الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ٢
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه باب الثاء ثور بن زيد الديلي هو من أهل المدينة صدوق روى عنه مالك بن أنس وسليمان بن بلال وأبو أويس (ب) والدراوردي لم يتهمه أحد بالكذب وكان ينسب إلى رأى الخوارج (781) والقول بالقدر (782) ولم يكن يدعو إلى شيء من ذلك قال أحمد بن حنبل هو صالح الحديث وقد روى عنه مالك قال أبو عمر كأنه يقول حسبك برواية مالك عنه وتوفي (ج) ثور بن زيد هذا سنة خمس وثلاثين ومائة لا يختلفون في ذلك وذكر (د) الحسن بن علي الحلواني عن علي بن المديني قال كان يحيى بن سعيد يأبى إلا أن يوثق ثور بن زيد وقال إنما كان رأيه وأما الحديث فإنه ثقة
1

قال أبو عمر لمالك عنه في الموطأ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أحاديث أحدها مسند متصل والثلاثة منقطعة يشركه في أحد الثلاثة حميد بن قيس قال البخاري سمع ثور ابن زيد الديلي المدني من عكرمة وأبي الغيث قال أبو عمر أبو الغيث مولى ابن مطيع يسمى سالما وهو مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي العدوي أحد بن عدي بن كعب
2

(حديث أول لثور بن زيد مسند) مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة أنه قال (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم (1) ذهبا ولا ورقا إلا الأموال الثياب (ب) والمتاع قال فأهدى رفاعة بن زيد (783) لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما أسود يقال له مدعم فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى حتى إذا كانوا بوادي القرى بينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر (ج) فأصابه فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله كلا والذي نفسي بيده أن الشملة التي أخذ يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا قال فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بشراك أو شراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله شراك أو شراكان من نار)
3

هكذا قال يحيى خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر وتابعه على ذلك عن مالك قوم منهم الشافعي وابن القاسم والقعنبي (784) وقال جماعة من الرواة عن مالك في هذا الحديث خرجنا مع رسول الله عام حنين والله أعلم بالصواب وقال يحيى إلا الأموال الثياب والمتاع وتابعه قوم وقال ابن القاسم إلا الأموال والثياب والمتاع وكذلك قال الشافعي وقال القعنبي فلم نغنم ذهبا ولا ورقا إلا الثياب والمتاع والأموال وروى هذا الحديث أبو إسحاق الفزاري (785) عن مالك قال حدثني ثور بن زيد قال حدثني سالم مولى ابن مطيع أنه سمع أبا هريرة يقول افتتحنا خيبر فلم نغنم ذهبا ولا فضة إنما غنمنا الإبل والبقر والمتاع والحوائط فجود أبو إسحاق مع جلالته إسناد هذا الحديث بسماع بعضهم من بعض وقضى بأنها خيبر لا حنين ورفع الأشكال ففي هذا الحديث أن بعض العرب وهي دوس لا تسمى العين مالا وإنما الأموال عندهم الثياب والمتاع والعروض وعند غيرهم المال الصامت من الذهب والورق وذكر ابن الأنباري عن أحمد بن يحيى النحوي قال ما قصر عن بلوغ ما (1) يجب فيه الزكاة من الذهب والورق والماشية فليس بمال وأنشد
4

* والله ما بلغت بي (1) قط ماشية
* حد الزكاة ولا إبل ولا مال
* قال وأنشد (ب) أحمد بن يحيى أيضا
* ملأت يدي من الدنيا مرارا
* فما طمع العواذل في إقتصادي
* ولا وجبت على زكاة مال
* وهل تجب الزكاة على جواد
* وهذان البيتان أنشدهما الزبير بن بكار عن محمد بن عيسى لفليح بن إسماعيل قال أبو عمر المعروف من كلام العرب أن كل ما تمول وتملك فهو مال ألا ترى إلى قول أبي قتادة السلمي فابتعت يعني بسلب القتيل الذي قتلته يوم حنين مخرفا (786) في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام (ج) وقال الله عز وجل * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * وأجمعوا أن العين مما تؤخذ منه الصدقة وإن الثياب والمتاع لا يؤخذ منها الصدقة (د) إلا في قول من رأى زكاة العروض للمدير التاجر نض له في عامه شيء من العين أو لم ينض وقال صلى الله عليه وسلم (يقول ابن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أكل فأفنى أو تصدق فأمضى أو لبس فأبلي) وهذا أبين من أن يحتاج فيه إلى استشهاد (ه) فمن حلف بصدقة ماله فذلك على كل نوع من ماله سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن إلا أن ينوى شيئا بعينه فيكون على ما نوى ولا معنى لقول من قال إن ذلك على أموال الزكوات لأن العلم محيط
5

واللسان شاهد في إن ما تملك وتمول يسمى مالا وسنذكر اختلاف العلماء فيمن حلف بصدقة ماله في باب عثمان من هذا الكتاب إن شاء الله أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا أحمد بن محمد بن أبي الموت (787) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا محمد بن عيسى قالوا حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب (788) قال جاء ناس من أهل الشام إلى عمر فقالوا إنا أصبنا أموالا خيلا ورقيقا نحب أن يكون لنا منها زكاة (1) وذكر الحديث وفيه إباحة قبول الهدية للخليفة إلا أن ذلك لا يجوز لغير النبي عليه السلام إذا كان منه قبولها على جهة الاستبداد بها دون رعيته وروى (ب) حبيب (789) عن مالك عن الزهري عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وهذا الحديث وإن كان إسناده غير صحيح لتفرد حبيب به عن مالك فإن قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدايا أشهر
6

وأعرف وأكثر من أن تحصى الآثار في ذلك لكنه كان صلى الله عليه وسلم مخصوصا بما أفاء الله عليه من غير قتال من أموال الكفار أن يكون له خاصة دون سائر الناس
ومن بعده من الأئمة حكمه في ذلك خلاف حكمه لأن ذلك لا يكون له خاصة دون المسلمين بإجماع لأنه فيء وفي حديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية (790) ما يدل على أن العامل لا يجوز له أن يستأثر بهدية أهديت اليه بسبب ولايته لأنها للمسلمين حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتيبة فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدى إلي فقام النبي عليه السلام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال (ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي أفلا قعد في بيت أبيه أو بيت أمه حتى ينظر أيهدي إليه أم لا والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم (1) شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تبعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي (ب) إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت)
7

ورواه هشام بن عروة وأبو الزناد عن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعناه روى وكيع وغيره عن الأعمش عن شقيق قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل معاذ بن جبل علي اليمن فلما استخلف أبو بكر بعث عمر على الموسم في تلك السنة وقدم معاذ من اليمن برقيق فلقي عمر بعرفة فقال له عمر ما هؤلاء قال هؤلاء لأبي بكر وهؤلاء لي فقال له عمر أرى أن تأتي بهم إلى أبي بكر فتدفعهم اليه فإن (1) سلمهم لك وإلا فهو أحق بهم فقال وما لي أدفع رقيقي إلى أبي بكر لا أعطيه هديتي فانصرف بهم إلى منزله فلما كان من الغد جاء إلى عمر فقال يا ابن الخطاب لقد رأيتني الليلة أشرف على نار قد أوقدت فأكاد أتقحمها وأهوى فيها وأنت آخذ بحجزتي ولا أراني إلا مطيعك قال فذهب إلى أبي بكر فقال هؤلاء لك وهؤلاء أهدوا لي قال فأنا قد سلمنا لك هديتك فرجع معاذ إلى منزله فصلى فإذا هم خلفه يصلون قال ما بالكم قالوا نصلي قال لمن قالوا لله قال فأذهبوا فأنتم لله فأعتقهم وذكر يعقوب (791) بن شيبة قال حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن لكعب بن مالك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن أميرا وكان أول من تجر في مال الله فمكث حتى أصاب مالا وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قدم معاذ
8

فقال عمر لأبي بكر أرسل إلى هذا الرجل فدع له ما يعيش به وخذ سائره منه فقال أبو بكر إنما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجبره ولست بآخذ منه شيئا إلا أن يعطيني وفي قوله في هذا الحديث إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه دليل على أنه غلول حرام نار قال الله عز وجل * (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) * وقال النبي صلى الله عليه وسلم (هدايا الأمراء غلول) ومن ذلك قوله صلى الله عليه في حديث ثور بن زيد هذا (إن الشملة التي اخذ يوم خيبر من المغانم (1) لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا) فكل من غل شيئا في سبيل الله أو خان شيئا من مال الله جاء به يوم القيامة إن شاء الله والغلول من حقوق الآدميين ولا بد فيه من القصاص بالحسنات والسيئات ثم صاحبه في المشيئة وسنذكر ما للعلماء في عقوبة الغال بعد هذا في هذا الباب إن شاء الله وذكر (ب) سنيد عن مبشر عن صفوان بن عمرو عن حبيب ابن عبيد (792) عن عوف بن مالك إن حبيب بن مسلمة (793) أتى برجل قد غل ومعه غلوله فوجد الناس من ذلك وكان أول غلول رأوه في غزوهم بالشام فقام عوف بن مالك في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إياكم وما لا كفارة له من الذنوب إن الرجل ليزني ثم يتوب فيتوب الله عليه وإن
9

الرجل ليسرق ثم يتوب فيتوب الله عليه وإنهما لذنبان لا كفارة لهما صاحب الغلول وآكل الربا قال الله تبارك وتعالى * (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) * فلا كفارة لصاحب الغلول حتى يأتي الله به يوم القيامة وآكل الربا يبعثه الله يوم القيامة مختنقا يختنق قال سنيد وحدثنا عبدة بن سليمان (794) عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن (795) عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هدايا الأمراء غلول) حدثنا سعيد حدثنا قاسم حدثنا محمد حدثنا أبو بكر حدثنا عبد الرحيم بن سليمان = عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال يا أيها الناس لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول يا رسول الله أغثني فأقول (1) لا أملك لك شيئا قد أبلغتك لا الفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك (ب) لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته بقرة لها خوار يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغتك (ج) ولا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق يقول
10

يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغتك ولا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك (1) شيئا قد بلغتك ولا ألفين أحدكم يجيء (ب) على رقبته نفس لها صياح فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغتك فهذا ما في الغلول وقد يدخل فيه منع الزكوات لأنها من حقوق المسلمين أيضا بالمعنى والله أعلم وأما النص في هدايا المشركين فروى قتادة عن يزيد بن الشخير (796) عن عياض بن حماد (797) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زبد (ج) المشركين يعني هداياهم ورفدهم أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ (د) قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قالا أخبرنا عمرو بن مرزوق قال أخبرنا عمران القطان (798) عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حماد قال أهديت لرسول الله صلى الله
11

عليه وسلم ناقة أو قال هدية فقال أسلمت قلت لا قال (إني نهيت عن زبد المشركين أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا وهب ابن مسرة قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي قال أخبرنا ابن المبارك عن يونس ومعمر عن الزهري عن عبد الرحمن ابن مالك عن عامر بن مالك الذي يقال له ملاعب الأسنة قال قدمت على النبي عليه السلام بهدية فقال إنا لن نقبل هدية مشرك واختلف العلماء في معنى هذين الحديثين فقال منهم قائلون فيهما النسخ لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبول الهدية من أهل الشرك مثل أكيدردومة وفروة بن نفاثة والمقوقس وغيرهم وقال آخرون ليس فيهما ناسخ ولا منسوخ والمعنى فيهما أنه كان لا يقبل هدية من يطمع بالظهور عليه وأخذ بلده أو دخوله في الإسلام فعن مثل هذا نهى أن يقبل هديته ويهادنه ويقره على دينه مع قدرته عليه أو طمعه في هدايته لأن في قبول هديته حملا على الكف عنه وقد أمر (1) أن يقاتل الكفار حتى يقولوا لا إله إلا الله وقال آخرون كان مخيرا في قبول هديتهم وترك قبولها لأنه كان من خلقه صلى الله عليه
وسلم أن يثيب على الهدية بأحسن منها فلذلك لم يقبل هدية مشرك ليلا يثيبه بأفضل منها والله أعلم أخبرنا علي بن إبراهيم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سلام البغدادي قال حدثنا داود بن رشيد قال حدثنا إبراهيم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن سلام البغدادي قال حدثنا داود بن رشيد قال حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان
12

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها وقد قيل أنه إنما ترك ذلك تنزها ونهى عن زبد المشركين لما في التهادي والزبد من التحاب وتليين القلوب والله عز وجل يقول * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * الآية والله أعلم بما أراد رسوله بقوله ذلك وقد قبل صلى الله عليه وسلم هدية قوم من المشركين وأجاز قبولها جماعة من الفقهاء على وجوه (1) نذكر منها ما حضر (ب) ذكره إن شاء الله حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا محبوب ابن موسى (799) ح وقرأت عليه أيضا أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا عبد الملك بن حبيب المصيصي (800) قالا جميعا حدثنا أبو إسحاق الفزاري قال قلت للأوزاعي أرأيت لو أن صاحب الروم أهدى إلى أمير المؤمنين هدية أترى (ج) بأسا أن يقبلها قال لا أرى بذلك بأسا قلت فما حالها إذا قبلها قال تكون بين المسلمين قلت وما وجه ذلك قال أليس إنما أهداها له لأنه والى عهد المسلمين لا يكون أحق بها منهم ويكافيه بمثلها من بيت مال المسلمين قلت للأوزاعي فلو أن صاحب الباب أهدى له صاحب العدو هدية أو صاحب ملطية أيقبلها أحب إليك أو يردها قال يردها أحب إلي فإن قبلها فهي بين المسلمين ويكافيه بمثلها قلت فصاحب الصائفة إذا دخل فاهدى له صاحب
13

الروم هدية قال تكون بين ذلك الجيش فما كان من طعام قسمه بينهم وما كان سوى ذلك جعله في غنائم المسلمين قال أبو عمر ليس أحد من أئمة الفقهاء زعموا أعلم بمسائل الجهاد من الأوزاعي وقوله هذا هو قولنا وروى عيسى (801) عن ابن القاسم في الإمام يكون في أرض العدو فيهدي له العدو أتكون له خالصة أم للجيش قال (1) لا أراها لجماعة الجيش قال لأنه إنما أهداها خوفا إلا أن يعلم أن ذلك إنما هو من قبل قرابة أو مكافأة فأراه له خالصا قيل فالرجل (ب) من أهل الجيش تأتيه الهدية قال هذه له خالصة لا شك فيه مثل أن يكون له قريب أو صديق فيهدي له فهو له خالص وقال الربيع (802) عن الشافعي في كتاب الزكاة إذا أهدى واحد من القوم للوالي هدية فإن كانت لشيء نال منه حقا أو باطلا فحرام على الوالي أخذها لأنه حرام عليه أن يستجعل على الحق وقد ألزمه الله ذلك وحرام عليه أن يأخذ لهم باطلا والجعل عليه حرام قال وإن أهدى اليه أحد من أهل ولايته على غير هذين المعنيين تفضلا أو تشكرا بحسن (ج) كان منه في العامة فلا يقبلها وإن قبلها كانت في الصدقات ولا يسعه عندي غيره إلا أن يكافيه من ماله عليه بقدر ما يسعه به أن يتمولها قال
14

وإن أهديت هدية إلى رجل ليس بذي سلطان شكرا على حسن كان منه فأحب إلى أن لا يقبلها ولا تحرم عليه عندي أن قبلها وأخذها وأحب إلى أن يدع قبولها ولا يأخذها على الحسن مكافأة (د) هذا كله هو المشهور من قول الشافعي في كتبه الظاهرة عند أصحابه وقد روى عنه أن الحاكم إذا أهديت إليه هدية من أجل حكمه فحكم بالحق على وجوه لم تحرم عليه وأما العراقيون فقال أبو يوسف ما أهدى ملك الروم إلى أمير الجيش فهو له خاصة وكذلك ما يعطى الرسول قال أبو عمر احتج بعض من ذهب هذا المذهب وقال أن الهدية تكون ملكا للمهدي له وإن كان واليا ولا تكون فيئا احتج بإجماعهم على أن للإمام أن لا يقبل هدية الكفار قالوا ولو كانت فيئا لما كان له أن لا يقبلها ويردها على الحربيين قال أبو عمر هذا لا حجة فيه لان تخييرهم الإمام في قبول هدية الكفار إنما هو من أجل أنه إن قبلها كان عليه أن يكافئ عليها من بيت المال لا أنها لا تكون (1) فيئا وإذا كان عليه أن يثيب عليها كان مخيرا في قبولها ومعلوم أنه إنما أهديت اليه (ب) بسبب ولايته فاستحال أن تكون له دون المسلمين والحجة في هذا عندي حديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية أخبرنا خلف بن سعيد قال أخبرنا عبد الله
15

ابن محمد قال أخبرنا أحمد بن خالد (803) قال حدثنا عبيد (804) ابن محمد قال حدثنا محمد بن يوسف (805) قال حدثنا عبد الرزاق وعبد الملك بن الصباح (806) عن الثوري عن أبان (807) عن أبي نضرة (808) عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الهدايا (1) للأمراء غلول وبه عن عبد الرزاق وعبد الملك جميعا عن الثوري عن عاصم عن زر (809) بن حبيش قال قال ابن مسعود الرشوة في الدين سحت قال سفيان يعني في الحكم وبه عن عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال جمع اليهود لابن رواحة حين خرص عليهم حليا من حلى نسائهم
16

فأهدوه له فقال هذه الرشوة سحت وإنا لا نأكلها وذكر وكيع عن معاذ بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء عن أبيه عن جده قال خطبنا علي بالكوفة وبيده قارورة وعليه سراويل ونعلان فقال ما أصبت منذ دخلتها غير هذه القارورة أهداها لي (ب) دهقان وعن أبي البختري (810) عن علي بن ربيعة (811) أن عليا استعمل رجلا فلما جاء قال يا أمير المؤمنين أنه أهدى لي في عملي أشياء وقد أتيت بها فإن كان حلالا أخذته وإلا جئتك به فجاءه به فقبضه علي رضي الله عنه وقال إني أحسبه كان غلولا وأما هدية غير الكفار إلى من لم تكن له ولاية فمأخوذة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أجيبوا الداعي ولا تردوا الهدية) وقال صلى الله عليه وسلم (ما أتاك من غير مسألة فكله وتموله) وهذا إذا لم تكن الهدية على شرط أداء حق قد وجب عليه كالشهادة ونحوها فإن كانت كذلك فهي سحت ورشوة وشر من ذلك الأخذ على الباطل وبالله التوفيق قرأت على أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن أن محمد بن معاوية حدثهم قال حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا الهيثم بن خارجة (812) قال حدثنا إسماعيل بن (813)
17

عياش عن عمرو بن مهاجر (814) قال اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحا فقال لو كان عندنا شيء من تفاح فإنه طيب الريح طيب الطعم فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحا فلما جاء به الرسول قال عمر بن عبد العزيز ما أطيب ريحه وطعمه يا غلام أرجعه وأقرأ فلانا السلام وقل له هديتك قد وقعت عندنا بحيث تحب (1) قال عمرو بن مهاجر فقلت يا أمير المؤمنين ابن عمك ورجل من أهل بيتك وقد بلغك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فقال إن الهدية كانت
للنبي صلى الله عليه وسلم هدية وهي لنا اليوم رشوة قال أبو عمر كان عمر رضي الله عنه في حين هذا (ب) الخبر خليفة وقد تقدم القول فيما للخلفاء والأمراء وسائر الولاة من الحكم في الهدية ويحتمل أن يكون ذلك الرجل من أهل بيته قد علم في كسبه شيئا أوجب التنزه عن هديته وأما قوله في الحديث شراك أو شراكان من نار وقوله في حديث عمرو بن شعيب أدوا الخيط والمخيط فيدل على أن القليل والكثير لا يحل لأحد أخذه في الغزو قبل المقاسم إلا ما أجمعوا عليه من أكل الطعام في أرض العدو من الاحتطاب والاصطياد وهذا أولى ما قيل به في هذا الباب وما خالفه مما جاء عن بعض أصحابنا وغيرهم فليس بشيء لأن عموم قول الله عز وجل * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) * يوجب أن يكون الجميع غنيمة خمسها لمن سمى الله وأربعة أخمساها لمن شهد القتال من البالغين الأحرار الذكور فلا يحل
18

لاحد منها شيء إلا سهمه الذي يقع له في المقاسم بعد اخراج الخمس المذكور إلا أن الطعام خرج بدليل اخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم له عن جملة ذلك فمن ذلك حديث عبد الله بن (815) معفل في الجراب بالشحم وحديث عتبة بن غزوان في السفينة المملوءة بالجوز وحديث ابن أبي أوفى (816) (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر يأتي أحدنا إلى الطعام من الغنيمة فيأخذ منه حاجته) وأجمع العلماء على أن أكل الطعام في دار الحرب مباح وكذلك العلف ما داموا في دار الحرب فدل على أنه لم يدخل في مراد الله من الآية التي تلونا وما عدا الطعام فهو داخل تحت عموم قوله * (واعلموا أنما غنمتم من شيء) * الآية الا ان للأرض حكما سنذكره في غير هذا الموضع من كتابنا هذا إن شاء الله وقد روى عن الزهري أنه قال لا يؤخذ الطعام في أرض العدو إلا بإذن الامام وهذا لا أصل له لأن الآثار المرفوعة تخالفه ولم يقل به فيما علمت غيره ومن الآثار في ذلك ما ذكره البخاري قال حدثنا مسدد (817) قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب (818) عن
19

نافع عن ابن عمر قال كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه قال أبو عمر ما يخرج به من الطعام إلى دار الإسلام وكان له قيمة فهو غنيمة وكذلك قليل وكثير غير الطعام فهو غنيمة لأنهم لم يجمعوا على شيء منه وروى ثوبان (819) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (قال من فارق الروح منه الجسد وهو برئ من ثلاث دخل الجنة الكبر والغلول والدين) حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا ابان (820) العطار وهمام (821) عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان (822) بن أبي طلحة عن ثوبان عن النبي عليه السلام أنه قال (من فارق منه الروح الجسد وهو برئ من ثلاث دخل الجنة الكبر والغلول والدين)
20

وروى رويفع (823) بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذ دابة من المغنم فيركبها حتى إذا أنقضها ردها في المغانم ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوبا من المغنم حتى إذا أخلقه رده في المغانم) وهذا غاية في التحذير والمنع وأما قوله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده أن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا ثم قال للذي جاء بالشراك أو الشراكين شراك أو شراكان من نار) ففي قوله هذا كله دليل على تعظيم الغلول وتعظيم الذنب فيه وأظن حقوق الأميين كلها كذلك في التعظيم وإن لم يقطع على أنه يأتي به حاملا له كما يأتي بالغلول والله أعلم وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجل الذي غل الخرزات وهي لا تساوي درهمين عقوبة له وسيأتي هذا الحديث في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله وأما الشملة فكساء مخمل وقال الخليل اشتمل بالثوب أداره على جسده قال والاسم الشملة قال والشملة كساء ذو خمل وقال الأخفش الشملة ازار من الصوف وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الغال لا يجب عليه حرق متاعه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرق رحل الذي اخذ الشملة ولا متاعه ولا أحرق متاع صاحب الخرزات ولو كان حرق متاعه واجبا لفعله صلى الله عليه وسلم حينئذ ولو فعله لنقل ذلك في الحديث وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
21

(من غل فأحرقوا متاعه وأضربوه) رواه أسد (824) بن موسى وغيره عن الدراوردي عن صالح (825) بن محمد بن زائدة عن سالم عن ابن عمر وقال بعض رواة هذا الحديث فيه فاضربوا عنقه وأحرقوا متاعه وهو حديث يدور على صالح بن محمد بن زائدة وهو ضعيف لا يحتج به وقد اختلف العلماء في عقوبة الغال فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والليث بن سعد إلى أن الغال يعاقب بالتعزير ولا يحرق متاعه وقال الشافعي وداود بن علي إن كان عالما بالنهي عوقب وهو قول الليث قال الشافعي وإنما يعاقب الرجل في بدنه لا في ماله قال أبو عمر اختلاف العلماء في العقوبة في المال دون البدن أو البدن دون المال قد ذكرناه في غير هذا المكان وقال الأوزاعي يحرق متاع الغال كله إلا سلاحه وثيابه التي عليه وسرجه ولا تنتزع منه دابته ويحرق سائر متاعه كله ألا الشيء الذي غل فإنه لا يحرق ويعاقب مع ذلك وقول أحمد وإسحاق كقول الأوزاعي في هذا الباب كله وروى عن الحسن البصري إنه قال يحرق رحله
22

كله إلا أن يكون حيوانا أو مصحفا وممن قال يحرق رحل الغال ومتاعه مكحول وسعيد بن عبد العزيز وحجة من ذهب إلى هذا القول حديث صالح المذكور وهو عندنا حديث لا يجب به انتهاك حرمة ولا إنفاذ حكم مع ما يعارضه من الآثار التي هي أقوى منه فأما رواية من روى فاضربوا عنقه وأحرقوا (1) متاعه فإنه يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) الحديث وهو ينفي القتل في الغلول وروى ابن الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على الخائن ولا على المنتهب ولا على المختلس قطع وهذا أيضا يعارض حديث صالح بن محمد بن زائدة وهو أقوى من حجة الإسناد والغال خائن في اللغة والشريعة وقال الطحاوي (826) لو صح حديث صالح المذكور احتمل أن يكون كان حين كانت العقوبات في الأموال كما قال في مانع الزكاة إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات الله وكما روى أبو هريرة في ضالة الإبل المكتومة فيها عزامتها ومثلها معها وكما روى عبد الله بن عمرو بن العاص في الثمر المعلق غرامة مثلية وجلدات نكال وهذا كله منسوخ قال أبو عمر الذي ذهب اليه مالك والشافعي وأبو حنيفة ومن تابعهم في هذه المسألة أولى من جهة النظر وصحيح الأثر والله أعلم وأجمع العلماء على أن على الغال ان يرد ما غل إلى صاحب المقاسم إن وجد
23

السبيل إلى ذلك وإنه إذا فعل ذلك فهي توبة له وخروج عن ذنبه واختلفوا فيما يفعل بما غل إذا افترق أهل (1) العسكر ولم يصل إليهم فقال جماعة من أهل العلم يدفع
إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي وهذا مذهب الزهري ومالك والأوزاعي والليث والثوري وروى ذلك عن عابدة (827) بن الصامت ومعاوية بن أبي سفيان والحسن البصري وهو يشبه مذهب ابن مسعود (828) وابن عباس لأنهما كانا يريان أن يتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه وذكر بعض الناس عن الشافعي أنه كان لا يرى الصدقة بالمال الذي لا يعرف صاحبه وقال كيف يتصدق بمال غيره وهذا عندي معناه فيما يمكن وجود صاحبه والوصول اليه أو إلى ورثته وأما إن لم يمكن شيء من ذلك فإن الشافعي رحمه الله لا يكره الصدقة به حينئذ إن شاء الله ذكر سنيد حدثنا أبو فضالة عن أزهر (829) ابن عبد الله قال غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم فعل
24

رجل مائة دينار فأتى بها معاوية بن أبي سفيان فأبى أن يقبلها وقال قد نفر الجيش وتفرق فخرج فلقى عبادة بن الصامت فذكر ذلك له فقال أرجع إليه فقل له (1) خذ خمسها أنت ثم تصدق أنت بالبقية فإن الله عالم بهم جميعا فأتى معاوية فأخبره فقال لأن كنت أنا أفنتيتك بهذا كان أحب إلي من كذا وكذا وقد أجمعوا في اللقطة على جواز الصدقة بها بعد التعريف وانقطاع صاحبها وجعلوه إذا جاء مخيرا بين الأجر (ب) والضمان وكذلك الغصوب (ج) وبالله والتوفيق
25

حديث ثان لثور بن زيد مقطوع مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك عن ثور بن زيد عن ابن عباس ليس فيه ذكر عكرمة والحديث محفوظ لعكرمة عن ابن عباس وإنما رواه ثور عن عكرمة وقد روى عن روح بن عبادة هذا الحديث عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان ثم ساقه إلى آخره سواء وليس في الموطأ في هذا الإسناد عكرمة وزعموا أن مالكا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كره أن يكون في كتابه لكلام سعيد ابن المسيب وغيره فيه ولا أدري صحة هذا لأن مالكا قد ذكره في كتاب الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس وترك رواية عطاء (830) في تلك المسألة وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والأمانة (1) روى مالك عن أبي الزبير المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن رجل وقع على امرأته وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة وروى مالك أيضا عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس قال أظنه عن ابن عباس أنه قال الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي وبه قال مالك
26

قال أبو عمر عكرمة مولى ابن عباس من جلة العلماء لا يقدح فيه كلام من تكلم فيه لأنه لا حجة مع أحد تكلم فيه وقد يحتمل أن يكون مالك جبن عن الرواية عنه لأنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يرميه بالكذب ويحتمل أن يكون لما نسب اليه من رأى الخوارج وكل ذلك باطل عليه إن شاء الله وقد قال الشافعي في بعض كتبه نحن نتقي حديث عكرمة وقد روى الشافعي عن إبراهيم (831) بن أبي يحيى والقاسم (832) العمري وإسحاق (833) بن أبي فروة وهم ضعفاء متروكون وهؤلاء كانوا أولى أن يتقى حديثهم ولكنه لم يحتج بهم في حكم وكل أحد من خلقا الله يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله (834) بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن إسحاق الطباع (835) قال سألت مالك بن أنس قلت أبلغك أن ابن عمر قال لنافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس
27

قال لا ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبرد مولاه وقيل لابن أبي أويس (836) لم لم يكتب مالك حديث عكرمة مولى ابن عباس قال لأنه كان يرى رأى الأباضية (837) وأما قول سعيد ابن المسيب فيه فقد ذكر العلة الموجبة للعداوة بينهما أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في كتاب الانتفاع بجلود الميتة وقد ذكرت ذلك وأشباهه في كتابي كتاب جامع بيان أخذ العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله في باب قول العلماء بعضهم في بعض فأغنى ذلك عن اعادته ها هنا وتكلم فيه ابن سيرين ولا خلاف أعلمه بين نقاد أهل العلم أنه اعلم بكتاب الله من ابن سيرين وقد يظن الانسان ظنا يغضب له ولا يملك نفسه ذكر الحلواني عن زيد بن الحباب قال سمعت الثوري يقول خذوا تفسير القرآن عن أربعة عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك (838) فبدأ
28

بعكرمة وقال ابن علية (839) عن أيوب (84) عن عمرو بن دينار (841) قال دفع إلى جابر بن زيد (842) مسائل اسأل عنها عكرمة قال فجعل جابر يقول هذا عكرمة هذا مولى ابن عباس هذا البحر فاسألوه وقال سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال أعطاني جابر بن زيد صحيفة فيها مسائل فقال سل عنها عكرمة قال فكأني تبطأت فانتزعها من يدي وقال هذا عكرمة هذا مولى ابن عباس هذا أعلم الناس وقال جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال قيل لسعيد بن جبير تعلم أحدا أعلم منك قال نعم عكرمة قال فلما قتل سعيد بن جبير قال إبراهيم ما خلف بعده مثله قال أبو عبد الله المروزي (843) وحدثنا يحيى بن يحيى قال حدثنا إسماعيل
29

ابن علية عن أيوب قال نبئت عن سعيد بن جبير أنه قال لو كف عنهم عكرمة من حديثه لشدت اليه المطايا قال وحدثنا إسحاق ابن راهويه (844) قال أخبرنا يحيى بن ضريس (845) عن أبي سنان عن حبيب بن أبي ثابت قال أجتمع عندي خمسة لا يجتمع عندي مثلهم أبدا عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد ابن جبير وعكرمة فتذاكروا التفسير فأقبل مجاهد وسعيد بن جبير على عكرمة يسئلانه عن التفسير وهو يجيبهما قال وحدثنا محمد بن عبيد (846) قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال اجتمع عكرمة وسعيد بن جبير وطاوس وعدة من أصحاب ابن عباس فكان عكرمة صاحب الحديث قال وأخبرنا محمد بن يحيى قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال قال رجل لأيوب (1) كان عكرمة يتهم فسكت هنيئة ثم قال أما أنا فإني لم أكن أتهمه وبه عن أيوب قال قال عكرمة أرأيت هؤلاء الذين يكذبونني من خلفي أفلا يكذبونني في وجهي قال وحدثنا الحلواني قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا سلام بن مسكين قال سمعت قتادة يقول كان الحسن من أعلم الناس بالحلال والحرام
30

وكان عطاء من أعلم الناس بالمناسك وكان عكرمة من أعلم الناس بالتفسير قال وحدثنا الحلواني قال حدثنا إسماعيل (847) بن عبد الكريم الصنعاني قال حدثنا عبد الصمد (848) بن معقل أن عكرمة قدم على طاوس اليمن فحمله طاوس على نجيب وأعطاه ثمانين دينارا فقيل لطاوس في ذلك فقال ألا اشتري علم ابن عباس لعبد الله بن طاوس بنجيب وثمانين دينارا وذكر عباس (849) عن يحيى بن معين قال حدثنا محمد بن فضيل (850) قال حدثنا عثمان بن حكيم (851) قال جاء عكرمة إلى أبي
أمامة بن سهل وأنا جالس فقال يا ابا أمامة أسمعت بن عباس يقول ما حدثكم به عكرمة فصدقوه فإنه لم يكذب علي قال نعم وقد روينا أن عبد الله بن عباس قال له اخرج يا عكرمة فافت الناس ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته فإنك تطرح عن نفسك ثلثي مؤنة الناس قال عباس قال يحيى بن معين مات ابن عباس وعكرمة عبد فباعه على ابن عبد الله فقيل له تبيع علم أبيك فاسترجعه وقال عثمان
31

ابن سعيد (852) قلت ليحيى بن معين عكرمة أحب إليك أو سعيد ابن جبير فقال ثقة وثقة قلت فعكرمة أو عبيد الله بن عبد الله فقال كلاهما ولم يختر وقال أبو الحسن أحمد (853) بن عبد الله ابن صالح الكوفي عكرمة مولى ابن عباس ثقة وهو برئ مما رماه الناس به من الحرورية (854) وذكر عيسى بن مسكين عن محمد ابن الحجاج بن رشدين عن أحمد (855) بن صالح المصري قال عكرمة مولى ابن عباس بربري من المغرب وقال أبو العرب (856) سمعت قدامة (857) بن محمد يقول كان خلفاء بني أمية يرسلون إلى المغرب يطلبون جلود الخرفان التي لم تولد بعد العسلية قال فربما ذبحت المائة شاة فلا يوجد في بطنها إلا واحد عسلى كانوا يتخذون منها الفراء فكان عكرمة يستعظم ذلك ويقول هذا كفر
32

هذا شرك فأخذ ذلك عنه الصفرية (858) والأباضية فكفروا الناس بالذنوب قال أبو عمر لهذا كان سحنون يقول يزعمون أن عكرمة مولى ابن عباس أضل المغرب قال أبو عمر نزل عكرمة مولى ابن عباس المغرب ومكث بالقيروان برهة ومن الناس من يقول أنه مات بها والصحيح أنه مات بالمدينة هو وكثير عزة الشاعر في يوم واحد وذكر ابن أبي مريم لهيعة عن أبي الأسود قال أنا مدحت المغرب لعكرمة مولى ابن عباس ذكرت له حال أهلها فخرج إلى المغرب فمات بها قال أبو عبد الله المروزي قد أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا منهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ويحيى بن معين ولقد سألت إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه فقال لي عكرمة عندنا أمام الدنيا وتعجب من سؤالي إياه قال وأخبرني غير واحد أنهم شهدوا يحيى بن معين وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بحديث عكرمة فأظهر التعجب قال المروزي وعكرمة قد ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس وملازمته إياه وبأن غير واحد من أهل العلم رووا عنه وعدلوه وما زال أهل العلم بعدهم يروون عنه قال وممن روى عنه من جلة التابعين محمد بن سيرين وجابر بن زيد وطاوس والزهري وعمرو بن دينار ويحيى بن سعيد الأنصاري وغيرهم قال أبو عبد الله المروزي وكل رجل ثبتت عدالته برواية أهل العلم
33

عنه وحملهم حديثه فلن يقبل فيه تجريح أحد جرحه حتى يثبت ذلك عليه بأمر لا يجهل أن يكون جرحة فاما قولهم فلان كذاب فليس مما يثبت به جرح حتى يتبين ما قاله حدثنا محمد (859) بن إبراهيم حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا محمد بن أيوب (860) الرقى قال سمعت أبا بكر أحمد بن عمرو والبزار (861) يقول روى عن عكرمة مائة وثلاثون أو قال قريب من مائة وثلاثين رجلا من وجوه البلدان بين مكي ومدني وكوفي وبصرى ومن سائر البلدان كلهم روى عنه ورضى به قال أبو عمر جماعة الفقهاء وأئمة الحديث الذين لهم بصر بالفقه والنظر هذا قولهم أنه لا يقبل من ابن معين ولا من غيره فيمن اشتهر بالعلم وعرف به وصحت عدالته وفهمه ألا أن يتبين الوجه الذي يجرحه (1) به على حسب ما يجوز من تجريح (ب) العدل المبرز العدالة في الشهادات وهذا الذي لا يصح أن يعتقد غيره ولا يحل أن يلتفت إلى ما خالفه وقد ذكرنا بيان ذلك في باب قول العلماء بعضهم في بعض من كتابنا كتاب العلم فأغنى ذلك عن اعادته ها هنا وبالله توفيقنا
34

وذكر الزبير قال حدثني عمي مصعب قال حدثني الواقدي قال حدثني خالد بن القاسم البياضي قال مات عكرمة مولى ابن عباس وكثير بن عبد الرحمان الخزاعي صاحب عزة في يوم واحد في سنة خمس ومائة فرأيتهما جميعا صلى عليهما بعد الظهر في مسجد الجنائز فقال الناس مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس وقال المفضل بن فضالة مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فأخرج جنازتاهما فما علمته تخلف رجل ولا امرأة بالمدينة عن جنازتيهما قال وقيل مات اليوم أعلم الناس وأشعر الناس قال وغلب النساء على جنازة كثير يبكينه ويذكرن عزة في ندبتهن إياه وهذا الحديث صحيح لعكرمة عن ابن عباس حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم ابن سعيد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا قتيبة بن سعيد ح وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم (862) بن اصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قالا جميعا حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تصوموا قبل رمضان صوموا للرؤية وافطروا للرؤية فإن حالت دونه غيابه فأكلموا ثلاثين) ورواه شعبة وأبو عوانة (863) وحاتم بن أبي صغيرة (864) عن سماك مثله
35

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا عبد الله بن بكر (865) السهمي ح وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد الجهني قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم قالا جميعا حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن سماك قال سمعت عكرمة يقول سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحابة أو غياية فأكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا لا تستقبلوا رمضان بيوم من شعبان) اللفظ بحديث (1) بن عبد المؤمن وقرأت على أحمد ابن قاسم التميمي ان قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا عبد الله بن بكر قال حدثنا حاتم عن سماك قال دخلت على عكرمة في يوم وقد أشكل على امره أمن رمضان هو أم من شعبان فأصبحت صائما وقلت إن كان من رمضان لم يسبقني وإن كان من شعبان كان تطوعا فدخلت على عكرمة وهو يأكل خبزا وبقلا ولبنا فقال هلم إلى الغداء فقلت إني صائم فقال أحلف عليك لتفطرنه فقلت سبحان الله فقال أحلف بالله لتفطرنه قال فلما رأيته لا يستثنى أفطرت فعدت لبعض الشيء وأنا شبعان فقلت هات فقال سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحابة أو غياية فكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا لا
36

تستقبلوا رمضان بيوم من شعبان) وروى هذا الحديث حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس ولم يسمعه عمرو من ابن عباس وإنما يرويه عمرو بن دينار عن
محمد بن حنين (866) عن ابن عباس عن النبي عليه السلام مثله حدثنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا زكريا ابن إسحاق قال حدثنا عمرو بن دينار أن محمد بن حنين أخبره أنه سمع ابن عباس يقول إني لأعجب من هؤلاء الذين يصومون قبل رمضان إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فان غم عليكم فعدوا ثلاثين) أما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إذ ذكر رمضان لا تصوموا حتى ترو الهلال فالصيام لاسمه معنيان أحدهما لغوي والآخر شرعي تعبد الله به عبادة فأما معنى الصيام في اللغة فمعناه الامساك عما كان يصنعه الانسان (1) من حركة أو كلام أو أكل أو شرب أو مشى ونحو ذلك من سائر الحركات فإذا أمسك عما كان يصنعه سمى صائما في اللغة وليس ذلك معنى الصيام المأمور به المسلمون في القرآن والسنة والدليل على أن الامساك يسمى صوما قول الله عز وجل حاكيا عن مريم (إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم أنسيا) أي إمساكا عن الكلام وقال المفسرون أي صمتا وتقول العرب خيل صائمة إذا كانت واقفة دون أكل ولا رعى قال الشاعر (ب
* خيل صيام وخيل غير صائمة
* تحت العجاج وخيل تعلك اللجما
* يقول خيل ممسكة عن الأكل وخيل آكلة
37

وقال امرؤ القيس
* فدعها وسل الهم عنك بجسرة
* ذمول إذا صام النهار وسجرا
* ومعناه إذا أمسكت الشمس عن الجري واستوت في كبد السماء وقال بشر بن أبي حازم
* نعاما بوجرة صفر الخدود
* ما تطعم النوم إلا صياما
* وأما الصيام في الشريعة فالامساك عن الأكل والشرب والجماع من اطلاع الفجر إلى غروب الشمس وفرائض الصوم خمس وهي العلم بدخول الشهر والنية والامساك عن الطعام والشراب والجماع واستغراق طرفي النهار (1) المفترض صيامه وسنن الصيام أن لا يرفث الصائم ولا يغتاب أحدا وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله وأما قوله فإن غم عليكم فذلك من الغيم والغمام وهو السحاب يقال منه يوم غم وليلة غمة وذلك أن تكون السماء مغيمة وفي الآثار المذكورة في هذا الباب (ب) ما يوضح لك ذلك والحمد لله وروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه ابن عباس وأبو هريرة من حديث أبي سلمة عنه ومن حديث محمد ابن زياد (867) عنه ومن حديث سعيد بن المسيب عنه ومن
38

حديث الأعرج عنه وحذيفة بن اليمان (868) من رواية جرير عن منصور عن ربعي عن حذيفة ورواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال فإن غم عليكم فاقدروا له وحديث ابن عباس يفسر حديث ابن عمر في قوله فاقدروا له وكذلك جعله مالك في كتابه بعده مفسرا له وقد كان ابن عمر يذهب في قوله فاقدروا له مذهبا سنذكره عنه في باب حديث نافع من كتابنا هذا إن شاء الله ونذكر من تابعه على تأويله ذلك ومن خالفه فيه ونذكر هنا كثيرا من معاني هذا الباب إن شاء الله ولا قوة إلا بالله وفي حديث ابن عباس هذا من الفقه أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وفيه أن الله تعبد عباده في الصوم برؤية الهلال لرمضان أو باستعمال شعبان ثلاثين يوما وفيه تأويل لقول الله عز وجل * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * إن شهوده رؤيته أو العلم برؤيته وفيه أن اليقين لا يزيله الشك ولا يزيله إلا يقين مثله لأنه صلى الله عليه وسلم أمر الناس ألا يدعوا ما هم عليه من يقين شعبان إلا بيقين رؤية واستكمال (1) العدة وإن الشك لا يعمل في ذلك شيئا ولهذا نهى عن صوم يوم الشك اطراحا لأعمال الشك واعلاما أن الاحكام لا تجب الا بيقين لا شك فيه وهذا أصل عظيم من الفقه أن لا يدع الإنسان ما هو عليه من الحال المتيقنة الا بيقين من انتقالها وقوله صلى الله عليه وسلم فإن غم عليكم فأكملوا العدد (ب) ثلاثين يوما يقتضي استكمال شعبان قبل الصيام
39

واستكمال رمضان أيضا وفيه دليل على أنه لا يجوز صيام يوم الشك خوفا أن يكون من رمضان وقد ذكرنا في باب نافع عن ابن عمر من كتابنا هذا اختلاف الفقهاء في صيام يوم الشك على أنه من رمضان بأتم من ذلك ها هنا لأن ذلك الموضع أولى به لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر فاقدروا له (1) واختلف العلماء في صوم آخر يوم من شعبان تطوعا فأجازه مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر الفقهاء إذا كان تطوعا ولم يكن خوفا ولا احتياطا أن يكون من رمضان ولا يجوز عندهم صومه على الشك قال مالك أن تيقن انه من شعبان جاز صومه تطوعا وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة لا يصام يوم الشك إلا تطوعا وقال الثوري لا يتلوم (ب) يوم الشك ولا يصوم أحد يوم الشك وسيأتي القول فيمن صامه على الشك هل يجزئه من رمضان عند قوله فأقدروا له في باب نافع إن شاء الله قال بعض أهل العلم من أهل احديث أنه لا يجوز صيام يومين قبل رمضان من آخر شعبان إلا لمن كان له عادة صيام شعبان واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (ج) (لا يقدم (د) أحدكم رمضان بيوم ولا يومين إلا أن يكون صوما كان يصومه أحدكم فليتم صومه) رواه يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو (869) عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي
40

صلى الله عليه وسلم قالوا وفي قوله ولا يومين دليل على أن ذلك تطوع لأنه لا يجوز أن يكون الشك في يومين قال أبو عمر زعم بعض أصحابنا أن في صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبان تطوعا دليلا على أن نهيه عن صوم يوم الشك إنما هو على الخوف أن يكون من رمضان وإن هذا هو المكروه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال
حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد (870) بن إسماعيل قال حدثنا صالح قال حدثني معاوية (871) بن صالح أن عبد الله بن قيس (872) حدثه انه سمع عائشة تقول (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان ويصله برمضان) وروى سالم بن أبي الجعد عن أبي سلمة عن أم سلمة (873) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كان يصوم شعبان ويصله برمضان) رواه عن سالم جماعة لم يختلفوا عليه وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يصوم شعبان كله) قال وهذه الآثار كلها تدل على
41

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) أنما كان يصوم يوم الشك تطوعا لا خوفا أن يكون من رمضان قال أبو عمر ليس في صيامه لشعبان تطوعا دفع لما تأوله اولائك في النهي عن صوم يوم الشك تطوعا لأن في الحديث ألا أن يكون في صوم يصومه وفي ذلك دلالة على أن النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إنما هو على ذلك الوجه والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته فمعناه صوموا اليوم الذي يلي ليلة رؤيته من أوله ولم يرد صوموا من وقت رؤيته لأن الليل ليس بموضع صيام وإذا رؤى الهلال نهارا فإنما هو لليلة التي تأتي هذا هو الصحيح إن شاء الله وقد اختلفت الرواية في هذه المسألة عن عمر رضي الله عنه ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن أبي وائل قال كتب الينا عمر ونحن بخانقين (874) إذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان أنهما رأياه بالأمس ففي هذا الخبر عن عمر اعتبار شهادة رجلين على رؤية الهلال ولم يخص عشيا من غير عشى وقد ذكرنا مسألة الشهادة على الهلال في باب نافع حدثنا أحمد بن قاسم (875) المقرئ قال حدثنا عبيد الله بن محمد
42

ابن حبابة (876) قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا زهير (877) بن معاوية عن الأعمش عن شقيق (878) بن سلمة قال كتب الينا عمر بن الخطاب ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد عدلان أنهما رأياه بالأمس وروى عن علي بن أبي طالب مثل ذلك ذكره عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن يحيى بن الجزار (879) عن علي وقد روى من حديث أبي إسحاق عن الحرث أن هلال الفطر ريء نهارا فلم يأمر علي بن أبي طالب الناس أن يفطروا من يومهم ذلك وروى الزهري عن سالم (880) عن ابن عمر قال لا تفطروا حتى يرى من موضعه وعن ابن مسعود وأنس بن مالك (881)
43

مثل ذلك وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن والليث بن سعد والأوزاعي (882) وبه قال أحمد وإسحاق كل هؤلاء يقول إذا ريء الهلال نهارا قبل الزوال أبو بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة وقال سفيان الثوري وأبو يوسف أن ريء بعد الزوال فهو لليلة التي تأتي وإن ريء قبل الزوال فهو لليلة الماضية وروى مثل ذلك عن عمر ذكر عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن مغيرة عن شباك (883) (1) عن إبراهيم قال كتب عمر إلى عتبة بن فرقد (884) إذا رأيتم الهلال نهارا قبل أن تزول الشمس لتمام ثلاثين فافطروا وإذا رأيتموه بعد ما تزول الشمس فلا تفطروا حتى تمسوا وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن أسباط (885) بن محمد عن مطرف عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي مثل ذلك ولا يصح في هذه المسألة من جهة الاسناد شيء عن علي رحمه الله وروى عن سلمان (ب) بن ربيعة (886)
44

مثل قول الثوري واليه ذهب عبد الملك بن حبيب (887) واختلف عن عمر بن عبد العزيز في هذه المسألة فروى عنه ما يدل على الوجهين جميعا والحديث عن عمر بمعنى ما ذهب اليه مالك والشافعي وأبو حنيفة ومن تابعهم متصل والحديث الذي روى عنه بمذهب الثوري وأبي يوسف منقطع والمصير إلى المتصل أولى وعليه أكثر العلماء حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا هشام بن (888) خالد قال حدثنا الوليد بن مسلم (889) قال سألت مالكا والليث والأوزاعي عن الهلال يرى من أول النهار فقالوا هو لليلة التي تجيء قال الأوزاعي وكتب بذلك عمر بن الخطاب وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولا تفطروا حتى تروا الهلال ففيه رد لتأويل من تأول قوله صلى الله عليه وسلم شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذوا الحجة أنهما لا ينقصان من ثلاثين ثلاثين يوما لأن قوله ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين دليل على جواز كون (1) رمضان من تسع وعشرين ومع هذا الدليل فإن المشاهدة تثبت ما قلنا وكفى بها حجة لما ذكرنا وأما الحديث فحدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد أن
45

يزيد بن زريع حدثهم قال حدثنا خالد الحذاء عن عبد الرحمان بن أبي بكرة (890) عن أبيه (891) عن النبي عليه السلام قال شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ورواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ورواه سالم أبو عبيد الله بن سالم عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن النبي عليه السلام مثله سواء وهذا معناه عندنا والله أعلم أنهما لا ينقصان في الأجر وتكفير الخطايا سواء كانا من تسع وعشرين أو من ثلاثين وأن ما وعد الله صائم رمضان على لسان نبيه عليه السلام من الأجر فهو منجزه له سواء كان شهره ثلاثين أو تسعا وعشرين وأما حديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كل شهر حرام ثلاثون يوما وثلاثون ليلة فإنه حديث لا يحتج بمثله لأنه يدور على عبد الرحمان بن إسحاق (892) وهو ضعيف حدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن إبراهيم (893) بن أحمد البغدادي المعروف بابن الحداد بمصر قال حدثنا زكريا بن يحيى (894)
46

السجزي قال حدثنا يوسف بن سليمان (895) قال حدثنا مروان ابن معاوية (896) قال حدثنا عبد الرحمان بن إسحاق (897) القرشي قال حدثنا عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شهر حرام ثلاثون يوما وثلاثون ليلة قال أبو عمر الأشهر الحرم أربعة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب وقد حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن منيع عن ابن أبي زائدة (898) عن عيسى بن دينار عن أبيه عن عمرو بن الحرث بن أبي ضرار عن ابن مسعود قال لما صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين وهذا أيضا يدفع التأويل المذكور في قوله شهرا عيد لا ينقصان ويوضح لك أن رمضان قد يكون تسعا وعشرين وفيما يدرك من ذلك معاينة ومشاهدة كفاية وبالله التوفيق وسيأتي ذكر الاختلاف في الشهادة على
رؤية هلال رمضان وذكر رؤية هلال رمضان وهلال الفطر في بلد دون بلد في باب نافع إن شاء الله
47

حديث ثالث لثور بن زيد مرسل مالك عن ثور بن زيد الديلي أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أو أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الاسلام هكذا هذا الحديث في الموطأ لم يتجاوز به ثور بن زيد أنه بلغه عند جماعة رواه الموطأ والله أعلم ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس تفرد به عن مالك بهذا الإسناد وهو ثقة وقد روى هذا الحديث مسندا من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه محمد بن مسلم (899) الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس ورواه ابن عيينة عن عمرو عن النبي عليه السلام مرسلا أخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا ابن سنجر قال حدثنا موسى ابن داود (900) قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن
48

دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قسم قسم في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية وكل شيء ادركه الاسلام ولم يقسم فهو على قسم الاسلام وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال أخبرنا محمد بن عمر بن علي بن حرب قال أخبرنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال قال النبي عليه السلام أيما ميراث من الجاهلية أقتسم في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية وما أدرك الاسلام فهو على قسم الاسلام أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم قال حدثنا موسى بن داود قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الاسلام ولم يقسم فهو على قسم الاسلام قال أبو عمر قال المزني (901) سألت الشافعي عن أهل دار الحرب يقتسمون ميراثا من العقار وغيره ويملك بعضهم على بعض بذلك القسم ثم يسلمون فيريد بعضهم أن ينقض ذلك القسم ويقسم على قسم الاسلام فقال ليس ذلك له فقلت له وما الحجة في ذلك فقال الاستدلال بمعنى الاجماع والسنة قلت وأين ذلك فذكر حديث مالك عن ثور بن زيد هذا قال ونحن نرويه متصلا ثابتا بهذا المعنى قال وأما الاجماع فإن أهل دار الحرب إذا سبا بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا ثم أسلموا أهدرت الدماء وملك
49

كل واحد منهم ما كان قد ملكه قبل الاسلام من الرقيق الذين استرقهم وسائر الأموال فما ملكوه بالقسم في الجاهلية أحق وأولى أن يثبت من ملك (1) الغصب والاسترقاق لمن كان حرا وقال ابن وهب سألت مالكا عن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية فقال لي هو كذلك أيما دار في الجاهلية قسمت ثم أسلم أهلها فهم على قسمتهم يومئذ وأيما دار في الجاهلية لم تزل بأيدي أصحابها لم يقتسموها حتى كان الاسلام فاقتمسوها في الاسلام فهو على قسم الاسلام فقلت لمالك أرأيت النصراني يموت ويترك ولدا نصرانيا ثم يموت فيسلم بعض ولده قبل قسم ميراثهم فقال مالك ليس هذا من هذا في شيء إنما يقسم هؤلاء من أسلم مهم ومن لم يسلم على حال قسمهم يوم مات أبوهم وقال إسماعيل بن إسحاق (902) في كتاب الفرائض له معنى هذا الحديث والله أعلم أن أهل الجاهلية كانوا يقتسمون المواريث على خلاف فرائضنا فإذا اقتسموا ميراثا في الجاهلية ثم أسلموا بعد ذلك فهم على ما أسلموا عليه كما يسلم على ما صار في يد كل واحد منهم وحازه من الغصوب (ب) والدماء وغير ذلك فكذلك كلما اقتسموا من المواريث فإذا أسلموا قبل أن يبرموا في ذلك شيئا عملوا فيه بإحكام المسلمين وأما مواريث أهل الاسلام فقد استقر حكمها يوم مات الميت قسمت أو لم تقسم وهم فيما لم يقسم على حسب شركتهم وعلى قدر سهامهم قال إسماعيل
50

وأحسب أهل الجاهلية لم يكونوا يعطون الزوجة ما نعطيها ولا يعطون البنات ما نعطيهن وربما لم تكن لهم مواريث معلومة يعملون عليها قال وقد حدثنا أبو ثابت (903) عن ابن القاسم (904) قال سألنا مالكا عن الحديث الذي جاء أيما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الاسلام فقال مالك الحديث لغير أهل الكتاب وأما النصارى واليهود فهم على مواريثهم لا ينقل الاسلام مواريثهم التي كانوا عليها قال إسماعيل قول مالك هذا على أن النصارى واليهود لهم مواريث قد تراضوا عليها وإن كانت ظلما فإذا اسلموا على ميراث قد مضى (1) فهم كما لو اصطلحوا عليه ثم يكون ما يحدث من مواريثهم بعد الاسلام على حكم الاسلام حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن كامل قال حدثنا أحمد بن محمد بن (905) الحجاج قال حدثنا زيد بن البشر قال حدثنا ابن وهب قال سمعت الليث يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم ما كان على قسم الجاهلية فهو على قسم الجاهلية (ب) وما كان من قسم أدركه الإسلام قبل أن يقسم فهو على قسم الاسلام
51

إن ذلك يكون أبدا في الإسلام فلو أن نصرانيا هلك وترك ولدا له نصرانيا ثم أسلموا جميعا قبل القسم قسم بينهم الميراث على قسم مواريث المسلمين ولو أنهم اقتسموا قبل أن يسلموا لكانت مواريثهم على قسم الجاهلية قال وإن أسلم بعضهم ولم يسلم بعض فإن القسم بينهم على قسم الجاهلية لأنهم إنما ورثوه يوم مات وهم على دينهم (1) قال أبو عمر اختلف أصحاب مالك في معنى هذا الحديث فروى ابن القاسم عن مالك أنه قال إنما ذلك في مشركي العرب والمجوس فقط وأما اليهود والنصارى فهم على قسمتهم قال أبو عمر فالوثني والمجوسي ومن لا كتاب له عنده في هذه الرواية إذا مات وله ورثة على دينه فلم يقتسموا ميراثه حتى أسلموا اقتسموه على شريعة الاسلام لأنهم في وقت القسمة مسلمون ولا كتاب لهم فيقتسمون ما وجب لهم من ميراثهم عليه وأما الكتابي على هذه الرواية إذا مات وله ورثة على دينه فلم يقتسموا ميراثه حتى أسلموا فإنهم يقتسمونه على حسب ما وجب لكل واحد منهم في دينه وشريعته في حين موت موروثهم لأن الميراث حينئذ وجب واستحق كل واحد منهم ما استحقه بموت موروثه لا يزاح أحد منهم عما استحقه في دينه الذي قد أقررناه عليه وروى ابن نافع وأشهب (906) وعبد الملك بن عبد العزيز
52

ومطرف (907) عن مالك أن ذلك في الكفار كلهم المجوس ومشركي العرب وأهل الكتاب وجميع أهل الملل وهذا أولى لما فيه من استعمال الحديث على عمومه في أهل الجاهلية ولأن الكفر لا تفترق أحكامه لاختلاف أديانه ألا ترى أن من أسلم من جميعهم أمر على نكاحه ولحقه ولده وعند مالك وجميع أصحابه أن أهل الكفر كلهم سوء
مجوسا كانوا أو كتابيين في مقاتلتهم وضرب الجزية عليهم وقبولهم منهم وإقرارهم على دينهم وقد جمعهم الله عز وجل في الوعيد والتخليد في النار وشملهم اسم الكفر فلا يفرق بين شيء من أحكامهم إلا ما قام الدليل عليه فيكون مخصوصا بذلك الدليل الذي خصه كأكل ذبائح الكتابين ومناكحتهم دون سائر أهل الكفر بما نص عليه من ذلك ومحال ان يكونوا جماعة مؤمنين كلهم يقتسمون ميراثهم على شريعة الطاغوت ومنهاج الكفر وهذا قول ابن شهاب وجماعة أهل الحجاز وجمهور أهل العلم والحديث وكل من قال بهذا الحديث لم يفرق بين الكتابيين وغيرهم إلا ما ذكرنا وقد أبي قوم من القول به والحجة تلزمهم به لأنه حديث قد وصله من ليس به بأس وهو معمول به عند أهل المدينة ومكة وقد روى أصبغ عن ابن القاسم أنه سئل عن قول رسل الله صلى الله عليه وسلم أيما دار قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام قلت أيريد بهذا مشركي العرب أم يكون في اليهود والنصارى فقال تفسيره عندي أن كل ورثة ورثوا دارا على مجوسية أو يهودية أو نصرانية فلم يقسموا حتى أسلموا فإن مواريثهم ترجع في قسم الدار على سنة
53

فرائض الاسلام وإن كانوا قد اقتسموا وهم على يهوديتهم أو مجوسيتهم مضى ذلك القسم ولم يعد بينهم اتباعا للحديث واخذا به قلت له فإن أسلم بعضهم قبل أن يقتسموا فدعا من اسلم منهم إلى أن يقتسموا على فرائض الإسلام ودعا من لم يسلم منهم إلى التمسك بفرائض أهل دينهم كيف الحكم بينهم فقال يقرون على قسم أهل دينهم ما بقي منهم واحد لم يسلم ولا يجبرون على غير ذلك إلا أن يتراضو على حكم من حكام المسلمين فحكم بينهم بكتاب الله هكذا ذكره ورواه مطروح بن محمد بن شاكر عن أصبغ وروى ابن وهب قال قلت لمالك النصراني يموت وله ولد نصارى فيسلم بعض ولده بعد موته قبل قسم الميراث فقال من أسلم منهم ومن لم يسلم (1) على حال واحدة في قسمتهم يوم مات أبوهم إن كان للذكر في قسمتهم مثل حظ الأنثى (ب) لم يكن لمن أسلم إلا ذلك إنما يقسمون (ج) على قسم النصرانية وإن كان قد أسلم بعضهم فلا يقسم لمن أسلم منهم إلا ما وجب له قبل أن يسلم يوم مات أبوه قال وقال مالك في النصراني يموت وله أولاد مسلمون ونصارى فيسلم النصراني منهم قبل قسم الميراث فقال إنما يكون ميراثه لمن كان على دينه يوم مات وليس لمن كان مسلما قبل موته شيء ولو أسلم النصراني وله أولاد مسلمون ونصارى ثم مات فاسلم ولده النصارى بعد موته قبل القسم لم يكن لهم من ميراثه شيء فقلت لمالك والعتاقة كذلك فقال (د) نعم من اعتق بعد الموت فلا شيء له وإن كان قبل القسم
54

قال أبو عمر بهذا قال الشافعي وجمهور أهل العلم وروى ذلك عن علي بن أبي طالب وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وسليمان بن يسار والزهري كلهم يقول من أسلم أو أعتق بعد الموت فلا ميراث له ولا قسم لأن الميراث قد وجب في حين الموت لمن وجب من عصبة أو بيت مال المسلمين أو سائر ورثته وهو قول الكوفيين والحجازيين وجمهور العلماء ان الميراث إنما يقع ويجب بموت الموروث في حين موته كالرجل المسلم يموت وله أولاد نصارى ثم يسلمون بعد فلا حق لهم في ميراثه وقد وجب بموته لوارث مسلم إن كان له غيرهم وإلا فلبيت مال المسلمين إلا ما روى عن أبي الشعثاء جابر بن زيد البصري وطائفة من فقهاء التابعين بالبصرة خاصة فإن ابن أبي عمر (908) ذكر عن ابن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت أبا الشعثاء يقول إذا مات الرجل وترك ابنا له مملوكا فاعتق أو نصرانيا فاسلم من قبل أن يقتسم ميراثه ورثته قال سفيان سمعت عمرو بن دينار يقول أظن أبا الشعثاء أخذه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما ميراث من ميراث الجاهلية أقتسم في الجاهلية فهو على قسم الجاهلية وما أدرك الإسلام فهو على قسم الاسلام قال سفيان بن عيينة حدثنا داود بن أبي هند قال سألت سعيد بن المسيب عن الميراث إذا أسلم أو أعتق الوارث بعد الموت فقال سعيد يرد الميراث (1) إلى أهله يقول لا يرث وإن اعتق قبل أن يقسم الميراث لأن أباه وهو عبد مملوك
55

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمان بن مهدي قال حدثنا شعبة قال سألت الحكم وحمادا عن رجل أسلم على ميراث فقالا ليس له شيء وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء وابن أبي ليلى إن مات مسلم وله ولد نصارى ثم أسلموا ولم يقسم ميراثه حتى أسلموا فلا حق لهم وقعت المواريث قبل أن يسلموا قال وأخبرنا معمر عن الزهري سمعه يقول إذا وقعت المواريث فمن أسلم على ميراث فلا شيء له ومن حديث شعبة قال أخبرني حصين (909) قال رأيت شيخا يتوكأ على عصا فقيل لي هذا وارث صفية بنت حيي بن أخطب أسلم على ميراثها بعد موتها قبل ان يقسم فلم يورث قال أبو عمر على هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث ومن قال بقولهم وقد جاء عن عمر وعثمان رضي الله عنهما في هذا الباب شيء موافق لقول أبي الشعثاء ليس عليه العمل عند الفقهاء فيما علمت وهو حديث حدثناه أحمد بن فتح قال حدثنا ابن أبي رافع (910) قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن
56

أبي قلابة (911) عن حسان بن بلال (912) المزني عن يزيد بن قتادة (413) إن إنسانا مات من أهله وهو على غير دين الإسلام قال فورثته ابنته دوني وكانت على دينه ثم إن جدي أسلم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فتوفى وترك نخلا فأسلمت فخاصمتني في الميراث إلى عثمان بن عفان فحدث عبد الله بن الأرقم (914) أن عمر = قضى أنه من أسلم على ميراث قيل أن يقسم فإنه يصيبه فقضى له عثمان فذهبت بالأولى وشاركتني في الآخرة قال إسماعيل هذا حكم لا يحتمل فيه على مثل حسان ابن بلال ويزيد بن قتادة لأن فقهاء الأمصار من أهل المدينة والكوفة على خلافه ولأن ظاهر القرآن يدل على أن الميراث يجب لأهله في حين موت الميت قال أبو عمر كان عثمان رحمه الله يقول في هذا الباب بما عليه الفقهاء اليوم حتى حدثه عبد الله بن أرقم عن عمر بن الخطاب أنه ورث قوما أسلموا قبل قسم الميراث وبعد موت الموروث فرجع إلى هذا القول وقال به وتابعه على ذلك ثلاثة من فقهاء التابعين بالبصرة وهم الحسن وجابر بن زيد وقتادة وقال الحسن فإن قسم بعض
57

الميراث ثم أسلم ورث مما لم يقسم ولم يرث مما قسم وحجة من قال هذا القول حديث هذا الباب وقد رواه سعيد (915) بن أبي عروبة عن قتادة عن حسان بن بلال عن يزيد بن قتادة العنزي (1) عن عبد الله بن الأرقم كاتب عمر أن عمر بن الخطاب قال من أسلم على ميراث قبل أن يقسم صار الميراث له باسلامه واجبا وروى عبد الوارث عن كثير بن شنظير (916) عن عطاء أن رجلا أسلم على ميراث على عهد النبي عليه السلام قبل أن يقسم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبه منه
وروى يزيد بن زريع عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن زيد بن قتادة قال توفيت أمنا مسلمة ولي أخوة نصارى فأسلموا قبل أن يقسم الميراث فدخلنا على عثمان فسأل كيف قضى في ذلك عمر فأخبر فأشرك بيننا وروى وهيب عن يونس عن الحسن قال من أسلم على ميراث قبل أن يقتسم فهو أحق به قال أبو عمر حكم من اعتق عندهم قبل القسم كحكم من أسلم واختلف في ذلك عن الحسن (ب) فقال مرة هو بمنزلة من أسلم وقال مرة أخرى من اسلم ورث ومن اعتق لم يرث لأن الحديث إنما جاء
58

فيمن أدرك الإسلام وهو قول إياس بن (917) معاوية وحميد وروى أبو زرعة (918) الرازي قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن حميد عن الحسن قال العبد إذا اعتق على ميراث قبل أن يقسم فهو أحق به وبه قال أبو زرعة فيمن أسلم على ميراث قبل أن يقسم أنه له وخالفه أبو حاتم فقال ليس له من الميراث شيء وروى أبو نعيم عن محمد (919) بن راشد عن مكحول في المملوك يموت ذو قرابته ثم يعتق قبل أن يقسم الميراث فإنه يرثه وروى ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري في العبد يعتق على الميراث قال ليس له شيء وروى حماد بن سلمة عن حميد قال كان إياس بن معاوية يقول أما النصراني يسلم فنعم وأما العبد يعتق فلا قال وبه قال حميد فيمن أعتق أو أسلم على ميراث قبل أن يقسم يعني أنه فرق بين العتق والإسلام في ذلك قال أبو عمر لا حجة في هذا الحديث لمن قال بقول جابر ابن زيد لأنه إنما ورد في كيفية قسمة من أسلم على ميراث لا في توريث من لا يجب له ميراث وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وعلى هذا الحديث العمل عند جماعة الفقهاء
59

بالحجاز والعراق والشام والمغرب وسيأتي ذكر هذا الحديث في باب ابن شهاب عن علي بن حسين من هذا الكتاب إن شاء الله وذكر إسماعيل قال حدثنا محمد بن المنهال قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم قال من أسلم على ميراث قبل أن يقسم أو اعتق على ميراث قبل أني قسم فليس لواحد منهما شيء وجبت الحقوق لأهلها حيث مات قال وحدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا داود عن سعيد بن المسيب قال إذا مات الميت يرد الميراث لأهله قال أبو عمر وحكم العين والمتاع وسائر الأموال حكم العقار المذكور في حديث مالك الدار والأرض لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غير حديث مالك مما قد ذكرناه في هذا الباب وأيما شيء وأيما ميراث من ميراث الجاهلية وذلك عام في كل ما وقع عليه اسم شيء واسم ميراث وهذا لا خلاف فيه بين العلماء فأغنى ذلك عن الكلام فيه
60

حديث رابع لثور بن زيد مرسل شركه فيه حميد بن قيس مالك عن حميد بن قيس وثور بن زيد أنهما أخبراه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدهما يزيد في الحديث على صاحبه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قائما في الشمس فقال ما بال هذا قالوا نذر ألا يتلكم ولا يستظل ولا يجلس ويصوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مروه فليتكلم وليستظل وليجلس وليتم صيامه قال مالك ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة وقد امره أن يتم ما كان لله طاعة وأن يترك ما كان لله معصية قال أبو عمر هذا الحديث يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه منها حديث جابر وابن عباس ومن حديث قيس بن أبي حازم (920) عن أبيه (921) عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث طاووس عن أبي إسرائيل رجل من أصحاب النبي عليه
61

السلام وأظن والله أعلم أن حديث جابر هو هذا لأن مجاهدا رواه عن جابر وحميد بن قيس صاحب مجاهد وفيه دليل على أن السكوت عن المباح أو عن ذكر الله ليس من طاعة الله وكذلك الجلوس للشمس وفي معناه كل ما يتأذى به الإنسان مما لا طاعة فيه بنص كتاب أو سنة وكذلك الحفا وغيره مما لم ترد الشريعة بعمله لا طاعة لله فيه ولا قربة وإنما الطاعة ما أمر الله به ورسوله بالتقرب بعمله إلى الله تبارك اسمه وقد جاء عن مالك في هذاالباب مسألة ذكرها في موطأه في الرجل يقول للرجل أنا أحملك إلى بيت الله قال إن نوى أن يحمله على رقبته يريد بذلك المشقة فليس ذلك عليه وليمش على رجليه وليهد وإن لم يكن نوى شيئا من ذلك فليحج وليركب وليحج به معه ان أطاعه وأن أبى فلا شيء عليه وقد أنكر قوم على مالك إيجاب الهدى في هذه المسألة على الذي نوى أن يحمله على رقبته وقالوا ليس هذا أصله فيمن ترك الوفاء بما لا طاعة فيه من نذره أن يكفر بهدي أو غيره لأن حمله على رقبته ليس لله فيه طاعة وهو يشبه نذر الذي نذر أن لا يتكلم ولا يستظل وقد سئل إسماعيل القاضي عن هذا فقال لو قدر أن يحمله لكان طاعة قال ومن هنا وجب عليه الهدى عند مالك ولم يجعله كالمستظل والمتكلم بعد نذره أن لا يستظل ولا يتكلم قال أبو عمر أصل مالك الذي لم يخالفه فيه أحد من أصحابه أن من نذر ما فيه لله طاعة بما لا طاعة فيه لزمه الوفاء بما فيه طاعة وترك ما سواه ولا شيء عليه لتركه وذلك كمن نذر أن يمشي إلى بيت المقدس للصلاة فيه فينبغي له أن يقصد بيت المقدس لما في ذلك من الطاعة وليس عليه قصده ماشيا إذ المشي لا طاعة فيه ولا هدي عليه وهذا يقضي على المسألة الأولى ويقضي على أن من
62

نذر المشي إلى الكعبة حافيا أنه ينتعل ولا شيء عليه وإن كان مالك في هذه كان يستحسن الهدى أيضا وليس بشيء حدثني أحمد بن محمد بن أحمد قال أخبرنا أحمد بن الفضل الخفاف قال حدثنا محمد بن جرير (922) قال حدثنا محمد بن حميد (923) قال حدثنا سلمة بن الفضل (924) عن ابن إسحاق (925) عن أبان ابن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال كان أبو إسرائيل رجلا من بني فهر فنذر ليقومن في الشمس حتى يصلي النبي عليه السلام الجمعة وليصومن ذلك اليوم فرآه النبي عليه السلام فقال ما شأنه فأخبروه فأمره أن يجلس ويستظل ويصوم ولم يأمره بكفارة وهذا الحديث يدل على أن كل ما ليس لله بطاعة حكمه حكم المعصية في أنه لا يلزم الوفاء ولا الكفارة عنه فإن ظن ظان إن إيجاب الكفارة بالهدي أو غيره احتياط قيل له لا مدخل للاحتياط في ايجاب شيء لم يوجبه الله في ذمة بريئة بل الاحتياط الكف عن إيجاب ما لم يأذن الله بإيجابه وفي هذا الحديث أيضا دليل على فساد قول من قال إن من نذر معصية كان
63

عليه مع تركها كفارة يمين فإن احتج محتج بحديث عمران بن حصين وحديث أبي هريرة جميعا عن النبي عليه السلام أنه قال لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين قيل له هذان حديثان مضطربان لا أصل لهما عند أهل الحديث لأن حديث أبي هريرة إنما يدور على سليمان بن أرقم (926) وسليمان بن أرقم متروك الحديث وحديث عمران بن حصين يدور على زهير (927) بن محمد عن أبيه وأبوه مجهول لم يرو عنه غير ابنه زهير وزهير أيضا عنده مناكير وقد بينا العلة في هذين الحديثين في باب
طلحة بن عبد الملك من كتابنا هذا ويدل هذا الحديث أيضا على صحة قول من ذهب إلى أن من نذر أن ينحر ابنه أنه لا شيء عليه من كفارة ولا غيرها وقد قاله مالك على اختلاف عنه وهو الصحيح إن شاء الله لأنه لا معصية أعظم من إراقة دم امرئ مسلم بغير حق ولا معنى لايجاب كفارة يمين على من نذر ذلك ولا للاعتبار في ذلك بكفارة الظهار في قول المنكر والزور لأن الظهار ليس بنذر والمنذر في المعصية قد جاء فيه نص عن النبي صلى الله عليه وسلم قولا وعملا فأما العمل فهو ما (1) في حديث جابر هذا وأما القول فحديث عائشة عن النبي عليه السلام أنه قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه وقد ذكرنا في كتابنا هذا في باب طلحة بن عبد الملك
64

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد الجهني قال حدثنا سعيد بن السكن قال حدثنا محمد بن (928) يوسف قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا (929) وهيب قال حدثنا أيوب عن ابن عباس قال بينما النبي عليه السلام يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا يا رسول الله أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه قال البخاري وقال عبد الوهاب (930) حدثنا أيوب عن عكرمة عن النبي عليه السلام قال أبو عمر سيأتي في باب طلحة بن عبد الملك ما ينضاف إلى هذا الباب ويليق به إن شاء الله
65

باب الجيم جعفر بن محمد بن علي بن حسين ابن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم يكنى أبا عبد الله وأمه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وهو جعفر المعروف بالصادق وكان ثقة مأمونا عاقلا حكيما ورعا فاضلا واليه تنسب الجعفرية وتدعيه من الشيعة الامامية (1) وتكذب عليه الشيعة كثيرا ولم يكن هناك في الحفظ ذكر ابن عيينة أنه كان في حفظه شيء توفي بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر هذا قول الواقدي والمدائني وروى علي بن الجعد عن زهير بن محمد قال قال أبي لجعفر بن محمد أن لي جارا يزعم أنك تتبرأ من أبي بكر وعمر فقال برئ الله من جارك والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر ولقد اشتكيت شكاة فأوصيت إلى خالي عبد الرحمان ابن القاسم (931) ومن كلامه وكان أكثر كلامه حكمة أوفر
66

الناس عقلا أقلهم نسيانا لامر آخرته وهو القائل أسرع الأشياء انقطاعا مودة الفاسق وذكر مصعب الزبيري عن مالك رحمه الله قال اختلفت إلى جعفر بن محمد زمانا وما كنت أراه إلا على ثلاث (1) خصال أما مصل وأما صائم وأما يقرأ القرآن وما رأيته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة وكان لا يتكلم فيما لا يعنيه وكان من العلماء العباد الزهاد الذين يخشون الله ولقد حججت معه سنة فلما أتى الشجرة أحرم فكلما أراد أن يهل كاد يغشى عليه فقلت له لا بد لك من ذلك وكان يكرمني وينبسط إلي فقال يا أبن أبي عامر إني أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك فيقول لا لبيك ولا سعديك قال مالك ولقد أحرم جده علي أبن حسين فلما أراد أن يقول (ب) اللهم لبيك أو قالها غشى عليه وسقط من ناقته فهشم وجهه رضي الله عنهم أجمعين قال أبو عمر لمالك عن جعفر بن محمد في الموطأ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم تسعة أحاديث منها خمسة متصلة أصلها حديث واحد وهو حديث جابر الحديث الطويل في الحج والأربعة منقطعة تتصل من غير رواية مالك من وجوه
67

حديث أول لجعفر بن محمد مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه (1) ثلاثة أشواط قال أبو عمر يعني من الأشواط السبعة في طواف الدخول وهذا ما لا خلاف فيه أن الرمل وهو الحركة والزيادة في المشي لا يكون إلا ثلاثة أشواط حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد حدثنا يوسف بن يزيد حدثنا عبد الله بن عبد الحكيم أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمل من الحجر الأسود حتى ينتهي إليه ثلاثة أطواف في هذا الحديث أن الطائف بالبيت يبتدئ طوافه من الحجر وهو ما لا خلاف فيه أيضا وإذا بدأ من الحجر مضى على يمينه وهو أيضا ما لا خلاف فيه فإن لم يمض على يمينه كان الطواف منكوسا وكان عليه اعادته عندنا فإذا مضى على يمينه جعل البيت عن يساره وذلك أن الداخل من باب بني شيبة أو من غيره أول ما يبدأ به أن يأتي الحجر يقصده فيقبله أن استطاع أو يمسحه بيمينه ويقبلها فإن لم يقدر قام بحياله فكبر ثم أخذ في طوافه يمضي على يمينه ويكون البيت
68

عن يساره متوجها ما يلي الباب باب الكعبة إلى الركن الذي لا يستلم ثم الذي يليه مثله إلى الركن الثالث وهو اليماني الذي يلي الأسود من جهة اليمين ثم إلى الحجر الأسود يفعل ذلك ثلاثة أشواط يرمل فيها ثم أربعة لا يرمل فيها وهذا كله إجماع من العلماء فإن لم يطف كما وصفنا كان منكسا لطوافه وإذا أخذ عن يساره إلى الركن اليماني وجعل البيت عن يمينه لم يجزه ذلك الطواف عندنا واختلف الفقهاء فيمن طاف الطواف الواجب منكوسا على ضد ما وصفنا بأن يمضي على يساره إذا استسلم الحجر ولم يعده حتى خرج من مكة وأبعد فقال مالك والشافعي وأصحابهما لا يجزئه الطواف منكوسا وعليه أن ينصرف من بلاده فيطوف لأنه كمن لم يطف وهو قول الحميدي وأبي ثور وقال أبو حنيفة وأصحابه يعيد الطواف ما دام بمكة فإذا بلغ الكوفة أو أبعد كان عليه دم ويجزئه وكلهم يقول إذا كان بمكة أعاد وكذلك القول عند مالك والشافعي فيمن نسي شوطا واحدا من الطواف الواجب أنه لا يجزئه وعليه أن يرجع من بلاده على بقية إحرامه فيطوف وقال أبو حنيفة في هذه (1) أن بلغ بلده لم ينصرف وكان عليه دم قال أبو عمر حجة من لم يجز الطواف منكوسا أن رسول الله لما استسلم الركن أخذ عن يمينه فمن خالف فعله فليس بطائف ويعضد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم من احدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد يعني مردودا وقال خذوا عني مناسككم أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عبد الأعلى (932)
69

ابن واصل بن عبد الأعلى قال حدثنا يحيى بن آدم عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل المسجد فاستلم الحجر ومضى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعة ثم أتى المقام فقال * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * فصلى ركعتين والمقام بينه وبين البيت ثم أتى البيت بعد الركعتين فاستلم الحجر ثم خرج إلى الصفا قال أبو عمر وأما الرمل فهو المشي خببا يشتد فيه دون الهرولة قليلا وأصله أن يحرك الماشي منكبيه لشدة الحركة في مشيه
هذا حكم الثلاثة الأشواط في الطواف بالبيت وأما الأربعة الأشواط في الطواف (1) تتمة الأسبوع فحكمها المشي المعهود بالرفق وهذا أمر مجتمع عليه أنه كذلك ينبغي للحاج والمعتمر أن يفعلها في طوافه بالبيت يرمل ثلاثة ويمشي أربعة ألا أنهم اختلفوا في الرمل فقال قوم الرمل سنة من سنن الحج لا يجوز تركها روى ذلك عن عمر ابن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر واختلف فيه عن ابن عباس وهو قول مالك وأصحابه والشافعي وأصحابه (ب) وأبي حنيفة وأصحابه والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وجماعة فقهاء الأمصار وقال قوم إن شاء رمل وإن شاء لم يرمل قالوا وليس الرمل سنة قال ذلك جماعة من كبار التابعين منهم عطاء ومجاهد وطاوس والحسن وسالم والقاسم وسعيد بن جبير وحجتهم على ما ذهبوا اليه من ذلك ما روى عن ابن عباس قال أبو الطفيل قلت لابن عباس زعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بالبيت وإن ذلك سنة قال صدقوا وكذبوا قلت ما صدقوا وما كذبوا قال صدقوا قد رمل
70

رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طاف بالبيت وكذبوا ليس ذلك بسنة إن قريشا قالت زمن الحديبية أن به وبأصحابه هزلا وقعدوا على قعيقعان ينظرون إليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه (أرملوا أروهم أن بكم قوة) فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمل من الحجر الأسود إلى الركن اليماني فإذا توارى عنهم مشى هكذا حدث به فطر (933) عن أبي الطفيل (934) ورواه أبو عاصم الغنوي وابن أبي حسين (935) عن أبي الطفيل نحوه واحتجوا أيضا بما رواه حماد بن زيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة فقال المشركون أنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فلما قدموا قعد المشركون مما يلي الحجر فأمر النبي صلى الله عليه أصحابه أن يرملوا الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين قال ابن عباس ولم يمنعه أن يرملوا الأشواط كلها إلا إبقاء عليهم وبما رواه فضيل بن عياض عن ليث عن طاوس وعطاء عن ابن عباس قال إنما رمل رسول الله بالبيت وبين الصفا والمروة لأن المشركين رأو أن بأصحابه جهدا فرمل ليريهم إن بهم قوة
71

وبما رواه الحجاج بن أرطاة (936) عن أبي جعفر وعكرمة عن ابن عباس قال لما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ أهل مكة أن بأصحابه هزلا فلما قدم مكة قال لأصحابه (شدوا ميازركم وأرملوا حتى يرى قومكم أن بكم قوة) ثم حج رسول الله فلم يرمل قال أبو عمر أما من زعم أن الرمل ليس بسنة واحتج بقول ابن عباس هذا فمغفل فيما اختاره وقد ظن في ذلك ظنا ليس كما ظن والدليل على ذلك ما رواه ابن المبارك (937) عن عبيد الله (938) ابن أبي زايد عن أبي الطفيل عن ابن عباس قال رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر وروى حماد (939) بن سلمة عن عبد الله بن عثمان (940) بن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة
72

فرمل بالبيت ثلاثا ومشى أربعة أشواط ففي هاتين الروايتين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الأشواط الثلاثة كلها وقد كان في بعضها حيث لا يراه المشركون وفي ذلك دليل على (1) أنه ليس من أجلهم رمل وبعد فلو كان رمل من أجل المشركين في عمرته كما قال ابن عباس ما منع ذلك من أن يكون الرمل سنة لأن الرمل مأخوذ عنه محفوظ في حجته التي حجها وليس بمكة مشرك واحد يومئذ فرمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته ثلاثة أشواط كملا ومشى أربعا في حجة الوداع ولا مشرك ينظر إليه حينئذ فصح أن الرمل سنة روى مالك وإسماعيل (941) بن جعفر ويزيد بن الهاد (942) وحاتم بن إسماعيل ويحيى القطان وغيرهم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع سبعا رمل منها ثلاثة ومشى أربعا وهذا في حديث جابر الحديث الطويل الذي وصف فيه حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين خروجه إليها إلى انقضاء جميعها رواه عن جعفر بن محمد جماعة من العلماء (ب) في وقتهم وقد حكى عبد الله ابن رجاء أن مالكا سمعه بتمامه من جعفر بن محمد ويدل على صحة قوله أن مالكا في أبواب من موطاه وأتى منه بما احتاج إليه في أبوابه روينا عن عبد الله بن رجاء أنه قال حضرت عبد الملك بن جريج وعبيد الله وعبد الله العمريين وسفيان
73

الثوري وعلي بن صالح ومالك بن أنس عند جعفر بن محمد يسألونه عن حديث الحج فحدثهم به وروه عنه ورواه أيضا عن جعفر بن محمد بن إسحاق وعبد الرحمان بن زيد بن اسلم وعبد الله بن عمرو (943) علقمة المكي وحاتم بن إسماعيل وسلام القارئ وجماعة يطول طول ذكرهم ولما ثبت هذا الحديث عن النبي عليه السلام بعد عدم المشركين في الأشواط الثلاثة علمنا أن ذلك من سنة الطواف عند القدوم وأنه لا ينبغي لأحد من الرجال تركه إذا كان قادرا عليه وهو قول فقهاء الأمصار كلهم يقولون بحديث جابر لأنه الثابت في ذلك والعلة التي حكاها ابن عباس مرتفعة فبطل تأويل ابن عباس إن صح عنه وبطل أن يكون في قوله حجة على السنة الثابتة وقد روى عطاء عن يعلى بن أمية (944) قال لما حج عمر رمل ثلاثا ومشى أربعا وروى هشام (945) بن سعد عن زيد بن اسلم عن أبيه عن عمر أنه قال في الرمل لا ندع شيئا صنعناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى منصور عن شقيق عن مسروق (946) عن ابن مسعود أنه اعتمر فرمل ثلاثا ومشى أربعا وروى نافع عن ابن عمر مثله في حجه وعمرته وقد ثبت الرمل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن
74

أصحابه فصار سنة وأما ما رواه الحجاج بن أرطاة عن أبي جعفر وعكرمة عن ابن عباس في الحديث الذي ذكرناه عنه قال فيه ثم حج رسول الله فلم يرمل فهذا يدلك على ضعف رواية الحجاج وأن ما قال أهل الحديث فيه أنه ضعيف مدلس لا يحتج بحديثه لضعفه وسوء نقله عندهم حق وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رمل في حجته فبطل ما خالفه ولو كان ما حكاه الحجاج في روايته عن ابن عباس صحيحا لم يكن فيه حجة لأنه ناف والذي حكى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل وأخبر أنه عاينه يصنع ذلك مثبت والمثبت أولى من النافي في وجه الشهادات والأخبار عند أهل العلم قال أبو عمر فإن احتج بعض من لا يرى الرمل سنة من سنن الحج بما رواه العلاء (947) بن المسيب عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل في العمرة ومشى في الحج قيل له هذا حديث لا يثبت لأنه رواه الحفاظ موقوفا على ابن عمر ولو كان مرفوعا كان قد عارضه ما هو أثبت منه وهو ما ذكرنا من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه
وسلم وأخبرنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي رحمه الله قال حدثنا أنس (948)
75

ابن عياض عن موسى (949) بن عقبة عن نافع (950) عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رمل ثلاثة ومشى أربعة قال الطحاوي حدثنا يزيد بن سنان قال حدثنا أبو بكر الحنفي قال حدثنا عبد الله (951) بن نافع عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل ثلاثة ومشى أربعة حين قدم في الحج وفي العمرة حين كان اعتمر وهذه الآثار كلها عن ابن عمر تدفع حديث العلاء بن المسيب وقد ذكر حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قدم مكة رمل بالبيت ثم طاف بين الصفا والمروة وإذا أحرم (1) بمكة لم يرمل بالبيت وآخر الطواف بين الصفا والمروة إلى يوم النحر ومالك عن نافع عن ابن عمر نحوه ففي هذا الحديث عن ابن عمر أنه كان يرمل في الحجة إذا كان احرامه بها من غير مكة وكان لا يرمل في حجته إذا أحرم بها من مكة وهذا إجماع من أحرم بالحج من مكة لا رمل عليه أن طاف بالبيت قبل خروجه إلى منى وعلى هذا يصح حديث مجاهد (ب) إن كان موقوفا وكانت حجة ابن عمر فيه مكية وأما مرفوعا فلا يصح لدفع الآثار الصحاح له في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل في حجته ولم تكن له حجة غيرها صلى الله عليه وسلم
76

واختلف قول مالك وأصحابه فيمن تركل الرمل في الطواف والهرولة في السعي ثم ذكر ذلك وهو قريب فمرة قال يعيد ومرة قال لا يعيد وبه قال ابن القاسم واختلف قول مالك أيضا فيما حكاه ابن القاسم عنه هل عليه دم مع حاله هذه إذا لم يعد أم لا شيء عليه فمرة قال لا شيء عليه ومرة قال عليه دم وقال ابن القاسم هو خفيف ولا نرى فيه شيئا وكذلك روى ابن وهب في موطاه عن مالك أنه استخفه ولم ير فيه شيئا وروى معن (952) بن عيسى عن مالك أن عليه دما (1) قال ابن القاسم رجع عن ذلك وقال عبد الملك بن الماجشون (953) عليه دم وهو قول الحسن البصري وسفيان الثوري وذكر ابن حبيب بن مطرف وابن القاسم أن عليه في قليل ذلك وكثيره دما والحجة لما حكاه ابن حبيب قول ابن عباس من ترك من نسكه شيئا فعليه دم ومن جعله نسكا حكم فيه بذلك والحجة لمن استخف ذلك أنه شيء مختلف فيه هل هو سنة أم لا وإيجاب الدم عليه إيجاب فرض وإخراج مال من يده وهذا لا يجب إلا بيقين لا شك فيه وقد جاء عن ابن عباس نصا (ب) فيمن ترك الرمل أنه لا شيء عليه وهو قول عطاء وابن جريج والشافعي فيمن اتبعه وقول الأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور كلهم يقول لا شيء عليه في ترك
77

الرمل وهو أولى ما قيل به في هذا الباب لما ذكرنا ولأنه ليس بإسقاط نفس عمل إنما هو سقوط هيئة عمل واجمعوا أن ليس على النساء رمل في طوافهن بالبيت ولا هرولة في سعيهن بين الصفا والمروة
78

حديث ثان لجعفر بن محمد مسند مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرج من المسجد وهو يريد الصفا وهو يقول نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا قال أبو عمر في هذا الحديث أن الخروج إلى الصفا من المسجد لأن الحاج أو المعتمر إذا دخل أحدهما مكة أول شيء يبدأ به إذا لم يكن الحاج مراهقا يخشى فوت الوقوف بعرفة أول ما يبدأ به الطواف بالبيت يبدأ بالحجر فيستلمه ثم يطوف منه بالبيت سبعا فإذا طاف به سبعا صلى في المسجد عند المقام أو حيث أمكنه ركعتين بأثر أسبوعه يخرج من باب الصفا إن شاء إلى الصفا فيرقى عليها ثم يبتدئ السعي منها بين الصفا والمروة لا بد من ذلك وهذا كله منصوص في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الناس أحسن سياقة له من بعض حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن يزيد الحلبي القاضي قال حدثنا محمد بن معاذ بن المستهل ابن أبي جامع البصري يعرف بدران حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت فرمل من الحجر الأسود حتى انتهى اليه ثلاثا ومشى أربعة ثم صلى ركعتين فقرا فيهما بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ثم خرج يريد الصفا والمروة فقال نبدأ بما بدا الله به فبدا بالصفا فرقا عليه فكبر ثلاثا وأهل
79

واحدة ثم هبط فلما انصبت قدماه سعى حتى ظهر من طريق المسيل وفي هذا الحديث دليل على أن النسق بالواو جائز أن يقال فيه قبل وبعد لقوله صلى الله عليه وسلم نبدأ بما بدا الله به فقد أخبر أن الله بدأ بذكر الصفا قبل المروة وعطف المروة عليها إنما كان بالواو وإذا كان الابتداء بالصفا قبل المروة سنة مسنونة وعملا واجبا فكذلك كل ما رتبه الله ونسق بعضه على بعض بالواو في كتابه من آية الوضوء وهذا موضع اختلف فيه العلماء وأهل الأمصار وأهل العربية فمذهب مالك في أكثر الروايات عنه وأشهرها أن الواو لا توجب التعقيب ولا تعطى رتبة وبذلك قال أصحابه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والليث بن سعد المزني صاحب الشافعي وداود بن علي قالوا فيمن غسل ذراعيه أو رجليه قبل أن يغسل وجهه أو قدم غسل رجليه قبل غسل يديه أو مسح برأسه قبل غسل وجهه أن ذلك يجزئه إلا أن مالكا يستحب لمن نكس وضوءه ولم يصل أن يستأنف الوضوء على نسق الآية ثم يستأنف صلاته فإن صلى لم يأمره بإعادة الصلاة لكنه يستحب له استنئاف الوضوء على النسق لما يستقبل ولا يرى ذلك واجبا عليه هذا هو تحصيل مذهب مالك وقد روى علي بن زياد عن مالك قال من غسل ذراعيه ثم وجهه ثم ذكر مكانه أعاد غسل ذراعيه وأن لم يذكر حتى صلى أعاد الوضوء والصلاة قال علي ثم قال بعد ذلك لا يعيد الصلاة ويعيد الوضوء لما يستقبل وذكر أبو مصعب عن مالك وأهل المدينة أن من قدم في الضوء يديه على وجهه ولم يتوضأ على ترتيب الآية فعليه الإعادة لما صلى بذلك الوضوء وكل من ذكرناه من العلماء مع مالك يستحب أن يكون الوضوء نسقا والحجة لمالك ومن ذكرنا من العلماء ان سيبويه وسائر البصريين من النحويين قالوا في قول الرجل أعط زيدا وعمرا دينارا ان ذلك إنما يوجب الجمع بينهما في العطاء ولا يوجب تقدمة
80

زيد على عمرو فكذلك قول الله عز وجل * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * إنما يوجب ذلك الجمع بين الأعضاء المذكورة في الغسل ولا يوجب النسق وقد قال الله عز وجل * (وأتموا الحج والعمرة لله) * فبدأ بالحج قبل العمرة وجائز عند الجميع أن يعتمر الرجل قبل أن يحج وكذلك قوله * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * جائز لمن وجب عليه اخراج زكاة ماله في حين وقت صلاة أن يبدأ باخراج الزكاة ثم يصلي الصلاة
في وقتها عند الجميع وكذلك قوله * (فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * لا يختلف العلماء أنه جائز لمن وجب عليه في قتل الخطأ أخراج الدية وتحرير الرقبة ويسلمها قبل أن يحرر الرقبة وهذا كله منسوق بالواو ومثله كثير في القرآن فدل على أن الواو لا توجب رتبة وقد روى عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود أنهما قالا ما أبالي بأي أعضائي بدأت في الوضوء إذا أتممت وضوئي وهم أهل اللسان فلم يبق لهم من الآية إلا معنى الجمع لا معنى الترتيب وقد أجمعوا أن غسل الأعضاء كلها مأمور في غسل الجنابة ولا ترتيب في ذلك عند الجميع فكذلك غسل أعضاء الوضوء لأن المعنى في ذلك الغسل لا التبدية وقد قال الله عز وجل * (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين) * ومعلوم أن السجود بعد الركوع وإنما أراد الجمع لا الرتبة هذا جملة ما احتج به من احتج للقائلين بما ذكرنا وأما الذين ذهبوا إلى ابطال وضوء من لم يأت بالوضوء على ترتيب الآية وإبطال صلاته إن صلى بذلك الوضوء المنكوس منهم الشافعي وسائر أصحابه والقائلين بقوله إلا المزني ومنهم أحمد بن حنبل وأبو عبيد
81

القاسم (954) بن سلام وإسحاق بن راهويه وأبو ثور واليه ذهب أبو مصعب صاحب مالك ذكره في مختصره وحكاه عن أهل المدينة ومالك معهم فمن الحجة لهم أن الواو توجب الرتبة والجمع جميعا وحكى ذلك (1) بعض أصحاب الشافعي في كتاب الأصول له عن نحوى الكوفة الكسائي والفراء وهشام بن معاوية أنهم قالوا في واو العطف انها توجب الجمع وتدل على تقدمة المقدم في قولهم أعط زيدا وعمرا قالوا وذلك زيادة في فائدة الخطاب مع الجمع قالوا ولو كانت الواو توجب الرتبة أحيانا ولا توجبها أحيانا ولم يكن بد من بيان مراد الله عز وجل في الآية على ما زعم مخالفونا لكان في بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك بفعله ما يوجبه لأنه مذ بعثه الله إلى أن مات لم يتوضأ إلا على الترتيب فصار ذلك فرضا لأنه بيان لمراد الله عز وجل فيما احتمل التأويل من الوضوء كتبيينه عدد الصلوات ومقدار الزكوات وغير ذلك من بيانه للفرائض المجملات التي لم يختلف (ج) أنها مفروضات فمن توضأ على غير ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجزه بدليل قوله صلى الله عليه وسلم كل عمل ليس عليه (د) أمرنا فهو رد وبدليل قوله أيضا وقد توضأ على الترتيب هذا وضوء لا يقبل الله صلاة إلا به قالوا وأما الحديث عن علي وابن مسعود فغير صحيح عنهما لأن حديث علي انفرد به عبد الله بن عمرو (955)
82

ابن هند الجملي ولم يسمع من علي والمنقطع من الحديث لا تجب به حجة قالوا وكذلك حديث عبد الله بن مسعود أشد انقطاعا لأنه لا يوجد إلا من رواية مجاهد عن ابن مسعود ومجاهد لم يسمع من ابن مسعود ولا رآه ولا أدركه وهو أيضا حديث مختلف فيه لأن عبد الرزاق ومحمد بن بكر (956) البرساني روياه عن ابن جريج عن سليمان (957) الأحول عن مجاهد عن ابن مسعود قال ما أبالي بأيهما بدأت باليمنى أو باليسرى ورواه حفص بن غياث عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن مجاهد قال قال عبد الله بن مسعود لا بأس أن تبدأ بيديك قبل رجليك قالوا وعبد الرزاق أثبت في ابن جريج من حفص بن غياث وقد تابعه البرساني وليس في روايتهما ما يوجب تقديما ولا تأخيرا لأن اليمنى واليسرى لا تنازع بين المسلمين في تقديم إحداهما على الأخرى لأنه ليس فيهما نسق بواو وقد جمعهما الله بقوله وأيديكم وهذا لم يختلف فيه فيحتاج إليه قالوا وقد روى عن علي بن أبي طالب أنه قال أنتم تقرؤون الوصية قبل الدين وقضى رسول الله بالدين قبل الوصية وهو مشهور ثابت عن علي رضي الله عنه قالوا فهذا علي قد أوجبت عنده أو التي هي في أكثر أحوالها بمعنى الواو القبل والبعد فالواو أو عنده أحرى بهذا وأولى لا محالة لأن الواو أقوى عملا في العطف من أو عند الجميع ومن الحجة لهم أيضا ما أخبرنا به عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن
83

دحيم حدثنا إبراهيم (958) بن حماد قال حدثنا عمي إسماعيل ابن إسحاق القاضي قال حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب (959) قال أخبرنا عطاف بن خالد قال أخبرني إبراهيم بن مسلم بن أبي حرة عن عبد الله بن عباس قال ما ندمت على شيء لم أكن علمت به ما ندمت على المشي إلى بيت الله أن لا أكون مشيت لأني سمعت الله عز وجل يقول حين ذكر إبراهيم وأمره أن ينادي في الناس بالحج قال يأتوك رجالا فبدأ بالرجال قبل الركبان فهذا ابن عباس قد صرح بأن الواو توجب عنده القبل والبعد والترتيب وأخبرنا خلف بن القاسم قال أخبرنا عبد الله بن جعفر ابن الورد قال حدثنا أحمد بن محمد بن سلام قال حدثنا أبو بكر بن أبي العوام قال حدثنا أبي قال حدثنا أيوب بن أبن مدرك عن أبي عبيدة عن عون بن عبد الله في قوله عز وجل * (ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) * قال ضج والله القوم من الصغار قبل الكبار فهذا أيضا مثل ما تقدم عن ابن عباس سواء قالوا وليس الصلاة والزكاة في التقدمة في معنى هذا الباب في شيء لأنهما فرضان مختلفان أحدهما في مال والثاني في بدن وقد يجب الواحد على من لا يجب عليه الآخر وكذلك الدية والرقبة شيئان لا يحتاج فيهما إلى الرتبة وأما الطهارة ففرض واحد مرتبط بعضه ببعض كالركوع والسجود وكالصفا والمروة اللذين أمرنا بالترتيب فيهما قالوا والفرق بين جمع زيد وعمرو في العطاء وبين
84

أعضاء الوضوء لأنه لا يمكن أن يجمع بين عمرو وزيد معا في عطية واحدة وذلك غير متمكن في أعضاء الوضوء إلا على الرتبة فالواجب أن لا يقدم بعضها على بعض لأن رسول الله لم يفعل ذلك منذ افتراض الله عليه الوضوء إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك جائزا لفعله صلى الله عليه وسلم ولو مرة واحدة لأنه كان خير في (1) أمرين أخذ أيسرهما فلما لم يفعل ذلك علمنا أن الرتبة في الوضوء كالركوع والسجود ولا يجوز أن يقدم السجود على الركوع بإجماع واحتجوا أيضا بأن الواو في آية الوضوء في الأعضاء كلها معطوفة على الفاء في قوله * (فاغسلوا وجوهكم) * الآية قالوا وما كان معطوفا على الفاء فحكمه حكم الفاء بواو كان معطوفا أو بغير واو لأن أصله العطف على الفاء وحكمها إيجاب الرتبة والعجلة قالوا وحروف العطف كلها قد أجمعوا أنها توجب الرتبة إلا الواو فإنهم قد اختلفوا فيها فالواجب أن يكون حكمها حكم أخواتها من حروف العطف في إيجاب الترتيب وأما قول الله عز وجل * (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي) * فجائز أن يكون عبادتها في شريعتها الركوع بعد السجود فإن صح أن ذلك ليس كذلك فالوجه فيه أن الله عز وجل أمرها أولا بالقنوت وهو الطاعة ثم السجود وهي الصلاة بعينها كما قال وإدبار السجود أي إدبار الصلوات (ب) وأركعي مع الراكعين أي اشكري مع الشاكرين ومنه قول الله تعالى * (وخر راكعا) * أي سجد شكرا لله وكذلك قال ابن عباس
وغيره هي سجدة شكر واحتجوا أيضا بقول الله عز وجل * (اركعوا واسجدوا) * مع إجماع المسلمين أنه لا يجوز لأحد أن يسجد قبل أن يركع قالوا فهذه الواو قد أوجبت الرتبة في هذا الموضع من غير خلاف واحتجوا أيضا بقول الله عز وجل * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * مع قول رسول الله
85

نبدأ بما بدأ الله به ورجحوا قولهم بأن الاحتياط في الصلوات واجب وهو ما قالوه لأن من صلى بعد أن توضأ على النسق كانت صلاته تامة بإجماع قالوا ومن الدليل على ثبوت الترتيب في الوضوء دخول المسح بين الغسل لأنه لو قدم ذكر الرجلين وأخر مسح الرأس لما فهم المراد من تقديم المسح فادخل المسح بين الغسلين ليعلم أنه مقدم عليه ليثبت ترتيب الرأس قبل الرجلين ولولا ذلك لقال فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برؤوسكم ولما احتاج ان يأتي بلفظ ملتبس محتمل للتأويل لولا فائدة الترتيب في ذلك ألا ترى أن تقديم ذكر الرأس ليس على من جعل الرجلين ممسوحتين فلفائدة وجوب الترتيب وردت الآية بالتقديم والتأخير والله أعلم هذا جملة ما احتج به الشافعيون في هذه المسألة قال أبو عمر أما ما ادعوه عن العرب ونسبوه إلى الفراء والكسائي وهشام فليس بمشهور عنهم والذي عليه جماعة أهل العربية أن الواو إنما توجب التسوية وأما ما ذكروه من آية الوصية والدين فلا معنى له لأن المال إذا كان مأمونا وبذر الورثة فنفذوا الوصية قبل أداء الدين ثم أدو الدين بعد من مال الميت لم تجب عليهم إعادة الوصية ولو نفذوا الوصية ولم يكن في المال ما يؤدي منه الدين وكانوا قد علموا به ضمنوا لأنهم قد تعدوا وكذلك قوله اركعوا واسجدوا ولسنا ننكر إذا صحب الواو بيان يدل على التقدمة أن ذلك كذلك لموضع البيان وإنما قلنا أن حق الواو في اللغة التسوية لا غير حتى يأتي إجماع يدل على غير ذلك ويبين المراد فيه والاجماع في آية الوضوء معدوم بل أكثر أهل العلم على خلاف الشافعي في ذلك مع ما روى في ذلك عن علي وابن مسعود وأما ما ادعوه من أن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآية بيان كبيانه
86

ركعات الصلوات فخطأ لأن الصلوات فرضها مجمل لا سبيل إلى الوصول لمراد الله منها إلا بالبيان فصار البيان فيها فرضا بإجماع وليس آية الوضوء كذلك لنا لو تركنا وظاهرها كان الظاهر يغنينا عن غيره لأنها محكمة مستغنية عن بيان فلم يكن فعله فيها صلى الله عليه وسلم إلا على الاستحباب وعلى الأفضل كما كان يبدأ بيمينه قبل يساره وكان يحب التيامن في أمره كله وليس ذلك بفرض عند الجميع وأما ما احتجوا به من قول الله عز وجل * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * مع قول رسول الله نبدأ بم بدأ الله به فلا حجة فيه لأنا كذلك نقول نبدأ بما بدأ الله به هذا الذي هو أولى ولسنا نختلف في ذلك وإنما الخلاف بيننا وبينهم فيمن لم يبدأ بما بدأ الله به هل يفسد عمله في ذلك أم لا وقد أريناهم أنه لا يفسد بالدلائل التي ذكرنا على أن قوله صلى الله عليه وسلم نبدأ بما بدأ الله به (1) ظاهره أنه سنة والله أعلم لأن فعله ليس بفرض إلا أن يصحبه دليل يدخله في حيز الفروض ولو كان فرضا لقال ابدأوا بما بدأ الله يأمرهم (ب) بذلك ولفظ الأمر في هذا الحديث لا يؤخذ من رواية من يحتج به وهذا الادخال والاحتجاج على غير مذهب أصحابنا المالكيين لأنهم يذهبون إلى أن أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوجوب أبدا حتى يقوم الدليل على أنها أريد بها الندب وهذه المسألة خارجة على مذهبهم عن أصلهم هذا وقد ينفصل من هذا بما يطول ذكره وقد يحتمل أن يحتج بقوله صلى الله عليه وسلم نبدأ بما بدأ الله به على أن الواو لا توجب الترتيب لأنها لو كانت توجب الترتيب لم يحتج رسول الله أن يقول لهم نبدأ بما بدأ الله به لأنهم أهل اللسان الذي نزل القرآن به فلو كان مفهوما في فحوى الخطاب أن الواو توجب القبل والبعد ما احتاج
87

رسول الله (1) والله أعلم أن يبين لهم ذلك وإنما بين لهم ذلك لأن المراد كان من السعي بين الصفا والمروة أن يبدأ فيه بالصفا ولم يكن ذلك بينا في الخطاب فبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ختلف الفقهاء فيمن نكس السعي بين الصفا والمروة فبدأ بالمروة قبل الصفا فقال منهم قائلون لا يجزئه وعليه أن يلغى ابتداءه بالمروة ويبنى على سعيه من الصفا ويختم بالمروة منهم مالك والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة ومن قال بقولهم وقال بعض العراقيين يجزئه ذلك وإنما الابتداء عندهم بالصفا استحباب وقد اختلف عن عطاء فروى عنه أنه يلغى الشوط وهو الذي عليه العمل عند الفقهاء وروى عنه أنه (ب) من جهل ذلك أجزأ عنه والحجة لمالك ومن قال بقوله ما قدمنا ذكره وأما ترجيحهم بالاحتياط في الصلاة فاصل غير مطرد عند الجميع ألا ترى أن الشافعي لم ير ذلك حجة في اختلاف نية المأمور والإمام وفي الجمعة خلف العبد وفي الوضوء بما حل فيه النجاسة إذا كان فوق القلتين ولم يتغير وهذا كله الاحتياط فيه غير قوله ولم ير للاحتياط معنى إذ قام له الدليل على صحة ما ذهب اليه فكذلك لا معنى لما ذكروه من الاحتياط مع ظاهر قول الله عز وجل والمشهور من لسان العرب وأما قولهم من فعل فعلنا كان مصليا بإجماع فهذا أيضا أصل لا يراعيه أحد من الفقهاء مع قيام الدليل على ما ذهب اليه وأما قولهم أن وجوب الترتيب أوجب التقديم والتأخير في آية الوضوء فظن والظن لا يغنى من الحق شيئا والتقديم والتأخير في القرآن كثير وهو معروف في لسان العرب متكرر في كتاب الله فليس في قولهم ذلك شيء يلزم والله أعلم أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن
88

قال أخبرنا أحمد بن سلمان (960) النجاد ببغداد قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا عوف بن أبي جميلة (961) الأعرابي قال حدثني عبد الله بن عمرو بن هند الجملي أن عليا قال ما أبالي بأي أعضائي بدأت إذا أتممت وضوئي قال عوف ولم يسمع من علي وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال أحب إلى أن يبدأ بالأول فالأول المضمضة ثم الاستنشاق ثم الوجه ثم اليدين ثم المسح على الرأس ثم الرجلين قال فإن قدم شيئا على شيء فلا حرج وهو يكرهه قال أبو عمر قول مالك في مثل قول عطا سواء واما على (1) قول من لم ير بتنكيس السعي وتنكيس الطواف بأسا فالحجة عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا وختم بالمروة في السعي وطاف بالبيت على رتبته ثم قال خذوا عني مناسككم والحج في الكتاب مجمل وبيانه له كبيانه لسائر المجملات من الصلوات والزكوات إلا أن يجمع على شيء من ذلك فيخرج بدليله وبالله التوفيق
89

ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة وأمرهم بالسكينة وأن يوضعوا في وادي محسر وأمرهم بمثل حصى الخذف وقال (خذوا عني مناسككم لعلمي لا أحج بعد عامي هذا)
90

حديث ثالث لجعفر بن محمد متصل مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وقف على الصفا يكبر ثلاثا ويقول لا اله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير يصنع ذلك ثلاث مرات ويدعو ويصنع على المروة مثل ذلك في هذا الحديث أن الوقوف على الصفا والمروة والمشي بينهما والسعي من شعائر الحج لقوله صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم وفيه أن الصفا والمروة موضع دعاء ترجى فيه الإجابة وفيه أن الدعا يفتتح بالتكبير والتهليل وفيه أن عدد التكبير في ذلك الموضع ثلاث والتهليل مرة واحدة ثم الدعاء والذكر والدعاء في ذلك الموضع وغيره من سائر مواقف الحج مندوب اليه مستحب لما فيه من الفضل ورجاء الإجابة وليس بفرض عند الجميع ومن زاد على ما ذكر في هذا الحديث من التهليل والتكبير والذكر فلا حرج وأحب إلى استعمال ما فيه على حسبه وبالله التوفيق وكذلك أحب للمرتقى على الصفا والمروة أن يعلو عليهما حتى يبدو له البيت لما رواه عبد الرزاق عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصعد على الصفا والمروة حتى يبدو له البيت وهو حديث انفرد به عبد الرزاق عن مالك
91

فإن لم يفعل فلا حرج وكذلك انفرد الوليد (962) بن مسلم عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى المقام قرأ * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * فصلى ركعتين قرا فيهما بفاتحة الكتاب و * (قل يا أيها الكافرون) * و * (قل هو الله أحد) * ثم عاد إلى الركن فاستلمه ثم خرج إلى الصفا فقال (1) نبدأ بما بدأ الله به إن الصفا والمروة من شعائر الله والذي انفرد به الوليد واغرب فيه عن مالك قوله لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرا * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * وسائر ذلك في الموطأ
92

حديث رابع لجعفر بن محمد مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل بين الصفا والمروة مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن المسيل سعى حتى يخرج منه هكذا (1) قال يحيى عن مالك في هذا الحديث إذا نزل بين الصفا والمروة وغيره من رواة الموطأ يقول إذا نزل من الصفا مشى حتى انصبت قدماه في بطن المسيل سعى حتى يخرج منه ولا أعلم لرواية يحيى وجها إلا أن تحمل على ما رواه الناس لأن ظاهر قوله نزل بين الصفا والمروة يدل على أنه كان راكبا فنزل بين الصفا والمروة وقول غيره نزل من الصفا والصفا جبل لا يحتمل إلا ذلك وقد يمكن أن يكون شبه على يحيى رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليشرف لهم ليسئلوه لأن الناس غشوه وهذا خبر لم يذكر فيه وبين الصفا والمروة غير ابن جريج وإنما المحفوظ في هذا حديث ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجنه وهذا الحديث وإن كان ثابت الاسناد عندهم صحيحا فإن العلماء قد أجمعوا على أنه لم يكن لغير عذر وضرورة واختلفوا في العذر فقال سعيد بن جبير وطائفة كان شاكيا صلى الله عليه وسلم وقال آخرون بل كان ذلك منه لشدة ما غشيه من السائلين ليشرف لهم ويعلمهم
93

ويفهمهم وذلك في حين طوافه بالبيت لا بين الصفا والمروة وقد وهم فيه ابن جريج حين ذكر فيه الصفا والمروة لأن ذلك كان منه في طواف الإفاضة والله أعلم وحديث ابن جريج حدثناه عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول طاف النبي عليه السلام في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة ليراه الناس وليسألوه فإن الناس غشوه قال أبو عمر قوله في هذا الحديث وبين الصفا والمروة تدفعه الآثار المتواترة عن جابر بمثل رواية مالك هذه لأن قوله انصبت قدماه في بطن المسيل يدفع أن يكون راكبا أخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم (463) قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثنا جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل يعني على الصفا حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل حتى إذا صعد مشى والوجه عند أهل العلم في طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبا إنه كان في طوف الإفاضة وحينئذ الظ الناس به يسألونه وفي حديث طاوس بيان ذلك روى ابن عيينة عن عبد الله (964) بن طاوس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن
94

يهجروا بالإفاضة وأفاض في نسائه ليلا فطاف على راحلته وفي حديث أم سلمة أنها اشتكت يومئذ فقال لها رسول الله طوفى راكبة من وراء الناس ومما يدل على كراهة الطوارف راكبا من غير عذر أني لا أعلم خلافا بين علماء المسلمين أنهم لا يستحبون لأحد أن يطوف بين الصفا والمروة على راحلة راكبا ولو كان طوافه راكبا لغير عذر لكان ذلك مستحبا عندهم أو عند من صح عنده ذلك منهم وقد روينا عن عائشة وعروة بن الزبير كراهية أن يطوف أحد بين الصفا والمروة راكبا وهو قول جماعة الفقهاء فأما مالك فلا أحفظ له فيه نصا الا أنه قال من طاف بالبيت محمولا أو راكبا من غير عذر لم يجزه وأعاد وكذلك السعي بين الصفا والمروة عندي في قوله بل السعي أو كد ماشيا لما ورد فيه من اشتداد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سعيه ماشيا على قدميه وقال مالك أنه إن سعى أحد حاملا صبيا بين الصفا والمروة أجزأه عن نفسه وعن الصبي إذا نوى ذلك وقال في الطائف بالبيت (1) محمولا إن رجع إلى بلاده كان عليه أن لا يهريق دما وقال الليث بن سعد الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة سواء لا يجزئ واحد منهما راكبا إلا أن يكون له عذر وكذلك قال أبو ثور من سعى بين الصفا والمروة راكبا لم يجزه وعليه أن يعيد وقال مجاهد لا يركب إلا من ضرورة وهو قول مالك وقال الشافعي لا ينبغي له أن يطوف بالبيت ولا يسعى راكبا فإن فعل فلا دم عليه من عذر كان ذلك أو من غير عذر وذكر ان أنس بن مالك وعطاء طافا راكبين وقال أبو حنيفة أن سعى راكبا بين الصفا والمروة أعاد ما دام بمكة وإن رجع إلى الكوفة فعليه دم وكذلك
95

ان طاف بالبيت راكبا عنده وقال هشام بن عبيد (965) الله عن محمد بن الحسن لو طاف بأمه حاملا لها أجزأه عنه وعنها وكذلك لو استأجرت امرأة رجلا يطوف بها كان الطواف لهما جميعا وكانت الأجرة له قال أبو عمر قول مالك والليث بن سعد وأبي ثور أسعد بظاهر الحديث وأقيس في قول من أوجب السعي بن الصفا والمروة فرضا وأما قول من قال أن رسول الله كان شاكيا فحجته في ذلك حديث عكرمة عن ابن عباس حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا
مسدد قال حدثنا خالد بن عبد الله (966) قال حدثنا يزيد بن أبي زياد (967) عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته كلما أتى على الركن استلم بمحجن (1) فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة حين اشتكت اليه طوفى من وراء الناس وأنت راكبة وقد اختلف الفقهاء في السعي
96

بين الصفا والمروة على الهيئة المذكورة فيه هل هو من فروض الحج أو من سننه فالذي ذهب اليه مالك والشافعي ومن اتبعهما وقال بقولهما ان ذلك فرض لا ينوب عنه الدم ولا بد من الاتيان به كالطواف بالبيت الطواف الواجب سواء وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وداود وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري السعي بين الصفا والمروة ليس بواجب فإن تركه أحد من الحجاج حتى يرجع إلى بلاده جبره بالدم لأنه سنة من سنة الحج وسنن الحج تجبر بالدم إذا سقط الاتيان بها هذا قول الثوري وروى عن قتادة والحسن البصري مثله وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا أن ترك أربعة أشواط من السعي بين الصفا والمروة فعليه دم وإن ترك أقل كان عليه لكل شوط اطعام مسكين نصف صاع من حنطة قالوا وإن ترك ذلك في العمرة أو في الحج ناسيا فعليه دم وقال قوم هو فرض في العمرة وليس بفرض في الحج وقال طاوس من ترك السعي بينهما فعلى عمرة واختلف فيه قول عطاء وروى عن ابن عباس وابن الزبير وأنس بن مالك وابن سيرين أنه تطوع وحجة أبي حنيفة ومن قال بقوله في السعي بين الصفا والمروة أنه ليس بفرض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج عرفات فمن أدركها فقد أدرك الحج قالوا فصار ما سواه ينوب عنه الدم قالوا وإنما السعي بين الصفا والمروة تبع للطواف كما أن المبيت بالمزدلفة تبع للوقوف بعرفة فلما ناب عن المبيت بجمع الدم فكذلك ينوب عن السعي الدم قال أبو عمر أما الوقوف بعرفة ففرض مجتمع عليه وأما المبيت أو حضور المزدلفة للصلاة والذكر بها فمختلف في فرضه وإن كان مالك وأبو حنيفة والشافعي لا يرونه فرضا وسيأتي ذكر حكم الوقوف بعرفة والمبيت بجمع في باب شهاب عن سالم إن شاء الله والحجة لمن
97

أوجب السعي بين الصفا والمروة فرضا على من لم يوجبه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وقال خذوا عني مناسككم فصار بيانا لمجمل الحج فالواجب ان يكون فرضا كبيانه لركعات الصلوات وما كان مثل ذلك إذ لم يتفق على أنه سنة أو تطوع وقد (1) قال الله عز وجل * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * فإن احتج محتج بقراءة ابن مسعود وما في مصحفه وذلك قوله فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما قيل له ليس فيما سقط من مصحف الجماعة حجة لأنه لا يقطع به على الله عز وجل (ب) ولا يحكم بأنه قرآن إلا بما نقلته الجماعة بين اللوحين وأحسن ما روى في تأويل هذه الآية ما ذكره هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كانت مناة على ساحل البحر وحولها الفروث والدماء مما يذبح بها المشركون فقالت الأنصار يا رسول الله إنا كنا إذا أحرمنا بمناة في الجاهلية لم يحل لنا في ديننا أن نطوف بين الصفا والمروة فأنزل الله عز وجل * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * قال عروة أما أنا فلا أبالي ألا أطوف بين الصفا والمروة قالت عائشة لم يا ابن أختي قال لأن الله يقول * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * فقالت عائشة لو كان كما تقول لكان فلا جناح عليه ألا يطوف بهما فلعمري ما تمت حجة أحد ولا عمرته أن لم يطف بين الصفا والمروة ورواه الزهري عن عروة عن عائشة مثله وقال فيه معمر عن الزهري فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن (968) بن هشام فقال هذا العلم وقد روى مالك هذا الحديث عن هشام بن عروة بمعنى واحد
98

وسنذكره في باب هشام من هذا الكتاب إن شاء الله وروى ابن جريج عن عطاء عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يجزئك أو يكفيك لحجك (1) وعمرتك قال أبو عمر ولو لم يكن واجبا لما قال يجزئك والله أعلم فقد تبين بما ذكرته عائشة مخرج نزول الآية على أي شيء كان وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بطوافه بين الصفا والمروة وقوله اسعو بينهما فإن لله كتب عليكم السعي وكتب بمعنى أوجب كقول الله * (كتب عليكم الصيام) * وكقول رسول الله في الخمس الصلوات كتبهن الله على العباد ومثله كثير أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا سريج (969) ابن النعمان قال حدثنا عبد الله بن (970) المؤمل عن عطاء عن صفية
99

بنت شيبة (971) عن حبيبة بنت (972) أبي تجراة قالت رأيت رسول الله يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراءهم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي وهو يقول اسعو فإن الله كتب عليكم السعي هكذا قال عن عبد الله بن المؤمل عن عطاء وبين عطاء وعبد الله بن المؤمل في هذا الحديث عمر ابن عبد الرحمان (973) بن محيصن السهمي أخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال أخبرنا محمد بن سنجر قال أخبرنا الفضل (974) بن دكين قال حدثنا عبد الله بن المؤمل عن عمر بن عبد الرحمان السهمي عن عطاء عن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجراه امرأة من أهل اليمن قالت لما سعى النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة دخلنا في دار آل أبي حسين في نسوة من قريش فرأيت النبي عليه السلام يسعى بين الصفا والمروة في بطن الوادي وهو يقول اسعو فإن الله كتب عليكم السعي حتى أن ثوبه يديره من شدة السعي وكذلك رواه الشافعي عن عبد الله بن المؤمل أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد
100

ابن علي قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال أخبرنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل العابدي (1) عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن عن عطاء ابن أبي رباح عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني ابنة أبي تجراة احدى نساء بني عبد الدار قالت دخلت مع نسوة من قريش دار أبي حسين ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسعى بين الصفا والمروة فرأيته يسعى وإن مئزره ليدور من شدة السعي حتى أقول أني لأرى ركبتيه وسمعته يقول اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي وذكره أبو بكر بن أبي شيبة فأخطأ في إسناده إما هو وإما محمد بن بشر حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا عبد الله بن المؤمل قال حدثنا عبد الله بن أبي حسين عن عطاء عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بمعنى ما تقدم سواء ولكنه أخطأ في موضعين من الاسناد أحدهما انه جعل في موضع عمر بن عبد الرحمان عبد
الله بن أبي حسين والآخر أنه أسقط صفية بنت شيبة من الإسناد فافسد إسناد هذا الحديث ولا أدري ممن هذا أمن أبي بكر أم من محمد بن بشر ومن أيهما كان فهو خطأ لا شك فيه وقد رواه محمد بن سنان العوفي عن عبد الله ابن المؤمل فجعله بالطواف بالبيت ذكر أبو جعفر العقيلي قال حدثنا محمد بن أيوب قال أخبرنا محمد بن سنان العوفي قال أخبرنا عبد الله بن المؤمل المكي قال أخبرنا عمر بن عبد الرحمان بن محيصن السهمي عن صفية بنت شيبة عن امرأة يقال لها حبيبة بنت أبي تجراة قالت دخلت المسجد أنا ونسوة معي من قريش قالت والنبي عليه
101

السلام يطوف بالبيت قالت وإنه ليسعى حتى أني لارثى له وهو يقول لأصحابه اسعو فإن الله كتب عليكم السعي هكذا قال يطوف بالبيت وأسقط من إسناد الحديث عطاء والصحيح في إسناد هذا الحديث ومتنه ما ذكره (1) الشافعي وأبو نعيم إلا أن قول أبي نعيم امرأة من أهل اليمن ليس بشيء والصواب ما قال الشافعي والله أعلم فإن قال قائل إن عبد الله بن المؤمل ليس ممن يحتج بحديثه لضفعه وقد انفرد بهذا الحديث قيل له هو سئ الحفظ فلذلك اضطربت الرواية عنه وما علمنا له خربة تسقط عدالته وقد روى عنه جماعة من جلة العلماء وفي ذلك ما يرفع من حاله والاضطراب عنه لا يسقط حديثه لأن الاختلاف على الأئمة كثير ولم يقدح ذلك في روايتهم وقد اتفق شاهدان عدلان عليه وهما الشافعي وأبو نعيم وليس من لم يحفظ ولم يقم حجة على من أقام وحفظ ومما يشد حديث عبد الله بن المؤمل هذا حديث المغيرة بن (975) بن حيكم عن صفية بنت شيبة فإنه يبين صحة ما قاله عبد الله بن المؤمل أخبرنا عبد الله بن محمد الجهني قال أخبرنا حمزة بن محمد قال أخبرنا أحمد ابن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا حماد بن زيد عن بديل (976) عن المغيرة بن حكيم عن صفية بنت شيبة عن امرأة قالت رأيت النبي عليه السلام يسعى في بطن المسيل ويقول لا يقطع (ب) الوادي إلا شدا وقد ذكر أبو جعفر العقيلي قال
102

حدثنا محمد بن موسى النهرتيري (1) قال أخبرنا يوسف (977) بن موسى القطان قال أخبرنا (978) مهران بن أبي عمر الرازي قال أخبرنا سفيان عن مثنى (979) بن الصباح عن المغيرة بن حكيم عن صفية بنت شيبة عن تملك قال العقيلي يعني الشيبية قالت نظرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في غرفة لي بين الصفا والمروة وهو يقول يا أيها الناس إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا قال أبو عمر فهذا القول مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجتك وعمرتك يوضح (ب) وجوب السعي وبالله التوفيق وقد ذكرنا اختلاف أصحابنا فيمن ترك الرمل في الطواف بالبيت أو ترك الهرولة في السعي بين الصفا والمروة فيما تقدم من كتابنا هذا والذي عليه أكثر الفقهاء أن ذلك خفيف لا شيء فيه وذلك والله أعلم لما ذكره عبد الرزاق عن الثوري عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن جبير قال رأيت ابن عمر يمشي بين الصفا والمروة ثم قال إن مشيت فقد رأيت رسول الله يمشي وإن سعيت فقد رأيت رسول الله يسعى وروى سفيان أيضا عن عطاء
103

ابن السائب عن كثير بن جمهان (980) عن ابن عمر مثله سواء وزاد وأخبرنا شيخ كبير قال أبو عمر لا ينبغي لأحد قوى على السعي والهرولة والاشتداد تركه ومن كان شيخا ضعيفا أو مريضا فالله أعذر بالعذر ويجزئه المشي لأن السعي العمل وقد عمله بالمشي واختلف العلماء فيمن قدم السعي بين الصفا والمروة على الطواف بالبيت فقال عطاء بن أبي رباح يجزئه ولا يعيد السعي ولا شيء عليه وكذلك قال الأوزاعي وطائفة من أهل الحديث واختلف في ذلك عن الثوري فروى عنه مثل قول الأوزاعي وعطاء وروى عنه أنه يعيد السعي وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم لا يجزئه وعليه أن يعيد إلا أن مالكا وأبا حنيفة قالا يعيد الطواف والسعي جميعا وقال الشافعي يعيد السعي وحده ليكون بعد الطواف ولا شيء عليه واختلفوا والمسألة بحالها إذا خرج من مكة فابعد أو وطيء (1) النساء فقال مالك يرجع فيطوف ويسعى وإن كان وطئ النساء اعتمر وأهدى يعني إذا كان وطؤه بعد رميه جمرة العقبة وبعد الوقوف بعرفة وقال الشافعي يرجع حيث كان فيسعى ويهدي ولا معنى للعمرة ها هنا وروى عن أبي حنيفة مثل قول الشافعي سواء وروى عنه إذا بلغ بلاده أهدى وأجزأه قال أبو عمر لا فرق عند مالك والشافعي بين من نسي السعي بين الصفا والمروة وبين من قدم السعي على الطواف وعليه أن يأتي بالسعي
104

عندهما أبدا وإن ابعد على ما قدمنا من اختلافهما في إعادة الطواف معه فإن وطيء كان عليه هدى بدنة عند الشافعي لا غير مع الاتيان بالسعي وكان عليه عند مالك أن يطوف ويسعى ويعتمر ويهدى وكذلك من نسي الطواف الواجب بالبيت سواء عندهما كمن نسي السعي بين الصفا والمروة على أصل كل واحد منهما لا فرق بين شيء من ذلك عندهما وعند من قال بقولهما قال مالك في موطاه من نسي السعي بين الصفا والمروة في عمرة فلم يذكر حتى يستبعد من مكة إنه يرجع فيسعى وإن أصاب النساء فليرجع فليسع بين الصفا والمروة حتى يتم ما بقي عليه من تلك العمرة ثم عليه عمرة أخرى والهدى قال أبو عمر إنما أوجب مالك في هذه المسألة العمرة والهدى ليكون سعيه في احرام صحيح لا في إحرام فاسد بالوطء وليكون طوافه بالبيت في إحرام صحيح لا في إحرام فاسد والله أعلم
105

حديث خامس لجعفر بن محمد مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه بيده ونحر غيره بعضه هكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث عن علي وتابعه القعنبي فجعله عن علي أيضا كما رواه يحيى ورواه ابن بكير (981) وسعيد ابن عفير (982) وابن القاسم وعبد الله بن نافع وأبو مصعب والشافعي فقالوا فيه عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وأرسله ابن وهب عن مالك عن جعفر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث لم يقل عن جابر ولا عن علي قال أبو عمر الصحيح فيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وذلك موجود في
106

رواية محمد بن علي (983) عن جابر في الحديث الطويل في الحج وإنما جاء حديث علي رضي الله عنه من حديث عبد الرحمان بن أبي ليلى عنه لا أحفظه من وجه آخر وهذا المتن صحيح ثابت من حديث جابر وحديث علي وفيه من الفقه أن يتولى الرجل نحر هديه بيده وذلك عند أهل العلم مستحب مستحسن لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بيده ولأنها قربة إلى الله عز وجل فمباشرتها أولى وجائز أن ينحر الهدى والضحايا غير صاحبها ألا ترى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحر بعض
هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمر لا خلاف بين العلماء في إجازته فأغنى عن الكلام فيه وقد جاءت رواية عن بعض أهل العلم أن من نحر أضحيته غيره كان عليه الإعادة ولم يجزه وهذا محمول عند أهل الفهم على أنها نحرت بغير إذن صاحبها وهو موضع اختلاف وأما إذا كان صاحب الهدى أو الضحية قد أمر بنحر هديه أو ذبح أضحيته فلا خلاف بين الفقهاء في إجازة ذلك كما لو وكل غيره بشراء هديه فاشتراه جاز بإجماع وفي نحر غير رسول الله هديه دليل على جواز الوكالة لأنه معلوم أنه لم يفعل ذلك بغير إذنه وإذا صح إنه كذلك صحت الوكالة وجازت في كل ما يتصرف فيه الإنسان أنه جائز أن يوليه غيره فينفذ فيه فعله وقد روى سفيان بن عيينة عن شبيب (984) بن غرقدة في ذلك حديث عروة البارقي أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن
107

حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن شبيب بن غرقدة قال حدثني الحسن عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشترى له به أضحية أو قال شاة فاشترى له ثنتين فباع أحداهما بدينار وأتى بشاة ودينار فدعا له بالبركة في بيعة فكان لو اشترى ترابا لربح فيه وهكذا رواه الشافعي عن ابن عيينة بنحو رواية مسدد وقد روى من حديث حكيم بن حزام نحو هذا المعنى ولا خلاف في جواز الوكالة عند العلماء قال أبو عمر وقد اختلف العلماء أيضا في معنى هذا الحديث في الوكيل يشتري زيادة على ما وكل به هل يلزم الأمر ذلك أم لا كرجل قال له رجل اشتر لي بهذا الدرهم رطل لحم صفته كذا فاشترى له أربعة أرطال من تلك الصفة بذلك الدرهم والذي عليه مالك وأصحابه أن الجميع يلزمه إذا وافق الصفة وزاد من جنسها لأنه محسن وهذا الحديث يعضد قولهم في ذلك وهو حديث جيد وفيه ثبوت صحة ملك النبي عليه السلام للشاتين ولولا ذلك ما أخذ منه الدينار ولا أمضى له البيع وقد اختلف عن مالك وأصحابه فيمن نحرت أضحيته بغير أذنه ولا امره فروى عه انها لا تجزئ عن الذابح وسواء نوى ذبحا عن نفسه أو عن صاحبها وعلى الذابح ضمانها وروى عنه أن الذابح لها إذا كان مثل الولد أو بعض العيال فإنها تجزئ وقال محمد بن الحسن في رجل تطوع عن رجل فذبح له ضحية قد أوجبها أنه إن ذبحها عن نفسه متعمدا لم تجز عن صاحبها وله أن يضمن الذابح فإن ضمنه إياها أجزت عن الضامن وإن ذبحها عن صاحبها بغير امره أجزت عنه وقال الثوري لا تجزئ ويضمن الذابح وقال الشافعي تجزئ عن صاحبها ويضمن الذابح النقصان وروى ابن عبد الحكم عن مالك ان ذبح رجل ضحية رجل بغير أمره لم تجز عنه وهو ضامن لضحيته إلا أن يكون مثل الولد
108

أو بعض العيال إنما ذبحوها على وجه الكفاية له فأرجو ان تجزئ وقال ابن القاسم عنه إذا كانوا كذلك فإنها تجزئ ولم يقل أرجو وان أخطأ رجلان فذبح كل واحد منهما ضحية صاحبه لم تجز عن واحد منهما في قول مالك وأصحابه ويضمن عندهم (1) كل واحد منهما قيمة ضحية صاحبه لا أعلم خلافا (ب) بين أصحاب مالك في الضحايا وأما الهدي فاختلف فيه عن مالك والأشهر عنه ما حكاه ابن عبد الحكم وغيره أنه لو أخطأ رجلا كل واحد منهما بهدى صاحبه أجزأهما ولم يكن عليهما شيء وهذا هو تحصيل المذهب في الهدى خاصة وقد روى عن مالك في المعتمرين إذا أهديا شاتين فذبح كل واحد منهما شاة صاحبه خطأ إن ذلك يجزئ عنهما ويضمن كل واحد منهما قيمة ما ذبح وائتنفا الهدى وقال الشافعي يضمن كل واحد منهما ما بين قيمة ما ذبح حيا ومذبوحا وأجزت عن كل واحد منهما أضحيته أو هديه وقال الطبري يجزئ عن كل واحد منهما أضحيته أو هديه التي أوجبها ولا شيء على الذابح لأنه فعل ما لا بد منه ولا ضمان على واحد منهما إلا أن يستهلك شيئا من لحمها فيضمن ما استهلك وقال ابن عبد الحكم أيضا عن مالك أو ذبح أحدهما يعني المعتمرين شاة صاحبه عن نفسه ضمنها ولم تجزه وذبح شاته التي أوجبها وغرم لصاحبه قيمة شاته التي ذبحها واشترى صاحبه شاة وأهداها قال ابن عبد الحكم والقول الأول أعجب الينا يعني المعتمرين يذبح أحدهما شاة صاحبه وهو قد أخطأ بها إن ذلك يجزيهما قال أبو عمر في حديث مالك الذي قدمنا ذكره إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه بيده ونحر غيره بعضه وغيره في هذا
109

الموضع هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذلك صحيح في حديث جابر وحديث علي أيضا أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا محمد ابن سعيد (985) الأصبهاني وهارون بن معروف (986) قالا حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه في حديثه الطويل في الحج قال ثم انصرف يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن رمى الجمرة من بطن الوادي بسبع حصيات فنحر ثلاثا وستين بدنة ثم اعطى عليا فنحر سائرها وذكر الحديث أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا وهب بن مسرة (987) قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في الحديث الطويل في الحج مثله قال فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا فنحر ما غير وذكر الحديث وأخبرنا محمد ابن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا علي بن حجر قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال
110

حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فنحر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين بيده ونحر على ما بقي ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن (1) تؤخذ بضعة من كل بدنة فتجعل في قدر فأكلا من لحمها وحسيا من مرقها وأخبرنا عبد الله بن محمد الجهني قال حدثنا حمزة بن محمد الكناني قال حدثنا أحمد بن شعيب النسائي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب (988) بن الليث قال حدثني الليث عن ابن الهادي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال قدم علي من اليمن بهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الهدى الذي قدم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى من اليمن مائة بدنة فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ثلاثا وستين بدنة ونحر علي سبعا وثلاثين وأشرك عليا في بدنه ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلت في قدر فطبخه فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه من لحمها وشربا من مرقها هكذا قال أكثر الرواة لهذا الحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر من تلك البدن المائة ثلاثا وستين ونحر علي بقيتها إلا سفيان بن عيينة فإنه روى هذا الحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ستا وستين بدنة ونحر علي أربعا وثلاثين وأما رواية علي بن أبي طالب في ذلك فحدثناه أبو محمد عبد الله بن محمد ابن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر التمار قال حدثنا أبو داود
111

قال حدثنا هارون بن عبد الله (989) قال حدثنا محمد (990) ويعلى (991) ابنا عبيد قالا حدثنا محمد بن إسحاق عن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه قال لما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه فنحر ثلاثين بدنة بيده أمرني فنحرت سائرها حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عبد الكريم (992) الجزري قال سمعت مجاهدا يقول سمعت عبد الرحمان بن أبي ليلى يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أقسم جلالها وجلودها وإن لا أعطى الجازر منها شيئا وقال نحن نعطيه من عندنا قال سفيان وحدثنا به ابن أبي (993)
112

نجيح (994) عن مجاهد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن علي وحديث عبد الكريم أتم قال أبو عمر في حديث هذا الباب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل من هديه الذي ساقه في حجته وهديه ذلك كان تطوعا عند كل من جعله مفردا وأجمع العلماء على جواز الأكل من التطوع إذا بلغ محله لقول الله عز وجل * (فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها) * واختلفوا في جواز الأكل مما عدا هدى التطوع فقال مالك يؤكل من كل هدي سيق في الإحرام إلا جزاء الصيد فدية الأذى وما نذر للمساكين والأصل في ذلك عند مالك وأصحابه إن كل ما دخله الإطعام من الهدي والنسك لمن لم يجده فسبيله سبيل ما جعل للمساكين ولا يجوز الأكل منه وما سوى ذلك يوكل منه لأن الله قد أطلق الأكل من البدن وهي من شعائر الله فلا يجب أن يمتنع من أكل شيء منها إلا بدليل لا معارض له أو بإجماع وقد أجمعوا على إباحة الأكل من هدى التطوع إذا بلغ محله ولم يجعلوه رجوعا فيه فكذلك كل هدى إلا ما اجتمع عليه وقال أبو حنيفة يأكل من هدى المتعة وهدى التطوع إذا بلغ محله لا غير وقال الشافعي لا (1) يأكل من شيء من الهدى الواجب وقال في معنى قول الله عز وجل * (فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها) * إن ذلك في هدى التطوع لا في الواجب بدليل الاجماع على أنه لا يوكل من جزاء الصيد وفدية الأذى فكانت العلة في ذلك أنه دم واجب في الاحرام من أجل ما أتاه المحرم فكل هدى وجب على المحرم بسبب فعل أتاه فهو بمنزلته والواجبات لا يجوز الرجوع في شيء (ب) منها كالزكاة وبالله التوفيق
113

حديث سادس لجعفر بن محمد منقطع (1) مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال عبد الرحمان بن عوف أشهد لسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب هذا حديث منقطع لأن محمد بن علي لم يلق (ب) عمر ولا عبد الرحمان بن عوف رواه أبو علي (995) الحنفي عن مالك فقال فيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده وهو مع هذا أيضا منقطع لأن علي (996) بن حسين لم يلق عمر ولا عبد الرحمان ابن عوف أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي أن
114

أباه حدثه قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا ابن الجارود (997) قال حدثنا أبو بكر بن أبي الحجيم قال حدثنا عمرو بن علي (998) قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قال حدثنا مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال عمر ما أدري ما أصنع بالمجوس فقال له عبد الرحمان بن عوف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب وأخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر (999) الحافظ حدثنا محمد بن مخلد (1000) حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا أبو علي الحنفي حدثنا مالك بن أنس حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب قال ما أدري ما أصنع بالمجوس أهل الذمة فقال عبد الرحمان بن عوف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سنتهم سنة أهل الكتاب قال مالك في الجزية قال أبو الحسن على (1001) بن عمر لم يقل في هذا الإسناد عن
115

جده ممن حدث به عن مالك غير أبي على الحنفي وكان ثقة وهو في الموطأ جعفر عن أبيه أن عمر قال أبو عمر وهو مع هذا كله منقطع ولكن معناه متصل من وجوه حسان وفيه أن العالم الحبر قد يخفى (1) عليه ما يوجد عند من هو دونه في العلم وهذا موجود كثيرا في علم الخبر الذي لا يدرك إلا بالتوقيف والسمع فإذا كان عمر رضي الله عنه لا يبلغه من ذلك ما سمع غيره منه مع موضعه وجلالته فغيره ممن ليس مثله أحرى إلا ينكر على نفسه ذلك ولا ينكر عليه وفيه إن العالم إذا جهل شيئا أو أشكل عليه لزمه السؤال والاعتراف بالتقصير والبحث حتى يقف على حقيقة من أمره فيما أشكل عليه وفيه إيجاب العمل بخبر الواحد العدل وإنه حجة يلزم العمل بها والانقياد إليها الا ترى أن عمر رضي الله عنه قد أشكل عليه أمر المجوس فلما حدثه عبد بن عوف عن النبي عليه السلام لم يحتج إلى غير ذلك وقضى به وأما قوله سنوا بهم سنة أهل الكتاب فهو من الكلام الذي خرج مخرج العموم والمراد منه الخصوص لأنه إنما أراد سنوا بهم سنة أهل الكتاب في الجزية وعليها خرج الجواب واليها أشير بذلك ألا ترى أن علماء المسلمين مجتمعون على أن لا يسن بالمجوس سنة أهل الكتاب في نكاح نسائهم ولا في ذبائحهم ألا شيء روى عن سعيد بن المسيب أنه لم ير بذبح المجوسي لشاة المسلم إذا أمره المسلم بذبحها بأسا وقد روى عنه أنه لا يجوز ذلك على ما عليه الجماعة والخبر الأول عنه هو خبر شاذ وقد اجتمع الفقهاء على خلافه وليست الجزية من الذبائح في شيء لأن اخذ
116

الجزية منهم صغار وذلة لكفرهم وقد ساووا أهل الكتاب في الكفر بل هم أشد كفرا فوجب أن يجروا مجراهم في الذل والصغار واخذ الجزية منهم لأن الجزية لم تؤخذ من الكتابيين رفقا بهم وإنما أخذت منهم تقوية للمسلمين وذلا للكفارين فلذلك لم يفترق حال الكتابي وغيره عند مالك وأصحابه الذين ذهبوا هذا المذهب في أخذ الجزية من جميعهم للعلة التي ذكرنا وليس نكاحن سائهم ولا أكل ذبائحهم من هذا الباب لأن ذلك مكرمة بالكتابيين لموضع كتابهم واتباعهم الرسل فلم يجز أن يلحق بهم من لا كتاب له في هذه المكرمة هذه جملة اعتل بها أصحاب مالك ولا خلاف بين علماء المسلمين أن الجزية تؤخذ من المجوس لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس أهل البحرين ومن مجوس هجر (1002) وفعله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي روى الزهري عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر وإن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس السواد (1003) وإن عثمان بن عفان (1) أخذها من البربر هكذا رواه ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب وأما مالك ومعمر فإنهما جعلاه عن ابن شهاب ولم يذكرا سعيدا ورواه ابن مهدي عن مالك عن الزهري
عن السائب بن يزيد (1004) وقد ذكرناه في باب مراسل ابن شهاب واختلف الفقهاء في مشركي العرب ومن لا كتاب له هل تؤخذ منهم الجزية أم لا فقال مالك تقبل الجزية من جميع الكفار عربا كانوا
117

أو عجما لقول الله عز وجل * (من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد) * 1 قال (ب) وتقبل من المجوس بالسنة وعلى هذا مذهب الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور واحمد وداود وقال أبو ثور الجزية لا تؤخذ الا من أهل الكتاب ومن المجوس لا غير وكذلك قال أحمد بن حنبل وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه إن مشركي العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف وتقبل الجزية من الكتابيين من العرب ومن سائر كفار العجم وقال الأوزاعي ومالك وسعيد بن عبد العزيز إن الفرازنة ومن لا دين له من أجناس الترك والهند وعبدة النيران والأوثان وكل جاحد ومكذب بربوبية الله يقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية وإن بذلوا الجزية قبلت منهم وكانوا كالمجوس في تحريم مناكحهم وذبائحهم وسائر أمورهم وقال أبو عبيد كل عجمي تقبل منه الجزية إن بذلها ولا تقبل من العرب إلا من كتابي وحجة الشافعي ومن يذهب مذهبه ظاهر قول الله عز وجل * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * لأن قوله من الذين أوتوا الكتاب يقتضي أن يقتصر عليهم بأخذ الجزية دون غيرهم لأنهم خصوا بالذكر فتوجه الحكم إليهم دون من سواهم لقول الله عز وجل * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * ولم يقل حتى يعطوا الجزية كما قال في أهل الكتاب ومن أوجب الجزية على غيرهم قال هم في معناهم واستدل بأخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب
118

قال أبو عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجوس سنوا بهم سنة أهل الكتاب يعيني في الجزية دليل على أنهم ليسوا أهل كتاب وعلى ذلك جمهور الفقهاء وقد روى عن الشافعي انهم كانوا أهل كتاب فبدلوه وأظنه ذهب في ذلك إلى شيء روى عن علي بن أبي طالب من وجه فيه ضعف يدور على أبي (1005) سعد البقال ذكر عبد الرزاق وغيره عن سفيان بن عيينة وهذا لفظ حديث عبد الرزاق قال أخبرنا ابن عيينة عن شيخ منهم يقال له أبو سعد (1) عن رجل شهد ذلك أحسبه نصر بن عاصم (1006) ان المستورد (1007) بن غفلة كان في مجلس وفروة (1008) بن نوفل الأشجعي فقال رجل ليس على المجوس جزية فقال المستورد أنت تقول هذا وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجوس هجر الجزية والله لما أخفيت
119

أخبث مما أظهرت فذهب به حتى دخلا على علي رضي الله عنه وهو في قصره جالس في قبة فقال يا أمير المؤمنين زعم هذا أنه ليس على المجوس جزية وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذها من مجوس هجر فقال علي أجلسا فوالله ما على الأرض اليوم أحد أعلم بذلك مني كان المجوس أهل كتاب يقرؤونه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فرآه نفر من المسلمين فلما أصبح قالت أخته إنك قد صنعت بها كذا وكذا وقد رآك نفر لا يسترون عليك فدعا أهل الطمع فأعطاهم ثم قال لهم قد علمتم إن آدم أنكح بنيه بناته فجاء أولئك الذين رأوه فقالوا ويلا للأبعد ان في ظهرك حدا فقتلهم وهم الذين كانوا عنده ثم جاءت امرأة فقالت بلى قد رأيتك فقال لها ويحا لبغي بني فلان فقالت أجل والله لقد كنت بغيا ثم تبت فقتلها ثم أسرى على ما في قلوبهم وعلى كتابهم فلم يصبح عندهم شيء منه فإلى هذا ذهب من قال إن المجوس (1) كانوا أهل كتاب وأكثر أهل العلم يأبون ذلك ولا يصححون هذا الأثر والحجة لهم قول الله تبارك وتعالى * (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) * يعني اليهود والنصارى وقوله * (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون) * وقال * (يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل) * فدل على أن أهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل اليهود والنصارى لا غير والله أعلم وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب فقد احتج من قال أنهم كانوا أهل كتاب بأنه يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد سنوا بهم سنة أهل الكتاب الذين يعلم كتابهم علم ظهور واستفاضة وأما المجوس فعلم كتابهم على خصوص والآية محتملة للتأويل عندهم أيضا وأي الأمرين كان فلا خلاف بين
120

العلماء ان المجوس تؤخذ منهم الجزية وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها منهم فأغنى عن الإكثار في هذا وقد روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء المجوس أهل كتاب قال لا وأما الآثار المتصلة الثابتة في معنى حديث مالك في أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من المجوس فأحسنها إسنادا ما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرني أبي عن موسى بن عقبة قال قال ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير أن المسور (1009) بن مخرمة أخبره أن عمرو (1010) بن عوف وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة ابن الجراح يأتي بجزيتها يعني البحرين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين فأمر عليهم العلاء بن الحضرمي (1011) فقدم أبو عبيدة بالمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدومه فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى انصرف فعرضوا له فتبسم حين رآهم وقال أظنكم سمعت بقدوم أبي عبيدة وأنه جاء بشيء قالوا اجل فقال فأبشروا وأملوا فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكم أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم
121

فتنافسوها كما تنافسوها وتلهيكم كما الهتهم وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد (1012) بن فليح عن موسى بن عقبة قال حدثني ابن شهاب قال حدثني عروة عن المسور بن مخرمة أخبره أن عمرو بن عوف وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان قد شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وذكر الحديث نحره وفي آخره فتنافسوا فيها كما تنافسوا فتهلككم كما أهلكتهم فإن قيل أن البحرين لعلهم لم يكونوا مجوسا قيل له روى قيس بن مسلم عن الحسن (1013) بن محمد أن النبي عليه السلام كتب إلى مجوس البحرين يدعوهم إلى الإسلام فمن أسلم منهم قبل ومن أبى وجبت عليه الجزية ولا توكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة وقد كتب عمر بن عبد
العزيز إلى عدي بن أرطأة (1014) أما بعد فسل الحسن يعني البصري ما منع من قبلنا من الأئمة أن يحولوا بين المجوس وبين ما يجمعون من النساء اللاتي لا يجمعهن أحد غيرهم فسأله فأخبروه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل من مجوس البحرين الجزية وأقرهم على مجوسيتهم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ على البحرين العلاء بن
122

الحضرمي وفعله بعده أبو بكر وعمر وعثمان ذكره الطحاوي قال حدثنا بكار بن قتيبة (1015) قال حدثنا عبد الله بن حمران (1016) قال حدثنا عوف قال كتب عمر بن عبد العزيز وذكر مالك في الموطأ عن ابن شهاب قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين وإن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس فارس وإن عثمان أخذها من البربر وذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر قال سمعت الزهري سئل أتوخذ الجزية ممن ليس من أهل الكتاب قال نعم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل البحرين وعمر من أهل السواد وعثمان من بربر قال وأخبرنا معمر عن الزهري أن النبي عليه السلام صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان منهم من العرب وقبل الجزية من أهل البحرين وكانوا مجوسا قال أبو عمر هذا يدل على أن مذهب ابن شهاب أن العرب لا تؤخذ منهم الجزية إلا أن يدينوا بدين أهل الكتاب وما أعلم أحدا روى هذا الخبر المرسل عن ابن شهاب الا معمرا أعنى قوله صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان منهم من العرب فاستثنى العرب وإن كانوا عبدة أوثان من بين سائر عبدة الأوثان وبه يقول ابن وهب وذكر ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال أنزلت في كفار العرب * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) * وأنزلت في أهل الكتاب * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) * الآية قال ابن شهاب فكان أول من
123

أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما علمنا وكانوا نصارى قال ابن شهاب ثم قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل البحرين الجزية وكانوا مجوسا ثم أدى أهل أيلة وأهل أذرح وأهل اذرعات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقروا له في غزوة تبوك فقال ابن شهاب ثم بعث خالد بن الوليد إلى أهل دومة الجندل وكانوا من عباد الكوفة فأسر رأسهم أكيدر فقاضاه على الجزية قال ابن شهاب فمن أسلم من أولئك كلهم قبل منه الاسلام وأحرز له إسلامه نفسه وماله إلا الأرض لأنها كانت من فيء المسلمين قال ابن وهب وأخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني ابن المسيب (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر وإن عمر ابن الخطاب أخذها من مجوس السواد وإن عثمان أخذها من بربر وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن محمد بن قيس عن الشعبي قال كان أهل السواد ليس لهم عهد فلما أخذ منهم الخراج كان لهم عهد قال أبو عمر أهل العهد وأهل الذمة سواء وهم أهل العنوة يقرون بعد الغلبة عليهم فيما جعله الله للمسلمين وافاءه عليهم منهم ومن أرضهم فإذا أقروهم كانوا أهل عهد وذمة تضرب على رؤوسهم الجزية ما كانوا كفارا ويضرب على أرضهم الخراج فيئا للمسلمين لأنها مما أفاء الله عليهم ولا يسقط الخراج عن الأرض باسلام عاملها فهذا حكم أهل الذمة وهم أهل العنوة الذين غلبوا على بلادهم وأقروا فيها وأما أهل الصلح فإنما عليهم ما صولحوا عليه يؤدونه عن أنفسهم وأموالهم وأرضهم وسائر ما يملكونه وليس عليهم غيرما صولحوا (ب) عليه إلا أن ينقضوا فإن نقضوا فلا عهد لهم ولا ذمة ويعودون حربا إلا أن يصالحوا بعد أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر قال حدثنا
124

علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع بجالة (1017) يقول كنت كاتبا لجزى بن معاوية عم الأحنف فأتانا كتاب (1) عمر قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة قال ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمان بن عوف ان النبي عليه السلام أخذها من مجوس هجر ورواه أبو معاوية عن الحجاج بن ارطأه عن عمرو بن دينار عن بجالة بن عبدة قال كنت كاتبا لجزى بن معاوية على منادر فقدم علينا كتاب عمر إن انظر وخذ من مجوس من قبلك الجزية فإن عبد الرحمان بن عوف أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من مجوس هجر الجزية وحدثنا أبو القاسم حدثنا أحمد بن صالح المقرئ قال حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني قال حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال حدثنا الخضر بن محمد بن شجاع قال حدثنا (1018) هشيم بن بشير عن عمرو عن بجالة بن عبدة أن عبد الرحمان بن عوف قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من مجوس هجر الجزية قال وقال ابن عباس فرأيت منهم رجلا أتى النبي عليه السلام فدخل عليه ومكث عنده ما مكث ثم خرج فقلت ما قضى الله ورسوله قال شر قلت مه قال الاسلام أو القتل قال ابن عباس فأخذ الناس بقول عبد الرحمان بن عوف وتركوا قولي
125

قال أبو عمر كان ابن عباس يذهب إلى أن أموال أهل الذمة لا شيء فيها ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن إبراهيم بن سعد (1019) سأل ابن عباس وكان عاملا بعدن فقال لابن عباس ما في أموال أهل الذمة قال العفو قال أنهم يأمروننا بكذا وكذا قال فلا تعمل لهم قلت له فما في العنبر قال إن كان فيه شيء فالخمس قال أبو عمر قد روى عنه أن العنبر ليس فيه شيء إنما هو شيء دسره البحر (1020) وعلى هذا جمهور العلماء وكان ابن عباس لا يرى في أموال أهل الذمة شيئا تجروا في بلادهم أو في (1) غير بلادهم أو لم يتجروا ولا يرى عليهم غير جزية رؤوسهم وقد أخذ عمر بن الخطاب من أهل الذمة مما كانوا يتجرون به ويختلفون به إلى مكة والمدينة وغيرهما من البلدان ومضى على ذلك الخلفاء وكان عمر ابن عبد العزيز يأمر به عماله وعليه جماعة (ب) الفقهاء إلا أنهم اختلفوا في المقدار المأخوذ منهم وكذلك اختلفت الرواية في ذلك عن عمر بن الخطاب رحمه الله فروى مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر وروى مالك أيضا عن ابن شهاب عن السائب بن
126

يزيد قال كنت عاملا مع عبد الله (1021) بن عتبة بن مسعود على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب فكان يأخذ من النبط العشر ورواه معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر كان يأخذ من أهل الذمة نصف العشر وكذلك روى أنس بن (1022) سيرين عن أنس بن مالك أن عمر كان يأخذ من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي إذا دخل من الشام العشر وبهذا يقول الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي ويعتبرون النصاب في ذلك والحول فيأخذون من الذمي نصف العشر إذا كان معه مائتا درهم ولا يؤخذ منه شيء إلى الحول ومن المسلم زكاة ماله الواجبة ربع العشر هذه رواية الأشجعي عن الثوري كقول أبي حنيفة
وروى عنه أبو أسامة أن الذمي يؤخذ منه من كل مائة درهم خمسة دراهم فإن نقست من المائة فلا شيء عليهم يعتبر النصاب في هذه الرواية كنصاب المسلم قال مالك يؤخذ من الذمي كلما تجر من بلده إلى غير بلده كما لو تجر من الشام إلى العراق أو إلى مصر من قليل ما يتجر به في ذلك وكثيره كلما تجر ولا يراعى في ذلك نصاب ولا حول وأما المقدار المأخوذ فالعشر إلا في الطعام إلى مكة والمدينة فإن فيه نصف العشر على ما فعل عمر ولا يؤخذ منهم إلامرة واحدة في كل سفرة عند البيع لما جلبوه فإن لم يبيعوا شيئا ودخلوا بمال ناض لم يؤخذ منهم حتى يشتروا فإن اشتروا أخذ منهم فإن باع ما أشترى لم يؤخذ منه شيء ولو أقام سنين وعبيدهم كذلك إن تجروا يؤخذ منهم مثل ما يؤخذ من ساداتهم وقال الشافعي لا يؤخذ من الذمي في السنة إلا مرة واحدة كالجزية ويؤخذ منهم ما أخذ عمر بن الخطاب من المسلم ربع العشر ومن
127

الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر اتباعا له وهو قول أحمد فإن قال قائل كيف ادعيت الاجماع على أنه لا يجوز للمسلمين نكاح المجوسيات وقد تزوج بعض الصحابة مجوسية قيل له هذا لا يصح ولا يؤخذ من وجه ثابت وإنما الصحيح والله أعلم عن حذيفة أنه تزوج يهودية وعن طلحة (1023) بن عبيد الله أنه تزوج يهودية وقد كره ذلك عمر بن الخطاب لحذيفة رضي الله عنهما خشية أن يظن الناس ذلك وروينا عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب كتب إلى حذيفة بن اليمان وهو بالكوفة وكان نكح امرأة من أهل الكتاب فكتب عمر أن فارقها فإنك بأرض المجوس وإني أخشى أن يقول الجاهل قد تزوج صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرة ويجهل الرخصة التي كانت من الله عز وجل في نساء أهل الكتاب فيتزوجوا نساء المجوس ففارقها حذيفة وإجماع فقهاء الأمصار على أن نكاح المجوسيات والوثنيات وما عدا اليهوديات والنصرانيات من الكافرات لا يحل يغني عن الاكثار في هذا ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن قيس بن مسلم عن الحسين (1) ابن محمد بن علي قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يدعوهم إلا الاسلام فمن أسلم قبل منه ومن أبى كتب عليه الجزية ولا توكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة واختلف العلماء في مقدار الجزية فقال عطاء بن أبي رباح لا توقيت في ذلك وإنما هو على ما صولحوا عليه وكذلك قال يحيى بن آدم وأبو عبيد والطبري إلا أن الطبري قال أقله دينار وأكثره لا حد له إلا الاجحاف والاحتمال قالوا الجزية على قدر الاحتمال بغير
128

توقيت يجتهد في ذلك الامام ولا يكلفهم ما لا يطيقون إنما يكلفهم من ذلك ما يستطيعون ويخف عليهم هذا معنى قولهم وأظن من ذهب إلى هذا القول يحتج بحديث عمرو بن عوف الذي قدمنا ذكره في هذا الباب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين على الجزية وبما ذكره محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر (1024) دومة فأخذه وأتى به فحقن له دمه وصالحه على الجزية وبحديث السدى عن ابن عباس في مصالحة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران ولما رواه معمر عن ابن شهاب أن النبي عليه السلام صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا ما كان من العرب ولا نعلم أحدا روى هذا الخبر بهذا اللفظ عن ابن شهاب إلا معمرا وقال الشافعي المقدار في الجزية دينار على الغني والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء وحجته في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا في الجزية وهو المبين عن الله عز وجل مراده = صلى الله عليه وسلم وبهذا قال أبو ثور قال الشافعي وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز وإن زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم وإن صولحوا على ضيافة ثلاثة أيام جاز إذا كانت الضيافة معلومة في الخبز والشعير والتبن والإدام وذكر على الوسط من ذلك وما على الموسر (1) وذكر موضع النزول والكن من البر والبحر ولا يقبل من غني ولا فقير أقل من دينار لأنا لم نعلم أن النبي عليه السلام صالح أحدا على أقل من دينار وقال في موضع آخر أخذ عمر الجزية من أهل الشام إنما كان على وجه الصلح فلذلك اختلفت ضرائبه ولا بأس بما صولح عليه أهل الذمة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا عبد
129

الله (1025) بن محمد النفيلي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل حالم يعني محتلما دينارا أو عدله من المعافر ثياب تكون باليمن هكذا قال أبو معاوية في هذا الحديث عن الأعمش عن أبي وائل عن معاذ وإنما هو عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش عن أبي وائل عن مسروق قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم في كل عام دينارا أو عدله معافر ومن البقر من كل ثلاثين بقرة تبيعا ومن كل أربعين مسنة وهكذا رواه شعبة وجماعة عن الأعمش كما رواه أبو عوانة بإسناده هذا وهو حديث صحيح وكذلك رواه عاصم (1026) بن بهدلة عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ وقال مالك أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق للغني والفقير سواء لا يزاد ولا ينقص على ما فرض عمر لا يؤخذ منهم غيره وقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأحمد بن حنبل اثنا عشر وأربعة وعشرون وثمانية وأربعون وقال الثوري جاء عن عمر بن الخطاب في ذلك ضرائب مختلفة فللوالي أن يأخذ بأيها شاء إذا كانوا ذمة وأما أهل الصلح فما صولحوا عليه لا غير
130

قال أبو عمر روى مالك عن نافع عن أسلم (1027) ان عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعون درهما مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام وروى إسرائيل (1028) عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب أن عمر بعث عثمان بن حنيف (1029) فوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين واثنى عشر وذكر عبد الرزاق عن الثوري قال ذكرت عن عمر ضرائب مختلفة على أهل الذمة الذين أخذوا عنوة قال الثوري وذلك (1) إلى الوالي يزيد عليهم بقدر يسرهم ويضع عنهم بقدر حاجتهم وليس لذلك وقت ولكن ينظر في ذلك الوالي على قدر ما يطيقون فأما ما لم يؤخذ عنوة حتى صولحوا صلحا فلا يزاد عليهم شيء على ما صولحوا عليه والجزية على ما صولحوا عليه من قليل أو كثير في أرضهم وأعناقهم وليس في أموالهم زكاة وأجمع العلماء على أن لا زكاة على أهل الكتاب ولا المجوس في شيء من مواشيهم ولا زرعهم ولا ثمارهم إلا أن من العلماء من رأى تضعيف الصدقة على بني تغلب دون جزية وهو فعل عمر بن الخطاب فيما رواه أهل الكوفة وممن ذهب إلى تضعيف الصدقة على بني تغلب دون جزية الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وأحمد بن حنبل قالوا يؤخذ منهم من
كل ما
131

يؤخذ من المسلم مثلا ما يؤخذ من المسلم حتى في الركاز يؤخذ منهم خمسان وما يؤخذ من المسلم فيه العشر أخذ منهم عشران وما أخذ من المسلم فيه ربع العشر أخذ منهم نصف العشر ويجرى ذلك على أموالهم ونسائهم ورجالهم بخلاف الجزية وقال زفر لا شيء على نساء بني تغلب في أموالهم وليس عن مالك في هذا شيء منصوص ومذهبه عند أصحابه أن بني تغلب وغيرهم سواء في أخذ الجزية منهم وقد جاء عن عمر أنه إنما فعل ذلك بهم على أن لا ينصروا أولادهم وقد فعلوا ذلك فلا عهد لهم كذلك قال داود بن كردوس وهو راوية حديث عمر في بني تغلب قال أبو عمر قد عم الله أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم فلا وجه لاخراج بني تغلب عنهم وأجمع العلماء على أن الجزية إنما تضرب على البالغين من الرجال دون النساء والصبيان وأجمعوا أن الذمي إذا أسلم فلا جزية عليه فيما يستقبل واختلفوا فيه إذا أسلم في بعض الحلول أو مات قبل ان يتم حوله فقال مالك إذا أسلم الذمي سقط عنه كل ما لزمه من الجزية لما مضى وسواء اجتمع عليه حول أو أحوال وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وعبيد الله (1030) بن الحسين وقال أبو حنيفة إذا انقضت السنة ولم يؤخذ منه شيء ودخلت سنة أخرى لم يؤخذ منه شيء لما مضى وقال أبو يوسف ومحمد يؤخذ منه وقال الشافعي وابن شبرمة (1031) إذا أسلم في بعض السنة أخذ
132

منه بحساب قال الشافعي (1) فإن أفلس فالامام غريم من الغرماء وقول أحمد بن حنبل في المسألة كقول مالك وهو الصواب إن شاء الله والحمد لله
133

حديث سابع لجعفر بن محمد مرسل مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وهذا الحديث في الموطأ عن مالك مرسل عند جماعة رواته وقد روى عنه مسندا حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن عبد الله القاضي حدثنا حامد بن محمد بن هارون الحضرمي حدثنا الحسين بن منصور الدباغ حدثنا عثمان بن خالد المدني العثماني (1032) حدثنا مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصي بشاهد ويمين هكذا حدث به عثمان بن خالد المدني عن مالك بإسناده هذا مسندا والصحيح فيه عن مالك انه مرسل في روايته وقد تابع عثمان بن خالد العثماني على روايته هذه في هذا الحديث عن مالك إسماعيل (1033) بن موسى الكوفي فرواه أيضا عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ورواه محمد بن عبد الرحمان بن رداد ومسكين ابن بكير (1034) كلاهما عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن
134

على أن النبي عليه السلام قضى باليمين مع الشاهد والصحيح عن مالك ما في الموطأ وروى أبو حذافة عن مالك في هذا الباب حديثا منكرا عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام حدثناه خلف ابن القاسم حدثنا الحسن بن علي المطرز حدثنا أحمد بن الحسن ابن هارون حدثنا أبو حذافة مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وقد اسنده عن جعفر بن محمد جماعة حفاظ وزيادة الحافظ مقبولة فممن أسنده عبيد الله بن عمر وعبد الوهاب الثقفي ومحمد بن عبد الرحمان بن رداد المدني ويحيى بن سليم وإبراهيم بن أبي حية ورواه ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا كما رواه مالك وكذلك رواه الحكم بن عتيبة وعمرو بن دينار جميعا عن محمد ابن علي مرسلا فاما حديث عبيد الله بن عمر فحدثناه عبد الرحمان (1035) بن عبد الله بن خالد قال حدثنا أبو الحسن (1036) علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ البغدادي قال حدثنا أبو الحسن علي ابن الحسن (1) القافلاني قال حدثنا أبو همام عبد الله بن عبد السلام قال حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قال حدثنا عبيد الله (ب) بن عمر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد
135

ورواه محمد (1037) بن عيسى بن سميع عن عبيد الله بن عمر مثله سواء وأما حديث الثقفي فحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو جعفر محمد بن داود بن سليمان المنقري قال حدثنا مسدد وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي ومحمد بن المثنى أبو موسى قالوا حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وحدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا محمد ابن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب الرقى قال حدثنا أحمد بن عمرو البصري البزار قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وحدثني أبو عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وكذلك رواه جماعة عن الشافعي منهم أحمد بن عمرو (1038) بن السرح والحسن بن محمد (1039) الزعفراني والربيع بن سليمان المرادي وأما حديث يحيى بن سليم فحدثني به أحمد بن محمد بن
136

أحمد قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمان قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد البغدادي بمصر قال حدثنا إسحاق بن حاتم العلاف قال حدثنا يحيى بن سليم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وروى هذا الحديث عن يحيى بن سليم أيضا عبد الوهاب الوراق (1040) فأخطأ فيه جعله عن يحيى بن سليم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما شبه عليه لأن في االحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه قال وقضى بها على بين أظهركم يا أهل الكوفة وأما حديث ابن رداد فحدثني أبو إسحاق إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد ابن أيوب بن حبيب قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار قال حدثنا بشر (1041) بن معاذ العقدي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمان بن رداد قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ان النبي عليه السلام قضى باليمين مع الشاهد هكذا ذكره البزار وذكره الدارقطني على وجهين فقال حدثنا أحمد ابن المطلب حدثنا القاسم بن زكريا (1042) المقرئ حدثنا بشر ابن معاذ حدثنا محمد بن عبد الرحمان (1043) بن رداد قال أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أن النبي صلى
137

الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد هكذا قال عن أبيه عن جده عن علي وجعله له عن جعفر قال وحدثنا أحمد بن المطلب أيضا قال حدثنا القاسم بن زكريا حدثنا بشر
بن معاذ حدثنا محمد بن عبد الرحمان عن مالك عن جعفر بن محمد مثله فجعله لابن رداد عن مالك بإسناد واحد وفي ذلك ما لا يخفى وأما حديث إبراهيم بن أبي حية فحدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أحمد البغدادي بمصر قال حدثنا داود بن حماد البلخي قال حدثنا إبراهيم بن أبي حية عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يقضي باليمين مع الشاهد فهذا ما في حديث جعفر بن محمد وإرساله أشهر وفي اليمين مع الشاهد آثار متواترة حسان ثابتة متصلة أصحها إسنادا وأحسنها حديث ابن عباس وهو حديث لامطعن لأحد في إسناده ولا خلاف بين أهل المعرفة بالحديث في أن رجاله ثقات رواه سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس ورواه محمد بن مسلم الطائفي عن عمر بن دينار عن ابن عباس وقال يحيى القطان سيف ابن سليمان ثبت ما رأيت أحفظ منه وقال النسائي هذا إسناد جيد سيف ثقة وقيس ثقة حدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثني سيف بن سليمان المكي قال أخبرني قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن داود بن سليمان المنقري قال حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال حدثنا زيد بن الحباب عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم
138

قضى اليمين مع الشاهد وحدثني أحمد بن محمد قال حدثنا محمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أحمد قال حدثنا الحسن (1044) بن شاذان قال حدثنا بن الحباب قال حدثنا سيف ابن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وأخبرنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي وحدثنا عبد الوارث ابن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا عبد الرحمان (1045) بن يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد قالا حدثنا عبد الله (1046) بن الحرث قال حدثنا سيف بن سليمان (1047) عن قيس بن سعد (1048) عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد قال عمرو في الأموال خاصة وأخبرنا محمد بن إبراهيم
139

وإبراهيم بن شاكر قالا أخبرنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب الرقى قال حدثنا أحمد بن عمر البزار قال حدثنا داود بن سليمان الخراز (1) قال حدثنا عبد الله بن الحرث المخزومي قال حدثنا سيف بن سليمان قال حدثنا قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه قضى باليمين مع الشاهد قال أحمد بن عمرو وحدثناه عبدة (1049) ابن عبد الله ورزق الله (1050) بن موسى قالا حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنا سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو ابن ابن دينار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى باليمين مع الشاهد قال أحمد بن عمرو بن دينار في الأموال خاصة قال أبو عمر خرج مسلم حديث ابن عباس هذا قال أبو بكر البزار سيف بن سليمان وقيس بن سعد ثقتان ومن بعدهما يستغنى عن ذكرهما لشهرتهما في الثقة والعدالة وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد وأخبرنا عبد الله بن محمد ابن أسد قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قالا حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قضى باليمين مع الشاهد ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا
140

أبو زيد عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي بمكة قال حدثنا أبو يحيى عبد الله بن أحمد بن أبي مسرة قال حدثنا أحمد بن محمد الأزرقي (1) قال حدثنا الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد قال الدراوردي ثم أتيت سهيلا فسألته عن هذا الحديث فقال حدثني ربيعة عني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه ثم ذكره قال أبو عمر نسي سهيل حديثه هذا ثم حمله الورع على أن يحدث به عن ربيعة عن نفسه ولم يمل إلى أذكار ربيعة إياه بذلك فكان يقول حدثني ربيعة إني حدثته عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام بهذا الحديث ولم يقل هذا عن سهيل أحد إلا الدراوردي في رواية بعض الرواة عنه فيما علمت وقد رواه جماعة حفاظ عن ربيعة لم يقولوا فيه ما قاله الدراوردي على أنه قد رواه جماعة عن الدراروردي فلم يذكروا ذلك وقد عرض ذلك لجماعة من العلماء نسوا ما حدثوا به ثم رووه عمن رواه عنهم عن أنفسهم ولو تقصينا ذلك وذكرناه خرجنا عن حد ما قصدنا له فمن ذلك ما حدثنا (ب) به عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا معمر قال حدثني أبي قال حدثتني أنت عن الحسن قال ويح كلمة رحمة قال وحدثنا يحيى بن معين قال حدثنا معتمر قال حدثني أبي قال حدثتني أنت يعني معتمرا عن عبيد الله بن عمر قال إنما كسر عمر النبيذ من شدة حلاوته قال قال معتمر فاما أنا فلا أحفظه وحفظه أبي عنى أخبرنا أحمد
141

ابن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى بن مجاهد المقرئ قال حدثنا عباس بن محمد الدوري قال حدثنا المعتمر بن سليمان قال قال لي أبي أنت حدثتني عني عن فلان أنه قال ويح باب رحمة قال أبو عمر فهذا سليمان التيمي قد عرض له كالذي عرض لسهيل إن صح ما ذكر الدراوردي ونسيان سهيل وغيره له لا يقدح في شيء منها لأن العدل إذا روى خبرا عن عدل مثله حتى يتصل لم يضر الحديث أن ينساه أحدهم لأن الحجة حفظ من حفظ وليس النسيان بحجة أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمان (1051) بن علي قال حدثنا أبو الحسين محمد بن العباس الحلبي قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الطائي قال حدثنا محمد (1052) بن عوف الطائي قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا الدراوردي عن ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وحدثنا أبو العباس أحمد بن قاسم المقرئ قال حدثنا أبو حفص عمر (1053) بن إبراهيم المقرئ الكندي ببغداد
142

قال حدثنا عبد الله (1054) بن محمد البغوي قال حدثنا الصلت بن مسعود (1055) الجحدري قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال حدثنا ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ
قال حدثنا محمد بن داود بن سليمان قال حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي قال حدثنا أنس بن عياض أبو ضمرة عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا (1056) سحنون ابن سعيد قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا سليمان بن بلال عن ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وأخبرنا خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن
143

إبراهيم الديلي قال حدثنا محمد (1057) بن علي بن زيد الصائغ قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا (1058) بن داود قال حدثنا أحمد (1059) بن عيسى قال حدثنا عبد الله بن وهب قالا جميعا أخبرنا سليما بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن صالح السبيعي الحلبي بدمشق قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن عيسى الزهري قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن ربيعة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد ورواه زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن زيد بن ثابت وهو خطأ والصواب عن أبيه عن أبي هريرة أخبرنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة ابن عبد الله الحسيني قال حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة بن جعفر الطحاوي قال حدثنا بحر (1060) بن نصر قال حدثنا ابن
144

وهب قال حدثنا عثمان (1061) بن الحكم عن زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن زيد بن ثابت (1062) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى باليمين مع الشاهد قال الطحاوي سألني عنه النسائي وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد ابن داود قال حدثنا أحمد بن عيسى وبحر بن نصر قالا حدثنا عبد الله بن وهب عن عثمان بن الحكم المدني عن زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد قال أبو عمر زهير بن محمد عندهم سئ الحفظ كثير الغلط لا يحتج به وعثمان بن الحكم ليس بالقوى والصواب في حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وبالله التوفيق وقد رواه حماد بن سلمة عن سهيل وهو غريب من حديث حماد أخبرنا خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم قالا أخبرنا الحسن بن رشيق قال حدثنا محمد بن القاسم ابن محمد بن عبد الرزاق الجمحي بمكة قال حدثنا أحمد بن محمد (1063) بن أبي بزة المؤذن قال حدثنا المؤمل (1064) بن إسماعيل
145

قال حدثنا حماد بن سلم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد قال أبو عمر لا أعلمه روى عن حماد بن سلمة بغير هذا الإسناد وهو غير محفوظ من حديث حماد بن سلمة والله أعلم وقد روى عن أبي هريرة من غير حديث سهيل أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن عبد الرحمان القرشي قال أخبرنا أبو الحسن محمد بن العباس الحلبي قال أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الطائي بحمص قال حدثنا محمد بن عوف الطائي قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا المغيرة (1065) بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج (1066) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه قضى باليمين مع الشاهد قال ابن المبارك وحدثنا الدراوردي عن محمد بن عجلان (1067) عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز وشريحا (1068) قضيا باليمين مع الشاهد
146

قال أبو عمر المغيرة بن عبد الرحمان انفرد برواية هذا الحديث عن أبي الزناد بإسناده المذكور ولم يتابع عليه أخبرني أبو عمر أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد قال حدثنا أبو بكر محمد بن معاوية القرشي قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد البغدادي بمصر قال حدثنا الحسن بن عرفة أبو علي قال حدثنا عبد الله (1069) بن إبراهيم الغفاري أبو محمد المدني عن عبد الرحمن (1070) بن زيد بن أسلم عن سعيد بن أبي (1071) سعيد المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ورواه عمارة بن حزم عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى ابن أبي مسرة قال أخبرنا مروان بن سلام اليزيدي قال أخبرنا معن ابن عيسى القزاز قال أخبرنا عبد العزيز (1072) بن المطلب عن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز عن شرحبيل (1073) بن معين بن سعد بن عبادة قال كتاب وجدته في كتب سعد بن عبادة أن عمارة ابن حزم شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع
147

الشاهد ورواه سعد (1074) بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أبو القاسم يعيش بن سعيد بن محمد وأبو القاسم عبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن داود المنقري قال حدثنا محمد (1075) بن يحيى النيسابوري قال حدثنا إبراهيم بن محمد المدني قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أبي قال حدثنا عمرو (1076) ابن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا القعنبي قال حدثنا سليمان بن بلال عن ربيعة عن إسماعيل بن عمرو بن قيس بن سعد بن عبادة عن أبيه أنهم وجدوا في كتب سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد وحدثنا خلف قال حدثنا عبد الله قال حدثنا احمد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أبي عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد في الحقوق أخبرنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال حدثنا (1) البغوي قال حدثنا
148

الصلت بن مسعود قال حدثنا عبد العزيز الدراوردي قال حدثنا ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن ابن لسعد بن عبادة قال وجدنا في كتب سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وذكر ابن وهب في موطاه عن سليمان بن بلال عن ربيعة قال أخبرني إسماعيل بن عمرو بن قيس بن سعد بن عبادة عن أبيه أنه وجدوا في كتاب سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد قال ابن وهب وحدثني ابن لهيعة ونافع (1077) بن يزيد عن عمارة (
1078) بن غزية عن سعيد (1079) بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة أنه وجد في كتب ابائه هذا ما رفع أو ذكر عمرو 01080) بن حزم والمغيرة بن شعبة قالا بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل رجلان يختصمان مع أحدهما شاهد له على حقه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمين صاحب الحق مع شاهده فاقتطع بذلك حقه ورواه عبد الله بن عمرو بن العاصي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال
149

حدثنا محمد بن سليمان بن داود قال حدثنا عمرو (1081) بن محمد الناقد قال حدثنا إسماعيل بن عبد الله (1082) بن خالد الرقي قال حدثني مطرف بن مازن عن ابن جريح عن عمرو ابن شعيب (1083) عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد أخبرني أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد البغدادي قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا أبو جعفر (1084) النفيلي قال حدثني محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسن بن علي الأشناني قال حدثنا أبو جعفر النفيلي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ورواه سرق (1085) رجل من أصحاب النبي صلى
150

الله عليه وسلم عن النبي عليه السلام حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن سليمان بن داود المنقري قال حدثنا عبد الله (1086) بن محمد بن أسماء قال حدثنا جويرية (1087) بن أسماء عن يزيد بن عبد الله عن رجل من أهل مصر أحسبه ابن البيلماني عن سرق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا محمد (1088) بن معمر قال حدثنا يحيى (1089) بن حماد قال جويرية بن أسماء وأخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمان القرشي قال أخبرنا إبراهيم بن بكر بن عمران قال حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الحافظ الموصلي قال حدثنا أحمد بن الحسين بن عبد الصمد الجرادي والحسن بن محمد بن سعيد الأنصاري وعبد الله بن زياد
151

الشعراني وأبو عروبة الحراني (1090) قالوا حدثنا يحيى (1091) ابن حكيم المقوم قال حدثنا أبو قتيبة (1092) مسلم بن قتيبة قال حدثنا جويرية بن أسماء عن عبد الله (1093) بن يزيد مولى المنبعث عن رجل عن سرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة رجل مع يمين الطالب وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن غالب التمتام قال حدثنا سهل (1094) بن بكار قال حدثنا جويرية بن أسماء عن عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن رجل من المصريين عن رجل كان بين أظهرهم من أصحاب النبي عليه السلام يقال له سرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد وأخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أحمد قال حدثنا الحسن بن شاذان الواسطي قال حدثنا يزيد بن
152

هارون قال حدثنا جويرية بن أسماء عن عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن رجل من أهل مصر عن سرق مولى النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد وقال مرة أخرى قضى بشهادة رجل ويمين الطالب قال أبو عمر أصح إسناد لهذا الحديث إسناد حديث ابن عباس وأما حديث أبي هريرة وحديث جعفر بن محمد وغيرها فحسان وإنما ذكرنا في هذا الباب الآثار المرفوعة لا غير ولو ذكرنا الأسانيد عمن قضى بذلك من الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين لطال ذلك وممن روى عنه القضاء باليمين مع الشاهد منصوصا من الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب وعبد الله بن عمر وإن كان في الأسانيد عنهم ضعف فإنا لم نذكرهم على سبيل الحجة لأن الحجة قد لزمت بالسنة الثابتة ولا تحتاج السنة إلى من يتابعها لان من خالفها محجوج بها ولم يأت عن أحد من الصحابة أنه أنكر اليمين مع الشاهد بل جاء عنهم القول به وعلى القول به جمهور التابعين بالمدينة سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمان والقاسم (1095) بن محمد وعروة وسالم وأبو بكر بن عبد الرحمان وعبيد الله بن عبد الله وخارجة بن زيد وسليمان بن يسار وعلي بن حسين وأبو جعفر محمد بن علي وأبو الزناد وعمر بن عبد العزيز ولم يختلف عن واحد من هؤلاء في ذلك إلا عروة فإنه اختلف فيه عنه وكذلك اختلف فيه عن ابن
153

شهاب فقال معمر سألت الزهري عن اليمين مع الشاهد فقال هذا شيء أحدثه الناس لا بد من شهيدين وقد روى عنه أنه أول ما ولى القضاء حكم بشاهد ويمين وبه قال مالك وأصحابه والشافعي وأتباعه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وأبو ثور وداود بن علي وجماعة أهل الأثر هو الذي لا يجوز عندي (1) خلافه لتواتر الآثار به عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمل أهل المدينة به قرنا بعد قرن وقال مالك رحمه الله يقضي باليمين مع الشاهد في كل البلدان ولم يحتج في موطاه لمسألة غيرها ولم يختلف عنه في القضاء باليمين مع الشاهد ولا عن أحد من أصحابه بالمدينة ومصر وغيرها ولا يعرف المالكيون في كل بلد غير ذلك من مذهبهم الا عندنا بالأندلس فإن يحيى بن يحيى تركه وزعم أنه لم ير الليث بن سعد يفتى به ولا يذهب اليه وخالف يحيى مالكا في ذلك مع خلافه السنة والعمل بدار الهجرة وقد كان مالك يقول لا يقضى بالعهدة في الرقيق إلا بالمدينة خاصة أو على من اشترطت عليه ويقضي باليمين مع الشاهد الواحد في كل بلد وقد أفرد الشافعي رحمه الله لذلك كتابا بين فيه الحجة على من رده وأكثر من ذلك أصحابه وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي لا يقضي باليمين مع الشاهد الواحد وهو قول عطاء والحكم بن عتيبة وطائفة وزعم عطاء ان أول من قضى به عبد الملك بن مروان وهذا غلط وظن لا يغنى من الحق شيئا وليس من نفى وجهل كمن أثبت وعلم وقد ذكرنا من سمينا من الصحابة والتابعين وليس فيهم من يدع علمه لعبد الملك بن مروان وقد ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة أن مروان قضى بشهادة ابن عمر وحده لنبي صهيب يعني مع إيمانهم وزعم بعض من رد اليمين مع الشاهد أن الحديث المروي فيه منسوخ
154

بقول الله عز وجل * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * قالوا ولم يقل فإن لم يكن رجل وامرأتان فشهادة ويمين ومن حجتهم أيضا أن اليمين إنما جعلت للنفي لا للاثبات وجعلها النبي صلى الله عليه وسلم على المدعى عليه فلا سبيل للمدعى إليها قال أبو عمر وفي هذا اغفال شديد وذهاب عن طريق النظر والعلم وما في قول عز
وجل * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * ما يرد به قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليمين مع الشاهد وإنما في هذا ان الحقوق يتوصل إلى أخذها بذلك وليس في الآية أنه لا يتوصل إليها ولا تستحق إلا بما ذكر فيها لا غير واليمين مع الشاهد زيادة حكم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كنهيه عن نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها مع قول الله * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * وكنهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر وكل ذي ناب من السباع مع قول الله عز وجل * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) * الآية وكالمسح على الخفين والقرآن إنما ورد بغسل الرجلين أو مسحهما ومثل هذا كثير ولو جاز ان يقال أن القرآن نسخ حكم رسول الله باليمين مع الشاهد لجاز أن يقال أن القرآن في قوله عز وجل * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * وفي قوله * (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * ناسخ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة وبيع الغرر وبيع ما لم يخلق إلى سائر ما نهى عنه في البيوع ولجاز أن يقال إن قول الله عز وجل * (خذ من أموالهم صدقة) * ناسخ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صدقة في الخيل والرقيق وهذا لا يسوغ لأحد لأن السنة مبينة للكتاب زائدة عليه ما أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في الحكم به ولو
155

جاز ذلك لارتفع البيان والله (1) عز وجل يقول * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) * والله عز وجل يفترض في كتابه وعلى لسان رسوله ما شاء وقد أمر الله بطاعة رسوله أمرا مطلقا وأخبر أنه لا ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى وقال صلى الله عليه وسلم أوتيت الكتاب ومثله معه وقال عز وجل * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) * قالوا القرآن والسنة ومن القياس والنظر أنا (ب) وجدنا اليمين أقوى من المرأتين لأنهما لا مدخل لهما في اللعان واليمين تدخل في اللعان ولما أثبت أن يحكم بشهادة امرأتين ورجل في الأموال كان كذلك اليمين مع شهادة رجل وفي الأصول ان من قوى سببه حلف واستحق الا ترى أن الشيء إذا كان في يد أحد حلف صاحب اليد فكذلك الشاهد الواحد وما ذكروا من أن الزيادة من حكم النبي عليه السلام منسوخة بآية الدين ينتقض عليهم بالاقرار والنكول ومعاقر القمط وإنصاب اللبن والجذوع الموضوعة في الحيطان فإنهم قد حكموا بكل ذلك وليس مذكورا في الآية فإذا استجازوا أن يستحسنوا ويزيدوا على النص ذلك كله استحسانا فكيف ينكرون الزيادة عليه بالاخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء وجمهور العلماء وصحيح الأثر والنظر والأمر في هذا أوضح من أن يحتاج فيه إلى اكثار وفيما ذكرنا منه كفاية لمن فهم وبالله التوفيق أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق قال حدثنا علي بن سعيد الرازي قال حدثنا محمد بن عبيد بن حساب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا خالد بن إياس بن معاوية أجاز شهادة عاصم الجحدري وحده يعني مع
156

يمين الطالب وذكر إسماعيل قال حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد أن شريحا أجاز شهادة رجل واحد مع يمين الطالب قال وحدثنا سليمان حدثنا حماد حدثنا عبد المجيد بن وهب قال شهدت يحيى بن معمر قضى بذلك قال وحدثنا إبراهيم الهروي أخبرنا هشيم أخبرنا حصين عن عبد الله بن عتبة بن مسعود مثله قال وأخبرنا أبو موسى حدثنا محمد ابن عبد الله (1096) الأنصاري حدثنا الأشعث عن الحسن مثله فهؤلاء قضاة أهل العراق أيضا يقضون باليمين مع الشاهد في زمن الصحابة وصدر الأمة وحسبك به عملا متوارثا بالمدينة قال إسماعيل بن إسحاق حدثنا إبراهيم الهروي قال أخبرنا هشيم قال أخبرنا المغيرة عن الشعبي قال أهل المدينة يقولون شهادة الشاهد ويمين الطالب وقال مالك يحلف مع شهادة المرأتين لأنهما بمنزلة الرجل فلما حلف مع الرجل حلف معهما وقال الشافعي لا يمين إلا مع الشاهد الواحد العدل في الأموال خاصة إن شاء الله والله الموفق للصواب
157

حديث ثامن لجعفر بن محمد مرسل مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل في قميص هكذا رواه سائر رواة الموطأ مرسلا إلا سعيد بن عفير فإنه جعله عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عائشة فإن صحت روايته فهو متصل والحكم عندي فيه أنه مرسل عند مالك لرواية الجماعة له عن مالك كذلك الا انه حديث مشهور عند أهل السير والمغازي وسائر العلماء وقد روى مسندا من حديث عائشة من وجه صحيح والحمد لله ورواه الوحاظي (1097) عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي عليه السلام غسل في قميص وكذلك رواه الباغندي (1098) عن إسحاق بن عيسى الطباع عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر إلا أنه خولف الباغندي في ذلك عن إسحاق فأما الموطأ فهو فيه مرسل إلا في رواية سعيد بن عفير فإنه رواه في الموطأ عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عائشة وهو صحيح عن عائشة من رواية غير مالك أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال
158

حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أحمد (1099) بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد (1100) عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة هكذا قال (1) وأخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي حدثنا محمد (1101) بن سلمة عن محمد (1102) ابن إسحاق قال حدثني يحيى (1103) بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال سمعت عائشة ونقول لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا أم نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا القى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فقاموا إلى رسول الله فغسلوه وعليه قميصة يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه
159

بالقميص دون أيديهم وكانت عائشة تقول لو استقبلت من أمري ما استدبرته ما غسله إلا نساؤه قال أبو عمر السنة في الحي والميت تحريم النظر إلى عورتهما وحرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا في ذلك ولا يجوز لأحد أن يغسل ميتا إلا وعليه ما يستره فإن غسل في قميصه فحسن وإن ستر وجرد عنه قميصه وسجى بثوب غطى به رأسه وسائر جسمه إلى أطراف قدميه فحسن وإلا فأقل ما يلزم من ستره أن تستر عورته ويستحب العلماء أن يستر وجهه بخرقة وعورته بأخرى لأن الميت ربما تغير وجهه عند الموت لعلة أو دم وأهل الجهل ينكرون ذلك ويتحدثون به وقد روى عن النبي عليه السلام أنه قال من غسل ميتا ثم لم يفش عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وروى الناظر من الرجال إلى فروج الرجال كالناظر منهم إلى فروج النساء والناظر والمنكشف ملعون وقال ابن سيرين يستر من الميت ما يستر من الحي وقال إبراهيم كانوا
يكرهون أن يغسل الميت وما بينه وبين السماء فضاء حتى يكون بينه وبينها ستره أخبرنا عبد الرحمان (1104) بن يحيى قال حدثنا عمر بن محمد الجمحي (1105) قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا
160

إبراهيم بن زياد (1106) سبلان قال حدثنا محمد (1107) بن الفضل عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله (1108) بن الحرث أن عليا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قميصه وعلى يد علي خرقة قال أبو عمر هذا مستحسن عند جماعة العلماء أن يأخذ الغاسل خرقة فيلفها على يده إذا أراد غسل فرج الميت ليلا يباشر فرجه بيده بل يدخل يده ملفوفة بالخرقة تحت الثوب الذي يستر عورته قميصا كان أو غيره فيغسل فرجه ويأمر من يوالي بالصب عليه حتى ينفى ما هنالك من قبل ودبر وعلى ما وصفنا من العمل في غسل الميت في باب أيوب وإن لم يلف على يده خرقة ودلكه بالقميص أجزأه إذا أنقى ولا يباشر شيئا من عورته بيده ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال التمس علي رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم ما يلتمس من الميت فلم يجد شيئا فقال بأبي أنت وأمي طبت حيا وطبت ميتا قال وأخبرنا بن جريج قال سمعت محمد بن علي بن حسين يخبر قال غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميص وغسل ثلاثا كلهن بماء وسدر وولى على سفلته والفضل (1109) بن العباس
161

محتضن النبي عليه السلام والعباس (1110) يصب الماء وعلي يغسل سفلته والفضل يقول أرحني أرحني قطعت وتيني أني لجد شيئا يتنزل علي قال وغسل النبي صلى الله عليه وسلم من بير لسعد بن خيثمة يقال لها العرس بقباء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب منها وروى عن علي رحمه الله أنه قال لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وسجى بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته السلام عليكم أهل البيت * (كل نفس ذائقة الموت) * الآية أن في الله خلفا من كل هالك وعزاء من كل مصيبة ودركا من كل فايت فبالله فثقوا وإياه فأرجوا فإن المصاب من حرم الثواب قال علي رضي الله عنه وتولى غسله صلى الله عليه وسلم العباس وأنا والفضل قال علي فلم أره يعتاد فاه في الموت ما يعتاد أفواه الموتى ثم لما فرغ على من غسله وأدرجه في أكفانه كشف الأزار عن وجهه ثم قال بأبي أنت وأمي طبت حيا وطبت ميتا انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت أحد ممن سواك من النبوة والأنبياء خصصت حتى صرت مسليا عمن سواك وعممت حتى صارت المصيبة فيك سواء ولولا أنك أمرت بالصبر ونهيت عن الجزع لانفذنا عليك الشؤون بأبي أنت وأمي اذكرنا عند ربك واجعلنا من همك ثم نظر إلى قذاة في عينه فلفظها (1) بلسانه ثم رد الإزار على وجهه صلى الله عليه وسلم وقد قال بعض الناس وقطع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزع عنه ذلك القميص وأنه
162

كفن فيه مع الثلاثة الأثواب السحولية وهذا ليس بشيء ومعلوم أن الثوب الذي يغسل فيه الميت ليس من ثياب أكفانه وثياب الأكفان غير مبلولة وقد قالت عائشة كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة تعنى ليس في أكفانه قميص ولا عمامة وسيأتي القول في ذلك في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله وقد يجوز ان يكون قائل ذلك مال إلى رواية المؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في قميص وثوبين صحاريين من عمل عمان وهذا خبر غير متصل وحديث عائشة صحيح مسند والحجة به ألزم في العمل وكلاهما لا يقطع العذر وبالله العصمة والتوفيق الا أن الحديث المسند يوجب العمل وتجب به الحجة عند جميع أهل الحق والسنة فإن احتج محتج بما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن يزيد (1111) عن مقسم عن ابن عباس قال كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب قميصه الذي مات فيه وحلة له نجرانية قيل له هذا الحديث يدور على يزيد بن أبي زياد وليس عندهم ممن يحتج به فيما خولف فيه أو انفرد به ومنهم من لا يحتج به في شيء لضعفه وحديث عائشة حديث ثابت يعارضه ويدفعه وقد روى من حديث مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب أحدها قميصه الذي غسل فيه
163

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان قال حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي (1112) أسامة قال حدثنا إسحاق بن عيسى بن نجيح الطباع وأبو نعيم الفضل بن دكين قال إسحاق حدثنا مالك وقال أبو نعيم حدثنا سفيان جميعا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة وليس في حديث مالك كرسف وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن صالح (1113) مولى التوءمة أنه سمع ابن عباس يقول غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميص قال وأخبرنا معمر والثوري عن منصور قال كان على النبي صلى الله عليه وسلم قميص فنودوا ألا تنزعوه
164

حديث تاسع لجعفر بن محمد مرسل مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب خطبتين يوم الجمعة وجلس بينهما هكذا رواه جماعة رواة الموطأ مرسلا وهو يتصل من وجوه ثابتة من غير حديث مالك واختلف الفقهاء في الجلوس بين الخطبتين هل هو فرض أم سنة فقال مالك وأصحابه والعراقيون وسائر فقهاء الأمصار إلا الشافعي الجلوس بين الخطبتين سنة فإن لم يجلس بينهما فلا شيء عليه وقال الشافعي هو فرض وإن لم يجلس بينهما صلى ظهرا أربعا واختلفوا أيضا في الخطبة هل هي من فروض صلاة الجمعة أم لا وقد جاء فيها أيضا عن أصحابنا أقاويل مضطربة والخطبة عندنا في الجمعة فرض وهو مذهب ابن القاسم والحجة في ذلك انها من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجمل الخطاب في صلاة يوم الجمعة قال الله تبارك وتعالى * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) * فأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجمعة بفعله كيف هي وأي وقت هي وبيانه لذلك فرض كسائر بيانه لمجملات الكتاب في الصلوات وركوعها وسجودها وأوقاتها وفي الزكوات ومقاديرها وغير ذلك مما يطول ذكره وقد استدل بعض أصحابنا على وجوب الخطبة بقول الله عز وجل * (وتركوك قائما) * لأنه عاتب بذلك الذين تركوا النبي صلى الله عليه وسلم قائما يخطب يوم الجمعة وانفضوا إلى التجارة التي قدمت العيس بها في تلك
165

الساعة وعابهم لذلك ولا يعاب إلا على ترك الواجب وما قدمناه من قول في وجوبها لازم أيضا قاطع وبالله التوفيق وكل ما وقع عليه اسم خطبة من كلام مؤلف يكون فيه ثناء على الله وصلاة على رسول الله وشئ من القرآن يجزئ ولا يجزئ عندي إلا أقل ما يقع عليه اسم خطبة وأما تكبيرة واحدة أو تسبيحة أو تهليلة كما قال أبو حنيفة فلا
وقد ذكر ابن عبد الحكم في هذا شيئا لم أر لذكره وجها لما قدمنا ذكره من صحيح القول عندنا وبالله التوفيق وأما الأثر المتصل في معنى حديث مالك فأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا محمد (1114) بن كثير العبدي قال حدثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس بين الخطبتين قال علي وحدثنا بشر بن المفضل عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب بخطبتين قائما يفصل بينهما بجلوس وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم ابن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع عن الثوري عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ويجلس بين الخطبتين وكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا وكان يتلو في خطبته آيات القرآن
166

باب الحاء حميد الطويل أبو عبيدة بصرى وهو حميد بن أبي حميد مولى طلحة الطلحات وهو طلحة بن عبد الله الخزاعي قيل كان حميد من سبي سجتان وقيل من سبى كابل واختلف في اسم أبيه أبي حميد فقيل طرخان وقيل مهران وقيل حميد الطويل هو حميد ابن شرويه قال أبو نعيم وقال غيره هو حميد بن ثيرويه قال أبو عمر سمع من أنس بن مالك والحسن بن أبي الحسن وأكثر روايته عن أنس أخذها عن ثابت البناني عن أنس وعن قتادة عن أنس وقد سمع من أنس توفي في جمادي سنة أربعين ومائة وقيل سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين ومائة قاله ابن إبراهيم بن حميد وهو ابن خمس وسبعين سنة وكان ثقة روى عنه جماعة من الأئمة وذكر الحلواني قال حدثنا (1115) عفان قال حدثنا يزيد بن زريع قال تناول رجل حميدا الطويل عند يونس بن عبيد فقال أكثر الله فينا أمثاله قال عفان كان حميد الطويل فقيها وكان هو والبتي (1116)
167

يفتيان فأما البتي فكان يقضي وأما حميد فكان يصلح فقال حميد للبتي إذا جاءك الرجلان فلا تخبرهما بمر الحق ولكن أصلح بينهما أحمل على هذا وأحمل على هذا فقال عثمان البتي أنا لا أحسن سحرك وكان حميد رفيقا وقال الأصمعي رأيت حميدا الطويل ولم يكن بالطويل كان طويل اليدين لمالك عنه من مرفوعات الموطأ سبعة أحاديث مسندات وواحد موقوف لم يسنده عن مالك خاصة إلا من لا يوثق بحفظه
168

حديث أول لمالك عن حميد الطويل مسند صحيح مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم هذا حديث متصل صحيح وبلغني عن ابن وضاح رحمه = الله أنه كان يقول إن مالكا لم يتابع عليه في لفظه وزعم أن غيره يرويه عن حميد عن أنس أنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافرون فيصوم بعضهم ويفطر بعضهم فلا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم ليس فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أنه كان يشاهدهم في حالهم هذه وهذا عندي قلة اتساع في علم الأثر وقد تابع على ذلك مالكا جماعة من الحفاظ منهم أبو إسحاق الفزاري وأبو ضمرة أنس بن عياض ومحمد بن عبد الله الأنصاري وعبد الوهاب الثقفي كلهم رووه عن حميد عن أنس بمعنى حديث مالك سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مثل ذلك من وجوه منها حديث ابن عباس وحديث أبي سعيد الخدري وحديث أنس هو حديث صحيح ثابت وبالله التوفيق وما أعلم أحدا روى حديث أنس هذا على ما قال ابن وضاح إلا ما رواه محمد (1117) بن مسعود عن القطان عن حميد عن أنس قال كنا نسافر مع أصحاب
169

رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلمه قال إلا في رمضان منا الصائم ومنا المفطر فلا يعيب هذا على هذا هكذا حدث به ابن وضاح قال حدثنا محمد بن مسعود قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن حميد عن أنس فذكره قال أبو عمر ليس هذا بشيء والذي عليه الرواة ما ذكره مالك وسائر من سميناه من الحفاظ عن حميد عن أنس قال سافرنا مع رسول الله وهو الصواب إن شاء الله وسنذكر الآثار في ذلك بالأسانيد الجياد في آخر هذا الباب بعد الفراغ من القول في معانيه واختلاف العلماء فيه بعون الله إن شاء الله وفيه من الفقه وجوه كثيرة منها رد قول من زعم أن الصائم في رمضان في السفر لا يجزئه كما روى عن عمر وأبي هريرة وابن عباس وقال بذلك قوم من أهل الظاهر وروى عن ابن عمر أنه قال من صام في السفر قضى في الحضر وروى عن عبد الرحمان بن عوف أن الصائم في السفر كالمفطر وروى عن ابن عباس أيضا والحسن انهما قالا أن الفطر في السفر عزمة لا ينبغي تركها وحديث هذا الباب يرد هذه الأقاويل ويبطلها كلها وقد روى عن ابن عباس في هذه المسألة خذ بيسر الله وهذا منه إباحة للصوم والفطر للمسافر خلاف القولين اللذين ذكرناهما عنه وعلى إباحة الصوم والفطر للمسافر جماعة العلماء وأيمة الفقه بجميع الأمصار إلا ما ذكرت لك عمن قدمنا ذكره ولا حجة في أحد (1) مع السنة الثابتة هذا إن ثبت ما ذكرناه عنهم وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه صام في السفر وأنه لم يعب على من أفطر ولا على من صام فثبتت حجته ولزم التسليم له وإنما اختلف الفقهاء في الأفضل من الفطر في السفر أو الصوم فيه لمن قدر عليه فروينا
170

عن عثمان بن أبي العاص الثقفي وأنس بن مالك صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما قالا الصوم في السفر أفضل لمن قدر عليه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ونحو ذلك قول مالك والثوري لأنهما قالا الصوم في السفر أحب إلينا لمن قدر عليه فاستدللنا أنهم لم يستحسنوه إلا أنه أفضل عندهم وقال الشافعي ومن اتبعه هو مخير ولم يفضل وكذلك قال ابن علية وقد روى عن الشافعي أن الصوم أحب اليه ولم يختلف عن ابن علية أنه لا يفضل وهو ظاهر حديث أنس هذا وروى عن ابن عمر وابن عباس الرخصة (1) أفضل وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي ومحمد بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه كل هؤلاء يقولون أن الفطر أفضل لقول الله عز وجل * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * وروى عن ابن عباس من وجوه إن شاء صام وإن شاء أفطر وهو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس وابن عباس وأبي سعيد وحمزة بن عمرو (1118) الأسلمي حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا مالك ابن إسماعيل قال حدثنا إسرائيل عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فمن شاء صام ومن شاء أفطر قال علي وكذلك رواه أبو عوانة عن منصور بإسناده حدثناه فضل (ب) بن عوف قال حدثنا أبو عوانة عن منصور عن مجاهد
عن طاوس عن ابن عباس عن النبي عليه السلام فذكر الحديث قال ورواه شعبة عن
171

منصور عن مجاهد عن ابن عباس لم يذكر طاوسا حدثنا مسلم قال حدثنا شعبة فذكره قال أبو عمر كان حذيفة رحمه الله وسعيد بن جبير والشعبي وأبو جعفر محمد بن علي لا يصومون في السفر وكان عمرو بن ميمون والأسود (1119) بن يزيد وأبو وائل يصومون في السفر وكان ابن عمر يكره الصيام في السفر وعن سعيد بن جبير مثله حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا عبد الله بن جعفر (1120) الرقى قال حدثنا عبيد الله (1121) بن عمرو عن عبد الكريم عن طاوس عن ابن عباس قال إنما أراد الله برخصة الفطر في السفر التيسير عليكم فمن تيسر عليه الصوم فليصم ومن تيسر عليه الفطر فليفطر فإن قال قائل ممن يميل إلى قول أهل الظاهر في هذه المسألة قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس البر أوليس من البر الصيام في السفر وما لم يكن من البر فهو من الاثم واستدل بهذا على أن صوم رمضان في السفر لا يجزئ فالجواب عن ذلك أن هذا الحديث خرج لفظه على شخص معين وهو رجل رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم قد ظلل عليه وهو يجود
172

بنفسه فقال ذلك القول أي ليس البر أن يبلغ الانسان بنفسه ذلك المبلغ والله قد رخص له في الفطر والدليل على صحة هذا التأويل صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ولو كان الصوم اثما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس منه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثنا إبراهيم بن حماد قال حدثني عمي إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الرحمان ابن عبد الله بن سعد بن زرارة قال قال جابر بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك ليسير بعد أن أضحى إذا هو بجماعة في ظل شجرة فقال ما هذه الجماعة فقالوا رجل صام فجهده الصوم فقال رسول الله ليس البر أن تصوموا في السفر قال إسماعيل (1122) وحدثنا حفص (1123) بن عمر قال حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمان عن محمد بن عمرو بن حسن أو ابن حسين عن جابر بن عبد الله نحوه وأخبرنا عبد الرحمان بن مروان قال حدثنا أبو محمد الحسن بن يحيى القلزمي قال حدثنا
173

عبد الله بن علي (1124) ابن الجارود قال حدثنا عبد الله (1125) ابن هاشم قال حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال حدثنا محمد بن عبد الرحمان عن محمد بن عمرو بن الحسن عن جابر بن عبد الله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر فرأى رجلا عليه زحام وقد ظلل عليه فقال ما هذا قالوا صائم قال ليس من البر أوليس البر أن تصوموا في السفر هكذا قال محمد بن عمرو بن الحسن ويحتمل قوله صلى الله عليه وسلم ليس البر الصيام في السفر أي ليس هو أبر البر لأنه قد يكون الافطار أبر منه إذا كان في حج أو جهاد ليقوى عليه وقد يكون الفطر في السفر المباح برا لأن الله أباحه ونظير هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم قوله ليس المسكين الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان قيل فمن المسكين قال الذي لا يسأل ولا يجد ما يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ومعلوم أن الطواف مسكين وأنه من أهل الصدقة إذا لم يكن له شيء غير تطوافه وقد قال صلى الله عليه وسلم ردوا المسكين ولو بكراع محرق وردوا السائل لو بظلف محرق وقالت عائشة أن المسكين ليقف على بابي الحديث وقال عز وجل * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * وأجمعوا أن الطواف منهم فعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم ليس المسكين بالطواف عليكم معناه ليس السائل بأشد الناس مسكنة لأن المتعفف الذي لا يسئل الناس ولا يفطن له أشد مسكنة منه فكذلك قوله ليس البر الصيام في السفر معناه ليس البر كله في
174

الصيام في السفر لأن الفطر في السفر بر أيضا لمن شاء أن يأخذ برخصة الله تعالى ذكره وأما قوله ليس من البر فهو كقوله ليس البر ومن قد تكون زائدة كقولهم ما جاءني من أحد أي ما جاءني أحد والله أعلم فأما من احتج بقول الله عز وجل * (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * وزعم أن ذلك عزمة فلا دليل معه على ذلك لأن ظاهر الكلام وسياقه إنا يدل على الرخصة والتخيير والدليل على ذلك قوله عز وجل * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) * ودليل آخر وهو إجماعهم أن المريض إذا تحامل على نفسه فصام وأتم يومه إن ذلك مجزئ عنه فدل على أن ذلك رخصة له والمسافر في التلاوة وفي المعنى مثله والكلام في هذا أوضح من أن يحتاج فيه إلى اكثار والله المستعان وحدثني (1) أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الفوارس (1126) أحمد بن محمد بن الحسين بن السندي قال حدثنا أبو الفضل قاسم بن محمد بن الخياط قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال سافرنا مع رسول الله فصام قوم وأفطر قوم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم وحدثنا أحمد بن عبد الله ابن محمد بن علي قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا
175

الصائم ومنا المفطر لا يعيب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم وبه عن الشافعي قال وحدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن الجريري (1127) عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منا الصائم ومنا المفطر لا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أنه من وجد قوة فصام ان ذلك حسن جميل ومن وجد ضعفا فأفطر فكذلك حسن جميل حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدثنا هشام بن عبد الملك قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة لسبع عشرة أو لتسع عشرة بقين من رمضان فصام صائمون وأفطر مفطرون فلم يعب على هؤلاء ولم يعب على هؤلاء قال أبو عمر هذا معنى حسن لأنه أضاف الإباحة إلى النبي عليه السلام وأنه لم يعب على واحدة من الطائفتين وهو من أصح إسناد جاء في هذا الحديث ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بإسناده فقال فيه خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لثنتي عشرة وقال هشام عن قتادة فيه بإسناده لثمان عشرة وقد حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا ابن أبي العقب بدمشق قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أبو مسهر قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن عطية (1128) بن
176

قيس عن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال أذننا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل عام الفتح لليلتين خلتا من رمضان فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد فأمرنا بالفطر
فأصبح الناس منهم الصائم ومنهم المفطر حتى بلغنا مر الظهران فأذننا بلقاء العدو وأمرنا بالفطر فأفطرنا جميعا قال أبو عمر عند سعيد بن عبد العزيز في هذا الباب حديثان أحدهما هذا عن عطية والآخر عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء (1129) عن أبي الدرداء (1130) وهما صحيحان وفي هذا الباب مسائل الفقهاء قد اختلفوا فيها وقد ذكرتها في باب ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله والحمد لله على ذلك كثيرا
177

حديث ثان لحميد الطويل عن أنس مسند صحيح متصل مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن عبد الرحمان ابن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه اثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه تزوج فقال رسول الله كم سقت إليها قال زنة نواة من ذهب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت من مسند أنس بن مالك ورواه روح بن عبادة عن مالك عن حميد عن أنس عن عبد الرحمان بن عوف أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله من مسند عبد الرحمان بن عوف وقد ذكرنا عبد الرحمان بن عوف بما يجب من ذكره وما ينبغي مما يحتاج إليه من خبره في كتابنا في الصحابة وذكرنا هناك نساءه وذريته وقال الزبير (1131) بن بكار المرأة التي قال رسول الله فيها لعبد الرحمان بن عوف حين تزوجها ماذا أصدقتها فقال زنة نواة من ذهب فقال له رسول الله أولم ولو بشاة هي ابنة أنس بن رافع ابن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصارية ولدت له القاسم وأبا عثمان قال واسم أبي عثمان عبد الله وأما قوله وبه
178

أثر صفرة فيروى أن الصفرة كانت من الزعفران وإذا كان ذلك كذلك فلا يجوز أن تكون إلا في ثيابه والله أعلم لأن العلماء لم يختلفوا فيما علمت أنه مكروه للرجل أن يخلق جسده بخلوق الزعفران وقد اختلفوا في لباس الرجل للثياب المزعفرة فأجازها أهل المدينة وإلى ذلك ذهب مالك وأصحابه وكره ذلك العراقيون واليه ذهب الشافعي ولكل واحد منهم آثار مروية بما ذهب اليه عن السلف وآثار مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأما الرواية بأن الصفرة كانت على عبد الرحمان بن عوف زعفرانا فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان ابن سعيد عن حميد الطويل قال سمعت أنس بن مالك يقول قدم عبد الرحمان بن عوف المدينة فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد (1132) بن الربيع فاتى السوق فربح شيئا من أقط وسمن فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام وعليه وضر صفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهيم فقال عبد الرحمان تزوجت امرأة من الأنصار قال فما سقت إليها قال وزن نواة من ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني وحميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عبد الرحمان بن عوف وعليه ردع زعفران فقال له النبي صلى
179

الله عليه وسلم ميهم قال يا رسول الله تزوجت امرأة قال ما أصدقتها قال وزن نواة من ذهب قال أولم ولو بشاة قال أبو عمر فقد بان في هذه الآثار من نقل الأئمة أن الصفرة التي رأى رسول الله بعبد الرحمان كانت زعفرانا والوضر معروف في الثياب والردع صبغ الثياب بالزعفران قال الخيل الردع الفعل والرادعة والمردعة قميص قد لمع بالزعفران أو بالطيب في مواضع وليس مصبوغا كله إنما هو مبلق كما تدرع الجارية جيبها بالزعفران بلمىء كفها وقال الشاعر
* رادعة بالمسك أردانها
* وقال الأعشى
* ورادعة بالمسك صفراء عندنا
* لحسن الندامى في يد الدرع مفتق
* يعني جارية قد جعلت على ثيابها في مواضع زعفرانا وأما الردع بالغين المنقوطة فإنما هو من الطين والحماة وأما اختلاف العلماء في لباس الثياب المصبوغة بالزعفران فقال مالك لا بأس بلباس الثوب المزعفر وقد كنت ألبسه وفي موطأ مالك عن نافع أن ابن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران وتأول مالك وجماعة معه حديثه عن سعيد ابن أبي سعيد عن عبيد (1133) بن جريح عن ابن عمر أن النبي عليه السلام كان يصبغ بالصفرة أنه كان يصبغ ثيابه بصفرة الزعفران وقد ذكرنا من خالفه في تأويله ذلك في باب سعيد بن أبي
180

سعد وقد حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا عبد الله (1134) بن زيد بن أسلم عن أبيه أن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران فقيل له في ذلك فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ به ورأيته أحب الطيب اليه وذكر ابن وهب عن عمر (1135) بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران فقيل له في ذلك فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ به ورايته أحب الطيب اليه وذكر ابن وهب عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة وذكر أيضا عن هشام ابن سعد عن يحيى (1136) بن عبد الله بن مالك الدار قال كان النبي عليه السلام يبعث بقميصه وردائه إلى بعض أزواجه فتصبغ له بالزعفران حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن (1137) بن القاسم ابن شعبان قال حدثنا الحسين بن محمد بن الضحاك قال حدثنا أبو مروان العثماني قال حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم قال سألت ابن شهاب عن الخلوق فقال قد كان أصحاب رسول الله يتخلقون
181

ولا يرون بالخلوق بأسا قال ابن شعبان هذا خاص عند أصحابنا في الثياب دون الجسد قال أبو عمر هو كما قال ابن شعبان وقد كره التزعفر للرجال في الجسد والثياب جماعة من سلف أهل العراق واليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وأصحابه لآثار رويت في ذلك أصحها حديث أنس بن مالك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن محمد (1138) البرتي ببغداد حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث قال حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يتزعفر الرجل ورواه حماد بن زيد وابن عليه عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس مثله سواء ألا أنهما قالا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجال والمعنى واحد أخبرنا عبد الله حدثنا محمد حدثنا أبو داود حدثنا مسدد أن حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم حدثاهم عن عبد العزيز بن صهيب عن انس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال قال أبو عمر حملوا هذا على الثياب وغيرها وأما الجسد فلا خلاف علمته فيه والله أعلم أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا زهير بن حرب قال أخبرنا محمد بن عبد الله
182

الأسدي قال حدثنا أبو جعفر (1139) الرازي عن الربيع (1140) ابن أنس عن جديه قالا سمعنا أبا موسى يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق وروى يحيى (1141) بن يعمر عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وقد رأى عليه خلوق زعفران قد خلقه به أهله فقال له اذهب فاغسل هذا عنك فإن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر ولا المتضمخ بالزعفران ولا الجنب ورخص للجنب في أن يتوضأ إذا أراد النوم ولم يسمعه يحيى بن يعمر من عمار بن ياسر بينهما رجل ورواه الحسن بن أبي الحسن عن عمار أيضا ولم يسمع منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر والمتضمخ بالخلوق والجنب إلا أن يتوضأ ذكر حديث عمار أبو داود وغيره وذكروا أيضا حديث الوليد بن عقبة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة كان يؤتى بالصبيان فيمسح رؤوسهم ويدعوا لهم بالبركة قال فجيء بي اليه وأنا مخلق فلم يمسني من اجل الخلوق وحدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال
183

حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن حكيم عن يوسف (1142) بن صهيب عن ابن بريدة (1143) عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا تقربهم الملائكة المتخلق والسكران والجنب قال أبو عمر عبد الله بن حكيم هو أبو بكر الداهري مدني مجتمع على ضعفه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن محمد البرتي حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث (1144) قال حدثنا عطاء بن السائب قال حدثني يعلى بن مرة هكذا في كتاب قاسم وقد حدثنا عبد الوارث في ذلك الكتاب قال حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير (1145) حدثنا أبي حدثنا يحيى بن أبي بكير (1146) قال حدثنا شعبة عن عطاء بن السائب قال سمعت رجلا من آل أبي عقيل يكنى أبا حفص بن عمرو عن يعلى بن مرة
184

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه متخلقا فقال ألك امرأة قال قلت لا قال اذهب فاغسله عنك ثم اغسله ثم اغسله قال فذهبت فغسلته ثم غسلته ثم غسلته ثم لم أعد حتى الساعة قال أبو عمر هذا هو الصواب وأما عطاء بن السائب فلم يسمع من يعلى بن مرة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكير حدثنا أبو داود قال حدثنا (1147) مخلد بن خالد قال حدثنا روح قال حدثنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا أركب الأرجوان ولا البس المعصفر ولا البس القميص المكفف بالحرير قال وأومأ الحسن إلى جيب قميصه وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وطيب الرجال ريح لا لون له إلا وطيب النساء لون لا ريح له قال سعيد أراه قال إنما حملوا قوله في طيب النساء على أنها إذا أرادت أن تخرج فاما إذا كانت عند زوجها فلتتطيب بما شاءت قال أبو عمر احتج بحديث عمران بن حصين هذا من كره الخلوق للرجال لأن لونه ظاهر فهذا ما بلغنا في الخلوق للرجال من الآثار المرفوعة وقد ذكرنا مذاهب الفقهاء في ذلك وأما المعصفر المقدم المشبع وغيره فسيأتي ذكره وما للعلماء فيه من الرواية والمذاهب في باب نافع من هذا الكتاب إن شاء الله عند نهيه صلى الله عليه وسلم عن تختم
185

الذهب ولبس القسي ولبس المعصفر وقراءة القرآن في الركوع وفي هذا الحديث دليل على أن من فعل ما يجوز له فعله دون أن يشاور السلطان خليفة كان أو غيره فلا حرج ولا تثريب عليه ألا ترى أن عبد الرحمان بن عوف تزوج ولم يشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلمه بذلك ولم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه انكار ولا عتاب وكان على خلق عظيم من الحلم والتجاوز صلى الله عليه وسلم وأما قوله حين أخبره أنه تزوج كم سقت إليها قال زنة نواة من ذهب فالنواة فيما قال أهل العلم اسم لحد من الأوزان وهو خمسة دراهم كما أن الأوقية أربعون درهما والنش عشرون درهما ولا أعلم في شيء من ذلك كله خلافا إلا في النواة فالأكثر أنها خمسة دراهم وقال أحمد بن حنبل وزن النواة ثلاثة دراهم وثلث وقال إسحاق بل وزنها خمسة دراهم وقد قيل إن النواة المذكورة في هذا الحديث نواة التمرة وأراد وزنها وهذا عندي لا وجه له لأن وزنها مجهول وأجمعوا أن الصداق لا يكون إلا معلوما لأنه من باب المعاوضات وقال بعض المالكيين وزنه النواة بالمدينة ربع دينار واحتج بحديث يروى عن الحجاج بن أرطأة عن قتادة عن أنس ان عبد الرحمان بن عوف تزوج امرأة من الأنصار وأصدقها زنة نواة من ذهب قومت ثلاثة دراهم وربعا وهذا حديث لا تقوم به حجة لضعف إسناده وأجمع العلماء على أنه لا تحديد في أكثر الصداق لقول الله تعالى * (وآتيتم إحداهن قنطارا) * واختلفوا في أقل الصداق فقال مالك لا يكون الصداق أقل من ربع دينار ذهبا أو ثلاثة دراهم كيلا واعتل بعض أصحابنا لذلك بأنها أقل ما بلغه في الصداق فلم يتعده وجعله حدا إذا لم يكن فيه بد من الحد لأنه لو ترك الناس وقليل الصداق كما تركوا وكثيره لكان الفلس والدانق ثمنا للبضع وهذا لا يصلح لأنه لا يسمى طولا ولا يشبه الطول قال الله عز وجل * (ومن لم يستطع) *
186

* (منكم طولا أن ينكح المحصنات) * الآية ولو كان الطول فلسا ونحوه لكان كل أحد مستطيعا له وفي الآية دليل على منع استباحة الفروج باليسير ثم جاء حديث عبد الرحمان بن عوف في وزن النواة فجعله حدا لا يتجاوز لما يعضده من القياس لأن الفروج لا تستباح بغير بدل ولم يكن بد من الصداق المقدر كالنفس التي لا تستباح بغير بدل فقدرت ديتها وكان أشبه الأشياء بذلك قطع اليد لأن البضع عضو واليد عضو يستباح بمقدر من المال وذلك ربع فرد مالك البضع قياسا على اليد وقال لا يجوز صداق أقل من ربع دينار لأن اليد لا تقطع عنده من السارق في أقل من ربع دينار
قال أبو عمر قد تقدمه إلى هذا أبو حنيفة فقاس الصداق على قطع اليد واليد عنده لا تقطع إلا في دينار ذهبا أو عشرة دراهم كيلا ولا صداق عنده أقل من ذلك وعلى ذلك
جماعة أصحابه وأهل مذهبه وهو قول أكثر أهل بلده في قطع اليد لا في أقل الصداق وقد قال الدراوردي لمالك رحمه الله إذ قال لا صداق أقل من ربع دينار تعرقت فيها يا أبا عبد الله أي سلكت فيها سبيل أهل العراق وقال جمهور أهل العلم من أهل المدينة وغيرهم لا حد في قليل الصداق كما لا حد في كثيره وممن قال ذلك سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة وأبو الزناد ويزيد بن قسيط وابن أبي ذيب وهؤلاء أئمة أهل المدينة قال سعيد بن المسيب لو أصدقها سوطا حلت وأنكح ابنته من عبد الله بن وداعة بدرهمين وقال ربيعة يجوز النكاح بصداق درهم وقال أبو الزناد ما تراضى به الأهلون وقال يحيى بن سعيد الثوب والسوط والنعلان صداق إذا رضيت به وأجاز الصداق بقليل المال وكثيره من غير حد الحسن البصري وعمرو بن
187

دينار وعثمان البتي وابن أبي ليلى وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي وأصحابه والحسن بن حي وعبيد (1148) ابن الحسن وجماعة أهل الحديث منهم وكيع ويحيى بن سعيد القطان وعبد الله بن وهب صاحب مالك كانوا يجيزون النكاح بدرهم ونصف درهم وكان ابن شبرمة لا يجيز أن يكون الصداق أقل من خمسة دراهم ولا تقطع اليد عنده في أقل من ذلك قال الشافعي وأصحابه ما جاز أن يكون لشيء أو ثمنا له جاز أن يكون صداقا قياسا على الإجارات لأنها منافع طارئة على أعيان باقية وأشبه الأشياء بالإجارات الاستمتاع بالبضع قالوا وهذا أولى من قياسه قطع اليد قالوا ولا معنى لمن شبه المهر اليسير بمهر البغي لأن مهر البغي لو كان قنطارا لم يجز ولم يحل لأن الزنى ليس على شروط النكاح بالشهود والولي والصداق المعلوم وما يجب للزوجات من حقوق العصمة وأحكام الزوجية وأنشد بعضهم لبعض الأعراب
* يقولون تزويج وأشهد أنه
* هو البيع إلا أن من شاء يكذب
* وسنزيد هذا الباب بيانا في باب أبي حازم عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم التمس ولو خاتما من حديد إن شاء الله أخبرنا أحمد بن قاسم وأحمد بن سعيد قالا حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال سمعت أبا بكر بن شيبة يقول كان وكيع بن الجراح يرى التزويج بدرهم قال ابن وضاح وكان ابن وهب يرى التزويج بدرهم وروى في هذا الباب عن سعيد بن
188

جبير وإبراهيم اضطراب منهم من قال أربعون درهما أقل الصداق ومنهم من قال خمسون درهما وهذه الأقاويل لا دليل عليها من كتاب ولا سنة ولا اتفاق وما خرج من هذه الأصول ومعانيها فليس بعلم وبالله التوفيق وفي هذا الحديث دليل على أن الوليمة من السنة لقوله صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة وقد اختلف أهل العلم في وجوبها فذهب فقهاء الأمصار إلى أنها سنة مسنونة وليست بواجبة لقوله أولم ولو بشاة ولو كانت واجبة لكانت مقدرة معلوم مبلغها كسائر ما أوجب الله ورسوله من الطعام في الكفارات وغيرها قالوا فلما لم يكن مقدرا خرج من حد الوجوب إلى حد الندب وأشبه الطعام لحادث السرور كطعام الختان والقدوم من السفر وما صنع شكرا لله عز وجل وقال أهل الظاهر الوليمة واجبة فرضا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بها وفعلها وأوعد من تخلف عنها وقد أوضحنا هذا المعنى في باب ابن شهاب عند قوله صلى الله عليه وسلم شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك المساكين ومن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله والحمد لله
189

حديث ثالث لحميد عن انس مسند صحيح مالك عن حميد الطويل عن انس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى فقيل يا رسول الله وما تزهى قال حتى تحمر وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت أن منع الله الثمرة ففيم يأخذ أحدكم مال أخيه هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة في الموطأ لم يختلفوا فيه فيما علمت وقوله في هذا الحديث حتى تحمر يدل على أن الثمار إذا بدا فيها الاحمرار وكانت مما تطيب إذا احمرت مثل ثمر النخل وشبهها حل بيعها وقبل ذلك لا يجوز بيعها إلا على القطع في الحين على اختلاف في ذلك نذكره إن شاء الله وأحمرار الثمرة في النخل هو بدو صلاحها وهو وقت للأمن من العاهات عليها في الأغلب وقوله صلى الله عليه وسلم أزهت وأحمرت وبدا صلاحها ألفاظ مختلفة وردت في الأحاديث الثابتة معانيها كلها متفقة وذلك إذا بدا طيبها ونضجها وكذلك سائر الثمار إذا بدا صلاح الجنس منها وطاب ما يؤكل منها الطيب المعهود في التين والعنب وسائر الثمار جاز بيعها على الترك في شجرها حتى ينقضي أوانها بطيب جميعها ولا يجوز بيع شيء من الثمار ولا الزرع قبل بدو صلاحه إلا على القطع وقد اختلف الفقهاء قديما وحديثا في ذلك وقد أرجأنا القول فيه إلى باب نافع فهناك تراه إن شاء الله وأما قوله أرأيت إن منع الله الثمرة ففيم يأخذ أحدكم مال أخيه فيزعم قوم أنه من قول أنس ابن مالك وهذا باطل بما رواه مالك وغيره من الحفاظ في هذا الحديث إذ جعلوه مرفوعا من قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد وروى
190

أبو الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وتنازع العلماء في تأويل هذا الحديث فقال قوم فيه دليل على إبطال قول من قال بوضع الجوائح لأن نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وقوله مع ذلك أرأيت ان منع الله الثمرة أي إذا بعتم الثمرة قبل بدو طيبها ومنعها الله كنتم قد ركبتم الغرر وأخذتم مال المبتاع بالباطل لأن الأغلب في الثمار أن تلحقها الجوائح قبل ظهور الطيب فيها فإذا طابت أو طاب أولها أمنت عليها العاهة في الأغلب وجاز بيعها لأن الأغلب من أمرها السلامة فإن لحقتها جائحة حينئذ لم يكن لها حكم وكانت كالدار تباع فتنهدم بعد البيع قبل أن ينتفع المبتاع بشيء منها أو الحيوان يباع فيموت بأثر قبض مبتاعه له أو سائر العروض لأن الأغلب من هذا كله السلامة فما خرج من ذلك نادرا لم يلتفت إليه ولم يعرج عليه وكانت المصيبة من مبتاعه وكذلك الثمرة إذا بيعت بعد بدو صلاحها لم يلتفت إلى ما لحقها من الجوائح لأنهم قد سلموا من عظم الغرر ولا يكاد شيء من البيوع يسلم من قليل الغرر فكان معفوا عنه قالوا فإذا بيعت الثمرة في وقت يحل بيعها ثم لحقتها جائحة كان ذلك كما لو جذب فتلفت كانت مصيبتها من المبتاع واحتجوا بحديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها قيل له وما بدو صلاحها يا رسول الله فقال إذا بدا صلاحها ذهبت = عاهتها وبحديث مالك عن أبي الرجال (1149) عن أمه عمرة بنت عبد الرحمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة وهذا معنى قول ابن شهاب ذكر الليث بن
191

سعد عن يونس عن ابن شهاب قال لو أن رجلا ابتاع ثمرا قبل ان يبدو صلاحه ثم اصابته عاهة كان ما أصابه على ربه أخبرني سالم بن عبد الله عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحها ولا تبيعوا الثمر بالثمر وأخبرنا أحمد بن عبد الله قال أخبرنا الميمون بن حمزة قال حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي قال حدثنا إسماعيل بن يحيى (1150) قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا محمد ابن إسماعيل (1151) عن ابن أبي ذئيب عن عثمان (1152) بن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة قال محمد بن سراقة فسألت ابن عمر متى ذلك فقال طلوع الثريا وروى المعلى (1153) بن أسد قال حدثنا وهيب عن عسل (1154) بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلعت الثريا صباحا رفعت العاهة عن أهل البلد حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم
192

ابن أصبغ حدثنا محمد بن غالب قال حدثنا حرمي وعفان (1155) قالا حدثنا وهيب بن خالد عن عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما طلع النجم صباحا قط وبقوم عاهة إلا رفعت عنهم أو خفت قال أبو عمر هذا كله على الأغلب وما وقع نادرا فليس بأصل يبني عليه في شيء والنجم هو الثريا لا خلاف ها هنا في ذلك وطولعها صباحا لا ثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار وهو شهر ماي فنهى رسول الله عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها معناه عندهم لأنه من بيوعا الغرر لا غير فإذا بدأ صلاحها ارتفع الغرر في الأغلب عنها كسائر البيوع وكانت المصيبة فيها من المبتاع إذا قبضها على أصولهم في المبيع أنه مضمون على البائع حتى يقبضه المبتاع طعاما كان أو غيره وهذا كله قول الشافعي وأصحابه والثوري وقول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد فيمن ابتاع ثمرة من نخل أو سائر الفواكة والثمرات فقبض ذلك بما يقبض به مثله فأصابته جائحة فأهلكته كله أو بعضه كان ثلثا أو أقل أو أكثر فالمصيبة في ذلك كله قل أو أكثر من مال المشترى وقد كان الشافعي رحمه الله في العراق يقول بوضع الجوائح ثم رجع إلى هذا القول بمصر وهو المشهور عند أصحابه من مذهبه لحديث حميد الطويل عن أنس بن مالك المذكور في هذا الباب ولأن حديث سليمان بن عتيق عن جابر لم يثبت عنده في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بموضع
193

الجوائح قال الشافعي كان ابن عيينة يحدثنا بحديث حميد (1156) ابن قيس عن سليمان (1157) بن عتيق عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين ولا يذكر فيه وضع الجائحة قال ثم حدثنا بذلك غير مرة كذلك ثم زاد فيه وضع الجوائح فذكرنا له ذلك فقال هو في الحديث واضطرب لنا فيه قال الشافعي ولم يثبت عندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح ولو ثبت لم أعده قال ولو كنت قائلا بوضع الجوائح لوضعتها في القليل والكثير قال والأصل المجتمع عليه إن كل من ابتاع ما يجوز بيعه وقبضه كانت المصيبة منه ولم يثبت عندنا وضع الجوائح فيخرجه من تلك الجملة قال أبو عمر اختلف أصحاب ابن عيينة عنه في ذكر الجوائح في حديث سليمان بن عتبق عن جابر فبعضهم ذكر ذلك عنه فيه وبعضهم لم يذكره وممن ذكره عنه في ذلك الحديث أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن حرب الطائي وغيرهم وقالت طائفة من أهل العلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن منع الله الثمرة فيم يأخذ أحدكم مال أخيه دليل واضح على أن الثمرة إذا منعت لم يستحق البائع ثمنا لأن المبتاع قد منع مما ابتاعه قالوا وهذا هو المفهوم من هذا الخطاب قالوا وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا في الثمار أصل في نفسه مخالف لحكمه في سائر السلع يجب
194

التسليم له واحتجوا بحديث أبي الزبير عن جابر في ذلك وهو ما حدثناه عبد الرحمان بن يحيى وخلف بن أحمد قالا حدثنا أحمد بن مطرف بن عبد الرحمان قال حدثنا سعيد بن عثمان الاعناقي قال حدثنا محمد بن تميم القفصي قال حدثنا أنس بن عياض قال أخبرني ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق قالوا وهذا الحديث لم ينسق على النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فيحتمل من التأويل ما احتمله حديث أنس بل ظاهره يدل في قوله إن بعت من أخيك ثمرا أنه البيع المباح بعد الإزهاء وبدو الصلاح لا يحتمل ظاهره غير ذلك وهو أوضح وأبين من أن يحتاج فيه إلى الاكثار واحتجوا أيضا بحديث سليمان بن عتيق عن جابر وهو ما حدثناه أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمان الأموي وحدثنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس قالا جميعا حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح ونهى عن بيع السنين وحدثناه أبو محمد عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر بن علي قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان ابن عيينة عن حميد الأعرج عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح وممن قال بوضع الجوائح هكذا مجملا أكثر أهل المدينة منهم يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس وأصحابه وهو قول عمر بن عبد العزيز وبوضع الجوائح كان يقضي رضي الله عنه وبه قال أحمد بن حنبل وسائر أصحاب الحديث وأهل
195

الظاهر إلا أن مالكا وأصحابه وجمهور أهل المدينة يراعون الجائحة ويعتبرون فيها أن تبلغ ثلث الثمرة فصاعدا فإن بلغت الثلث فصاعدا حكموا بها على البائع وجعلوا المصيبة منه وما كان دون الثلث ألغوه وكانت المصيبة عندهم فيه من المبتاع وجعلوا ما دون الثلث تبعا لا يلتفت اليه وهو عندهم في حكم التافه اليسير إذ لا تخلو ثمرة من أن يتعذر القليل من طيبها وإن يلحقها في اليسير منها فساد فلما لم يراع الجميع ذلك التافه الحقير كان ما دون الثلث عندهم كذلك وذكر عبد الرزاق عن معمر قال كاد أهل المدينة أن لا يستقيموا في الجائحة يقولون ما كان دون الثلث فهو على المشتري إلى الثلث فإذا كان فوق ذلك فهي جائحة قال وما رأيتهم يجعلون الجائحة إلا في الثمار وقال وذلك إني ذكرت لهم البز يحترق والرقيق يموتون قال معمر وأخبرني من سمع الزهري قال قلت له ما الجائحة قال النصف وروى حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي قال والجائحة الريح والمطر والجراد والحريق والمراعاة عند مالك وأصحابه ثلث الثمرة لا ثلث الثمن ولو كان ما بقي من الثمرة وفاء لرأسماله
واضعاف ذلك وإذا كانت الجائحة أقل من ثلث الثمرة فمصيبتها عندهم من المشتري ولو لم يكن في ثمن ما بقي إلا درهم واحد وأما أحمد بن حنبل وسائر من قال بوضع الجوائح من العلماء فإنهم وضعوها عن المبتاع في القليل والكثير وقالوا المصيبة في كل ما أصابت الجائحة من الثمار على البائع قليلا كان ذلك أو كثيرا ولا معنى عندهم لتحديد الثلث لأن الخبر الوارد بذلك ليس فيه ما يدل على خصوص شيء دون شيء وهو حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية أبي الزبير ورواية سليمان ابن عتيق وقد ذكرناهما قال أبو عمر كان بعض من لم ير وضع الجوائح يتأول حديث سليمان بن
196

عتيق عن جابر انه على الندب ويقول هو كحديث عمرة في الذي تبين له النقصان فيما ابتاعه من ثمر الحائط حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تالي إلا يفعل خيرا يعني رب الحائط وكان يتأول في حديث أبي الزبير عن جابر أنه محمول على بيع ما لم يقبض وما لم يقبض فمصيبته عندهم من بائعه وكان بعضهم يتأول ذلك في وضع الخراج خراج الأرض يريد كراءها عمن أصاب ثمره أو زرعه آفة وقال بعضهم معناه معنى حديث أنس سواء إلا أن أنسا ساقه على وجهه وفهمه بتمامه وهذه التأويلات كلها خلاف الظاهر والظاهر يوجب وضع الجوائح إن ثبت حديث سليمان بن عتيق وأما الأصول فتشهد لتأويل الشافعي وبالله التوفيق وأما جملة قول مالك وأصحابه في الحوائج فذكر ابن القاسم وغيره عن مالك فيمن ابتاع ثمرة فاصابتها حائحة أنها من ضمان البائع إذا كانت الثلث فصاعدا وإذا كانت أقل من الثلث لم توضع عن المشتري وكانت المصيبة منه في النخل والعنب ونحوهما قال وأما الورد والياسمين والرمان والتفاح والخوخ والأترج والموز وكل ما يجنى بطنا بعد بطن من المقاثي وما أشبهها إذا أصابت شيئا من ذلك الجائحة فإنه ينظر إلى المقثاة كم نباتها من أول ما يشترى إلى آخر ما ينقطع ثمرتها في المتعارف وينظر إلى قيمتها في كل زمان على قدر نفاقه في الأسواق ثم يمتثل فيه أن يقسم الثمن على ذلك واختلف أصحاب مالك في الحائط يكون فيه أنواع من الثمار فيجاح منها نوع واحد فكان أشهب وأصبغ يقولان لا ينظر فيه إلى الثمرة ولكن إلى القيمة فإن كانت القيمة الثلث فصاعدا وضع عنه قال ابن القاسم بل ينظر إلى الثمرة على ما قدمنا عنهم وكان ابن القاسم أيضا يرى السرق جائحة وخالفه أصحابه والناس وقال ابن عبد الحكم عن مالك من اشترى حوائط
197

في صفقات مختلفة فأصيب منها ثلث حائط فإنها توضع عنه ولو اشتراها في صفقة واحدة فلا وضعية له إلا أن يكون ما أصابت الجائحة ثلث ثمر جميع الحوائط وقال مالك في البقول كلها والبصل والجرز والكراث والفجل وما أشبه ذلك إذا اشتراه رجل فاصابته جائحة فإنه يوضع عن المشتري كل شيء اصابته به الجائحة قل أو كثر قال وكل ما يبس فصار تمرا أو زبيبا وأمكن قطافه فلا جائحة فيه قال والجراد والنار والبرد والمطر والطير الغالب والعفن وماء السماء المترادف المفسد والسموم وانقطاع ماء العيون كلها من الجوائح إلا الماء فيما يسقى فإنه يوضع قليل ذلك وكثيره لأن الماء من سبب ما يباع ولا جائحة في الثمر إذا يبس قال ابن عبد الحكم عن مالك لا جائحة في ثمر عند جذاذه ولا في زرع عند حصاده قال ومن اشترى زرعا قد استحصد فتلف فالمصيبة من المشتري وإن كان لم يحصده حدثني أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال حدثنا ابن واضح قال سمعت سحنونا قال في الذي يشتري الكرم وقد طاب فيؤخر قطافه إلى آخر السنة ليكون أكثر لثمنه فتصيبه جائحة أنه لا جائحة فيه ولا يوضع عن المشتري فيه شيء قال وكذلك الثمر إذا طاب كله وتركه للغلاء في ثمنه قال وليس التين كذلك لأنه يطيب شيئا بعد شيء وما طاب شيئا بعد شيء وضع عنه قال أبو عمر أجاز مالك رحمه الله وأصحابه بيع المقاثي إذا بدا صلاح أولها وبيع الباذنجان والياسمين والموز وأما أشبه ذلك استدلالا بإجازة رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الثمار حين يبدو صلاحها ومعناه عند الجميع ان يطيب أولها أو يبدو صلاح بعضها وإذا جاز ذلك عند الجميع في الثمار كانت المقاثي وما أشبهها مما يخلق شيئا بعد شيء ويخرج بطنا بعد بطن كذلك قياسا ونظرا لأنه لما كان مالم
198

يبد صلاحه من الحائط ومن ثمر الشجر تبعا لما بدا صلاحه في البيع من ذلك كان كذلك بيع ما لم يخلق من المقاثي وما أشبهها تبعا لما خلق وطاب وقياسا أيضا على بيع منافع الدار وهي مخلوقة ولأن الضرورة تؤدى إلى إجازته وقول المزني في ذلك كقول مالك وأصحابه سواء وأما العراقيون والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وداود بن علي فإنهم لا يجيزون بيع المقاثي ولا بيع شيء مما يخرج بطنا بعد بطن بوجه من الوجوه والبيع عند جميعهم في ذلك مفسوخ إلا أن يقع البيع فيما ظهر وأحاط المبتاع برؤيته وطاب بعضه وحجتهم في ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يخلق ونهيه عن بيع ما ليس عندك ولأنها عيان مقصودة بالشراء ليست مرئية ولا مستقرة في ذمة فأشبهت بيع السنين المنهي عنه وبالله التوفيق
199

حديث رابع لحميد الطويل عن أنس مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أريت هذه الليلة في رمضان فتلاحى رجلان فرفعت فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة هكذا روى مالك هذا الحديث لا خلاف عنه في إسناده ومتنه وفيه عن أنس خرج علينا رسول الله وإنما الحديث لأنس عن عبادة ابن الصامت حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الوهاب عن انس عن عبادة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان فقال إني خرجت أن أخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان ولعل ذلك أن يكون خيرا فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة قال أبو عمر في حديث مالك فرفعت وليس في هذا فرفعت وهي لفظة محفوظة عند الحفاظ في حديث حميد هذا والله أعلم بمعنى ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ذلك وإلا ظهر من معانيه أنه رفع علم تلك الليلة عنه فانسيها بعد أن كان علمها ولم ترفع رفعا لا تعود بعده لأن في حديث أبي ذر أنها في كل رمضان وأنها إلى يوم القيامة ويدل على ذلك من هذا الحديث قوله فالتمسوها إلا أنه يحتمل أن يكون معنى قوله التمسوها في سائر الأعوام أو في العام المقبل فإنها رفعت في هذا العام ويحتمل أن يكون رفعت في تلك
200

الليلة من ذلك الشهر ثم تعود فيه في غيرها وفي ذلك دليل على أنها ليس لها ليلة معينة لا تعدوها والله أعلم وكان سبب رفع علمها عنه ما كان من التلاحى بين الرجلين والله أعلم وأما الملاحاة فهي التشاجر ورفع الأصوات والمراجعة بالقول الذي لا يصلح على حال الغضب وذلك شؤم والله أعلم وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عنها وعن المراء أشد النهي وروى عنه عليه السلام أنه قال نهاني ربي عن ملاحاة الرجال وقال الملاحاة السب يقال تلاحيا إذا استبا ولحاني أسمعني ما أكره من قبيح الكلام وأنشد
* ألا أيها اللاحي بأن أحضر الوغى
* وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
* وقد ينشد هذا البيت على غير هذا
* ألا أيها ذا اللائمي أحضر الوغى
* ومن شؤم الملاحاة أنهم حرموا بركة ليلة القدر في تلك الليلة وهذا مما سبق في علم الله ولم يحرموها في ذلك العام لأن قوله التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة يدل على ذلك ويحتمل ان يكون النبي عليه السلام منعهم الاخبار بها في ذلك الوقت تأديبا لهم في الملاحاة ويحتمل أن يكون اشتغل باله بتشاجرهما فنسيها وقد روى نحو ذلك منصوصا من حديث أبي سعيد الخدري حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأواسط من رمضان وهو يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له فلما انقضين أمر بالبناء يعني فرفع فأبينت له أنها في العشر الأواخر من رمضان فأعاد البناء واعتكف العشر الأواخر من رمضان فخرج إلى الناس فقال يا أيها الناس إني أبينت لي ليلة القدر فخرجت أخبركم بها فجاء رجلان يختصمان ومعهما الشيطان
201

فنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان والتمسوها في التاسعة والتمسوها في السابعة والتمسوها في الخامسة وذكر عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال أخبرني يونس بن يوسف أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فقال ألا أخبركم بليلة القدر قالوا بلى يا رسول الله فسكت ساعة فقال لقد قلت لكم ما قلت آنفا وأنا أعلمها أو أني لأعلمها ثم أنسيتها فذكر الحديث وفيه فاستقام ملأ القوم على أنها ليلة ثلاث وعشرين وأما قوله التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة فقد اختلف العلماء في ذلك فقال قوم هي تاسعة تبقى يعنون ليلة احدى وعشرين وسابعة تبقى ليلة ثلاث وعشرين وخامسة تبقى ليلة خمس وعشرين وممن قال ذلك مالك رحمه الله وروى سعيد بن داود بن أبي زنبر عن مالك انه سئل ما وجه تفسير قول النبي عليه السلام التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة فقال أرى والله أعلم أنه أراد بالتاسعة ليلة أحدى وعشرين والسابعة ليلة ثلاث وعشرين وبالخامسة ليلة خمس وعشرين وقال ابن القاسم رجع مالك عن ذلك وقال هو حديث مشرقي لا أعلمه وما حكاه ابن القاسم فليس بشيء وقد قال مالك وغيره من العلماء ما وصفت لك واستدلوا على ذلك بأنه قد روى منصوصا مثل قولهم هذا وبتقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم التاسعة على السابعة والسابعة على الخامسة وأما الحديث في ذلك فحدثناه عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال أخبرنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب قال حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى وفي سابعة تبقى وفي خامسة تبقى وإلى هذا ذهب أيوب رحمه الله ذكر ذلك عنه معمر وروى أبو
202

نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسوها في العشر الأواخر من رمضان والتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة قال قلت يا ابا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا قال أجل قلت ما التاسعة والسابعة والخامسة قال إذا مضت إحدى وعشرون فالتي تليها التاسعة وإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة وإذا مضت خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة ذكره أبو داود عن ابن المثنى (1158) عن عبد الأعلى عن سعيد عن أبي نضرة هكذا جاء في هذا الباب مراعاة التي تليها وذلك الأولى من التسع البواقي والأولى من السبع البواقي والأولى من الخمس البواقي وهذا يدل على اعتباره كمال العدد ثلاثين يوما وهو الأصل والأغلب وما خالفه فإنما يعرف بنزوله لا بأصله وروى معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رأيت في النوم ليلة القدر كأنها ليلة سابعة فقال النبي أرى رؤياكم قد تواطت انها في ليلة سابعة فمن كان متحريها منكم فليتحرها في ليلة سابعة قال معمر فكان أيوب يغتسل في ليلة ثلاث وعشرين ويمس طيبا قوله فمن كان منكم متحريها دليل على أن قيام ليلة القدر فضيلة لا فريضة وبالله التوفيق وقال آخرون إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله هذا التاسعة من العشر الأواخر والسابعة منه والخامسة منه يعنون ليلة تسع وعشرين وليلة سبع وعشرين وليلة خمس وعشرين واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث
203

عبد الله (1159) بن دينار عن ابن عمر التمسوها في السبع الأواخر قالوا فيدخل في ذلك ليلة تسع وعشرين فغير نكير أن تكون تلك التاسعة المذكورة في الحديث وكذلك تكون السابعة ليلة سبع وعشرين والخامسة ليلة خمس وعشرين قالوا وليس في تقديمه لها في لفظه وعطفه ببعضها على بعض بالواو ما يدل على تقديم ولا تأخير قال أبو عمر كل ما قالوه من ذلك يحتمل إلا أن قوله صلى الله عليه وسلم تاسعة تبقى وسابعة تبقى وخامسة تبقى يقضي للقول الأول وقال صلى الله عليه وسلم التمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر وهذا أعم من ذلك لما فيه من الزيادة في الليالي التي تكون وترا وفيه دليل على انتقالها والله أعلم وأنها ليست في ليلة واحدة معينة في كل شهر رمضان فربما كانت ليلة احدى وعشرين وربما كانت ليلة خمس وعشرين وربما كانت ليلة سبع وعشرين وربما كانت ليلة تسع وعشرين وقوله في كل وتر يقتضي ذلك وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر في كل وتر قال أبو عمر في ليلة أحدى وعشرين حديث أبي سعيد الخدري وفي ليلة ثلاث وعشرين حديث عبد الله بن أنيس (1160) الجهني وفي
204

ليلة سبع وعشرين حديث أبي بن كعب وحديث معاوية بن أبي سفيان وهي كلها صحاح فأما حديث أبي سعيد الخدري فمن رواية مالك في الموطأ فأغنى عن ذكره ها هنا لأنه سيأتي في موضعه من كتابنا في باب يزيد بن الهادي وهو محفوظ مشهور رواه عن أبي سلمة بن عبد الرحمان جماعة وأما حديث عبد الله بن أنيس الجهني فهو
مشهور وأكثر ما يأتي منقطعا وقد وصله جماعة من وجوه كثيرة قد ذكرناها في باب أبي النضر سالم من كتابنا هذا والحمد لله وروى عباد بن إسحاق عن الزهري عن ضمرة (1161) بن عبد الله بن أنيس عن أبيه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أرسلني إليك رهط من بني سلمة يسؤلونك عن ليلة القدر فقال كم الليلة قال اثنان وعشرون قال هي الليلة ثم رجع فقال أو القابلة يريد ليلة ثلاث وعشرين ففي هذا الحديث دليل على جواز كونها ليلة اثنتين وعشرين وإذا كان هذا كذلك جاز أن تكون في غير وتر وممن ذهب إلى هذا الحسن البصري رحمه الله ذكر معمر عمن سمع الحسن يقول نظرت الشمس عشرين سنة فرأيتها تطلع صباح أربع وعشرين من رمضان ليس لها شعاع وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن الصنابحي (1162) عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة القدر ليلة أربع وعشرين وهذا عندنا على ذلك العام وممكن أن تكون في مثله بعد إلا أن أكثر الأحاديث أنها في الوتر من العشر الأواخر وأكثر ما جاء أيضا في حديث عبد الله بن أنيس أنها ليلة ثلاث وعشرين بلا شك وسترى ذلك في باب أبي النضر
205

إن شاء الله وروى محمد (1163) بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن ابن عبد الله بن أنيس عن أبيه أنه قال يا رسول الله أن لي بادية أكون فيها وأنا أصلى فيها بحمد الله فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد فقال أنزل ليلة ثلاث وعشرين وكان محمد بن إبراهيم يجتهد ليلة ثلاث وعشرين وفي ليلة ثلاث وعشرين حديث ابن عباس يأتي في باب أبي النضر وفي ليلة ثلاث وعشرين قصة زهرة بن معبد تأتي في باب أبي النضر إن شاء الله وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يتحرى ليلة القدر ليلة تسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين والثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود (1164) قال قال عبد الله بن مسعود تحروا ليلة القدر ليلة سبع عشرة صبيحة بدر أو احدى وعشرين أو ثلاث وعشرين فهذا علي وابن مسعود رضي الله عنهما قد جاز عندهما أن تكون في غير العشر الأواخر في الوتر من العشر الأوسط وروى عن ابن مسعود قوله هذا مرفوعا رواه زيد (1165) بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمان بن الأسود عن أبيه قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلبوها ليلة سبع عشرة وليلة أحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين ثم سكت وهذا الحديث يرد عن ابن مسعود ما حدثناه
206

سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر حدثنا أبو الأحوص عن أبي يعفور عن أبي الصلت عن أبي عقرب الأسدي قال اتينا عبد الله بن مسعود في داره فوجدناه فوق البيت قال فسمعناه يقول قبل أن ينزل صدق الله ورسوله فلما نزل قلت يا أبا عبد الله سمعناك تقول صدق الله ورسوله قال فقال ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر وذلك أن الشمس تطلع يومئذ بيضاء لا شعاع لها فنظرت إلى الشمس فرأيتها كما حدثت فكبرت قال أبو عمر أبو الصلت في هذا الاسناد مجهول وإسناد الأسود بن يزيد أثبت من هذا والله أعلم وأبو عقرب الأسدي اسمه خويلد بن خالد له صحبة وهو والد نوفل بن أبي عقرب فإن صح هذا الخبر فمعناه ليلة خمس وعشرين والله أعلم وأما حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أرى رؤياكم قد تواطت على العشر الأواخر فالتمسوها في تسع في كل وتر فيحتمل أن تكون أيضا في ذلك العام فلا يكون فيه خلاف لما ذهب اليه علي وابن مسعود على أن حديث عمر اختلف في ألفاظه فلفظ عبد الله بن دينار غير لفظ نافع ولفظ نافع غير لفظ سالم ومعناها متقارب انها في السبع الغوابر أو السبع الأواخر فالله اعلم وأما حديث أبي بن كعب في سبع وعشرين فأخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان ابن حرب ومسدد قالا حدثنا حماد عن عاصم عن زر قال قلت لأبي ابن كعب أخبرني عن ليلة القدر يا أبا المنذر فإن صاحبنا سئل عنها فقال من يقم الحول يصبها فقال رحم الله أبا عبد الرحمان والله لقد علم أنها في رمضان زاد مسدد ولكن كره أن يتكلوا أو أحب ان لا يتكلوا ثم اتفقا والله أنها لفي رمضان ليلة سبع وعشرين لا يستثنى قلت يا أبا المنذر أني علمت ذلك قال بالآية التي أخبرنا
207

رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لزر ما الآية قال تطلع الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست ليس لها شعاع حتى ترتفع قال أبو عمر جاء في هذا الحديث كما ترى عن ابن مسعود أنه من يقم الحول يصب ليلة القدر والذي تأوله عليه أبي بن كعب رضي الله عنه جمهور العلماء وهو الذي لا يجوز عليه غيره لأنه قد جاء عنه بأقوى من هذا الاسناد أنه قال تحروا ليلة القدر ليلة سبع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وأظنه أراد بما حكى عنه زر بن حبيش الاجتهاد في العمل سائر العام بقيام الليل والله أعلم وقد ثبت عن أربعة من الصحابة رضي الله عنهم أنها في كل رمضان ولا أعلم لهم مخالفا وذكر الجوزجاني عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أنهم قالوا ليلة القدر في السنة كلها كأنهم ذهبوا إلى قول ابن مسعود من يقم الحول يصبها وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد هي في العشر الأواخر من رمضان إن شاء الله وروى سفيان وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنه سئل عن ليلة القدر فقال هي في كل رمضان ورواه موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا وقد قال بعض رواة أبي إسحاق في حديث ابن عمر هذا هي في رمضان كله وجاء عن أبي ذر أنه سئل عن ليلة القدر أرفعت قال بل هي في كل رمضان وبعضهم يرويه عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن جريج قال أخبرني داود (1166) بن أبي عاصم عن عبد الله بن يحنس قال قلت لأبي هريرة زعموا أن ليلة القدر قد رفعت قال كذب من
208

قال ذلك قال قلت فهي في كل رمضان استقبله قال نعم وروى داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال ليلة القدر في كل رمضان يأتي وذكر إسماعيل بن إسحاق قال أخبرنا حجاج قال أخبرنا حماد بن سلمة قال أخبرنا ربيعة (1167) بن كلثوم قال سأل رجل الحسن وأنا عنده فقال يا أبا سعيد أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي قال أي والذي لا إله إلا هو أنها لفي كل رمضان أنها لليلة فيها يفرق كل أمر حكيم فيها يقضي الله كل خلق وأجل ورزق وعمل إلى مثلها أخبرنا محمد بن عبد المالك قال أخبرنا أحمد بن محمد بن زياد قال حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا إسحاق (1168) الأزرق قال أخبرنا عبد الملك عن سعيد بن جبير قال كان ناس من المهاجرين وجدوا على عمر في ادنائه ابن عباس دونهم قال وكان يسأله فقال عمر أما إني سأريكم اليوم منه شيئا فتعرفون فضله فسألهم عن هذه السورة * (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) * قال بعضهم أمر الله نبيه إذا رأى الناس يدخلون في دين الله أفواجا جاء يحمده ويستغفره فقال عمر يا ابن عباس
ألا تكلم فقال أعلمه متى يموت إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فالموت آتيك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توبا قال ثم سألهم عن ليلة القدر فأكثروا فيها فقال بعضهم كنا نراها في العشر الأواسط ثم بلغنا
209

انها في العشر الأواخر فأكثروا فيها فقال بعضهم ليلة إحدى وعشرين وقال بعضهم ليلة ثلاث وعشرين وقال بعضهم ليلة سبع وعشرين فقال عمر يا ابن عباس إلا تكلم قال الله اعلم قال قد نعلم أن الله يعلم وإنما نسألك عن علمك فقال ابن عباس أن الله وتر يحب الوتر خلق من خلقه سبع سماوات فاستوى عليهن وخلق الأرض سبعا وجعل عدة الأيام سبعا ورمى الجمار سبعا وخلق الإنسان من سبع وجعل رزقه من سبع فقال عمر خلق الانسان من سبع وجعل رزقه من سبع هذا أمر ما فهمته فقال أن الله يقول * (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما) * حتى بلغ آخر الآيات وقرأ * (أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا) * إلى وأنعامكم ثم قال والأب للأنعام قرأت على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه قال ذكرت هذا الحديث لابن عباس يعني في ليلة القدر فقال وما أعجبك سأل عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يسألني مع الأكابر منهم وكان يقول لا تكلم حتى يتكلموا قال لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر اطلبوها في العشر الأواخر وترا ففي أي الوتر فأكثر القوم في الوتر فقال مالك لا تتكلم يا ابن عباس قال قلت أن شئت تكلمت قال ما دعوتك إلا لتتكلم فقلت رايت الله أكثر من ذكر السبع فذكر السماوات سبعا والأرضين سبعا والطواف سبعا والجمار سبعا وذكر ما شاء الله من ذلك وخلق الإنسان من سبع وجعل رزقه في سبعة قال كل ما ذكرت قد عرفته فما قولك خلق
210

الانسان من سبعة وجعل رزقه في سبعة قال * (خلقنا الإنسان من سلالة من طين) * ثم قال * (ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين) * ثم قرأت * (أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا) * والأب ما تنبته الأرض مما لا يأكل الناس (1) وما أراها إلا ليلة ثلاث وعشرين لسبع يبقين فقال عمر أعييتموني أن تأتوا بمثل ما جاء به هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه أخبرني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن سعيد وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قالا حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم (1169) قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن أبي ابن كعب قال من قام ليلة سبع وعشرين فقد أصاب ليلة القدر قال وأخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال قلت لأبي بن كعب يا أبا المنذر أخبرني عن ليلة القدر فإن ابن أم عبد يقول من يقم الحول يصبها فقال يرحم الله أبا عبد الرحمان وذكر الحديث نحو ما تقدم من حديث حماد عن عاصم سواء إلى آخره قال وأخبرنا معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول قال ابن عباس دعا عمر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ليلة القدر فاجتمعوا أنها في العشر الأواخر قال ابن عباس فقلت لعمر إني لأعلم أو أني لأظن أي ليلة هي قال عمر فأي ليلة هي
211

فقلت سابعة تمضي أو سابعة تبقى من العشر الأواخر فقال عمر من أين علمت ذلك قال ابن عباس فقلت خلق الله سبع سماوات وسبع أرضين وسبعة أيام وإن الدهر يدور على سبع وخلق الإنسان من سبع ويأكل من سبع ويسجد على سبع والطواف بالبيت سبع ورمى الجمار سبع لأشياء ذكرها قال فقال عمر لقد فطنت لأمر ما فطنا له وكان قتادة يزيد على ابن عباس في قوله يأكل من سبع قال هو قول الله تبارك وتعالى * (فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا) * الآية قال أبو عمر قوله في هذا الحديث دعا عمر أصحاب محمد فسألهم عن ليلة القدر فاجمعوا أنها في العشر الأواخر أولى ما قيل به في هذا الباب واصحه لأن ما أجمعوا عليه سكن القلب إليه وكذلك النفس أميل إلى انها في الأغلب ليلة ثلاث وعشرين أو ليلة سبع وعشرين على ما قال ابن عباس في هذا الحديث أنها سابعة تمضي أو سابعة تبقى وأكثر الآثار الثابتة الصحاح تدل على ذلك والله أعلم وفيها دليل على أنها في كل رمضان والله أعلم وفي كل ما أوردنا من الآثار في هذا الباب ما يدل على أنها لا علامة لها في نفسها تعرف بها معرفة حقيقية كما تقول العامة حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان عن الأوزاعي عن مرثد (1170) بن أبي مرثد (1171) عن أبيه قال كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى
212

فسألته عن ليلة القدر فقال كان أسأل الناس عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا قلت يا رسول الله ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رفعت قال لا ولكنها تكون إلى يوم القيامة قلت يا رسول الله فأخبرنا بها قال لو أذن لي فيها لأخبرتكم ولكن التمسوها في إحدى السبعين ثم لا تسألني عنها بعد مقامك ومقامي ثم أخذ في حديث فلما انبسط قلت يا رسول الله أقسمت عليك إلا حدثتني بها فغضب علي غضبة لم يغضب علي قبلها مثلها ولا بعدها مثلها هكذا قال الأوزاعي عن مرثد بن أبي مرثد وهو خطأ وإنما هو مالك (1172) بن مرثد عن أبيه ولم يقم الأوزاعي إسناد هذا الحديث ولا ساقه سياقة أهل الحفظ له حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن عكرمة ابن عمار (1173) قال حدثني أبو زميل (1174) سماك الحنفي قال حدثني مالك بن مرثد قال حدثني أبي مرثد قال سألت أبا ذر قلت كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال أنا كنت أسأل الناس عنها قال فقلت يا نبي الله أخبرني عن ليلة القدر في رمضان هي أم في غير رمضان قال بل هي في رمضان قلت تكون مع الأنبياء إذا كانوا فإذا قبضوا رفعت قال بل هي إلى يوم القيامة قلت في أي رمضان قال التمسوها في العشر الأول والعشر
213

الأواخر لا تسألني عن شيء بعدها ثم حدث رسول الله وحدث ثم اهتبلت غفلته فقلت يا رسول الله أخبرني في أي العشرين هي قال التمسوها في الأواخر لا تسألني عن شيء بعدها ثم حدث رسول الله وحدث ثم اهتبلت غفلته فقلت يا رسول الله أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي فغضب غضبا ما رأيته غضب مثله
قال يحيى قال عكرمة كلمة لم أحفظها ثم قال التمسوها في السبع البواقي لا تسألني عن شيء بعدها ففي حديث أبي ذر هذا ما يدل على أنها في رمضان كله وإنها أحرى أن تكون في العشر وفي السبع البواقي وجائز أن تكون في العشر الأول وقد قال الله عز وجل * (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) * وقال * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * وهذا يدل على أنه لا يدفع أن تكون في رمضان كله والله أعلم لكنها في الوتر من العشر أو السبع البواقي تكون أكثر على ما تدل عليه الآثار وجملة القول في ليلة القدر أنها ليلة عظيم شأنها وبركتها وجليل قدرها هي خير من ألف شهر تدرك فيها هذه الأمة ما فاتهم من طول أعمال من سلف قبلهم من الأمم في العمل والمحروم من حرم خيرها نسئل الله برحمته أن يوفقنا لها وأن لا يحرمنا خيرها آمين وقال سعيد بن المسيب رحمه الله من شهد العشاء ليلة القدر في جماعة فقد أخذ بحظه منها فسبحان المتفضل على عباده بما شاء لا شريك له المنان المفضل
214

حديث خامس لحميد الطويل عن أنس متصل صحيح مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلا وكان إذا أتى قوما بليل لم يغر حتى يصبح فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوه قالوا محمد والله محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر أنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين في هذا الحديث إباحة المشي بالليل فإذا كان ذلك كذلك جاز الاستخدام بالمماليك والأحرار إذا اشترط ذلك عليهم وكانت ضرورة وفيه اتعاب الدواب بالليل عند الحاجة إلى ذلك ما لم يكن سرمدا لأن العلم محيط أنهم لم يخلوا من مملوك يخدمهم وأجير ونحو ذلك وفيه أن الغارة على العدو إنما ينبغي أن تكون في وجه الصباح لما في ذلك من التبيين والنجاح في البكور وفيه أن من بلغته الدعوة من الكفار لم يلزم دعاؤه وجازت الغارة عليه وطلب غفلته وغرته وقد اختلف العلماء في دعاء العدو قبل القتال إذا كانوا قد بلغتهم الدعوة فكان مالك رحمه الله يقول الدعوة أصوب بلغهم ذلك أو لم يبلغهم إلا أن يعجلوا المسلمين أن يدعوهم وقال عنه ابن القاسم لا يبيتوا حتى يدعو وذكر الربيع عن الشافعي في كتاب البويطي مثل ذلك لا يقاتل العدو حتى يدعوا إلا أن يعجلوا عن ذلك فإن لم يفعل فقد بلغتهم الدعوة وحكى المزني عن الشافعي من لم تبلغهم الدعوة لم يقاتلوا حتى تبلغهم الدعوة يدعون إلى الإيمان قال وإن قتل منهم أحد قبل ذلك فعلى قاتله
215

الدية وقال المزني عنه أيضا في موضع آخر من بلغتهم الدعوة فلا بأس أن يغار عليهم بلا دعوة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إن دعوهم قبل القتال فحسن ولا بأس أن يغيروا عليهم وقال الحسن بن صالح بن حي يعجبني كل ما حدث أمام بعد إمام أحدث دعوة لأهل الشرك قال أبو عمر هذا قول حسن والدعاء قبل القتال على كل حال حسن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر سراياه بذلك وكان يدعو كل من يقاتله مع اشتهار كلمته ودينه في جزيرة العرب وعلمهم بمنابذته إياهم ومحاربته لمن خالفه ما أظنه أغار على خيبر وعلى بني المصطلق الا بأثر دعوته لهم في فور ذلك أو قريب منه مع يأسه عن اجابتهم إياه وكذلك كان تبييته وتبييت جيوشه لمن بيتوا من المشركين على هذا الوجه والله أعلم وفي التبييت حديث الصعب (1175) بن جثامة وحديث سلمة (1176) بن الأكوع قال أمر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فغزونا ناسا فبيتناهم وقتلناهم قال وكان شعارنا في تلك الليلة أمت أمت قال سلمة فقتلت بيدي تلك الليلة سبعة أبيات من المشركين قال أبو عمر هذا والله أعلم ومثله لقوم أظهروا العناد والأدنى للمسلمين ويئس من إنابتهم وخيرهم والله أعلم أخبرنا أبو محمد عبد الله
216

ابن محمد قال أخبرنا محمد بن عمر أخبرنا علي بن حرب الطائي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن عباس قال ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم وهذا يحتمل ممن لم تبلغهم الدعوة ويحتمل من كل كافر محارب حدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن سفيان عن علقمة (1177) بن مرثد عن سليمان بن بريدة (1178) عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله وفي سبيل الله تقاتلون من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى احدى ثلاث خصال أو خلال فأيها أجابوك إليها فأقبل منهم وكف عنهم أدعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهارجين واعلمهم أنهم إن فعلوا فإن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا واختاروا دارهم فأعلمهم انهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله كما يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة نصيب إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن أبوا فادعهم إلى اعطاء الجزية فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
217

قال أبو عمر هذا من أحسن حديث يروى في معناه إلا أن فيه التحول عن الدار وذلك منسوخ نسخه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لا هجرة بعد الفتح وإنما كان هذا منه صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة فلما فتح الله عليه مكة قال لهم قد انقطعت الهجرة ولكن جهاد ونية إلى يوم القيامة حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة ببغداد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا خلف بن هشام البزار قال حدثنا عبد العزيز (1179) بن أبي حازم عن أبيه (1180) عن سهل بن سعد (1181) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه فذكر أن الناس طمعوا في ذلك فلما كان من الغد قال أين علي فقال على رسلك انفذ حتى تنزل بساحتهم فإذا أنزلت بساحتهم فادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم منه من الحق أو من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم قال أبو عمر هذا حديث ثابت في خيبر انهم لم يقاتلهم حينئذ حتى دعاهم وهو شيء قصر عنه أنس في حديثه وذكره سهل بن سعد وقد روى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليا أن لا يقاتل
218

قوما حت يدعوهم رواه ابن عيينة عن عمر (1182) بن ذر عن ابن أخي أنس بن مالك عن عمه وخالف أبو إسحاق الفزاري ابن عيينة في إسناد هذا الحديث وابن عيينة احفظ إن شاء الله قال أبو عمر فلهذه الآثار قلنا أن الدعاء أحسن وأصوب فإن أغار عليهم ولم يدعهم ولم يشعرهم وكانوا قد بلغتهم الدعوة فمباح جائز لما رواه نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون وانعامهم على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى ذريتهم وكانت فيهم جويرية أخبرنا عبد الله بن محمد قال
حدثنا محمد بن بكر التمار بالبصرة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد (1183) بن منصور قال حدثنا إسماعيل بن علية قال أخبرنا ابن عون قال كتبت إلى نافع أسأله عن دعاء المشركين عند القتال فكتب إلى أن ذلك كان في أول الإسلام وقد أغار نبي الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وسبى سبيهم وأصاب يؤمئذ جويرية بنت الحرث حدثني بذلك عبد الله وكان في ذلك الجيش قال أبو داود هذا حديث نبيل رواه ابن عون عن نافع لم يشركه فيه أحد وروى صالح بن أبي (1184) الأخضر عن الزهري عن عروة أن أسامة بن زيد حدثه أن رسول
219

الله صلى الله عليه وسلم عهد اليه فقال أغر على ابني صباحا وحرق حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا ابن الأصبهاني قال أخبرنا ابن المبارك وعيسى بن يونس عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره سواء وحدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هناد بن السرى (1185) عن ابن المبارك عن صالح بإسناده مثله قال أبو داود وحدثنا محمد بن عمرو الغزي قال سمعت أبا مسهر يقول وقيل له ابني فقال نحن أعلم هي يبني فلسطين قال أبو عمر قد روى هذا الحديث عن صالح بن أبي الأخضر وكيع وعيسى ابن يونس فقالا فيه يبني كما قال أبو مسهر حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى قرية يقال لها يبنى فقال ائتها صباحا ثم حرق وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يعقوب (1186) ابن كعب حدثنا عيسى بن يونس عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة قال فحدثني أسامة بن زيد أن رسول الله
220

صلى الله عليه وسلم قال أغر على يبنى ذا صباح وحرق وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير على العدو عند صلاة الصبح ويستمع فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار فهذا كله دليل على أنه ربما لم يدع وذلك فيمن بلغته الدعوة فأما من لم تبلغه الدعوة لبعد داره فلا بد من دعائه قال الله عز وجل * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * وهذا الحديث مما رواه يحيى القطان عن حماد بن سلمة حدثناه أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال حدثنا ابن حبابة قال حدثنا البغوي قال حدثنا زهير بن حرب قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس الحديث بتمامه وهذا يرد قول من قال أن القطان لا يحدث عن حماد بن سلمة وحدثناه عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد قال حدثنا أبو الحسن على (1187) ابن محمد بن أحمد بن نصير بن لؤلؤ البغدادي بمدينة السلام قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا (1188) هدبة بن خالد قال حدثنا حماد بن سلمة فذكره وروى عصام (1189) المزني عن النبي عليه السلام مثل حديث حماد عن ثابت بن أنس في ذلك وأما قوله في حديث مالك عن حميد عن أنس بمساحيهم ومكاتلهم فإنه يعني المحافر والقفاف كانوا يخرجون لأعمالهم وأما قولهم محمد والخميس الخميس العسكر والجيش قال حميد بن ثور الهلالي فيما ذكر بعض أهل الخبر ولا يصح له
221

* حتى إذا رفع اللواء رأيته
* تحت اللواء على الخميس زعيما
* ويروى هذا البيت لليلى الأخيلية وهو صحيح لها وهذه القصيدة مذهبتها فيها قولها
* ومخرق عنه القميص تخاله
* عند اللقاء من الحياء سقيما
* حتى إذا رفع اللواء رأيته
* يوم الهياج على الخيمس زعيما
* والزعيم في هذا الموضع الرئيس ومنه قول الشاعر ولكن الزعامة للغلام يعني الرئاسة والزعيم في غير هذا الكفيل والضامن من قول الله عز وجل * (وأنا به زعيم) * وقال أبو الحسن ابن لنكك في مقصورته
* فزادهم منا خميس جحفل
* تعثر منه الخيل عثرا بالقنا
* وقال بكر بن حماد في قصيدة له يرثى بها حبيب بن أويس الطائي يخاطب أخاه سهم بن أوس
* أنسيت يوم الجسر خلة وده
* والدهر غض بالسرور المقبل
* أيام سار أبو سعيد واليا
* نحو الجزيرة في خميس جحفل
*
222

وأما قوله إذا نزل بساحة قوم فالساحة والسحسحة عرصة الدار أخبرني خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال مسلم بن إبراهيم قال حدثنا سليمان (1190) ابن المغيرة عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة (1191) قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فلو قلت أن ركبتي
تمس ركبته صدقت يعني عام خيبر قال فسكت عنهم حتى إذا كان عند السحر وذهب ذو الضرع إلى ضرعه وذو الزرع إلى زرعه أغار عليهم وقال إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال أبو عمر قد كان دعاهم وذلك موجود في حديث سهل بن سعد في قصة علي ولا يشك في بلوغ دعوته خيبر لقرب الديار من الديار وفي هذا الحديث إباحة الاستشهاد بالقرآن فيما يحسن ويجمل
223

حديث سادس لحميد الطويل عن أنس متصل صحيح مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه هذا يدل على أن كسب الحجام طيب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوكل إلا ما يحل أكله ولا يجعل ثمنا ولا عوضا ولا جعلا بشيء من الباطل واختلف العلماء في هذا المعنى فقال قوم حديث أنس هذا وما جاء في معناه من أعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجام أجره ناسخ لما حرمه من ثمن الدم وناسخ لما كرهه من أكل إجارة الحجام حدثنا أحمد بن قاسم المقرئ قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة ببغداد قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال أخبرنا شعبة عن عون بن أبي (1192) جحيفة عن أبيه أنه اشترى غلاما حجاما فكسر محاجمة أو أمر بها فكسرت وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم وهذا حديث صحيح وظاهره عندي على غير ما تأوله أبو جحيفة بدليل ما في حديث أنس هذا لأن نهيه صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم ليس من أجرة الحجام في شيء وإنما هو كنهيه عن ثمن الكلب وثمن الخمر والخنزير وثمن الميتة ونحو
224

ذلك ولما لم يكن نهيه عن ثمن الكلب تحريما لصيده كذلك ليس تحريم ثمن الدم تحريما لأجرة الحجام لأنه إنما أخذ أجرة تعبه وعمله وكل ما ينتفع به فجائر بيعه والإجارة عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم من السنة قص الشارب وقال احفوا الشوارب وأعفوا اللحى وأمر بحلق الرأس في الحج فكيف تحرم الإجارة فيما إباحة الله ورسوله قولا وعملا فلا سبيل إلى تسليم ما تأوله أبو جحيفة وإن كانت له صحبة لأن الأصول الصحاح ترده فلو كان على ما تأوله أبو جحيفة كان منسوخا بما ذكرنا وبالله توفيقنا وقال آخرون كسب الحجام كسب فيه دناءة وليس بحرام وسلم واحتجوا بحديث ابن محيصة (1193) ان النبي صلى الله عليه وسلم أم يرخص له في أكله وأمره أن يعلفه نواضجه ويطعمه رقيقه وكذلك روى رفاعة بن نافع قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام وأمرنا أن نطعمه نواضحنا فهذا يدل على أنه نزههم عن أكله ولو كان حراما لم يأمرهم أن يطعموه رقيقهم لأنهم متعبدون فيهم كما تعبدوا في أنفسهم هذا قول الشافعي وأتباعه وأظن الكراهة منهم في ذلك من أجل أنه ليس يخرج مخرج الإجارة لأنه غير مقدر ولا معلوم وإنما هو عمل يعطى عليه عامله ما تطيب به نفس معمول له وربما لم تطب نفس العامل بذلك فكأنه شيء قد نسخ بسنة الإجارة والبيوع والجعل المقدر المعلوم وهكذا دخول الحمام عند بعضهم وقد بلغني أن طائفة من الشافعين كرهوا دخول الحمام إلا بشيء معروف وإناء معلوم وشئ
225

محدود يوقف عليه من تناول الماء وغيره وهذا شديد جدا وفي تواتر العمل بالامصار في دخول الحمام وأجرة الحجام ما يرد قولهم وحديث أنس هذا شاهد على تجويز أجرة الحجام بغير سوم ولا شيء معلوم قبل العلم لأنه لم يذكر ذلك فيه ولو ذكر لنقل وحسبك بهذا حجة وإذا صح هذا كان أصلا في نفسه وفيما كان مثله ولم يجز لأحد رده والله أعلم أخبرنا سعيد بن سيد وعبد الله بن محمد بن يوسف قالا حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن قاسم (1194) قال حدثنا ابن وضاح قال سمعت أبا جعفر السبتي يقول لم يكن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام لتحريم إنما كان على التنزه وكانت قريش تكره أن تأكل من كسب غلمانها في الحجامة وكان الرجل في أول الإسلام يأخذ من شعر أخيه ولحيته ولا يأخذ منه على ذلك شيئا حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان عن يحيى عن إبراهيم (1195) بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع (1196) بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كسب الحجام خبيث وثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث وهذا الحديث لا يخلو أن يكون منسوخا منه كسب الحجام بحديث أنس وابن عباس والاجماع على
226

ذلك أو يكون على جهة التنزه كما ذكرنا وليس في عطف ثمن الكلب ومهر البغي عليه ما يتعلق به في تحريم كسب الحجام لأنه قد يعطف الشيء على الشيء وحكمه مختلف وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع والحمد لله حدثنا عبد الرحمان بن يحيى حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا محمد بن عبد الله المهراني حدثنا محمد بن الوليد القرشي (1197) حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد حدثنا خالد الحذاء عن محمد بن سيرين عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره قال ابن عباس ولو كان به بأس لم يعطه هكذا قال خالد الحذاء عن محمد بن سيرين عن ابن عباس وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو علمه خبيثا لم يعطه وفي هذا الحديث إباحة الحجامة وفي معناها إباحة التداوي كله بما يؤلم وبما لا يؤلم إذا كان يرجى نفعه وقد بينا ما للعلماء في إباحة التداوي والرقى من الاختلاف والتنازع وما في ذلك من الآثار في باب زيد بن أسلم والحمد لله
227

حديث سابع لحميد الطويل عن أنس هو موقوف في الموطأ وأسندته طائفة عن مالك ليسوا في الحفظ هناك مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إذا افتتح الصلاة هكذا هو في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت موقوفا وروته طائفة عن مالك فرفعته ذكرت فيه النبي عليه السلام وليس ذلك بمحفوظ فيه عن مالك وممن رواه مرفوعا عن مالك الوليد بن مسلم حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن سليمان حدثنا محمد بن وزير حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا مالك عن حميد عن أنس قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان فكلهم كان لا يقرأ بسم الله الرحمان الرحيم إذا افتتح الصلاة وذكره أبو بكر عبد الله (1198) بن أبي داود سليمان بن الأشعث فقال حدثنا محمد بن الوزير الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم عن مالك بن أنس عن حميد عن أنس قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم وروى عن أبي قرة موسى بن طارق عن مالك أيضا مرفوعا حدثنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا
228

إبراهيم بن محمد بن يحيى حدثنا أحمد بن محمد بن الأزهر حدثنا محمد (1199) بن يوسف حدثنا أبو قرة عن مالك عن حميد عن انس قال صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم وهذا خطأ كله خلاف ما في الموطأ ورواه إسماعيل بن موسى السدى عن مالك مرفوعا أيضا إلا أنه اختلف عنه في لفظه حدثنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن مشكان المروزي حدثنا عبد الله (1200) بن محمود المروزي حدثنا إسماعيل بن موسى السدي أخبرنا مالك عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين أخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر الشافعي من كتابه حدثنا محمد بن الليث الجوهري حدثنا إسماعيل ابن موسى حدثنا مالك عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يستفتحون ببسم الله الرحمان الرحيم ورفعه أيضا ابن أخي ابن وهب عن ابن وهب عن مالك حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو بكر أحمد بن صالح المقرئ حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني حدثنا أحمد بن عبد الرحمان (1201) بن وهب حدثنا عمي عبد الله بن وهب حدثنا عبد الله بن عمر ومالك بن أنس وسفيان بن عيينة عن حميد عن أنس
229

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر في القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم فهذا ما بلغنا من الاختلاف على مالك في إسناد هذا الحديث ولفظه وهو في الموطأ موقوف ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى هذا الحديث عن أنس قتادة وثابت البناني وغيرهما كلهم أسنده وذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم الا أنهم اختلف عليهم في لفظه اختلافا كثيرا مضطربا متدافعا منهم من يقول فيه كانوا لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم ومنهم من يقول كانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم ومنهم من قال كانوا لا يتركون بسم الله الرحمن الرحيم منهم من قال كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين وهذا اضطراب لا يقوم معه حجة لأحد من الفقهاء وقد روى عن أنس انه سئل عن هذا الحديث فقال كبرنا ونسينا وقد أوضحنا ما للعلماء في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب وغيرها بوجوه اعتلالهم وآثارهم وما نزعوا به في ذلك في كتاب جمعته في ذلك وهو كتاب الإنصاف فيما بين علماء المسلمين في قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب من الاختلاف ومضى في ذلك أيضا ما يكفى ويشفى في هذا الكتاب عند قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مالك عن العلاء ابن عبد الرحمان قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل اقرءوا يقول العبد الحمد لله رب العالمين الحديث بتمامه إلى آخر السورة وهو أقطع حديث في ترك بسم الله الرحمن الرحيم والله أعلم لأن غيره من الأحاديث قد تأولوا فيها فأكثروا فيها التشغيب والمنازعة وبالله التوفيق قال أبو عمر الاختلاف في بسم الله الرحمن الرحيم على أوجه أحدها هل هي من القرآن في غير سورة النمل والاخر هل هي آية من فاتحة الكتاب أو هي آية من أول كل سورة من القرآن والثالث هل
230

تصح الصلاة دون أن يقرا بها مع فاتحة الكتاب والرابع هل تقرأ في النوافل دون الفرائض ونختصر القول في القراة بها ها هنا لأنا قد استوعبنا القول في ذلك كله ومهدناه في كتاب الانصاف فيما بين العلماء من الاختلاف في ذلك قال مالك لا تقرأ في المكتوبة سرا ولا جهرا وفي النافلة إن شاء فعل وإن شاء ترك وهو قول الطبري وقال الثوري وأبو حنيفة وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل تقرأ مع أم القرآن في كل ركعة إلا أن ابن أبي ليلى قال إن شاء جهر بها وإن شاء أخفاها وقال سائرهم يخفيها وقال الشافعي هي آية من فاتحة الكتاب يخفيها إذا أخفى ويجهر بها إذا جهر واختلف قوله هل هي آية في أول كل سورة أم لا على قولين أحدهما هي وهو قول ابن المبارك والثاني لا إلا في فاتحة الكتاب وقد أشيعنا هذا الباب وبسطناه بحجة كل فرقة في كتاب الآنصاف وفي باب العلاء من هذا الكتاب والحمد لله ومما هو موقوف في الموطأ وقد اسنده عن مالك من لا يوثق بحفظه أيضا ما أخبرناه محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا علي بن أحمد بن حامد المعدل حدثنا إبراهيم ابن ميمون قال قرئ على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبركم ابن وهب حدثني مالك بن أنس وعبد الله بن عمر ويحيى بن أيوب عن حميد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث للثيب وسبع للبكر لم يسنده غير ابن وهب إن صح عنه وهو في الموطأ عند جميعهم موقوف وقد ذكرنا معنى هذا الحديث مجودا مبسوطا ممهدا بما فيه للعلماء من المذاهب في باب عبد الله بن أبي بكر والحمد لله
231

باب حميد الأعرج المكي وهو حميد بن قيس مولى بني فزارة ومن نسبه إلى ولاء بني فزارة قال هو مولى آل منظور بن سيار وقيل مولى عفراء بنت سيار بن منظور وقال مصعب الزبيري مولى أم هاشم بنت سيار بن منظرو الفزاري امرأة عبد الله بن الزبير فنسب إلى الزبير ويقال مولى بني أسد وآل الزبير أسديون أسد قريش وحميد بن قيس مكي ثقة صاحب قرآن يكنى أبا صفوان وقيل أبا عبد الرحمان واليه يسند كثير من أهل مكة قراءتهم وإلى عبد الله بن كثير وابن محيصن وأخوه عمر بن قيس هو المعروف بسندل مكي ضعيف عندهم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا ابن أبي أويس قال حدثني أبي عن حميد بن قيس المكي مولى بني أسد بن عبد العزى قال أحمد بن زهير وسمعت يحيى بن معين يقول حميد بن قيس مكي ثقة قال أبو عمر لمالك عنه ستة أحاديث مرفوعة في الموطأ منها حديثان متصلان مسندان ومنها حديث ظاهره موقوف ومنها ثلاثة منقطعات أحدها شركه فيه ثور بن زيد وقد تقدم ذكره في باب ثور بن زيد وتأتي الخمسة في بابه هذا إن شاء الله
232

حديث أول لحميد بن قيس مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد أبي الحجاج عن أبن أبي ليلى عن كعب (1202) بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لعلك اذاك هوامك قال فقلت نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك بشاة هكذا روى يحيى هذا الحديث عن مالك بهذا الإسناد متصلا وتابعه القعنبي والشافعي وابن عبد ا لحكم وعتيق ابن يعقوب الزبيري وابن بكير وأبو مصعب وأكثر الرواة وهو الصواب ورواه ابن وهب وابن القاسم وابن عفير عن مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد عن كعب بن عجرة لم يذكروا ابن أبي ليلى وكذلك اخلتف الرواة عن مالك في حديثه عن عبد الكريم الجزري في حديث كعب بن عجرة هذا وسنذكر لك في بابه من كتابنا هذا إن شاء الله والحديث لمجاهد عن ابن أبي ليلى صحيح لا شك فيه عند أهل العلم بالحديث رواه
ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة وكذلك رواه أبو بشر وأيوب وابن عون وغيرهم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة وهو الصحيح من رواية حميد بن قيس وعبد الكريم الجزري عن مجاهد عن أبن أبي ليلى عن كعب بن عجرة وابن أبي ليلى هذا هو عبد الرحمان بن أبي ليلى من كبار تابعي الكوفة
233

وهو والد محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى فقيه الكوفة وقاضيها ولأبيه أبي ليلى صحبة وقد ذكرناه في كتابنا من كتاب الصحابة بما يغنى عن ذكره ها هنا قال أبو عمر لم يذكر حميد بن قيس في هذا الحديث كم الاطعام وقد رواه جماعة عن مجاهد كذلك لم يذكروه وذكره جماعة عن مجاهد ومنهم عبد الكريم الجزري من رواية مالك وذكره من غير رواية مالك من حديث مجاهد وغيره جماعة ومن ذكره حجة على من لم يذكره ولم يذكر حميد أيضا في هذا الحديث العلة التي أوجبت ذلك القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة ولا الموضع الذي قال له ذلك فيه وكان ذلك القول منه لكعب وهو محرم زمن الحديبية ذكر ذلك جماعة من حديث مجاهد وغيره وروى مالك عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن مجاهد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم فأذاه القمل في رأسه فأمره رسول الله أن يحلق رأسه وقال صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين مدين مدين أو انسك شاة أي ذلك فعلت اجزا عنك أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن منصور (1203) حدثنا يعقوب ابن إبراهيم قال حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثنا ابان يعني ابن صالح (1204) عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة الأنصاري قال أصابني هوام في
234

رأسي وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى تخوفت على بصري قال فانزل الله عز وجل * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * الآية فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فرقا من زبيب أو انسك شاة فحلقت رأسي ثم نسكت حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو قلابة الرقاشي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا شعبة عن أبي بشر (1205) عن مجاهد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال ملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل تتناثر على وجهي فقال يا أبا كعب ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك ما أرى فأمرني أن احلق رأسي وانسك نسيكة أو أطعم ستة مساكين أو أصوم ثلاثة أيام وفي رواية ابن أبي نجيح عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال صم ثلاثة أيام أو أطعم فرقا بين ستة مساكين ورواه أبو قلابة أو اذبح شاة من حديث معمر وسيف بن سليمان وورقاء (1206) وابن عيينة عن ابن أبي نجيح وكذلك رواه معمر عن أيوب عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال فيه أو تطعم فرقا بين ستة مساكين ورواه أبو قلابة عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال فيه فاحلق شعرك واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة أصع تمر بين ستة مساكين وكذلك قال سليمان بن قرم عن عبد الرحمان بن
235

الأصبهاني عن عبد الله (1207) بن معقل المزني سمع كعب بن عجرة في هذا الحديث قال اتقدر على نسك قال لا قال فصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر ورواه أبو عوانة عن عبد الرحمان بن الأصبهاني بإسناده مثله سواء وكذلك روى أشعث (1208) عن الشعبي عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة إطعام ثلاثة آصع تمر بين ستة مساكين ورواه شعبة عن عبد الرحمان بن الأصبهاني سمع عبد الله بن معقل سمع كعب بن عجرة في هذا الحديث قال أو أطعم ستة مساكين كل مسكين نصف صاع من طعام هكذا يقول شعبة في هذا الحديث بهذا الإسناد من طعام لم يقل من تمر قال أبو عمر من روى الحديث عن أبي قلابة عن كعب بن عجرة أو عن الشعبي عن كعب بن عجرة فليس بشيء والصحيح فيه عن أبي قلابة عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة وأما الشعبي فاختلف فيه عليه فرواه بعضهم عنه عن عبد الرحمان عن كعب بن عجرة وبعضهم جعله عن الشعبي عن كعب بن عجرة وبعضهم عنه عن عبد الله بن مغفل عن كعب بن عجرة وبعضهم جعله عن الشعبي عن كعب بن عجرة ولم يسمع الشعبي من كعب بن عجرة ولا سمعه أبو قلابة من كعب بن عجرة والله أعلم
236

قال أبو عمر كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرا فإنما ذكره بشاة وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء وأما الصوم والاطعام فاختلفوا فيه فجمهور فقهاء المسلمين على أن الصوم ثلاثة أيام وهو محفوظ صحيح في حديث كعب بن عجرة وجاء عن الحسن وعكرمة ونافع أنهم قالوا الصوم في فدية الأذى عشرة أيام والاطعام عشرة مساكين ولم يقل بهذا أحد من فقهاء الأمصار ولا أئمة الحديث حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثنا إبراهيم ابن حماد قال حدثني عمي إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا مسدد قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا إبراهيم بن عون عن مجاهد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال قال كعب بن عجرة في أنزلت هذه الآية أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال أدنه فدنوت مرتين أو ثلاثا فقال أتوذيك هوامك قال ابن عون وأحسبه قال نعم قال فأمرني بصيام أو صدقة أو نسك مما تيسير قال إسماعيل وحدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن مجاهد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا أوقد تحت برمة لي والقمل يتناثر على وجهي فقال أتؤذيك هوام رأسك قلت نعم قال احلق وصم ثلاثة أيام أو أطعم تسة مساكين أو أنسك نسيكة قال أيوب لا أدري بأيها بدأ وحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال سمعت مجاهدا يحدث عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فذكره حرفا بحرف ورواه أبو الزبير عن مجاهد حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال
237

حدثنا جعفر بن محمد الصائع قال محمد (1209) بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن مجاهد عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة الأنصاري أنه حدثه أنه كان أهل في ذي القعدة وأنه قمل رأسه فاتى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوقد تحت قدر له فقال له كأنك توذيك هوام رأسك قال أجل قال أحلق وأهد هديا فقال ما أجد هديا قال فاطعم ستة مساكين فقال ما أجد فقال صم ثلاثة أيام قال أبو عمر كأن ظاهر هذا الحديث على الترتيب وليس كذلك ولو صح هذا كان
معناه الاختيار أولا فأولا وعامة الآثار عن كعب بن عجرة وردت بلفظ التخيير وهو نص القرآن وعليه مضى عمل العلماء في كل الأمصار وفتواهم وبالله التوفيق واختلف الفقهاء في الإطعام في فدية الأذى فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم الاطعام في ذلك مدان مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول أبي ثور وداود وروى عن الثوري أنه قال في الفدية من البر نصف صاع ومن التمر والشعير والزبيب صاع وروى عن أبي حنيفة أيضا مثله جعل نصف صاع بر عدل صاع تمر وهذا على أصله في ذلك وقال أحمد بن حنبل مرة كما قال مالك والشافعي ومرة قال إن أطعم برا فمد لكل مسكين وإن أطعم تمرا فنصف صاع قال أبو عمر لم يختلف الفقهاء إن الاطعام إنما هو لستة مساكين إلا ما ذكرنا عن الحسن وعكرمة ونافع وهو قول لا يعرج عليه لأن
238

السنة الثابتة تدفعه وقال مالك رحمه الله لا يجزئه أن يغدى المساكين ويعشيهم في كفارة الأدنى حتى يعطي كل مسكين مدين مدين بمدالنبي صلى الله عليه وسلم وبذلك قال الثوري والشافعي ومحمد ابن الحسن وقال أبو يوسف يجزئه أن يغديهم ويعشيهم قال أبو عمر قال الله عز وجل * (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * قال ابن عباس المرض أن يكون برأسه قروح والأذى القمل وقال عطاء المرض الصداع والقمل وغيره وحديث كعب بن عجرة أوضح شيء في هذا وأصحه وأولى ما عول عليه في هذا الباب وهو الأصل حدثنا خلف بن القاسم حدثنا محمد بن أحمد ابن كامل حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قال سمعت أحمد بن صالح يعني المصري يقول حديث كعب بن عجرة في الفدية سنة معمول بها لم يروها أحد من الصحابة غيره ولا رواها عن كعب بن عجرة إلا رجلان عبد الرحمان بن أبي ليلى وعبد الله بن معقل وهذه سنة أخذها أهل المدينة وغيرهم عن أهل الكوفة قال أحمد قال ابن شهاب سألت عنها علماءنا كلهم حتى سعيد بن المسيب فلم يثبتوا كم عدد المساكين وأجمعوا أن الفدية واجبة على من حلق رأسه من عذر وضرورة وأنه مخير فيما نص الله ورسوله عليه مما ذكرنا على حسب ما تقدم ذكره واختلفوا فيمن حلق رأسه من غير ضرورة عامدا أو تطيب لغير ضرورة عامدا أو لبس لغير عذر عامدا فقال مالك بئس ما فعل وعليه الفدية وهو مخير فيها إن شاء صام ثلاثة أيام وإن شاء ذبح شاة وإن شاء أطعم ستة مساكين مدين مدين من قوته أي ذلك شاء فعل وسواء أطعم ستة مساكين مدين مدين من قوته أي ذلك شاء فعل وسواء عنده العمد في ذلك والخطأ لضرورة وغير ضرورة وهو مخير في ذلك عنده وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وأبو ثور ليس
239

بمخير الا في الضرورة لأن الله يقول * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) * فأما إذا حلق عامدا أو تطيب عامدا لغير عذر فليس بمخير وعليه دم لا غير واختلفوا فيمن حلق أو لبس أو تطيب ناسيا فقال مالك رحمه الله العامد والناسي في ذلك سواء في وجوب الفدية وهو قول أبي حنيفة والثوري والليث وللشافعي في هذه المسألة قولان أحدهما لا فدية عليه والاخر عليه الفدية وقال داود وإسحاق لا فدية عليه في شيء من ذلك إن صنعه ناسيا وأكثر العلماء يوجبون الفدية على المحرم إاذ حلق شعر جسده أو اطلا أو حلق موضع المحاجم وبعضهم يجعل عليه في كل شيء من ذلك دما وقال داود لا شئ عليه في حلق شعر جسده واختلفوا في موضع الفدية المذكروة فقال مالك يفعل ذلك أين شاء إن شاء بمكة وإن شاء ببلده وذبح النسك والاطعام والصيام عنده سواء يفعل ما شاء من ذلك أين شاء وهو قول مجاهد والذبح ها هنا عند مالك نسك وليس بهدي قال والنسك يكون حيث شاء والهدى لا يكون إلا بمكة وحجته في أن النسك يكون بغير مكة حديثه عن يحيى ابن سعيد عن يعقوب بن خالد المخزومي عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر أنه أخبره أنه كان مع عبد الله بن جعفر وخرج معه من المدينة فمروا على حسين بن علي وهو مريض بالسقيا فأقام عليه عبد الله بن جعفر حتى إذا خاف الموت خرج وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وهما بالمدينة فقدما عليه ثم إن حسينا أشار إلى رأسه فامر علي بن أبي طالب برأسه فحلق ثم نسك عنه بالسقيا فنحر عنه بعيرا قال مالك قال يحيى بن سعيد وكان حسين خرج مع عثمان في سفره إلى مكة فهذا واضح في أن الذبح في فدية الأذى جائز بغير مكة وجائز عند مالك في الهدى إذا نحر في الحرم إن يعطاه غير أهل الحرم لأن البغية فيه إطعام مساكين
240

المسلمين قال ولما جاز الصوم أن يؤتى به في غير الحرم جاز اطعام غير أهل الحرم وقال أبو حنيفة والشافعي الدم والاطعام لا يجزى إلا بمكة والصوم حيث شاء وهو قول طاوس قال الشافعي الصوم مخالف للإطعام والذبح لأن الصوم لا منفعة فيه لأهل الحرم وقد قال الله * (هديا بالغ الكعبة) * رفقا لمساكين الحرم جيران بيته والله أعلم وقد قال عطاء ما كان من دم فبمكة وما كان من إطعام أو صيام فحيث شاء وعن أبي حنيفة وأصحابه أيضا مثل قول عطاء وعن الحسن أن الدم بمكة ذكر إسماعيل القاضي حديث علي حين حلق راس حسين ابنه بالسقيا ونسك عنه في موضعه من حديث مالك وغيره عن يحيى بن سعيد ثم قال هذا أبين ما جاء في هذا الباب وأصحه وفيه جواز الذبح في فدية الأذى بغير مكة قال أبو عمر الحجة في ذلك قول الله عز وجل * (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) * ثم قال * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * ولم يقل في موضع دون موضع فالظاهر أنه حيث ما فعل اجزا وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يذبح في فدية الأذى نسكا ولم يسمه هديا فلا يلزمنا أن نرده قياسا على الهدى ولا أن نعتبره بالهدى مع ما جاء في ذلك عن علي رضي الله عنه ومع استعمال ظاهر الحديث في ذلك والله أعلم
241

حديث ثان لحميد بن قيس متصل مالك عن حميد بن قيس الملكي عن مجاهد أنه قال كنت مع عبد ا لله بن عمر فجاءه صائغ فقال يا أبا عبد الرحمان إني أصوغ الذهب ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه فاستفضل في ذلك قدر عمل يدي فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك فجعل الصائغ يردد عليه المسألة وعبد الله ينهاه عن ذلك حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابة يريد أن يركبها (1) فقال عبد الله بن عمر الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما هذا عهد نبينا الينا وعهدنا إليكم في هذا الحديث النهى عن التفاضل في الدنانير والدراهم إذا بيع شيء منها بجنسه وقوله فيه الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم إشارة إلى جنس الأصل لا إلى المضروب دون غيره بدليل إرسال ابن عمر الحديث على سؤال الصائغ له عن الذهب المصوغ وبدليل قوله صلى الله عليه وسلم الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلا بمثل وزنا بوزن ولا أعلم أحدا من العلماء حرم التفاضل في المضروب العين من الذهب والفضة المدرهمة دون التبر والمصوغ منهما إلا شيء جاء عن معاوية بن أبي سفيان روى عنه من وجوه وقد
أجمعوا على خلافه فأغنى إجماعهم على ذلك عن الاستشهاد فيه بغيره وفي قصة معاوية مع أبي الدرداء إذ باع معاوية السقاية بأكثر من وزنها بيان أن الربا في المصوغ وغير المصوغ والمضروب وغير المضروب
242

قال أبو عمر فالفضة السوداء والبيضاء والذهب الأحمر والأصفر كل ذلك لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلا بمثل وزنا بوزن سواء بسواء على كل حال إلا أن تكون إحدى الفضتين أو إحدى الذهبين فيه دخل من غير جنسه فإن كانت كذلك لم يجز بيع بعضها ببعض البتة على حال إلا أن يحيط العلم أن الدخل فيهما سواء نحو السكة الواحدة لعدم المماثلة لأنا إذا عدمنا حقيقة المماثلة لم نأمن التفاضل وقد ورد الشرع بتحريم الازدياد في ذلك فوجب المنع حتى تصحة المماثلة وروى مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبا بناجز وسيأتي القول في معنى هذا الحديث في باب نافع إن شاء الله قال أبو عمر المماثلة في الموزونات الوزن لا غير وفي المكيلات الكيل ولو وزن المكيل رجوت أن يكون مماثلة إن شاء الله وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنه وعن بعض أصحابه في هذا الباب شيء لا يصح عنه إن شاء الله لأنه قد روى عنه من وجوه خلافه وهو الذي عليه علماء الأمصار فلم أر وجها في ذلك للاكثار أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا عبد السلام عن مغيرة عن عبد الرحمان (1210) بن أبي نعيم أن أبا سعيد لقي ابن عباس فشهد
243

على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلا بمثل فمن زاد فقد أربا فقال ابن عباس أتوب إلى الله فيما كنت أفتى به ورجع عنه قال علي وحدثنا داود بن عمرو (1211) الضبي قال حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن ذكوان (1212) أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا زيادة وبلغه قول ابن عباس قال أبو سعيد فقلت لابن عباس ما هذا الحديث الذي تحدث به أشيء سمعته من رسول الله أو شيء وجدته في كتاب الله فقال ابن عباس ما وجدته في كتاب الله ولا سمعته من رسول الله ولأنتم اعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولكن أسامة (1213) بن زيد حدثني ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الربا في النسيئة قال علي وحدثنا عتيق بن يعقوب الزبيري قال حدثني عبد العزيز بن محمد عن إبراهيم ابن طهمان عن أبي الزبير المكي قال سمعت أبا أسيد (1214) الساعدي وابن عباس يفتى في الدينار بالدينارين فأغلظ له أبو أسيد فقال له
244

ابن عباس ما كنت أظن أن أحدا يعرف قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي مثل هذا يا أبا أسيد فقال أبو أسيد أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم وصاع حنطة بصاع حنطة وصاع شعير بصاع شعير وصاع ملح بصاع ملح لا فضل بين شيء من ذلك فقال عبد الله بن عباس هذا شيء إنما كنت أقوله برأيي ولم أسمع فيه شيئا حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا سليمان بن علي (1215) الربعي عن أبي الجوزاء (1216) عن ابن عباس انه رجع عن الصرف وقال إنما كان ذلك رأيا مني وهذا أبو سعيد يحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن وهب قال أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت سليمان بن يسار يزعم أنه سمع مالك بن أبي عامر (1217) يحدث عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين قال أبو عمر لم أر ذكر ما روى ابن عباس ومن تابعه في الصرف ولم أعده خلافا لما روى عنه من رجوعه عن ذلك وفي رجوعه إلى خبر أبي سعيد المفسر وتركه القول بخبر أسامة بن زيد المجمل ضروب من
245

الفقه ليس هذا موضع ذكرها ومن تدبرها ووفق لفهمها أدركها وبالله التوفيق وقد روى عن كثير من أصحاب مالك وبعضهم يرويه عن مالك في التاجر يحفزه الخروج وبه حاجة إلى دراهم مضروبة أو دنانير مضروبة فيأتي دار الضرب بفضته أو ذهبه فيقول للضراب خذ فضتي هذه أو ذهبي وخذ قدر عمل يدك وادفع إلي دنانير مضروبة في ذهبي أو دراهم مضروبة في فضتي هذه لأني محفوز للخروج وأخاف أن يفوتني من أخرج معه إن ذلك جائز للضرورة وإنه قد عمل به بعض الناس قال أبو عمر هذا مما يرسله العالم عن غير تدبر ولا رواية وربما حكاه لمعنى قاده إلى حكايته فيتوهم السامع أنه مذهبه فيحمله عنه وهذا عين الربا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من زاد أو ازداد فقد أربى وقال ابن عمر للصائغ لا في مثل هذه المسألة سواء ونهاه عنها وقال هذا عهد نبينا الينا وعهدنا إليكم وهذا قد باع فضة بفضة أكثر منها وأخذ في المضروب زيادة على غير المضروب وهو الربا المجتمع عليه لأنه لا يجوز مضروب الفضة ومصوغها بتبرها ولا مضروب الذهب ومصوغه بتبره وعينه إلا وزنا بوزن عند جميع الفقهاء وعلى ذلك تواترت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا الحسن بن علي حدثنا بشر بن عمر حدثنا همام عن قتادة عن أبي (1218) الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث (1219)
246

الصنعاني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذهب بالذهب تبره وعينه والفضة بالفضة تبرها وعينها يعني وزنا بوزن مثلا بمثل يدا بيد من زاد أو ازداد فقد أربى مختصرا قال أبو داود ورواه سعيد بن أبي عروبة وهشام (1220) عن قتادة عن مسلم بن يسار وقد ذكرنا خبر عبادة بكثير من طرقه في مواضع من هذا الكتاب وقد رد ابن وهب هذه المسألة عن مالك وأنكرها وزعم الأبهري ان ذلك من باب الرفق لطلب التجارة وليلا يفوت السوق قال وليس الربا إلا على من أراد أن يربى ممن يقصد إلى ذلك ويبتغيه ونسي الأبهري أصله في قطع الذرائع وقوله فيمن باع ثوبا بنسيئة وهو لا نية له في شرائه ثم يجده في السوق انه لا يجوز له أن يبتاعه منه بدون ما به باعه وإن لم يقصد إلى ذلك ولم يبتعه ومثل هذا كثير ولو لم يكن الربا إلا على من قصده ما حرم إلا على الفقهاء خاصة وقد قال عمر لا يتجر في سوقنا إلامن فقه وإلا أكل الربا والأمر في هذا بين لمن رزق الانصاف والهم رشده حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون ابن حمزة الحسيني قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن وردان الرومي أنه سأل ابن عمر فقال إني رجل أصوغ الحلى ثم أبيعه واستفضل فيه قدر أجرتي أو عمل يدي
فقال ابن عمر الذهب بالذهب لا فضل بينهما هذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم قال الشافعي يعني بقوله صاحبنا عمر بن الخطاب قال وقول حميد عن مجاهد عن ابن عمر عهد نبينا خطا
247

قال أبو عمر قول الشافعي عندي غلط على أصله لأن حديث ابن عيينة في قوله صاحبنا مجمل يحتمل أن يكون أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأظهر فيه ويحتمل أن يكون أراد عمر فلما قال مجاهد عن ابن عمر هذا عهد نبينا فسر ما أجمل ورد أن الرومي وهذا أصل ما يعتمد عليه الشافعي في الآثار ولكن الناس لا يسلم منهم أحد من الغلط وإنما دخلت الداخلة على الناس من قبل التقليد لأنهم إذا تكلم العالم عند من لا ينعم النظر بشيء كتبه وجعله دينا يرد به ما خالفه دون أن يعرف الوجه فيه فيقع الخلل وبالله التوفيق
248

حديث ثالث لحميد بن قيس مرسل مالك عن حميد بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحنين وعلى الأعرابي قميص وبه أثر صفرة فقال يا رسول الله إني أهللت بعمرة فكيف تأمرني أن أصنع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزع قميصك هذا واغسل هذه الصفرة عنك وأفعل في عمرتك ما تفعل في حجك هذا حديث مرسل عند جميع رواة الموطأ فيما علمت ولكنه يتصل من غير رواية مالك من طرق صحيحة ثابتة عن عطاء بن أبي رباح وهو محفوظ من حديث يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عن عطاء بن أبي رباح جماعة منهم أبو الزبير وعمرو بن دينار وقتادة وابن جريح وقيس بن سعد وهمام بن يحيى ومطر (1221) وإبراهيم بن يزيد وعبد الملك بن أبي سليمان ومنصور بن المعتمر وابن أبي ليلى والليث بن سعد وأحسنهم رواية له عن عطاء وأتقنهم ابن جريج وعمرو بن دينار وإبراهيم بن يزيد وقيس بن سعد وهمام بن يحيى فإن هؤلاء كلهم رووه عن عطاء عن صفوان (1222) بن يعلى بن أمية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب فيه وغيرهم رواه عن عطاء عن يعلى وليس بشيء
249

حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري وحدثنا سعيد بن نصر واللفظ بحديثه قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا همام قال حدثنا عطاء قال حدثنا صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الخلوق أو قال صفرة فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي قال فأنزل على النبي صلى الله عليه وسلم واستتر بثوب قال وكان يعلى يقول وددت أني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد انزل عليه الوحي فقال عمر يا يعلى أيسرك أن تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أنزل عليه قال قلت نعم فرفع طرف الثوب فنظرت إليه فإذا له غطيط واحسبه كغطيط البكر قال فلما سرى عنه قال أين السائل عن العمرة اخلع عنك الجبة واغسل عنك اثر الخلوق أو قال اثر الصفرة واصنع في عمرتك كما صنعت في حجك قال وأتاه رجل آخر قد عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنيته التي عض بها فابطله النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق التمار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا همام قال سمعت عطاء قال أخبرنا صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فذكره سواء وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا إبراهيم بن يزيد أنه سمع عطاء يقول أخبرني صفوان بن يعلى بن أمية أن يعلى قال لعمر وددت أني رأيت رسول الله حين يوحى إليه فلما كان بالجعرانة أتاه أعرابي وعليه جبة وهو متضمخ بخلوق وقد أحرم بعمرة فقال افتني يا رسول الله وأوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثل حديث همام بن يحيى
250

في هذه القصة إلى آخرها ولم يذكر قصة العاض يد الرجل أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حضرة بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن شعيب بن علي قال أخبرني محمد (1223) ابن إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا وهب (1224) بن جرير قال حدثني أبي قال سمعت قيس بن سعد يحدث عن عطاء عن صفوان ابن يعلى عن أبيه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل وهو بالجعرانة وعليه جبة وهو مصفر لحيته ورأسه فقال يا رسول الله إني أحرمت بعمرة وإنا كما ترى قال انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك حدثنا سعيد بن نصر قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عطاء عن صفوان بن أمية أنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متضمخا بالخلوق وعليه مقطعات فقال كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي قال فأنزل الله * (وأتموا الحج والعمرة لله) * قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين السائل عن العمرة فقال له الق عنك ثيابك واغتسل واستنق ما استطعت وما كنت صانعه في حجك فاصنعه في عمرتك هكذا جاء في هذا الحديث صفوان بن أمية نسبة إلى جده وهو صفوان بن يعلى بن أمية رجل تميمي وليس بصوفان بن أمية الجمحي وقد نسبناهما في كتاب الصحابة والحمد لله وحدثنا
251

سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فأتاه رجل عليه مقطعة يعني جبة وهو متضمخ بالخلوق فقال يا رسول الله اني أحرمت بالعمرة وعلى هذه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت تصنع في حجك قال كنت أنزع هذه وأغسلها بالخلوق فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك حدثنا عبد الرحمان بن مروان قال حدثنا الحسن بن يحيى القاضي القلزمي بالقلزم قال حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال حدثنا علي (1225) بن خشرم قال حدثنا عيسى بن يونس عن ابن جريج عن عطاء أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره أن يعلى بن أمية كان يقول لعمر بن الخطاب ليتني أرى رسول الله حين ينزل عليه فبينا هو مع رسول الله في ناس من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل عليه جبة وهو متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل احرم بعمرة في جبة معه بعدما تضمخ بطيب فسكت ساعة فجاءه الوحي فأشار عمر إلى يعلى بيده أن تعالى فجاءه وأدخل رأسه فإذا النبي عليه السلام محمر الوجه
يغط كذلك ساعة ثم سرى عنه فقال أين السائل عن العمرة فالتمس الرجل فاتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك قال ابن جريح كان عطاء يأخذ في الطيب بهذا الحديث فكان يكره الطيب عند الاحرام ويقول إن كان به شيء منه فليغسله وكان يأخذ بشأن صاحب الجبة وكان صاحب الجبة قبل حجة
252

الوداع قال ابن جريح والاخر فالاخر من أمر رسول الله أحق وأخبرنا عبد الرحمان بن مروان قال أخبرنا الحسين بن يحيى قال أخبرنا ابن الجارود قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا عثمان بن الهيثم (1226) قال حدثنا ابن جريح قال كان عطاء يأخذ بشأن صاحب الجبة وكان شأن صاحب الجبة قبل حجة الوداع قال والاخر فالاخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق قال ابن جريح وكان شأن صاحب الجبة أن عطاء أخبرني أن صفوان بن يعلى بن أمية أخبره أن يعلى كان يقول لعمر ليتني أرى نبي الله حين ينزل عليه فلما كان النبي عليه السلام بالجعرانة وعلى النبي عليه السلام ثوب قد ظلل به ومعه ناس من أصحابه إذ جاءه رجل عليه جبة متضمخ بطيب فذكر الحديث بتمامه قال أبو عمر روى هذا الحديث عن ابن جريح جماعة منهم يحيى بن سعيد القطان وقال فيه نوح (1227) بن حبيب عن القطان عن ابن جريح باسناده كما ذكرنا وأما الجبة فاخلعها وأما الطيب فاغسله ثم أحدث احراما ذكره أحمد بن شعيب النسائي عن نوح بن حبيب وقال لا أعلم أحدا قال في هذا الحديث ثم احدث احراما غير نوح ابن حبيب قال و لا أحسبه محفوظا والله أعلم قال أبو عمر أما قوله في حديث مالك أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
253

وهو بحنين فالمراد منصرفه من غزوة حنين والموضع الذي لقى فيه الأعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الجعرانة وهو بطريق حنين بقرب ذلك معروف وفيه قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين والآثار المذكورة كلها تدلك على ما ذكرناه ولا تنازع في ذلك إن شاء الله وأما قوله وعلى الاعرابي قميص فالقميص المذكور في حديث مالك هو الجبة المذكورة في حديث غيره ولا خلاف بين العلماء أن المخيط كله من الثياب لا يجوز لباسه للمحرم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم عن لباس القمص والسراويلات وسيأتي ذكر هذا المعنى في حديث نافع إن شاء الله وأما قوله وبه أثر صفرة فقد بان بما ذكرنا من الآثار انها كانت صفرة خلوق وهو طيب معمول من الزعفران وقد نهى رسول الله المحرم عن لباس ثوب مسه ورس أو زعفران وأجمع العلماء على أن الطيب كله محرم على الحاج والمعتمر بعد إحرامه وكذلك لباس الثياب واختلفوا في جواز الطيب للمحرم قبل الإحرام بما يبقى عليه بعد الاحرام فأجاز ذلك قوم وكرهه آخرون احتج بهذا الحديث كل من كره الطيب عند الاحرام وقالوا لا يجوز لأحد إذا أراد الاحرام أن يتطيب قبل ان يحرم ثم يحرم لأنه كما لا يجوز للمحرم بإجماع أن يمس طيبا بعد أن يحرم فكذلك لا يجوز له أن يتطيب ثم يحرم لأن بقاء الطيب عليه كابتدائه له بعد إحرامه سواء لا فرق بينهما وأحتجوا بان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبدا لله بن عمر وعثمان بن أبي العاص كرهوا أن يوجد من المحرم شيء من ريح الطيب ولم يرخصوا لأحد أن يتطيب عند إحرامه ثم يحرم وممن قال بهذا من العلماء عطاء بن أبي رباح وسالم بن عبد الله على اختلاف عنه ومالك بن أنس وأصحابه ومحمد بن الحسن
254

رواه ابن سماعة (1228) عنه وهو اختيار أبي جعفر الطحاوي ومن حجة من قال بهذا القول من طريق النظر أن الإحرام يمنع من لبس القمص والسراويلات والخفاف والعمائم ويمنع من الطيب ومن قتل الصيد وإمساكه فلما اجمعوا أن الرجل إذا لبس قميصا أو سراويل قبل أن يحرم ثم أحرم وهو عليه أنه يؤمر بنزعه وإن لم ينزعه وتركه كان كمن لبسه بعد إحرامه لبسا مستقبلا ويجب عليه في ذلك ما يجب عليه لو استأنف لبسه بعد إحرامه وكذلك لو اصطاد صيدا في الحل وهو حلال فأمسكه في يده ثم احرم وهو في يده أمر بتخليته وإن لم يخله كان إمساكه له بعد أن أحرم كابتدائه الصيد وإمساكه في احرامه قالوا فلما كان ما ذكرنا وكان الطيب محرما على المحرم بعد إحرامه كحرمة هذه الأشياء كان ثبوت الطيب عليه بعد إحرامه وإن كان قد تطيب به قبل إحرامه طتطيبه بعد إحرامه ولا يجوز في القياس والنظر عندهم غير هذا واعتلوا في دفع ظاهر حديث عائشة بما رواه إبراهيم (1229) بن محمد بن المنتشر عن أبيه (1230) قال سالت ابن عمر عن الطيب عند الاحرام فقال لأن أطلى بالقطران (1) أحب إلي من أن أصبح محرما تنضخ مني ريح الطيب قال فدخلت على عائشة فأخبرتها بقول ابن عمر فقالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف على نسائه ثم أصبح محرما قالوا فقد بان بهذا في حديث عائشة أن رسول الله
255

صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه بعد التطيب وإذا طاف عليهن اغتسل لا محالة فكان بين احرامه وتطيبه غسل قالوا فكان عائشة إنما أرادت بهذا الحديث الاحتجاج على من كره أن يوجد من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب كما كره ذلك ابن عمر وأما بقاء نفس الطيب على المحرم فلا قال أبو عمر هذا ما احتج به من كره الطيب للمحرم من طريق الآثار ومن طريق النظر وقال جماعة من أهل العلم لا بأس أن يتطيب المحرم عند إحرامه قبل أن يحرم بما شاء من الطيب مما يبقى عليه بعد أحرامه ومما لا يبقى وممن قال بهذا من العلماء أبو حنيفة وأبو يوسف والثوري والشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وجماعة وجاء ذلك أيضا عن جماعة من الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص وابن عباس وأبو سعيد الخدري وعائشة وأم حبيبة وعبد الله بن الزبير ومعاوية فثبت الخلاف في هذه المسألة بين الصحابة ومن بعدهم وكان عروة بن الزبير وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والحسن البصري وخارجة بن زيد لا يرون بالطيب كله عند الإحرام بأسا والحجة لمن ذهب هذا المذهب حديث عائشة قالت طيبت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت هذا لفظ القاسم بن محمد عن عائشة ومثله رواية عطاء عن عائشة في ذلك وقال الأسود عن عائشة أنها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم بأطيب ما تجد من الطيب قالت حتى أني لأرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته وروى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن عائشة قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغالية الجيدة عند احرامه رواه
256

أبو زيد بن أبي الغمر عن يعقوب (1231) بن عبد الرحمان الزهري عن موسى بن عقبة وروى هشام بن عروة عن أخيه عثمان بن أبي عروة عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد وربما قالت بأطيب الطيب لحرمه وحله وقالوا لا معنى لحديث بن المنتشر لأنه ليس ممن
يعارض به هؤلاء الأئمة فلو كان مما يحتج به ما كان في لفظه حجة لأن قوله طاف على نسائه يحتمل أن يكون طوافه لغير جماع وجائز أن يكون طوافه عليهن ليعلمهن كيف يحرمن أو لغير ذلك والدليل على ذلك ما رواه إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كان يرى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث وهو محرم قالوا والصحيح في حديث ابن المنتشر ما رواه شعبة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أنه سأل ابن عمر عن الطيب عند الاحرام فقال لأن أتطيب بقطران أحب إلي من أن أفعل قال فذكرته لعائشة فقالت يرحم الله أبا عبد الرحمان قد كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضخ طيبا قالوا والنضخ في كلام العرب اللطخ والجري والظهور قال الله عز وجل * (فيهما عينان نضاختان) * قال النابغة
* من كل نهكتة نضخ العبير بها
* لا الفحش يعرف من فيها ولا الزور
* يريد لطخ العبير بها قالوا ولا معنى لحديث الأعرابي في هذا لمعان منها انه يحتمل ان يكون الاعرابي تطيب بعد ما أحرم ومنها انه كان عام حنين وتطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند احرامه
257

في حجة الوداع فلو كان ما تطيب به الأعرابي يومئذ مباحا للرجال في حال الاحلال محظرا عليهم في الاحرام كان ذلك منسوخا بفعله عام حجة الوداع صلى الله عليه وسلم قالوا وقد صح وعلم أن الطيب الذي كان على الاعرابي يومئذ كان خلوقا والخلوق لا يجوز للرجال في حال الحل ولا في حال الاحرام واحتجوا فيما ذهبوا اليه من هذا بحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل رواه حماد بن زيد وشعبة وإسماعيل بن علية وهشيم كلهم عن عبد العزيز بن صهيب واحتجوا أيضا في ذلك بما رواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن جديه قالا سمعنا أبا موسى (1232) الأشعري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل صلاة رجل في جسده شيء من خلوق وبم رواه يوسف بن صهيب عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا تقربهم الملائكة المتخلق والسكران والجنب وبحديث الحسن عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وطيب الرجال ريح لا لون وطيب النساء لون لا ريح وروى حميد عن أنس عن النبي عليه السلام مثله ونحوه قال أبو عمر أما مالك رحمه الله فلم ير بلبس الثياب المزعفرة بأسا للرجال والنساء ذكر ابن القاسم عن مالك قال رأيت محمد بن المنكدر يلبس المصبوغ بالزعفران والثوب المورد ورأيت ابن هرمز يلبس الثوب
258

بالزعفران والحجة لهؤلاء في ذلك حديث مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريح أنه قال لابن عمر ورأيتك تصبغ بالصفرة يعني ثيابك فقال ابن عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها وسيأتي هذا الحديث وما للعلماء في ذلك من القول في باب سعيد بن أبي سعيد إن شاء الله وقد ذكرنا الاختلاف في لباس الثياب المزعفرة للرجال فيما تقدم من كتابنا هذا في باب حميد الطويل وسيأتي منه ذكر صالح في باب سعيد بن أبي سعيد إن شاء الله قالوا وما روى عن عمر رحمه الله في كراهيته للطيب على المحرم فيتحمل أن يكون ليلا يراه جاهل فيظن أنه تطيب بعد الاحرام فيستجيز بذلك الطيب بعد الاحرام وكان عمر كثير الاحتياط في مثل هذا الا ترى انه نهى طلحة بن عبيد الله عن لبس الثوب المصبوغ بالمدر خوفا أن يراه جاهل فيتسجيز بذلك لبس الثياب المصبغة قالوا وفي لفظ عمر لمعاوية عزمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسله عنك دليل على أنه لم يكن ذلك عنده محرما لأن من أتى مالا يحل ليس يقال له عزمت عليك لتتركن ما لا يحل لك لا سيما في عمر ومعاوية فقد كان عمر يضرب بالدرة على أقل من هذا أجل من معاوية وأسن قالوا ولو صح عن عمر ما ذهب إليه من كره الطيب عند الاحرام لم تكن فيه حجة لوجود الاختلاف بين الصحابة في ذلك والمصير إلى السنة فيه وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله أنه ذكر قول عمر في الطيب ثم قال قالت عائشة أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحرامه قال سالم وسنة رسول الله أحق أن تتبع وروى الثوري عن منصور عن سعيد بن جبير قال كان ابن عمر لا يدهن إلا بالزيت حين يريد أن يحرم قال منصور فذكرت ذلك لإبراهيم فقال ما تصنع بهذا
259

حدثني الأسود (1233) عن عائشة أنها قالت كان يرى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم وروى مالك عن يحيى بن سعيد وعبد الله بن أبي بكر وربيعة (1234) بن أبي عبد الرحمان ان الوليد بن عبد الملك سال سالم بن عبد الله وخارجة بن زيد (1235) بن ثابت بعد أن رمى الجمرة وحلق رأسه وقبل ان يفيض عن الطيب فنهاه سالم وأرخص له خارجة بن زيد قال إسماعيل بن إسحاق جاء عن عائشة بالاسناد الصحيح انها قالت كنت أطيب رسول الله لحرمه قبل أن يحرم ولحله قبل ان يطوف بالبيت وقد كانت عائشة تفتى بذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا إبراهيم (1236) بن الحجاج حدثنا عبد العزيز (1237) بن المختار عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر أن أباه كان يكره الطيب عندالاحرام وكان يعلم أن عائشة كانت تفتى بأنه لا بأس بالطيب عند الاحرام قال إسماعيل وجاء عن عمر بالأسانيد الصحاح انه كره الطيب عند الاحرام وبعد رمي الجمرة
260

قبل الطواف بالبيت وأمر معاوية أن تغسل أم حبيبة عنه الطيب وقال في خطبته بعرفة إذا رميتم الجمرة ونحرتم فقد حل لكم ما حرم عليكم إلا النساء والطيب لا يمس أحد طيبا ولا نساء حتى يطوف بالبيت وهذا بمحضر جماعة الصحابة فما رد قوله ذلك عليه أحد ولا أنكره منكر وجاء عن عثمان في ذلك مثل مذهب عمر وعن ابن عمر مثل ذلك ولا يقع في القلب أنهم جهلوا ما روت عائشة ولا أنهم يقصدون لخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه يمكن أن يكون علموا نسخ ذلك وإذا كان ذلك ممكنا فالاحتياط التوقف فمن اتقى ذلك فقد احتاط لنفسه قال وأما التابعون فاختلفوا في ذلك أيضا فذهبت جماعة منهم إلى ما روى عن عائشة وجماعة إلى ما روى عن عمر وقال أبو ثابت قلت لابن القاسم هل كان مالك يكره ان يتطيب إذا رمى جمرة العقبة قبل أن يفيض قال نعم قلت فإن فعل أترى عليه الفدية قال لا أرى عليه شيئا لما جاء فيه وقال مالك لا بأس أن يدهن المحرم قبل أن يحرم وقبل أن يفيض بالزيت والبان غير المطيب مما لا ريح له قال أبو عمر لا معنى لمن قاس الطيب على الثياب والصيد لأن
السنة قد فرقت بين ذلك فأجازت التطيب عند الاحرام بما يرى بعد الإحرام في المفارق والشعر ويوجد ريحه من المحرم وحظرت على المحرم أن يحرم وعليه شيء من المخيط أو بيده شيء من الصيد ومن جعل الطيب قياسا على الثياب والصيد فقد جمع بين ما فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر المسلمين بينه وقد شبه بعض الفقهاء الطيب قبل الاحرام بالواطئ قبل الفجر يصبح جنبا بعد الفجر ولم يكن له أن ينشئ الجنابة بعد الفجر وهو قياس صحيح إن شاء الله ولكن إنكاره للمحرم أن يشم الطيب بعد إحرامه إذا أجاز التطيب قبل الاحرام مناقض تارك للقياس لأن الاستمتاع من رائحة الطيب لمن
261

تطيب قبل إحرامه أكثر من شمه من غيره والله أعلم وهم لا يجيزون مس الطيب اليابس ولا حمله في الخرق إذا ظهر ريحه وهذا كله دليل على صحة قول من كره الطيب للمحرم وهو الاحتياط وبالله التوفيق واختلف الفقهاء فيمن تطيب بعد إحرامه جاهلا أو ناسيا فكان مالك يرى الفدية على كل من قصد إلى التطيب بعد إحرامه عامدا أو ناسيا أو جاهلا إذا تعلق بيده أو ببدنه شيء منه والطيب المسك والكافور والزعفران والورس وكل ما كان معروفا عند الناس بأنه طيب لطيب رائحته وأما شم الرياحين والمرور في سوق الطيب وإن كان ذلك مكروها عنده فإنه لا شيء على من وصل اليه رائحته إذا لم يعلق بيديه أو بدنه منه شيء وقال الشافعي أن تطيب جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه وإن تطيب عامدا فعليه الفدية قال والفرق في التطيب بين الجاهل والعامد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الاعرابي وقد أحرم وعليه خلوق بنزع الجبة وغسل الصفرة ولم يأمره بفدية ولو كانت عليه فدية لأمره بها كما أمره بنزع الجبة لم يختلف قول الشافعي في الجاهل واختلف قوله في الناسي يلبس أو يتطيب ناسيا فمرة أوجب عليه الفدية ومرة لم ير عليه فدية وفي هذا الحديث رد على من زعم من العلماء أن الرجل إذا أحرم وعليه قميص كان عليه أن يشقه وقالوا لا ينبغي أن ينزعه كما ينزع الحلال قميصه لأنه إذا فعل ذلك غطى رأسه وذلك لا يجوز له فلذلك أمر بشقه وممن قال بهذا من العلماء الحسن والشعبي والنخعي وأبو قلابة وسعيد بن جبير على اختلاف عنه ذكر سعيد بن منصور قال حدثنا هشيم قال أخبرنا يونس عن الحسن قال هشيم وأخبرني مغيرة عن إبراهيم والشعبي أنهم قالوا إذا أحرم الرجل وعليه قميصه فليخرقه حتى يخرج منه وروى شعبة عن المغيرة عن إبراهيم قال إذا أحرم الرجل وعليه قميص فليخرقه قال أحدهما يشقه وقال الآخر
262

يخلعه من قبل رجليه وذكر الطحاوي قال حدثنا روح بن الفرج قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير قال يخرقه ولا ينزعه هكذا قال وهو عندي خطأ لأن الثوري روى عن سالم (1238 9 الأفطس عن سعيد بن جبير قال ينزع ثيابه ولا يخرقها وهو الصحيح إن شاء الله عن سعيد بن جبير ذكره عبد الرزاق وغيره عن الثوري وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال إن احرم في قميص شقه قال أبو عمر احتج من ذهب إلى هذا المذهب بما رواه عبد الرحمان (1239) بن عطاء بن أبي لبيبة أنه سمع ابني جابر يحدثان عن أبيهما بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس مع أصحابه شق قميصه حتى خرج منه فقيل له فقال واعتدهم يقلدون هديي اليوم فنسيت ذكره عبد ا لرزاق عن داود بن قيس عن عبد الرحمان بن عطاء ورواه أسد ابن موسى عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمان بن عطاء بن أبي لبيبة عن عبد الملك (1240) بن جابر عن جابر بن عبد الله قال كنت عندالنبي صلى الله عليه وسلم جالسا فقد قميصه من جيبه حتى إذا اخرجه من رجليه فنظر القوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على كذا وكذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي وكان
263

بعث ببدنه وأقام بالمدينة وقال جمهور فقهاء الأمصار ليس على من نسي فاحرم وعليه قميصه أن يخرقه ولا يشقه وممن قال ذلك مالك وأصحابه والشافعي ومن سلك سبيله وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والثوري وسائر فقهاء الأمصار وأصحاب الآثار وحجتهم في ذلك حديث عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه في قصة الاعرابي الذي أحرم وعليه جبة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزعها وهو الحديث المذكور في هذا الباب ولا خلاف بين أهل العلم بالحديث انه حديث ثابت صحيح وحديث جابر الذي يرويه عبد الرحمان بن عطاء بن أبي لبيبة عندهم حديث ضعيف لا يحتج به وهو عندهم أيضا مع ضعفه مردود بالثابت عن عائشة أنها قالت كنت افتل قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلده ويبعث به فلا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدى وإن كان جماعة العلماء قالوا إذا أشعر هديه أو قلده فقد أحرم وقال آخرون إذا كان يريد بذلك الاحرام وسنذكر هذا المعنى مجردا في باب عبد الله بن أبي بكر إن شاء الله وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أحرم في قميص أنزع عنك القميص واغسل عنك الطيب حسبته قال ثلاث مرات قال قتادة فقلت لعطاء أن ناسا يقولون إذا أحرم في قميصه فليشقه قال لا لينزعه إن الله لا يحب الفساد وروى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عطاء بإسناده مثله سواء وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال من احرم في قميص فلينزعه ولا يشقه قال أبو عمر ليس نزع القميص بمنزلة اللباس في أثر ولا نظر فأما الأثر فقد ذكرناه في قصة الأعرابي وأما النظر فإن المحرم لو حمل على رأسه شيئا لم يعد ذلك معد لبس القلنسوة وكذلك من تردى بإزار وحلل
264

به بدنه لم يحكم له بحكم لباس المخيط وفي هذا دليل على أنه إنما نهى عن لباس الرأس القلنسوة في حال الاحرام اللباس المعهود وعن لباس الرجل القميص اللباس المعهود وعلم أن النهي إنما وقع في ذلك وقصد به إلى من قصد وتعمد فعل ما نهى عنه من اللباس في حال إحرامه اللباس المعهود في حال إحلاله فخرج بما ذكرنا ما أصاب الرأس من القميص المنزوع هذا ما يوجب النظر إن شاء الله وأما قوله وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك فكلام خرج على لفظ العموم والمراد به الخصوص وقد تبين ذلك في سياقه ابن عيينة له عن عمرو بن دينار حيث قال فقال له النبي عليه السلام ما كنت تصنع في حجك قال كنت أنزع هذه يعنى الجبة وأغسل هذا الخلوق فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك أي من هذا الذي ذكرت من نزع القميص وغسل الطيب فخرج كلامه صلى الله عليه وسلم في حديث مالك وما كان مثله على جواب السائل فيما قصده بالسؤال عنه وهذا إجماع من العلماء أنه لا يصنع المعتمر عمل الحج كله وإنما عليه أن يتم عمل عمرته وذلك الطواف والسعي والحلاق والسنن كلها والاجماع يدلك على أن قوله في هذا الحديث وافعل في عمرتك ما تفعل في حجك كلام ليس على ظاهره وأنه لفظ عموم أريد به
الخصوص على ما وصفنا من الاقتصار به على جواب السائل في مراده وبالله التوفيق تم السفر الأول من كتاب التمهيد بحمد الله وعونه إن شاء الله تعالى حديث رابع لحميد بن قيس منقطع والله المعين برحمته
265

حديث رابع لحميد بن قيس منقطع مالك عن حميد بن قيس المكي أنه قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابني جعفر بن أبي طالب فقال لحاضنتهما ما لي أراهما ضارعين فقالت حاضنتهما يا رسول الله أنه تسرع اليهما العين ولم يمنعنا ان نسترقي لهما الا أنا لا ندري ما يوافقك من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين هكذا جاء هذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة فيما علمت وذكره ابن وهب في جامعه فقال حدثني مالك ابن أنس عن حميد بن قيس عن عكرمة بن خالد قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء وهو مع هذا كله منقطع ولكنه محفوظ لاسماء بنت عميس (1241) الخثعمية عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة متصلة صحاح وهي أمهما وقد يجوز والله أعلم أن تكون مع ذلك حاضنتها المذكورة في حديث مالك هذا وكانت أسماء بنت عميس رحمها الله تحت جعفر ابن أبي طالب وهاجرت معه إلى الحبشة وولدت هناك عبد الله بن جعفر ومحمد بن جعفر وعون بن جعفر وهلك عنها جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قتل يوم مؤتة بمؤتة من أرض الروم فخلف عليها بعده أبو بكر الصديق فولدت له محمد بن أبي بكر بالبيداء
266

بذي الحليفة على ما روى من اختلاف ألفاظ ذلك الحديث عام حجة الوداع فامرها أن تغتسل ثم لتهل ثم توفي أبو بكر رضي الله عنه فخلف عليها بعده علي ابن أبي طالب فولدت له يحيى بن علي وقد ذكرنا خبرها مستوعبا في كتاب النساء من كتابنا في الصحابة وجائز أن تكون حاضنتهما غيرها وقد رويت قصة أسماء بنت عميس في ابني جعفر بن أبي طالب والاسترقاء لهما من حديثها ومن حديث جابر بن عبد الله وقوله في الحديث مالي أراهما ضارعين يقول ما لي أراهما ضعيفين ضئيلين ناحلين وللضرع في اللغة وجوه منها الضعف قال صاحب كتاب العين الضرع الصغير الضعيف قال والضرع والضراعة أيضا التذلل يقال قد ضرع يضرع وأضرعته الحاجة وأما الحاضن فهو الذي يضم الشيء إلى نفسه ويستره ويكنفه وأصله من الحضن والمحتضن وهو ما دون الإبط إلى الكشح تقول العرب الحمامة تحضن بيضها حدثني أبو عثمان سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد ابن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو يعني ابن دينار قال أخبرني عروة ابن عامر عن عبيد بن رفاعة عن أسماء بنت عميس أنها قالت يا رسول الله أن أبني جعفر يصيبهما العين أفاسترقى لهما قال نعم لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين قال أبو عمر (1) عروة بن عامر روى عن ابن عباس وعبيد بن رفاعة روى عنه عمرو بن دينار وحبيب بن أبي ثابت والقاسم بن أبي بزة وله أخ يسمى عبيد الله بن عامر روى عن ابن عمر وروى عنه ابن أبي نجيح ولهما أخ ثالث أصغر منهما اسمه عبد الرحمان بن عامر
267

روى عنه سفيان بن عيينة وهم مكيون ثقات أخبرني أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال حدثنا ابن حبابة ببغداد قال حدثنا البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن ابن باباه (1) عن أسماء بنت عميس أنها قالت يا رسول الله فذكر مثله سواء وحدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد قال حدثنا إبراهيم بن علي بن غالب التمار قال حدثنا محمد بن الربيع بن سليمان قال حدثنا يوسف بن سعيد (1242) بن مسلم قال حدثنا حجاج (1243) عن ابن جريح قال أخبرني عطاء (ب) عن أسماء بنت عميس أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى بنيها بني جعفر فقال ما لي أرى أجسامهم ضارعة قالت يا نبي الله إن العين تسرع إليهم افأرقيهم قال وبماذا فعرضت عليه كلاما ليس به بأس فقال أرقيهم به وبه عن حجاج عن ابن جريح قال أخبرني أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص لبني عمرو بن حزم في رقية الحمة قال (ج) وقال لأسماء بنت عميس ما شأن أجسام بني أخي ضارعة
268

أتصيبهم حاجة قالت لا ولكن تسرع إليهم العين افنرقيهم قال وبماذا فعرضت عليه فقال أرقيهم وحدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث ابن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أسامة قال حدثنا روح قال حدثنا ابن جريح قال أخبرني أبو الزبير انه سمع جابر بن عبد الله يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأسماء بنت عميس ما شأن أجسام بني أخي ضارعة فذكر مثله سواء حدثنا خلف بن قاسم حدثنا ابن المفسر حدثنا احمد (1244) بن علي حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج عن ابن جريح عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة أتصيبهم الحاجة قالت لا ولكن العين تسرع إليهم أفاقيهم قال بماذا فعرضت عليه كلاما قال لا بأس به فارقيهم وفي هذا الحديث إباحة الرقى للعين وفي ذلك دليل على أن الرقى مما يستدفع به أنواع من البلاء إذا اذن الله في ذلك وقضى به وفيه أيضا دليل على أن العين تسرع إلى قوم فوق إسراعها إلى آخرين وأنها تؤثر في الانسان بقضاء الله وقدرته وتضرعه في أشياء كثيرة قد فهمته العامة والخاصة فأغنى ذلك عن الكلام فيه وإنما يسترقى من العين إذا لم يعرف العائن وأما إذا عرف الذي أصابه بعينه فإنه يؤمر بالوضوء على حسب ما يأتي ذكره وشرحه وبيانه في باب ابن شهاب عن أبن أبي أمامة من هذا الكتاب ثم يصب ذلك الماء على المعين على حسب ما فسره الزهري مما قد ذكرناه هنالك فإن لم يعرف العائن استرقى حينئذ
269

للمعين فإن الرقى مما يستشفى به من العين وغيرها وأسعد الناس من ذلك من صحبه اليقين وما توفيقي إلا بالله وفي إباحة الرقى إجازة أخذ العوض عليه لأن كل ما انتفع به جاز أخذ البدل منه ومن احتسب ولم يأخذ على ذلك شيئا كان له الفضل وفي قوله لو سبق شيء القدر لسبقته العين دليل على أن الصحة والقسم قد جف بذلك كله القلم ولكن النفس تطيب بالتداوي وتأنس بالعلاج ولعله يوافق قدرا وكما أنه من اعطى الدعاء وفتح عليه فلم يكد يحرم الإجابة كذلك الرقى والتداوي من الهم شيئا من ذلك وفعله ربما كان ذلك سببا لفرجه ومنزلة الذين لا يكتبون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون أرفع وأسنى ولا حرج على من استرقى وتداوى وقد ذكرنا اختلاف الناس في هذا الباب عند ذكر حديث زيد بن أسلم من كتابنا هذا وبينا الحجة لكل فريق منهم وبالله التوفيق حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي خزامة (1245) عن أبيه (1246) أنه قال يا رسول الله
أرأيت رقى نسترقيها وتقي نتقيها وأدوية نتداوى بها هل ترد من القدر أو تغنى من القدر شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انها من القدر قال إسماعيل ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي خزامة أحد بني الحارث بن سعد عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله سواء هكذا حدث به سليمان
270

ابن بلال عن يونس ورواه عثمان (1247) بن عمر عن يونس عن الزهري عن أبي خزامة أن الحرث بن سعد أخبره أن أباه أخبره قال إسماعيل والصواب ما قاله سليمان عن يونس قال أبو عمر ورواه يزيد بن زريع عن عبد الرحمان بن إسحاق عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه كما قال ابن عيينة سواء لم ينسبه ورواه حماد بن سلمة عن عبد الرحمان بن إسحاق عن الزهري عن رجل من بني سعد عن أبيه قال قلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها مثله سواء لم يذكر اسمه ولا كنيته قال أبو عمر قد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث أسماء بنت عميس في هذا الباب حدثناه خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثنا علي قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا وهيب قال حدثنا ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العين حق ولو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا قال أبو عمر قوله وإذا استغسلتم فاغسلوا يعني غسل المعاين المصاب بالعين
271

وسترى معنى ذلك مجودا في كتابنا هذا عند ذكر حديث ابن شهاب عن أبي أمامة بعون الله تعالى أخبرنا عبد الرحمان حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني سفيان الثوري عن منصور عن المنهال عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ حسنا وحسينا أعيذكما بكلمة الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ثم يقول هكذا كان أبي إبراهيم يعوذ إسماعيل وإسحاق حدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني معاوية بن صالح عن عبا (1248) بن جبير (1249) بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك قال أعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك قال أبو عمر سيأتي للرقى ذكر في مواضع من هذا الديوان على حسب تكرار أحاديث مالك في ذلك وفي كل باب منها نذكر من الأثر ما ليس في غيره إن شاء الله
272

حديث خامس لحميد بن قيس يدخل في المرفوع بالدليل مالك عن حميد بن قيس المكي عن طاوس (1250) اليماني أن معاذ بن جبل الأنصاري أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين بقرة مسنة وأتى بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال لم أسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئا (1) حتى ألقاه فاساله فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان يقدم معاذ بن جبل هذا الحديث ظاهره الوقوف على معاذ بن جبل من قوله إلا أن في قوله أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيما دون الثلاثين والأربعين من البقر شيئا دليلا واضحا على أنه قد سمع منه صلى الله عليه وسلم في الثلاثين والأربعين ما عمل به في ذلك مع أنه لا يكون مثله رأيا وإنما هو توقيف ممن أمر باخذ الزكاة من المؤمنين يطهرهم ويزكيهم بها صلى الله عليه وسلم ولا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر عن النبي صلى الله عليه وسلم
273

وأصحابه ما قال معاذ بن جبل في ثلاثين بقرة تبيع وفي أربعين مسنة والتبيع والتبيعة في ذلك عندهم سواء قال الخليل التبيع العجل من ولد البقر وحديث طاوس عندهم عن معاذ غير متصل ويقولون أن طاوسا لم يسمع من معاذ شيئا وقد رواه قوم عن طاوس عن ابن عباس عن معاذ إلا أن الذين أرسلوه أثبت من الذين اسندوه أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا أحمد بن عبد الله (1) بن شبوية المروزي قال حدثنا حيوة بن شريح (1251) ابن يزيد قال حدثنا بقية عن المسعودي (1252) عن الحكم عن طاوس عن ابن عباس قال لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة جذعا أو جذعة ومن كل أربعين بقرة مسنة قالوا فالأوقاص قال ما أمرت فيها بشيء وسأسال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدمت عليه فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله فقال ليس فيها شيء قال أبو عمر لم يسنده عن المسعودي عن الحكم غير بقية بن الوليد وقد اختلفوا في الاحتجاج بما ينفرد به بقية عن الثقة وله روايات عن مجهولين لا يعرج عليهم وقد رواه الحسن بن عمارة عن الحكم عن
274

طاوس عن ابن عباس عن معاذ كما رواه بقية عن المسعودي عن الحكم والحسن مجتمع على ضعفه وقد روى عن معاذ هذا الخبر بإسناد متصل صحيح ثابت من غير رواية طاوس ذكره عبد الرزاق قال أخبرنا معمر والثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل قال بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر وذكر عبد الرزاق أيضا عن معمر والثوري عن أبي إسحاق عن عاصم (1253) بن ضمرة عن علي قال وفي البقر من كل ثلاثين بقرة تبيع حولي وفي كل أربعين مسنة وكذلك في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم وكذلك في كتاب الصدقات لأبي بكر وعمر وعلي ذلك مضى جماعة الخلفاء ولم يختلف في ذلك العلماء إلا شيء روى عن سعيد بن المسيب وأبي قلابة والزهري وقتادة ولو ثبت عنهم لم يلتفت اليه لخلاف الفقهاء له من أهل الرأي والأثر بالحجاز والعراق والشام وسائر أمصار المسلمين إلى اليوم الذي جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على ما في حديث معاذ هذا وفيه ما يرد قولهم لأنهم يوجبون في كل خمس من البقر شاة إلى ثلاثين واختلف الفقهاء من هذا الباب فيما زاد على الأربعين فذهب مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وجماعة أهل الفقه من أهل الرأي والحديث إلى أن لا شيء في ما زاد على الأربعين من البقر حتى تبلغ ستين فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين فإذا بلغت سبعين ففيها مسنة وتبيع إلى ثمانين فتكون فيها
275

مسنتان إلى تسعين فيكون فيها ثلاثة تبابيع إلى مائة فيكون فيها تبيعان ومسنة ثم هكذا أبدا في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة وبهذا كله أيضا قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وقال أبو حنيفة ما زاد على الأربعين فبحساب ذلك وتفسير (1) ذلك على مذهبه ان يكون في خمس وأربعين مسنة وثمن وفي خمسين مسنة وربع وعلى هذا كل ما زاد قل أو كثر هذه الرواية المشهورة عن أبي حنيفة وقد روى أسد بن عمرو عن أبي حنيفة مثل قول أبي يوسف ومحمد ومالك والشافعي وسائر
الفقهاء وكان إبراهيم النخعي يقول في ثلاثين بقرة تبيع وفي أربعين مسنة وفي خمسين مسنة وربع وفي الستين تبيعان وكان الحكم وحماد يقولان إذا بلغت خمسين فبحساب ما زاد قال أبو عمر لا أقول في هذا الباب إلا ما قاله مالك ومن تابعه وهم الجمهور والله الموفق للصواب وذكر عبد الرزاق عن ابن جريح قال أخبرني عمرو بن دينار أن طاوسا أخبره أن معاذا قال لست آخذ في أوقاص البقر شيئا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرني فيها بشيء قال ابن جريج وقال عمرو بن شعيب أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند منذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم قدم على عمر فرده على ما كان فيه (ب) عليه قال أبو عمر الجند من اليمن هو بلد طاوس وتوفي طاوس سنة ست ومائة وتوفي معاذ سنة خمس عشرة أو أربع عشرة في طاعون
276

عمواس بالشام وقيل سنة ثمان عشرة وهو الصحيح وهو قول جمهورهم في طاعون عمواس أنه سنة ثمان عشرة وفي طاعون عمواس مات معاذ وأبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان وقد ذكرنا خبره ووفاته في كتاب الصحابة والحمد لله على ذلك كثيرا
277

باب الخاء خبيب بن عبد الرحمان رجل من الأنصار مدني ثقة وهو خبيب ابن عبد الرحمان بن خبيب بن يساف بن عتبة بن عمرو بن خديج ابن عامر بن جشام بن الحارث (1) الأنصاري يكنى خبيب شيخ مالك هذا أبا محمد وقيل يكنى أبا الحرث لمالك عنه من مسندات الموطأ حديثان متصلان
278

حديث أول لخبيب بن عبد الرحمان متصل صحيح مالك عن خبيب بن عبد الرحمان الأنصاري عن حفص (1254) ابن عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله أمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا ورجل ذكر الله عز وجل خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته ذات حسب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه هكذا في رواية يحيى وأكثر رواة الموطأ في هذا الحديث أمام عادل وقد رواه بعضهم عدل وهو المختار عند أهل اللغة يقال رجل عدل ورجال عدل وامرأة عدل وكذلك رضا سواء قال زهير فهم رضا وهم عدل ويجوز عادل على اسم الفاعل يقال عدل فهو عادل كما يقال ضرب فهو ضارب إلا أن للعادل في اللغة معاني مختلفة منها العدول (1) عن الحق منها الاشراك بالله عز وجل وليس هذان المعنيان من هذا الحديث في شيء ومن الشاهد على أنه يقال لفاعل العدل عادل قول الشاعر
279

* ومن كان في إخوانه غير عادل
* فما أحد في العدل منه بطامع
* حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد وأحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطية قالا حدثنا إسحاق بن إبراهيم ابن جابر القطان قال حدثنا سعيد (1255) بن أبي مريم قال أخبرنا مالك عن خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد أو عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وذكر الحديث وروى هذا الحديث عن مالك كل من نقل الموطأ عنه فيما علمت على الشك في أبي هريرة وأبي سعيد إلا مصعبا الزبيري وأبا قرة موسى بن طارق فإنهما قالا فيه عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا خلف بن قاسم وعلي بن إبراهيم قالا حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا المفضل بن محمد حدثنا علي بن زياد حدثنا موسى ابن طارق قال ذكر مالك عن خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل فذكر الحديث سواء كلفظ يحيى وحدثنا محمد قال حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا إبراهيم الحربي حدثنا مصعب حدثنا مالك عن خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
280

سبعة يظلهم الله في ظله ثم ذكره وكذلك رواه أبو معاذ البلخي عن مالك ورواه الوقار عن ثلاثة من أصحاب مالك عن مالك عن خبيب عن حفص عن أبي سعيد الخدري وحده لم يذكر أبا هريرة على الجمع ولا على الشك أخبرنا علي بن إبراهيم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو محمد سعيد بن أحمد بن زكرياء كاتب العمري زكرياء بن يحيى الوقار حدثنا عبد الله بن وهب وعبد الرحمان بن القاسم ويوسف ابن عمر بن يزيد كلهم يقول حدثني مالك بن أنس عن خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم بن عمر قال سمعت ابا سعيد الخدري يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله أمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله وساق الحديث إلى آخره عن أبي سعيد وحده ولم يتابع الوقار على ذلك عنهم وإنا هو في الموطأ عنهم على الشك في أبي هريرة أو أبي سعيد والحديث محفوظ لأبي هريرة بلا شك من رواية خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة ومن غير هذا الاسناد أيضا والذي رواه عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة (1) من غير شك عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ابن عمر بن الخطاب وهو أحد أئمة أهل الحديث الاثبات في الحفظ والنقل رواه عن عبيد الله جماعة منهم حماد بن زيد وابن المبارك ويحيى القطان وأنس بن عياض كلهم رواه عنه كما وصفت لك حدثنا خلف بن القاسم وأحمد بن فتح وعبد الرحمان بن يحيى قالوا حدثنا حمزة بن محمد الكناني بمصر قال حدثنا العباس بن حماد
281

ابن فضالة البصري بالبصرة وعلى (1256) بن سعيد الرازي قالا حدثنا محمد بن عبيد بن خباب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثني خالي خبيب بن عبد الرحمان عن جدي حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله أمام مقتصد وشاب نشأ في عبادة الله حتى توفي على ذلك وذكر الحديث وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر قال حدثني خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله الإمام
العادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا على ذلك ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة وأخفاها حتى لم تعلم شماله ما أنفقت يمينه قال أبو عمر هذا أحسن حديث يرى في فضائل الاعمال وأعمها وأصحها أن شاء الله وحسبك به فضلا لأن العلم محيط بأن كل من كان في ظل الله يوم القيامة لم ينله هول الموقف والظل في هذا الحديث يراد به
282

الرحمة والله أعلم ومن رحمة الله الجنة قال الله عز وجل * (أكلها دائم وظلها) * وقال * (وظل ممدود) * وقال في * (ظلال وعيون) * وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث المقداد (1257) بن الأسود أنه قال تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم على قدر ميل أو كمقدار ميل قال فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون فيه إلى كعبية ومنهم من يكون فيه إلى ركبتيه (1) ومنهم من يكون فيه إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق الجاما وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه ورواه يحيى وحمزة وبقية بن الوليد عن عبد الرحمان بن زيد بن جابر قال حدثني سليم (ب) (1258) بن عامر الخبايري قال حدثنا المقداد بن الأسود هذا لفظ حديث يحيى بن حمزة وفيه قال سليم بن عامر والله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي يكتحل به قال أبو عمر من كان في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله نجا من هول ذلك الموقف إن شاء الله والله أعلم جعلنا منهم برحمته آمين
283

ويدخل تحت قوله عليه السلام أمام عادل بالمعنى دون اللفظ كل من لزمه الحكم بين اثنين ويوضح لك ذلك حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته الحديث وحديث عبد الله بن عمرو بن العاصي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمان وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في أهليهم وما ملكت أيمانهم وما ولوا وروى أبو مدلة (1259) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإمام العادل لا ترد دعوته وقال علي بن أبي طالب رحمه الله على المنبر في يوم الجمعة أيها الرعاء أن لرعيتكم حقوقا الحكم بالعدل والقسم بالسوية وما من حسنة أحب إلى الله من حكم إمام عادل وفي فضل الإمام العادل وفضل الشاب الناسك وفضل المشي إلى المسجد والصلاة فيه وانتظار الصلاة بعد الصلاة وفي المتحابين في الله وفي البغض في الله والحب في الله وفي العين الباكية من خوف الله مع قول الله ولمن خاف مقام ربه جنتان وفي العفة فضلها وفي ذم الزنا وأنه من الكبائر وما انضاف إلى هذا المعنى من قصة ذي الكفل وفي فضل الصدقة في السر مع قول الله عز وجل * (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم) * وفي تضعيف الله الصدقة المقبولة من الكسب الطيب إلى سائر ما ينتظم بهذه المعاني آثار كثيرة جدا تحتمل أن يفرد لها كتاب فضلا عن أن ترسل في باب ومن طلب العلم لله فالقليل يكفيه إن شاء الله وبالله التوفيق
284

حديث ثان لخبيب بن عبد الرحمان متصل صحيح مالك عن خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي هكذا روى هذا الحديث عن مالك رحمه الله رواه الموطأ كلهم فيما علمت على الشك في أبي هريرة وأبي سعيد على نحو الحديث الذي قبله إلا معن بن عيسى وروح ابن عبادة وعبد الرحمان بن مهدي فإنهم قالوا فيه عن أبي هريرة وأبي سعيد جميعا على الجمع لا على الشك حدثنا عبد الرحمان بن يحيى حدثنا الحسن (1260) ابن الخضر حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا محمد بن أبي (1261) الحارث أخبرنا معن حدثنا مالك عن خبيب بن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة وأبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري (1) على حوضي
285

وحدثناه أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث (1262) بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا مالك بن أنس عن خبيب بن عبد الرحمان ان حفص بن عاص أخبره عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجن ومنبري على حوضي رواه عبد الرحمان بن مهدي عن مالك بإسناده فجعله عن أبي هريرة وحده ولم يذكر معه أبا سعيد حدثناه عبد الرحمان بن يحيى حدثنا الحسن بن الخضر حدثنا أحمد ابن شعيب حدثنا إسحاق (1263) ابن منصور وحدثنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا علي (1264) بن عبد الله بن مبشر حدثنا أحمد (1265) بن سنان قالا حدثنا عبد الرحمان بن مهدي حدثنا مالك عن خبيب عن عبد الرحمان عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة والحديث محفوظ لأبي هريرة بهذا
286

الإسناد كذلك رواه عبيد الله ابن عمر عن خبيب بهذا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى يعني القطان عن عبيد الله ابن عمر عن خبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي قال أبو عمر في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم ما بين بيتي ومنبري وروى ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة فقال قوم معناه ان البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل روضة في الجنة وقال آخرون هذا على المجاز قال أبو عمر كأنهم يعنون أنه لما كان جلوسه وجلوس الناس أليه يتعلمون القرآن والإيمان والدين هناك شبه ذلك الموضع بالروضة لكرم ما يجتني فيها وأضافها إلى الجنة لأنها تقود إلى الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم الجنة تحت ظلال السيوف يعني أنه عمل يوصل به إلى الجنة وكما يقال الأم باب من أبواب الجنة يريدون أن برها يوصل المسلم إلى الجنة مع أداء فرائضه وهذا جائز سائغ مستعمل في لسان العرب والله أعلم بما أراد من ذلك وقد استدل أصحابنا على أن المدينة أفضل من مكة بهذا الحديث وركبوا عليه قوله صلى الله عليه وسلم موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها وهذا لا دليل فيه على شيء مما ذهبوا إليه لأن قوله هذا إنما أراد به ذم الدنيا والزهد فيها والترغيب في الآخرة فأخبر إن اليسير من الجنة خير من الدنيا كلها وأراد بذكر
السوط والله أعلم التقليل لا أنه أراد موضع السوط بعينه بل موضع نصف سوط وربع سوط من الجنة الباقية خير من الدنيا الفانية وهذا
287

مثل قول الله عز وجل * (من إن تأمنه بقنطار) * لم يرد القنطار بعينه وإنما أراد الكثير * (ومنهم من إن تأمنه بدينار) * لم يرد به الدينار بعينه وإنما أراد القليل أي أن منهم من يؤتمن على بيت مال فلا يخون ومنهم من يؤتمن على فلس أو نحوه فيخون على أن قوله صلى الله عليه وسلم روضة من رياض الجنة محتمل ما قال العلماء فيه مما قد ذكرناه فلا حجة لهم في شيء مما ذهبوا إليه والمواضع كلها والبقاع أرض الله فلا يجوز أن يفضل منها شيء على شيء إلا بخبر يجب التسليم له وإني لأعجب ممن يترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وقف بمكة على الحزورة وقيل على الحجون وقال والله إني أعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت وهذا حديث صحيح رواه أبو سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة وعن عبد الله (1266) بن عدي بن الحمراء جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يترك مثل هذا النص الثابت ويمال إلى تأويل لا يجامع متأوله عليه أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمان ان عبد الله بن عدي بن الحمراء الزهري أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة والله انك لخير أرض الله وأحب ارض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت وتابع شعيبا على مثل هذا الإسناد سواء صالح بن كيسان ويونس بن يزيد
288

وعقيل (1267) بن خالد وعبد الرحمان (1268) بن خالد بن مسافر كلهم عن ابن شهاب بإسناده مثله ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقد روى مالك ما يدل على أن مكة أفضل الأرض كلها ولكن المشهور عن أصحابه في مذهبه تفضيل المدينة حدثنا عبد الرحمان بن يحيى حدثنا محمد حدثنا أحمد بن داود حدثنا سحنون حدثنا عبد الله بن وهب قال حدثني مالك بن أنس أن آدم لما أهبط إلى الأرض بالهند أو السند قال يا رب هذه أحب الأرض إليك أن تعبد فيها قال بل مكة فسار آدم حتى أتى مكة فوجد عندها ملائكة يطوفون بالبيت ويعبدون الله فقالوا مرحبا مرحبا بأبي البشر إنا ننتظرك ها هنا منذ ألفي سنة حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا قتيبة حدثنا الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته الحزورة يقول والله إنك لخير أرض وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت وكان مالك رضي الله عنه يقول من فضل المدينة على مكة إني لا أعلم بقعة فيها قبر نبي معروف غيرها وهذا والله أعلم وجهه عندي من قول مالك فإنه يريد ما لا يشك فيه وما يقطع العذر خبره وإلا فإن الناس يزعم منهم الكثير أن قبر إبراهيم صلى الله عليه وسلم ببيت
289

المقدس وإن قبر موسى صلى الله عليه وسلم هناك أيضا حدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا محمد بن إسحاق السجسي قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة في حديث ذكره قال فسأل موسى ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر يعني عند وفاته قال أبو هريرة لو كنت ثم لأريتكم قبره (1) تحت الطريق إلى جانب الكثيب الأحمر وذكره البخاري بهذا الاسناد مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال أبو عمر إنما يحتج بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبفضائل المدينة بما جاء فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه على من أنكر فضلها وكرامتها وأما من أقر بفضلها وعرف لها موضعها وأقر أنه ليس على وجه الأرض أفضل بعد مكة منها فقد أنزلها منزلتها وعرف لها حقها واستعمل القول بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وفيها لأن فضائل البلدان لا تدرك بالقياس والاستنباط وإنما سبيلها التوقيف فكل يقول بما بلغه وصح عنده غير حرج والآثار في فضل مكة عن السلف أكثر وفيها بيت الله الذي رضى من عباده على الحط لأوزارهم بقصده مرة في العمر وقد زدنا هذا المعنى بيانا في باب زيد بن رباح وذكرنا هنالك اختلاف العلماء في ذلك وبالله التوفيق وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ومنبري على حوضي فزعم بعض أهل العلم من أهل الكلام في معاني الآثار أنه أراد والله أعلم أن له منبرا يوم القيامة على حوضه صلى الله عليه وسلم كأنه قال ولي أيضا منبر على حوضي ادعو الناس اليه
290

لا أن منبره ذلك على حوضه وقال آخرون يحتمل أن يكون الله تبارك وتعالى يعيد ذلك المنبر ويرفعه بعينه فيكون يومئذ على حوضه وبالله التوفيق قال أبو عمر الأحاديث في حوضه صلى الله عليه وسلم متواترة صحيحة ثابتة كثيرة والإيمان بالحوض عند جماعة علماء المسلمين واجب والاقرار به عندالجماعة لازم وقد نفاه أهل البدع من الخوارج والمعتزلة وأهل الحق على التصديق بما جاءعنه في ذلك صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا عبد الملك بن بحر قال حدثنا موسى بن هارون قال العباس بن الوليد قال قال سفيان بن عيينة الايمان قول وعمل ونية والايمان يزيد وينقص والايمان بالحوض والشفاعة والدجال قال أبو عمر على هذاجماعة المسلمين إلا من ذكرنا فإنهم لا يصدقون بالشفاعة ولا بالحوض ولا بالدجال والآثار في الحوض أكثر من أن تحصى وأصح ما ينقل ويروى ونحن نذكر في هذا الباب ما حضرنا ذكره منها لأنها مسألة مأخوذة من جهة الأثر لا ينكرها من يرضى قوله ويحمد مذهبه وبالله التوفيق حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن حصين عن أبي وائل عن حذيفة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ليردن على الحوض أقوام إذاعرفتهم اختلجوا دوني فأقول رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
291

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحرث بن أبي أسامة حدثنا أبو النضر حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض ولأنازعن رجالا من أصحابي ولأغلبن عليهم ثم ليقالن لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن عثمان ابن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا محمد (1269) بن جعفر قال حدثنا شعبة عن المغيرة قال سمعت أبا وائل يحدث عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا فرطكم على الحوض وليدفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني
فأقول يا رب أصحابي فيقال أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك قال البخاري تابعه عاصم عن أبي وائل وقال حصين عن أبي وائل عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الأعمش عن أبي وائل شقيق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض لم يزد حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسن بن سلام السويقي قال حدثنا هوذة (1270) بن خليفة قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمان بن أبي
292

بكرة عن أبي بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليردن على الحوض رجال ممن صحبني ورآني فإذا رفعوا إلى اختلجوا دوني فلأقولن يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك أخبرنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا يحيى ابن أبي بكير حدثنا إسماعيل بن عياش قال حدثنا محمد (1271) ابن مهاجر عن العباس (1272) بن سالم اللخمي قال بعث عمر ابن عبد العزيز إلى أبي سلام فحمل على البريد فلما قدم عليه قال أبو سلام لقد شق على محمد بن علي البريد ولقد أشفقت على رحلي قال ما أردنا المشقة عليك يا أبا سلام ولكن بلغني عنك حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوض فأحببت أن أشافهك به قال سمعت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن حوضي ما بين عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأكاويبه عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين فقال عمر بن الخطاب من هم يا رسول الله قال هم الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا يفتح لهم أبواب السدد فقال عمر ابن عبد العزيز والله لقد نكحت المتنعمات فاطمة بنت عبد الملك وفتحت لي أبواب السدد إلا أن يرحمني الله لا جرم لا ادهن
293

رأسي حتى تشعث ولا أغسل ثوبي الذي يلي جلدي حتى يتسخ حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله ابن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا أبو مسهر قال حدثنا صدقة (1273) بن خالد قال حدثنا زيد ابن واقد (1274) قال حدثني أبو سلام عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إن حوضي كما بين عدن إلى عمان أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب رائحة من المسك أكاويبه كنجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا وأكثر الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين قال قلنا يا رسول الله ومن فقراء المهاجرين قال الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون كل الذي لهم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا سعيد وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معد أن بن أبي طلحة اليعمري عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إني بعقر الحوض يوم القيامة أذود الناس عنه لأهل اليمن أضربهم بعصاي حتى ترفض عليهم قال فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عرضه فقال من مقامي هذا إلى عمان وسئل عن بياضه فقال أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل يصب فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما ذهب والاخر ورق
294

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار بندار قال حدثنا يحيى بن حماد (1275) قال حدثنا شعبة وأبو عوانة عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني لعقر بعقر الحوض أذود عنه لأهل اليمن بعصاي فذكر مثله سواء إلى آخره وزاد فيه همام عن قتادة بإسناده هذا فذكر آنيته مثل عدد نجوم السماء من شرب منه شربة لم يظمأ أبدا وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سالم ابن أبي الجعد عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تردون على الحوض فتجدوني أذود لأهل اليمن بعصاي حتى أرفض عنهم قالوا يا رسول الله ما عرضه فقال من مقامي هذا إلى عمان قالوا فما شرابه قال أبرد من الثلج وأحلى من العسل وأشد بياضا من اللبن يصب فيه ميزابان من الجنة ميزاب من ذهب وميزاب من فضة ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا فادعوا الله أن يجعلكم من وارديه قال أحمد بن زهير كذا يقول الأعمش في أحاديث سالم عن ثوبان وقتادة يدخل بين سالم وثوبان معدان بن أبي طلحة حدثنا سعيد (1276) بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال
295

حدثنا عبد الله (1277) بن روح المدائني المعروف بعبدوس قال حدثنا سلام بن سليمان (1278) الثقفي المدائني قال حدثنا سويد (1279) بن عبد العزيز عن ثابت (1280) بن عجلان قال سمعت فلانا يحدث عمر بن عبد العزيز فقال له عمر حدثني بحديث ثوبان قال نعم سمعت ثوبان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حوضي ما بين عدن إلى أيلة فيه من الانية بعدد نجوم السماء أحلى من العسل وأطيب ريحا من المسك وأبيض من اللبن من شرب منه شربة لم يظمأ بعد أبدا وأول ما يرد عليه الشعث رؤوسا الدنس ثيابا الذين لا تفتح لهم السدد حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسن بن علي الأشناني قال حدثنا إسحاق ابن إبراهيم (1281) بن زبريق قال حدثني عمرو بن الحرث قال حدثنا عبد الله بن سالم الأشعري
296

قال حدثنا الزبيدي (1282) قال أخبرني محمد بن مسلم الزهري عن محمد بن علي حسين عن عبيد الله بن أبي رافع قال كان أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يرد على يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى أما قوله فيلحؤون عن الحوض أي يحبسون عنه ويمنعون منه تقول العرب حلأت الإبل أي حبستها عن وردها قال الشاعر
* وقبل ذاك مرة حلأتها
* تكلؤني كمثل ما كلأتها
* وبإسناده عن الزبيدي قال حدثنا لقمان (1283) بن عامر عن سويد بن جبلة عن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتزدحمن هذه الأمة على الحوض إزدحام إبل وردت لشربها قال أبو عمر اختلف أصحاب ابن شهاب عنه في هذا الحديث فرواه الزبيدي واسمه محمد بن الوليد عن ابن شهاب عن محمد بن علي
عن ابن
297

رافع عن أبي هريرة ورواه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال كان أبو هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث الزبيدي سواء ومعناه ورواه عقيل عن ابن شهاب أن سعيد بن المسيب كان يحدث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يرد على الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يرد على الحوض يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلؤون عن الحوض مثل حديث الزبيدي هكذا حدث به عن يونس أحمد بن سعيد الحبطي عن أبيه عن يونس ورواه أحمد بن صالح عن ابن وهب عن يونس عن أبن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه كان يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يرد على الحوض رجال من أصحابي مثله بمعناه وروى سعيد ابن عفير عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال حدثني أنس ابن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء وإن فيه من الأباريق عدد نجوم السماء وذكره البخاري عن سعيد بن عفير وحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج قال حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني ابن مسافر عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن قدر حوضي ما بين أيلة إلى صنعاء وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا مسلمة بن
298

قاسم (1284) حدثنا جعفر بن محمد حدثنا يونس (1285) بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا عمرو (1286) بن ثابت حدثنا عبد الله (1287) بن محمد بن عقيل عن حمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع والذي نفسي بيده أن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة وإني فرطكم على الحوض أيها الناس إلا وسيجئ أقوام يوم القيامة فيقول القائل منهم يا رسول الله إنا فلان بن فلان فأقول أما النسب فقد عرفت ولكنكم ارتددتم ورجعتم على أعقابكم القهقرى ورواه شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب وحمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يزعمون أن قرابتي ورحمي لا تنفع والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة ثم قال أيها الناس أنا فرطكم على الحوض يوم القيامة وليرفعن لي قوم ممن صحبني وليمرن بهم ذات اليسار فينادي الرجل يا محمد أنا فلان بن فلان ويقول آخر يا محمد أنا
299

فلان ابن فلان فأقول أما النسب فقد عرفته ولكنكم أحدثتم بعدي وارتددتم على أعقابكم القهقرى قيل لشريك يا أبا عبد الله علام حملتم هذا الحديث قال علي أهل الردة رواه أبو قتيبة وعبد الرحمان (1288) بن شريك وذكره الطبري فقال حدثنا الحسن بن شبيب المكتب قال حدثنا شريك قال أنبأنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال الحسن بن شبيب قال أخي لشريك يا أبا عبد الله علام حملتم هذا الحديث قال علي أهل الردة يا أبا شيبة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير ومحمد بن إسماعيل بن سالم أبو جعفر الصايغ بمكة في المسجد الحرام واللفظ له قالا حدثنا مالك بن إسماعيل (1289) النهدي أبو غسان قال حدثنا يعقوب (1290) ابن عبد الله القمي الأشعري عن حفص (1291) بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني ممسك بحجزكم هلم عن
300

النار وتغلبونني تقاحمون فيه تقاحم الفراش والجنادب وأوشك أن أرسل حجزكم وأفرط لكم على الحوض وتردون علي معا أشتاتا فأعرفكم بأسمائكم وسيماكم كما يعرف الرجل الغريبة في إبله فيؤخذ بكم ذات الشمال وأناشد فيكم رب العالمين أي رب رهطي أي رب أمتي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك أنهم كانوا يمشون القهقرى قال أحمد بن زهير سمعت يحيى بن معين يقول يعقوب القمي صالح الحديث قال أبو عمر وحفص بن حميد ثقة كوفي وغيرهما في هذا الاسناد أشهر من أن يحتاج إلى ذكرهم حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا وهب بن مسرة وأخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قالا حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا خالد ابن مخلد (1292) عن محمد (1293) بن جعفر قال حدثني أبو حازم قال سمعت سهل بن سعد يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا فرطكم على الحوض من ورد علي شرب ومن شرب لم يظمأ بعدها أبدا إلا ليردن على أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم أخبرنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال
301

حدثنا يحيى قال أخبرنا شعبة قال أخبرنا معبد (1294) بن خالد قال سمعت حارثة (1295) بن وهب الخزاعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين ناحيتي حوضي ما بين المدينة وعمان فقال له المستورد سمعت منه شيئا غيرها فقال نعم آنية كعدد نجوم السماء ومن حديث شعبة أيضا عن عبد الملك (1296) قال سمعت جندبا قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا فرطكم على الحوض ذكره البخاري عن عبدان عن أبيه عن أبي شعبة (1297) وأخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عليس بن مسكين قال حدثنا محمد ابن سنجر قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلي على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم والله إني لأنظر إلى حوضي الان وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني ما أخاف عليكم ان تشركوا بعدي ولكني أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها وذكره البخاري عن
302

عمرو (1298) بن خالد بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة (1299) عن الليث بن سعد فذكر بإسناده مثله سواء حرفا بحرف إلى آخره أخبرنا خلف بن القاسم وعبد الرحمان بن مروان قالا حدثنا الحسن ابن رشيق قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز (1300) قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا يحيى بن صالح الأيلي عن المثنى بن الصباح عن عطاء ابن عباس عن كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعوذوا بالله من إمارة السفهاء قالوا يا رسول الله وما إمارة السفهاء قال سيكون بعدي امرءا فمن دخل عليهم دورهم وصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد على حوضي ومن لم يدخل عليهم دورهم ولم يصدقهم
بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد على حوضي يا كعب لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به يا كعب (1) الناس غاديان فمبتاع نفسه فمنقذها أو بائغ نفسه فموبقها يا كعب الصلاة برهان والصيام جنة والصدقة تطفيء الخطيئة كما يطفئ الماء النار قال أبو عمر المثنى بن الصباح ضعيف الحديث لا حجة في نقله ولكن صدر
303

هذا الحديث قد روي عن كعب بن عجرة من غير طريق المثنى والحمد لله (1) وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثني أبو حصين عن الشعبي عن عاصم العدوي عن كعب بن عجرة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دخل ونحن تسعة وبيننا وسادة من آدم فقال إنه سيكون من بعدي أمراء يكذبون ويظلمون فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس يرد على الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وهو وارد على الحوض وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الرحمان بن محمد البجلي وابن أبي العقب جميعا قالا حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أبو مسهر قال حدثنا يحيى بن حمزة قال حدثني يزيد بن أبي مريم أن أبا عبد الله حدثه عن أم الدرداء قالت قال أبو الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض فلا ألفين ما نوزعت أحدكم فأقول هذا مني فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك قال فقلت يا رسول الله أدع الله أن لا يجعلني منهم قال لست منهم وروى ابن المبارك وغيره عن إسماعيل (1301) بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن الصنابحي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا فرطكم على الحوض وإني مكاثر بكم الأمم
304

فلا تقاتلن ومن حديث سلمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أولكم ورودا على الحوض أولكم إسلاما على ابن أبي طالب ورواه الثوري عن سلمة بن كهيل عن حية العرني عن عليم الكندي عن سلمان (1302) الفارسي قال أول هذه الأمة ورودا على نبيها صلى الله عليه وسلم أولها إسلاما علي بن أبي طالب رواه عبد الرزاق عن الثوري فاختلف عليه فيه فمنهم من رواه عنه عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق (1303) عن عليم عن سلمان ومنهم من رواه كما ذكرنا ورواه يحيى بن هاشم عن الثوري عن سلمة عن أبي صادق عن حنش (1304) عن عليم عن سلمان حدثناه أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحرث بن أبي أسامة حدثنا يحيى بن هشام حدثنا سفيان بن سعيد الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن حنش بن المعتمر عن عليم الكندي عن سلمان الفارسي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولكم واردا على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسن بن علي الأشناني حدثنا أبو
305

جعفر النفيلي قال حدثنا مسكين قال حدثنا شعبة عن هشام (1305) ابن زيد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني فإن موعدكم الحوض وذكر أبو الربيع سليمان بن داود الرشديني ابن أخت (1) رشيدين بن سعد في كتاب الجنائز الكبيرة من موطأ ابن وهب ولم يروه عن ابن وهب غيره فيما علمت قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عبد الله بن عمر ومالك بن أنس والليث بن سعد ويونس بن يزيد وجرير بن حازم عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى على الجنازة يقول اللهم مبارك فيه وأغفر له وصل عليه وأورده حوض رسولك حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله ابن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو النعمان (1306) قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن أمامكم حوضا ما بين ناحيتيه كما بين جربا وأذرح وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أمامكم حوض كما بين جربا واذرح حدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا محمد بن حيون قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا
306

عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن مطر الوارق عن عبد الله بن بريدة عن أبي صبرة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا وإن لي حوضا وإن فيه من الأباريق مثل الكواكب هو أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا روح ابن عبادة قال حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن أبي مرة (1307) الهذلي في حديث طويل ذكره سمع عبد الله بن عمرو ابن العاصي قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن موعدكم حوضي عرضه مثل طوله هو أبعد ما بين أيلة إلى مكة فذاك مسيرة شهر فيه أمثال الكواكب أباريق أشد بياضا من الفضة من ورده فشرب منه لم يظمأ أبدا فقال عبد الله بن زياد ما حدثت عن الحوض أثبت من هذا أنا أشهد أنه حق وحدثنا عبد الله ابن محمد قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا سعيد ابن أبي مريم قال حدثني نافع عن ابن عمر عن أبن أبي مليكة قال قال عبد الله بن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منه فلا يظمأ أبدا قال وحدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثني محمد (1308) بن
307

مطرف قال حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض ومن مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن على أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال أهكذا سمعت من سهل فقلت نعم فقال أشهد على أبي سعيد الخدري سمعته وهو يزيد فيها فيقول أنهم مني فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول فسحقا لمن غير بعدي قال البخاري وحدثنا سعيد بن أبي مريم عن نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة أنه حدثه عن أسماء (1309) ابنة أبي بكر قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم إني على الحوض حتى أنظر من يرد على منكم وسيدخل أناس دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم فكان ابن أبي مليكة يقول اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن في ديننا وحدثنا
سعيد بن سيد وعبد الله بن محمد بن يوسف قالا حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا الحسن (1310) بن عبد الله الزبيدي قال حدثنا أبو عبد الله محمد (1311) بن حميد في
308

الرفاعي قال حدثنا مالك بن أنس عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بروا آباءكم يبركم ابناؤكم وعفوا تعف نساؤكم ومن تنصل الله فلم يقبل لم يرد على الحوض وهذا حديث غريب من حديث مالك ولا أصل له في حديث مالك عندي والله أعلم حدثنا أبو القاسم عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد قال حدثنا أحمد (1312) بن جعفر بن مالك قال حدثنا علي بن الحسين بن سليمان القطيعي قال حدثنا محمد بن يوسف بن أسوار اليماني أبو حمة قال حدثنا أبو قرة موسى بن طارق عن ابن جريح عن أبي الزبير عن جابر سمعه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا فرطكم بين أيديكم فإن لم تجدوني فعلى الحوض ما بين أيلة إلى مكة قال أبو عمر تواتر الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحوض حمل أهل السنة والحق وهم الجماعة على الايمان به وتصديقه وكذلك الأثر في الشفاعة وعذاب القبر والحمد لله رب العالمين آخر السفر الأول من الأصل المنقول منه أيضا وهو بخط الشيخ أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد التجيفي القرطبي المالكي الامام بالجامع الأموي بدمشق
309

باب الدال داود بن الحصين أبو سليمان مولى عبد الله بن عمرو بن عثمان كذا قال مصعب الزبيري وقال ابن إسحاق داود بن الحصين مولى عمرو بن عثمان مدني جائز الحديث وقال يحيى بن معين داود بن الحصين ثقة قال مالك رحمه الله كان لا يخر من السماء أحب اليه من أن يكذب في الحديث قال ذلك فيه وفي ثور بن زيد وكانا جميعا ينسبان إلى القدر وإلى مذهب الخوارج ولم ينسب إلى واحد منهما كذب وقد احتملا في الحديث وروى عنهما الثقات الايمة قال مصعب كان داود بن الحصين يؤدب بني داود بن علي مقدم داود بن علي المدينة وكان فصيحا عالما وكان يتهم برأي الخوارج قال ومات عكرمة عند داود بن الحصين كان مختفيا عنده وكان عكرمة يتهم برأي الخوارج وتوفي داود بن الحصين بالمدينة سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة لمالك عن داود من مرفوع حديث الموطأ أربعة أحاديث منها ثلاثة متصلة وواحد مرسل
310

حديث أول لداود بن الحصين مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان (1313) مولى ابن أبي احمد أنه قال سمعت أبا هريرة يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم في ركعتين فقام ذو اليدين فقال أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك لم يكن فقال قد كان بعض ذلك يا رسول الله فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال أصدق ذو اليدين فقالوا نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتم ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين بعد التسليم وهو جالس هكذا في كتاب يحيى عن مالك في هذا الحديث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل لنا وقال ابن القاسم وغيره في هذا الحديث بهذ الإسناد عن أبي هريرة صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر قرأت على عبد الرحمان بن يحيى أن الحسن بن الخضر حدثهم قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد سمعت أبا هريرة يقول صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر وذكر الحديث وكذلك رواه أكثر الرواة للموطأ ومنهم من
311

يقول صلى بنا وقد تقدم القول في معنى حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين بما فيه كفاية في باب أيوب من كتابنا هذا فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا وأما قوله في هذا الحديث كل ذلك لم يكن يعني أن القصر والسهو لم يجتمعا لأنه عليه السلام قد كان متيقنا إن الصلاة لم تقصر وإنما الذي شك فيه السهو لا غير ويدل على ذلك قولهم له قد كان بعض ذلك يا رسول الله ويجوز أن يكون قوله كل ذلك لم يكن في علمي أي لم أسه في علمي ولا قصرت الصلاة ولا يجوز أن يقال قصرت الصلاة في علمي لأنه كان يعلم أن الصلاة لم تقصر
312

حديث ثان لداود بن الحصين متصل صحيح مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحالقة والمزابنة اشتراء التمر بالتمر في رؤوس لنخل والمحاقلة كراء الأرض بالحنطة قد جاء في هذا الحديث مع جودة إسناده تفسير المزابنة والمحاقلة وأقل أحواله أن لم يكن التفسير مرفوعا فهو من قول أبي سعيد الخدري وقد أجمعوا أن من روى شيئا وعلم مخرجه سلم له في تأويله لأنه أعلم به وقد جاء عن عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله في تفسير المزابنة نحو ذلك ورى ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة قال عبد الله بن عمر والمزابنة أن يبيع الرجل ثمر حائطه بتمر كيلا إن كانت نخلا أو زبيبا إن كانت كرما أو حنطة إن كانت زرعا قال أبو عمر (1) هذا أبين شيء وأوضحه في ذلك وروى حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار ان ابن عمر سئل عن رجل باع ثمر أرضه من رجل بمائة فرق يكيل له منها فقال ابن عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا وهو المزابنة وروى ابن عيينة عن ابن جريح عن عطاء عن جابر بن عبد الله (ب) قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة وعن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وألا يباع إلا بالدناينر والدراهم إلا العرايا قال سفيان
313

المخابرة كراء الأرض بالحنطة والمزابنة بيع ما في رؤوس النخل بالتمر والمحالقة بيع السنبل من الزرع بالحب المصفى كان هذا الحديث سقط من نسختي هذه ومن الأصل فبقي الكلام غير تام فألحقته من كتاب الاستذكار لأبي عمر رحمه الله وبه يتصل قوله (1) فهؤلاء ثلاثة من الصحابة قد فسروا المزابنة بما تراه ولا مخالف لهم علمته بل قد أجمع العلماء على أن ذلك مزابنة وكذلك أجمعوا على أن كل ما لا يجوز إلامثلا بمثل أنه لا يجوز منه كيل بجزاف ولا جزاف بجزاف لأن في ذلك جهل المساواة ولا يؤمن مع ذلك التفضال ولم يختلفوا أن بيع الكرم بالزبيب والرطب بالتمر المعلق في رؤوس النخل والزرع بالحنطة مزابنة إلا أن بعضهم قد سمى بيع الحنطة بالزرع محاقلة أيضا وسنذكر مذاهبهم في المحاقلة ومعانيهم فيها بعد الفراغ من القول في معنى المزابنة عندهم في هذا الباب إن شاء الله أما مالك رحمه الله فمذهبه في
المزابنة أنها بيع كل مجهول بمعلوم من صنف ذلك كائنا ما كان سواء كان مما يجوز فيه التفاضل أم لا لأن ذلك يصير إلى باب المخاطرة والقمار وذلك داخل عنده في معنى المزابنة وفسر المزابنة في الموطأ تفسيرا يوقف به على المراد من مذهبه في ذلك وبينه بيانا شافيا يغنى عن القول فيه فقال كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده فلا يجوز ابتياعه بشيء من الكيل أو الوزن أو العدد يعنى من صنفه ثم شرح ذلك بكلام معناه كرجل قال لرجل له تمر في رؤوس شجر أو صبرة من طعام أو غيره من نوى أو عصفر أو بزر كتان أو حب بان أو زيتون أو نحو ذلك أنا آخذ زيتونك بكذا وكذا ربعا أو رطلا من زيت أعصرها فما نقص فعلى وما زاد فلى وكذلك حب البان أو السمسم بكذا وكذا رطلا من البان أو الجلجلان أو كرمك بكذا وكذا
314

من الزبيب كيلا معلوما فما زاد فلى وما نقص فعلي وكذلك صبر العصفر أو الطعام وما أشبه هذا كله قال مالك فليس هذا ببيع ولكنه من المخاطرة والغرر والقمار فيضمن له ما سمى من الكيل أو الوزن أو العدد على أن له ما زاد وعليه ما نقص فهذا غرر ومخاطرة وعند مالك أنه كما لم يجز أن يقول له أنا أضمن لك من كرمك كذا وكذا من الزبيب معلوما أو من زيتونك كذا وكذا من الزيت معلوما ومن صبرتك في القطن أو العصفر أو الطعام كذا وكذا وزنا أو كيلا معلوما فكذلك لا يجوز أن يشترى شيئا من ذلك كله مجهولا بمعلوم من صنفه مما يجوز فيه التفضال ومما لا يجوز وقد نص على أنه لا يجوز بيع الزيتون بالزيت ولا الجلجلان بدهن الجلجلان ولا الزبد بالسمن قال لأن المزابنة تدخله ومن المزابنة عنده بيع اللحم بالحيوان من صنفه ولو قال رجل لآخر أنا أضمن لك من جزورك هذه أو من شاتك هذه كذا وكذا رطلا ما زاد فلى وما نقص فعلى كان ذلك مزابنة فلما لم يجز ذلك لم يجز أن يشتروا الجزور ولا الشاة بلحم لأنهم يصيرون عنده إلى ذلك المعنى وسنذكر ما للعلماء في بيع اللحم بالحيوان في باب زيد بن اسلم إن شاء الله وقال إسماعيل ابن إسحاق لو أن رجلا قال لصاحب البان أعصر حبك هذا فما نقص من مائة رطل فعلى وما زاد فلي فقال له أن هذا لا يصلح فقال أنا أشتري منك هذا الحب بكذا وكذا رطلا من البان لدخل في المزابنة لأنه قد صار إلى معناها إذا كان البان الذي اشترى به حب البان قد قام مقاما لم يكن يجوز له من الضمان الذي ضمنه في عصر البان قال إسماعيل ولو أن صاحب البان اشترى معلوما بمعلوم من البان متفاضلا لجاز عند مالك لأنه اشترى شيئا عرفه بشيء قد عرفه فخرج من باب القمار قال أبو الفرج وكذلك السمسم بدهنه إذا كانا معلومين فإن كان معلوما بمجهول لم يجز وقد اختلف قول مالك في غزل الكتان بثوب الكتان وغزل الصوف بثوب الصوف
315

وتحصيل مذهبه أن ذلك يجوز نقدا إذا كان معلوما بمعلوم وقال أبو الفرج إذا أريد بابتياع شيء من المجهول الانتفاع به لوقته وكان ذلك مما جرت به العادة جاز بيعه كلبن الحليب بالمخيض إذا أريد بالحليب وقته وكالقصيل بالشعير إذا أريد قطع القصيل لوقته وكالتمر بالبلح إذا جد البلح لوقته قال وكذلك لا بأس ببيع كل ما خرج عن أن يكون مضمونا من المجهول كدهن البان المطيب بحبه وكالشعير بالقصيل الذي لا يكون منه شعير واختلف قول مالك في النوى بالتمر فيما ذكر ابن القاسم فمرة كرهه وجعله مزابنة وقال في موضع آخر لا بأس بذلك قال ابن القاسم لأنه ليس بطعام قال أبو الفرج ظن ابن القاسم انه ليس من باب المزابنة فاعتل أنه ليس بطعام والمنع منه أشبه بقوله قال أبو عمر لم يختلف قول مالك أنه لا يجوز شراء السمسم أو الزيتون على أن على البائع عصره قال مالك لأنه إنما اشترى منه ما يخرج من زيته ودهنه وأجاز بيع القمح على أن على البائع طحنه قال ابن القاسم قال لي مالك فيه غرر وأرجو أن يكون خفيفا وقال إسماعيل كأن مالكا كان عنده ما يخرج من القمح معلوما لا يتفاوت إلا قريبا فأخرجه من باب المزابنة وجعله من باب بيع وإجارة كمن ابتاع من رجل ثوبا على أن يخيطه له قال أبو عمر قد أوردنا من أصول مذهب مالك في المزابنة ما يوقف به على المراد والبغية والله أعلم وأما الشافعي فقال جماع المزابنة أن ينظر كل ما عقد بيعه وفي الفضل في بعضه ببعض يدا بيد ربا فلا يجوز منه شيء يعرف بشيء منه جزافا ولا جزافا بجزاف من صنفه وأما أن يقول أضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا فما زاد فلي وما نقص فعلي تمامها فهذا من القمار والمخاطرة وليس من المزابنة
316

قال أبو عمر ما قدمنا عن أبي سعيد الخدري وابن عمر وجابر في تفسير المزابنة يشهد لما قاله الشافعي وهو الذي تدل عليه الآثار المرفوعة في ذلك ويشهد لقول مالك والله أعلم أصل معنى المزابنة في اللغة المخاطرة لأنه لفظ مأخوذ من الزبن وهو المقامرة والدفع والمغالبة وفي معنى القمار والزيادة والنقصان أيضا حتى لقد قال بعض أهل اللغة أن القمر مشتق من القمار لزيادته ونقصانه فالمزابنة والقمار والمخاطرة شيء متداخل حتى يشبه أن يكون أصل اشتقاقهما واحدا والله أعلم تقول العرب حرب زبون أي ذات دفع وقمار ومغالبة وقال أبو الغول الطهوي
* فوارس لا يملون المنايا
* إذا دارت رحى الحرب الزبون
* وقال معمر بن لقيط الايادي
* عبل الذراع أبياذا مزابنة
* في الحرب يختتل الرئال والسقبا
* وقال معاوية
* ومستعجب مما رأى من أناتنا
* ولو زبنته الحرب لم يترمرم
* وروى مالك عن داود بن الحصين انه سمع سعيد بن المسيب يقول كان من ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين فأخبر سعيد بن المسيب إن ذلك ميسر والميسر
القمار فدخل في معنى المزابنة قال أبو عمر (1) من أحسن ما روى في تفسير المزابنة وأرفعه ما ذكرناه ما رواه حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال أبو عمر فهذا جليل من الصحابة قد فسر المزابنة على نحو ما فسرها
317

مالك في موطاه سواء فاما المحاقلة فللعلماء فيها ثلاثة أقوال منهم من قال معناها ما جاء في هذا الحديث من كراء الأرض بالحنطة قالوا وفي معنى كراء الأرض بالحنطة في تأول هذا الحديث كراؤها بجميع أنواع الطعام على اختلاف قالوا فلا يجوز كراء الأرض بشيء من الطعام سواء كان مما يخرج منها ويزرع فيها أو من سائر صنوف الطعام المأكول كله والمشروب نحو العسل والزيت والسمن وكل ما يؤكل ويشرب لأن ذلك عندهم في معنى بيع الطعام بالطعام نساء وكذلك لا يجوز كراء الأرض عندهم بشيء مما يخرج منها وإن لم يكن طعاما مأكولا ولا مشروبا سوى الخشب والقصب والحطب لأنه عندهم في معنى المزابنة وأصله عندهم النهي عن كراء الأرض بالحنطة هذا هو المحفوظ عن مالك وأصحابه وقد ذكر ابن سحنون عن المغيرة بن عبد الرحمان المخزومي المدني انه لا باس بكراء الأرض بطعام لا يخرج منها وروى يحيى بن عمر عن المغيرة أن ذلك لا يجوز كقول سائر أصحاب مالك ومن قال بالجملة التي قدمنا عن مالك وأصحابه ابن القاسم وابن وهب وأشهب ومطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ كلهم يقولون لا تكرى الأرض بشيء مما يخرج منها أكل أو لم يؤكل ولا بشيء مما يؤكل ويشرب خرج منها أو لم يخرج منها وذكر ابن حبيب ان ابن كنانة كان يقول لا تكرى الأرض بشيء إذا أعيد فيها نبت ولا بأس أن تكرى بما سوى ذلك من جميع الأشياء مما يؤكل ومما لا يؤكل خرج منها أو لم يخرج منها قال وكان ابن نافع يقول لا بأس أن تكرى الأرض بكل شيء من طعام وغيره خرج منها أو لم يخرج منها ما عدا الحنطة وأخواتها فإنها محاقلة وأجمع مالك وأصحابه كلهم أن الأرض لا يجوز كراؤها ببعض ما يخرج منها مما يزرع فيها ثلثا كان أو ربعا أو جزافا كان لأنه غرر ومحاقلة وقد نهى عن ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال جماعة من أهل العلم معنى المحاقلة دفع الأرض على الثلث والربع وعلى جزء مما
318

يخرج منها قالوا وهي المخابرة أيضا فلا يجوز لأحد أن يعطى أرضه على جزء مما يخرج منها لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لأنه مجهول ولا يجوز الكراء بشيء معلوم قالوا وكراء الأرض بالذهب والورق وبالعروض كلها الطعام وغيره مما ينبت في الأرض ومما لا ينبت فيها جائز كما يجوز كراء المنازل وإجارة العبيد هذا كله قول الشافعي ومن تابعه وهو قول أبي حنيفة وداود واليه ذهب ابن عبد الحكم وقال آخرون المحاقلة بيع الزرع في سنبله بعد أن يشتد ويستحصد بالحنطة ذكر الشافعي عن ابن عيينة عن ابن جريح قال قلت لعطاء ما المحاقلة قال المحاقلة في الحرث كهينة المزابنة في النخل سواء وهو بيع الزرع بالقمح قال ابن جريج قلت لعطاء فسر لكم جابر المحاقلة كما أخبرتني قال نعم قال أبو عمر وكذلك فسر المحاقلة سعيد بن المسيب في حديثه المرسل في الموطأ إلا أن سعيد بن المسيب جمع في تأويل الحديث الوجهين جميعا فقال والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة واستكراء الأرض بالحنطة وإلى هذا التفسير في المحاقلة أنه بيع الزرع في سنبله بالحنطة دون ما عداه ذهب الليث بن سعد والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو يوسف ومحمد وهو قول ابن عمر وطاوس وبه قال أحمد بن حنبل وكل هؤلاء لا يرون بأسا أن يعطى الرجل ارضه على جزء مما تخرجه نحو الثلث والربع لأن المحاقلة عندهم في معنى المزابنة وأنها في بيع الثمر بالثمر والحنطة بالزرع قالوا ولما اختلف في المحاقلة كان أولى ما قيل في معناها ما تأولناه من بيع الزرع بالحنطة وأحتجوا على صحة ما تأولوه وذهبوا اليه من إجازة كراء الأرض ببعض ما يخرج منها بقصة خيبر وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهلها على شطر ما تخرجه أرضهم
319

وثمارهم وقد قال أحمد بن حنبل حديث رافع بن خديح في النهي عن كراء المزارع مضطرب الالفاظ ولا يصح والقول بقصة خيبر أولى واحتج بعض من لم يجز كراء الأرض ببعض ما يخرج منها إن قصة خيبر منسوخة بنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة لأن لفظ المخابرة مأخوذ من خيبر وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عامل أهل خيبر على ما ذكرنا قيل خابر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر أي عاملهم في ارض خيبر وقال الشافعي في قول ابن عمر كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها أي كنا نكرى الأرض ببعض ما يخرج منها قال وفي ذلك نسخ لسنة خيبر قال وابن عمر روى قصة خيبر وعمل بها حتى بلغه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عنها قال أبو عمر أما المحاقلة فمأخوذة عند أهل اللغة من الحقل وهي الأرض البيضاء المزروعة تقول له العرب البراح والحقل يقال حاقل فلان فلانا إذا زارعه كما خاضره إذا باعه شيئا أخضر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخاضرة ونهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وكذلك يقال حاقل فلان فلانا إذا بايعه زرعا بحنطة وحاقله أيضا إذا أكرى منه الأرض ببعض ما يخرج منها كما يقال زارعه إذاعامله في زرع وهذا يكون من اثنين في أمرين مختلفين مثل بيع الزرع بالحنطة واكتراء الأرض بالحنطة لأنك لا تستطيع ان تشتق من الاسمين جميعا اسما واحدا للمفاعلة وإن اشتققت من أحدهما للمفاعلة لم تستدل على الاخر فلم يكن بد من الاثنين هذا قول ابن قتيبة وغيره وأما المخابرة فقال قوم اشتقاقها من خيبر على ما قدمنا ذكره وقال آخرون هي مشتقة من
320

الخبر والخبر حرث الأرض وحملها وزعم من تأول في المخابرة هذا التأويل أن لفظ المخابرة كان قبل خيبر ولا دليل على ما ادعى من ذلك والله أعلم حدثنا محمد بن محمد بن نظير وخلف بن أحمد وعبد الرحمان بن يحيى قالوا حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا نصر بن (1) مروان قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة والمعاومة وهي بيع السنين قال والمخابرة أن يدفع الرجل أرضه بالثلث والربع قال أبو عمر المخابرة عند جمهور أهل العلم على ما في هذا الحديث من كراء الأرض بجزء مما تخرجه وهي المزارعة عند جميعهم فكل حديث يأتي فيه النهي عن المزارعة أو ذكر المخابرة فالمراد به دفع الأرض على الثلث والربع والله أعلم فقف على ذلك وأعرفه وسيأتي القول مستوعبا في كراء الأرض بما للعلماء في ذلك من أقاويل وما رووا في ذلك من الآثار ممهدة في باب ربيعة من كتابنا هذا إن شاء الله والبيع في المزابنة إذا وقع كتمر بيع برطب
وزبيب بيع بعنب وكذلك المحاقلة كزرع بيع بحنطة صبرة أو كيلا معلوما أو تمر بيع في رؤوس النخل جزافا بكيل من التمر معلوما فهذا كله إذا وقع فسخ إن أدرك قبل القبض أو بعده فإن قبض وفات رجع صاحب التمر بمكيلة تمره وجنسه على صاحب الرطب ورجع صاحب الرطب على صاحب التمر بقيمة رطبه يوم قبضه بالغا ما بلغ وكذلك يرجع صاحب النخل وصاحب الزرع بقيمة تمره وقيمة زرعه على صاحب المكيلة يوم قبضه ذلك بالغا ما بلغ ويرجع صاحب المكيلة بمكيلته في مثل صفة ما قبض منه
321

قال أبو عمر كل من ذكرنا في هذا الباب من العلماء على اختلاف مذاهبهم من كره المزارعة منهم ومن أجازها كلهم متفقون على جواز المساقاة في النخل والعنب إلا أبا حنيفة وزفر فإنهما كرهاها وزعما أن ذلك منسوخ بالنهي عن المخابرة وخالف أبا حنيفة أصحابه وغيرهم إلا زفر وسيأتي ذكر المساقاة في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب إن شاء الله
322

حديث ثالث لداود بن الحصين متصل صحيح مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق يشك داود قال خمسة أو دون خمسة هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت ورواه عثمان بن عمر عن مالك عن داود عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخطأ فيه والصواب ما في الموطأ وأبو سفيان هذا مدني اسمه قزمان ثقة حجة فيما روى وهو مولى عبد الله بن أبي أحمد بن جحش الأسدي واسم أبي أحمد بن جحش عبيد ابن جحش وهو أخو زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكرناه وأخوته في كتابنا في الصحابة قال مصعب الزبيري في أبي سفيان مولى ابن أبي احمد هذا قالوا هو مولى لبني عبد الأشهل وكان له انقطاع إلى عبد الله ابن أبي أحمد بن جحش فنسب اليه روى عن أبي هريرة وأبي سعيد وكان مكاتبا وكان يصلي لبني عبد الأشهل في رمضان وفيهم قوم قد شهدوا بدرا والعقبة يصلون خلفه وأما أبو سفيان (1) الذي يروى عن جابر فاسمه طلحة بن نافع ليس له ذكر في الموطأ وأما العرايا فواحدها عرية والجمع عرايا ومعناها عطية ثمر النخل دون الرقاب كانت العرب إذا دهمتهم سنة تطوع أهل النخل منهم على من لا نخل له فيعطونه من ثمر نخلهم فمنهم
323

المكثر ومنهم المقل ولهم عطايا منافع لا يملك بشيء منها رقبة الشيء الموقوف منها الافقار والاخبال والاعراء ومنها المنحة كانوا إذا اعطى أحد منهم صاحبه ناقة أو شاة من غنمه يشرب لبنها مرة قبل منحه فإن أعطاه دابه يرتفق بظهرها ويكرى ذلك وينتفع به قيل أخبله فإن أعطاه شيئا من الإبل يركبه مرة قيل افقره ظهر جمله أو ناقته أو دابته فالعرايا في ثمر النخل وتكون عند جماعة من العلماء في النخل والعنب وغيرهما من الثمار والمنحة في البان النوق والغنم والاخبال في الدواب والافقار في النوق والإبل والاطراق أن يغطيه فحل غنمه أو إبله لحمله على نعاجه أونوقه والاسكان ان يسكنه بيتا له مدة لا يملك بشيء من هذا كله رقبة ما يعطى ومن هذا الباب عند أصحابنا العمرى وخالفهم في ذلك غيرهم وقد ذكرنا ذلك في موضعه من كتابنا هذا وقال الخليل بن أحمد رحمه الله العرية من النخل التي تعزل عن المساومة عند بيع النخل والفعل الاعراء وهو ان يجعل ثمرة عامها لمحتاج وقال غيره إنما قيل لها عرية لأنها تعرى من ثمرها قبل غيرها من سائر الحوائط وقال ابن قتيبة العرية مأخوذة من العارية وهي عارية مضمنة بهبة فالأصل معار والثمرة هبة فهذا معنى لفظ العرية في اللغة وذلك أن الرجل منهم كان يعطى جاره أو المسكين من كان نخله من حائطه أو نخلات يجنى ثمرها فيقول أعريت نخلتي أو نخلي فلانا وكانوا يمتدحون بذلك قال بعض شعراء الأنصار
* فليست بسنهاء ولا رجيبة
* ولكن عرايا في السنين الجوائح
* ويروى في السنين الواحل وسنهاء من النخل التي تحمل سنة وتحول سنة فلا تحمل وذلك عيب في النخل فوصف نخله أنها
324

ليست كذلك ولكنها تحمل كل عام والرجبية هي التي تميل لضعفها فتدعم من تحتها كذا قال ابن قتيبة في كتاب الفقه له ثم وصف انه يعريها في السنين الجوائح أي يطعم ثمرتها أهل الحاجة في سني الجدب والمجاعة وقد كان الرجل منهم يعطى ذلك أيضا لأهله ولعياله يأكلون ثمرتها فتدعى أيضا عرية فهذا كله أقاويل أهل اللغة في العرية وأما معنى العريا في الشريعة ففيه اختلاف بين أهل العلم على ما أصفه لك بعون الله فمن ذلك ان ابن وهب روى عن عمرو بن الحرث بن عبد ربه بن سعيد الأنصاري أنه قال العرية الرجل يعرى الرجل النخلة أو الرجل يسمى من ماله النخلة والنخلتين ليأكلها فيبيعها بتمر وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هناد عن عبدة عن ابن إسحاق قال العرايا ان يهب الرجل للرجل النخلات فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها وهذا من أحسن ما فسر به معنى العرايا فذهب قوم إلى هذا وجعلوا الرخصة في بيع العريا بخرصها وقفا على الرفق بالمعرى يبيعها ممن شاء المعرى وغيره في ذلك عندهم سواء ومن حجة من ذهب هذا المذهب ما رواه حماد بن سلمة عن أيوب وعبد الله بن عمر جميعا عن نافع عن ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى البائع والمشتري عن المزابنة قال أبو عمر وقال زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا النخلة والنخلتين يوهبان للرجل فيبيعها بخرصها تمرا قالوا فقد أطلق في هذا الحديث بيعها بخرصها تمرا ولم يقل من المعرى ولا من غيره فدل على أن الرخصة في ذلك قصد بها المعرى المسكين لحاجته قالوا وهو الصحيح في النظر لأن المعرى قد ملك ما وهب له فجائز له أن يبيعه من المعرى ومن غيره إذ أرخصت له
325

السنة في ذلك وخصته من معنى المزابنة في المقدار المذكور في حديث هذا الباب ذهب إلى هذا جماعة من العلماء منهم أحمد بن حنبل وسنذكر قوله في هذا الباب بعد ذكر قول مالك والشافعي إن شاء الله وذهب جماعة من أهل العلم في العرايا إلى أن جعلوا الرخصة الواردة فيها موقوفة على المعرى لا غير فقالوا لا يجوز بيع الرطب بالتمر بوجه من الوجوه إلا لمن أعرى نخلا يأكل ثمرها رطبا ثم بدا له أن يبيعها بالتمر فإنه أرخص للمعرى أن يشتريها من المعرى إذا كان ذلك خرص خمسة أوسق أو
دونها لما يدخل عليه من الضرر في دخول غيره عليه حائطه ولأن ذلك من باب المعروف يكفيه فيه مؤونة السقي ولا يجوز ذلك لغير المعرى لأن الرخصة فيه وردت فلا يجوز أن يتعدى بها إلى غير ذلك لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة ونهيه عن بيع التمر بالتمر وعن بيع الرطب بالتمر وهو أمر مجتمع عليه فلا يجوز أن يتعدى بالرخصة موضعها وممن ذهب إلى هذا مالك بن أنس وأصحابه في المشهور عنهم ومن حجتهم في ذلك ما حدثنا به سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثني يحيى بن سعيد قال أخبرني بشير ابن يسار مولى بني حارثة قال سمعت سهل (1314) ابن أبي حثمة يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر إلا أنه أرخص في العرايا أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا وذكره أبو ثور عن الشافعي عن سفيان عن يحيى (1315) بن
326

بشير عن سهل مثله سواء إلا أنه قال ورخص في العرايا بخرصها تمرا يأكلها صاحبها رطبا وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا الوليد (1316) بن كثير قال حدثنا بشير بن يسار مولى بني حارثة أن رافع بن خديج وسهل ابن أبي حثمة حدثناه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة التمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه قد اذن لهم وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد القاضي قال حدثنا إبراهيم بن هشام البغوي قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر وأرخص في بيع العرايا أن تشترى بخرصها يأكلها أهلها رطبا قال سفيان قال لي يحيى ما أعلم أهل مكة بالعرايا قلت أخبرهم عطاء وسمعه من جابر قال أبو عمر الا ترى إلى قوله يأكلها أهلها رطبا إلى استثنائه العرايا من المزابنة على هذه الصفة كأنه والله أعلم يريد صاحبها الذي أعراها وأهلها الذين وهبوا ثمرها وأعروها فهم الذين أباح لهم شراءها خاصة هذا تأويل أصحاب مالك ومن اتبعهم وجملة قول مالك وأصحابه في هذا الباب في العرايا إن العرية هي أن يهب الرجل من حائطه خمسة أوسق فما دونها ثم يريد أن يشتريها من المعرى عند طيب التمر فأبيح له أن يشتريها بخرصها تمرا عند الجذاذ وإن
327

عجل له لم يجز ويجوز أن يعرى من حائطه ما شاء ولكن البيع لا يكون إلا في خمسة أوسق فما دون هذا جملة قوله وقول أصحابه ولا يجوز عندهم البيع في العرايا الا لوجهين إما لدفع ضرورة دخول المعرى على المعرى واما لان يرفق المعرى المعري فيكفيه المؤونة فأرخص له أن يشتريها منه تمرا إلى الجذاذ ولا يجوز بيع العرية قبل زهوها الا كما يجوز بيع غير العرية على الجذاذ والقطع ولا يجوز بيع العرية وإن أزهت بخرصها رطبا ولا بخرصها تمرا نقدا قلت أو كثرت وإن جذها مكانه ولا تباع بنصف سواها من التمر مثل أن تكون من البرني فتباع بالعجوة ولا يباع ببسر ولا رطب ولا ثمر معين وإنما تباع بتمر يكون في الذمة إلى الجذاذ بخرصها وما عدا وجه الرخصة فيها مزابنة ولا يكون البيع منها في أكثر من خمسة أوسق إلا أن يكون بعين أو عرض غير الطعام فيجوز نقدا أو إلى أجل كسائر البيوع فإن كان طعاما روعى فيه القبض قبل الافتراق أو الجذاذ قبل الافتراق وقال ابن القاسم ومن أعرى جميع حائطه فذلك جائز وله شراء جميعه وبعضه بالخرص إذا لم يتجاوز البيع خمسة أوسق قال وتوقف لي مالك في شراء جميعه بالخرص وإن كان خمسة أوسق أو أدنى وبلغني عنه إجازته والذي سمعت أنا منه شراء بعضه وجائز عندي شراء جميعه قال فإن قيل له أعرى جميعه فلا ينفى عن نفسه بشرائه ضررا قبل إلا أن ذلك أرفاق للمعرى والعرية تشترى للارفاق كما يجوز لمن اسكن رجلا دارا حياته شراء جميع السكنى أو بعضها ولا يدفع بذلك ضررا قال سحنون وقال كثير من أصحاب مالك لا يجوز لأحد أن يشترى ما أعرى إلا لدفع الضرر وقال ابن وهب عن مالك والعرية أن يعرى الرجل النخلة والنخلتين أو أكثر من ذلك سنة أو سنتين أو ما شاء فإذا كان التمر طاب قال صاحب النخل أنا أكفيكم سقيها وضمانها ولكم خرصها تمرا عند الجذاذ وكان ذلك منه معروفا عند الجذاذ قال ولا أحب أن يجاوز
328

ذلك خمسة أوسق قال وتجوز العرية في كل ما ييبس ويدخر نحو العنب والتين والزيتون ولا أرى لصاحب العرية أن يبيعها إلا ممن في الحائظ إذا كان له تمر بخرصها تمرا وقال ابن عبد الحكم عن مالك العرية أن يعرى الرجل الرجل تمر نخلة له أو نخلات فيملكها المعرى ثم يبتاعها المعرى من المعرى بما شاء من التمر ولا يبتاعها منه بخرصها تمرا إلا المعرى لأن الرخصة فيه وردت فهذه جملة قول مالك وتحصيل مذهبه عند جماعة أصحابه وقد روى ابن نافع عن مالك في رجل له نخلتان في حائط رجل فقال له صاحب الحائط أنا آخذها بخرصها إلى الجذاذ قال إن كان ذلك منه للمرفق يدخله عليه يعنى عل صاحب النخلتين فلا بأس به قال مالك وإن كره دخوله ولم يرد أن يكفيه مؤونة السقي فهذا على وجه البيع ولا أحبه فهذه الرواية عن مالك على خلاف أصله في العرية أنها هبة للثمرة وإن الواهب هو الذي رخص له في شرائها على ما ذكرنا لأن هذا لم يوهب له ثمر نخل بل هو مالك رقاب نخل مقدارها خمسة أوسق أو دون أبيح له بيع ثمرها بالخرص إلى الجذاذ بالتمر وهي رواية مشهورة عنه بالمدينة وبالعراق إلا أن العراقيين رووها عن مالك بخلاف شيء من معناها وذلك أن الطحاوي ذكرها عن ابن أبي عمران عن محمد بن شجاع عن ابن نافع عن مالك أن العرية النخلة والنخلتان في حائط لغيره والعادة بالمدينة أنهم يخرجون بأهلهم في وقت الثمار إلى حوائطهم فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول أنا أعطيك خرص نخلتك تمرا فرخص له في ذلك قال أبو عمر هذه الرواية وما أشبهها عن مالك تضارع مذهب الشافعي في العرايا وذلك أن الذي ذهب اليه الشافعي إجازة بيع ما دون خمسة أوسق من الرطب بالتمر يدا بيد وسواء كان ذلك ممن وهب له ثمرة
329

نخلة أونخلات أو فيمن يريد أن يبيع ذلك المقدار من حائطه لعلة أو لغير علة الرخصة عنده إنما وردت في المقدار المذكور فخرج ذلك عنده من المزابنة وما عدا ذلك فهو داخل في المزابنة ولا يجوز عنده بوجه من الوجوه وحجته في ذلك ظاهر حديث داود بن الحصين المذكور في هذا الباب وحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالثمر إلا أنه أرخص في بيع العرايا وحديث سهل بن أبي حثمة الذي ذكرناه في هذا الباب وقال في قوله في ذلك الحديث يأكلها أهلها رطبا أي يأكلها الذين يبتاعونها رطبا قال وهم أهلها وروى عن محمود بن لبيد بإسناد منقطع ما يوضح تأويله هذا وذلك أن محمود بن لبيد قال لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
أما زيد بن ثابت وأما غيره قال ما عراياكم هذه قال فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضل من قوته من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر الذي بأيديهم يأكلونها رطبا وروى الربيع عن الشافعي في العرية إذا بيعت وهي خسمة أوسق قال فيها قولان أحدهما أنه جائز والاخر أن البيع لا يصح إلا ما دون خمسة أوسق وقال المزنى يلزمه على أصل قوله أن يفسخ البيع من خمسة أوسق فما زاد لأنها شك وأصل بيع الثمر في رؤوس النخل بالثمر حرام فلا يحل منه إلا ما استوفيت الرخصة فيه وذلك ما دون خمسة أوسق وإلى هذا ذهب المزني وأبو الفرج المالكي واحتج أبو الفرج بحديث جابر في الأربعة أوسق وسنذكره في آخر هذا الباب إن شاء الله ولا عرية عند الشافعي وأصحابه في غير النخل والعنب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الخرص في ثمرتها وإنه لا حائل دون الإحاطة بها قال الشافعي ولا تباع العرية بالتمر إلا بأن تخرص العرية كما تخرص للعشر فيقال فيها الان رطبا كذا وإذا يبس كان تمرا كذا فيدفع من التمر مكيلة
330

خرصها تمرا ويقبض النخلة بتمرها قبل أن يفترقا فإن افترقا قبل دفعه فسدالبيع قال ويبيع صاحب الحائط من كل من رخص له أن يشتريه بالتمر وأن أتى على جميع حوائطه قال أبو عمر يعنى لا ذهب عنده ولا ورق ولا عرض غير التمر والزبيب وبه حاجة إلى الرطب وإلى العنب فافهم وقول أبي ثور في العريا كقول الشافعي سواء واحتج أبو ثور لاختياره قول الشافعي قال وذلك أن يزيد بن هارون أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا بخرصها كيلا يأكلها أهلا رطبا هكذا ذكر في هذا الحديث ثم أردفه عن الشافعي بحديث ابن عيينة عن يحيى ابن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل ابن أبي حثمة على ما ذكرناه في كتابنا هذا وأما أحمد بن حنبل فحكى عنه أبو بكر الأثرم قال سمعت أبا عبد الله يسأل عن تفسير العرايا فقال انا لا أقول فيها بقول مالك وأقول العرايا أن يعرى الرجل الجار أو القرابة للحاجة والمسكنة فإذا أعراه إياها فللمعرى ان يبيعها ممن شاء إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة وأرخص في العرايا فرخص في شيء من شيء فنهى عن المزابنة ان تباع من كل أحد ورخص في العرايا أن تباع من كل أحد فيبيعها ممن شاء ثم قال مالك يقول ببيعها من الذي أعراها إياه وليس هذا وجه الحديث عندي ويبيعها ممن شاء قال وكذلك فسره لي سفيان بن عيينة وغيره قال الأثرم وسمعت أبا عبد الله يقول العرية فيها معنيان لا يجوزان في غيرها فيها أنها رطب بتمر وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وفيها أنها تمر بثمر يعلم كيل التمر ولا يعلم كيل الثمر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فهذا لا يجوز إلا في العرية قلت لأبي عبد الله فإذا باع المعرى العرية أله أن يأخذ
331

التمر الساعة أو عند الجذاذ قال بل يأخذ الساعة قلت له ان مالكا يقول ليس له أن يأخذ التمر الساعة حتى يجذ قال بل يأخذ الساعة على ظاهر الحديث أخبرنا بذلك كله عبد الله بن محمد بن عبد المؤن قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر ابن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم فذكره بمثله وأما أبو حنيفة وأصحابه فقالوا في العرايا قولا لا وجه له لأنه مخالف لصحيح الأثر في ذلك فوجب أن لا يعرج عليه وإنكارهم للعرايا كإنكارهم للمساقاة مع صحتها ودفعهم بحديث التغليس إلى أشياء من الأصول ردوها بتأويل لا معنى له فأما قولهم في ذلك فقالوا العرية هي النخلة يهب صاحبها تمرها لرجل ويأذن له في أخذها فلا يفعل حتى يبدو لصاحبها أن يمنعه من ذلك فله منعه لأنها هبة غير مقبوضة لأن المعرى لم يكن ملكها فأبيح للمعرى أن يعوضه بخرصها تمرا ويمنعه وهذا على أصولهم في الهبات أن للواهب منع ما وهب حتى يقبضه الموهوب له وقال بعض أصحاب أبي حنيفة وهو عيسى بن أبان الرخصة في ذلك للمعرى أن يأخذ بدلا من رطب لم يملكه تمرا وقال غيره منهم الرخصة فيه للمعرى لأنه كان يكون مخلفا لوعده فرخص له في ذلك وأخرج به من اخلاف الوعد وليس للعرية عندهم مدخل من البيوع ولا يجوز لأحد عندهم أن يشتري ثمر العرية غير المعطى وحده على الصفة المذكورة والعرية عندهم هبة غير مقبوضة واحتج بعضهم بحديث معمر عن ابن طاوس عن أبي بكر بن محمد قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحاب الخرص أن لا يخرصوا العرايا قال والعرايا أن يمنح الرجل من حائطه رجلا نخلا ثم يبتاعها الذي منحها إياه من الممنوح يخرصها قالوا فالعرية منحة وعطية لم تقبض فلذلك جاز فيها هذه الرخصة والله أعلم
332

قال أبو عمر الآثار الصحاح تشهد بأن العرايا بيع الثمر بالتمر في مقدار معلوم مستثنى من المحظور في ذلك على حسب ما تقدم من الوصف في العرايا ومحال ان يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد في بيع ما لم يملك حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا أبو عبيد الله (1317) قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال حدثني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بالتمر والرطب كذا قال أو الرطب وحدثنا أبو محمد عبد الله بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بالتمر والرطب وروى الثوري عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن زيد ابن ثابت إن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها ولم يرخص في غيرها قال والعرايا التي تؤكل وروى مالك عن نافع عن بن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها فهذه الآثار كلها قد أوضحت أن ذلك بيع فلا معنى لما خالفها
333

قال أبو عمر في حديث يونس عن ابن شهاب عن خارجة عن أبيه ذكر بيعها بالرطب وهو ما اختلف فيه فقال قوم منهم أصحاب أبي حنيفة إلى أنه جائز بيعها بالرطب خرصا كما يجوز بالتمر خرصا قال أبو عمر ذكر الرطب في هذا الحديث ليس بمحفوظ إلا بهذا الاسناد وقد جعله بعض أهل العلم وهما وجعل القول به شذوذا ومن ذهب إلى القول بحديث يونس هذا قال رواته كلهم ثقات فقهاء عدول واحتج أيضا بأن الرطب بالرطب أجوز في البيع من الرطب بالتمر وقال آخرون وهم الجمهور لا يجوز بيعها بالرطب لأن العلة حينئذ ترتفع وتذهب وأي ضرورة تدعو إلى بيع رطب برطب لا يعرف إن ذلك مثل بمثل وكيف يجوز ذلك وهو المزابنة المنهي عنها ولم تدع
ضرورة إليها والذين أجازوا بيعها بالرطب جعلوا الرخصة في العرية انها وردت في المقدار المستثنى رخصة لمن شاء ذلك من غير ضرورة إذا الضرورة لم تنص في الحديث قالوا ومن لم يراع الضرورة لم يخالف الحديث إنما يخالف تأويل مخالفه ولهم في هذا اعتراضات لا وجه لذكرها قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال يجوز أن يبيع العرية بالرطب الا بعض أصحاب داود وأصحاب أبي حنيفة والله أعلم وكان أبو بكر الأبهري رحمه الله يقول معنى حديث يونس هذا أن يأخذ المعرى الرطب ويعطى خرصها تمرا عند الجذاذ للمعرى وهذا يخرج على أصل مذهبه قال الأبهري ولا أعلم أحدا تابع يونس على ما ذكره في حديثه عن ابن شهاب بالرطب
334

قال أبو عمر قد روى الأوزاعي عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن زيد في هذا الحديث ذكر الرطب أيضا إن كان محفوظا عن الأوزاعي حدثناه محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بالرطب لم يرخص في غير ذلك قال أبو عمر عبد الحميد كاتب الأوزاعي ليس بالحافظ المتقن ولا ممن يحتج به وقد روى هذا الحديث بهذا الاسناد عن ابن شهاب سفيان بن عيينة فقال فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا لم يقل بالرطب ولا بالتمر وحديث نافع عن ابن عمر عن زيد يدل على أن ذلك بالتمر والله أعلم حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى القطان عن عبيد الله قال أخبرنا نافع عن ابن عمر أن زيد بن ثابت أخبره إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا واختلف العلماء في مقدار العرية بعد إجماعهم أنها لا تجوز في أكثر من خمسة أوسق فقال قوم مقدارها خمسة أوسق وقال آخرون مقدارها دون خمسة أوسق ولو بأقل ما تبين من النقصان وحجة الطائفتين حديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب من رواية مالك وغيره وقال آخرون لا تجوز العرية في أكثر من أربعة أوسق واحتجوا بما رواه محمد بن إسحاق
335

عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع (1318) بن حبان عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا في الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة ورواه حماد بن سلمة وغيره كذلك واحتجوا أيضا بما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا صدقة في العرية قالوا وهذا يدل على أنها فيما دون خمسة أوسق وممن أجازها في خمسة أوسق مالك وأكثر أصحابه وقد ذكرنا اختلاف قول الشافعي في ذلك وقال إسماعيل بن إسحاق نكرهه ففي الخمسة أوسق ولا ننسخه فيها كما ننسخه فيما زاد عليها ولا خلاف عن مالك والشافعي ومن ابتعهما في جواز العرايا في أكثر من أربعة أوسق إذا كانت دون خمسة أوسق لحديث داود بن الحصين المذكور في هذا الباب ولم يعرفوا حديث جابر في الأربعة أوسق أو لم يثبت عندهم والله أعلم وكذلك حديث أبي سعيد الخدري لا يعرفه أصحابنا وهم يوجبون الزكاة في الحوائط المحبسة على المساكين وفيما تصدق به عليهم على جهة الوقف وقال العراقيون العرية نفسها صدقة فلا تجب فيها صدقة قلت أو كثرت على حديث أبي سعيد الخدري هذا وقد اختلف قول مالك وقول أصحابه أيضا في زكاة العرية والمعروف في المذاهب ان زكاتها على المعرى إذا أعراها بعد بدو صلاحها والقياس الصحيح أنه لا شيء عليه فيها مع حديث أبي سعيد وبالله التوفيق
336

حديث رابع لداود مرسل من وجه متصل من وجه صحيح مالك عن داوود بن الحصين عن الأعرج (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك الأعرج هذا هو عبد الرحمان بن هرمز الأعرج مولى ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب من خيار التابعين توفي سنة سبع عشرة ومائة بالإسكندرية يكنى أبا أيوب وهذا الحديث هكذا جماعة من أصحاب مالك مرسلا إلا أبا المصعب في غير الموطأ ومحمد بن المبارك الصوري ومحمد بن خالد بن عثمة ومطرف والحنيني وإسماعيل بن داود المخراقي فإنهم قالوا عن مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة مسندا حدثنا خلف بن قاسم ابن سهل قال حدثنا أحمد بن الحسين بن إسحاق بن عتبة الرازي قال حدثنا علي بن سعيد ابن بشر الرازي حدثنا سليمان بن داود ابن أبي الغصن الرازي قال حدثنا إسماعيل بن داود المخراقي حدثنا مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك حدثنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر النقاش محمد بن الحسن المقرئ حدثنا أحمد بن يوسف بن عيسى حدثنا المروزي محمد بن غيلان حدثنا إسماعيل بن داود المخراقي عن مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن عبد الرحمان الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك وحدثناه عبد الرحمان بن
337

يحيى قال حدثنا الحسين بن الخضر قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال حدثنا هلال بن بشر قال حدثنا محمد (1319) بن خالد عن عثمة قال حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك وحدثنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا محمد بن يونس حدثنا محمد بن خالد بن عثمة حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن عبد الرحمان أبن هرمز الأعرج عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر العصر في سفره إلى تبوك وكذلك رواه الحنيني (1320) عن مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك مسندا قال وأصحاب مالك جميعا على إرساله عن الأعرج وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا محمد بن زريق بن جامع حدثنا أبو مصعب حدثنا مالك عن داوود بن الحصين عن الأعرج قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك هكذا حدثنا به في الموطأ أبو مصعب عنه مرسل وكذلك هو عنه في الموطأ مرسل وذكر أحمد ابن خالد ان يحيى بن يحيى روى هذا الحديث عن مالك بن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك مسندا قال وأصحاب مالك جميعا على إرساله
338

عن الأعرج في نسخة يحيى وروايته وقد يمكن ان يكون ابن وضاح طرح أبا هريرة من روايته عن يحيى لأنه رأى ابن القاسم وغيره ممن انتهت اليه روايته عن مالك في
الموطأ أرسل الحديث فظن أن رواية يحيى غلط لم يتابع عليه فرمى أبا هريرة وأرسل الحديث فإن كان فعل هذا ففيه ما لا يخفى على ذي لب وقد كان له على يحيى تسور في الموطأ في بعضه فيمكن أن يكون هذا من ذلك إن صح أن رواية يحيى لهذا الحديث على الاسناد والاتصال والا فقول احمد وهم منه وما أدري كيف هذا إلا أن روايتنا لهذا الحديث في الموطأ عن يحيى مرسلا قال كان يحيى قد أسنده كما ذكره أحمد بن خالد فقد تابعه محمد بن المبارك الصوري وأبو المصعب في غير الموطأ والحنيني ومحمد بن خالد بن عثمة وإسماعيل بن داود المخراقي ومن ذكرنا معهم وقد تأملت رواية يحيى فيما أرسل من الحديث ووصل في الموطأ فرأيتها أشد موافقة لرواية ابن المصعب في الموطأ كله من غيره وما رايت في رواية في الموطأ أكثر اتفاقا منها حدثني أحمد بن فتح قال حدثنا حمزة بن محمد الحافظ بمصر قال حدثنا جعفر بن أحمد بن محمد بن الصباح قال حدثنا أبو المصعب عن مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك قال أبو الحسين علي بن عمر الدارقطني لم يسنده عن أبي المصعب غير جعفر بن صباح وهو في الموطأ عند أبي المصعب وغيره مرسل
339

قال أبو عمر لم يذكر في هذا الحديث الجمع بين المغرب والعشاء وهو محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في سفره إلى تبوك يجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من حديث معاذ بن جبل وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه مالك وغيره عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ وسيأتي ذكر حديث مالك في باب أبي الزبير من كتابنا هذا إن شاء الله وقال أحمد بن عمرو البزار وقد روى في الجمع بين الصلاتين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريقين أحدهما زيد (1321) بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة والاخر عن عبد الرحمان بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة قال وقد روى عن ابن عباس وابن عمر ومعاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم وجوه يحتج بها قال أبو عمر في حديث معاذ بن جبل ذكر جمعه بين الصلاتين في غزوة تبوك قرأت على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل أنه قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من تبوك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أبو صالح الفراء محبوب ابن موسى قال حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان عن أبي الزبير عن عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
340

الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في غزوة تبوك وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن يونس الكديمي قال حدثنا أبو بكر الحنفي قال حدثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عزوة تبوك بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا علي (1322) ابن مسهر عن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يزيد (1323) بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي قال حدثنا المفضل بن فضالة عن الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر وأن ارتحل قبل أن ترتفع الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر وفي المغرب والعشاء مثل ذلك إن غابت الشمس قبل ان يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل العشاء ثم جمع بينهما قال أبو داود رواه ابن أبي فديك عن هشام بن سعد عن أبي الزبير على معنى حديث مالك
341

ورواه هشام بن عروة عن حسين (1324) بن عبيد الله عن كريب (1325) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث المفضل وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن قتيبة قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذاارتحل قبل أن تزيغ الشمس فذكر مثل حديث المفضل بن فضالة سواء إلى آخره قال أبو عمر اختلف الفقهاء في كيفية الجمع بين الصلاتين في السفر في الحال التي للمسافر أن يجمع فيها بين الصلاتين وقت ذلك وقد ذكرنا ذلك كله ووضحنا وجه الصواب فيه عندنا في باب أبي الزبير من كتابنا هذا وبالله توفيقنا
342