الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ٤
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

حديث ثامن لزيد بن أسلم يجري مجرى المتصل وهو صحيح من وجوه مالك عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات (1) هكذا قال يحيى في هذا الحديث عن مالك عن عبد الله الصنابحي وتابعه القعنبي وجمهور الرواة عن مالك وقالت
1

طائفة منهم مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع فيه عن مالك عن زيد عن عطاء عن أبي عبد الله الصنابحي واختلف عن زيد ابن أسلم في ذلك من حديثه هذا فطائفة قالت عنه في ذلك عبد الله الصنابحي كما قال مالك في أكثر الروايات عنه وقالت طائفة أخرى عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي عبد الله الصنابحي وممن قال ذلك معمر وهشام بن سعد والدراوردي ومحمد بن مطرف أبو غسان وغيرهم (وما أظن هذا الاضطراب جاء الا من زيد بن أسلم والله أعلم) ذكر عبد الرزاق عن معمر عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي عبد الله الصنابحي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشمس تطلع بين قرني الشيطان أو قال يطلع معها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها فإذا كانت في وسط السماء قارنها فإذا دلكت أو قال زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها فلا تصلوا هذه الثلاث ساعات وقال البخاري ابن أبي مريم عن أبي غسان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي أبي عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء وفضله وكذلك قال الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد
2

ابن أبي هلال عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي عبد الله الصنابحي فذكر حديث النهي عن الصلاة في الثلاث ساعات والصواب عندهم قول من قال فيه أبو عبد الله وهو عبد الرحمن بن عسيلة تابعي ثقة ليست له صحبة وروى زهير بن محمد هذا الحديث عن زيد بن أسلم عن عطاء عن (عبد الله) الصنابحي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وهذا خطأ عند أهل العلم والصنابحي لم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وزهير بن محمد لا يحتج به (إذا خالفه غيره) (وقد صحف فجعل كنيته اسمه وكذلك فعل كل من قال فيه عبد الله لأنه أبو عبد الله وقد قال فيه الصلت بن بهرام عن الحرث بن وهب عن أبي عبد الرحمن الصنابحي فهذا صحف أيضا فجعل اسمه كنيته وكل هذا خطأ وتصحيف والصواب ما قاله مالك فيه في رواية مطرف وإسحاق بن عيسى الطباع ومن رواه كروايتهما عن مالك في قولهم في عبد الله الصنابحي أن كنيته أبو عبد الله وأسمه عبد الرحمن والله المستعان) وقد روى عن ابن معين أنه قال عبد الله الصنابحي يروى عنه المدنيون يشبه أن تكون له صحبة وأصح من هذا عن ابن معين أنه سئل عن أحاديث الصناحبي عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال مرسلة ليست له صحبة
3

قال أبو عمر صدق يحيى بن معين ليس في الصحابة أحد يقال له عبد الله الصنابحي وإنما في الصحابة الصنابح الأحمسي وهو الصنابح بن الأعسر كوفي روى عنه قيس بن أبي حازم أحاديث منها حديثه في الحوض ولا في التابعين أيضا أحد يقال له عبد الله الصنابحي فهذا أصح قول من قال أنه أبو عبد الله لأن أبا عبد الله الصنابحي مشهور في التابعين كبير من كبرائهم واسمه عبد الرحمن بن عسيلة وهو جليل كان عبادة ابن الصامت كثير الثناء عليه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا ضمرة قال حدثنا جابر بن أبي سلمة والعلاء بن هارون عن ابن عون عن رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع قال كنا عند عبادة بن الصامت نعوده إذا جاء أبو عبد الله الصنابحي فلما رآه عبادة قال لئن شفعت لأشفعن لك ولئن قدرت لأنفعنك ولئن سئلت لأشهدن لك ثم قال من سره أن ينظر إلى رجل كأنه رفع فوق سبع سماوات ثم رد فعمل على ما رأى فينظر إلى أبي عبد الله يعني الصنابحي
4

قال أحمد بن زهير وحدثنا قتيبة قال حدثنا الليث عن محمد بن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن الصنابحي قال دخلت على عبادة بن الصامت وهو في الموت فبكيت فقال مهلا لم تبكي فوالله لئن اسشتهدت لأشهدن لك وذكر نحوه وحديث ضمرة أتم وذكر ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن الصنابحي أنه قال له متى هاجرت قال خرجنا من اليمن مهاجرين فقدمنا الجحفة فأقبل راكب قلت الخبر فقال دفنا النبي صلى الله عليه وسلم منذ خمس وقال ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد ابن عبد الله اليزني (1) عن عبد الرحمن بن عسيلة قال لم يكن بيني وبين وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خمس ليال توفي وأنا بالجحفة فقدمت وأصحابه متوافرون فسألت بلالا عن ليلة القدر فقال ليلة ثلاث وعشرين قال أبو عمر قدم الصنابحي هذا يومئذ المدينة فصلى وراء أبي بكر
5

الصديق رضي الله عنه المغرب فسمعه يقرأ في الركعة الآخرة بعد أم القرآن * (ربنا لا تزغ قلوبنا) * وهو معدود في تابعي أهل الشام وبها توفي وأحاديثه التي في الموطأ مشهورة جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق شتى من حديث أهل الشام وممن رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم عقبة بن عامر وعمرو بن عبسة وأبو أمامة الباهلي ومرة بن كعب البهزي وقيل كعب (1) بن مرة وسنذكرها في هذا الباب على شرطنا في توصيل المرسلات وبالله العون لا شريك له وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان وقوله في غير هذا الاسناد تطلع على قرن الشيطان وتطلع بين قرني الشيطان ونحو هذا فإن للعلماء في ذلك قولين أحدهما أن ذلك اللفظ على الحقيقة وإنها تغرب وتطلع على قرن شيطان وعلى رأس شيطان وبين قرني شيطان على ظاهر الحديث حقيقة لا مجازا من غير تكيف لأنه لا يكيف ما لا يرى واحتج من قال بهذا القول بما أخبرنا عبد الله بن محمد ابن يوسف قال أخبرنا أبو الفتح الفارسي إبراهيم بن علي بمصر
6

قال أبو عمر وقد كتب الينا أبو الفتح بإجازة ما رواه وأباح لنا أن نحدث عنه وكتب ذلك بخطه قال أخبرنا محمد (1) بن القاسم ابن بشار النحوي قال حدثني أبي قال حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن حمزة بن عفيف البلخي قال حدثنا محمد بن عمرو بن أبي عمرو الشيباني عن أبي بكر (2) الهذلي عن عكرمة قال قلت لابن عباس أرأيت ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمية بن أبي الصلت آمن شعره وكفر قلبه قال هو حق فما أنكرتم من ذلك قلت أنكرنا قوله
* والشمس تطلع كل آخر ليلة
* حمراء يصبح لونها يتورد
*
7

* ليست بطالعة لهم في رسلها
* إلا معذبة والا تجلد
*
* فما بال الشمس تجلد قال والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك فيقولون لها اطلعي اطلعي فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله فيأتيها ملك عن الله تعالى يأمرها بالطلوع فتطلع لضياء بني آدم فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله بحرها وما غربت الشمس قط الا خرت لله ساجدة فياتيها شيطان فيريد أن يصدها عن السجود فتغرب بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها وذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما طلعت الا بين قرني شيطان ولا غربت الا بين قرني شيطان وأخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن يعقوب (1) بن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي
8

صلى الله عليه وسلم صدق أمية بن أبي الصلت في بيتين من شعره قال
* رجل وثور تحت رجل يمينه
* والسحر للأخرى وليث مرصد
* فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق قال
* والشمس تطلع كل آخر ليلة
* حمراء يصبح لونها يتورد
* تأبى فما تطلع لهم في رسلها الا معذبة والا تجلد
*
* فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق (وذكر أسد بن موسى قال حدثنا حماد بن سلمة عن هشام ابن عروة عن أبيه عروة بن الزبير قال حملة العرش أحدهم على صورة إنسان والثاني على صورة ثور والثالث على صورة نسر والرابع على صورة أسد) وحدثني أبو محمد قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا إبراهيم ابن مرزوق قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا شعبة
9

عن سماك قال سمعت المهلب بن أبي صفرة (1) يحدث عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصلوا عند طلوع الشمس ولا عند غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان أو على قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان أو على قرني شيطان شك شعبة قال أبو عمر بلغني أن أبا محمد عبد الله بن إبراهيم سئل عن تأويل حديث زيد ابن أسلم هذا فقال ممكن ان يكون للشيطان قرن يظهره عند طلوع الشمس وعند غروبها على ظاهر الحديث وما صنع أبو محمد رحمه الله في جوابه هذا شيئا وأظنه أشار إلى نحو القول المذكور من حمل الكلام على حقيقته دون مجازه والله أعلم وقال قوم من العلماء وجه هذا الحديث ومعناه عندنا حمله على مجاز اللفظ واستعارة القول واتساع الكلام وقالوا أراد بذكره صلى الله عليه وسلم قرن الشيطان أمة تعبد الشمس
10

وتسجد لها وتصلي في حين طلوعها وغروبها من دون الله وكان صلى الله عليه وسلم يكره التشبه بالكفار ويحب مخالفتهم وبذلك وردت سنته صلى الله عليه وسلم وكأنه أراد والله أعلم أن يفصل دينه من دينهم إذ هم أولياء الشيطان وحزبه فنهى عن الصلاة في تلك الأوقات لذلك وهذا التأويل جائز في اللغة معروف في لسان العرب لأن الأمة تسمى عندهم قرنا والأمم قرونا قال الله عز وجل * (وقرونا بين ذلك كثيرا) * وقال * (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) * وقال * (فما بال القرون الأولى) * وقال صلى الله عليه وسلم خير الناس قرني وحدثني خلف بن القاسم قال حدثنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن ناصح الدمشقي بمصر قال حدثنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد عن أبي (1) سنان عن ابن أبي الهذيل (2) عن
11

خباب بن الأرت (1) أنه رأى ابنه عبد الله (2) يقص فلما رجع اتزر وأخذ السوط وقال أمع العمالقة أنت هذا قرن قد طلع فهذا خباب قد سمى القصاص قرنا طالعا انكارا منه للقصص وخباب من كبار الصحابة رضوان الله عليهم وهم أهل الفصاحة والبيان وإنما قال ذلك خباب لأن القصص أحدث عليهم ولم يكونوا يعرفونه وكان عبد الله بن عمر ينكره ويقول لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا على عهد أبي بكر ولا على عهد عمر ولا على عهد عثمان وإنما كانت القصص حين كانت الفتنة وجائز أن يضاف القرن إلى الشيطان لطاعتهم في ذلك لشيطان وقد سمى الله الكفار حزب الشيطان وهذا أعرف في اللغة من أن يحتاج فيه إلى اكثار وحجة من قال بهذا التأويل ما أخبرناه أبو عبد الله عبيد ابن محمد قال حدثنا عبد الله (بن مسرور) قال حدثنا
12

عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن أبي يحيى سليم بن عامر الخبائري وضمرة بن حبيب وأبي طلحة نعيم ابن زياد كل هؤلاء سمعه من أبي أمامة الباهلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت عمرو بن عبسة السلمي يقول أتيت (1) رسول الله وهو نازل بعكاظ فقلت يا رسول الله من معك في هذا الأمر قال معي رجلان أبو بكر وبلال قال فأسلمت عند ذلك فلقد رأيتني ربع الاسلام قال فقلت يا رسول الله أمكث معك أم الحق بقومي فقال بل الحق بقومك فيوشك أن يفيء الله بمن ترى إلى الاسلام ثم اتيته قبيل فتح مكة فسلمت عليه فقلت يا رسول الله أنا عمرو بن عبسة أحب أن أسألك عما تعلم
واجهل وعما ينفعني ولا يضرك فقال يا عمرو ابن عبسة أنك تريد أن تسألني عن شيء ما سألني عنه أحد ممن ترى ولن تسألني عن شيء الا أنبأتك به إن شاء الله فقلت يا رسول الله فهل من ساعة أقرب من أخرى أو ساعة يتقي ذكرها قال نعم أن أقرب ما يكون الرب من الدعاء جوف اللليل
13

الاخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن فإن الصلاة محضورة مشهودة إلى طلوع الشمس فإنها تطلع بين قرني الشيطان وهي ساعة صلاة الكفار فدع الصلاة حتى ترتفع قدر رمح ويذهب شعاعها ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تعتدل الشمس اعتدال الرمح نصف النهار فإنها ساعة تفتح فيها أبواب جهنم وتسجر فدع الصلاة حتى يفيء الفيء ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس فإنها تغرب بين قرني الشيطان وهي ساعة صلاة الكفار فقلت يا رسول الله هذا في هذا فكيف في الوضوء قال أما الوضوء فإنك إذا توضأت وذكر الحديث أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق البصري قال حدثنا أبو داود السجستاني قال حدثنا إبراهيم بن خالد الكلبي قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا جرير بن عثمان قال حدثنا سليم بن عامر عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعكاظ قلت من معك على هذا الأمر قال حر وعبد ومعه أبو بكر وبلال ثم قال فارجع حتى يمكن الله لرسوله فقال فأتيته بعد فقلت يا رسول الله جعلني الله فداك شيئا تعلمه وأجهله لا يضرك وينفعني الله به هل من ساعة أفضل من ساعة وهل من ساعة لا يصلى فيها قال لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد
14

إن الله تبارك وتعالى ينزل في جوف الليل فيغفر الا ما كان من الشرك والبغي والصلاة مشهودة فصل حتى تطلع الشمس فإذا طلعت فاقصر فإنها تطلع على قرن شيطان وهي صلاة الكفار حتى ترتفع فإذا استقلت الشمس فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يعتدل النهار فإذا اعتدل النهار فأقصر (عن الصلاة) فإنها ساعة تسجر فيها جهنم حتى يفي الفيء فإذا أفاء الفيء فصل فإن الصلاة محضورة مشهودة حتى تدنو الشمس للغروب فإذا تدلت فاقصر عن الصلاة فإنها تغيب على قرن شيطان وهي صلاة الكفار قال أبو عمر فقد قال في هذا الحديث عند طلوع الشمس وعند غروبها هي صلاة الكفار وفي غير هذا الاسناد في هذا الحديث ويصلي لها الكفار وفي غيره في هذا الحديث أيضا هي ساعة صلاة الكفار وبعضهم يقول فيه أيضا وحينئذ يسجد لها الكفار كل هذه الالفاظ قد رويت في حديث عمرو بن عبسة هذا وهو حديث صحيح من حديث الشاميين رواه أبو أسامة الباهلي عن عمرو بن عبسة ورواه جماعة عن أبي أمامة منهم أبو سلام الحبشي وقد سمعه أبو سلام أيضا من عمرو بن عبسة وسمعه من عمرو بن عبسة يزيد بن طلق وغيره وهو حديث طويل في إسلام عمرو بن عبسة فيه معاني حديث الصنابحي في النهي عن الصلاة في ثلاث
15

ساعات وفي فضل الوضوء جميعا وسنذكره بتمامه في الباب الذي يأتي بعد هذا إن شاء الله وقد روى عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مختصرا حدثني خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن المسور قال حدثنا مقدام بن داود قال حدثنا علي (1) ابن (معبد بن شداد) قال حدثنا موسى بن أعين عن ليث عن عبد الرحمن (2) بن سابط عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصلوا عند طلوع الشمس فإنها تطلع بين قرني شيطان وكل كافر يسجد لها (ولا تصلوا عند غروب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وكل كافر يسجد لها ولا تصلوا وسط النهار فإن جهنم تسجر عند ذلك
16

وهذه الأحاديث في ظاهرها حجة للقولين جميعا والله أعلم لقوله فيها بين قرني شيطان على ما روى عن ابن عباس في تأويله وأجمع العلماء ان نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها صحيح غير منسوخ الا أنهم اختلفوا في تأويله (ومعناه) فقال علماء الحجاز معناه المنع من صلاة النافلة دون الفريضة هذه جملة قولهم وقال العراقيون كل صلاة فريضة أو نافلة أو جنازة فلا تصلي ذلك الوقت لا عند طلوع الشمس ولا عند الغروب ولا عند الاستواء لأن الحديث لم يخص نافلة من فريضة الا عصر يومه لقوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر وقد مضى الرد عليهم فيما ذهبوا اليه من ذلك في هذا الكتاب ويأتي القول في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح ممهدا مبسوطا بما للعلماء في ذلك من المذاهب في باب محمد بن يحيى بن حبان إن شاء الله ونذكر ها هنا أقاويل الفقهاء في الصلاة عند استواء الشمس في كبد السماء لأنه أولى المواضع بما في ذلك وبالله العون فأما مالك وأصحابه فلا بأس عندهم بالصلاة نصف النهار قال ابن القاسم قال مالك لا أكره الصلاة نصف النهار إذا استوت الشمس في وسط السماء لا في يوم الجمعة ولا في غيره
17

ولا أعرف هذا النهي وما أدركت أهل الفضل الا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار فقد أبان مالك حجته في مذهبه هذا انه لم يعرف النهي عن الصلاة وسط النهار وقد روى عن مالك أنه قال لا أكره التطوع نصف النهار إذا استوت الشمس ولا أحبه ومحمل هذا عندي أنه لم يصح عنده حديث زيد بن أسلم المذكور في هذا الباب عن عطاء عن الصنابحي لأنه قد رواه أو صح عنده ونسخ منه واستثنى الصلاة نصف النهار بما ذكرنا من العمل الذي لا يجوز أن يكون مثله الا توقيفا والله أعلم وقد روى مالك عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمن عمر بن الخطاب يصلون حتى يخرج عمر فإذا خرج عمر وجلس على المنبر واذن المؤذن جلسوا يتحدثون حتى إذا سكت المؤذن وقام عمر سكتوا فلم يتكلم أحد وخروج عمر إنما كان بعد الزوال بدليل حديث طنفسة (1) عقيل (2)
18

ابن أبي طالب وإذا كان خروجه بعد الزوال وقد كانوا يصلون إلى أن يخرج فقد كانوا يصلون وقت استواء الشمس والله أعلم ويوم الجمعة عند مالك وغير يوم الجمعة سواء لأن الفرق بينهما لم يصح عنده في أثر ولا نظر وممن رخص في ذلك أيضا الحسن وطاوس والأوزاعي وقال أبو يوسف والشافعي وأصحابه لا بأس بالتطوع نصف النهار يوم الجمعة خاصة وهي رواية عن الأوزاعي وأهل الشام وحجة الشافعي ومن قال بقوله هذا ما رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس الا يوم الجمعة واحتج أيضا بحديث مالك عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك وقد تقدم ذكره قال وخبر ثعلبة عن عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الهجرة أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة قال أبو عمر كأنه يقول النهي عن الصلاة عند استواء الشمس صحيح وخص منه يوم الجمعة بما روى من العمل الذي لا يكون مثله إلا توقيفا وبالخبر المذكور
أيضا وبقي سائر الأيام موقوفة على النهي
19

وإبراهيم بن محمد الذي روى عنه الشافعي هذا الخبر هو ابن أبي يحيى المدني متروك الحديث وإسحق بعده في الاسناد وهو ابن أبي فروة ضعيف أيضا فكأنه إنما يقوى عنده هذا الخبر بما روى عن الصحابة في زمن عمر من الصلاة نصف النهار يوم الجمعة وبالله التوفيق وقد حدثني عبد الرحمن بن مروان قال حدثنا أحمد ابن سليمان بن عمر البغدادي قال حدثنا أبو الليث (نصر بن القاسم الفرائضي قال حدثنا إسحاق (1) بن أبي إسرائيل عن حسان بن إبراهيم قال حدثنا الليث) قال حدثنا مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة تكره نصف النهار الا يوم الجمعة فإن جهنم (2) تسجر الا يوم الجمعة وهذا الحديث منهم من يوقفه
20

وحدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إسحاق بن محمد القروي قال حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري (1) عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن السائب بن يزيد قال النداء الذي ذكر الله في القرآن إذا كان الامام على المنبر زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر حتى كان عثمان فكثر الناس واستبعدت البيوت فزاد النداء الثاني فلم يعيبوه قال السائب وكان عمر إذا خرج ترك الناس الصلاة وجلسوا فإذا جلس على المنبر صمتوا وكان عطاء بن أبي رباح يكره الصلاة نصف النهار في الصيف ويبيح ذلك في الشتاء وقال أبو حنيفة والثوري ومحمد بن الحسن والحسن بن حي وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل لا يجوز التطوع نصف النهار في شتاء ولا صيف وكرهوا ذلك ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه أن تصلى فريضة ولا على جنازة ولا شيء من الصلوات لا فائتة مذكورة ولا غيرها ولا نافلة عند استواء الشمس نصف النهار
21

والحجة لمن قال بقول العراقيين في هذا الباب حديث الصنابحي المذكور في هذا الباب وحديث عمرو بن عبسة وحديث عقبة بن عامر حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن منصور قال حدثنا آدم (1) بن أبي إياس قال حدثنا الليث ابن سعد قال حدثنا معاوية بن صالح قال أخبرني أبو يحيى سليم بن عامر وضمرة بن حبيب وأبو طلحة (2) نعيم بن زياد قالوا سمعنا أبا أمامة الباهلي يقول سمعت عمرو بن عبسة يقول قلت يا رسول الله هل من ساعة (3) أقرب من الأخرى وهل ساعة يتقى (4) ذكرها قال
22

نعم إن أقرب ما يكون الرب من العبد جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن فإن الصلاة مشهودة محضورة إلى طلوع الشمس فإنها تطلع بين قرني شيطان وهي ساعة صلاة الكفار فدع الصلاة حتى ترتفع الشمس قيد رمح ويذهب شعاعها ثم الصلاة مشهودة محضورة حتى تعتدل الشمس اعتدال الرمح نصف النهار فإنها ساعة تفتح فيها أبواب جهنم وتسجر فدع الصلاة حتى يفيء الفيء ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس فإنها تغيب بين قرني شيطان وهي صلاة الكفار قال أبو عمر في حديث عمرو بن عبسة هذا النهي عن الصلاة عن طلوع الشمس وعند استوائها وعند غروبها وفيه إباحة الصلاة بعد الفجر إلى طلوع الشمس وبعد زوالها إلى الغروب وتدبره تجده كما ذكرت لك وهو حديث صحيح وطرقه كثيرة حسان شامية الا أن قوله في هذا الحديث ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تغيب الشمس قد خلافه فيه غيره في هذا الحديث فقال ثم الصلاة مشهودة متقبلة حتى يصلى العصر وهذا أشبه بالسنن المأثورة في ذلك
23

وقد روى في هذا الحديث أيضا حتى تكون الشمس قد دنت للغروب قيد رمح أو رمحين وسنذكر اختلاف العلماء في الصلاة النافلة والفجر والعصر وما روى في ذلك من الآثار في باب محمد بن يحيى بن حبان في هذا الكتاب إن شاء الله وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد ابن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة قال حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن يزيد بن طلق عن عبد الرحمن بن البيلماني عن عمرو بن عبسة قال أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة أن محمد بن جعفر حدثهم عن شعبة عن يصلى بن عطاء عن يزيد بن طلق عن عبد الرحمن بن البيلماني عن عمرو بن عبسة وهذا لفظ أبي سلمة قال أتيت رسول الله فقلت يا رسول الله من أسلم معك قال حر وعبد يعني أبا بكر وبلالا فقلت يا رسول الله علمني مما تعلم وأجهل هل من الساعات ساعة أفضل من أخرى قال نعم صل من الليل الآخر وفي حديث شعبة قال نعم جوف االليل فصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح وفي حديث حماد فإن الصلاة مشهودة متقبلة ثم انته حتى تطلع الشمس وما دامت مثل الحجفة (1) حتى تستقر فإنها تطلع بين قرني شيطان ويسجد لها الكفار
24

ثم صل ما بدا لك فإنها مشهودة متقبلة حتى يستوي العمود على ظله فإنها ساعة تسجر فيها الجحيم فإذا زالت الشمس فصل فإنها مشهودة متقبلة حتى تصلي العصر ثم انته حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان ويسجد لها الكفار وقد روى من حديث البهزي معنى حديث عمرو بن عبسة هذا رواه الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن رجل من أهل الشام عن كعب (1) بن مرة البهزي قال قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الليل (2) اسمع يا رسول الله قال جوف الليل الاخر ثم الصلاة مقبولة حتى تصلي الفجر ثم لا صلاة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين ثم الصلاة مقبولة حتى يقوم الظل قيام الرمح ثم لا صلاة حتى تزول الشمس ثم الصلاة مقبولة حتى تكون الشمس قد دنت للغروب قيد رمح أو رمحين وذكر فضل الوضوء أيضا قال أبو عمر أحاديث هذا الباب عن عمرو بن عبسة كلها وحديث البهزي إنما فيها ما يدل على صلاة التطوع لا الفرائض وذلك بين منها والله أعلم وذكر الأثرم قال سألت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل عن الصلاة نصف النهار يوم الجمعة فقال يعجبني ان تتوقاها
25

فذكرت له حديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي كنا نصلي يوم الجمعة حتى يخرج عمر قلت له هذا يدل على الرخصة في الصلاة نصف النهار فقال ليس في هذا بيان إنما جاء الكلام مجملا كنا نصلي ثم قال لا ولكن حديث النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه إنما نهى عن الصلاة نصف النهار وعند طلوع الشمس وعند الغروب حديث عمرو بن عبسة وعقبة بن عامر والصنابحي وذكر الأثرم قال حدثنا منجاب بن الحارث قال أخبرنا خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي عن أبيه قال كنت أرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا زالت الشمس يوم الجمعة قاموا فصلوا أربعا قال أبو عمر حديث ثعلبة بن أبي مالك أقوى من هذا الحديث وأبين وحديث السائب بن
يزيد مثله والله أعلم وأما حديث عقبة بن عامر فحدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا الليث عن موسى ابن علي بن أبي رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني قال ثلاث (1) ساعات نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي
26

فيها أو نقبر فيها موتانا عند طلوع الشمس حتى تبيض وعند انتصاف النهار حتى تزول وعند اصفرار الشمس واضافتها حتى تغيب وحدثنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا موسى بن علي بن رباح اللخمي المصري قال سمعت أبي (1) يقول أنه سمع عقبة بن عامر قال ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا ان نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف (2) الشمس للغروب حتى تغرب وأخبرني محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا سويد بن نصر قال
27

حدثنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن علي بن رباح قال سمعت أبي يقول سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيها أو نقبر فيها موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع فذكره حرفا بحرف وروى عن عمر = بن الخطاب أنه نهى عن الصلاة نصف النهار وقال ابن مسعود كنا ننهى عن ذلك وقال أبو سعيد المقبري أدركت الناس وهم يتقون ذلك وأما الصلاة على الجنائز في ذلك الوقت فإن أهل العلم أيضا اختلفوا في ذلك فقال مالك لا بأس بالصلاة على الجنائز بعد العصر ما لم تصفر الشمس فإذا اصفرت لم يصل على الجنازة الا أن يكون يخاف عليها فيصلي عليها حينئذ ولا بأس بالصلاة على الجنازة بعد الصبح ما لم يسفر فإذا أسفر فلا تصلوا عليها ألا أن تخافوا عليها هذه رواية ابن القاسم عنه وذكر ابن عبد الحكم عنه أن الصلاة على الجنائز جائزة في ساعات الليل والنهار عند طلوع الشمس وعند غروبها ولا خلاف (في ذلك) عن مالك وأصحابه ان الصلاة على الجنائز ودفنها نصف النهار جائزة وقال الثوري لا يصلي على الجنائز الا في مواقيت الصلاة وتكره الصلاة عليها نصف النهار وحين تغيب الشمس وبعد الفجر قبل أن تطلع الشمس
28

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يصلي على الجنائز عند الطلوع ولا عند الغروب ولا نصف النهار ويصلي عليها في غيرها من الأوقات وقال الليث لا يصلى على الجنازة في الساعة التي تكره فيها الصلاة وقال الأوزاعي يصلي عليها ما دام في ميقات العصر فإذا ذهب عنهم ميقات العصر لم يصلوا عليها حتى تغرب الشمس وقال الشافعي يصلى على الجنائز في كل وقت والنهي عنده عن الصلاة في تلك الساعات إنما هو عن النوافل المبتدئات والتطوع واما عن صلاة فريضة أو صلاة سنة فلا لدلائل من الأثر سأذكرها في كتابي هذا إن شاء الله
29

حديث تاسع لزيد بن أسلم مثل الذي قبله مالك عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت الخطايا من فيه فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له (1) قد تقدم القول في الصنابحي وفيمن دونه في هذا الاسناد وقال أبو عيسى بن عيسى بن سورة الترمذي سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن حديث مالك عن زيد
30

ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المسلم فمضمض خرجت الخطايا من فيه الحديث فقال مالك بن أنس وهم في هذا الحديث فقال عبد الله الصنابحي وهو أبو عبد الله الصنابحي واسمه عبد الرحمن بن عسيلة ولم يسمع من النبي عليه السلام والحديث مرسل وعبد الرحمن هو الذي روى عن أبي بكر الصديق قال أبو عمر يستند هذا الحديث أيضا من طرق حسان من حديث عمرو بن عبسة وغيره وسنذكرها في آخر هذا الباب إن شاء الله وفي هذا الحديث من الفقه إن الوضوء مسنونة ومفروضة جاء فيه مجيئا واحدا وإن من شرط المؤمن وما ينبغي له إذا أراد الصلاة إأ يأتي بما ذكر في هذا الحديث لا يقصر عن شيء منه فإن قصر عن شيء منه كان للمفترض حينئذ حكم وللمسنون حكم إلا أن العلماء أجمعوا على أن غسل الوجه واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الكعبين ومسح الرأس فرض ذلك كله لأمر الله به في كتابه المسلم عند قيامه إلى الصلاة إذا لم يكن متوضئا لا خلاف علمته في شيء من ذلك الا في مسح الرجلين وغسلهما على ما نبينه في بلاغات مالك إن شاء الله
31

واختلفوا في المضمضة والاستنثار فقالت طائفة ذلك فرض وقال آخرون ذلك سنة وقال بعضهم المضمضة سنة والاستنثار فرض وليس في مسند حديث (الموطأ ذكر المضمضة الا في هذا الحديث وفي حديث) عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد بن عاصم في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في الموطأ ذكر الاذنين في الوضوء في حديث مسند الا في حديث الصنابحي هذا وقد استدل بعض أهل العلم على أن الأذنين من الرأس وأنهما يمسحان بماء واحد مع الرأس بحديث الصنابحي هذا لقوله فيه فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من أذنيه فنذكر أقاويل الفقهاء في ذلك ها هنا ونؤخر ذكر المرفقين إلى باب عمرو بن يحيى وذكر الكعبين إلى قوله صلى الله عليه وسلم ويل للأعقاب من النار ونرجيء ذكر القول في مسح الرأس إلى باب عمرو بن يحيى أيضا في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم أن شاء الله وجاء في هذا الحديث ذكر الاستنثار فنذكره أيضا بعون الله وكذلك لا أعلم في مسند حديث الموطأ ومرفوعة موضعا أشبه بالقول في الماء المستعمل من هذا الحديث ونحن ذاكرو ذلك كله ها هنا ونذكر حكم المضمضمة والاستنثار أيضا ها هنا لأنهما متقاربان في المعنى عند العلماء وبالله توفيقنا وهو حسبنا لا شريك له
32

فأما الاستنثار والاستنشاق فمعناهما واحد متقارب الا أن أخذ الماء بريح الأنف هو الاستنشاق والاستنثار رد الماء بعد أخذه بريح الأنف أيضا وهذه حقيقة اللفظين وقد كان مالك يرى أن الاستنثار ان يجعل يده على أنفه ويستنثر وقد ذكرنا مذاهب العلماء في ذلك في باب أبي الزناد وأكثر أهل العلم يكتفون في هذا المعنى باللفظ الواحد وقد
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم اللفظتان جميعا وذلك قوله في هذا الحديث فإذا استنثر قوله في حديث أبي هريرة إذاتوضأ (1) أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر (2) ولينتثر أو ليستنثر ونحو هذا على ما روى في ذلك وقوله في حديث أبي هريرة أيضا من توضأ (3) فليستنثر ومن استجمر فليوتر وروى من حديث أبي رزين العقيلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وبالغ في الاستنشاق الا أن تكون صائما ومن حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
33

قال استنثروا مرتين (1) بالغتين أو ثلاثا ومن حديث همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذاتوضأ أحدكم فليستنشق بمنخره من الماء ثم لينتثر وقد ذكرنا هذه الآثار بأسانيدها في باب أبي الزناد والحمد لله فاللفظتان كما ترى مرويتان يتداخلان وأهل العلم يعبرون باللفظ الواحد عن الثاني اكتفاء وعلما بالمراد فأما اختلافهم في حكمهما فإن مالكا والشافعي وأصحابهما يقولون المضمضة والاستنشاق سنة ليستا بفرض لا في الجنابة ولا في الوضوء وبذلك قال محمد بن جرير الطبري وهو قول الأوزاعي والليث ابن سعد وقتادة والحكم بن عتبة وروى أيضا عن الحسن البصري والزهري وربيعة ويحيى بن سعيد وقتادة والحكم ابن عتبة فمن توضأ وتركهما وصلى فلا أعادة عليه عند واحد من هؤلاء المذكورين وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري هما فرض في الجنابة سنة في الوضوء فإن تركهما في غسله من الجنابة وصلى أعاد كمن ترك لمعة ومن تركهما في وضوئه (وصلى) فلا إعادة عليه وقال ابن أبي ليلى وحماد بن أبي سليمان وهو قول إسحاق بن راهويه هما فرض في الغسل والوضوء جميعا وروى الزهري وعطاء مثل هذا القول أيضا وروى عنهما مثل
34

قول مالك والشافعي وكذلك اختلف أصحاب داود فمنهم من قال هما فرض (في الغسل والوضوء جميعا ومنهم من قال إن المضمضة سنة والاستنشاق فرض) وكذلك اختلف عن أحمد بن حنبل على هذين القولين المذكورين عن داود وأصحابه ولم يختلف قول أبي ثور وأبي عبيد أن المضمضة سنة والاستنشاق واجب قالا فمن ترك الاستنشاق وصلى أعاد ومن ترك المضمضة لم يعد وكذلك القول عند أحمد بن حنبل في رواية وعن بعض أصحاب داود وحجة من لم يوجبهما أن الله لم يذكرهما في كتابه ولا أوجبهما رسوله صلى الله عليه وسلم ولا اتفق الجميع عليه والفرائض لا تثبت الا من هذه الوجوه وحجة ن أوجبهما في الغسل من الجنابة دون الوضوء قوله صلى الله عليه وسلم تحت كل (1) شعرة جنابة فبلوا
35

الشعر وانقوا البشرة وفي الانف ما فيه من الشعر وأنه لا يوصل إلى غسل الأسنان والشفتين الا بالمضمضة وقد قال صلى الله عليه وسلم العينان تزنيان والفم يزني ونحو هذا إلى أشياء يطول ذكرها وحجة من أوجبهما في الوضوء وفي غسل الجنابة جميعا ان الله عز وجل قال * (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) * كما قال فاغسلوا وجوهكم فما وجب في الواحد من الغسل وجب في الآخر والنبي صلى الله عليه وسلم لم يحفظ عنه أنه ترك المضمضة والاستنشاق في وضوئه ولا في غسله للجنابة وهو المبين عن الله عز وجل مراده قولا وعملا وقد بين ان من مراد الله بقوله اغسلوا وجوهكم المضمضة والاستنشاق مع غسل سائر الوجه وحجة من فرق بين المضمضة والاستنشاق أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل المضمضة ولم يأمر بها وأفعاله مندوب إليها ليست بواجبة الا بدليل وفعل الاستنثار وأمر به وأمره على الوجوب أبدا الا أن تبين غير ذلك من مراده وهذا على أصولهم في ذلك واما اختلاف العلماء في حكم الأذنين في الطهارة فإن مالكا قال فيما روى عنه ابن وهب وابن القاسم وأشهب وغيرهم الاذنان من الرأس الا أنه قال يستأنف لهما ماء جديد سوى الماء الذي يمسح به الرأس فوافق الشافعي في هذه لأن الشافعي قال يمسح الاذنين بماء جديد كما قال مالك ولكنه قال هما سنة على حيالهما لا من الوجه ولا من الرأس وقول أبي ثور في ذلك كقول الشافعي سواء حرفا بحرف وقول أحمد بن حنبل
36

في ذلك كقول مالك سواء في قوله الاذنان من الرأس وفي أنهما يستأنف لهما ماء جديد وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه الاذنان (من الرأس يمسحان مع الرأس بماء جديد وروى عن جماعة من السلف مثل ذلك القول من الصحابة والتابعين وقال ابن شهاب الزهري الأذنان) من الوجه وقال الشعبي ما أقبل منهما من الوجه وظاهرهما من الرأس وبهذا القول قال الحسن بن حي وإسحاق ابن راهويه ان باطنهما من الوجه وظاهرهما من الرأس وحكيا عن أبي هريرة هذا القول وعن الشافعي والمشهور من مذهبه ما تقدم ذكره رواه المزني والربيع والزعفراني والبويطي وغيرهم وقد روى عن أحمد بن حنبل مثل قول الشافعي وإسحاق في هذا أيضا وقال داود ان مسح أذنيه فحسن وإن لم يمسح فلا شيء عليه وأهل العلم يكرهون للمتوضيء ترك مسح أذنيه ويجعلونه تارك سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يوجبون عليه إعادة الا إسحاق بن راهويه فإنه قال إن ترك مسح اذنيه عامدا لم يجزه وقال أحمد بن حنبل ان تركهما عمدا أحببت أن يعيد وقد كان بعض أصحاب مالك يقول من
37

ترك سنة من سنن الوضوء أو الصلاة عامدا أعاد وهذا عند الفقهاء ضعيف وليس لقائله سلف ولا له حظ من النظر ولو كان كذلك لم يعرف الفرض الواجب من غيره وقال بعضهم من ترك مسح أذنيه فكأنه ترك مسح بعض رأسه وهو ممن يقول بأن الفرض مسح بعض الرأس وإنه يجزئ المتوضيء مسح بعضه وقوله هذا كله ليس على أصل مذهب مالك الذي يقتدي به وسيأتي القول في مسح الرأس في باب عمرو بن يحيى إن شاء الله واحتج مالك والشافعي في أخذهما للأذنين ماء جديدا بأن عبد الله بن عمر كان يفعل ذلك وحجة أبي حنيفة وأصحابه ومن قال بقولهم ان الأذنين يمسحان مع الرأس بماء واحد حديث زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كذلك فعل وذلك موجود أيضا في حديث عبد الله الخولاني عن ابن عباس عن علي في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء وفي حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم واحتجوا أيضا بحديث الصنابحي هذا قوله صلى الله عليه وسلم فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من أذنيه كما قال في الوجه من أشفار عينيه وفي اليدين من تحت أظفاره ومعلوم ان العمل في ذلك واحد بماء واحد واحتجوا أيضا بما أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا يزيد
38

ابن هارون قال أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة (1) ابن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ (2) فذكر الحديث كله ثلاثا ثلاثا وفيه قال ومسح برأسه وأذنيه (ظاهرهما وباطنهما) مسحة واحدة وأكثر الآثار على هذا وقد يحتمل أنه مسح رأسه مرة واحدة وأذنيه مرة واحدة لأنه ذكر
الوضوء ثلاثا ثلاثا الا الرأس والاذنين وحجة من قال بغسل باطنهما مع الوجه وبمسح ظاهرهما مع الرأس ان الله قد أمر بغسل الوجه وهو مأخوذ من المواجهة فكل ما وقع عليه اسم وجه وجب عليه غسله وأمر عز وجل بمسح الرأس وما لم يواجهك من الاذنين فمن الرأس لأنهما في الرأس فوجب المسح على ما لم يواجه منهما مع الرأس
39

قال أبو عمر هذا قول ترده الآثار الثابتة عن النبي عليه السلام أنه كان يمسح ظهور اذنيه وبطونهما من حديث علي وعثمان وابن عباس والربيع بنت معوذ وغيرهم وحجة ابن شهاب في أنهما من الوجه لأن ما لم ينبت عليه الشعر فهو من الوجه لا من الرأس إذا أدركته المواجهة ولم يكن قفا والله قد امر بغسل الوجه أمرا مطلقا ويمكن ان يحتج له بحديث ابن أبي مليكة أنه رأى عثمان بن عفان فذكر صفة (1) وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثلاثا قال ثم أدخل يده فأخذ ماء فمسح به رأسه وأذنيه فغسل ظهورهما وبطونهما ومن الحجة له أيضا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في سجوده سجد (2) وجهي للذي خلقه فشق سمعه وبصره فأضاف السمع إلى الوجه وهذا كلام محتمل التأويل يمكن فيه الاعتراض
40

وحجة الشافعي في قوله ان مسح الاذنين سنة على حيالها وليستا من الوجه ولا من الرأس اجماع القائلين بإيجاب الاستيعاب في مسح الرأس انه ان ترك مسح أذنيه وصلى لم يعد فبطل قولهم أنهما من الرأس لأنه لو ترك شيئا من رأسه عندهم لم يجزئه وإجماع العلماء في أن الذي يجب عليه حلق رأسه في الحج ليس عليه أن يأخذ ما على أذنيه من الشعر فدل ذلك على أنهما ليستا من الرأس وإن مسحهما سنة على الانفراد كالمضمضة والاستنشاق ولكل طائفة منهما اعتلال من جهة الأثر والنظر تركت ذلك خشية الإطالة وإن الغرض والجملة ما ذكرنا وبالله توفيقنا قال أبو عمر المعنى الذي يجب الوقوف على حقيقته في الأذنين أن الرأس قد رأينا له حكمين فما واجه منه كان حكمه الغسل ما علا منه وكان موضعا لنبات الشعر كان حكمه المسح واختلاف الفقهاء في الأذنين إنما هو هل حكمهما المسح كحكم الرأس أو حكمهما الغسل كغسل الوجه أو لهما من كل واحد منهما حكم أو هما من الرأس فيمسحان معه فلما قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حديث الصنابحي فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من أذنيه (فأتى بذكر الأذنين مع الرأس ولم يقل إذا غسل وجهه خرجت الخطايا من أذنيه) علمنا أن الأذنين ليس لهما
41

من حكم الوجه شيء لأنهما لم يذكرا معه وذكرا مع الرأس فكان حكمهما المسح كحكم الرأس فليس يصح من الاختلاف في ذلك عندي الا مسحهما مع الرأس بماء واحد واستئناف الماء لهما في المسح فإن هذين القولين محتملان للتأويل وأما قول من أمر بغسلهما أو غسل بعضهما فلا معنى له وذلك مدفوع بحديث الصنابحي هذا مع ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسحهما وبالله التوفيق واستدل بعض من لم يجز الوضوء بالماء المستعمل بحديث الصنابحي هذا وقال الماء إذا توضيء به مرة خرجت الخطايا معه فوجب التنزه عنه لأنه ماء الذنوب وهذا عندي لا وجه له لأن الذنوب لا تنجس الماء لأنها لا أشخاص لها (ولا أجسام) تمازج الماء فتفسده وإنما معنى قوله خرجت الخطايا مع الماء اعلام منه بأن الوضوء للصلاة عمل يكفر الله به السيئات عن عباده المؤمنين رحمة منه بهم وتفضلا عليهم اعلموا بذلك ليرغبوا في العمل به واختلف الفقهاء في الوضوء بالماء المستعمل وهو الذي قد توضيء به مرة فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما لا يتوضأ به ومن توضأ به أعاد أبدا لأنه ليس بماء مطلق ويتيمم واجده لأنه ليس بواجد ماء ومن حجتهم في ذلك على الذين أجازوا الوضوء به عند عدم غيره أنه لما كان مع الماء الذي يستعمل كلا ماء كان عند عدمه أيضا كلا ماء ووجب التيمم
42

وقال بقولهم في ذلك اصبغ بن الفرج وهو قول الأوزاعي وأما مالك فقال لا يتوضأ به إذا وجد غيره من الماء ولا خير فيه ثم قال إذا لم يجد غيره توضأ به ولم يتيمم لأنه ماء طاهر لم يغيره شيء وقال أبو ثور وداود الوضوء بالماء المستعمل جائز لأنه ماء طاهر لا ينضاف اليه شيء فوجب أن يكون مطهرا لطهارته ولأنه لا يضاف إلى شيء وهو ماء مطلق واحتجوا باجماع الأمة على طهارته إذا لم يكن في أعضاء المتوضيء نجاسة والى هذا ذهب أبو عبد الله المروزي محمد ابن نصر ومن حجتهم ان الماء قد يستعمل في العضو الواحد لا يمتنع من ذلك أحد ولا يسام من ذلك واختلف عن الثوري في هذه المسألة فروى عنه أنه قال لا يجوز الوضوء بالماء المستعمل وأظنه حكى عنه أيضا أنه قال هو ماء الذنوب وقد روى عنه خلاف ذلك وذلك أنه أفتى من نسي مسح رأسه أن يأخذ من بلل لحيته فيمسح به رأسه وهذا واضح في استعمال الماء المستعمل وقد روى عن علي بن أبي طالب وابن عمر وأبي أمامة وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري والنخعي ومكحول والزهري أنهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه فوجد في لحيته بللا أنه يجزئه أن يمسح بذلك البلل رأسه فهؤلاء كلهم أجازوا الوضوء بالماء المستعمل وأما مالك والشافعي وأبو حنيفة ومن قال بقولهم فلا يجوز عندهم لمن نسي مسح رأسه ووجد في لحيته بللا أن يمسح رأسه بذلك البلل ولو فعل لم يجزئه وكان كمن لم يمسح وكان عليه الإعادة لكل ما صلى
43

ذلك الوضوء عندهم لأنه ماء قد أدى به فرض فلا يؤدى به فرض آخر كالجمار وشبهها قال أبو عمر الجمار مختلف في ذلك منها وقال بعض المنتمين إلى العلم من أهل عصرنا ان الكبائر والصغائر يكفرها الصلاة والطهارة واحتج بظاهر حديث الصنابحي هذا وبمثله من الآثار وبقوله صلى الله عليه وسلم فما ترون ذلك يبقى من ذنوبه (2) وما أشبه ذلك وهذا جهل بين وموافقة للمرجئة فيما ذهبوا اليه من ذلك وكيف يجوز لذي لب أن يحمل هذه الآثار على عمومها وهو يسمع قول الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) * وقوله تبارك وتعالى * (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) * في آي كثيرة من كتابه ولو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البر مكفرة للكبائر والمتطهر المصلى غير ذاكر لذنبه الموبق ولا قاصد اليه (ولا حضره في حينه ذلك أنه نادم عليه) ولا خطرت خطيئته المحيطة به بباله لما كان لأمر الله عز وجل بالتوبة معنى ولكان
44

كل من توضأ وصلى يشهد له بالجنة بأثر سلامه من الصلاة وأن ارتكب قبلها ما شاء من الموبقات الكبائر وهذا لا يقوله أحد ممن له فهم صحيح وقد أجمع المسلمون أن التوبة على المذنب فرض والفروض لا يصح أداء شيء منها الا بقصد ونية (واعتقاد أن لا عودة) فأما أن يصلي وهو غير ذاكر لما ارتكب من الكبائر ولا نادم على ذلك
فمحال وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الندم (1) توبة وقال صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر حدثنا يونس بن عبد الله بن محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا أبو كريب (2) محمد ابن العلاء قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا محمد
45

ابن جعفر بن أبي كثير قال حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات (1) الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن من الخطايا ما لم تغش الكبائر وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو بكر محمد بن أبي العوام قال حدثنا عمر بن سعيد القرشي قال حدثنا سعيد (2) ابن بشير عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما لمن اجتنب الكبائر وروى عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن الأعمش عن أبي وائل قال قال عبد الله بن مسعود الصلوات الخمس كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر
46

قال وأخبرني الثوري عن أبيه عن المغيرة بن شبيل عن طارق بن شهاب سمع سلمان الفارسي يقول حافظوا (1) على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارة هذه الجراح ما لم تصب المقتلة وحدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن فضيل عن مغيرة عن زياد (2) بن كليب عن إبراهيم بن علقمة عن سليمان (بن يسار) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أحدثكم عن يوم الجمعة لا يتطهر رجل ثم يأتي الجمعة فيجلس وينصت حتى يقضي الامام صلاته الا كانت له كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة ما اجتنبت الكبائر قال أبو بكر وحدثنا إسحاق بن منصور عن أبي (3)
47

كدينة عن مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن القرثع (1) عن سلمان عن النبي عليه السلام قال أحدثك عن يوم الجمعة من تطهر وأتى الجمعة ثم انصت حتى يقضي (2) الامام صلاته كانت كفارة لما بينهما وبين الجمعة التي تليها ما اجتنبت المقتلة (3) قال وحدثنا عفان قال حدثنا أبو عوانة عن مغيرة بن أبي معشر زياد بن كليب عن إبراهيم بن علقمة عن القرثع عن سلمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث إسحاق بن منصور عن أبي كدينة وهذا يبين لك ما ذكرنا ويوضح لك أن الصغائر تكفر بالصلوات الخمس لمن اجتنب الكبائر فيكون على هذا معنى قول الله عز وجل * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) * الصغائر بالصلاة والصوم والحج وأداء الفرائض واعمال البر وان لم تجتنبوا الكبائر ولم تتوبوا منها لم تنتفعوا بتكفير الصغائر إذا واقعتم الموبقات المهلكات والله أعلم وهذا كله قبل
48

الموت فإن مات صاحب الكبيرة فمصيره إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه فإن عذبه فيجرمه وإن عفا عنه فهو أهل العفو وأهل المغفرة وان تاب قبل الموت وقبل حضوره ومعاينته وندم واعتقد أن لا يعود واستغفر ووجل كان كمن لم يذنب وبهذا كله الآثار الصحاح عن السلف قد جاءت وعليه جماعة علماء المسلمين ولو تدبر هذا القائل الحديث الذي فيه ذكر خروج الخطايا من فمه وأنفه ويديه ورجليه ورأسه لعلم أنها الصغائر في الأغلب ولعلم انها معفو عنها بترك الكبائر دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم العينان (1) تزنيان واليدان تزنيان والفم يزني ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه يريد والله أعلم أن الفرج بعمله يوجب المهلكة وما لم يكن ذلك فأعمال البر يغسلن ذلك كله وقد كنت أرغب بنفسي عن الكلام في هذا الباب لولا قول ذلك القائل وخشيت أن يغتر به جاهل فينهمك في الموبقات اتكالا على أنها تكفرها الصلوات الخمس دون الندم عليها والاستغفار والتوبة منها والله أعلم ونسأله العصمة والتوفيق حدثني سعيد بن نصر و عبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا الحجاج بن المنهال قال حدثنا ابن سلمة عن ثابت
49

وعلي بن زيد وحميد وصالح المعلم ويونس عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصلوات الخمس والجمعة (إلى الجمعة) كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر وأما حديث عمرو بن عبسة في هذا الباب ومنه قام حديث الصنابحي والله أعلم فحدثنا أبو عبد الله محمد بن خليفة رحمه الله قال حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا (أبو) أيوب سليمان بن عبد الرحمان الدمشقي قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله ابن عبد الرحمن بن أبي حسين عن شهر بن حوشب أنه لقي أبا أمامة الباهلي فسأله عن حديث عمرو بن عبسة السلمي حين حدث شرحبيل بن السمط وأصحابه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رمى (1) بسهم في سبيل الله فبلغ أخطأ أو أصاب كان سهمه ذلك كعدل رقبة من ولد إسماعيل ومن خرجت له شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة ومن أعتق رقبة مسلمة كانت له فكاكا من جهنم ومن قام إلى الوضوء يراه حقا عليه فمضمض غفرت له ذنوبه مع أول قطرة من طهوره فإذا غسل وجهه فمثل ذلك فإذا غسل رجليه فمثل ذلك فإن جلس جلس سالما وإن صلى تقبل منه قال شهر فحدثني أبو أمامة
50

عن عمرو بن عبسة بهذا الحديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا أن إسماعيل بن عياش أجمعوا أنه ليس بحجة فيما ينفرد به) وحدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إبراهيم بن مروان الدمشقي قال حدثنا ابن عياش هو إسماعيل قال حدثني يحيى (1) ابن أبي عمرو السيباني عن أبي سلام الحبشي وعمرو بن عبد الله أنهما سمعا أبا أمامة الباهلي يحدث عن عمرو بن عبسة السلمي قال رغبت (2) عن آلهة قومي في الجاهلية ورأيت أنها آلهة باطل كانوا يعبدون الحجارة والحجارة لا تضر ولا تنفع قال فلقيت رجلا من أهل الكتاب فسألته عن أفضل الدين فقال رجل يخرج من مكة ويرغب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها
51

وهو يدعو إلى أفضل الدين فإذا سمعت به فاتبعه فلم يكن لي هم الا مكة آتيها فأسأل هل حدث فيها حدث أو أمر فيقولون لا فانصرف إلى أهلي وأهلي بالطريق غير بعيد فاعترض خارجي مكة فأسألهم هل حدث فيها حدث أو أمر فيقولون لا فإني قاعد على الطريق إذ مر بي راكب فقلت من أين جئت فقال من مكة قلت حدث فيها حدث قال نعم رجل رغب عن آلهة قومه ويدعو إلى غيرها قلت صاحبي الذي أريد فشددت راحلتي برحلها فجئت منزلي الذي كنت أنزل فيه فسألت عنه فوجدته مستخفيا بشأنه ووجدت قريشا عليه جرءاء (1) فتلطفت حتى دخلت فسلمت عليه ثم قلت من أنت فقال أنا نبي فقلت وما النبي قال رسول الله قلت من أرسلك قال الله قلت فبم أرسلك قال بأن توصل الارحام وتحقن الدماء وتؤمن السبل وتكسر الأوثان ويعبد الله وحده لا يشرك به شيء قلت نعم ما أرسلك فاشهد أني قد آمنت بك وصدقت بك امكث معك أم
ماذا ترى قال قد ترى كراهية الناس لما جئت به فامكث في أهلك فإذا سمعت بأني خرجت مخرجي فائتني فلما سمعت به خرج إلى
52

المدينة سرت حتى قدمت عليه قلت يا نبي الله تعرفني قال نعم أنت السلمي الذي جئتني فقلت لي كذا وكذا فاغتنمت ذلك المجلس وعرفت أنه لا يكون لي أفرغ قلبا منه في ذلك المجلس قلت يا رسول الله أي الساعات أسمع قال جوف الليل الاخر والصلاة مشهودة متقبلة حتى تخرج الشمس فإذا رأيتها خرجت حمراء فاقصر عنها فإنها تخرج بين قرني شيطان وتصلي لها الكفار فإذا ارتفعت قدر رمح أو رمحين فصل فإن الصلاة مشهودة متقبلة حتى يستوي الرمح بالظل فإذا استوى الرمح بالظل فأقصر عنها فإنه حين تسجر أبواب جهنم فإذا فاء الظل فصل فإن الصلاة مشهودة متقبلة حتى تغرب الشمس فإذا رأيتها حمراء فاقصر عنها فإنها تغرب بين قرني شيطان وتصلي لها الكفار ثم أخذ في الوضوء وقال إذا توضأت فغسلت يديك خرجت خطايا يديك من أطراف أناملك مع الماء فإذا غسلت وجهك ومضمضت واستنثرت خرجت خطايا وجهك من فيك وخياشيمك مع الماء فإذا مسحت برأسك وأذنيك خرجت خطايا رأسك وأذنيك من أطراف شعرك مع الماء فإذا غسلت رجليك خرجت خطايا رجليك وأناملك مع الماء فصليت فحمدت ربك بما هو أهله انصرفت من صلاتك كيوم ولدتك أمك قال أبو داود وقرأت على المؤمل بن أهاب قال حدثنا النضر ابن محمد قال حدثنا عكرمة بن عمار العجلي قال حدثنا شداد
53

ابن عبد الله أبو عمار ويحيى بن أبي كثير عن أبي أمامة (قيل لعكرمة ولقي شداد أبا أمامة) قال نعم وواثلة وصحب أنس ابن مالك إلى الشام قال قال عمرو بن عبسة السلمي كنت في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة وانهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان قال فسمعت برجل بمكة فساق الحديث بمعنى ما تقدم قال فقدمت المدينة فدخلت عليه فقلت يا رسول الله أتعرفني قال نعم ألست الذي لقيتني بمكة قال فقلت بلى وقلت يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله أخبرني عن الصلاة قال صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس وحتى ترتفع فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة يستقبل الظل بالرمح ثم أقصر عن الصلاة فإنه حينئذ تسجر جهنم فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر ثم أقصر حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار فقلت أي نبي الله الوضوء حدثني عنه قال ما منكم من رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق ويستنثر الا خرجت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه مع الماء ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله خرجت خطايا وجهه من طرف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين الا خرجت خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح برأسه الا خرجت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين الا خرجت خطايا رجليه من
54

أنامله مع الماء فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو أهله الا انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه (1) وذكر باقي الكلام قال وحدثنا أبو توبة (2) الربيع بن نافع قال حدثنا محمد بن المهاجر عن العباس بن سالم عن أبي سلام عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة السلمي أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما بعث وهو بمكة وهو حينئذ مستخف فقلت من أنت قال أنا نبي قلت وما النبي فذكر الحديث = وقال قلت يا رسول الله علمني مما علمك الله فقال سل عما شئت فقلت يا رسول الله أي الليل أفضل قال جوف الليل الآخر فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس وترتفع قيد رمح أو رمحين فإنها تطلع بين قرني شيطان وتصلى لها الكفار ثم صل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعتدل رمح بظله ثم أقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت فإن الصلاة مكتوبة مشهودة حتى تصلي العصر ثم أقصر حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان
55

وتصلي لها الكفار فإذا توضأت فاغسل يديك فإنك إذاغسلت يديك خرجت خطاياك من أطراف أناملك ثم إذا غسلت وجهك خرجت خطاياك من وجهك ثم إذامضمت واستنثرت خرجت خطاياك من فيك ومناخرك ثم إذا غسلت ذراعيك خرجت خطاياك من ذراعيك ثم إذا مسحت برأسك خرجت خطاياك من أطراف شعرك ثم إذاغسلت رجليك خرجت خطاياك من أطراف أنامل رجليك فإن ثبت في مجلسك كان لك حظك من وضوئك فإن قمت فذكرت ربك وحمدت وركعت له ركعتين تقبل عليهما بقلبك خرجت من خطاياك كيوم ولدتك أمك حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا أبو يزيد شجرة بن عيسى قال حدثنا علي بن زياد قال حدثنا سفيان الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن رجل من أهل الشام عن كعب بن مرة البهزي قال قال رجل يا رسول الله أي الليل (1) أسمع قال جوف الليل الآخر ثم الصلاة مقبولة حتى تصلي الفجر ثم لا صلاة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين ثم الصلاة مقبولة حتى يقوم الظل قيام الرمح ثم لا صلاة حتى تزول الشمس ثم الصلاة مقبولة حتى تكون الشمس قد دنت للغروب قدر رمح أو رمحين فإذا غسلت وجهك
56

خرجت خطاياك من وجهك وإذا غسلت ذراعيك خرجت الخطايا من ذراعيك وإذا غسلت رجليك خرجت الخطايا من رجليك قال أبو عمر ليس في شيء من هذه الآثار فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من أذنيه وذلك موجود في حديث الصنابحي وسائر حديث الصنابحي كله على ما في حديث عمرو بن عبسة المذكور في هذا الباب والحمد لله وإنما ذكرناها ليبين بها حديث الصنابحي ويتصل ويستند فلذلك ذكرناها لتقف على نقلها وتسكن إليها وبالله التوفيق
57

حديث عاشر لزيد بن أسلم مسند ثابت مالك عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استسلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا فجاءته إبل من إبل الصدقة قال أبو رافع فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقضي الرجل بكره فقلت لم أجد في الإبل الا جملا خيارا رباعيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعطه إياه فإن خيار (1) الناس أحسنهم قضاء قال أهل اللغة البكر من الإبل الفتى والخيار المختار الجيد قال صاحب العين ناقة خيار وجمل خيار والجمع خيار أيضا ويقال أربع الفرس وأربع الجمل إذا ألقى رباعيته فهو رباع والأنثى رباعية قال أبو عمر معلوم ان استسلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمل البكر المذكور في هذا الحديث لم يكن لنفسه لأنه قضاه من إبل
58

الصدقة ومعلوم أن الصدقة محرمة عليه لا يحل له أكلها ولا الانتفاع بها وقد مضى بيان هذا في (1) ربيعة ولهذا علمنا أنه لم يكن ليؤدي عن نفسه من مال المساكين
وإذا صح هذا علمنا أنه إنما استسلف الجمل للمساكين واستقرضه عليهم لما رأى من الحاجة ثم رده من إبل الصدقة كما يستقرض ولي اليتيم عليه نظرا له ثم يرده من ماله إذا طرأ له مال وهذا كله لا ينازع فيه والحمد لله وقد اختلف العلماء في حال المستقرض منه الجمل المذكور في هذا الحديث فقال منهم قائلون لم يكن المستقرض منه ممن تجب عليه صدقة ولا يلزمه زكاة لأنه قد رد عليه رسول الله صدقته ولم يحتسب له بها وقت أخذ الصدقات وخروج السعاة وقتا واحدا يستوي الناس فيه فما لم يحتسب له بما أخذ منه صدقة علم أنه لم يكن ممن تلزمه صدقة في ماشيته لقصور نصابها عن ذلك والله أعلم هذا قول من لم يجز تعجيل الزكاة قبل محلها وقال آخرون جائر أن يكون المستقرض منه في حين رد ما استقرض منه اليه ممن لا تجب عليه الصدقة لجائحة لحقته في إبله وماله قبل تمام الحول فوجب رد ما أخذ منه اليه ومثال ذلك الاستسلاف في هذا الموضع عند هؤلاء أن يقول الامام للرجل أقرضني على زكاتك لأهلها فإن وجبت عليك زكاة بتمام ملكك للنصاب حولا فذاك والا فهو دين لك أرده عليك من الصدقة وهذا كله على مذهب من أجاز تعجيل الزكاة قبل وقت وجوبها وقد اختلف الفقهاء في تعجيل الزكوات قبل حلول الحول فأجاز ذلك أكثر أهل العلم وممن ذهب إلى إجازة تعجيل الزكاة قبل
59

الحلول سفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وروى ذلك عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وابن شهاب والحكم بن عتيبة وابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يجوز تعجيل الزكاة لما في يده ولما يستفيده في الحول وبعده بسنين وقال زفر التعجيل عما في يده جائز ولا يجوز عما يستفيده وقال ابن شبرمة يجوز تعجيل الزكاة لسنين وقال مالك لا يجوز تعجيلها قبل الحلول الا بيسير وقالت طائفة لا يجوز تعجيلها قبل محلها بيسير ولا كثير ومن عجلها قبل محلها لم يجزئه وكان عليه اعادته كالصلاة وروى ذلك عن الحسن البصري وهو قول بعض أصحاب داود وروى خالد بن خداش وأشهب عن مالك مثل ذلك قال أبو عمر من لم يجز تعجيلها قاسها على الصلاة وعلى سائر ما يجب مؤقتا لأنه لا يجزيء من فعله قبل وقته ومن أجاز تعجيلها قاس ذلك على الديون الواجبة لآجال محدودة أنه جائز تعجيلها وفرق بين الصلاة والزكاة بأن الصلاة يستوي الناس كلهم في وقتها وليس كذلك أوقات الزكاة لاختلاف أحوال الناس فيها فأشبهت الديون إذا عجلت وقد استدل الشافعي على جواز تعجيل الزكاة بهذا الحديث وفي قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المستسلف منه البكر جملا جيدا دليل على أنه لم يكن ممن عليه
60

صدقة لأنه لم يحتسب له بذلك قضاه وبرئ اليه منه ولا حجة للشافعي فيما استدل به من هذا الحديث في جواز تعجيل الزكاة وقد احتج بعض من نصر مذهبه على ما ذكرناه بأن قال جائز أن يكون الذي استقرض منه البكر ممن تحل له الصدقة فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم غير بعيره بمقدار حاجته وجمع في ذلك وضع الصدقة في موضعها وحسن القضاء قال وجائز أن يستسلف الامام للفقراء ويقضي من سهمهم أكثر مما أخذ لما يراه من النظر والصلاح إذا كان ذلك من غير شرط ولا منفعة تعجيل ثم نعود إلى القول في معنى الاستسلاف المذكور في هذا الحديث فنقول إن قال قائل لا يجوز أن يكون الاستقراض المذكور على المساكين لأنه لو كان قرضا على المساكين لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموالهم أكثر مما استقرض لهم قيل له لما بطل أن يستقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عل الصدقة لغنى وأن لا يستقرضها لنفسه لم يبق الا أنه استقرضها لأهلها وهم الفقراء ومن ذكر معهم وكان في هذا الحديث دليل على أنه جائز لأمام إذا استقرض للمساكين أن يرد من مالهم أكثر مما أخذ على وجه النظر والصلاح إذا كان من غير شرط ووجه النظر في ذلك والمصلحة معلوم فإن منفعة تعجيل ما أخذه لشدة حاجة الفقير اليه أضعاف ما يلحقهم في رد الأفضل لأن ميل الناس إلى العاجل من امر الدنيا فكيف نعطيه أكثر مما أخذ منه والصدقة لا تحل لغني فالجواب عن هذا أنه جائز ممكن أن يكون المستقرض منه قد ذهبت أبله بنوع من جوائح الدنيا وكان في وقت صرف ما أخذ منه اليه فقيرا
61

تحل له الزكاة فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم خيرا من بعيره بمقدار حاجته وجمع في ذلك وضع الصدقة في موضعها وحسن القضاء وجائز أن يكون غارما وغازيا ممن تحل له الصدقة مع القضاء ووضع الصدقة موضعها والله أعلم وسيأتي في ذكر الخمسة الأغنياء الذين تحل لهم الصدقة فيما بعد من حديث زيد بن أسلم إن شاء الله) وفي هذا الحديث أيضا من الفقه اثبات الحيوان في الذمة وإذا صح ثبوت الحيوان في الذمة بما صح من جواز استقراض الحيوان صح فيه السلم على الصفة وبطل بذلك قول من لم يجز الاستقراض في الحيوان ولا أجازوا السلم فيه واختلف الفقهاء في السلم في الحيوان وفي استقراضه فذهب العراقيون إلى أن السلم في الحيوان (وفي استقراضه) لا يجوز وممن قال بذلك أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن ابن صالح وروى ذلك عن ابن مسعود وحذيفة وعبد الرحمن ابن سمرة
62

وحجة من قال بهذا القول إن الحيوان لا يوقف على حقيقة صفته لأن مشيه وحركاته وملاحته وجريه كل ذلك لا يدرك وصفة وكل ذلك يزيد في ثمنه ويرفع من قيمته وادعوا النسخ في حديث أبي رافع المذكور وما كان مثله وقالوا نسخة ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنه أوجب على المعتق نصيبه من عبد بينه وبين آخر إذ أوجب عليه قيمة نصيب شريكه ولم يوجب عليه نصف عبد مثله وقال داود بن علي وأصحابه لا يجوز السلم في الحيوان ولا في شيء من الأشياء الا في المكيل والموزون خاصة وما خرج عن المكيل والموزن فالسلم فيه غير جائز عندهم لحديث ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أسلم فليسلم (1) في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ولنهيه عن بيع ما ليس عندك قالوا فكل ما لم يكن مكيلا أو موزونا فداخل في بيع ما ليس عندك قال أبو عمر بنوا هذا على ما أصلوا من أن كل بيع جائز بظاهر قول الله عز وجل * (وأحل الله البيع) * الا بيع ثبت في السنة النهي عنه أو أجمعت الأمة على فساده
63

وقال أهل المدينة ومالك وأصحابه والأوزاعي والليث والشافعي وأصحابه السلم في الحيوان جائز بالصفة وكذلك كل ما يضبط بالصفة في الأغلب وحجتهم في ذلك حديث أبي رافع هذا لما فيه من ثبوت الحيوان في الذمة ومثله حديث أبي هريرة في استقراض رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمل (1) ومن حجتهم أيضا إيجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دية الخطأ في ذمة من أوجبها عليه وهي أخماس (2) عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة
ودية شبه العمد وذلك من الإبل ثلاثون (3) جذعة وثلاثون حقة وأربعون خلفة (4) وفي بطونها أولادها فجعل الحيوان دينا في الذمة إلى أجل وقد كان ابن عمر يجيز السلم في الوصف وأجاز أصحاب أبي حنيفة أن يكاتب الرجل عبده على مملوك وهذه مناقضة منهم وأجاز الجميع النكاح على عبد موصون وذكر الحسن بن علي الحلواني
64

قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث قال حدثني يحيى بن سعيد قال قلت لربيعة أن أهل انطابلس حدثوني أن خير بن نعيم كان يقضي عندهم بأنه لا يجوز السلف في الحيوان وقد كان يجالسك ولا أحسبه قضى به إلا عن رأيك فقال لي ربيعة قد كان ابن مسعود يقول ذلك قال يحيى فقلت وما لنا ولابن مسعود في هذا قد كان ابن مسعود يتعلم منا ولا نتعلم منه وقد كان يقضي في بلاده بأشياء فإذا جاء المدينة وجد القضاء على غير ما قضى به فيرجع اليه وأما اعتلال العراقيين بأن الحيوان لا يمكن صفته فغير مسلم لهم لأن الصفة في الحيوان يأتي الواصف منها بما يدفع الأشكال ويوجب الفرق بين الموصوف وغيره كسائر الموصوفات من غير الحيوان وإذا أمكنت الصفة في الحيوان جاز السلم فيه بظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصف المرأة المرأة (1)
65

لزوجها حتى كأنه ينظر إليها فجعل صلى الله عليه وسلم الصفة تقوم مقام الرؤية وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز استقراض شيء من الحيوان كما لا يجوز السلم فيه لأن رد المثل لا يمكن لتعذر المماثلة عندهم في الحيوان وقال مالك والأوزاعي والليث والشافعي يجوز استقراض الحيوان كله إلا الإماء فإنه لا يجوز استقراضهن وعند مالك فيما ذكر ابن المواز ان استقرض أمة ولم يطأها ردها بعينها وإن وطئها لزمته القيمة ولم يردها وعند الشافعي يردها ويرد معها عقدها يعني صداق مثلها وإن حملت ردها بعد الولادة وقيمة ولدها إن ولدوا أحياء يوم سقطوا وما نقصتها الولادة وإن ماتت لزمه مثلها فإن لم يوجد مثلها فقيمتها وحجة من لم يجز استقراض الإماء وهم جمهور العلماء إن الفروج محظورة لا تستباح الا بنكاح أو ملك يمين ولأن القرض ليس بعقد لازم من جهة المقترض لأنه يرده متى شاء فأشبه الجارية المشتراة بالخيار ولا يجوز وطؤها باجماع حتى تنقضي أيام الخيار فهذه قياس عليها ولو جاز استقراض الإماء لحصل الوطء في غير نكاح ولا ملك صحيح وقال أبو إبراهيم المزني وداود بن علي وأبو جعفر الطبري استقراض الإماء جائز قال المزني والطبري قياسا على بيعها وإن ملك المستقرض صحيح يجوز له فيه التصرف كله وكل ما جاز بيعة جاز قرضه
66

في نفس القياس وقال داود لم يحظر الله استقراض الإماء ولا رسوله ولا اتفق الجميع على المنع منه وقد أباح الاستسلاف للحيوان رسول الله صلى الله عليه وسلم والأصل الإباحة حتى يصح المنع من وجه لا معارض له واحتج بهذا الحديث أيضا كل من أوجب على من استهلك شيئا من الحيوان مثله إن وجد له مثل لا قيمته قالوا وكما كان يكون له مثل في القضاء فكذلك يكون له مثل في الضمان عن الاستهلاك وممن قال بالمثل في المستهلكات كلها الشافعي واحمد وداود وجماعة لقول الله * (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * وأما مالك رحمه الله فقال من استهلك شيئا من الحيوان بغير إذن صاحبه فعليه قيمته ليس عليه أن يؤخذ بمثله من الحيوان ولكن عليه قيمته يوم استهلكه القيمة أعدل فيما بينهما في الحيوان والعروض قالوا وأما الطعام فبمنزلة الذهب والورق وإذا استهلكه أحد بغير إذن صاحبه فعليه مثل مكيلته من صنفه قال أبو عمر المكيل كله والموزون المأكول والمشروب هذا حكمه عنده وأما ما لا يؤكل مثل الرصاص القطن وما أشبه ذلك فالذي اختاره إسماعيل أن يكون فيه المثل لأنه يضبط بالصفة قال وقد احتج عبد الملك في القيمة في الحيوان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن اعتق نصف عبد له بقيمة النصف الباقي للشريك ولم يقض بنصف عبد مثله
67

قال أبو عمر في حديث أبي رافع هذا ما يدل على أن المقرض ان أعطاه المستقرض أفضل مما أقرضه جنسا أو كيلا أو وزنا أن ذلك معروف وأنه يطيب له أخذه منه لأنه أثنى فيه على من أحسن القضاء وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة وروى سلمة بن كهيل عن (1) أبي سلمة عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ له فهم به أصحابه فنهاهم فقال الا كنتم مع الطالب ثم قال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا اشتروا له بعيرا فلم يجدوا الا فوق سنة فقال اشتروا له فوق سنة فأعطوه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أخذت حقك قال نعم قال كذلك أفعلوا خيركم أحسنكم قضاء (2) وهذا عند جماعة العلماء إذا لم يكن عن شرط منهما في حين السلف وقد اجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف أو حبة كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة =
68

وفيه دليل على أن للإمام أن يستسلف للمساكين على الصدقات ولسائر المسلمين على بيت المال لأنه كالوصي لجميعهم أو الوكيل وفيه أن التداين في البر والطاعة والمباحات جائز وإنما يكره التداين في الاسراف وما لا يجوز وبالله التوفيق
69

حديث حادي عشر لزيد بن أسلم مسند يجري مجرى المتصل مالك عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار أن معاوية ابن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال له أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا الا مثلا بمثل فقال له معاوية ما أرى بهذا بأسا فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه لا أساكنك أرضا أنت بها ثم قدم أبو الدرداء على عمر فذكر ذلك له فكتب عمر إلى معاوية أن لا يبيع ذلك الا مثل بمثل وزنا بوزن (1) قد ذكرنا أبا الدرداء عويمرا رحمه الله في كتاب الصحابة بما يغني عن ذكره ها هنا وكذلك ذكرنا معاوية هنالك والسقاية الآنية قيل أنها آنية كالكأس وشبهه يشرب بها (وقال الأخفش السقاية الاناء الذي يشرب به)
70

وقال أبو عبيدة في قوله عز وجل * (جعل السقاية في رحل أخيه) * قال السقاية مكيال كان يسمى السقاية (وقال غيره بل كل إناء يشرب فيه) وذكر ابن حبيب عن مالك قال السقاية البرادة يبرد فيها الماء تعلق وقال الأخفش أهل الحجاز يسمون البرادة سقاية ويسمون الحوض الذي فيه الماء سقاية وقال ابن وهب بلغني انها كانت قلادة
خرز (1) وذهب وورق وقال ابن حبيب من قال إن السقاية قلادة فقد وهم وأخطأ وهو قول لا وجه له عند أهل العلم باللسان قال أبو عمر ظاهر هذا الحديث الانقطاع لأن عطاء لا احفظ له سماعا من أبي الدرداء وما أظنه سمع منه شيئا لأن أبا الدرداء توفي بالشام في خلافة عثمان لسنتين بقيتا من خلافته ذكر ذلك أبو زرعة عن أبي مسهر عن سعيد بن عبد العزيز
71

وقال الواقدي توفي أبو الدرداء سنة اثنتين وثلاثين ومولد عطاء بن يسار سنة أحدى وعشرين وقيل سنة عشرين قال أبو عمر وقد روى عطاء بن يسار عن رجل من أهل مصر عن أبي الدرداء حديث لهم البشرى وممكن ان يكون سمع عطاء بن يسار من معاوية لأن معاوية توفي سنة ستين وقد سمع عطاء بن يسار من أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاصي و عبد الله ابن عمر وجماعة من الصحابة هم أقدم موتا من معاوية ولكنه لم يشهد هذه القصة لأنها كانت في زمن عمر وتوفي عمر سنة ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين من الهجرة واختلف في وقت وفاة عطاء بن يسار فقال الهيثم بن عدي توفي سنة سبع وتسعين وقال الواقدي توفي عطاء بن يسار سنة ثلاث ومائة وهو ابن أربع وثمانين سنة أخبرني بذلك أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه على أن هذه القصة لا يعرفها أهل العلم لأبي الدرداء الا من حديث زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار وأنكرها بعضهم لأن شبيها بهذه القصة عرضت لمعاوية مع عبادة بن الصامت وهي صحيحة مشهورة محفوظة لعبادة مع معاوية (من وجوه وطرق شتى)
72

وحديث تحريم التفاضل في الورق بالورق والذهب لعبادة محفوظ عند أهل العلم ولا أعلم أن أبا الدرداء روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصرف ولا في بيع الذهب بالذهب ولا الورق بالورق حديثا والله أعلم وكان معاوية يذهب إلى أن النهي والتحريم إنما ورد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدينار المضروب والدرهم المضروب لا في التبر من الذهب والفضة بالمضروب ولا في المصوغ بالمضروب (وقيل إن ذلك إنما كان منه في المصوغ خاصة والله أعلم) حتى وقع له مع عبادة ما يأتي ذكره في هذا الباب وقد سأل عن ذلك أبا سعيد بعد حين فأخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم التفاضل في الفضة بالفضة والذهب بالذهب تبرهما وعينهما وتبر كل واحد منهما بعينه وإنما كان سؤاله أبا سعيد استثباتا لأنه كان يعتقد أن النهي إنما ورد في العين ولم يكن والله أعلم علم بالنهي حتى أعلمه غيره وخفاء مثل هذا على مثله غير نكير لأنه من علم الخاصة وذلك موجود لغير واحد من الصحابة
73

ويحتمل أن يكون مذهبه كان كمذهب ابن عباس فقد كان ابن عباس وهو بحر في العلم لا يرى بالدرهم بالدرهمين يدا بيد بأسا حتى صرفه عن ذلك أبو سعيد وذكر الحلواني قال حدثنا محمد (1) بن عيسى قال أخبرنا هشيم (2) قال أخبرنا أبو حرة (3) قال سأل رجل ابن سيرين عن شيء فقال لا علم لي به فقال الرجل إني أحب أن تقول فيه برأيك قال إني أكره أن أقول فيه برأي ثم يبدو لي غيره فأطلبك فلا أجدك إن ابن عباس قد رأى في الصرف رأيا ثم رجع عنه)
74

أخبرني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن سليمان الربعي عن أبي الجوزاء قال سمعت ابن عباس وهو يأمر بالصرف الدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين يدا بيد فقدمت العراق فأفتيت الناس بذلك ثم بلغني أنه نزل عن ذلك فقدمت مكة فسألته فقال لي إنما كان ذلك رأيا مني وهذا أبو سعيد يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه (قال أبو عمر حديث أبي سعيد في الصرف عند مالك عن نافع عن أبي سعيد يأتي ذكره في باب نافع من هذا الكتاب إن شاء الله) فغير نكير أن يخفى على معاوية ما خفي على ابن عباس وقد روينا عن معاوية كما قدمنا ذكره أنه كان يذهب إلى أن الربا في المضروب دون غيره وهو شيء لا وجه له عند أحد من أهل العلم وقد قلنا أن قصته المذكورة في هذا الحديث مع أبي الدرداء لا توجد الا في حديث زيد هذا (وإذا كان ابن عباس وعمر قبله وأبو بكر قبلهما يخفى عليهم ما يوجد عند غيرهم ممن هو دونهم فمعاوية أحرى أن يوجد عليه مثل ذلك مع أبي الدرداء)
75

وأما قصة معاوية مع عبادة فحدثني أحمد بن قاسم (ابن عبد الرحمن) قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب مثلا بمثل الكفة بالكفة (والفضة بالفضة مثلا بمثل الكفة بالكفة) والبر بالبر مثلا بمثل يدا بيد والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا بيد والتمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد قال حتى ذكر الملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد قال معاوية إن هذا لا يقول شيئا فقال لي عبادة والله لا أبالي أن لا أكون بأرضكم هذه (وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان) عن إسماعيل قال حدثني حكيم بن جابر عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه إلى قوله الملح بالملح
76

وقال قال معاوية أن هذا لا يقول شيئا فقال عبادة إني والله ما أبالي أن لا أكون بأرض معاوية أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا معتمر بن سليمان عن خالد الحذاء قال أنبأنا أبو قلابة عن أبي أسماء (1) عن عبادة بن الصامت أنهم أرادوا بيع آنية من فضة إلى العطاء فقال عبادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح يدا بيد مثلا بمثل من زاد أو ازداد فقد أربى (هكذا قال المعتمر عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء وهو خطأ) والصواب في هذا الحديث ما قاله أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث وقول المعتمر عن خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء خطأ وقد خالفه الثوري وغيره عن خالد
77

(واخطأ أيضا المعتمر في قوله إن الآنية بيعت إلى العطاء وإنما بيعت في أعطيات الناس لا إلى العطاء وإنما الحديث لأبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة لا أبي قلابة عن أبي أسماء كذلك روى الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة ذكر وكيع وعبد الرزاق وعبد الملك بن الصباح الديناري كلهم عن الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت قال كان معاوية يبيع الآنية من الفضة بأكثر من وزنها فقال عبادة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن والبر بالبر مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل والتمر بالتمر مثل بمثل والملح بالملح مثلا بالمثل وبيعوا الذهب
بالفضة يدا بيد كيف شئتم (والبر بالشعير يدا بيد كيف شئتم والتمر بالملح يدا بيد كيف شئتم هذا لفظ حديث عبد الرزاق وقال وكيع إذا اختلف الأصناف فبيعوا كيف شئتم) وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا (عبد الوهاب) بن عبد المجيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث قال كنا في غزاة وعلينا معاوية فأصبنا ذهبا وفضة فأمر معاوية رجلا ببيعها الناس في أعطياتهم فتنازع (1) الناس فيها فقام عبادة فنهاهم فردوها فأتي الرجل معاوية فشكا اليه فقام معاوية خطيبا فقال ما بال
78

رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث يكذبون فيها لم نسمعها فقام عبادة فقال والله لنحدثن عن رسول الله بما سمعنا وان كره معاوية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة ولا التمر بالتمر ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا الملح بالملح الا مثلا بمثل وسواء سواء عينا بعين (1) وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال كنت في حلقة بالشام فيها مسلم بن يسار فجاء أبو الأشعث قالوا أبو الأشعث فجلس فقلت حدث أخاك حديث عبادة بن الصامت قال نعم غزونا وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا ببيعها في أعطيات الناس فتنازع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت ذلك فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية أو قال أو رغم معاوية ما أبالي أن أصحبه في جنده ليلة سوداء قال حماد هذا أو نحوه)
79

(وروى هذا الحديث محمد بن سيرين عن محمد بن يسار وعبد الله بن عبيد عن عبادة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن سلمة بن علقمة عن محمد ابن سيرين قال حدثني مسلم بن يسار وعبد الله بن عبيد وقد كان يدعى ابن هرمز قالا جمع المنزل بين عبادة بن الصامت وبين معاوية أما في بيعه أو في كنيسة فقام عبادة فقال نهى رسول الله عن الذهب بالذهب فذكر نحو ما تقدم وزاد وأمرنا أن نبيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا) وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد ابن أبي العوام قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا هشام ابن حسان عن محمد ابن سيرين عن رجلين أحدهما مسلم بن يسار عن عبادة بن الصامت نحوه وحدثنا سعيد بن نصر قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا ابن جدعان عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب مثلا بمثل
80

(والورق بالورق مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلا بمثل) والحنطة بالحنطة مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل حتى خص الملح بالملح مثلا بمثل فمن زاد أو ازداد فقد أربى واللفظ لحديث الحميدي (وروى هذا الحديث بكر المزني عن مسلم بن يسار عن عبادة كما رواه محمد بن سيرين حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا مبارك (1) بن فضالة قال حدثنا بكر ابن عبد الله المزني عن أبي عبد الله مسلم بن يسار قال خطب معاوية بالشام فقال ما بال أقوام يزعمون أن النبي عليه السلام نهى عن الصرف وقد شهدنا النبي عليه السلام ولم نسمعه نهى عنه فقام عبادة بن الصامت فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يباع الذهب بالذهب الا مثلا بمثل والورق بالورق الا مثل بمثل وذكر ستة أشياء البر والتمر والشعير والملح الا مثلا بمثل لنحدثن بما سمعنا وإن كرهت يا معاوية لندعنك ولنلحقن بأمير المؤمنين فقال أيها الرجل أنت وما سمعت)
81

حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم السمري قالا جميعا حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت أنه قام فقال يا أيها الناس أنكم قد أحدثتم بيوعا لا أدري ما هي وإن الذهب بالذهب (وزنا بوزن) تبره وعينه يدا بيد زاد محمد بن الجهم والفضة بالفضة وزنا بوزن يدا بيد تبرها وعينها ثم اتفقا ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد ولا يصلح (نساء) والبر بالبر مدى (1) بمدى يدا بيد والشعير بالشعير مدى بمدى يدا بيد (ولا بأس ببيع الشعير بالبر والشعير أكثرهما يدا بيد ولا يصلح نسيئة والتمر بالتمر حتى عد الملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد) من زاد أو ازداد فقد أربى (2) قال قتادة وكان عبادة بدريا عقبيا أحد نقباء الأنصار وكان بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يخاف في الله لومة
82

لائم هكذا رواه ابن أبي عروبة عن قتادة عن مسلم بن يسار موقوفا (فذكر الحديث وتابع هشام الدستوائي سعيد بن أبي عروبة على هذا الاسناد) عن قتادة عن مسلم بن يسار ورواه همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعناه (وسعيد وهشام كلاهما عندهم احفظ من همام فهذا ما بلغنا في قصة معاوية مع عبادة في بيع الآنية بأكثر من وزنها ذهبا كانت أو فضة وذلك عند العلماء معروف لمعاوية مع عبادة لا مع أبي الدرداء والله أعلم وممكن أن يكون له مع أبي الدرداء مثل هذه القصة أو نحوها ولكن الحديث في الصرف محفوظ لعبادة وهو الأصل الذي عول عليه العلماء في باب الربا ولم يختلفوا أن فعل معاوية في ذلك غير جائز وأن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة لا يجوز الا مثلا بمثل تبرهما وعينهما ومصوغهما وعلى أي وجه كانت وقد مضى في باب حميد بن قيس حديث ابن عمر في الصائغ الذي أراد أن يأخذ فضل عمله فقال ابن عمر لا هذا عهد نبينا الينا وعهدنا إليكم) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة
83

عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب (1) بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل (سواء بسواء) يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد وقرأت على عبد الوارث ان قاسما حدثهم قال حدثنا (محمد ابن إسماعيل) الترمذي قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا أمي (2) الصيرفي قال حدثنا أبو صالح سنة مائة قال كتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى عماله أن لا يشتروا
الذهب بالذهب الا مثلا بمثل ولا الفضة بالفضة الا مثلا بمثل ولا الحنطة بالحنطة الا مثلا بمثل ولا الشعير بالشعير الا مثلا بمثل ولا التمر بالتمر الا مثلا بمثل قال أبو عمر على هذا مذهب الصحابة والتابعين وجماعة فقهاء المسلمين فلا وجه للاكثار فيه
84

حدثني خلف بن القاسم بن سهل الحافظ قال حدثنا أبو الميمون البجلي عبد الرحمن بن عمر بدمشق قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا محمد بن المبارك (1) عن يحيى بن حمزة عن برد (2) بن سنان عن إسحاق (3) بن قبيصة بن
85

ذؤيب عن أبيه (1) إن عبادة أنكر على معاوية شيئا فقال لا أساكنك بأرض أنت بها ورحل إلى المدينة فقال له عمر ما أقدمك فأخبره فقال ارجع إلى مكانك فقبح الله أرضا لست فيها ولا أمثالك وكتب إلى معاوية لا امارة لك عليه قال أبو عمر فقول عبادة لا أساكنك بأرض أنت بها وقول أبي الدرداء على ما في حديث زيد ابن أسلم يحتمل أن يكون القائل ذلك قد خاف على نفسه الفتنة لبقائه بأرض ينفذ فيها في العلم قول خلاف الحق عنده وربما كان ذلك منه أنفة لمجاورة من رد عليه سنة علمها من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه وقد تضيق صدور العلماء عند مثل هذا وهو عندهم عظيم رد السنن بالرأي
86

وجائز للمريء أن يهجر من خاف الضلال عليه ولم يسمع منه ولم يطعه وخاف أن يضل غيره وليس هذا من الهجرة المكروهة الا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين أحدث في تخلفه عن تبوك ما أحدث حتى تاب الله عليه وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام معه وقد حلف ابن مسعود أن لا يكلم رجلا رآه يضحك في جنازة أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا عبد الملك بن بحر قال حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا العباس بن الوليد قال حدثنا سفيان عن عبد الرحمن (1) بن حميد الرؤاسي عن رجل من عبس ان ابن مسعود رأى رجلا يضحك في جنازة فقال تضحك وأنت في جنازة والله لا أكلمك أبدا وغير نكير أن يجهل معاوية ما قد علم أبو الدرداء وعبادة فإنهما جليلان من فقهاء الصحابة وكبارهم
87

قال أبو عمر حديث عبادة المذكور في هذا الباب وإن كانوا قد اختلفوا في إسناده فهو عند جماعة من فقهاء الأمصار أصل ما يدور عليه عندهم معاني الربا الا أنهم قد اختلفت مذاهبهم في ذلك على ما أوضحناه في باب ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان من هذا الكتاب والحمد لله قال أبو عمر ولا يوجد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ذكر فيه الربا غير هذه الستة الأشياء المذكورة في حديث عبادة وهي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح فجعلها جماعة علماء المسلمين القائلين بالقياس أصول الربا وقاسوا عليها ما أشبهها وما كان في معناها واستدلوا بقوله في الحديث حتى خص الملح بالملح فجلعوا الملح أصلا لكل أدام فحرموا التفاضل في كل ادام كما حرموا التفاضل في كل مأكول على علل أصولها مستنبطة من هذا الحديث فذهب العراقيون إلى أن العلة فيها الكيل والوزن لأن كل ما ذكر من الأنواع الستة لم تخل من كيل أو وزن وكذلك جاء الحديث به نصا قال في الذهب وفي الورق وزنا بوزن وقال في غير ذلك مدى بمدى ونحو ذلك
88

وسئل الشافعي فقال العلة في ذلك الأكل لا غير الا في الذهب والورق فلم يقس عليهما غيرهما لأنهما أثمان المبيعات وقيم المتلفات وكذلك قول أصحاب مالك في الذهب والورق وعللوا الأربعة بأنها أقوات مدخرة فأجازوا التفاضل فيما لا يدخر إذا كان يدا بيد ولا بأس عندهم برمانة برمانتين وتفاحة بتفاحتين أو ما كان مثل ذلك يدا بيد وذلك غير جائز عند الشافعي لأن علته في ذلك الأكل وسواء عنده ما يدخر وما لا يدخر والربا عند جماعة العلماء في الصنف الواحد يدخله من جهتين وهما النساء والتفاضل فلا يجوز شيء من الأنواع الستة بمثله الا يدا بيد مثلا بمثل على ما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فإذا اختلف الجنس جاز فيه التفاضل ولم يجز فيه النساء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعوا الذهب بالورق كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالشعير كيف شئتم يدا بيد الا أن مالكا جعل البر والشعير جنسا واحدا فلم يجز فيه التفاضل لشيء رواه عن سعد (1) بن أبي وقاص
89

وعبد الرحمن (1) بن الأسود بن عبد يغوث وسليمان بن يسار وخالفه في ذلك جماعة فقهاء الأمصار وسنذكر هذا المعنى مجودا في باب (عبد الله) بن يزيد مولى الأسود بن سفيان من كتابنا هذا إن شاء الله قال أبو عمر لا ربا عند العلماء في غير هذه الأنواع الستة وما كان في معناها في عللهم وأصولهم التي ذكرنا ولا حرام عندهم في شيء من البيوع بعد ما تضمنت أصولهم المذكورة في هذا الباب على (ما وصفنا) الا من طريق الزيادة في السلف والقول بالذرائع عند من قالها وهم مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وكان سعيد بن المسيب والشافعي وأبو ثور وأحمد وجماعة ذهبوا إلى أن لا ربا الا في ذهب أو ورق أو ما كان
90

يكال أو يوزن مما يوكل ويشرب استدلالا والله أعلم بحديث عبادة المذكور في هذا الباب (وكانوا ينفون) القول بالذرائع ويقولون لا يحكم على مسلم أو غيره بظن ولا تشرع الأحكام بالظنون ولا ينبغي أن يظن المسلم الا الخير (وروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال إنما الربا على من أراد أن يربى) فهذا ما في السنة من أصول الربا وأما الربا الذي ورد به القرآن فهو الزيادة في الاجل يكون بإزائه زيادة في الثمن وذلك أنهم كانوا يتبايعون بالدين إلى أجل فإذا حل الأجل قال صاحب المال إما أن تقضي وأما ان تربى فحرم الله ذلك في كتابه وعلى لسان رسوله واجتمعت عليه أمته ومن هذا الباب عند (أهل العلم) ضع وتعجل لأنه عكس المسألة ومن رخص فيه لم يكن عنده من هذا الباب (وجعله من باب المعروف) وأما من نفى القياس من العلماء فإنهم لا يرون الربا في غير الستة الأشياء المذكورة في حديث عبادة بن الصامت وما عداها عندهم فحلال جائز بعموم قول الله تعالى * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * وممن روى عنه هذا القول قتادة وما حفظته لغيره
91

وهو مذهب داود بن علي ولهذا الباب تلخيص (يطول شرحه ويتسع القول فيه) وفيما ذكرت لك كفاية ومقنع لمن تدبر وفهم وبالله التوفيق وقد ذكرنا منه نكتا موعبة كافية في غير موضع من كتابنا هذا والحمد لله
92

حديث ثاني عشر لزيد بن أسلم مسند ثابت مالك عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد قال نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله لنا شيئا نأكله وجعلوا يذكرون من حاجتهم فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلا يسأله ورسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول لا أجد ما أعطيك فتولى الرجل وهو مغضب ويقول لعمري أنك لتعطي من شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليغضب علي ان لا أجد ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل الحافا قال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية قال (ولاوقية أربعون درهما) فرجعت ولم أسأله فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزبيب فقسم لنا منه حتى أغنانا الله (1) هكذا رواه مالك وتابعه هشام بن سعد وغيره وهو حديث صحيح وليس حكم الصاحب إذا لم يسم كحكم من دونه إذا لم
93

يسم عند العلماء لارتفاع الجرحة عن جميعهم وثبوت العدالة لهم قال الأثرم قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل إذا قال رجل من التابعين حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمه فالحديث صحيح قال نعم وقد روى عمارة بن غزية عن عبد الرحمن (1) بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث الذي رواه عطاء بن يسار عن الأسدي قال أبو سعيد استشهد أبي يوم أحد وتركنا بغير مال فأصابتنا حاجة شديدة فقالت لي أمي أي بني ائت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله لنا شيئا قال فجئت وهو في أصحابه جالس فسلمت وجلست فاستقبلني وقال من استغنى أغناه الله ومن استعف أعفه الله ومن استكف كفاه (2) الله قال قلت ما يريد غيري فرجعت ولم أكلمه في شيء فقالت لي أمي ما
94

فعلت فأخبرتها الخبر فرزقنا الله شيئا فصبرنا وبلغنا (حتى الحت علينا حاجة هي أشد منها) فقالت لي أمي ائت النبي صلى الله عليه وسلم فسله لنا شيئا قال فجئته وهو في أصحابه جالس فاستقبلني فأعاد القول أول وزاد فيه من سأل وله أوقية أو قيمة أوقية فهو ملحف فقلت إن لي ناقة خيرا من أوقية فرجعت ولم أسأله هكذا روى هذا الحديث عن أبي سعيد ورواه مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري بغير هذا اللفظ والمعنى واحد الا أنه لم يذكر فيه من سأل وله أوقية إلى آخره وإنما هذا موجود من رواية مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد على ما تقدم في هذا الباب وهذا الحديث من حديث ابن شهاب محفوظ كما رواه مالك وليس يحفظ حديث أبي سعيد الخدري المذكور فيه الأوقية الا بالاسناد المذكور عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه وهو لا بأس به وقد احتج به أحمد بن حنبل وسنذكر قوله في ذلك إن شاء الله تعالى وفي حديث زيد ابن أسلم هذا من الفقه معرفة بعض ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحلم وما كان القوم فيه من الصبر على الاقلال وقلة ذات اليد
95

وأما قول الرجل فيه والله إنك لتعطي من شئت فيحتمل أن يكون من الاعراب الجفاة الذين لا يدرون حدود ما أنزل الله على رسوله وفي هذا دليل على ما قال مالك إن من تولى تفريق الصدقات لم يعدم من يلومه قال وقد كنت أتولاها لنفسي فأوذيت فتركت ذلك وقد يجوز أن يكون منع النبي عليه السلام للرجل الذي منعه حين سأله من الصدقة لأنه كان غنيا لا تحل له أو ممن لا يجوز له أخذها لمعان الله ورسوله أعلم بها وفيه أن السؤال مكروه لمن له أوقية من فضة والأوقية إذا أطلقت فإنما يراد بها الفضة دون الذهب وغيره هذا قول العلماء الا ترى إلى حديث أبي سعيد الخدري ليس فيما دون خمس ذود صدقة (وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) ولا فيما دون خمس أواق صدقة (1) فلم يختلف العلماء أنه لم يعن بذلك الا الفضة دون غيرها وما علمت أن أحدا قال في الأوقية المذكورة في هذا الحديث أنه أريد بها غير الفضة وفي ذلك كفاية والأوقية أربعون درهما وهي بدراهمنا اليوم ستون درهما أو نحوها فمن سأل وله هذا الحد والعدد والقدر من الفضة أو ما يقوم مقامها ويكون عدلا منها فهو ملحف سأل الحافا
96

والالحاف في كلام العرب الالحاح لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك والالحاح على غير الله مذموم لأنه قد مدح الله بضده فقال * (لا يسألون الناس إلحافا) * ولهذا قلت إن السؤال لمن ملك هذا المقدار مكروه ولم أقل إنه حرام لا يحل لأن ما لا يحل يحرم الالحاح فيه وغير الالحاح ويحرم التعرض له وفيه وما علمت أحدا من أهل العلم إلا وهو يكره السؤال لمن ملك هذا المقدار من الفضة أو عدلها من الذهب فغير جائز لأحد ملك أربعين درهما أو عدلها من الذهب أن يسأل على ظاهر الحديث وما جاء من غير مسألة فجائز له أن يأكله (إن كان من غير الزكاة وهذا ما لا أعلم فيه خلافا فإن كان من الزكاة ففيه من الاختلاف ما نبينه إن شاء الله) ولا تحل الزكاة لغني الا لخمسة على ما ذكرنا في باب ربيعة وأما غير الزكاة من التطوع كله فذلك جائز للغني والفقير وقد جعل بعض أهل العلم الأربعين درهما حدا بين الغنى والفقر فقال ان الصدقة يعني الزكاة لا يحل أخذها لمن ملك أربعين درهما لأنه غنى إذا ملك ذلك وأظنه ذهب إلى هذا الحديث والله أعلم وهذا باب اختلف العلماء فيه ونحن نذكره ها هنا وبالله توفيقنا
97

فاما مالك رحمه الله فروى عنه ابن القاسم انه سئل هل يعطى من الزكاة من له أربعون درهما فقال نعم وهو المشهور من مذهب مالك وروى الواقدي عن مالك أنه قال لا يعطى من الزكاة من له أربعون درهما قال أبو عمر هذا يحتمل أن يكون قويا مكتسبا (حسن التصرف في هذه المسألة وفي الأولى ضعيفا عن الاكتساب) أو من له عيال والله أعلم وقد قال مالك في صاحب الدار التي ليس فيها فضل عن سكناه ولا في ثمنها فضل أن بيعت يعيش فيه بعد دار تحمله أنه يعطى من الزكاة قال وإن كانت الدار في ثمنها ما يشتري له به مسكن ويفضل له فضل يعيش به انه لا يعطى من الزكاة والخادم عنده كذلك وقوله أيضا هذا في الدار والخادم يحتمل التأويلين جميعا الا أن المعروف من مذهبه أنه لا يحد في الغنى حدا لا يجاوزه الا على قدر الاجتهاد والمعروف من أحوال الناس وكذلك يرد ما يعطى المسكين الواحد من الزكاة أيضا إلى الاجتهاد من غير توقيف
98

فأما الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور وأبو عبيد وأحمد بن حنبل والطبري فكلهم يقولون فيمن له الدار والخادم وهو لا يستغنى عنهما أنه يأخذ من الزكاة وتحل له ولم يفسروا هذا التفسير الذي فسره مالك الا أن الشافعي قال في كتاب الكفارات من كان له مسكن لا يستغنى عنه هو وأهله وخادم أعطى من كفارة اليمين والزكاة وصدقة الفطر قال وإن كان مسكنه يفضل عن حاجته وحاجة أهله الفضل الذي يكون بمثله غنيا لم يعط من ذلك شيئا فهذا القول ضارع قول مالك الا أن مالكا قال يفضل له من ذلك
فضل (يعيش به ولم يقل كم يعيش به والشافعي قال يفضل له من ذلك فضل) يكون به غنيا وروى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال يعطي من الزكاة من له المسكن والخادم ورواه الربيع عن الحسن وفسره أبو عبيد على نحو ما قال الشافعي وعن إبراهيم النخعي نحو قول الحسن في ذلك وعن سعيد بن جبير مثله واختلفوا في المقدار الذي تحرم به الصدقة لمن ملكه من الذهب والفضة وسائر العروض
99

فأما مالك فقد ذكرنا قوله في الأربعين درهما ولا اختلاف عنه في ذلك وكان الحسن البصري يقول من له أربعون درهما فهو غني وحجة من ذهب إلى أن يحد في هذا أربعين درهما حديث الأسدي المذكور في هذا الباب وهو حديث ثابت وقد رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أيضا حدثنا يعيش بن سعيد بن محمد قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن غالب التمتام (1) قال حدثنا إبراهيم بن بشار قال حدثنا سفيان عن داود (2) بن شابور عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من سأل وله أربعون درهما أو قيمتها فهو (3) الملحف
100

وذكر كلاما فيه تغليظ على السائل إذا ملك ذلك وقد ذكرنا حديث أبي سعيد الخدري بمثل ذلك أيضا وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تحل الصدقة لمن له مائتا درهم ولا بأس أن يأخذها من له أقل منها ويكرهون أن يعطى إنسان واحد من الزكاة مائتي درهم فإن اعطيها أجزأت عن المعطى عندهم ولا بأس أن يعطى أقل من مائتي درهم وهو قول ابن شبرمة وروى هشام عن أبي يوسف في رجل له (على رجل) مائة وتسعة وتسعون درهما فيتصدق عليه من زكاة بدرهمين انه يقبل واحدا ويرد واحدا ففي هذا إجازة ان يقبل تمام المائتين وكراهة ان يقبل ما فوقها وحجتهم في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم والغنى من له مائتا درهم لوجوب الزكاة عليه فيها لأنها لا تؤخذ الا من غني وكان الثوري والحسن بن صالح وابن المبارك وأحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه يقولون لا يعطى من الزكاة من له خمسون درهما أو عدلها من الذهب واحتجوا في ذلك بحديث عبد الله بن مسعود في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من سأل وهو غني جاءت يوم القيامة مسئلته خدوشا وكموشا أو كدوحا في وجهه قيل وما غناه أو ما الغنى
101

يا رسول الله قال خمسون درهما أو عدلها من الذهب (1) وهذا الحديث أنما يدور على حكيم بن جبير وهو متروك الحديث هكذا رواه جماعة أصحاب الثوري منهم ابن المبارك وغيره عن الثوري عن حكيم (2) بن جبير عن محمد (3) بن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود
102

الا يحيى بن آدم فإنه جعل فيه مع حكيم بن جبير زبيد الأيامى (1) ولا يجوز عند الثوري وأحمد بن حنبل والحسن بن صالح ومن قال بقولهم ان يعطى أحد من الزكاة أكثر من خمسين درهما لأنه الحد بين الغني والفقير عندهم والزكاة إنما جعلها الله للفقراء والمساكين وحرمها على الأغنياء الا الخمسة الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي ذكرهم في كتابنا هذا في موضعه إن شاء الله تعالى وقال عبيد الله بن الحسن من لا يكون له ما يقيمه ويكفيه سنة فإنه يعطي من الزكاة وما أعلم لهذا القول وجها الا أن يكون صاحبه عساه أخذه من حديث ابن شهاب عن مالك (2) بن أوس بن الحدثان عن عمر بن
103

الخطاب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخر مما أفاء الله عليه قوت (1) سنة ثم يجعل ما سوى ذلك في الكراع والسلاح مع قول الله عز وجل * (ووجدك عائلا فأغنى) * وقال الشافعي يعطى الرجل على قدر حاجته حتى يخرجه ذلك من حد الفقر إلى حد الغنى كان ذلك تجب فيه الزكاة أو لا تجب فيه الزكاة ولا أحد حد في ذلك حدا ذكره المزني والربيع جميعا عنه ولا خلاف عنه في ذلك وكان الشافعي يقول أيضا قد يكون الرجل بالدرهم غنيا مع كسبه ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله وقال الطبري لا يأخذ من الزكاة من له خمسون درهما أو عدلها ذهبا إذا كان على التصرف بها قادرا حتى يستغني عن الناس فإذا كان كذلك حرمت عليه الصدقة وأما إذا صرف الخمسين درهما في مسكن أو خادم أو ما لا يجد منه بدا وليس له سواها وكان على التصرف بها غير قادر حلت له الزكاة بحديث ابن مسعود (عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخمسين درهما وذكر حديث قبيصة بن المخارق لا تحل المسئلة لمن له سداد من عيش أو قوام من عيش فكأنه جعل السداد الخمسين درهما المذكورة في حديث ابن مسعود والله تعالى أعلم بهذا الظاهر من معنى قوله هذا
104

قال أبو عمر ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه في هذا الباب شيء يرفع الاشكال ولا ذكر أحد عنه ولا عنهم في ذلك نصا غير ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من كراهية السؤال وتحريمه لمن ملك مقدارا ما في آثار كثيرة مختلفة الالفاظ والمعاني فجعلها قوم من أهل العلم حدا بين الغني والفقير وأبى ذلك آخرون وقالوا إنما فيها تحريم السؤال أو كراهيته فاما من جاءه شيء من الصدقات من غير مسألة فجائز له أخذه وأكله ما لم يكن غنيا الغنى المعروف عند الناس فتحرم عليه حينئذ الزكاة دون التطوع ولا خلاف بين علماء المسلمين أن الصدقة المفروضة لا تحل لغني الا ما ذكر في حديث أبي سعيد الخدري على ما يأتي ذكره إن شاء الله في موضعه من كتابنا هذا واختلفوا في الصدقة التطوع هل تحل للغنى فمنهم من يرى التنزه عنها ومنهم من لم ير بها بأسا إذا جاءت من غير مسألة (لقوله صلى الله عليه وسلم لعمر ما جاءك من غير مسألة فكله وتموله فإنما هو رزق ساقه الله إليك) مع اجماعهم على أن السؤال لا يحل لغني معروف الغنى
105

وأكثر من كره صدقة التطوع إنما كرهها من أجل الامتنان ورأوا التنزه عن التطوع من الصدقات لما يلحق قابضها من ذل النفس والخضوع لمعطيها ونزعوا أو بعضهم بالحديث أن الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم فرأوا التنزه عنها ولم يجيزوا أخذها لمن استغنى عنها بالكفاف ما لم يضطروا إليها حتى لقد قال سفيان رحمه الله جوائز السلطان أحب إلي من صلات الاخوان لأنهم يمنون قال أبو عمر ويحتمل مع هذا أنه رأى أن له في بيت المال حقا والآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهته السؤال مطلقا أو لمن ملك مقدارا ما كثيرة جدا منها حديث الأسدي المذكور في هذا الباب لمالك عن زيد ابن أسلم ومنها حديث أبي سعيد على ما تقدم وفيها جميعا ذكر الأوقية أو عدلها وحديث ابن مسعود في الخمسين درهما أو عدلها من الذهب وحديث سهل بن الحنظلية أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من نار جهنم فقالوا يا رسول الله وما يغنيه (1) قال ما
106

يغذيه في أهله وما يعشيهم وحديث عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن رجل من مزينة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب وهو يقول من استغنى أغناه الله ومن استعف أعفه الله ومن سأل الناس وله عدل خمسة أوساق سأل الحافا وحديث قبيصة (1) بن المخارق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا قبيصة ان المسألة لا تحل الا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة فسأل حتى يصيبها أو يمسك ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة فسأل حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلانا الفاقة فقد حلت له المسألة فسأل حتى يصيب قواما أو سدادا من عيش ثم يمسك وما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا (2) وروى الفراسي أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أأسأل يا رسول الله قال لا وإن كنت لا بد سائلا فسل الصالحين (3) (وذكر الحديث)
107

وروى عوف بن مالك الأشجعي أنهم بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهم سبعة أو ثمانية) فأخذ عليهم أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ويصلوا الصلوات الخمس ويسمعوا ويطيعوا ولا يسألوا الناس شيئا (1) (قال فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه فما يسأل أحدا يناوله) وروى ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا تكفلت له بالجنة (2) وروى عمر بن الخطاب وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأله فكل وتصدق) (3) وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من آتاه الله شيئا من غير مسأله ولا استشراف فليأكل وليتمول فإنما هو رزق
108

ساقه الله اليه (1) وهذا معناه أن يكون فقيرا أو يكون الشيء الذي جاءه من غير مسألة ليس من الزكاة ان كان غنيا بدليل قوله صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغنى ولا لذي مرة سوى ويروى لذي مرة قوي (2) رواه (عبد الله) بن عمرو بن العاص ورواه أيضا عبيد (3) الله بن عدي بن الخيار عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه كلها آثار مشهورة صحاح معروفة عند أهل الحديث موجودة في المسانيد والمصنفات وأمهات الدواوين (ذكرها أبو داود وغيره كرهت الاتيان بأسانيدها لاشتهارها والسؤال عند أهل العلم مكروه لمن يجد منه بدا على كل حال
109

روينا عن ابن عباس من وجوه أنه أوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في وصيته له إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يأخذ أحدكم حبلا فيحتطب على ظهره خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه قال أبو عمر وما زال ذوو الهمم والأخطار من الرجال يتنزهون عن السؤال ولقد أحسن أبو الفضل (1) أحمد بن المعذل بن غيلان العبدي الفقيه المالكي حيث يقول
* التمس الأرزاق عند الذي
* ما دونه أن سيل من حاجب
* من يبغض التارك عن سؤله
* جودا ومن يرضى عن الطالب
* ومن إذا قال جرى قوله
* بغير توقيع إلى كاتب
*
110

قال أبو عمر كان أحمد بن المعذل شاعرا فقيها ناسكا وكان أخوه عبد الصمد شاعرا ماجنا ولاحمد قصيدته المشهورة في فضل الرباط ومن أحسن ما قيل نظما في الرضى والقناعة وذم السؤال قول بعض الأعراب
* علام سؤال الناس والرزق واسع
* وأنت صحيح لم تخنك الأصابع
* وللعيش أوكار وفي الأرض مذهب
* عريض وباب الرزق في الأرض واسع
* فكن طالبا للرزق من رازق الغنى
* وخل سؤال الناس فالله صانع
* وقال مسلم بن الوليد
* أقول لمأفون البديهة طائر
* مع الحرص لم يغنم ولم يتمول
* سل الناس إني سائل الله وحده
* وصائن عرضي عن فلان وعن فل
* وقال عبيد بن الأبرص
* من يسأل الناس يحرموه
* وسائل الله لا يخيب
*
111

ومن قصيدة للحسين بن حميد
* وسائل الناس إن جادوا وإن بخلوا
* فإنه برداء الذل مشتمل
* وقال أبو العتاهية فأحسن
* أتدري أي ذل في السؤال
* وفي بذل الوجوه إلى الرجال
* يعز علي التنزه من رعاه
* ويستغنى العفيف بغير مال
* تعالى الله يا سلم بن عمرو
* أذل الحرص أعناق الرجال
* وما دنياك الا مثل فيء
* أظلك ثم آذن بالزوال
* إذا كان النوال ببذل وجهي
* فلا قربت من ذاك النوال
* معاذ الله من خلق دنيء
* يكون الفضل فيه على لالي
* توق يدا تكون عليك فضلا
* فصانعها إليك عليك عالي
* يد تعلوا بجميل فعل
* كما علت اليمين على الشمال
*
112

* وجوه العيش من سعة وضيق
* وحسبك والتوسع في الحلال
* وتنكر أن تكون أخا نعيم
* وأنت تصيف في فيء الظلال
* وأنت تصيب قوتك في عفاف
* وريك إن ظمئت من الزلال
* متى تمسي وتصبح مسترحيا
* وأنت الدهر لا ترضى بحال
* تكابد جمع شيء بعد شيء وتبغى أن تكون رخى بال
* وقد يجزى قليل المال مجزى
* كثير المال في سد الخلال
* إذا كان القليل يسد فقري
* ولم أجد الكثير فلا أبالي
* هي الدنيا رأيت الحب فيها
* عواقبه التفرق عن تقال
* تسر إذا نظرت إلى هلال
* ونقصك إن نظرت إلى الهلال
*
113

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حفص بن عمر النمري قال حدثنا سعيد عن عبد الملك (1) بن عمير عن زيد (2) بن عقبة الفزاري عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك الا أن يسأل الرجل ذا السلطان أو في أمر لا يجد منه (3) بدا قال أبو عمر حديث سمرة هذا من أثبت ما يروى في هذا الباب وهو أصل عندهم في سؤال السلطان وقبول جوائزه وعمومه يقتضي كل
114

سلطان لم يخص من السلاطين صفة دون صفة وقد كان يعلم كثيرا مما يكون بعده ألا ترى إلى قوله سيكون بعدي أمراء الحديث فما لم يعلم الحرام عندهم بصفته جاز قبوله حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا عبد الله بن أبي حسان حدثنا مسلم حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقبل الجوائز من الأمراء وقبل جوائز الأمراء جماعة منهم الشعبي والحسن البصري وإباهيم النخعي وابن شهاب الزهري ويحيى بن سعيد ومالك بن أنس والأوزاعي وكان يحيى بن سعيد في ديوان الوليد وجماعة من العلماء كانوا في ديوان بني أمية وبني العباس في العطاء ذكر الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة قال حدثنا ابن عمير قال حدثنا ضمرة عن أبي جميلة قال ذكر الوليد ابن هشام لعمر بن عبد العزيز القاسم (1) بن مخيمرة قال فأرسل اليه فلما دخل عليه قال له عمر سل حاجتك قال يا أمير المؤمنين قد علمت ما جاء في المسألة قال ليس أنا ذلك إنما إنا
115

قاسم فسل حاجتك قال يا أمير المؤمنين أخذ مني قال قد أمرنا لك بخادم فخذها من عند الوليد بن هشام هكذا قال الحسن الحلواني وحدثنا علي بن حفص قال حدثنا الأشجعي عن سفيان عن منصور قال خرج إبراهيم النخعي وتميم بن سلمة إلى عامل حلوان فأعطاهما قال ففضل تميما على إبراهيم فوجد إبراهيم من ذلك في نفسه وذكر ابن أبي حاتم حديث أحمد (1) بن منصور الرمادي عن القعنبي قال سمعت يحيى (2) بن سليم الطائفي يحدث عن سفيان بن عيينة أن محمد بن إبراهيم يعني (الهاشمي) (3) واليا كان على مكة بعث إلى سفيان الثوري مائتي دينار فأبى أن يقبلها فقلت له يا أبا عبد الله كأنك لا تراها حلالا قال بلى ولكني أكره أن أذل وقال سفيان جوائز السلطان أحب إلى من صلة الاخوان لأنهم لا يمنون والاخوان يمنون
116

قال الحلواني وحدثنا عفان قال حدثنا معاذ قال حدثنا ابن عون قال أمر عمر بن عبد العزيز بمال للحسن ومحمد فلم يقبل محمد وقبل الحسن قال وحدثنا زيد بن الحباب عن سلام (1) بن مسكين قال بعث عمر بن عبد العزيز إلى الحسن ومحمد بن ثابت البناني ويزيد الرقاشي ويزيد الضبي بثمانمائة ثمانمائة وحلة حلة فقبلوا كلهم إلا محمد بن سيرين قال وحدثنا دحيم قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا ابن حاتم قال قدم علينا سليمان بن يسار في زمن الوليد بن عبد الملك فدعاه الوليد إلى منزله فصنع حماما ودخله فاطلى بنورة ثم خرج وانصرف إلى المنزل فتغذى معه أخبرنا محمد بن زكرياء قال أخبرنا أحمد بن سعد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا مروان بن عبد الملك قال حدثنا المفضل بن عبد الرحمن قال حدثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت قال رأيت هدايا المختار تأتي ابن عباس وابن عمر فيقبلانها
117

قال مروان وحدثنا محمد بن يحيى الأزدي قال حدثنا أبو نصر التمار (1) قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز التنوخي قال قال الحسن لا يرد عطاياهم الا أحمق أو مراء حدثنا محمد بن عبد العزيز وكان فاضلا قال سمعت ابن عيينة حدثنا أحمد بن زهير حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثنا محمد بن عبد العزيز وكان فاضلا قال سمعت ابن عيينة يقول من زعم أن سفيان لم يأخذ من السلطان أنا أخذت له منهم قال أبو عمر كان الثوري يحتج بقول ابن مسعود لك المهنأ وعليه المأثم وهذا لولا خروجنا بذكره عن معاني هذا الباب لذكرنا من ذلك ما يطول به الكتاب فقد جمعه (2) منهم أحمد بن خالد وغيره وروى عن بكير بن الأشج أنه كان يقبل هدية امرأة سوداء تبيع المزر بمصر قال لأني كنت أراها تغزل وقال الليث ان لم يكن له مال سوى الخمر فليكف عنه قال وأكره طعام العمال من جهة الورع من غير تحريم وقال القاسم بن محمد لو كانت الدنيا كلها حراما لما كان بد من العيش فيها
118

وقال مالك فكل من عمل للسلطان عملا فله رزقه من بيت المال قال فلا بأس بالجائزة يجاز بها الرجل يراه الامام بجائزته أهلا لعلم أو دين عليه ونحو ذلك قال أبو عمر أما من حد في الغنى حدا خمسين درهما أو أربعين درهما أو مائتي درهم وزعموا أن المرء غني بملكه هذا المقدار على اختلافهم فيه ومن قال أنه لا يعطى أحد من الفقراء أكثر من مائتي درهم أو أكثر من خمسين درهما من الزكاة فإنه يدخل على كل واحد منهم ما يرد قوله من حديث سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودى الأنصاري (1) المقتول بخيبر بمائة ناقة من إبل الصدقة ودفعها إلى أخيه عبد الله بن سهل قد نزع لهذا بعض أصحابنا وفي ذلك عندي نظر فاما من جعل المرء بملكه ما تجب فيه الصدقة غنيا لقوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فإنه يدخل عليه الاجماع على أن من ملك خمسة أوسق من شعير قيمتها خمسة دراهم أو نحوها مما لا يكون غنى عند أحد وكان ملكه إياها بزرعة لها في أرضه ولم يملك من حصاده غيرها ان الصدقة عليه فيها وإن لم يملك شيئا سوها وهذا عند جميعهم فقير مسكين غير غني وقد وجبت عليه الصدقة وهذا ينقض ما أصلوه وما ذهب اليه مالك والشافعي أولى بالصواب في هذا الباب والله أعلم
119

أخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أبو سعيد الأعرابي قال حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن رجلين قالا أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم نعم الصدقة فسألناه فصعد فينا البصر وصوب وقال ما شئتما فلا حق فيها لغني ولا لقوى مكتسب ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحل الصدقة لغنى ولا لذي مرة وبعضهم يقول فيه ولا لذي مرة قوى ومن أحسن ما رأيت (من أجوبة) (1) في معاني السؤال وكراهيته ومذاهب أهل الورع فيه ما حكاه الأثرم عن أحمد بن حنبل) أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عبد الحميد
بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسأل عن المسألة متى تحل فقال إذا لم يكن عنده ما يغذيه ويعشيه على حديث سهل ابن الحنظلية قيل لأبي عبد الله فإن اضطر إلى المسألة قال هي مباحة له إذا اضطر
120

قيل له فإن تعفف قال ذلك خير له ثم قال ما أظن أحدا يموت من الجوع الله يأتيه برزقه ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري من استعف أعفه الله وحديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له تعفف قال وسمعت أبا عبد الله وذكر حديث عبيد الله بن عدي ابن الخيار عن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه عن الصدقة فقال لهما إن شئتما ولا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب (1) فقال هذا أجودها أسنادا ثم قال قد يكون قويا ولا يكون مكتسبا لا يكون في يده حرفة ولا يقدر على شيء فهذا تحل له الصدقة وإن كان قويا إذا كان غير مكتسب فإن كان يقدر على أن يكتسب فهو مضيق عليه في المسألة فإذا غيب عليك أمره فلم تدر أيكتسب أم لا أعطيته وأخبرته بما يحرم عليه (قال أبو بكر) وسمعته يسال عن قوله ذي مرة قوي قال هو الصحيح ثم قال ما أحسنه وأجوده من حديث يعني حديث عبيد الله بن عدي ابن الخيار (وقد ذكرناه بسندنا فيه قبل هذا والحمد لله)
121

(أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر) قال وسمعت أبا عبد الله يقول لا تحل المسألة الا لأحد ثلاثة على حديث قبيصة بن المخارق حتى يصيب قواما أو سدادا من عيش قيل له ما السداد قال ما يعشيه قال أبو عمر هذا على نحو جواب مالك في هذا الباب قال أبو بكر وسمعته يعني أحمد بن حنبل يسال عن الرجل الذي لا يجد شيئا أيسأل أم يأكل الميتة فقال أيأكل الميتة وهو يجد من يسأله هذا شنيع قال وسمعته يسأل هل يسأل الرجل لغيره فقال لا ولكن يعرض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه قوم مجتابي النمار فقال تصدقوا ولم يقل أعطوهم قال أبو عمر قد قال صلى الله عليه وسلم اشفعوا تؤجروا (1) وفيه اطلاق السؤال لغيره والله أعلم وقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه (2)
122

قال أبو بكر قيل له يعني أحمد بن حنبل فالرجل يذكر الرجل فيقول أنه محتاج فقال هذا تعريض وليس به بأس فإنما المسألة أن تقول أعطه ثم قال لا يعجبني أن يسأل المرء لنفسه فكيف لغيره والتعريض ها هنا أعجب إلى قلت لأبي عبد الله رجل سأل وهو ممن تحل له المسألة فجاءه رجل بمائة درهم فقال هذا رزق ساقه الله اليه فإن كان من الزكاة فهذا يضيق على المعطي والمعطي فإن كان من عرض ماله فلا بأس به قال أبو عبد الله لا يأخذ من الصدقة من له خمسون درهما ولا يأخذ منها أكثر من خمسين درهما قيل له وما الأصل في أن لا يعطي أكثر من خمسين قال لأنه إذا أخذ خمسين صار غنيا الا أن يكون له عيال أو يكون غارما أو يكون عليه دين ثم قال حديث عبد الله بن مسعود في هذا حديث حسن واليه نذهب في الصدقة قلت له ورواه زبيد وهو لحكيم بن جبير فقط فقال رواه زبيد فيما قال يحيى بن آدم سمعت سفيان يقول فحدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد قلت لأبي عبد الله لم (يخبر به) محمد بن عبد الرحمن فقال لا قال وسمعته وذكر حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم من سأل وله أوقية أو قيمة أوقية فهو
123

ملحف (1) فقال هذا يقوى حديث عبد الله بن مسعود قيل لأبي عبد الله (حديث عبد الله بن مسعود) من حديث من هو فقال من حديث عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال قلت فإن كان رجل له عيال قال يعطى كل واحد منهم خمسين خمسين ومن كان له خمسون لم يعط منها شيئا وإن كان له دون خمسين بلغ الخمسين قيل له فإن كانت الخمسون لا تكفيه من سنة إلى سنة إنما تكفيه ثلاثة أشهر (أو نحوها) وهو يشتهي ان لا يحوجه إلى أحد فقال لا ينبغي أن يعطيه أكثر من خمسين فقلت انا للذي سأله إذا فنيت الخمسون أعطاه خمسين أخرى قال نعم إذا فنيت أعطاه أخرى قال أبو عمر أما اللقحة المذكورة في حديث هذا الباب قول الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية فاللقحة الناقة اللبون
124

(وذكر الحربي عن أبي نصر عن الأصمعي أنه قال لقاح الإبل أن تحمل سنة) قال أبو عمر قال أحبحة بن الجلاح
* تبوع للحليلة حيث كانت
* كما يعتاد لقحت الفصيل
*
*
125

حديث ثالث عشر لزيد بن أسلم مسند صحيح مالك عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة الأنصاري مثل حديث أبي النضر في الحمار الوحشي الا أن في حديث زيد بن أسلم قال هل معكم من لحمه شيء (1) هكذا هو في الموطأ وسيأتي حديث أبي النضر في بابه أن شاء الله وفي قوله صلى الله عليه وسلم هل معكم من لحمه شيء دليل على أن صيد البر للمحرم حلال إذا لم يصده الا أنه في هذا المعنى وفيما يصاد من أجل المحرم كلام وتعليل واختلاف بين العلماء يأتي ذلك إن شاء الله في باب حرف الميم عند ذكر حديث ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله وفي حرف السين عند ذكر أحاديث أبي النضر سالم مولى عمر بن عبيد الله وبالله العون واختلف في اسم أبي قتادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه في كتاب الصحابة والحمد لله كثيرا
126

حديث رابع عشر لزيد بن أسلم صحيح متصل مالك عن زيد ابن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط (1) قد ذكرنا عبد الله بن سعد بن أبي سرح في كتاب الصحابة بما يغني عن ذكره ها هنا وتوفي بفلسطين سنة ست وثلاثين وكان أخا عثمان لأمه وابنه عياض ثقة مأمون هكذا روى مالك هذا الحديث في موطئه عند جماعة رواته فيما علمت لم يقل فيه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حديث قد خرجه في المسند جماعة المصنفين من أهل العلم بالحديث لأنه قد صح فيه عن أبي سعيد ان
ذلك كان منه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم روى ذلك عنه من وجوه وشرطنا أن لا نترك ذكر مثل هذا في كتابنا أخبرنا عبد الله بن
127

محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا داود بن قيس (1) عن عياض (2) بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال كنا (3) نخرج إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب (فلم نزل) نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر وكان فيما كلم به الناس أن قال أني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر فأخذ الناس بذلك
128

قال أبو سعيد فأما أنا فلا أزال أخرجه أبدا ما عشت قال أبو داود رواه ابن علية وغيره عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان عن عياض عن أبي سعيد بمعناه وذكر فيه رجل واحد عن ابن علية أو صاعا من حنطة وليس بمحفوظ قال أبو داود وقد حدثناه مسدد عن إسماعيل بن علية ليس فيه ذكر الحنطة قال أبو داود وقد ذكر معاوية بن هشام في هذا الحديث عن الثوري عن زيد بن اسلم عن عياض عن أبي سعيد نصف صاع من بر وهو وهم من معاوية بن هشام أو ممن روى عنه قال أبو داود وحدثناه حامد بن يحيى عن سفيان بن عيينة عن ابن عجلان سمع عياضا عن أبي سعيد الخدري مثله وزاد فيه أو صاعا من دقيق قال حامد فأنكروا ذلك على سفيان فتركه قال أبو داود هذه الزيادة وهم من ابن عيينة أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان قال حدثنا ابن عجلان قال سمعت عياض
129

ابن عبد الله يخبر عن أبي سعيد الخدري قال لم يخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من زبيب أو صاع من دقيق أو صاع من سلت (1) ثم شك سفيان فقال من دقيق أو سلت قال أبو عمر لم ذكر فيه ابن عيينة صاعا من طعام وكذلك رواه يحيى القطان عن داود بن قيس لم يذكر الطعام وكذلك رواه عبد الله بن عبد الله بن عثمان عن عياض عن أبي سعيد ليس فيها من طعام وكذلك رواه الحارث بن أبي ذباب عن عياض عن أبي سعيد ليس فيها ذكر الطعام ورواه الثوري عن زيد بن أسلم فقال فيه من طعام كما قال مالك طعام (قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا يحيى قال حدثنا داود بن قيس عن عياض عن أبي سعيد الخدري قال لم نزل نخرج على
130

عهد الرسول صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر وصاعا من شعير وصاعا من أقط فلم نزل كذلك حتى كان معاوية بن أبي سفيان فقال أرى أن نصف صاع من سمراء (1) الشام يعدل صاع تمر (2) فأخذ به الناس خالفه وكيع عن داود بن قيس فذكر فيه صاعا من طعام كما قال القعنبي عن داود) أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال حدثنا وكيع عن سفيان عن زيد ابن أسلم عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط (3) قال أبو عمر هذا الثوري وموضعه من الحفظ وموضعه قد ذكر في هذا الحديث عن زيد بن أسلم كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا
131

رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك قال فيه كل من رواه فلذلك ذكرناه في المسند كما ذكره القوم وبالله التوفيق وقال فيه الثوري صاعا من طعام كما قال مالك وكما قال داود بن قيس فيما رواه عنه القعنبي (ورواه يحيى القطان عن داود بن قيس فلم يذكر فيه الطعام) قرأت على عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا أبو صالح وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عيسى بن حماد قالا جميعا أخبرنا الليث بن سعد قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم عن عياض بن عبد الله بن سعد حدثه أن أبا سعيد الخدري قال كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من الاقط لا نخرج (1) غيره
132

زاد عبد الوارث فلما كثر الطعام في زمن معاوية جعلوه مدى حنطة (أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد ابن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا هناد بن السري وأخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قالا جميعا أخبرنا وكيع عن داود ابن قيس الفراء عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط فلم نزل كذلك حتى قدم معاوية المدينة فكان فيما كلم به الناس قال ما أرى مدين من سمراء الشام الا تعدل صاعا من هذا قال فأخذ الناس به أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني هناد بن السري وبعضهم في بعض والمعنى سواء وفي حديث موسى بن معاوية زيادة قال أبو سعيد فلا أزال أخرجه كما كنت اخرجه ابدا ما عشت أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن علي بن حرب
133

المروزي قال أخبرنا محرز (1) بن الوضاح عن إسماعيل (2) بن أمية عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط (3) قال أبو عمر هذه الآثار كلها تدل على أن هذا الحديث مرفوع فلذلك ذكرناه في كتابنا هذا على شرطنا وذكر فيه زيد بن أسلم من رواية مالك والثوري صاعا من طعام وكذلك ذكر فيه داود بن قيس من رواية وكيع والقعنبي وكلهم ذكر فيه الشعير والتمر والأقط وزاد بعضهم فيه الزبيب وتأول أصحابنا وغيرهم في ذكر الطعام في حديث أبي سعيد هذا أنه الحنطة لأنه مقدم في الحديث ثم الشعير والتمر
134

والأقط بعده وكذلك اختلف الحسن وابن سيرين على ابن عباس في حديثه في صدقة الفطر فقال عنه ابن سيرين صاع من بر وقال عنه الحسن نصف صاع من بر وقال أبو
رجاء سمعت ابن عباس يخطب على منبركم يعني منبر البصرة يقول صدقة الفطر صاع من طعام فتأولوه أيضا على أنه البر ولم يسمع الحسن ولا ابن سيرين هذا الحديث من ابن عباس وقد سمعه منه أبو رجاء واما حديث ابن عمر فسيأتي في باب نافع من كتابنا هذا باختلاف ألفاظه وتخريج معانيه ونذكر هناك إن شاء الله احكام زكاة الفطر ووجوبها على الصغير والكبير والحر والعبد وما للعلماء في ذلك من التنازع والأقاويل بأتم ما يكون إن شاء الله ونذكر ها هنا اختلافهم في مكيلة صدقة الفطر وما الذي يخرج فيها من الحبوب وأصناف المأكول أو القيمة من العروض وغيرها وما لهم في ذلك من الأقاويل والاعتلال وبالله الحول وهو المستعان أجمع العلماء أن الشعير والتمر لا يجزء من أحدهما الا صاع كامل أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم واختلفوا في البر فقال مالك والشافعي وأصحابهما لا يجزء من البر ولا من غيره أقل من صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد بمده صلى الله عليه وسلم وهو قول البصريين وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابهما يجزئ من البر نصف صاع وروى ذلك عن جماعة من الصحابة وجماعة التابعين بالحجاز والعراق
135

وحجة من قال بالصاع من البر وغيره حديث أبي سعيد الخدري هذا وأنه ليس في شيء من الأحاديث الصحاح نصف صاع وحديث الزهري عن أبي سعيد عندهم لا يصح وفي حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم صاع من تمر أو صاع من شعير وكذلك حديث ابن عباس الصحيح فيه صاع لا نصف صاع والتمر والشعير كان قوت القوم في ذلك الوقت فواجب اعتبار القوت في كل زمان والقضاء منه بصاع كامل على ما في الآثار الصحاح عن ابن عمر وغيره منه بصاع كامل على ما في الآثار الصحاح عن ابن عمر وغيره وحجة من قال بنصف صاع من بر ما يروي عن ابن عمر أنه قال بعد أن ذكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير قال فعدل الناس به نصف صاع من بر والناس في ذلك الزمان كبار الصحابة وقد روى أن عمر عدل ذلك وقضى به وقيل إن ذلك إنما كان في زمن معاوية وقد ذكرنا من روى هذا في حديث ابن عمر من كتابنا هذا في باب نافع والحمد لله وكان الصحابة في زمن معاوية متوافرين لا يجوز عليهم الغلط في مثل هذا واحتجوا أيضا بحديث الزهري عن ابن أبي صغير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في صدقة الفطر
136

وصاع من بر عن (كل) اثنين أو صاع من شعير أو تمر عن كل واحد غنيا كان أو فقيرا (1) وهو حديث مضطرب (لا يثبت) واحتج أيضا من عقال بنصف صاع من بر بما روى عن سعيد ابن المسيب قال كانت صدقة الفطر تعطى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر نصف صاع من حنطة وروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة وجابر وابن الزبير ومعاوية نصف صاع من بر وفي الأسانيد عن بعضهم ضعف واختلاف وكذلك روى سعيد بن المسيب عطاء وطاوس ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير وأبو سلمة بن عبد الرحمن ومصعب بن سعد وغيرهم نصف صاع من بر وأما ابن عمر فكان لا يخرج في زكاة الفطر الا التمر الا مرة واحدة أعوزه التمر فأخرج شعيرا
137

وجملة قول مالك انه يؤدي ما كان جل عيش أهل بلده القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والزبيب والتمر والأقط قال ولا أرى لأهل مصر أن يدفعوا الا القمح لأن ذلك جل عيشهم الا أن يعلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير فيعطونه قال ويعطى صاعا من كل شيء ولا يعطى مكان ذلك عرضا من العروض قال أشهب وسئل مالك عن الذي يؤدي الشعير في زكاة الفطر فقال لا يؤدي الشعير الا أن يكون يأكله قيل فينقيه قال لا بل يؤديه على وجهه كما يأكله قيل له فان الناس يقولون مدان فقال القول ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكرت له الأحاديث التي تذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم في المدين من الحنطة فأنكرها وقال الشافعي أي قوت كان الأغلب على رجل أدى منه زكاة الفطر إن كان حنطة أو ذرة أو سلتا أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا أدى صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ولا يؤدي الا الحب لا يؤدي دقيقا ولا سويقا ولا قيمة قال فإن أدى أهل البادية الاقط لم يبن لي ان عليهم إعادة وقال أبو حنيفة يؤدي نصف صاع من بر أو دقيق أو سويق أو زبيب أو صاع من تمر أو شعير
138

وقال أبو يوسف ومحمد الزبيب بمنزلة التمر والشعير وما سوى ذلك يخرج بالقيمة قيمة ما ذكرنا من البر وغيره وقال الأوزاعي يؤدي كل إنسان مدين (من قمح) بمد أهل بلده وقال الليث مدين من قمح بمد هشام وأربعة أمداد من التمر (والشعير والأقط وقال أبو ثور الذي يخرج في زكاة الفطر) صاع من تمر أو شعير أو طعام أو زبيب أو أقط إن كان بدويا ولا يعطى قيمة شيء من هذه الأصناف وهو يجدها قال أبو عمر سكت أبو ثور عن ذكر البر وكان أحمد بن حنبل يستحب أخراج التمر (والأصل في هذا الباب ومداره على وجهين أحدهما اعتبار القوت وأنه لا يجوز الا الصاع من كل شيء منه لأنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الا الصاع وهذا قول مالك والشافعي والوجه الاخر اعتبار التمر والشعير وقيمتهما وعدلهما (على) (1) ما قال الكوفيون = وفي أخذ البدل والقيمة في الزكاة وفي صدقة الفطر كلام يطول واعتلال يكثر ليس هذا موضع ذكره وبالله التوفيق)
139

حديث خامس عشر لزيد بن أسلم مسند صحيح مالك عن زيد ابن أسلم عن ابن وعلة المصري أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب فقال ابن عباس أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الله حرمها قال لا قال فساره إنسان إلى جنبه فقال صلى الله عليه وسلم بم ساررته قال أمرته ببيعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الذي حرم شربها حرم بيعها قال ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما (1) ابن وعلة هذا اسمه عبد الرحمن بن وعلة السبئي (2) أصله من مصر ثم انتقل إلى المدينة وسكنها وهو في أهل المدينة معدود وكان ثقة من ثقات التابعين مأمونا على ما روى وحمل روى عنه
140

زيد ابن أسلم والقعقاع (1) بن حكيم وأبو الخير اليزني وغيرهم ذكر إسحق بن منصور عن ابن معين أنه قال عبد الرحمن ابن وعلة ثقة وفي هذا الحديث من الفقه ان ما يعصر من العنب يسمى خمرا في لسان العرب لكن الاسم الشرعي لا يقع عليها الا أن تغلى وترمى بالزبد ويسكر كثيرها أو قليلها وفي اللغة قد يسمى العنب خمرا لكن الحكم يتعلق بالاسم الشرعي دون اللغوي وفيه أن النهي من قبل الله إذا ورد فحكمه التحريم ألا أن يزيحه عن ذلك دليل يبين المراد منه الا ترى إلى قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم أما علمت أن الله حرمها ثم قال إن الذي حرم شربها حرم بيعها فاطلق عن الله تحريمها ولا خلاف بين علماء المسلمين ان تحريمها إنما ورد في سورة المائدة بلفظ النهي في قوله عز وجل * (إنما الخمر والميسر) * إلى * (فاجتنبوه لعلكم تفلحون) * والى * (فهل أنتم منتهون) * وهذه الآية نسخت كل لفظ ورد باباحتها نصا أو دليلا فنسخت ما جرى من ذكرها في سورة البقرة وسورة النساء وسورة النحل
141

وأجمعت الأمة على أن خمر العنب حرام في عينها قليلها وكثيرها فأغنى ذلك عن الاكثار فيها وقد تقدم في كتابنا هذا في باب (1) الألف (من ذلك) ما فيه كفاية (إن شاء الله تعالى) وفي هذا الحديث (دليل) أن الخمر لم تكن حراما حتى نزل تحريمها وفي سياقه الحديث ما يدل على أن ما سكت الله عن تحريمه فحلال وان أصل الأشياء على الإباحة حتى يرد المنع ألا ترى أن المهدي لراوية الخمر في هذا الحديث إنما أهداها اعتقادا منه للإباحة ولا خلاف بين أهل الاسلام ان الخمر لم ينزل الله في كتابه أنه أمر بشربها ثم نسخ ذلك بتحريمها وفي اجماعهم على ذلك دليل على صحة ما قلنا وإن ما عفا الله عنه وسكت فداخل في باب الإباحة الا ترى إلى (قول) سعيد بن جبير حيث قال كان الناس على أمر جاهليتهم حتى يؤمروا أو ينهوا وسؤال الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر في أول الاسلام إنما كان لما كانوا يجدونه من الشر والسفة عند
142

شربها على ما جاء منصوصا في الآثار في تفسير قوله * (يسألونك عن الخمر والميسر) * الآية وفيه أيضا دليل أن كل ما لا يجوز أكله أو شربه من المأكولات والمشروبات لا يجوز بيعه ولا يحل ثمنه لقوله عليه السلام إن الذي حرم شربها حرم بيعها ويوضح ذلك أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال لعن الله اليهود ثلاثا حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم ثمنه (1) وقد احتج عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمثل هذا حين بلغه ان سمرة باع خمرا فقال قاتل الله سمرة أو ما علم أو ما سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم (فجملوها) فباعوها وأكلوا أثمانها حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة قال حدثنا الليث عن يزيد ابن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو
143

بمكة ان الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام (1) وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال إن الله حرم الخمر وثمنها وحرم الخنزير وثمنه (2) وجميع العلماء على تحريم بيع الدم والخمر وفي ذلك أيضا دليل على تحريم بيع العذرات وسائر النجاسات وما لا يحل أكله ولهذا والله أعلم كره مالك بيع زبل الدواب ورخص فيه ابن القاسم لما فيه من المنفعة والقياس ما قاله مالك وهو مذهب الشافعي وظاهر هذا الحديث شاهد لصحة ذلك فلم أر وجها لذكر اختلاف الفقهاء في بيع السرجين والزبل ها هنا لأن كل قول تعارضه السنة وتدفعه ولا دليل عليه من مثلها لا وجه له قال الله عز وجل
144

* (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) * حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف المدني قال حدثني زيد ابن أسلم مولى عمر عن عبد الرحمن بن وعلة رجل من أهل مصر أنه جاء إلى عبد الله بن عباس فقال أن لنا كروما فكيف ترى في بيع الخمر فقال ابن عباس رأيت رجلا من دوس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أهديت لك هدية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هي قال راوية خمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرت أن الله تعالى قد حرم الخمر بعدك فأمر الدوسي بها غلامه يبيعها فلما ولى بها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا أمرت بها قال أمرت ببيعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرت أن الذي حرم شربها حرم بيعها وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الاثم مرفوع عمن لم يعلم قال الله عز وجل * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * ومن أمكنه التعلم ولم يتعلم اثم والله أعلم وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الخمر لا يجوز لأحد تخليلها ولو جاز (لاحد) تخليلها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم ليدع الرجل أن يفتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما
145

لأن الخل مال وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن يخللها لقوله صلى الله عليه وسلم نعم الادام الخل (1) ولأنه صلى الله عليه وسلم أنصح الناس للناس وأدلهم على قليل الخير وكثيره وذكر ابن وضاح ان سحنون كان يذهب هذا المذهب وقد اختلف الفقهاء في تخليل الخمر فقال مالك فيما روى عنه ابن القاسم وابن وهب لا يحل لمسلم ان يخلل الخمر ولكن يهريقها فإن صارت خلا بغير علاج فهو حلالا لا بأس به وهو قول الشافعي وعبيد الله بن الحسن البصري وأحمد بن حنبل وروى أشهب عن مالك قال إذا خلل النصراني خمرا فلا بأس بأكله وكذلك إن خللها مسلم واستغفر الله وهذه الرواية ذكرها ابن عبد الحكم في كتابه وقال ابن وهب سمعت مالكا يقول فيمن اشترى قلال خل فوجد فيها قلة خمر قال لا يجعل فيها شيء يخللها قال ولا يحل للمسلم أن يعالج الخمر حتى يجعلها خلا ولا يبيعها ولكن يهرقها فإن فات علاجها (بعد أن وجدت خمرا) من غير علاج فإنها حلال لا بأس بها إن شاء الله
146

قال ابن وهب وهو قول عمر بن الخطاب والزهري وربيعة وكان أبو حنيفة والثوري (والأوزاعي) والليث بن سعيد لا يرون بأسا بتخليل الخمر وقال أبو حنيفة أن طرح فيها السمك والملح فصارت مريا وتحولت عن حال الخمر جاز وخالفه محمد بن الحسن في المري وقال لا يعالج الخمر بغير تحويلها إلى الخل وحده قال أبو عمر الصحيح عندي في هذه المسئلة ما قاله مالك في رواية ابن القاسم وابن وهب عنه والدليل على ذلك ما رواه الثوري عن السدى عن أبي هبيرة (1) عن أنس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي حجره يتيم وكان عنده خمر له حين حرمت فقال يا رسول الله نصنعها خلا (2) قال لا فصبها حتى سال الوادي وروى مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري قال كان عندي خمر لأيتام فلما نزل تحريم الخمر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نهريقها
147

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا زهير بن حرب قال حدثنا وكيع عن سفيان عن السدى عن أبي هبيرة عن أنس بن مالك أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال أهرقها قال أفلا أجعلها خلا (1) قال لا قال أبو عمر أبو هبيرة هذا هو يحيى بن عباد ثقة حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن السدى عن يحيى بن عباد عن أنس بن مالك قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلا قال لا (2) وأخبرني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا أبو أسامة في سنة مائتين بعد قتل أبي السرايا بأشهر قال حدثنا مجالد
148

ابن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال كان عندنا خمر ليتيم فلما نزلت الآية التي في سورة المائدة سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلنا) أنه ليتيم فقال أهريقوها وروى معمر عن ثابت وقتادة عن أنس قال لما حرمت الخمر جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان عندي مال يتيم فاشتريت به خمرا فتأذن لي أن أبيعها فأرد على اليتيم ماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ولم يأذن لهم النبي صلى الله عليه وسلم في بيع الخمر وذكر أبو عبد الله المروزي قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو بكر الحنفي قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال حدثني شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن تميم الداري أنه قال أهدى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راوية من خمر فلما كان العام الذي حرمت جاء براوية خمر فلما نظر اليه ضحك وقال هل شعرت انها قد حرمت فقال يا رسول الله أفلا أبيعها وانتفع بثمنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود ثلاث مرات انطلقوا إلى ما حرم الله من شحوم البقر والغنم فأذابوه وجعلوه أهالة فابتاعوا به ما يأكلون وإن الخمر حرام وثمنها حرام
149

قال أبو عبد الله وحدثنا إسحاق قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا مطيع الغزال عن الشعبي عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال لا تحل التجارة في شيء لا يحل أكله وشربه قال وحدثنا يحيى بن يحيى قال حدثنا هشيم عن مطيع ابن عبد الله قال سمعت الشعبي يحدث عن ابن عمر (عن عمر) فذكره فهذه الآثار كلها تدل على أن من ورث خمرا من المسلمين وصارت بيده أهرقها ولم يحبسها ولا خللها وذلك دليل على فساد قول من قال يخللها فاما إذا تخللت من ذاتها بغير صنع آدمي فقد روى فيها عن عمر ما تسكن النفس اليه وقال به مالك والشافعي وأكثر فقهاء الحجاز على ما قدمنا ذكره في باب إسحق والحمد لله واحتج العراقيون في تخليل الخمر بابي الدرداء وهو حديث يروى عن أبي إدريس الخولاني عن أبي الدرداء من وجه ليس بالقوي أنه يأكل المري الذي جعل فيه الخمر ويقول دبغته الخل والملح وهذا ومثله لا حجة في شيء منه إذا كان مخالفا لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا كثيرا من معاني هذا الباب مجودا في باب إسحق وذلك يغني عن تكريره ها هنا
150

وذكر ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال لا خير في خل من خمر أفسدت حتى يكون الله الذي أفسدها قال وحديث ابن أبي ذئيب عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد عن أسلم مولى عمر بن الخطاب (عن عمر بن الخطاب) قال لا تؤكل خمر أفسدت ولا شيء منها حتى يكون الله تولى افسادها وروى الحسن بن أبي الحسن عن عثمان بن أبي العاصي أن تاجرا اشترى خمرا فأمره ان يصبها في دجلة فقالوا ألا تأمره أن يجعلها خلا فنهاه عن ذلك فهذا عمر بن الخطاب وعثمان ابن أبي العاصي يخالفان أبا الدرداء في تخليل الخمر وليس في أحد حجة مع السنة وبالله التوفيق وقد يحتمل ان يكون المنع من تخليلها كان في بدء الأمر عند نزول تحريمها لئلا يستدام حبسها بقرب العهد بشربها إرادة لقطع العادة في ذلك وإذا كان هذا هكذا لم يكن في النهي عن تخليلها حينئذ والأمر بارقتها ما يمنع من أكلها إذا تخللت ولم يسئل عن خمر تخللت فنهى عن ذلك والله تعالى الموفق للصواب (لا شريك له)
151

حديث سادس عشر لزيد بن أسلم مسند صحيح مالك عن زيد ابن أسلم عن ابن وعلة المصري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دبغ الإهاب فقد طهر (1) قد تقدم القول في هذا الاسناد وسماع ابن وعلة من ابن عباس صحيح روى هذا الحديث عن زيد ابن أسلم جماعة منهم ابن عيينة وهشام بن سعد وسليمان بن بلال ورواه عن ابن وعلة جماعة منهم القعقاع بن حكيم وأبو الخير (اليزني) وزيد بن أسلم ومعلوم أن المقصود بهذا الحديث ما لم يكن طاهرا من الاهب (2) كجلود الميتات وما لا تعمل فيه الذكاة من
152

السباع عند من حرمها لأن الطاهر لا يحتاج الدباغ للتطهير ومستحيل ان يقال في الجلد الطاهر انه إذا دبغ فقد طهر (وهذا يكاد علمه أن يكون ضرورة وفي قوله صلى الله عليه وسلم أيما أهاب دبغ فقد طهر) نص ودليل فالنص طهارة الإهاب بالدباغ والدليل منه أن كل اهاب لم يدبغ فليس بطاهر وإذا لم يكن طاهرا فهو نجس والنجس رجس محرم فبهذا علمنا أن المقصود بذلك القول جلود الميتة وإذا كان ذلك كذلك كان هذا الحديث معارضا لرواية من روى في (هذه الشاة) الميتة إنما حرم أكلها (ولرواية من روى في الميتة إنما حرم أكلها) ولرواية من روى إنما حرم لحمها ومبينا المراد (الله تعالى في قوله عز وجل * (حرمت عليكم الميتة) * كما كان قوله صلى الله عليه وسلم لا قطع الا في ربع دينار فصاعدا بيانا لقول الله عز وجل * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) * وبطل بنص هذا الحديث قول من قال أن الجلد من الميتة لا ينتفع به بعد الدباغ
153

وبطل بالدليل منه قول من قال إن جلد الميتة وإن لم يدبغ يستمتع به وينتفع وهو قول روى عن ابن شهاب والليث بن سعد وهو مشهور عنهما على أنه قد روى عنهما خلافه والأشهر عنهما ما ذكرنا ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس حديث شاة ميمونة وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على شاة لميمونة (ميتة) فقال ألا استمتعتم بإهابها قالوا وكيف يا رسول الله وهي ميتة قال إنما حرم لحمها (1) قال معمر وكان الزهري ينكر الدباغ ويقول ليستمتع به على كل حال قال أبو عبد الله المروزي وما علمت أحدا قال ذلك قبل الزهري وروى الليث عن يونس بن يزيد قال سألت ابن شهاب عن جلد الميتة فقال حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد شاة ميتة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا انتفعتم بجلدها قالوا
إنها ميتة قال إنما حرم أكلها (2)
154

قال ابن شهاب لا نرى منها بالسقاء بأسا ولا ببيع جلدها وابتياعه وعمل الفراء منها قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث معمر ويونس ومالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس في قصة شاة ميمونة لم يذكروا الدباغ أيضا والدباغ موجود في حديث ابن عيينة والأوزاعي وعقيل والزبيدي وسليمان (1) بن كثير وزيادة من حفط مقبولة وذكر الدباغ أيضا موجود في هذه القصة من حديث عطاء عن ابن عباس روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاة مطروحة من الصدقة قال أفلا أخذوا اهابها فدبغوه فانتفعوا به (2) وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال أخبرتني ميمونة أن شاة ماتت فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا دبغتم
155

اهابها فجاء (ذكر) الدباغ في هذا الحديث عن ابن عباس من وجوه صحاح ثابتة وكان ابن شهاب يذهب إلى ظاهر الحديث في قوله إنما حرم أكلها وكان الليث بن سعد يقول بقول ابن شهاب في ذلك ذكر الطحاوي قال وقال الليث بن سعد لا بأس ببيع جلود الميتة قبل الدباغ إذا يبست لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن في الانتفاع بها والبيع من الانتفاع قال أبو جعفر الطحاوي ولم نجد عن واحد من الفقهاء جواز بيع جلود الميتة قبل الدباغ الا عن الليث قال أبو عمر يعني من الفقهاء أئمة الفتوى بالامصار بعد التابعين وأما ابن شهاب فذلك عنه صحيح على ما تقدم ذكره وهو قول يأباه جمهور العلماء وقد ذكر ابن عبد الحكم عن مالك ما يشبه مذهب ابن شهاب في ذلك وذكره ابن خويز منداد في كتابه عن ابن عبد الحكم أيضا قال من اشترى جلد (ميتة) فدبغه وقطعه نعالا فلا يبعه حتى يبين فهذا يدل على أن مذهبه جواز بيع جلد الميتة قبل الدباغ وبعد الدباغ قال ابن خويز منداد وهو قول الزهري والليث بن سعد قال والظاهر من مذهب مالك غير ما حكاه ابن عبد الحكم وهو أن الدباغ لا يطهر جلد
156

الميتة ولكن يبيح الانتفاع بها في الأشياء اليابسة ولا يصلي عليه ولا يؤكل فيه هذا هو الظاهر من مذهب مالك وفي المدونة لابن القاسم من اغتصب جلد ميتة غير مدبوغ فاتلفه كان عليه قيمته وحكى ان ذلك قول مالك وذكر أبو الفرج أن مالكا قال من اغتصب لرجل جلد ميتة غير مدبوغ فلا شيء عليه قال إسماعيل الا أن يكون لمجوسي قال أبو عمر ليس في تقصير من قصر عن ذكر الدباغ في حديث ابن عباس حجة على من ذكره لأن من أثبت شيئا هو حجة على من لم يثبته والآثار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإباحة الانتفاع بجلد الميتة بشرط الدباغ كثيرة جدا منها ما ذكرنا عن ابن عباس من رواية ابن وعلة ومن رواية عطاء ومنها حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت (1) رواه مالك عن
157

يزيد (1) بن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه عن عائشة وروى إسرائيل عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دباغ جلود الميتة ذكاتها (2) ورواه شريك عن الأعمش عن عمارة (3) بن عمير عن الأسود عن عائشة ومنها حديث ميمونة من غير حديث ابن عباس روى ابن وهب
158

قال أخبرني عمرو بن الحرث والليث بن سعد عن كثير (1) ابن فرقد إن عبد الله (2) بن مالك بن حذافة حدثه عن أمه العالية (3) بنت سبيع أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثتها أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من قريش يجرون شاة (4) لهم مثل الحمار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو اتخذتم اهابها قالوا إنها ميتة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطهرها الماء والقرظ (5)
159

وحدثنا سعيد بن نصر و عبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر وأحمد بن زهير قال حدثنا الحسين بن محمد المروزي قال حدثنا شريك عن الأعمش عن عمار بن عمير عن الأسود عن عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جلود الميتة فقال دباغها طهورها (1) خالفا شريك إسرائيل في إسناده وروى منصور عن الحسن عن جون (2) بن قتادة عن سلمة (3) بن المحبق ورواه شعبة وهشام وغيرهما عن قتادة عن الحسن عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك أتى أهل بيت فدعا بماء عند امرأة فقالت ما عندي ماء الا قربة ميتة فقال أوليس قد دبغته
160

قالت بلى قال فإن ذكاته دباغه هذا لفظ حديث هشام وفي حديث شعبة دباغه طهوره وفي رواية منصور عن الحسن قال ذكاة الأديم دباغه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن مسعر عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن ابن عباس عن النبي (في جلد الميتة) ان دباغه اذهب خبثه ورجسه أو نجسه (1) والآثار بهذا أيضا عن الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين كثيرة جدا فلا وجه لمن قصر عن ذكر الدباغ ولا لمن ذهب إلى ذلك ويقال لمن قال بما روى عن ابن شهاب من إباحة الانتفاع بجلود الميتة قبل الدباغ أتقول إن جلد الشاة لا يموت بموت الشاة وإنه كاللبن أو الصوف فإن قال نعم بان جهله ولزمه مثل ذلك في اللحم والشحم ومعلوم أن الجلد فيه دسم وودك وأكله لمن شاء ممكن كامكان اللحم والشحم ولا فرق بين الجلد واللحم في قياس ولا نظر ولا معقول لأن الدم جار في
161

الجلد كما هو (جار) في اللحم وإن قال إن الجلد يموت بموت الشاة كما يموت اللحم قبل له فالله عز وجل قد حرم الميتة وتحريمه على الاطلاق الا أن يخص شيئا من ذلك دليل وقد خص الجلد بعد الدباغ والأصل في الميتة عموم التحريم ولم يخص أهابها بشيء يصح ويثبت الا بعد الدباغ ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم ذكاة الأديم طهور وقوله عليه السلام دباغه أذهب خبثه ونجسه وفي هذا دليل على أنه قبل الدباغ رجس نجس غير طاهر وما كان كذلك لم يجز بيعه ولا شراؤه والأمر في هذا واضح وعليه فقهاء الحجاز والعراق والشام ولا أعلم فيه خلافا الا ما قد بينا ذكره عن ابن شهاب والليث ورواية شاذة عن مالك وفي هذه المسئلة قول ثالث قالت به طائفة من أهل الآثار وذهب اليه أحمد بن حنبل وهو في الشذوذ قريب من القول الأول وذلك أنهم ذهبوا إلى تحريم الجلد وتحريم الانتفاع به قبل الدباغ وبعده واحتجوا من الأثر بما حدثناه أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة عن
الحكم عن عبد الرحمن بن أبي
162

ليلى عن عبد الله (1) بن عكيم قال قرىء علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض جهينة وأنا غلام شاب أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب (2) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال وحدثنا محمد بن إسماعيل مولى بني هاشم قال حدثنا الثقفي عن خالد عن الحكم بن عتيبة أنه انطلق هو وناس معه إلى عبد الله بن عكيم رجل من جهينة قال الحكم فدخلوا وقعدت على الباب فخرجوا إلي فأخبروني أن عبد الله بن عكيم أخبرهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى جهينة قبل موته بشهر (أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب) (3)
163

قال أبو عمر هكذا قال خالد الحذاء عن الحكم قال انطلقت مع الأشياخ حتى اتينا عبد الله بن عكيم وهذا لفظ حديث معتمر بن سليمان عن خالد والمعنى واحد وقال شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى على ما تقدم وكذلك وراه منصور بن المعتمر عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم ورواه القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عكيم قال حدثنا مشيخة لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليهم أن لا ينتفعوا من الميتة بشيء (1) وهذا اضطراب كما ترى يوجب التوقف عن العمل بمثل هذا الخبر (وقال داود بن علي سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فضعفه وقال ليس بشيء إنما يقول حدثني الأشياخ قال أبو عمر) ولو كان ثابتا لاحتمل أن يكون مخالفا للأحاديث التي ذكرنا من رواية ابن عباس وعائشة وسلمة بن المحبق وغيرهم عن
164

النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح الانتفاع بجلود الميتة إذا دبغت وقال دباغها طهورها لأنه جائز أن يكون معنى حديث ابن عكيم أن لا ينتفعوا من الميتة باهاب قبل الدباغ وإذا حتمل أن لا يكون مخالفا له فليس لنا أن نجعله مخالفا وعلينا ان نستعمل الخبرين ما أمكن استعمالهما وممكن استعمالهما بأن نجعل خبر ابن عكيم في النهي عن جلود الميتة قبل الدباغ ونستعمل خبر ابن عباس وغيره في الانتفاع بها بعدالدباغ فكان قوله صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة بإهاب قبل الدباغ ثم جاءت رخصة الدباغ وحديث عبد الله بن عكيم وإن كان قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر كما جاء في الخبر فممكن أن تكون قصة ميمونة (وسماع ابن عباس منه قوله أيما إهاب قد دبغ فقد طهر) قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بجمعة أو دون جمعة والله أعلم وروى من حديثا بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن عكيم وإسناده ليس بالقوي وقال بعض من ذهب مذهب ابن حنبل في هذا الباب قد روى عن عمر وابن عمر وعائشة
165

كراهية لباس الفراء من غير الذكي (1) قال وذلك دليل على أن الدباغ لا يطهر الجلد ولا يذهب بنجاسته وذكر ما رواه إسحاق بن راهويه قال حدثنا ابن أبي عدي عن الأشعث عن محمد قال كان ممن يكره الصلاة في الجلد إذا لم يكن ذكيا عمر وابن عمر وعائشة وعمران بن حصين وأسير (2) بن جابر وروى الحكم وغيره عن زيد (3) بن وهب قال أتانا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بأذربيجان أن لا تلبسوا الا ذكيا قال وكانت عائشة تكره الصلاة في جلود الميتة وتكره لباس الفراء منها قال لها محمد بن الأشعث ألا نهدي لك من الفراء
166

التي عندنا فقالت اخشى أن تكون ميتة فقال ألا نذبح لك من غنمنا قالت بلى واحتج بأن الله عز وجل حرم الميتة تحريما عاما لم يخص منها شيئا بعد شيء فكان ذلك واقعا على الجلد واللحم جميعا واحتج أيضا بقول الله عز وجل لموسى عليه السلام * (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) * وبقول كعب وغيره كانت نعلا موسى من جلد حمار ميت هذا كله ما احتج به بعض من ذهب مذهب أحمد بن حنبل في هذا الباب وقال إن حديث ابن عباس مختلف فيه لأن قوما يقولون عن ابن عباس عن ميمونة وقوما يقولون عن ابن عباس عن سودة وقوما يقولون عن ابن عباس عن سودة ومرة جعلوها لميمونة ومرة يجعلون الشاة لسودة ومرة جعلوها لمولاة ميمونة ومرة قالوا عن ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر هذا كله ليس باختلاف يضر لأن الغرض صحيح والمقصد واضح ثابت وهو أن الدباغ يطهر إهاب الميتة وسواء كانت
167

الشاة لميمونة (أو لسودة) أو لمن شاء الله وممكن أن يكون ذلك كله (أو بعضه) وممكن أن يسمع ابن عباس بعد ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حكاه عنه ابن وعلة قوله أيما اهاب دبغ فقد طهر وذلك ثابت عنه صلى الله عليه وسلم وإذا ثبت ذلك فقد ثبت تخصيص الجلد بشرط الدباغ من جملة تحريم الميتة والسنة هي المبينة عن الله مراده من مجملات خطابه وأما ما روى عن عمر وابن عمر وعائشة في كراهية لباس ما لم يكن ذكيا من الفراء فيحمل ذلك عندنا على التنزه والاختيار والاستحباب لأنهم قد روى عنهم خلاف ما تقدم وتهذيب الآثار عنهم أن تحمل على ما ذكرنا وروى شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي يحيى الهذلي عن أبي وائل عن عمر قال دباغ الأديم ذكاته (1)
168

وروى هشام وهمام عن قتادة عن حسان بن بلال عن ابن عمر قال دباغ الأديم ذكاته وروى جرير عن منصور عن إبراهيم (عن الأسود عن عائشة أنه سألها عن الفراء فقالت لعل دباغه طهروه وهذا أشبه عن عائشة وأولى لأن الأعمش يروى عن إبراهيم) وعمارة بن عمير جميعا عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم دباغ الأديم ذكاته وأكثر أحوال الرواية عن عمر وابن عمر وعائشة أن تحمل على الاختلاف فيسقطها والحجة فيما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره وأما ما ذكروه من نعلي موسى صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه لأنهما لم يكونا من جلد مدبوغ (وإنما كانت الحجة تلزم لو أنهما كانتا من جلد ميتة مدبوغ) هذا على أن في شريعتنا ومنهاجنا الذي أمرنا باتباعه قوله صلى الله عليه وسلم أيما أهاب دبغ فقد طهر (1) ذكر الأثرم قال سمعت أبا عبد الله يسئل عن رجل يقدم وعليه جلود الثعالب أو غيرها من جلود الميتة المدبوغة فقال إن كان لبسه وهو يتنأول أيما إهاب دبغ فقد طهر فلا بأس إن
169

يصلي خلفه قيل له فتراه أنت جائزا قال لا نحن لا نراه جائزا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ولكنه إذا كان يتأول فلا بأس أن يصلي خلفه فقيل له كيف وهو مخطيء في تأويله فقال وإن كان مخطئا في تأويله ليس من تأول كمن لا يتأول ثم قال كل من تأول شيئا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم
وعن أصحابه أو عن أحدهم فيذهب اليه فلا بأس أن يصلي خلفه وإن قلنا نحن خلافه من وجه آخر لأنه قد تأول قيل له فإن من الناس من يقول ليس جلد الثعالب بإهاب فنفض يده وقال ما أدري أي شيءهذا القول ثم قال أبو عبد الله من تأول فلا بأس أن يصلي خلفه يعني إذا كان تأويله له وجه في السنة (قال أبو عمر ما أنكره أحمد من قول القائل إن جلود الثعالب لا يقال للجلد منها إهاب هو قول يحكى عن النضر بن شميل أنه قال إنما الإهاب جلد ما يؤكل لحمه من الانعام وأما ما لا يؤكل لحمه فإنما هو جلد ومسك (1) وقد أنكرت طائفة من أهل العلم قول النضر بن شميل هذا وزعمت أن العرب تسمي كل جلد إهابا واحتجت بقول عنترة
* فشككت بالرمح الطويل إهابه
* ليس الكريم على القنا بمحرم
*
170

واختلف الفقهاء أيضا بعد ما ذكرنا في حكم طهارة الجلد المذكور بعد الدباغ هل هي طهارة كاملة في كل شيء كالمذكي أو هي طهارة ضرورة تبيح الانتفاع به في شيء دون شيء فذكر أبو عبد الله محمد بن نصر قال والى جواز الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ في كل شيء من البيع وغيره وكراهية الانتفاع بها قبل الدباغ ذهب أكثر أهل العلم من التابعين وهو قول يحيى ابن سعيد الأنصاري وعامة علماء الحجاز وقال حدثنا إسحاق قال حدثنا عبد الله بن وهب عن حيوة بن شريح عن خالد بن أبي عمران أنه قال سألت القاسم وسالما عن جلود الميتة إذا دبغت أيحل ما يجعل فيها قالا نعم ويحل ثمنها إذا بينت مما كانت قال وحدثنا إبراهيم (1) بن الحسن العلاف قال حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال لا يختلف عندنا بالمدينة أن دباغ جلود الميتة طهورها قال وقد روي عن الزهري مثل ذلك حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا الوليد بن الوليد بن زيد العبسي مولى لهم دمشقي قال سألت الأوزاعي عن جلود الميتة فقال حدثني الزهري أن دباغها طهروها
171

قال أبو عبد الله وكذلك قال الأوزاعي والليث بن سعد وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وكذلك قال الشافعي وأصحابه وابن المبارك وإسحق بن إبراهيم وهو قول مالك ابن أنس الا أن مالكا من بين هؤلاء كان يرخص في الانتفاع بها بعد الدباغ ولا يرى الصلاة فيها ويكره بيعها وشراءها قال أبو عبد الله وسائر من ذكرنا جعلها طاهرة بعد الدباغ وأطلق الانتفاع بها في كل شيء وهو القول الذي نختاره ونذهب اليه قال أبو عمر قوله اطلق الانتفاع بها في كل شيء يعني الوضوء فيها والصلاة فيها وبيعها وشراءها وسائر وجوه الانتفاع بها وبثمنها (كالجلود) المذكاة سواء (وعلى هذا أكثر أهل العلم بالحجاز والعراق من أهل الفقه والحديث وممن قال بهذا الثوري والأوزاعي و عبد الله بن الحسن العنبري والحسن ابن حي وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وهو قول داود ابن علي والطبري وإليه ذهب ابن وهب صاحب مالك كل هؤلاء يقولون دباغ الإهاب طهوره للصلاة والوضوء والبيع وكل شيء
172

وذكر ابن وهب في موطئه عن ابن لهيعة وحيوة بن شريح جميعا عن خالد بن أبي عمران قال سألت القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله عن جلود الميتة إذا دبغت آكل ما جعل فيها قالا نعم ويحل ثمنها إذا بينت مما كانت قال ابن وهب وأخبرنا محمد بن عمرو عن ابن جريج قال قلت لعطاء الفرو من جلود الميتة يصلي فيها قال نعم وما بأسه وقد دبغ قال ابن وهب وسمعت الليث بن سعد يقول لا بأس بالصلاة في جلود الميتة إذا دبغت (ولا بأس بالنعال من الميتة إذا دبغت) ولا بأس بالاستقاء بها والشرب منها والوضوء فيها قال أبو عمر فهذه الرواية عن الليث بذكر شرط الدباغ أولى مما تقدم عنه قال ابن وهب وقال يحيى بن سعيد لقد بلغني أن بعض الناس يرى بيعها وإن لم تدبغ لأن النبي صلى الله عليه وسلم امر أن ينتفع بها
173

قال أبو عمر هذا القول مأخوذ والله أعلم عن ابن شهاب وقد مضى القول فيه بما فيه كفاية والحمد لله ومن حجة من ذهب إلى أن الطهارة بالدباغ في جلود الميتة طهارة كاملة في الأشياء الرطبة واليابسة وأجاز الشرب منها والاستقاء بها والصلاة عليها وسائر ما يجوز في الجلود المذكاة ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثنا جعفر بن ربيعة أن أبا الخير حدثه قال حدثني ابن وعلة السبئي قال سألت عبد الله بن عباس فقلت إنا نكون بالمغرب فيأتينا المجوس بالأسقية فيها الماء والودك فقال إشرب فقلت رأي تراه فقال ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دباغها طهورها وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا يعلى بن عبيد عن محمد بن إسحاق عن القعقاع بن حكيم عن عبد الرحمن بن وعلة قال سألت ابن عباس عن جلود الميتة فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دباغها طهورها حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث قال حدثني هشام
174

حدثني زيد بن أسلم عن ابن وعلة السبئي قال سألت عبد الله بن عباس عن أسقية نجدها بالمغرب (1) في مغازينا فيها السمن والزيت لعلها تكون ميتة أفنأكل منها قال لا أدري ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما أهاب دبغ فقد طهر فهذه الآثار كلها عن ابن عباس تدل على أنه فهم من الخبر معنى عموم الانتفاع به وحمل الحديث على ظاهره وعمومه وإنما سئل عن الشرب فيها ونحو ذلك فأطلق الطهارة عليها اطلاقا غير مقيد بشيء ولم تختلف فتوى ابن عباس وغيره أن دباغ الأديم طهروه وكذلك لم يختلف قول ابن مسعود وأصحابه في ذلك وكان مالك وأصحابه حاشا ابن وهب يرون أن ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت في الجلوس عليها والعمل والامتهان في الأشياء اليابسة كالغربلة وشبهها ولا تباع ولا يتوضأ فيها ولا يصلى عليها لأن طهارتها ليست بطهارة كاملة ومن حجتهم إن الله عز وجل حرم الميتة فثبت تحريمها بالكتاب وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستمتاع بجلدها والانتفاع به بعد الدباغ
175

وروى مالك عن يزيد بن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت وفهمت عائشة المراد من ذلك فكانت تكره لباس الفراء من الجلود التي ليست مذكاة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال
حدثنا مطرف قال حدثنا مالك عن نافع عن القاسم بن محمد أنه قال لعائشة ألا نجعل لك فروا تلبسينه قالت إني لأكره جلود الميتة قال إنا لا نجعله الا ذكيا فجعلناه فكانت تلبسه وروى مجاهد ونافع عن ابن عمر أنه كان لا يلبس الا ذكيا وقد تقدم عن عمر وغيره من الصحابة مثل ذلك وفي نعلي موسى عليه السلام ما يحتج به ها هنا فهذا (ما) في طهارة جلود الميتة عند العلماء قديما وحديثا والحمد لله وأما قوله صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فإنه يقتضي عمومه جميع الأهب وهي الجلود كلها لأن اللفظ جاء في ذلك مجيء عموم لم يخص شيئا منها وهذا أيضا موضع اختلاف وتنازع بين العلماء فأما مالك وأكثر أصحابه فالمشهور من مذهبهم أن جلد الخنزير لا يدخل (في عموم) قوله صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر لأنه محرم العين حيا وميتا جلده مثل
176

لحمه لا يعمل فيه الدباغ كما لا تعمل في لحمه الذكاة ولهم في هذا الأصل اضطراب حدثني أحمد بن سعيد بن بشر حدثنا ابن أبي دليم حدثنا أبن وضاح قال حدثنا الصمادحي (1) عن معن بن عيسى قال سمعت مالكا وسئل عن جلد الخنزير إذا دبغ قال لا ينتفع به حدثني عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال سمعنا أبا عمرو بن أبي زيد يقول سمعت ابن وضاح يقول حدثنا موسى بن معاوية عن ممن بن عيسى عن مالك أنه قال لا ينتفع بجلد الخنزير وإن دبغ قال وقال لي سحنون لا بأس به
177

وأخبرنا سعيد بن سيد قال أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى ابن معاوية عن معن بن عيسى عن مالك أنه سئل عن جلد الخنزير إذا دبغ فكرهه قال ابن وضاح وسمعت سحنون يقول لا بأس به قال أبو عمر قول سحنون هذا هو قول محمد بن عبد الحكم وقول داود بن علي وأصحابه وحجتهم ما حدثناه أحمد بن فتح قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا أبو غسان محمد ابن مطرف قال حدثنا زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن وعلة أنه قال لابن عباس إنا قوم نغزو ارض المغرب وإنما أستقيتنا جلود الميتة فقال ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما مسك دبغ فقد طهر (حملوه على العموم في كل جلد) قال أبو عمر يحتمل أن يكون أراد بهذا القول عموم الجلود المعهود الانتفاع بها
178

وأما جلد الخنزير فلم يدخل في هذا المعنى لأنه لم يدخل في السؤال لأنه غير معهود الانتفاع بجلده إذ لا تعمل الذكاة فيه وإنما دخل في هذا العموم والله أعلم من الجلود ما لو ذكي لأستغنى عن الدباغ (و) يحتمل أن يكون جلد الخنزير غير داخل في عموم هذا الخبر لأنه إنما حرم على عموم المسوك كالتي إذا ذكيت استغنت عن الدباغ) وأما جلد الخنزير فالذكاة فيه والميتة سواء لأنه لا تعمل فيه الذكاة وذكر ابن القاسم عن مالك أنه خفف ذلك في جلود السباع وكره جلود الحمير المذكاة ودليل آخر وهو ما قاله النضر (1) بن شميل إن الإهاب جلد البقر والغنم والإبل وما عداها فإنما يقال له جلد لا أهاب قال ابن القاسم أما جلد السبع والكلب إذا ذكي فلا بأس ببيعه والشرب فيه والصلاة به
179

قال أبو عمر الذكاة عند مالك وابن القاسم عاملة في السباع لجلودها وغير عاملة في الحمير والبغال لجلودها والنهي عند جمهور أهل العلم في أكل كل ذي ناب من السباع أقوى من النهي عن أكل لحوم الحمر لأن قوما قالوا إن النهي عن الحمر إنما كان لقلة الظهر وقال آخرون إنما نهى منها عن الجلالة ولم يعتل بمثل هذه العلل في السباع وقال عبد الملك بن حبيب لا يحل بيع جلود السباع ولا الصلاة فيها وإن دبغت إذا لم تذك قال ولو ذكيت لجلودها لحل بيعها والصلاة فيها قال أبو عمر جعل التذكية في السباع لجلودها أكمل طهارة من دباغها وهذا على ما ذكرنا من أصولهم في أن الذكاة عاملة في السباع لجلودها وأن طهارة الدباغ ليست عندهم طهارة كاملة ولكنها مبيحة للانتفاع فيما ذكروه (على ما تقدم ذكره) في هذا الباب وهذا هو المشهور من مذهب مالك وأصحابه وأما أشهب فقال جلد الميتة (إذا دبغ) لا أكره الصلاة فيه ولا الوضوء منه وأكره بيعه ورهنه فإن بيع
180

أو رهن لم أفسخه قال وكذلك جلود السباع إذا ذكيت ودبغت وهي عندي أخف لموضع الذكاة مع الدباغ فإن لم تذك جلود السباع فهي كسائر جلود الميتة إذا دبغت قال اشهب وأما جلود السباع إذا ذكيت ولم تدبغ فلا يجوز بيعها ولا ارتهانها ولا الانتفاع بشيء منها في حال ويفسخ البيع فيها والرهن ويؤدب فاعل ذلك ألا أن يعذر بجهالة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم كل ذي ناب (من السباع) فليست الذكاة فيها ذكاة كما أنها ليست في الخنزير ذكاة قال أبو عمر قول أشهب هذا هو قول أكثر الفقهاء وأهل الحديث وقال الشافعي جلود الميتة كلها تطهر بالدباغ وكذلك جلد ما لا يؤكل لحمه إذا دبغ الا الكلب والخنزير فإن الذكاة والدباغ لا يعملان في جلودهما شيئا قال أبو عمر ولا تعمل الذكاة عندا لشافعي في جلد ما لا يؤكل لحمه وقد تقدم في باب إسماعيل بن أبي حكيم اختلاف العلماء فيما يؤكل لحمه وما لا يؤكل من السباع وحكى عن أبي حنيفة أن الذكاة عنده عاملة في السباع والحمر لجلودها ولا تعمل الذكاة عنده في جلد الخنزير شيئا ولا عند أحد من أصحابه
181

وكره الثوري جلود الثعالب والهر وسائر السباع ولم ير بأسا بجلود الحمير قال أبو عمر هذا في الذكاة دون الدباغ وأما الدباغ فهو عنده مطهر لجلود الثعالب وغيثرها وقالت طائفة من أهل العلم لا يجوز الانتفاع بجلود السباع لا قبل الدباغ ولا بعده مذبوحة كانت أو ميتة وممن قال هذا القول الأوزاعي وابن المبارك وإسحق وأبو ثور ويزيد بن هارون واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أباح الانتفاع بجلد الميتة المدبوغ إذا كان مما يؤكل (لحمه) لأن الخطاب الوارد في ذلك إنما خرج على شاة ماتت لبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فدخل في ذلك كل ما يؤكل لحمه وما لم يؤكل لحمه فداخل في عموم تحريم الميتة واستدلوا بقول أكثر العلماء في المنع من جلد الميتة بعد الدباغ لأن الذكاة غير عاملة فيه قالوا فكذلك السباع لا تعمل فيها الذكاة لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلها ولا يعمل فيها الدباغ لأنها ميتة لم يصح خصوص شيء منها وزعموا أن قول من أجاز الانتفاع بجلد الخنزير بعد الدباغ شذوذ لا يعرج عليه وحكى إسحق بن منصور الكوسج عن النضر بن شميل أنه قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر إنما يقال الإهاب لجلود الإبل والبقر والغنم
182

وأما السباع فجلود قال الكوسج وقال لي إسحق بن راهويه هو كما قال النضر ابن شميل وحجة الآخرين قوله صلى الله عليه وسلم إيما إهاب دبغ فقد فعم الاهب فعم
الاهب كلها فكل إهاب داخل تحت هذا الخطاب الا أن يصح إجماع في شيء من ذلك فيخرج من الجملة وبالله التوفيق أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى ويحيى (1) بن عبد الرحمن حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن أحمد الزراد قال حدثنا ابن وضاح قال سالت سحنونا عن لبس الفراء من القلنيات وقلت له إنه بلغني فيها عنك شيء وقلت إنهم ليس يغسلونها إنما يذبحونها فيدبغونها بذلك الدم قال وما ذلك الدم قال أليس يسيرا قلت بلى قال أو ليس يذهب مع الدباغ قلت بلى قال لا بأس به إذا دبغ الإهاب فقد طهر واختلف الفقهاء في الدباغ الذي يطهر به جلود الميتة ما هو فقال أصحاب مالك وهو المشهور من مذهبه كل شيء دبغ به الجلد من ملح أو قرظ أو شب أو غير ذلك فقد جاز الانتفاع به
183

وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه إن كل شيء دبغ به جلد الميتة فأزال شعره ورائحته وذهب بدسمه ونشفه فقد طهره وهو بذلك الدباغ طاهر وهو قول داود وذكر ابن وهب قال قال يحيى بن سعيد ما دبغت به الجلود من دقيق أو قرظ أو ملح فهو لها طهور وللشافعي في هذه المسئلة قولان أحدهما هذا والاخر أنه لا يطهره الا الشب أو القرظ لأنه الدباغ المعهود على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خرج عليه الخطاب (والله الموفق) =
184

حديث سابع عشر لزيد بن أسلم مسند صحيح مالك عن زيد ابن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبي سعيد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان قيل إن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري يكنى أبا جعفر توفي سنة أثنتي عشرة ومائة وهو ابن سبع وسبعين (سنة) وقد ذكرنا أباه في كتاب الصحابة بما يغني عن ذكره ها هنا وعبد الرحمن من ثقات التابعين بالمدينة هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ فيما علمت وليس عندهم في هذا (الحديث) عن مالك غير هذا الاسناد الا ابن وهب فإن عنده في ذلك عن مالك عن زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه
185

هذا آخر هذا الحديث عنده ولم يروه أحد بهذا الاسناد عن مالك الا ابن وهب وعند ابن وهب أيضا عن مالك عن زيد بن اسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه هذا الحديث المذكور في هذا الباب على حسبما ذكرناه وحديث عبد الرحمن بن أبي سعيد أشهر وحديث عطاء بن يسار معروف أيضا حدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن صفوان (1) بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أنه كان يصلي وبين يديه ابن لمروان بن الحكم فضربه فقال مروان ضربت ابن أخيك قال ما ضربت الا شيطانا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أبى فرده فإن أبى فقاتله فإنما هو شيطان
186

قال أبو عمر في هذا الحديث كراهية المرور بين يدي المصلي إذا كان وحده وصلى إلى غير سترة وكذلك حكم الامام إذا صلى إلى غير سترة وأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه كما أن الامام والمنفرد لا يضر أحدا منهما ما مر من وراء سترة الامام وسترة الامام سترة لمن خلفه وإنما قلنا إن هذا في الامام وفي المنفرد لقوله صلى الله عليه وسلم إذا كان أحدكم يصلي ومعناه عند أهل العلم يصلي وحده بدليل حديث ابن عباس وبذلك قلنا إن المأموم ليس عليه أن يدفع من يمر بين يديه لأن ابن عباس قال أقبلت (1) راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى فمررت بين يدي بعض الصف (فنزلت) وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك على أحد
187

هكذا رواه مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس ألا ترى أنه مر بين يدي بعض الصف فلم يدرأه أحد ولم يدفعه ولا أنكر عليه فإذا كان الامام أو المنفرد يصليان إلى سترة فليس عليه أن يدفع من يمر من وراء سترته وهذه الجملة كلها على ما ذكرت لك لا أعلم بين أهل العلم فيه اختلافا والآثار الثابتة دالة عليها وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن العمل في الصلاة جائز والذي يجوز منه عند العلماء القليل نحو قتل البرغوث وحك الجرب وقتل العقرب بما خف من الضرب مال لم تكن المتابعة والطول والمشي إلى القوم إذا كان ذلك قريبا ودرء المار بين يدي المصلي وهذا كله ما لم يكثر فإن كثر أفسد وما علمت أحدا من العلماء خالف هذه الجملة ولا علمت أحدا منهم جعل بين القليل من العمل الجائز في الصلاة وبين الكثير المفسد لها حدا لا يتجاوز الا ما تعارفه الناس والآثار المرفوعة في هذا الباب والموقوفة كثيرة (وقد ذكرنا من فتل الدم وقتل القمل في الصلاة في باب هشام بن عروة ما فيه كفاية) ومن العمل في الصلاة شيء لا يجوز منه فيها القليل ولا الكثير وهو الأكل والشرب والكلام عمدا في غير شأن الصلاة
188

وكذلك كل ما باينها وخالفها من اللهو والمعاصي وما لم ترد فيه إباحة قليل ذكل كله وكثيره غير جائز شيء منه في الصلاة وقوله في الحديث فإن أبى فليقاتله فالمقاتلة هنا المدافعة وأظنه كلاما خرج على التغليظ ولكل شيء حد وأجمعوا أنه لا يقاتله بسيف ولا يخاطبه ولا يبلغ منه مبلغا تفسد به صلاته فيكون فعله ذلك أضر عليه من مرور المار بين يديه وما أظن أحدا بلغ بنفسه إذا جهل أو نسي فمر بين يدي المصلي إلى أكثر من الدفع وفي إجماعهم على ما ذكرنا ما يبين لك المراد من الحديث وقد بلغني أن عمر بن عبد العزيز في أكثر ظني ضمن رجلا دفع آخر من بين يديه وهو يصلي فكسر أنفه دية ما جنى على أنفه وفي ذلك دليل على أنه لم يكن له أن يبلغ ذلك به ولأن ما تولد عن المباح فهو معفو عنه وقد كان الثوري يدفع المار بين يديه إذا صلى دفعا عنيفا وذكر عنه أبو داود أنه قال يمر الرجل يتبختر بين يدي وأنا أصلي فادفعه ويمر الضعيف فلا أمنعه وهذا كله يدلك على أن الامر ليس على ظاهره في هذا الباب وذكر ابن القاسم عن مالك قال إذا جاز المار بين يدي المصلي فلا يرده قال وكذلك لا يرده وهو ساجد
189

وقال أشهب إذا مر قدامه فليرده بإشارة ولا يمشي اليه لأن مشيه اليه أشد من مروره بين يديه فإن مشى اليه ورده لم تفسد بذلك صلاته قال أبو عمر (إن كان مشيا كثيرا فسدت صلاته والله أعلم) وإنما ينبغي له أن يمنعه ويدرأه منعا لا يشتغل به عن صلاته فإن أبى عليه فليدعه يبوء بإثمه لأن الأصل في مروره أنه لا يقطع على المصلي
صلاته أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد ابن بكر بن عبد الرزاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد (1) بن العلاء قال أخبرنا أبو أسامة عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم (2) وإذا لم يقطع الصلاة شيء فإنما هو تغليط على المار ولذلك جاء فيه ما جاء والله أعلم
190

وسنذكر اختلاف الناس فيما يقطع الصلاة وما لا يقطعها في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله والصحيح عندنا أن الصلاة لا يقطعها شيء مما يمر بين يدي المصلي بوجه من الوجوه ولو كان خنزيرا وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره (مما جاءت به الشريعة) وأما الحديث بأن الامام سترة لمن خلفه فحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان الاعناقي قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال جئت أنا والفضل على أتان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعرفة فمررنا ببعض الصف فنزلنا عنها وتركناها ترتع ودخلنا معه في الصف فلم يقل لنا النبي صلى الله عليه وسلم شيئا (1) فهذا دليل على أن سترة الامام سترة لمن خلفه وأوضح من هذا حديث حدثناه خلف بن القاسم قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي قال حدثنا سعيد بن
191

محمد بن تراب الحضرمي قال حدثنا خلاد (1) بن يزيد الأرقط قال حدثنا هشام (2) بن الغازي عن نافع عن ابن عمر قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فجاءت بهمة (3) لتمر بين يديه فجعل يدرؤها حتى رأيته ألصق منكبه بالجدار فمرت خلفه ألا ترى أنه كره أن تمر بين يديه ولم يكره أن تمر خلفه وهذا الحديث خولف فيه خلاد هنا فروى عن هشام بن الغزي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا الاسناد ذكره أبو داود وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد وحدثنا
192

سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا جميعا حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن الغازي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية (1) أذاخر (2) بحضرته الصلاة إلى جدار فاتخذه قبلة ونحن خلفه فجاءت بهمة لتمر بين يديه فما زال يدرؤها حتى الصق بطنه بالجدار ومرت من ورائه (3) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى سترة في السفر والحضر إن لم يكن جدار نصب أمامه شيئا وكان يأمر بذلك صلى الله عليه وسلم والسترة في الصلاة سنة مسنونة معمول بها روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه وكان يفعل ذلك
193

في السفر قال فمن ثم اتخذها الأمراء (1) ذكره البخاري وجميعهم وروى شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين ركعتين وبين يديه عنزة تمر من ورائها المرأة والحمار (2) وصلى الظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شجرة من حديث شعبة أيضا عن أبي إسحق عن حارثة بن مضرب عن علي وأخبرني عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن كثير العبدي قال حدثنا إسرائيل عن سماك عن موسى بن طلحة عن أبيه طلحة بن عبيد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جعلت بين يديك
194

مثل مؤخرة (1) الرحل فلا يضرك من مر من بين يديك (2) وحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال حدثنا حيوة بن شريح عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن سترة المصلي فقال مثل مؤخرة الرحل (3) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدنو من السترة رواه سهل بن أبي حثمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته (4) وهو حديث مختلف في إسناده ولكنه حديث حسن ذكره النسائي وأبو داود وغيرهما
195

ومقدار الدنو من السترة موجود في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صلى بالكعبة جعل عمودا عن يساره وعمودين عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على (1) ستة أعمدة وجعل بينه وبين الجدار نحوا من ثلاثة أذرع هكذا رواه ابن القاسم وجماعة عن مالك وقد ذكرنا ذلك في باب نافع واليه ذهب الشافعي وأحمد وهو قول عطاء قال عطاء أقل ما يكفيك ثلاثة أذرع والشافعي وأحمد يستحبان ثلاثة أذرع ولا يوجبان ذلك ولم يحد فيه (أيضا) مالك حدا وكان عبد الله بن المغفل يجعل بينه وبين السترة ستة أذرع وقال عكرمة إذا كان بيك وبين الذي يقطع الصلاة قذفة حجر لم يقطع الصلاة وروى سهل بن سعد الساعدي قال كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنز حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا ا لقعنبي والنفيلي قالا جميعا حثدنا عبد العزيز بن أبي حازم قال حدثني أبي عن سهل بن سعد قال كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنز (2)
196

قال أبو عمر حديث مالك عن نافع عن ابن عمر عن بلال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل بينه وبين الجدار في الكعبة ثلاثة أذرع أصح من حديث سهل بن سعد من جهة الاسناد وكلاهما حسن وأما استقبال السترة والصمد لها فلا تحديد في ذلك عند العلماء وحسب المصلي أن تكون سترته قبالة وجهه وقد روينا عن المقداد بن الأسود قال ما رأيت رسول الله (1) صلى الله عليه وسلم صلى إلى عود ولا عمود ولا شجرة الا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا (2) خرجه أبو داود فهذا ما جاء من الآثار التي اجتمع العلماء عليها ولا أعلمهم اختلفوا في العمل بها ولا أنكر أحد منهم شيئا منها وإن كان بعضهم قد استحسن شيئا واستحسن غيره ما يقرب منه وهذا كله بحمد الله سواء أو قريب من السواء إن شاء الله وأما صفة السترة وقدرها في ارتفاعها وغلظها فقد اختلف العلماء في ذلك
197

فقال مالك أقل ما يجزئ في السترة غلظ الرمح وكذلك السوط والعصا وارتفاعها قدر عظم الذراع هذا أقل ما يجزيء عنده وهو قول الشافعي في ذكل كله وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه أقل السترة قدر مؤخرة الرحل ويكون ارتفاعها على ظهر الأرض ذراعا وهو قول عطاء وقال قتادة ذراع وشبر وقال الأوزاعي قدر مؤخرة الرحل
ولم يحد ذراعا ولا عظم ذراع ولا غير ذلك وقال يجزيء السهم والسوط والسيف يعني في الغلظ واختلفوا فيما يعرض ولا ينصب وفي الخط فكل من ذكرنا قوله أنه لا يجزيء عنده أقل من عظم الذراع أو أقل من ذراع لا يجيز الخط ولا أن يعرض العصا والعود في الأرض فيصلي إليها وهم مالك والليث وأبو حنيفة وأصحابه كلهم يقول الخط ليس بشيء وهو باطل ولا يجوز عند واحد منهم الا ما ذكرنا وهو قول إبراهيم النخعي وقال أحمد بن حنبل وأبو ثور إذا لم يجعل تلقاء وجهه شيئا ولم يجد عصا ينصبها فليخط خطا وكذلك قال الشافعي بالعراق وقال الأوزاعي إذا لم (يكن) ينتصب له عرضه بين يديه وصلى اليه فإن لم يجد خط خطا وهو قول سعيد بين جبير قال الأوزاعي والسوط يعرضه أحب إلي من الخط وقال الشافعي بمصر لا يخط (الرجل) بين يديه خطا الا أن يكون في ذلك حديث ثابت فيتبع
198

قال أبو عمر احتج من ذهب إلى الخط بما أخبرناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا سليمان بن الأشعث قال حدثنا مسدد قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا إسماعيل ابن أمية قال حدثني أبو عمرو (1) بن محمد بن حريث أنه سمع جده حريثا (2) يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصاه فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ولا يضره من مر بين يديه (3) وهذا الحديث عند أحمد بن حنبل ومن قال بقوله (حديث) صحيح واليه ذهبوا ورأيت أن علي بن المديني كان يصحح هذا الحديث ويحتج به
199

وقال أبو جعفر الطحاوي إذ ذكر هذا الحديث أبو عمرو بن محمد بن حريث هذا مجهول وجده أيضا مجهول ليس لهما ذكر في غير هذا الحديث ولا يحتج بمثل هذا (من) الحديث واخلتف القائلون بالخط في هيئة الخط فقالت (منهم) طائفة يكون عرضا منهم الأوزاعي وقالت طائفة يكون طولا كالعصا (يقيمها) منهم عبد الله بن داود الخريبي وقالت طائفة يكون كالهلال والمحراب منهم أحمد بن حنبل
200

حديث ثامن عشر لزيد بن أسلم مسند صحيح مالك عن زيد ابن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما الذي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة فما أصابت في طيلها (1) (ذلك) من المرج أو الروضة كانت له حسنات ولو أنها قطعت طيلها ذلك فاستنت شرفا أو شرفين كانت آثارها وأرواثها حسنات له ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقى به كان ذلك له حسنات فهي لذلك أجر ورجل ربطها تغنيا وتعففا ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء (2) لأهل الاسلام فهي على ذلك وزر وسئل عن الحمر فقال لم ينزل علي فيها (شيء) الا هذه الآية الجامعة الفاذة (3) * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * 4
201

أبو صالح السمان اسمه ذكوان وهو والد سهيل بن أبي صالح مدني نزل الكوفة ثقة مأمون على ما روى وحمل من أثر في الدين من خيار التابعين وهو مولى لجويرية امرأة من غطفان روى عنه من أهل المدينة سمى وزيد بن أسلم والقعقاع ابن حكيم وعبد الله بن دينار وابنه سهيل وروى عنه من أهل الكوفة الأعمش والحكم بن عتيبة وعاصم بن أبي النجود وتوفي أبو صالح السمان بالمدينة سنة إحدى ومائة وكان أبو هريرة إذا نظر إلى أبي صالح هذا قال ما على هذا أن لا يكون من بني عبد مناف (1) وفي هذا الحديث من الفقه أن الأعيان لا يؤجر المرء في اكتسابها إنما يؤجر في استعمال ما ورد الشرع بعمله مع النية التي تزكو بها الأعمال إذا نوى بها صاحبها وجه الله والدار الآخرة وما يقربه من ربه إذا كان (ذلك) على سنة ألا ترى أن الخيل أجر لمن اكتسبها ووزر على من اكتسبها على ما جاء به الحديث وهي جنس واحد قال الله عز وجل * (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم) * 2 وقال الله تعالى * (ليبلوكم أيكم أحسن) *
202

* (عملا) * 1 وقال عز وجل * (ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) * 2 وفيه أن الحسنات تكتب للمرء إذا كان له فيها سبب وإن لم يقصد قصدها تفضلا من الله تعالى على عباده المؤمنين ورحمة منه بهم وليس هذا حكم (اكتساب) السيئات إن شاء الله يدلك على ذلك أنه لم يذكر في هذا الحديث حركات الخيل ونقلبه في سيئات المفتخر بها كما ذكر ذلك في حسنات المحتسب المريد بها البر ألا ترى أنها لو قطعت حبلها نهارا فأفسدت زرعا أو رمحت فقتلت أو جنت ان صاحبها برئ من الضمان عند جميع أهل العلم ويبين ذلك أيضا قوله في هذا الحديث ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك له حسنات وفي هذا دليل على أن المسلم إذا صنع شيئا يريد به الله عز وجل فكل ما كان بسبب منه واليه كان له حكمه في الأجر والله أعلم ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم من كان منتظرا الصلاة فهو في صلاة (3) وقال صلى الله عليه وسلم انتظار
203

الصلاة بعد الصلاة ذلكم الرباط ذلكم الرباط (1) لأن انتظار الصلاة سبب شهودها وكذلك انتظار العدو في الموضع المخوف فيه أرصاد للعدو (وقوة لأهل الموضع وعدة للقاء العدو) (وسبب لذلك كله) ومنه قول معاذ بن جبل واحتسب في نومتي مثل ما احتسب في قومتي وكان ينام بعض الليل ويقوم بعضه وبالنوم كان يقوى على القيام وكذلك يقوى برعي الخيل وأكلها وشربها على ملاقاة العدو إذا احتيج إليها وهذا كله في تعظيم فعل الرباط لأنه جلوس وانتظار واستعداد للعدو مع ما فيه من الخوف والروعات أحيانا وقد يكتب للرجل عمله الذي كان يعمله إذا حبسه عنه عذر من مرض أو غيره وفي ذلك المعنى شعبة من هذا المعنى وقد أتينا بما روى فيه من الآثار في باب محمد بن المنكدر والحمد لله
204

وروى يحيى بن سلام قال أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال من ارتبط فرسا في سبيل الله كان بوله وروثه في أجره وروى صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ارتبط فرسا في سبيل الله كان علفه وشربه وبوله وروثه في ميزانه يوم القيامة (1) وأما قوله ربطها في سبيل الله فإنه يعني ارتبطها من الرباط قال الخليل الرباط ملازمة الثغور ومواظبة الصلاة أيضا قال والرباط الشيء الذي تربط به وتربط (أيضا) وقال أبو حاتم عن أبي زيد الرباط من الخيل الخمس فما فوقها وجماعة ربط وهي التي ترتبط يقال منه ربط يربط ربطا وارتبط يرتبط ارتباطا ومربط الخيل ومرابط الخيل قال الشاعر
* أمر الاله بربطها لعدوه
* في الحرب إن الله خير موفق
*
*
205

وقالت ليلى الأخيلية
* لا تقربن الدهر آل محرق
* إن ظالما أبدا وإن مظلوما
* قوم رباط الخيل حول بيوتهم
* وأسنة زرق تخلن نجوما
* وينشد لابن عباس رضي الله عنه من قوله
* أحبوا الخيل واصطبروا عليها
* فإن العز فيها والجمالا
* إذا ما الخيل ضيعها إناس
* ربطناها فشاركت العيالا
* نقاسمها المعيشة كل يوم
* ونكسوها البراقع والجلالا
* 1) وقال مكحول بن عبد الله
* تلوم على ربط الجياد وحبسها
* وأوصي بها الله النبي محمدا
* وقال الأخطل
* ما زال فينا رباط الخيل نعرفه
* وفي كليب رباط اللؤم والعار
* وأما قوله (صلى الله عليه وسلم) فما أصابت في طيلها فالطيل الحبل يطول فيه للدابة وهو مكسور الأول وقلما يأتي في الأفعال
206

وأما الأسماء فكثير مثل قمع وضلع ونطع وعنب وشبع وسرر الصبي وطيل الدابة (1) قال القطامي وأسمه عمير بن شييم التغلبي
* أنا محيوك فاسلم أيها الطلل
* وإن بليت وأن طالت بك الطيل
* وفيه لغة أخرى طول يقال طال طولك وطال طيلك جميعا مكسورة الأول مفتوحة الثاني قال طرفة
* لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
* لكالطول المرخي وثنياه باليد
* لا يقال في الخيل الا بكسر الأول وفتح الثاني يقال أرخ للفرس من طوله ومن طياله وأما طوال الدهر وما كان مثله فيقال بالضم والفتح وكذلك الطول والطوال من الطول وأما قوله من المرج أو الروضة فقيل المرج موضع الكلأ وأكثر ما يكون ذلك في المطمئن (من الأرض) والروضة الموضع المرتفع وأما قوله فاستنت شرفا أو شرفين فإن الاستنان أن تلج في عدوها في إقبالها وإدبارها (2) يقال
207

جاءت الإبل سننا أي تستن في عدوها وتسرع أنشد يعقوب بن السكيت لأبي قلابة الهذلي
* ومنها عصبة أخرى سراع
* رمتها الريح كالسنن الطراب
*
* أي كابل تستن في عدوها قال ورمتها استخفتها قال والطراب التي قد طربت إلى أولادها وقال عدي بن زيد
* فبلغنا صنعه حتى نشا
* فاره البال لجوجا في السنن
* فاره البال أي ناعم البال وقال عوف بن الجزع
* بنو المغيرة في السواد كأنها
* سنن تحير حول حوض المبكر
*
* قال يعقوب يقول فرقوا الخيل فكأنها إبل جاءت سننا ثم تفرقت حول حوض المبكر (والمبكر) الذي يسقى إبله بكرة يقال أبكر الرجل وبكر وابتكر ومن هذا (أيضا) حديث عبيد بن عمير قال إن في الجنة لشجرة لها ضروع كضروع البقر يغذى بها ولدان الجنة حتى أنهم ليستنون كاستنان البكارة والبكارة صغار الإبل
208

ومن هذا أيضا قولهم في المثل السائر استنت الفصال حتى القرعى (1) يضرب هذا المثل للرجل الضعيف يرى الجلداء يفعلون شيئا فيفعل مثله (2) فكأنه قال ولو قطعت حبلها الذي ربطت به فجعلت تجري وتعدو من شرف إلى شرف يريد من كدية إلى كدية كان ذلك كله حسنات لصاحبها لأنه أراد باتخاذها وجه الله (وأما قوله شرفا أو شرفين فالشرف ما ارتفع من الأرض) وأما قوله تغنيا وتعففا فإنه أراد استغناء عن الناس وتعففا عن السؤال يقال منه تغنيت بما رزقني الله تغنيا وتغانيت تغانيا واستغنيت استغناء كل ذلك قد قالته العرب في ذلك قال الشاعر (3
* كلانا غنى عن أخيه حياته
* ونحن إذا متنا أشد تغانيا
*
* وقال الأعشى
* وكنت امرأ زمنا بالعراق
* عفيف المناخ طويل التغن
*
209

وعلى هذا (المعنى) كان ابن عيينة رحمه الله يفسر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منا من لم يتغن بالقرآن (1) يقول يستغنى به وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولم ينس حق الله في رقابها فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال قال منهم قائلون معناه حسن ملكتها وتعهد شبعها والاحسان إليها وركوبها غير مشقوق عليها كما جاء في الحديث لا تتخذوا ظهورها كراسي (2) وخص رقابها بالذكر لأن الرقاب تستعار كثيرا في موضع الحقوق اللازمة والفروض الواجبة ومنه قوله عز وجل * (فتحرير رقبة مؤمنة) * 3 وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من فارق الجماعة فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه (4) وكثر عندهم استعمال ذلك واستعارته حتى جعلوه في الرباع والأموال ألا ترى إلى قول كثير
* غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا
* غلقت (5) لضحكته رقاب المال
*
*
210

قال أبو عمر من ذهب في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم ولم ينس حق الله في رقابها إلى حسن التملك والتعهد بالاحسان فهو والله أعلم مذهب من قال إن المال ليس فيه حق واجب سوى الزكاة ولم ير في الخيل زكاة وهو قول جمهور العلماء حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثنا إبراهيم بن حماد قال حدثنا عمي إسماعيل بن إسحاق قالا (جميعا) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال من أدى زكاة ماله فلا جناح عليه أن لا يتصدق وعلى هذا مذهب أكثر الفقهاء أنه ليس في الأموال حق واجب غير الزكاة ومن حجتهم ما ذكره ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن ابن حجيرة الخولاني (1) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
211

قال إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك (1) وقال آخرون معنى قوله ذلك اطراق فحلها وافقار ظهرها وحمل عليها في سبيل الله والى هذا ونحوه ذهب ابن نافع فيما أظن لأن يحيى بن يحيى قال سألت عبد الله بن نافع عن حق الله في رقابها وظهورها فقال يريد أن لا ينسى أن يتصدق لله ببعض ما يكتسب عليها وهذا مذهب من قال في المال حقوق سوى الزكاة وممن قال ذلك مجاهد والشعبي والحسن ذكر إسماعيل القاضي قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن منصور وابن أبي نجيح عن مجاهد في أموالهم حق معلوم (2) قال سوى الزكاة قال وحدثنا أبو بكر وعلي قالا حدثنا ابن فضيل عن بيان عن عامر قال في المال حق سوى الزكاة وزاد فيه إسماعيل بن سالم عن الشعبي قال تصل القرابة وتعطي المساكين قال وحدثنا أبو بكر قال حدثنا أبن علية عن أبي حيان قال حدثنا مزاحم بن زفر قال كنت جالسا عند عطاء (فأتاه أعرابي) فسأله إن لي إبلا فهل علي فيها حق بعد الصدقة قال نعم
212

قال وحدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الأعلى عن هشام عن الحسن قال في المال حق سوى الزكاة حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا عبد الله بن أحمد
بن زفر القاضي بمصر قال حدثنا محمد ابن روح أبو يزيد قال حدثنا عبد الملك بن قريب الأصمعي قال حدثنا المبارك بن فضالة قال سمعت الحسن يحدث عن قيس بن عاصم المنقري (1) وكان ممن نزل البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا سيد أهل الوبر (2) قال قلت يا رسول الله ما خير المال قال نعم المال الأربعون والأكثر الستون وويل لأصحاب المئين الا من أدى حق الله في رسله ونجدتها (3) وأفقر ظهرها وأطرق فحلها ومنح غزيرها ونحر سمينها فأطعم القانع والمعتر وذكر تمام الحديث
213

(فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماشية حقا سوى الزكاة وهذا بين في حديث جابر أيضا حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يعلى بن عبيد عن عبد الملك بن أبي سليمان عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر (1) تطأه ذات الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن بقرنها ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن قالوا يا رسول الله وما حقها قال أطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله) (2) وقال آخرون أراد بقوله ولم ينس حق الله في رقابهما ولا ظهورها الزكاة الواجبة (فيها) ولا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار أوجب الزكاة في الخيل إلا أبا حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان وخالف أبا حنيفة في ذلك صاحباه أبو يوسف ومحمد وسائر فقهاء الأمصار
214

فأما أبو حنيفة فكان يقول إذا كانت الخيل سائمة ذكورا وإناثا يطلب نسلها فالزكاة فيها عن كل فرس دينار قال وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم (1) قال أبو عمر هذا يدل على ضعف قوله لأن المواشي التي تجب فيها الزكاة لا يجوز تقويمها عند أحد من أهل العلم وحجة من لم يوجب الزكاة في الخيل قوله صلى الله عليه وسلم ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة (2) وسيأتي هذا الحديث في موضعه من كتابنا (3) هذا إن شاء الله تعالى وروى علي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه) قال عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق (4) وقال الثوري عن عبد الله بن حسن نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ من الخيل شيء ولم يبلغنا أن أحدا من الخلفاء الراشدين أخذ من الخيل صدقة الا خبر روى عن عمر بن
215

الخطاب فيه اضطراب وعن عثمان فيه خبر منقطع وروى عن علي وابن عمر أن لا صدقة في الخيل وبذلك قال علماء التابعين وفقهاء المسلمين الا ما ذكرنا من قول أبي حنيفة وهو قول ضعيف فأما الذي روى عن عمر وعثمان فروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن جبير بن يعلى أخبره أنه سمع يعلى بن أمية يقول ابتاع عبد الرحمن بن أمية أخو يعلى ابن أمية من رجل من أهل اليمن فرسا أنثى بمائة قلوص (1) فندم البائع فلحق بعمر فقال غصبني يعلى وأخوه فرسا لي فكتب إلى يعلى أن الحق بي فأتاه فأخبره الخبر فقال عمر بن الخطاب إن الخيل لتبلغ هذا عندكم فقال ما علمت فرسا قبل هذا بلغ هذا فقال عمر نأخذ من أربعين شاة (شاة) ولا نأخذ من الخيل شيئا خذ من كل فرس دينارا (قال) فضرب على الخيل دينارا دينارا (2)
216

وعن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي حسين (1) أن ابن شهاب أخبره أن عثمان كان يصدق الخيل وأن السائب بن يزيد أخبره إنه كان يأتي عمر بن الخطاب بصدقة الخيل (قال ابن أبي حسين) قال ابن شهاب لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن صدقة الخيل (2) قال أبو عمر الخبر في صدقة الخيل عن عمر صحيح من حديث الزهري وقد روى من حديث مالك أيضا حدثني محمد قال حدثنا علي بن عمر الحافظ قال حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا معاذ بن المثنى حدثنا عبد الله بن محمد ابن أسماء حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن السائب بن يزيد أخبره قال لقد رأيت أبي يقيم الخيل ثم يدفع صدقتها إلى عمر رضي الله عنه (3) وهذا حجة لأبي حنيفة ومعنى قوله والله
217

أعلم تفرد به جويرية عن مالك (وجويرية ثقة) وقد ذكر معمر عن أبي إسحاق وغيره كلاما معناه عن (1) عمر أن أهل الشام ألحوا عليه في أخذ الصدقات من خيلهم وعبيدهم فكان يأخذها منهم وكان يرزقهم مثل ذلك من الاجرية (قال) فلما كان معاوية حسب ذلك فإذا الذي كان يعطيهم أكثر من الذي كان يأخذ منهم فترك ذلك ولم يأخذ منهم شيئا ولم يعطهم شيئا وأما قوله ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لأهل الاسلام فالفخر والرياء معروفان فأما النواء فهو مصدر ناوأت العدو مناوأة ونواء (وهي المساواة) قال أهل اللغة أصله من ناء إليك ونؤت اليه أي نهض إليك ونهضت اليه قال بشر بن أبي خازم
* بلت قتيبة في النواء بفارس
* لا طائش رعش ولا وقاف
* وقال أعشى بأهلة
* أما يصبك عدو في مناوأة
* يوما فقد كنت تستعلى وتنتصر
*
218

وقال أوس بن حجر
* إذا أنت ناوأت الرجال فلم تنوء
* بقرنين غرتك القرون الكوامل
* إذا ما استوى قرناك لم يهتضمهما
* عزيز ولم يأكل صفيفك آكل
* ولا يستوي قرن النطاح الذي به
* تنوء وقرن كلما قمت مائل
*
* وقال جرير
* إني امرؤ لم أرد فيمن إناوئه
* للناس ظلما ولا للحرب امتحانا
* وأما قوله الآية الجامعة الفاذة فالفاذ هو الشاذ والفاذة الشاذة قال ابن الأعرابي يقال ما يدع في الحرب فلان شاذا ولا فإذا أي أنه شجاع لا يلقاه أحد الا قتله ويقال فاذة وفذة وفاذ وفذ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ (1) قال أبو عمر يعني والله أعلم أنها آية منفردة في عموم الخير والشر ولا أعلم آية أعم منهإن لأنها تعم كل خير وكل شر
219

فأما الخير فلا خلاف بين المسلمين أن المؤمن يرى في القيامة ما عمل من الخير ويثاب عليه وأما الشر فلله عز وجل أن يغفر وله أن يعاقب قال الله عز وجل * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * 1 ولما نزلت * (من يعمل سوءا يجز به) * (2) بكى أبو بكر وقال يا رسول الله أكل ما نعمل نجزي به فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ألست تمرض ألست تنصب ألست تصيبك اللأواء فذلك ما تجزون به في الدنيا (3) وقال صلى الله عليه وسلم المرض كفارة وما يصيب المؤمن من مصيبة الا كفر بها من خطاياه (4) وقوله في الحمر في هذا الحديث مثل قوله صلى الله عليه وسلم في كل (ذي) كبد رطبة أجر (5) وكان الحميدي رحمه الله يقول إن اتخذت حمارا
220

فانظر كيف تتخذه أما الخيل فقد جاء فيها ما جاء وفي هذا الحديث والله أعلم دليل على أن كلامه ذلك في الخيل كان بوحي من الله لأنه قال في الحمر لم ينزل على فيها شيء الا الآية الجامعة الفاذة فكان قوله في الخيل نزل عليه والله أعلم ألا ترى إلى قوله لقد عوتبت الليلة في الخيل وهذا يعضد قول من قال إنه (كان) لا يتكلم في شيء الا بوحي وتلا * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * 1 واحتج بقوله أوتيت الكتاب ومثله معه (2) وبقول عبد الله بن عمرو يا رسول الله أكتب كل ما أسمع منك قال نعم قال في الرضا والغضب قال نعم فأني لا أقول الا حقا (3)
221

حديث تاسع عشر لزيد بن أسلم مسند مالك عن زيد ابن أسلم عن رجل من بني الديل يقال له بسر ابن محجن عن (أبيه محجن) أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن بالصلاة فقام (رسول الله صلى الله عليه وسلم) فصلى ثم رجع ومحجن في مجلسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم قال بلى يا رسول الله ولكني قد صليت في أهلي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت (1) اختلف الناس عن زيد ابن أسلم في اسم هذا الرجل فقال مالك وأكثر الرواة له عن زيد فيه بسر بن محجن (2) بالسين المهملة (كذلك هو في الموطأ عند جمهور رواته (3) وقيل فيه
222

بشر بن عمر الزهراني عن مالك عن زيد بن أسلم (عن) بشر بن محجن فقيل له في ذلك فقال كان مالك بن أنس يروي هذا الحديث قديما عن زيد ابن أسلم فيقول فيه بشر فقيل له هو بسر فقال عن بسر أو بشر وقال بعد ذلك عن زيد بن أسلم عن ابن محجن ولم يقل بسر ولا بشر) وقال فيه الثوري عن زيد بن أسلم بشر بالشين المنقوطة (1) وكان أبو نعيم يقول بالسين كما قال مالك ومن تابعه (ورواه الدراوردي عن زيد ابن أسلم فقال فيه عن بشر بالمنقوطة كما قال الثوري ورواه ابن جريج عن زيد ابن أسلم فقال فيه بسر كما قال مالك وروى هذا الحديث أيضا حنظلة بن علي الأسلمي عن بشر ابن محجن ولم يذكر أباه ورواه عبد الله بن جعفر بن نجيح عن زيد ابن أسلم عن بشر بن محجن عن أبيه بالمنقوطة كما قال الثوري في رواية أصحاب الثوري عنه وقد قيل فيه عن الثوري بسر أيضا) وحدثني أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني (2) قال حدثنا أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي (3) قال
223

سمعت إبراهيم بن أبي داود البرلسي يقول سمعت أحمد بن صالح في المسجد الجامع بمصر يقول سمعت جماعة من ولده ومن رهطه فما اختلف (علي) منهم اثنان أنه بشر (1) كما قال الثوري قال أبو عمر في هذا الحديث وجوه من الفقه أحدها قوله صلى الله عليه وسلم لمحجن الديلي ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم وفي هذا والله أعلم دليل على أن من لا يصلي ليس بمسلم وإن كان موحدا وهذا موضع اختلاف بين أهل العلم وتقرير هذا الخطاب في هذا الحديث أن أحدا لا يكون مسلما الا ان يصلي فمن لم يصل فليس بمسلم وفيه أن من أقر بالصلاة بعملها وإقامتها أنه يوكل إلى ذلك إذا قال إني أصلي لأن محجنا قال لرسول الله قد صليت في أهلي فقبل منه ولا حجة في هذا الحديث لمن قال إن الاقرار بالصلاة دون إقامتها يحقن الدم لأنه لم يقل إني مؤمن بالصلاة مقر بها غير أني لا أصلي بل قال له قد صليت والظاهر أنه
224

لم ينجه الا قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد صليت في أهلي واختلف العلماء في حكم تارك الصلاة عامدا وهو على فعلها قادر فروى عن علي بن أبي طالب وابن عباس وجابر وأبي الدرداء تكفير تارك الصلاة قالوا من لم يصل فهو كفار وعن عمر بن الخطاب أنه قال لاحظ في الاسلام لمن ترك الصلاة وعن ابن مسعود من لم يصل فلا دين له (1) وقال إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى
يخرج وقتها لغير عذر وأبى من قضائها وأدائها وقال لا أصلي فهو كافر ودمه وماله حلال ولا يرثه ورثته من المسلمين ويستتاب فإن تاب وإلا قتل وحكم ماله ما وصفنا كحكم مال المرتد وبهذا قال أبو داود الطيالسي وأبو خيثمة وأبو بكر بن أبي شيبة وقال إسحاق بن راهويه وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا أن تارك الصلاة عمدا من
225

غير عذر حتى يذهب وقتها كافر إذا أبى من قضائها وقال لا أصليها قال إسحاق وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر قال وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا أنزله الله أو قتل نبيا من أنبياء الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر فكذلك تارك الصلاة حتى يخرج وقتها عامدا قال ولقد أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع لأنهم بأجمعهم قالوا من عرف بالكفر ثم رأوه يصلي الصلاة في وقتها حتى صلى صلوات كثيرة في وقتها ولم يعلموا منه إقرارا باللسان أنه يحكم له بالايمان ولم يحكموا له في الصوم والزكاة والحج بمثل ذلك قال إسحاق فمن لم يجعل تارك الصلاة كافرا فقد ناقض وخالف أصل قوله وقول غيره قال ولقد كفر إبليس إذ لم يسجد السجدة التي أمر بسجودها قال وكذلك تارك الصلاة عمدا (حتى يذهب وقتها كافر إذا أبى من قضائها) وقال أحمد بن حنبل لا يكفر أحد بذنب الا تارك الصلاة عمدا ثم ذكر استتابته وقتله
226

وحجة من قال بهذا القول ما روى من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم (في تكفير تارك الصلاة منها حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه قال ليس بين العبد وبين الكفر أو قال بين الشرك الا ترك الصلاة (1) وحديث بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) وقوله صلى الله عليه وسلم من ترك صلاة العصر يعني متعمدا فقد حبط عمله (3) هذا كله مما احتج به إسحاق بن راهويه في هذه المسألة لقوله المذكور واحتج أيضا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح فإذا أصبح كان إذا سمع أذانا أمسك وإذا لم يسمع أذانا أغار ووضع السيف واحتج أيضا بقول الله عز وجل * (أضاعوا الصلاة واتبعوا) *
227

* (الشهوات فسوف يلقون غيا) * 1 وبقوله عز وجل * (وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين) * 2 وبقوله عز وجل * (إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة) * 3 وبقوله عز وجل * (الذين يقيمون الصلاة) * 4 * (وأقاموا الصلاة) * 5 وبآيات نحو هذا كثيرة وآثار واحتج غيره ممن ذهب مذهبه في هذه المسألة بحديث أبي هريرة قال من ترك الصلاة حشر مع قارون وفرعون وهامان (6) وبحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فذلك المسلم قالوا هذا دليل على أن من لم يصل صلاتنا ولم يستقبل قبلتنا فليس بمسلم وبما رواه شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بسبع لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وإن حرقت ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها فقد برئت منه (الذمة) ولا تشرب
228

الخمر فإنها مفتاح كل شر وأطع والديك وإن أمراك أن تخرج لهما من دنياك فافعل ولا تنازع الأمر أهله وإن رأيت أنك أنت ولا تفر من الزحف فإن فيه الهلكة وأنفق على أهلك من طولك وأخفهم في الله ولا ترفع عصاك عنهم (1) وبما روي عن الصحابة الذين قدمنا الذكر عنهم (بذلك) وجدت في كتاب أبي رحمه الله بخطه أن أحمد بن سعيد ابن حزم حدثهم قال حدثنا محمد بن محمد بن بدر الباهلي قال حدثنا أبو شريح محمد بن زكرياء كاتب العمري قال حدثنا الفريابي قال حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بين العبد وبين الكفر ترك الصلا (2) ورواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (3) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا أحمد بن حرب قال حدثنا
229

محمد بن ربيعة عن ابن جريج فذكره وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا الحسين بن حريث قال حدثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال صلى الله عليه وسلم أن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1) وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن أبي بكر قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا المسعودي قال أنبأني الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله قال قيل لعبد الله إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن * (الذين هم على صلاتهم دائمون) * 2 * (والذين هم على صلواتهم يحافظون) * 3 فقال عبد الله على مواقيتها فقال ما كنا نرى الا أن تترك فقال عبد الله تركها الكفر وفي هذه المسألة قول ثان قال الشافعي يقول الامام لتارك الصلاة صل فإن قال لا أصلي سئل فإن ذكر علة تحبسه أمر بالصلاة على قدر طاقته فإن أبي من الصلاة حتى يخرج وقتها قتله الامام وإنما يستتاب ما دام وقت الصلاة قائما يستتاب في أدائها وإقامتها فإن أبى قتل وورثه ورثته وهذا
230

قول أصحاب مالك ومذهبهم وبعضهم يرويه عن مالك وروى محمد بن علي البجلي (1) قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال سمعت ابن وهب يقول قال مالك من آمن بالله وصدق المرسلين وأبى أن يصلي قتل وبه قال أبو ثور وجميع أصحاب الشافعي وهو قول مكحول وحماد بن زيد ووكيع ومن حجة من ذهب هذا المذهب أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه استحل دماء مانعي الزكاة وقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة (2) فقاتلهم على ذلك في جمهور الصحابة وأراق دماءهم لمنعهم الزكاة وأبايتهم من أدائها فمن امتنع من الصلاة وأبى من إقامتها كان أحرى بذلك ألا ترى أن أبا بكر شبه الزكاة بالصلاة ومعلوم أنهم كانوا مقرين بالاسلام والشهادة يوضح لك ذلك قول عمر لأبي بكر كيف تقاتلهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأمولاهم الا بحقها وحسابهم على الله فقال أبو بكر هذا من حقها والله لو منعوني عناقا أو عقالا مما كانوا يعطون
231

رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على ذلك ولو كفر القوم لقال أبو بكر قد تركوا لا إله إلا الله وصاروا مشركين وقد قالوا لأبي بكر بعد الاسئار ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا وذلك بين في شعرهم قال شاعرهم
* ألا فاصبحينا قبل نائرة الفجر
* لعل منايانا قريب وما ندري
* أطعنا رسول الله ما كان بيننا
* فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر
* فإن الذي سألوكم فمنعتم
* لكالتمر أو أشهى إليهم من التمر
*
* فرأى أبو بكر في عامة الصحابة ومعه عمر قتالهم وبعث خالد بن الوليد وغيره إلى قتال من ارتد (1) هذا كله احتج به الشافعي رحمه الله وقال ففي هذا دلالة على أن من امتنع مما افترض الله عليه كان على الامام أخذه به وقتاله عليه وإن أتى ذلك على نفسه وأما توريث ورثتهم أموالهم فلأن عمر بن الخطاب لما ولى رد على ورثة مانعي الزكاة كل ما وجد من أموالهم بأيدي الناس
232

وقد كان أبو بكر سباهم كما سبى أهل الردة فخالفه في ذلك عمر لصلاتهم وتوحيدهم ورد إلى ورثتهم أموالهم في جماعة الصحابة ولم ينكر ذلك عليه أحد وقال أهل السير أن عمر لما ولي أرسل إلى النسوة اللاتي كان المسلمون حازوهن (فخيرهن) أن يمكثن عند من هن عنده بتزويج وصداق أو يرجعن إلى أهليهن بالفداء فاخترن أن يمكثن عند من كن عنده فمكثن عندهم بتزويج وصداق قال وكان الصداق الذي جعل لمن اختار أهله عشر أواق لكل امرأة والأوقية أربعون درهما فاحتج الشافعي بفعل عمر هذا في جماعة الصحابة أيضا من غير نكير (وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة بن يزيد قال قال عمر بن الخطاب لأن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث أحب إلي من حمر النعم الخليفة بعده وعن قوم أقروا بالزكاة ولم يؤدوها أيحل لنا قتالهم وعن الكلالة (1)
233

وروى حماد بن زيد عن عمرو بن مالك النكري (1) عن أبي الجوزاء عن أبن عباس قال قواعد الدين ثلاثة شهادة أن لا إله الا الله والصلاة وصوم رمضان ثم قال ابن عباس تجده كثير المال ولا يزكي فلا يقال لذلك كافر ولا يحل دمه وقد ذكرنا هذا الحديث فإسناده في كتاب الزكاة من كتاب الاستذكار) (2) ومن حجته أيضا ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام بن حسان عن (الحسن) عن ضبة بن محصن عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيكون أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا يا رسول الله ألا نقاتلهم قال لا ما صلوا الخمس (3)
234

وفيه دليل (على) أنهم أن لم يصلوا الخمس قوتلوا ومن حجتهم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم نهيت عن قتل المصلين (1) وفي ذلك دليل على أن من لم يصل لم ينه عن قتله والله أعلم ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه الذين شاوروه في قتل مالك بن الدخشم (2) أليس يصلي قالوا بلى ولا صلاة له (3) فنهاهم عن قتله (لصلاته إذ قالوا له بلى أنه يصلي ولو قالوا إنه لا يصلي ما نهاهم عن قتله) والله أعلم ولم يحتج عليهم في المنع من قتله الا بالشهادة والصلاة لأنه قال لهم أليس يشهد أن لا إله الا الله قالوا بلى ولا شهادة له فقال أليس يصلي قالوا بلى ولا صلاة له قال أولئك الذين نهاني الله عن (3) قتلهم وقد قال في غير ذلك الحديث نهيت عن قتل المصلين واعتلوا في دفع الآثار المروية في تكفير تارك الصلاة بأن
235

قالوا معناها من ترك الصلاة جاحدا (لها معاندا) مستكبرا غير مقر بفرضها قالوا ويلزم من كفرهم بتلك الآثار وقبلها على ظاهرها فيهم أن يكفر القاتل والشاتم للمسلم وأن يكفر الزاني وشارب الخمر والسارق والمنتهب ومن رغب عن نسب أبيه فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال سباب المسلم فسوق وقتاله كفر (1) وقال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس اليه (فيها) أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن (2) وقال لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم (3) وقال لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض (4) إلى آثار مثل هذه لا يخرج بها العلماء المؤمن من الإسلام وإن كان بفعل ذلك فاسقا عندهم فغير نكير أن تكون الآثار في تارك الصلاة كذلك
236

قالوا ومعنى قوله سباب المسلم فسوق وقتاله كفر (1) أنه ليس بكفر يخرج عن الملة وكذلك كل ما ورد من تكفير من ذكرنا ممن يضرب بعضهم رقاب بعض ونحو ذلك وقد جاء عن ابن عباس وهو أحد الذين روى عنهم تكفير تارك الصلاة (أنه) قال في حكم الحاكم (الجائر) كفر دون كفر حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس قال قال ابن عباس ليس بالكفر الذي تذهبون اليه إنه ليس بكفر ينقل عن الملة ثم قرا * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * 2 واحتجوا أيضا بقول عبد الله بن عمر لا يبلغ المرء حقيقة الكفر حتى يدعو مثنى مثنى وقالوا يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن يريد مستكمل الايمان لأن الايمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وكذلك السارق وشارب الخمر ومن ذكر معهم
237

وعلى نحو ذلك تأولوا قول عمر بن الخطاب لاحظ في الاسلام لمن ترك الصلاة قالوا أراد أنه لا كبير حظ له ولا حظا كاملا له في الاسلام ومثله قول ابن مسعود وما أشبهه وجعلوه كقوله لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد أي أنه ليس له صلاة كاملة ومثله الحديث ليس المسكين بالطواف عليكم (1) يريد ليس هو المسكين حقا لأن هناك من هو أشد مسكنة منه وهو الذي لا يسأل ونحو هذا مما اعتلوا به وقد رأى مالك استتابة الأباضية والقدرية فإن تابوا والا قتلوا ذكر ذلك إسماعيل القاضي عن أبي ثابت (2) عن ابن القاسم وقال قلت لأبي ثابت هذا رأى مالك في هؤلاء حسب قال بل في كل أهل البدع قال القاضي وإنما رأى مالك ذلك فيهم لافسادهم في الأرض وهم
أعظم إفسادا من المحاربين لأن إفساد الدين أعظم من إفساد المال لا أنهم كفار قال أبو عمر فهذا مالك يريق دماء هؤلاء وليسوا عنده كفارا فكذلك تارك الصلاة عنده من هذا الباب قتله لا من جهة الكفر
238

ومما يدل على أن تارك الصلاة ليس بكافر كفرا ينقل عن الاسلام إذا كان مؤمنا بها معتقدا لها حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلده فلم يزل يسأل الله ويدعوه حتى صارت جلدة (واحدة) فامتلأ قبره نارا فلما أفاق قال علام جلدتموني قالوا إنك صليت صلاة بغير طهور ومررت على مظلوم فلم تنصره (1) قال الطحاوي في هذا الحديث ما يدل على أن تارك الصلاة ليس بكافر لأن من صلى صلاة بغير طهور فلم يصل وقد أجيبت دعوته ولو كان كافرا ما أجيبت له دعوة لأن الله تبارك وتعالى يقول * (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * 2 وقد ذكرنا إسناد حديث ابن مسعود هذا في باب يحيى بن سعيد عند قوله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله على العباد ثم قال ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له (3) ومما يدل على أن الكفر منه مالا ينقل عن الاسلام قوله صلى الله عليه وسلم يكفرن العشير ويكفرن الاحسان (4) وكافر
239

النعمة يسمى كافرا وأصل الكفر في اللغة الستر ومنه قيل لليل كافر لأنه يستر قال لبيد في ليلة كفر النجوم غمامها أي سترها وفي هذه المسألة قول ثالث قاله ابن شهاب رواه شعيب بن أبي حمزة عنه قال إذا ترك الرجل الصلاة فإن كان إنما تركها لأنه ابتدع دينا غير الاسلام قتل وإن كان إنما هو فاسق فإنه يضرب ضربا مبرحا ويسجن حتى يرجع قال والذي يفطر في رمضان كذلك قال أبو جعفر الطحاوي وهو قولنا واليه يذهب جماعة من سلف الأمة من أهل الحجاز والعراق قال أبو عمر بهذا يقول داود بن علي وهو قول أبي حنيفة في تارك الصلاة أنه يسجن ويضرب ولا يقتل وابن شهاب القائل ما ذكرنا هو القائل أيضا في قول النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله كان ذلك في أول الاسلام ثم نزلت الفرائض بعد وقوله هذا يدل على أن الايمان عنده قول وعمل (والله أعلم) وهو قول الطائفتين
240

اللتين ذكرنا قولهم قبل قول ابن شهاب كلهم يقولون الايمان قول وعمل وقد اختلفوا في تارك الصلاة كما علمت واحتج من ذهب هذا المذهب أعني مذهب ابن شهاب في أنه يضرب ويسجد ولا يقتل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحقها (1) قالوا وحقها الثلاث التي قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم الا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس (2) قالوا والكافر جاحد وتارك الصلاة المقر بالاسلام ليس بجاحد ولا كافر وليس بمستكبر ولا معاند وإنما يكفر بالصلاة من جحدها واستكبر عن أدائها قالوا وقد كان مؤمنا عند الجميع بيقين قبل تركه للصلاة ثم اختلفوا فيه إذاترك الصلاة فلا يجب قتله الا بيقين (ولا يقين) مع
241

الاختلاف فالواجب القول بأقل ما قيل في ذلك وهو الضرب والسجن وأما القتل ففيه اختلاف والحدود تدرأ بالشبهات واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم سيكون عليكم بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة (1) قالوا وهذا يدل على أنهم غير كفار بتأخيرها حتى يخرج وقتها ولو كفروا بذلك ما أمرهم بالصلاة خلفهم بسبحة ولا غيرها قال أبو عمر هذا قول قد قال به جماعة من الأئمة ممن يقول الايمان قول وعمل وقالت به المرجئة أيضا (ألا أن المرجئة) تقول (المؤمن) المقر مستكمل الايمان وقد ذكرنا اختلاف أئمة (أهل) السنة والجماعة في تارك الصلاة فأما أهل البدع فإن المرجئة قالت تارك الصلاة مؤمن مستكمل الإيمان إذا كان مقرا غير جاحد ومصدقا غير مستكبر وحكيت هذه المقالة عن أبي حنيفة وسائر المرجئة وهو قول جهم
242

وقالت المعتزلة تارك الصلاة فاسق لا مؤمن ولا كافر وهو مخلد في النار الا أن يتوب وقالت الصفرية والأزارقة من الخوارج هو كافر حلال الدم والمال وقالت الأباضية هو كافر غير أن دمه وماله محرمان ويسمونه كافر نعمة فهذا جميع ما اختلف فيه أهل القبلة في تارك الصلاة وفي هذا الحديث أيضا أن من صلى في بيته ثم دخل المسجد فأقيمت عليه تلك الصلاة أنه يصليها معهم ولا يخرج حتى يصلي وإن كان قد صلى في جماعة أهله أو غيرهم لأن في حديث هذا الباب بلى يا رسول الله ولكني قد صليت في أهلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له على ذلك أن يصلي وإن كان قد صلى في أهله ولم يبين أنه كان صلى منفردا وهذا موضع اختلف العلماء فيه فقال جمهور الفقهاء إنما هذا لمن صلى وحده وأما من صلى في بيته أو غير بيته في جماعة فلا يعيد تلك الصلاة لأن اعادتها في جماعة لا وجه له وإنما كانت الإعادة لفضل الجماعة وهذا قد صلى في جماعة فلا وجه لإعادته في جماعة أخرى (ولو جاز أن
243

يعيد في جماعة أخرى من صلى في جماعة للزمه أن يعيد في جماعة أخرى) ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له في تلك الصلاة وهذا لا يجوز أن يقول به أحد والله أعلم واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم لا تعاد صلاة في يوم مرتين (1) وقالوا معنى هذا الحديث أن من صلى في جماعة لا يعيد في جماعة وممن قال بهذا القول مالك بن أنس وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد البزار قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا حسين وهو المعلم عن عمرو بن شعيب عن (سليمان) مولى ميمونة قال أتيت على ابن عمر وهو على البلاط وهم يصلون فقلت ألا تصلي معهم قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين (2) وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال حدثنا أبو معمر قال حدثنا عبد الوارث
244

قال حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن سليمان بن يسار قال مررت بابن عمر وهو جالس بالبلاط والقوم يصلون قال فقلت الا تصلي قال قد صليت قال قلت القوم يصلون قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو قول داود جائز لمن صلى في جماعة ثم دخل المسجد فأقيمت تلك الصلاة أن يصليها ثانية في جماعة (قال أحمد ولا يجوز له أن يخرج إذا أقيمت عليه الصلاة حتى يصليها وإن كان قد صلى في جماعة) واحتج بحديث أبي هريرة قوله في الذي خرج عند الإقامة من المسجد أما هذا فقد عصى أبا القاسم (1) صلى الله عليه وسلم وروى عن أبي موسى الأشعري
وحذيفة بن اليمان وأنس ابن مالك وصلة بن زفر (2) والشعبي والنخعي إعادة الصلاة في جماعة لمن صلاها (في) جماعة وبه قال حماد بن زيد وسليمان
245

ابن حرب حكى ذلك أبو بكر الأثرم (1) عن أحمد وعن سائر من ذكرنا كما ذكرنا بالأسانيد فمن ذلك أن قال حدثنا عبد الله بن بكر السهمي قال حدثنا حميد عن أنس قال قدمنا مع أبي موسى حين بعثه عمر على البصرة فصلى بنا الغداة في المربد فانتهينا إلى المسجد الجامع فأقيمت الصلاة علينا فصلينا مع المغيرة بن شعبة قال وأخبرنا عثمان بن أبي شيبة وسفيان بن وكيع قالا حدثنا جرير عن ليث عن نعيم بن أبي هند عن ربعي بن خراش عن صلة بن زفر قال انطلقت مع حذيفة في حاجة فأتينا على مسجد وهم يصلون الظهر فصلينا معهم ثم خرجنا فأتينا على مسجد يصلون الظهر فصلينا معهم وذكر مثل ذلك في العصر والمغرب (من اعادتهما في جماعة قال فذهبت أقوم في الثالثة فأجلسني) قال وحدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو عوانة عن إسماعيل بن سالم عن عامر قال إذا دخلت المسجد
246

وقد صليت صلاة وحدك أو في جماعة فأقيمت تلك الصلاة وأنت في المسجد فإني أكره أن تخرج كما تخرج اليهود والنصارى ولكن صلها (معهم) فتكون صلاتك التي (قد) صليت قبل ذلك الفريضة وصلاتك هذه التطوع صلها معهم وإن كان العصر حدثنا سليمان بن حرب قال صليت ثم أتيت مسجد حماد بن زيد وذلك (في) صلاة العصر وقد علم حماد بن زيد أني أصلي بهم ها هنا فأقيمت الصلاة فقال لي حماد صل قلت قد صليت قال صل فصليت قلت لسليمان من صلى في جماعة أيعيد قال نعم حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الحميد بن أحمد حدثنا الخضر بن داود حدثنا أبو بكر الأثرم فذكر الأحاديث إلى آخرها واتفق أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه على أن معنى حديث ابن عمر الذي قدمنا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تصلوا صلاة في يوم واحد مرتين قالا إنما ذلك أن يصلي الإنسان الفريضة (ثم) يقوم فيصليها ثانية ينوي بها الفرض مرة أخرى يعتقد ذلك فأما إذا صلاها مع الإمام على أنها سنة تطوع فليس بإعادة للصلاة
247

(قال أبو عمر قد علمنا أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما) (1) أمر الذي صلى في أهله وحده أن يعيد (في جماعة) (2) من أجل فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ ليتلافى ما فاته من فضل الجماعة إذا كان قد صلى منفردا والمصلي في جماعة قد حصل له الفرض والفضل فلم يكن لإعادته الصلاة وجه الا أن يتطوع بها وسنة التطوع أن يصلي ركعتين وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى (3) يعني في التطوع وروى عنه أنه نهى عن القصد إلى التطوع بعد العصر والصبح فمن ها هنا لم يكن لإعادة الصلاة لمن صلاها في جماعة وجه والله أعلم والأحاديث عن السلف تدل على ذلك لفضل الجماعة والله أعلم روى مالك عن عفيف بن عمر (4) السهمي عن رجل من بني أسد أنه سأل أبا أيوب الأنصاري فقال إني أصلي في بيتي ثم آتي المسجد فأجد الإمام يصلي افأصلي معه فقال أبو أيوب نعم فصل معه ومن صنع ذلك فإن له سهم جمع (5) أو مثل سهم
248

جمع قال ابن وهب يعني يضعف له الأجر قال أبو عمر قول ابن وهب هذا والله أعلم خير من قول من قال إن الجمع ها هنا الجيش وإن له أجر الغازي أو الغزاة من قوله تراءى الجمعان (1) يعني الجيشين وليس هذا عندي بشيء والوجه ما قاله ابن وهب وهو المعروف عن العرب أخبرني عبد الله بن محمد حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن الحسن حدثنا الزبير بن أبي بكر قال حدثني عمي مصعب بن عبد الله أن في وصية المنذر بن الزبير أن لفلان بغلتي الشهباء ولفلان عشرة آلاف درهم ولفلان سهم جمع قال مصعب فسألت عبد الله بن المنذر بن الزبير ما يعني بسهم الجمع قال نصيب رجلين) (2) واختلف الفقهاء (أيضا) فيما يعاد من الصلوات مع الإمام لمن صلاها في بيته فقال مالك تعاد الصلوات (كلها) مع الإمام الا المغرب وحدها فإنه لا يعيدها لأنها تصير شفعا قال ومن صلى في جماعة ولو مع واحد فإنه لا يعيد تلك
249

الصلاة الا أن يعيدها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الحرام أو المسجد الأقصى قال وإن دخل الذي صلى وحده المسجد فوجدهم جلوسا في آخر صلاتهم فلا يجلس معهم ولا يدخل في صلاتهم حتى يعلم أنه يدرك منها ركعة ومن قول مالك أنه لا يدري أي صلاتيه فريضته وإنما ذلك عنده إلى الله يجعلها أيتهما شاء ولا يقول أنها نافلة وروى عن ابن عمر وسعيد بن المسيب مثل قوله هذا ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء واختلفت أجوبته وأجوبة أصحابه فيمن أحدث في الثانية مع الامام أو ذكر بعد فراغه منها أن الأولى على غير وضوء أو أسقط منها سجدة بما لم أر لذكره وجها في هذا الموضع وقال ابن وهب في الموطأ قال مالك من أحدث في هذه فصلاته في بيته هي صلاته قال أبو عمر هذا هو الصحيح من قوله وقول غيره في هذه المسألة وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يعيد المصلي وحده العصر مع
250

الامام ولا الفجر ولا المغرب ويصلي معه الظهر والعشاء ويجعل صلاته مع الامام نافلة قال محمد بن الحسن لأن النافلة بعد العصر والصبح لا تجوز ولا تعاد المغرب لأن النافلة لا تكون وترا (في غير الوتر) (1) وقال الأوزاعي يعيد مع الامام جميع الصلوات الا المغرب والفجر وهو قول عبد الله بن عمر وحجة من قال هذا القول أن الوتر في صلاة النافلة غير جائز لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى ولاجماع العلماء أن النافلة غير الوتر لا تكون وترا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وتران في ليلة (2) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس (3) وصلى بعد العصر ركعتين وجاء عن جماعة من السلف أنهم كانوا يتطوعون بعد العصر ما كانت الشمس بيضاء نقية ولم يجيء ذلك عن واحد
251

منهم في الصلاة بعد الصبح والنهي عند ابن عمر ومن قال بقوله عن الصلاة بعد العصر معناه إذا أصفرت الشمس وكانت على الغروب وأما إذا كانت بيضاء نقية فلا بأس عندهم بصلاة النافلة (1) وللقول في هذا التأويل موضع من كتابنا غير هذا يأتي ذكره في باب محمد بن يحيى بن حبان إن شاء الله فلذلك لم ير ابن عمر بإعادة العصر بأسا وكره إعادة الصبح وقال الشافعي يصلي الرجل الذي صلى وحده مع الجماعة كل صلاة المغرب وغيرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمحجن الديلي إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت ولم يخص صلاة من صلاة قال والأولى هي الفريضة والثانية سنة (تطوعا) سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول داود (بن علي) الا أن داود يرى الإعادة في الجماعة على من صلى وحده فرضا ولا يحتسب عنده بما صلى وحده وفرضه ما أدركه من صلاة الجماعة وأما من صلى في
جماعة ثم أدرك جماعة أخرى فالإعادة ها هنا استحباب واختلف عن الثوري فروى عنه أنه يعيد الصلوات كلها مع الامام كقول الشافعي سواء وروى عنه مثل قول مالك ولا خلاف
252

عن الثوري أن الثانية تطوع وأن التي صلى وحده هي المكتوبة وقال أبو ثور يعيدها كلها إلا الفجر والعصر إلا أن يكون في مسجد فتقام الصلاة فلا يخرج حتى يصليها وحجته النهي عن صلاة النافلة بعد العصر وبعد الصبح فأما ما احتج به مالك من قول ابن عمر وسعيد ابن المسيب ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء ولم يقل واحد منهما أن الثانية نافلة فإن ابن عمر وسعيد بن المسيب قد اختلف عنهما في ذلك وإن كان نقل مالك أصح حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا أبو عبد الملك محمد بن عبد الله بن أبي دليم (1) قال حدثنا (محمد) بن وضاح قال حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني قال حدثنا ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله قال سألت عبد الله بن عمر عن رجل صلى العصر ثم أعاد في الجماعة أيهما المكتوبة قال الأولى حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عبد الحميد ابن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا الثقفي (2) عن
253

عبد الله بن عثمان عن مجاهد قال خرجت مع ابن عمر من دار عبد الله بن خالد حتى نظرنا إلى باب المسجد فإذا الناس في (صلاة) العصر فلم يزل بي واقفا حتى صلى الناس وقال إني (قد) صليت في البيت وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قراءة مني عليه أن أباه حدثه قال حدثنا عبيد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد (1) قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة فذكر بإسناده مثله وذكر أبو بكر الأثرم قال حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا همام قال حدثنا قتادة قال قلت لسعيد بن المسيب إذا صليت وحدي ثم أدركت الجماعة فقال أعد غير أنك إذا أعدت المغرب صليت إليها ركعة أخرى تشفع بها واجعل صلاتك وحدك تطوعا وهذا حديث لا وجه له كيف يشفع المغرب وتكون الأولى تطوعا
254

وقد أجمع العلماء أن المغرب لا تشفع بركعة إذا نوى بها الفريضة وأن التطوع لا يكون وترا في غير الوتر وقد كان جماعة من العلماء ينكرون أشياء كثيرة من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب منها هذا وأما ما جاء عن ابن عمر من رواية مالك في موطئه وما قد ذكرناه عنه ها هنا فإن الحديثين وإن تدافعا فإنه قد يحتمل أن يخرجا على غير (وجه) التدافع بأن يحملا على أن قوله ذلك إلى الله أنه أراد بذلك القبول أي أنه يتقبل أيتهما شاء فقد يتقبل الله النافلة التطوع ولا يتقبل الفريضة وقد يتقبل الله الفريضة دون التطوع وقد يتقبلهما بفضله جميعا وقد لا يقبل واحدة منهما وليس كل صلاة مقبولة وكان بعض الصالحين يقول طوبى لمن تقبلت منه صلاة واحدة قال ذلك على جهة الاشفاق وقد روينا عن ابن عمر مثل هذا ومعناه أخبرنا أحمد بن قاسم (1) قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا
255

هشام بن عمار (1) قال حدثنا هشام بن يحيى الغساني عن أبيه (2) قال جاء سائل إلى ابن عمر فقال لابنه أعطه دينارا فقال له ابنه تقبل الله منك يا أبتاه فقال لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم واحد لم يكن غائب أحب إلى من الموت أتدري ممن يتقبل الله * (إنما يتقبل الله من المتقين) * 3 فكان ابن عمر والله أعلم وسعيد بن المسيب إذا سأل كل واحد منهما السائل أيتهما صلاتي أي أيتهما التي يتقبل الله مني أجابه كل واحد منهما بأن ذلك ليس اليه علمه وأن ذلك أمر علمه إلى الله وهو تأويل محتمل صحيح وقد تأول هذا التأويل عبد الملك بن الماجشون وقال إن الأولى هي صلاته والنظر يصحح ما قاله لاجماع الفقهاء القائلين بأن شهود الجماعة ليس بفرض واجب على أن الذي صلى وحده لو لم يدخل المسجد فيعيد مع الجماعة لم يكن عليه شيء وفي قول ابن عمر تعاد مع الامام كل صلاة الا المغرب والفجر دليل على أن الأخرى عنده تطوع وسنة
256

ويشهد لما ذكرناه ما رواه ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله أن الأولى صلاته ومما يصحح هذا المذهب أيضا ما رواه أبو ذر وأبو هريرة وجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون عليكم بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة (1) أي نافلة وحديث يزيد بن الأسود الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما الناس وهم يصلون فصليا معهم فإنها لكما نافلة وهذه الأحاديث تدل على أن الأولى فرضه والثانية تطوع (له) وتدل أيضا (على) إعادة الصلاة مع الإمام أنه أمر عام من غير تخصيص ولا تعيين وذكر أبو بكر الأثرم قال حدثنا عفان قال حدثنا جرير ابن حازم قال سمعت حمادا قال كان إبراهيم يقول إذا نوى الرجل صلاة كتبتها الملائكة فمن يستطيع أن يحولها فما صلى بعدها فهو تطوع
257

قرأت على عبد الوارث بن سفيان حدثكم قاسم بن أصبغ قال نعم حدثنا قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا هشيم بن بشير قال أخبرنا يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنى برجلين بعد ما صلى الغداة كانا في آخر المسجد لم يصليا معه قال ما منعكما أن تصليا معنا قالا كنا قد صلينا في رحالنا قال فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة (1) وهذا نص في موضع الخلاف يقطعه وبالله التوفيق وروى شعبة عن يعلى بن عطاء بإسناده مثله سواء والحجة لمالك والقائلين بقوله أن الصلوات كلها تعاد مع الامام الا المغرب قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى وقوله عليه الصلاة والسلام لا وتران في ليلة ومعلوم أن المغرب أن أعادها كانت احدى صلاتيه تطوعا وسنة التطوع أن تصلي ركعتين وغير جائز أن يكون وتران في ليلة لأن ذلك لو كان صار شفعا وبطل معنى الوتر فلما كان في إعادة المغرب مخالفة لهذين الحديثين منع مالك من إعادتها
258

ولا يدخل على من قال بقوله في إعادة العصر والصبح مع الإمام مخالفة لحديث النهي عن التطوع بالنافلة بعد الصبح والعصر لأنهم لا يقولون أن الثانية نافلة بل يقولون اننا لا نعلم أي الصلاتين فرضه ولا يأمرونه أن يدخل مع الامام الا بنية الفرض ثم ذلك إلى الله يجعلها أيتهما شاء فأيتهما جعلها فالأخرى تطوع والأغلب عندهم في الظن أن الثانية فرضه لفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ وتأولوا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يزيد بن الأسود فإنها لكما نافلة قالوا (معنى نافلة فضيلة
وزيادة خير ولا يوجب أن يكون معنى قوله ذلك) أن يكون تطوعا واحتجوا بقول الله تعالى * (نافلة لك) * 1 أي فضيلة وبقوله عز وجل * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة) * 2 أي فضيلة (ومن أدل دليل على أن الأولى فرضه والثانية نفل على مذهب مالك وأصحابه مما لم يختلفوا فيه أنهم لم يختلفوا أن من صلى وحده لا يكون إماما في تلك الصلاة فدل على أنها غير فريضة وإذا كانت غير فريضة كانت تطوعا وبالله التوفيق)
259

حديث موفي عشرين لزيد بن أسلم مسند صحيح مالك عن زيد ابن أسلم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه أن ابن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء (1) فقال ابن عباس يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه قال فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين (2) وهو يستر بثوب قال فسلمت عليه فقال من هذا قلت أنا (عبد الله) بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسالك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم قال فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأ حتى بدا لي رأسه ثم قال لأنسان يصب عليه أصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ثم قال هكذا رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل (3)
260

روى يحيى بن يحيى هذا الحديث عن مالك عن زيد بن أسلم عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه فذكره ولم يتابعه على إدخال نافع بين زيد بن أسلم وبين إبراهيم ابن عبد الله بن حنين أحد (من) رواة الموطأ عن مالك فيما علمت وذكر نافع في هذا الاسناد عن مالك خطأ عندي لا أشك فيه فلذلك لم أر لذكره في الاسناد وجها وطرحته منه كما طرحه ابن وضاح وغيره وهو الصواب إن شاء الله وهذا مما يحفظ من خطأ يحيى بن يحيى في الموطأ وغلطه ومثل هذا من غلطه الواضح أيضا روايته في كتاب الحج أيضا عن مالك عن نافع عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى جملا (كان) لأبي جهل بن هشام وهذا غلط غير مشكل وليس لذكر نافع في هذا الاسناد وجه وإنما رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر لا عن نافع وكذلك هو عند (كل) من روى الموطأ عن مالك وقد روى عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين هذا ابن شهاب ونافع مولى عبد الله بن عمر وزيد بن اسلم ومحمد بن عمرو ومحمد بن إسحاق والحرث بن أبي ذباب ويزيد بن أبي حبيب وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن وموسى بن عبيدة وغيرهم
261

وحنين (1) جد إبراهيم هذا يقال إنه مولى العباس بن عبد المطلب وقيل مولى علي بن أبي طالب فالله أعلم واختلف على إبراهيم (2) بن عبد الله بن حنين هذا (في حديثه) عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن القراءة في الركوع والتختم بالذهب اختلافا يدل على أنه لم يكن بالحافظ والله أعلم وسنذكر (ذلك) في باب حديث نافع من كتابنا هذا إن شاء الله (وروى هذا الحديث ابن عيينة عن زيد بن أسلم بإسناده وقال في آخره قال المسور بن مخرمة لابن عباس والله لا ما ريتك (3) أبدا) حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا الخشني (4)
262

حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا زيد ابن أسلم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه قال تمارى ابن عباس والمسور بن مخرمة في المحرم يغسل رأسه بالماء وهما بالعرج (1) فأرسلوني إلى أبي أيوب الأنصاري أسأله قال فأتيته وهو يغتسل بين قرني البئر فسلمت عليه فرفع رأسه وضم ثوبه إلى صدره حتى إني لأنظر إلى صدره فقلت أرسلني إليك ابن أخيك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم قال فغرف الماء على رأسه وأمر على رأسه فأقبل به وأدبر وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فقال المسور والله لا ما ريتك أبدا وفي هذا الحديث من الفقه أن الصحابة إذا اختلفوا لم تكن الحجة في قول واحد منهم الا بدليل يجب التسليم له من الكتاب أو السنة ألا ترى أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وهما من فقهاء الصحابة وإن كانا من أصغرهم سنا اختلفا فلم يكن لواحد منهما حجة على صاحبه حتى أدلى ابن عباس بالسنة ففلج (2) وهذا يبين لك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم هو على ما فسره المزني وغيره من أهل النظر أن ذلك في النقل لأن جميعهم ثقات مأمونون عدل رضي فواجب قبول ما نقل كل واحد منهم وشهد به على نبيه صلى الله عليه وسلم
263

ولو كانوا كالنجوم في آرائهم واجتهادهم إذا اختلفوا لقال ابن عباس للمسور أنت نجم وأنا نجم فلا عليك وبأينا اقتدى في قوله فقد اهتدى ولما احتاج إلى طلب البينة (والبرهان) من السنة على (صحة) قوله وسائر الصحابة رضي الله عنهم إذا اختلفوا حكمهم في ذلك كحكم ابن عباس والمسور بن مخرمة سواء وهم أول من تلا * (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) * 1 قال العلماء إلى كتاب الله وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فإن قبض فإلى سنته ألا ترى أن ابن مسعود قيل له أن أبا موسى الأشعري قال في أخت وابنة وابنة أبن أن للأبنة النصف وللأخت النصف ولا شيء لبنت الابن وأنه قال للسائل ائت ابن مسعود فإنه سيتابعنا فقال ابن مسعود * (قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين) * 2 بل أقضي فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت وبعضهم لم يرفع (هذا) الحديث وجعله موقوفا على ابن مسعود
264

وكلهم روى فيه أنه تلا * (قد ضللت إذا) * الآية وفي الموطأ أن أبا موسى أفتى بجواز رضاع الكبير فرد ذلك عليه ابن مسعود فقال أبو موسى لا تسئلوني ما دام هذا الحبر بين أظهركم (1) وروى مالك أن ابن مسعود رجع عن قوله في الربيبة إلى قول أصحابه بالمدينة (2) وهذا الباب في اختلاف الصحابة ورد بعضهم على بعض وطلب كل واحد منهم الدليل والبرهان على ما قاله من الكتاب والسنة إذا خالفه صاحبه أكبر من أن يجمع في كتاب فضلا عن أن يكتب في باب والأمر فيه واضح (3) وإذا كان هذا محل الصحابة رضي الله عنهم وهم أولو العلم (والدين) والفضل (وخير) أمة أخرجت للناس وخير القرون ومن قد رضي الله عنهم وأخبر بأنهم رضوا عنه وأثنى عليهم بأنهم الرحماء بينهم الأشداء على الكفار الركع السجد وأنهم الذين أوتوا العلم (قال مجاهد وغيره في قول الله عز وجل * (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق) * 4 قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلى كثير من ثناء الله عز وجل عليهم واختياره إياهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم
265

فإذا كانوا وهم بهذا المحل من الدين والعلم لا يكون أحدهم على صاحبه حجة ولا يستغنى عند خلاف غيره له عن حجة من كتاب الله أوسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمن دونهم أولى وأحرى أن يحتاج إلى أن يعضد قوله بوجه يجب التسليم له حدثني أحمد بن فتح قال حدثنا أحمد بن الحسن بن عتبة الرازي قال حدثنا عبيد الله بن عمر بن عبد العزيز العمري قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا سعيد بن داود بن أبي زنبر (1) عن مالك بن أنس عن داود بن الحصين عن طاوس عن عبد الل بن عمر قال العلم ثلاثة أشياء كتاب ناطق وسنة ماضية ولا أدري (2) وروى ابن وهب قال حدثنا عبد الرحمن بن زياد المعافري عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العلم ثلاثة فما سوى ذلك فهو فضل آية محكمة وسنة قائمة وفريضة (3) عادلة وقال إسماعيل القاضي حدثنا أبو ثابت عن ابن وهب قال قال مالك الحكم حكمان حكم جاء به كتاب الله وحكم أحكمته السنة قال ومجتهد رأيه فلعله يوفق قال ومتكلف فطعن عليه وذكر ابن وضاح عن محمد بن يحيى عن ابن وهب قال قال
266

لي مالك الحكم الذي يحكم به الناس حكما ما في كتاب الله أو أحكمته السنة فذلك الحكم الواجب وذلك الصواب والحكم الذي يجتهد فيه الحاكم برأيه فلعله يوفق وثالث متكلف فما أحراه أن لا يوفق قال وقال لي مالك الحكمة والعلم وقال مرة والفقه نور يهدي به الله من يشاء من خلقه ويؤتيه من أحب من عباده وليس بكثرة المسائل (1) قال أبو عمر إجماع الصحابة حجة ثابتة وعلم صحيح إذا كان طريق ذلك الاجماع التوقيف فهو أقوى ما يكون من السنن وإن كان اجتهادا ولم يكن في شيء من ذلك مخالفا فهو أيضا علم وحجة لازمة قال الله عز وجل * (ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) * 2 وهكذا إجماع الأمة إذا اجتمعت على شيء فهو الحق الذي لا شك فيه لأنها لا تجتمع على ضلال وما عدا هذه الأصول فكما قال مالك رحمه الله وقد تقصينا الأقاويل في هذا الباب في كتابنا في العلم (3) فمن أحبه تأمله هناك وبالله تعالى التوفيق
267

وفي هذا الحديث دليل والله أعلم على أن ابن عباس قد كان عنده في غسل المحرم رأسه علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبأه ذلك أبو أيوب أو غيره لأنه كان يأخذ علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنن وغيرها عن جميعهم ويختلف إليهم ألا ترى إلى قول عبد الله (1) بن حنين لأبي أيوب رحمه الله أرسلني إليك ابن عباس أسالك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم ولم يقل (هل) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم على حسبما اختلفا فيه فالظاهر والله أعلم أنه قد كان عنده من ذلك علم واختلف أهل العلم في غسل المحرم رأسه بالماء فكان مالك لا يجيز ذلك للمحرم ويكرهه (له) ومن حجته أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم الا من احتلام (2) قال مالك فإذا رمى المحرم جمرة العقبة (جاز له غسل رأسه وإن لم يحلق قبل الحلق لأنه إذا رمى جمرة العقبة) فقد حل
268

له قتل القمل وحلق الشعر والقاء التفث (1) ولبس الثياب قال وهذا الذي سمعت من أهل العلم (2) وعند جويرية في هذا الباب عن مالك حديث غريب صحيح حدثناه عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا ابن الأعرابي وحدثنا محمد قال حدثنا علي بن عمر الحافظ قال حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار قالا حدثنا أبو داود السجستاني حدثنا سوار بن سهل القرشي حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي (3) أنه رأى قيس بن سعد بن عبادة غسل أحد شقي رأسه بالشجرة ثم التفت فإذا هديه قد قلدت فقام فأهل قبل أن يغسل شق رأسه الآخر وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي والأوزاعي وأحمد ابن حنبل وأبو ثور وداود لا بأس بأن يغسل المحرم رأسه بالماء وكان عمر بن الخطاب يغسل رأسه بالماء وهو محرم ويقول لا يزيده الماء الا شعثا (4) ورويت الرخصة في ذلك (أيضا) عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وعليه جماعة التابعين وجمهور فقهاء المسلمين
269

وقد أجمعوا أن المحرم يغسل رأسه من الجنابة وأتباع مالك في كراهيته للمحرم غسل رأسه بالماء (قليل) وقد كان ابن وهب وأشهب يتغاطسان وهما محرمان مخالفة لابن القاسم في ابايته من ذلك وكان ابن القاسم يقول إن من غمس رأسه في الماء أطعم شيئا خوفا من قتل الدواب ولا بأس عند جميعهم أن يصب الماء (على المحرم لحر يجده وكان أشهب يقول لا أكره للمحرم غمس رأسه في الماء قال وما يخاف في الغمس ينبغي أن يخاف مثله في صب الماء على الرأس من الحر وأما غسل المحرم رأسه بالخطمي والسدر (1) فالفقهاء على كراهية ذلك هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم وكان مالك وأبو حنيفة يريان الفدية على المحرم إذا غسل رأسه بالخطمي وقال أبو ثور لا شيء عليه إذا فعل ذلك وكان عطاء وطاوس ومجاهد يرخصون للمحرم إذا كان قد لبد رأسه (في غسل رأسه) بالخطمي ليلين
270

وروى عن ابن عمر أنه كان يفعل ذلك ويحتمل ان يكون هذا من فعل ابن عمر بعد رمي جمرة العقبة وكان رضي الله عنه إذا لبد حلق فإنما كان فعله (ذلك) والله تعالى أعلم عونا على الحلق واحتج بعض المتأخرين على جواز غسل المحرم رأسه بالخطمي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمحرم الميت أن يغسلوه بماء وسدر وأمرهم أن يجنبوه ما يجتنب المحرم قال فدل ذلك على إباحة غسل راس المحرم بالسدر قال والخطمي في معناه قال أبو عمر هذا حديث اختلف الفقهاء في القول به وليس هذا موضع الكلام فيه واختلفوا أيضا في دخول (المحرم) الحمام فكان مالك وأصحابه يكرهون ذلك ويقولون من دخل الحمام فتدلك وأنقى الوسخ فعليه الفدية وكان الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود بن علي لا يرون بدخول المحرم الحمام بأسا وروى عن ابن عباس من وجه ثابت أنه كان يدخل الحمام وهو محرم (1)
271

وفي هذا الحديث أيضا استتار الغاسل عند الغسل ومعلوم أن الذي كان يستره بالثوب لا يطلع منه على ما يستره به عن مثله فالسترة واجبة على القريب والبعيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استر عورتك الا عن زوجتك أو أمتك (1) وهذا معناه عند الحاجة إلى ذلك لا غير وسيأتي في ستر العورة ما فيه كفاية في باب ابن شهاب إن شاء الله تعالى وأما قوله يغتسل بين القرنين فقال ابن وهب القرنان العمودان المبنيان اللذان فيهما السانية على رأس الجحفة وقال غيره هما حجران مشرفان أو عمودان على الحوض يقوم عليهما السقاة
272

حديث واحد وعشرون لزيد بن أسلم مسند مالك عن زيد ابن أسلم عن القعقاع (بن حكيم) عن أبي يونس (1) مولى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا ثم قالت إذا بلغت هذه الآية فآذني * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) * 2 فلما بلغتها آذنتها فأملت على حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين ثم قالت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) في هذا الحديث من الفقه جواز دخول مملوك المرأة عليها وفيه ما يدل على مذهب من قال إن القرآن نسخ منه ما ليس في مصحفنا اليوم ومن قال بهذا القول يقول إن النسخ على ثلاثة أوجه في القرآن أحدها ما نسخ خطه وحكمه وحفظه فنسي
273

يعني رفع خطه من المصحف وليس حفظه على وجه التلاوة ولا يقطع بصحته على الله ولا يحكم به اليوم أحد وذلك نحو ما روى أنه كان يقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم (1) ومنها قوله لو أن لابن آدم واديا من ذهب لابتغى اليه ثانيا ولو أن له ثانيا لابتغى اليه ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب ويتوب الله على من تاب (2) قيل إن هذا كان في سورة ص ومنها (بلغوا قومنا إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا (عنه) وهذا من حديث مالك عن إسحاق عن أنس أنه قال أنزل الله في الذين قتلوا ببئر معونة قرآنا قرأناه ثم نسخ بعد بلغوا قومنا وذكره ومنها قول عائشة كان فيما أنزل الله من القرآن عشر رضعات ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ (3) إلى أشياء في مصحف أبي و عبد الله وحفصة وغيرهم مما يطول ذكره
274

ومن هذا الباب قول من قال إن سورة الأحزاب كانت نحو سورة البقرة أو الأعراف روى سفيان وحماد بن زيد عن عاصم عن زر بن حبيش قال قال لي أبي بن كعب كائن تقرأ سورة الأحزاب أو كائن تعدها قلت ثلاثا وسبعين آية قال قط لقد رأيتها وإنها لتعادل البقرة ولقد كان فيما قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم (1) وقال مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار قال كانت سورة الأحزاب تقارن سورة البقرة (وروى أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا سيف عن مجاهد قال كانت الأحزاب مثل سورة البقرة أو أطول ولقد ذهب يوم مسيلمة قرآن كثير ولم يذهب منه حلال ولا حرام) أخبرنا عيسى بن سعيد بن سعدان (المقرئ) قال أخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن أحمد بن جعفر الخرقي المقرئ قال أخبرنا أبو الحسن صالح بن أحمد القيراطي قال أخبرنا أحمد بن محمد بن
275

يحيى بن سعيد القطان قال أخبرني يحيى بن أدم قال أخبرنا عبد الله بن الأجلح (1) عن أبيه عن عدي بن عدي (2) بن عميرة ابن فروة عن أبيه عن جده عميرة بن فروة أن عمر بن الخطاب قال لأبي وهو إلى جنبه أوليس كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله إن انتفاءكم من آبائكم كفر بكم فقال بلى ثم قال أوليس كنا نقرأ الولد للفراش وللعاهر الحجر (3) فيما فقدنا من كتاب الله فقال أبي بلى والوجه الثاني أن ينسخ خطه ويبقى حكمه وذلك نحو قول عمر بن الخطاب لولا أن يقول قوم زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي الشيخ والشيخة (إذا زنيا) فارجموهما ألبته بما قضيا من اللذة نكالا من الله والله عزيز حكيم (4) فقد قرأناها
276

على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مما نسخ ورفع خطه من المصحف وحكمه باق في الثيب من الزناة إلى يوم القيامة إن شاء الله (عند أهل السنة) ومن هذا الباب قوله في هذا الحديث وصلاة العصر (في مذهب من نفي أن تكون الصلاة الوسطى هي صلاة العصر) وقد تأول قوم في قول عمر قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي تلوناها والحكمة تتلى بدليل قول الله عز وجل * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) * 1 وبين أهل العلم في هذا تنازع يطول ذكره والوجه الثالث أن ينسخ حكمه ويبقى خطه يتلى في المصحف وهذا كثير نحو قوله عز وجل * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول) * 2 نسختها يتربصن بأنفسهن أربعة اشهر وعشرا (3) الآية وهذا من الناسخ والمنسوخ المجتمع عليه وقد أنكر قوم أن يكون هذا الحديث في شيء من معنى الناسخ والمنسوخ وقالوا إنما هو من معنى السبعة الأحرف التي أنزل
277

الله القرآن عليها نحو قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود رحمهما الله فامضوا إلى ذكر الله وقراءة ابن مسعود فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما وقراءة أبي وابن عباس وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين) وقراءة ابن مسعود وابن عباس فلما خر تبينت الانس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ونحو هذا من القراءات المضافة إلى الأحرف السبعة وقد ذكرنا ما للعلماء من المذاهب في تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب (1) وقد أبت طائفة أن يكون شيء من القرآن الا ما بين لوحي مصحف عثمان واحتجوا بقول الله عز وجل * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * 2 إلى أشياء احتجوا بها يطول ذكرها وأجمع العلماء أن ما في مصحف عثمان بن عفان وهو الذي بأيدي المسلمين اليوم في أقطار الأرض حيث كانوا هو القرآن المحفوظ الذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه ولا تحل الصلاة لمسلم الا بما فيه وإن كل ما روى من القراءات في الآثار عن النبي صلى
278

الله عليه وسلم أو عن أبي أو عمر بن الخطاب أو عائشة أو ابن مسعود أو ابن عباس أو غيرهم من الصحابة مما يخالف مصحف عثمان المذكور لا يقطع بشيء من ذلك على الله عز وجل ولكن ذلك في الاحكام يجري في العمل مجرى خبر الواحد وإنما حل مصحف عثمان رضي الله عنه هذا المحل لاجماع الصحابة وسائر الأمة عليه ولم يجمعوا على ما سواه وبالله التوفيق ويبين لك هذا إن من دفع شيئا مما في مصحف عثمان كفر (1) ومن دفع ما جاء في هذه الآثار وشبهها من القراءات لم يكفر ومثل ذلك من أنكر صلاة من الصلوات الخمس واعتقد أنها ليست واجبة عليه كفر ومن أنكر أن يكون التسليم من الصلاة أو قراءة أم القرآن أو تكبيرة الاحرام فرض لم يكفر ونوظر فإن بان له فيه الحجة والا عذر إذا قام له دليله وإن لم يقم له على ما ادعاه دليل محتمل هجر وبدع فكذلك ما جاء من الآيات المضافات إلى القرآن في الآثار فقف على هذا الأصل
279

وفي هذا الحديث دليل على أن الصلاة الوسطى ليست صلاة العصر لقوله فيه وصلاة العصر وهذه الواو تسمى الواو الفاصلة (1) وحديث عائشة هذا صحيح لا أعلم فيه اختلافا وقد روى عن حفصة في هذا نحو حديث عائشة سواء رواه مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع أنه قال كنت أكتب مصحفا لحفصة أم المؤمنين فقالت إذا
بلغت هذه الآية فآذني * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) * فلما بلغتها آذنتها فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين (2) هكذا رواه مالك موقوفا وحديث حفصة هذا قد اختلف في رفعه وفي متنه أيضا وممن رفعه عن زيد هشام بن سعد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا المطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث قال حدثني هشام عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع أنه قال أمرتني
280

حفصة أن أكتب لها مصحفا فقالت إذا بلغت آية الصلاة من البقرة فتعال أملها عليك فلما بلغتها جئتها فقالت (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر) هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن أبي بكر قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع أن حفصة أمرت أن يكتب لها مصحف فقالت إذا أتيت على ذكر الصلوات فلا تكتب حتى أمليها عليك كما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر قال نافع فرأيت الواو فيها (1) قال عبيد الله وكان زيد بن ثابت يقول صلاة الوسطى صلاة الظهر (2) قال أبو عمر هذا إسناد صحيح جيد في حديث حفصة ووجدت في أصل
281

سماع (1) أبي رحمه الله بخطه أن أبا عبد الله محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال حدثهم قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا نصر بن مرزوق قال أخبرنا أسد بن موسى قال حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لكاتب مصحفها إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني حتى أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فلما أخبرتها قالت أكتب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وروى هشيم قال حدثنا جعفر بن إياس عن رجل حدثه عن سالم بن عبد الله أن حفصة أم المؤمنين أمرت رجلا يكتب لها مصحفا فقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * فلما بلغتها أعلمتها ذلك فقالت له اكتب * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * صلاة العصر ذكره سنيد وغيره عن هشيم ففي هذا الحديث أنها
282

جعلت صلاة العصر بدلا من الصلاة الوسطى ولم يأت (فيه) بالواو فلو صح هذا كانت صلاة العصر هي الصلاة الوسطى (وقد احتج بعض من زعم أن الصلاة الوسطى صلاة العصر بحديث هشيم هذا وما كان مثله وقال إن سقوط الواو وثبوتها في مثل هذا من كلام العرب سواء واحتج بقول الشاعر
* إلى الملك القرم وابن الهما
* م وليث الكتيبة في المزدحم
*
* يريد الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة والعرب تقول اشتر ثوبا قطنا كتانا صوفا وقالوا ان من هذا الباب قول الله تعالى * (فيهما فاكهة ونخل ورمان) * 1 أي فيهما فاكهة نخل ورمان وكذلك قالوا في قوله تعالى * (وملائكته ورسله وجبريل وميكال) * 2 يريد وملئكته جبريل وميكائيل) (3) وهذا خلاف ما (تقدم وخلاف ما) روى عن عائشة وحديث عائشة أصح وكذلك رواية من أثبت (الواو) في حديث حفصة أصح إسنادا والله أعلم وحسبك بقول نافع فرأيت الواو فيها
283

وقد اختلف العلماء في الصلاة الوسطى فقالت طائفة الصلاة الوسطى صلاة الصبح وممن قال بهذا عبد الله بن عباس وهو أصح ما روى عنه في ذلك إن شاء الله وعبد الله بن عمر وعائشة على اختلاف عنهم في ذلك وروى زهير بن محمد ومصعب بن سعد عن زيد ابن أسلم عن ابن عمر قال الصلاة الوسطى صلاة الصبح (1) وذكر إسماعيل بن إسحاق قال أخبرنا إبراهيم بن حمزة وعلي بن المديني واللفظ له قالا حدثنا عبد العزيز بن محمد قال حدثني زيد ابن أسلم قال سمعت ابن عمر يقول الصلاة الوسطى صلاة الصبح قال أبو عمر وهذا قول طاوس وعطاء ومجاهد وبه قال مالك بن أنس وأصحابه ذكر إسماعيل قال حدثنا إبراهيم بن حمزة (3) قال
284

أخبرنا عبد العزيز (بن محمد) عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول الصلاة الوسطى صلاة الصبح تصلي في سواد من الليل وبياض من النهار وهي أكثر الصلوات تفوت الناس قال إسماعيل وحدثنا (به) محمد بن أبي بكر قال حدثنا عبد الله ابن جعفر عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس مثله قال إسماعيل الرواية عن ابن عباس في ذلك صحيحة ويدل على مذهبه قول الله عز وجل * (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) * 1 فخصت بهذا النص مع أنها منفردة بوقتها لا يشاركها غيرها في (هذا) الوقت فدل ذلك على أنها الوسطى والله أعلم (وزاد غيره أنها لا تجتمع مع غيرها لا في سفر ولا حضر وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يضمها إلى غيرها في وقت واحد) قال أبو عمر وقال قائلون (إن) الصلاة الوسطى صلاة الظهر روى ذلك عن زيد بن ثابت وهو أثبت ما روى عنه وروى ذلك أيضا عن
285

(عبد الله) بن عمر وعائشة وأبي سعيد الخدري على اختلاف عنهم وروى أيضا عن عبد الله بن شداد وعروة بن الزبير أنها الظهر أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال أخبرنا أبو داود قال أخبرنا محمد بن المثنى قال أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرنا شعبة قال حدثني عمرو بن أبي حكيم قال سمعت الزبرقان يحدث عن عروة ابن الزبير عن زيد بن ثابت قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه منها فنزلت * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين (1) وروى شعبة أيضا عن سعد بن إبراهيم قال سمعت حفص ابن عمر (2) يحدث عن زيد بن ثابت قال الصلاة الوسطى صلاة الظهر وشعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بن ثابت مثله
286

ومالك عن داود بن الحصين عن ابن يربوع المخزومي سمع زيد بن ثابت مثله (1) وقال إسماعيل من قال إنها الظهر ذهب إلى أنها وسط النهار أو لعل بعضهم روى في
ذلك أثرا فاتبعه قال أبو عمر وقال آخرون الصلاة الوسطى صلاة العصر وممن قال بذلك علي بن أبي طالب لا خلاف عنه من وجه معروف صحيح وقد روى من حديث حسين (2) بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أنه قال الصلاة الوسطى صلاة الصبح وحسين هذا متروك الحديث مدني ولا يصح حديثه بهذا (الاسناد) وقال قوم إن ما أرسله مالك رحمه الله في موطئه عن علي بن أبي طالب في الصلاة الوسطى أنها الصبح (3) أخذه من حديث
287

ابن ضميرة هذا الا أنه لا يوجد عن علي الا من حديثه والصحيح عن علي من وجوه شتى صحاح (أنه) قال في الصلاة الوسطى صلاة العصر وروى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عنه جماعة من أصحابه منهم عبيدة السلماني وشتير بن شكل ويحيى بن الجزار (والحرث) والأحاديث عنه في ذلك صحاح ثابتة أسانيدها حسان ذكر إسماعيل قال أخبرنا محمد بن أبي بكر قال حدثنا يحيى وعبد الرحمان بن مهدي عن سفيان عن عاصم عن زر قال (قلت) لعبيدة سل عليا عن الصلاة الوسطى فسأله قال كنا نراها الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الأحراب شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله قبورهم وأجوافهم وبيوتهم نارا (1) وممن قال أيضا الصلاة الوسطى صلاة العصر أبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة (الدوسي) وأبو سعيد الخدري وهو قول عبيدة السلماني والحسن البصري ومحمد بن
288

سيرين والضحاك بن مزاحم وسعيد بن جبير وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم وأكثر أهل الأثر (وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب) وروى ذلك (أيضا) عن ابن عباس وابن عمر وعائشة على اختلاف عنهم كما ذكرنا وأما حديث ابن عمر فرواه شعبة عن أبي حيان قال سمعت ابن عمر سئل عن الصلاة الوسطى فقال هي العصر وأما حديث عائشة فرواه وكيع عن محمد بن عمرو عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت هي العصر وروى ذلك إسماعيل أيضا عن محمد بن أبي بكر عن ابن مهدي عن محمد بن عمرو عن القاسم عن عائشة واحتج من قال أنها العصر بما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال أخبرنا عثمان بن أبي شيبة قال أخبرنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة ويزيد بن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق حبسونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا (1) وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال أخبرنا أحمد ابن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبان بن
289

يزيد قال حدثنا قتادة أن أبا حسان أخبره عن عبيدة السلماني أنه سمع عليا (قال) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق اللهم املأ بيوتهم وقبورهم نارا كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس ورواه شعبة (عن قتادة) عن أبي حسان عن عبيدة عن علي مثله مرفوعا وذكر إسماعيل القاضي قال حدثنا محمد بن أبي بكر قال حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن حسان عن محمد بن عبيدة (السلماني) عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الخندق شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس ملأ الله قلوبهم وقبورهم نارا قال القاضي أحسن الأحاديث المرفوعة في هذا الباب عن علي حديث هشام بن حسان عن محمد بن عبيدة وحدثني محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عيسى عن الأعمش عن مسلم عن شتير بن شكل
290

عن علي قال شغلوا النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى صلاها بين صلاتي العشاءين فقال شغلونا عن صلاة الوسطى ملأ الله بيوتهم (وقبورهم) نارا وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال أخبرنا قاسم بن أصبغ قال أخبرنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سفيان قال حدثني الأعمش عن مسلم أبي الضحى (1) عن شتير بن شكل عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غابت الشمس ملأ الله قلوبهم وأجوافهم نارا (2) وروى شعبة أيضا عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي قال كان النبي صلى الله عليه وسلم على فرضة من فرض (3) الخندق فقال شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس ملأ الله قبورهم وبطونهم (وبيوتهم) نارا
291

قال شعبة لم يسمع يحيى (1) بن الجزار من علي غير هذا الحديث وروى سفيان الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق عن الحرث عن علي قال الصلاة الوسطى صلاة العصر ويوم الحج الأكبر يوم النحر واحتج من قال إنها الصبح بحديث مالك عن زيد ابن أسلم عن أبي يونس عن عائشة المذكور في هذا الباب ويجوز أن يحتج به (أيضا) من قال إنها الظهر لأن قوله والصلاة الوسطى وصلاة العصر يقتضي أن الوسطى ليست (صلاة) العصر وقد عارض بعض المتأخرين حديث عائشة هذا بحديث زيد ابن أرقم قال كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) * 2 قال فهذا
292

زيد بن أرقم يذكر أن الآية هكذا أنزلت ليس فيها وصلاة العصر وهو الثابت بين اللوحين بنقل الكافة واحتج أيضا من قال إنها العصر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله (1) قالوا فلم يخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر الا لأنها الوسطى التي خصها الله بالتأكيد والله أعلم وروى عن قبيصة (2) بن ذؤيب أنه قال الصلاة الوسطى صلاة المغرب ألا ترى أنها ليست بأقلها ولا أكثرها ولا تقصر في السفر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها وهذا لا أعلمه قاله غير قبيصة قال أبو عمر كل ما ذكرنا قد قيل فيما وصفنا (3) وبالله توفيقنا وهو
293

أعلم بمراده عز وجل من قوله * (والصلاة الوسطى) * وكل واحدة من الخمس وسطى (1) لأن قبل كل واحدة منهن صلاتين وبعدها صلاتين كما قال زيد بن ثابت في الظهر والمحافظة على جميعهن واجب والله المستعان
294

حديث ثان وعشرون لزيد بن أسلم مسند مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن معاذ الأشهلي (الأنصاري) عن جدته أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا نساء المؤمنات لا تحقرن احدكن لجارتها ولو كراع شاة محرقا (1) قال صاحب العين الكراع (من الانسان) ومن الدواب وسائر المواشي ما دون الكعب وفي هذا الحديث الحض على الصلة والهدية بقليل الشيء وكثيره وفي ذلك دليل على بر الجار وحفظه لأن من ندبت (إلى) أن تهدي اليه وتصله فقد منعت من أذاه وأمرت ببره والآثار في الهدايا وحسن الجوار كثيرة معروفة وفي ذكر القليل من ذلك ما ينبه على فضل الكثير منه لمن فهم معنى الخطاب وبالله التوفيق ولقد أحسن القائل (2)
295

* افعل الخير ما استطعت وإن كان
* قليلا فلن تطيق بكله
* ومتى تفعل الكثير من الخير
* إذا كنت تاركا لأقله
* وأحسن من هذا قول محمود الوراق
* لقد رأيت الصغير من عمل الخير
* ثوابا عجبت من كبره
* أو قد رأيت الحقير من عمل الشر جزءا أشفقت من حذره
* وجدة عمرو بن معاذ (هذا) قيل إن اسمها حواء (1) بنت يزيد بن السكن مدنية وقد قيل أنها جدة ابن بجيد أيضا وحديث كل واحدة منهما قد روى عن صاحبته وسنذكر بعض ذلك الاختلاف في الباب (الذي يلي هذا الباب) في حديث زيد ابن أسلم عن ابن بجيد الأنصاري إن شاء الله حدثنا أحمد بن فتح (2) حدثنا علي بن شجاع بن فارس البغدادي حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي حدثنا عثمان بن
296

أبي شيبة حدثنا عمر (1) بن عبيد (عن الأعمش) عن شقيق (2) عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبلوا الهدية واجيبوا الداعي (3)
297

حديث ثالث وعشرون لزيد بن أسلم مسند مالك عن زيد ابن أسلم عن ابن بجيد الأنصاري ثم الحارثي عن جدته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ردوا السائل ولو بظلف محرق (1) هكذا رواه جماعة رواه الموطأ عن مالك وتابع ملكا على إسناد هذا الحديث ولفظه ومعناه معمر عن زيد ابن أسلم وكذلك رواه منصور بن حيان وسعيد المقبري عن ابن بجيد عن جدته عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث مالك رواه (عن) المقبري محمد بن إسحاق وابن أبي ذئب والليث ورواه عن منصور (2) بن حيان سفيان والظلف في اللغة الظفر من ذوي الأظلاف وذلك معروف قال الفرزدق
* وكان كعنز السوء قامت بظلفها
* إلى مدية مدفونة تستثيرها
*
298

وابن بجيد مدني معروف روى عنه زيد ابن أسلم وسعيد المقبري ومنصور بن حيان حديثه هذا وجدت في أصل سماع أبي رحمه الله بخطه أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال حدثهم قال أخبرنا سعيد بن عثمان قال حدثنا نصر بن مرزوق قال حدثنا أسد بن موسى قال أخبرنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمان (1) بن بجيد عن أم بجيد قالت قلت يا رسول الله (والله) إن المسكين ليقف على بابي حتى استحي فما أجد ما أضع في يده فقال ادفعي في يده ولو ظلفا محترقا وبهذا الاسناد عن أسد قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثنا سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن بجيد أخي بني حارثة عن جدته أم بجيد (2) أنها حدثته وكانت ممن بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
299

والله إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئا أعطيه إياه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم تجدي له شيئا تعطيه إياه الا ظلفا محرقا فادفعيه إليه في يده وخالف حفص بن ميسرة (أبو عمر الصنعاني) (1) في إسناد هذا الحديث وفي الذي قبله فقلبهما وجعل إسناد هذا في متن ذلك رواه ابن وهب ومعاذ بن فضالة عن أبي عمر الصنعاني حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عمرو بن معاذ الأشهلي عن جدته حواء قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ردوا السائل ولو بظلف محرق وهذا لفظ حديث ابن وهب وقال معاذ ولو بشيء محترق وتابعه على هذا اللفظ (بهذا الاسناد) هشام بن سعد عن زيد ابن أسلم (وهذا الحديث إنما هو لابن بجيد وروى أيضا عن حفص بن ميسرة عن زيد ابن أسلم) عن ابن بجيد عن جدته أم بجيد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة
300

وقد روى عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن بجيد الأنصاري عن جدته قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا نساء المؤمنات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن (1) شاة وهذا عند مالك إنما هو حديث عمرو بن معاذ الأشهلي الا أن لفظ حديث مالك ليس فيه ذكر فرسن وإنما فيه ولو كراع محترق قال صاحب العين فرسن البعير معروف وقال الأصمعي في قوله فرسن شاة هذه استعارة وإنما يعرف الفرسن للبعير والظلف للشاة (قال) واستعارة الفرسن لغير البعير (2) هو كقول الشاعر
* أشكو إلى مولاي من مولاتي
* تربط بالحبل أكير عاتي
* قال أبو عمر في هذا الحديث الحض على الصدقة بكل ما أمكن من قليل الأشياء وكثيرها وفي قول الله عز وجل * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * 3 أوضح الدلائل في هذا الباب
301

وتصدقت عائشة رضي الله عنها بحبتين من عنب فنظر إليها بعض أهل بيتها فقالت لا تعجبن فكم فيها من مثقال ذرة ومن هذا الباب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة ولو بكلمة طيبة (1) وإذا كان الله يربي الصدقات ويأخذ الصدقة بيمينه فيربها كما يربى أحدنا فلوه أو فصيله (2) فما بال من عرف هذا يغفل عنه وما التوفيق الا بالله وفي سماع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن بجيد هذا من رواية المقبري وغيره قول جدة ابن بجيد له إن المسكين ليقف على بابي
ولم ينكر عليها دليل على أن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة ليس المسكين بالطواف عليكم (3) لم يرد به (اسم) المسكنة ولكنه أراد معنى منها ليس موجودا في الطواف على الأبواب وهو الصبر على اللاواء والفقر مع ترك السؤال وكلاهما يقع عليه اسم مسكين بظاهر الحديثين فكأنه أراد والله أعلم ليس المسكين على تمام المسكنة وعلى الحقيقة الا الذي لا يسأل الناس ومنه قوله صلى الله عليه وسلم
302

ليس (من) البر الصيام في السفر (1) أي ليس البر كله بتمامه لأن الفطر أيضا في السفر في رمضان جزء للأخذ برخصة الله عز وجل وإباحته وبالله التوفيق
303

حديث رابع وعشرون لزيد بن أسلم مسند مالك عن زيد ابن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه (أنه) قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال لا أحب العقوق وكأنه إنما كره الاسم وقال من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل (1) روى هذا الحديث (ابن عيينة عن) زيد ابن أسلم عن رجل من (بني) ضمرة عن أبيه أو عن عمه هكذا على الشك والقول في ذلك قول مالك ولا أعلمه روى معنى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (إلا من هذا الوجه ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم) واختلف فيه على عمرو بن شعيب أيضا
304

(ومن أحسن أسانيد حديثه ما ذكره عبد الرزاق قال أخبرنا داود بن قيس قال سمعت عمرو بن شعيب يحدث عن أبيه عن جده قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال لا أحب العقوق وكأنه (1) كره الاسم قالوا يا رسول الله ينسك أحدنا عن ولده (2) فقال من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة) (3) وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في العقيقة آثار سنذكرها هنا إن شاء الله تعالى وفي هذا الحديث كراهية ما يقبح معناه من الأسماء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويعجبه الفال الحسن وقد جاء عنه في حرب ومرة ونحوهما ما رواه مالك (4) وغيره وذلك معروف ستراه في بابه من كتابنا هذا إن شاء الله
305

وكان الواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال للذبيحة عن المولود نسيكة ولا يقال عقيقة لكني لا أعلم أحدا من العلماء (1) مال إلى ذلك ولا قال به وأظنهم والله أعلم تركوا العمل بهذا المعنى المدلول عليه من هذا الحديث لما صح عندهم في غيره من لفظ العقيقة وذلك أن سمرة بن جندب روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه (2) وروى سلمان الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى (3) وهما حديثان ثابتان إسناد كل واحد منهما خير من إسناد حديث زيد ابن أسلم هذا حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال أملى علينا علي بن عبد العزيز بمكة في المسجد الحرام قال
306

حدثنا معلى بن أسد قال أخبرنا سلام بن أبي مطيع (1) قال حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال أخبرنا عفان قال حدثنا أبان قال حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويماط عنه الأذى ويسمى قال أحمد بن زهير وحدثنا أبي قال حدثنا قريش ابن أنس عن حبيب (2) بن الشهيد قال قال لي ابن سيرين (3) سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة فسألته عن ذلك فقال من سمرة وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا حجاج ابن منهال قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا أيوب وقتادة
307

ويونس وهشام وحبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين عن سلمان بن عامر الضبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مع الغلام عقيقته فأهرقوا عنه دما واميطوا عنه الأذى وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو غسان قال أخبرنا إسرائيل عن عبد الله بن المختار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الغلام مرتهن بعقيقته فهذا لفظ العقيقة قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة أثبت من حديث زيد بن أسلم هذا وعليها العلماء وهو الموجود في كتب الفقهاء وأهل الأثر في الذبيحة عن المولود العقيقة دون النسيكة وأما العقيقة في اللغة فزعم أبو عبيد عن الأصمعي وغيره أن أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد (قال) وإنما سميت الشاة التي تذبح عنه عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح قال ولهذا قيل في الحديث وأميطوا عنه الأذى يعني بالأذى ذلك الشعر
308

قال أبو عبيد وهذا مما قلت لك أنهم ربما سموا الشيء باسم غيره (1) إذا كان معه أو من سببه فسميت الشاة عقيقة لعقيقة الشعر وكذلك كل مولود من البهائم فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة وعقة قال زهير يذكر حمار وحش
* أذلك أم شتيم الوجه جأب
* عليه من عقيقته عفاء (2
* يعني صغار الوبر وقال ابن الرقاع في العقة يصف حمارا
* تحسرت عقة عنه فأنسلها
* واجتاب أخرى جديدا بعد ما ابتقلا
* قال يريد أنه لما فطم من الرضاع وأكل البقل ألقى عقيقته واجتاب أخرى وهكذا زعموا يكون قال أبو عبيد العقة والعقيقة في الناس والحمر ولم يسمع في غير ذلك قال أبو عمر هذا كله كلام أبي عبيد وحكايته وما ذكره في تفسير العقيقة
309

وقد أنكر أحمد بن حنبل تفسير أبي عبيد هذا للعقيقة وما ذكره عن الأصمعي وغيره في ذلك وقال إنما العقيقة (الذبح نفسه) قال ولا وجه لما قال أبو عبيد واحتج بعض
المتأخرين لأحمد بن حنبل في قوله هذا بأن قال ما (قال) أحمد من ذلك فمعروف في اللغة لأنه يقال عق إذا قطع ومنه يقال عق والديه إذا قطعهما (قال أبو عمر يشهد لقول أحمد بن حنبل قول الشاعر
* بلاد بها عق الشباب تمائمي (1
* وأول أرض مس جلدي ترابها
* يريد أنه لما شب قطعت عنه تمائمه
* ومثل هذا قول ابن ميادة واسمه الرماح (2
* بلاد بها نيطت على تمائمي
* وقطعن عني حين أدركني عقلي
*
*
310

وقول أحمد في معنى العقيقة في اللغة أولى من قول أبي عبيد وأترب وأصوب والله أعلم) قال أبو عمر في هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم من ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل دليل على أن العقيقة ليست بواجبة لأن الواجب لا يقال فيه من أحب فليفعله وهذا موضع اختلف العلماء فيه فذهب أهل الظاهر إلى أن العقيقة واجبة فرضا منهم داود بن علي وغيره واحتجوا لوجوبها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بها وفعلها وكان بريدة الأسلمي يوجبها وشبهها بالصلاة فقال الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس وكان الحسن البصري يذهب إلى أنها واجبة عن الغلام يوم سابعه فإن لم يعق عنه عق عن نفسه وقال الليث بن سعد يعق عن المولود في أيام سابعة في أيها شاء فإن لم تتهيأ لهم العقيقة في سابعه فلا بأس أن يعق عنه بعد ذلك وليس بواجب أن يعق عنه بعد سبعة أيام وكان الليث يذهب إلى أنها واجبة في السبعة الأيام
311

وكان مالك يقول هي سنة (1) واجبة يجب العمل بها وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور والطبري قال مالك لا يعق عن الكبير ولا يعق عن المولود الا يوم سابعة ضحوة فإن جاوز يوم السابع لم يعق عنه (وقد روى عنه أنه يعق عنه في السابع الثاني) قال ويعق عن اليتيم ويعق العبد المأذون له في التجارة عن ولده الا أن يمنعه سيده قال مالك ولا يعد اليوم الذي ولد فيه الا أن يولد قبل الفجر من ليلة ذلك اليوم وروى عن عطاء أن أخطأهم أمر العقيقة يوم السابع أحببت أن يؤخره إلى يوم السابع الآخر (2) وروى عن عائشة أنها قالت إن لم يعق عنه يوم السابع ففي أربع شعرة فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين وبه قال إسحاق بن راهويه وهو مذهب ابن وهب قال ابن وهب قال مالك بن أنس إن لم يعق عنه في يوم السابع عق عنه في السابع الثاني وقال ابن وهب ولا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث
312

وقال مالك إن مات قبل السابع لم يعق عنه وروى عن الحسن مثل ذلك وقال الليث بن سعد في المرأة تلد ولدين في بطن واحد أنه يعق عن كل واحد منهما قال أبو عمر ما أعلم عن أحد من فقهاء الأمصار خلافا في ذلك والله أعلم وقال الشافعي لا يعق المأذون له المملوك عن ولده ولا يعق عن اليتيم كما لا يضحي عنه وقال الثوري ليست العقيقة بواجبة وإن صنعت فحسن وقال محمد بن الحسن هي تطوع كان المسلمون يفعلونها فنسخها ذبح الأضحى فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل (1) وقال أبو الزناد العقيقة من أمر المسلمين الذين كانوا يكرهون تركه قال أبو عمر الآثار كثيرة مرفوعة عن الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين في استحباب العمل بها وتأكيد سنتها ولا وجه لمن قال إن ذبح الأضحى نسخها
313

واختلفوا في عدد ما يذبح عن المولود من الشياه في العقيقة عنه فقال مالك يذبح عن الغلام شاة واحدة وعن الجارية شاة الغلام والجارية في ذلك سواء والحجة له ولمن قال بقوله في ذلك ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا (1) وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن فاطمة ذبحت عن حسن وحسين كبشا كبشا وكان عبد الله بن عمر يعق عن الغلمان والجواري من ولده شاة شاة وبه قال أبو جعفر محمد (2) بن علي بن حسين كقول مالك سواء وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور يعق عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة وهو قول ابن عباس وعائشة وعليه جماعة أهل الحديث وحجتهم في ذلك ما حدثناه أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه قال حدثنا قاسم بن أصبغ
314

قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد وحدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر قراءة مني عليه أيضا واللفظ له قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قالا جميعا حدثنا سفيان قال أخبرنا عمرو بن دينار قال أخبرني عطاء بن أبي رباح أن حبيبة بنت ميسرة الفهرية مولاته أخبرته أنها سمعت أم كرز الخزاعية تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة (1) وعند ابن عيينة أيضا في هذا الحديث إسناد آخر عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت عن أم كرز حدثنيه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثني عبيد الله بن أبي يزيد قال أخبرني أبي أنه سمع سباع بن ثابت يحدث انه سمع أم كرز الكعبية تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أقروا الطير على مكناتها قالت وسمعته صلى الله عليه وسلم يقول عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا (2) هكذا قال ابن عيينة في هذا الحديث عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه وخالفه حماد بن زيد فلم يقل عن أبيه
315

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت عن أم كرز قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلام شاتان مثلان وعن الجارية شاة (1) قال أبو داود هذا هو الصحيح (2) وهم ابن عيينة فيه (3) قال أبو عمر لا أدري من أين قال هذا أبو داود وابن عيينة حافظ وقد زاد في الإسناد وله عن عبيد الله ابن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت عن أم كرز ثلاثة أحاديث وحدثنا بحديث حماد بن زيد أيضا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد فذكره بإسناده حرفا بحرف
316

وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يقول مكافأتان مستويتان متقاربتان (1) حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا داود بن قيس عن عمرو بن شعيب (عن أبيه) عن جده قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال لا أحب العقوق فقال أي رسول الله إنما أسألك عن أحدنا يولد له المولود فقال من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة (2) قال أبو عمر انفرد الحسن وقتادة بقولهما إنه لا يعق عن الجارية بشيء وإنما يعق عن الغلام فقط بشاة وأظنهما ذهبا إلى ظاهر حديث سلمان مع الغلام عقيقته والى ظاهر حديث سمرة الغلام مرتهن بعقيقته وكذلك انفرد الحسن وقتادة أيضا بأن الصبي يمس رأسه بقطنة قد غمست في دم (العقيقة)
317

قال أبو عمر أما حلق رأس الصبي عند العقيقة فإن العلماء كانوا يستحبون ذلك وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث العقيقة يحلق رأسه ويسمى وقال بعضهم في هذا الحديث وهو حديث سمرة يحلق رأسه ويدمي ولا أعلم أحدا من أهل العلم قال يدمي رأس الصبي إلا الحسن وقتادة فإنهما قالا يطلي رأس الصبي بدم العقيقة وأنكر ذلك سائر أهل العلم وكرهوه وحجتهم في كراهيته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سلمان بن عامر الضبي وأميطوا عنه الأذى فكيف (يجوز) أن يؤمر بإماطة الأذى عنه وأن يحمل على رأسه الأذى وقوله صلى الله عليه وسلم اميطوا عنه الأذى ناسخ لما كان عليه أهل الجاهلية من تخضيب رأس الصبي بدم العقيقة روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كان أهل الجاهلية إذا حلقوا رأس الصبي وضعوا دم العقيقة على رأسه بقطنه مغموسة في الدم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوقا (1)
318

وروى عن بريدة الأسلمي نحو ما روى عن عائشة في ذلك حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن ثابت قال حدثنا علي بن الحسين قال حدثني أبي قال حدثني عبد الله بن بريدة قال سمعت أبي بريدة يقول كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالاسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بالزعفران (1) قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال في حديث سمرة ويدمى مكان ويسمى الا هماما أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد ابن بكر بن عبد الرزاق التمار بالبصرة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حفص بن عمر النمري قال حدثنا همام قال حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويدمى فكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع (به) قال إذا ذبحت العقيقة أخذت (منها) صوفة (2) واستقبلت بها أوداجها ثم
319

توضع على يافوخ الصبي على رأسه (1) ثم يغسل رأسه بعد ويحلق (2) قال أبو داود وقوله ويدمى وهم من همام (3) وجاء تفسيره عن قتادة وهو منسوخ (4) وأما تسمية الصبي فإن مالكا رحمه اله قال يسمى يوم السابع وهو قول الحسن البصري والحجة لهذا القول حديث سمرة (وقد ذكرناه وهو) قوله يذبح عنه يوم سابعه ويسمى يريد والله أعلم ويسمى يومئذ قال مالك إن لم يستهل صارخا لم يسم وقال ابن سيرين وقتادة والأوزاعي إذا ولد وقد تم خلقه سمي في الوقت إن شاء ويجوز أن يحتج لمن قال بهذا القول بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ولد لي الليلة فسميته غلام بإبراهيم وعند مالك والشافعي وأصحابهما وهو قول أبي ثور يتقي في العقيقة من = العيوب ما يتقي في الضحايا ويسلك بها
320

مسلك الضحايا يؤكل منها ويتصدق ويهدي إلى الجيران وروى مثل ذلك عن عائشة وعليه جمهور العلماء قال عطاء إذا ذبحت العقيقة فقل باسم الله هذه عقيقة فلان (قال) وتطبخ وتقطع قطعا ولا يكسر لها عظم وهو قول الشافي في أن لا يكسر لها عظم وقد روى عن عائشة انها قالت لا تكسر عظام العقيقة وقال مالك وابن شهاب لا بأس بكسر عظامها وقال ابن جريج تطبخ بماء وملح أعضاء أو قال آرابا وتهدي في الجيران والصديق ولا يتصدق منها بشيء (1)
321

حيث خامس وعشرون لزيد بن أسلم مرسل مالك عن زيد ابن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم (1) قال أبو عمر لا أعلم هذا الحديث يتصل من وجه ثابت من الوجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب هذا ولا خلاف عن مالك في إرساله الا ما حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا أحمد بن حماد ابن سفيان الكوفي حدثنا يزيد بن عمرو العبدي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع اللحم بالحيوان
322

وهذا حديث إسناده موضوع لا يصح عن مالك ولا أصل له في حديثه (1) ورواه معمر عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالشاة الحية هذا لفظ حديث معمر قال زيد ابن أسلم نظرة ويدا بيد هكذا قال معمر عن زيد ابن أسلم (2) وقد اختلف الفقهاء في القول بهذا الحديث وفي معناه فكان مالك يقول المراد من هذا الحديث تحريم التفاضل في الجنس الواحد وهو عنده من باب المزابنة والغرر لأنه لا يدري هل في الحيوان مثل اللحم الذي أعطى أو أقل أو أكثر وبيع اللحم باللحم لا يجوز متفاضلا فكذلك بيع الحيوان باللحم إذا كانا من جنس واحد والجنس الواحد عنده الإبل والبقر والغنم وسائر الوحش وذوات الأربع المأكولات هذا كله
323

عنده جنس واحد لا يجوز بيع لحمه بلحمه الا مثلا بمثل وقد أجازه على التحري ولا يجوز حيوانه بلحمه عنده أصلا من أجل المزابنة (1) ومن هذا الباب عنده الشيرق
(2) بالسمسم والزيت بالزيتون لا يجوز شيء منه على حال والطير (كله) عنده جنس واحد والحيتان كلها جنس واحد وما ذكرت لك من أصله في بيع الحيوان باللحم هو المذهب المعروف عنه وعليه أصحابه الا أشهب فإنه لا يقول بهذا الحديث ولا بأس عنده ببيع اللحم بالحيوان من جنسه وغير جنسه حكى ذلك محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيره عنه قال ابن القاسم من سلم في داجاج فأخذ فيها عند حلول الأجل طيرا من طير الماء لم يجز لأن طير الماء إنما يراد للأكل لا لغيره وقال أشهب ذلك جائز وقال الفضل بن سلمة كان ابن القاسم لا يجيز حي ما يقتني بحي ما لا يقتني (لا مثلا بمثل ولا متفاضلا للحديث الذي جاء فيه النهي عن اللحم بالحيوان
324

وأجاز حي ما يقتني بحي ما يقتني متفاضلا وأجاز حي ما لا يقتني بحي ما لا يقتني على التحري) قال الفضل لأنه (إن كان لحما فلا بأس ببيع بعضه ببعض على التحري وإن كان حيوانا فهو يجوز متفاضلا فكيف تحريا) قال أبو عمر قد قال غيره من المالكيين لا يجوز التحري في المذبوح إذا لم يسلخ ويجرد ويوقف على ما يمكن تحريه منه وهو الصحيح من القول في ذلك إن شاء الله قال الفضل وكان أشهب يجيز حي ما لا يقتني بحي مالا يقتني وبحي ما يقتني متفاضلا فكذلك أجاز إن يأخذ في الدجاج والإوز طيرا من طير الماء قال أبو عمر إذا اختلف الجنسان فلا خلاف عن مالك وأصحابه أنه جائز بيع الحيوان حينئذ باللحم (1) وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا بأس باللحم بالحيوان من جنسه ومن غير جنسه على كل حال بغير اعتبار وهو قول أشهب وقال محمد بن الحسن لا يجوز الا على الاعتبار قال أبو عمر الاعتبار عنده نحو التحري عند ابن القاسم (فافهم) وقال
325

الليث بن سعد والشافعي وأصحابه لا يجو بيع اللحم بالحيوان على (كل) حال من جنسه ولا من غير جنسه على عموم الحديث قال أبو عمر قال الشافعي بهذا الحديث وإن كا مرسلا وأصله أن لا يقبل المراسيل الا مراسيل سعيد بن المسيب فإنه زعم أنه افتقدها فوجدها صحاحا قال أبو يحيى زكرياء بن يحيى الساجي سمعت عيسى بن شاذان يقول ارسال سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوازي إسناد غيره وقال المزني القياس أن يجوز الا أن يثبت فيه الحديث فلا يجوز اتباعا للأثر وتركا للقياس قال = أبو عمر فقهاء المدينة على كراهية بيع الحيوان باللحم وهو العمل عندهم وممن روى ذلك عنهم سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد كلهم (كانوا) يحرمون بيع اللحم بالحيوان عاجلا وآجلا
326

وذكر مالك عن أبي الزناد قال كل من أدركت ينهى عن بيع الحيوان باللحم قال أبو الزناد وكان يكتب ذلك في عهود العمال في زمان أبان بن عثمان وهشام بن إسماعيل قال أبو الزناد وسمعت سعيد بن المسيب يقول (نهى عن بيع الحيوان باللحم قال فقلت لسعيد بن المسيب) أرأيت رجلا اشترى شارفا (1) بعشر شياه فقال سعيد إن كان اشتراها لينحرها فلا خير في ذلك (2) وذكر مالك أيضا عن داود بن الحصين أنه سمع سعيد بن المسيب يقول كان من ميسر أهل الجاهلية بيع الحيوان باللحم بالشاة والشاتيتن (3) وهذا يدل على مذهب مالك (في هذا الباب) أنه من طريق القمار (والمزابنة والله أعلم لأنه ذكر الميسر وهو القمار) قال إسماعيل بن إسحاق وإنما دخل ذلك في معنى المزابنة لأن الرجل ولو قال للرجل أنا أضمن لك من جزورك هذه أو من شاتك هذه كذا وكذا رطلا فما زاد فلي وما نقص فعلي كان ذلك هو المزابنة فلما لم يجز ذلك لهم لم يجز أن يشتروا الجزور ولا الشاة بلحم لأنهم يميلون إلى ذلك المعنى
327

قال ولهذا قال سعيد بن المسيب إن كان اشترى الشارف لينحرها فلا خير في ذلك قال إسماعيل لأنه إذا اشتراها لينحرها فكأنه اشتراها بلحم ولو كان لا يريد نحرها لم يكن بذلك بأس لأن الظاهر أنه اشترى حيوانا بحيوان فوكل إلى نيته وأمانته قال أبو عمر قد أوضحنا مذهب مالك وغيره في المزابنة في باب داود بن الحصين (1) ومن ذهب إلى كراهية بيع الحيوان بأنواع اللحوم فالحجة له ظاهر الحديث لأن حقيقة الكلام أن يكون على عمومه ويحمل على ظاهره الا أن يزيحه عن ذلك دليل يجب التسليم لمثله وروى عن ابن عباس في هذا روايتان إحداهما إجازة بيع اللحم بالشاة والثانية كراهية ذلك وهو الأشهر عنه وروى عن ابن عباس أيضا أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر الصديق فقسمت على عشرة أجزاء فقال رجل أعطوني جزءا بشاة فقال أبو بكر لا يصلح هذا (2) قال الشافعي ولا أعلم مخالفا من الصحابة لأبي بكر في ذلك
328

وروى الثوري أيضا عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه كره أن يباع حي بميت يعني الشاة المذبوحة بالقائمة قال سفيان ولا نرى به بأسا ذكره عبد الرزاق عن الثوري (1) قال أبو عمر جملة مذهب مالك في هذا الباب أن الأزواج الثمانية وهي الإبل والبقر والضأن والمعز وكذلك الجواميس والظباء وحمر الوحش وكل ذي أربع مما يجوز أكله كل ذلك صنف واحد لا يجوز حيوان منه بلحم بعضه على حال ولا لحم بعضه ببعض الا مثلا بمثل ولحوم الطير كلها صنف واحد الإوز والبط والدجاج والنعام والحدأ والرخم والنسور والعقبان والغراب والحمام واليمام وكل ذي ريش من طير الماء وطير البر لا يجوز حي ذلك كله بمذبوح شيء منه على حال ولا يجوز لحم شيء منه بشيء من الجنس المذكور الا مثلا بمثل ويجوز على التحري قال ابن عبد الحكم لا يجوز التحري إلا فيما قل مما يدرك ويلحقه التحري وأما ما كثر فلا يجوز فيه التحري لأنه
329

لا يحاط بعلمه ويجوز لحم الطير بحي الأنعام وذوات الأربع يدا بيد والى أجل إذا كان المذبوح معجلا قد حسر عن لحمه وعرف وكانت القنية تصلح في الحي منهما وأما ما يستحيي ويقتني من الجنسين جميعا فلا بأس بواحد منه باثنين يدا بيد فإذا اختلف الجنسان جازا لأجل هذا كله هو المشهور من مذهب مالك وأصحابه الا أشهب على ما ذكرت لك وعلى مذهب الشافعي لا يجوز حي بميت من جميع (اللحوم) والحيوان وعلى مذهب أبي حنيفة ذلك كله جائز (1) وله حجج كثيرة من طريق الاعتبار تركت ذكرها
330

حديث سادس وعشرون لزيد بن اسلم مرسل وهو أول حديث من مراسيل عطاء بن يسار مالك عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت صلاة الصبح قال فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من الغد صلى الصبح (حين طلع الفجر ثم صلى الصبح) من الغد بعد أن أسفر ثم قال أين السائل عن وقت الصلاة قال هأنذا يا رسول الله فقال ما بين هذين وقت (1) قال أبو عمر لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما رواه
يحيى سواء وقد يتصل معناه من وجوه شتى من حديث أبي موسى الأشعري وحديث جابر وحديث عبد الله بن عمرو وحديث بريدة الأسلمي الا أن في هذه الأحاديث كلها سؤال السائل
331

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مواقيت الصلوات جملة وإجابته إياه في الصبح بمثل (معنى) حديث مالك هذا وقد روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث عطاء بن يسار هذا سواء في صلاة الصبح وحدها لم يشرك معها غيرها رواه جماعة عن حميد الطويل عن أنس منهم حماد ابن سلمة وغيره أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي أن أباه أخبره قال أخبرنا أحمد بن خالد قال أخبرنا علي بن عبد العزيز قال أخبرنا حجاج بن منهال قال أخبرنا حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت صلاة الفجر فقال صلها معنا غدا فصلاها النبي صلى الله عليه وسلم بغلس فلما كان اليوم الثاني أخر حتى أسفر ثم قال أين السائل عن وقت هذه الصلاة فقال الرجل أنا يا نبي الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم أليس قد حضرتها معنا أمس واليوم قال بلى قال فما بينهما وقت (1) وحدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال أخبرنا محمد بن معاوية قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا علي بن حجر
332

قال أخبرنا إسماعيل قال حدثنا حميد عن أنس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت صلاة الغداة فلما أصبحنا من الغد أمر حين انشق الفجر أن تقام الصلاة فصلى بنا فلما كان من الغد أسفر ثم أمر فأقيمت الصلاة فصلى بنا ثم قال أين السائل عن وقت الصلاة ما بين هذين وقت (1) وهذا إسناد صحيح متصل بلفظ حديث عطاء بن يسار ومعناه وقد روى من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وبلغني أن سفيان بن عيينة حدث بهذا الحديث عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وما أدري كيف صحة هذا عن سفيان وأما الحديث عن زيد ابن أسلم فالصحيح فيه أنه من مرسلات عطاء والله أعلم وفي هذا الحديث من الفقه تأخير البيان عن وقت السؤال إلى وقت آخر يجب فيه فعل (ذلك إذا كان لعله جائز عند أكثر أهل العلم) وأما تأخير البيان عن حين تكليف الفعل والعمل حتى ينقضي وقته فغير جائز عند الجميع وهذا باب طال فيه الكلام بين أهل النظر (2) من أهل الفقه فمن أجاز تأخير البيان في هذا الباب احتج من جهة الأثر بهذا الحديث وما أشبهه وبقوله صلى الله عليه وسلم في حجته خذوا عني مناسككم (والمناسك) لم تتم الا في
333

أيام وقد كان يمكنه أن يعلمهم ذلك قولا في مدة أقرب من مدة تعليمه إياهم عملا وكذلك قد كان قادرا على أن يبين للسائل ميقات تلك الصلاة وسائر الصلوات بقوله في مجلسه ذلك ولكنه أخر ذلك ليبين ذلك له عملا ولم يمتنع من ذلك لما يخاف عليه من احترام المنية لأن الله عز وجل قد كان أنبأه والله أعلم أنه لا يقبضه حتى يكمل به الدين ويبين للأمة على لسانه ما يتوصل به إلى معرفة الأحكام وكذلك فعل صلى الله عليه وسلم ولله الحمد كثيرا وقد يكون البيان بالفعل أثبت أحيانا فيما فيه عمل من القول وقد قال صلى الله عليه وسلم ليس الخبر كالمعاينة (1) رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يروه (غيره والله أعلم) ومعلوم أن الصدر الأول لم يخبروا بما سمعوا من الأخبار ضربة واحدة بل كانوا يخبرون بالشيء على حسب الحال ونزول النوازل وكذلك الأخبار المستفيضة أيضا لم تقع ضربة واحدة والكلام في هذا الباب يطول جدا وليس هذا موضعه وفيما لوحنا به منه كفاية وتنبيه إن شاء الله تعالى وفي هذا الحديث أيضا أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر وإن وقتها ممدود إلى آخر الاسفار حتى تطلع الشمس
334

فأما أول وقتها فلا خلاف بين علماء المسلمين أنه طلوع الفجر على ما في هذا الحديث وغيره وهو إجماع فسقط الكلام فيه والفجر هو أول بياض النهار الظاهر المستطير في الأفق المستنير المنتشر تسميه العرب الخيط الأبيض قال الله عز وجل * (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) * 1 يريد بياض النهار من سواد الليل قال أبو دؤاد الايادي
* فلما أضاءت لنا سدقه (2
* ولاح من الصبح خيط أنارا
* وقال آخر
* قد كاد يبدو أو بدت تباشره
* وسدف الليل البهيم ساتره
* وقد سمته أيضا الصديع ومنه قولهم أنصدع الفجر قال بشر بن أبي خازم أو عمرو بن معدي كرب
* به السرحان مفترشا يديه
* كأن بياض لبته الصديع
*
*
335

وشبهه الشماخ بمفرق الرأس فقال
* إذا ما الليل كان الصبح فيه
* أشق كمفرق الرأس الدهين (1
* ويقولون للأمر الواضح هذا كفلق الصبح وكانبلاج الفجر وتباشير الصبح قال الشاعر
* فوردت قبل انبلاج الفجر
* وابن ذكاء كامن في كفر
* وذكاء الشمس فسمى الصبح ابن ذكاء والكفر ظلمة الليل ويقال لليل كافر لتغطيته الأشياء بظلمته وأما آخر وقتها فكان مالك فيما حكى عنه ابن القاسم يقول آخر وقت (صلاة) الصبح الاسفار كأنه ذهب إلى هذا الحديث لأنه صلاها في اليوم الثاني حين أسفر ثم قال ما بين هذين وقت فكان ظاهر قوله أن ما عدا هذين فليس بوقت ومعنى قوله ما بين هذين وقت يريد هذين وما بينهما وقت وأما الشافعي والثوري وجمهور الفقهاء وأهل الآثار فإنهم قالوا آخر صلاة الصبح أن تدرك منها ركعة قبل طلوع
336

الشمس وروى مثل ذلك عن مالك أيضا فبان بذلك أن قوله في رواية ابن القاسم عنه آخر وقت صلاة الصبح الاسفار أنه أراد الوقت المستحب ويوضح ذلك أيضا أنه لا خلاف عنه ولا عن أصحابه أن مقدار ركعة قبل طلوع الشمس عندهم وقت في صلاة الصبح لأصحاب الضرورات وأن من أدرك منهم ذلك لزمته الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح (1) وقيل أن هذا الحديث أيضا دليل على أن أول الوقت وآخره سواء وبهذا نزع من قال (أن لا) فضل لأول الوقت على آخره لقوله صلى الله عليه وسلم ما بين هذين وقت قال بذلك قوم من أهل الظاهر وخالفهم جماعة من الفقهاء (2) ونزعوا بأشياء سنذكر بعضها في هذا الباب إن شاء الله والذي في قوله ما بين هذين وقت مما لا يحتمل تأويلا سعة الوقت وبقي التفضيل بين أوله وآخره موقوفا على الدليل واختلف الفقهاء في الأفضل في وقت صلاة الصبح فذهب العراقيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وغيرهم إلى أن الاسفار بها أفضل من التغليس في الأزمنة كلها
337

في الشتاء والصيف واحتجوا بحديث رافع بن خديج وما كان مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وحديث رافع يدور على عاصم (1) بن عمر بن قتادة وليس بالقوي رواه عنه محمد بن إسحاق وابن عجلان وغيرهما أخبرنا أحمد بن قاسم (بن عبد الرحمن قراءة مني عليه) أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبن عجلان عن عاصم ابن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديح قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم لأجر (2) وهذا أحسن أسانيد هذا الحديث وقد رواه بقية (3) بن الوليد عن شعبة عن داود البصري عن
338

زيد بن أسلم عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه وهذا إسناد ضعيف لأن بقية ضعيف (1) وزيد بن أسلم لم يسمع من محمود بن لبيد واحتجوا أيضا بأن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود كانا يسفران بصلاة الصبح وكان مالك والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي يذهبون إلى أن التغليس بصلاة الصبح أفضل وهو قول أحمد بن حنبل وداود بن علي وأبي جعفر الطبري والحجة لهم في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح فينصرف النساء (متلففات بمروطهن) ما يعرفن من الغلس (2) وأنه صلى الله عليه وسلم لم يزل يغلس بالصبح إلى أن توفي صلوات الله عليه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الحميد بن أحمد حدثنا الخضر بن داود حدثنا أبو بكر الأثرم قال قلت لأحمد بن حنبل ما معنى قوله أسفروا بالفجر فقال إذا بان الفجر فقد أسفر قلت كان أبو نعيم يقول في حديث رافع بن خديج أسفروا
339

بالفجر فكلما أسفرتم بها فهو أعظم للأجر فقال نعم كله سواء إنما هو إذا تبين الفجر فقد أسفر قال أبو بكر يقال في المرأة إذا كانت متنقبة فكشفت عن وجهها قد أسفرت عن وجهها فإنما هو أن ينكشف الفجر وهكذا بلغني عن أبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل رحمه الله قال أبو عمر صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون ومحال أن يتركوا الأفضل ويأتوا الدون وهم النهاية في إتيان الفضائل ولا معنى لقول من احتج بأنه صلى الله عليه وسلم لم يخير بين أمرين قط الا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما لأنه معلوم أن الاسفار أيسر على الناس من التغليس وقد اختار التغليس لفضله وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله فكان العفو إباحة والفضل كله في رضوان الله وسئل عليه السلام عن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله فقال الصلاة في أول وقتها
340

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق (القاضي) قال حدثنا عبد الواحد بن غياث قال حدثنا قزعة بن سويد (1) قال حدثنا عبد الله بن عمر عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أحب الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة لأول وقتها (2) وهذا أحسن أسانيد هذا الحديث وقد روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه ولا يصح إسناده (3) وأصح دليل على تفضيل أول الوقت مما قد نزع به ابن خواز بنداد (4) وغيره قوله عز وجل * (فاستبقوا الخيرات) * 5
341

فوجبت المسابقة إليها وتعجيلها وجوب ندب وفضل للدلائل القائمة على جواز تأخيرها ومما يدل على أن أول الوقت أفضل أيضا ما حدثناه أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة البغدادي (ببغداد) قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثني جدي قال حدثنا يعقوب بن الوليد عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدكم ليصلي الصلاة (وما فاته وقتها) ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله وقوله في هذا الحديث ولما فاته من وقتها دليل على أنه لم يفته وقتها كله والله أعلم لأن من حقها التبعيض ولا خلاف بين المسلمين أن من صلى صلاته في شيء من وقتها أنه غير حرج إذا أدرك وقتها ففي هذا ما يغني عن الاكثار ولكنهم اختلفوا في الأفضل من ذلك على ما ذكرناه ومعلوم أن من بدر إلى أداء فرضه في أول وقته كان قد سلم مما يلحق المتواني من العوارض ولم تلحقه ملامة وشكر له بداره إلى طاعة ربه وقد أجمع المسلمون على تفضيل تعجيل المغرب من قال أن وقتها ممدود إلى مغيب الشفق ومن قال أنه ليس لها الا وقت واحد كلهم يرى تعجيلها أفضل
342

وأما الصبح فكان أبو بكر الصديق وعمر الفاروق يغلسان بها (1) فأين المذهب عنهما وبذلك كتب عمر إلى عماله أن صلوا الصبح والنجوم بادية مشتبكة وعلى تفضيل أوائل الأوقات جمهور العلماء وأكثر أئمة الفتوى وسيأتي شيء من هذا (المعنى في) الباب الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى وبالله التوفيق
343