الكتاب: دستور معالم الحكم
المؤلف: ابن سلامة
الجزء:
الوفاة: ٤٥٤
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: مكتبة المفيد - قم
ردمك:
ملاحظات:

دستور معالم الحكم
ومأثور مكارم الشيم
(من كلام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه)
(تأليف)
(الامام القاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة)
(القطاعي رحمة الله عليه)
(رواية الشيخ أبي عبد الله محمد بن بركات بن هلال السعيدي النحوي رحمه الله عنه) (رواية الشريف الخطيب أبي الفتوح ناصر بن الحسن بن إسماعيل الحسيني الزيدي رحمه الله عنه)
رواية القاضي الأجل الأسعد أبي بن محمد العامري العدل أدام الله نعمائه. وحرسه حوباءه)
(سماع منه لمحمد بن منصور بن خليفة بن منهال ولصاحبه ولده منهال ولصاحبه ولده منهال نفعهما الله به عنه)
(حقوق الطبع محفوظة لملتزمه وشارحه)
محمد سعيد الرافع
صاحب المكتبة الأزهرية
(فمن تجارى على طبعه يكلف بابراز نسخة قديمة مخطوطة غير هذه النسخة)
1

(مقدمة)
التقطت في بعض أسفاري هذا السفر بل اليتيمة التي لم يغص عليها
باحث. ولا خزنت في خزانة. وهي مع كونها فريدة فقد تفردت بمحاسن
نادرة. منها أنها منمقة بقلم القاضي عز القضاة أبي عبد الله محمد بن أبي
الفتح منصور بن خليفة بن منهال من جهابذة القرن السادس فرغ من
كتابتها يوم الأربعاء ثامن ذي القعدة سنة إحدى عشرة وستمائة منقولة
عن نسخة عليها الشريف الخطيب راوي الكتاب عن ابن بركات بن
هلال النحوي عن مؤلفه. ومنها أنها ملتقطة بسماع من آخر راو التقطها
بسماع وهكذا عن الحبر البحر مؤلفها الامام القاضي أبي عبد الله محمد بن
سلامة القضاعي. ومنها أنها موشحة بصور سماع رواتها أولهم السيد
الشريف القاضي الخطيب فخر الدولة أبو الفتوح ناصر بن الحسن بن إسماعيل
الحسيني الزيدي. ثم القاضي الأجل الأسعد أبو عبد الله محمد بن القاضي
الأجل رضي الدولة أبو علي الحسن بن حد العامري العدل. ثم كاتب
هذه النسخة القاضي عز القضاة بن نهال الذي تقدم ذكره. وهي مسطورة
بخط واضح حسن مضبوط بشكل كامل. فهي بذلك قد استوفت المحاسن
كما انفردت فيما أعلم بالتفرد. وزد إلى هذه المحاسن أنها من حكم أبي الحسن
باب مدينة العلم ومفتاح خزائن الحكمة. فإذا ضمت هذه الفريدة إلى
أخواتها أعني درر الكلم ونهج البلاغة والأمثال كانت العقد الجامع لفرائد
حكم ذلك البحر العباب. والسبيكة الجامعة لشذور كلم أبي تراب.
2

ومن ثم خشيت كر الغداة على هذه الجوهرة الثمينة التي سلمت من يد
ذواتي، ولم تتغير محاسنها غير الأحقاب. وارتأيت أن أجرد منها بالطبع
صورا تمثل صفاتها حتى إذا ألم بها ملم أو أبلاها البلى مثلها الصور وحفظتها
الأمثال للأجيال. فرغب لطبعها وحل ألفاظها على نفقته حضرة الأديب
الفاضل الشيخ محمد عبد القادر سعيد الرافعي الفاروقي فأجبت رغبته.
وشكرت له همته. فغدت (حقوق الطبع محفوظة له) منوطة به. والله الموفق
للسداد في الرأي والملهم للصواب في العمل. وبه الحول والقوة وهو المستعان
في كل قصد.
جميل العظم
3

(ترجمة المؤلف من وفيات الأعيان لابن خلكان)
طبع بولاق ص 585 ج 1
هو. أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون بن
إبراهيم بن محمد بن مسلم القضاعي الفقيه الشافعي صاحب كتاب الشهاب.
ذكره الحافظ بن عساكر في تاريخ دمشق. وقال روى عنه أبو عبد
الله الحميدي وتولى القضاء بمصر نيابة من جهة المصريين وتوجه عنهم
رسولا إلى جهة الروم، وله عدة تصانيف منها كتاب الشهاب (1) وكتاب
مناقب الإمام الشافعي وأخباره. وكتاب الانباء عن الأنبياء وتواريخ الخلفاء
وله كتاب خطط مصر. وذكره الأمير أبو نصر بن ما كولا في كتاب
الاكمال (2) وقال كان متفننا في عدة علوم وتوفى بمصر ليلة الخميس السادس
عشر من ذي القعدة سنة أربع وخمسين وأربعمائة وصلى عليه يوم الجمعة
بعد العصر في مصلى النجار. وذكر السمعاني في كتاب الذيل في ترجمة
الخطيب أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ صاحب تاريخ بغداد انه
حج سنة خمس وأربعين وأربعمائة وحج تلك السنة أبو عبد الله القضاعي
المذكور وسمع الحديث منه رحمه الله تعالى. ثم قال والقضاعي بضم القاف

(1) هو شهاب الأخبار الذي جمع فيه حكما من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم لم يطبع يوجد منه نسخ في بعض المكاتب العمومية وبقية
مصنفاته المذكورة نادرة
(2) هو كتاب الاكمال في معرفة الرجال
4

وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف عين مهملة هذه النسبة إلى قضاعة ويقال
هو من معد بن عدنان ويقال هو من حمير وهو الأكثر والأصح
وذكر في ترجمة الظاهر بن الحاكم العبيدي انظر ج 1 ص 464 س 8
ان العلامة القضاعي كان يكتب لنجيب الدولة أبي القاسم علي بن أحمد
الجرجرائي وزير الظاهر العبيدي: انتهى (تنبيه) النقط التي وضعت في أثناء الإجازات والسماعات هي المواضع
التي أخلق طول الدهر جدتها من النسخة الأصلية بيد اننا قد تحرينا
استنباط بعض الكلمات بالقرينة والاستقراء
5

(صور السماعات والإجازات الإجازات المكتوبة على)
(الصحيفة الأولى والأخيرة من النسخة)
(النفيسة التي طبع هذا الكتاب عنها)
صورة سماع سيدنا القاضي الاجل الأسعد أبي عبد الله محمد ابن القاضي
الاجل رضي الدولة أبي علي الحسن بن محمد العامري العدل زاد الله في
أزمنة حياته قال رضي الله عنه
قرأت كتاب الدستور للقاضي أبي عبد الله القضاعي على سيدنا الشريف
القاضي العالم الخطيب فخر الدولة ومجدها أبي الفتوح ناصر بن الحسن بن
إسماعيل الحسيني الزيدي أدام الله سعده. وسمع بقراءتي القاضي الأسعد أبو
عبد الله ابن القاضي رضي الدولة أبي علي الحسن بن محمد بن عبيد الله المقدسي
والفقيه... الفهري المالكي وقد أذن لنا في روايته عنه بسنده إلى أبي عبد الله
محمد بن بركات عن المصنف. وكتبه علي بن صادق سنة ثمان وخمسين وخمسمائة
سمع هذا الكتاب علي القاضي عز القضاة أبو عبد الله محمد بن الشيخ
أبي الفتح منصور بن خليفة بن منهال أدام الله توفيقه وولده أبو الغيث منهال
وفقه الله ومن ذكر في طبقة السماع آخره وأجزت لهم روايته عني إن أرادوا
عن الشيخين الشريف الخطيب أبي الفتوح ناصر وأبي محمد العلاء عن الشيخ
أبي عبد الله محمد بن بركات عن المؤلف وكتبه محمد بن الحسن بن محمد بن
عبد الله العامري المقدسي حامد الله تعالى ومصليا على رسوله وآله وصحبه ومسلما
عليهم أجمعين وذلك في مدة آخرها... التاسع من... سنة إحدى
عشرة وستمائة
6

(وفي ذيل الورقة التي فيها خط الشريف الخطيب رحمه الله)
بخط القاضي الأشرف شرف الدين بن عثمان أيده الله ما مثاله)
أخبرني بهذا الكتاب القاضي الشريف الفاضل أبو محمد عبد الله بن
القاضي أبي الفضل عبد الرحمن العثماني مناولة الديباجي عن الشيخ أبي
الحسن علي بن المؤمل علي بن غسان الكاتب قراءة منه عليه. وعن الشيخ
أبي عبد الله محمد بن بركات بن هلال الصوفي السعدي النحوي إجازة. كلاهما
عن مؤلفه حمزة بن علي بن عثمان المخزومي في الحادي عشر من شهر
ربيع الأول سنة تسع وستمائة. مثال خط المناول. صح للقاضي الأشرف أبي
القاسم حمزة نفعه الله والمسلمين به وكتبه عبد الله بن عبد الرحمن العثماني
في التاريخ المذكور
(صورة خط الشريف الخطيب تحت هذه الطبقة)
كتبه أبو الفتوح ناصر بن الحسن بن إسماعيل الحسيني الزيدي
ووجدت في آخر كتاب الشيخ القاضي الأسعد المنتسخ بخطه وذكره
... على هذه الطريق وهذا صورة خطه وفقه الله ورويت أيضا عن الفقيه
أبي محمد... بن عبد الغالب الأنصاري في شوال سنة ثمانين وخمسمائة عن
الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن بركات بن هلال النحوي...
قرأت جميع هذا الكتاب على.. أبي بكر محمد بن الحافظ أبي.. عبد الله الأنصاري.. من الشيخ أبي عبد الله.. بن محمد... وجماعة
7

أسماؤهم مثبتة في النسخة التي نقلت منها هذه النسخة وعارضت بها غير واحد
في الحادي من شهور سنة إحدى وثمانين وستمائة
كتبه العبد أحمد بن علي بن أبي عبد الله الشر.،.
عفا الله والحمد لله
بلغ السماع لجميع الدستور على القاضي الاجل العالم الأوحد الأسعد الأمين
سناء الدين... بن الاجل،. بن علي الحسن بن محمد بن عبيد الله المقدسي
أيده الله بحق سماعه من الشريف الخطيب عن أبي عبد الله محمد بن بركات
النحوي عن مؤلفه...
(صورة ما كتب في آخر النسخة الأصلية التي طبعنا عليها هذه النسخة)
كتبه محمد بن منصور بن خليفة بن منهال برسم ولده منهال نفعه الله بالعلم
وزينه بالحلم. وكان الفراغ من نقله يوم الأربعاء ثامن ذي القعدة من سنة
إحدى عشرة وستمائة ونقلت هذه النسخة من نسخة عليها خط الشريف
الخطيب رحمه الله
8

الفهرس آخر الكتاب
(طبع بمطبعة السعادة بجوار محافظة مصر)
سنة 1332 من الهجرة النبوية توافق 1914 من ميلاد المسيح
9

بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا القاضي الاجل الأوحد. العالم الفاضل الأسعد
سناء الدين أبو عبد الله محمد بن القاضي الأجل رضي الدولة
أبي الحسن بن محمد بن عبيد الله العامري أدام الله نعماءه
وحرس حوباءه (1) قراءة عليه وانا اسمع بفسطاط (2) مصر في
ذي القعدة من سنة إحدى عشرة وستمائة قال أخبرنا سيدنا
الشريف الاجل القاضي الخطيب فخر الدولة ومجدها أبو الفتوح
ناصر بن الحسن بن إسماعيل الحسيني الزيدي رضي الله عنه

(1) الحوباء هي النفس
(2) الفسطاط مجتمع أهل الكورة وعلم مصر العتيقة التي بناها عمرو بن العاص
10

في المحرم الذي من سنة ثمان وخمسين وخمسمائة قال قرأت
هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله محمد بن بركات بن هلال
السعيدي النحوي اللغوي رضي الله عنه قال قال القاضي
الأجل أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القضاعي
رحمه الله
الحمد لله الذي وسع كل شئ علمه ونفذ كل مصنوع
قضاؤه وحكمه. وعم جميع العباد عفوه وحلمه. الذي
يختص بالحكمة (1) من يشاء من أوليائه. ويختار لها المخلصين
من أصفيائه. نعمة منه جلت قدرته. وفضلا كبيرا. ومن
يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا. فتعالى الله الحكيم الخبير
الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير. وصلى الله على
المخصوص من الحكمة بأفصحها لسانا. وأوضحها دلالة وبيانا
وأظهرها حجة وسلطانا. محمد نبي الرحمة. والمؤيد بالهداية
والعصمة. والكاشف لغياهب (2) العمى والظلمة. حتى أشرقت

(1) الحكمة هي العلم النافع
(2) الغياهب الظلمات جمع غيهب
11

أحكام الايمان. وبسقت (1) أعلام القرآن. ونطقت الألسنة
مخلصة بتوحيد الرحمن. وزهقت (2) أباطيل الضلالة والبهتان
وعلى آله الذين اصطفاهم لوراثة كتابه. وحباهم بالنصيب
الأوفى (2) من ثوابه. وجعلهم للأمة هداة وأعلاما. وبأحكام
دينه قواما وحكاما. وسلم عليه وعليهم تسليما (أما بعد)
فاني لما جمعت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
ألف كلمة ومائتي كلمة في الوصايا والأمثال والمواعظ
والآداب وضمنتها كتابا وسميته بالشهاب سألني بعض
الإخوان أن أجمع من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
صلوات الله عليه نحوا من عدد الكلمات المذكورة وأن
أعتمد في ذلك على ما أرويه. وأجده في مصنف من أثق به
وارتضيه. وأن أجعله مسرودا (4) محذوف الأسانيد (5) كفعلي

(1) بسقت أي طالت وارتفعت
(2) زهقت أي اضمحلت وذهبت
(3) حباهم بالنصيب الأوفى أي أعطاهم أوفى نصيب
(4) مسرودا أي جيدا حسن السياق
(5) محذوف الأسانيد أي غير مرفوع إلى قائله
12

في كتاب الشهاب فاستخرجت الله جلت قدرته وجمعت
من كلامه عليه السلام وبلاغته وحكمه وعظاته (1) وآدابه
وجواباته وأدعيته ومناجاته (2) والمحفوظ من شعره وتمثيلاته
تسعة أبواب منوعة أنواعا
فالباب الأول (فيما روى عنه من فوائد حكمه)
والباب الثاني (فيما روى عنه في ذمه الدنيا وتزهيده فيها)
والباب الثالث (فيما روى عنه من المواعظ)
والباب الرابع (فيما روى عنه من وصاياه ونواهيه)
والباب الخامس (في المروي عنه من أجوبته عن المسائل
وسؤالاته)
والباب السادس (في المروي عنه من غريب كلامه)
والباب السابع (في المروي عنه من نوادر كلامه)
والباب الثامن (في ادعيته ومناجاته)
والباب التاسع (فيما انتهى إلى من شعره)

(1) العظات جمع عظة وهي الموعظة
(2) المناجاة المسارة بالكلام
13

وقد أعلمت عند الكلمة التي أرويها علامة يستدل بها على راويها
على ما أبينه آخر هذا الكتاب وذكرت أسانيد الأخبار
الطوال وأعلمت على ما كان منها وجادة (1) جميعا وأنا ارغب
إلى الله تعالى في حسن التوفيق لما يرضيه. والمعونة على العمل
بما يزلف لديه. وهو حسبي ونعم الوكيل
الباب الأول (فيما روى عنه عليه السلام من فوائد حكمه)
خير ما جربت ما وعظك. خير أهلك من كفاك. خير
المقال ما صدقه الفعال (2). خير البلاد ما حملك. خير الأمور
أوساطها. لكل أمر عاقبة. لكل حياة أجل. التاجر مخاطر
التثبت حزم. الصاحب مناسب. القلة ذلة. الإنصاف راحة
واللجاج (3) وقاحة (4). التواني (5) إضاعة. الحرص محقرة

(1) الوجادة هي أن تجد أحاديث بخط يعرف كاتبه
(2) وفي نسخة ما صدق به
(3) اللجاج هو دوام الخصام
(4) الوقاحة قلة الحياء
(5) التواني التقصير في الأمور
14

الزنا مفقرة. السخاء قربة. اللؤم غربة (1). التذلل مسكنة
العجز مهانة. العجز آفة. العجلة زلل. الإبطاء ملل. الصبر
شجاعة. الجبن منقصة. البخل عار. الكذب ذل. الحزم
كياسة. الأدب رياسة. الفاحشة كاسمها. الصدود آية المقت
كثرة العلل آية البخل. التجرم (2) وجه القطيعة. العبادة انتظار
الفرج. الفكرة مرآة صافية. البشاشة مح (3) المودة (4). الصبر
جنة من الفاقة (5). الحرص علامة الفقر. التخلي جلباب المسكنة (6)
المودة قرابة مستفادة. الإعجاب ضد الصواب. الاعتبار منذر
ناصح الاعتبار يفيدك الرشاد. الشح يجلب الملامة (7) الصديق من
صدق غيبه. الهوى شريك العمى. عاقبة الكذب الذم. المزاح يورث
الضغائن. الإجتهاد أربح بضاعة. الاقتصاد (8) ينمي اليسير (9)

(1) أي اللئيم غريب حتى في بلده
(2) التجرم هو ان يدعي الانسان على غيره ما لم يفعله
(3) ويروي حبالة المودة وهي الرواية الصحيحة
(4) مح المودة أي خالصها
(5) جنة من الفاقة أي وقاية من الفقر
(6) جلباب المسكنة أي لباس الذل
(7) ويروي الملامة وهي الرواية الصحيحة
(8) الاقتصاد هو أمر متوسط بين الاسراف والتقتير
(9) ينمي اليسير أي يزيده
15

الفساد يبيد الكثير. صدر العاقل صندوق سره. الغريب
من ليس له حبيب. المقل (1) غريب في بلدته. الاحتمال قبر
العيوب. رأس الدين صحة اليقين. رأس العلم الرفق. وآفته
الخرق (2). رأس الأمر معرفة الله تعالى وعموده طاعة الله
عز وجل. السلامة مع الاستقامة. العجل مع الزلل. الدعاء
مفتاح الرحمة. الصدقة دواء منجح. تمام الإخلاص تجنب
المعاصي. الهدى يجلي العمى. رسولك ترجمان عقلك. منك
من اعتبك (3). العاقل من وعظته التجارب. المخاف شره
يخاف. المرء أحفظ لسره. ظلم الضعيف أفحش الظلم
العقل حفظ التجارب. العفاف زينة الفقر. الشكر زينة الغنى
الشكر والورع جنة (4). الزهد في الدنيا قصر الأمل. الزهد
قربة. الحلم سجية فاضلة. العلم وراثة كريمة. الفكرة نور
والغفلة ضلالة. الحق مثال. والباطل خبال. الحق ينجي. والباطل

(1) المقبل هو الفقير المعدم
(2) الخرق ضد الرفق
(3) منك من أعتبك أي من اعتبك بالاسترضاء وأرضاك فهو منك
(4) الجنة الوقاية
16

يزدي. دواء كل داء كتمانه. الآداب حلل مجددة. حسن
الخلق خير قرين. التوفيق خير قائد. الآداب خير ميراث
إمام عادل. خير من مطر وابل (1). مواصلة المعدم خير من
جاف مكثر (2). سبع حطوم أكول خير من وال غشوم (3)
ظلوم. ووال غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم. رأي الشيخ
خير من مشهد الغلام (4). كدر الجماعة خير من صفو الفرقة (5)
العفة مع الحرفة (6) خير لك من سرور مع فجور. قرنت
الهيبة بالخيبة. والحياء بالحرمان. حسن الياس خير من الطلب
إلى الناس. حسن التدبير مع الكفاف (7) أكفى لك من

(1) الوابل هو المطر الشديد
(2) من جاف مكثر أي من جاف غني
(3) الغشوم هو الظلوم
(4) رأي الشيخ خير من مشهد الغلام معناه ان رأي الشيخ المجرب خير من مشهد الغلام
(5) كدر الجماعة خير من صفو الفرقة يعني ان الاجتماع والاتحاد مع الكدر خير من التفرق والشقاق مع الصفو
(6) معنى هذه الحكمة ان العفة مع تعب الاحتراف ونصبه خير
من الراحة والسرور مع الفجور
(7) الكفاف هو الرزق الذي يكفي الانسان وهو ما فوق النزر ودون السعة
17

الكثير مع الإسراف. المعروف أفضل الكنوز وأحصن
الحصون. الفرصة تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير
حفظ ما في يدك أحب ما في يدك أحب إليك من طلب ما في يد غيرك. تلا فيك (1)
ما فرطت من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك
تذل الأمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير. قلة الثقة
بعز الله ذلة. قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. كفر النعمة
لؤم. وصحبة الجاهل شؤم. أخلق بمن غدر ان لا يوفى له. في
القنوط التفريط. في الصمت السلامة من الندامة. في سعة
الأخلاق كنوز الأرزاق. في خلاف النفوس رشد. في التجارب
علم مستأنف. لقاء أهل الخير عمارة القلوب. إن من الكرم
الوفاء بالذمم. لبعض إمساكك عن أخيك مع لطف خير لك
من بذل مع حيف (2). من الكرم صلة الرحم. من الكرم منع (3) الحرم. من الحزم العزم

(1) تلافيك أي تداركك
(2) من بذل مع حيف أي من اعطاء مع ظلم
(3) المنع هنا بمعنى الصون
18

من خير حظ امرئ قرين صالح. من سبب الحرمان
التواني. من الفساد إضاعة الزاد. من شر ما صحب المرء
الحسد. من التوفيق الوقوف عند الحيرة. مرتبة الرجل
بحسن عقله. عز المؤمن غناه عن الناس. المؤمن لا يحيف
على من يبغض (2). المؤمن أخو المؤمن فلا يغشه ولا يعيبه
ولا يدع نصرته (3) الحكمة ضالة المؤمن فاطلب ضالتك
ولو في أهل الشرك. الموعظة كهف لمن وعاها. التواضع
يرشد إلى السلامة. الساعات تهضم عمرك. الرغبة مفتاح
التعب ومطية النصب. الشره (4) جامع لمساوي (5) العيوب
الحسد آفة الدين. خسر مروءته من ضعفت نفسه
أزرى بنفسه من استشعر الطمع. هانت عليه نفسه من
أمر عليها لسانه. رضي بالذل من كشف ضره. قد خاطر

(1) المراد بالزاد هنا التزود
(2) لا يحيف على من يبغض أي لا يجور على من يبغضه
(3) الحكمة ضالة المؤمن يعني ان الحكمة كالشئ الضائع
من الانسان يلزمه ان يطلبه حتى يجده
(4) الشره غلبة الحرص
(5) المساوي هي العيوب والنقائص
19

بنفسه من استغنى برأيه. قد يدرك بشكر الشاكر ما يضيع
بجحود الكافر. قد يكون اليأس إدراكا إذا كان الطمع
هلاكا. أوحش الوحشة العجب. أكرم الحسب حسن
الخلق. الحرص داع إلى التقحم في الذنوب (1). أنفع
الكنوز محبة القلوب. الفقر يخرس الفطن عن حجته
التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. أغنى الغنى ترك المنى
أفضل الزهد إخفاء الزهد. التواضع يكسوك السلامة
. أبى الله إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة. المغبون من
غبن نصيبه من الله عز وجل. الحياء سبب إلى كل جميل
أوكد سبب أخذته سبب بينك وبين الله. أعمال العباد في
عاجلهم نصب أعينهم في آجلهم. بر الوالدين من أكرم
الطبائع. لم يهلك من اقتصد ولم يفتقر من زهد. تنبئ
عن امرئ دخلته (2). شكر كل نعمة الورع عن محارم الله

(1) إلى التقحم في الذنوب أي إلى الدخول فيها في عواقبها
(2) دخله الرجل مثلثة نيته ومذهبه
20

إذا كان الرفق خرقا (1) وكان الخرق رفقا. إذا قويت فاقو على
طاعة الله وإذا ضعفت فاضعف عن معصية الله عز وجل
إذا تغير السلطان تغير الزمان. إذا كنت في إدبار والموت في
إقبال فما أسرع الملتقى. إذا ظهر الربا في قوم بلوا بالوباء (2)
وإذا منعوا الخمس (3) بلوا بالسنين الجدبة. إذا هديت لقصدك
فكن اخشع ما تكون لربك. إذا قارفت سيئة (4) فعاجل
محوها بالتوبة. إن كنت جازعا على ما يفلت من يديك فاجزع
على ما لم يصل إليك. إن اغنى الغنى العقل وأكثر الفقر الحمق
نعم القرين الرضى. نعم الخلق الصبر. نعم حظ المؤمن
القنوع. نعم طارد الهم اليقين. نعم الخلق التكرم. نعم
وزير العلم سمت صالح (5). نعم عوين الدين الصبر. بئس
الطعام الحرام. بئس القلادة للخير العفيف قلادة الدين

(1) الخرق ضد الرفق
(2) بلوا بالوباء أي أصيبوا بالمرض العام الوبئ
(3) إذا منعوا الخمس أي منعوا خمس الغنيمة عن الفقراء
(4) إذا فارقت سيئة أي قاربتها وخالطتها
(5) سمت صالح السمت هيئة أهل الخير والصلاح
21

قل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان. قل ما تصدقك
الأمنية (1). ما كل ما تخشى يكون. ما أقرب النقمة من أهل
البغي. ما كل مفتون يعاتب. ما خير خير بعده النار. ما شر
شر بعده الجنة. ما خير خير لا ينال إلا بشر ويسر لا ينال
إلا بعسر. ما أقبح القطيعة بعد الصلة والجفاء بعد الإخاء (2)
والعداوة بعد المودة والخيانة لمن ائتمنك والغدر لمن استسلم إليك. ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند
الغنى. ما أهمني ذنب أمهلت بعده حتى أصلي ركعتين. الرزق
رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تأته اتاك. كم من
عاكف على ذنبه تاب في آخر عمره. كم من دنف (3) قد نجا
وصحيح قد هوى. ألأم اللؤم البغي عند القدرة. ويل
للباغين من أحكم الحاكمين. لو كان الصبر رجلا لكان
رجلا صالحا. إن من كنوز البر الصبر على الرزايا وكتمان

(1) الأمنية أي التمني
(2) الا خاء أي المؤاخاة
(3) الدنف هو المريض مرضا ملازما
22

المصائب. إن من الغرة (1) بالله ان يصر العبد على المعصية
ويتمنى على الله المغفرة. إن القلوب تمل كما تمل الأبدان
فابتغوا لها طرائف الحكمة (2). إن الله تعالى ليدخل الفاسق في
دينه الجرئ على خلقه الجنة بسخائه. إن استطعت أن
لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل. إذا مات العالم
انثلم بموته في الاسلام ثلمة لا تسد (3) إلى يوم القيامة. إذا
وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر
ان اليسير من الله أكبر وأعظم من الكثير من خلقه وإن
كان كل منه. ما أنعم الله على عبد نعمة فشكرها بقلبه إلا
استوجبت المزيد منها قبل أن يظهر شكرها على لسانه
ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر من فلتات لسانه وصفحات
وجهه. ما أوضح الحق لذي عينين. إن الرحيل حق أحد
اليومين (4). ما أبالي باليسير رميت أم بالعسير لأن حق الله

(1) الغرة أي الاغترار
(2) طرائف الحكمة أي الحكم اللطيفة الحسنة
(3) ثلمة لا تسد أي فرجة لا تسد
(4) في نسخة حق أحد اليومين
23

تعالى في العسر الرضى وفي اليسر الشكر. يا بردها على الكبد
إذا سئل العالم عما لا يعلم أن يقول الله اعلم. العافية عشرة
أجزاء تسعة منها في الصمت إلا من ذكر الله تعالى وواحدة في
ترك مجالسة السفهاء (1). ما المبتلي وإن اشتد بلاؤه بأحق بالدعاء
من المعافى لأنه لا يأمن من البلاء. الجهاد ثلاثة أول ما يغلب
عليه من الجهاد اليد ثم اللسان ثم القلب فإذا كان القلب
لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا نكس فجعل أعلاه أسفله
أربع يمتن القلب الذنب على الذنب وملاحاة الا حمق (2) وكثرة
مثافنة النساء (3) والجلوس مع الموتى قالوا ومن الموتى يا أمير
المؤمنين قال كل عبد مترف (4). كفى بالعلم شرفا أنه يدعيه
من لا يحسنه ويفرح به إذا انسب إليه. الإيمان أن تؤثر الصدق
حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك. الداهية من الرجال (5)

(1) السفهاء أي الجهال
(2) وملاحاة الأحمق أي منازعته
(3) مثافنة النساء أي مجالستهن
(4) مترف أي متنعم
(5) الداهية من الرجال أي العاقل الجيد الرأي منهم
24

من كتم سره ممن يحب كراهية أن يشهره عند غضب
من المستودع. والصلب من اشتدت عارضته في اليقين
وظهر حزمه في التوكل. الخير الذي لا شر فيه الشكر مع
النعمة والصبر عند النازلة. أول عوض الحليم من حلمه أن
الناس أنصار له على الجاهل. العالم أفضل من الصائم القائم
الغازي في سبيل الله. العالم بمنزلة النخلة تنتظر متى يسقط
عليك منها شئ. العالم بلا عمل كالرامي بلا وتر. من كفارات
الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب (1). إذ ا
أقبلت الدنيا على رجل اعارته محاسن غيره وإذا أدبرت عنه
سلبته محاسن نفسه. العالم من عرف ان ما يعلم في جنب
ما لا يعلم قليل فعد نفسه بذلك جاهلا فازداد بما عرف
من ذلك في طلب العلم اجتهادا والجاهل من عد نفسه بما
جهل في معرفة العلم عالما وكان برأيه مكتفيا. إنما لك من
دنياك ما أصلحت به مثواك. إنما قلب الحدث (2) كالأرض

(1) والتنفيس عن المكروب أي التفريج عنه وفي نسخة والتنفس
(2) الحدث هو الشاب ضد المسن
25

الخالية ما القى فيها من شئ قبلته. إني لأستحي من الله
تعالى أن يكون ذنب أعظم من عفوي أو جهل أعظم من
حلمي أو عورة لا يواريها ستري أو خلة لا يسدها جودي
(نوع منه)
رب ساع فيما يضره. رب مشير بما يضير (1) رب طمع
خائب وأمل كاذب. رب رجاء يؤول إلى الحرمان. ورب
أرباح تؤول إلى الخسران. رب طلب قد جر إلى حرب. رب
باحث عن حتفه (2). رب هزل قد عاد جدا. رب بعيد أقرب
من قريب. رب أمر قد طلبته وفيه هلاك دينك لو أتيته.
ربما كان الدواء داء. ربما أكدى الحريص (3). ربما نصح غير
ناصح وغش غير المتنصح (4). ربما أخطأ البصير قصده وأصاب
العمى رشده. ربما سألت الشئ فلم تؤته أو أوتيت خيرا منه

(1) بما يضير أي بما يضر
(2) عن حتفه أي عن موته
(3) ربما أكدى الحريص أي خاب وانقطع
(4) المتنصح هو المتشبه بالنصحاء
26

عاجلا أو اجلا وصرف عنك بما هو خير لك. ربما أخر عنك
الإجابة ليكون أطول للمسألة وأجزل للعطية
(نوع منه)
من أكثر أهجر (1). من تفكر أبصر. من اشتاق سلا
من استطال. من مزح استخف به. من أكثر من شئ
عرف به. من زنا زني به. من جفا طغى. من ترك القصد (2)
جار. من سل سيف البغي قتل به. من حفر بئرا وقع فيها.
من تهاون بالدين ارتطم (3). من أحسن السؤال علم ومن
علم عمل ومن عمل (4) سلم. من كابد الأمور عطب ومن اقتحم
اللجج (5) غرق. من أعجب برايه ضل ومن استغنى بعمله زل

(1) من أكثر اهجر أي من أكثر كلامه فقد أفحش في منطقه لان
خير الكلام ما قل ودل
(2) القصد هو الاستقامة والوقوف عند الحد
(3) ارتطم أي وقع في كرب لا يخرج منه
(4) وفي رواية صحيحة عمل
(5) من اقتحم اللجج أي دخل فيها بغير تذكر في عواقبها
27

ومن تكبر على الناس ذل. من اطلق طرفه كثر أسفه. من
صارع الحق صرعه. من تعدى الحق ضاق مذهبه. من
حصن شهوته صان قدره. من غلب لسانه امره قومه. من
ضاق خلقه مله أهله. من طلب شيئا ناله أو بعضه. من
كثر كلامه كثر خطؤه ومن كثر خطؤه قل حياؤه ومن
قل حياؤه قل ورعه ومن قل ورعه مات قلبه ومن مات قلبه
دخل النار. من حمل ما لا يطيق عجز. من دخل مداخل
السوء اتهم. من تحرى الصدق خفت عليه المؤن. من تشبه
بقوم عد منهم. من اقتصر على قدره كان أبقى له. من طلب
الكيمياء (1) افتقر. من طلب علم النجوم تكهن. من
تفكر في ذات الله تعالى تزندق. من رضى زلة نفسه كثر الساخطون عليه. من خالط العلماء وقر. من خالط الأنذال حقر. من لم يملك
غضبه لم يكمل عقله. من استقبل وجوه الآراء عرف

(1) الكيمياء اسم صنعة معروفة
28

مواقع الخطأ. من ضيعه الأقرب أتيح له (1) الأبعد. من جرى
في عنان (2) أمله عثر بأجله. من أبصر عيب نفسه شغل عن
عيب غيره. من رضي بقسم الله (3) لم يحزن على ما في يد غيره.
من أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير. من
علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه. من نظر
في عيوب الناس ورضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه. من قلب
الأحوال عرف جواهر الرجال. من تلذذ بمعصية الله أورثه
الله ذلا. من عرف الأيام لم يغفل الاستعداد. من عرف
بالحكمة لاحظته العيون بالوقار. من أصبح والآخرة همه
استغنى بغير مال واستأنس بغير أهل وعز بغير عشيرة. من
علم من أخيه مروءة جميلة فلا يسمعن فيه الأقاويل. من
اقتصر على بلغة الكفاف (4) فقد تعجل الرحمة (5) وتبوأ خفض

(1) أتيح أي قدر له
(2) العنان هو السير الذي تمسك به الدابة
(3) وفي رواية برزق الله
(4) على بلغة الكفاف أي على ما يتبلغ به من العيش الذي على قدر القوت
(5) وفي نسخة الراحة
29

الدعة (1). من تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد
تعرض لفادحات النوائب (2). من سرق من الأرض شبرا
كلفه الله تعالى يوم القيامة نقله. من كان مطيته الليل والنهار
فإنه يسار به وإن كان لا يسير. من امن الزمان خانه ومن
تعظم عليه أهانه ومن ترغم عليه أرغمه ومن لجا إليه أسلمه
. من حسنت علانيته فنحن لسريرته أرجى. من عزفت نفسه
عن دنئ المطامع (3) كملت محاسنه ومن كملت (4) محاسنه حمد
والمحمود محبوب ولن يحب العباد عبدا إلا بعد حب الله تعالى
إياه. من هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته. من
يثق بك أو يرجو صلتك إذا قطعت صلة قرابتك (5)

(1) وتبوأ خفض الدعة أي نزل منزل الراحة
(2) لفادحات النوائب أي غوائلها
(3) من عزفت نفسه عن دنئ المطامع أي زهدت فيه وانصرفت عنه
(4) كمل كمنصر وكرم وعلم
(5) من هنا للاستفهام الانكاري
30

(نوع منه)
لا شرف أعلى من الإسلام ولا كنز أعز من التفوى ولا لباس أجمل من العافية ولا كنز اغنى من القناعة ولا
معقل (1) أحصن من الورع ولا شفيع انجح من التوبة ولا
وقاية أمنع من السلامة. ولا كنز اغنى من القنوع. ولا
مال اذهب للفاقة (2) من الرضا بالقوت. لا خير في معين مهين (3)
لا خير في زلة تورث ندما. لا خير في الدنيا إلا لرجلين رجل
أذنب ذنوبا فهو يتدارك ذلك بتوبة ورجل يسارع في الخيرات
لا حسب إلا بتواضع. ولا كرم إلا بتقوى. ولا عمل إلا
بنية ولا عبادة إلا باليقين
(نوع منه)
ليس كل طالب يصيب ولا كل غائب يؤوب (4). ليس كل

(1) ولا معقل أي لا ملجأ
(2) للفاقة أي للفقر
(3) مهين أي حقير
(4) يؤوب أي يرجع
31

من طلب وجد ولا كل من توفى نجا. ليس كل من رمى أصاب
ليس كل عورة تصاب. ليس في البرق اللامع مستمتع لمن
يخوض في الظلمة. ليس مع الفجور نماء ولا مع العدل ظلم
ولا مع القتل عدل ولا مع القطيعة غنى. ليس مع الاختلاف
ائتلاف. ليس جزاء من سرك أن تسوءه. ليس الدين بالرأي
إنما هو اتباع
(الباب الثاني)
(ما روى عنه كرم الله وجهه في ذم الدنيا وتزهيده فيها)
فمن ذلك قوله كرم الله وجهه
الدنيا أولها عناء وآخرها فناء حلالها حساب وحرامها
عذاب من صح فيها أمن ومن مرض فيها ندم ومن استغنى
فيها فتن ومن افتقر فيها حزن ومن ساعاها (1) فاتته ومن قعد
عنها أتته ومن نظر إليها أعمته ومن نظر بها (2) بصرته.

(1) ومن ساعاها أي جاراها
(2) ومن نظر بها أي استبدل بأحوالها
32

امرؤ عمل صالحا وقدم خالصا واكتسب مذخورا (1) واجتنب
محذورا وبنى غرضا واحرز عوضا كابر هواه وكذب مناه وجعل
الصبر مطية نجاته والتقوى عدة وفاته
(وقال كرم الله وجهه) الدنيا دار فناء وعناء وغير (2) وعبر (3) فمن الفناء ان الدهر
موتر قوسه مفوق نبله (4) لا تطيش سهامه (5) ولا تؤسى جراحه (6)
يرمي الشباب بالهرم والصحيح بالسقم والحياة بالموت شارب
لا يروى وآكل لا يشبع ومن العناء ان المرء يجمع ما لا يأكل
ويبني ما لا يسكن ثم يخرج إلى الله تعالى بلا بناء نقل ولا
مال حمل ومن غيرها أنها تلفيك المرحوم مغبوطا والمغبوط (7)

(1) مذخورا أي ذخيرة
(2) وغير أي حوادث لا تدوم على حال
(3) وعبر أي اعتبار
(4) موتور سهمه مفوق نبله أي مستعد لرمي أبنائه بالسهام
(5) لا تطيش سهامه أي لا تخطئ
(6) ولا تؤسى سهامه جراحه أي لا تداوى
(7) المغبوط هو من كان في نعمة
33

مرحوما ليس بين إلا نعيم زال وبؤس نزل ومن غيرها
ان المرء يشرف على أمله فيقطعه دونه أجله فلا امل مدرك
ولا مؤمل مدرك. فسبحان الله ما أغر سرورها واظمأ ريها (1)
وأضحى فيأها (2) كأن الذي كان من الدنيا لم يكن وكأن
الذي هو كائن منها قد كان لا جاء يرد ولا ماض يرتجع
وان الآخرة هي دار القرار ودار المقام وجنة ونار صار
أولياء الله إلى الآخرة بالصبر وإلى الامل بالعمل جاوروا الله
في داره ملوكا خالدين
(وقال كرم الله وجهه)
الدنيا دار غرور حائل. وزخرف (3) نائل. وظل آفل
وسند مائل. تردى مستزيدها. وتضر مستفيدها. فكم من
واثق بها راكن إليها قد أرهقته إيثاقها. وأعطته أرباقها (4).

(1) وأظمأ أي أعطش ارتواءها
(2) وأضحى فيأها أي أحر ظلها
(3) الزخرف هو الذهب والحسن من كل شئ
(4) قد أرهقته إيثاقها وأعلقته أرباقها وأشربته خناقها وألزمته وثاقها هذه السجعات الأربع كلها
بمعنى واحد وهو ان الدنيا أوثقته بحبال الهوان. الارباق جمع ربقة
وهي العروة التي تشد بها الشاة والخناق الحبل الذي يخنق به.
34

وأشربته خناقها. وألزمته وثاقها
(وقال كرم الله وجهه)
إن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع. وإن الآخرة قد
أقبلت وأشرفت باطلاع. والمظمار (1) اليوم وغدا السباق
(وقال كرم الله وجهه)
طوبى (2) للزاهدين في الدنيا. والراغبين في الآخرة.
أولئك قوم اتخذوا أرض الله بساطا. وترابها فراشا. وماء ها
طيبا. والكتاب شعارا. والدعاء دثارا (3). وقرضوا الدنيا قرضا

(1) المضمار هو الموضع الذي تضمر فيه الخيل للسباق
(2) طوبى اسم شجرة في الجنة
(3) والكتاب شعارا والدعاء دثارا الشعار الثوب الذي يلي الجسد والدثار
الثوب الذي يكون فوق الشعار
35

على منهاج المسيح بن مريم
(وقال له كرم الله وجهه رجل صف لنا الدنيا فقال)
وما أصف لك من دار من صح فيها أمن ومن سقم
فيها ندم. ومن افتقر فيها حزن. ومن استغنى فيها فتن. في
حلالها الحساب. وفي حرامها العذاب (1)
(وقال عليه السلام)
إعلموا انكم ميتون. ومبعوثون من بعد الموت. وموقوفون
على أعمالكم. ومجزيون بها. فلا تغرنكم الحياة الدنيا. فإنها
دار بالبلاء محفوفة. وبالفناء معروفة. وبالغدر موصوفة. وكل
ما فيها إلى زوال. وهي بين أهلها دول (2) وسجال (3). لا تدوم
أحوالها. ولن يسلم من شر نزالها. بينا أهلها منها في رخاء

(1) وفي أحوالها رواية النار
(2) دول جمع دولة أي يتداولونها بينهم
(3) وسجال أي أن تكون تارة على هؤلاء وتارة على هؤلاء
36

وسرور. إذا هم منها في بلاء وغرور. أحوال مختلفة. وتارات
متصرفة. العيش فيها مذموم. والرخاء فيها لا يدوم. وإنما
أهلها فيها أغراض مستهدفة فترميهم بسهامها. وتقصمهم
بحمامها (1). وكل حتفه مقدور. وحظه منها موفور
(وقال عليه السلام)
الدنيا دار ممر إلى دار مقر. والناس فيها رجلان رجل
باع نفسه فأوبقها (2). ورجل ابتاع نفسه (3) فأعتقها
(كتب عليه السلام إلى سلمان الفارسي رحمه الله)
أما بعد فإن مثل الدنيا مثل الحية. لين مسها. قاتل سمها
يهوي إليها الصبي الجاهل. ويحذرها اللبيب العاقل. فاعرض
عما يعجبك فيها. لقلة ما يصحبك منها. وضع عنك همومها.
لما لقيت من فراقها. وكن آنس ما تكون فيها أحذر

(1) بحمامها أي بموتها
(2) فأوبقها أي أهلكها
(3) ابتاع نفسه أي اشتراها
37

ما تكون لها فإن صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصة (1)
عنه مكروه والسلام
(وقال عليه السلام في ذم الدنيا)
احذروا هذه الدنيا الخداعة الغرارة التي قد تزينت بحليها (2)
وفتنت بغرورها. وغرت بآمالها. وتشوقت لخطأ بها. فأصبحت
كالعروس المجلوة. العيون إليها ناضرة. والنفوس بها مشغوفة
والقلوب إليها تائقة (3) وهي لأزواجها. كلهم قاتلة. فلا الباقي
بالماضي معتبر. ولا الاخر بسوء أثرها على الأول مزدجر.
ولا اللبيب فيها بالتجارب منتفع. أبت القلوب لها الا حبا.
والنفوس بها الا ضنا (4). فالناس لها طالبان. طالب ظفر بها
فاغتر فيها ونسي التزود منها للظعن عنها فقل فيها لبثه حتى
خلت منها يده وزلت عنها قدمه وجاءته أسر ما كان بها منيته

(1) اشخصه عنه أي أذهبه وأبعده
(2) وفي رواية بحليها
(3) تائقة أي مشتاقة
(4) الا ضنا أي الا بخلا
38

فعظمت ندامته. وكثرت حسرته. وجلت مصيبته. فاجتمعت
عليه سكرات الموت. فغير موصوف ما نزل به. وآخر اختلج
عنها (1) قبل ان يظفر بحاجته. ففارقها بغرته واسفه. ولم
يدرك ما طلب منها. ولم يظفر بما رجا فيها. فارتحلوا جميعا
من الدنيا بغير زاد. وقدما على غير مهاد (2). فاحذروا الدنيا
الحذر كله. فإنما مثلها مثل الحية لين مسها. قاتل سمها.
فأعرض عما يعجبك فيها. لقلة ما يصحبك منها. وضع عنك
ثقل همومها. لما تيقنت من وشك زوالها (3). وكن أسر
ما تكون فيها أحذر ما تكون لها. فإن صاحبها كلما اطمأن
منها إلى سرور أشخصه (4) عنها مكروه. وكلما اغتبط منها
باقبال (5). نغصه عنها إدبار. وكلما ثنى عليه منها رجلا طوت
عنه كشحا (6). فالسار فيها غار. والنافع فيها ضار. وصل

(1) اختلج عنها أي انتزع منها
(2) المهاد هو الفراش والمراد به هنا ما يمهده لنفسه في أخراه من العمل الصالح في دنياه
(3) من وشك زوالها أي قرب انقضائها
(4) اشخصه أي أذهبه
(5) اغتبط منها باقبال أي تمتع منها بنعمة
(6) كشحا الكشح هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف
39

رخاؤها بالبلاء. وجعل بقاؤها إلى الفناء. فرحها مشوب بالحزن (1)
وآخر غمومها إلى الوهن (2). فانظر إليها بعين الزاهد المفارق
ولا تنظر إليها بعين الصاحب الوامق (3). إعلم يا هذا أنها
تشخص الوادع الساكن (4). وتفجع المغتبط (5) الآمن. لا يرجع
منها ما تولى فأدبر. ولا يدري من هو آت فيحذر. أمانيها
كاذبة. وآمالها باطلة. صفوها كدر. وابن آدم فيها على
خطر. إ ما نعمة زائلة. وإما بلية نازلة. وإما معظمة جائحة (6)
وإما منية قاضية. فلقد كدرت عليه المعيشة إن عقل. وأخبرته
عن نفسها إن وعى. ولو كان خالقها جل وعز (7) لم يخبر عنها
خبرا. ولم يضرب لها مثلا. ولم يأمر بالزهد فيها. والرغبة
عنها. لكانت وقائعها وفجائعها قد انبهت النائم. ووعظت الظالم
وبصرت العالم. وكيف وقد جاء عنها من الله عز وجل زاجر

(1) مشوب بالحزن أي مختلط به
(2) الوهن هو الضعف
(3) الوامق أي المحب
(4) تشخص الوادع الساكن أي تقلقه وتزعزعه والوادع والساكن
بمعنى واحد فهما مترادفان
(5) المغتبط أي المتنعم المتمتع
(6) جائحة الجائحة هي الشدة التي تحتاج المال أي تهلكه
(7) وفي رواية وعلا
40

وأتت منه فيها البينات والبصائر (1). فمالها عند الله عز وجل قدر
ولا وزن. ولا خلق قسما بلغنا خلقا أبغض إليه منها. وما نظر
إليها مذ خلقها. ولقد عرضت على نبينا صلى الله عليه وسلم
بمفاتيحها وخزائنها لا ينقصه ذلك من حظه من الآخرة
فأبى ان يقبلها لعلمه ان الله جل ثناؤه أبغض شيئا فابغضه
وصغر شيئا فصغره وان لا يرفع ما وضع الله جل ثناؤه وان
لا يكثر ما أقل الله جل وعز ولو لم يخبرك عن صغرها
عند الله إلا أن الله جل وعز أصغرها عن أن يجعل خيرها
ثوابا للمطيعين. وان يجعل عقوبتها عقابا للعاصين. ومما يدلك
على دناءة الدنيا ان الله جل ثناؤه زواها عن أوليائه (2) وأحبائه
نظرا واختيارا. وبسطها لأعدائه فتنة واختبارا. فأكرم عنها
محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم حين عصب على بطنه من
الجوع. وحماها موسى (3) نجيه المكلم. وكانت ترى

(1) البصائر جمع بصيرة وهي الحجة والاستبصار في الشئ
(2) زواها عن أوليائه أي صرفها عنهم
(3) وحماها موسى أي منعها إياه
41

خضرة البقل من صفاق (1) بطنة من الهزال. وما سأل الله
جل ثناؤه يوم آوي إلى الظل إلا طعاما يأكله لما جهده من
الجوع. ولقد جاءت الرواية عنه انه كان أوحى إليه إذا
رأيت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته وإذا رأيت الفقر
مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين. وصاحب الروح والكلمة
عيسى بن مريم عليه السلام إذ قال أدمي الجوع (2) وشعاري
الخوف ولباسي. الصوف ودابتي. رجلاي وسراجي بالليل
القمر. وصلائي في الشتاء (3) مشارق الشمس. وفاكهتي ما أنبتت
الأرض للانعام. أبيت وليس لي شئ وليس أحد اغنى مني
أو سليمان بن داوود وما أوتي من الملك إذ كان يأكل
خبز الشعير ويطعم أهله الحنطة وإذا جنه الليل لبس المسوح
وغل يده إلى عنقه وبات باكيا حتى يصبح ويكثر أن
يقول رب إني ظلمت نفسي كثيرا وإلا تغفر لي وترحمني

(1) الصفاق هو جلد البطن
(2) أدمي الجوع أي إدامي الجوع والإدام كل ما يؤكل به الخبز
(3) وصلائي في الشتاء أي ما استدفى به في الشتاء
42

أكن من الخاسرين لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت
من الظالمين. فهؤلاء أنبياء الله وأصفياءه وأولياءه تنزهوا
عن الدنيا وزهدوا فيما زهدهم الله جل ثناؤه فيه منها.
وابغضوا ما أبغض. وصغروا ما صغر. ثم اقتص الصالحون
آثارهم (1). وسلكوا مناهجهم (2). وألطفوا الفكر. وانتفعوا
بالعبر. وصبروا في هذا العمر القصير عن متاع الغرور الذي
يعود إلى الفناء. ويصير إلى الحساب. نظروا بعقولهم إلى آخر
الدنيا ولم ينظروا إلى أولها. والى باطن الدنيا ولم ينظروا
إلى ظاهرها. وفكروا في مرارة عاقبتها. فلم تستهزهم (3)
حلاوة عاجلها. ثم ألزموا أنفسهم الصبر. وانزلوا الدنيا من
أنفسهم كالميتة التي لا يحل لاحد ان يشبع منها الا في حال
الضرورة إليها. وأكلوا منها بقدر ما أبقى لهم النفس. وامسك
الروح وجعلوها بمنزلة الجيفة التي اشتد نتنها فكل من مر

(1) اقتص الصالحون آثارهم أي تتبعوها
(2) وفي رواية منهاجهم
(3) فلم تستهزهم أي لم تحركهم إلى السرور بها والارتياح إليها
43

بها أمسك على انفه منها. فهم يتبلغون منها بأدنى البلاغ ولا
ينتهون إلى الشبع من النتن. ويتعجبون من الممتلئ منها شبعا
والراضي بها نصيبا. إخواني والله لهى في العاقبة والآجلة (1)
لمن ناصح نفسه في النظر. وأخلص له الفكر. أنتن من
الجيفة. وأكره من الميتة. غير أن الذي نشأ في دباغ
الاهاب (2) لا يجد نتنه ولا يؤذيه من رائحته ما يؤذي المار
به والجالس عنده. وقد يكفي العاقل من معرفتها علمه.
فان من مات وخلف سلطانا عظيما سره أنه عاش فيها
سوقة (3) خاملا أو كان فيها معافى سليما سره انه كان فيها
مبتلى ضريرا. فكفى بهذا على عوراتها والرغبة عنها دليلا. والله
لو أن الدنيا كانت من أراد منها شيئا وجده حيث تنال يده
من غير طلب ولا تعب ولا مؤنة ولا نصب ولا ظعن ولا دأب (4)

(1) وفي رواية والعاجلة
(2) نشأ في دباغ الاهاب أي شب في دبغه والإهاب هو الجلد الذي لم يدبغ، وفي نسخة إهاب
(3) السوقة بضم السين الرعية ضد الملك يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث
(4) ولا دأب أي اجتهاد في عمل
44

غير أن ما أخذ منها من شئ لزمه حق الله فيه. والشكر عليه
وكان مسؤولا عنه محاسبا عليه (1) لكان يحق على العاقل ان
لا يتناول منها إلا قوته وبلغة يومه (2). حذر السؤال وخوفا
من الحساب وإشفاقا من العجز (3) عن الشكر فكيف بمن تجشم
في طلبها (4) من خضوع رقبته. ووضع خده. وفرط عنائه.
والاغتراب عن أحبائه. وعظيم خطاره. ثم لا يدري ما أخر
ذلك الظفر أم الخيبة وإنما الدنيا ثلاثة أيام. يوم مضى بما
فيه فليس بعائد. ويوم أنت فيه فحق (3) عليك اغتنامه. ويوم
لا تدري أمن أهله ولعلك راحل فيه فأما غد فإنما في يديك منه الامل
فإن يكن أمس سبقك بنفسه فقد أبقى في يديك حكمته وإن
يكن يومك هذا آنسك بمقدمه عليك فقد كان طويل الغيبة

(1) نسخة به
(2) وبلغة يومه أي ما يتبلغ به من العيش في يومه
(3) واشفاقا من العجز أي حذرا منه
(4) بمن تجشم في طلبها أي تكلف فيه
(5) وفي رواية فحق
(6) فاما أمس فحكيم مؤدب يعني ان اليوم الذي
أتاك ومضى عنك علمك من الحكمة والتجارب ومحاسن الآداب ما لم تكن تعلم
45

عنك وهو سريع الرحلة فتزود منه وأحسن وداعه. جد (1)
بالثقة في العمل. وإياك والاغترار بالأمل. ولا يدخل عليك
اليوم هم غد يكفي اليوم همه وغد داخل عليك بشغله إنك
إن حملت على اليوم هم غد زدت في حزنك وتعبك وتكفلت
أن تجمع ما يكفيك أياما. فعظم الحزن. وزاد الشغل
واشتد التعب. وضعف العمل للأمل. ولو أخليت قلبك من
الامل لجدد لك العمل. والأمل منك في اليوم قد ضرك في
وجهين سوفت به العمل (2). وزدت به الهم والحزن. أولا
ترى أن الدنيا ساعة بين ساعتين. ساعة مضت. وساعة أنت فيها. فأما الماضية والباقية فلست تجد لرخائهما
لذة ولا لشدتهما ألما فأنزل الساعة الماضية والساعة التي
أنت فيها منزلة الضيفين نزلا بك فظعن الراحل عنك بذمه
إياك. وحل النازل بك بالتجربة لك فإحسانك إلى الثاوي يمحو (3)

(1) وفي نسخة خذ
(2) سوقت به العمل أي أخرت به عملك
(3) فاحسانك إلى الثاوي يمحو اساءتك إلى الماضي معناه ان احسانك
في الساعة الحاضرة يمحو اساءتك في الساعة الماضية. والثاوي هو المقيم
46

إسائتك إلى الماضي. فأدرك ما استطعت بإعتابك (1) فيما استقبلت
واحذر أن بجمع عليك شهادتهما فيوبقاك (2) ولو أن مقبورا
من الأموات قيل له هذه الدنيا أولها إلى آخرها تخلفها لولدك
الذي لم يكن لك هم غيرهم أو يوم نرده إليك فتعمل فيه
لنفسك لاختار يوما يستعتب فيه (3) من سيئ ما أسلف على
جميع الدنيا يورثها ولده خلفه فما يمنعك أيها المغتر المضطر
المؤتنف (4) أن تعمل على مهل قبل حلول الأجل وما يجعل
المقبور أشد تعظيما لما في يديك منك. ألا تسعى في تحرير
رقبتك وفكاك رقك. ووقاء نفسك من النار التي عليها ملائكة
غلاظ شداد.

(1) باعتابك أي فيه ارضائك
(2) فيوبقك أي يهلكك
(3) يستعتب فيه أي يطلب فيه الرضى والمسامحة
(4) المؤتنف أي المبتدئ وهو الذي يأكل من الشئ قبل أن يأكل منه غيره
47

(وقال كرم الله وجهه)
أيها الناس انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها الماقتين
لها فما خلق امرؤ عبثا فيلهو (1). ولا أمهل سدا فيلغو (2). وما
دنياه التي تزينه بخلف من الآخرة على سهمته (3) لا يرجع
بما تولى منها فادبر. ولا يدري ما هو آت منها فينتظر. فاعتبروا
وانظروا إدبار ما قد أدبر. وحضور ما قد حضر. فكان ما هو
كائن لم يكن. وكأن ما هو آت قد نزل.
(وقال كرم الله وجهه)
انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها. فإنها والله عن
قليل تزيل الثاوي (4) الساكن. وتفجع المترف (5) الامن
لا يرجع ما تولى عنها فادبر ولا يدري ما هو آت منها فينتظر

(1) فيلهو أي يلعب
(2) فيغلو أي يتكلم بما لا فائدة فيه
(3) على سهمته السهمة القرابة والنصيب
(4) الثاوي أي المقيم
(5) المترف هو المتنعم
48

سرورها مشوب بالحزن (1). وآخر الحياة فيها إلى الضعف
والوهن (2). فلا يغرنكم كثرة ما يعجبكم منها لقلة ما يصحبكم
منها. رحم الله عبدا تفكر فاعتبر. واعتبر فابصر إدبار
ما قد أدبر. وحضور ما قد حضر. وكأن ما هو كائن من
الدنيا عن قليل لم يكن. وكأن ما هو كائن من الآخرة
لم يزل. وكل ما هو آت قريب
(وقال كرم الله وجهه)
أوصيكم عباد الله بتقوى الله جل وعز. واغتنام ما
استطعتم عملا به من طاعة الله جل وعز. في هذه الأيام الخالية
لجليل ما يشفي عليكم (3) به الفوت بعد الموت. وبالرفض
لهذه الدنيا التاركة لكم وإن لم تكونوا تحبون تركها. والملبية
لكم وإن لم تكونوا تحبون تجديدها (4). فإنما مثلكم ومثلها

(1) مشوب بالحزن أي مختلط به
(2) والوهن أي الضعف
(3) لجليل ما يشفي عليكم أي لعظيم ما يشرف ويطلع عليكم
(4) وفي نسخة تجريدها وليست الرواية
49

كركب سلكوا سبيلا فكأنهم قد قطعوه. وأموا علما (1)
فكأن قد بلغوه. وكم عسى الجاري إلى الغاية ان تجري حتى
يبلغها. وكم عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه (2) ومن
ورائه طالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها. فلا تتنافسوا
في الدنيا وفخرها. ولا تعجبوا بزينتها. ولا تجزعوا من ضرائها
وبؤسها. فإن عز الدنيا وفخرها إلى انقطاع. وإن زينتها
ونعيمها إلى زوال. وإن ضرائها وبؤسها إلى نفاد. وكل مدة
فيها إلى منتهى. وكل حي فيها إلى فناء. أوليس لكم في آثار
الأولين. وفي آبائكم الماضين. معتبر وتبصرة إن كنتم
تعقلون. ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون. والى
الخلف الباقي منكم لا يبقون. قال الله جل وعز (وحرام
على قرية أهلكناها (3) أنهم لا يرجعون) الآية والتي بعدها
وقال جل وعز (كل نفس ذائقة الموت وإنما تو فون

(1) وأموا علما أي قصدوه
(2) لا يعدوه أي لا يتجاوزه
(3) وحرام على قرية أهلكناهم حرام في هذه الآية بمعنى واجب
50

أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد
فاز وما الحيا ة الدنيا إلا متاع الغرور) ألستم ترون أهل الدنيا
يمسون ويصبحون على أحوال شتى. ميت يبكي. وآخر يعزى
وصريع (1) مبتلى. وعائد يعود (2). وآخر بنفسه يجود (3). وطالب
والموت يطلبه. وغافل وليس بمغفول عنه. وعلى أثر الماضي
منا يمضي الباقي. (فلله الحمد رب السماوات السبع ورب العرش
العظيم) الذي يبقى ويفنى ما سواه. وإليه موئل الحق
ومرجع الأمور
(وقال كرم الله وجهه)
أما بعد فاني أحذركم الدنيا فإنها حلوة خضرة. حفت
بالشهوات. وراعت بالقليل (4). وتحجبت بالعاجلة. وعمرت

(1) وصريع أي طريح على الأرض
(2) وعائد المراد بالعائد هنا من يعود الانسان في مرضه فهو من العيادة لا من العود
(3) بنفسه يجود أي قارب ان يموت
(4) وراعت بالقليل أي أعجبت بقليها
51

بالآمال. وتزينت بالغرور. فلا تدوم حبرتها (1). ولا تؤمن
فجائعها. غدارة. ضرارة. خاتلة. (2) زائلة. نافذة. بائدة (3)
أكالة. غوالة. لا تعدو (4) إذا هي تناهت إلى أمنية أهل الرغبة
فيها. والرضى بها. أن تكون كما قال الله جل وعز (كماء أنزلناه
من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه
الرياح وكان الله على كل شئ مقتدرا) مع أن امرأ لم يكن
فيها في حبرة (5). إلا اعقبه منها بعد بعبرة (6). ولم يلق من
سرائها بطنا. إلا أعقبته من ضرائها ظهرا. ولم تطله (7) فيها
ديمة (8) رخاء إلا هتنت عليه منها مزنة بلاء وحرى (9). إذا أصبحت
لك مهتزة (10) ان تمسى لك متنكرة (11). وان جانب منها اعذوذب

(1) حبرتها أي سرورها
(2) خاتلة أي خادعة
(3) نافذة بائدة أي فانية هالكة
(4) لا تعدو أي لا تتجاوز
(5) في حبرة أي في سرور
(6) بعبرة العبرة هي دمعة العين قبل ان تسيل
(7) ولم تطله أي لم تقطر عليه
(8) ديمة الديمة المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق
(9) وحرى أي حقيق
(10) مهتنزة أي مرتاحة مقباة عليك
(11) متنكرة أي متغيرة لك معرضة عنك
52

لامرئ واحلولي. أمر منها جانب فأوبأ. وإن لبس
إنسان من غضارتها (1) رغبا أرهقته من بوائقها (2) تعبا. ولم
يمس امرؤ منها في جناح أمن إلا أصبح في جوف خوف. غرارة
غرور ما فيها. فإن من عليها. لا خير في شئ من زادها إلا
التقوى. من أقل منها استكثر مما يوبقه (2). ومن استكثر
منها لم تدم له وزالت عنه. كم من واثق بها فجعته. وذي
طمأنينة إليها صرعته (4). وذي خدع فيها قد خد عته. وكم من
ذي أبهة (5) فيها قد صيرته حقيرا. وذي نخوة (6) فيها قد ردته
خائفا فقيرا. وكم من ذي تاج قد ردته
خائفا فقيرا. وكم من ذي تاج قد أكبته لليدين وللفم.
سلطانها دول. وعيشها رنق (7) وعذبها أجاج (8) وحلوها صبر (9)

(1) غضارتها الغضارة النعمة والسعة
(2) أرهقته من بوائقها أي أغشته من غوائلها
(3) مما يوبقه أي يهلكه
(4) صرعته أي طرحته على الأرض
(5) ذي أبهة أي صاحب عظمة وكبر
(6) وذي نخوة النخوة الافتخار والعظمة
(7) وعيشها رنق أي عيشها متكدرة
(8) وعذبها أجاج الأجاج الماء الملح المر
(9) وحلوها صبر الصبر دواء مر
53

وغذائها سمام. وأسبابها رمام (1). وقطافها سلع (2). حيها
بعرض موت. وصحيحها بعرض سقم. ومنيعها بعرض
اهتضام. وملكها مسلوب. وعزيزها مغلوب. وضيفها
منكوب. وجارها محروب (3). مع أن وراء ذلك سكرات
الموت وزفراته. وهول المطلع (4). والوقوف بين يدي
الحكم (ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا
بالحسني) ألستم في مساكن من كان قبلكم. كانوا أطول
منكم أعمارا. وأبقى آثارا. وأعد منكم عديدا (5).
وأكثف منكم جنودا. وأشد منكم عنودا (6). تعبدوا للدنيا
أي تعبد. وآثروها (7) أي إيثار. ثم ظعنوا عنها بالصغار. فهل

(1) وأسبابها رمام أي حبالها بالية متقطعة
(2) وقطافها سلع القطاف وقت قطف الثمار والسلع شجر مر يعني ان كل ما احلولى من الدنيا يجده العاقل الزاهد فيها مرا
(3) محروب أي مسلوب ماله
(4) وهول المطلع المطلع موضع الاطلاع والمراد به هنا موضع الاطلاع على أمور الآخرة
(5) واعد منكم عديدا أي أكثر منكم عددا
(6) عنودا أي عنادا
(7) وآثروها أي اختاروها
54

بلغكم ان الدنيا سخت لهم نفسا بفدية. أو عدت (1) عنهم
فيما قد أهلكتهم به بخطب. بل أوهمتهم بالقوارع. وضعضعتهم
بالنوائب. وعقرتهم بالمناحر. وأعانت عليهم ريب المنون.
فقد رأيتم تنكرها لمن دان لها (2). واثرها (3) وأخلد إليها (4)
حين ظعنوا عنها لفراق أبد. أو إلى آخر زوال. هل زودتهم
إلا الشغب (5). أو أحلتهم إلا إلى الضنك. أو نورت لهم إلا
الظلمة. أو أعقبتهم إلا النار. أفهذه تؤثرون. أم عليها
تحرصون. أم إليها تطمئنون. يقول الله عز وجل (من
كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم
فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار
وحبط ما صنعوا وباطل ما كانوا يعملون) فبئست الدار
لمن لم يتهمها (6). ولم يكن فيها على وجل منها. اذكروا عند

(1) أوعدت عدت هنا بمعنى تجاوزت
(2) لمن دان لها أي ذل لها وخضع
(3) وآثرها أي اختارها
(4) واخلد إليها أي إليها واطمان بها
(5) الا الشغب الشغب هو تهييج الشر وهو بسكون الغين واختلفوا في فتحها
(6) لمن لم يتهمها أي لمن لم يدخل عليها بما تخيله له من زخارفها
55

تصرفها بكم. سرعة انقضائها عنكم. ووشك زوالها (1)
وضعف مجالها. ألم تحذكم على مثال من كان قبلكم (2)
وحذت من قبلكم على مثال من كان قبلهم جيل بعد جيل.
وأمة بعد أمة. وقرن بعد قرن. وخلف بعد خلف. فلا
هي تستحي من العار. ولا تبتغي (3) من المندبات (4).. ولا
تخجل من الغدر. اعلموا وأنتم تعلمون أنكم تاركوها لا بد
وإنما هي كما نعت الله (5) جل وعز (لعب ولهو وزينة وتفاخر
بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) فاتعظوا فيها بالذين
كانوا يبنون بكل ريع آية يعبثون (7). ويتخذون مصانع (8)
لعلهم يخلدون (9). وبالذين قالوا من أشد منا قوة. واتعظوا

(1) ووشك زوالها أي قرب انقضائها
(2) ألم تحذكم على مثال من كان
قبلكم أي ألم تقدركم على مثالهم وتفعل مثل ما فعلت بهم
(3) الرواية تنتهي
(4) من المندبات أي المؤلمات الموجعات
(5) كما نعت الله أي كما وصف الله عز وجل
(6) بكل ريع الريع المرتفع من الأرض وقيل هو الجبل
(7) يعبثون أي يلعبون
(8) ويتخذون مصانع المصانع الحصون
(9) لعلهم يخلدون أي يدوم لهم البقاء في الدنيا وهم قوم هود عليه السلام الذين قالوا
من أشد منا قوة قالوا ذلك لأنه لم يكن في زمانهم من هو أشد منهم قوة
56

بمن رأيتم من إخوانكم. فكيف حملوا إلى قبورهم لا يدعون
ركبانا. وأنزلوا لا يدعون ضيفانا. وجعل (1) لهم من الضريح
أجنانا (2). ومن التراب أكفانا. ومن الرفات جيرانا (3). فهم
جيرة لا يجيبون داعيا. ولا يمنعون ضيما. ولا ينالون مندبة.
ولا يعرفون سيئا. ولا حسنا. ولا يشهدون زورا (4). إن جيدوا (5)
لم يفرحوا (6). وإن قحطوا (7) لم يقنطوا. جميع وهم ابعاد. ومتنادون (8) لا يتزاورون ولا يزورون. حلماء
قد بادت أضغانهم (9) جهلاء. قد ذهبت أحقادهم. لا يخشى
فجعهم. ولا يرجى دفعهم. وهم كمن لم يكن وكما قال جل
ثناؤه (فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا

(1) الرواية وجعل
(2) من الضريح أجنانا الضريح الشق في وسط القبر والأجنان جمع جنن وهو القبر
(3) ومن الرفات جبرانا الرفات الحطام
أي الشئ الذي تحطم وتكسر
(4) زورا بالتحريك أي ميلا
(5) ان جيدوا أي أصابهم الجود بفتح الجيم وهو المطر الغزير يعنى ان اخصبوا
بها
(7) الرواية قحطوا
(8) ومتنادون أي مجتمعون في ناديهم وهو مجلسهم
(9) قد بدت أضغانهم أي ذهبت أحقادهم
57

نحن الوارثين) إن الدنيا وهل مطلبها. (1) رنق مشربها (2)
ردغ مشرعها (3) غرور مائل (4). ووشيج قاتل (5). وسناد
مائل (6). يونق مطرفها (7). ويعجب مونقها (8). وتردى مستزيدها
وتصرع مستفيدها. بإنفاد لذتها وموبقات شهوتها. وأسر
نافرها. قنصت بأحبلها. وقصدت بأسهمها. فناثل لهناتها (9).
وتعلل بهباتها (10) ليالي عمره وأيام حياته وقد علقته وهاق المنية (11)

(1) ان الدنيا وهل مطلبها الوهل الضعف والفزع
(2) رنق مشربها الرنق الماء الكدر
(3) ردغ مشرعها الردغ ككتف المكان الكثير الردغة
وهي الماء والطين والوحل الشديد والمشرع مورد الشاربة
(4) غرور مائل المائل القائم المنتصب يعني ان غرورها لا يزال نصب أعين أبنائها
(5) ووشيج قاتل الوشيج شجر الرماح
(6) وسناد مائل السناد المعاضدة والمؤازرة يريد ان الدنيا لا يستند إليها ولا يستعان بها
(7) يونق مطرفها أي يعجب والمطرف رداء من الخز مربع فيه اعلام
(8) ويعجب مونقها المونق هو الشئ الحسن
(9) قنائل لهناتها أي ناشرة لها ومذيعة والهنات الداهية
والجمع هنوات يعني لم تزل الدنيا تخرج من دواهيها كل مدفون وتوقظ من
فتنتها كل نائم
(10) وتعلل بهباتها أي تعطي قليلا مثل تعليل الطفل بيسير الطعام كي يستغني به عن اللبن
(11) قد وهاق المنية أي تعلقت به حبال المنون
58

فأردته بمرائرها. قائدة له بحتوفها. إلى ضنك المضجع. ووحشة
المرجع. ومجاورة الأموات ومعاينة المحل. وثواب العمل.
ثم ضرب على آذانهم فينات الدهور (1) فهم لا يرجعون قد
ارتهنت الرقاب. بسالف الاكتساب. وأحصيت الآثار لفصل
الخطاب. وقد خاب من حمل ظلما.
الباب الثالث
(فيما روى عنه عليه السلام من المواعظ)
فمن ذلك قوله عليه السلام
إنكم مخلوقون اقتدارا. ومربوبون اقتسارا (2). ومضمنون
أجداثا (3) وكائنون رفاتا. ومبعوثون أفرادا. ومدينون حسابا
فرحم الله عبدا اقترف (4) فاعترف. ووجل فعمل. وحاذر
فبادر. وعمر فاعتبر. وحذر فاذدجر. وأجاب فأناب.

(1) فينات وفي نسخة فتنات الدهور الفينات جمع فينة وهي الساعة والحين
(2) اقتسارا الاقتسار الاكراه
(3) أجداثا الأجداث القبور جمع جدث بفتح الدال
(4) اقترف أي اكتسب
59

وراج فتاب. واقتدى فاحتذى (1). فباحث طلبا. ونجا هربا.
وأفاد ذخيرة. وأطاب سريرة. وتأهب للمعاد (2). واستظهر
بالزاد (2). ليوم رحيله. ووجله سبيله. وحال حاجته. وموطن
فاقته. فقدم أمامه. لدار مقامه. فمهدوا لأنفسكم في سلامة
الأبدان فهل ينتظر أهل أهل غضارة الشباب (4) إلا حواني الهرم
وأهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم. وأهل مدة البقاء
إلا مفاجأة الفناء. واقتراب الفوت. ودنو الموت. وأزف
الانتقال (5) وإشفاء الزوال (6). وحفز الأنين (7). ورشح الجبين
وامتداد العرنين (8). وعلز القلق (9). وفيظ الرمق (10)

(1) فاحتدى أي اتبع غيره في الصلاح واقتدى به
(2) وتأهب للمعاد أي استعد للآخرة بتقديم العمل الصالح في الدنيا
(3) واستظهر بالزاد أي استعان به والمراد بالزاد هنا التقوى قال الله تبارك وتعالى وتزودوا فان
خير الزاد التقوى
(4) غضارة الشباب الغضارة النعمة والسعة
(5) وأزف الانتقال أي قرب التحول
(6) واشفاء الزوال الاشفاء الاشراف على الشئ
(7) وحفز الأنين الحفز الدفع من الخلف والأنين التأوه فالمراد بحفر الأنين
شدة التوجع
(8) العرين أي الانف
(9) وعلز القلق العلز قلق وخفة وهلع يصيب المريض فيمنعه النوم
(10) وفيظ الرمق أي خروج بقية الروح
60

وألم المضض (1) وغصص الجرض (2) إعلموا عباد الله أنكم
وما أنتم فيه من هذ ه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان
أطول منكم أعمارا. وأشد منكم بطشا. وأعمر منكم ديارا.
وابعد اثارا. فأصبحت أصواتهم هامدة خامدة من بعد طول
تقلبها وأجسادهم بالية. وديارهم خالية. وآثارهم عافية (3)
واستبدلوا بالقصور المشيدة. والسرر والنمارق (4) الممهدة
الصخور والأحجار المسندة في القبور اللاطية (5) الملحدة التي
فذ بين الخراب فنائها. وشيد التراب بناءها. فحملها مقترب
وساكنها مغترب. بين أهل عمارة موحشين. وأهل محلة
متشاغلين. لا يستأنسون بالعمران ولا يتواصلون كتواصل
الجيران والإخوان على ما بينهم من قرب الجوار ودنو الدار

(1) وألم المضض المضض وجع المصيبة
(2) وغصص الجرض الغصص الغصة والجرض الريق فالمراد بغصص الجرض الغصة بالريق (3) عافية أي دراسة
(4) والنمارق النمارق جمع نمرقة وهي الوسادة أي المخدة الصغيرة التي يتكأ عليها
(5) اللاطية أي الملتصقة بالأرض
61

وكيف يكون بينهم تواصل وقد طحنهم بكلكله (1) البلى
فأكلهم الجنادل والثرى. فأصبحوا بعد الحياة أمواتا. وبعد
غضارة العيش (2) رفاتا. فجع بهم الأحباب وسكنوا التراب
وظعنوا فليس لهم إياب هيهات هيهات (كلا إنها كلمة هو قائلها
ومن ورائهم برزخ (2) إلى يوم يبعثون) وكأن قد صرتم إلى
ما صاروا إليه من البلى. والوحدة في دار الموتى. وارتهنتم
في ذلك المضجع. وضمكم ذلك المستودع. فكيف بكم
لو قد تناهت الأمور. وبعثرت القبور (4). وحصل ما في
الصدور (5) ووفقتم للتحصيل. بين يدي الملك الجليل. فطارت
القلوب. لإشفاقها (6) من سالف الذنوب. وهتكت عنكم
الحجب والا ستار. وظهرت منكم العيوب والا سرار.

(1) بكلكله أي بصدره
(2) غضارة العيش الغضارة النعمة والسعة
(3) برزخ البرزخ الحاجز بين الشيئين وهو هنا من وقت الموت إلى
البعث فمن فقد دخل البرزخ
(4) وبعثرت القبور أي قلب ترابها وبعث موتاها
(5) وحصل ما في الصدور أي ميز وبين ما فيها من خير أو شر
(6) لاشفاقها أي حذرها
62

هنالك تجزى كل نفس ما أسلفت. إن الله يقول (ليجزي
الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)
اغتنموا أيام الصحة قبل السقم. والشبيبة قبل الهرم. وبادروا
بالتوبة قبل الندم. ولا تحملنكم المهلة على طول الغفلة فإن
الاجل يهدم الامل. والأيام موكلة بتنقيص المدة وتفريق
الأحبة. فبادروا رحمكم الله بالتوبة. قبل حضور النوبة (1)
وبرزوا للغيبة (2) التي لا تنتظر معها الأوبة (3). واستعينوا على بعد
المسافة بطول المخافة. فكم من غافل وثف بغفلته. وتعلل
بمهلته. فأمل بعيدا. وبنى مشيدا (4) فنقص بقرب اجله بعد
امله. وفاجأته منيته بانقطاع أمنيته. فصار بعد العز
والمنعة (5) والشرف والرفعة مرتهنا بموبقات عمله قد غاب

(1) قبل حضور النوبة النوبة إحدى نوائب الدهر التي تنزل بالانسان
والمراد بها هنا منيته
(2) وبرزوا للغيبة أي استعدوا لها ونهضوا إليها وهي هنا الغيبة عن الدنيا
(3) الأوبة أي الرجوع إلى الدنيا
(4) وبنى مشيدا أي قصرا مشيدا
(5) بعد العز والمنعة أي مع كونه في العز مع من يمنعه من أن يضام ويهان
63

فما رجع. وندم فما انتفع. وشقي بما جمع في يومه. وسعد به
غيره في غده. وبقى مرتهنا بكسب يده. ذاهلا عن أهله
وولده. لا يغنى عنه ما ترك فتيلا (1). ولا يجد إلى مناص (2)
سبيلا. فعلام (3) عباد الله المنعرج والدلج (4) وإلى أين المفر
والمهرب. وهذا الموت في الطلب يخترم الأول فالأول لا
يتحنن على ضعيف. ولا يعرج (5) على شريف. والجديدان (6)
يحثان الاجل (7) تحثيثا. ويسوقانه سوقا حثيثا (8). وكل ما هو
آت فقريب. ومن وراء ذلك العجب العجيب. فأعدوا الجواب
ليوم الحساب. وأكثروا الزاد ليوم المعاد. عصمنا الله وإياكم
بطاعته. وأعاننا وإياكم على ما يقرب إليه ويزلف لديه (9)

(1) ما ترك فتيلا أي لم يترك قدر فتيل والفتيل ما في شق النواة
(2) إلى مناص المناص الفرار
(3) فعلام أي على أي شئ
(4) المنعرج والدلج المنعرج المنعطف وهو منحنى الوادي يمنه ويسره والدلج من صفته كيت وكيت
(5) ولا يعرج أي لا يعطف ولا يميل
(6) والجديدان أي الليل والنهار
(7) يحثان الاجل أي يحضانه على أن ينقضى بسرعة
(8) حثيثا أي سريعا
(9) ويزلف لديه أي يقرب عنده
64

فإنما نحن وله إن الله وقت لكم الآجال. وضرب لكم
الأمثال. وألبسكم الرياش (1). وارفع لكم المعاش (2)
وآثركم بالنعم السوابغ (3) وتقدم إليكم بالحجج البوالغ
وأوسع لكم في الرفد الرافع (4). فشمروا فقد أحاط بكم
الاحصاء. وارتهن لكم الجزاء. القلوب قاسية عن حظها
لاهية عن رشدها. سالكة في غير مضمارها (5). كأن المعنى
سواها. اتقوا الله تقية من شمر تجريدا. وجد تشميرا وانكمش (6)
في مهل. وأشفق (7) في وجل. ونظر في كرة الموئل (8) وعافية
الصبر ومغبة المرجع (9) وكفى بالله منتقما ونصيرا (10)
وكفى بالجنة ثوابا ونوالا. وكفى بالنار عقابا ونكالا. وكفى

(1) الرياش هو اللباس الفاخر
(2) وارفع لكم المعاش أي أوسعه لكم
(3 وآثركم بالنعم السوابغ أي أكرمكم بالنعم الكاملة الوافية
(4) في الرفد الرافع أي العطاء الواسع
(5) في غير مضمار ها المضمار المكان الذي تضمر فيه الخيل للسباق
(6) وانكمش أي أسرع
(7) واشفق أي حذر
(8) في كره الموئل الكرة الرجوع والموئل الملجأ
(9) ومغبة المرجع أي عاقبته
(10) بالأصل بالباء والنون معا
65

بكتاب الله حجيجا وخصيما. رحم الله عبدا استشعر الحزن
وتجلب الخوف (1) وأضمر اليقين وعرى من الشك في توهم
الزوال فهو منه على بال فزهر مصباح الهدى في قلبه. وقرب
به على نفسه البعيد. وهون الشديد. فخرج من صفة العمى
ومشاركة الموتى. وصار من مفاتيح الهدى. ومغاليق أبواب
الردى. واستفتح بما فتح به العالم أبوابه. وخاض بحاره
. وقطع غماره (2). ووضحت له سبله ومناره. واستمسك من
العرى بأوثقها. واستعصم من الجبال بأمتنها (3). كشاف
غمرات. فتاح مهمات. دافع معضلات (4). دليل مضلات (5)
لا يدع للخير مطلبا إلا أمه. ولا مظنة إلا قصدها (6).

(1) وتجلبب الخوف أي جعله لباسا له
(2) وقطع غماره الغمار جمع غمر وهو الماء الكثير
(3) بأمتنها أي بأقواها وأرساها
(4) دافع معضلات المعضلات الشدائد
(5) دليل مضلات الفتن جمع مضلة وهي التي يضل فيها
(6) ولا مظنة الا قصدها أي ولا موضعا يظن فيه الخير الا اتاه وقصده
66

الباب الرابع
(فيما روى عنه عليه السلام من وصاياه ونواهيه)
أحسن كما تحب ان يحسن إليك. انصف الناس من نفسك
قبل ان ينتصف (1) منك. اطلب فإنه يأتيك ما قسم لك. ساهل
الدهر ما ذل قعوده (2) بادر الفرصة. قبل أن تكون غصة.
أدب نفسك بما كرهته لغيرك. أصلح مثواك. واتبع اخرتك
بدنياك لن لمن خالطك. فإنه يوشك ان يلين لك. اجعل
نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك. أحب لغيرك ما تحب
لنفسك. وأكره له ما تكره لها. استقبح من نفسك
ما استقبح من غيرك. خذ الفضل. وأحسن البذل. وقل للناس
حسنا. دع عنك أظن واحسب وارى. دع القول فيما لا تعرف.
والخطاب فيما لا تكلف. إرض من الناس لك. ما ترضى لهم
به منك. ألحح بالمسألة تفتح لك أبواب الرحمة. أنفق في

(1) في نسخة ينصف
(2) ما ذل قعوده أي ما انقادت مطيته معناه در مع الدهر كيفما دار ولا تكلف الأيام غير طباعها تسترح من كيد الزمان
67

حق ولا تكن خازنا لغيرك. أخر الشر فإنك إذا شئت
تعجله احتمل أخاك (1) على ما فيه. استعتب من رجوت إعتابه.
أطع أخاك وإن عصاك. وصله وإن جفاك. إقبل عذر من
اعتذر إليك. خف الله في سرك. يكفيك ما يضرك. ذك
قلبك بالأدب. كما تذكي تذكي النار بالحطب (2). تباعد من السلطان
ولا تأمن من خدع الشيطان. تخير لنفسك من كل خلق أحسنه
فان الخير عادة. اقطع عنك دابرات الهموم بعزائم الصبر.
أقم الحدود في القريب يجتنبها البعيد. قارن أهل الخير تكن
منهم. وباين أهل الشر (2) تبن عنهم. امحض أخاك النصيحة (4)
حسنة كانت أو قبيحة. ساعد أخاك على كل حال وزل
معه حيث زال. خض الغمرات إلى الحق. كن من الدنيا

(1) احتمل أخاك أي خذ العفو من أخلاقه ولا تستنقص عليه تستدم
بذلك مودته فأي الاخوان المهذب
(2) كما تذكي النار بالحطب أي كما توقد به معناه ان الا دب إذا حل في القلب زاده حدة ونشاطا
(3) باين أهل الشر أي فارقهم واهجرهم
(4) امحض أخاك النصيحة أي أخلصها له قبلها أو لم يقبل لأنها مطلوبة منك شرعا
68

على قلعة (1). عود نفسك السماح. تخير لوردك. إقبل العفو
من الناس. احذر التلون في الدين. عظم من يكرمك.
اعف عمن ظلمك. أكرم من أهانك. أحسن إلى من أساء
إليك. وكافئ من أحسن إليك أدع لمن أعطاك. اشكر
الله على ما أولا ك. واحمده على ما إبلا ك. أجمل. (2) لمن
أدل عليك (3) واقبل عذر من اعتذر إليك. خذ العفو من
الناس. ولا تبلغ من أحد ما تكرهه. تعفف عن أموال الناس
واستشعر منها اليأس. غلس بالفجر (4) تلقى الله تعالى أبيض
الوجه. تفقه في الدين. وعود نفسك الصبر على المكروه
أخلص في المسألة لربك فإن بيده العطاء والحرمان. ألجي
نفسك في الأمور كلها إلى إلهك فإنك تلجئها إلى كهف حريز

(1) على قلعة أي على رحلة وانتقال عنها لأن الدنيا ليست بدار قرار ولا
خلود
(2) الرواية أجمل وفي نسخة الأصل إجمل
(3) لمن أدل عليك أي لمن عمل عليك الدلال
(4) غلس بالفجر المراد بالفجر هنا صلا ة الصبح والتغليس بها هو ان يصليها في وقت الغلس وهو ظلمة آخر الليل ولا يؤخرها إلى انكشاف الظلام
69

ومانع عزيز. أغتنم من استقرضك () في حال غناك. واجعل
قضائك في يوم عسرتك. خذ من الدنيا ما اتاك. وتولى عما
تولى عنك. فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب. أكرم
نفسك عن كل دنيئة وإن سافتك إلى الرغب فإنك لن تعتاض (2)
بما تبذل من نفسك عوضا. اعرف الحق لمن عرفه لك رفيعا
كان أو وضيعا إطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر
وحسن اليقين أحسن العفو فإن العفو مع العذل
أشد من الضرب لمن كان له عقل. استغن بالله جل وعز على
أمرك. فإنه أكفى معين. ابذل لصديقك كل المودة. ولا
تبذل له الطمأنينة (3). واعطه كل المواساة (4) ولا تفض إليه
بكل الا سرار. احذر دمعة المؤمن (5) في السحر فإنها تقصف

(1) اغتنم من استقرضك الخ أي اغتنم ثواب من طلب منك القرض في
زمن غناك ولا ترده محروما من اقراضك إياه وإذا أقرضته فلا تعجل عليه
باقتضاء دينك منه ما دمت غنيا
(2) لن تعتاض أي لن تتعوض
(3) الطمأنينة أي السكون
(4) وأعطه كل المواساة أي أنله من مالك واجعله فيه أسوة
(5) احذر دمعة المؤمن الخ أي اعرف للمؤمن حقه ولا تهضم جانبه
فيدعو عليك في السحر ويجاب دعاؤه فلا تنجو منه واعلم علم اليقين ان
دمعة المؤمن لها اختصاص عند الله تعالى لا يدركه عباده وانه يرى فيها مالا
يرون حتى أن من دعا بها وتوسل أطفأت عنه بحور النيران
70

من دمعها. وتطفئ بحور النيران عمن دعا بها. ارفق بالبهائم
ولا توقف عليها احمالها. ولا تسقى بلجمها. ولا تحمل فوق
طاقتها أمسك عن طريق إذا خفت ضلالة (1) فإن الكف عند
حيرة الظلال خير من ركب الأهوال. مر بالمعروف تكن
من أهله. وأنكر المنكر بلسانك ويدك. وباين من فعله (2)
بجهدك. ابذل لصديقك مالك. ولمعرفتك (3) معونتك وللعامة
التحية والسلام. أحمل نفسك (4) عن أخيك عند صرمه على
الصلة. وعند صدوده على لطف المسألة. وعند جموده على

(1) إذا خفت ضلالة ان لا تهدي به
(2) وباين من فعله أي فارقه واهجره واحمل من نفسك على صلته عند صرمه أي عند قطعه مودتك وان صد عنك فلاطفه وابذل من مالك ما استطعت عند بخله وجموده وان تباعد فاقترب أنت
وكن هينا لينا عند شدته واعذره عند تجريه وتطاوله وانظر نفسك بالنسبة إليه كعبد لا يقدر على شئ وهو صاحب نعمة
71

البذل. وعند تباعده على الدنو. وعند شدته على اللين. وعند
تجريه على الا عذار. حتى كأنك عبد وكأنه ذو نعمة. لتكن
مسألتك فيما يعنيك مما يبقى عليك جماله. ولا يبقى عليك
وباله. لا ما لا يبقى لك ولا تبقى له فإنه يوشك (1) أن ترى عاقبة
أمرك محسنا أو مسيئا أو يعفو العفو الكريم.
(نوع منها)
لا تخن من ائتمنك وإن خانك. لا تذع سر من أذاع سرك.
لا تصرم أخاك على ارتياب. ولا تقطعه دون الاستعتاب (2). لا
تيأسن من الذنب وباب التوبة مفتوح. لا تظلم كما لا تحب ان
تظلم لا تقل ما لا تعلم. بل لا تقل كلما علمت. لا تكثر العتب
في غير ذنب. لا تضيع الفرائض وتتكل على النوافل لا تعمل
بالخديعة فإنها خلق لئيم لا تدع أن تنصح أهلك فإنك

(1) فإنه يوشك أي فإنه يسرع
(2) دون الاستعتاب أي الاستقالة والاسترضاء
72

عنهم مسؤول. لا تكن كحاطب الليل (1) وغثاء السيل (2).
لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا لا تكثر العتاب
فإنه يورث الضغينة. ويحرك البغضة. لا تقض وأنت غضبان
ولا من النوم سكران. لا تحضر مجلسك من لا يشبهك.
لا تهن من يكرمك. لا تعود نفسك الضحك. فإنه يذهب
بالبهاء. ويجرئ الخصوم على الاعتداء. لا تتول أهل السخط
ولا تسخط أهل الرضا. لا تشاقق مؤمنا فتلح كما يلحى
القضيب من لحائه (3) ولا تأخذ الناس بالإحن. فليس أخو
الدين ذا إحن (4) لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي
صديقك. لا تستريبن بثقة رجاء. لا تطلبن مجازاة أخيك. وان

(1) ولا تكن كحاطب الليل أي ليكن قولك سديدا ولا تخلط في كلامك
مثل حاطب الليل يخلط بين جيد الحطب ورديئة وربما يلسع ولا يدري
(2) وغثاء السيل الغثاء ما يحمله السيل مما على وجه الأرض
(3) كما يلحى القضيب من لحائه أي كما يجرد الغصن من قشره معناه لا تخالف
المؤمن ولا تعاديه فتلام وتشتم وتصير كالعود المجرد من قشره
(4) ذا إحن الإحن إحنة وهي الحقد والغضب
73

حثا التراب (1) بفيك. لا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما
بينك وبينه (2) فإنه ليس بأخ من أضعت حقه. لا تكونن
على الإساءة أقوى منك على الا حسان. ولا على البخل أقوى
منك على البذل. ولا التقصير أقوى منك على الفضل.
لا تكونن ممن لا ينتفع ممن لا ينتفع من العظة إلا بما لزمه فألمه فإن
العاقل يتعظ بالأدب (3). والبهائم لا تتعظ إلا بالضرب. لا
تكونن كمن يعجز عن شكر ما أوتي. ويبتغي الزيادة فيما
بقي. لا تكفرن ذا نعمة. فإن كفر (4) النعمة من ألأم
الكفر لا يغلبن عليك سوء الظن فإنه لا يدع بينك وبين
خليلك صلحا. لا يكن أهلك أشقى الناس بك. ولا ترغبن
فيمن زهد فيك. لا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك
على صلته لا يكبر عليك ظلم من ظلمك فإنه إنما يسعى

(1) حثا التراب أي رماه
(2) على ما بينك وبينه أي على ما بينكما من محكم المودة وشدة الرابطة
(3) يتعظ بالأدب أي يتعظ بمجرد سماع الموعظة ولا يكلف
الواعظ بكونه يهدده ويحمل في وعظه فوق طاقته
(4) في نسخة كفران
74

في مضرته ونفعك (1) لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ
صديقه في غيبه. ويحفظه عند نكبته. ويحفظه بعد وفاته في
مخلفيه وتركته. لا يقنطك إن أبطأت عليك الإجابة فإن
العطية (2) على قدر المسألة. لا يعد منك من شفق (3) سوء
ظن. لا يزهدنك في المعروف كفر من كفر (4) فقد
يشكرك عليه من لم يستمع منه بشئ. لا تمار سفيها (5) ولا
فقيها. اما الفقيه فتحرم خيره وأما السفيه فيحزنك شره
(نمط منه)
إياك أن تجمع مطية اللجاج (6). إياك ان توجف بك (7)
مطايا الطمع. إياك ان تعتذر من ذنب تجد إلى تركه سبيلا

(1) يسعى في مضرته ونفعك أي يسعى في مضرة نفسه بعقابها على ظلمك
ويسعى في نفعك بما تأخذه من حسناته منضما إلى حسناتك أو يسعى في
نفعك بما تناله من الأجر والثواب بصبرك على ظلمه مع تفويض امرك لله
عز وجل
(2) في نسخة الإجابة
(3) لا يعدمنك من شفيق أي لا يمنعنك منه
(4) في نسخة من كفره
(5) لا تمار سفيها أي لا تجادله
(6) اللجاج هو التمادي في الخصومة
(7) توجف بك أي تيسر بك
75

فإن أحسن حالك في الاعتذار ان تبلغ منزلة السلامة من
الذنوب. إياك والملامة (1) فإنها من السخف (2) والنذالة. إياك
والاتكال على المنى فإنها بضائع النكوى (3) وتثبط عن الآخرة
والدنيا (4) إياك والوقوف عما عرفته فإن كل ناظر مسؤول
عن عمله وقوله وإرادته.
عن عمله وقوله وإرادته. إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد
ان ينفعك فيضرك. وإرادته. إياك. ومصادقة الكذاب فإنه يقرب
عليك البعيد. ويعد عليك القريب. إياك ومصادقة البخيل
فإنه يقعد بك عند أحوج ما تكون إليه. إياك ومصادقة
الفاجر فإنه يبيعك في نفاقه (5). إياك ومقارنة من رهبته (6)
على دينك وعرضك. إياك ومشاورة النساء فان رأيهن إلى
أفن (7) وعزمهن إلى وهن (8). إياك وقبول تحف الخصوم (9).

(1) إياك والملالة أي احذر السآمة
(2) من السخف السخف رقة العقل
(3) بضائع النكوى أي أموالهم التي يتجرون بها والنوكى أهل الحماقة
(4) وتثبط عن الآخرة والدنيا أي تشغل عنهما
(5) وفي نسخة بالتافه
(6) من رهبته أي خفته
(7) إلى أفن الأفن ضعف الرأي والعقل
(8) إلى وهن الوهن الضعف والعجز
(9) تحف الخصوم أي ما يتحفونك به
76

إياكم وكفر النعم فتحل بكم ألقم
(نوع منه)
لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل. ويرجو التوبة
بطول الامل. ويقول في الدنيا قول الزاهدين. ويعمل فيها
عمل الراغبين. ان أعطي منها لم يشبع. وان منع منها لم
يقنع. يعجز عن شكر ما أوتي. ويبتغي الزيادة فيما بقي.
وينهى ولا ينتهي. ويأمر بما لا يأتي ولا ينتهي. ويأمر بما لا يأتي. يحب الصالحين ولا يعمل
بعملهم. ويبغض الطالحين وهو منهم. ويكره الموت لكثرة
ذنوبه. ويقيم على (1) على ما يكره الموت له. ان سقم ظل نادما
وان صح قام لاهيا (3). يعجب بنفسه إذا عوفي. ويقنط إذا
ابتلي تغلبه نفسه على ما يظن. ولا يغلبها على ما يستيقن.
لا يثق من الرزق بما ضمن له. ولا يعمل من العمل بما فرض

(1) ويقيم الخ أي يقيم على معاصيه التي يكره الموت من أجلها خوفا من
عقابه عليها
(2) قام لا هيا أي صار لا عبا
77

عليه. ان استغنى بطر. وان افتقر قنط ووهن. فهو من الذنب
والنعمة موقر (1). يبتغي الزيادة ولا يشكر. يتكلف من الناس
ما لم يؤمر. ويضيع من نفسه ما هو أكثر. يبالغ إذا سال
ويقصر إذا عمل. يخشى الموت. ولا يبادر الفوت. يستكثر (2)
من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه. ويستكثر
من طاعته ما يحقره من غيره. وهو على الناس طاعن. ولنفسه
مداهن (3). واللغو مع الأغنياء. أحب إليه من الذكر مع
الفقراء يحكم على غيره لنفسه. ولا يحكم عليها لغيره. وهو يطاع
ويعصى ويستوفي ولا يوفى
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر المعدل قال أخبرنا
أبو الطاهر محمد بن عبد الغني قال أخبرنا أبو طالب الخشاب
قال أخبرنا أبو عبد الله بن يزيد قال أخبرنا أحمد بن محمد

(1) موقر أي مثقل
(2) يستكثر الخ أي يرى معاصي غيره كثيرة ويستقل ما هو أكثر منها من معاصي نفسه ويرى القليل من طاعته كثيرا ويستقل الكثير من طاعة غيره
(3) ولنفسه مداهن أي غاش لها ومصانع
78

البغدادي قال يروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب صلى الله
عليهما قال أوصاني أبي رضي الله عنه قبل موته بثلاثين خصلة قال
يا بني (1) إن أنت عملت بها في الدنيا سلمك الله من شر الدنيا
والآخرة. قال قلت وما هي يا ابه (2) فقال احذر من الأمور
ثلاثا. وخف من ثلاث. وارج ثلاثا. ووافق ثلاثا. واستحي
من ثلاث. وافزع إلى ثلاث (3). وشح على ثلاث. وتخلص
إلى ثلاث. واهرب إلى ثلاث. واهرب من ثلا ث. وجانب ثلاثا. يجمع الله لك
بذلك حسن السيرة في الدنيا والآخرة فاما الذي أمرتك
ان تخدرها فاحذر الكبر والغضب والطمع فأما الكبر فإنه
خصلة من خصال الا شرار والكبرياء (4) رداء الله عز وجل
ومن أسكن الله قلبه مثقال حبة من كبر أورده النار والغضب

(1) يا بني هو تصغير ابن
(2) يا ابه بالهاء ويقال في النداء أيضا بفتح الثاء وكسرها ويا أبتاه ويا أباه كلها بمعنى يا أبي
(3) وافزع إلى ثلاث أي التجئ إليهن وتحصن بهن
(4) والكبرياء أي العظمة وهي من الصفات التي قد خص الله تعالى بها نفسه فلا يتصف بها غيره لخلوص هذه الصفة الشريفة له عز وجل
79

يسفه الحليم. ويطيش العالم. ويفقد معه العقل. ويظهر معه
الجهل. والطمع فخ من فخاخ إبليس وشرك من عظيم احتباله
يصيد به العلماء والعقلاء وأهل المعرفة وذوي البصائر قال قلت
صدقت يا ابه فأخبرني عن قولك. خف ثلاثا. قال نعم
يا بني. خف الله وخف من لا يخاف الله. وخف لسانك (1)
فإنه عدوك على دينك يؤمنك (2) الله جميع ما خفته قال
صدقت يا ابه. فأخبرني عن قولك وارج ثلاثا. قال يا بني
ارج عفو الله عن ذنوبك. وارج محاسن عملك. وارج
شفاعة نبيك عليه السلام قلت صدقت يا ابه. فأخبرني عن
قولك وافق ثلاثا قال نعم. وافق كتاب الله. ووافق سنة نبيك
عليه السلام
. ووافق ما يوافق الحق والكتاب قلت صدقت
يا ابه. فأخبرني عن قولك. استحى من ثلاث قال نعم يا بني

(1) وخف لسانك أي احذر عثراته ولا تجعل له عليك سلطانا وانظر
إلى ما ورد في ذلك من الأحاديث النبوية والحكم البالغة بخصوصيات حفظه
فمن لم يحفظ لسانه لا يلومن إلا نفسه
(2) في نسخة يؤمنك
80

استحي من مطالعة الله. إياك وأنت مقيم على ما يكره.
واستحي من الحفظة الكرام الكاتبين. واستحي من صالح
المؤمنين قلت صدقت يا ابه. فأخبرني عن قولك وافزع إلى
ثلاث قال نعم افزع إلى الله في ملمات أمورك (1) وافزع إلى
التوبة في مساوي عملك (2). وافرغ إلى أهل العلم وأهل الأدب
قلت صدقت يا ابه. فأخبرني عن قولك شح على ثلاث قال نعم
شح على عمرك ان تفنيه مما هو عليك لا لك ولا عليك
قلت صدقت يا ابه. فأخبرني عن قولك تخلص إلى ثلاث قال
نعم يا بني تخلص إلى معرفتك نفسك وإظهار عيوبها.
ومقتك إياها. وتخلص إلى تقوى الله ثم تخلص إلى إخمال
نفسك (3). وإخفاء ذكرك (4). قلت صدقت يا ابه. فأخبرني

(1) في ملمات أمورك أي فيما نزل بك من أمورك
(2) في مساوي عملك أي في عيوبه
(3) إلى اخمال نفسك أي إلى قعودها عن الافتخار والتعاظم وحب الرياسة فالمراد من ذلك التواضع
(4) واخفاء ذكرك أي اخفاء شهرته بين الناس تسلم من حقدهم عليك وحسدهم لك
81

عن قولك واهرب من ثلاث. قال نعم يا بني اهرب من
الكذب. واهرب من الظلم. واهرب من الظالم. وإن كان ولدك أو والدك.
واهرب من مواطن الامتحان التي يحتاج فيها إلى صبرك. قلت
صدقت يا ابه فأخبرني عن قولك جانب هواك وأهل الأهواء. وجانب الشر وأهل الشر.
وجانب الحمقى وان كانوا متقربين أو مشيخة مختصين والسلام
اخبرني محمد بن منصور بن عبد الله عن أبي عبد الله
التستري إجازة. قال أخبرنا أبو الفضل محمد بن عمر بن محمد
الكوكبي الأديب. قال حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب
قال حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا ضرار بن صرد قال
حدثنا عاصم بن حميد قال حدثنا ثابت بن أبي صفية أبي
حمزة (1) الثمالي عن عبد الرحمن بن جندب عن كميل بن
زياد قال اخذ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

(1) أبي حمزة هكذا نسخة الأصل وصوا به أبو حمزة بالرفع لأنه كنية
ثابت لا أبى صفية
82

بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان (1) فلما أصحر (2) تنفس صعداء (2)
ثم قال يا كميل إن هذ ه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للعلم.
إحفظ عني ما أقول لك. الناس ثلاثة عالم رباني. ومتعلم على
سبيل نجاة. وهمج رعاع (4) اتباع كل ناعق غاو يميلون مع كل
ريح لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤا إلى ركن وثيق. يا كميل
العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال والمال
تنقصه النفقة. والعلم يزكو على الانفاق. يا كميل محبة العالم
دين يدان به يكسبه العلم الطاعة لربه عز وجل في حياته.
وجميل الأحدوثة بعد وفاته. ومنفعة المال تزول بزواله.
والعلم حاكم والمال محكوم عليه. يا كميل مات خزان المال
وهم احياء والعلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة. وأمثالهم
في القلوب موجودة. ها إن ها هنا لعلما جما (5) (وأشار إلى صدره)

(1) إلى ناحية الجبان أي إلى جهة الصحراء
(2) فلما أصحر أي خرج إلى الصحراء
(3) تنفس صعداء الصعداء التنفس الطويل
(4) وهمج رعاع الهمج ذباب صغير كالبعوض يقع على وجوه الغنم
والرعاع الاحداث الطضام أي أوغاد الناس
(5) لعلما جما أي علما كثيرا
83

لو أصبت له حملة. اللهم بلى أصبته لقنا (1) غير مأمون
يستعمل آلة الدين في الدنيا. ويستظهر بحجج الله (2) على
أوليائه وبنعمه على كتابه أو منقادا لجملة الحق (3) لا بصيرة
له في إحيائه يقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة. اللهم
لا ذا ولا ذاك أو منهوما باللذات (4) سلس القياد (5) للشهوات أو
مغرما بجمع الأموال والادخار ليسا من رعاة الدين أقرب
شبها بهما الانعام السائمة (6) كذلك يموت العلم بموت حملته.
اللهم بلى لن تخلوا الأرض من حجة قائم لله بحجة إما ظاهر مشهور
وإما خائف مغمور (7). كي لا تبطل حجج الله وبيناته. وكم
وأين أولئك الأقلون عددا. الأعظمون عند الله قدرا. بهم

(1) بلى أصبته لقنا اللقن هو السريع الفهم يعنى انه وجد حاملا للعلم
سريع الفهم له لكنه غير مأمون على العلم بسبب انه لا يصور ولا يعمل به
(2) ويستظهر يحجج الله أي يستعين بها
(3) لجملة الحق بضم الميم أي جماعته وفي نسخة لحملة بالحاء
(4) أو منهوما باللذات أي مولعا بها منهمكا فيها
(5) سلس القياد أي سهل الانقياد
(6) السائمة أي الراعية
(7) مغمور أي خامل بين الناس
84

يحفظ الله حججه حتى يودعها نظراءهم. ويودعها في قلوب
أشباههم. هجم بهم العلم على حقيقة الايمان. فباشروا روح
اليقين. واستسهلوا ما استوعر منه المترفون (1) وانسوا بما
استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة
بالمحل الاعلى أولئك خلفاء الله في ارضه الدعا ة إلى دينه
هاه شوقا (2) إلى رؤيتهم واستغفر الله لي ولك يا كميل إذا
شئت فقم.
(وصيته كرم الله وجهه لما ضربه ابن ملجم)
لما ضرب أمير المؤمنين عليه السلام اجتمع إليه أهل بيته
وجماعة من خاصة أصحابه فقال الحمد لله الذي وقت
الآجال (3) وقدر أرزاق العباد وجعل لكل شئ قدرا ولم

(1) المترفون أي المتنعمون
(2) هاه شوقا لفظ هاه معناه حكاية ضحك الضاحك والمراد انه يسره النظر إلى الخلفاء المذكورين الداعين إلى دين الله عز وجل
(3) وقت الآجال أي جعل لكل أجل وقتا محددا إذا جاء ساعة لا يستأخر صاحبه ساعة ولا يستقدمون)
85

يفرط في الكتاب من شئ فقال (أينما تكونوا يدرككم الموت
ولو كنتم في بروج مشيدة) وقال عز وجل (قل لو كنتم في
بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) وقال
عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (وامر بالمعروف وانه عن
المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) لقد
خبرني حبيب الله وخيرته من خلقه وهو الصادق المصدوق عن
يومي هذا وعهد إلي (1) فيه فقال يا علي كيف بك إذا بقيت في
حثالة (2) من الناس تدعو فلا تجاب وتنصح عن الدين فلا تعان
وقد مال أصحابك وشنف لك نصحاؤك (3) فكان الذي معك
أشد عليك من عدوك إذا استنهضتهم صدوا معرضين وإن
استحثثتهم (4) أدبر وا نافرين يتمنون فقدك لما يرون من قيامك

(1) وعهد إلى أي أوصاني
(2) في حثالة أي في قوم من الناس لا خير فيهم
(3) وشنف لك نصحاؤك أي تنكروا لك واعرضوا عنك كل الاعراض
(4) وان استحثهم أي حضضتهم على تأييدك ونصرك
86

بأمر الله عز وجل وصرفك إياهم عن الدنيا فمنهم من قد
حمست طمعه (1) فهو كاظم على غيظه. ومنهم من قلت
أسرته (2) فهو ثائر (2) متربص (3) بك ريب المنون وصروف
النوائب وكلهم نغل الصدر (5) ملتهب الغيظ فلا تزال فيهم
كذلك حتى يقتلوك مكرا أو يرهقوك شرا (6) وسيسمونك
بأسماء قد سموني بها فقالوا كاهن وقالوا ساحر وقالوا كذاب
مفتر فاصبر فإن لك في أسوة (7) وبذلك أمر الله إذ يقول
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) يا علي إن الله عز
وجل امرني ان أدنيك ولا أقصيك وان أعلمك ولا أهملك
وان أقربك ولا أجفوك فهذه وصيته إلي وعهده لي. ثم إني
أوصيكم أيها النفر الذين قاموا بأمر الله وذبوا عن دين الله

(1) حسمت طمعه أي قطعته وأزلته
(2) أسرته أي رهطه الأقربون الذين يتقوى بهم
(3) فهو ثائر أي طالب للثأر
(4) متربص أي منتظر
(5) نغل الصدو أي حاقد عليك متغيظ منك
(6) أو يرهقك شرا أي يكلفوك إياه
(7) فان لك في أسوة أي لك في قدوة معناه انظر إلى صبري على ما أصابني من قريش واقتد بي في ذلك
87

وجدوا في طلب حقوق الأرامل والمساكين. أوصيكم بعدي
بالتقوى وأحذركم الدنيا والاغترار بزبرجها وزخرفها (1)
فإنها متاع الغرور وجانبوا سبيل من ركن إليها وطمست
الغفلة على قلوبهم وهم لا يشعرون وقد كان قبلكم قوم خلفوا أنبيائهم
باتباع آثارهم فإن تمسكتم بهديهم واقتديتم بسنتهم لم
تضلوا إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خلف فيكم كتاب الله وأهل بيته
فعندهم علم ما تأتون وما تتقون (2) وهم الطريق الواضح
والنور اللائح وأركان الأرض القوامون بالقسط (3) بنورهم
يستضاء وبهديهم يقتدى من شجرة (4) كرم منبتها فثبت أصلها
وبسق فرعها (5). وطاب جناها (6). نبتت في مستقر الحرم

(1) بزبرجها وزخرفها أي بزينتها وبهجتها يعني لا تغرنكم الحياة الدنيا
ولا تنظروا إليها نظر المعجب بها إذا اخذت زخرفها وازينت فان جميع
مائرون عن ذلك صائر للزوال
(2) وما تتقون أي ما تحذرون
(3) بالقسط أي العدل
(4) من شجر المراد بالشجرة هنا النخلة
(5) وبسق فرعها أي طال فرعها وارتفع في السماء
(6) وطاب جناها أي طاب ثمرها
88

وسقيت ماء الكرم. وصفت من الأقذاء (1) والأدناس.
وتخيرت من أطيب مواليد الناس. فلا تزولوا عنهم فتفرقوا (2).
ولا تتحرفوا عنهم فتمزقوا (3). وألزموهم تهتدوا وترشدوا.
واخلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم بأحسن الخلافة
فقد أخبركم انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض أعني كتاب
الله وذريته. استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. بلغكم
الله ما تأملون. ووقاكم ما تحذرون. إقرؤا على أهل مودتي
السلام والخلف وخلف الخلف حفظكم الله وحفظ فيكم
نبيكم والسلام
(وصيته كرم الله وجهه للحسن لما ضربه ابن ملجم أيضا)
ولما ضربه ابن ملجم دخل عليه الحسن
وهو باك فقال له ما يبكيك يا بني (4) فقال له مالي لا ابكى

(1) من الأقذاء جمع قذى وهو ما يسقط في العين والشراب
(2) فتفرقوا أي تفرقوا فتذهب قوتكم
(3) فتمزقوا أي تصيروا متمزقين في كل واد لا يهديكم هاد ولا يجمعكم جامع
(4) يا بني هو تصغير ابن
89

وأنت في أول يوم من أيام الآخرة وآخر يوم من أيام
الدنيا فقال له يا بني احفظ عني أربعا وأربعا لا يضرك ما عملت
بهن شئ قلت وما هن يا ابه (1) قال إن اغنى الغنى العقل.
وأكثر الفقر الحمق. وأوحش الوحشة العجب. وأكرم
الحسب حسن الخلق قلت يا ابه هذه أربع فأعطني الا ربع
قال يا بني وإياك ومصادقة الأحمق (2) فإنه يريد ان ينفعك
فيضرك. وإياك ومصادقة الكذاب فإنه يريد يقرب عليك البعيد
ويبعد عليك القريب. وإياك ومصادقة البخيل فإنه يقعد بك
عند أحوج ما تكون إليه. وإياك ومصادقة الفاجر فإنه
يبيعك في نفاقه (3) * اخبرني أبو عبد الله محمد بن منصور
التستري فيما أجازه لي قال أخبرنا الحسن بن محمد بن سعيد
ابن حمدان قال حدثنا أحمد بن محمد بن الفضل النحوي

(1) يا أبه بالهاء في النداء أيضا يا أبت بفتح التاء وكسرها ويا أبتاه
ويا أباه كلها بمعنى يا أبي
(2) إياك ومصادقة الأحمق أي احذر مصاحبة الجاهل ولا تتخذه لك صديقا فإنه لا يعرف طريق النفع لنفسه فينفعها فكيف يعرفه لغيره ويهديه سبيل الرشاد
(3) في نفاقه أي في رواجه
90

قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن قريش الحكيمي قال حدثنا
عبد العزيز بن ابان قال حدثنا سهل بن شعيب النهمي عن
عبد الاعلى عن نوف البكالي قال رأيت علي بن أبي طالب
عليه السلام ليلة النصف من شعبان فأكثر الخروج
والنظر إلى السماء فقال أنائم أنت يا نوف قال قلت بل رامق
أرمق أمير المؤمنين (1) بعيني فقال يا نوف طوبى (2) للزاهدين
في الدنيا والراغبين في الآخرة فإن أولئك قوم اتخذوا
أرض الله بساطا. وترابها فراشا. وماءها طيبا. والقرآن
شعارا (2). والدعاء دثارا. ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج
المسيح بن مريم فان الله عز وجل أوحى إلى عبده المسيح
ابن مريم ان مر بني إسرائيل ان لا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا
بقلوب طاهرة. وابصار خاشعة. وأيد نقية. فإني لا استجيب

(1) ارمق أمير المؤمنين أي انظر إليه
(2) طوبى اسم شجرة في الجنة أو هي الجنة بالهندية
(3) شعارا الشعار الثوب الملاصق لشعر البدن والدثار يكون فوق الشعار
91

لأحد منهم دعوة من خلقي قبله مظلمة يا نوف لا تكونن
شاعرا. ولا عشارا (1) ولا شرطيا. (2) ولا عريفا (3). ولا صاحب
كوبة (4). ولا صاحب عرطبة (5). فإن نبي الله داود عليه السلام
خرج في مثل هذه الليلة فقال ما من عبد يدعو الله عز وجل
إلا استجاب دعوته في هذه الساعة إلا أن يكون شاعرا أو عشارا. أو شرطيا. أو عريفا. أو صاحب كوبة. أو صاحب
عرطبة. أوصيكم عباد الله بتقوى الله والتنافس في الحظ
النفيس. والإشفاق من اليوم العبوس (6). والجد في خلاص
النفوس والسعي في فكاكها قبل هلاكها. والاخذ لها قبل
الاخذ منها. اغتنموا أيام الصحة قبل السقم. والشبيبة قبل
الهرم. وبادروا بالتوبة قبل الندم. ولا تحملنكم المهلة على
طول الغفلة فان الأجل. يهدم الأمل. والأيام موكلة

(1) ولا عشارا العشار الذي يقبض عشر الأموال
(2) ولا شرطيا الشرطي أحد أعوان الولا ة
(3) ولا عريفا العريف النقيب وهو دون الرئيس
(4) كوكبة الكوكبة الطبل
(5) عرطبة العرطبة العود وهو من آلات الطرب
(6) والاشفاق من اليوم العبوس أي الحذر من يوم القيامة
92

بتنقيص المدة تفريق الأحبة. فبادروا رحمكم الله بالتوبة
قبل حضور النوبة (1) وبرزوا للغيبة التي لا تنتظر معها الأوبة (2)
واستعينوا على بعد المسافة بطول المخافة. فكم من غافل وثق بغفلته
وتعلل بمهلته. فأمل بعيدا. وبنى مشيدا. (3) فنغص بقرب اجله. بعد
امله. وفاجأه منيته. بانقطاع أمنيته. فصار بعد العز (4)
والمنعة. والشرف والرفعة. مرتهنا بموبقات عمله. قد غاب
فما رجع. وندم فما انتفع. وشقي بما جمع في يومه. وسعد به
غيره في غده. وبقى مرتهنا بكسب يده. ذاهلا عن أهله
وولده. لا يغني عنه ما ترك فتيلا. ولا يجد إلى مناص سبيلا
فعلام (5) عباد الله المنعرج (6) والدلج (7) وإلى أين المفر والمهرب

(1) قبل حضور النوبة أي قبل ان تنزل بكم إحدى نوائب الدهر
(2) الأوبة أي الرجوع إلى الدنيا بعد الغيبة عنها
(3) وبنى مشيدا أي بنى قصرا مشيدا
(4) بعد العز أي بعد كونه في العز بين من يمنعه من أن يضام ويهان
(5) فعلام أي على أي شئ
(6) المنعرج أي المنعطف وهو منحنى الوادي يمنه ويسره
(7) والدلج هو السير من أول الليل معناه على أي شئ عباد الله المنعرج والدلج من صفته كيت وكيت
93

وهذا الموت في الطلب. يخترم الأول فالأول لا يتحنن على
ضعيف. ولا يعرج (1) على شريف. والجديدان (2) يحثان
الاجل (3) تحثيثا. ويسوقانه سوقا حثيثا (4). وكل ما هو آت
فقريب. ومن وراء ذلك العجب العجيب. فأعدوا الجواب
ليوم الحساب. وأكثروا الزاد. ليوم المعاد. عصمنا الله وإياكم على ما يقرب إليه. ويزلف
لديه (5). فإنما نحن به وله. أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإن
تقوى الله منجاة من كل هلكة. وعصمة من كل ضلالة.
وبتقوى الله فاز الفائزون. وظفر الراغبون. ونجا الهاربون.
وأدرك الطالبون. وبتركها خسر المبطلون (إن الله مع الذين
اتقوا والذين هم محسنون) الله الله (6) عباد الله قبل جفوف
الأقلام. وتصرم الأيام. ولزوم الآثام. (7) وقبل الدعوة

(1) ولا يعرج أي لا يعطف
(2) والجديدان أي الليل والنهار
(3) يحثان الاجل أي يحضانه على أن ينقضي بسرعة
(4) حثيثا أي سريعا
(5) ويزلف لديه أي يقرب عنده
(6) الله الله أي اتقوا الله
(7) الآثام أي العقوبة على الاثم
94

بالحسرة. والويل والشقوة. ونزول عذاب الله بغتة أو جهرة.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال. (1) ووقت
لكم الآجال وفتق لكم أسماعا لتعي ما عناها. (2) وأبصارا لتجلو عن
عشاها. (2) وأفئدة لتفهم ما دهاها لم يخلقكم عبثا. ولم يمهلكم (4)
سدا. ولم يضرب عنكم الذكر صفحا. بل أكرمكم بالنعم
السوابغ (5). وقطع عذركم بالحجج البوالغ. ورفدكم بأحسن
الروافد. (6) واعم الزوائد. وأحاط بكم الاحصاء. وأرصد لكم
الجزاء في السراء والضراء. فاتقوا الله عباد الله وجدوا في
الطلب وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل. اقطعوا التهمات
واحذروا هادم اللذات. تجهزوا رحمكم الله فقد نودي فيكم
بالرحيل. وأقلوا العرجة على الدنيا (7) وانقلبوا بصالح

(1) ضرب لكم الأمثال أي وصفها وبينها لكم
(2) لتعي ما عناها أي لتحفظ ما أهمها
(3) عن عشاها العشا بالقصر ضعف البصر بالليل والنهار
(4) وفي نسخة يهملكم
(5) بالنعم السوابغ أي النعم الوافية
(6) ورفدكم بأحسن الروافد أي أعطاكم أحسن العطاء والروافد خشب السقف
(7) وأقلوا العرجة على الدنيا أي اتركوا الميل والانكباب عليها
95

ما بحضرتكم من الزاد (1) فإن امامكم عقبة كودا (2) ومنازل
مخوفة مجهولة لابد من الممر عليها (3) والوقوف عندها فإما
رحمة من الله جل وعز فنجوتم من فظاعتها. وشدة مختبرها
وكراهة منظرها وإما بهلكة ليس بعدها انجبار
(وصيته كرم الله وجهه لابن عباس)
قال ابن عباس ما انتفعت بشئ بعد النبي صلى الله عليه
وسلم انتفاعي بكلمات كتبهن إلي أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب عليه السلام قال كتب إلي
(بسم الله الرحمن الرحيم)
اما بعد فإن المرء يفرح بإدراك ما لم يكن ليفوته
ويغتم لفوت ما لم يكن ليدركه فإذا اتاكل الله (4) من الدنيا

(1) بصالح ما بحضرتكم من الزاد أي بصالح ما عندكم من التقوى
(2) عقبة كؤودا أي عقبة المصعد
(3) لابد من الممر عليها أي لا محالة من مروركم عليها ووقوفكم عندها حتى يدرككم
الله عز وجل برحمته فتكونوا من الناجين يومئذ
(4) أتاك الله الخ أي لا تكن كثير الفرح إذا أعطاك الله شيئا من متاع الدنيا ولا تكن كثير الحزن إذا منعك شيئا منها فان متاعها قليل وان بلغ ما بلغ لأنه صائر للزوال فاجعل همك كله لما بعد الموت والسلام
96

شيئا فلا تكثرن به فرحا. وإذا منعك منها فلا تكثرن عليه
حزنا. وليكن همك لما بعد الموت والسلام.
الباب الخامس
(في المروي عنه منه أجوبته عن المسائل وسؤالاته عليه السلام)
قال أمير المؤمنين عليه السلام أما بعد أيها الناس إذا
سأل سائل فليعقل. وإذا سئل فليتثبت فوالله لقد نزلت بكم
نوازل البلاء وحقائق الأمور لفشل كثير (1) من المسؤولين
وإطراق كثير (2) من السائلين.
(قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه)
ما أول نعمة انعمها الله عليك. قال إن خلقني ذكرا ولم

(1) لفشل كثير الفشل الضعف والجبن
(2) واطراق كثير الاطراق سكوت الانسان فلم يتكلم وارخاء عينيه إلى الأرض
97

يخلقني أنثى ثم ماذا. قال إن هداني للاسلام وعرفنيه ومن
علي بك يا رسول الله قال ثم ماذا. قال (وإن تعدوا نعمة
الله لا تحصوها).
(وإن عليا ساءل ابنه الحسن)
عليهما الرحمة عن أشياء من المروءة فقال يا بني مالسداد
قال يا أبه السداد دفع المنكر بالمعروف. قال فما الشرف. قال
اصطناع العشيرة وحمل الجريرة (1). قال فما المروءة. قال النظر في
اليسير ومنع الحقير. قال فما اللؤم. قال احتقار المرء نفسه
وبذله عرسه (2) من اللؤم. قال فما السماحة. قال البذل من
العسر واليسر. قال فما الشح. قال إن ترى ما أنفقته تلفا. قال
فما الإخاء. قال المواساة (4) في الشدة والرخاء. قال فما الجبن

(1) وحمل الجريرة الجنابة
(2) عرسه أي زوجته
(3) الإخاء أي المؤاخاة
(4) المواساة هي ان يعطي الانسان غيره من ماله ويجعله أسوته فيه وفي نسخة المساعدة
98

قال الجرأة على الصديق والنكول عن العدو. قال فما الغنيمة
قال الترغيب في التقوى. والزهادة في الدنيا هي الغنيمة الباردة
قال فما الحلم. قال كظم الغيظ وملك النفس. قال فما الغنى
قال رضى النفس بما قسم الله جل وعز وإن قل. وإنما الغنى غنى
النفس (1) قال فما الفقر. قال. شره النفس (4). في كل شئ. قال
فما المنعة (2). قال سداد النفس (4) ومنازعة عز اليأس. قال
فما الذل. قال الفزع عند المصدوقة (5). قال فما العي. قال العبث
باللحية وكثرة التبزق. قال فما الجرأة (6). قال موافقة الاخوان
قال فما الكلفة. قال كلامك فيما لا يعنيك. قال فما المجد.
قال إن تعطي في الغرم (7). وتعفو عن الجرم. قال فما العقل.
قال حفظ القلب كلما استرعيته. قال فما الخرق (8). قال معازتك

(1) غنى النفس أي رضاها بما قسم الله تعالى فذلك هو غناها وحياتها
الطيبة واما المال فلا يغنيها ما دامت حريصة غير قانعة
(2) شره النفس أي حرصها الغالب عليها
(3) المنعة أي العز والشرف
(4) سداد النفس أي توفيقها للصواب والعمل بالسداد
(5) المصدوقة أي الصدق
(6) فما الجرأة أي الشجاعة
(7) ان تعطي في الغرم أي تعطي فيما يلزم أداؤه
(8) الخرق بالضم وبالتحريك ضد الرفق
99

إمامك (1) ورفعك عليه كلامك. قال فما السناء (2). قال إيثار
الجميل (2) وترك القبيح. قال فما الحزم. قال طول الأناة (4)
والرفق بالولاة والاحتراس من الناس بسوء الظن وهو
الحزم. قال فما الشرف. قال موافقة الإخوان. وحفظ الجيران.
قال فما السفه (5). قال اتباع الدنات (6). ومصاحبة الغواة.
قال فما الغفلة. قال تركك المسجد وطاعتك المفسد. قال فما الحرمان
قال تركك حظك وقد عرض عليك. قال فما السيد. قال
الأحمق في ماله المتهاون عن عرضه يشتم فلا يجيب. المحتزم
بأمر عشيرته (7) وهو السيد.
سئل عليه السلام من العالم. فقال من اجتنب المحارم
قيل فمن العاقل. قال من رفض الباطل. قيل فمن السيد. قال
من فعاله جيد. قيل فمن السعيد. قال من خشي الوعيد. قيل

(1) معازتك امامك أي مغالبتك إياه
(2) السناء أي الشرف والرفعة
(3) ايثار الجميل أي اختياره
(4) الأناة أي الحلم
(5) فما السفه أي الجهل والحمق
(6) وفي رواية الدناءة
(7) المحتزم بأمر أي المتمسك بها المحامي عليها
100

فمن الكريم. قال من نفع العديم (1). قيل فمن الشريف. قال
من انصف الضعيف. قيل فمن الغر (2). قال من عرف بالكبر
قيل فمن الغمر (3). قال من وثق بالعمر. قيل فمن الهالك. قال
من دفع إلى مالك (4)
(قام إليه عليه السلام زيد بن صوحان العبدي فقال)
يا أمير المؤمنين أي سلطان أغلب وأقوى. قال الهوى.
قال فأي ذل أذل. قال الحرص على الدنيا. قال فأي فقد
أشد. قال الكفر بعد الايمان (5). قال فأي دعوة أضل. قال
الداعي بما لا يكون. قال فأي عمل أفضل قال التقوى. قال فأي
عمل أنجح. قال طلب ما عند الله. قال فأي صاحبك أشر (6)

(1) من نفع العديم أي أعان المسكين بماله
(2) فمن الغر الغر هو الشاب الذي لا تجربة له ضد المجرب
(3) الغمر أي الذي لم يجرب الأمور
(4) من دفع إلى مالك أي من اخذه سيدنا مالك خازن النار عليه السلام
(5) قال الكفر بعد الايمان معناه ان العبد إذا كفر بعد إيمانه والعياذ
بالله تعالى كان فقده لأيمانه هو الفقد الحقيقي الذي لا عوض له بخلاف فقدان
ماله لأنه يجد له عوضا
(6) وفي نسخة صاحب شر
101

قال المزين لك معصية الله. قال فأي الخلق أقوى. قال
الحليم. قال فأي الخلق اشقى. قال من باع دينه برضى
غيره. قال فأي الخلق أشح. قال من اخذ المال من غير
حله فجعله في غير حقه. قال فأي الناس أكيس (1) قال من
أبصر رشده من غيه. فمال إلى رشده. قال فمن احلم الناس. قال الذي لا يغضب. قال فأي الناس أثبت رأيا. قال من لم
يغره الناس من نفسه ولم تغره الدنيا بشنوفها (2). قال فأي
الناس أحمق. قال المغتر بالدنيا وهو يرى ما فيها وتقلب
أحوالها. قال فأي الناس أشد حسرة. قال
الذي حرم الدنيا
والآخرة. ذلك هو الخسران المبين. قال فأي الخلق أعمى (3) قال الذي عمل لغير الله يطلب بعمله الثواب من الله تعالى.
قال فأي القنوع أفضل. قال القانع بما أعطاه الله عز وجل.

(1) أكيس أي أعقل
(2) بشنوفها الشنوف شنف بفتح الشين وهو القرط الذي يعلق في أعلى الاذن فالمراد بشنوفها زينتها وبهجتها
(3) فأي الخلق أعمى أي فأي الناس أعمى بصيرة عن طريق الهدى والنجاة
102

قال فأي المصائب أشد. قال المصيبة في الدين. قال فأي
الأعمال أحب إلى الله عز وجل. قال انتظار الفرج. قال فأي
الناس خير عند الله. قال أخوفهم لله وأصبرهم على التقوى (1)
وازهدهم في الدنيا. قال فأي الكلام أفضل عند الله. قال
كثرة ذكر الله والتضرع إليه ودعاؤه. قال فأي القول
أصدق. قال شهادة ان لا الله الا الله. قال فأي الايمان أفضل
عند الله. قال التسليم والورع. قال فأي الناس أكرم. قال
من صدق في المواطن وكف لسانه عن المحارم وامر
بالمعروف ونهى عن المنكر

(1) على التقوى أي على تقوى الله عز وجل إنما خص الصبر على التقوى
لأنها من التكاليف التي لا يقوى عليها ولا يقوم بحقوقها إلا عباد الله المخلصين
الذين اجتباهم سبحانه واصطفاهم ولا سيما ما قاله فيها أمير المؤمنين سيدنا علي
كرم الله تعالى وجهه. قال لو كانت السماوات والأرض رتقا على عبد ثم اتقى
الله تعالى لجعل له منهما مخرجا فيا طوبى ثم يا طوبى لمن صبر على تقوى
الله عز وجل
103

(قال كرم الله وجهه)
سلوني قبل ان تفقدوني فإن بين كتفي (1) علما جما خبرني
به حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليه صعصعه بن
صوحان فقال له يا أمير المؤمنين متى يخرج الدجال. فقال
له اقعد يا صعصعة فقد علم الله جل ثناؤه مقامك ولكن له
علامات وهنات (1) وأشياء يتلو بعضها بعضا. حذو النعل بالنعل (2)
تكون في حول واحد. فإن شئت نبأتك بعلاماته. فقال عن
ذلك سألتك يا أمير المؤمنين. قال له اعقد بيدك يا صعصعة.
إذا أمات الناس الصلاة (4) وأضاعوا الأمانة. واستحلوا الكذب
واكلوا الربا. واخذوا الرشا. وشيدوا البناء. واتبعوا الأهواء
وباعوا الدين بالدنيا. واستخفوا بالدماء. وكان الحلم ضعفا (5)

(1) ويروى جنبي
(2) وهنات أي أشياء لا يحسن ذكرها
(3) حذو النعل بالنعل يعني انها أمور متماثلات في الباطل
(4) أمات الناس الصلاة أي تركوها واتبعوا الشهوات
(5) وكان الحلم ضعفا أي لا يحلم الانسان إلا إذا كان غير قادر على الانتقام
104

والظلم فخرا (1) والامراء فجرة. ووزراؤهم وامناؤهم خونة
وقراؤهم فسقة ويظهر الجور ويكثر الطلاق. وموت
الفجأة (2) وحليت المصاحف. وزخرفت المساجد. وطولت
المنابر. وخربت القلوب. ونقضت العهود. واستعملت
المعازف (4). وشربت الخمور. وفشا الزنا وأتمن الخائن.
وخون الأمين. وشاركت المرأة زوجها في التجارة حرصا على
الدنيا. وركب ذوات الفروج السروج. والسلام للمعرفة (5)
والشاهد من غير أن يستشهد (6) ولبسوا (7) جلود الضان. على
قلوب الذئاب. قلوبهم يومئذ أمر من الصبر. وأنتن من

(1) والظلم فخرا أي يفتخر الظالم بظلمه ليصفه بالشجاعة وشدة
البأس فلا يستطيع غيره ان يهضم جانبه
(2) وفي نسخة ويظهرون الجور
(3) وموت الفجأة أي يأتيهم الموت بغتة وهم لا يشعرون
(4) المعازف أي الملاهي كالعود ونحوه
(5) والسلام للمعرفة معناه ان الانسان لا يسلم الا على من يعرفه
(6) من غير أن يستشهد أي من غير أن يدعى للشهادة لينال جاها عند من يشهد له
(7) ولبسوا الخ هذا كناية عن حسن ظاهرهم وقبح طوياتهم وفساد قلوبهم
105

الجيفة فالنجاء النجاء (1) والوحا الوحا (2) والجد الجد (3) نعم المسكن يومئذ بيت المقدس (4)
(فقام إليه الأصبغ بن نباته فقال)
يا أمير المؤمنين وما الدجال. فقال له يا أصبغ ألا إن
الدجال صيفي بن عائذ. الشقي من صدفه. والسعيد من
كذبه. يقتل على عقبة بالشام يقال لها عقبة فيق في الساعة الثالثة
من النهار على يدي المسيح عيسى بن مريم عليه السلام. ألا
ومن بعد ذلك الطامة الكبرى. طلوع الشمس من المغرب
تطلع مكورة (5) (فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من

(1) فالنجاء النجاء أي النجاة النجاة
(2) والوحا الوحا أي العجلة العجلة
(3) والجد الجد أي الاجتهاد الاجتهاد في الخلاص هذا كله حث وحض
على الفرار والهرب من فتنة المسيخ الدجال فما ادهاها من فتنة تقع في الدين
امام الساعة وتحيط بالناس فيهلك فيها من يهلك ويحيا فيها من يحيا
(4) بيت المقدس أي البيت المطهر ويقال له القدس إنما خص بيت المقدس بالسكنى فيه
يومئذ لان الدجال لا يدخله ولا يدخل مكة المشرفة ولا المدينة المنورة على
ساكنها أفضل الصلاة والسلام لان الملائكة تطرده عن هذه الأماكن
الشريفة لاختصاصها عند الله عز وجل
(5) مكورة أي غير مضيئة
106

قبل أو كسبت في إيمانها خيرا) فيومئذ لا توبة تقبل. ولا عمل
يصعد. ولا رزق ينزل. ثم قال عهد إلي (1) حبيبي رسول الله
صلى الله عليه وسلم ان لا أخبر بما يكون بعد ذلك.
(جاء إليه كرم الله وجهه فقال)
يا أمير المؤمنين اخبرني عن القدر. فقال بحر عميق فلا
تلجه (2). فقال يا أمير المؤمنين. اخبرني عن القدر. قال سر
الله عز وجل قد خفي عليك فلا تفشه (3) قال يا أمير المؤمنين
اخبرني عن القدر فقال عليه السلام. أيها السائل إن الله عز وجل
خلقك لما شاء. أو لما شئت. قال بل لما شاء. قال فيستعملك لما
شاء. أو لما شئت. قال بل لما شاء. قال أيها السائل ألست
تسأل ربك العافية. قال بلى. قال فمن أي شئ تسأله العافية
من البلاء الذي ابتلاك به. أو البلاء الذي ابتلى به غيرك. قال

(1) عهد إلي أي أوصاني
(2) فلا تلجه أي لا تخاطر بنفسك وتدخله فيغشاك من الحيرة والهم ما غشى فرعون وجنوده من اليم
(3) فلا تفشه أي لا تذكره ولا تتشدق به فتصبح في حيرة لا تجد إلى الخلاص منها سبيلا
107

بل من البلاء الذي ابتلاني به هو. قال أيها السائل ألست تقول
لاحول ولا قوة إلا. بمن. قال إلا بالله العلي العظيم. قال أيها
السائل أتعلم ما تفسيرها (1). قال علمني مما علمك الله يا أمير
المؤمنين. قال فإن تفسيره ان العبد لا يقدر على طاعة الله ولا
تكون له قوة في معصية في الامرين جميعا إلا بالله جل وعز.
أيها السائل ألك مع الله (2) جل وعز مشيئته. أو فوق الله مشيئة
أو دون ذلك مشيئة. فإن زعمت أن لك دون الله مشيئته فقد
اكتفيت بها عن مشيئة الله. وإن زعمت أن لك فوق مشيئة
فقد زعمت أن قوتك ومشيتك غالبتان على قوة الله ومشيئته
وان زعمت أن
لك مع الله عز وجل مشيئته فقد زعمت أن
لك مع الله شركا في مشيئته. أيها السائل ان الله عز وجل

(1) ما تفسيرها أي تفسير لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(2) ألك مع الله الخ أي ليس للعبد مشيئة مستقلة دون الله لان مشيئة
العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل قال الله تبارك وتعالى (وما تشاؤن إلا أن
يشاء الله إن الله كان عليما حكيما)
108

يصح ويداوي. منه الداء ومنه الدواء (1) أعقلت. قال نعم. فقال
علي بن أبي طالب عليه السلام الان أسلم أخوكم فقوموا فصافحوه وثم قال عليه السلام لو أن عند ي رجلا من
القدرية لاخذت بصليف رقبته (2) ثم لا أزال أحزها حتى
اقطعها فإنهم يهود هذه الأمة (2) ونصارها ومجوسها.
(جاء رجل من اليهود إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال)
يا أمير المؤمنين متى كان ربنا عز وجل فقال له عليه السلام
يا يهودي (4) لم يكن ربنا جل وعز فكان. وإنما يقال متى كان
لشئ لم يكن فكان. هو كائن بلا كينونة. كائن لم يزل ليس
له قبل فهو القبل وقبل الغاية. انقطعت الغايات عنده فهو
غاية كل غاية.

(1) منه الداء يعني ان السقم والصحة من الله قال الله سبحانه
وتعالى (وان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو)
(2) بصليف رقبته أي عرض عنقه
(3) فإنهم يهود هذه الأمة أي زنادقة هذه الأمة الشاقون عصا الجماعة المارقون من الكتاب والسنة
(4) يا يهودي أي يا زنديق
109

(سأله رجل عن تفسير لا حول ولا قوة الا بالله)
فقال عليه السلام
تفسيرها إنا لا نملك مع الله شيئا ولا نملك من دونه شيئا
ولا نملك إلا ما ملكنا مما هو أملك به فمتى ملكنا ما هو أملك
به كلفنا ومتى اخذ منا وضع عنا ما كلفنا إن الله عز اسمه أمرنا
مختبرا (1) ونهانا تحذيرا. وأعطانا على قليل كثيرا. لن يطاع
ربنا مكرها. ولن يعصى مغلوبا.
(جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له)
يا أمير المؤمنين إني رجل فقير لامال لي ولا ولد. فقال
له فأين أنت عن كتاب الله عز وجل في قوله تبارك وتعالى
(فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم
مدرارا (2) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات (2) ويجعل

(1) أمرنا مختبرا أي أمر عباده مختبرا لهم هل يطيعون امره أم يعصونه
وفي نسخة تخييرا
(2) مدرارا أي كثيرة الدرور بالمطر
(3) جنات أي بساتين
110

لكم أنهارا) فقال له علمني كيف استغفر. فقال تقول اللهم
إني استغفرك من كل ذنب قوى عليه بدني بعافيتك أو نالته
قدرتي بفضل نعمتك. أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك (1)
أو اتكلت فيه عند خوفي منه على أناتك (2) أو عولت (2) فيه
على كرم عفوك أو وثقت منه بحلمك. اللهم واستغفرك من
كل ذنب خنت فيه أمانتي. أو بخست بفعله نفسي أو خطئت
به على بدني أو قدمت فيه لذتي أو آثرت فيه شهوتي أو قهرت
فيه من منعني. اللهم واستغفرك من كل ذنب سبق على في
علمك اني فاعله فدخلت فيه بإرادتي واجترحته (4) بمحبتي أو اتيته
بشهوتي ثم أحلت عليك ربي فلم أغالبك بفعلي إذ كنت كارها
لمعصيتي لكن سبق علمك في فحملت عني (5) فلم تدخلني فيه
لمعصيتي لكن سبق علمك في فحملت عنى (5) فلم تدخلني فيه
جبرا. ولم تحملني عليه قسرا (6) ولم تظلمني فيه شيئا فاغفر لي

(1) بسابغ رزقك أي بواسع رزقك
(2) على أناتك أي على حلمك
(3) أو عولت أي اعتمدت
(4) واجترحته أي اكتسبته
(5) فحملت عني أي لم تعاقبني في الحال وأنت قادر على عقابي فنعم الحليم أنت
(6) قسرا أي اكراها واجبارا
111

يا إلهي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
(وسئل كرم الله وجهه كم بين السماء والأرض فقال)
دعوة مستجابة (1). قيل فكم بين المشرق والمغرب.
قال مسيرة يوم للشمس
(البراء بن عازب قال)
دخلت على علي عليه السلام فقلت يا أمير المؤمنين
سألتك بالله ألا خصصتني بأعظم ما خصك به رسول الله صلى
الله عليه وسلم مما خصه به جبريل مما أرسله به الرحمن
عز وجل فقال لولا ما سألت (2) ما نشرت دكر ما أريد ان
استره حتى اضمن لحدي. إدا أردت ان تدعو باسم الله
الأعظم فاقرأ من أول الحديد ست آيات وآخر الحشر هو
الله الذي لا إله إلا هو إلى آخرها فإذا فرغت فتكلمت فقل

(1) دعوة مستجابة يعني ان الدعوة المستجابة تصعد من الأرض إلى
السماء كالسهم الصائب لا يرده راد ولا يمنعه مانع حتى يستجيب الله لصاحبها
(2) لوما سألت أي لولا سؤالك إياي
112

يامن هو كذلك افعل بي كذا وكذا فوالله لو دعوت به على
شقي لسعد. قال البراء بن عازب فوالله لا ادعو بها لدنيا (1) ابدا. قال علي
عليه السلام أصبت. كذا أوصاني رسول الله صلى الله عليه
وسلم غير أنه امرني ان ادعو بها في الأمور الفادحة (2).
(وقال أبو عطاء)
خرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
محزونا يتنفس فقال. كيف أنتم وزمان قد أظلكم (3) تعطل فيه
الحدود ويتخذ المال (4) فيه دولا. ويعادي أولياء الله ويوالي فيه
أعداء الله قلنا فإن أدركنا الزمان فكيف نصنع. قال

(1) لا ادعو بها لدنيا يعني اني لا اطلب بهذه الآيات الشريفة شيئا من
حطام الدنيا بل انزهها عن ذكل لشرفها ورفعتها وخسة الدنيا ودنائتها
(2) الفادحة أي النازلة من نوازل الدهر
(3) قد أظلكم أي القي عليكم ظله معناه قرب منكم ودنا
(4) وينخذ المال الخ يعني ان الناس لا يكون همهم يومئذ واجتهادهم الا في جمع المال يتداولونه بينهم مرة لهذا ومرة لهذا ولا يعملون للآخرة لأنهم اشتروا بها الحياة الدنيا ونبذوها وراء ظهورهم
فيا حسرة عليهم (يوم ينظر المرء ما قد مت يداه)
113

كونوا كأصحاب عيسى عليه السلام نشروا بالمناشير (1) وصلبوا
على الخشب. موت في طاعة الله عز وجل خير من حياة
في معصية الله.
(قام إليه كرم الله وجهه عباد بن قيس فقال)
يا أمير المؤمنين أخبرنا ما الايمان وما الاسلام فقال نعم
يا بن قيس إن الله جل ثناؤه ابتدأ الأمور بعلمه فيها واصطفى
لنفسه ما شاء. واستخلص ما أحب فكان ما أحب انه اختار
الاسلام فجعله دينا لعباده اشتقه من اسمه لأنه السلام
ودينه الاسلام الذي ارتضاه لنفسه فنحله من أحب (2) من
خلقه ثم شرفه فسهل شرائعه لمن ورده وعزز أركانه على من
حاربه. هيهات من أن يصطلمه مصطلم (3) جعله عزا لمن والاه
وسلما لمن دخله (4) وهدى لمن ائتم به ونورا لمن استضاء به

(1) وفي نسخة بالمآشير
(2) فنحله من أحب أي أعطاه من أحبه
(3) من يصطلمه مصطلم أي من أن يبطله مبطل
(4) وسلما لمن دخله أي سلاما له وأمانا مما يخاف
114

وبرهانا لمن تمسك وزينة لمن تجلله (1) وعونا لمن انتحله (2) وشرفا لمن عرفه. وحجة لمن نطق به. وشاهدا لمن خاصم
به. وفلجا (2) لمن حاج به. وعلما لمن وعاه (4). وفهما لمن رواه
وحكما لمن قضى به (5) ولبا لمن تدبره (6)
ويقينا لمن عقله. وفهما لمن تفطن به. وعبرة لمن اتعظ به.
وحبلا وثيقا لمن تعلق به. ونجاة لمن صدق به. ومودة لمن
أصلح. وزلفى لمن اقترب (7) وراحة لمن فوض. ولباسا لمن
اتقى. وكيفية لمن آمن وأمنا لمن أسلم. وروحا للصادقين
فالاسلام أصل الحق (8). والحق سبيل الهدى. وصفقته (9)

(1) لمن تجلله أي تلبس به
(2) لمن انتحله أي انتسب إليه
(3) وفلجا أي فوزا
(4) لمن وعاه أي لمن حفظه
(5) لمن لحن به أي لمن طرب به وترنم ولم يخرج عن حد القراءة
(6) ولبا لمن تدبره أي وعقلا لمن تر فكفيه
(7) وزلفى لمن اقترب أي قربة ومنزلة له وفي نسخة اقترف
(8) فالاسلام أصل الحق يعني ان الحق أصله الاسلام وكفى الاسلام شرفا
ورفعة ان الله لا يقبل غيره من الأديان قال الله تبارك وتعالى (ومن يبتغ غير
الاسلام دينا فلن يقبل منه)
(9) وصفته أي بيعته
115

الحسني. ومأثرته المجد. فهو أبلج المنهج نير السراج. مشرق
المنار. ذاكي المصباح رفيع الغاية يسير المسلك جامع الحيلة
قديم العدة. متنافس السبقة. أليم النقمة. قصد الصادقين
واضح البرهان. عظيم الشأن. كريم الفرسان. فالايمان
منهاجه. والتقوى عدته. والصالحات مناره. والعفة مصابيحه
والمحبون فرسانه. والموت غايته. والدنيا مضماره (1) والقيامة
حلبته (2)
والجنة سبقته. والنار نقمته. فمعتصم السعداء بالايمان
وخذلان الأشقياء بالعصيان. من بعد إيجاب الحجة عليهم
بالبيان. إذا وضح لهم منار الحق. وسبيل الهدى. فتارك الحق
مشوهة (3) يوم التغابن (4) خلقته. داحضة حجته (5) عند فوز
السعداء بالجنة. فبالايمان يستدل على التقوى وبالتقوى يرهب
الموت وبالموت تختم الدنيا. وفي الدنيا تحرز الآخرة. وفي

(1) مضماره المضمار هو المكان الذي تضمر فيه الخيل للسباق
(2) والقيامة حلبته الحلبة خيل تجمع للسباق من كل ناحية لا من اصطبل واحد
(3) مشوهة أي مقبحة وفي نسخة مشوه
(4) يوم التغابن أي يوم القيامة
(5) داحضة حجته أي حجته باطلة معناه لا حجة له
116

القيامة تزلف الجنة (1) وبالجنة تكون حسرة أهل النار. وفي
ذكر أهل النار موعظة أهل التقوى. والتقوى غاية لا يهلك
من قصدها. ولا يندم من عمل بها. لان بالتقوى فاز الفائزون
وبالمعصية خسر الخاسرون. وليذكر أهل التقوى فإن الخلق
لا مقصر لهم (2) في القيامة دون الوقوف بين يدي الحكم
العدل مزقلين في مضمارها (3) نحو القصبة (4) العليا إلى الغاية
القصوى (5) مهطعين بأعناقهم (6) نحو داعيها قد شخصوا (7) من
مستقر الأجداث (8) والمقابر إلى ضرورة الأبد لكل أهلها
قد انقطعت بالأشقياء الأسباب. وأفضوا إلى عذاب شديد
العقاب فلا كرة (9) لهم إلى دار الدنيا وافتقروا من الخيرات ولم
يغن عنهم الذين آثروا طاعتهم (10) على طاعة المتعال

(1) تزلف الجنة أي تقرب
(2) لا مقصر لهم أي لا انتهاء لهم
(3) مرقلين في مضمارها أي مسرعين فيه
(4) نحو القصبة أي نحو قصبة السبق
(5) القصوى أي البعيدة
(6) مهطعين بأعناقهم أي مسرعين إلى الداعي ما دين أعناقهم خافضين رؤوسهم
(7) قد شخصوا أي خرجوا
(8) من مستقر الأجداث أي القبور
(9) فلا كرة أي لا رجوع
(10) آثروا طاعتهم أي اختاروها
117

وفاز السعداء بولاية الايمان فالإيمان يا ابن قيس على أربعة
أركان. الصبر. واليقين. والعدل. والجهاد. والصبر من
ذلك على أربعة أركان على الشوق. والشفقة. والزهد.
والترقب (1) فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات. ومن
أشفق من النار (2) رجع عن الحرمات. ومن زهد في الدنيا
هانت عليه المصيبات. ومن ترقب الموت سارع في الخيرات
واليقين من ذلك على أربعة أركان على تبصرة الفطنة وموعظة
العبرة. وتأويل الحكمة بتبين
العبرة. ومن السنة تبين العبرة
عرف السنة. ومن عرف السنة فكأنما كان في الأولين
فاهتدى إلى التي هي أقوم (4) والعدل من ذلك على أربعة أركان
على غامض (5) الفهم (6) وغمرة العلم (7) وزهرة الحكم. وروضة

(1) والترقب أي الانتظار
(2) أشفق من النار أي حذر منها
(3) بتبين العبرة العبرة الاسم من الاعتبار وفي نسخة تبين
(4) لي التي هي به وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر
(5) وفي نسخة غائص
(6) في نسخة الفهم بالتحريك
(7) وغمرة العلم أي وفرته وكثرة جمله
118

الحكم فمن فهم فسر جمل العلم. ومن علم شرع غرائب
الحكم ومن شرع غرائب الحكم دلته على معادن الحلم فلم
يضل. من حلم لم يفرط في امره وعاش في الناس حميدا.
والجهاد من ذلك على أربعة أركان على الامر بالمعروف. والنهي
عن المنكر. والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين (1). فمن
أمر بالمعروف شد ظهر المؤمنين. ومن نهى عن المنكر
ارغم انف المنافقين. ومن صدق في المواطن قضى ما عليه.
ومن شنئ الفاسقين (2) فقد غضب لله جل وعز. ومن غضب لله
جل ثناؤه له ذلك الايمان يا ابن قيس ودعائمه (3) وأركانه.
أفهمت قال نعم يا أمير المؤمنين أرشدك الله فقد أرشدت.
الباب السادس
(في المروي عنه عليه السلام من غريب كلامه)
كان عليه السلام يعلم أصحابه الصلاة على النبي صلى الله

(1) وشنآن الفاسقين أي بغضهم
(2) ومن شنئ الفاسقين أي أبغضهم
(3) ودعائمه الدعائم جمع دعامة وهي عماد البيت
119

عليه وسلم يقول اللهم داحي المدحوات (1). وبارئ المسموكات (2)
وجبار القلوب على فطراتها (3) شقيها وسعيدها. اجعل شرائف
صلواتك. ونوامي بركاتك. ورأفة تحننك على محمد عبدك
ورسولك الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق والمعلن الحق
بالحق والدامغ جيشات الأباطيل (4) كما حمل (5) فأضطلع (6) بأمرك لطاعتك مستوفزا في مرضاتك (7). لغير نكل (8) في قدم.
ولا وهن (9) في عزم واعيا لوحيك (10) حافظا لعهدك. ماضيا على
نفاذ امرك. حتى أورى قبسا لقابس. وأنار علما لحابس.
آلاء الله (11) تصل بأهله أسبابه. به هديت القلوب بعد
خوضات الفتن والإثم موضحات الاعلام. ونائرات الاحكام

(1) داحي المدحوات أي باسط الأرضين
(2) وبارئ المسموكات أي خالق السماوات
(3) على فطراتها الفطرات جمع فطرة وهي الخلقة
(4) الدامغ جيشات الأباطيل أي القاطع حركات الأباطيل الماحي رسومها
(5) وفي نسخة حمل
(6) فاضطلع أي قوي من الضلاعة وهي القوة
(7) مستوفزا في مرضاتك أي ناهضا فيها مسارعا إليها غير متكاسل عنها
(8) لغير نكل لغير نكل أي لغير نكوص
(9) ولا وهن أي ضعف
(10) واعيا لوحيك أي حافظا له
(11) آلاء الله أي نعمه
120

ومنيرات الاسلام. فهو أمينك المأمون. وخازن علمك
المخزون. وشهيدك يوم الدين. وبعيثك نعمة. ورسولك
بالحق رحمة. اللهم افسح له مفسحا في عدلك أو عدنك (1)
واجزه مضاعفات الخير من فضلك له مهنات غير مكدرات
من فوز ثوابك المحاول. وجزيل عطائك المعلول. اللهم
اعل على بناء البانين بناءه. وأكرم لديك نزله ومثواه (2).
وأتمم له نوره وأجره من ابتعاثك له (3) مقبول الشهادة.
ومرضى المقالة. ذا منطق عدل. وخطة فصل (4). وحجة
وبرهان عظيم
(وقال كرم الله وجهه)
ذمتي رهينة وانا به زعيم لمن (5) صرحت له العبر أن لا

(1) أو عدنك أي جنتك
(2) نزله ومثواه النزل ما يهيأ للنزيل والمثوى المنزل
(3) ابتعاثك له أي بعثك إياه
(4) وخطة فصل الخطة بضم الخاء الامر والقصة
(5) زعيم أي كفيل
121

يهيج على التقوى زرع قوم. ولا يظمأ علي التقوى سنخ
أصل. ألا وإن بغض خلق الله إلى الله رجل قمش علما غارا
بأغباش الفتنة. عميا بما في غيب الهدنة. سماه اشباهه من
الناس عالما. ولم يغن في العلم يوما سالما. بكر فاستكثر
مما قل منه. فهو خير مما كثر. حتى إذا ما ارتوى من آجن
وأكثر (1) من غير طائل. قعد بين الناس قاضيا لتخليص ما التبس
على غيره. إن نزلت به إحدى المبهمات هيا حشوا رأيا من
رأيه. فهو من قطع الشبهات في مثل غزل العنكبوت (2) لأنه
لا يعلم إذا أخطأ أأخطا أم أصاب. خباط عشوات. ركاب
جهالات لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم. ولا يعض في العلم (3)
بضرس قاطع. يذروا الرواية ذرو الريح الهشيم. تبكي منه
الدماء. وتصرخ منه المواريث. ويستحل بقضائه الفرج الحرام

(1) في نسخة واكتنز
(2) في مثل غزل العنكبوت أي في غاية الضعف والوهن قال الله تبارك وتعالى (وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)
(3) في نسخة على العلم
122

لاملئ والله بإصدار ما ورد عليه. ولا أهل لما قرظ به
(تفسير غريبه)
قوله لا يهيج يريد لا يجف. والسنخ الأصل وأضاف
أحدهما إلى الاخر لاختلاف لفظيهما. وأراد انه من عمل لله
عملا لم يفسد ذلك العمل ولم يبطل كما يفسد النبت ولكنه
لا يزال ناضرا (1). وأغباش الفتنة ظلمها. والهدنة السكون
أراد انه لا يعرف ما في الفتنة من الشر. ولا في السكون
من الخير. ولم يغن أي لم يلبث قي العلم يوما تاما. والآجن
الماء المتغير. وإحدى المبهمات المسألة المعضلة. وقوله خباط
عشوات هو الذي يخبط في الظلم. وقوله ولا يعض في العلم
بضرس قاطع أي لم يتقنه ولم يحكمه. وقوله لما قرظ به
التقريظ المذح

(1) لا يزال شديد الخضرة ويبالغ بناضر في كل لون
فيقال احمر ناضر واصفر ناضر إلى آخر الألوان
123

(وروي عن ابن عباس قال)
رأيت أمير المؤمنين عليا عليه السلام يوم صفين (1) وعلى رأسه عمامة بيضاء وكأن عينيه سراجا سليط وهو يحمش أصحابه
إلى أن انتهى إلى وانا في كتف (2) فقال
معشر المسلمين استشعروا الخشية. وعنوا الأصوات
وتجلببوا السكينة. وأكملوا اللؤم. وأخفوا الجنن. وأقلقوا
السيوف في الغمد (3) قبل السلة. والحظور الشزر. واطعنوا الشزر
أو النتر أو اليسر كلا قد سمعت. ونافحوا بالظبي وصلوا
السيوف بالخطى. وامشوا إلى الموت مشية
سجحا أو سجحاء. وعليكم الرواق المطنب فاضربوا ثبجه (4) فإن الشيطان راكد في كسره (5). نافج حضنيه (6). مفترش

(1) يوم صفين هو الموضع الذي كانت به الوقعة العظمى بين علي
ومعاوية رضي الله تعالى عنهما وذلك في غرة صفر سنة 37 هجرية وبسبب
ذلك احترس الناس من السفر في صفر
(2) وفي نسخة كثف
(3) وفي نسخة بضم الغين والميم
(4) فاضربوا ثبجه أي وسطه
(5) راكد في كسره أي ساكن في جانبه
(6) نافج حضينه أي رافعها
124

ذراعيه. قد قدم للوثبة يدا. واخر للنكوص رجلا
(تفسير غريبه)
السليط الزيت. يحمش أصحابه أي يذمرهم (1) ويغضبهم
والكتف الجماعة. وقوله وعنوا الأصوات أي احبسوها
واخفوها. واللؤم جمع لأمة وهي الدرع. والجنن الترسة
يقول اجعلوها خفاقا. وأقلقوا السيوف أي سهلوها قبل ان
تحتاجوا إلى ذلك لئلا تعسر. والظبي جمع ظبة السيف أي حده
وقوله وصلوا السيوف بالخطى أي إذا قصرت عن الضرائب
تقدمتم وأسرعتم. وقوله والرماح بالنبل أي إذا قصرت
الرماح ببعد من تريدون طعنه رميتموه بالنبل. وقوله مشية
سجحا أي سهلة. والرواق رواق البيت المشدود بالاطناب (1)
والحضنان الجنبان. وقوله والحظوا الشزر هو النظر بمؤخر
العين نظر العدو. والطعن اليسر ما كان حذاء وجهك. والشزر

(1) بالاطناب جمع طنب بضمتين وهو حبل طويل يشد
به سرادق البيت
125

عن يمينك وشمالك. والنتر الطعن الخلس
(وقال كرم الله وجهه)
من أراد البقاء ولا بقاء فليباكر الغداء. وليقل غشيان
النساء. وليخفف الرداء. قيل يا أمير المؤمنين وما خفة الرداء
قال عليه السلام قلة الدين
كنى بالرداء عن الظهر لأنه يقع عليه. يقول فليخفف
ظهره ولا يثقله بالدين
(رأى كرم الله وجهه رجلا في الشمس فقال)
قم عنها فإنها مبخرة محفرة تتفل الريح. وتبلى الثوب (1)
وتظهر الداء الدفين.
قوله عليه السلام مجفرة أي تقطع شهوة النساء. وقوله
تتفل الريح أي تنتنها والاسم التفل. يقال امرأة تفلة أي

(1) وتبلي الثوب أي تصيره رثا باليا
126

أنتن ريحها. وقوله الداء الدفين هو المستتر الذي قد قهرته
الطبيعة. يقول فالشمس تعينه على الطبيعة وتظهره.
(قال كرم الله وجهه)
(إن من ورائكم أمورا متماحلة ردحا وبلاء مكحلا مبلحا)
المتماحلة. الطوال يعني فتنا يطول أمرها. والردح جمع
رداح وهي العظيمة يقال ذلك للكتيبة (1) إذا عظمت وللمرأة
إذا كبرت عجيزتها. وقوله مكلحا أي يكلح الناس لشدته (2)
يقال كلح الرجل واكلحه الهم. والمبلح من قولك بلح الرجل
إذا انقطع من الإعياء فلم يقدر ان يتحرك
(وقال كرم الله وجهه)
البيت المعمور متاق الكعبة من فوقها.
قوله عليه السلام نتاق الكعبة أي مطل عليها من فوقها

(1) للكتيبة أي الجيش
(2) وفي نسخة لشدتها
127

من قول الله تعالى (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة (1))
(وقال كرم الله وجهه) خذ الحكمة انى أتتك. فإن الكلمة من الحكمة تكون
في صدر المنافق فتلج حتى تسكن إلى صاحبها
يقال لجلج اللقمة في فيه إذا أدارها ولم يسعها وارد
عليه السلام ان الكلمة قد يعلمها المنافق فلا تزال تتحرك
في صدره ولا تسكن حتى يسمعها المؤمن أو العالم فيثقفها (2)
فتسكن في صدره إلى أخواتها من كلم الحكمة
الباب السابع
(في المروي عنه من نوادر كلامه وملح ألفاظه (3) عليه السلام)
(صفة المؤمن) قال زيد بن أسلم وصف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

(1) كأنه ظلة سحابة قد أظلتهم أي قربت منهم ودنت
(2) وفي نسخة فيثبتها
(3) وملح ألفاظه الملح جمع ملحة بضم الميم وهي ما يستملح من الكلام
128

عليه السلام فقال
صفة المؤمن قوة في دينه. وجرأة (1) في لينه. وإيمان في
يقينه. وخوض في فقه. وبر في استقامة. وعمل في علم.
ونشاط في هدى. وكيس في رفق (2). لا يغلبه فرجه. ولا
يفضحه بطنه. نفسه منه في عناء (3). والناس منه في إعفاء (4)
لا يغتاب ولا يتكبر
(وقال كرم الله وجهه) أعجب ما في هذا الانسان قلبه. وله مواد من الحكمة
وأضداد من خلافها. فإن سنح له (5) الرجاء أذله الطمع. وإن
هاج به الطمع أهلكه الحرص. وإن ملكه اليأس قتله الأسف
وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ. وإن أسعد بالرضى
نسي التحفظ (6). وإن ناله الفزع شغله الحذر. وإن اتسع له

(1) وجرأة أي شجاعة
(2) وكيس في رفق أي عقل في ترفق
(3) أي في تعب ونصب
(4) في اعفاء أي في عافية وراحة
(5) فان سنح له أي عرض له
(6) نسي التحفظ أي الاحتراز والتيقظ.
129

الامن (1) استلبته الغرة (2). وإن أفاد مالا (3) أطغاه الغنى. وان
اصابته فاقة مسه الجزع. وإن نهكه الجوع (5) قعد به الضعف
وإن أفرط به الشبع كظته البطنة (6). فكل تقصير به مضر.
وكل افراط له مفسد.
(كان كرم الله وجهه إذا نظر إلى الهلال قال)
أيها الخلق المطيع لله. الدائر السريع المتردد في منازل
التقدير. المتصرف في فلك التدبير. آمنت بمن نور بك
الظلم. وأوضح بك البهم (7). وجعلك آية من آيات ملكه.
وعلامة من علامات سلطانه. فامتهنك (8) بالزيادة والنقصان
والطلوع والأفول. والإنارة والكسوف. في كل ذلك أنت
له مطيع. وإلى إرادته سريع. سبحانه فما أعجب ما دبر في

(1) وفي نسخة الامر
(2) الغرة أي الغفلة
(3) إفادة مالا أي استفاده
(4) اصابته فاقة أي اصابه فقر
(5) نهكه الجوع أي أضناه وجهده
(6) كظته البطنة أي جهدته وأضنته والبطنة شدة امتلاء المعدة من الطعام
فوق الطاقة
(7) بك إليهم أي المبهمات
(8) فامتهنك أي استعملك
130

امرك. وألطف ما صنع في شأنك. جعلك مفتاح شهر لأمر
حادث. جعلك الله هلال بركة لا تمحقه الأيام (1). وطهارة
لا تدنسه الأعوام. هلال أمنة (2) من الآفات. وسلامة من
السيئات. هلال سعد لا نحس فيه. ويمن لا نكد فيه. ويسر
لا يمازجه عسر. وخير لا يشوبه شر. هلال امن وايمان
ونعمة واحسان. وسلامة وإسلام. اللهم اجعلنا من ارضى من
طلع عليه. وأزكى من نظر إليه. واسعد من تعبد لك فيه
اللهم وفقنا للتوبة. واعصمنا من الحوبة (3) وأوزعنا شكر النعمة (4)
وألبسنا خير العافية. وأتمم علينا باستكمال طاعتك فيه المنة (5)
لك إنك المنان الحميد
(وقال علي كرم الله وجهه في حق العالم)
من حق العالم ان لا تكثر عليه السؤال. ولا تنعنته (6)

(1) لا تمحقه الأيام أي لا تبطله الأيام ولا تمحوه
(2) هلال امنة أي هلال أمان وسلامة
(3) واعصمنا من الحوبة أي احفظنا من الذنب
(4) وأوزعنا شكر النعمة أي ألهمنا شكرك عليها
(5) المنة أي النعمة
(6) ولا تعنته في الجواب أي لا تكلفه المشقة فيه
131

في الجواب. ولا تلح عليه إذا كسل. ولا تأخذه بثوبه إذا نهض
ولا تفشي له سرا (1). ولا تغتب (2) عنده أحدا. وان تجلس امامه
وإذا اتيته قصدته بالتحية. وسلمت على القوم عامة. وان
تحفظ سره ومغيبه ما حفظ أمر الله (3) عز وجل. فإنما العالم
بمنزلة النخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شئ. والعالم أفضل
من الصائم القائم الغازي في سبيل الله. وإذا مات العالم انثلم
بموته في الاسلام ثلمة لا تسد إلى يوم القيامة. وإذا مات العالم
شيعه سبعة وسبعون ألفا من مقربي السماء (4)
(وقال كرم الله وجهه)
أيها الناس إن أول وقوع الفتن أهواء تتبع. واحكام
تبتدع. يخالف فيها حكم الله. ويعظم عليها رجال رجالا

(1) ولا تفشى له سرا أي لا تظهر أحدا على سره
(2) وفي نسخة تغتاب
(3) ما حفظ أمر الله أي ما دام حافظا أمر الله واما العالم الذي لم يحفظ
أمر الله عز وجل فلا يستحق شيئا من هذه الوصية
(4) من مقربي السماء أي من الملائكة المقربين
132

ولو أن الحق أخلص فعمل به لم يخف على ذي حجا (1) ولكنه
يؤخذ ضغث من هذا وضغث من هذا (2) فيخلط فيعمل به
فعند ذلك يستولى الشيطان على أوليائه. وينجوا الذين سبقت
لهم منا الحسنى
(خبر الناقوس)
مر علي عليه السلام ومعه الحرث الأعور فإذا ديراني (3)
يضرب بالناقوس. فقال علي عليه السلام يا حرث أتعلم ما يقول
هذا الناقوس. قال الله ورسوله وابن عم رسوله اعلم. قال إنه
يصف مثل خراب الدنيا. يقول
مهلا مهلا يا ابن الدنيا * مهلا مهلا إن الدنيا

(1) على ذي حجا أي على صاحبه عقل
(2) ضغث من هذا وضغث من هذا الكلام أي كلام ملفق الطرفين من هذا ومن هذا والضغث قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس والمراد بذلك البدع والشبهات المخالفة للكتاب والسنة
والاجماع
(3) ديراني أي صاحب دير
133

قد غرتنا واستهوتنا (1) لسنا ندري ما فرطنا
فيها إلا أن قد متنا ما من يوم يمضي عنا
إلا هدت منا ركنا
زن ما تأتي زن ما تأتي زن ما تأتي زن ما تأتي
وزنا وزنا وزنا وزنا تفني الدنيا قرنا قرنا
يا ابن الدنيا جمعا جمعا يا ابن الدنيا سرطا سرطا (2)
مامن يوم يمضي عنا إلا اثقل منا ظهرا
إن المولى قد خبرنا انا نحشر غرلا بهما (3)
قد ضيعنا دارا تبقى واستوطنا دارا تفنى (4)

(1) استهوتنا أي ذهبت بعقولنا وزينت لنا هوانا
(2) سرطا سرطا السرط هو ابتلاع الشئ
(3) نحشر غرلا بهما غير مخنونين ليس معنا شئ سالمين من العاهات والغرل جمع أغرل ضد المختون وأهل المحشر عراة لا يرى بعضهم بعضا لاشتغال كل منهم بنفسه
(4) روى التبريزي الخطيب في عروضه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام في خبر الناقوس
حقا حقا حقا حقا صدقا صدقا صدقا صدقا
يا بن الدنيا جمعا جمعا ان الدنيا قد غرتنا
يا بن الدنيا مهلا مهلا لسنا ندري ما فرطنا
ما من يوم يمضي عنا الا أو هي منا ركنا
ما من يوم يمضي عنا الا امضي منا قرنا
134

فقال الحرث لعلي عليه السلام أو تعلم النصارى ذلك.
قال لا يعلم ذلك إلا نبي أو صديق أو وصي نبي فإن علمي
من علم النبي صلى الله عليه وسلم وعلم النبي صلى الله عليه وسلم
من علم جبريل عليه السلام. وعلم جبريل عليه السلام من
علم الله تبارك وتعالى.
(شرط له كرم الله وجهه في شراء دار)
اشترى شريح دارا. واشهد شهودا. وكتب كتابا. فبلغ
ذلك علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له يا شريح اشتريت
دارا. وأشهدت شهودا. قال نعم. قال احذر أن تكون
قد اشتريت من غير مالك. ووزنت مالا من غير حل
وسوف يأتيك من لا ينظر في بينتك. ولا يسئلك عن كتابك
135

ويزعجك عنها فتكون قد خسرت الدارين الدنيا والآخرة (1)
ولو أنك حين أردت شراء الدار أو إذا أراد أحد شراء دار
جاءني لكنت اكتب له كتابا أزهد فيه البائع المغرور
والمشتري قلت وما كنت تكتب قال كنت أكتب
(بسم الله الرحمن الرحيم)
هذا ما اشترى عبد ذليل من ميت (2) قد أزعج بالرحيل
اشترى منه دارا من دور الآفات من الجانب الفاني من
عسكر الهالكين. ومجمع الغافلين. يجمع هذه الدار حدود
أربعة. فالحد الأول ينتهي إلى الآفات (3) والحد الثاني ينتهي
إلى عظم المصيبات. والحد الثالث ينتهي إلى الغفلات. والحد

(1) الدنيا والآخرة أي دار الدنيا ودار الآخرة وذلك هو الخسران المبين
(2) من ميت أي ممن يموت ويفنى
(3) إلى الآفات أي العاهات فالمراد من هذا الكلام بما انطوى عليه من حدود الدار وغيرها ان الانسان لا يجعل همه كله في عمارة الدنيا وتشييد أركانها بل يكفيه منها ما يقوم بمعاشه وإنما
العقل والكياسة ان يجتهد في عمارة دار القرار وهي الآخرة بتقديم العمل الصالح في الدنيا
136

الرابع ينتهي إلى الشيطان المغوي. والهوى المردي. واليه يشرع
باب هذه الدار التي اشتراها هذا المزعوج بالآجل. من هذا
المغرور بالأمل. فما أدرك مشتري هذه الدار. فعلى مبلبل
الأجسام (1) وقاصم الجبابرة مثل كسرى وقيصر وسابور
الأكبر وتبع وحمير. ما أوضح الحق لذي عينين. إن الرحيل
حق أحد اليومين (2)
(وقال كرم الله وجهه في رسالة لرفاعة)
لا حمى الا من ظهر مؤمن وظهر فرس مجاهد. وحريم
بئر. وحريم نهر. وحريم حصن (4). والحرمة بين الرجال
والنساء. وهي الحجب. وحريم بين الحلال والحرام. لا مرتع
فيه. وحريم لا يؤمن في الأولين والآخرين. وحريم حرمته

(1) مبلبل الأجسام أي محركها ومهيجها
(2) أحد اليومين أي يوم الرحيل يوم عظيم لان فيه فراقا
(3) لا حمى الا من ظهر مؤمن الحمى هو الشئ المحمي الذي لا يستباح لاحد
(4) وحريم حصن الحريم ما حرم فلم يمس
137

الرحم. وحريم ما جاوز الأربع من الحرائر. وحريم القضاء
(وقال كرم الله وجهه)
إني لأستحي من الله ان يكون ذنب أعظم من عفوي
أو جهل أعظم من حلمي. أو عورة لا يواريها ستري. أو خلة (1)
لا يسدها جودي
(وقال كرم الله وجهه)
إن الجنة موصولة بالشكر. والشكر متعلق بالمزيد
وهما مقرونان في قرن (2). فلن ينقطع المزيد من الله عز وجل
حتى ينقطع الشكر من العباد
(وقال كرم الله وجهه)
أربع يمتن القلب. الذنب على الذنب. وملاحاة الأحمق (3)

(1) أو خلة الخلة الحاجة والفقر
(2) في قرن القرن الحبل الذي يقرن فيه البعيران
(3) وملاحاة الأحمق أي منازعته
138

وكثرة مثافنة النساء (1) والجلوس مع الموتى، قال ومن الموتى
يا أمير المؤمنين، قال كل عبد مترف (2)
(وقال كرم الله وجهه)
يا أيها الناس من علم من أخيه مروءة جميلة فلا يسمعن
فيه الأقاويل (4). ومن حسنت علانيته فنحن لسريرته أرجى
ألا لا يزيدن أحدكم نفسه شكا. فإن من علم من أخيه
مروءة جميلة فسمع فيه الأقاويل فقد شكك نفسه. ألا وإن
الرامي قد يرمي وقد تخطئ السهام وباطل ذلك يبور، ألا وإن
بين الحق والباطل أربع أصابع (وأشار بأصابعه الأربع)
فوضعها بين العين والاذن) فالحق ان تقول رأيته بعيني. والباطل

(1) مثافنة النساء أي مجالستهن وملازمتهن
(2) كل عبد مترف أي كل انسان متنعم
(3) وفي نسخة أيها
(4) فلا يسمعن فيه الأقاويل أي لا يصغي إلى ما يبرقشه النمامون من الأقاويل على عادتهم في السعي بين الاخوان بل يلزمه في مواطن العذل فذلك مذهب المحبين
139

ان تقول سمعته باذني
(وقال كرم الله وجهه)
من عزفت نفسه (1) عن دني المطامع كملت محاسنه
ومن كملت محاسنه حمد، والمحمود محبوب. ولن يحب العباد
عبدا إلا بعد حب الله عز وجل (2) إياه. فتكون المحبة درجة
إلى نيل صلاح معاشه. مع وفور معاده. ومن اجتمعت له
الخصلتان كملت سعادته. والشقي الكامل الشقاء من كان
بخلاف ذلك
(وقال كرم الله وجهه)
ليس الخير ان يكثر مالك وولدك. ولكن الخير (3) أن

(1) من عزفت نفسه أي من زهدت نفسه في دنى المطامع وانصرفت
عنه وفي نسخة دنئ
(2) الابعد حب الله أي محبته إياه وبضدها تتميز الأشياء فإذا أبغض الله عبدا أبغضه الناس كما أبضغه الله فسبحان مقلب القلوب والابصار
(3) ولكن الخير الخ أي ولكن الخير كثرة علمك
140

يكثر علمك. وان يعظم حلمك. وان تباهي الناس بعبادة
ربك. فإن أحسنت حمدت الله عز وجل. وإن أسأت
استغفرت الله. ولا خير في الدنيا إلا لرجلين. رجل أذنب
ذنوبا فهو يتدارك ذلك بتوبة. ورجل يسارع في الخيرات
، ولا يقبل عمل مع تقوى فكيف يقل ما يتقبل (1)
(وقال كرم الله وجهه)
إن أبغض الخلق إلى الله لرجلان. رجل وكله الله عز وجل
إلى نفسه فهو جائر عن القصد السبيل مشعوف بكلام بذعة قد
لهج منها بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به. ضال عن
هدى من كان قبله. مضل لمن افتتن به حياته وموته. حمال
لخطايا غيره. رهين بخطيئته. ورجل قمش جهلا (2) في جهال

(1) وحلمك ومباهاتك الناس بعبادة الله عز وجل لأن هذه الأشياء هي النافعة
للعبد (يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم) (1) فكيف
يقل ما يتقبل يعني ان العمل المقبول لا يقال له قليل وإن كان قليلا قال الله
تبارك وتعالى والله يضاعف لمن يشاء
(2) قمش جهلا أي جمع من الجهل مالا لا يحصى ومن الأباطيل مالا يستقصى وجعلها حبائل يصيد بها من يشاء من جهال الناس الذين استخفهم فأطاعوه فويل له ثم ويل له
141

الناس بالأباطيل والأضاليل نصبها عدة من حبائل غرور
وقول زور. قد حمل الكتاب على رأيه. واستعطف الحق على
هواه يزين العظائم. ويهون كبير الجرائم. لم يراقب من
خلقه فيسكت حيث لا يعلم. قد اغتر مع ذلك فساقا تصدقه
يستجهل بهم أشباه الناس. وجاف متجاف أعمى حيران يدعو
إلى العمى (1) ويرى البصر في ترك النظر. يقول أقف عند الشبهات
وفيها وقع. ويقول اعتزل البدع وفيها اضطجع. فهو في الناس
رجل. الصورة صورة إنسان. والقلب قلب حيران. بهيمة
بل البهيمة خير منه. فهو في الاحياء في التقلب والموت أغلب
عليه في الصفة. عشوة (2) غار باغباش (3) غمر بما في ريث
الهدنة (4) قد سماه أشباه الناس عالما. ولم يغن فيه (5) يوما
سالما. تكثر فاستكثر. وما قل منه خير مما كثر. حتى إذا

(1) يدعو إلى العمى أي يدعو إلى طريق الضلال
(2) عشوة العشوة الظلمة
(3) غار بأغباش الأغباش جمع غبش وهو ظلمة آخر الليل
(4) غمر بما في ريث الهدنة أي جاهل بما في ابطاء الصلح
(5) ولم يغن فيه أي لم يقم فيه
142

ارتوى من غير آجن (1) واكتنز (2) من غير طائل. جلس بين
الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره. وإن خالف
قاضيا فسقه. ولم يأتم في حكمه بمن خلفه. وإن نزلت به
إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا رأيا من رأيه ثم
قطع. فهو من لبس الشبهات في غزل العنكبوت (3) لأنه
لا يدرى. أصاب أم أخطأ. لا يحسب العلم في شئ مما أنكر
ولا يدري ان وراء ما بلغ مذهبا إن قاس شيئا بشئ لم يكذب
نظره. وإن أظلم (4) عليه أمر اكتتم به. لما يعلم من جهل
نفسه. لكي لا يقال له لا يعلم ثم جسر فحكم. فهو مفتاح
عشوات. ركاب شبهات. خباط جهالا ت. لا يعتذر مما لا يعلم

(1) من غير آجن الآجن الماء المتغير
(2) وفي نسخة أكثر
(3) في غزل العنكبوت أي في غاية الضعف والوهن
(4) وان أظلم الخ يعنى إذا أعياه
فهم مشكلة كتم امره خوفا من أن يصفوه بالجهل ثم تجاسر بعد ذلك
فاقتحم عبابها وخاض فيه على غير بيان وحكم بما يراه ليقال له علامة الزمان
المشار إليه بالبنان وهو مع ذلك مفتاح الضلالات في بحر الشبهات
الحيران في وادي الجهالات
143

فيسلم. ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم. يذرو الرواية
ذرو الريح الهشيم. تبكي منه المواريث. وتصرخ منه الدماء
ويستحل بقضائه الفرج الحرام. لأملئ بإصدار ما أورد عليه (1)
ولا هو أهل لما منه فرط من ادعائه في علم الخلق. ألا وإن
أحب الناس إلى الله لعبد أعانه الله جل ثناؤه على نفسه
فاستشعر الخوف. وتجلب الحزن (2). وأضمر اليقين. وتجنب
الشك والشبهات وتوهم الزوال فهو منه على بال قد زهرت
مصابيح الهدى في قلبه فقرب به البعيد. وهون به الشديد.
فكر فاستكثر. ونظر فأبصر. حتى إذا ارتوى من عذب
فرات سهلت موارده. فشرب نهلا (3). وسلك سبيلا سهلا.
لم يدع مظلمة إلا أبصر جلاءها. ولا مبهمة إلا عرف مداها
قد خلع سرابيل الشهوات (4) وتخلى من الهموم إلا هما واحدا

(1) لا ملئ با صدار ما أورد عليه الخ يعني ليس عنده حسن قضاء فيشفي الغليل
بايضاح ما استقضوه فيه ولا هو لما يدعيه في علم الخلق وإنما فتنة وعثه لا تقع الا في
صوف الأيتام
(2) وتجلبب الحزن أي تلبس به
(3) فشرب نهلا النهل هو الشرب الأول ضد العلل وهو الشرب الثاني
(4) قد خلع سرابيل الشهوات أي ترك شهوات نفسه بمخالفته إياها
144

انفرد به دون الهموم الشاغبة (1) الشاغلة للعقول فخرج من
صفة العمى (2). ومشاركة الهوى. فصار من مفاتيح أبواب
الهدى. ومغاليق أبواب الردى. واستفتح (3) بما فتح به العالم
أبوابه. فخاض بحاره. وقطع غماره (4). ووضحت له سبله
ومناره قد استمسك من العرى بأوثقها. ومن الحبال بأمتنها (5)
فهو من اليقين على مثل ضياء الشمس قد نصب نفسه لله عز
وجل في ارفع الأمور من اصدار كل وارد عليه ورد كل فرع
إلى أصله. فالأرض الذي هو فيها مشرفة بيضاء نوره.
ساكنة بقضائه. فراج عشوات (6). كشاف مهمات. دفاع
معضلا ت. مصباح ظلمات. دليل فلوات. لا يدع للخير مطلبا
فالعلم ثمرة قلبه. ومنى نفسه التي إليها يقصد. وإياها يحاول

(1) الشاغبة أي المهيجة للشر والفتن
(2) من صفة العمى أي من صفة الجهل والضلال
(3) واستفتح الخ أي نهج منهاج العلماء المخلصين
(4) وقطع غماره الغمار جمع غمر وهو الماء الكثير
(5) بأمثالها أي بأقواها وأرساها
(6) فراج عشوات العشوات جمع عشوة وهي الظلمة
145

بقية أبقاه الله جل وعز لدينه وحجته. خليفة من خلائف أنبياء
الله بلزوم طريقتهم. والدعاء إلى ما كانت عليه دعوتهم. والقيام
بحجتهم. قد أمكن الكتاب (1) من زمانه فهو قائده وإمامه.
يضع رحله. حيث حل ثقله (2). والناس عن الصراط ناكبون (3)
في غمرة (4) ساهون. وفي حيرة يعمهون (5)
(وقال علي كرم الله وجهه)
ألا وإن الناس سبع طبقات (فالطبقة الأولى) الفراعنة
يدعون الناس إلى عبادتهم اما إنهم لا يأمرونهم ان يصلوا
لهم ولا يصوموا ولكنما يأمرونهم بطاعتهم فيطيعونهم
فبطاعتهم لهم في معصية الله جل ثناؤه قد اتخذوهم أربابا من

(1) قد أمكن الكتاب الخ أي استمسك به وانقاد لأوامره ونواهيه
(2) حيث حل ثقله الثقل متاع المسافر والثقل أيضا كل شئ نفيس مصون
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي
(3) عن الصراط ناكبون أي عادلون عن الصراط المستقيم
(4) في غمرة أي في أشد غفلة عن الآخرة
(5) يعمهون أي يترددون في حيرتهم
146

دون الله جل ثناؤه. (والطبقة الثانية) جبابرة اكلهم الربا
وبيعهم السحت (1). (والطبقة الثالثة) فساق قد تشردوا من
الدين كما يتشرد الشارد من الإبل (والطبقة الرابعة أصحاب
الرياء ليس يعبدون إلا الدنيا والدرهم (والطبقة الخامسة)
قراء مخادعون يطلبون الدنيا بزي الصالحين (2) (والطبقة السادسة)
فقراء إنما هم أحدهم ان يشبع شبعة من الطعام لا يبالي احلالا
اخذها أم حراما (والطبقة السابعة) الذين اثنى الله جل وعز
عليهم فقال (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا (3)
وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (4)) ثم قال. والذي فلق
الحبة. وبرأ النسمة (5). إنهم للذين يرثون الفردوس هم فيها
خالدون. ثم التفت إلى كميل بن زياد. فقال يا كميل بن زياد
اطلبهم. قال كميل وأين اطلبهم يا أمير المؤمنين. قال في

(1) السحت أي الحرام
(2) بزي الصالحين أي بلباسهم وهيئتهم
(3) يمشون على الأرض هونا أي يمشون عليها بسكينة ووقار
(4) قالوا سلاما أي قالوا سدادا من القول يسلمون فيه من شرهم واذاهم
(5) وبرأ النسمة أي خلق النفس
147

أطراف الأرض تجدهم قد اتخذوا الأرض فراشا. والماء
طيبا. والقرآن شعارا. والدعاء دثارا (1). باكين العيون دنسين
الثياب يقرضون العيش قرضا. إن غابوا لم يفتقدوا (2). وان
شهدوا لم يعرفوا (3). وإن خطبوا لم يزوجوا. وإن قالوا لم
ينصت لقولهم يدفع الله عز وجل بهم العاهات والآفات
والبلايا عن الناس. وبهم يسقي الله عز وجل العباد الغيث من
السماء. وينزل القطر من السحاب. أولئك عباد الله حقا حقا.
(وقال كرم الله وجهه)
الناس سبع طبقات لا يصلح بعضها الا ببعض. ولا
غنى ببعضها عن بعض. فمنها جنود الله. ومنها كتاب العامة
والخاصة. ومنها قضاة العدل. ومنها كتاب الدواوين. ومنها

(1) والقرآن شعارا والدعاء دثارا الشعار الثوب الذي يلي الجسد والدثار
يكون فوق الشعار
(2) ان غابوا لم يفتقدوا معناه إذا غابوا لم يطلبهم أحد عند غيبتهم
(3) وان شهدوا لم يعرفوا يعني إذ حضروا لا يعرفهم الناس لأنهم ليسوا من أرباب المناصب ولا من ذوي الحيثيات عندهم
148

أهل الجزية والخرج (1) والذمة ومسلمة الناس. ومنها التجار
وأهل الصناعات. ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات
والمسكنة فكل قد سمى الله سهمه (2) ووقف على حده في فريضته
في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم عهد الله عندنا محفوظا
فالجنود بإذن الله عز وجل حصون الرعية. وزين الولا ة. وعز
الدين. وسبيل الامن والخفض وليس تقوم الرعية إلا بهم
ثم لا قوام للجند (3) إلا بما يخرج الله جل وعز لهم من الخراج
الذي يقوون به على جهاد عدوهم ويعتمدون عليه فيما أصلحهم
ويكون من وراء حاجاتهم. ثم لا نماء لهذين الصنفين إلا
بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب بما يحكمون من

(1) والخرج أي الخراج
(2) قد سمى الله سهمه أي نصيبه يعني ان الله عز وجل قد بين في كتابه الشريف وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ما لكل طبقة من الطبقات السبع على ما اقتضته الحكمة الربانية والعدالة
الإلهية فسبحانه من مدبر حكيم
(3) ثم لا قوام للجند الخ أي لا نظام لهم ولا قوة الا بما يصرف لهم من مال الخراج لا ن الجند إذا كانوا في سعة وخفض عيش قويت قلوبهم وعلت همتهم فلم يزالوا ظاهرين على عدوهم حامين حوزة مليكهم
149

الأمور ويظهرون من الإنصاف. ويجمعون من المنافع
ويؤتمنون عليه خواص الأمور وعوامها. ولا قوام لهم
جميعا إلا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجمعون من مرافقهم (1)
ويقيمون من أسواقهم. ويكفونهم من الترفق بأيديهم. مما
لا يبلغه رفق غيرهم. ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة
والمسكنة الذين يحق رفدهم (2) في الله عز وجل لكل سعة
ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه. ولا يخرج الوالي من
حقيقة ما ألزمه الله تبارك وتعالى وتوطين نفسه (3) على لزوم
الحق والصبر عليه فيما خف أو ثقل
(وقال كرم الله وجهه)
إنما أنت أحد رجلين إما امرؤ سخت نفسك بالبذل (4) في
الحق ففيم احتجاجك (5) من واجب حق تعطيه وخلق كريم

(1) من مرافقهم أي منافعهم
(2) يحق رفدهم أي عطاؤهم
(3) وتوطين نفسه أي تمهيدها
(4) بالبذل أي العطاء
(5) ففيم احتجاجك أي فما الذي حججك ومنعك من اعطائك ما يجب نحوك من الحقوق حيث كانت نفسك سخية
150

تسديه (1) وإما مبتلى بالمنع فما أسرع الناس عن مسئلتك
إذا يئسوا من بذلك (2).
(وقال عليه السلام) حق المسلم على المسلم سبع خصال. يسلم عليه إذا
لقيه. ويجيبه إذا دعاه. ويعوده إذا مرض. ويتبع جنازته إذا
مات. ويحب له ما يحب لنفسه. ويكره له ما يكره لها.
والمواساة في ماله (3).
(وقال عليه السلام)
الناس ثلاثة أصناف. زاهد معتزم (4) وصابر على مجاهدة
هواه. وراغب منقاد لشهواته. فالزاهد لا يظلم ما آتاه الله

(1) وخلق كريم تستديه أي خلق حسن تخالق به الناس
(2) من بذلك أي عطائك
(3) والمواساة في ماله معناه انه يعطيه من ماله ويجعله أسوته فيه
(4) معتزم أي عازم
151

فرحا به. ولا يكثر على ما فاته أسفا. والصابر نازعنه إلى
الدنيا نفسه فقدعها (1) وتطلعت إلى لذاتها فمنعها. والراغب
دعته إلى الدنيا نفسه فأجابها. وأمرته بإيثارها (2) فأطاعها.
فدنس بها عرضه. ووضع لها شرفه. وضيع لها آخرته.
(وقال عليه السلام) الجهاد ثلاثة أول ما يغلب عليه من الجهاد اليد. ثم
اللسان. ثم القلب. فإذا كان القلب لا يعرف معروفا. ولا ينكر
منكرا. نكس فجعل أعلاه أسفله.
(وقال عليه السلام) ثلاثة واثنان ليس لهم سادس. ملك يطير بجناحين. ونبي

(1) فقدعها أي كفها وخالفها فأصبحت بعد ما طمحت عينها إلى زهرة الحياة
الدنيا كليلة الطرف واقفة عندما رسم لها لا تبتغي غير الآخرة
(2) وأمرته بإيثارها أي اختيارها فيا بئس ما ختار لنفسه من التجارة البائرة والصفقة الخاسرة
152

أخذ الله عز وجل بضبعية (1). وساع مجتهد. وطالب يرجو
ومقصر في النار. اليمين والشمال مضلة. والطريق المنهج عليه
باقي الكتاب. وآثار النبوة هلك بعد من ادعى. وخاب من
افترى. إن الله عز وجل أدب هذه الأمة بالسيف والسوط
ليس لأحد عند الامام فيهما هوادة (2). فاستروا ببيوتكم.
واصلحوا ذات بينكم (3)
(وقال عليه السلام في توحيد الله عزو جل)
إن أول الديانة معرفة الله (4) وكمال معرفته توحيده
وكمال توحيده الإخلاص له والإخلاص نفي الصفات عنه

(1) بضبعيه أي عضديه
(2) هوادة الهوادة اللين
(3) واصلحوا ذات بينكم أي اصلحوا ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوالكم أحوال محبة
وائتلاف لا أحوال تباغض واختلاف
(4) معرفة الله أي معرفته بأنه لا إله إلا هو الواحد الاحد الفرد الصمد المنزه عن الوالد والولد وعن الشريك والمماثل القاهر فوق عباده الفعال لما يريد المقصود عند الحوائج الغني عن عباده فهذا
بعض ما يجب معرفته فسبحان من لا يعلم قدره غيره ولا يدرك الواصفون صفته
153

بشهادة كل صفة انها غير الموصوف وشهادة الموصوف انه
غير الصفة وشهادتهما جميعا بالتنبيه على أنفسهما بالحدث الممتنع
من الأزل فمن وصف الله عز وجل فقد حده. ومن حده
فقد عده ومن عده فقد أبطل أزله. ومن قال كيف فقد
استوصفه. ومن فال فيم فقد ضمنه. ومن قال علام فقد أخلى.
منه. ومن قال أين فقد نعته. ومن قال إلى فقد عداه. عالم إذ
لا معلوم. وقادر إذ لا مقدور ورب إذ لا مربوب ومصور
إذ لا مصور فكذلك ربنا تبارك وتعالى وفوق ما يصفه الواصفون
(وقال عليه السلام في مثله من توحيد الله عز وجل)
إن الله جل ثناؤه واحد بغير تشبيه ودائم بغير تكوين
خالق بغير كلفة (1) قائم بغير منصبة (2) موصوف بغير غاية
معروف بغير محدودية باق بغير تسوية عزيز. لم يزل قديم في

(1) بغير كلفة أي تكلف قال الله تبارك وتعالى (إنما امره إذا أراد شيئا
ان يقول له كن فيكون
(2) بغير منصبة المنصبة التعب
154

القدم زاغت القلوب لمهابته. وذهلت الألباب لعزته. وخضعت
الرقاب لقدرته. لا يخطر على القلوب له مبلغ كنة (1) ولا
يعتقد ضمير التسكين من التوهم في إمضاء مشيئته. لا تبلغه
العلماء بألبابها (2) ولا أهل التفكر بتدبير أمورها بأكثر مما
وصف جل وعز به نفسه
(وقال عليه السلام)
إن للمكروه غايات لا بد ان تنتهي إليها. فينبغي للعاقل ان
ينام لها. إلى حين انقضائها. فإن إعمال الحيلة فيها. قبل
تصرمها (3). زيادة في مكروهها
(وقال عليه السلام)
داري عن المؤمن (4) ما استطعت فإن ظهره حمى الله (5)

(1) مبلغ كنه الشئ حقيقته وقدره
(2) بألبابها أي عقولها
(3) قبل تصرمها أي انقطاعها وانقضائها
(4) دارئ عن المؤمن أي دافع عنه
(5) فان حمى ظهره الله يعني ان الله عز وجل حمى ظهر المؤمن ومنعه من أن
يضام فلا تظلمه ولا تهضم جانبه فتصير بذلك خصم الله ومن كان خصما
لله حل عليه غضبه ومن يحلل عليه غضبه فقد هوى
155

عز وجل ونفسه كريمة على الله وله يكون ثواب الله
سبحانه فظالمه خصم الله فلا يكون خصمك.
(وقال عليه السلام)
والله ليسبقن إلى جنات عدن يوم القيامة أقوام ما كانوا
بأكثر الناس صلاة ولا صياما. ولا حجا. ولا عمرة. ولا كن
على قدر عقولهم (1) أخبرنا أبو القاسم عبد الملك بن الحسن بن
إبراهيم قراءة عليه. قال أخبرنا أبو بكر محمد بن القاسم بن
فهد بن أحمد بن عيسى بن صالح البزاز. قال أخبرنا أبو الحسن
أحمد بن مطرف بن سوار البستي. قال حدثنا العباس بن

(1) على قدر عقولهم أي على قدر ما علم الله في قلوبهم من الخير وجميل الطوايا مع حسن التوكل
على الله والاخلاص في العمل لوجهه الاعلى فلا يرون لنفسهم عملا وما
عولوا في أمرهم الا على طلب العفو من الله مع حسن الظن به عز وجل
فاسعد بهم يوم يقال لهم (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية)
156

الفضل بن شاذان. قال حدثنا محمد بن حميد وحجاج بن
حمزة بن سويد العجلي. قال حدثنا زيد بن الحباب. قال
حدثنا عيسى بن الأشعث عن جويبر عن الضحاك عن النزال
ابن سبرة عن علي بن أبي طالب عليه السلام. قال من ابتدأ
غذائه بالملح اذهب الله عنه سبعين بابا من الشر. ومن
اكل سبع تمرات عجوة قتلت كل دابة في بطنه. ومن اكل
إحدى وعشرين زبيبة حمراء لم ير في جسده شيئا يكرهه
واللحم ينبت اللحم. والثريد طعام العرب. والشفارجات
تعظم البطن (2) وترخي الأليتين. ولحم البقر داء. وشحمها دواء
ولبنها شفاء. والشحم يخرج من الداء مثله. والسمك يذيب الجسد
ولن تستشفي النفساء (2) بشئ أفضل من الرطب. والمرء

(1) وفي رواية غذاءه
(2) والشفارجات تعظم البطن السفارجات الاطباق يكون عليها الصحاف والقصاع والمراد ما فيها
(3) تستشفي النفساء أي تطلب الشفاء والنفساء هي المرأة إذا وضعت ووضعها يقال له نفاس ولولا مزية الرطب على غيره من الثمار والفواكه ما كان مختارا للنفساء ولا سيما كونه من شجرة طيبة
157

يسعى بجده (1). والسيف يقطع بحده. ومن أراد البقاء ولا
بقاء فليباكر الغداء. وليقل النساء (2) وليخفف الرداء
قيل يا أمير المؤمنين وما خفة الرداء قال قلة الدين.
الباب الثامن
(في ادعيته ومناجاته)
اخبرني أبو عبد الله محمد بن منصور بن شيكان التستري
مجيزا. قال أخبرنا محمد بن الحسن بن غراب. قال حدثنا القاضي
أحمد بن محمد. قال حدثنا القاضي موسى بن إسحاق. قال حدثنا
عبد الله بن أبي شيبة. قال حدثنا محمد بن فضيل عن عبد الله
الأسدي. قال كان أمير المؤمنين يقول في مناجاته إلهي لولا
ما جهلت من أمري ما شكوت عثراتي ولولا ما ذكرت من
الإفراط ما سفحت عبراتي (3). إلهي فامح مثبتات العثرات

(1) يسعى بجده أي بحظه
(2) وليقل غثيان النساء أي لا يكثر من جماعهن فان الكثير من ذلك يدعو إلى السقام وضعف النظر بخلاف القليل منه
(3) ما سفحت عبراتي أي ما صببت دموعي وأرسلتها
158

بمرسلات العبرات. وهب كثير السيئات. لقليل الحسنات.
إلهي إن كنت لا ترحم إلا المجدين في طاعتك فإلى من
يفزع المقصرون. وإن كنت لا تقبل إلا من المجتهدين فإلى
من يلتجئ المخطئون (1) وإن كنت لا تكرم إلا أهل
الإحسان فكيف يصنع المسيئون (2) وإن كان لا يفوز يوم
الحشر إلا المتقون فبمن يستغيث المذنبون. إلهي إن كان لا
يجوز على الصراط إلا من اجازته براءة عمله فأنى بالجواز (3)
لمن لم يتب قبل حلول اجله. إلهي إن حجب عن
موحديك نظر تعمد لجناياتهم أوقعهم غضبك بين المشركين
في كرباتهم. إلهي فأوجب لنا بالإسلام مذخور هباتك (4)
واستصف لنا ما كدرته الجرائم بصفح صلاتك (5). إلهي
ارحم غربتنا إذا تضمنتنا بطون لحودنا وعميت علينا باللبن (6)

(1) فإلى من يلتجئ المخطئون أي إلى من يستند المذنبون
(2) فكيف يصنع المسيئون أي كيف يكون حال الذين يعملون السيئات
(3) فأنى بالجواز أي فكيف به
(4) مذخور هباتك أي ذخيرة عطاياك
(5) بصفح صلاتك أي بعفو عطاياك
(6) وعميت علينا باللبن أي التبست علينا به واللبن جمع لبنة وهو ما يبنى به
159

سقوف بيوتنا. وضجعنا على الايمان في قبورنا. وخلفنا فرادى
في أضيق المضاجع. وصرعتنا المنايا في أنكر المصارع. وصرنا
في ديار قوم كأنها مأهولة وهي منهم بلا قع (1). إلهي فإذا جئناك
عراة مغبرة من ثرى الأجداث (2) وجوهنا. وخاشعة من أهوال القيامة ابصارنا.
وجائعة من طول القيام بطوننا. وبادية هناك (4) للعيون سوأتنا
ومثقلة من أعباء الأوزار (5) ظهورنا. ومشغولين بما قد دهانا عن
أهلينا واولا دنا. فلا تضاعف (6) علينا المصائب بإعراض وجهك
الكريم عنا. وسلب عائدة ما مثله الرجاء منا (7). إلهي ما حنت
هذه العيون إلى بكائها. ولا جادت متسربة بمائها (8). ولا

(1) كأنها مأهولة وهي منهم بلاقع أي كأنهم فيها وهي منهم خلاء
(2) من ثرى الأجداث أي من تراب القبور
(3) وشاحبة من تراب الملاحد أي متغيرة من تراب القبور
(4) وبادية هناك أي ظاهرة
(5) من أعباء الأوزار أي احمالها
(6) وفي نسخة تضعف
(7) وسلب عائدة ما مثله الرجاء أي سلب منفعة ما صوره وحققه الرجاء
(8) متسرية بمائها أي سائلة بمائها أسفا لما سلف منها من نفورها وامتناعها
160

ولا شهرت (1) بنحيب المثكلات فقد عزائها. إلا لما سلف من
نفورها وإبائها. وما دعاها إليه عواقب بلائها. وأنت القادر
يا كريم على كشف غمائها (2). إلهي ثبت حلاوة ما يستعذبه
لساني من النطق في بلاغته. بزهادة ما يرفعه قلبي من النصح
في دلالته. الهي أمرت بالمعروف وأنت أولى به من
المأمورين. وأمرت بصلة السؤال وأنت خير المسؤولين.
إلهي كيف يقبل بنا اليأس عن الامساك كما لهجنا بطلابه
وقد أدرعنا من تأميلنا إياك أسبغ أثوابه (3) إلهي إذا تلونا من
صفاتك شديد العقاب أشفقنا (4) وإذا تلونا منا الغفور الرحيم
فرحنا فنحن بين أمرين لا يؤمنا سخطك (5). ولا تؤيسنا رحمتك

(1) ولا شهرت الخ أي أظهرت وأوضحت والنحيب رفع الصوت
بالبكاء والمثكلات جمع مثكل وهي المقلات أي التي لا يعيش لها ولد
(2) على كشف غمائها أي على تفريج كربها
(3) أسبغ أثوابه أي اكملها
(4) أشفقنا أي حذرنا
(5) لا يؤمنا سخطك ولا تؤيسنا رحمتك معناه نحن وان كنا على خوف من سخطك فنحن على رجاء لرحمتك التي وسعت كل شئ
161

إلهي إن قصرت بنا مساعينا عن استحقاق نظرك فما قصرت
رحمتك بنا عن دفاع نقمتك. إلهي كيف تفرح بصحبة الدنيا
صدورنا. وكيف تلتئم في عمرانها أمورنا. وكيف يملكنا باللهو واللعب غرورنا. وقد دعتنا
باقتراب آجالنا قبورنا. إلهي كيف نبتهج بدار حفرت لنا فيها
حفائر صرعتها. وقبلتنا بأيدي المنايا حبائل غدرتها (1) وجرعتنا
مكرهين جرع مرارتها. ودلتنا العبر على انقطاع عيشتها.
إلهي فإليك نلتجئ من مكايد خدعتها. وبك نستعين على
عبور قنطرتها (2). وبك تستعصم الجوارح على خلاف شهوتها
وبك نستكشف (3) جلابيب حيرتها. وبك يقوم من القلوب
استصعاب جهالتها. الهي كيف للدور ان تمنع من فيها من
طوارق الرزايا (4). وقد أصيب في كل دار سهم من أسهم

(1) حبائل غدرتها أي حبائل غدرها والحبائل جمع حبالة وهي ما يصاد به
(2) على عبور قنطرتها أي على جوازها
(3) وبك نستكشف الخ أي نطلب منك ان تكشف عنا ما نزل من الحيرة والجلابيب جمع جلباب وهي المحلفة أي ما يتغطى به من فوق الثياب
(4) من طوارق الرزايا أي حوادث الزمان
162

المنايا. الهي ما نفجع بأنفسنا عن الديار إن لم توحشنا هناك
من مرافقة الأبرار. إلهي ما تضرنا فرقة الاخوان ولقرابات
إذا قربتنا منك يا ذا العطيات. الهي ارحمني إذا انقطع من
الدنيا أثري وامحى (1) من المخلوقين ذكري وصرت في المنسيين
كمن قد نسي. الهي كبرت سني. ودق عظمي. ورق جلدي.
ونال الدهر مني. واقترب اجلي. ونفذت أيامي. وذهبت شهوتي
وبقيت تبعتي (2). وامتحت (3) محاسني. وبلى جسمي. وتقطعت
أوصالي. وتفرقت أعضائي. إلهي فارحمني. إلهي أفحمتني
ذنوبي (4) وانقطعت مقالتي. فلا حجة لي ولا عذر فانا المقر
بجرمي. والمعترف بإساءتي. والأسير بذنبي. والمرتهن بعملي
المتهور في خطيئتي. المتحير عن قصدي. المنقطع بي (5) الهي
فصل على محمد وآل محمد وارحمني برحمتك وتجاوز عني. إلهي

(1) وامحى أي انمحى
(2) وبقيت تبعتي أي بقي ما يتبعني ويتعلق بي من حقوق العباد
(3) وامتحت أي انمحت وهي لغة قليلة
(4) أفحمتني ذنوبي أي أسكنتني
(5) المنقطع بي أي ليس لي سند غيرك ولا مولى سواك
163

إن كان صغر في جنب طاعتك عملي. فقد كبر في جنب رجائك
املي. إلهي كيف انقلب بالخيبة من عندك محروما. وكان ظني
بجودك ان تقلبني مرحوما. كلا اني لم أسلط (1) على حسن ظني
بك قنوط ظن الآيسين. فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين
الهي ان كنا مرحومين فإنا نبكي على ما ضيعناه في جوارك
ما نطلبه. الهي عظم جرمي إذ كنت المبارز به وكبر ذنبي
إذ كنت المطالب به الا إني إذا ذكرت كثرة ذنوبي وعظيم
غفرانك وجدت الحاصل لي بينهما عفو رضوانك. الهي ان
أوحشتني الخطايا (2) من محاسن لطفك فقد آنسني اليقين بمكارم
عطفك. الهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك. فقد

(1) لم أسلط الخ أي لم اجعل للقنوط على حسن ظني بك سبيلا كعادة
الضالين الذين لهم ولا بصيرة عندهم
(2) ان أوحشتني الخطايا الخ يعني ان صيرتني الذنوب في وحشة من محاسن لطفك بي فقد آنسني ما عندي من اليقين بمكارم عطفك علي
164

أنبهتني المعرفة بكريم آلائك (1). إلهي ان عزب لبي (2) عن
تقويم ما يصلحني فما عزب إيقاني (3) بنظرك فيما ينفعني. إلهي
جئتك ملهوفا قد البست عد مي وفاقتي (4) وأقامني مقام الأذلين
بين يديك ذل حاجتي. إلهي كرمت فأكرمني ان كنت من
سؤالك. وجد بمعروفك. فاخلطني باهل نوالك. إلهي أصبحت
على باب من أبواب منحك (5) سائلا وعن التعرض لغيرك
بالمسألة عادلا وليس من جميل امتنانك ان ترد سائلا ملهوفا
ومضطرا لانتظار امرك مألوفا. إلهي أقمت على قنطرة
الاخطار (6). مبلوا بالأعمال (7) وبالاعتبار. فأنا الهالك إن لم
تعن عليها بتخفيف الآصار (8). إلهي امن أهل الشقاء خلقتني

(1) بكريم آلائك أي بشريف نعمك
(2) ان عزب لبي أي غاب عقلي
(3) فما عزب إيقاني أي فما غاب يقيني
(4) وفاقتي أي فقري واحتياجي
(5) من أبواب عطاياك
(6) الاخطار هي جمع خطر وهو الاشراف على الهلاك
(7) مبلوا بالاعمال أي ممتحنا بها ومختبرا
(8) بتخفيف الآصار أي بتهوينها والآصار جمع إصر وهو الثقل فالآصار
لا ثقال والمراد بتخفيفها وضعها عنه
165

فأطيل بكائي. أم أهل من السعادة فأبشر رجائي. إلهي لو لم
تهدني إلى الاسلام ما اهتديت ولو لم تطلق لساني بدعائك
ما دعوت. ولو لم ترزقني الايمان بك ما آمنت ولو لم تعرفني
حلاوة نعمتك ما عرفت. ولو لم تبين شديد عقابك
ما استجرت. إلهي إن أقعدني التخلف عن السبق مع الأبرار (1).
فقد أقامتني الثقة بك علي مدارج الأخيار (2). إلهي نفسا
أعززتها بتأييد ايمانك. كيف تذلها بين اطباق نيرانك.
الهي لسانا كسوته من وحدانيتك انقى أثوابها. كيف تهوى
إليه من النار شعلات التهابها. إلهي كل مكروب فإليك يلتجي
وكل محزون فإليك يرتجى. إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك
فخشعوا. وسمع المذنبون بسعة رحمتك فقنعوا. وسمع
المولون عن القصد (3) بجودك فرجعوا. وسمع المجرمون

(1) مع الأبرار أي أهل البر والخير
(2) على مدارج الأخيار أي مسالكهم ومذاهبهم
(3) المولون عن القصد أي المعرضون عن طريق
الاستقامة
166

بسعة غفرانك فطمعوا. حتى ازدحمت عصائب العصاة (1) من
عبادك ببابك. وعج منهم إليك (2) عجيج الضجيج بالدعاء
في بلادك. ولكل امل ساق صاحبه إليك محتاجا. ولكل
قلب تركه يا رب وجيف الخوف (3) منك مهتاجا (4). فأنت
المسؤول الذي لا تسود لديه وجوه المطالب. ولا يرد نائله
قاطعات المعاطب. إلهي إذا أخطأت طريق النظر لنفسي بما
فيه كرامتها. فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه سلامتها.
إلهي إن كانت نفسي استسعدتني (5). متمردة على ما يرديها. فقد
استسعدتها الان بدعائك على ما ينجيها. إلهي إن قسطت في
الحكم (6) على نفسي بما فيه حسرتها. فقد أقسطت (7) في تعريفي
إياها من رحمتك أسباب رأفتها. إلهي إن قطعني قلة الزاد (8)

(1) عصائب العصاة أي جماعاتهم
(2) وعج منهم إليك أي رفع صوته إليك
(3) وجيف الخوف أي اضطرابه
(4) مهتاجا أي هائجا هائما
(5) استسعدتني أي رأتني سعيدا
(6) ان قسطت في أي جرت فيه
(7) فقد أقسطت أي فقد عدلت لا ن قسط بمعنى جار وأقسط بمعنى عدل
(8) قلة الزاد الخ المراد بالزاهد هنا التقوى
167

في المسير إليك. فقد وصلته بذخائر ما أعددته من فضل
لعويلي عليك (1) إلهي إذا ذكرت رحمتك ضحكت لها عيون
وسائلي. وإذا ذكرت سخطك بكت له عيون مسائلي. إلهي
أدعوك دعاء من لم يرجو غيرك في رجائه. إلهي كيف اسكت بالافحام (2)
لسان ضراعتي. وقد أقلقني ما أبهم على (3) من مصير عاقبتي.
إلهي قد علمت حاجة جسمي إلى ما تكلفت له من الرزق في
حياتي. وعرفت قلة استغنائي عنه في الجنة بعد وفاتي. فيا من
سمح لي به متفضلا في العاجل. لا تمنعنيه يوم فاقتي إليه (4) في
الآجل. إلهي ان عذبتني فعبد خلقته لما أراد ت فعذبته. وان
رحمتني فعبد ألفيته مسيئا فأنجيته. إلهي لا احتراس من الذنب (5)

(1) تعويلي عليك أي اعتمادي وتوكلي عليك
(2) بالافحام أي الاسكات من أفحمه إذا اسكته في خصومة أو غيرها
(3) ما أبهم علي أي ما اشتبه علي
(4) يوم فاقتي إليه أي يوم فقري واحتياجي إليه
(5) لا احتراس من الذنب أي لا تحفظ منه
168

الا بعصمتك. ولا وصول إلى عمل الخيرات الا بمشيئتك.
كيف لي (1) بإفادة ما سلبتني فيه مشيئتك وكيف لي باحتراس
من الذنب ما لم تدركني فيه عصمتك. الهي أنت دللتني على
سؤال الجنة قبل معرفتها فأقبلت النفس بعد العرفان على مسئلتها
افتدل على خيرك ثم تمنعه وأنت الكريم المحمود
في كل ما تصنعه يا ذا الجلال والاكرام. إلهي إن كنت غير
مستأهل لما أرجو من رحمتك فأنت أهل ان تجود على
المذنبين بفضل سعتك. إلهي نفسي قائمة بين يديك وقد أظلها (2)
حسن توكلها عليك فاصنع بي ما أنت أهله وتغمدني برحمتك (3)
إلهي إن كان دنا اجلي ولم يقربني منك عملي فقد جعلت الاعتراف بالذنب وسائل عللي فان عفوت فمن أولى منك
بذلك وإن عذبت فمن اعدل منك (4) في الحكم هنالك. إلهي

(1) كيف لي الخ أي كيف استفيد وأنال شيئا لم يكن في مشيتك اني
أستفيده
(2) وقد أظلها أي لابسها وقام بها
(3) وتغمدني برحمتك أي غمرني بها واستر ما كان مني
(4) فمن اعدل منك الخ أي لا أحد اعدل منك في الحكم يا احكم الحاكمين وخير الفاتحين
169

إنك لم تزل بارا بي أيام حياتي فلا تقطع برك بي بعد وفاتي
إلهي كيف آيس من حسن نظرك بعد مماتي وأنت لم تولني
إلا الجميل في حياتي. إلهي إن ذنوبي قد أخافتني ومحبتي لك قد
أجارتني فتول في أمري ما أنت أهله وعد بفضلك (1) على من
غمره جهله يامن لا تخفى عليه خافية صل على محمد وعلى آل
محمد واغفر لي ما خفى عن الناس من أمري. إلهي ليس اعتذاري
إليك اعتذار من يستغني عن قبول عذره فاقبل عذري يا خير
من اعتذر إليه المسيئون. إلهي إنك لو أردت إهانتي لم
تهدني ولو أردت فضيحتي لم تعافني فمتعني بما له هديتني وادم
لي ما به سترتني. إلهي لولا ما اقترفت (2) من الذنوب ما خفت
عقابك ولولا ما عرفت من كرمك ما رجوت ثوابك وأنت
أكرم الأكرمين بتحقيق آمال الآملين وارحم من استرحم (3)

(1) وعد بفضلك الخ أنعم من غلب عليه جهله وقصر
به في مضمار السابقين عمله
(2) لولا ما اقترفت أي لولا ما اكتسبت
(3) وارحم من استرحم أي أنت ارحم من كل راحم لان رحمتك فوق
كل رحمة فمن رحمته استغني برحمتك عن رحمة غيرك ومن رحمه غيرك
فهو محتاج إلى رحمتك التي وسعت كل شئ يا ارحم الراحمين وخير الغافرين
170

في تجاوزه عن المذنبين. إلهي نفسي تمنيني بأنك تغفر لي
فأكرم بها أمنيتي فقد بشرت بعفوك وصدق كرمك مبشرات
تمنيها. وهب لي بجودك مقصرات تجنيها (1) إلهي ألقتني الحسنات
بين جودك وكرمك وألقتني السيئات بين عفوك ومغفرتك
وقد رجوت ان لا يضيع بين ذين (2) وذين (3) مسئ ومحسن
إلهي إذا شهد لي الايمان بتوحيدك وانطلق لساني بتمجيدك
ودلني القرآن على فضائل جودك فكيف لا يبتهج رجائي
بحسن موعدك. إلهي تتابع إحسانك يدلني على حسن نظرك
فكيف يشقى امرؤ أوليته منك حسن النظر. إلهي إن
منها عيون رحمتك. الهي ان عرضني ذنبي لعقابك فقد
أدناني رجائي من ثوابك. الهي ان غفرت فبفضلك وإن

(1) تجنيها التجني هو ان يدعي الانسان على غيره ذنبا لم يفعله
(2) بين ذين أي بين جودك وكرمك
(3) وذين أي عفوك ومغفرتك
(4) بالهلكة الخ يعني ان رحمتك تنجيني من عذابك
171

عذبت فبعدلك. فيا من لا يرجى الا فضله ولا يخاف الا
عدله صل على محمد وآل محمد وامنن على بفضلك ولا تستقص (1)
على عدلك. إلهي خلقت لي جسما وجعلت لي فيه آلات أطيعك
بها وأعصيك وأغضبك بها وارضيك وجعلت لي من نفسي
داعيا إلى الشهوات وأسكنتني دارا ملئت من الآفات وقلت لي
ازدجر (2). فبك اعتصم. وبك احترز. واستوفقك (3) لما
يرضيك. وأسألك فإن سؤالي لا يحفيك (4). الهي لو عرفت
اعتذارا وتنصلا (5) هو أبلغ من الاعتراف به لاتيته فهب لي
ذنبي (6) بالاعتراف ولا تردني في طلبي بالخيبة عند الانصراف
الهي كأني بنفسي قد اضطجعت في حفرتها وانصرف عنها
المشيعون من عشيرتها وناداها من شفير القبر (7) ذوو مودتها

(1) ولا تستقص الخ أي لا تبلغ بي الغاية في عدلك
(2) وقلت لي ازدجر أي امرتني بان انزجر
(3) وأستوفقك أي أسألك التوفيق
(4) لا يحيفك يعني ان سؤالي هين عندك وسهل لديك
(5) وتنصلا التنصل الخروج من الذنب والتبرأ منه
(6) فهب لي ذنبي أي لا تؤاخذني به
(7) من شفير القبر أي ناحيته
172

ورحمها المعادي لها في الحياة عند صرعتها ولم يخف على الناظرين
إليها ذل فاقتها (1) ولا من قد رآها توسدت الثرى (2) عجز حيلتها
فقلت ملائكتي (3) قريب نأي عنه الأقربون. وبعيد جفاه الأهلون
وخذله المؤملون نزل بي قريبا. وأصبح في اللحد غريبا. وقد كان لي
في دار الدنيا راعيا. ولنظري إليه في هذا اليوم راجيا. فتحسن
عند ذلك ضيافتي. وتكون أشفق على من أهلي وقرابتي.
إلهي سترت على في الدنيا ذنوبا ولم تظهرها. فلا تفضحني
يوم ألقاك على رؤوس العالمين. واستزها على هناك يا ارحم
الرحمين. إلهي لو طبقت ذنوبي (4) بين السماء والأرض وخرقت

(1) ذل فاقها أي ذل فقرها واحتياجها
(2) توسدت الثرى أي جعلته تحت رأسها كالوسادة وهي المخدة والثرى التراب
(3) فقلت ملائكتي أي قلت من باب الرأفة بي يا ملائكتي هذا قريب نأي عنه الأقربون الخ
(4) لو طبقت ذنوبي الخ يعني لو ملأت ذنوبي ما بين السماء والأرض
وبلغت في كثرتها ما بلغت حتى خرقت الكواكب وبلغت التخوم ما معنى
اليأس عن انتظاري غفرانك ولا حال القنوط بيني وبين تطلعي إلى رضوانك
فسبحانك لا تضيع اجر من أحسن عملا
173

النجوم وبلغت أسفل الثرى ما ردني اليأس عن توقع غفرانك
ولا صرفني القنوط عن انتظار رضوانك. الهي سعت نفسي
إليك لنفسي تستوهبها. وفتحت أفواه أملها تستوجبها. فهب
لها ما سألت. وجد لها بما طلبت. فإنك أكرم الأكرمين.
بتحقيق امل الآملين. الهي قد أصبت من الذنوب ما عرفت
وأسرفت على نفسي بما قد علمت.. فاجعلني عبدا لك اما طائعا
أكرمتني. واما عاصيا فرحمتني. الهي دعوتك بالدعاء الذي
علمتني. فلا تحرمني من حبائك (1) الذي عرفتني فمن النعمة
ان هديتني لحسن دعائك. ومن تمامها ان توجب لي محمود
جزائك. الهي انتظرت عفوك كما ينتظر المسيؤون. ولست
ايئس من رحمتك التي يتوقعها المحسنون (2). الهي جودك
بسط املي. وشكرك قبل عملي. فصل على محمد وعلى آل محمد
وبشرني بلقائك. وأعظم رجائي لجزائك. الهي أنت الكريم
الذي لا يخيب لديك امل الآملين. ولا يبطل عندك سبق

(1) من حبائك أي من عطائك
(2) يتوقعها المحسنون أي ينتظرونها
174

السابقين (1). الهي ان كنت لم استحق معروفك ولم استوجبه
فكن أنت أهل التفضل به علي فالكريم لم يضع معروفه عند
كل من يستوجبه. الهي مسكنتي لا يجبرها الا عطاؤك.
وأمنيتي لا يغنيها الا نعماؤك. الهي أستوفقك (2) لما يدنيني
منك. وأعوذ بك مما يصرفني عنك. الهي أحب الأمور إلى
نفسي وأعودها على منفعة (3) ما أرشدتها بهدايتك إليه. ودللتها
برحمتك عليه. عليه. فاستعملها بذلك عني. إذ أنت ارحم بها إليه. الهي
أرجوك رجاء من يخافك. وأخافك خوف من يرجو ثوابك فقني
بالخوف شر ما احذر. وأعطني بالرجاء خير ما أحاذر. الهي
انتظرت عفوك كما ينتظر المذنبون. ولست آيسا من رحمتك
التي يتوقها المحسنون. الهي مددت إليك يدا بالذنوب
مأسورة (4) وعينا بالرجاء مذرورة (5). وحقيق لمن دعاك

(1) سبق السابقين أي السابقين إلى مغفرتك وجنتك بتقديم العمل
الصالح لوجهك الاعلى
(2) استوثقك أي أسألك التوفيق
(3) وأعودها على منفعة أي أكثرها نفعا
(4) بالذنوب مأسورة أي أسيرة
(5) مذرورة المذرورة ما يطرح فيها الذرور وهو ما يذر في العين
175

بالندم تذللا ان تجيب له (1) بالكرم تفضلا. الهي ان عرضتني
ذنوبي لعقابك فقد أدناني رجائي من ثوابك. الهي لم
أسلط (2) على حسن ظني بك قنوط الآيسين فلا تبطل صدق
رجائي بك بين الآملين. الهي ان انقرضت بغير ما أحببت
من السعي أيامي. فبالايمان أمضتها الماضيات من أعوامي.
الهي ان أخطأت طريق النظر لنفسي بما فيه كرامتها فقد
أصبت طريق الفزع إليك بما فيه سلامتها. الهي ما أضيق (3)
الطريق على منن لم تكن أنت دليله. وما أوحش المسلك على
من لم تكن أنت أنيسه. الهي انهملت عبراتي (4) حين
ذكرت خطيأتي. وما لها لا تنهمل ولا أدري ما يكون إليه

(1) ان تستجيب له أي تستجيب له دعاءه
(2) لم أسلط الخ أي لم اجعل للقنوط على حسن ظني بك سبيلا كعادة الضالين الذين لا يقين لهم ولا بصيرة عندهم
(3) ما أضيق الطريق الخ أي ما أصعب الطريق وأضيقه على من
لم يكن له طوالع نورك هاد يهديه وما أصعب المسلك وأوحشه على من
لم يكن له من باهي محياك أنيس يحييه قال الله تبارك وتعالى ومن يضلل الله
فماله من هاد
(4) انهملت عبراتي أي فاضت دموعي
176

مصيري. أو ماذا يهجم عليه (1) عند البلاغ مسيري. وارى
نفسي تخاتلني. (2) وأيامي تخادعني وقد خفقت فوق رأسي أجنحة
الموت. ورمتني من قريب أعين الفوت. فما عذري وقد
أوجس (2) في مسامعي رافع الصوت. لقد رجوت ممن البسني
بين الاحياء ثوب عافيته. ان لا يعريني منه بين الأموات بجود
رأفته. ولقد رجوت حين تولاني باقي حياتي بإحسانه. ان
يسعفني عند وفاتي بغفرانه. يا أنيس كل غريب آنس في القبر
وحشتي. ويا ثاني كل وحيد ارحم في القبر وحدتي. يا عالم
السر واخفى. ويا كاشف الضر والبلوى. كيف نظرك لي (4) من
بين ساكني الثرى. وكيف صنعك بي في دار الوحشة والبلى.
قد كنت بي لطيفا أيام حياة الدنيا يا أفضل المنعمين في آلائه (5)

(1) ماذا يهجم عليه أي ماذا ينتهي إليه
(2) تخاتلني أي تخادعني
(3) وقد أوجس الخ أي أخطر في مسامعي من عالي صوته ما انحط به
حولي وجاشت له نفسي
(4) كيف نظرك لي الخ أي انظر لي بعين الرحمة من بين ساكني الثرى يا خير الناظرين وآنسني في دار الوحشة والبلى يا أنيس المنقطعين وأمان الخائفين
(5) في آلائه أي في نعمه
177

وانعم المفضلين في نعمائه. كثرت عندي (1) أياديك فعجزت
عن إحصائها. وضقت ذرعا في شكري لك بجزائها. فلك
الحمد على ما أوليت. ولك الشكر على ما أبليت. يا خير من
دعاه داع. وأفضل من رجاه راج. بذمة الاسلام أقبلت
إليك. وبحرمة القرآن اعتمد عليك. وبمحمد صلى الله عليه وسلم
أتقرب إليك. فصل على محمد وعلى وآل محمد واعرف لي ذمتي
التي بها رجوت قضاء حاجتي واستعملني بطاعتك واختم لي
بخير وأعتقني من النار واسكني الجنة ولا تفضحني بسريرتي
حيا ولا ميتا وهب لي الذنوب (2) التي فيما بيني وبينك وارض
عبادك (3) عني في مظالمهم قبلي. واجعلني ممن رضيت عنه

(1) كثرت عندي الخ معناه اني معناه اني لم أحط علما بما تفضلت به على من
جزيل نعمك لكثرتها وليس في وسعي ان أقوم بواجب شكرك عليها
فكيف يستطيع العبد تمام الشكر لسيده قال الله تبارك وتعالى وتعالى (وان تعدوا
نعمة الله لا تحصوها)
(2) وهب لي الذنوب أي لا تؤاخذني بها
(3) وارض عبادك الخ أي اجعل عبادك راضين عني فيما يتعلق بي من حقوقهم
الواجبة لهم على واجعلني ممن أدخلتهم ساحة رضوانك فأنجيتهم من العذاب بفضلك واحسانك
178

فحرمته على النار والعذاب. وأصلح لي كل أموري التي دعوتك
فيها في الآخرة والدنيا يا حنان يا منان يا ذا الجلال والاكرام
يا حي يا قيوم يامن له الخلق والامر تباركت يا أحسن الخالقين
يا رحيم يا كريم يا قدير صل على محمد وعلى آله الطيبين وعليه
وعليهم السلام ورحمة الله وبركاته إنه حميد مجيد.
أخبرنا حمزة بن عبد الله. قال أخبرنا الحسين بن
خالويه. قال حدثنا ابن دريد. قال حدثنا السكن بن سعيد
عن محمد بن عباد الكلبي عن أبيه. قال حدثنا حوثرة بن
الهرماس. وكان شيخا هما (1) وذكر وفود بني دارم (2) إلى
أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه وذكر حديث الاستسقاء
بطوله وقال فيه فقام منا رجل من حسل (3) فقال
يا أمير المؤمنين جادتك الأنواء (4). وضفا لديك (5) البلاء.

(1) شيخا كبير السن جدا
(2) وفود بني دارم الوفود هم القادمون من سفر
(3) بهامش الأصل جعل بن حسل
(4) جادتك الأنواء أي أمطرتك الأنواء وهي النجوم التي كانت العرب
تضيف الأمطار إليها
(5) وضفا لديك أي عم وكثر لديك
179

وتمت بك الآلاء (1). وكشفت بيمنك اللاواء (2). أتتك عماعم
من افناء دارم (3) تطوي إليك سهوب الاملاء (4). بالحراجيج (5)
الابلاء (6). تبثك أزبات اللاواء (7). ولزبات الشهباء (8). تزدلف
بك (9). وتستمطر بغرتك. وتستدفع البلوى بسنتك.
وقام إليه أبو سرادق فتكلم بكلام قال في آخره أنت ربيع الأيام.
وعصرة الأنام (10). ومصباح الظلام. وغاية المعدام (11).
والسيد الهمام. والإمام القمقام (12). لا معتصر عنك (13). ولا

(1) وتممت بك الآلاء أي كملت بك النعم
(2) وكشفت بيمنك اللأواء أي زالت ببركتك الشدة
(3) اتتك عماعم من افناء دارم أي جاءتك جماعات متفرقون من أوباش دارم وأخلاطهم
(4) تطوي إليك سهوب الاملاء أي تطوي إليك نواحي المفاوز
(5) بالحراريج أي بالنياق الطويلة
(6) الابلاء أي القوية على الاسفار
(7) تبثك ازبات اللاواء أي تظهر لك ما نزل بها وتشكوا إليك منه والزبات الشدائد واللاواء الشدة
(8) ولزبات الشهباء أي شدائد الشهباء والشهباء السنة التي لأمطر فيها
ولا خضرة وهذه السجعة والتي قبلها عبارة عن عوزهم واحتياجهم إلى ما
يسد مفاقرهم
(9) تزدلف بك أي تتقرب
(10) وعصرة الأنام أي منجاة المخلوقين
(11) وغاية المعدام أي غاية المحتاج ومقصده
(12) والامام القمقام أي الامام السيد السند
(13) لا معتصر عنك أي لا ملتجأ عنك
180

معتصم دونك. فقال أمير المؤمنين. صلوات الله عليه.
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله وسلام على المصطفين من
عباد الله. يا قنبر ناد الصلاة جامعة ثم نهض مضجرا بنصيف
مزبرق (1) كأنما غرته البدر لتمه يكاد يعشى الناظرين (2) يؤم
المسجد فصلى ثم دنا من القبر فهينم بكلمات (3) لم أوجسهن (4)
ثم قام قانتا فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه.
اللهم رب السماوات الطباق. والرقع الوثاق (5). خالق الخلق. وباسط
الرزق. عالم الخفيات. وكاشف الكربات. ومجيب الدعوات
وقابل الحسنات. وغافر السيئات. ومقيل العثرات. ومنزل

(1) بنصيف مزبرق أي بثوب ملون
(2) يعشئ الناظرين أي يرد ابصار الناظرين إليه كليلة لصاحبته وشدة الحياء منه وفي نسخة يغشى
(3) فهينم بكلمات أي جعل يقرؤها بصوت خفي
(4) لم أوجسهن أي لم أسمعهن
(5) والرقع الوثاق أي السماوات المحكمات وسميت بالرقع
لا ن كل سماء ترتفع بالتي فوقها كما يرقع الثوب بالرقعة وبهامش
الأصل ما نصه الرقع الرقع الوثاق يعني طباق السماء كل سماء منها رقعت التي
تليها كما يرقع الثوب بالرقعة ويقال الرقيع اسم الدنيا لأنها رقعت بالأنوار
التي فيها
181

البركات. من فوق سبع سماوات بعلمك. من خزائن رحمتك
وأكناف كرامتك. على شاكري آلائك (1). وكافري نعمائك من
عبادك. وقطان بلادك رأفة منك لهم ونعمة عليهم. أنت غاية
الطالبين. وملاذ الهاربين اتاك ملا من عبيدك بإزاء قبر نبيك
تزدلف إليك (2) بعبدك وتشكوا ما أنت اعلم به. اللهم فإنا نسألك
بك فلا شئ أعظم منك وبما استقل به عرشك (3) من عظمتك
التي وسعت كل شئ السماء والأرض وملأت البر والبحر ان
تصلي على محمد خاتم النبيين وسيد الأولين والآخرين. اللهم
كاشف الضر ومزيل الأزل (4) أزل عن عبادك ما قد غشيهم من
آياتك وبرح بهم (5) من عقابك. إنه لا يكشف السوء إلا
أنت إنك رؤوف رحيم

(1) على شاكري آلائك أي على الشاكرين لأنعمك
(2) تزدلف إليك أي تتقرب إليك
(3) استقل به عرشك أي ارتفع
(4) ومزيل الأزل أي كاشف الضيق والشدة
(5) وبرح بهم أي بلغ بهم الغاية في الجهد والمشقة
182

(تفسير غريب الخبر (1))
بياض بالأصل
الباب التاسع
(في المحفوظ من شعره)
روى أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي
النحوي نفطويه من شعر أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه
الحمد لله ربي الخالق الصمد فليس يشركه في ملكه أحد
هو الذي عرف الكفار (2) كفرهم * والمؤمنون سيجزيهم بما وعدوا (3)
فإن تكن دولة كانت لنا عظة * وهل عسى ان يرى في غيها رشد

(1) وفي نسخة الحديث
(2) عرف الكفار الخ أي عرفهم وبين لهم عاقبة كفرهم وما يترتب عليه من الجزاء
(3) بما وعدوا أي بما وعدهم به من حسن الثواب والنعيم المقيم إلى مالا يحيط به التصور قال الله تبارك وتعالى (فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة أعين جزاء يما كانوا يعملون)
فسبحان المنعم على عباده
183

وينصر الله من والاه إن له * نصرا ويمثل بالكفار (1) إذ عندوا (2)
فإن نطقتم بفخر لا أبا لكم * فيمن تضمن من إخواننا أحد
فان طلحة غادر ناه منجدلا (3) * وللصفائح (4) نار بيننا تقد
يعني طلحة بن أبي طلحة العبدري وكان معه لواء المشركين يوم أحد
والمرء عثمان أردته أسنتنا * فجيب زوجته (5) إذ خبرت قدد
هو عثمان بن أبي طلحة قتله حمزة بن عبد المطلب يوم أحد
في تسعة ولواء بين أظهرهم (6) * لم ينكلوا (7) عن حياض الموت إذ وردوا

(1) وبمثل بالكفار أي ينكل بهم ويجعلهم مثله بين الأنام
(2) إذ عندوا أي سلكوا سبيل العناد والمخالفة
(3) غادرناه منجدلا أي تركناه طريحا على الجدالة وهي الأرض
(4) وللصفائح أي السيوف
(5) فيجيب زوجته الخ معناه ان قميص زوجته صار قددا أي قطعا حين بلغها قتله
(6) بين أظهرهم أي بينهم
(7) لم ينكلوا أي لم يجبنوا ولم يتأخروا عن القتال
184

كانوا الذؤابة من فهر (1) وأكرمها * حيث الأنوف (2) وحيث الفرع والعدد
واحمد الخير (3) قد اردى على عجل * تحت العجاج أبيا وهو مجتهد
يعني أبي بن خلف قتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده
وطعنه طعنة يوم أحد
فظلت الطير والضبان تركبه * فحامل قطعة منه ومقتصد
ومن قتلتم على ما كان من عجب * منا فقد صادفوا خيرا وقد سعدوا
لهم جنان من الفردوس طيبة * لا يعتريهم بها حر ولا صرد (4)
صلى الاله عليهم كلما ذكروا * فرب مشهد صدق قبله شهدوا
ومصعب كان ليثا دونه حردا (5) * حتى ترمل منه (6) ثعلب جسد

(1) كانوا الذؤابة من فهر أي كانوا من أشرف فهر وأفضلها
(2) حيث الأنوف أي حيث السادات الطيبو الأصل والفرع
(3) واحمد الخير يعني النبي صلى الله عليه وسلم
(4) ولا صرد أي ولا برد
(5) دونه حردا أي غضبان دونه
(6) حتى ترمل منه الخ أي حتى تلطخ بدمه والثعلب
طرف الرمح والجسد اللاصق بالرمح وصف به الرمح لأنهما بالتلاصق
صارا كالشئ الواحد
185

مصعب بن عمير صاحب لواء رسول الله عليه السلام
قتل يوم أحد
ليسوا كقتلى من الكفار ادخلهم * نار الجحيم على أبوابها الأصد
الأصد من الوصيد يقال أوصدت الباب وآصدته أي
أغلقته والوصيد أيضا الفناء من قوله جل وعز (وكلبهم باسط
ذراعيه بالوصيد)
(وقال عليه السلام)
في قتله عمرو بن ود وكان عليه السلام حين قتله سقط
عمرو فانكشف فتنحى عنه وقال
اعلي يقتحم الفوارس (1) هكذا * عني وعنهم أخروا أصحابي
اليوم يمنعني الفرار حفيظتي (2) * ومصمم في الرأس ليس بناب (3)

(1) يقتحم الفوارس أي يتجاسرون على لقائي ويتعرضون لقتالي ويرمون بأنفسهم فيه بدون نظر منهم في العواقب
(2) حفيظتي أي حميتي وغضبي
(3) ليس بناب أي ليس بمخطئ للضريبة
186

وغدوت ألتمس القراع وصارم * عضب (1) كلون الملح في اقراب (2)
آلى ابن عبد (2) حين شد إليه * وحلفت فاستمعوا من الكذاب
ألا يفر ولا يهلهل (4) فالتقى * رجلان يضطر بان كل ضراب
وصددت حين رأيته متقطرا (5) * بالدرع بين دكادك (6) وروابي
وعففت عن أثوابه ولو انني * كنت المقطر بزنى أثوابي (7)
نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت رب محمد بصواب
لا تحسبن الله خاذل دينه * ونبيه يا معشر الأحزاب
وجاءت أخت عمرو فوجدته قتيلا فقالت من قتله قالوا
علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قالت كفو كريم ثم قالت

(1) وصارم عضب أي سيف قاطع
(2) في اقراب في خواصر
(3) آلى ابن عبد أي أقسم وحلف
(4) ولا يهلل أي لا يفر من القتال ولا يجبن عنه
(5) متقطرا أي ساقطا على قطريه وهما جانباه
(6) بين دكادك الخ الدكادك الرمال المتلبدة بالأرض ولم ترتفع والروابي
جمع رابية وهي ما ارتفع من الأرض
(7) بزنى أثوابي أي سلبني إياها وجردني منها
187

لو كان قاتل عمر وغير قاتله * لقد بكيت عليه آخر الأبد
لكن قاتله من لا يعاب به * من كان يدعى قديما بيضة البلد (1)
(وقال عليه السلام)
في قتله عمرو بن عبد ود
كانوا على الاسلام (2) ألبا ثلاثة * فقد بز (3) من تلك الثلاثة واحد
ألبا أي مجتمعين يقال تألبوا على الشئ أي اجتمعوا عليه
وفر أبو عمرو هبيرة لم يعد لنا * وأخو لحرب المجرب عائد

(1) بيضة البلد أي واحد البلد المقبول قوله والذي يرجعون
إليه في المهمات فلا يقطعون أمرا دونه ولا يعولون الا على رأيه وبيضة
البلد كما يقال للعزيز بيضة البلد من الأضداد فيقال للذليل بيضة البلد كما يقال للعزيز بيضة البلد
(2) كانوا على الاسلام الخ أي كانوا مجتمعين على الاسلام يمكرون به والألب
هم المجتمعون على غيرهم بالظلم والعداوة
(3) فقد بز الخ أي فقد قتل وسلب واحد من تلك الثلاثة
188

نهتهم سيوف الهند (1) ان يقفوا لنا * غداة التقينا والرماح المصايد (2)
(وقال عليه السلام)
ضربنا غواة الناس عنه تكرما * ولما يروا قصد السبيل ولا الهدى
فلما تبينا الهدى كان كلنا على * طاعة الرحمن والحق والتقى
نصرنا رسول الله لما تدابروا (3) * وثاب إليه المسلمون (4) ذوو الحجا (5)
(وقال عليه السلام في يوم أحد)
رأيت المشركين بغوا علينا * ولجوا في الغواية والضلال

(1) نهتهم سيوف الهند يعني ان السيوف الهندوانية المصنوعة في بلاد
الهند المطبوعة فيها قد منعتهم من لقائنا ونهتهم عن اقتحامهم حومة ميداننا
لكيلا يذوقوا بأسنا. السيوف لا تنهى ولا تأمر وإنما هذا الكلام كناية
عن كونهم لا يستطيعون ان يقاوموا أمير المؤمنين عليه السلام
(2) والرماح المصايد أي الرماح التي يصاد بها
(3) لما تدابروا أي تقاطعوا
(4) وثاب إليه المسلمون أي رجعوا إليه
(5) ذوو الحجا أي أصحاب العقل
189

وقالوا نحن أكثر إذ نفرنا غداة * الروع (1) بالأسل النهال (2)
فان تبغوا وتفتخروا علينا بحمزة * وهو في الغرف العوالي (2)
فقد أودى بعتبة (4) يوم بدر * وقد ابلى وجاهد غير آل (5)
وقد غادرت كبشهم (6) جهارا * بحمد الله طلحة في الضلال (7)
(وقال عليه السلام)
عرفت ومن يعتدل بعرف * وأيقنت حقا فلم أصدف (8)
عن الحكم الحكم آياتها من * الله ذي الرأفة الأرءف
رسائل تدرس في المؤمنين * بهن اصطفى احمد المصطفى
فأصبح احمد فينا عزيزا * عزيز المقامة (10) والموقف

(1) غداة الروع أي وقت الفزع والخوف
(2) بالأسل النهال أي بالرماح النواهل من دم القتلى
(3) في الغرف العوالي أي في أعالي الجنة
(4) فقد أودى بعتبة أي فقد أهلك عتبة وقتله يوم بدر
(5) غير آل غير مقصر
(6) غادرت كبشهم أي تركت سيدهم وكبيرهم
(7) في الضلال أي في الضياع والهلاك
(8) فلم أصدف أي لم اعرض ولن امل
(9) الحكم آياتها
(10) عزيز المقامة أي عزيز الإقامة
190

فيأيها الموعودة سفاها * ولم يأت جورا ولم يعنف (2)
ألستم تخافون أمر العذاب * وما آمن الله كالأخوف
ولم يصرعوا تحت أسيافه * كمصرع كعب أبي الأشرف
كعب بن الأشرف رئيس اليهود دس إليه النبي صلى الله
عليه وسلم من قتله
غداة تراءى لطغيانه * واعرض كالجمل الأخنف
فأنزل جبريل في قتله * بوحي إلى عبده ملطف
فباتت عيون له معولات (4) * متى ينع كعب (5) لها تذرف
فقالوا لأحمد زرنا قلبلا * فإنا من النوح لم نشتف
فأجلاهم (6) ثم قال اظعنوا * فتوحا على رغم الآنف
اجلى النضير (7) إلى عربة * وكانوا بدار ذوي زخرف

(1) الموعدوه سفاها أي المتوعدوه جهلا
(2) ولم يعنف أي لم يكن صاحب عنف
(3) غداة تراءى الخ أي غداة تصدى وتعرض لان نراه
والأخنف الذي يقلب خف يده في السير إلى جانبه الأيمن
(4) له معولات أي رافعات صوتها بالبكاء
(5) متى ينع كعب الخ أي متى يخبرها الناعون بموته تسيل دموعها
(6) فأجلاهم أي أخرجهم من ديارهم
(7) وأجلى النضير الخ أي نفاهم من ديارهم وعربة ناحية بقرب المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
191

إلى أذرعات (1) رذاياهم * على كل ذي دبر أعجف (1)
(وقال عليه السلام)
ألم ترى ان الله ابلى رسوله * بلاء عزيز ذي اقتدار وذي فضل
بما انزل الكفار دار مذلة * فذاقوا هوانا من إسار ومن قتل
وأمسى رسول الله قد عز نصره * وكان رسول الله ارسل بالعدل
فجاء بفرقان من الله منزل * مبينة آياته لذوي العقل
فآمن أقوام بذاك وأيقنوا * وأمسوا بحمد الله مجتمعي الشمل
وأنكر أقوام فزاغت قلوبهم * فزادهم ذو العرش خبلا على خبل
وأمكن منهم (3) يوم بدر رسوله * وقوما غضبانا (4) فعلهم أحسن الفعل

(1) إلى أذرعات الخ أذرعات موضع بالشام
(2) على كل ذي دبر أعجف أي على كل جريح مهزول والدبر قرحة
تصيب البعير والأعجف المهزول
(3) وأمكن منهم الخ معناه ان الله تعالى أمكن رسوله من الكفار يوم بدر
وسلطه عليهم فتمكن منهم حتى سلبهم القرار واخلي منهم الديار واعلى منار الدين
بالنصر العزيز والفتح المبين
(4) وقوما غضبانا المراد بالقوم هنا أهل بدر الذين يغضبون لدين الله عز
وجل سلطهم الله عليهم أيضا على الكفار يوم بدر فنصروا دينه وبذلوا أرواحهم
في حفظ نبيه عليه الصلاة والسلام بأن لهم الجنة رضي الله تعالى عنهم أجمعين
ودولة الشرك أضحى قطع دابرها مما يزيد اولي الايمان ايمانا
192

بأيديهم بيض خفاف (1) عصوا بها (2) * وقد حادثوها (3) بالجلاء وبالصقل
فكم تركوا من ناشئ ذي حمية * صريعا ومن ذي نجدة منهم كهل
تبيت عيون النائحات عليهم * تجود بإبسال الرشاش وبالوابل (4)
نوائح تنعى عتبة الغي وابنه * وشيبة تنعاه وتنعى أبا جهل (5)

(1) بيض خفاف أي سيوف خفاف
(2) عصوا بها أي ضربوا بها
(3) وقد حادثوها أي تعهدوها وغزوة بدر أكبر الغزوات
(4) تجود باسبال الرشاش الخ أي نهيض بارسال الدموع والرشاش الأمطار
القليلة كناية عن الدموع الخفيفة والوبل المطر الغزير كناية عن كثرة الدموع
(5) وتنعي أبا جهل أي تخبر بموته وهو فرعون هذه الأمة
193

وذا الرجل تنعط وابن جدعان منهم * مسلبة حرى (1) مبينة الثكل (2)
ثوى منهم (3) في بئر بدر عصابة * ذوو نجدات في الحروب وفي المحل (4)
دعا الغي منهم من دعا فأجابه * وللغي أسباب مرمثة الوصل (5)
فاضحوا (6) لدي دار الجحيم بمعزل * عن الشغب والعدوان في اشغل الشغل
(وقال عليه السلام يرثي النبي صلى الله عليه وسلم)
ألا طرق الناعي بليل فراعني وأرقني لما استهل مناديا
فقلت له لما رأيت الذي اتي أغير رسول الله إن كنت ناعيا

(1) مسلبة حرى المسلبة التي مات ولدها والحرى العطشى
(2) مبينة الثكل أي ظاهرته والثكل فقدان المرأة ولدها
(3) ثوى منهم أي أقام
(4) وفي المحل أي الجدب والقحط
(5) أسباب مرمثة الوصل أي حبال بالية متقطعة لا يمكن وصل بعضها ببعض
(6) فاضحوا الخ أي فأصبحوا من أصحاب النار لا يقضى عليهم فيها فيموتوا ويستريحوا ولا يخفف عنهم ما هم فيه من عذابها بل يأتيهم عذاب فوق العذاب ولو لم يكن في جهنم الا شرابهم
من الحميم وطعامهم من الشجرة الملعونة في القرآن لكفاهم من طعام الزقوم
ما يغلي في بطونهم ومن الشراب الحميم ما يقطع أمعاءهم فأولى لهم ثم أولى لهم
والشغب تهييج الشر
194

فحقق ما أشفقت منه (1) ولم يبل (2) * وكان خليلي غرتي وجماليا
فوالله لا أنساك احمد ما مشت * بي العيس (3) في ارض وجاوزت واديا
وكنت متى اهبط من الأرض تلعة (4) * أجد اثرا منه جديدا وعافيا (5)
جواد تشظى الخيل عنه (6) كأنما * يرين به ليثا عليهن ضاربا (7)
من الأسد قد أحمى العرين (8) مهابة * تعادى سباع الأسد (9) منه تعاديا

(1) ما أشفقت منه أي حذرت منه
(2) ولم يبل أي لم يبال ولم يكترث
(3) ما مشت بي العيس أي ما سارت بي النياق والعيس الإبل
البيض التي يخالط بياضها شئ من الشقرة
(4) تلعة التلعة ما ارتفع من الأرض وما انهبط منها فهي من الأضداد
(5) وعافيا أي قديما دارسا
(6) تشظى الخيل عنه تتطاير وتتفرق
(7) ضاريا من الضراوة وهي التعود على الشئ
(8) قد أحمى العرين أي جعل غابه محميا
(9) تعادى سباع الأسد أي تجري منه وتفر
195

شديد جرئ النفس نهد (1) مصدر * هو الموت مغدوا عليه وغاديا
لتبك رسول الله صف مقدم * إذا كان (5) ضرب الهام نقفا تفانيا
(وقال عليه السلام في قوم من الزنادقة قتلهم وأحرقهم)
لما رأيت الامر منكرا * أججت ناري (6) ودعوت قنبرا (7)
(وقال عليه السلام)
لمن راية سوداء ظلها (8) * إذا قيل قدمها حضين تقدما

(1) نهد أي كريم قوي الصدر
(2) خيل مغيرة أي خيل لها إغارة على العدو
(3) تثير غبارا أي تهيجه
(4) كابيا أي مرتفعا
(5) إذا كان الخ أي إذا كان ضرب الرأس فيه
موت صاحبه والهام جمع هامة وهي الرأس والنقف كسر الرأس عن الدماغ
والتفاني افناء القوم بعضهم بعضا
(6) أججت ناري أي أشعلتها وقويتها
(7) ودعوت قنبرا أي ناديته وقنبر مولى لعلي رضي الله عنه
(8) يخفق ظلها أي يضطرب.
196

فيوردها في الصف حتى يردها * حياض المنايا تقطر الموت والدما
جزى الله قوما قاتلوا في لقائهم * لدى الموت يوما ما أعز واكرما (1)
وأطيب اخبارا وأكرم شيمة (2) * إذا كان أصوات الرجال تغمغما (3)
ربيعة أعني انهم أهل نجدة * وبأس إذا لاقوا خميسا عرمرما (4)
حضين معجمة الضاد وهو حضين بن المنذر أبو ساسان
وكان معه راية قومه يوم صفين وعاش بعد ذلك دهرا طويلا
(وقال عليه السلام)
أرى علل الدنيا على كثيرة * وصاحبها حتى الممات (5) عليل

(1) ما أعز وأكرما أي ما أعزهم وأكرمهم
(2) وأكرم شيمة أي أكرم طباعا واخلاقا
(3) تغمغما التغمغم الكلام الذي لا يبين ولا يفهم وهو كلام الابطال في القتال
(4) خميسا عرمرما أي جيشا كثيرا جرارا
(5) حتى الممات أي إلى مماته فالعاقل لا يغتر بالحياة الدنيا
197

لكل اجتماع من خليلين فرقة * وكل الذي (1) دون الممات قليل
وإن افتقادي (2) واحد بعد واحد * دليل على أن لا يدوم خليل
اخبرني أبو عبد الله محمد بن منصور التستري مجيزا. قال
أخبرنا أحمد بن محمد بن خليل. قال حدثنا الحسين (3) بن
إبراهيم. قال حدثنا محمد بن أحمد بن رجاء. قال حدثنا هارون
بن محمد. قال حدثنا قعنب بن المحرز. قال حدثنا
الأصمعي. قال حدثنا أبو عمرو بن العلاء المقرئ. قال حدثني
الذيال بن حرملة. قال كان علي بن أبي طالب عليه السلام يغدو
ويروح إلى قبر رسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ويبكي
تفجيعا ثم يقول يا رسول الله ما أحسن الصبر إلا عنك. وأقبح
البكاء إلا عليك. ثم يقول

(1) وكل الذي الخ معناه ان كل ما يعتري من الانسان من العلل قليل
بالنسبة لموته فربما صح منه واما موته فهو الطامة الكبرى على حياته
(2) وان افتقادي الخ يعني ان تطلبي واحدا بعد واحد عند غيبته مما
يدل على أن لا دوام لصديق
(3) وفي نسخة الحسن
198

ما غاض دمعي (1) عند نازله * إلا جعلتك للبكا سببا
وإذا ذكرتك ميتا سفحت * مني الجفون ففاض وانسكبا
ثم يمرغ وجهه في التراب ويبكي ويندب ويذكر ما حل به بعده
ويقول في ذلك
ماذا على من شم (2) تربة احمد * ألا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام عدن لياليا
وأخبرني أبو عبد الله أيضا. قال أخبرنا الحسن بن عبد الله بن
سعيد. قال حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري. قال أخبرنا
زكريا بن يحيى عن الأصمعي عن سلمة بن بلال عن مجاهد عن
الشعبي. قال علي بن أبي طالب عليه السلام لرجل كره
صحبة رجل وهو

(1) ما غاض دمعي الخ اني لم أجد سببا أبكي له وصب دمعي من
اجله جعلت ذكراك سببا لبكائي وانصباب دموعي
(2) ماذا على من شم الخ يعني انه لا شئ على من استنشق تربة احمد صلى الله عليه وسلم فاكتفى
بطيبها عن اشتمامه كل رائحة زكية من روائح الدنيا والغوالي جمع غالية وهي
طيب معروف
199

لا تصحب أخا الجهل (1) وإياك وإياه * فكم من جاهل ازدرى حليما حين آخاه
يقاس المرء إذا ما هو ما شاه * وللقلب على القلب دليل حين يلقاه
فللشئ من الشئ مقاييس وأشباه * وفي العين غنى للعين ان تنطق أفواه
وأخبرني أيضا مجيزا. قال أخبرنا أبو الفضل يحيى بن إبراهيم
ابن زياد القرقوبي. قال أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن بن
الجارود الرقي. قال أخبرنا سليمان بن سيف. قال أخبرنا
الأصمعي عن العلاء بن جرير عن أبيه عن الأحنف بن قيس. قال
دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه
وهو يصلي الضحى فقلت له يا أمير المؤمنين إلى متى (2) هذا

(1) لا تصحب أخا الجهل الخ يعني لا تحتفل بالجاهل ولا تتخذه خليلا
فتسرق طباعك من طباعه ويضيع حلمك في جهله فتصير جاهلا بعدما
كنت حليما
(2) إلى متى الخ يعني إلى متى هذا الجد والاجتهاد والهمة العالية
في الطاعة والصلاح وحب النوافل وما أشبه ذلك من أمور الدين التي لا
يقوم بها الا أهل اليقين الموفون بما عاهدوا الله عليه
200

الدؤب بالليل ودؤب بالنهار فأشار إلي اجلس فلما
سلم قال اسمع وافهم فأنشده
اصبر على مضض الإدلاج (1) بالسحر * وفي الرواح على الحاجات والبكر
لا تيئس ولا تحزنك مطلبة * فالنجح (2) يتلف بين العجز والضجر
إني رأيت وفي الأيام تجربة * للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يطالبه * واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
وأخبرني أيضا قال وأنشدنا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب
صلوات الله عليه
أصم عن الكلم المحفظات * واحلم والحلم بي أشبه

(1) على مضض الادلاج أي على ألمه والادلاج السير من أول الليل
(2) فالنجح الخ يعني ان الفوز بالمقصود يضيع بين العجز والقلق وقلة الهمة والثبات
201

وإني لا ترك حلو الكلام * لئلا أجاب بما أكره
إذا اجتررت سفاه السفيه (1) * علي فإني انا الأسفه
فلا تغرر برواء الرجال (2) * وإن زخرفوا لك أو موهوا
فكم من فتى يعجب الناظرين * له ألسن وله أوجه
تراه ينام عن المكرمات * وعند الدناءة يستنبه
أخبرنا الحسن (3) بن محمد بن عيسى القماح. قال أخبرنا الحسن
ابن إسماعيل الضراب. قال حدثنا علي بن عمر. قال حدثني
أحمد بن محمد الأنباري. قال حدثنا محمد بن سهل. قال حدثنا
عبد الله بن محمد البلوي. قال حدثنا عمارة بن زيد. قال حدثني

(1) اجتررت سفاه السفيه أي جررت سفاهة السفهاء
(2) برواء الرجال أي حسن منظرهم يعني لا تغرنك أجسامهم في حسن تركيبها وتعديلها ولا
تسمعن لأقوالهم في حسن سبكها وما احتوت عليه من الزخرفة والتمونه
فإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه ولو يكن فيهم الا مخالفة ظاهرهم لباطنهم
لكفى به ناهيا عن الاحتفال بهم والقرب منهم قال الله تبارك وتعالى (وإذا
رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة)
يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون
(3) وفي نسخة الحسين
202

مالك عن الزهري عن عبد الرحمن بن سعد عن جابر بن عبد
الله قال سمعت عليا عليه السلام ينشد ورسول الله صلى الله
عليه وسلم يسمع
انا أخو المصطفى لاشك في نسبي * معه ربيت وسبطاه (1) هما ولدي
جدي وجد رسول الله منفرد وفاطم * زوجتي (2) لا قول ذي فند (3)
صدقته وجميع الناس في بهم (4) * من الضلالة والإشراك والنكد
الحمد لله شكرا لا شريك له * البر بالعبد والباقي بلا امد (5)
فقال صلى الله عليه وسلم صدقت يا علي.

(1) وسبطاه يعني الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما
(2) وفاطم زوجتي يعني فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم
(3) ذي فند أي صاحب خطأ
(4) في بهم أي في خطط من الظلال والبهتان والشرك والكفران والنكد والخسران والعدول عن الطريق القويم والصراط المستقيم
(5) بلا امد أي انتهاء.
203

(تم الدستور بحمد الله وحسن عونه فله الحمد دائما على)
(نعمه التي لا تحصى وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله الطاهرين)
(وسلم تسليما وحسبنا الله ونعم الوكيل
هذا آخر ما يسر الله تعالى من حل ألفاظ هذا الكتاب الفاخر
والبحر الزاخر. كتاب (دستور معالم الحكم. ومأثور مكارم الشيم)
للأمام القضاعي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
والحمد لله أولا واخرا. وظاهرا وباطنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي
وعلى آله وسلم تسليما
وكان طبعه الجميل على هذا الشكل الجليل مع بذل الجهد
في تصحيحه وتنقيحه على أصل معتمد بمعرفة ملتزم طبعه
العبد الضعيف الراجي عفو ربه اللطيف محمد عبد القادر
سعيد الرافعي الكتبي في اليوم الثاني عشر من شهر
رمضان المبارك سنة 1332 هجرية على صاحبها
أفضل التحية غفر الله له ولوالديه
ولجميع المسلمين اللهم آمين
204