ثم يقول لأخيه الآخر: أترى ما قد نزل بي، وما رد علي أهلي ومالي. فما لي
عندك وما لي لديك؟ فيقول: أنا صاحبك في لحدك وأنيسك في وحشتك وأقعد اليوم
الوزن في ميزانك فأثقل ميزانك. هذا أخوه الذي هو عمله فكيف ترونه؟ قالوا:
خير أخ وخير صاحب يا رسول الله قال: فإن الأمر هكذا).
قالت (عائشة) رضوان الله عليها: فقام إليه (عبد الله بن كرز) فقال: يا رسول
الله! أتأذن لي أن أقول على هذا أبياتا؟ فقال: نعم فذهب فما بات إلا ليلة حتى عاد
إلى رسول الله (ص) فوقف بين يديه واجتمع الناس وأنشأ يقول:
واني وأهلي والذي قدمت يدي * كداع إليه صحبة ثم قائل
لإخوته إذ هم ثلاثة إخوة * أعينوا علي أمر بي اليوم نازل
فراق طويل غير مشق به * فماذا لديكم في الذي هو عائلي
فقال امرؤ منهم أنا الصاحب الذي * أطيعك فيما شئت قبل التزايل
فإما إذا جد الفراق فإنني * لما بيننا من خلة غير واصل
فخذ ما أردت الآن مني فإنني * سيسلك بي في مهبل من مهابل
وإن تبقين لا تبق فاستنفدنني * وعجل صلاحا قبل حتف معاجل
وقال امرؤ قد كنت جدا أحبه * وأوثره من بينهم في التفاضل
غنائي أني جاهد لك ناصح * إذا جد جد الكرب غير مقاتل
ولكنني باك عليك ومعول * ومثن بخير عند من هو سائلي
ومتبع الماشين أمشي مشيعا * أعين برفق عقبة كل حامل
إلى بيت مثواك الذي أنت مدخل * وراجع مقرونا بما هو شاغلي
كأن لم يكن بيني وبينك خلة * ولا حسن ود مرة في التباذل
فذلك أهل المرء ذاك غناؤهم * وليسوا وإن كانوا حراصا بطائل
وقال امرؤ منهم أنا الأخ لا ترى * أخا لك مثلي عند كرب الزلازل
لدى القبر تلقاني هنالك قاعدا * أجادل عند القول رجع التجادل
وأقعد يوم الوزن في الكفة التي * تكون عليها جاهدا في التثاقل
ولا تنسني واعلم مكاني فإنني * عليك شفيق ناصح غير خاذل
فذلك ما قدمت من كل صالح * تلاقيه إن أحسنت يوم التواصل
قال: فبكى رسول الله (ص)، وبكى المسلمون من قوله، وكان (عبد الله بن كرز
112