين بن حسن ويعقوب بن حميد قالا حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت حميدا يحدث عن الحسن قال لقد رأيت عثمان بن أبي العاصي يرش عليه ماء في يوم عرفة وهو صائم وهذا يحتمل أن يكون بغير عرفة أيضا قال وحدثنا يعقوب بن حميد حدثنا الوليد بن مسلم عن ابن جابر عن أبيه عن عطاء قال صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم وهذا أيضا بغير عرفة والله أعلم وكان إسحاق بن راهويه يميل إلى صومه بعرفة وغير عرفة وقال قتادة لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء وكان عطاء يقول أصومه في الشتاء ولا أصومه في الصيف وهذا لئلا يضعفه صومه مع الحر عن الدعاء والله أعلم
158

وكان ابن عمر يقول لم يصمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان فأنا لا أصومه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن عمر حدثنا علي بن حرب حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن عمر قال حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه ومع عثمان فلم يصمه ولا أصومه ولا آمر بصيامه ولا أنهى عنه وهذا يوضح لك أن ذلك كان في الحج بعرفة لما ذكرنا والله أعلم أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد ابن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا مسلم بن إبراهيم وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا مسدد قالا جميعا حدثنا الحرث بن عبيد أبو قدامة الإيادي قال حدثنا هوذة أبو الأشهب (ابن خليفة بن عبد (33) الله) البصري (34) عن أبيه عن جده قال مر عمر بن
الخطاب بأبيات بعرفات فقال ما هذه الأبيات قلنا لعبد القيس فقال لهم خيرا ودعا لهم ونهاهم عن صوم يوم عرفة قال وحج أبي وطليق بن محمد الخزاعي فاختلفا في صوم يوم عرفة فقال أبي بيني وبينك سعيد بن المسيب فأتيناه فقلت له يا أبا محمد إنا اختلفنا في صوم يوم عرفة فجعلناك بيننا فقال أنا أخبركم عثمان هو خير مني عبد الله بن عمر كان لا يصومه وقال (35) حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فكلهم كان لا يصومه وأنا لا أصومه
159

قال أبو عمر محمل هذا عندي بعرفة خاصة والله أعلم والآثار تدل على ذلك ألا ترى أن في هذا الحديث عن عمر أنه مر بأبيات بعرفات لعبد القيس ومعلوم أن عمر إنما كان يأتي في خلافته عرفة في أيام الحج خاصة ومثل هذا حديث ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن عمر أنه سئل عن صيام يوم عرفة فقال حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصمه وحججت مع عمر فلم يصمه وحججت مع عثمان فلم يصمه وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه وهذا يبين أن ذلك (36) في أيام الحج وأنه لا يصح النهي عن صوم يوم عرفة إلا بعرفة في أيام الحج ومثل هذا أيضا حديث يحيى بن أبي إسحاق عن سعيد ابن المسيب عن ابن عمر في ذلك حدثنا سعيد (37) بن نصر قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد ابن زيد قال حدثني يحيى بن أبي إسحاق قال سألت سعيد بن المسيب عن صوم يوم عرفة فقال كان ابن عمر لا يصومه فقلت غيره فقال حسبك به شيخا (38) أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري قال حدثنا عكرمة قال كنا عند أبي هريرة في بيته فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة (39)
160

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري قال حدثنا عكرمة قال كنا عند أبي هريرة في منزله فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وروى حماد بن زيد وإسماعيل بن علية عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة وبعثت إليه أم الفضل بلبن فشربه وفي حديث حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال حدثتني أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة أتته بلبن فشربه حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا داود بن نوح حدثنا حماد حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه أفطر بعرفة وأتي برمان فأكله وقال حدثتني أم الفضل فذكره وحديث ابن علية ذكره ابن أبي شيبة عنه وهذا كله يدل على أن فطر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في حديث أم الفضل كان بعرفة وقد ذهبت طائفة إلى ترك صومه بعرفة وغير عرفة للدعاء وقالوا دعاء يوم عرفة بعرفة وغيرها دعاء مرجو إجابته وممن ذهب إلى هذا عبيد بن عمير ومحمد بن المنكدر وكان ابن عباس يقول لأصحابه من صحبني من ذكر أو أنثى فلا يصم يوم عرفة وروى سفيان عن سالم عن سعيد بن جبير أنه قال أفطر يوم عرفة لأتقوى على الدعاء وهذا ممكن أن يكون بعرفة لأنه موضع الاجتهاد في الدعاء مع ما فيه القوم من النصب والتعب بالسفر وأما ما روي في فضل صومه وذلك يدل على أنه بغيره والله أعلم فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا داود بن
161

شابور عن أبي قزعة عن أبي الخليل عن أبي حرملة (40) عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صيام يوم عرفة يكفر هذه السنة والتي تليها (41) وهذا الحديث (42) اختلف في إسناده اختلافا يطول ذكره وأبو الخليل وأبو حرملة لا يحتج بهما وطائفة تقول أبو حرملة وطائفة تقول حرملة بن إياس الشيباني ولكنه صحيح عن أبي قتادة من وجوه روى شعبة عن غيلان بن جرير المعولي عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية ذكره أبو بكر بن أبي شيبة (43) عن شبابة عن شعبة وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن غيلان بن جرير سمع عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال يكفر السنة الماضية وهذا إسناد حسن صحيح وهو يعضد ما تقدم حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد ابن خالد حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا سليمان بن أحمد الواسطي حدثنا عمر بن عبد الواحد حدثنا إسحاق بن عبد الله عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري عن قتادة بن النعمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صوم يوم عرفة كفارة سنتين سنة أمامه وسنة خلفه
162

قال أبو عمر إسحاق هذا هو إسحاق بن أبي فروة وهو ضعيف والفضائل يتسامح في أسانيدها وذكر الفاكهي قال حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال قرأت على فضيل عن أبي حريز أنه سمع سعيد بن جبير يحدث أن رجلا سأل ابن عمر عن صوم يوم عرفة فقال كنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعدله بصوم سنة وهذا يوضح لك ما ذكرناه وبذلك يصح استعمال الروايات كلها عن ابن عمر وغيره في هذا الباب وأما حديث عقبة بن عامر في هذا الباب فحدثناه أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا وكيع بن الجراح عن موسى بن علي بن رياح عن أبيه عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عندنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن حيون قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ عن موسى بن علي بن رياح عن أبيه عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال أبو عمر هذا حديث انفرد به موسى بن علي عن أبيه وما انفرد به فليس بالقوي وذكر يوم عرفة في هذا الحديث غير محفوظ وإنما المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق أيام أكل وشرب
163

وقد أجمع العلماء على أن يوم عرفة جائز صيامه للمتمتع إذا لم يجد هديا وأنه جائز صيامه بغير مكة ومن كره صومه بعرفة فإنما كرهه من أجل الضعف عن الدعاء
والعمل في ذلك الموقف والنصب لله فيه فإن صيامه قادرا على الإتيان بما كلف من العمل بعرفة بغير حرج ولا إثم وفي حديث موسى بن علي هذا ذكر عرفة (مع بيان (44) حكمه وذكر يوم النحر وقد أجمعوا على أنه لا يحل لأحد صومه وذكر أيام التشريق وقد اختلف العلماء في صيامها للمتمتع وغيره على ما يأتي ذكره في موضعه في هذا الكتاب إن شاء الله
حديث رابع لأبي النضر مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لايفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان (45) ليس في هذا الحديث معنى يشكل ولا للعلماء فيه تنازع وصيام غير شهر رمضان نافلة وتطوع والصيام سنة (46) وفعل خير وعمل بر فمن شاء استقل ومن شاء استكثر وبالله توفيقنا
164

حديث خامس لأبي النضر مالك عن عبد الله بن يزيد وأبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته قدر (ما يكون) (47) ثلاثين آية أو أربعين = (آية) (48) قام فقرأ وهو قائم ثم ركع وسجد ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك (49) لا خلاف فيمن افتتح صلاة نافلة قاعدا أن له أن يقوم فيها واختلفوا فيمن افتتحها قائما ثم قعد وقد ذكرنا ذلك في باب هشام بن عروة وهذا الحديث في الموطأ لمالك عن عبد الله بن يزيد وأبي (50) النضر جميعا عن أبي سلمة عن عائشة وقال فيه عبيد الله بن يحيى عن أبيه عن مالك عن عبد الله بن يزيد عن أبي النضر فسقط له الوار وإنما هو وعن أبي النضر هذا (51) ما لا خلاف بين الرواة فيه ولا إشكال ورواية عبيد الله عن أبيه وهم واضح لا يعرج عليه ولا يلتفت إليه ولا إلى مثله والله المستعان قال أبو عمر ومعنى هذا الحديث في النافلة ولا يجوز لأحد أن يصلي في الفريضة جالسا وهو على القيام قادر وقد مضى القول في هذا المعنى مكررا في
165

مواضع من هذا الكتاب وجائز أن يصلي المرء في النافلة جالسا صلاته كلها وبعض صلاته إن شاء على ما في هذا الحديث وغيره ومن تطوع خيرا فهو خير له وهو مخير في النافلة كيف شاء عن قيام وقعود وأما الفريضة فإنه إذا ضعف عن إتمامه قائما قعد وبنى على صلاته كالعريان يجد ثوبا في الصلاة فيتستر به ويبنى ما لم يطل عمله في ذلك وهذا بيان ليس هذا موضع استيفاء القول فيه وبالله التوفيق
حديث سادس لأبي النضر مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وإذا قام بسطتهما قالت والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح (52) هذا من أثبت حديث يروى في هذا المعنى (53) وقد روى القاسم عن عائشة مثله حدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا خالد بن الحرث قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن القاسم قال بلغ عائشة أن أبا هريرة يقول إن المراة تقطع الصلاة فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فتقع رجلي بين يديه أو بحذائه فيضربها فأقبضها
166

وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قالا حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال سمعت القاسم ابن محمد يحدث عن عائشة قالت بئسما عدلتمونا بالحمار والكلب لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضة بين يديه فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتهما (54) إلي ثم يسجد (55) وفيه من الفقه وجوه منها أن المرأة لا تبطل صلاة من صلى إليها ولا صلاة من مرت بين يديه وهذا موضع اختلفت فيه الآثار واختلف فيه العلماء أيضا فقالت طائفة يقطع الصلاة على المصلي إذا مر بين يديه الكلب والحمار والمرأة وممن قال هذا أنس بن مالك وأبو الأحوص والحسن البصري وحجة من قال بهذا القول حديث حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه قيد آخره الرحل الحمار والمرأة والكلب الأسود فقلت ما بال الأسود من الأحمر من الأصفر من الأبيض فقال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان وروى يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس احسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والمجوسي والمرأة وتجزئ إذا مر بين يديه على قدفه بحجر وروي عن عائشة أنها قالت لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود وبه قال أحمد بن حنبل وقال في نفسي من المرأة والحمار شيء وكان ابن عباس وعطاء ابن أبي رياح يقولان يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض
167

وحجة من قال هذا القول ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة قال حدثنا قتادة قال سمعت جابر بن زيد يحدث عن ابن عباس رفعه شعبة قال يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب (56) وقال جمهور العلماء لا يقطع الصلاة شيء وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري وأبي ثور وداود والطبري وجماعة من التابعين قال أبو عمر الآثار المرفوعة في هذا الباب كلها صحاح من جهة النقل غير أن حديث أبي ذر وغيره في المراة والحمار والكلب منسوخ ومعارض فمما عارضه أو نسخه عند أكثر العلماء حديث عائشة المذكور في هذا الباب وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن حدثنا محمد بن عمر بن علي حدثنا علي بن حرب حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد الحميد حدثنا الأوزاعي قال حدثنا عطاء بن أبي رباح والزهري قالا حدثنا عروة بن الزبير عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا معترضة فيما بينه وبين القبلة فسقط بهذا الحديث أن تكون المرأة تقطع الصلاة وكيف تقطع الصلاة بمرورها وفي هذا الحديث أن اعتراضها في القبلة نفسها لا يضر
168

وروى شعبة عن سعد (57) بن إبراهيم عن عروة عن عائشة قالت كنت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة قال شعبة وأحسبها قالت وأنا حائض قال أبو داود رواه الزهري وعطاء وأبو بكر بن حفص وهشام بن عروة وعراك ابن مالك وأبو الأسود وتميم بن سلمة كلهم عن عروة عن عائشة ولم يذكروا فيه وأنا حائض (58)
قال أبو داود ورواه أيضا إبراهيم عن الأسود عن عائشة وأبو الضحى عن مسروق عن عائشة والقاسم وأبو سلمة عن عائشة ولم يذكروا وأنا حائض (59) أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر قالا حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال سمعت القاسم يحدث عن عائشة قالت بئسما عدلتموني بالحمار والكلب لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضة بين يديه فغذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتهما إلي ثم يسجد (60) وأما الحمار ففي رواية الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال جئت على حمار فمررت بين يدي الصفوف وهذا الأغلب منه أنه مر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر سترة ولهذا سبق الحديث ولو من خلف السترة ما احتج بالحديث من ساقه كذلك والله أعلم هكذا رواه ابن عيينة وغيره عن الزهري وقال فيه عن مالك عن الزهري بإسناده أقبلت راكبا على آتان فمررت بين يدي بعض الصف فلم ينكر ذلك علي أحد وقد روى الليث عن يحيى بن أيوب عن محمد بن عمر بن علي
169

عن عباس بن عبيد الله بن عباس عن الفضل بن عباس قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية ومعه عباس فصلى في صحراء ليس بين يديه ستر وحماره لنا وكلبة تعبثان بين يديه فما بالا بذلك ذكره أبو داود عن عبد الملك بن شعيب بن الليث عن أبيه عن جده (61) ففي هذا الحديث ما يدل على أن الحمار والكلب لا يقطعان الصلاة ومن جهة النظر لا يجب أن يحكم بقطع الصلاة لشيء من الأشياء إلا بما لا تنازع فيه وقد تعارضت الآثار في هذا الباب واضطربت والأصل أن الحكم لا يجب إلا بيقين وقد روى مجالد (62) عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم إنماهو شيطان وقد ذكرنا أخبار هذا الباب مستوعبة وذكرنا ما للعلماء في ذلك في باب ابن شهاب من هذا الكتاب وأما قوله في حديثنا في هذا الباب ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي وفي حديث القاسم عن عائشة غمز رجلي فضممتهما إلي ففيه دليل على أن الملامسة لا تنقض الطهارة ما لم يكن معها اللذة وهذا مما نزع به واستدل جماعة من أصحابنا في باب الملامسة قرأت على أبي عمر أحمد بن عبد الله بن محمد أن أباه أخبره قال أخبرنا محمد بن عمر بن لبابة قال حدثني قاسم بن محمد (63) قال حدثنا أبي قال قال لي المزني من اين قال مالك بن أنس إنه من لمس لشهوة انتقض وضوؤه ومن لمس لغير شهوة لم ينتقض عليه وضوؤه فقلت له قال
170

الله عز وجل * (أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء) * 64 الآية فكان واجبا بظاهر الآية انتقاض وضوء كل ملامس كيف لامس فدلت السنة على أن الوضوء على بعض الملامس دون بعض فقال وأين السنة فقلت (65) له حديث عائشة فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبته فوضعت يدي على قدميه وهو ساجد يقول أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك قال قاسم فلما وضعت يدها على قدمه وهو ساجد وتمادى في سجوده كان دليلا على أن الوضوء لا ينتقض إلا على بعض الملامسين دون بعض قال المزني فإني أقول إنه كان على قدمه حائل شيء كالثوب يسترها أو نحوه قال قاسم فقلت له القدم بلا حائل حتى يثبت الحائل قال أبو عمر ما أدري كيف يجوز على مثل المزني مع جلالته وفقهه وسعة فهمه مثل هذا الإدخال والاحتجاج والأغلب أن النائم مشتمل في ثوبه ملتحف به وإذا أمكن ذلك وهو الأغلب لم يجب أن يقطع بملامسة فيها مباشرة إلا بيقين ولا يقين في هذا الحديث لإمكان ستر القدم واحتماله وإذا احتمل لم تكن فيه حجة لأن الحجة ما لا تنازع فيه ولا يحتمل تأويل الخصم وحديث هذا الباب أولى من الحديث الذي احتج به قاسم لأن في حديثنا في هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغمز رجل عائشة أو رجليها فهو الملامس في هذا الحديث لو ثبت أنه باشرها أو شيئا من جسدها بالملامسة لأنه قد يحتمل أن يغمزها على الثوب أو يضرب رجلها بكمه ونحو هذا
171

والحديث الذي احتج به قاسم يرويه مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عائشة وهو منقطع من هذا الوجه ولكنه يستند من طرق صحيحة سنذكرها في باب يحيى بن سعيد من كتابنا هذا إن شاء الله واما اختلاف العلماء في الملامسة التي تنقض الطهارة وتوجب الوضوء على من أراد الصلاة فاختلاف قديم وجدناه عن السلف والخلف ونحن نورد منه من وجوه أقاويلهم فيها ما فيه كفاية إن شاء الله قال سفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي وأكثر أهل العراق وطائفة من أهل الحجاز الملامسة التي ذكر الله عز وجل في كتابه في قوله * (أو لامستم النساء) * أو لامستم على ما قرئ من ذلك كله هي الجماع نفسه الموجب للغسل وأدنى ذلك مس الختان وأما ما كان دون ذلك من القبلة والجسة وغيرها فليس من الملامسة ولا ينقض الوضوء وهو مذهب ابن عباس ومسروق وعطاء والحسن وطاوس وروي عن علي بن أبي طالب مثل ذلك وقال الثوري من قبل امرأته وهو على وضوء لم أر عليه وضوءا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من قبل امرأته أو باشرها أو لامسها لشهوة أو لغير شهوة فلا وضوء عليه إلا أن ينتشر ومن قصد مسها لشهوة ليس بينهما ثوب فمسها وانتشر فإن كان هذا انتقض وضوؤه عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا ينتقض وضوؤه إلا أن يخرج منه مذي أو غيره وقد قال الأوزاعي في الذي يقبل امرأته إن جاء يسألني قلت يتوضأ وإن لم يتوضأ لم أعب عليه وقال في الرجل يدخل رجليه في ثياب امرأته فيمس فرجها أو بطنها لا ينقض ذلك وضوءه
172

قال أبو عمر كلهم ذهب إلى أن الملمس باليد لا بالرجل لقول الله عز وجل * (فلمسوه بأيديهم) * 66 والمباشرة عند مالك بالجسد كاللمس باليد يراعون فيه اللذة على ما يأتي بعد واضحا إن شاء الله وقال أبو ثور لا وضوء على من قبل امرأته أو باشرها أو لمسها قال أبو عمر فمما احتج به من ذهب هذا المذهب أن قال الملاسمة واللمس نظيرها في كتاب الله المسيس والمس والمماسة مثل (67) الملامسة قال الله عز وجل * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * 68 وقد أجمعوا على أن رجلا لو تزوج امرأة فمسها بيده أو قبلها في فمها أو جسدها ولم يخل بها ولم يجامعها أنه لا يجب عليه إلا نصف الصداق كمن لم يصنع شيئا من ذلك وأن المس والمسيس عني به ههنا الجماع فكذلك اللمس والملامسة قالوا وكذلك قال ابن عباس إن الله عز وجل حي كريم يكني عن الجماع بالمسيس وبالمباشرة وباللمس وبالرفث ونحو ذلك وذكروا ما حدثناه إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا أبو صالح الفراء قال حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني عن بكير بن الأخنس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إن
173

الله حي كريم يكني قال * (فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله) * 70 فهذا باب من الجماع وقد كنى وقال * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * وقال * (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم) * 71 فهذا باب من الجماع وقد كنى وقال تبارك وتعالى * (أو لامستم النساء) * فهذا باب من الجماع وقد كنى وحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد الله بن عبد الواحد البزار قال حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى الفراء قال حدثنا أبو إسحاق الفزاري فذكره إلى آخره وحدثناه عبد الوارث أيضا حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا عبد الملك بن حبيب المصيصي حدثنا أبو إسحاق الفزاري فذكره واحتجوا من الأثر المرفوع بما رواه وكيع وغيره عن الأعمش عن حبيب ابن أبي ثابت عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ قال قلت من هي إلا أنت فضحكت ووكيع عن سفيان عن أبي رؤوف عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها فلم (72) يتوضأ قالوا ولا معنى لطعن من طعن على حديث حبيب بن أبي ثابت عن عروة في هذا الباب لأن حبيبا ثقة ولا يشك أنه أدرك عروة وسمع ممن هو أقدم من عروة فغير مستنكر أن يكون سمع هذا الحديث من عروة فإن لم يكن سمعه عنه فإن أهل العلم لم يزالوا يروون
174

المرسل من الحديث والمنقطع ويحتجون به إذا تقارب عصر المرسل والمرسل عنه ولم يعرف المرسل بالرواية عن الضعفاء والأخذ عنهم ألا ترى أنهم قد أجمعوا على الاحتجاج بحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وجله مراسيل والقول في رواية إبراهيم التيمي عن عائشة مثل ذلك لأنه لم يلق عائشة وهو ثقة فيما يرسل ويسند قالوا وقد روي هذا الخبر عن عائشة من وجوه وإن كان بعضها مرسلا فإن الطرق إذا كثرت قوى بعضها بعضا وذكروا ما روى شعبة وغيره عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال ذكروا اللمس فقال ناس من الموالي ليس الجماع وقال ناس من العرب اللمس الجماع فأتيت ابن عباس فقلت إن ناسا من الموالي والعرب اختلفوا في اللمس وأخبرته بقولهم فقال مع أي الفريقين كنت قلت مع الموالي قال غلب فريق الموالي إن اللمس والمباشرة الجماع ولكن الله يكني (73) بما شاء قالوا والكتاب والسنة والقياس والنظر كل ذلك يدل على أن الملامسة المقصود إلى ذكرها في آية الوضوء هي الجماع قالوا فأما الكتاب فقول الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * يريد وقد أحدثتم قبل ذلك * (فاغسلوا وجوهكم) * الآية فأوجب غسل الأعضاء التي ذكرها بالماء ثم قال * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * يريد الاغتسال بالماء ثم قال * (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء) * يريد الجماع الذي يوجب الجنابة ولم تجدوا ماء تتوضأون به من الغائط أو تغتسلون به من الجنابة كما أمرتكم في أول الآية * (فتيمموا صعيدا طيبا) * 74 قالوا فإنما أوجب في آخر الآية التيمم على من كان أوجب عليه الوضوء والاغتسال بالماء في أولها قالوا وقول من
175

خالفنا إن الله لما ذكر طهارة الجنب في أول الآية ذكر الملامسة في آخر الآية موصولا بذكر الغائط استدلوا بذلك على أنه غير الجنابة فليس كما قالوا وإنما كان يكون ما قالوا دليلا لو كان إنما أوجب على الملامس في آخر الآية الطهارة التي أوجبها على الجنب في أولها فكان يكون دليلا على أن اللمس غير الجنابة لأنه قد أوجب الطهارة من الجنابة في أول الآية فلم يكن لإعادة إيجاب الطهارة منها في آخرها معنى يصح ولكنه إنما أوجب عليه في أول الآية الاغتسال بالماء وأوجب عليه في آخرها التيمم بدلا من الماء إذا كان مسافرا لا يجد الماء أو مريضا قالوا فهذا المعنى أصح وأشبه بالتأويل مما ذهب إليه من خالفنا قال أبو عمر وقال أكثر أهل الحجاز وبعض أهل العراق اللمس ما دون الجماع مثل القبلة والجسة والمباشرة باليد ونحو ذلك مما دون الجماع وهو مذهب مالك وأصحابه والأوزاعي والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق إلا أنهم اختلفوا في معنى اعتبار اللذة على ما نذكره بعد في هذا الباب إن شاء الله وممن روي عنه أن اللمس ما دون الجماع عمر وابن مسعود وابن عمر وجماعة من التابعين بالمدينة والكوفة والشام وروى مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يقول قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة فمن قبلها أو جسها بيده وجب عليه الوضوء ورواه الدراوردي عن ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه (75) عن عمر قال القبلة من اللمم فتوضؤوا منها وهذا عندهم خطأ وإنما هو عن ابن عمر صحيح لا عن عمر
176

وروى الأعمش عن إبراهيم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال قال عبد الله ابن مسعود القبلة من اللمس ومنها الوضوء واللمس ما دون الجماع وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة مثله وعن سعيد بن المسيب مثله وحكى ابن وهب عن مالك والليث وعبد العزيز بن أبي سلمة في قبلة الرجل امرأته الوضوء وحكى الزعفراني والربيع والمزني عن الشافعي أنه قال من لمس امرأته أو قبلها وجب عليه الوضوء قال الزعفراني عنه ولو ثبت حديث معبد ابن نباتة في القبلة لم أر فيها شيئا ولا في اللمس فإن معبد بن نباتة يروي عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل ولا يتوضأ ولكن لا أدري كيف معبد بن نباتة هذا فإن كان ثقة فالحجة فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد استدل أصحابنا على صحة ما ذهبوا إليه في أن الملامسة ما دون الجماع بأدلة يطول ذكرها منها أن قالوا الملامسة لم يرد الله بذكرها في آية الوضوء الجماع لأنه أفردها من ذكر الجنابة بقوله * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * فجاء بالشرط وجوابه ثم استأنف فقال * (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) * فجاء بالشرط وجوابه فدل ذلك على أن الملامسة غير قوله وإن كنتم جنبا وانتفى (76) بذلك أن تكون الملامسة الجماع ودخلت
177

في باب الحدث الموجب الوضوء والتيمم لأنه جمعها في الذكر مع الغائط وجاء بجواب واحد لذلك الشرط كما جاء في قوله * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * 77 فجاء بالشرط وجوابه ثم استأنف ذكر الجماع بحكم مفرد قال * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * فجاء بالشرط وجوابه تاما قالوا وهذا هو المفهوم من كلام العرب قالوا ولهذا كان ابن مسعود وعمر يذهبان إلى أن الجنب لا يتيمم لأنه أفرد بحكم الغسل ولم يريا الجماع من الملامسة وقد ذكرنا وجه قولهما وما يرده من السنة في باب عبد الرحمان بن القاسم من كتابنا هذا والحمد لله وتقدير الآية في مذهب من أنكر أن تكون الملامسة الجماع
ممن يرى التيمم للجنب أن يكون فيها تقديم وتأخير كأنه قال عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * من النوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * (لأن القائلين بهذا التقدير في الآية اختلفوا في تيمم الحاضر الصحيح إذا فقد الماء وخشي فوات الوقت على ما ذكرنا في غير هذا الموضع) (78) فدخل في التيمم الجنب وغيره على هذا الترتيب من التقدير والتأخير قالوا والتقديم والتأخير في كتاب الله كثير لا ينكره عالم
178

قال أبو عمر ثم اختلف القائلون (79) بأن اللمس ما دون الجماع فقال بعضهم إنما اللمس الذي يجب منه الوضوء أن يلمس الرجل المرأة لشهوة فإن لمسها لغير شهوة فلا وضوء عليه هذا مذهب مالك وأصحابه وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وروي ذلك عن النخعي والشعبي ورواه شعبة عن الحكم وحماد واحتج إسحاق فقال أخبرنا محمد بن بكر قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرنا عبد الكريم أنه سمع الحسن يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في مسجد (80) في الصلاة فقبض على قدم عائشة غير متلذذ وضعف حديث حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يقبلها ولا يتوضأ وقال ليس بصحيح ولا نظن أن حبيبا لقي عروة قال وقد يكن أن يقبل الرجل امرأته لغير شهوة برا بها وإكراما لها ورحمة ألا ترى إلى ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قدم من سفر فقبل فاطمة وهذا حديث يرويه الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة قال فالقبلة تكون لشهوة ولغير شهوة وروى عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك في المريض تغمز امرأته رجليه أو رأسه لا وضوء فيه إلا أن يلتذا قال ولا وضوء عليهما وإن تماسا إلا أن يلتذا قال والجسة من فوق الثوب ومن تحته سواء إن كان للذة وقال (81) علي بن زياد عن مالك إن كان الثوب كثيفا فلا شيء عليه وإن كان خفيفا فعليه الوضوء وجملة مذهب مالك أن من التذ من الملامسين فعليه الوضوء المراة والرجل في ذلك سواء
179

وقال عبد الملك بن الماجشون من تعمد مس امرأته بيده لملاعبة فليتوضأ التذ أم لم يلتذ وقال الشافعي بمصر إذا أفضى الرجل بيده إلى أمراته أو ببعض جسده لا حائل بينها وبينه لشهوة ولغير شهوة وجب عليه الوضوء وكذلك إن لمسته هي وجب عليها وعليه الوضوء وسواء في ذلك أي بدنيهما أفضى إلى الآخر إذا مست البشرة البشرة إلا الشعر خاصة فلا وضوء على من مس شعر امرأته لشهوة كان أو لغير شهوة والشعر مخالف للبشر ولو احتاط فتوضأ إذا مس شعرها كان حسنا ولو مسها بيده أو مسته بيدها من فوق الثوب فالتذا لذلك أم لا يلتذا لم يكن عليهما شيء حتى يفضيا إلى البشرة قال ولا معنى للذة من فوق الثوب ولا من تحته ولا معنى للشهوة في القبلة وإنما المعنى للفعل قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي فهذا مذهب الشافعي فيمن وافقه من أصحابه وهو قول مكحول والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وجماعة هكذا حكى المروزي عنهم وأما الطبري فذكر عن الأوزاعي ما تقدم ذكرنا له وكذلك ذكر الطحاوي أيضا عن الأوزاعي كما حكى الطبري أن لمس المراة لا وضوء فيه على حال وقال المروزي قول (82) الشافعي هذا هو أشبه بظاهر الكتاب لأن الله عز وجل قال * (أو لامستم النساء) * ولم يقل لشهوة ولا من شهوة قال وكذلك الذين أوجبوا في ذلك الوضوء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترطوا الشهوة قال وكذلك عامة التابعين قال وقد احتج بعض من ذهب هذا المذهب بأن قال قد اجتمعت (83) الأمة أن رجلا لو استكره امرأة فمس ختانه ختانها وهي لا تلتذ بذلك أو كانت نائمة فلم تلتذ ولم تشته أن
180

الغسل واجب عليهما قالوا فكذلك من مس (84) امرأته لشهوة أو لغير شهوة أو قبلها لشهوة أو لغير شهوة انتقضت طهارته ووجب عليه الوضوء لأن المعنى في الجسة واللمس والقبلة للفعل لا للذة قال أبو عمر القول الصحيح في هذا الباب ما ذهب إليه مالك والقائلون بقوله والله أعلم لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يأت عنهم في معنى الملامسة إلا قولان (85) أحدهما الجماع والآخر ما دون الجماع والقائلون منهم بأنه ما دون الجماع إنما أرادوا ما يلتذ به مما ليس بجماع ولم يريدوا من اللمس اللطم واللمس بغير لذة لأن ذلك ليس من الجماع ولا يشبهه ولا يؤول إليه ولما لم يجز أن يقال إن اللمس أريد به اللطم وغيره لتباين ذلك من الجماع لم يبق إلا أن يقال إنه ما وقع به الالتذاذ لإجماعهم على أن من لطم امرأته أو داوى جرحها أو المرأة ترضع ولدها لا وضوء على هؤلاء والله أعلم قال أبو عبد الله بن نصر فأما ما ذهب إليه مالك من مراعاة الشهوة واللذة لمن لمس امرأته من فوق الثوب وتلذذ (86) بمسها أنه قد وجب عليه الوضوء فقد وافقه على ذلك الليث بن سعد قال المروزي ولا نعلم أحدا قال ذلك غيرهما قال ولا يصح ذلك في النظر لأن من فعل ذلك فهو غير لامس لامرأته وغير مماس لها في الحقيقة إنما هو لامس لثوبها وقد أجمعوا أنه لو تلذذ واشتهى دون أن يلمس لم يجب عليه وضوء فكذلك من لمس فوق الثوب لأنه غير لامس للمرأة هذا جملة ما احتج به
181

المروزي لمذهب الشافعي الذي اختاره في ذلك وفي المسألة نظر ومن تدبر ما أوردناه اكتفى بما وصفنا والله الموفق للصواب والهادي إليه لا شريك له وفي هذا الحديث ما كانوا عليه من ضيق العيش (والصبر على) (87) الإقلال ألا ترى أنهم كانت يومئذ بيوتهم دون مصابيح وفي قول عائشة رحمها الله والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح دليل على أنها إذ حدثت بهذا الحديث كانت بيوتهم فيها المصابيح وذلك أن الله فتح عليهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا فوسعوا على أنفسهم إذ وسع الله عليهم وقولها يومئذ يريد حينئذ لأنا لو جعلنا اليوم النهار على المعهود = استحال أن تكون المصابيح نهارا في بيوتهم فعلمنا أنها أرادت بقولها يومئذ أي حينئذ وهذا مشهور في لسان العرب أنها كانت تعبر باليوم عن الحين والوقت كما تعبر به عن النهار واليوم وهو النهار كما قال الشاعر
* أجدك هذا الليل لا يتردد
* وأي نهار لا يكون له غد
* يقول إذا طال عليه الليل أجدى أن يكون ليل لا يتردد أو أن يكون يوم لا يكون له غد أو ليل لا يكون له غد وهذا اشهر عندهم من أن يحتاج فيه إلى الاستشهاد (88)
182

حديث سابع لأبي النضر مالك عن محمد بن المنكدر وأبي النضر عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل مثل حديث محمد ابن المنكدر سواء إلا أن في حديث أبي النضر إذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها لا يخرجكم إلا فرارا منه (89) هكذا في الموطأ إلا فرارا في حديث أبي النضر وقد جعله جماعة من أهل العلم لحنا وغلطا والوجه فيه عند أهل العربية أن دخول إلا في هذا الموضع إنما هو لايجاب بعض ما نفي بالجملة كأنه قال لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا أي إذا كان خروجكم فرارا فلا تخرجوا والنصب هنا بمعنى الحال لا يمعنى الاستثناء والله أعلم وفي ذلك إباحة الخروج ذلك الوقت من موضع الطاعون للسفر على الجاري من العادات إذا لم يكن القصد الفرار من الطاعون وقد كان بعض شيوخنا وشويخ شيوخنا يروونه في هذا الحديث لا يخرجكم إلا فرار منه بالرفع وهذا إن صح بمعنى قوله فلا تخرجوا منها لا يخرجكم إلا فرار منه أي لا تخرجوا منها الخروج الذي يخرجكموه إلا فرار منه وقد كان بعض الشيوخ ممن رواه بالرفع يرويه لا يخرجكم إلا الإفرار منه على المصدر
183

وهذا ينكره أهل النحو في مصدر الفرار وأجازه أهل اللغة على (لغة شاذة في الفرار والله أعلم) (90) وهذا المصدر خطأ عند أهل النحو واللغة وغير (معروف (91) في الرواية ورواه ابن بكير عن مالك عن أبي النضر عن عامر ابن سعد بن أبي وقاص عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن المنكدر إلا أن في حديث أبي النضر فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها إلا فرارا منه وهذا لا وجه له إلا أن يحمل على ما ذكرنا (92) وروى القعنبي عن مالك حديث محمد بن المنكدر وليس عنده حديث أبي النضر وأكثر رواة الموطأ جمعوا في هذا الحديث عن مالك أبا النضر ومحمد بن المنكدر جميعا ورواه ابن أبي مريم وأبو مصعب عن مالك كما رواه يحيى سواء عن محمد بن المنكدر وأبي النضر جميعا عن عامر بن سعد عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد وقالا في آخره قال أبو النضر لا يخرجكم إلا الفرار منه وهذا معناه كمعنى رواية يحيى سواء في رواية من رواه بالرفع وهذا أبين بالألف واللام والمعنى سواء والله أعلم وأما ابن وهب فجوده ذكر ابن وهب في الموطأ عن مالك عن أبي النضر عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أباه يسأل أسامة بن زيد أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الطاعون فقال نعم فقال كنت سمعته قال سمعته يقول هو رجز سلط على بني إسرائيل أو على قوم فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه
184

هكذا قال ابن وهب عن مالك في حديث أبي النضر مفردا لا تخرجوا فرارا منه ولم يعطفه على حديث ابن المنكدر بل ساقه عن مالك عن أبي النضر من أوله إلى آخره وقال في آخره فلا تخرجوا فرارا منه وهذا هو الصواب المعروف الذي لا إشكال فيه وقال ابن وهب أيضا أخبرني عمرو بن الحرث أن أبا النضر حدثه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد يخبر سعد بن أبي وقاص وسأله عن الوجع فقال أسامة ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو رجز سلط على من قبلكم أو على بني إسرائيل فإذا سمعتم به ببلدة فلا تدخلوا عليه فيها وإذا وقع وأنتم بها فلا يخرجنكم منها فرارا أو قال منه فرارا ورواية ابن وهب صحيحة المعنى مجتمع عليها وفي هذا الحديث إباحة الخبر عن الأمم الماضية من بني إسرائيل وغيرهم وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عمن خلا من الأمم حتى لو مرت عقاب فقلب جناحها (فكانت وفاتها) (93) لأخبرناكم وقد مضى تفسير معنى الطاعون في مواضع من هذا الكتاب (94) فلا وجه لإعادة ذلك ههنا والحمد لله) (95)
185

حديث ثامن لأبي النضر مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن أبا مرة مولى عقيل بن أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب قالت (96) فسلمت قال من هذه فقلت أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال مرحبا بأم هانئ فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد ثم انصرف فقلت يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلا أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ قالت أم هانئ وذلك ضحى (97) قد ذكرنا أبا مرة فيما سلف من كتابنا هذا وهو الذي يقال له مولى أم هانئ اسمه يزيد (98) وهو إن شاء الله أصح ما قيل فيه وهو مدني ثقة وذكرنا أم هانئ في كتاب الصحابة (99) بما يغني عن ذكرها ههنا واسمها هند ويقال بل اسمها فاختة وفي هذا الحديث صلاة الضحى وقد مضى القول فيها مستوعبا بما في ذلك من الأثر في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب ومضى القول أيضا في معان من هذا الحديث مجردة من إسناده ومتنه في باب موسى
186

ابن ميسرة من هذا الكتاب وأما قوله قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ فقد استدل به قوم على جواز أمان المرأة وقالوا جائز أمانها على كل حال وقال آخرون أمانها موقوف على جواز الإمام فإن أجازه جاز وإن رده رد واحتج من قال هذه المقالة بأن أمان أم هانئ لو كان جائزا على كل حال دون إذن الإمام ما كان علي ليريد قتل من لا يجوز قتله لأمان من يجوز أمانة وفي قوله قد أجرنا من أجرت دليل على ذلك لأنه لو كان أمان المراة غير محتاج إلى إجازة الإمام لقال لها من أمنته أنت أو غيرك فلا سبيل إلى قتله وهو آمن ولما قال لها قد أمنا من أمنت وأجرنا من أجرت كان (ذلك) (100) دليلا على أن أمان المرأة موقوف على إجازة الإمام فهذه حجة من ذهب هذا المذهب قالوا وهذا هو الظاهر في معنى هذا الحديث والله أعلم حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني عياض بن عبد الله عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب أنها أجارت (101) رجلا من المشركين يوم الفتح وأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت (102) وأما من قال يجوز أمان المرأة على كل حال بإذن الإمام وبغير إذنه فمن حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم (103) قالوا فلما قال أدناهم جاز بذلك أمان العبد وكانت المرأة الحرة أحرى بذلك واحتجوا أيضا بما
187

حدثناه عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا عثمان ابن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت إن كانت
المرأة لتجير على المسلمين فيجوز (104) ورواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت إن كانت المرأة لتجير على المسلمين ومن حجتهم أيضا ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا عبيد بن عبد الواحد البزار حدثنا محبوب بن موسى حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن أبي سعد قال أخبرنا عمرو بن مرة عن أبي البختري عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذمة المسلمين واحدة وإن جارت عليهم جائرة فلا تخفروها فإن لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به (105) الآثار كلها تدل على جواز أمان المرأة على كل حال وقد اختلف العلماء أيضا في أمان العبد فقال مالك والشافعي وأصحابهما والثوري والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود بن علي أمانة جائز قائل أو لم يقاتل وهو قول محمد بن الحسن وقال أبو حنيفة أمانه غير جائز إلا أن يقاتل وهو قول أبي يوسف وروي عن عمر معناه حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم حدثنا عبيد بن عبد الواحد حدثنا محبوب بن موسى الفراء حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن ابن أبي أنيسة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال لما كان يوم الفتح خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسند ظهره إلى جدار الكعبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال المؤمنون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم
188

ويعقد عليهم أولادهم ويرد عليهم أقصاهم ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده وروي من حديث علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا محمد ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي مرة مولى عقيل عن أم هانئ قالت أتاني يوم الفتح حموان لي فأجرتهما فجاء علي يريد قتلهما فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبته بالأبطح بأعلا مكة فذكر حديثا فيه فقلت يا رسول الله إني أجرت حموين لي وإن ابن أمي عليا أراد قتلهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك له قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت (106) في هذا الخبر وخبر مالك (أن الذي (107) أجارته أم هانئ ولد هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزوم واحدا كان أو اثنين لأن في حديث أبي النضر ما يدل على أنه كان واحدا وفي حديث المقبري اثنين وهبيرة بن أبي وهب زوجها وولده حمو لها وقد قيل إن الذي أجارته يومئذ وأراد علي قتله الحرث بن هشام وعبد الله بن أبي هبيرة وكلاهما من بني مخزوم وقيل فيه غير ذلك وأما قول من قال إنه جعدة بن هبيرة أو أن أحدهما جعدة بن هبيرة فما أدري ما هو لأن جعدة بن هبيرة أبنها لا حموها ولم تكن تحتاج إلى إجارة ابنها ولا كانت مثل تلك المخاطبة تجري بينها وبين أخيها علي في
189

ابنها والله أعلم ولم يذكر أهل النسب فيما علمت لهبيرة ابنا يكنى جعدة من غير أم هانئ ولا ذكروا له بنين من غير أم هانئ والله أعلم وذكر البزار حدثنا محمد بن مسكين بن ثميلة حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن بلال عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجير على الناس أدناهم (108) وروى مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة (109) الحديث قال أبو العباس بن سريج القاضي الرجلان اللذان أجارتهما أم هانئ يوم الفتح جعدة بن هبيرة المخزومي ورجل آخر معه وكانا من الشرذمة الذين قاتلوا خالدا ولم يقبلوا الأمان ولا ألقوا السلاح فأراد علي قتلهما فأجارتهما أم هانئ وكنا من أحمائها فأجار رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجارت هكذا قال وقد مضى القول فيه وأيا كان فالحديث إنما سيق لجواز جوار المرأة لا لغير ذلك قال أبو عمر وعلى جواز أمان المرأة جمهور علماء المسلمين أجاز ذلك الإمام أو لم يجزه على ظواهر الأخبار المذكورة في هذا الباب عن أم هانئ وعائشة وغيرهما وممن قال ذلك مالك وأصحابه إلا عبد الملك بن الماجشون وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وقال عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون لا يجوز
190

أمان المرأة إلا أن يجيزه الإمام فشذ بقوله ذلك عن هذا الجمهور والله الموفق للصواب وهو المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل أخبرنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن أحمد حدثنا محمد بن أيوب حدثنا أحمد بن عمرو (البزار) (110) حدثنا رجاء بن محمد حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا بشير بن المهاجر (111) عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم ولا ظهرت فاحشة في قوم إلا سلط عليهم الموت ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر ولا يروى مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث إلا عن بريدة بهذا الإسناد والله أعلم
حديث تاسع لأبي النضر مالك عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده قال فوجد عنده سهل بن حنيف قال فدعا أبو طلحة إنسانا فنزع نمطا كان تحته فقال له سهل لم نزعته قال لأن فيه تصاوير وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما قد علمت قال سهل أو لم يقل إلا ما كان رقما في ثوب قال بلى ولكنه أطيب لنفسي (112)
191

لم يختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث ومتنه في الموطأ وفيه عن عبيد الله أنه دخل علي أبي طلحة فأنكرك ذلك بعض أهل العلم وقال لم يلق عبيد الله أبا طلحة وما أدري كيف قال ذلك وهو يروي حديث مالك هذا وأظن ذلك والله أعلم من أجل أن بعض أهل السير قال توفي أبو طلحة سنة أربع وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه وعبيد الله لم يكن في ذلك الوقت ممن يصح له سماع (113) قال أبو عمر اختلف في وفاة أبي طلحة وأصح شيء في ذلك ما رواه أبو زرعة قال سمعت أبا نعيم يحدث عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال سرد أبو طلحة الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة فكيف يجوز أن يقال إنه مات سنة أربع وثلاثين وهو قد صام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة وإذا كان ذلك كما ذكرنا صح أن وفاته لم تكن إلا بعد خمسين سنة من الهجرة والله أعلم وأما سهل بن حنيف فلا يشك عالم بأن عبيد الله بن عبد الله لم يره ولا لقيه ولا سمع منه وذكره في هذا الحديث خطأ لا شك فيه لأن سهل بن حنيف توفي سنة ثمان وثلاثين وصلى عليه علي رضي الله عنه ولا يذكره في الأغلب عبيد الله بن عبد الله لصغر سنه يومئذ والصواب في ذلك والله أعلم عثمان بن حنيف (114) وكذلك رواه محمد بن إسحاق عن أبي النضر سالم عن عبيد الله بن عبد الله قال انصرفت مع عثمان بن حنيف إلى دار
192

أبي طلحة نعوده فوجدنا تحته نمطا وساق الحديث بمعنى حديث مالك عن أبي النضر واختلف في وفاة عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فقال ابن بكير عن يعقوب بن عبد الرحمان عن أبيه قال مات عبيد الله بن عبد الله قبل علي بن حسين قال أبو عمر مات علي بن حسين رحمه الله سنة أربعة وتسعين وفيها مات عروة وأبو سلمة وجماعة من الفقهاء وقال الواقدي توفي عبيد الله بن عبد الله سنة ثمان وتسعين وقال يحيى بن معين مات عبيد الله بن عبد الله سنة اثنتين ومائة قال ويقال سنة تسع وتسعين قال أبو عمر قول محمد بن عمر الواقدي أصح ما في ذلك عندنا وهو أعلم بهذا الشأن قال أبو عمر قد يكون إنكار من أنكر هذا الحديث في دخول عبيد الله على أبي طلحة وسهل بن حنيف من أجل رواية ابن شهاب لهذا الحديث على ما رواه ابن أبي ذئب (115) فصح بهذا وهم مالك في سهل بن حنيف وكذلك وهم أبو النضر في روايته له عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي طلحة ولم يدخل بينهما ابن عباس فالصحيح في هذا الحديث رواية الزهري له عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن أبي طلحة كذا قال علي بن المديني وغيره وهو عندي كما قالوه والله أعلم فأما رواية ابن شهاب له فحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا ابن أبي الخصيب قال حدثنا عبد الله بن الحسن بن أبي شعيب قال حدثنا يحيى بن
193

عبد الله قال حدثنا أبو الحرث محمد بن عبد الرحمان بن أبي ذئب العامري المدني عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس عن أبي طلحة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه تصاوير وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد القاضي الذهلي قال حدثنا أبو مسلم الكشي قال حدثنا أبو عاصم عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن أبي طلحة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة (116) وقد خالف الأوزاعي ابن أبي ذئب في هذا الحديث حدثنا قاسم بن محمد حدثنا خالد بن سعد وحدثنا أحمد بن عمر حدثنا عبد الله بن محمد قالا حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا بحر بن نصر قال حدثنا بشر بن بكر قال حدثنا الأوزاعي أخبرني الزهري قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال حدثني أبو طلحة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة قال أبو عمر هذا عندهم خطأ من الأوزاعي وكان في حفظه شيء لم يكن بالحافظ وقد تابع ابن أبي ذئب عبد العزيز بن أبي سلمة الماجسون (117) حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير القاضي الذهلي قال حدثنا أبو مسلم الكشي قال حدثنا عبد الله
194

ابن رجاء قال حدثنا عبد العزيز بن الماجشون عن ابن شهاب عن عبيد الله ابن عبد الله عن ابن عباس عن أبي طلحة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة وحديث معمر رواه علي بن المديني وغيره عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله أنه سمع ابن عباس يقول سمعت أبا طلحة يقول فذكره وقد يحتمل ان يكون حديث ابن شهاب في هذا الباب غير حديث أبي النضر لأن في حديث ابن شهاب عموم الصور دون استثناء شيء منها وفي حديث أبي النضر استثناء ما كان رقما في ثوب وفيه جمع سهل ابن حنيف في ذلك مع أبي طلحة فهو غير حديث أبي النضر والله أعلم وقد كان ابن شهاب يذهب في هذا الباب إلى استعمال العموم في كراهة (118) الصور كلها على ما ذكرنا عنه في باب إسحاق من هذا الكتاب (119) وحديث نافع عن القاسم بن محمد بمثل حديث ابن شهاب عام أيضا في الثياب وغيرها وقد ذكرنا ذلك في باب نافع من كتابنا (هذا) (120) وقد روى عبد العزيز بن عمران عن مالك بن أنس عن الزهري وأبي النضر جميعا عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التصاوير في البيوت وهو غريب لمالك عن الزهري خاصة تفرد به عنه عبد العزيز بن عمران رواه عنه يعقوب بن محمد الزهري وللعلماء في هذا الباب أقاويل ومذاهب منها أنه لا يجوز أن يمسك الثوب الذي فيه تصاوير وتماثيل سواء كان منصوبا أو مبسوطا ولا يجوز
195

دخول البيت الذي فيه التصاوير والتماثيل في حيطانه وذلك مكروه كله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه تصاوير فإن فعل ذلك فاعل بعد علمه بالنهي عن ذلك كان عاصيا عندهم ولم يحرم عليه بذلك مالك الثوب ولا البيت ولكنه ينبغي له أن يتنزه عن ذلك كله ويكرهه وينابذه لما ورد من النهي فيه وحجة من ذهب هذا المذهب في الثياب وفي حيطان البيوت وغيرها حديث ابن شهاب وغيره عن القاسم بن محمد بن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صور (121) فتلون وجهه وتناول الستر فهتكه ثم قال إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله وروى نافع هذا الخبر عن القاسم بهذا المعنى وزاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن البيت الذي فيه الصور لا يدخله الملائكة وقد ذكرنا هذا الخبر من طرق في باب نافع من كتابنا هذا وذكرنا هناك اختلاف ألفاظ ناقليه وأن زيادة من زاد فيه من الثقات الحفاظ إباحة ما يتوسد من ذلك ويرتفق به ويمتهن يجب قبولها وإن كان ظاهر حديث مالك في ذلك كراهية عموم الصور على كل حال وإلى ذلك ذهب ابن شهاب وهو راوية الحديث والله أعلم لمخرجه ذكر ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري أنه كان يكره التصاوير ما نصب منها وما بسط وكان مالك لا يرى بذلك بأسا في البسط والوسائد والثياب على حديث سهل بن حنيف هذا إلا ما كان رقما في ثوب وقد ذكرنا مذهب مالك في الصور والتماثيل على كل حال ومذهب سائر
196

فقهاء الأمصار فيها في باب إسحاق ابن أبي طلحة من هذا الكتاب (122) فلا وجه لإعادة ذلك ها هنا ونذكر ها هنا ما جاء عن السلف من الصحابة والتابعين في ذلك مما بلغنا عنهم لتتم فائدة الكتاب إن شاء الله حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت كان على بابي درنوك (123) فيه الخيل ذوات الأجنحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألقوا هذا وقال آخرون إنما يكره من الصور ما كان في الحيطان وصور في البيوت وأما ما كان رقما في ثوب فلا واحتجوا بحديث سهل بن حنيف وأبي طلحة وهو حديث أبي النضر المذكور في هذا الباب فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما كان رقما في ثوب (124 فكل صورة مرقومة في ثوب فلا بأس بها على كل حال لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استثنى
الرقم في الثوب ولم يخص من ذلك شيئا ولا نوعا وذكروا عن القاسم وهو راوية حديث عائشة ما رواه ابن أبي شيبة عن أزهر (125) عن ابن عون قال دخلت على القاسم وهو بأعل مكة في بيته فرأيت في بيته حجلة فيه تصاوير السندس (126) والعنقاء (127) وقال آخرون لا يجوز استعمال شيء من الصور رقما كان في ثوب أو غير ذلك إلا أن يكون
197

الثوب يوطأ ويمتهن فأما أن ينصب كالستر ونحوه فلا قالوا وفي حديث عائشة من رواية ابن شهاب ما يخص الثياب ويعينها وهو يعارض حديث سهل ابن حنيف وأبي طلحة إلا أنا قد روينا عن عائشة أن ذلك من الثياب فيما ينصب دون ما يبسط فبان بذلك وجه الحديثين وأنهما غير متعارضين وعائشة قد علمت مخرج حديثها ووقفت عليه وذكروا من الأثر ما رواه وكيع وغيره عن أسامة بن زيد عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت سترت سهوة لي بستر فيه تصاوير فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم هتكه فجعلت منه منبذتين فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم متكئاعلى إحداهما قالوا ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره من ذلك ما كان سترا منصوبا ولم يكره ما اتكأ عليه من ذلك وامتهنه قال أبو عمر وقد يحتمل أن يكون الستر لما هتكه رسول الله صلى الله عليه وسلم تغيرت صورته وتهتكت فلما صنع منه ما يتكأ عليه لم تظهر فيه صورة بتمامها وإذا احتمل هذا لم يكن في حديث عائشة هذا حجة على ابن شهاب ومن ذهب مذهبه إلا أن من سلف (128) من العلماء جماعة ذهبوا إلى ما كان من رقم الصور فيما يوطأ ويمتهن ويتكأ عليه من الثياب لا باس به ذكر ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن الجعد رجل من أهل المدينة قال حدثتني ابنة سعد ان أباها جاء من فارس بوسائد فيها تماثيل فكنا نبسطها وعن ابن فضيل عن ليث قال رأيت سالم بن عبد الله متكئا على وسادة حمراء فيها تماثيل فقلت له في ذلك فقال إنما يكره هذا لمن ينصبه ويصنعه
198

وعن ابن المبارك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يتكئ على المرافق فيها التماثيل الطير والرجال وعن ابن علية عن سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين قال كانوا لا يرون ما وطئ وبسط من التصاوير مثل الذي نصب وعن إسماعيل بن علية أيضا عن أيوب عن عكرمة انه كان يقول في التصاوير في الوسائد والبسط التي توطأ هو أذل لها وعن أبي معاوية عن عاصم عن عكرمة قال كانوا يكرهون ما نصب من التماثيل نصبا ولا يرون بأسا بما وطئته الأقدام وعن ابن إدريس عن هشام بن حسان عن ابن سيرين انه كان لا يرى بأسا بما وطئ من التصاوير وعن ابن يمان عن عثمان بن الأسود عن عكرمة بن خالد قال لا بأس بالصورة إذا كانت توطأ وعن ابن يمان عن الربيع بن المنذر عن سعيد بن جبير قال لا بأس بالصورة إذا كانت توطأ وعن عبد الرحيم بن سليمان عن عبد الملك عن عطاء في التماثيل ما كان مبسوطا يوطأ أو يبسط فلا بأس به وما كان منه ينصب فإني أكرهها وعن الحسن (129) بن موسى الأشهب عن حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله قال كانوا لا يرون بما يوطأ من التصاوير بأسا قال أبو عمر هذا أعدل المذاهب وأوسطها في هذا الباب وعليه أكثر العلماء ومن مل عليه الآثار لم تتعارض على هذا التأويل وهو أولى ما اعتقد فيه والله الموفق للصواب وقد ذهب قوم إلى أن ما قطع رأسه فليس بصورة
199

روى أبو داود الطيالسي قال حدثنا ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس قال دخل المسور بن مخرمة على ابن عباس وهو مريض وعليه ثوب إستبرق وبين يديه ثوب (130) عليه تصاوير فقال المسور ما هذا يا ابن عباس فقال ابن عباس ما علمت به وما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا إلا للكبر والتجبر ولسنا بحمد الله كذلك فلما خرج المسور أمر ابن عباس بالثوب فنزع عنه وقال اقطعوا رؤوس هذه التصاوير وروى ابن المبارك قال أخبرنا يونس بن أبي إسحاق قال حدثنا مجاهد قال حدثنا أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جبريل أتاني البارحة فلم يمنعه أن يدخل إلي إلا أنه كان في البيت حجال وستر فيه تماثيل وكلب فأمر برأس التمثال أن يقطع وبالستر أن يثنى ويجعل منه وسادتان توطآن وبالكلب أن يخرج وذكر ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب عن عكرمة قال إنما الصورة الرأس فإذا قطع فلا بأس وعن يحيى بن سعيد عن سلمة أبي بشر عن عكرمة في قوله * (الذين يؤذون الله ورسوله) * (131) قال أصحاب التصاوير وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الصورة المكروهة في صنعتها واتخاذها ما كان له روح وحجتهم حديث القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون يقال لهم أحيوا ما
200

خلقتم (132) ففي هذا دليل على أن الحياة إنما قصد بذكرها إلى الحيوان ذوات الأرواح وقد حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث ابن أبي أسامة قال حدثنا هوذة بن خليفة قال حدثنا عوف عن سعيد بن أبي الحسن قال كنت عند ابن عباس إذ جاءه رجل فقال إني أردت أن أنمي معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت (133) رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعته يقول من صور صورة فإن الله معذبه يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا (134) = قال فكبالها الرجل كبوة شديدة واصفر وجهه ثم قال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذه الشجر وكل شيء ليس فيه روح وقد كان مجاهد يكره صورة (135) الشجر وهذا لا أعلم أحدا تابعه على ذلك ذكر ابن أبي شيبة عن عبد السلام عن ليث عن مجاهد أنه كان يكره أن يصور الشجر المثمر ومما يدل على أن الاختلاف في هذا الباب قديم ما ذكره ابن أبي شيبة عن ابن علية عن ابن عون قال كان في مجلس محمد ابن سيرين وسائد فيها تماثيل عصافير فكان أناس يقولون في ذلك فقال محمد إن هؤلاء قد أكثروا علينا فلو حولتموها وهذا من ورع ابن سيرين رحمه الله
201

حديث عاشر لأبي النضر مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود إن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل (136) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه فإن عندي ابنته (137) وأنا أستحي أن أسأله قال (138) المقداد فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح ذكره وليتوضأ وضوءه للصلاة (139) هذا إسناد ليس بمتصل لأن سليمان بن يسار لم يسمع من المقداد ولا من علي ولم ير واحدا منهما ومولد سليمان بن يسار سنة أربع وثلاثين وقيل سنة سبع وعشرين (140) ولا خلاف أن المقداد توفي سنة ثلاث وثلاثين وهو المقداد بن
عمرو الكندي يكنى أبا معبد تبناه الأسود بن عبد يغوث الزهري فنسب إليه وقد ذكرنا أخبار المقداد وسنه في كتاب الصحابة (141) بما يغني عن ذكره ههنا وبين سليمان بن يسار وعلي في هذا الحديث ابن عباس وسماع سليمان بن يسار من ابن عباس غير مرفوع
202

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن محمد بن ناصح قال حدثنا أحمد بن علي بن سعيد قال حدثنا أحمد بن عيسى قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس قال قال علي بن أبي طالب أرسلت المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وانضح فرجك وقد روي هذا الخبر عن ابن عباس عن علي من غير هذا الوجه حدثنا خلف بن القاسم حدثنا الحسين بن جعفر حدثنا يوسف بن يزيد حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أنه سمع علي بن أبي طالب بالكوفة يقول كنت رجلا أجد من المذي أذى فأمرت عمارا يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ابنته كانت تحتي فقال يكفيك منه الوضوء هكذا قال عطاء عن ابن عباس عن علي (142) وخالفه الحميدي وغيره فجعله عن عطاء عن عائش البكري عن علي حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال أخبرني عطاء قال سمعت عائش بن أنس يقول سمعت عليا على المنبر يقول كنت أجد من المذي شدة فأردت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت ابنته عندي فاستحييت أن اسأله فأمرت عمارا فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يكفي منه الوضوء (143) وهكذا رواه معمر عن عمرو بن دينار عن عائش بن أنس عن علي
203

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن ابن جريج قال أخبرني عطاء عن عائش بن أنس البكري قال تذاكر علي والمقداد وعمار بن ياسر المذي فقال علي إني رجل مذاء وأنا أستحيي أن أسأله من أجل ابنته تحتي فقال لأحدهما سله قال عطاء سماه لي عائش ونسيت اسمه فسأله فقال ذلك المذي ليغسل ذاك منه قال عطاء ما ذاك منه قال ذكره ويتوضأ فيحسن وضوءه أو يتوضأ مثل وضوئه للصلاة وينضح فرجه ففي هذا الحديث بيان أن عليا والمقداد وعمار بن ياسر تذاكروا المذي فلذلك ما يجيء في بعض الآثار عن علي فأمرت المقداد وفي بعضها فأمرت عمارا وجائز أن يأمر أحدهما وجائز أن يأمر كل واحد منهما أن يسأل له فسأل فكان الجواب واحدا فحدث به مرة عن عمار ومرة عن المقداد هذا كله غير مرفوع لإمكانه وصحته في المعنى وحسبك أنهم ثلاثتهم قد اشتركوا في المذاكرة بهذا الحديث وعلمه والخبر عنه وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال قيس لعطاء أرأيت المذي أكنت ماسحه مسحا قال لا المذي أشد من البول يغسل غسلا ثم أنشأ يحدثنا حينئذ قال أخبرني عائش بن أنس أخو بني سعد بن ليث قال تذاكر علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود المذي فقال علي إني رجل مذاء فاسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن استحيي أن أسأله عن ذلك لمكان ابنته مني ولولا مكان ابنته مني لسألته قال عائش فسألته أحد الرجلين عمار أو المقداد فسمى لي عائش الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك منهما فنسيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ذلكم) (144) المذي إذا وجده أحدكم فليغسل ذلك منه ثم ليتوضأ فيحسن وضوءه ثم لينتضح في فرجه
204

قال ابن جريج فسألت عطاء عن قول النبي صلى الله عليه وسلم يغسل ذلك منه قال حيث المذي يغسل منه أم ذكره كله فقال بل حيث المذي منه قط (145) فقلت لعطاء أرأيت إن وجدت مذيا فغسلت ذكري كله أنضح في ذلك فرجي قال لا حسبك (146) وقال مالك المذي عندنا أشد من الودي لأن الفرج يغسل من المذي والودي عندنا بمنزلة البول قال مالك وليس على الرجل أن يغسل أنثييه من المذي إلا أن يظن أنه قد أصابهما منه شيء قال مالك والودي من الجمام يأتي بغثر البول أبيض خاثر قال والمذي تكون معه شهوة وهو رقيق إلى الصفرة يكون عند ملاعبة الرجل أهله وعند حدوث الشهوة له قال أبو عمر يحتمل قول مالك المذي عندنا أشد من المذي لأن الودي يستنجى منه بالأحجار والمذي لا بد من غسله ولا تطهر منه الأحجار (147) فقد قال بهذا قوم من أصحاب مالك وغيرهم وقال بعضهم تطهره الأحجار إلا عند وجود الماء خاصة وفي هذا القول ضعف والأول أولى بقول مالك لأن الفرج يغسل من المذي ولأن الأصل في النجاسات الغسل إلا ما خصت السنة من المعتادات بالاستنجاء ولما لم يتعد بالأحجار إلى غير المخرج وجب أن لا يتعدى بها إلى غير المعتادات وقال الشافعي لا يجوز الاستنجاء من الدم الخارج من الدبر ولا من المذي كما لا يجوز للمستحاضة أن تستنجي بغير الماء وأبو حنيفة على أصله في جواز إزالة النجاسات بكل ما أزالها
205

وقال بعض أصحاب مالك المذي يغسل منه الذكر كله ولا يغسل من الودي إلا المخرج وحده وما مسه وعلى الوجهين قد تنازع فيه العلماء فمن ذهب إلى غسل الذكر قد جعله عبادة تعبد بها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله يغسل ذكره ولم يقل بعض ذكره لأن عموم هذا اللفظ يوجب غسل الذكر كله ما يبين منه الأذى من أجل الذي ويكون غسل سائره عبادة كسائر العبادات في الغسل وغيره وسنذكر اختلاف الآثار بذلك في آخر هذا الباب وماذا عن السلف (148) إن شاء الله حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن محمد بن المفسر قال حدثنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال (149) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع وأبو معاوية وهشيم عن الأعمش عن منذر بن يعلى الثوري يكنى أبا يعلى عن ابن الحنفية عن علي قال كنت رجلا مذاء فكنت أستحيي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال يغسل ذكره ويتوضأ (150) قال أبو عمر هذا حديث مجتمع على صحته لا يختلف أهل العلم فيه ولا في القول به والمذي عند جميعهم يوجب الوضوء ما لم يكن خارجا عن علة أبردة وزمانة فإن كان كذلك فهو أيضا كالبول عند جميعهم فإن كان سلسا لا ينقطع فحكمه كحكم سلس البول عند جميعهم أيضا إلا أن طائفة توجب
206

الوضوء على من كانت هذه حاله لكل صلاة قياسا على الاستحاضة عندهم وطائفة تستحبه ولا توجبه وقد ذكرنا هذا المعنى وأوضحنا القول فيه في باب المستحاضة عند ذكر حديث نافع عن سليمان بن يسار من هذا الكتاب وأما المذي المعهود المعتاد المتعارف وهو الخارج عند ملاعبة الرجل أهله لما يجده من اللذة أو لطول عزوبة فعلى
هذا المعنى خرج السؤال في حديث علي هذا وعليه وقع الجواب وهو موضع إجماع لا خلاف بين المسلمين في إيجاب الوضوء منه وإيجاب غسله لنجاسته أخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا هشيم بن بشير عن يزيد بن أبي زياد قال حدثنا عبد الرحمان بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال فيه الوضوء وفي المني الغسل (151) وقد روى سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وسلم في المذي مثل حديث علي قرأت على عبد الوارث (152) بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا نعيم بن حماد قال أخبرنا عبد الله بن المبارك وإسماعيل بن علية قالا أخبرنا محمد بن إسحاق عن سعيد بن عبيد ابن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة وكنت اغتسل فسألت رسول الله عن ذلك فقال يجزئك من ذلك الوضوء قلت يا رسول الله فكيف بما أصاب ثوبي (153) قال تأخذ كفا من ماء فانضح به ثوبك حيث ترى أنه أصابك
207

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن عبيد عن أبيه أن سهل بن حنيف سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي فقال يكفيك منه الوضوء قلت أرأيت ما أصاب ثوبي منه فذكر الحديث مثل ما تقدم سواء وأما قوله = فلينضح فرجه وليتوضأ فإن النضح عني به ههنا الغسل وقد فسرنا ذلك من جهة اللغة والمعنى في باب ابن شهاب عن عبيد الله من هذا الكتاب ومما يدلك على أن قوله في حديث مالك ومن تابعه في هذا الباب فلينضح ذكره ولتيوضأ أنه أريد بالنضح الغسل لأنه قد روي منصوصا ليغسل ذلك منه ويغسل ذكره وهذا معروف قد أوضحناه فيما مضى وفي أمره بغسل الفرج من المذي وغسل ما مس منه دليل على أن ذلك لا يجوز فيه الاستنجاء بالأحجار كما يجوز في البول والغائط لأن الآثار كلها على اختلاف ألفاظها وأسانيدها ليس في شيء منها ذكر استنجاء بالأحجار فاستدل بهذا من قال إن الاستنجاء بالأحجار لا يكون إلا في المعتاد عند الغائط وهو الرجيع والبول وهو استدلال صحيح والله الموفق للصواب فعلى هذا من خرج من أحد مخرجيه دم أو ودي لم يجزه إلا الماء والله أعلم وأما إيجاب الوضوء من المذي فبالسنة المجتمع عيها على ما ذكرنا من حديث هذا الباب وأما معنى (154) غسل الذكر من المذي فإنه يريد غسل مخرجه وما مس الأذى منه وهذا الأصح عندي في النظر والله أعلم وقد قالت طائفة من أصحابنا وغيرهم بوجوب غسل الذكر كله من المذي على ظاهر الخبر في ذلك اتباعا وجعلوا ذلك من باب التعبد وذهب غيرهم إلى أن قوله في المذي يغسل ذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة يحتمل أن يكون
208

أراد يغسل ما مس الأذى منه وقالوا ألا ترى أن أحدا لا يقتصر على غسل الذكر وحده إذا كان المذي قد مس موضعا من الجسد غيره فلا بد من غسل كل ما مس المذي منه وفي هذا ما يستدل به على أن المراد غسل ما مس المذي الذكر والله أعلم ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس في المذي والودي والمني قال في المني الغسل ومن المذي والودي الوضوء يغسل حشفته ويتوضأ (155) وعن الثوري عن زياد بن الفياض قال سمعت سعيد بن جبير يقول في المذي يغسل حشفته (156) وعن هشيم عن أبي حمزة عن ابن عباس في المذي قال اغسل ذكرك وما أصابك ثم توضأ وضوءك للصلاة فهذا ابن عباس يقول في هذا الخبر اغسل ذكرك وقد تقدم عنه فيه غسل الحشفة فدل على أن مراده ما وصفنا بلفظه وبالله التوفيق
209

حديث حادي عشر لأبي النضر مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عبد الله بن أنيس الجهني قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني شاسع الدار فمرني ليلة أنزل لها فقال له (رسول الله صلى الله عليه وسلم) (157) انزل ليلة ثلاثة وعشرين (158) هذا حديث منقطع (159) ولم يلق أبو النضر عبد الله بن أنيس ولا رآه (160) ولكنه يتصل من وجوه شتى صحاح ثابتة ورواه الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عن عبد الله ابن أنيس ولكن جاء بلفظ حديث أبي سعيد الخدري وذلك عندي منكر في هذا الإسناد حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا محمد بن عمر الواقدي قال حدثنا الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن بسر بن سعيد عن عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أريت ليلة القدر ثم أنسيتها ثم أراني صبيحتها أسجد في ماء وطين فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وأن أثر الماء والطين لفي أنفه وجبهته وكان عبد الله بن أنيس ينزل ليلة ثلاث وعشرين
210

قال أبو عمر محمد بن عمر المذكور في هذا الإسناد هو الواقدي وهو ضعيف الحديث والضحاك بن عثمان كثير الخطأ ليس بحجة فيما روى (161) حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا أبو بكر بن الأسود ن قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني قال حدثني أبي قال قلت يا رسول الله إني أكون في باديتي وأنا بحمد الله أصلي فيها (162) فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها بهذا (163) المسجد أصليها فيه قال أنزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيه ورواه الزهري عن ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ورواه الأسلمي عن داود بن الحصين عن عطية بن عبد الله بن أنيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعناه ورواه العمري عن عيسى بن عبد الله بن أنيس عن أبيه مرفوعا مثله وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن يزيد بن الهادي عن أبي بكر بن محمد عن عبد الله بن عبد الرحمان بن كعب عن عبد الله بن أنيس قال كنا نبتدئ في رمضان فقال قومنا إنه ليشق علينا أن ننزل بعيالنا وثقلنا وإنا نخشى عليهم الضيعة إن نزلنا وتركناهم وإنا لنكره أن تفوتنا هذه الليلة فهل لكم أن نرسل إلى رسول
211

الله صلى الله عليه وسلم نذكر له هذا ونسأله أن يأمرنا بليلة ننزلها قالوا نعم قال عبد الله بن أنيس فأرسلوني وكنت أحدث القوم فجئت إلى رسول الله (164) صلى الله عليه وسلم فسألته أن يأمرنا بليلة ننزلها فقال انزلوا ليلة ثلاث وعشرين فكان عبد الله بن أنيس ينزل تلك الليلة فإذا أصبح رجع ورواه يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهادي
عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الرحمان بن كعب بن مالك عن عبد الله بن أنيس نحوه بمعناه كذا قال عبد الرحمان بن كعب بن مالك ورواه عبد الله بن قدامة الجمحي عن عبد الله بن عبد الرحمان فأخطأ فيه وأظنه لم يسمعه منه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد ابن عبد الواحد ومحمد بن إسماعيل الترمذي قالا حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب حدثنا يزيد بن الهادي أن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أخبره عن عبد الرحمان بن كعب بن مالك عن عبد الله بن أنيس قال كنا بالبادية فقلنا إن قدمنا بأهلنا شق علينا وإن خلفناهم أصابتهم ضيعة قال فبعثوني وكنت أصغرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له قولهم فأمرنا بليلة ثلاث وعشرين قال ابن الهادي وكان (165) محمد بن إبراهيم يجتهد تلك الليلة وقد روى عبد الله بن عباس في هذا الباب بإسناد صحيح أيضا حديثا يشبه أن يكون حديث عبد الله بن أنيس هذا حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن صالح القرئ قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا معاذ بن هشام حدثنا
212

أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام فمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر فقال عليك بالسابعة قال أبو عمر يريد سابعة تبقى والله أعلم وذلك محفوظ في حديث ابن عباس إذ ذكر ما خص الله على سبع من خلقه ثم قال وما أراها إلا ليلة ثلاث وعشرين لسبع بقين وقد ذكرنا هذا الخبر في باب حميد الطويل (166) وقد مضى القول في ذلك وفي سائر معاني هذا الباب مستوعبا ممهدا مبسوطا هناك فلا وجه لتكرير ذلك ههنا أخبرنا محمد بن عبد المالك وعبيد بن محمد قالا حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثني محمد بن إسحاق عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن أبيه عن عبد الله بن عبد الله بن حبيب قال وكان رجلا في زمن عمر بن الخطاب قال جلس إلينا عبد الله بن أنيس في مجلس حسبته قال في آخر رمضان فقلنا له يا أبا يحيى (167) هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة من شيء قال جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الشهر فقلنا له يا نبي الله متى نلتمس هذه الليلة المباركة لمساء قال التمسوها لمساء ثلاث وعشرين فقال له رجل من القوم فهي إذن أولى ثمان فقال إنها ليست بأولى ثمان ولكنها أولى سبع إن الشهر لا يتم
213

قال ابن سنجر وحدثنا أبو صالح حدثني الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن إسحاق عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن عبد الله بن حبيب عن عبد الله بن أنيس أنه سئل عن ليلة القدر فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التمسوها الليلة وتلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين فقال رجل يا رسول الله هي إذن أولى ثمان فقال بل أولى سبع إن الشهر لا يتم وحدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال بينا أنا نائم في رمضان فقيل لي إن الليلة ليلة القدر فقمت وأنا ناعس فتعلقت ببعض أطراف فسطاط رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنظرت في الليلة فإذا ليلة ثلاث وعشرين قال وقال ابن عباس إن الشيطان يطلع مع الشمس كل يوم إلا ليلة القدر وذلك أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها قال أبو عمر يقال إن ليلة الجهني معروفة بالمدينة ليلة ثلاث وعشرين وحديثه هذا مشهور عند خاصتهم وعامتهم وروى ابن جريج هذا الخبر لعبد الله بن أنيس وقال في آخره فكان الجهني يمسي تلك الليلة يعني ليلة ثلاث وعشرين في المسجد فلا يخرج منه حتى يصبح ولا يشهد شيئا من رمضان قبلها ولا بعدها ولا يوم الفطر وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد قال كان ابن عباس ينضح على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين (168)
214

وعن ابن جريج قال أخبرني يونس بن يوسف (169) أنه سمع سعيد بن المسيب يقول استقام ملأ القوم على أنها لثلاث وعشرين يعني في ذلك العام (170) والله أعلم وفي سياقة هذا الخبر ما يدل على ذلك وقد ذكرناه بتمامه في باب حميد الطويل من هذا الكتاب (171) وذكر عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود قال كانت عائشة توقظ أهلها ليلة ثلاث وعشرين (172) وعن محمد بن راشد عن مكحول أنه كان يراها ليلة ثلاث وعشرين فحدثه الحسن بن الحر عن عبدة بن أبي لبابة أنه قال هي ليلة سبع وعشرين وأنه قد جرب ذلك بأشياء وبالنجوم فلم يلتفت مكحول إلى ذلك (173) وعن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رأيت في النوم ليلة القدر كأنها ليلة سابعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرى رؤياكم قد تواطأت إنها في ليلة سابعة فمن كان متحريها منكم فليتحرها في ليلة سابعة قال معمر فكان أيوب يغتسل في ليلة ثلاث وعشرين ويمس طيبا (174) أخبرنا سعيد بن سيد وأحمد بن عمر قالا حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أحمد بن عمرو قال
215

حدثنا رشدين بن سعد عن زهرة بن معبد (175) قال أصابني احتلام في أرض العدو وأنا في البحر ليلة ثلاث وعشرين في رمضان قال فذهبت لأغتسل قال فزلقت فسقطت في الماء فإذا الماء عذب فأذنت أصحابي وأعلمتهم أني في ماء عذب قال أبو عمر أفردنا في هذا الباب أقوال القائلين بأنها ليلة ثلاث وعشرين على ما في حديث عبد الله بن أنيس المذكور في هذا الباب وقد مضى في باب حميد الطويل من هذا الكتاب (176) شفاء في هذا المعنى وما في ذلك من مذاهب العلماء ممهدا والحمد لله كثيرا
حديث ثاني عشر لأبي النضر مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أمرت أن يمر عليها سعد بن أبي وقاص في المسجد حين مات لتدعو له فأنرك ذلك (177) الناس عليها فقالت عائشة ما أسرع الناس ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد (178)
216

هكذا هو في الموطأ عند جمهور الرواة منقطعا ورواه حماد بن خالد الخياط عن مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة فانفرد بذلك عن مالك حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا محمد بن خديمة الواسطي حدثنا حماد بن خالد الخياط عن مالك وعبد العزيز بن أبي
سلمة عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة قالت ما أسرع الناس إلى الشر ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا البغوي قال حدثني جدي أحمد بن منيع قال حدثنا حماد ابن خالد الخياط قال حدثنا مالك عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة قالت ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد وكذلك رواه الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هارون بن عبد الله قال حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك يعني ابن عثمان عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة قالت والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه (179) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا فليح بن سليمان عن صالح عن ابن عجلان ومحمد بن عبد الله بن عباد عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد
217

قال أبو عمر أما قول عائشة في هذا الحديث ما أسرع الناس ففيه عندهم قولان أحدهما ما أسرع النسيان إلى الناس أو ما أسرع ما نسي الناس والقول الآخر ما أسرع الناس إلى إنكار ما لا يعرفون أو إنكار ما لا يحب أو إنكار ما قد نسوه أو جهلوه أو ما أسرع الناس إلى العيب والطعن ونحوه هذا ثم احتجت عليهم بالحجة اللازمة لهم إذ أنكروا عليها أمرها بأن يمر بسعد عليها فيصلي عليه في المسجد وكان سعد بن أبي وقاص هذا قد مات في قصره بالعقيق على (180) عشرة أميال من المدينة فحمل إلى المدينة على رقاب الرجال ودفن بالبقيع وقد ذكرنا خبره في بابه من كتاب الصحابة (181) وكان سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد قد عهدا أن يحملا من العقيق إلى البقيع مقبرة المدينة فيدفنا بها وذلك والله أعلم لفضل علموه هناك فإن فضل المدينة غير منكور ولا مجهول ولو لم يكن إلا مجاورة الصالحين والفضلاء من الشهداء وغيرهم وليس هذا مما اجتمع عليه العلماء ألا ترى أن مالكا ذكر عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ما أحب أن أدفن في البقيع (182) لأن أدفن في غيره أحب إلي ثم بين العلة مخافة أن ينبش له عظام رجل صالح أو يجاور فاجرا وهذا يستوي فيه البقيع وغيره ولو كان له فضل عنده لأحبه والله أعلم وقد يستحسن الإنسان أن يدفن بموضع قرابته وإخوانه وجيرانه لا لفضل ولا لدرجة وقد كان عمر رضي الله عنه يقول اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك ووفاة ببلد رسولك وهذا يحتمل
218

الوجهين مذهب سعد وسعيد ومذهب عروة والأظهر فيه تفضيل البلد (183) والله أعلم وقد احتج قوم بهذا الحديث في إثبات عمل المدينة وأن العمل أولى من الحديث عندهم لأنهم أنكروا على عائشة ما روته لما استفاض عندهم واحتج آخرون بهذا الخبر في دفع الاحتجاج بالعمل بالمدينة وقالوا كيف يحتج بعمل قوم تجهل السنة بين أظهرهم وتعجب أم المؤمنين من نسيانهم لها أو جهلهم وإنكارهم لما قد صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنه فيها وصنعه الخلفاء الراشدون وجلة الصحابة بعده وقد صلي على أبي بكر وعمر في المسجد قالوا فكيف يصح مع هذا ادعاء عمل أو كيف يسوغ الاحتجاج به وكثير ما كان يصنع عندهم مثل هذا حتى يخبره الواحد بما عنده في ذلك فينصرفوا (184) إليه وقالوا ألا ترى أن عائشة أم المؤمنين لم تر إنكارهم حجة وإنما رأت الحجة فيما علمته من السنة قال أبو عمر القول في هذا الباب يتسع وقد أكثر فيه المخالفون وليس هذا موضع تلخيص حججهم وللقول في ذلك موضع غير هذا وأما اختلاف الفقهاء في الصلاة على الجنائز في المسجد فروى ابن القاسم عن مالك أنه قال لا يصلى على الجنائز (185) في المسجد ولا يدخل بها المسجد قال وإن صلي عليها عند باب المسجد وتضايق الناس وتزاحموا فلا بأس أن يكون بعض الصفوف في المسجد وقد قال في كتاب الاعتكاف من المدونة في صلاة المعتكف على
219

الجنازة في المسجد ما يدل على أنه معروف عندهم الصلاة على الجنازة في المسجد قال ابن نافع قال مالك في المعتكف وإن انتهى إليه زحام الناس الذين يصلون على الجنازة وهو في المسجد فإنه لا يصلى عليها (186) وهو قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن إنه لا يصلى على الجنائز في المسجد وأجاز ذلك أبو يوسف وقال الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود لا بأس أن يصلى على الجنائز في المسجد من ضيق وغير (187) ضيق على كل حال وهو قول عامة أهل الحديث واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابني بيضاء في المسجد وأن أبا بكر صلي عليه في المسجد وأن عمر صلي عليه في المسجد ومن حجة داود في ذلك أن الله لم ينه عن ذلك ولا رسوله ولا اتفق الجميع عليه والأصل إباحة فعل الخير في كل موضع إلا موضع تقوم بالمنع من ذلك فيه حجة لا معارض لها وحجة من قال بقول مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه صلى على غير ابن (188) بيضاء في المسجد وأن إنكار من أنكره على عائشة لا يكون إلا لأصل عندهم لأنهم يستحيل عليهم أن يروا رأيهم حجة عليها واحتجوا من الأثر بما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قالا حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن ابن أبي ذئب قال حدثني
220

صالح مولى التوءمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له (189) وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال حدثنا اليغوي قال حدثنا علي بن الجعد أخبرنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوءمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له قال البغوي وقد روى هذا الحديث سفيان الثوري عن ابن أبي ذئب حدثني به أحمد بن محمد القاضي حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن ابن أبي ذئب عن صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى على جنازة في المسجد فليس له أجر واحتج من ذهب مذهب مالك بحديث صالح مولى التوءمة هذا مع ما ذكرنا من إنكار من أنكر ذلك على عائشة وقال الآخرون أما رواية أبي حذيفة عن الثوري لهذا الحديث وقوله فيه فليس له أجر فخطأ لا أشكال فيه ولم يقل أحد في هذا الحديث ما قاله أبو حذيفة قالوا والصحيح في هذا الحديث ما قاله يحيى القطان وسائر رواة هذا الحديث عن ابن أبي ذئب بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم (190) وذلك قوله من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له هذا هو الصحيح في هذا الحديث قالوا ومعنى قوله لا شيء له يريد لا شيء عليه قالوا وهذا صحيح معروف في لسان العرب قال الله عز
221

وجل إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها (191) بمعنى فعليها ومثله كثير قالوا وصالح مولى التوءمة من أهل العلم بالحديث من لا يقبل شيء من حديثه لضعفه ومنهم من يقبل من حديثه ما رواه ابن أبي ذئب عنه خاصة لأنه سمع منه قبل الاختلاط ولا خلاف أنه اختلط فكان لا يضبط ولا يعرف ما يأتي به ومثل هذا ليس بحجة فيما انفرد به وليس يعرف هذا الحديث من غير روايته البتة فإن صح فمعناه ما ذكرنا وبالله توفيقنا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد ابن زهير قال حدثنا إبراهيم بن عرعرة قال حدثنا سفيان بن عيينة قال لقينا صالحا مولى التوءمة وهو مختلط قال أبو عمر حديث عائشة صحيح نقله الثقات من وجهين صحيحين وحديث أبي هريرة انفرد به صالح بن أبي صالح مولى التوءمة وليس بحجة لضعفه ولو صح حديثه لم يكن فيه حجة للتأويل الذي ذكرنا وعلى هذا التأويل لا يكون معارضا لحديث عائشة وهو أولى ما حملت عليه الأحاديث (التي جاءت معارضة له) (192) ويدل على صحة ذلك أن أبا بكر صلى عليه عمر في المسجد وصلى صهيب على عمر في المسجد بمحضر جلة الصحابة من غير نكير منهم وليس من أنكر ذلك بعدهم بحجة عليهم فصار بما ذكر هنا سنة يعمل بها قديما فلا يجوز مخالفتها وبالله التوفيق
222

قال أبو عمر احتج بعض من لا يرى الصلاة في المسجد على الجنائز (193) من أصحابنا بحديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس إلى المصلى حين صلى على النجاشي قال فالخروج بالجنازة إلى الجنازة أحرى بذلك ولا يصلى عليها في المسجد قال وإنما صلي على أبي بكر وعمر في المسجد لأنهما دفنا فيه وهذا لا يلزم إلا لمن قال لا يصلى على الجنائز إلا في المسجد ولم يقله أحد وأما من قال يصلى عليها في المسجد وفي غير المسجد فغير لازم له ما ذكر من ذكرنا قوله وقد مضى القول في هذا المعنى في باب ابن شهاب من هذا الكتاب والحمد لله وأن أولى الناس بإجازة الصلاة في المسجد على الجنازة من زعم أن الثوب الذي يجفف فيه الميت ويغسل طاهر يستغنى عن الغسل
حديث ثالث عشر لأبي النضر مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات عثمان بن مظعون ومر بجنازته ذهبت ولم تلبس منها بشيء (194) هكذا هو في الموطأ عند جماعة الرواة مرسلا مقطوعا لم يختلفوا في ذلك عن مالك وقد رويناه متصلا مسندا من وجه صالح حسن
223

أخبرنا سعيد بن عثمان قال أخبرنا أحمد بن دحيم بن خليل قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت لما مات عثمان بن مظعون كشف النبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه وقبل بين عينيه وبكى بكاء طويلا فلما رفع على السرير قال طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها قال أبو عمر روى الثوري عن عاصم بن عبيد الله عن القاسم عن عائشة قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت حتى رأيت دموعه تسيل على خده وروى الثوري أيضا عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس وعائشة أن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت وأما قوله ذهبت ولم تلبس منها بشيء فكان عثمان بن مظعون أحد الفضلاء العباد الزاهدين في الدنيا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المتبتلين منهم وقد كان هو وعلي بن أبي طالب هما أن يترهبا ويتركا النساء ويقبلا على العبادة ويحرما طيب الطعام على أنفسهما فنزلت * (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * 195 الآية ذكر معمر وغيره عن قتادة في هذه الآية قال نزلت في علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون أرادوا (196) أن يقلوا من الدنيا ويتركوا النساء ويترهبوا
224

وذكر ابن جريج عن مجاهد قال أراد رجال منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمر إن يتبتلوا أو يخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح فنزلت هذه الآية إلى قوله * (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) * 197 قال ابن جريج وقال عكرمة إن علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون وابن مسعود والمقداد بن عمرو وسالما مولى أبي حذيفة تبتلوا وجلسوا في البيوت واعتزلوا النساء ولبسوا المسوح وحرموا طيبات الطعام واللباس وهموا بالاخصاء وأدمنوا القيام بالليل وصيام النهار فنزلت * (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم) * الآية يعني النساء والطعام واللباس وقال محمد بن المنكدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أبد لنا بالرهبانية الجهاد والتكبير على كل شرف من الأرض وذكر سنيد حدثنا معمر ابن سليمان عن إسحاق بن سويد عن أبي فاختة مولى جعدة بن هبيرة قال كان عثمان بن مظعون يريد أن ينظر هل يستطيع السياحة وكانوا يعدون السياحة صيام النهار وقيام الليل ففعل ذلك حتى تركت المرأة الطيب والمعصفر والخضاب والكحل فدخلت على بعض أمهات المؤمنين ورأتها عائشة فقالت ما لي أراك كأنك مغيبة فقالت إني مشهدة كالمغيبة فعرفت ما عنت فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله إن امرأة عثمان دخلت علي فلم ار بها كحلا ولا طيبا ولا صفرة ولا خضابا فقلت مالي أراك كأنك مغيبة فقالت إني مشهدة كالمغيبة فعرفت ما عنت فأرسل إلى عثمان فقال يا عثمان أتؤمن بما تؤمن قال نعم بأبي أنت وأمي قال إن كنت تؤمن بما تؤمن فأسوة لك بنا وأسوة ما لدينا
225

قال إسحاق بن سويد فأتيت خراسان فصادفت يحيى بن معمر يحدث القوم بهذا الحديث لم يدع منه حرفا غير أنه قال في آخر حديثه إن كنت تؤمن بما تؤمن فاصنع كما نصنع قال ذلك مرتين حدثنا أحمد بن قاسم وأحمد بن محمد وسعيد بن نصر قالوا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا رشدين بن سعد قال حدثني ابن أنعم عن سعد ابن مسعود أن عثمان بن مظعون أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ائذن لي في الاختصاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من اختصى إن خصا أمتي الصيام قال يا رسول الله ائذن لنا في السياحة قال إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله قال يا رسول الله ائذن لنا في الترهب قال إن ترهب أمتي الجلوس في المساجد انتظار الصلاة أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعد قراءة مني عليه أن أحمد بن مطرف حدثهم قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن خارجة بن زيد قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة استهم المسلمون المنازل فطار سهم عثمان على امرأة منها يقال لها أم العلاء فلما حضرته الوفاة قالت شهادتي عليك أبا السائب أن الله قد أكرمك قال لها رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنا رسول الله ما أدري ما يفعل بي ولا به ولكن قد أتاه اليقين فنحن نرجو له الخير فشق ذلك على المسلمين مشقة شديدة وقالوا عثمان في فضله وصلاحه يقال له هذا فلما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أهله قال رد على سلفنا عثمان بن مظعون فقالوا سلف رسول الله صلى الله عليه وسلم السلف الصالح قالت أم العلاء لا أزكي بعده أحدا أبدا
226

قال أبو عمر اختلف العلماء في معنى قول الله عز وجل * (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) * 198 فقال منهم قائلون ذلك في الدنيا وأحكامها نحو الاختبار بالجهاد والفرائض من الحدود والقصاص وغير ذلك وقالوا لا يجوز غير هذا التأويل لأن الله قد أعلم ما يفعل به وبالمؤمنين وما يفعل بالمشركين بقوله * (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) * 199 وقوله * (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) * 200 وقوله * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) * 201 وقوله * (إني على بينة من ربي وكذبتم به) * 202 وروى وكيع عن أبي بكر الهذلي عن الحسن في قوله * (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم) * قال في الدنيا وقال آخرون بل ذلك على وجهه في أمر الدنيا وفي ذنوبه وما يختم له من عمله حتى نزلت * (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * 203 ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس وهذا معنى تفسير قتادة والضحاك والكلبي وروى مثله يزيد بن إبراهيم التستري عن الحسن
227

حديث رابع عشر لأبي النضر مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لشهداء أحد هؤلاء أشهد عليهم فقال أبو بكر الصديق ألسنا يا رسول الله بإخوانهم أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي قال فبكى أبو بكر وقال أئنا لكائنون بعدك (204) هذا الحديث مرسل هكذا منقطع عند جميع الرواة للموطأ ولكن معناه يستند من وجوه صحاح كثيرة ومعنى قوله أشهد عليهم أي أشهد لهم بالإيمان الصحيح والسلامة من الذنوب الموبقات ومن التبديل والتغيير والمنافسة في الدنيا ونحو ذلك والله أعلم وفيه من الفقه دليل على أن شهداء أحد ومن مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله أفضل من الذين تخلفهم بعده والله أعلم وهذا عندي في الجملة المحتملة للتخصيص لأن من أصحابه من (205) أصاب من الدنيا بعده وأصابت منه وأما الخصوص والتعيين فلا سبيل إليه إلا بتوقيف يجب التسليم له وأما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تخلفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده فأفضلهم أبو بكر وعمر على هذا جماعة علماء المسلمين إلا من شذ وقد قالت طائفة كثيرة من أهل العلم إن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر لم يستثنوا من مات قبله ممن مات بعده
228

وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لشهداء أحد انا أشهد لهؤلاء أو أنا شهيد لهؤلاء ونحو هذا فقد روي هذا اللفظ ومعناه من وجوه أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال سفيان وثبته معمر عن ابن أبي الصعير قال أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد فقال إني قد شهدت على هؤلاء فزملوهم بكلومهم ودمائهم أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا عمرو بن خالد حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها (206) حدثنا عبد الرحمان بن يحيى حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا محمد بن ربان حدثنا محمد بن رمح حدثنا الليث بن سعد حدثني ابن شهاب عن عبد الرحمان بن كعب عن جابر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ثم يقول أيهم أكثر أخذا للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الواحد قال حدثنا سليمان بن
229

سلمة قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثني أسامة بن زيد قال أخبرني أبن شهاب الزهري عن أنس بن مالك قال لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد وقال أنا الشاهد عليكم اليوم وكان يجمع بين الثلاثة نفر والاثنين ثم يسأل أيهما أكثر قرآنا فيقدمه في اللحد ويكفن الرجلين والثلاثة في الثوب الواحد قال أبو عمر اختلف على ابن شهاب في هذا الحديث اختلافا كثيرا (207) ورواية الليث عندهم بالصواب أولى وأخبرنا خلف بن القاسم قال حدثنا ابن أبي العقب حدثنا أبو زرعة حدثنا الحكم بن نافع أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري أخبرني أيوب من بشير الأنصاري عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج تلك الخرجة استوى على المنبر فتشهد فلما قضى تشهده كان أول كلام تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا يوم أحد ثم قال إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا وبين ما عند ربه فاختار ما عند ربه ففطن بها أبو بكر الصديق أول الناس وعرف إنما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فبكى أبو بكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم على رسلك سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر فإني لا أعلم امرءا أفضل عندي يدا في = الصحبة من أبي بكر
230

حديث خامس عشر لأبي النضر مرسل مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن يسار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى (208) لم يختلف عن مالك في إسناده هذا الحديث وإرساله وعند مالك في هذا المعنى حديثه عن يزيد بن الهادي عن أبي مرة عن عمرو بن العاصي متصل مسند وفي هذا الباب آثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق شتى فأما حديث سليمان بن يسار هذا فرواه الثوري عن أبي النضر وعبد الله ابن أبي بكر عن سليمان ابن يسار عن عبد الله بن حذافة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمان بن مهدي عن سفيان عن سالم أبي النضر وعبد الله بن أبي بكر عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب قال عبد الرحمان وقرأته على مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام منى قال ابن مهدي وما أراه إلا
أثبت من حديث سفيان وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال سئل يحيى بن معين عن حديث عبد الرحمان بن مهدي عن سفيان عن عبد الله بن أبي بكر وسالم أبي النضر عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي أيام التشريق أنها أيام أكل وشرب فقال مرسل
231

قال أبو عمر هذا وإن كان مرسلا فإنه حديث يتصل من غير ما وجه ويتصل حديث عبد الله بن حذافة من رواية ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا صالح قال حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر لله أخبرنا عبد الوارث حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا موسى ابن معاوية ومحمد بن سليمان قالا حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير عن بشر بن سحيم الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في أيام التشريق فقال لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة مسلمة وإن هذه أيام أكل وشرب ورواه أبو إسحاق السبيعي عن حبيب بن أبي ثابت بإسناده مثله وأخبرنا قاسم بن محمد حدثنا خالد بن سعد حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور حدثنا ابن سنجر حدثنا إسماعيل بن عبد المالك الربعي حدثنا إبراهيم ابن طهمان عن أبي الزبير عن ابن كعب بن مالك عن أبيه كعب بن مالك أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان في أيام التشريق فنادى لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأيام منى أيام أكل وشرب وروى محمد بن يحيى بن حبان عن أم الحرث بنت عياش بن أبي ربيعة أنها رأت بديل بن ورقاء يطوف على جمل على أهل المنازل بمنى يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم أن تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب
232

وروى سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بديل بن ورقاء الخزاعي فذكر مثله وزاد فيه وقال قال أبو عمر لا خلاف بين العلماء أن أيام منى هي الأيام المعدودات التي ذكر الله عز وجل في قوله * (واذكروا الله في أيام معدودات) * (209) وهي أيام التشريق وأن هذه الثلاثة الأسماء واقعة عليها وقد ذكرنا اختلاف العلماء في أيام الذبح وهي الأيام المعلومات في باب يحيى بن سعيد وذكرنا معنى أيام التشريق في باب يزيد بن الهادي وأيام منى هي أيام رمي الجمار بمنى وهي واقعة بإجماع على الثلاثة الأيام التي يتعجل الحاج منها في يومين بعد يوم النحر فأيام منى ثلاثة بإجماع وهي أيام التشريق وهي الأيام المعدودات فقف على ذلك ومما يدلك على أنها ثلاثة قول العرجي
* ما نلتقي إلا ثلاث منى
* حتى يفرق بيننا النفر
* وقال عروة بن أذينة
* نزلوا ثلاث منى بمنزل غبطة
* وهم على سفر (210) لعمرك ما همو
* وقال كثير بن عبد الرحمان
* تفرق أهواء الحجيج على منى
* وفرقهم صرف النوى مثنى أربع
*
233

قال أبو عمر من تعجل من الحاج في يومين من أيام منى صار مقامه بمنى (211) ثلاثة أيام بيوم النحر ومن لم ينفر منها إلا في آخر اليوم الثالث حصل له بمنى مقام أربعة أيام من أجل يوم النحر والتعجيل لا يكون أبدا إلا في آخر النهار وكذلك اليوم الثالث لأن الرمي في تلك الأيام إنما وقته بعد الزوال ومنى اسم لذلك الموضع يذكر عند أهل اللغة ويؤنث قال ابن الأنباري هو مشتق من منيت الدم إذا أصبته قال وقال أبو هفان يقال هو منى وهي منى فمن ذكره ذهب إلى المكان ومن أنثه ذهب إلى البقعة وتكتب في الوجهين جميعا بالياء وأنشد في تذكيره لبعض بني جمح
* سقى منى ثم رواه وساكنه
* ومن نوى فيه واهى الودق منبعق
* وأنشد في تأنيثها للعرجي
* ليومنا بمنى إذ نحن ننزلها
* أشد من يومنا بالعرج أو ملل
* وروى ابن جريج عن عطاء قال حد منى رأس العقبة مما يلي منى إلى المنحر قال ابن جريج حد منى إذا هبطت من وادي محسر فأصعدت في بطن المسيل فأنت في منى إلى العقبة عند جمرة العقبة وأجمع العلماء على أن صيام أيام منى لا يجوز تطوعا وأنها أيام لا يتطوع أحد بصيامهن وقد روى عن بعض الصحابة وبعض التابعين جواز صيامها تطوعا على ما ذكرنا عنهم في مراسيل ابن شهاب وذلك لا يصح وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن صيامها ولم يختلفوا أنها لا يتطوع أحد بصيامها واختلفوا في
234

صيامها للمتمتع إذا لم يجد هديا لقول الله عز وجل * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج) * (212) وهي من أيام الحج فمنهم من أجاز له صيامها إذا لم يصم قبل
يوم النحر ومنهم من لم يجز له ذلك لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها وحمل النهي في ذلك على العموم وجعلها كيوم الفطر ويوم النحر في تحريم الصيام وقد أوضحنا اختلافهم في = صيام أيام منى في باب يزيد بن الهادي وباب مرسل ابن شهاب والحمد لله
235

سهيل بن أبي صالح واسم أبي صالح ذكوان يقال له السمان ويقال له الزيات وهو مولى جويرية امرأة من غطفان قاله مصعب وغيره ولا خلاف بينهم في ذلك قال مصعب كان أبو صالح السمان قد قدم الكوفة في تجارة فروى عنه هناك الأعمش وروى عنه ابنه سهيل وتوفي أبو صالح بالمدينة سنة إحدى ومائة قال أبو عمر هو معدود في أهل المدينة وروى عنه جماعة من علمائها جلة مثل زيد ابن أسلم ويحيى بن سعيد وعبد الله بن دينار وغيرهم وكان أبو هريرة إذا رأى أبا صالح يقول ما ضر هذا أن لا يكون من بني عبد مناف وأما ابنه سهيل فروى عنه مالك والثوري وموسى بن عقبة ووهيب وابن عيينة والدراوردي وغيرهم وهو ثقة فيما نقل إلا أن يحيى بن معين كان يضعفه ولا حجة له في ذلك وقد روى عنه الأئمة واحتجوا به ولا يلتفت إلى قول ابن معين فيه وقد روى عباس الثوري عن ابن معين قال بنو أبي صالح سهيل وعباد وصالح كلهم ثقة وذكر العقيلي عن محمد بن عيسى عن محمد بن علي قال سمعت أحمد بن حنبل وقيل له سهيل بن أبي صالح كيف حديثه فقال صالح قيل له إن يحيى القطان يقدم محمد بن عمرو على سهيل فقال لم يكن له بسهيل علم وكان قد جالس محمد بن عمرو
236

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن سهيل بن أبي صالح ومحمد بن عمرو بن علقمة أيهما أحب إليك فقال ما أقربهما ثم قال سهيل أحب إلي وتوفي سهيل في أول خلافة (أبي) (1) جعفر المنصور (2) لمالك عنه في الموطأ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم عشرة أحاديث منها واحد مرسل يتصل من وجوه وسائر التسعة مسندة =
حديث أول لسهيل بن أبي صالح مالك عن سهيل بن أبي صالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحب الله العبد قال لجبريل يا جبريل قد أحببت فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادى في أهل السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض (الله) (3) العبد قال مالك لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك (4) لم يختلف الرواة فيما علمت عن مالك في هذا الحديث وقد رواه عن سهيل جماعة فبعضهم لم يشكوا وقطعوا في البغض بمثل ذلك وممن رواه كذلك عن سهيل بإسناده هذا وذكر البغض من غير شك معمر وعبد العزيز
237

ابن المختار وحماد بن سلمة قالوا في آخره وإذا أبغض بمثل ذلك ولم يشكوا ورواه ابن أبي سلمة عن سهيل فلم يذكر البغض أصلا حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله عبدا (5) قال يا جبريل إني أحب فلانا فأحبوه فينادي جبريل في السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فإذا أحبه أهل السماء أحبه أهل الأرض وقد روى نافع مولى ابن عمر عن أبي هريرة الحديث (6) بمثل ذلك لم يذكر البغض حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريج قال أخبرنا موسى بن عقبة عن نافع أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله العبد نادى جبريل عليه السلام إن الله قد أحب فلانا فاحبه (7) فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض وذكر (8) سنيد عن حجاج عن ابن جريج بإسناده مثله إلى آخره سواء في هذا الحديث من العلم والفقه أن الله عز وجل في السماء ليس في الأرض وأن جبريل أقرب الملائكة إليه وأحظاهم عنده صلى الله عليه وسلم
238

وفيه أن الود والمحبة بين الناس الله يبتدئها ويبسطها والقرآن يشهد بذلك قال الله عز وجل * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) * 9 قال المفسرون يحبهم ويحببهم إلى الناس ذكر سنيد عن حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله * (سيجعل لهم الرحمن ودا) * قال يحبهم ويحببهم إلى الناس قال وحدثنا علي بن هاشم عن أبن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال يحبهم ويحببهم وقال عز وجل فيما يعدد من نعمته على موسى نبيه ورسوله وكليمه عليه السلام * (وألقيت عليك محبة مني) * 10 ذكر ابن أبي شيبة عن حسين بن علي عن موسى بن قيس عن سلمة بن كهيل * (وألقيت عليك محبة مني) * قال حببتك إلى عبادي وذكر سنيد حدثنا حجاج عن أبي جعفر عن الربيع بن انس قال إذا أحب الله عبدا ألقى له مودة في قلوب أهل السماء ثم ألقى له مودة في قلوب أهل الأرض قال وحدثنا حماد بن زيد عن هشام عن حفصة بنت سيرين عن ربيع بن زياد عن كعب قال والله ما استقر لعبد ثناء في أهل الدنيا حتى يستقر له في السماء (11) قال وحدثني شيخ عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الله ابن رباح عن كعب قال قرأت في التوراة أنه لم تكن محبة لأحد من أهل الأرض إلا كان بدؤها من الله ينزلها على أهل السماء ثم ينزلها على أهل
239

الأرض ثم قرأت القرى فوجدت فيه * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) * حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا ابن المغني حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى قال كتب أبو الدرداء إلى مسلمة بن مخلد وهو أمير على مصر أما بعد فإن العبد إذا عمل بطاعة الله أحبه الله فإذا أحبه الله حببه إلى خلقه وإذا عمل بمعصية الله أبغضه الله وإذا أبغضه الله بغضه إلى خلقه قال أبو عمر هذا كلام خرج على العموم ومعناه الخصوص أي حبب أهل الطاعة إلى أهل الإيمان وبغض إليهم أهل النفاق والصعيان ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم القلوب أجناد مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف وقال سعيد بن أبي عروبة وشيبان عن قتادة قال قال هرم بن حبان ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان عليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم وقال عبد الله بن مسعود لا تسألن أحدا عن وده إياك ولكن انظر ما في نفسك له فإن في نفسه مثل ذلك إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا خالد بن مخلد حدثنا موسى بن يعقوب قال حدثنا
سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرواح جنود مجندة تطوف بالليل فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف (12)
240

حديث ثان لسهيل مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رجلا من أسلم قال ما نمت الليلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم (13) قال لدغتني عقرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك إن شاء الله (14) وروى ابن وهب هذا الحديث عن مالك بإسناده مثله إلا أنه قال في آخره لم يضرك شيء قال ابن وهب وحدثني سعيد بن عبد الرحمان الجمحي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك قال وقال سهيل فوالله لربما قلتها فضربتني فما بمنعني ذلك من حضور العشاء قال سعيد وبلغني أنه من = قال حين يمسي سلام على نوح في العالمين لم تلدغه عقرب وفي هذا الحديث من الفقه أيضا أن كلام الله عز وجل غير مخلوق وعلى ذلك أهل السنة أجمعون وهم أهل الحديث والرأي في الأحكام ولو كان كلام الله أو كلمات الله مخلوقة ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا أن يستعيذ بمخلوق دليل ذلك قول الله عز وجل * (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) * 15
241

وفيه إباحة الرقى بكتاب الله أو ما كان في معناه من ذكر الله وفي ذلك دليل على إباحة المعالجة والتطبب والرقى وقد مهدنا هذا المعنى في باب زيد ابن أسلم وتكرر في مواضع من هذا الكتاب والحمد لله
حديث ثالث لسهيل بن أبي صالح مالك عن سهيل بن أبي صالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيت الرجل يقول هلك الناس فهو أهلكهم (16) هذا معناه عند أهل العلم أن يقولها الرجل احتقارا للناس وإزراء عليهم وإعجابا بنفسه وأما إذا قال ذلك تأسفا وتحزنا وخوفا عليهم لقبح ما يرى من أعلمالهم فليس ممن عني بهذا الحديث والفرق بين الأمرين أن يكون في الوجه الأول راضيا عن نفسه معجبا بها حاسدا لمن فوقه محتقرا لمن دونه ويكون في الوجه الثاني ماقتا لنفسه موبخا لها غير راض عنها روينا عن أبي الدرداء رحمه الله أنه قال لن يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس كلهم في ذات الله ثم يعود إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن صدقة بن يزيد عن صالح بن خالد قال إذا أردت أن تعمل من الخير شيئا فأنزل الناس منزلة البقر إلا أنك لا تحقرهم
242

قال أبو عمر معنى هذا والله أعلم أي لا تلتمس من أحد فيه شيئا غير الله وأخلص عملك له وحده كما أنك لو اطلع عليك البقر وأنت تعمله لم ترج منها عليه شيئا فكذلك لا ترجو من الآدميين ثم بين لك المعنى فقال إلا أنك لا تحقرهم وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا حكام عن أبي سنان عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره إنما الكبر من غمط الحق وحقر الناس هكذا قال وحقر الناس وذكر ابن المبارك عن عبد الله بن مسلم بن يسار عن أبيه قال إذا لبست ثوبا فظننت أنك في ذلك الثوب أفضل منك في غيره فبئس الثوب هو لك وقال مسلم بن يسار كفى بالمرء من الشر أن يرى أنه أفضل من أخيه
حديث رابع لسهيل مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير (17) لم يختلف الرواة عن مالك في شيء من هذا الحديث ولا اختلف على سهيل في ذلك أيضا وقد روى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من
243

أصحابه منهم عبد الرحمان بن سمرة وأبو موسى الأشعري وعدي بن حاتم وأبو هريرة إلا أنهم اختلف عن جميعهم في هذا الحديث في الكفارة قبل الحنث أو الحنث قبل الكفارة فروي عن كل واحد منهم الوجهان جميعا واختلف الفقهاء في جواز الكفارة قبل الحنث على ما نذكره في هذا الباب بعد ذكر ما حضرني من الآثار فيه وأجمعوا على أن الحنث قبل الكفارة مباح حسن جائز وهو عندهم أولى حدثنا خلف بن القاسم رحمه الله قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا عبيد الله بن محمد العمري وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قالا (18) حدثنا إبراهيم ابن حمزة الزبيري حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري عن عبد الرحمان بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عبد الرحمان بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن تعطها عن مسألة لا تعان عليها وإن تعطها عن غير مسألة تعان عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت (غيرها (19) خيرا منها فكفر عن يمينك وأئت الذي هو خير منها فهذا على مثل ما في حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة جواز تقديم الكفارة على الحنث وحدثنا خلف بن القاسم حدثنا الحسين بن جعفر بن إبراهيم الزيات أبو أحمد قال حدثنا يوسف بن يزيد قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا هشيم قال أخبرنا يونس ومنصور وحميد عن الحسن عن عبد الرحمان بن سمرة القرشي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الرحمان بن سمرة إذا آليت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير وكفر عن
244

يمينك قال ولا تسألن الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها أو وكلت فيها إلى نفسك وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ففي هذا الحديث عن عبد الرحمان بن سمرة خلاف ما تقدم وأظن ذلك والله أعلم لأن (20) الحديث الأول من رواية أهل المدينة عن أهل البصرة فجاءوا به على مذهبهم في ذلك والحديث الثاني من رواية أهل البصرة بعضهم عن بعض فجاءوا به على مذهبهم أيضا ورواية أهل المدينة في هذا أثبت وأكثر وما أظن حديث هشيم هذا إلا وهما لأن عبيد الله بن عمر أثبت منه وقد روى حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن خلاف ما رواه هشيم عن يونس ورواية حماد بن سلمة توافق رواية عبيد الله بن عمر وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا حماد بن سلمة عن يونس وحميد وثابت وحبيب عن الحسن عن عبد الرحمان بن سمرة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال يا عبد الرحمان بن سمرة إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير فهؤلاء كلهم على تقديم الكفارة قبل الحنث وكذلك رواه قتادة عن الحسن عن عبد الرحمان بن سمرة ذكره أبو داود عن يحيى بن خلف عن عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة وكذلك رواه سليمان التيمي عن الحسن عن عبد الرحمان بن سمرة حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مضر قال حدثنا أمية بن بسطام قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي
245

وكذلك رواه قرة بن خالد عن الحسن عن عبد الرحمان بن سمرة حدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا قرة وكذلك رواه حماد بن زيد عن يونس وهشام وسماك بن عطية عن الحسن عن عبد الرحمان بن سمرة سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا محمد بن عبيد حدثنا حماد بن زيد ورواه ابن عون عن الحسن عن عبد الرحمان بن سمرة فجعل الحنث قبل الكفارة وأما رواية أبي موسى الأشعري فأحسن ما فيها وأصحه تقديم الكفارة قبل الحنث حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد قال حدثنا غيلان بن جرير عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير أو قال أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني (21) قال أبو داود أحاديث أبي موسى الأشعري وعدي بن حاتم وأبي هريرة كذا روى عن كل واحد منهم في بعض الروايات الكفارة قبل الحنث وفي بعض الروايات الحنث قبل الكفارة قال (22) وسمعت أحمد بن حنبل يقول إن شاء كفر بعد الحنث وإن شاء كفر قبل الحنث (23)
246

قال أبو عمر وعلى هذا مذهب مالك والشافعي وأصحابهما وهو الثابت في حديث عبد الرحمان بن سمرة وأبي هريرة وليس في هذا الباب أعلى منهما ولا تقدم الكفارة إلا في اليمين بالله خاصة وقال مالك وجمهور أصحابه إلا أشهب من كفر عن غيره بأمره أو بغير أمره أجزأه وقال أشهب لا يجزيه إذا كفر عنه بغير أمره لأنه لا نية للكفارة في تلك الكفارة واختاره الأبهري لأن الكفارة فرض لا يتأدى إلا بنية إليك أدائه وهذا قول الشافعي وأكثر الفقهاء وقد ذكرنا هذه المسألة في تكفير الرجل عن غيره في باب ربيعة من هذا الكتاب (24) وكان أبو حنيفة وأصحابه لا يجيزون الكفارة قبل الحنث لأنها إنما تجب بالحنث والعجب لهم أنهم لا تجب الزكاة عندهم إلا بتمام مرور الحول ويجيزون تقديمها قبل الحول من غير أن يروا في ذلك مثل هذه الآثار ويأبون من تقديم الكفارة قبل الحنث مع كثرة الرواية بذلك والحجة في السنة ومن خالفها محجوج بها والله المستعان وأما الأيمان فمنها ما يكفر بإجماع ومنها ما لا كفارة فيه بإجماع ومنها ما اختلف في الكفارة فيه فأما التي فيها الكفارة بإجماع من علماء المسلمين فهي اليمين بالله على المستقبل من الأفعال وهي تنقسم قسمين أحدهما أن يحلف بالله ليفعلن ثم لا يفعل والآخر أن يحلف أن لا يفعل في المستقبل أيضا ثم يفعل وأما التي لا كفارة فيها بإجماع فاللغو إلا أن العلماء اختلفوا في مراد الله من لغو المين التي لا يؤاخذ الله عباده بها ولم يوجب الكفارة فيها
247

فقال قوم هو أن يحلف الرجل على الماضي في الشيء يظن أكبر ظنه أنه كما حلف عليه وأنه صادق في يمينه ثم ينكشف له بخلاف (25) ذلك هذا قول روي معناه عن جماعة من السلف أخبرنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا دحيم حدثنا عبد الله بن نافع قال حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس عن أبي هريرة قال إذا حلف الرجل على الشيء لا يظن إلا أنه إياه فإذا ليس هو (26) فهو اللغو وليس فيه كفارة وروى ابن المبارك عن الحجاج عن الوليد بن العيزار عن عكرمة عن ابن عباس في قوله * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * 27 قال هو الرجل يحلف على الأمر يرى أنه كذلك وليس كذلك وجاء عن الحسن وإبراهيم وسليمان بن يسار ومجاهد وأبي مالك وزرارة بن أوفى مثل ذلك وإليه ذهب مالك وأصحابه والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأصحابه إلا أن مالكا وأصحابه يقولون إن اللغو أن يحلف على الشيء الماضي يوقن (28) أنه كما حلف عليه ولا يشك فيه فإن شك فيه فهي عندهم يمين غموس حينئذ لا كفارة فيها لعظم إثمها كاليمين الغموس الكاذبة سواء وقال آخرون اللغو قول الرجل لا والله وبلى والله وهو غير معتقد لليمين ولا مريد لها هذا قول عائشة وجماعة من التابعين وفقهاء المسلمين منهم الشافعي
248

واختلف عن ابن عباس في ذلك فروي عنه كقول أبي هريرة وروي عنه كقول عائشة وهو قول عطاء والشعبي والقاسم بن محمد وعكرمة والحسن البصري وقد روي عن ابن عباس في اللغو قول ثالث إن صح عنه قال لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان وقال مسروق اللغو من اليمين كل يمين في معصية وليس فيها كفارة وقال سعيد بن جبير هو تحريم الحلال مثل ان يحلف فيما لا ينبغي له أو يحرم شيئا هو له حلال فلا يواخذه الله بتركه ويؤاخذه إن فعله وأما التي اختلف في الكفارة فيها فهي اليمين الغموس وهي أن يحلف الرجل على الشيء الماضي وهو يعلم أنه كاذب في يمينه يتعمد (29) ذلك فذهب الأكثر من العلماء إلى أن لا كفارة فيها على ما ذكرنا في باب العلاء من كتابنا هذا وذهب قوم منهم الشافعي والأوزاعي إلى أن فيها الكفارة وقال ابن خواز بنداد حاكيا عن أصحاب مالك ومذهبه الأيمان عندنا ثلاثة لغو وغموس لا (30) كفارة فيهما ويمين معقودة فيما يستقبل فيها الاستثناء والكفارة قال وصفة اللغو أن يحلف الرجل على الماضي أو الحال في الشيء يظن أنه صادق ثم ينكشف له بخلاف ذلك فلا كفارة عليه قال والغموس هو أن يعمد للكذب في يمينه على الماضي قال ولا لغو في عتق ولا طلاق وإنما اللغو في اليمين بالله وفيها الاستثناء قال وقال أبو حنيفة والثوري والليث والطبري بقولنا أن لا كفارة الغموس قال وقال الأوزاعي والشافعي في الغموس الكفارة
249

وقال الشافعي اللغو سبق اللسان باليمين من غير قصد ولا اعتقاد وذلك سواء في الماضي والمستقبل قال الشافعي ولو عقد اليمين على شيء يظنه صدقا فانكشف له خلاف ذلك فإن عليه الكفارة وسواء في ذلك الماضي والمسقبل قال أبو عمر اختلاف السلف في اللغو على أربعة أقاويل أحدها قول مالك ومن قال بقوله في الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كذلك على ما تقدم وقال بعضهم هي اليمين في الغضب وقال بعضهم هي اليمين في المعصية وقال بعضهم هو قول الرجل لا والله وبلى والله من غير اعتقاد يمين وهو قول عائشة وابن عباس في رواية وإليه ذهب الشافعي وقال الثوري في جامعه وذكره المروزي عنه أيضا قال سفيان الثوري الأيمان أربعة يمينان
تكفران وهو أن يقول الرجل والله لا أفعل فيفعل أو يقول والله لأفعلن ثم لا يفعل ويمينان لا تكفران أن يقول والله ما فعلت وقد فعل أو يقول والله لقد فعلت وما فعل قال المروزي أما اليمينان الأوليان فلا اختلاف فيهما بين العلماء أنه على ما قال سفيان وأما اليمينان الأخريان فقد اختلف أهل العلم فيهما فإن كان الحالف على أنه لم يفعل كذا وكذا أو أنه قد فعل كذا وكذا عند نفسه صادقا يرى أنه على ما حلف عليه فلا أثم عليه في قول مالك وسفيان وأصحاب الرأي وكذلك قال أحمد وأبو عبيد وأبو ثور وقال الشافعي لا إثم عليه وعليه الكفارة قال المروزي وليس قول الشافعي في هذا بالقوي قال وإن كان الحالف على أنه لم يفعل كذا وقد
250

فعل كذا متعمدا للكذب فهو آثم ولا كفارة عليه في قول عامة العلماء مالك وسفيان وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وأبي ثور وأبي عبيد وكان الشافعي يقول يكفر قال وقد روي عن بعض التابعين مثل قول الشافعي قال المروزي أميل إلى قول مالك وسفيان وأحمد قال وأما يمين اللغو التي اتفق عامة العلماء على أنها لغو فهو قول الرجل لا والله وبلى والله في حديثه وكلامه غير معتقد لليمين ولا مريدها قال أبو عمر قد مضى من قوله وحكايته عن مالك وسفيان وأصحاب الرأي وأحمد وأبي عبيد وأبي ثور في معنى اللغو غير هذا والذي حكاه في الوجهين جميعا في اللغو صحيح والذي عليه أكثر العلماء ما ذكر آخرا وهو قول عائشة وابن عباس وقد مضى في اليمين الغموس من كشف مذهب الشافعي وسائر العلماء في ذلك ما فيه كفاية وبيان في باب العلاء بن عبد الرحمان من كتابنا هذا فلا معنى لتكرير ذلك ههنا وبالله التوفيق والرشاد لا شريك له ذكر ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت ايمان اللغو ما كان في المراء والهزل في المزاحة والحديث الذي لا يعقد عليه القلب وأيمان الكفارة كل يمين = حلف فيها على وجه من الأمر في غضب أو غيره ليفعلن أو ليتركن فذلك عقد الأيمان التي فرض الله فيها الكفارة قال ابن شهاب قال الله * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) * وسئل عن الأيمان ما توكيدها فقال توكيدها ما حلف عليه الرجل أن يفعله جادا ففي تلك الكفارة وما كان من يمين لغو فإن الله قد عفا عنها
251

وذكر بقي عن وهب عن خالد عن مغيرة عن إبراهيم لغو اليمين أن أقول لا والله وبلى والله صلة الحديث قال وحدثنا هناد عن أبي الأحوص عن مغيرة عن الشعبي قسم لغو قول الرجل لا والله وبلى والله يصل بها كلامه ما لم يكن مقس عليه قلبه وهو قول عكرمة وأبي صالح وأبي قلابة وطائفة (وكان سعيد بن جبير يذهب إلى أن اللغو أن يحلف الرجل فيما لا ينبغي له أن يحلف عليه مثل أن يحرم شيئا هو له مالك فلا يؤاخذه الله بتركه ولكن يؤاخذه إن فعله) (31) حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا أحمد بن يعقوب بن جهور حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الله ابن كناسة حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان أبي لا يحنث حتى نزلت كفارة اليمين واخلتفوا في الكفارة إذا مات الحالف فقال الشافعي وأبو ثور كفارات اليمين تخرج من رأس مال الميت وقال أبو حنيفة تكون في الثلث وكذلك قال مالك إن أوصى بها
252

حديث خامس لسهيل مالك عن سهيل بن أبي صالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن (32) وجدت مع امرأتي رجلا أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء قال (33) نعم (34) قال أبو عمر في هذا الحديث النهي عن قتل من هذه حاله تعظيما للدم وخوفا من التطرق إلى إراقة دماء المسلمين بغير ما أمرنا الله به من البينات أو الإقرار الذي يقام عليه وسد الباب الافتيات على السلطان في الحدود التي جعلت في الشريعة إليه وأمر فيها بإقامة الحق على الوجوه التي ورد التوقيف بها وقد مضى في غير موضع من كتابنا هذا ذكرها وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لو أعطي قوم بدعواهم لادعى أقوام دماء أقوام وأموالهم (35) وروى مالك رحمه الله عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أهل الشام يدعى ابن خيري وجد مع امرأته رجلا فقتله أو قتلهما فأشكل على معاوية القضاء فيه فكتب إلى أبي موسى الأشعري يسأل له علي
253

ابن أبي طالب فسأل أبو موسى عن ذلك علي بن أبي طالب فقال له علي بن أبي طالب إن هذا لشيء ما هو بأرضي عزمت عليك لتخبرني فقال أبو موسى كتب إلى معاوية بن أبي سفيان أسألك عن ذلك فقال علي أنا أبو الحسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته (36) فأدخل مالك في موطئه قول علي هذا فأخذ حديثه المسند عن سهيل تفسيرا له وكشفا عن معناه وعملا به ولم يزد على ذلك في بابه وهو كاف على ما وصفنا وعلى ذلك جمهور العلماء وزعم أبو بكر البزار أن مالكا انفرد بحديثه عن سهيل في هذا الباب وأنه لم يروه غيره ولا تابعه أحد عليه وأظنه لما رأى حماد بن سلمة قد أرسله وأسنده مالك ظن أنه انفرد به وليس كما ظن البزار وقد رواه سليمان بن بلال عن سهيل مسندا عن أبيه عن أبي هريرة كما رواه مالك ورواه الدراوردي أيضا عن سهيل بإسناده نحو رواية سليمان بن بلال حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان بن بلال قال حدثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو وجدت رجلا مع أهلي لم أقتله حتى آتي بأربعة شهداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال لا والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا إلى ما يقول سيدكم إنه لغيور ولأنا أغير منه والله أغير مني
254

قال أبو عمر فهذا سليمان بن بلال قد رواه مسندا كما رواه مالك ولو لم يروه أحد غير مالك كما زعم البزار ما كان في ذلك شيء لكن أكثر السنن والأحاديث قد انفرد بها الثقات وليس ذلك بضائر لها ولا لشيء منها والمعنى الموجود في هذا الحديث مجتمع عليه قد نطق به الكتاب المحكم وقد وردت به السنة الثابتة واجتمعت عليه الأمة فأي انفراد في هذا وليت كل ما انفرد به المحدثون كان مثل هذا) (37) وذكر مسلم بن الحجاج قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد العزيز يعني الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة الأنصاري قال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قال لسعد بلى والذي أكرمك بالحق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمعوا إلى ما يقول سيدكم (38) وذكر مسلم أيضا حديث مالك وحديث سليمان بن بلال عن سهيل (39) على حسبما ذكرناهما ههنا وأما حديث حماد بن سلمة فأخبرناه خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد ابن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا الحسن بن عبد الله البالسي قال
حدثنا الهيثم بن جميل قال حدثنا حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن سعد بن عبادة أنه قال يا رسول الله أرأيت لو رايت رجلا مع امرأتي لأتركه حتى أدعو أربعة من الشهداء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال والذي أنزل عليك الكتاب إذا لأعجلته بالسيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سعدا لغيور وإني لغير منه وإن الله لأغير منا
255

قال أبو عمر يريد والله أعلم أن الغيرة لا تبيح للغيور ما حرم عليه وأنه يلزمه مع غيرته الانقياد لحكم الله ورسوله وأن لا يتعدى حدوده فالله ورسوله أغير ولا خلاف علمته بين العلماء فيمن قتل رجلا ثم ادعى أنه إنما قتله لأنه وجده مع امرأته بين فخذيها ونحو ذلك من وجوه زناه بها ولم يعلم ما ذكر عنه إلا بدعواه أنه لا يقبل منه ما ادعاه وأنه يقتل به إلا أن يأتي بأربعة شهداء يشهدون أنهم رأوا وطئه لها وإيلاجه فيها ويكون مع ذلك محصنا مسلما بالغا أو من يحل دمه بذلك (فإن جاء بشهداء يشهدون له بذلك نجا وإلا قتل وهذا أمر واضح لو لم يجيء به الخبر لأوجبه النظر لأن الله حرم دماء المسلمين تحريما مطلقا فمن ثبت عليه أنه قتل مسلما فادعى أن المسلم قد كان يجب قتله لم يقبل منه رفعه القصاص عن نفسه حتى يتبين ما ذكر وهكذا كل من لزمه حق لآدمي لم يقبل قوله في المخرج منه إلا ببينة تشهد له بذلك) (40) وفي حديث مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن علي في قصة ابن خيري الذي قدمنا بيان ما وصفنا وقد رواه عن يحيى بن سعيد كما رواه مالك سواء معمر والثوري وابن جريج ذكره عبد الرزاق عنهم وذكره عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا إلا بالبينة فقال سعد بن عبادة وأي بينة أبين من السيف فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تسمعون ما يقول سيدكم قالوا لا تلمه يا رسول الله فإنه رجل غيور والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا ولا طلق امرأة قط فاستطاع أحد منا أن يتزوجها فقال النبي صلى الله عليه وسلم يأبى الله إلا بالبينة (41)
256

قال وأخبرنا معمر عن كثير بن زياد عن الحسن في الرجل يجد مع امرأته رجلا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بالسيف شا يريد ان يقول شاهدا فلم يتم الكلمة قال إذا تتابع فيه السكران والغيران (42) فسر أبو عبيد التتابع قال التهافت فعل الشيء بغير تثبت وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة قال لما نزلت * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) * (43) قال سعد بن عبادة أي لكع إن تفخذها رجل فذهبت أن أجمع الشهداء لم أجمعهم حتى يقضي حاجته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تسمعون إلى قول سيدكم وذكر معنى حديث ابن شهاب إلى آخره وقال فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا إلا بالبينة التي ذكر الله وقد روى أهل العراق في هذه المسألة عن عمر بن الخطاب أنه أهدر دمه ولم يصح وإنما يصح عن عمر أنه أهدر دم الذي أراد اغتصاب الجارية الهذلية نفسها فرمته بحجر ففضت كبده فمات فارتفعوا إلى عمر فقال ذلك قتيل الله والله لا يودى أبدا ذكره معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد عن عبيد بن عمير قال الزهري ثم قضت القاضة بعد بأن يودي (44) قال أبو عمر ففي هذا جاء عن عمر أنه أهدر دمه لأنها دفعته عن نفسها فأتى دفعها على روحه لا في الذي وجد مع امرأته رجلا وقد روى الثوري عن مغيرة بن النعمان عن هانئ بن حرام أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما فكتب عمر بكتاب في العلانية أن أقيدوه وكتابا
257

في السر أن أعطوه الدية (45) وهذا لا يصح مثله عن عمر والله أعلم ولم تكن في أخلاقه المداهنة في دين الله وقد روى هذا الحديث قبيصة بن عقبة عن الثوري عن المغيرة بن النعمان عن مالك بن أنس عن هانئ بن حزام وهانئ بن حزام أو حزام مجهول وحديثه هذا لا حجة فيه لضعفه وذكر وكيع عن عاصم عن الشعبي قال كان رجلان أخوان من الأنصار يقال لأحدهما أشعث فغزا في جيش من جيوش المسلمين قال فقالت امرأة أخيه لأخيه هل لك في امرأة أخيك معها رجل يحدثها فصعد فأشرف عليه وهو معها على فراشها وهي تنتف له دجاجة وهو يقول
* وأشعث غره الإسلام مني
* خلوت بعرسه ليل التمام
* أبيت على حسناياها ويمسى
* على دهماء لاحقة الحزام
* كأن مواضع الربلات (46) منها
* فئام قد جمعن فئام
* قال فوثب إليه الرجل فضربه بالسيف حتى قتله ثم ألقاه فأصبح قتيلا بالمدينة فقال عمر أنشد الله رجلا كان عنده من هو أعلم إلا قام به فقام رجل فأخبره بالقصة فقال سحقا وبعدا قال أبو عمر هذا خبر منقطع وليس فيه شهادة قاطعة على معاينة القتل ولا إقرار القاتل فلا حجة فيه وقد روى هذا الخبر ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير (47) فجعله في غير هذه القصة وأنشد الأبيات
258

* وأشعث غره الإسلام مني
* لهوت بعرسه ليل التمام
* أبيت على ترائبها ويطوي
* على حمراء مائلة الحزام
*
* كأن مواضع الربلات منها
* فئام يرجعون إلى فئام
* وقد ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن مجاهد أنه كان ينكر أن يكون عمر أهدر دمه إلا بالبينة قال ابن جريج وقال عطاء لا إلا بالبينة وقد جاء عن عمر في رجل وجد رجلا في داره ملفوفا في حصير بعد العتمة أنه ضربه مائة جلدة وأصبح ما في هذا ما قاله علي رضي الله عنه إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته وهو معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقوله في ذلك لا إلا بالبينة وعلى هذا جمهور الفقهاء وقد قال ابن القاسم في هذه المسألة لو كان المقتول = بكرا حده الجلد فقتله ثم أتى بأربعة شهداء أنهم رأوا ذلك كالمرود في المكحلة قال ابن القاسم يستحب في هذا أن تكون الدية على القاتل في ماله يؤديها إلى أولياء المقتول وغيره يرى عليه في ذلك القود لأنه قتل من لم يجب عليه القتل وذكر عبد الرزاق عن الثوري قال إذا قطع رجل يد السارق أو قتل الزاني قبل أن يبلغ السلطان فعليه القصاص وليس على الزاني والسارق غير ذلك قد أخذ منهما الذي كان عليهما قال وإذا قتل المرتد قبل رفعه إلى السلطان فليس على قاتله شيء (48) وقال معمر عن الزهري فيمن افتات على السلطان في حد عليه العقوبة ولا يقتل
259

قال أبو عمر قول مالك وأصحابه وأكثر الفقهاء في هذا كقول الزهري وليس هذا الباب موضع ذكر هذه المسألة وقد ذكرنا منها ما فيه والحمد لله كفاية وشفاء وقد مضى القول في أحكام اللعان ممهدا في باب ابن شهاب وباب نافع من هذا الكتاب والحمد لله
حديث سادس لسهيل مالك عن سهيل بن أبي صالح السمان عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء أو نحو هذا فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل خطيئة بطشتهما يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب (49) هكذا هو في الموطأ في هذا الحديث بطشتهما يداه ليحيى وغيره جماعة بتثنية الضمير المتصل بالفعل وهو ضمير الخطيئة والخطيئة مفردة وليس بالجيد لأن التثنية إنما هي لليدين لا للخطيئة ويقال إنه في رواية ابن وهب عن مالك كذلك أيضا
260

قال أبو عمر في رواية ابن وهب عن مالك في هذا الحديث زيادة ليست لغيره من الرواة عن مالك وذلك أنه زاد في هذا الحديث ذكر الرجلين فقال (50) إذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتهما رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء وهكذا قال مشتهما فثنى أيضا ولم يقل في شيء من الحديث أو نحو هذا وسائر الرواة قالوا في هذا الحديث كما قال يحيى وأما قوله العبد المسلم أو المؤمن فهو شك من المحدث من كان مالك أو غيره وقوله مع الماء أو مع آخر قطر الماء شك أيضا من المحدث ولا يجوز أن يكون ذلك شكا من النبي صلى الله عليه وسلم (ولا يظن ذلك إلا جاهل مجنون) (51) ويحمل على الشك في مثل هذه الألفاظ التحري في الإتيان بلفظ الحديث دون معناه وهذا شيء قد اختلف فيه السلف وقد ذكرنا ما جاء عنهم في ذلك في كتاب العلم (52) والحمد لله وفيه من الفقه تكفير الخطايا بالوضوء وقد مضى القول في هذا المعنى ممهدا في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي (53) فلا معنى لتكرير ذلك ههنا ومعاني هذا الحديث كلها قد مضى القول فيها هناك وبالله التوفيق
261

حديث سابع لسهيل مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا (54) أنظروا هذين حتى يصطلحا في هذا الحديث دليل على أن الجنة مخلوقة وأن لها أبوابا وقد جاء في الآثار الصحاح أن لها (55) ثمانية أبواب وقد ذكرنا ذلك في باب ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمان من هذا الكتاب من طرق شتى فلا وجه لإعادة ذلك ها هنا وفيه أن المغفرة لا تكون إلا للعبد المسلم الذي لا يشرك بالله شيئا قال الله عز وجل * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * 56 وفيه أن المهاجرة والعداوة والشحناء والبغضاء من الذنوب العظام والسيئات الجسام وإن لم تكن في الكبائر مذكورة ألا ترى أنه استثنى في هذا الحديث غفرانها وخصها بذلك وقد بينا الوجه في الهجرة وما يجوز منها وما لا يجوز وكيف المخرج والتوبة منها في باب ابن شهاب عن انس وغيره من هذا الكتاب
262

وفيه أن الذنوب إذا كانت بين العباد فوقعت بينهم فيها المغفرة والتجاوز والعفو سقطت المطالبة بها من قبل الله عز وجل ألا ترى إلى قوله حتى يصطلحا فإذا اصطلحا غفر لهما ذلك وغيره من صغائر ذنوبهما بأعمال البر من الطهارة والصلاة والصيام والصدقة وفيه دليل على فضل يوم الاثنين والخميس على غيرهما من الأيام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومهما ويندب أمته إلى صيامهما وكان يتحراهما بالصيام وأظن هذا الخبر إنما توجه إلى أمة وطائفة كانت تصومهما تأكيدا على لزوم ذلك والله أعلم وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ونبئ يوم الاثنين ودخل المدينة يوم الاثنين وتوفي يوم الاثنين صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا خالد بن عبد الله وأبو عوانة قالا حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفتح أبواب الجنة كل يوم اثنين وخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا
حديث ثامن لسهيل مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى فشربه ثم أخرى فشربه شرب حلاب سبع شياه ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم
263

بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أمر بأخرى فلم يستتمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن (57) يشرب في معي واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء (58) هذا الحديث ظاهره العموم والمراد به الخصوص وهو خبر خرج على رجل بعينه كافر ضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له معه ما ذكر في هذا الحديث فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه بأنه إذ كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء ولما أسلم أكل في معي واحد والمعنى في ذلك أنه كان إذ كان كافرا رجلا أكولا أجوف لا يقوم به شيء في اكله فلما أسلم بورك له في إسلامه فنزع الله من جوفه ما كان فيه من الكلب والجوع وشدة القوة على الأكل فانصرفت حاله إلى سبع ما كان
يأكل إذ كان كافرا فكأنه إذ كان كافرا يأكل سبعة أمثال ما كان يأكل بعد ذلك إذ اسلم والله أعلم وقد روي أن هذا الرجل الذي أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض له معه ما ذكر في هذا الحديث هو جهجاه بن سعيد الغفاري وقد ذكرناه وذكرنا خبره في كتاب الصحابة (59) ومن طرق حديثه ما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنا موسى بن عبيدة قال حدثنا عبيد الله بن أبي عبد الله الأغر عن عطاء بن يسار عن جهجاه الغفاري أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فلما سلم قال يأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلم يبق في المسجد غير رسول
264

الله صلى الله عليه وسلم وغيري وكنت رجلا عظيما طوالا لا يقدم علي أحد فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فحلب لي عنزا فأتيت عليها حتى حلب لي سبعة أعنز فأتيت عليها ثم أتيت بصبيغ برمته فأتيت عليها فقالت أم أيمن أجاع الله من أجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الليلة فقال مه يا أم أيمن أكل رزقه ورزقنا على الله فأصبحوا قعودا فاجتمع هو وأصحابه فجعل الرجل يخبر بما أتى عليه فقال جهجاه حلبت لي سبعة أعنز فأتيت عليها وصبيغ برمته فأتيت عليها فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فقال ليأخذ كل رجل منكم جليسه فلم يبق في المسجد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيري وكنت رجلا عظيما طويلا لا يقدم علي أحد فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فحلبت لي عنز فترويت وشبعت فقالت أم أيمن يا رسول الله أليس هذا ضيفنا قال بلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه أكل في معي مؤمن الليلة وأكل قبل ذلك في معي كافر والكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد قال أبو عمر يحتمل أن (60) الإشارة بالألف (واللام (61) في الكفار والمؤمن في هذا الحديث إلى ذلك الرجل بعينه وإنما يحملنا على هذا التأويل لأن المعاينة وهي أصح علوم الحواس تدفع أن يكون ذا (62) عموما في كل كافر ومؤمن ومعروف (63) من كلام العرب الإتيان بلفظ العموم والمراد به الخصوص ألا
265

ترى إلى قول الله عز وجل * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم) * 64 وهذه الإشارة في الناس إنما هي إلى رجل واحد أخبر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن قريشا جمعت لهم وجاء اللفظ كما ترى على العموم ومثله * (تدمر كل شيء) * 65 * (ما تذر من شيء أتت عليه) * (66) ومثل هذا كثير لا يجهله إلا من لا عناية له بالعلم وقد قيل إنه في كل كافر وإنه لموضع التسمية يقل أكله وهذا تدفعه المشاهدة وعلم الضرورة فلا وجه له وأما قوله في هذا الإسناد عبيد الله الأغر فليس عبيد الله يعرف بالأغر وإنما يعرف بالأغر أبوه وهو عبيد الله بن سلمان الأغر وهو عبيد الله ابن أبي عبد الله الأغر وأبو عبد الله الأغر اسمه سلمان والله المستعان
حديث تاسع لسهيل بن أبي صالح مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لنا في ثمرنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإني عبدك ونبيك (67) وأنه دعاك
266

لمكة (وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر) (68) وقد ذكر البخاري قال حدثنا محمد بن المثنى حدثنا حسين بن الحسن عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا قالوا وفي نجدنا قال اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا قالوا وفي نجدنا قال هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان (69) في هذا الحديث اختصاص الرئيس وانتخابه بأول ما يطل من الفاكهة إما هدية وجلالة وتعظيما ومحبة وإما تبركا بدعائه والذي يغلب على أن ذلك إنما كان من الصحابة رضوان الله عليهم ليدعو لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة وسياق هذا الحديث يدل على ذلك والمعنيان جميعا محتملان وأما دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمجاب لا محالة وقد ظن قوم أن هذا الحديث يدل على أن المدينة أفضل من مكة لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بمثل دعاء إبراهيم لمكة ومثله معه وهذا يحتمل لموضع دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضع التضعيف في ذلك إلا أنه قد جاء في مكة آثار كثيرة تدل على فضلها وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في الأفضل منهما وقد بينا الصحيح من ذلك عندنا في باب خبيب بن عبد الرحمان من كتابنا هذا (70) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بني الإسلام على خمس فذكر منها حج البيت الحرام وجعل الإلحاد فيه من الكبائر وجعله قبلة الأحياء والأموات ورضي عن عباده فحط أوزارهم بقصد القاصد له مرة من دهره وقال صلى الله عليه وسلم وهو بالحزورة
267

والله إني لأعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت وقد مضى من هذا المعنى ما يكفي في باب خبيب (71) وباب زيد ابن رباح وبالله التوفيق وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض وقوله إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس دليل على فضلها على سائر ما حرمه الناس وأن دعاء إبراهيم لمكة كان كما قال عز وجل عنه * (رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) * 72 الآية ولو كان الدعاء بالبركة في صاع المدينة ومدها يدل على فضلها على مكة لكان كذلك دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة في الشام واليمن تفضيلا منه لهما على مكة وهذا لا يقوله أحد وأما دعاء إبراهيم عليه السلام فهو معنى قول الله عز وجل * (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر) * ذكر الفرياني حدثنا قيس بن الربيع عن خصيف عن سعيد بن جبير ومجاهد في قوله * (وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم) * قالا سأل الرزق لمن آمن وحدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا حاتم بن إسماعيل قال حدثنا حميد عن عمار (73) الدهني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله * (اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) * قال كان إبراهيم يحجرها على المؤمنين دون الناس ومن كفر أيضا فإني أرزقه كما
268

أرزق المؤمنين أأخلق خلقا لا أرزقهم * (نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) * 74 قال ثم قرأ ابن عباس * (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان
عطاء ربك محظورا) * 75 وفي هذا الحديث من الآداب وجميل الأخلاق إعطاء الصغير من الولدان وإتحافه بالطرف وذلك يدل على أنه أولى بذلك من الكبير لقلة صبره وفرحه بذلك وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إسوة حسنة في كل حال
حديث عاشر لسهيل بن أبي صالح مرسل متصل من وجوه مالك عن سهيل بن أبي صالح السمان عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميع إن وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويسخط لكم قيل وقل وإضاعة المال وكثرة السؤال (67) هكذا روى يحيى هذا الحديث مرسلا لم يذكر أبا هريرة وتابعه ابن وهب من رواية يونس بن عبد الأعلى عنه والقعنبي ومطرف وابن نافع وأسنده عن ابن وهب أحمد بن صالح والربيع بن سليمان ذكرا فيه أبا هريرة
269

وكذلك رواه ابن بكير وأبو المصعب ومصعب الزبيري وعبد الله بن يوسف التيمي وسعيد بن عفير وابن القاسم ومعن بن عيسى وأبو قرة موسى ابن طارق والأويسي وابن عبد الحكم والحنيني وأكثر الرواة عن مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عمر بن محمد بن القاسم ومحمد بن أحمد ابن كامل ومحمد بن أحمد بن المسور قالوا حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا وأن تنصاحوا من ولاه الله أمركم ويكره لكم قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال والحديث مسند محفوظ لمالك وغيره عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة كذلك روه حماد بن سلمة وغيره عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس لهذا الحديث في الموطأ غير هذا الإسناد وعند مالك فيه إسناد آخر رواه عنه عبد العزيز بن أبي رواد عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وأخشى أن يكون هذا الإسناد غير محفوظ وأن يكون خطأ لأن ابن أبي رواد هذا قد روى عن مالك أحاديث أخطأ فيها أشهرها خطأ أنه روى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما الأعمال بالنيات الحديث وهذا خطأ لا شك فيه عند أحد من أهل العلم بالحديث وإنما حديث الأعمال بالنيات عند مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر ليس له غير هذا الإسناد وكذلك رواه الناس عن يحيى بن سعيد
270

وأما حديث ابن أبي رواد في هذا الباب فحدثناه أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا مالك بن عيسى قال حدثنا حاجب بن سليمان قال حدثنا ابن أبي رواد قال حدثنا مالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الله لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يحب لكم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تنصحوا ولاة الأمر ويسخط لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال (77) قال أبو عمر أما حديث سهيل فمحفوظ ولعل حديث أبي الزناد أن يكون له أصل والله أعلم حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطرف بن عبد الرحمان قالا حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد حدثنا يحيى بن أيوب وأحمد بن حماد قالا حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن مالك عن سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويسخط لكم قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال
271

في هذا الحديث ضروب من العلم منها أن الله يحب من عباده الإخلاص في عبادته في التوحيد وسائر الأعمال كلها التي يعبد بها وفي الإخلاص طرح الرياء كله لأن الرياء شرك أو ضرب من الشرك قال أهل العلم بالتأويل إن قول الله عز وجل * (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) * 76 نزلت في الرياء ويدخل في الإخلاص أيضا التوكل على الله وأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع على الحقيقة غيره لأنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع لا شريك له وفيه الحض على الاعتصام والتمسك بحبل الله في حال اجتماع وائتلاف وحبل الله في هذا الموضع فيه قولان أحدهما كتاب الله والآخر الجماعة ولا جماعة إلا بإمام وهو عندي معنى متداخل متقارب لأن كتاب الله يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة قال الله عز وجل * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) * 79 الآية وقال * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * 80 وروى يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة في قوله * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * الآية قال حبل الله الذي أمر أن يعتصم به القرآن وقال قتادة إن الله قد كره إليكم الفرقة وقدم إليكم فيها وحذركموها ونهاكم عنها ورضي لكم (81) بالسمع والطاعة والألفة والجماعة فارضوا لأنفسكم بما رضي الله لكم فقد ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان
272

يقول من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقه الإسلام من عنقه (82) وروى معمر عن قتادة في قوله * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * قال بعهد الله وأمره وروى ابن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * قال القرآن وابن عيينة أيضا عن إبراهيم الهجري (83) عن أبي الأحوص عن عبد الله قال حبل الله هو القرآن وقيس بن الربيع عن منصور عن أبي وائل عن ابن مسعود * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * قال حبل الله وصراط الله المستقيم كتاب الله وأبو معاوية عن الهجري (83) عن أبي الأحوص عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا القرآن هو حبل الله فهذا قول والقول الثاني روى بقي حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا هشيم = عن العوام بن حوشب عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * قال حبل الله الجماعة قال بقي وحدثنا عثمان ابن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن الحسن الأسدي عن هشيم عن العوام بن حوشب عن الشعبي عن عبد الله في قوله * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * الآية قال الحبل الذي أيد الله به الجماعة قال وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن الشعبي عن ثابت بن قطبة قال
قال عبد الله بن مسعود في خطبته أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنها حبل الله الذي أمر به وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة
273

وروى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن عبد الرحمان بن سابط عن عمرو بن ميمون قال قال عبد الله بن مسعود الجماعة القائل بالحق وإن كان وحده وفيما أجاز لنا أبو ذر الهروي قال حدثنا علي بن عمر بن محمد بن سادان الشكري قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا مجالد عن الشعبي عن ثابت بن قطبة قال خطبنا ابن مسعود خطبة لم يخطبنا قبلها ولا بعدها فقال أيها الناس اتقوا الله وعليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله الذي أمر به وأن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة وأن الله عز وجل لم يخلق شيئا من الدنيا إلا جعل له نهاية فينتهي إليه وأن الإسلام بدأ فثبت ويوشك أن ينقص ويزيد إلى يوم القيامة وآية ذلك ان تقطعوا أرحامكم وأن تفشو فيكم الفاقة حتى لا يخاف الغني إلا الفقر وحتى لا يجد الفقير من يعطف عليه حتى يرى الرجل أخاه وابن عمه فقيرا لا يعطف عليه وحتى يقوم السائل يسأل فيما بين الجمعتين فلا يوضع في يده شيء فبينما الناس كذلك إذ خارت الأرض خورة مثل خوار البقر يحسب كل قوم إنما خارت من ساحتهم ثم يكون رجوع ثم تخور الثانية بأفلاذ كبدها قيل وما أفلاذ كبدها قال أمثال هذه السواري من الذهب والفضة فمن يومئذ لا ينفع الذهب والفضة إلى يوم القيامة حتى لا يجد الرجل من يقبل منه ماله صدقة قال أبو عمر الظاهر في حديث سهيل هذا في قوله ويرضى لكم إن * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * أنه أراد الجماعة والله أعلم وهو (84) أشبه بسياقة الحديث
274

وأما كتاب الله فقد أمر الله عز وجل بالتمسك والاعتصام به في غير ما آية وغير ما حديث غير أن هذا الحديث المراد به والله أعلم الجماعة على إمام يسمع له ويطاع فيكون ولي من لا ولي له في النكاح وتقديم القضاة للعقد على الأيتام وسائر الأحكام ويقيم الأعياد والجمعات وتؤمن به السبل وينتصف به المظلوم ويجاهد عن الأمة عدوها ويقسم بينها فيها لأن الاختلاف والفرقة هلكة والجماعة نجاة قال ابن المبارك رحمه الله
* إن الجماعة حبل الله فإعتصموا
* منه بعروته الوثقى لمن دانا
*
* كم يرفع الله بالسلطان مظلمة
* في ديننا رحمة منه ودنيانا
* لولا الخلافة لم تؤمن لنا سبل
* وكان أضعفنا نهبا لأقوانا
* وروى شعبة عن عمر بن سليمان بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن عبد الرحمان بن أبان بن عثمان عن أبيه عن زيد بن ثابت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حديث ذكره ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم وهذا حديث ثابت في معنى حديث سهيل في هذا الباب وهو يفسره وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم جبير بن مطعم وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وقد ذكرنا طرقه في كتاب العلم (85) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة عن عمر بن سليمان قال سمعت عبد الرحمان بن ابان يحدث عن أبيه قال خرج زيد بن ثابت من عند مروان نصف النهار قلت ما بعث فيه
275

هذه الساعة إلا لشيء سأله عنه فسألته فقال سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نضر الله أمرأ سمع منا حديثا فبلغه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه ليس بفقيه (86) ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ومن كانت الدنيا نيته فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة نيته جمع الله أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة وسألنا عن الصلاة الوسطى وهي الظهر حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بخيف منى فقال نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن إخلاص العلم لله ولزوم الجماعة ومناصحة ولاة الأمر فإن دعوة المسلمين من ورائهم محيطة (87) ورواه عيسى بن يونس عن محمد بن إسحاق بإسناده مثله ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم دعا لمن حفظ مقالته هذه فوعاها ثم أداها تأكيدا منه في حفظها وتبليغها وهي قوله ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ولزوم الجماعة ومناصحة أولي الأمر
276

فأما قوله (88) ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن فمعناه لا يكون القلب عليهن ومعهن غليلا أبدا يعني لا يقوى فيه مرض ولا نفاق (89) إذا أخلص العمل لله ولزم الجماعة وناصح أولي الأمر وأما قوله فإن دعوتهم تحيط من ورائهم أو هي من ورائهم محيطة فمعناه عند أهل العلم أن أهل الجماعة في مصر من أمصار المسلمين إذا مات
277

إمامهم ولم يكن لهم إمام فأقام أهل ذلك المصر الذي هو حضرة الإمام وموضعه إماما لأنفسهم اجتمعوا عليه ورضوه فإن كل من خلفهم وأمامهم من المسلمين في الآفاق يلزمهم الدخول في طاعة ذلك الإمام إذا لم يكن معلنا بالفسق والفساد معروفا بذلك (90) لأنها دعوة محيطة بهم يجب إجابتها ولا يسع أحدا التخلف عنها لما في إقامة
إمامين من اختلاف الكلمة وفساد ذات البين حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي وأحمد بن زهير واللفظ للترمذي قالا حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عبد الملك بن عمير عن مرة عن عبد الرحمان بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نضر الله عبدا سمع مقالتي فذكر الحديث وفيه ثلاث لا يغل عليهن قط مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم (91) هكذا قال ومناصحة المسلمين وإنما المحفوظ في هذا الحديث خاصة ومناصحة ولاة المسلمين وإن كانت مناصحة المسلمين قد وردت في غير ما حديث حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا إبراهيم ابن موسى الجوزي قال حدثنا داود بن رشيد قال حدثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معوان عن عبد الرحمان بن عمرو السلمي وحجر الكلاعي قالا دخلنا على العرباض بن سارية وهو الذي نزل فيه * (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه) * 92
278

الآية وهو مريض فقلنا إنا جئناك زائرين وعائدين ومقتبسين فقال عرباض إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغداة ثم أقبل علينا فوعظنا بموعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراسدين المهديين عضوا عليها بالنواجد وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (93) وروى الحرث الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال آمركم بخمس أمرني الله بهن الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد حدثناه قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا ابان قال حدثنا يحيى يعني ابن أبي كثير أن زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه أن الحرث الأشعري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله أمر يحيى بن زكرياء بخمس كلمات يعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن وأنه كان يبطئ بهن (94) وأن عيسى بن مريم قال له إن الله أمرك بخمس كلمات تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن فإما أن تأمرهم وإما أن نأمرهم قال يا أخي إنك إن تسبقني بهن خشيت أن أعذب أو يخسف بي فجمع الناس في بيت المقدس حتى امتلأ وقعد الناس على الشرف فقال إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وإن (95) مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبدا من
279

خالص ماله بذهب أو ورق فقال هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إلي فجعل العبد يعمل ويؤدي إلى غير سيده فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك وإن الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئا وآمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لعبده ما لم يلتفت في صلاته وإن الله أمركم بالصيام وإن مثل الصيام كمثل رجل معه صرة فيها مسك في عصابة كلهم يعجبه أن يجد ريحها وإن الصيام عند الله أطيب من ريح المسك وآمركم بالصدقة وإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوه إلى عنقه وقربوه ليضربوا عنقه فقال لهم هل لكم أن أفدي نفسي منكم فجعل يعطيهم القليل والكثير حتى فدى نفسه منهم وآمركم بذكر الله كثيرا وإن مثل ذلك كرجل أصابه العدو سراعا في إثره حتى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه فيه وكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا آمركم بخمس امرني الله بهن الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله فمن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه إلا أن يرجع ومن دعا بدعوى الجاهلية فإنه من حثاء جهنم قال رجل وإن صام وصلى قال وإن صام وصلى أدعو بدعوى الله الذي سماكم المؤمنين عباد الله (96) قال أبو عمر كذا قال حثاء جهنم وغيره يرويه جثاء جهنم بالجيم وذلك كله خطأ عند أهل العلم باللغة وقد أنكره أبو عبيدة (97) وغيره ز وقال أبو عبيد إنما هو من حثاء جهنم وهو كما قال أبو عبيد
280

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ حدثنا يحيى بن معين بمكة حدثنا غندر حدثنا شعبة عن حبيب بن الزبير قال سمعت عبد الله بن أبي الهذيل قال كان عمرو بن العاصي يتخولنا فقال رجل من بكر بن وائل لئن لم تنته قريش لنضعن (98) هذا الأمر في جمهور من جماهير العرب غيرهم فقال عمرو بن العاصي كذبت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة (99) وروي من حديث أبي ذر وأبي هريرة وابن عباس بمعنى واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية (100) وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول من نزع يدا من طاعة فلا حجة له ومن مات ولا طاعة عليه كان ميتته ضلالة وروى أبو إدريس الخولاني عن حذيفة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم الزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن جماعة ولا إمام قال تعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على شجرة حتى يدركك الموت وأنت كذلك وروى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الجماعة رحمة والفرقة عذاب والآثار المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثيرة جدا وكذلك عن الصحابة أيضا وروى أبو صادق عن علي بن أبي طالب أنه قال إن الإسلام ثلاث أثافي الإيمان والصلاة والجماعة فلا تقبل الصلاة إلا بإيمان ومن آمن صلى وجامع ومن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقه الإسلام من عنقه
281

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا صبيح بن عبد الله الفرغاني قال حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي قال كان يقال خمس كان عليها أصحاب محمد والتابعون لهم بإحسان لزوم الجماعة واتباع السنة وعمارة المساجد وتلاوة القرآن والجهاد في سبيل الله قال أبو عمر الآثار المرفوعة في هذا الباب كلها تدل على أن (101) مفارقة الجماعة وشق عصا المسلمين والخلاف على السلطان المجتمع عليه ويريق الدم ويبيحه ويوجب قتال من فعل ذلك فإن قيل قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (102) فمن قال لا إله إلا الله حرم دمه قيل لقائل ذلك لو تدبرت قوله في هذا الحديث إلا بحقها لعلمت أنه خلاف ما ظننت ألا ترى أن أبا بكر الصديق قد رد على عمر ما نزع به من هذا الحديث وقال من حقها الزكاة ففهم عمر ذلك من قوله وانصرف إليه وأجمع الصحابة عليه فقاتلوا مانعي الزكاة كما قاتلوا أهل الردة وسماهم بعضهم أهل ردة على الاتساع لأنهم ارتدوا عن أداء الزكاة ومعلوم مشهور عنهم أنهم قالوا ما تركنا ديننا ولكن شححنا على أموالنا فكما جاز قتالهم عند جميع الصحابة على منعهم الزكاة وكان
ذلك عندهم في معنى قوله عليه السلام إلا بحقها فكذلك من شق عصا المسلمين وخالف إمام جماعتهم وفرق كلمتهم لأن الفرض الواجب اجتماع كلمة أهل دين الله المسلمين على من خالف دينهم من الكافرين حتى تكون كلمتهم واحدة وجماعتهم غير مفترقة ومن الحقوق المريقة للدماء المبيحة للقتال الفساد
282

في الأرض وقتل النفس وانتهاب الأهل والمال والبغي على السلطان والامتناع من حكمه هذا كله داخل تحت قوله إلا بحقها كما يدخل في ذلك الزاني المحصن وقاتل النفس بغير حق والمرتد عن دينه وقد أمر الله عز وجل بقتال الفئة الباغية بقوله * (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) * 103 وفي قوله * (فقاتلوا) * دليل على أن الباغي إذا انهزم عن القتال أو ضعف عنه بما لحقه من الآفات المانعة للقتال حرم دمه لأنه غير مقاتل ولم نؤمر (104) بقتاله إلا إذا قاتل لأن الله تعالى قال * (فقاتلوا) * ولم يقل فاقتلوا والمقاتلة إنما تكون لمن قاتل والله أعلم لأنها تقوم من اثنين وعلى (105) هذا كان حكم علي رضي الله عنه فيمن بغى عليه وتلك كانت سيرته فيهم رضي الله عنه وعلى ذلك (106) جمهور العلماء وللكلام في هذه المسألة موضع غير هذا إن شاء الله وقال نعيم بن حماد قلت لسفيان بن عيينة أرأيت قوله من (107) ترك الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه فقال من فارق الجماعة خلع طاعة الله والاستسلام لأمره وللرسول ولأولي الأمر قال ولا أعلم أحدا عوقب بأشد من عقوبتهم ثم قال * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا) * (108) الآية هذا في أهل الإسلام
283

وأما قوله تناصحوا من ولاه الله أمركم ففيه إيجاب النصحية على العامة لولاة الأمر وهم الأئمة والخلفاء وكذلك سائر الأمراء (وقد (109) قال صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة ثلاثا قيل لمن يا رسول الله قال لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (110) وهذا حديث رواه مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك رواه كل من رواه عن مالك وزعم ابن الجارود وغيره أن مالكا وهم في إسناده لأن سفيان بن عيينة رواه عن سهيل بن أبي صالح عن عطاء بن يزيد عن تميم الداري حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان قال حدثنا سهيل بن أبي صالح قال أخبرني عطاء بن يزيد الليثي صديقا كان لأبي من أهل الشام أنه سمع تميم الداري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولنبيه ولأئمة المسلمين وعامتهم (111) قال سفيان وكان عمرو بن دنيار حدثناه أولا عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح فلقيت سهيلا فسألته ليحدثنيه عن أبيه فأكون أنا وغيري فيه سواء فقال سهيل أنا سمعته من الذي سمعه منه أي أخبرنيه عطاء بن يزيد الليثي صديقا كان لأبي من أهل الشام
284

قال أبو عمر وكذلك رواه سفيان الثوري وحماد بن سلمة والضحاك بن عثمان وغيرهم عن سهيل عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري والحديث عندي صحيح من الوجهين لأن محمد بن عجلان قد رواه عن القعقاع بن حكيم وزيد بن أسلم وعبيد الله بن مقسم كلهم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه الليث عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم والقعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة ورواه سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن القعقاع وعبيد الله بن مقسم عن أبي صالح عن أبي هريرة (وهذا كله يعضد رواية مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة (112) والله أعلم) ففي هذا الحديث أن من الدين النصح لأئمة المسلمين وهذا أوجب ما يكون فكل من واكلهم وجالسهم وكل من أمكنه نصح السلطان لزمه ذلك إذا رجا أن يسمع منه وروى معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد قال قال رجل لعمر بن الخطاب ألا أخاف في الله لومة لائم خير لي أم أقبل على أمري فقال أما من ولي من أمر المسلمين شيئا فلا يخف في الله لومة لائم ومن كان خلوا فليقبل على نفسه ولينصح لأميره وسئل مالك بن أنس أيأتي الرجل إلى (113) السلطان فيعظه وينصح له ويندبه إلى الخير فقال إذا (114) رجا أن يسمع منه وإلا فليس ذلك عليه
285

قال أبو عمر إنما فر من فر من الأمراء لأنه لا يمكنه أن ينصح لهم ولا يغير عليهم ولا يسلم من متابعتهم روى كعب بن عجرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم وصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منهم ولا يرد علي الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أفضل الجهاد كلمة حق أو قال كلمة عدل عند ذي سلطان جائر رواه ابن عيينة وغيره عن علي ابن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد وأخبرنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا علي بن الجعد أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي غالب عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الجهاد من قال كلمة حق عند ذي سلطان جائز (115) وقد ذكرنا خبر بلال بن الحرث في باب محمد بن عمرو من هذا الكتاب وهو في معنى الكلام عند السلطان على حسبما فسرناه هناك وقد كان الفضيل بن عياض يشدد في هذا فيقول ربما دخل العالم على السلطان ومعه دينه فيخرج وما معه منه شيء قالوا كيف (116) ذلك قال يمدحه في وجهه ويصدقه في كذبه وذكر أحمد بن حنبل عن ابن المبارك قال لا تأتهم فإن أتيتهم فاصدقهم قال وأنا أخاف ألا أصدقهم
286

قال أبو عمر إن لم يكن يتمكن نصح السلطان فالصبر والدعاء فإنهم كانوا ينهون عن سب الأمراء أخبرنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين البغدادي قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الحميد قال حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا يحيى ابن يمان قال حدثنا سفيان عن قيس بن وهب عن أنس بن مالك قال كان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهوننا عن سب الأمراء وحدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا عيسى بن محمد أبو عمير (117) الرملي عن ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة عن عبادة بن نسي قال وقف أبو الدرداء على باب معاوية فحجبه لشغل كان فيه فكأن أبا الدرداء وجد في نفسه فقال من يأت أبواب السلطان قام وقعد ومن يجد بابا مغلقا يجد إلى جنبه بابا رجا فتحا إن سأل أعطي وإن استعاذ أعيذ وإن أول نفاق المرء طعنه على إمامه وحدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي قال حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا يحيى بن يمان عن إسرائيل عن أبي إسحاق قال ما سب قوم أميرهم إلا حرموا خيره أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا أحمد بن سعيد بن حزم قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا ابن وضاح قال
حدثنا أبو بكر نصر بن مهاجر قال حدثنا الفيض بن إسحاق عن زهير بن معاوية عن الأعمش قال قال حذيفة إذا كان والي القوم خيرا منهم لم يزالوا في علياء وإذا كان واليهم شرا منهم أو قال شرهم لم يزدادوا إلا سفالا
287

وذكر البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعا إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة وحينئذ ترفع الأمانة (118) قال أبو عمر ويجب على الإمام من النصح لرعيته كالذي يجب عليهم له قال صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع عليهم وهو مسؤول عنهم (119) الحديث رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من أمير يؤمر على عشرة إلا يسئل عنهم يوم القيامة (120) وروى الحسن عن معقل بن يسار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من استرعاه الله رعية ومات وهو لها غاش حرم الله عليه الجنة حدثناه أحمد ابن قاسم بن عبد الرحمان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا علي بن الجعد أخبرنا أبو الأشهب عن الحسن فذكره وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير والحرث بن أبي أسامة قالا حدثنا هوذة قال حدثنا عوف عن الحسن قال مرض معقل بن يسار مرضا ثقل فيه فأتاه زياد يعوده فقال إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من استرعي رعية فلم يحطهم بنصيحة لم يجد ريح الجنة وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام
288

حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا ابن شاهين قال حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي قال حدثنا إسحاق بن سهل عن المغيرة بن مسلم عن قتادة عن أبي الدرداء قال لا إسلام إلا بطاعة ولا خير إلا في الجماعة والنصح لله وللخليفة وللمؤمنين عامة واما قوله ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال فمعنى قيل وقال والله أعلم الحديث بما لا معنى لا ولا فائدة فيه من أحاديث الناس التي أكثرها غيبة ولغط وكذب ومن أكثر من القيل والقال مع العامة لم يسلم من الخوض في الباطل ولا من الاغتياب ولا من الكذب والله أعلم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع (121) ومكتوب في حكمة داود وفي صحف إبراهيم من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وفي المثل السائر التقي (122) ملجم (123) وقد مضى قوله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت في باب سعيد بن أبي سعيد ومضى هناك في الصمت وحفظ اللسان بعض ما يكفي إن شاء الله وأما قوله وكثرة السؤال فمعناه عند أكثر العلماء التكثير في السؤال من المسائل والنوازل والأغلوطات وتشقيق المولدات وقد أوضحنا هذا الباب وبسطناه وأشبعنا القول فيه من جهة الأثر في كتاب العلم (124)
289

وقال مالك أما نهي رسول الله عن كثرة السؤال فلا أدري أهو الذي أنهاكم (125) عنه من كثرة المسائل فقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها أم هو مسألة الناس قال أبو عمر الظاهر في لفظ هذا الحديث كراهة السؤال عن المسائل إذا كان ذلك على الإكثار لا على الحاجة عند نزول النازلة لأن السؤال في مسألة الناس إذا لم يجز فليس ينهى عن كثرته دون قلته بل الآثار في ذلك آثار عموم لا تفرق بين القلة والكثرة لمن كره له ذلك وقد مضى في معنى السؤال وما يجوز منه ولمن يجوز أبواب كافية في هذا الكتاب وأما حديث هذا الباب فمعناه والله أعلم ما ذكرنا على أنه قد اختلف فيه على ما وصفنا وكان الأصل في هذا أنهم كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء ويلحون فيها فينزل تحريمها قال الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم) * 126 ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عما لم يحرم فحرم على الناس من أجل مسألته وروي عن الزهري ومجاهد وقتادة وعكرمة بمعنى واحد أنهم قالوا كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه يوما فأكثروا عليه فقام مغضبا وقال سلوني فوالله لا تسألوني أو لا يسألني أحد عن شيء في مقامي هذا إلا أخبرته ولو سألني عن أبيه لأخبرته فقام عبد الله بن حذافة فقال من أبي فقال أبوك
290

حذافة قال الزهري فقالت أمه ما رأيت ولدا أعق منك أكنت تأمن أن تكون أمك قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها وقام رجل فقال الحج واجب في كل عام أم مرة واحدة فقال بل مرة واحدة ولو قلتها لوجبت وقام سعد مولى شيبة فقال من أنا يا رسول الله قال (127) أنت سعد مولى شيبة بن ربيعة وقام رجل من بني أسد فقال أين أنا يا رسول الله قال أنت في النار فقام عمر فقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله فنزلت عند ذلك * (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) * الآية ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال قال ابن جريج عن عطاء وعمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أن الله حرم أشياء وأحل أشياء فما حرم فاجتنبوه وما أحل فاستحلوه وما سكت عنه فهو عفو فلا تسألوا عنه وقال آخرون معنى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال أراد سؤال المال والإلحاح فيه على المخلوقين واستدلوا بعطفه على ذلك قوله وإضاعة المال وبما رواه المغيرة بن شعبة وعمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع وهات ووأد البنات وعقوق الأمهات قالوا فقوله ومنع وهات هو من باب السؤال والمنع في المال لا في العلم قالوا فكذلك نهيه عن كثرة السؤال والله أعلم حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي أخبرنا هشيم قال أخبرنا غير واحد منهم مغيرة عن الشعبي عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة أن معاوية كتب إلى المغيرة اكتب إلي بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إليه المغيرة إني
291

سمعته يقول عند انصرافه من الصلاة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات وكان ينهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ومنع وهات وعقوق الأمهات ووأد البنات قال أبو عمر قد مضى فيما يحل من السؤال وما لا يحل أبواب كافية فيما سلف من هذا الكتاب والسؤال إذا لم يحل فلا يحل منه الكثير ولا القليل (128) وإذا كان جائزا حلالا فلا بأس بالإكثار منه حتى يبلغ إلى الحد المنهي عنه والله أعلم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره كثرة المسائل ويعيبها والانفكاك عندي من هذا المعنى والانفصال من هذا السؤال والإدخال أن السؤال اليوم لا يخاف منه أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله فمن
سأل مستفهما راغبا في العلم ونفي الجهل عن نفسه باحثا عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه فلا بأس به فشفاء العي السؤال ومن سأل معنتا غير متفقه ولا متعلم فهذا لا يحل قليل سؤاله ولا كثيرة وقد أوضحنا هذه المعاني كلها في كتاب العلم (129) بما لا سبيل إلى ذكره ههنا وأما قوله وإضاعة المال فللعلماء في تأويل معناه ثلاثة أقوال (130) أحدها أنه أراد بذكر المال ههنا الحيوان من ملك اليمين أن يحسن إليهم ولا يضيعون فيهلكون وهذا قول رواه السري بن إسماعيل عن الشعبي
292

واحتج من ذهب هذا المذهب بحديث أنس وأم سلمة أن عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة كانت قوله الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم والقول الثاني إضاعة المال بترك إصلاحه والنظر فيه وكسبه واحتج من قال هذا بقول قيس بن عاصم لبنيه حين حضرته الوفاة يا بني عليكم بالمال واصطناعه فإن فيه منبهة للكريم ويستغنى به عن اللئيم وبقول عمرو بن العاصي في خطبته حيث قال يا معشر الناس إياي وخلالا أربعا فإنها تدعو (131) إلى النصب بعد الراحة وإلى الضيق بعد السعة وإلى المذلة بعد العز إياي وكثرة العيال وإخفاض الجلال والتضييع للمال والقيل والقال في غير درك ولا نوال والقول الثالث إضاعة المال إنفاقه في غير حقه من الباطل والإسراف والمعاصي لا جعلنا الله ممن يستعين بنعمه على معاصيه آمين برحمته حدثنا عبد الرحمان حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب حدثنا إبراهيم بن نشيط قال سألت عمر مولى عفرة عن الإسراف ما هو قال كل شيء أنفقته في غير طاعة الله فهو سرف وإضاعة المال أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد أن أباه حدثه قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يعلى بن عبيد عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير أنه سأله رجل عن إضاعة المال فقال أن يرزقك الله فتنفقه فيما حرم الله عليك وهكذا قال مالك
293