الكتاب: مقدمة ابن الصلاح
المؤلف: عثمان بن عبد الرحمن
الجزء:
الوفاة: ٦٤٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: تعليق وشرح وتخريج: أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٦ - ١٩٩٥ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: وبصدره مروياتنا عن شيخنا أبي محمد محمد نور الدين المكي

مقدمة ابن الصلاح
في علوم الحديث
تأليف
الامام أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن
الشهرزوري
المتوفي سنة 643 ه‍.
علق عليه وشرح ألفاظه وخرج أحاديثه
أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة
وبصدره مروياتنا عن شيخنا
أبي محمد محمد نور الدين المكي
حفظه الله تعالى
دار الكتب العلمية
بيروت - لبنان
1

جميع الحقوق محفوظة
جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية محفوظة لدار الكتب
العلمية بيروت - لبنان ويحظر طبع أو تصوير أو ترجمة
أو إعادة تنضيد الكتاب كاملا " أو مجزأ " أو تسجيله على أشرطة
كاسيت أو ادخاله على الكمبيوتر أو برمجته على أسطوانات
ضوئية الا بموافقة الناشر خطيا.
2

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
ان الحمد لله، نحمده، ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وشهد ان محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن لا وأنتم مسلمون) (يا أيها
الناس اتقوا الله ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا
كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساء لون به الأرحام ان الله كان عليكم رقيبا (يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن
يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
اما بعد
فان علم أصول الحديث عليم هام إذ به تبين المعل من السليم والضعيف من
الصحيح والموقوف من المرفوع والمقبول من المردود وعليه يقوم استنباط
الاحكام من السنة الطاهرة وبواسطة يتم حسن الاقتداء بسيدنا رسول الله (ص)
وهو علم جليل تفرد المسلمون به دون غيرهم من الأمم الأخرى وقد نشأ هذا
العلم من نشأة الرواية ونقل الحديث في الاسلام وبدا ظهور هذه الأصول بعد وفاة
سيدنا رسول الله (ص) حين اهتم المسلمون بجمع الحديث النبوي خوفا من ضياعه
فاجتهدوا اجتهادا عظيما في حفظه وضبطه ونقله وتدوينه
وكان من الطبيعي ان يسبق تدوين الحديث تدوين أصول الحديث ذلك لان
الحديث هو المادة المقصودة بالجمع والدراسة وأصول الحديث هي القواعد
والمنهاج الذي اتبع قبول الحديث أو رده ومعرفة صحيحه من ضعيفه
وقد اتبع الصحابة التابعون وتابعوهم قواعد علمية في قبول الاخبار من غير أن
ينصوا على كثير من تلك القواعد ثم جاء أهل العلم من تعدهم فاستنبطوا تلك القواعد
من منهاجهم في قبول الاخبار ومعرفة الرواة الذين يعتد بروايتهم أو لا يعتد بها كما
استنبطوا شروط الرواية وطرقها وقواعد الجرح والتعديل وكل ما يلحق بذلك
3

وابتدأ ذلك التدوين في أبواب وبعض أنواع منه أثناء المائة الثالثة فلما كانت
المائة الرابعة وفيها نضجت العلوم واستقر الاصطلاح الف القاضي أبو محمد
الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي من علماء أهل السنة والمتوفى سنة
(360) فجمع في ذلك العلم كثيرا من أبوابه في كتابة " المحدث الفاصل بين الراوي
والواعي "
ثم جاء الحاكم أبو عبد الله النيسابوري محمد بن عبد الله المتوفي سنة
(405 ه‍) فألف كتابه " معرفة علوم الحديث " وذكر فيه خمسين نوعا ولكنه لم
يستوعب لم يهذب
ثم جاء أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفي سنة (430 ه‍) فعمل على
كتاب الحاكم مستخرجا - بكسر الراء - وأبقى أشياء للمتعقب
ثم جاء الخطيب البغدادي أبو بكر أحمد بن علي المتوفي سنة (463 ه‍) فصنف
كتابه (الكفاية في علم الرواية) وكتاب (الجامع لآداب الشيخ والسامع) في آداب
الرواية
ثم جاء القاضي عياض ين موسى اليحصبي المتوفي سنة (544 ه‍) فجمع في
ذلك كتابه (الإلماع في ضبط الرواية الاسماع)
ثم أبو حفص عمرو بن عبد المجيد الميانجي المتوفي سنة (580) فجمع في
ذلك جزءا سماه " ما لا يسع المحدث جهله "
وبعد كل هؤلاء وغيرهم جاء أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمان الشهرزوري
فصنف هدا الكتاب لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية وجمع فيه ما تفرق في
غيره من كتب الخطيب وغيره وأملاه شيئا فشيئا ولهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع
المناسب ولكثرة جمعه وتحريره انتشر واشتهر فعكف العلماء عليه بالدرس
والاختصار والشرح والنظم وأصبح العمدة لمن جاء بعده
وقد كتب وما زلت أدرس هذا الكتاب لإخواننا طلبه العلم وأعلق في أثناء
تدريسي بعض التعليقات واشرح الشروح وأملي ذلك على إخواني وكنت
أجد في ذلك مشقة لامتداد الوقت واتعاب إخواني في الكتابة فرأيت أن أجمع بعض
هذه التعليقات والشروح على هذا الكتاب وأقوم بنشره إفادة عامة وخاصة والله
4

المسؤول ان يتقبل عملي هذا على تواضعه وان يثبتني على الخير والدين حتى ألقاه
وصلى الله على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه
أبو عبد الرحمن صلاح بن محمد بن عويضة
فر الله له
5

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه بعض مروياتنا عن شيخنا نور الدين المكي
يقول أفقر خلق الله سبحانه وتعالى إلى الله سبحانه وتعالى:
إن الله عز وجل يسر لي الأسباب، وجمعني بالشيخ الصالح أبي محمد محمد نور
الدين المكي، وتكرر الاجتماع، وطلبت منه القراءة عليه، فرحب بذلك، وأشار علي
بالكتب الستة وموطأ مالك
فاستعنت الله عز وجل، وشددت لذلك مئزري، وترددت عليه قراءة وسماعا،
حتى قرأت جملة كثيرة من هذه الكتب، فلما اطمأن قلبه لحسن قراءتي، أجاز لي بهذه
الكتب، وبغيرها من كتب السنة وبمؤلفاته، وشيخنا حفظه الله يروي عن جمع كبير من
المشايخ منهم: الشيخ حسن المشاط، والشيخ الفاداني، والشيخ عبد الله بن سعيد
اللحجي، وغيرهم.
ترجمة المؤلف
نسبه:
هو الامام العلم الحافظ الحجة المفتي شيخ الاسلام أبو عمرو عثمان بن
عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الشرخاني.
مولده:
ولد سنة (577 ه‍) في شرخان قرية من قرى شهرزور التابعة لإربل شمال
العراق، فنسب إليها، لكن اشتهرت نسبته إلى شهرزور، وكان والده عبد الرحمن يلقب
صلاح الدين، فنسب إليه وعرف به.
طلبه للعلم:
رحل إلى البلاد الاسلامية لطلب العلم، فرحل إلى بغداد، وخراسان، والشام،
وسمع من أئمة هذا الشأن، حتى رسخ قدمه فيه.
7

مؤلفاته:
1 - طبقات الفقهاء الشافعية.
2 - الأمالي.
3 - فوائد الرحلة.
4 - أدب المفتي والمستفتي.
5 - صلة الناسك في صفة المناسك.
6 - شرح الوسيط في فقه الشافعية.
7 - الفتاوى.
8 - شرح صحيح مسلم.
9 - المؤتلف والمختلف من أسماء الرجال.
10 - علوم الحديث.
وفاته:
توفي رحمه الله سنة (643 ه‍ - 1245 م) بدمشق ودفن بمقابر الصوفية خارج باب
القصر.
8

بسم الله الرحمن الرحيم
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا
الحمد لله الهادي من استهداه الواقي من اتقاه الكافي من تحرى رضاه حمدا
بالغا أمد التمام ومنتهاه والصلاة والسلام الأكملان على نبينا والنبيين وآل
كل ما رجى راج مغفرته ورحماه آمين
هذا وإن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة وأنفع الفنون النافعة يحبه
ذكور الرجال وفحولتهم ويعنى به محققو العلماء وكملتهم ولا يكرهه من
الناس إلا رذالتهم وسفلتهم وهو من أكثر العلوم تولجا في فنونها لا سيما الفقه
الذي هو إنسان عيونها ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء وظهر
الخلل في كلام المخلين به من العلماء ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيما
عظيمة جموع طلبته رفيعة مقادير حفاظه وحملته وكانت علومه بحياتهم حية
وأفنان فنونه ببقائهم غضة مغانيه بأهله آهلة فلم يزالوا في انقراض ولم يزل
في اندراس حتى أضت به الحال إلى أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة
العدد ضعيفة العدد لا تعني على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غفلا ولا تعنى في
9

تقييده بأكثر من كتابته عطلا مطرحين علومه التي بها جل قدره مباعدين معارفه
التي بها فخم أمره
فحين كاد الباحث عن مشكله لا يلفي له كاشفا والسائل عن علمه لا يلقى به
عارفا من الله الكريم تبارك وتعالى وله الحمد أجمع بكتاب معرفة أنواع
علوم الحديث هذا الذي باح بأسراره الخفية وكشف عن مشكلاته الأبية وأحكم
معاقده وقعد قواعده وأنار معالمه وبين أحكامه وفصل أقسامه وأوضح أصوله
وشرح فروعه وفصوله وجمع شتات علومه وفوائده وقنص شوارد نكته
وفرائده فالله العظيم الذي بيده الضر والنفع والاعطاء والمنع أسأل وإليه أضرع
وأبتهل متوسلا إليه بكل وسيلة متشفعا إليه بكل شفيع أن يجعله مليا بذلك
وأملي وافيا بكل ذلك وأوفى وأن يعظم الاجر والنفع به في الدارين إنه قريب
مجيب وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
وهذه فهرسة أنواعه
الأول منها معرفة الصحيح من الحديث
الثاني معرفة الحسن منه
الثالث معرفة الضعيف منه
الرابع معرفة المسند
الخامس معرفة المتصل
10

السادس معرفة المرفوع
السابع معرفة الموقوف
الثامن معرفة المقطوع وهو غير المنقطع
التاسع معرفة المرسل
العاشر معرفة المنقطع الحادي
عشر معرفة المعضل ويليه تفريعات منها في الاسناد المعنعن ومنها في التعليق
الثاني عشر معرفة التدليس وحكم المدلس
الثالث عشر معرفة الشاذ
الرابع عشر معرفة المنكر
الخامس عشر معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
السادس عشر معرفة زيادات الثقات وحكمها
السابع عشر معرفة الافراد
الثامن عشر معرفة الحديث المعلل
التاسع عشر معرفة المضطرب من الحديث
العشرون معرفة المدرج في الحديث
الحادي والعشرون معرفة الحديث الموضوع
الثاني والعشرون معرفة المقلوب الثالث والعشرون معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته
الرابع والعشرون معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وفيه بيان أنواع الإجازة
وأحكامها وسائر وجوه الاخذ والتحمل وعلم جم
11

الخامس والعشرون معرفة كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده وفيه
معارف مهمة رائقة
السادس والعشرون معرفة كيفية رواية الحديث وشرط وما أدائه يتعلق بذلك
وفيه كثير من نفائس هذا العلم
السابع والعشرون معرفة آداب المحدث
الثامن والعشرون معرفة آداب طالب الحديث
التاسع والعشرون معرفة الاسناد العالي والنازل النوع الموفي
ثلاثين معرفة المشهور من الحديث
الحادي والثلاثون معرفة الغريب والعزيز من الحديث
الثاني والثلاثون معرفة غريب الحديث
الثالث والثلاثون معرفة المسلسل
الرابع والثلاثون معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه
الخامس والثلاثون معرفة المصحف من أسانيد الأحاديث ومتونها
السادس والثلاثون معرفة مختلف الحديث
السابع والثلاثون معرفة المزيد في متصل الأسانيد
الثامن والثلاثون معرفة المراسيل الخفي إرسالها
التاسع والثلاثون معرفة الصحابة رضي الله عنهم
الموفي أربعين معرفة التابعين رضي الله عنهم
الحادي والأربعون معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر
الثاني والأربعون معرفة المدبج وما سواه من رواية الاقران بعضهم عن بعض
الثالث والأربعون معرفة الاخوة والأخوات من العلماء والرواة
الرابع والأربعون معرفة رواية الآباء عن الأبناء
الخامس والأربعون عكس ذلك معرفة رواية الأبناء عن الآباء
السادس والأربعون معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر تباعد
ما بين وفاتيهما
12

السابع والأربعون معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد
الثامن والأربعون معرفة من ذكر بأسماء مختلفة أو نعوت متعددة
التاسع والأربعون معرفة المفردات من أسماء الصحابة والرواة والعلماء
الموفي خمسين معرفة الأسماء والكنى
الحادي والخمسون معرفة كنى المعروفين بالأسماء دون الكنى
الثاني والخمسون معرفة ألقاب المحدثين
الثالث والخمسون معرفة المؤتلف والمختلف
الرابع والخمسون معرفة المتفق والمفترق
الخامس والخمسون نوع يتركب من هذين النوعين
السادس والخمسون معر المتمايزين بالتقديم والتأخير في الابن والأب
السابع والخمسون معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم
الثامن والخمسون معرفة الأنساب التي باطنها على خلاف ظاهرها
التاسع والخمسون معرفة المبهمات
الموفي ستين معرفة تواريخ الرواة في الوفيات وغيرها
الحادي والستون معرفة الثقات والضعفاء من الرواة
الثاني والستون معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات
الثالث والستون معرفة طبقات الرواة والعلماء
الرابع والستون معرفة الموالي من الرواة والعلماء
الخامس والستون معرفة أوطان الرواة وبلدانهم
وذلك آخرها وليس بآخر الممكن في ذلك فإنه قابل للتنويع إلى ما لا
يحصى إذ لا تحصى أحوال رواة الحديث وصفاتهم ولا أحوال متون الحديث
13

وصفاتها وما من حالة منها ولا صفة إلا وهي بصدد أن تفرد بالذكر وأهلها فإذا هي
نوع على حياله ولكنه نصب من غير أرب وحسبنا الله ونعم الوكيل
14

النوع الأول من أنواع علوم الحديث
معرفة الصحيح من الحديث
اعلم علمك الله وإياي أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح
وحسن وضعيف
أما الحديث الصحيح فهو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل
15

العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا
وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ وما فيه
علة قادحة وما في راويه نوع جرح وهذه أنواع يأتي ذكرها إن شاء الله تبارك وتعالى
فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث
16

وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه
أو لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الأوصاف كما في المرسل
ومتى قالوا هذا حديث صحيح فمعناه أنه اتصل سنده مع سائر الأوصاف
المذكورة وليس من شرطه أن يكون مقطوعا به في نفس الامر إذ منه ما ينفرد
بروايته عدل واحد وليس من الاخبار التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول وكذلك
إذا قالوا في حديث إنه غير صحيح فليس ذلك قطعا بأنه كذب في نفس الامر إذ
قد يكون صدقا في نفس الامر وإنما المراد به أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور
والله أعلم
فوائد مهمه
إحداها الصحيح يتنوع إلى متفق عليه ومختلف فيه كما سبق ذكره
17

ويتنوع إلى مشهور وغريب وبين ذلك ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة
بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تنبني الصحة عليها وتنقسم باعتبار
ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر
ولهذا نرى الامساك عن الحكم لاسناد أو حديث بأنه الأصح على الاطلاق
على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك فاضطربت أقوالهم فروينا
عن إسحاق بن راهويه أنه قال أصح الأسانيد كلها الزهري عن سالم عن أبيه وروينا
نحوه عن أحمد بن حنبل وروينا عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال أصح الأسانيد
محمد بن سيرين عن عبيدة عن علي وروينا نحوه عن علي بن المديني روي ذلك
عن غيرهما
ثم منهم من عين الراوي عن محمد وجعله أيوب السختياني ومنهم من جعله بن
عون وفيما نرويه عن يحيى بن معين أنه قال أجودها الأعمش عن إبراهيم عن علقمة
عن عبد الله وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة قال أصح الأسانيد كلها الزهري عن
علي بن الحسين عن أبيه عن علي وروينا عن أبي عبد الله البخاري صاحب الصحيح
أنه قال أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر وبنى الإمام أبو منصور عبد
القاهر بن طاهر التميمي على ذلك أن أجل الأسانيد الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن
عمر واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من
الشافعي رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم
18

الثانية إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الاسناد
ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شئ من مصنفات أئمة
الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته فقد تعذر في
هذه الاعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد لأنه ما من إسناد من
ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح
من الحفظ والضبط والاتقان فآل الامر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على
ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها
من التغيير والتحريف وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجا عن ذلك
إبقاء سلسلة الاسناد التي خصت بها هذه الأمة زادها الله تعالى شرفا آمين
الثالثة أول من صنف الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل
19

الجعفي مولاهم وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري من
أنفسهم ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه يشاركه في كثير من شيوخه
وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز وأما ما روينا عن الشافعي رضي الله
عنه من أنه قال ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك ومنهم
من رواه بغير هذا اللفظ فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم
ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحا وأكثرهما فوائد وأما ما رويناه
عن أبي علي الحافظ النيسابوري أستاذ الحاكم أبي عبد الله الحافظ من أنه قال ما
تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج فهذا وقول من فضل من
20

شيوخ المغرب كتاب مسلم على كتاب البخاري إن كان المراد به أن كتاب مسلم
يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح
مسرودا غير ممزوج بمثل ما في كتاب البخاري في تراجم أبوابه من الأشياء التي لم
يسندها على الوصف المشروط في الصحيح فهذا لا بأس به
وليس يلزم منه أن كتاب مسلم أرجع فيما يرجح إلى نفس الصحيح على كتاب
البخاري وإن كان المراد به أن كتاب مسلم أصح صحيحا فهذا مردود على من
يقوله والله أعلم
الرابعة لم يستوعبا الصحيح صحيحيهما ولا التزما ذلك فقد روينا عن
21

البخاري أنه قال ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال
الطول وروينا عن مسلم أنه قال ليس كل شئ عندي صحيح وضعته ههنا يعني
في كتابه الصحيح إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه قلت أراد والله أعلم
أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه
وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم
ثم إن أبا عبد الله بن الأخرم الحافظ قال قل ما يفوت البخاري ومسلما مما
يثبت من الحديث يعني في كتابيهما ولقائل أن يقول ليس ذلك بالقليل فإن
22

المستدرك على الصحيحين للحاكم أبي عبد الله كتاب كبير يشتمل مما فاتهما على
شئ كثير وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير وقد قال
البخاري أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح وجملة
ما في كتابه الصحيح سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا بالأحاديث المتكررة
وقد قيل إنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها
عندهم آثار الصحابة والتابع وربما عد الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين
ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه
أحد المصنفات المعتمدة المشتهرة لائمة الحديث كأبي داود السجستاني وأبي عيسى
الترمذي وأبي عبد الرحمن النسائي وأبي بكر بن خزيمة وأبي الحسن الدارقطني
وغيرهم منصوصا على صحته فيها ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجودا في كتاب
أبي داود وكتاب الترمذي وكتاب النسائي وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح
وغيره ويكفي مجرد كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه
23

ككتاب بن خزيمة وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على كتاب البخاري وكتاب
مسلم ككتاب أبي عوانة الأسفرائيني وكتاب أبي بكر الإسماعيلي وكتاب أبي بكر
البرقاني وغيرها من تتمة لمحذوف أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين
وكثير من هذا موجود في الجمع بين الصحيحين لأبي عبد الله الحميدي
واعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في
الصحيحين وجمع ذلك في كتاب سماه المستدرك أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين
مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في كتابيهما أو على شرط البخاري وحده أو
على شرط مسلم وحده وما أدى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما
وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن نتوسط في أمره
فنقول ما حكم بصحته ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو
من قبيل الحسن يحتج به ويعمل به إلا أن تظهر ففيه علة توجب ضعفه ويقاربه في
24

حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان البستي رحمهم الله أجمعين والله أعلم
الخامسة الكتب المخرجة على كتاب البخاري أو كتاب مسلم رضي الله
عنهما لم يلتزم مصنفوها فيها موافقتهما في ألفاظ الأحاديث بعينها من غير زيادة
ونقصان لكونهم رووا تلك الأحاديث من غير جهة البخاري ومسلم طلبا لعلو الاسناد
فحصل فيها بعض التفاوت في الألفاظ وهكذا ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم
المستقلة كالسنن الكبير للبيهقي وشرح السنة لأبي محمد البغوي وغيرهما مما قالوا
25

فيه أخرجه البخاري أو مسلم فلا يستفاد بذلك أكثر من أن البخاري أو مسلما أخرج
أصل ذلك الحديث مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ وربما كان تفاوتا في
بعض المعنى فقد وجدت في ذلك ما فيه بعض التفاوت من حيث المعنى وإذا كان
الامر في ذلك على هذا فليس لك أن تنقل حديثا منها وتقول هو على هذا الوجه في
كتاب البخاري أو كتاب مسلم إلا أن تقابل لفظه أو يكون الذي خرجه قد قال أخرجه
البخاري بهذا اللفظ بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين فإن مصنفيها نقلوا
فيها ألفاظ الصحيحين أو أحدهما غير أن الجمع بين الصحيحين للحميدي
الأندلسي منها يشتمل على زيادة تتمات لبعض الأحاديث كما قدمنا ذكره فربما نقل
من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيحين أو أحدهما وهو مخطئ لكونه من تلك
الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين ثم إن التخاريج المذكورة على
الكتابين يستفاد منها فائدتان إحداهما علو الاسناد والثانية في قدر الصحيح
26

لما يقع فيهما من ألفاظ زائدة وتتمات في بعض الأحاديث تثبت صحتها بهذه التخاريج
لأنها واردة بالأسانيد الثابتة في الصحيحين أو أحدهما وخارجة من ذلك المخرج
الثابت والله أعلم
السادسة ما أسنده البخاري ومسلم رحمهما الله في كتابيهما بالاسناد
المتصل فذلك الذي حكما بصحته بلا إشكال وأما المعلق وهو الذي حذف من
مبتدأ إسناده واحد أو أكثر وأغلب ما وقع ذلك في كتاب البخاري وهو في كتاب مسلم
قليل جدا ففي بعضه نظر وينبغي أن تقول ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم
وحكم به على من علقه عنه فقد حكم بصحته عنه مثاله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا
قال بن عباس كذا قال مجاهد كذا قال عفان كذا قال القعنبي كذا روى أبو هريرة
كذا وكذا وما أشبه ذلك من العبارات فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد
قال ذلك ورواه فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح عنده ذلك عنه ثم إذا كان
27

الذي علق الحديث عنه دون الصحابة فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الاسناد بينه
وبين الصحابي
وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم مثل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا
أو روي عن فلان كذا أو في الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فهذا وما أشبهه من
الألفاظ ليس في شئ منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه لان مثل هذه العبارات
تستعمل في الحديث الضعيف أيضا ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر
بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه والله أعلم
ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل يوجد في كتاب البخاري في
28

مواضع من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه الذي يشعر به اسمه الذي سماه
به وهو الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه وإلى
الخصوص الذي بيناه يرجع مطلق قوله ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وكذلك
مطلق قول الحافظ أبي نصر الوايلي السجزي أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم على
أن رجلا لو حلف بالطلاق أن جميع ما في كتاب البخاري مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح
عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته وكذلك ما ذكره
أبو عبد الله الحميدي في كتابه الجمع بين الصحيحين من قوله لم نجد من الأئمة
الماضين رضي الله عنهم أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين
الامامين فإنما المراد بكل ذلك مقاصد الكتاب وموضوعه ومتون الأبواب دون التراجم
ونحوها لان في بعضها ما ليس من ذلك قطعا مثل قول البخاري باب ما يذكر في
الفخذ ويروي عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم الفخذ عورة
وقوله في أول باب من أبواب الغسل وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم
الله أحق أن يستحيي منه فهذا قطعا ليس من شرطه ولذلك لم يورده الحميدي في
جمعه بين الصحيحين فاعلم ذلك فإنه مهم خاف والله أعلم
السابعة وإذا انتهى الامر في معرفة الصحيح إلى ما خرجه الأئمة في تصانيفهم
الكافلة ببيان ذلك كما سبق ذكره فالحاجة ماسة إلى التنبيه على أقسامه باعتبار ذلك
فأولهما صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعا الثاني صحيح انفرد به البخاري
أي عن مسلم الثالث صحيح انفرد به مسلم أي عن البخاري الرابع صحيح
على شرطهما لم يخرجاه الخامس صحيح على شرط البخاري لم يخرجه
السادس صحيح على شرط مسلم لم يخرجه السابع
29

صحيح عند غيرهما وليس على شرط واحد منهما هذه أمهات أقسامه وأعلاها
الأول وهو الذي يقول فيه أهل الحديث كثير صحيح متفق عليه يطلقون ذلك ويعنون
به اتفاق البخاري ومسلم لا اتفاق الأمة عليه لكن اتفاق الأئمة عليه لازم من ذلك
وحاصل معه لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول
وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري واقع به خلافا لقول
من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب
عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويا ثم بان لي
أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح لان ظن من هو معصوم من الخطأ لا
يخطئ والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ ولهذا كان الاجماع المنبني على
اجتهاد حجة مقطوعا بها وأكثر إجماعات العلماء كذلك وهذه نكتة نفيسة نافعة
ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخاري أو مسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته
لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما
30

سبق سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ كالدارقطني وغيره
وهي معروفة عند أهل هذا الشأن والله أعلم
الثامنة إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في
مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج
به بذلك إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث أو الاحتجاج به إلى
أصل قد قابله هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة متعددة مروية بروايات متنوعة
ليحصل له بذلك مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف
الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول والله أعلم
النوع الثاني
معرفة الحسن من الحديث
روينا عن أبي سليمان الخطابي رحمه الله أنه قال بعد حكايته أن الحديث عند أهله
31

ينقسم إلى الأقسام الثلاثة التي قدمنا ذكرها الحسن ما عرف مخرجه واشتهر
رجاله قال وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله
عامة الفقهاء وروينا عن أبي عيسى الترمذي رضي الله عنه أنه يريد بالحسن أن لا
يكون في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون حديثا شاذا ويروى من غير وجه نحو
ذلك وقال بعض المتأخرين الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل
32

هو الحديث الحسن ويصلح للعمل به
قلت كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل وليس فيما ذكره الترمذي
والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث جامعا
بين أطراف كلامهم ملاحظا مواقع استعمالهم فتنقح لي واتضح أن الحديث الحسن
قسمان
أحدهما الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته
غير أنه ليس مغفلا كثير الخطأ فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث أي
لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق ويكون متن الحديث
33

مع ذلك قد عرف بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من
تابع راويه على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلك عن أن
يكون شاذا ومنكرا وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل
القسم الثاني أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة غير أنه لم يبلغ
درجة رجال الصحيح لكونه يقصر عنهم في الحفظ والاتقان وهو مع ذلك يرتفع عن
حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا ويعتبر في كل هذا مع سلامة الحديث من أن
يكون شاذا ومنكرا سلامته من أن يكون معللا وعلى القسم الثاني يتنزل كلام
الخطابي فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك وكأن
الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما
على ما رأى أنه يشكل معرضا عما رأى أنه لا يشكل أو أنه غفل عن البعض وذهل
والله أعلم هذا تأصيل ذلك
ونوضحه بتنبيهات وتفريعات
أحدها الحسن يتقاصر عن الصحيح في أن الصحيح من شرطه أن يكون جميع
رواته قد ثبتت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم إما بالنقل الصريح أو بطريق الاستفاضة
على ما سنبينه إن شاء الله تعالى وذلك غير مشترط في الحسن فإنه يكتفى فيه بما سبق
ذكره من مجئ الحديث من وجوه وغير ذلك مما تقدم شرحه وإذا استبعد ذلك من
الفقهاء الشافعية مستبعد ذكرنا له نص الشافعي رضي الله عنه في مراسيل التابعين أنه
يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا وكذلك لو وافقه مرسل آخر أرسله من أخذ
العلم عن غير رجال التابعي الأول في كلام له ذكر فيه وجوها من الاستدلال على صحة
مخرج المرسل لمجيئه من وجه آخر وذكرنا له أيضا ما حكاه الإمام أبو المظفر
السمعاني وغيره عن بعض أصحاب الشافعي من أنه تقبل رواية المستور وإن لم تقبل
شهادة المستور ولذلك وجه متجه كيف وإنا لم نكتف في الحديث الحسن بمجرد
رواية المستور على ما سبق آنفا والله أعلم
الثاني لعل الباحث الفهم يقول إنا نجد أحاديث محكوما بضعفها مع كونها قد رويت
بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة مثل حديث الأذنان من الرأس ونحوه فهلا جعلتم ذلك
34

وأمثاله من نوع الحسن لان بعض ذلك عضد بعضا كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفا
وجواب ذلك أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه بل ذلك
يتفاوت فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئا من ضعف حفظ راويه مع كونه
من أهل الصدق والديانة فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه ولم
يختل فيه ضبطه له وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الارسال زال بنحو ذلك كما في
المرسل الذي يرسله إمام حافظ إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر ومن ذلك
ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته وذلك
كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا وهذه جملة
تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة والله أعلم
الثالث إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة أهل الحفظ والاتقان غير أنه من
المشهورين بالصدق والستر وروي مع ذلك حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة
من الجهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح
مثاله حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة فمحمد بن عمرو بن
علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة لكنه لم يكن من أهل الاتقان حتى ضعفه
بعضهم من جهة سوء حفظه ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته فحديثه من هذه الجهة
حسن فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من
جهة سوء حفظه وانجبر به ذلك النقص اليسير فصح هذا الاسناد والتحق بدرجة
الصحيح والله أعلم
35

الرابع كتاب أبي عيسى الترمذي رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن
وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات من كلام بعض
مشايخه والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرها تختلف النسخ من
كتاب الترمذي في قوله هذا حديث حسن أو هذا حديث حسن صحيح ونحو
ذلك فينبغي ان تصحح أصلك به بجماعة أصول وتعتمد على ما اتفقت عليه ونص
الدارقطني في سننه على كثير من ذلك
ومن مظانه سنن أبي داود السجستاني رحمه الله تعالى روينا عنه أنه قال ذكرت فيه
الصحيح وما يشبه ويقاربه وروينا عنه أيضا ما معناه انه يذكر في كل باب
أصح ما عرفه في ذلك الباب وقال ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد
بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح وبعضها أصح من بعض
قلت فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا وليس في واحد من
الصحيحين ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن عرفناه بأنه من
الحسن عند أبي داود وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره ولا مندرج فيما
حققنا ضبط الحسن به على ما سبق إذ حكى أبو عبد الله بن منده الحافظ انه سمع
محمد بن سعد الباوردي بمصر يقول كان من مذهب أبي عبد الرحمن النسائي ان
يخرج عن كل من لم يجمع على تركه قال بن منده وكذلك أبو داود السجستاني
36

يأخذ مأخذه ويخرج الاسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره لأنه أقوى عنده من
رأى الرجال والله أعلم
الخامس ما صار إليه صاحب المصابيح رحمه الله من تقسيم أحاديثه إلى
نوعين الصحاح والحسان مريدا بالصحاح ما ورد في أحد الصحيحين أو فيهما
وبالحسان ما أورده أبو داود والترمذي وأشباههما في تصانيفهم فهذا اصطلاح لا
يعرف وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك وهذه الكتب تشتمل على
حسن وغير حسن كما سبق بيانه والله أعلم
السادس كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التي هي الصحيحان
وسنن أبي داود وسنن النسائي وجامع الترمذي وما جرى مجراها في الاحتجاج بها
والركون إلى ما يورد فيها مطلقا كمسند أبي داود الطيالسي ومسند عبيد الله بن
موسى ومسند أحمد بن حنبل ومسند إسحاق بن راهويه ومسند عبد بن حميد
ومسند الدارمي ومسند أبي يعلى الموصلي ومسند الحسن بن سفيان ومسند البزار
أبي بكر وأشباهها فهذه عادتهم فيها أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من
37

حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به فلهذا تأخرت مرتبتها وإن جلت
لجلالة مؤلفيها عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنفة على
الأبواب والله أعلم
السابع قولهم هذا حديث صحيح الاسناد أو حسن الاسناد دون قولهم هذا حديث
صحيح أو حديث حسن لأنه قد يقال هذا حديث صحيح الاسناد ولا يصح
لكونه شاذا أو معللا غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله إنه صحيح
الاسناد ولم يذكر له علة ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في
نفسه لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر والله أعلم
الثامن في قول الترمذي وغيره هذا حديث حسن صحيح إشكال لان الحسن
قاصر عن الصحيح كما سبق إيضاحه ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي
ذلك القصور وإثباته وجوابه أن ذلك راجع إلى الاسناد فإذا روي الحديث الواحد
بإسنادين أحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح استقام أن يقال فيه إنه حديث حسن
صحيح أي إنه حسن بالنسبة إلى إسناد صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر على أنه غير
38

مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي وهو ما تميل إليه النفس
ولا يأباه القلب دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده فاعلم ذلك والله أعلم
التاسع من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع
الصحيح لاندراجه في أنواع ما يحتج به وهو الظاهر من كلام الحاكم أبي عبد الله
الحافظ في تصرفاته وإليه يومي في تسميته كتاب الترمذي بالجامع الصحيح وأطلق
الخطيب أبو بكر أيضا عليه اسم الصحيح وعلى كتاب النسائي وذكر الحافظ أبو الطاهر
السلفي الكتب الخمسة وقال اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب وهذا
تساهل لان فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف
وصرح أبو داود فيما قدمنا روايته عنه بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره والترمذي
مصرح فيما في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن ثم إن من سمى الحسن صحيحا لا ينكر
أنه دون الصحيح المقدم المبين أولا فهذا إذا اختلاف في العبارة دون المعنى والله أعلم
النوع الثالث
معرفة الضعيف من الحديث
كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث
39

الحسن المذكورات فيما تقدم فهو حديث ضعيف وأطنب أبو حاتم بن حبان البستي
في تقسيمه فبلغ به خمسين قسما إلا واحدا وما ذكرته ضابط جامع لجميع ذلك
وسبيل من أراد البسط أن يعمد إلى صفة معينة منها فيجعل ما عدمت فيه من
غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر في نوع الحسن قسما واحدا ثم ما عدمت فيه
تلك الصفة مع صفة أخرى معينة قسما ثانيا ثم ما عدمت فيه مع صفيتين معينتين قسما
ثالثا وهكذا إلى أن يستوفي الصفات المذكورات جمع ثم يعود ويعين من الابتداء
صفة غير التي عينها أولا ويجعل ما عدمت فيه وحدها قسما ثم القسم الآخر ما عدلت
فيه مع عدم صفة أخرى ولتكن الصفة الأخرى غير الصفة الأولى المبدوء بها لكون ذلك
سبق في أقسام عدم الصفة الأولى وهكذا هلم جرا إلى آخر الصفات
ثم ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم الاخر الأرذل وما كان من الصفات له
شروط فاعمل في شروطه نحو ذلك فتتضاعف بذلك الأقسام والذي له لقب خاص
معروف من أقسام ذلك الموضوع والمقلوب والشاذ والمعلل والمضطرب
والمرسل والمنقطع والمعضل في أنواع سيأتي عليها الشرح إن شاء الله تعالى
والملحوظ فيما نورده من الأنواع عموم أنواع علوم الحديث لا خصوص أنواع التقسيم
الذي فرغنا الآن من أقسامه ونسأل الله تبارك وتعالى تعميم النفع به في الدارين
آمين
النوع الرابع
معرفة المسند
ذكر أبو بكر الخطيب الحافظ رحمه الله أن المسند عند أهل الحديث هو الذي
40

اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم وذكر أبو عمر بن عبد البر الحافظ أن المسند ما
رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة وقد يكون متصلا مثل
مالك عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يكون منقطعا مثل مالك عن
الزهري عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مسند لأنه قد أسند إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منقطع لان الزهري لم يسمع من بن عباس رضي الله عنهم
وحكى أبو عمر عن قوم أن المسند لا يقع إلا على ما اتصل مرفوعا إلى
النبي صلى الله عليه وسلم قلت وبهذا قطع الحاكم أبو عبد الله الحافظ ولم يذكر في كتابه غيره
فهذه أقوال ثلاثة مختلفة والله أعلم
النوع الخامس
معرفة المتصل
ويقال فيه أيضا الموصول ومطلقه يقع على المرفوع والموقوف وهو الذي
اتصل إسناده فكان كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه حتى ينتهي إلى منتهاه
مثال المتصل المرفوع من الموطأ مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله
41

عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثال المتصل الموقوف مالك عن نافع عن ابن عمر
عن عمر قوله والله أعلم
النوع السادس
معرفة المرفوع
وهو ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ولا يقع مطلقه على غير ذلك نحو
الموقوف على الصحابة وغيرهم ويدخل في المرفوع المتصل والمنقطع
والمرسل ونحوها فهو والمسند عند قوم سواء والانقطاع والاتصال يدخلان
عليهما جميعا وعند قوم يفترقان في أن الانقطاع والاتصال يدخلان على المرفوع ولا
يقع المسند إلا على المتصل المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ أبو بكر بن
ثابت المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم أو فعله فخصصه
بالصحابة فيخرج عنه مرسل التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى
42

بالمرفوع المتصل والله أعلم
النوع السابع
معرفة الموقوف
وهو ما يروي عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم ونحوها
فيوقف عليهم ولا يتجاوز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إلى منه ما يتصل الاسناد فيه إلى
الصحابي فيكون من الموقوف الموصول ومنه ما لا يتصل إسناده فيكون من الموقوف
غير الموصول على حسب ما عرف مثله في المرفوع إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم وما
ذكرناه من تخصيصه بالصحابي فذلك إذا ذكر الموقوف مطلقا وقد يستعمل مقيدا في غير
الصحابي فيقال حديث كذا وكذا وقفه فلان على عطاء أو على طاوس أو نحو هذا
والله أعلم وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر قال أبو
القاسم الفوراني منهم فيما بلغنا عنه الفقهاء يقولون الخبر ما يروى عن
النبي صلى الله عليه وسلم والأثر ما يروى عن الصحابة رضي الله عنهم
النوع الثامن
معرفة المقطوع
وهو غير المنقطع الذي يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ويقال في جمعه
43

المقاطيع والمقاطع وهو ما جاء عن التابعين موقوفا عليهم من أقوالهم وأفعالهم
قال الخطيب أبو بكر الحافظ في جامعه من الحديث المقطوع وقال المقاطع هي
الموقوفات على التابعين والله أعلم
قلت وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام
الإمام الشافعي وأبي القاسم الطبراني وغيرهما والله أعلم
تفريعات
أحدها قول الصحابي كنا نفعل كذا أو كنا نقول كذا إن لم يضفه إلى زمان
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف وإن أضافه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فالذي
قطع به أبو عبد الله بن البيع الحافظ وغيره من أهل الحديث وغيرهم أن ذلك من قبيل
المرفوع
وبلغني عن أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي الامام عن ذلك فأنكر
كونه من المرفوع والأول هو الذي عليه الاعتماد لان ظاهر ذلك مشعر بأن
44

رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقررهم عليه وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة فإنها
أنواع منها أقواله صلى الله عليه وسلم ومنها أفعاله ومنها تقريره وسكوته عن الانكار بعد اطلاعه
ومن هذا القبيل قول الصحابي كنا لا نرى بأسا بكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا أو كان يقال
كذا وكذا على عهده أو كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته صلى الله عليه وسلم فكل ذلك وشبهه مرفوع
مسند مخرج في كتب المسانيد
وذكر الحاكم أبو عبد الله فيما رويناه عن المغيرة بن شعبة قال كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير أن هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة
مسندا يعني مرفوعا لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وليس بمسند بل هو موقوف
وذكر الخطيب أيضا نحو ذلك في جامعه
قلت بل هو مرفوع كما سبق ذكره وهو بأن يكون مرفوعا أحرى لكونه
أحرى باطلاعه صلى الله عليه وسلم عليه والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع وقد كنا
عددنا هذا فيما أخذناه عليه ثم تأولناه له على أنه أراد أنه ليس بمسند لفظا بل هو
موقوف لفظا وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظا وإنما جعلناه مرفوعا من حيث
المعنى والله أعلم
الثاني قول الصحابي أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا من نوع المرفوع والمسند
عند أصحاب الحديث وهو قول أكثر أهل العلم وخالف في ذلك فريق منهم أبو بكر
45

الإسماعيلي والأول هو الصحيح لان مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من إليه الأمر والنهي
وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا قول الصحابي من السنة كذا فالأصح أنه
مسند مرفوع لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب اتباعه وكذلك
قول أنس رضي الله عنه أمر بلال أن يشفع الاذان ويوتر الإقامة وسائر ما جانس
ذلك ولا فرق بين أن يقول ذلك في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده صلى الله عليه وسلم والله أعلم
الثالث ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك في تفسير يتعلق
46

بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك كقول جابر رضي الله عنه كانت اليهود
تقول من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل نساؤكم
حرث لكم الآية فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شئ
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعدودة في الموقوفات والله أعلم
الرابع من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي
يرفع الحديث أو يبلغ به أو ينميه أو رواية مثال ذلك سفيان بن عيينة عن
أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رواية تقاتلوا قوما صغار الأعين
الحديث وبه عن أبي هريرة يبلغ به قال الناس تبع لقريش الحديث فكل
47

ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم ذلك عند أهل
العلم حكم المرفوع صريحا
قلت وإذا قال الراوي عن التابعي يرفع الحديث أو يبلغ به فذلك أيضا
مرفوع ولكنه مرفوع مرسل والله أعلم
النوع التاسع
معرفة المرسل
وصورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من
الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدي بن الخيار ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما إذا
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك
رضي الله عنهم وله صور اختلف فيها أهي من المرسل أم لا
إحداها إذا انقطع الاسناد قبل الوصول إلى التابعي فكان فيه رواية راو لم
يسمع من المذكور فوقه فالذي قطع به الحاكم الحافظ أبو عبد الله وغيره من أهل
الحديث أن ذلك لا يسمى مرسلا وأن الارسال مخصوص بالتابعين بل إن كان من
سقط ذكره قبل الوصول إلى التابعي شخصا واحدا سمي منقطعا فحسب وإن كان أكثر
من واحد سمي معضلا ويسمى أيضا منقطعا وسيأتي مثلا ذلك إن شاء الله تعالى
والمعروف في الفقه وأصوله أن كل ذلك يسمى مرسلا وإليه ذهب من أهل الحديث أبو
بكر الخطيب وقطع به وقال إلا أن أكثر ما يوصف بالارسال من حيث الاستعمال ما
48

رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما رواه تابعي التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسمونه المعضل
والله أعلم
الثانية قول الزهري وأبي حازم ويحيى بن سعيد الأنصاري وأشباههم من
أصاغر التابعين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى بن عبد البر أن قوما لا يسمونه مرسلا
بل منقطعا لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين وأكثر روايتهم عن
التابعين
قال الشيخ أبقاه الله وهذا المذهب فرع لمذهب من لا يسمي المنقطع قبل الوصول إلى التابعي
مرسلا والمشهور التسوية بين التابعين في اسم الارسال كما تقدم والله أعلم
الثالثة إذا قيل في الاسناد فلان عن رجل أو عن شيخ عن فلان أو نحو ذلك
فالذي ذكره الحاكم في معرفة علوم الحديث أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا وهو
في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود من أنواع المرسل والله أعلم
ثم اعلم أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من
وجه آخر كما سبق بيانه في نوع الحسن ولهذا احتج الشافعي رضي الله عنه بمرسلات
سعيد بن المسيب رضي الله عنهما فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر ولا يختص
ذلك عنده بإرسال بن المسيب كما سبق ومن أنكر هذا زاعما أن الاعتماد حينئذ يقع
على المسند دون المرسل فيقع لغوا لا حاجة إليه فجوابه أنه بالمسند يتبين صحة
الاسناد الذي فيه الارسال حتى يحكم له مع إرساله بأنه إسناد صحيح تقوم بمثله الحجة
على ما مهدنا سبيله في النوع الثاني وإنما ينكر هذا من لا مذاق له في هذا الشأن
وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي
استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر وتداولوه في تصانيفهم وفي
صدر صحيح مسلم المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالاخبار ليس بحجة
وابن عبد البر حافظ المغرب ممن حكى ذلك عن جماعة أصحاب الحديث
49

والاحتجاج به مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما رحمهم الله في طائفة والله
أعلم
ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابي
مثل ما يرويه بن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه
لان ذلك في حكم الموصول المسند لان روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي
غير قادحة لان الصحابة كلهم عدول والله أعلم
النوع العاشر
معرفة المنقطع
وفيه وفي الفرق بينه وبين المرسل مذاهب لأهل الحديث وغيرهم
فمنها ما سبق في نوع المرسل عن الحاكم صاحب كتاب معرفة أنواع علوم
الحديث من أن المرسل مخصوص بالتابعي وان المنقطع منه الاسناد فيه قبل
الوصول إلى التابعي راو لم يسمع من الذي فوقه والساقط بينهما غير مذكور لا معينا ولا
مبهما ومنه الاسناد الذي ذكر فيه بعض رواته بلفظ مبهم نحو رجل أو شيخ أو
غيرهما
مثال الأول ما رويناه عن عبد الرازق عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن
زيد بن يثيع عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان وليتموها أبا بكر فقوي امين
الحديث فهذا إسناد إذا تأمله الحديثي وجد صورته صورة المتصل وهو منقطع
50

في موضعين لان عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري وإنما سمعه من النعمان بن أبي
شيبه الجندي عن الثوري ولم يسمعه الثوري أيضا أيضا من أبي إسحاق إنما سمعه من
شريك عن أبي إسحاق
ومثال الثاني الحديث الذي رويناه عن أبي العلاء بن عبد الله بن الشخير عن
رجلين عن شداد بن أوس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء في الصلاة اللهم إني أسألك
الثبات في الامر الحديث والله أعلم
ومنها ما ذكره بن عبد البر رحمه الله وهو ان المرسل مخصوص بالتابعين
والمنقطع شامل له ولغيره وهو عنده كل ما لا يتصل إسناده سواء كان يعزى إلى
النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره
ومنها أن المنقطع مثل المرسل وكلاهما شاملان لكل ما لا يتصل إسناده وهذا
المذهب أقرب صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم وهو الذي ذكره الحافظ أبو بكر
الخطيب في كفايته إلا أن أكثر ما يوصف بالارسال من حيث الاستعمال ما رواه
التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر ما يوصف بالانقطاع ما رواه من دون التابعين عن
الصحابة مثل مالك عن ابن عمر ونحو ذلك والله أعلم
ومنها ما حكاه الخطيب أبو بكر عن بعض أهل العلم بالحديث أن المنقطع ما روي
عن التابعي أو من دونه موقوفا عليه من قوله أو فعله وهذا غريب بعيد والله أعلم
النوع الحادي عشر
معرفة المعضل
وهو لقب لنوع خاص من المنقطع فكل معضل منقطع وليس كل منقطع
51

معضلا وقوم يسمونه مرسلا كما سبق وهو عبارة عما سقط من إسناده اثنان فصاعدا
وأصحاب الحديث يقولون أعضله فهو معضل بفتح الضاد وهو اصطلاح
مشكل المأخذ من حيث اللغة وبحثت فوجدت له قولهم أمر عضيل أي مستغلق
شديد ولا التفات في ذلك إلى معضل بكسر الضاد وإن كان مثل عضيل في المعنى
ومثاله ما يرويه تابعي التابعي قائلا فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك ما
يرويه من دون تابعي التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وغيرهما
غير ذاكر للوسائط بينه وبينهم وذكر أبو نصر السجزي الحافظ قول الراوي بلغني
نحو قول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمملوك طعامه
وكسوته الحديث وقال أصحاب الحديث يسمونه
المعضل
قلت وقول المصنفين من الفقهاء وغيرهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا
ونحو ذلك كله من قبيل المعضل لما تقدم وسماه الخطيب أبو بكر الحافظ في بعض
كلامه مرسلا وذلك على مذهب من يسمى كل مالا يتصل مرسلا كما سبق
52

وإذا روى تابع التابع عن التابع حديثا موقوفا عليه وهو حديث متصل مسند إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جعله الحاكم أبو عبد الله نوعا من المعضل مثاله ما رويناه عن
الأعمش عن الشعبي قال يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما
عملته فيختم على فيه الحديث فقد أعضله الأعمش وهو عند الشعبي عن
أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصلا مسندا
قلت هذا جيد حسن لان هذا الانقطاع بواحد مضموما إلى الوقف يشتمل
على الانقطاع باثنين الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك باستحقاق اسم الإعضال
أولى والله أعلم
تفريعات
أحدها الاسناد المعنعن وهو الذي يقال فيه فلان عن فلان عده بعض الناس
من قبيل المرسل والمنقطع حتى يتبين اتصاله بغيره والصحيح والذي عليه العمل أنه
53

من قبيل الاسناد المتصل وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم وأودعه
المشترطون للصحيح في تصانيفهم فيه وقبلوه وكاد أبو عمر بن عبد البر الحافظ
يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك وادعى أبو عمرو الداني المقرئ الحافظ إجماع
أهل النقل على ذلك وهذا بشرط أن يكون الذين أضيفت العنعنة إليهم قد ثبتت ملاقاة
بعضهم بعضا مع برأتهم من وصمة التدليس فحينئذ يحمل على ظاهر الاتصال إلا أن
يظهر فيه خلاف ذلك وكثر في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال
عن في الإجازة فإذا قال أحدهم قرأت على فلان عن فلان أو نحو ذلك فظن به
أنه رواه عنه بالإجازة ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال على مالا يخفى والله أعلم
الثاني اختلفوا في قول الراوي أن فلانا قال كذا وكذا هل هو بمنزلة عن
في الحمل على الاتصال إذا ثبت التلاقي بينهما حتى يتبين فيه الانقطاع مثاله مالك
عن الزهري أن سعيد بن المسيب قال كذا فروينا عن مالك رضي الله عنه أنه كان يرى
عن فلان وأن فلانا سواء وعن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنهما ليسا سواء
وحكى بن عبد البر عن جمهور أهل العلم أن عن وأن سواء وأنه لا اعتبار
بالحروف والألفاظ وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة يعني مع السلامة
من التدليس فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحا كان حديث بعضهم عن بعض
بأي لفظ ورد محمولا على الاتصال حتى يتبين فيه الانقطاع
وحكى بن عبد البر عن أبي بكر البرديجي أن حرف أن محمول على الانقطاع
حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى وقال عندي لا معنى لهذا
لإجماعهم على أن الاسناد المتصل بالصحابي سواء فيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو
54

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول والله أعلم
قلت ووجدت مثل ما حكاه عن البرديجي أبي بكر الحافظ للحافظ الفحل
يعقوب بن شيبة في مسنده الفحل فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية عن عمار
قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي السلام وجعله مسندا
موصولا وذكر رواية قيس بن سعد لذلك عن عطاء بن أبي رباح عن ابن الحنفية أن
عمارا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فجعله مرسلا من حيث كونه قال إن عمارا فعل
ولم يقل عن عمار والله أعلم
ثم إن الخطيب مثل هذه المسألة بحديث نافع عن ابن عمر عن عمر أنه سأل
النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب الحديث وفي رواية أخرى عن نافع عن ابن
عمر أن عمر قال يا رسول الله الحديث ثم قال ظاهر الرواية الأولى
يوجب أن يكون من مسند عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم والثانية ظاهرها يوجب أن يكون من مسند
بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
قلت ليس هذا المثال مماثلا لما نحن بصدده لان الاعتماد فيه في الحكم
بالاتصال على مذهب الجمهور إنما هو على اللقاء والادراك وذلك في هذا الحديث
مشترك متردد لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعمر رضي الله عنه وبصحبة الراوي بن عمر لهما
فاقتضى ذلك من جهة كونه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن جهة أخرى كونه رواه عن عمر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم
الثالث قد ذكرنا ما حكاه بن عبد البر من تعميم الحكم بالاتصال فيما يذكره
الراوي عمن لقيه بأي لفظ كان وهكذا أطلق أبو بكر الشافعي الصيرفي ذلك فقال
كل من علم له سماع من إنسان فحدث عنه فهو على السماع حتى يعلم أنه لم يسمع منه
ما حكاه وكل من علم له لقاء إنسان فحدث عنه فحكمه هذا الحكم وإنما قال هذا
فيمن لم يظهر تدليسه
ومن الحجة في ذلك وفي سائر الباب أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه
الرواية عنه من غير ذكر الواسطة بينه وبينه مدلسا والظاهر السلامة من وصمة التدليس
والكلام فيمن لم يعرف بالتدليس ومن أمثلة ذلك قوله قال فلان كذا وكذا مثل أن
يقول نافع قال بن عمر وكذلك لو قال عنه ذكر أو فعل أو حدث أو كان
يقول كذا وكذا وما جانس ذلك فكل ذلك محمول ظاهرا على الاتصال وأنه تلقى
55

ذلك منه من غير واسطة بينهما مهما ثبت لقاؤه له على الجملة ثم منهم من اقتصر في
هذا الشرط المشروط في ذلك ونحوه على مطلق اللقاء أو السماع كما حكيناه آنفا وقال
فيه أبو عمرو المقرئ إذا كان معروفا بالرواية عنه وقال فيه أبو الحسن القابسي
إذا أدرك المنقول عنه إدراكا بينا
وذكر أبو المظفر السمعاني في العنعنة أنه يشترط طول الصحبة بينهم
وأنكر مسلم بن الحجاج في خطبة صحيحه على بعض أهل عصره حيث اشترط
في العنعنة ثبوت اللقاء والاجتماع وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه وأن
القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالاخبار قديما وحديثا أنه يكفي في ذلك أن
يثبت كونهما في عصر واحد وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها
وفيما قاله مسلم نظر وقد قيل إن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا
العلم علي بن المديني والبخاري وغيرهما والله أعلم
قلت وهذا الحكم لا أراه يستمر بعد المتقدمين فيما وجد من المصنفين في
تصانيفهم مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان قال فلان ونحو ذلك فافهم
كل ذلك فإنه مهم عزيز والله أعلم
الرابع التعليق الذي يذكره أبو عبد الله الحميدي صاحب الجمع بين
الصحيحين وغيره من المغاربة في أحاديث من صحيح البخاري قطع إسنادها وقد
استعمله الدارقطني من قبل صورته صورة الانقطاع وليس حكمه حكمه ولا خارجا ما
وجد ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف وذلك لما عرف من شرطه
وحكمه على ما نبهنا عليه في الفائدة السادسة من النوع الأول
ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رده ما أخرجه البخاري
من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكونن في أمتي أقوام
يستحلون الحرير والخمر والمعازف الحديث من جهة أن البخاري أورده قائلا فيه
قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فزعم بن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام
وجعله جوابا عن الاحتجاج به على تحريم المعازف وأخطأ في ذلك من وجوه
والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح
والبخاري رحمه الله قد يفعل ذلك لكون ذلك الحديث معروفا من جهة
56

الثقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث
في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك ليغير ذلك من الأسباب التي لا
يصحبها خلل الانقطاع والله أعلم وما ذكرناه من الحكم في التعليق المذكور فذلك فيما
أورده منه أصلا ومقصودا لا فيما أورده في معرض الاستشهاد فإن الشواهد يحتمل فيها
ما ليس من شرط الصحيح معلقا كان أو موصولا ثم إن لفظ التعليق وجدته مستعملا
فيما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر حتى أن بعضهم استعمله في حذف كل
الاسناد مثال ذلك قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا قال بن عباس كذا وكذا
روى أبو هريرة كذا وكذا قال سعيد بن المسيب عن أبي هريرة كذا وكذا قال الزهري
عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وهكذا إلى شيوخ شيوخه وأما
ما أورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريبا في الثالث من هذه التفريعات
وبلغني عن بعض المتأخرين من أهل المغرب أنه جعله قسما من التعليق ثانيا
وأضاف إليه قول البخاري في غير موضع من كتابه وقال لي فلان وزادنا فلان
فوسم كل ذلك بالتعليق المتصل من حيث الظاهر المنفصل من حيث المعنى وقال
متى رأيت البخاري يقول وقال لي وقال لنا فاعلم أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به
وإنما ذكره للاستشهاد به وكثيرا ما يعبر المحدثون بهذا اللفظ عما جرى بينهم في
المذاكرات والمناظرات وأحاديث المذاكرة قلما يحتجون بها
قلت وما ادعاه على البخاري مخالف لما قاله من هو أقدم منه وأعرف بالبخاري
وهو العبد الصالح أبو جعفر بن حمدان النيسابوري فقد روينا عنه أنه قال كل ما قال
البخاري قال لي فلان فهو عرض ومناولة
قلت ولم أجد لفظ التعليق مستعملا فيما سقط فيه بعض رجال الاسناد من
وسطه عنه أو من آخره ولا في مثل قوله يروى عن فلان ويذكر عن فلان وما أشبهه مما
ليس فيه جزم على من ذكر ذلك بأنه قاله وذكره وكان هذا التعليق مأخوذ من تعليق
الجدار وتعليق الطلاق ونحوه لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال والله أعلم
الخامس الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا اختلف
أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل الموصول أو بقبيل المرسل مثاله حديث لا
نكاح إلا بولي رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق
57

السبيعي عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندا هكذا
متصلا ورواه سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا
هكذا فحكى الخطيب الحافظ أن أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه
للمرسل وعن بعضهم أن الحكم للأكثر وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ فإذا
كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله ثم لا يقدح ذلك في عدالة من
وصله وأهليته ومنهم من قال من أسند حديثا قد أرسله الحفاظ فإرسالهم له يقدح
في مسنده وفي عدالته وأهليته ومنهم من قال الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا
ضابطا فيقبل خبره وإن خالفه غيره سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة قال
الخطيب هذا القول هو الصحيح
قلت وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله وسئل البخاري عن حديث
لا نكاح إلا بولي المذكور فحكم لمن وصله وقال الزيادة من الثقة مقبولة
فقال البخاري هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان لهما من الحفظ
والاتقان الدرجة العالية
ويلتحق بهذا ما إذا كان الذي وصله هو الذي أرسله وصله في وقت وأرسله في
وقت وهكذا إذا رفع بعضهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه بعضهم على الصحابي أو
رفعه واحد في وقت ووقفه هو أيضا في وقت آخر فالحكم على الأصح في كل ذلك لما
زاده الثقة من الوصل والرفع لأنه مثبت وغيره ساكت ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه
لأنه علم ما خفي عليه ولهذا الفصل تعلق بفصل زيادة الثقة في الحديث وسيأتي إن
شاء الله تعالى وهو أعلم
النوع الثاني عشر
معرفة التدليس وحكم المدلس
التدليس قسمان
أحدهما تدليس الاسناد وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه موهما أنه
58

سمع منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمعه منه ثم قد يكون
بينهما واحد وقد يكون أكثر ومن شأنه أن لا يقول في ذلك أخبرنا فلان ولا
حدثنا وما أشبههما وإنما يقول قال فلان أو عن فلان ونحو ذلك مثال ذلك
ما روينا عن علي بن خشرم قال كنا عند بن عيينة فقال الزهري فقيل له
حدثكم الزهري فسكت ثم قال الزهري فقيل له سمعته من الزهري فقال
لا لم أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري حدثني عبد الرزاق عن
معمر عن الزهري
القسم الثاني تدليس الشيوخ وهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه
أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف
مثاله ما روي لنا عن أبي بكر بن مجاهد الامام المقرئ أنه روى عن أبي بكر
عبد الله بن أبي داود السجستاني فقال حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله وروى عن أبي
بكر محمد بن الحسن النقاش المفسر المقرئ فقال حدثنا محمد بن سند نسبه إلى
جد له والله أعلم
أما القسم الأول فمكروه جدا ذمه أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذما له
59

فروينا عن الشافعي الامام رضي الله عنه أنه قال التدليس أخو الكذب وروينا عنه أنه قال
لان أزني أحب إلي من أن أدلس وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في
الزجر عنه والتنفير
ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس فجعله فريق من أهل الحديث
والفقهاء مجروحا بذلك وقالوا لا تقبل روايته بحال بين السماع أو لم يبين
والصحيح التفصيل وأن ما رواه المدلس بلفظ محتم لم يبين فيه السماع
والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو سمعت
وحدثنا وأخبرنا وأشباهها فهو مقبول محتج به وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب
المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا كقتادة والأعمش والسفيانين
وهشيم بن بشير وغيرهم وهذا لان التدليس ليس كذبا وإنما هو ضرب من الإيهام
بلفظ محتمل والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبين قد أجراه الشافعي رضي الله
عنه فيمن عرفناه دلس مرة والله أعلم
وأما القسم الثاني فأمره أخف وفيه تضييع للمروي عنه وتوعير لطريق
60

معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته ويختلف الحال في كراهة ذلك
بحسب الغرض الحامل عليه فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غير سمته غير
ثقة أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه أو كونه أصغر سنا
من الراوي عنه أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب الاكثار من ذكر شخص واحد على
صورة واحدة وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين منهم الخطيب أبو بكر فقد
كان لهجا به في تصانيفه والله أعلم
النوع الثالث عشر
معرفة الشاذ
روينا عن يونس بن عبد الأعلى قال قال لي الشافعي رضي الله عنه ليس الشاذ من
الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف ما
روى الناس
وحكى الحافظ أبو يعلى الخليلي القزويني نحو هذا عن الشافعي وجماعة من أهل
61

الحجاز ثم قال الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ
بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل وما كان عن ثقة
يتوقف فيه ولا يحتج به
وذكر الحاكم أبو عبد الله الحافظ أن الشاذ هو الحديث الذي يتفرد به ثقة من
الثقات وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة وذكر أنه يغاير المعلل من حيث أن المعلل
وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه والشاذ لم يوقف فيه على علة كذلك
قلت أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول وأما
ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث إنما الأعمال
بالنيات فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تفرد به
عن عمر علقمة بن وقاص ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم ثم عنه يحيى بن سعيد
على ما هو الصحيح عند أهل الحديث
وأوضح من ذلك في ذلك حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن بيع الولاء وهبته تفرد به عبد الله بن دينار وحديث مالك عن الزهري عن
أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر تفرد به مالك عن الزهري فكل
هذه مخرجة في الصحيحين مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة وفي غرائب
الصحيح أشباه لذلك غير قليلة وقد قال مسلم بن الحجاج للزهري نحو تسعين
62

حرفا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد والله أعلم
فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الامر في ذلك
على الاطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم بل الامر في ذلك على تفصيل نبيه
فنقول
إذا انفرد الراوي بشئ نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفا لما رواه من هو أولى
منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذا مردودا وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه
غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلا
حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من
الأمثلة وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارما
له مزحزحا له عن حيز الصحيح
ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به
غير بعيد من درجة الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى
قبيل الحديث الضعيف وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ
المنكر فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان أحدهما الحديث الفرد المخالف
والثاني الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد
والشذوذ من النكارة والضعف والله أعلم
النوع الرابع عشر
معرفة المنكر من الحديث
بلغنا عن أبي بكر أحمد بن هارون البرديجي الحافظ أنه الحديث الذي ينفرد به
63

الرجل ولا يعرف متنه من غاير روايته لا من الوجه الذي رواه ولا من وجه آخر
فأطلق البرديجي ذلك ولم يفصل وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو
الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث
والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ وعند هذا نقول المنكر
ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه
مثال الأول وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات رواية مالك عن الزهري
عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا
يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم فخالف مالك غيره من الثقات في قوله
عمر بن عثمان بضم العين وذكر مسلم صاحب الصحيح في كتاب التمييز أن كل من
رواه من أصحاب الزهري قال فيه عمرو بن عثمان يعني بفتح العين وذكر أن مالكا كان
يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه وعمرو وعمر جميعا ولدا
عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو بفتح العين وحكم مسلم وغيره على
مالك بالوهم فيه والله أعلم
ومثال الثاني وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والاتقان ما يحتمل
معه تفرده ما رويناه من حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كلوا البلح بالتمر
فإن الشيطان إذا رأى ذلك غاظه ويقول عاش بن آدم حتى أكل الجديد بالخلق تفرد به
64

أبو زكريا وهو شيخ صالح أخرج عنه مسلم في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل
تفرده والله أعلم
النوع الخامس عشر
معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
هذه أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث هل تفرد به راويه أو لا وهل هو
معروف أو لا ذكر أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الحافظ رحمه الله أن طريق
الاعتبار في الاخبار مثاله أن يروي حماد بن سلمة حديثا لم يتابع عليه عن أيوب عن ابن
سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فينظر هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن
سيرين فإن وجد علم أن للخبر أصلا يرجع إليه وإن لم يوجد ذلك فثقة غير بن
سيرين رواه عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأي ذلك
وجد يعلم به أن للحديث أصلا يرجع إليه وإلا فلا
قلت فمثال المتابعة أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد فهذه
المتابعة التامة فإن لم يروه أحد غيره عن أيوب لكن رواه بعضهم عن ابن سيرين أو عن
أبي هريرة أو رواه غير أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قد يطلق عليه اسم المتابعة
أيضا لكن تقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها ويجوز أن يسمى ذلك
بالشاهد أيضا فإن لم يرو ذلك الحديث أصلا من وجه من الوجوه المذكورة لكن روي
حديث آخر بمعناه فذلك الشاهد من غير متابعة فإن لم يرو أيضا بمعناه حديث آخر فقد
تحقق فيه التفرد المطلق حينئذ وينقسم عند ذلك إلى مردود منكر وغير مردود كما
سبق وإذا قالوا في مثل هذا تفرد به أبو هريرة وتفرد به عن أبي هريرة بن سيرين
65

وتفرد به عن ابن سيرين أيوب وتفرد به عن أيوب حماد بن سلمة كان في ذلك إشعار
بانتفاء وجوه المتابعات فيه
ثم اعلم أنه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه
وحده بل يكون معدودا في الضعفاء وفي كتابي البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء
ذكراهم في المتابعات والشواهد وليس كل ضعيف يصلح لذلك ولهذا يقول
الدارقطني وغيره في الضعفاء فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به وقد تقدم التنبيه
على نحو ذلك والله أعلم
مثال للمتابع والشاهد روينا من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن
عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا
به ورواه بن جريج عن عمرو عن عطاء ولم يذكر فيه الدباغ فذكر الحافظ أحمد
البيهقي لحديث بن عيينة متابعا وشاهدا أما المتابع فإن أسامة بن زيد تابعه عن عطاء
وروى بإسناده عن أسامة عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا نزعتم
جلدها فدبغتموه فاستمتعتم به وأما الشاهد فحديث عبد الرحمن بن وعلة عن ابن
عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما إهاب دبغ فقد طهر والله أعلم
النوع السادس عشر
معرفة زيادات الثقات وحكمها
وذلك فن لطيف تستحسن العناية به وقد كان أبو بكر بن زياد النيسابوري وأبو
نعيم الجرجاني وأبو الوليد القرشي الأئمة مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية في
الأحاديث
ومذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب أبو بكر أن
الزيادة من الثقة مقبولة إذا تفرد بها سواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه ناقصا
مرة ورواه مرة أخرى وفيه تلك الزيادة أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصا خلافا
لمن رد من أهل الحديث ذلك مطلقا وخلافا لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره وقد
قدمنا عنه حكايته عن أكثر أهل الحديث فيما إذا وصل الحديث قوم وأرسله قوم أن
66

الحكم لمن أرسله مع أن وصله زيادة من الثقة
وقد رأيت تقسيم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام
أحدها أنه مخالفا منافيا لما رواه سائر الثقات فهذا حكمه الرد كما سبق في
نوع الشاذ
الثاني أن لا تكون فيه منافاة ومخالفة أصلا لما رواه غيره كالحديث الذي تفرد
برواية جملته ثقة ولا تعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلا فهذا مقبول وقد
ادعى الخطيب فيه اتفاق العلماء عليه وسبق مثاله في نوع الشاذ
الثالث ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظه في حديث لم يذكرها سائر من
روى ذلك الحديث
مثاله ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر
من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين فذكر أبو عيسى الترمذي
أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله من المسلمين وروى عبيد الله بن عمر
وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة فأخذ بها غير
واحد من الأئمة واحتجوا بها منهم الشافعي وأحمد رضي الله عنهم والله أعلم
67

ومن أمثلة ذلك حديث جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا
فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي وسائر الروايات لفظها وجعلت
لنا الأرض مسجدا وطهورا فهذا وما أشبهه يشبه القسم الأول من حيث إن ما رواه
الجماعة عام وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من
المخالفة يختلف به الحكم ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث إنه لا منافاة بينهما
وأما زيادة الوصل مع الارسال فإن بين الوصل والارسال من المخالفة نحو ما
ذكرناه ويزداد ذلك بأن الارسال نوع قدح في الحديث فترجيحه وتقديمه من قبيل
تقديم الجرح على التعديل ويجاب عنه بأن الجرح قدم لما فيه من زيادة العلم والزيادة
ههنا مع من وصل والله أعلم
النوع السابع عشر
معرفة الافراد
وقد سبق بيان المهم من هذا النوع في الأنواع التي تليه قبله لكن أفردته بترجمة
68

كما أفرده الحاكم أبو عبد الله ولما بقي منه فنقول
الافراد منقسمة إلى ما هو فرد مطلقا وإلى ما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة
أما الأول فهو ما ينفرد به واحد عن كل أحد وقد سبقت أقسامه وأحكامه قريبا
وأما الثاني وهو ما هو فرد بالنسبة فمثل ما ينفرد به ثقة عن كل ثقة وحكمه
قريب من حكم القسم الأول ومثل ما يقال فيه هذا حديث تفرد به أهل مكة أو
تفرد به أهل الشام أو أهل الكوفة أو أهل خراسان عن غيرهم أو لم يروه
عن فلان غير فلان وإن كان مرويا من وجوه عن غير فلان أو تفرد به البصريون عن
المدنيين أو الخراسانيون عن المكيين وما أشبه ذلك ولسنا نطول بأمثلة ذلك
69

فإنه مفهوم دونها وليس في شئ من هذا ما يقتضي الحكم بضعف الحديث إلا أن
يطلق قائل قوله تفرد به أهل مكة أو تفرد به البصريون عن المدنيين أو نحو ذلك
على ما لم يروه إلا واحد من أهل مكة أو واحد من البصريين ونحوه ويضيفه إليهم
كما يضاف فعل الواحد من القبيلة إليها مجازا وقد فعل الحاكم أبو عبد الله هذا فيما
نحن فيه فيكون الحكم فيه على ما سبق في القسم الأول والله أعلم
النوع الثامن عشر
معرفة الحديث المعلل
ويسميه أهل الحديث المعلول وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب
القياس العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة
70

اعلم أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها وإنما
يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب وهي عبارة عن أسباب خفية
غامضة قادحة فيه فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في
صحته مع أن ظاهرة السلامة منها ويتطرق ذلك إلى الاسناد الذي رجاله ثقات الجامع
شروط الصحة من حيث الظاهر ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له
مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في
المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم وأهم بغير ذلك بحيث يغلب على
ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه وكل ذلك مانع ممن الحكم بصحة ما
وجد ذلك فيه
71

وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل مثل أن يجئ الحديث بإسناد موصول
ويجئ أيضا بأسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول ولهذا اشتملت كتب علل
الحديث على جمع طرقه قال الخطيب أبو بكر السبيل إلى معرفة علة الحديث أن
يجمع بين طرقه وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في
الاتقان والضبط وروى عن علي بن المديني قال الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين
خطؤه
قم قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو الأكثر وقد تقع في متنه ثم ما يقع في
الاسناد قد يقدح في صحة الاسناد والمتن جميعا كما في التعليل بالارسال والوقف
وقد يقدح في صحة الاسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن
فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في المتن ما رواه الثقة يعلى بن
عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيعان
بالخيار الحديث فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل وهو معلل غير
صحيح والمتن على كل حال صحيح والعلة في قوله عن عمرو بن دينار إنما هو
عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان عنه فوهم
يعلى بن عبيد وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار وكلاهما ثقة
ومثال العلة في المتن ما انفرد مسلم بإخراجه في حديث أنس من اللفظ المصرح
بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا
الأكثرين إنما قالوا فيه فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين من غير
72

تعرض لذكر البسملة وهو الذي اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح
رأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له ففهم من قوله كانوا
يستفتحون بالحمد أنهم كانوا لا يبسملون فرواه على ما فهم وأخطأ لان معناه أن
السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة وليس فيه تعرض لذكر التسمية
وانضم إلى ذلك أمور منها أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا
يحفظ فيه شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم
ثم اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث
المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضي لفظ
العلة في الأصل ولذلك تجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب
والغفلة وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح وسمى الترمذي النسخ علة من
علل الحديث ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف نحو
إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط حتى قال من أقسام الصحيح ما هو
صحيح معلول كما قال بعضهم من الصحيح ما هو صحيح شاذ والله أعلم
النوع التاسع عشر
معرفة المضطرب من الحديث
المضطرب من الحديث هو الذي تختلف الرواية فيه فيرويه بعضهم على وجه
وبعضهم على وجه آخر مخالف له وإنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايتان أما
إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة
للمروي عنه أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة ولا
يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب ولا له حكمه
73

ثم قد يقع الاضطراب في متن الحديث وقد يقع في الاسناد وقد يقع ذلك
من راو واحد وقد يقع بين رواة له جماعة والاضطراب موجب ضعف
الحديث لاشعاره بأنه لم يضبط والله أعلم
ومن أمثلته ما رويناه عن إسماعيل بن أمية عن أبي عمرو بن محمد بن
حريث عن جده حريث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلي إذا لم يجد
عصا ينصبها بين يديه فليخط خطا فرواه بشر بن المفضل وروح بن القاسم عن
إسماعيل هكذا ورواه سفيان الثوري عنه عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه عن أبي
هريرة ورواه حميد بن الأسود عن إسماعيل عن أبي عمرو بن محمد بن حريث بن
سليم عن أبيه عن أبي هريرة ورواه وهيب وعبد الوارث عن إسماعيل عن أبي
عمرو بن حريث عن جده حريث وقال عبد الرزاق عن ابن جريج سمع إسماعيل عن
حريث بن عمار عن أبي هريرة وفيه من الاضطراب أكثر مما ذكرناه والله أعلم
النوع العشرون
معرفة المدرج في الحديث
وهو أقسام منها ما أدرج في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام بعض رواته بأن يذكر
الصحابي أو من بعده عقيب ما يرويه من الحديث كلاما من عند نفسه فيرويه من بعده
74

موصولا بالحديث غير فاصل بينهما بذكر قائله فيلتبس الامر فيه على من لا يعلم
حقيقة الحال ويتوهم أن الجميع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن أمثلته المشهورة ما رويناه في التشهد عن أبي خيثمة زهير بن معاوية عن
الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد في الصلاة فقال قل التحيات لله فذكر التشهد وفي
آخره أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله فإذا قلت هذا فقد قضيت
صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد هكذا رواه أبو خيثمة عن
الحسن بن الحر فأدرج في الحديث قوله فإذا قلت هذا إلى آخره وإنما هذا من كلام
بن مسعود لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن الدليل عليه أن الثقة الزاهد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان رواه عن راويه
الحسن بن الحر كذلك واتفق حسين الجعفي وابن عجلان وغيرهما في روايتهم عن
الحسن بن الحر على ترك ذكر هذا الكلام في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى
التشهد عن علقمة وعن غيره عن ابن مسعود على ذلك ورواه شبابة عن أبي خيثمة
ففصله أيضا
ومن أقسام المدرج أن يكون متن الحديث عند الراوي له بإسناد إلا طرفا
منه فإنه عنده بإسناد ثان فيدرجه من رواه عنه على الاسناد الأول ويحذف الاسناد
الثاني ويروي جميعه بالاسناد الأول
75

وائل بن حجر في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي آخره أنه جاء في الشتاء فرآهم يرفعون
أيديهم من تحت الثياب والصواب رواية من روى عن عاصم بن كليب بهذا
الاسناد صفة الصلاة خاصة وفصل ذكر رفع الأيدي عنه فرواه عن عاصم عن
عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر
ومنها أن يدرج في متن حديث بعض متن حديث آخر مخالف للأول في
الاسناد مثاله رواية سعيد بن أبي مريم عن مالك عن الزهري عن أنس بن مالك أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا
الحديث فقوله لا تنافسوا أدرجه بن أبي مريم من متن حديث آخر رواه مالك
عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فيه لا تجسسوا ولا تحسسوا
ولا تنافسوا ولا تحاسدوا والله أعلم
ومنها أن يروي الراوي حديثا عن جماعة بينهم اختلاف في إسناده فلا يذكر
الاختلاف فيه بل يدرج روايتهم على الاتفاق مثاله رواية عبد الرحمن بن مهدي
ومحمد بن كثير العبدي عن الثوري عن منصور والأعمش وواصل الأحدب عن أبي
وائل عن عمرو بن شرحبيل عن ابن مسعود قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم
الحديث وواصل إنما رواه عن أبي وائل عن عبد الله من غير ذكر عمرو بن
شرحبيل بينهما والله أعلم
واعلم أنه لا يجوز تعمد شئ من الادراج المذكور وهذا النوع قد صنف فيه
76

الخطيب أبو بكر كتابه الموسوم بالفصل للوصل المدرج في النقل فشفى وكفى والله
أعلم
النوع الحادي والعشرون
معرفة الموضوع
وهو المختلق المصنوع واعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث
الضعيفة ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه
بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن حيث جاز روايتها
77

في الترغيب والترهيب على ما نبينه قريبا إن شاء الله تعالى
وإنما يعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه أو ما يتنزل منزلة إقراره
وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي فقد وضعت أحاديث طويلة
يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها ولقد أكثر
78

الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين فأودع فيها كثيرا مما لا
دليل على وضعه إنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة
والواضعون للحديث أصناف وأعظمهم ضررا قوم من المنسوبين إلى الزهد
وضعوا الحديث احتسابا فيما زعموا فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم
وركونا إليهم ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف عوارها ومحو عارها
والحمد لله وفيما روينا عن الامام أبي بكر السمعاني أن بعض الكرامية ذهب إلى
جواز وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب
79

ثم إن الواضع ربما صنع كلاما من عند نفسه فرواه وربما أخذ كلاما لبعض
الحكماء أو غيرهم فوضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وربما غلط غالط فوقع في شبه
80

الوضع من غير تعمد كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث من كثرت صلاته
بالليل حسن وجهه بالنهار
مثال روينا عن أبي عصمة وهو نوح بن أبي مريم أنه قيل له من أين لك عن
عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة فقال إني رأيت الناس قد
أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق فوضعت هذه
الأحاديث حسبة وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب عن
النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن سورة فسورة بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من
اعترف بأنه وجماعة وضعوه وإن أثر الوضع لبين عليه ولقد أخطأ الواحدي
المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم والله أعلم
النوع الثاني والعشرون
معرفة المقلوب
هو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع ليصير بذلك غريبا مرغوبا
فيه وكذلك ما روينا ان البخاري رضي الله عنه قدم بغداد فاجتمع قبل مجلسه قوم
81

من أصحاب الحديث وعمدوا إلي مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن
هذا الاسناد لاسناد اخر وإسناد هذا المتن لمتن اخر ثم حضروا مجلسه وألقوها
عليه فلما فرغوا من القاء تلك الأحاديث المقلوبة التفت إليهم فرد كل متن إلي إسناده
وكل إسناد إلي متنه فأذعنوا له بالفضل
ومن أمثلته ويصلح مثالا للمعلل ما رويناه عن إسحاق بن عيسى الطباع قال
حدثنا جرير بن حازم عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا
تقوموا حتى تروني قال إسحاق بن عيسى فاتيت حماد بن زيد فسألته عن الحديث
فقال وهم أبو النضر إنما كنا جميعا في مجلس ثابت البناني وحجاج بن أبي عثمان
معنا فحدثنا حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن قتادة عن أبيه ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني فظن أبو النضر انه
فيما حدثنا ثابت عن أنس أبو النضر هو جرير بن حازم والله أعلم
فصل
قد وفينا بما سبق الوعد بشرحه من الأنواع الضعيفة والحمد لله فلننبه الان علي
أمور مهمة
أحدها إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك ان تقول هذا ضعيف وتعني انه بذلك
السناد ضعيف وليس لك ان تقول هذا ضعيف وتعني به ضعف متن الحديث بناء علي
مجرد ضعف ذلك الاسناد فقد يكون مرويا بإسناد اخر صحيح يثبت بمثله الحديث
بل يتوقف جواز ذلك علي حكم امام من أئمة الحديث بأنه لم يرو بإسناد يثبت به أو
82

بأنه حديث ضعيف أو نحو هذا مفسرا وجه القدح فيه فان أطلق ولم يفسر ففيه كلام
يأتي إن شاء الله تعالى فاعلم ذلك فإنه مما يغلط فيه والله أعلم
الثاني يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوي
الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوي
صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما وذلك كالمواعظ
والقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له
بالأحكام والعقائد وممن روينا عنه التنصيص علي التساهل في نحو ذلك
عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما
الثالث إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك وإنما
تقول فيه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا أو بلغنا عنه كذا وكذا أو ورد عنه أو
83

جاء عنه أو روي بعضهم وما أشبه ذلك وهكذا الحكم فيما تشك في صحته
وضعفه وإنما تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي أوضحناه
أولا والله أعلم
النوع الثالث والعشرون
الرب عز وجل معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته
وما يتعلق بذلك من قدح وجرح وتوثيق وتعديل
أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون
عدلا ضابطا لما يرويه وتفصيله أن يكون مسلما بالغا عاقلا سالما من
أسباب الفسق وخوارم المروءة متيقظا غير مغفل حافظا إن حدث من حفظه
84

ضابطا لكتابه ان حدث من كتابه وإن كان يحدث بالمعني اشترط فيه مع ذلك أن يكون
عالما بما يحيل المعاني والله أعلم ونوضح هذه الجملة بمسائل
إحداها عدالة الراوي تارة تثبت بتنصيص معدلين علي عدالته وتارة تثبت
بالاستفاضة فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم وشاع الثناء
عليه بالثقة والأمانة استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصا وهذا هو
الصحيح في مذهب الشافعي رضي الله عنه وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه وممن ذكر ذلك من
أهل الحديث أبو بكر الخطيب الحافظ ومثل ذلك بمالك وشعبة والسفيانين
والأوزاعي والليث وابن المبارك ووكيع وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين
وعلي بن المديني ومن جري مجراهم في نباهة الذكر استقامة الامر فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم وإنما يسأل عن
عدالة من خفي امره علي الطالبين وتوسع
بن عبد البر الحافظ في هذا فقال كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول
في أمره ابدا علي العدالة حتى يتبين جرحه لقوله صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف
عدوله وفيما قاله اتساع غير مرضي والله أعلم
85

الثانية يعرف كون الراوي ضابطا بان نعتبر روايته بروايات الثقاة المعروفين
بالضبط والاتقان فان وجدنا رواياته موافقة ولو من حيث المعني لرواياتهم أو موافقة
لها في الأغلب والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطا ثبتا وإن وجدناه كثير المخالفة
لهم لهم عرفنا اختلال ضبطه ولم نحتج بحديثه والله أعلم
الثالثة التعديل مقبول من غير ذكر سببه علي المذهب الصحيح المشهور لان
أسبابه كثيرة يصعب ذكرها فان ذلك يحوج المعدل إلي ان يقول لم يفعل كذا لم
يرتكب كذا فعل كذا وكذا فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه وذلك شاق جدا
واما الجرح فإنه لا يقبل الا مفسرا مبين السبب لان الناس يختلفون فيما يجرح
وما لا يجرح فيطلق أحدهم الجرح بناء علي أمر اعتقده جرحا وليس بجرح في نفس
الامر فلا بد من بيان سببه لينظر فيه أهو جرح أم لا وهذا ظاهر مقرر في الفقه
وأصوله وذكر الخطيب الحافظ انه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده مثل
البخاري ومسلم وغيرهما ولذلك احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الجرح
لهم كعكرمة مولي بن عباس رضي الله عنهما وكإسماعيل بن أبي أويس وعاصم بن
علي وعمرو بن مرزوق وغيرهم واحتج مسلم بسويد بن سعيد وجماعة اشتهر
الطعن فيهم وهكذا فعل أبو داود السجستاني وذلك دال علي انهم ذهبوا إلي ان
الجرح لا يثبت الا إذا فسر سببه ومذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة
وعقد الخطيب بابا في بعض أخبار من استفسر في جرحه فذكر ما لا يصلح
جارحا منها عن شعبة انه قيل له لم تركت حديث فلان فقال رايته يركض
علي برذون فتركت حديثه ومنها عن مسلم بن إبراهيم انه سئل عن حديث لصالح
المري فقال ما تصنع بصالح ذكروه يوما عند حماد بن سلمة فامتخط حماد والله أعلم
قلت ولقائل ان يقول إنما يعتمد الناس في جرح الرواة ورد حديثهم علي الكتب
التي صنفها أئمة الحديث في الجرح أو في الجرح والتعديل وقل ما يتعرضون فيها لبيان
86

السبب بل يقتصرون علي مجرد قولهم فلان ضعيف وفلان ليس بشئ ونحو
ذلك أو هذا حديث ضعيف وهذا حديث غير ثابت ونحو ذلك فاشتراط بيان
السبب يفضي إلي تعطيل ذلك وسد باب الجرح في الأغلب الأكثر
وجوابه ان ذلك وان لم نعتمده في اثبات الجرح والحكم به فقد اعتمدناه في أن
توقفنا عن قبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك بناء علي ان ذلك أوقع عندنا فيهم ريبة
قوية يوجب مثلها التوقف
ثم من انزاحت عنه الرتبة منهم ببحث عن حاله أوجب الثقة بعدالته قبلنا حديثه
ولم يتوقف كالذين احتج بهم صاحبا الصحيحين وغيرهما ممن مسهم مثل هذا الجرح
من غيرهم فافهم ذلك فإنه مخلص حسن والله أعلم
الرابعة اختلفوا في أنه هل يثبت الجرح والتعديل بقول واحد أو لا بد من
اثنين فمنهم من قال لا يثبت ذلك الا باثنين كما في الجرح والتعديل في الشهادات
ومنهم من قال وهو الصحيح الذي اختاره الحافظ أبو بكر الخطيب وغيره انه يثبت
بواحد لان العدد لم يشترط في قبول الخبر فلم يشترط في جرح راويه وتعديله بخلاف
الشهادات والله أعلم
الخامسة إذا اجتمع في شخص جرح وتعديل فالجرح مقدم لان المعدل
يخبر عما ظهر من حاله والجارح يخبر عن باطن خفي علي المعدل فإن كان عدد
المعدلين أكثر فقد قيل التعديل أولي والصحيح والذي عليه الجمهور ان الجرح أولي
لما ذكرناه والله أعلم
87

السادسة لا يجزي التعديل علي الابهام من غير تسمية المعدل فإذا قال
حدثني الثقة أو نحو ذلك مقتصرا عليه لم يكتف به فيما ذكره الخطيب الحافظ
والصيرفي الفقيه وغيرهما خلافا لمن اكتفي بذلك وذلك لأنه قد يكون ثقة عنده وغيره
قد اطلع علي جرحه بما هو جارح عنده أو بالاجماع فيحتاج إلي ان يسميه حتى يعرف
بل إضرابه عن تسميته مريب يوقع في القلوب فيه ترددا فإن كان القائل لذلك عالم
أجزأ ذلك في حق من يوافقه في مذهبه علي ما اختاره بعض المحققين
وذكر الخطيب الحافظ ان العالم إذا قال كل من رويت عنه فهو ثقة وان لم
اسمه ثم روي عمن يكون مزكيا له غير انا لا نعمل بتزكية هذه
وهذا علي ما قدمناه والله أعلم
السابعة إذا روي العدل عن رجل وسماه لم تجعل روايته عنه تعديلا منه له عند
أكثر العلماء من أهل الحديث وغيرهم وقال بعض أهل الحديث وبعض أصحاب
الشافعي يجعل ذلك تعديلا منه له لان ذلك يتضمن التعديل والصحيح هو الأول
لأنه يجوز ان يروي عن غير عدل فلم تتضمن روايته عنه تعديله وهكذا نقول إن
88

عمل العالم أو فتياه علي وفق حديث ليس حكما منه بصحة ذلك الحديث وكذلك
مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته ولا راويه والله أعلم
الثامنة في رواية المجهول وهو في غرضنا ههنا أقسام
أحدهما المجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعا وروايته غير
مقبولة عند الجماهير علي ما نبهنا عليه أولا
الثاني المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة وهو عدل في الظاهر وهو
المستور فقد قال بعض أئمتنا المستور من يكون عدلا في الظاهر ولا تعرف عدالة
باطنه فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول وهو قول بعض
الشافعيين وبه قطع منهم الامام سليم بن أيوب الرازي قال لان أمر الاخبار مبني
علي حسن الظن بالراوي ولان رواية الاخبار تكون عند من يعتذر عليه معرفة العدالة
في الباطن فاقتصر فيها علي معرفة ذلك في الظاهر وتفارق الشهادة فإنها تكون عند
الحكام ولا يتعذر عليهم ذلك فاعتبر فيها العدالة في الظاهر والباطن
قلت ويشبه ان يكون العمل علي هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة
في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم وتعذرت الخبرة الباطنة بهم والله أعلم
الثالث المجهول العين وقد يقبل رواية المجهول العدالة من لا يقبل رواية
المجهول العين
89

ومن روي عنه عدلان وعيناه فقد ارتفعت عنه هذه الجهالة
ذكر أبو بكر الخطيب البغدادي في أجوبة مسائل سئل عنها ان المجهول عند
أصحاب الحديث هو كل من لم تعرفه العلماء ومن لم يعرف حديثه الا من جهة راو
واحد مثل عمرو ذي مر وجبار الطائي وسعيد بن ذي حدان لم يرو عنهم
غير أبي إسحاق السبيعي ومثل الهزهاز بن ميزن لا راوي عنه غير الشعبي
ومثل جري بن كليب لم يرو عنه الا قتادة
قلت قد روي عن الهزهاز الثوري أيضا قال الخطيب وأقل ما ترتفع به
الجهالة ان يروي عن الرجل اثنان من المشهورين بالعلم الا انه لا يثبت له حكم العدالة
بروايتهما عنه وهذا مما قدمنا بيانه والله أعلم
قلت قد خرج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد
منهم مرداس الأسلمي لم يرو عنه قيس بن أبي حازم وكذلك خرج مسلم حديث
قوم لا راوي لهم غير واحد منهم ربيعة بن كعب الأسلمي لم يرو عنه غير أبي سلمة بن
عبد الرحمن وذلك منها مصير إلي ان الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا
برواية واحد عنه والخلاف في ذلك متجه نحو اتجاه الخلاف المعروف في الاكتفاء
بواحد في التعديل على ما قدمناه والله أعلم
التاسعة اختلفوا في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر في بدعته فمنهم من رد
روايته مطلقا لأنه فاسق ببدعته وكما استوى في الكفر المتأول وغير المتأول يستوي في
90

الفسق المتأول وغير المتأول ومنهم من قبل رواية المبتدع إذا لم يكن ممن يستحل
الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه سواء كان داعية إلى بدعته أو لم يكن وعزا
بعضهم هذا إلى الشافعي لقوله أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة
لأهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم
وقال قوم تقبل رواياته إذا لم يكن داعية إلى بدعته
ولا تقبل إذا كان داعية وهذا مذهب الكثير أو الأكثر من العلماء وحكى بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه
خلافا بين أصحابه في قبول رواية المبتدع إذا لم يدع إلى بدعته وقال أما إذا كان
داعية فلا خلاف بينهم في عدم قبول روايته
وقال أبو حاتم بن حبان البستي أحد المصنفين من أئمة الحديث الداعية إلى
البدع لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا
وهذا المذهب الثالث أعدلها وأولاها والأول بعيد مباعد للشائع عن أئمة
الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة وفي الصحيحين كثير من
أحاديثهم في الشواهد والأصول والله أعلم
العاشرة التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل
روايته الا التائب من الكذب متعمدا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا تقبل روايته
ابدا وان حسنت توبته علي ما ذكر عن غير واحد من أهل العلم منهم أحمد بن حنبل
وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وأطلق الإمام أبو بكر الصيرفي الشافعي فيما وجدت
له في شرحه لرسالة الشافعي فقال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه
عليه لم نعد لقبلوه بتوبة تظهر ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويا بعد ذلك وذكر أن ذلك
مما افترقت فيه الرواية والشهادة وذكر الإمام أبو المظفر السمعاني المروزي أن
من ذكر في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه وهذا يضاهي من حيث
91

المعنى ما ذكره الصيرفي والله أعلم
الحادية عشرة إذا روى ثقة عن ثقة حديثا وروجع المروي عنه فنفاه فالمختار أنه
إن كان جازما بنفيه بأن قال ما رويته أو كذب علي أو نحو ذلك فقد تعارض
الجزمان والجاحد هو الأصل فوجب رد حديث فرعه ذلك ثم لا يكون ذلك جرحا
له يوجب رد باقي حديثه لأنه مكذب لشيخه أيضا في ذلك وليس قبول جرح شيخه له
بأولى من قبول جرحه لشيخه فتساقطا أما إذا قال المروي عنه لا أعرفه أو لا
أذكره أو نحو ذلك فذلك لا يوجب رد رواية الراوي عنه
ومن روى حديثا ثم نسيه لم يكن ذلك مسقطا للعمل به عند جمهور أهل الحديث
وجمهور الفقهاء والمتكلمين خلافا لقوم من أصحاب أبي حنيفة صاروا إلى اسقاطه
بذلك وبنوا عليه ردهم حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل الحديث
من أجل أن بن جريج قال لقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه وكذا
حديث ربيعة الرأي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى
بشاهد ويمين فان عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال لقيت سهيلا فسألته عنه فلم
الصحيح ما عليه الجمهور لان المروي عنه بصدد السهو والنسيان والراوي
عنه ثقة جازم فلا يرد بالاحتمال روايته ولهذا كان سهيل بعد ذلك يقول حدثني ربيعة
عني عن أبي ويسوق الحديث وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعد ما حدثوا
بها عمن سمعها منهم فكان أحدهم يقول حدثني فلان عني عن فلان بكذا وكذا
وجمع الحافظ الخطيب ذلك في كتاب أخبار من حدث ونسي ولأجل أن الانسان
معرض للنسيان كره من كره من العلماء الرواية عن الاحياء منهم الشافعي
قال لابن عبد الحكم إياك والرواية عن الاحياء والله أعلم
الثانية عشر من أخذ على التحديث أجرا منع ذلك من قبول روايته عند قوم
92

من أئمة الحديث روينا عن إسحاق بن إبراهيم أنه سأل عن المحدث يحدث بالاجر
فقال لا يكتب عنه وعن أحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي نحو ذلك وترخص أبو
نعيم الفضل بن دكين وعلي بن عبد العزيز المكي وآخرون في أخذ العوض على
التحديث وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه غير أن في هذا من حيث
العرف خرما للمروءة والظن يساء بفاعله إلا أن يقترن ذلك بعذر ينفي ذلك عنه كمثل
ما حدثنيه الشيخ أبو المظفر عن أبيه الحافظ أبي سعد السمعاني أن أبا الفضل محمد بن
ناصر السلامي ذكر أن أبا الحسين بن النقور فعل ذلك لان الشيخ أبا إسحاق الشيرازي
أفتاه بجواز أخذ الأجرة على التحديث لان أصحاب الحديث كانوا يمنعونه عن الكسب
لعياله والله أعلم
الثالثة عشر لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو اسماعه
كمن لا يبالي بالنوم في مجلس السماع وكمن يحدث لا من أصل مقابل صحيح ومن
هذا القبيل من عرف بقبول التلقين في الحديث ولا تقبل رواية من كثرت الشواذ
والمناكير في حديثه جاء عن شعبة أنه قال لا يجيئك الحديث الشاذ الا من الرجل
الشاذ ولا تقبل رواية من عرف بكثرة السهو في روايته إذا لم يحدث من أصل
صحيح وكل هذا يخرم الثقة بالراوي وبضبطه
وورد عن ابن المبارك وأحمد بن حنبل والحميدي وغيرهم أن من غلط في
حديث وبين له غلطه ولم يرجع عنه وأصر على رواية ذلك الحديث سقطت روايته ولم
يكتب عنه وفي هذا نظر وهو غير مستنكر إذا ظهر أن ذلك منه على جهة العناد أو نحو
ذلك والله أعلم
الرابعة عشرة أعرض الناس في هذه الأعصار المتأخرة عن اعتبار مجموع ما بينا
من الشروط في رواة الحديث ومشايخه فلم يتقيدوا بها في روايتهم لتعذر الوفاء بذلك
على نحو ما تقدم وكان عليه من تقدم ووجه ذلك ما قدمنا في أول كتابنا هذا من كون
المقصود آل آخرا إلى المحافظة على خصيصة هذه الأمة في الأسانيد والمحاذرة من
انقطاع سلسلتها فليعتبر من الشروط المذكورة ما يليق بهذا الغرض على تجرده
وليكتفي في أهلية الشيخ بكونه مسلما بالغا عاقلا غير متظاهر بالفسق والسخف
وفي ضبطه لوجود سماعه مثبتا بخط غير مهتم وبروايته من أصل موافق لأصل شيخه
وقد سبق إلى نحو ما ذكرناه الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي رحمه الله فإنه ذكر
في ما روينا عنه توسع من توسع في السماع من بعض محدثي زمانه الذين لا يحفظون
93

حديثهم ولا يحسنون قراءته من كتبهم ولا يعرفون ما يقرأ عليهم بعد أن يكون القراءة
عليهم من أصل سماعهم
ووجه ذلك بأن الأحاديث التي قد صحت أو وقفت بين الصحة والسقم قد دونت
وكتبت في الجوامع التي جمعها أئمة الحديث ولا يجوز أن يذهب شئ منها على
جميعهم وإن جاز أن يذهب على بعضهم لضمان صاحب الشريعة حفظها
قال فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه ومن
جاء بحديث معروف عندهم فالذي يرويه لا ينفرد بروايته والحجة قائمة بحديثه برواية
غيره والقصد من روايته والسماع منه أن يصير الحديث مسلسلا بحدثنا وأخبرنا
وتبقى هذه الكرامة التي خصت بها هذه الأمة شرفا لنبينا المصطفى صلى الله عليه وعلى
آله وسلم والله أعلم
الخامسة عشر في بيان الألفاظ المستعملة بين أهل هذا الشأن في الجرح
والتعديل وقد رتبها أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في كتابه الجرح
والتعديل فأجاد وأحسن ونحن نرتبها كذلك ونورد ما ذكرناه ونضيف إليه ما بلغنا في
ذلك عن غيره إن شاء الله تعالى
أما ألفاظ التعديل فعلى مراتب
الأولى قال بن أبي حاتم إذا قيل للواحد إنه ثقة أو متقن فهو ممن يحتج
بحديثه قلت وكذا إذا قيل ثبت أو حجة وكذا إذا قيل في العدل إنه حافظ أو ضابط
والله أعلم
الثانية قال بن أبي حاتم إذا قيل إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس
به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية
94

قلت هذا كما قال لأن هذه العبارات لا تشعر بشريطة الضبط فينظر في حديثه
ويختبر حتى يعرف ضبطه وقد تقدم بيان طريقه في أول هذا النوع وإن لم نستوف
النظر المعرف لكون ذلك المحدث في نفسه ضابطا مطلقا واحتجنا إلى حديث من
حديثه اعتبرنا ذلك الحديث ونظرنا هل له أصل من رواية غيره كما تقدم بيان طريق
الاعتبار في النوع الخامس عشر ومشهور عن عبد الرحمن بن مهدي القدوة في هذا
الشأن أنه حدث فقال حدثنا أبو خلدة فقيل له أكان ثقة فقال كان صدوقا
وكان مأمونا وكان خيرا وفي رواية وكان خيارا الثقة شعبة وسفيان ثم إن ذلك
مخالف لما ورد عن ابن أبي خيثمة قال قلت ليحيى بن معين إنك تقول فلان ليس
به بأس وفلان ضعيف قال إذا قلت لك ليس به بأس فهو ثقة وإذا قلت لك
هو ضعيف فليس هو بثقة لا تكتب حديثه
قلت ليس في هذا حكاية ذلك عن غيره من أهل الحديث فإن نسبه إلى نفسه
خاصة بخلاف ما ذكره بن أبي حاتم والله أعلم
الثالثة قال بن أبي حاتم إذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه
وينظر فيه إلا أنه دون الثانية
الرابعة قال إذا قيل صالح الحديث فإن يكتب حديثه للاعتبار قلت
وجاء عن أبي جعفر أحمد بن سنان قال كان عبد الرحمن بن مهدي ربما جرى ذكر
حديث الرجل فيه ضعف وهو رجل صدوق فيقول رجل صالح الحديث والله أعلم
وأما ألفاظهم في الجرح فهي على مراتب
أولاها قولهم لين الحديث قال بن أبي حاتم إذا أجابوا في الرجل بلين
الحديث فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه اعتبارا قلت وسأل حمزة بن يوسف
السهمي أبا الحسن الدارقطني الامام فقال له إذا قلت فلان لين أيش تريد به قال
لا يكون ساقطا متروك الحديث ولكن مجروحا بشئ لا يسقط عن العدالة
الثانية قال بن أبي حاتم إذا قالوا ليس بقوي فهو بمنزلة الأول في كتب
حديثه إلا أنه دونه
الثالثة قال إذا قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني لا يطرح حديثه بل
يعتبر به
الرابعة قال إذا قالوا متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب فهو
95

ساقط الحديث لا يكتب حديثه وهي المنزلة الرابعة
قال الخطيب أبو بكر أرفع العبارات في أحوال الرواة أن يقال حجة أو ثقة
وأدونها أن يقال كذاب ساقط أخبرنا أبو بكر بن عبد المنعم الصاعدي
الفراوي قراءة عليه بنيسابور أنا محمد بن إسماعيل الفارسي أنا أبو
بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ أنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن
جعفر ثنا يعقوب بن سفيان قال سمعت أحمد بن صالح قال لا يترك حديث
رجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه قد يقال فلان ضعيف فأما أن يقال
فلان متروك فلا إلا أن يجمع الجميع على ترك حديثه
ومما لم يشرحه بن أبي حاتم وغيره من الألفاظ المستعملة في هذا الباب قولهم
فلان قد روى الناس عنه فلان وسط فلان مقارب الحديث فلان مضطرب
الحديث فلان لا يحتج به فلان مجهول فلان لا شئ فلان ليس بذاك وربما قيل
ليس بذاك القوي فلان فيه أو في حديثه ضعف وهو في الجرح أقل من قولهم
فلان ضعيف الحديث فلان ما أعلم به بأسا وهو في التعبير دون قولهم لا
بأس به وما من لفظة منها ومن أشباهها إلا ولها نظير أو أصل أصلناه فتنبه إن
شاء الله تعالى به عليها والله أعلم
النوع الرابع والعشرون
معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله وصفة ضبطه
اعلم أن طرق نقل الحديث وتحمله على أنواع متعددة ولنقدم على بيانها بيان
الأمور
أحدها يصح التحمل قبل وجود الأهلية فتقبل رواية من تحمل قبل الاسلام
وروي بعده وكذلك رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده ومنع من ذلك قوم فأخطأوا
لان الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كالحسن بن علي وابن عباس وابن الزبير
والنعمان بن بشير وأشباههم من غير فرق بين ما تحملوه قبل البلوغ وما بعده ولم
يزالوا قديما وحديثا يحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع والتحديث بروايتهم
لذلك والله أعلم
الثاني قال أبو عبد الله الزبيري يستحب كتب الحديث في العشرين لأنها
مجتمع العقل وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض وورد عن
96

سفيان الثوري قال كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تعبد قبل ذلك عشرين
سنة وقيل لموسى بن إسحاق كيف لم تكتب عن أبي نعيم فقال كان أهل
الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارا حتى يستكملوا عشرين سنة
وقال موسى بن هارون أهل البصرة يكتبون لعشر سنين وأهل الكوفة لعشرين وأهل
الشام لثلاثين والله أعلم
قلت وينبغي بعد أن صار الملحوظ إبقاء سلسلة الاسناد أن يبكر بإسماع الصغير
في أول زمان يصح فيه بسماعه وأما الاشتغال بكتبه الحديث وتحصيله وضبطه
وتقييده فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له وذلك يختلف باختلاف الاشخاص
وليس ينحصر في سن مخصوص كما سبق ذكره آنفا عن قوم والله أعلم
الثالث اختلفوا في أول زمان يصح فيه سماع الصغير فروينا عن موسى بن
هارون الحمال أحد الحفاظ النقاد أنه سئل متى يسمع الصبي الحديث فقال إذا
فرق بين البقرة والدابة وفي رواية بين البقرة والحمار وعن أحمد بن حنبل
رضي الله عنه أنه سئل متى يجوز سماع الصبي للحديث فقال إذا عقل وضبط
فذكر له عن رجل أنه قال لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة فأنكر
قوله وقال بئس القول وأخبرني الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله
الأسدي عن أبي محمد عبد الله بن محمد الأشيري عن القاضي الحافظ عياض بن
موسى السبتي اليحصبي قال قد حدد أهل الصنعة في ذلك أن أقله سن محمود بن
الربيع وذكر رواية البخاري في صحيحه بعد أن ترجم متى يصح سماع الصغير
بإسناده عن محمود بن الربيع قال عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا
بن خمس سنين من دلو وفي رواية أخرى أنه كان بن أربع سنين والله أعلم
قلت التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين
فيكتبون لابن خمس فصاعدا سمع ولمن لم يبلغ خمسا حضر أو أحضر
والذي ينبغي في ذلك أن تعتبر في كل صغير حاله على الخصوص فإن وجدناه مرتفعا
عن حال من لا يعقل فهما للخطاب وردا للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه وإن كان
دون خمس وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان بن خمس بل بن خمسين
وقد بلغنا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال رأيت صبيا بن أربع سنين قد
حمل إلى المأمون قد قرا القرآن ونظر في الرأي غير أنه إذا جاع يبكي وعن القاضي
أبي محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني قال حفظت القرآن ولي خمس سنين
97

وحملت إلى أبي بكر بن المقرئ لأسمع منه ولي أربع سنين فقال بعض الحاضرين
لا تسمعوا له فيما قرئ فإنه صغير فقال لي بن المقرئ اقرأ سورة الكافرين فقرأتها
فقال اقرأ سورة التكوير فقرأتها فقال لي غيره اقرأ سورة المرسلات فقرأتها ولم أغلط
فيها فقال بن المقرئ سمعوا له والعهدة علي وأما حديث محمود بن الربيع فيدل
على صحة ذلك من بن خمس مثل محمود ولا يدل على انتفاء الصحة فيمن لم يكن
بن خمس ولا على الصحة فيمن كان بن خمس ولم يميز تمييز محمود رضي الله عنه
والله أعلم
بيان أقسام طرق نقل الحديث وتحمله
ومجامعها ثمانية أقسام
القسم الأول السماع من لفظ الشيخ وهو ينقسم إلي إملاء وتحديث من غير
إملاء وسواء كان من حفظه أو من كتابه وهذا القسم ارفع الأقسام عند الجماهير
وفيما نرويه عن القاضي عياض بن موسي السبتي أحد المتأخرين المطلعين قوله لا
خلاف انه يجوز في هذا ان يقول السامع منه حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت فلانا
يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان
قلت في هذا نظر وينبغي فيما شاع استعماله من هذه الألفاظ مخصوصا بما
سمع من غير لفظ الشيخ علي ما نبينه إن شاء الله تعالى ان لا يطلق فيما سمع من لفظ
الشيخ لما فيه من الإيهام والإلباس والله أعلم
وذكر الحافظ أبو بكر الخطيب ان ارفع العبارات في ذلك سمعت ثم حدثنا
وحدثني فإنه لا يكاد أحد يقول سمعت في أحاديث الإجازة والمكاتبة ولا في
تدليس ما لم يسمعه وكان بعض أهل العلم يقول فيما أجيز له حدثنا وروي عن
الحسن انه كان يقول حدثنا أبو هريرة ويتأول انه حدث أهل المدينة وكان الحسن إذ
ذاك بها الا انه لم يسمع منه شيئا
قلت ومنهم من أثبت له سماعا من أبي هريرة والله أعلم
ثم يتلو ذلك قول أخبرنا وهو كثير في الاستعمال حتى أن جماعة من أهل
العلم كانوا لا يكادون يخبرون عما سمعوه من لفظ من حدثهم الا بقولهم أخبرنا
منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وعبيد الله بن موسي
وعبد الرزاق بن همام ويزيد بن هارون وعمرو بن عون ويحي بن يحيى التميمي
98

وإسحاق بن راهويه وأبو مسعود أحمد بن الفرات ومحمد بن أيوب الرازيان
وغيرهم وذكر الخطيب عن محمد بن رافع قال كان عبد الرزاق يقول انا
حتى قدم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فقالا له قل حدثنا فكل ما سمعت مع
هؤلاء قال حدثنا وما كان قبل ذلك قال انا وعن محمد بن أبي الفوارس
الحافظ قال هشيم ويزيد بن هارون وعبد الرزاق لا يقولون إلا أخبرنا فإذا رأيت
حدثنا فهو من خطأ الكاتب والله أعلم
قلت وكان هذا كله قبل أن يشيع تخصيص أخبرنا بما قرئ على الشيخ ثم
يتلو قول أخبرنا قول أنبأنا ونبأنا وهو قليل في الاستعمال
قلت حدثنا وأخبرنا أرفع من سمعت من جهة أخرى وهي أنه ليس في
سمعت دلالة على أن الشيخ رواه الحديث وخاطبه به وفي حدثنا وأخبرنا دلالة
على أنه خاطبه به ورواه له أو هو ممن فعل به ذلك سأل الخطيب أبو بكر الحافظ شيخه
أبا بكر البرقاني الفقيه الحافظ رحمهما الله تعالى عن السر في كونه يقول فيما رواه
عن أبي القاسم عبد الله بن إبراهيم الجرجاني الآبندوني سمعت ولا يقول حدثنا
ولا أخبرنا فذكر له أن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا في الرواية فكان البرقاني
يجلس بحيث لا يراه أبو القاسم ولا يعلم بحضوره فيسمع منه ما يحدث به الشخص
الداخل إليه فلذلك يقول سمعت ولا يقول حدثنا ولا أخبرنا لان قصده كان
الرواية للداخل إليه وحده وأما قوله قال لنا فلان أو ذكر لنا فلان فهو من قبيل قوله
حدثنا فلان غير أنه لائق بما سمعه منه في المذاكرة وهو به أشبه من حدثنا
وقد حكينا في فصل التعليق عيب النوع الحادي عشر عن كثير من المحدثين
استعمال ذلك معبرين به عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات وأوضع
العبارات في ذلك أن يقول قال فلان أو ذكر فلان من غير ذكر قوله لي ولنا
ونحو ذلك وقد قدمنا في فصل الاسناد المعنعن أن ذلك وما أشبهه من الألفاظ محمول
عندهم على السماع إذا عرف لقاؤه له وسماعه منه على الجملة لا سيما إذا عرف من
حاله أنه لا يقول قال فلان إلا فيما سمعه منه
وقد كان حجاج بن محمد الأعور يروي عن ابن جريج كتبه ويقول فيها قال
بن جريج فحملها الناس عنه واحتجوا برواياته وكان قد عرف من حاله أنه لا يروي إلا
ما سمعه وقد خصص الخطيب أبو بكر الحافظ القول بحمل ذلك على السماع بمن
عرف من عادته مثل ذلك والمحفوظ المعروف ما قدمنا ذكره والله أعلم
99

القسم الثاني من أقسام الاخذ والتحمل القراءة على الشيخ وأكثر المحدثين
يسمونها عرضا من حيث إن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه كما يعرض القرآن على
المقرئ وسواء كنت أنت القارئ أو قرأ غيرك وأنت تسمع أو قرأت من كتاب أو من
حفظك أو كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه أو لا يحفظه لكن يمسك أصله هو أو ثقة
غيره ولا خلاف أنها رواية صحيحة إلا ما حكي عن بعض من لا يعتد بخلافه والله
أعلم
واختلفوا في أنها مثل السماع من لفظ الشيخ في المرتبة أو دونه أو فوقه فنقل
عن أبي حنيفة وابن أبي ذئب وغيرهما ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه
وروي ذلك عن مالك أيضا وروي عن مالك وغيره أنهما سواء وقد قيل إن التسوية
بينهما مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة ومذهب مالك وأصحابه وأشياخه من
علماء المدينة ومذهب البخاري وغيرهم والصحيح ترجيح السماع من لفظ الشيخ
والحكم بأن القراءة عليه مرتبة ثانية وقد قيل إن هذا مذهب جمهور أهل المشرق
والله أعلم
وأما العبارة عنها عند الرواية بها فهي على مراتب أجودها وأسلمها أن يقول
قرأت على فلان أو قرئ على فلان وأنا أسمع فأقر به فهذا سائغ من غير إشكال
ويتلو ذلك ما يجوز من العبارات في السماع من لفظ الشيخ مطلقة إذا أتى بها ههنا مقيدة
بأن يقول حدثنا فلان قراءة عليه أو أخبرنا قراءة عليه ونحو ذلك وكذلك أنشدنا
قراءة عليه في الشعر
وأما إطلاق حدثنا وأخبرنا في القراءة على الشيخ فقد اختلفوا فيه على
مذاهب
فمن أهل الحديث من منع منهما جميعا وقيل إنه قول بن المبارك ويحيى بن
يحيى التميمي وأحمد بن حنبل والنسائي وغيرهم
ومنهم من ذهب إلى تجويز ذلك وأنه كالسماع من لفظ الشيخ في جواز إطلاق
حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وقد قيل إن هذا مذهب معظم الحجازيين والكوفيين
وقول الزهري ومالك وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان في آخرين من
الأئمة المتقدمين وهو مذهب البخاري صاحب الصحيح في جماعة من المحدثين
ومن هؤلاء من أجاز فيها أيضا أن يقول سمعت فلانا
والمذهب الثالث الفرق بينهما في ذلك والمنع من إطلاق حدثنا وتجويز
100

إطلاق أخبرنا وهو مذهب الشافعي وأصحابه وهو منقول عن مسلم صاحب
الصحيح وجمهور أهل المشرق
وذكر صاحب كتاب الانصاف محمد بن الحسن التميمي الجوهري المصري
أن هذا مذهب الأكثر من أصحاب الحديث الذين لا يحصيهم أحد وأنهم جعلوا
أخبرنا علما يقوم مقام قول قائله أنا قرأته عليه لا أنه لفظ به لي قال وممن كان
يقول به من أهل زماننا أبو عبد الرحمن النسائي في جماعة مثله من محدثينا
قلت وقد قيل إن أول من أحدث الفرق بين هذين اللفظين بن وهب بمصر
وهذا يدفعه أن ذلك مروي عن ابن جريج والأوزاعي حكاه عنهما الخطيب أبو بكر إلا أن
يعني أنه أول من فعل ذلك بمصر والله أعلم
قلت الفرق بينهما صار هو الشائع الغالب على أهل الحديث والاحتجاج
لذلك من حيث اللغة عناء وتكلف وخير ما يقال فيه إنه اصطلاح منهم أرادوا به التمييز
بين النوعين ثم خصص النوع الأول بقول حدثنا لقوة اشعاره بالنطق والمشافهة والله
أعلم
ومن أحسن ما يحكى عمن يذهب هذا المذهب ما حكاه الحافظ أبو بكر البرقاني
عن أبي حاتم محمد بن يعقوب الهروي أحد رؤساء أهل الحديث بخراسان أنه قرأ على
بعض الشيوخ عن الفربري صحيح البخاري وكان يقول له في كل حديث حدثكم
الفربري فلما فرغ من الكتاب سمع الشيخ يذكر أنه إنما سمع الكتاب من الفربري قراءة
عليه فأعاد أبو حاتم قراءة الكتاب كله وقال له في جميعه أخبركم الفربري والله
أعلم
تفريعات الأول إذا كان أصل الشيخ عند القراءة عليه بيد غيره وهو موثوق به مراع لما
يقرأ أهل لذلك فإن كان الشيخ يحفظ ما يقرأ عليه فهو كما لو كان أصله بيد نفسه بل
أولى لتعاضد ذهني شخصين عليه وإن كان الشيخ لا يحفظ ما يقرأ عليه فهذا مما
اختلفوا فيه فرأى بعض أئمة الأصول أن هذا سماع غير صحيح والمختار أن ذلك
صحيح وبه عمل معظم الشيوخ وأهل الحديث وإذا كان الأصل بيد القارئ وهو موثوق
به دينا ومعرفة فكذلك الحكم فيه وأولى بالتصحيح وأما إذا كان أصله بيد من لا يوثق
بإمساكه له ولا يؤمن إهماله لما يقرأ فسواء كان بيد القارئ أو بيد غيره في أنه سماع
101

غير معتد به إذا كان الشيخ غير حافظ للمقروء عليه والله أعلم
الثاني إذا قرأ القارئ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو قلت أخبرنا فلان أو
نحو ذلك والشيخ ساكت مصغ إليه فاهم لذلك غير منكر له فهذا كاف في ذلك
واشترط بعض الظاهرية وغيرهم إقرار الشيخ نطقا به وبه قطع الشيخ أبو إسحاق
الشيرازي وأبو الفتح سليم الرازي وأبو نصر بن الصباغ من الفقهاء الشافعيين قال
أبو نصر ليس له أن يقول حدثني أو أخبرني وله أن يعمل بما قرئ عليه وإذا أراد
روايته عنه قال قرأت عليه أو قرئ عليه وهو يسمع وفي حكاية بعض المصنفين
للخلاف في ذلك أن بعض الظاهرية شرط إقرار الشيخ عند تمام السماع بأن يقول
القارئ للشيخ هو كما قرأته عليك فيقول نعم والصحيح أن ذلك غير لازم وأن
سكوت الشيخ على الوجه المذكور نازل منزلة تصريحه بتصديق القارئ اكتفاء بالقرائن
الظاهرة وهذا مذهب الجماهير من المحدثين والفقهاء وغيرهم والله أعلم
الثالث فيما نرويه عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ رحمه الله قال الذي اختاره
في الرواية وعهدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول في الذي يأخذه من
المحدث لفظا وليس معه أحد حدثني فلان وما يأخذه من المحدث لفظا ومعه أحد حدثني فلان وما يأخذه من المحدث لفظا ومعه غيره
حدثنا فلان وما قرأ على المحدث بنفسه أخبرني فلان وما قرئ على المحدث
وهو حاضر أخبرنا فلان وقد روينا نحو ما ذكره عن عبد الله بن وهب صاحب مالك
رضي الله عنهما وهو حسن رائق
فإن شك في شئ عنده أنه من قبيل حدثنا أو أخبرنا أو من قبيل حدثني أو
أخبرني لتردده في أنه كان عند التحمل والسماع وحده أو مع غيره فيحتمل أن نقول
ليقل حدثني أو أخبرني لأن عدم غيره هو الأصل ولكن ذكر علي بن عبد الله
المديني الامام عن شيخه يحيى بن سعيد القطان الامام فيما إذا شك أن الشيخ قال
حدثني فلان أو قال حدثنا فلان أنه يقول حدثنا وهذا يقتضي فيما إذا شك في
سماع نفسه في مثل ذلك أن يقول حدثنا وهو عندي يتوجه بأن حدثني أكمل مرتبة
حدثنا أنقص مرتبة فليقتصر إذا شك على الناقص لأن عدم الزائد هو الأصل
وهذا لطيف ثم وجدت الحافظ أحمد البيهقي رحمه الله قد اختار بعد حكايته قول
القطان ما قدمته ثم إن هذا التفصيل من أصله مستحب وليس بواجب حكاه الخطيب
الحافظ عن أهل العلم كافة فجائز إذا سمع وحده أن يقول حدثنا أو نحوه لجواز
ذلك للواحد في كلام العرب وجائز إذا سمع في جماعة أن يقول حدثني لان
المحدث حدثه وحدث غيره والله أعلم
102

الرابع روينا عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال اتبع لفظ
الشيخ في قوله حدثنا وحدثني وسمعت وأخبرنا ولا تعدوه
قلت ليس لك فيما تجده في الكتب المؤلفة من روايات من تقدمك أن تبدل في
نفس الكتاب ما قيل فيه أخبرنا ب حدثنا ونحو ذلك وإن كان في إقامة أحدهما مقام
الآخر خلاف وتفصيل سبق لاحتمال أن يكون من قال ذلك ممن لا يرى التسوية
بينهما ولو وجدت من ذلك إسنادا عرفت من مذهب رجاله التسوية بينهما فإقامتك
أحدهما مقام الآخر من باب تجويز الرواية بالمعنى وذلك وإن كان فيه خلاف معروف
فالذي نراه الامتناع من إجراء مثله في إبدال ما وضع في الكتب المصنفة والمجامع
المجموعة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وما ذكره الخطيب أبو بكر في كفايته من
إجراء ذلك الخلاف في هذا فمحمول عندنا على ما يسمعه الطالب من لفظ المحدث غير
موضوع في كتاب مؤلف والله أعلم
الخامس اختلف أهل العلم في صحة سماع من ينسخ وقت القراءة فورد عن
الامام إبراهيم الحربي وأبي أحمد بن عدي الحافظ والأستاذ أبي إسحاق الأسفرائيني
الفقيه الأصولي وغيرهم نفي ذلك وروينا عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الصبغي أحد
أئمة الشافعيين بخراسان أنه سئل عمن يكتب في السماع فقال يقول حضرت ولا
يقل حدثنا ولا أخبرنا وورد عن موسى بن هارون الحمال تجويز ذلك وعن أبي
حاتم الرازي قال كتبت عند عارم وهو يقرأ وكتبت عند عمرو بن مرزوق وهو
يقرأ وعن عبد الله بن المبارك أنه قرئ عليه وهو ينسخ شيئا آخر غير ما يقرأ
ولا فرق بين النسخ من السامع والنسخ من المسمع
قلت وخير من هذا الاطلاق التفصيل فنقول لا يصح السماع إذا كان النسخ
بحيث يمتنع معه فهم الناسخ لما يقرأ حتى يكون الواصل إلى سمعه كأنه صوت غفل
ويصح إذا كان بحيث لا يمتنع معه الفهم كمثل ما رويناه عن الحافظ العالم أبي الحسن
الدارقطني أنه حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار فجلس بنسخ جزءا كان معه
وإسماعيل يملي فقال له بعض الحاضرين لا يصح سماعك وأنت تنسخ فقال
فهمي للإملاء خلاف فهمك ثم قال تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن
فقال لا فقال الدارقطني أملى ثمانية عشر حديثا فعدت الأحاديث فوجدت كما
قال ثم قال أبو الحسن الحديث الأول منها عن فلان عن فلان ومتنه كذا والحديث
الثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على
103

ترتيبها في الاملاء حتى أتى على آخرها فتعجب الناس منه والله أعلم
السادس ما ذكرناه في النسخ من التفصيل يجري مثله فيما إذا كان الشيخ أو
السامع يتحدث أو كان القارئ خفيف القراءة يفرط في الاسراع أو كان يهينم بحيث
يخفي بعض الكلم أو كان السامع بعيدا عن القارئ وما أشبه ذلك
ثم الظاهر أن يعفى في كل ذلك عن القدر اليسير نحو الكلمة والكلمتين
ويستحب للشيخ أن يجيز لجميع السامعين رواية جميع الجزء أو الكتاب الذي سمعوه
وإن جرى على كله اسم السماع وإذا بذل لأحد منهم خطه بذلك كتب له سمع مني
هذا الكتاب وأجزت له روايته عني أو نحو هذا كما كان بعض الشيوخ يفعل وفيما
نرويه عن الفقيه أبي محمد بن أبي عبد الله بن عتاب الفقيه الأندلسي عن أبيه
رحمهما الله أنه قال لا غنى في السماع عن الإجازة لأنه قد يغلط القارئ ويغفل
الشيخ أو يغلط الشيخ إن كان القارئ ويغفل السامع فينجبر له ما فاته بالإجازة
هذا الذي ذكرناه تحقيق حسن وقد روينا عن صالح بن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما قال
قلت لأبي الشيخ يدغم الحرف يعرف أنه كذا وكذا ولا يفهم عنه ترى أن يروي ذلك
عنه قال أرجو أن لا يضيق هذا وبلغنا عن خلف بن سالم المخرمي قال سمعت بن
عيينة يقول نا عمرو بن دينار يريد حدثنا عمرو بن دينار لكن اقتصر من حدثنا
على النون والألف فإذا قيل له قل حدثنا عمرو قال لا أقول لأني لم أسمع من قوله
حدثنا ثلاثة أحرف وهي حدث لكثرة الزحام
قلت قد كان كثير من أكابر المحدثين يعظم الجمع في مجالسهم جدا حتى ربما
بلغ ألوفا مؤلفة ويبلغهم عنهم المستملون فيكتبون عنهم بواسطة تبليغ المستملين
فأجاز غير واحد لهم رواية ذلك عن المملي روينا عن الأعمش رضي الله عنه قال
كنا نجلس إلى إبراهيم فتتسع الحلقة فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه من تنحى عنه
فيسأل بعضهم بعضا عما قال ثم يروونه وما سمعوه منه وعن حماد بن زيد أنه سأله
رجل في مثل ذلك فقال يا أبا إسماعيل كيف قلت فقال استفهم من يليك وعن
بن عيينة أن أبا مسلم المستملي قال له إن الناس كثير لا يسمعون قال أتسمع
أنت قال نعم قال فأسمعهم
وأبى آخرون ذلك روينا عن خلف بن تميم قال سمعت من سفيان الثوري عشرة
آلاف أو نحوها فكنت أستفهم جليسي فقلت لزائدة فقال لي لا تحدث
منها إلا بما تحفظ بقلبك وسمع أذنك قال فألقيتها وعن أبي نعيم أنه كان يرى
104

فيما سقط عنه من الحرف الواحد والاسم مما سمعه من سفيان والأعمش واستفهمه من
أصحابه أن يرويه عن أصحابه لا يرى غير ذلك واسعا له
قلت الأول تساهل بعيد وقد روينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ الأصبهاني
أنه قال لواحد من أصحابه يا فلان يكفيك من السماع شمه وهذا إما متأول أو
متروك على قائله ثم وجدت عن عبد الغني بن سعيد الحافظ عن حمزة بن محمد
الحافظ بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال يا فلان يكفيك من الحديث شمه قال
عبد الغني قال لنا حمزة يعني إذا سئل عن أول شئ عرفه وليس يعني التسهل في
السماع والله أعلم
السابع يصح السماع ممن هو وراء حجاب إذا عرف صوته فيما إذا حدث بلفظه
وإذا عرف حضوره بمسمع منه فيما إذا قرئ عليه وينبغي أن يجوز الاعتماد في معرفة
صوته وحضوره على خبر من يوثق به وكانوا يسمعون من عائشة رضي الله عنها وغيرها
من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب ويروونه عنهن اعتمادا على الصوت واحتج
عبد الغني بن سعيد الحافظ في ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم أن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا
حتى ينادي بن أم مكتوم وروى بإسناده عن شعبة أنه قال إذا حدثك المحدث
فلم تر وجهه فلا ترو عنه فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول حدثنا وأخبرنا
والله أعلم
الثامن من سمع من شيخ حديثا ثم قال له لا تروه عني أو لا آذن لك في
روايته عني أو قال لست أخبرك به أو رجعت عن إخباري إياك به فلا تروه عني
غير مسند ذلك إلى أنه أخطأ فيه أو شك فيه ونحو ذلك بل منعه من روايته عنه مع جزمه
بأنه حديثه وروايته فذلك غير مبطل لسماعه ولا مانع له من روايته عنه
وسأل الحافظ أبو سعيد بن عليك النيسابوري الأستاذ أبا إسحاق الأسفرائيني
رحمها الله عن محدث خص بالسماع قوما فجاء غيرهم وسمع منه من غير علم
المحدث به هل تجوز له رواية ذلك عنه فأجاب بأنه تجوز ولو قال المحدث اني
أخبرك ولا أخبر فلانا لم يضره والله أعلم
105

القسم الثالث من أقسام طرق نقل الحديث
وتحمله الإجازة
وهي متنوعة أنواعا
أولها أن يجيز لمعين في معين مثل أن يقول أجزت لك الكتاب الفلاني أو
ما اشتملت عليه فهرستي هذه فهذا على أنواع الإجازة المجردة عن المناولة وزعم
بعضهم أنه لا خلاف في جوازها ولا خالف فيها أهل الظاهر وإنما خلافهم في غير هذا
النوع وزاد القاضي أبو الوليد الباجي المالكي فأطلق نفي الخلاف وقال لا خلاف
في جواز الرواية بالإجازة من سلف هذه الأمة وخلفها وادعى الاجماع من غير
تفصيل وحكى الخلاف في العلم بها
والله أعلم قلت هذا باطل فقد خالف في جواز الرواية بالإجازة جماعات من أهل
الحديث والفقهاء والأصوليين وذلك إحدى الروايتين عن الشافعي رضي الله عنه روي
عن صاحبه الربيع بن سليمان قال كان الشافعي لا يرى الإجازة في الحديث قال
الربيع أنا أخالف الشافعي في هذا وقد قال بإبطالها جماعة من الشافعيين منهم
القاضيان حسين بن محمد المروروذي وأبو الحسن الماوردي وبه قطع الماوردي في
كتابه الحاوي وعزاه إلى مذهب الشافعي وقالا جميعا لو جازت الإجازة لبطلت
الرحلة وروي أيضا هذا الكلام عن شعبة وغيره
وممن أبطلها من أهل الحديث الامام إبراهيم بن إسحاق الحربي وأبو محمد
عبد الله بن محمد الأصبهاني الملقب بأبي الشيخ والحافظ أبو نصر الوايلي السجزي
وحكى أبو نصر فسادها عن بعض من لقيه قال أبو نصر وسمعت جماعة من أهل
العلم يقولون قول المحدث قد أجزت لك أن تروي عني تقديره أجزت لك ما
لا يجوز في الشرع لان الشرع لا يبيح رواية ما لم يسمع
قلت ويشبه هذا ما حكاه أبو بكر محمد بن ثابت الخجندي أحد من أبطل
الإجازة من الشافعية عن أبي طاهر الدباس أحد أئمة الحنفية قال من قال لغيره
أجزت لك أن تروي عني ما لم تسمع فكأنه يقول أجزت لك أن تكذب علي
ثم إن الذي استقر عليه العمل وقال به جماهير أهل العلم من أهل الحديث
وغيرهم القول بتجويز الإجازة وإباحة الرواية بها وفي الاحتجاج لذلك غموض ويتجه
أن يقول إذا أجاز له أن يروي عنه مروياته فقد أخبره بها جملة فهو كما لو أخبره تفصيلا
106

وإخباره بها غير متوقف على التصريح نطقا كما في القراءة على الشيخ كما سبق وإنما
الغرض حصول الافهام والفهم وذلك يحصل بالإجازة المفهمة والله أعلم
ثم إنه كما تجوز الرواية بالإجازة يجب العمل بالمروي بها خلافا لمن قال من
أهل الظاهر ومن تابعهم إنه لا يجب العمل به وإنه جار مجرى المرسل وهذا باطل لأنه
ليس في الإجازة ما يقدح في اتصال المنقول بها وفي الثقة به والله أعلم
النوع الثاني من أنواع الإجازة أن يجيز لمعين في غير معين مثل أن يقول أجزت
لك أو لكم جميع مسموعاتي أو جميع مروياتي وما أشبه ذلك فالخلاف في هذا النوع
أقوى وأكثر والجمهور من العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم على تجويز الرواية
بها أيضا وعلى إيجاب العمل بما روي بها بشرطه والله أعلم
النوع الثالث من أنواع الإجازة أن يجيز لغير معين بوصف العموم مثل أن يقول
أجزت للمسلمين أو أجزت لكل أحد أو أجزت لمن أدرك زماني وما أشبه ذلك
فهذا نوع تكلم فيه المتأخرون ممن جوز أصل الإجازة واختلفوا في جوازه فإن كان
ذلك مقيدا بوصف حاصر أو نحوه فهو إلى الجواز أقرب وممن جوز ذلك كله أبو بكر
الخطيب الحافظ وروينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ أنه قال أجزت لمن قال لا
إله إلا الله وجوز القاضي أبو الطيب الطبري أحد الفقهاء المحققين فيما حكاه
عنه الخطيب الإجازة لجميع المسلمين من كان منهم موجودا عند الإجازة وأجاز أبو
محمد بن سعيد أحد الجلة من شيوخ الأندلس لكل من دخل قرطبة من طلبة العلم
ووافقه على جواز ذلك منهم أبو عبد الله بن عتاب رضي الله عنهم وأنبأني من
سأل الحازمي أبا بكر عن الإجازة العامة هذه فكان من جوابه أن من أدركه من الحفاظ
نحو أبي العلاء الحافظ وغيره كانوا يميلون إلى الجواز والله أعلم
قلت ولم نر ولم نسمع عن أحد ممن يقتدى به أنه استعمل هذه الإجازة فروى
بها ولا عن الشرذمة المستأخرة الذين سوغوها والإجازة في أصلها ضعف وتزداد بهذا
التوسع والاسترسال ضعفا كثيرا لا ينبغي احتماله والله أعلم
النوع الرابع من أنواع الإجازة الإجازة للمجهول أو بالمجهول ويتشبث بذيلها
الإجازة المعلقة بالشرط وذلك مثل أن يقول أجزت لمحمد بن خالد الدمشقي وفي
وقته ذلك جماعة مشتركون في هذا الاسم والنسب ثم لا يعين المجاز له منهم أو
يقول أجزت لفلان أن يروي عني كتاب السنن وهو يروي جماعة من كتب السنن
المعروفة بذلك ثم لا يعين فهذه إجازة فاسدة لا فائدة لها وليس من هذا القبيل ما إذا
107

أجاز لجماعة مسمين معينين بأنسابهم والمجيز جاهل بأعيانهم غير عارف بهم فهذا غير
قادح كما لا يقدح عدم معرفته به إذا حضر شخصه في السماع منه والله أعلم وإن
أجاز للمسلمين المنتسبين في الاستجازة ولم يعرفهم بأعيانهم ولا بأنسابهم ولم يعرف
عددهم ولم يتصفح أسماءهم واحدا فواحدا فينبغي أن يصح ذلك أيضا كما يصح
سماع من حضر مجلسه للسماع منه وإن لم يعرفهم أصلا ولم يعرف عددهم ولا تصفح
أشخاصهم واحدا واحدا
وإذا قال أجزت لمن يشاء فلان أو نحو ذلك فهذا فيه جهالة وتعليق بشرط
فالظاهر أنه لا يصح وبذلك أفتى القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي إذ سأله الخطيب
الحافظ عن ذلك وعلل بأنه إجازة لمجهول فهو كقوله أجزت لبعض الناس من
غير تعيين وقد يعلل ذلك أيضا بما فيها من التعليق بالشرط فإن ما يفسد بالجهالة
يفسد بالتعليق على ما عرف عند قوم
وحكي الخطيب عن أبي يعلي بن الفراء الحنبلي وأبي الفضل بن عمروس
المالكي انهما أجازا ذلك وهؤلاء الثلاثة كانوا مشايخ مذاهبهم ببغداد إذ ذاك وهذه
الجهالة ترتفع في ثاني الحال عند وجود المشيئة بخلاف الجهالة الواقعة فيما إذا أجاز
لبعض الناس وإذا قال أجزت لمن شاء فهو كما لو قال أجزت لمن شاء فلان بل
هذه أكثر جهالة وانتشارا من حيث إنها معلقة بمشيئة من لا يحصر عددهم بخلاف تلك
ثم هذا فيما إذا أجاز لمن شاء الإجازة منه له
فان أجاز لمن شاء الرواية عنه فهذا أولي بالجواز من حيث إن مقتضي كل إجازة
تفويض الرواية بها إلي مشيئة المجاز له فكان هذا مع كونه بصيغة التعليق تصريحا بما
يقتضيه الاطلاق وحكاية للحال لا تعليقا في الحقيقة ولهذا أجاز بعض أئمة الشافعيين
في البيع ان يقول بعتك هذا بكذا ان شئت فيقول قبلت ووجد بخط أبي
الفتح محمد بن الحسين الأزدي الموصلي الحافظ أجزت رواية ذلك لجميع من
أحب ان يروي ذلك عني أما إذا قال أجزت لفلان كذا وكذا ان شاء روايته عني أو
لك ان شئت أو أحببت أو أردت فالأظهر الأقوى ان ذلك جائز إذ قد انتفت فيه
الجهالة وحقيقة التعليق ولم يبق سوي صيغته والعلم عند الله تعالى
النوع الخامس من أنواع الإجازة الإجازة للمعدوم ولنذكر معه الإجازة للطفل
الصغير هذا نوع خاض فيه قوم من المتأخرين واختلفوا في جوازه ومثاله ان يقول
أجزت لمن يولد لفلان فان عطف المعدوم في ذلك علي الموجود بان قال أجزت
108

لفلان ولمن يولد له أو أجزت لك ولولدك وعقبك ما تناسلوا كان ذلك أقرب إلي
الجواز من الأول ولمثل ذلك أجاز أصحاب الشافعي رضي الله عنه في الوقف القسم
الثاني دون الأول وقد أجاز أصحاب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما أو من قال ذلك
منهم في الوقف القسمين كليهما وفعل هذا الثاني في الإجازة من المحدثين المتقدمين
أبو بكر بن أبي داود السجستاني فانا روينا عنه انه سئل الإجازة فقال قد أجزت لك
ولأولادك ولحبل الحبلة يعني الذين لم يولدوا بعد
واما الإجازة للمعدوم ابتداء من غير عطف علي موجود فقد أجازها الخطيب أبو
بكر الحافظ وذكر انه سمع أبا يعلي بن الفراء الحنبلي وأبا الفضل بن عمروس
المالكي يجيزان ذلك وحكي جواز ذلك أيضا أبو نصر بن الصباغ الفقيه فقال ذهب
قوم إلي انه يجوز ان يجيز لمن يخلق قال وهذا إنما ذهب إليه من يعتقد ان الإجازة
اذن في الرواية لا محادثة ثم بين بطلان هذه الإجازة وهو الذي استقر عليه رأي شيخه
القاضي أبي الطيب الطبري الامام وذلك هو الصحيح الذي لا ينبغي غيره لان الإجازة
في حكم الاخبار جملة بالمجاز علي ما قدمناه في بيان صحة أصل الإجازة فكما لا
يصح الاخبار للمعدوم لا تصح الإجازة للمعدوم ولو قدرنا ان الإجازة اذن فلا يصح
أيضا ذلك للمعدوم كما لا يصح الاذن في باب الوكالة للمعدوم لوقوعه في حالة لا يصح
فيها المأذون فيه من المأذون له
وهذا أيضا يوجب بطلان الإجازة للطفل الصغير الذي لا يصح سماعه قال
الخطيب سألت القاضي أبا الطيب الطبري عن الإجازة للطفل الصغير هل يعتبر
في صحتها سنه أو تمييزه كما يعتبر ذلك في صحة سماعه فقال لا يعتبر ذلك قال فقلت
له ان بعض أصحابنا قال لا تصح الإجازة لمن لا يصح سماعه فقال قد يصح ان
يجيز للغائب عنه ولا يصح السماع له واحتج الخطيب لصحتها للطفل بان الإجازة
إنما هي إباحة المجيز له ان يروي عنه والإباحة تصح للعاقل وغير العاقل
قال وعلي هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون للأطفال الغيب عنهم من غير أن
يسألوا عن مبلغ أسنانهم وحال تمييزهم ولم نرهم أجازوا لمن يكن مولودا في
الحال قلت كأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع من أنواع تحمل الحديث ليؤدي
به بعد حصول أهليته حرصا علي توسيع السبيل إلى بقاء الاسناد الذي اختصت به هذه
الأمة وتقريبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
النوع السادس من أنواع الإجازة إجازة ما لم يسمعه المجيز ولم يتحمله أصلا
109

بعد ليرويه المجاز له إذا تحمله المجيز بعد ذلك أخبرني من أخبر عن القاضي
عياض بن موسى من فضلاء وقته بالمغرب قال هذا لم أر من تكلم عليه من
المشايخ ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه ثم حكى عن أبي الوليد
يونس بن مغيث قاضي قرطبة أنه سئل الإجازة لجميع ما رواه إلى تاريخها وما يرويه بعد
فامتنع من ذلك فغضب السائل فقال له بعض أصحابه يا هذا يعطيك ما لم يأخذه
هذا محال قال عياض وهذا هو الصحيح
قلت ينبغي أن يبنى هذا على أن الإجازة في حكم الاخبار بالمجاز جملة أو
هي إذن فإن جعلت في حكم الاخبار لم تصح هذه الإجازة إذ كيف يخبر بما لا خبر
عنده منه وإن جعلت إذنا انبنى هذا على الخلاف في تصحيح الاذن في باب الوكالة
فيما لم يملكه الآذن الموكل بعد مثل أن يوكل في بيع العبد الذي يريد أن يشتريه وقد
أجاز ذلك بعض أصحاب الشافعي والصحيح بطلان هذه الإجازة وعلى هذا يتعين
على من يريد أن يروي بالإجازة عن شيخ أجاز له جميع مسموعاته مثلا أن يبحث حتى
يعلم أن ذاك الذي يريد روايته عنه مما سمعه قبل تاريخ الإجازة وأما إذا قال
أجزت لك ما صح ويصح عندك من مسموعاتي فهذا ليس من هذا القبيل وقد فعله
الدارقطني وغيره وجائز أن يروي بذلك عنه ما صح عنده بعد الإجازة أنه سمعه قبل
الإجازة ويجوز ذلك وإن اقتصر على قوله ما صح عندك ولم يقل وما يصح لان
المراد أجزت لك أن تروي عني ما صح عندك فالمعتبر إذا فيه صحة ذلك عنده حالة
الرواية والله أعلم
النوع السابع من أنواع الإجازة إجازة المجاز مثل أن يقول الشيخ أجزت لك
مجازاتي أو أجزت لك رواية ما أجيز لي روايته فمنع من ذلك بعض من لا يعتد به من
المتأخرين والصحيح والذي عليه العمل أن ذلك جائز ولا يشبه ذلك ما امتنع من
توكيل الوكيل بغير إذن الموكل ووجدت عن أبي عمرو السفاقسي الحافظ المغربي
قال سمعت أبا نعيم الحافظ يعني الأصبهاني يقول الإجازة على الإجازة قوية
جائزة
وحكى الخطيب الحافظ تجويز ذلك عن الحافظ الامام أبي الحسن الدارقطني
والحافظ أبي العباس المعروف بابن عقدة الكوفي وغيرهما وقد كان الفقيه الزاهد
نصر بن إبراهيم المقدسي يروي بالإجازة عن الإجازة حتى ربما والى في روايته بين
إجازات ثلاث وينبغي لمن يروي بالإجازة عن الإجازة أن يتأمل كيفية إجازة شيخ
110

شيخه ومقتضاها حتى لا يروي بها ما لم يندرج تحتها فإذا كان مثلا صورة إجازة شيخ
شيخه أجزت له ما صح عنده من سماعاتي فرأى شيئا من مسموعات شيخ شيخه فليس
له أن يروي ذلك عن شيخه عنه حتى يستبين أنه مما كان قد صح عند شيخه كونه من
سماعات شيخه الذي تلك إجازته ولا يكتفي بمجرد صحة ذلك عنده الآن عملا بلفظه
وتقييده ومن لا يتفطن لهذا وأمثاله يكثر عثاره والله أعلم
هذه أنواع الإجازة التي تمس الحاجة إلى بيانها ويتركب منها أنواع أخر سيتعرف
المتأمل حكمها مما أمليناه إن شاء الله تعالى
ثم إنا ننبه على أمور
أحدها روينا عن أبي الحسين أحمد فارس الأديب المصنف رحمه الله قال
معنى الإجازة في كلام العرب مأخوذ من جواز الماء الذي يسقاه المال من الماشية
والحرث يقال منه استجزت فلانا فأجازني إذا أسقاك ماء لأرضك أو ماشيتك
كذلك طالب العلم يسأل العالم أن يجيزه علمه فيجيزه إياه
قلت فللمجيز على هذا أن يقول أجزت فلانا مسموعاتي أو مروياتي فيعديه
بغير حرف جر من غير حاجة إلى ذكر لفظ الرواية أو نحو ذلك ويحتاج إلى ذلك من يجعل
الإجازة بمعنى التسويغ والاذن والإباحة وذلك هو المعروف فيقول أجزت
لفلان رواية مسموعاتي مثلا ومن يقول منهم أجزت له مسموعاتي فعلى سبيل
الحذف الذي لا يخفى نظيره والله أعلم
الثاني إنما يستحسن الإجازة إذا كان المجيز عالما بما يجيز والمجاز له من أهل
العلم لأنها توسع وترخيص يتأهل له أهل العلم لمسيس حاجتهم إليها وبالغ بعضهم
في ذلك فجعله شرطا فيها وحكاه أبو العباس الوليد بن بكر المالكي عن مالك
رضي الله عنه وقال الحافظ أبو عمر الصحيح أنها لا تجوز إلا لماهر بالصناعة وفي
شئ معين لا يشكل إسناده والله أعلم
الثالث ينبغي للمجيز إذا كتب أجازته أن يلفظ بها فإن اقتصر على الكتابة كان
ذلك إجازة جائزة إذا اقترن بقصد الإجازة غير أنها أنقص مرتبة من الإجازة الملفوظ
بها وغير مستبعد تصحيح ذلك بمجرد هذه الكتابة في باب الرواية الذي جعلت فيه
القراءة على الشيخ مع أنه لم يلفظ بما قرئ عليه إخبارا منه بما قرئ عليه على ما تقدم
بيانه والله أعلم
111

القسم الرابع من أقسام طرق تحمل
الحديث وتلقيه المناولة
وهي على نوعين
أحدهما المناولة المقرونة بالإجازة وهي أعلى أنواع الإجازة على الاطلاق
ولها صور منها أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعا مقابلا به ويقول
هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه عني أو أجزت لك روايته عني ثم يملكه
إياه أو يقول خذه وانسخه وقابل به ثم رده إلي أو نحو هذا
ومنها أن يجئ الطالب إلى الشيخ بكتاب أو جزء من حديثه فيعرضه عليه
فيتأمله الشيخ وهو عارف متيقظ ثم يعيده إليه ويقول له وقفت على ما فيه وهو حديثي
عن فلان أو روايتي عن شيوخي فيه فاروه عني أو أجزت لك روايته عني وهذا قد
سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضا وقد سبقت حكايتنا في القراءة على الشيخ
أنها تسمى عرضا أيضا فلنسم ذلك عرض القراءة وهذا عرض المناولة والله
أعلم
وهذه المناولة المقترنة بالإجازة حاله محل السماع عند مالك وجماعة من أئمة
أصحاب الحديث وحكى الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري في عرض المناولة
المذكور عن كثير من المتقدمين أنه سماع وهذا مطرد في سائر ما يماثله من صور
المناولة المقرونة بالإجازة فممن حكى الحاكم ذلك عنهم بن شهاب الزهري وربيعة
الرأي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك بن أنس الامام في آخرين من المدنيين
ومجاهد وأبو الزبير وابن عيينة في جماعة من المكيين وعلقمة وإبراهيم النخعيان
والشعبي في جماعة من الكوفيين وقتادة وأبو العالية وأبو المتوكل الناجي في طائفة
من البصريين وابن وهب وابن القاسم وأشهب في طائفة من المصريين وآخرون
من الشاميين والخراسانيين ورأي الحاكم طائفة من مشايخه على ذلك وفي كلامه
بعض التخليط من حيث كونه خلط بعض ما ورد في عرض القراءة بما ورد في عرض
المناولة وساق الجميع مساقا واحدا والصحيح أن ذلك غير حال محل السماع وأنه
منحط عن درجة التحديث لفظا والاخبار قراءة
وقد قال الحاكم في هذا العرض أما فقهاء الاسلام الذين أفتوا في الحلال
والحرام فإنهم لم يروه سماعا وبه قال الشافعي والأوزاعي والبويطي والمزني
112

وأبو حنيفة وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وابن المبارك ويحيى بن يحيى
وإسحاق بن راهويه قال وعليه عهدنا أئمتنا وإليه ذهبوا وإليه نذهب والله أعلم
ومنها أن يناول الشيخ الطالب كتابه ويجيز له روايته عنه ثم يمسكه الشيخ عنده
ولا يمكنه منه فهذا يتقاعد عما سبق لعدم احتواء الطالب على ما تحمله وغيبته عنه
وجائز له رواية ذلك عنه إذا ظفر بالكتاب أو بما هو مقابل به على وجه يثق معه
بموافقته لما تناولته الإجازة على ما هو معتبر في الإجازات المجردة عن المناولة
ثم إن المناولة في مثل هذا لا يكاد يظهر حصول مزية بها على الإجازة الواقعة في
معين كذلك من غير مناولة وقد صار غير واحد من الفقهاء والأصوليين إلى أنه لا تأثير
لها ولا فائدة غير أن شيوخ أهل الحديث في القديم والحديث أو من حكي ذلك عنه
منهم يرون لذلك مزية معتبرة والعلم عند الله تبارك وتعالى
ومنها أن يأتي الطالب الشيخ بكتاب أو جزء فيقول هذا روايتك فناولنيه وأجز
لي روايته فيجيبه إلى ذلك من غير أن ينظر فيه ويتحقق روايته لجميعه فهذا لا يجوز
ولا يصح فإن كان الطالب موثوقا بخبره ومعرفته جاز الاعتماد عليه في ذلك وكان
ذلك إجازة جائزة كما جاز في القراءة على الشيخ الاعتماد على الطالب حتى يكون هو
القارئ من الأصل إذا كان موثوقا به معرفة ودينا قال الخطيب أبو بكر رحمه الله
ولو قال حدث بما في هذا الكتاب عني إن كان من حديثي مع براءتي من الغلط
والوهم كان ذلك جائزا حسنا والله أعلم
الثاني المناولة المجردة عن الإجازة بأن يناوله الكتاب كما تقدم ذكره أولا
ويقتصر على قوله هذا من حديثي أو من سماعاتي ولا يقول اروه عني أو أجزت لك
روايته عني ونحو ذلك فهذه مناولة مختلة لا تجوز الرواية بها وعابها غير واحد من
الفقهاء والأصوليين على المحدثين الذين أجازوها وسوغوا الرواية بها وحكى
الخطيب عن طائفة من أهل العلم أنهم صححوها وأجازوا الرواية بها وسنذكر إن
شاء الله سبحانه وتعالى قول من أجاز الرواية بمجرد إعلام الشيخ الطالب أن هذا الكتاب
سماعه من فلان وهذا يزيد على ذلك ويترجح بما فيه من المناولة فإنها لا تخلو من
إشعار بالاذن في الرواية والله أعلم
القول في عبارة الراوي بطريق المناولة والإجازة
حكي عن قوم من المتقدمين ومن بعدهم أنهم جوزوا إطلاق حدثنا وأخبرنا في
113

الرواية بالمناولة حكي ذلك عن الزهري ومالك وغيرهما وهو لائق بمذهب جميع
من سبقت الحكاية عنهم أنهم جعلوا عرض المناولة المقرونة بالإجازة سماعا وحكي
أيضا عن قوم مثل ذلك في الرواية بالإجازة وكان الحافظ أبو نعيم الأصبهاني صاحب
التصانيف الكثيرة في علم الحديث يطلق أخبرنا فيما يرويه بالإجازة روينا عنه أنه
قال أنا إذا قلت حدثنا فهو سماعي وإذا قلت أخبرنا على الاطلاق فهو إجازة
من غير أن أذكر فيه إجازة أو كتابة أو كتب إلي أو أذن لي في الرواية عنه وكان
أبو عبيد الله المرزباني الخباري صاحب التصانيف في علم الخبر يروي أكثر ما في كتبه
إجازة من غير سماع ويقول في الإجازة أخبرنا ولا يبينها وكان ذلك فيما حكاه
الخطيب مما عيب به
والصحيح والمختار الذي عليه عمل الجمهور وإياه اختار أهل التحري والورع
المنع في ذلك من إطلاق حدثنا وأخبرنا ونحوهما من العبارات وتخصيص ذلك
بعبارة تشعر به بأن يقيد هذه العبارات فيقول أخبرنا أو حدثنا فلان مناولة وإجازة أو
أخبرنا إجازة أو أخبرنا مناولة أو أخبرنا إذنا أو في إذنه أو فيما أذن لي فيه أو فيما
أطلق لي روايته عنه أو يقول أجاز لي فلان أو أجازني فلان كذا وكذا أو ناولني
فلان وما أشبه ذلك من العبارات وخصص قوم الإجازة بعبارات لم يسلموا فيها من
التدليس أو طرف منه كعبارة من يقول في الإجازة أخبرنا مشافهة إذا كان قد شافهه
بالإجازة لفظا كعبارة من يقول أخبرنا فلان كتابة أو فيما كتب إلي أو في كتابه إذا
كان قد أجازه بخطه فهذا وإن تعارفه في ذلك طائفة من المحدثين المتأخرين فلا يخلو
عن طرف من التدليس لما فيه من الاشتراك والاشتباه بما إذا كتب إليه ذلك الحديث
بعينه
وورد عن الأوزاعي أنه خصص الإجازة بقوله خبرنا بالتشديد والقراءة عليه
بقوله أخبرنا واصطلح قوم من المتأخرين على إطلاق أنبأنا في الإجازة وهو
الوليد بن بكر صاحب الوجازة في الإجازة وقد كان أنبأنا عند القوم فيما تقدم
بمنزلة أخبرنا والى هذا نحا الحافظ المتقن أبو بكر البيهقي إذ كان يقول أنبأني فلان
إجازة وفيه أيضا رعاية لاصطلاح المتأخرين والله أعلم
وروينا عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ رحمه الله أنه قال الذي أختاره وعهدت
عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري أن يقول فيما عرض على المحدث فأجاز له روايته
شفاها أنبأني فلان وفيما كتب إليه المحدث من مدينة ولم يشافهه بالإجازة كتب
114

إلي فلان قال وروينا عن أبي عمرو بن أبي جعفر بن حمدان النيسابوري قال
سمعت أبي يقول كل ما قال البخاري قال لي فلان فهو عرض ومناولة
قلت وورد عن قوم من الرواة التعبير عن الإجازة بقول أخبرنا فلان أن فلانا
حدثه أو أخبره وبلغنا ذلك عن الامام أبي سليمان الخطابي أنه اختاره أو حكاه وهذا
اصطلاح بعيد بعيد عن الاشعار بالإجازة وهو فيما إذا سمع منه الاسناد فحسب
وأجاز له ما رواه قريب فإن كلمة أن في قوله أخبرني فلان أن فلانا أخبره فيها
اشعار بوجود أصل الاخبار وإن أجمل المخبر به ولم يذكره تفصيلا
قلت وكثيرا ما يعبر الرواة المتأخرون عن الإجازة الواقعة في رواية من فوق
الشيخ المسمع بكلمة عن فيقول أحدهم إذا سمع على شيخ بإجازته عن شيخه قرأت
على فلان عن فلان وذلك قريب فيما إذا كان قد سمع منه بإجازته عن شيخه إن لم يكن
سماعا فإنه شاك وحرف عن مشترك بين السماع والإجازة صادق عليهما والله
أعلم
ثم اعلم أن المنع من إطلاق حدثنا وأخبرنا في الإجازة لا يزول بإباحة المجيز
لذلك كما اعتاده قوم من المشايخ من قولهم في إجازتهم لمن يجيزون له إن شاء قال
حدثنا وإن شاء قال أخبرنا فليعلم ذلك والعلم عند الله تبارك وتعالى
القسم الخامس من أقسام طرق نقل الحديث وتلقيه المكاتبة وهي أن يكتب
الشيخ إلى الطالب وهو غائب شيئا من حديثه بخطه أو يكتب له ذلك وهو حاضر
ويلتحق بذلك ما إذا أمر غيره بأن يكتب له ذلك عنه إليه وهذا القسم ينقسم أيضا إلى
نوعين
أحدهما أن تتجرد المكاتبة عن الإجازة
والثاني أن تقترن بالإجازة بأن يكتب إليه ويقول أجزت لك ما كتبته لك أو
ما كتبت به إليك أو نحو ذلك من عبارات الإجازة
أما الأول وهو ما إذا اقتصر على المكاتبة فقد أجاز الرواية بها كثير من
المتقدمين والمتأخرين منهم أيوب السختياني ومنصور والليث بن سعد وقاله غير
واحد من الشافعيين وجعلها أبو المظفر السمعاني منهم أقوى من الإجازة وإليه صار
غير واحد من الأصوليين وأبى ذلك قوم آخرون وإليه صار من الشافعيين القاضي
الماوردي وقطع به في كتابه الحاوي والمذهب الأول هو الصحيح المشهور بين
أهل الحديث وكثيرا ما يوجد في مسانيدهم ومصنفاتهم قولهم كتب إلي فلان قال
115

حدثنا فلان والمراد به هذا وذلك معمول به عندهم معدود في المسند الموصول
وفيها إشعار قوي بمعنى الإجازة فهي وإن لم تقترن بالإجازة لفظا فقد تضمنت
الإجازة معنى ثم يكفي في ذلك أن يعرف المكتوب إليه خط الكاتب وإن لم تقم البينة عليه
ومن الناس من قال الخط يشبه الخط فلا يجوز الاعتماد على ذلك وهذا غير
مرضي لان ذلك نادر والظاهر أن خط الانسان لا يشتبه بغيره ولا يقع فيه إلباس
ثم ذهب غير واحد من علماء المحدثين وأكابرهم منهم الليث بن سعد ومنصور
إلى جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في الرواية بالمكاتبة والمختار قول من يقول فيها
كتب إلي فلان قال حدثنا فلان بكذا وكذا وهذا هو الصحيح اللائق بمذاهب أهل
التحري والنزاهة وهكذا لو قال أخبرني به مكاتبة أو كتابة ونحو ذلك من
العبارات
والله أعلم أما المكاتبة المقرونة بلفظ الإجازة فهي في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة
المقرونة بالإجازة والله أعلم
القسم السادس من أقسام الاخذ ووجوه النقل إعلام الراوي لطالب بأن هذا
الحديث أو هذا الكتاب سماعه من فلان أو روايته مقتصرا على ذلك من غير أن يقول
اروه عني أو أذنت لك في روايته ونحو ذلك فهذا عند كثيرين طريق مجوز لرواية
ذلك عنه ونقله حكي ذلك عن ابن جريج وطوائف من المحدثين والفقهاء والأصليين
والظاهريين وبه قطع أبو نصر بن الصباغ من الشافعيين واختاره ونصره أبو العباس
الوليد بن بكر الغمري الملاكي في كتاب الوجازة في تجويز الإجازة
وحكى القاضي أبو محمد بن خلاد الرامهرمزي صاحب كتاب الفاصل بين
الراوي والواعي عن بعض أهل الظاهر أنه ذهب إلى ذلك واحتج له وزاد فقال لو
قال له هذه روايتي لكن لا تروها عني كان له أن يرويها عنه كما لو سمع منه حديثا
ثم قال له لا تروه عني ولا أجيزه لك لم يضره ذلك ووجه مذهب هؤلاء اعتبار
ذلك بالقراءة على الشيخ فإنه إذا قرأ عليه شيئا من حديثه وأقر بأنه روايته عن فلان بن
فلان جاز له أن يرويه عنه وإن لم يسمعه من لفظه ولم يقل له اروه عني أو أذنت لك
في روايته عني والله أعلم
والمختار ما ذكر عن غير واحد من المحدثين وغيرهم من أنه لا تجوز الرواية
بذلك وبه قطع الشيخ أبو حامد الطوسي من الشافعيين ولم يذكر غير ذلك وهذا لأنه قد
يكون ذلك مسموعه وروايته ثم لا يأذن له في روايته عنه لكونه لا يجوز روايته لخلل
116

يعرفه فيه ولم يوجد منه التلفظ به ولا ما يتنزل منزلة تلفظه به وهو تلفظ القارئ
عليه وهو يسمع ويقر به حتى يكون قول الراوي عنه السامع ذلك حدثنا وأخبرنا
صدقا وإن لم يأذن له فيه وإنما هذا كالشاهد إذا ذكر في غير مجلس
الحكم شهادته
بشئ فليس لمن سمعه أن يشهد على شهادته إذا لم يأذن له ولم يشهده على شهادته
وذلك مما تساوت فيه الشهادة والرواية لان المعنى يجمع بينهما في ذلك وإن افترقا في
غيره
ثم إنه يجب عليه العمل بما ذكره له إذا صح إسناده وإن لم تجز له روايته عنه
لان ذلك يكفي فيه صحته في نفسه والله أعلم
القسم السابع من أقسام الاخذ والتحمل الوصية بالكتب بأن يوصي الراوي
بكتاب يرويه عند موته أو سفره لشخص فروي عن بعض السلف رضي الله تعالى عنهم
أنه جوز بذلك رواية الموصى له لذلك عن الموصي الراوي وهذا بعيد جدا وهو إما
زلة عالم أو متأول على أنه أراد الرواية على سبيل الوجادة التي يأتي شرحها إن شاء الله
تعالى وقد احتج بعضهم لذلك فشبهه بقسم الاعلام وقسم المناولة ولا يصح ذلك فإن
لقول من جوز الرواية بمجرد الاعلام والمناولة مستندا ذكرناه لا يتقرر مثله ولا قريب
منه ههنا والله أعلم
القسم الثامن الوجادة وهي مصدر ل وجد يجد مولد غير مسموع من العرب
روينا عن المعافى بن زكريا النهرواني العلامة في العلوم أن المولدين فرعوا قولهم
وجادة فيما أخذ من العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة من تفريق
العرب بين مصادر وجد للتمييز بين المعاني المختلفة يعني قولهم وجد ضالته
وجدنا ومطلوبه وجودا وفي الغضب موجدة وفي الغنى وجدا وفي الحب
وجدا
مثال الوجادة أن يقف على كتاب شخص فيه أحاديث يرويها بخطه ولم يلقه أو
لقيه ولكن لم يسمع منه ذلك الذي وجده بخطه ولا له منه إجازة ولا نحوها فله أن
يقول وجدت بخط فلان أو قرأت بخط فلان أو في كتاب فلان بخطه أخبرنا فلان
بن فلان ويذكر شيخه ويسوق سائر الاسناد والمتن أو يقول وجدت أو قرأت
بخط فلان عن فلان ويذكر الذي حدثه ومن فوقه هذا الذي استمر عليه العمل قديما
وحديثا وهو من باب المنقطع والمرسل غير أنه أخذ شوبا من الاتصال بقوله وجدت
بخط فلان
117

وربما دلس بعضهم فذكر الذي وجد خطه وقال فيه عن فلان أو قال فلان
وذلك تدليس قبيح إذا كان بحيث يوهم سماعه منه على ما سبق في نوع التدليس
وجازف بعضهم فأطلق فيه حدثنا وأخبرنا وانتقد ذلك على فاعله وإذا وجد حديثا في
تأليف شخص وليس بخطه فله أن يقول ذكر فلان أو قال فلان أخبرنا فلان أو
ذكر فلان عن فلان وهذا منقطع لم يأخذ شوبا من الاتصال وهذا كله إذا وثق بأنه
خط المذكور أو كتابه فإن لم يكن كذلك فليقل بلغني عن فلان أو وجدت عن
فلان أو نحو ذلك من العبارات أو ليفصح بالمستند فيه بأن يقول ما قاله بعض من
تقدم قرأت في كتاب فلان بخطه وأخبرني فلان أنه بخطه أو يقول وجدت في
كتاب ظننت أنه بخط فلان أو في كتاب ذكر كاتبه أنه فلان بن فلان أو في كتاب قيل إنه
بخط فلان
وإذا أراد أن ينقل من كتاب منسوب إلى مصنف فلا يقل قال فلان كذا وكذا الا
إذا وثق بصحة النسخة بأن قابلها هو أو ثقة غيره بأصول متعددة كما نبهنا عليه في آخر
النوع الأول وإذا لم يوجد ذلك ونحوه فليقل بلغني عن فلان أنه ذكر كذا وكذا أو
وجدت في نسخة من الكتاب الفلاني وما أشبه هذا من العبارات
وقد يتسامح أكثر الناس في هذه الأزمان بإطلاق اللفظ الجازم في ذلك من غير
تحر وتثبت فيطالع أحدهم كتابا منسوبا إلى مصنف معين وينقل منه عنه من غير أن يثق
بصحة النسخة قائلا قال فلان كذا وكذا أو ذكر فلان كذا وكذا والصواب ما
قدمناه
فإن كان المطالع عالما فطنا بحيث لا يخفى عليه في الغالب مواضع الاسقاط
والسقط وما أحيل عن جهته من غيرها رجونا أن يجوز له إطلاق اللفظ الجازم فيما
يحكيه من ذلك والى هذا فيما أحسب استروح كثير من المصنفين فيما نقلوه من كتب
الناس والعلم عند الله تعالى
هذا كله كلام في كيفية النقل بطريق الوجادة
وأما جواز العمل اعتمادا على ما يوثق به منها فقد روينا عن بعض المالكية ان
معظم المحدثين والفقهاء من المالكيين وغيرهم لا يرون العمل بذلك وحكي عن
الشافعي وطائفة من نظار أصحابه جواز العمل به قلت قطع بعض المحققين من
أصحابه في أصول الفقه بوجوب العمل به عند حصول الثقة به وقال لو عرض
ما ذكرناه على جملة المحدثين لأبوه وما قطع به هو الذي لا يتجه غيره في الاعصار
118

المتأخرة فإنه لو توقف العمل فيها على الرواية لا نسد باب العمل بالمنقول لتعذر شرط
الرواية فيها على ما تقدم في النوع الأول والله أعلم
النوع الخامس والعشرون
في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده
اختلف الصدر الأول رضي الله عنهم في كتابة الحديث فمنهم من كره كتابة
الحديث والعلم وأمروا بحفظه ومنهم من أجاز ذلك
وممن روينا عنه كراهة ذلك عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو موسى
وأبو سعيد الخدري في جماعة آخرين من الصحابة والتابعين وروينا عن أبي سعيد
الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تكتبوا عني شيئا الا القرآن ومن كتب عني شيئا غير
القرآن فليمحه أخرجه مسلم في صحيحه
وممن روينا عنه إباحة ذلك أو فعله علي وابنه الحسن وأنس وعبد الله بن
عمرو بن العاص في جمع آخرين من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين
ومن صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على جواز ذلك حديث أبي شاه اليمني
في التماسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئا سمعه من خطبته عام فتح مكة
وقوله صلى الله عليه وسلم اكتبوا لأبي شاه ولعله صلى الله عليه وسلم
أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه
النسيان ونهى عن الكتابة عنه من وثق بحفظه مخافة الاتكال على الكتاب أو نهى عن
كتابة ذلك حين خاف عليهم اختلاط ذلك بصحف القرآن العظيم وأذن في كتابته
حين أمن من ذلك وأخبرنا أبو الفتح بن عبد المنعم الفراوي قراءة عليه بنيسابور
جبرها الله أخبرنا أبو المعالي الفارسي أخبرنا الحافظ أبو بكر البيهقي أخبرنا أبو
الحسين بن بشران أخبرنا أبو عمرو بن السماك ثنا حنبل بن إسحاق ثنا
سليمان بن أحمد ثنا الوليد هو بن مسلم قال كان الأوزاعي يقول كان هذا
العلم كريما يتلاقاه الرجال بينهم فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله ثم إنه زال ذلك
الخلاف وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته ولولا تدوينه في الكتب لدرس
في الأعصر الآخرة والله أعلم
119

ثم إن على كتبة الحديث وطلبته صرف الهمة إلى ضبط ما يكتبونه أو يحصلونه
بخط الغير من مروياتهم على الوجه الذي رووه شكلا ونقطا يؤمن معهما الالتباس
وكثيرا ما يتهاون بذلك الواثق بذهنه وتيقظه وذلك وخيم العاقبة فان الانسان معرض
للنسيان وأول ناس أول الناس واعجام المكتوب يمنع من استعجامه وشكله
يمنع من اشكاله ثم لا ينبغي أن يتعنى بتقييد الواضح الذي لا يكاد يلتبس وقد
أحسن من قال إنما يشكل ما يشكل وقرأت بخط صاحب كتاب سمات الخط
ورقومه علي بن إبراهيم البغدادي فيه أن أهل العلم يكرهون الاعجام والاعراب إلا
في الملتبس وحكى غيره عن قوم أنه ينبغي أن يشكل ما يشكل وما لا يشكل وذلك
لان المبتدئ وغير المتبحر في العلم لا يميز ما يشكل مما لا يشكل ولا صواب
الاعراب من خطئه والله أعلم
وهذا بيان أمور مفيدة في ذلك
أحدها ينبغي أن يكون اعتناؤه من بين يلتبس بضبط الملتبس من
120

أسماء أكثر فإنها لا تستدرك بالمعنى ولا يستدل عليها بما قبل وبعد
الثاني يستحب في الألفاظ المشكلة أن يكرر ضبطها بأن يضبطها في متن الكتاب
ثم يكتبها قبالة ذلك في الحاشية مفردة مضبوطة فإن ذلك أبلغ في إبانتها وأبعد من
التباسها وما ضبطه في أثناء الأسطر ربما داخله نقط غيره وشكله مما فوقه وتحته
لا سيما عند دقة الخط وضيق الأسطر وبهذا جرى رسم جماعة من أهل الضبط والله
أعلم
الثالث يكره الخط الدقيق من غير عذر يقتضيه روينا عن حنبل بن إسحاق
قال رآني أحمد بن حنبل وأنا أكتب خطا دقيقا فقال لا تفعل أحوج ما تكون إليه
يخونك وبلغنا عن بعض المشايخ أنه كان إذا رأى خطا دقيقا قال هذا خط من لا
يوقن بالخلف من الله والعذر في ذلك هو مثل أن لا يجد في الورق سعة أو يكون
121

رحالا يحتاج إلى تدقيق الخط ليخف عليه محمل كتابه ونحو هذا والله أعلم
الرابع يختار له في خطه التحقيق دون المشق والتعليق بلغنا عن ابن قتيبة
قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه شر الكتابة المشق وشر القراءة
الهذرمة وأجود الخط أبينه والله أعلم
الخامس كما تضبط الحروف المعجمة بالنقط كذلك ينبغي أن تضبط المهملات
غير المعجمة بعلامة الاهمال لتدل على عدم إعجامها وسبيل الناس في ضبطها
مختلف فمنهم من يقلب النقط فيجعل النقط الذي فوق المعجمات تحت ما يشاكلها من
المهملات فينقط تحت الراء والصاد والطاء والعين ونحوها من
المهملات وذكر بعض هؤلاء أن النقط التي تحت السن المهملة تكون مبسوطة
صفا والتي فوق الشين المعجمة تكون كالأثافي ومن الناس من يجعل
علامة الاهمال فوق الحروف المهملة كقلامة الظفر مضطجعة على قفاها ومنهم
من يجعل تحت الحاء المهملة حاء مفردة صغير وكذا تحت الدال والطاء
122

والصاد والسين والعين وسائر الحروف المهملة الملتبسة مثل ذلك فهذه
وجوه من علامات الاهمال شائعة معروفة وهناك من العلامات ما هو موجود في كثير
من الكتب القديمة ولا يفطن له كثيرون كعلامة من يجعل فوق الحرف المهمل خطا
صغير وكعلامة من يجعل تحت الحرف المهمل مثل الهمزة والله أعلم
السادس لا ينبغي أن يصطلح مع نفسه في كتابه بما لا يفهمه غيره فيوقع غيره في
حيرة كفعل من يجمع في كتابه بين روايات مختلفة ويرمز إلى رواية كل راو بحرف
واحد من اسمه أو حرفين وما أشبه ذلك فإن بين في أول كتابه أو آخره مراده بتلك
العلامات والرموز فلا بأس ومع ذلك فالأولى أن يتجنب الرمز ويكتب عند كل
رواية اسم راويها بكماله مختصرا ولا يقتصر على العلامة ببعضه والله أعلم
السابع ينبغي أن يجعل بين كل حديثين دارة تفصل بينهما وتميز وممن بلغنا
عنه ذلك من الأئمة أبو الزناد وأحمد بن حنبل وإبراهيم بن إسحاق الحربي
ومحمد بن جرير الطبري رضي الله عنهم واستحب الخطيب الحافظ أن تكون الدارات
غفلا فإذا عارض فكل حديث يفرغ من عرضه ينقط في الدارة التي تليه نقطة أو
123

يخط في وسطها خطا قال وقد كان بعض أهل العلم لا يعتد من سماه إلا بما
كان كذلك أو في معناه والله أعلم
الثامن يكره له في مثل عبد الله بن فلان بن فلان أن يكتب عبد في آخر سطر
والباقي في أول السطر الآخر وكذلك يكره في عبد الرحمن بن فلان وفي سائر
الأسماء المشتملة على التعبيد لله تعالى أن يكتب عبد في آخر سطر واسم الله مع سائر
النسب في أول السطر الآخر وهكذا يكره أن يكتب قال رسول في آخر سطر ويكتب
في أول السطر الذي يليه الله صلى الله تعالى عليه وسلم وما أشبه ذلك والله
أعلم
التاسع ينبغي له أن يحافظ على كتبة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله
تعالى عليه وسلم عند ذكره ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من
أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما وقد
روينا لأهل ذلك منامات صالحة وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه
فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية ولا يقتصر فيه على ما في الأصل وهكذا الامر في الثناء
على الله سبحانه عند ذكر اسمه نحو عز وجل وتبارك وتعالى وما ضاهى ذلك
وإذا وجد شئ من ذلك قد جاءت به الرواية كانت العناية بإثباته وضبطه أكثر وما وجد
في خط أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه من إغفال ذلك عند ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم
فلعل سببه أنه كان يرى التقيد في ذلك بالرواية وعز عليه اتصالها في ذلك في جميع من
فوقه من الرواة
قال الخطيب أبو بكر وبلغني أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم نطقا لا خطا قال
وقد خالفه غيره من الأئمة المتقدمين في ذلك وروى عن علي بن المديني
وعباس بن عبد العظيم العنبري قالا ما تركنا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل
حديث سمعناه وربما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حديث حتى نرجع إليه والله
أعلم
ثم ليتجنب في إثباتها نقصين
أحدهما أن يكتبها منقوصة صورة رامزا إليها بحرفين أو نحو ذلك
والثاني أن يكتبها منقوصة معنى بأن لا يكتب وسلم وإن وجد ذلك في خط
124

بعض المتقدمين سمعت أبا القاسم منصور بن عبد المنعم وأم المؤيد بنت أبي القاسم
بقرائتي عليهما قالا سمعنا أبا البركات عبد الله بن محمد الفراوي لفظا قال سمعت
المقرئ ظريف بن محمد يقول سمعت عبد الله بن محمد بن إسحاق الحافظ قال
سمعت أبي يقول سمعت حمزة الكناني يقول كنت أكتب الحديث وكنت أكتب عند
ذكر النبي صلى الله عليه ولا أكتب وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في المنام فقال لي ما لك لا تتم الصلاة علي قال فما كتبت بعد ذلك صلى الله عليه
إلا كتبت وسلم
وقع في الأصل في شيخ المقري ظريف عبد الله وإنما هو عبيد الله بالتصغير
ومحمد بن إسحاق أبوه هو أبو عبد الله بن منده فقوله الحافظ إذا مجرور قلت
ويكره أيضا الاقتصار على قوله عليه السلام والله أعلم
العاشر على الطالب مقابلة كتابه بأصل سماعه وكتاب شيخه الذي يرويه عنه وإن
كان إجازة روينا عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أنه قال لابنه هشام كتبت
قال نعم قال عرضت كتابك قال لا قال لم تكتب وروينا عن
الشافعي الامام وعن يحيى بن أبي كثير قالا من كتب ولم يعارض كمن دخل الخلاء
ولم يستنج وعن الأخفش قال إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ ولم يعارض
خرج أعجميا
ثم إن أفضل المعارضة أن يعارض الطالب بنفسه كتابه بكتاب الشيخ مع الشيخ في
حال تحديثه إياه من كتابه لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط والاتقان من الجانبين وما
لم تجتمع فيه هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها وما ذكرناه أولى من
إطلاق أبي الفضل الجارودي الحافظ الهروي قوله أصدق المعارضة مع نفسك
ويستحب أن ينظر معه في نسخته من حضر من السامعين ممن ليس معه نسخة لا سيما
إذا أراد النقل منها وقد روي عن يحيى بن معين أنه سئل عمن لم ينظر في الكتاب
والمحدث يقرأ هل يجوز أن يحدث بذلك عنه فقال أما عندي فلا يجوز ولكن
عامة الشيوخ هكذا سماعهم
قلت وهذا من مذاهب أهل التشديد في الرواية وسيأتي ذكر مذهبهم إن شاء الله
تعالى والصحيح أن ذلك لا يشترط وأنه يصح السماع وإن لم ينظر أصلا في
الكتاب حالة القراءة وأنه لا يشترط أن يقابله بنفسه بل يكفيه مقابلة نسخته بأصل
125

الراوي وإن لم يكن ذلك حالة القراءة وإن كانت المقابلة على يدي غيره إذا كان ثقة
موثوقا بضبطه
قلت وجائز أن تكون مقابلته بفرع قد قوبل المقابلة المشروطة بأصل شيخه أصل
السماع وكذلك إذا قابل بأصل أصل الشيخ المقابل به أصل الشيخ لان الغرض
المطلوب أن يكون كتاب الطالب مطابقا لأصل سماعه وكتاب شيخه فسواء حصل
ذلك بواسطة أو بغير واسطة ولا يجزئ ذلك عند من قال لا يصح مقابلته مع أحد
غير نفسه ولا يقلد غيره ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة وليقابل نسخته
بالأصل بنفسه حرفا حرفا حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له وهذا مذهب
متروك وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في أعصارنا والله أعلم
أما إذا لم يعارض كتابه بالأصل أصلا فقد سئل الأستاذ أبو إسحاق الأسفرائيني
عن جواز روايته منه فأجاز ذلك وأجازه الحافظ أبو بكر الخطيب أيضا وبين شرطه
فذكر أنه يشترط أن تكون نسخته نقلت من الأصل وأن يبين عند الرواية أنه لم يعارض
وحكى عن شيخه أبي بكر البرقاني أنه سأل أبا بكر الإسماعيلي هل للرجل أن يحدث
بما كتب عن الشيخ ولم يعارض بأصله فقال نعم ولكن لا بد ان يبين انه لم
يعارض قال وهذا هو مذهب أبي بكر البرقاوي فإنه روي لنا أحاديث كثيرة قال
فيها أخبرنا فلان ولم أعارض بالأصل
قلت ولا بد من شرط ثالث وهو ان يكون ناقل النسخة من الأصل غير سقيم
النقل بل صحيح النقل قليل السقط والله أعلم ثم إنه ينبغي ان يراعي في كتاب شيخه
بالنسبة إلي من فوقه مثل ما ذكرنا انه يراعيه من كتابه ولا يكونن كطائفة من الطلبة إذا
رأوا سماع شيخ لكتاب قرؤوه عليه من أي نسخة اتفقت والله أعلم
الحادي عشر المختار في كيفية تخريج الساقط في الحواشي ويسمي اللحق
بفتح الحاء وهو ان يخط من موضع سقوطه من السطر خطا صاعدا إلي فوقه ثم
يعطفه بين السطرين عطفه يسيرة إلي جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق ويبدأ في
الحاشية بكتبة اللحق مقابلا للخط المنعطف وليكن ذلك في حاشية ذات اليمين وان
كانت تلي وسط الورقة ان اتسعت له وليكتبه صاعدا إلى أعلى الورقة لا نازلا به إلي
أسفل
قلت فإذا كان اللحق سطرين أو سطورا فلا يبتدئ بسطوره من أسفل إلي أعلى
126

بل يبتدئ بها من أعلى إلي أسفل بحيث يك ون منتهاها إلي جهة باطن الورقة إذا كان
التخريج في جهة اليمين وإذا كان في جهة الشمال وقع منتهاها إلي جهة طرف الورقة
ثم يكتب عند انتهاء اللحق صح ومنهم من يكتب مع صح رجع ومنهم من
يكتب في اخر اللحق الكلمة المتصلة به داخل الكتاب في موضع التخريج ليؤذن باتصال
الكلام وهذا اختيار بعض أهل الصنعة من أهل المغرب واختيار القاضي أبي
محمد بن خلاد صاحب كتاب الفاصل بين الراوي والواعي من أهل المشرق مع
طائفة وليس ذلك بمرضي إذ رب كلمة تجئ في الكلام مكررة حقيقة فهذا التكرير
يوقع بعض الناس في توهم مثل ذلك في بعضه واختار القاضي بن خلاد أيضا في كتابه
ان يمد عطفه خط التخريج من موضعه حتى يلحقه بأول اللحق في الحاشية وهذا أيضا
غير مرضي فإنه وإن كان فيه زيادة بيان فهو تسخيم للكتاب وتسويد له لا سيما عند
كثرة الالحاقات والله أعلم
وإنما اخترنا كتبه اللحق صاعدا إلى أعلى الورقة لئلا يخرج بعده نقص اخر فلا
يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له لو كان كتب الأول نازلا إلي أسفل وإذا كتب الأول
صاعدا فما يجد بعد ذلك من نقص يجد ما يقابله من الحاشية فارغا له وقلنا أيضا
يخرجه في جهة اليمين لأنه لو خرجه إلى جهة الشمال فربما ظهر من بعده في السطر نفسه
نقص آخر فإن خرجه قدامه إلى جهة الشمال أيضا وقع بين التخريجين إشكال وإن
خرج الثاني إلى جهة اليمين التقت عطفة تخريج جهة الشمال وعطفه تخريج جهة اليمين
أو تقابلتا فأشبه ذلك الضرب على ما بينهما بخلاف ما إذا خرج الأول إلى جهة
اليمين فإنه حينئذ يخرج الثاني إلى جهة الشمال فلا يلتقيان ولا يلزم إشكال اللهم إلا
أن يتأخر النقص إلى آخر السطر فلا وجه حينئذ إلا تخريجه إلى جهة الشمال لقربه منها
ولانتفاء العلة المذكورة من حيث إنا لا نخشى ظهور نقص بعده وإذا كان النقص في أول السطر تأكد تخريجه إلى جهة اليمين لما ذكرناه من
القرب مع ما سبق وأما ما يخرج في الحواشي من شرح أو تنبيه على غلط أو اختلاف
رواية أو نسخة أو نحو ذلك مما ليس من الأصل فقد ذهب القاضي الحافظ عياض
رحمه الله إلى أنه لا يخرج لذلك خط تخريج لئلا يدخل اللبس ويحسب من الأصل
وأنه لا يخرج إلا لما هو من نفس الأصل لكن ربما جعل على الحرف المقصود بذلك
التخريج علامة كالضبة أو التصحيح إيذانا به
قلت التخريج أولى وأدل وفي نفس هذا المخرج ما يمنع الإلباس ثم هذا
127

التخريج يخالف التخريج لما هو من نفس الأصل في أن خط ذلك التخريج يقع بين
الكلمتين اللتين بينهما سقط الساقط وخط هذا التخريج يقع على نفس الكلمة التي من
اجلها خرج المخرج في الحاشية والله أعلم
الثاني عشر من شان الحذاق المتقنين العناية بالتصحيح والتضبيب والتمريض
أما التصحيح فهو كتابة صح على الكلام أو عنده ولا يفعل ذلك إلا فيما صح رواية
ومعنى غير أنه عرضة للشك أو الخلاف فيكتب عليه صح ليعرف أنه لم يغفل عنه
وانه قد ضبط وصح على ذلك الوجه وأما التضبيب ويسمى أيضا التمريض فيجعل
على ما صح وروده كذلك من جهة النقل غير أنه فاسد لفظا أو معنى أو ضعيف أو
ناقص مثل أن يكون غير جائز من حيث العربية أو يكون شاذا عند أهلها بأباه
أكثرهم أو مصحفا أو ينقص من جملة الكلام كلمة أو أكثر وما أشبه ذلك فيمد على
ما هذا سبيله خط أوله مثل الصاد ولا يلزق بالكلمة المعلم عليها كيلا يظن ضربا
وكأنه صاد التصحيح بمدتها دون حائها كتبت كذلك ليفرق بين ما صح مطلقا من جهة
الرواية وغيرها وبين ما صح من جهة الرواية دون غيرها فلم يكمل عليه التصحيح
وكتب حرف ناقص على حرف ناقص إشعارا بنقصه ومرضه مع صحة نقله وروايته
وتنبيها بذلك لمن ينظر في كتابه على أنه قد وقف عليه ونقله على ما هو عليه ولعل
غيره قد يخرج له وجها صحيحا أو يظهر له بعد ذلك في صحته ما لم يظهر له الآن ولو
غير ذلك وأصلحه على ما عنده لكان متعرضا لما وقع فيه غير واحد من المتجاسرين
الذين غيروا وظهر الصواب فيما أنكروه والفساد فيما أصلحوه
وأما تسمية ذلك ضبة فقد بلغنا عن أبي القاسم إبراهيم بن محمد اللغوي
المعروف بابن الإقليلي أن ذلك لكون الحرف مقفلا بها لا يتجه لقراءة كما أن الضبة
مقفل بها والله أعلم
قلت ولأنها لما كانت على كلام فيه خلل أشبهت الضبة التي تجعل على كسر أو
خلل فاستعير لها اسمها ومثل ذلك غير مستنكر في باب الاستعارات ومن مواضع
التضبيب أن يقع في الاسناد إرسال أو انقطاع فمن عادتهم تضبيب موضع الارسال
والانقطاع وذلك من قبيل ما سبق ذكره من التضبيب على الكلام الناقص ويوجد في
بعض أصول الحديث القديمة في الاسناد الذي يجتمع فيه جماعة معطوفة أسماؤهم
بعضها على بعض علامة تشبه الضبة فيما بين أسمائهم فيتوهم من لا خبرة له أنها ضبة
128

وليست بضبة وكأنها علامة وصل فيما بينها أثبتت تأكيدا للعطف خوفا من أن تجعل
عن مكان الواو والعلم عند الله تعالى ثم إن بعضهم ربما اختصر علامة التصحيح
فجاءت صورتها تشبه صورة التضبيب والفطنة من خير ما أوتيه الانسان والله أعلم
الثالث عشر إذا وقع في الكتاب ما ليس منه فإنه ينفي عنه بالضرب أو الحك أو
المحو أو غير ذلك والضرب خير من الحك والمحو روينا عن القاضي أبي
محمد بن خلاد رحمه الله قال قال أصحابنا الحك تهمة وأخبرني من أخبر عن
القاضي عياض قال سمعت شيخنا أبا بحر سفيان بن العاص الأسدي يحكي عن بعض
شيوخه أنه كان يقول كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع حتى لا
يبشر شئ لان ما يبشر منه ربما يصح في رواية أخرى وقد يسمع الكتاب مرة أخرى
على شيخ آخر يكون ما بشر وحك من رواية هذا صحيحا في رواية الآخر فيحتاج إلى
إلحاقه بعد أن بشر وهو إذا خط عليه من رواية الأول وصح عند الآخر اكتفي
بعلامة الآخر عليه بصحته
ثم إنهم اختلفوا في كيفية الضرب فروينا عن أبي محمد بن خلاد قال أجود
الضرب أن لا يطمس المضروب عليه بل يخط من فوقه خطا جيدا بينا يدل على إبطاله
ويقرأ من تحته ما خط عليه وروينا عن القاضي عياض ما معناه أن اختبارات
الضابطين اختلفت في الضرب فأكثرهم على مد الخط على المضروب عليه مختلطا
بالكلمات المضروب عليها ويسمى ذلك الشق أيضا
ومنهم من لا يخلطه ويثبته فوقه لكنه يعطف طرفي الخط على أول المضروب
عليه وآخره ومنهم من يستقبح هذا ويراه تسويدا وتطليسا بل يحوق على أول الكلام
المضروب عليه بنصف دائرة وكذلك في آخره وإذا كثر الكلام المضروب عليه فقد
يفعل ذلك في أول كل سطر منه وآخره وقد يكتفي بالتحويق على أول الكلام وآخره
أجمع ومن الأشياخ من يستقبح الضرب والتحويق ويكتفي بدائرة صغير أول الزيادة
وآخرها ويسميها صفرا كما يسميها أهل الحساب وربما كتب بعضهم عليه لا في أوله
وإلى في آخره ومثل هذا يحسن فيما صح في رواية وسقط في رواية أخرى والله
أعلم
وأما الضرب على الحرف المكرر فقد تقدم بالكلام فيه القاضي أبو محمد
بن خلاد الرامهرمزي رحمه الله على تقدمه فروينا عنه قال قال بعض أصحابنا
أولاهما بأن يبطل الثاني لان الأول كتب على صواب والثاني كتب على الخطأ فالخطأ
129

أولى بالابطال وقال آخرون إنما الكتاب علامة لما يقرأ فأولى الحرفين بالإبقاء أدلهما
عليه وأجودهما صورة وجاء القاضي عياض آخرا ففصل تفصيلا حسنا فرأى أن
تكرر الحرف إن كان في أول سطر فليضرب على الثاني صيانة لأول السطر عن التسويد
والتشويه وإن كان في آخر سطر فليضرب على أولهما صيانة لآخر السطر فإن سلامة
أوائل السطور وأواخرها عن ذلك أولى فإن اتفق أحدهما في آخر سطر ولا الآخر في أول
سطر آخر فليضرب على الذي في آخر السطر فإن أول السطر أولى بالمراعاة فإن كان
التكرر في المضاف أو المضاف إليه أو في الصفة أو في الموصوف أو نحو ذلك لم نراع
حينئذ أول السطر وآخره بل نراعي الاتصال بين المضاف والمضاف إليه ونحوهما في
الخط فلا نفصل بالضرب بينهما ونضرب على الحرف المتطرف من المتكرر دون
المتوسط
وأما المحو فيقابل الكشط في حكمه الذي تقدم ذكره وتتنوع طرقه ومن
أغربها مع أنه أسلمها ما روى عن سحنون بن سعيد التنوخي الإمام المالكي أنه كان ربما
كتب الشئ ثم لعقه وإلى هذا يومي ما روينا عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه كان
يقول من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد والله أعلم
الرابع عشر ليكن فيما تختلف فيه الروايات قائما بضبط ما تختلف فيه في كتابه
جيد التمييز بينها كيلا تختلط وتشتبه فيفسد عليه أمرها وسبيله أن يجعل أولا متن كتابه
على رواية خاصة ثم ما كانت من زيادة لرواية أخرى ألحقها أو من نقص أعلم عليه
أو من خلاف كتبه إما في الحاشية وإما في غيرها معينا في كل ذلك من رواه ذاكرا اسمه
بتمامه فإن رمز إليه بحرف أو أكثر فعليه ما قدمنا ذكره من أنه يبين المراد بذلك في أول
كتابه أو آخره كيلا يطول عهده به فينسي أو يقع كتابه إلى غيره فيقع من رموزه في حيرة
وعمى وقد يدفع إلى الاقتصار على الرموز عند كثرة الروايات المختلفة واكتفى
بعضهم في التمييز بأن خص الرواية الملحقة بالحمرة فعل ذلك أبو ذر الهروي من
المشارقة وأبو الحسن القابسي من المغاربة مع كثير من المشايخ وأهل التقييد فإذا كان
في الرواية الملحقة زيادة على التي في متن الكتاب كتبها بالحمرة وإن كان فيها نقص
والزيادة في الرواية التي في متن الكتاب حوق عليها بالحمرة ثم على فاعل ذلك تبيين
من له الرواية المعلمة بالحمرة في أول الكتاب أو آخره على ما سبق والله أعلم
الخامس عشر غلب على كتبة الحديث الاقتصار على الرمز في قولهم حدثنا
وأخبرنا غير أنه شاع ذلك وظهر حتى لا يكاد يلتبس أما حدثنا فيكتب منها شطرها
130

الأخير وهو الثاء والنون والألف وربما اقتصر على الضمير منها وهو النون والألف
وأما أخبرنا فيكتب منها الضمير المذكور مع الألف أولا وليس بحسن ما يفعله طائفة
من كتابة أخبرنا بألف مع علامة حدثنا المذكورة أولا وإن كان الحافظ البيهقي ممن
فعله وقد يكتب في علامة أخبرنا راء بعد الألف وفي علامة حدثنا دال في أولها
وممن رأيت في خطه الدال في علامة حدثنا الحافظ أبو عبد الله الحاكم وأبو
عبد الرحمن السلمي والحافظ أحمد البيهقي رضي الله عنهم والله أعلم
وإذا كان للحديث إسنادان أو أكثر فإنهم يكتبون عند الانتقال من إسناد إلى إسناد
ما صورته ح وهي حاء مفردة مهملة ولم يأتنا عن أحد ممن يعتمد بيان لأمرها غير
أني وجدت بخط الأستاذ الحافظ أبي عثمان الصابوني والحافظ أبي مسلم عمر بن
علي الليثي البخاري والفقيه المحدث أبي سعيد الخليلي رحمه الله تعالى في مكانها بدلا
عنها صح ههنا
لئلا يتوهم أن حديث هذا الاسناد قد سقط ولئلا يركب الاسناد الثاني على الاسناد الأول
فيجعلا إسنادا واحدا
وحكى لي بعض من جمعتني وإياه الرحلة بخراسان عمن وصفه بالفضل من
الأصبهانيين أنها حاء مهملة من التحويل أي من إسناد إلى إسناد آخر وذاكرت فيها
بعض أهل العلم من أهل الغرب وحكيت له عن بعض من لقيت من أهل الحديث أنها
حاء مهملة إشارة إلى قولنا الحديث فقال لي أهل المغرب وما عرفت بينهم اختلافا
يجعلونها حاء مهملة ويقول أحدهم إذا وصل إليها الحديث وذكر لي أنه سمع
بعض البغداديين يذكر أيضا أنها حاء مهملة وأن منهم من يقول إذا انتهى إليها في القراءة
حا ويمر
وسألت أنا الحافظ الرحال أبا محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي رحمه الله
عنها فذكر أنها حاء من حائل أي تحول بين الاسنادين قال ولا يلفظ بشئ عند
الانتهاء إليها في القراءة وأنكر كونها من الحديث وغير ذلك ولم يعرف غير هذا عن
أحد من مشايخه وفيهم عدد كانوا حفاظ الحديث في وقته
قال المؤلف وأختار أنا والله الموفق أن يقول القارئ عند الانتهاء إليها
حا ويمر فإنه أحوط الوجوه وأعدلها والعلم عند الله تعالى
السادس عشر ذكر الخطيب الحافظ أنه ينبغي للطالب أن يكتب بعد البسملة اسم
131

الشيخ الذي سمع الكتاب منه وكنيته ونسبه ثم يسوق ما سمعه منه على لفظه قال وإذا
كتب الكتاب المسموع فينبغي أن يكتب فوق سطر التسمية أسماء من سمع معه وتاريخ
وقت السماع وإن أحب كتب ذلك في حاشية أول ورقة من الكتاب فكلا قد فعله
شيوخنا
قلت كتبة التسميع حيث ذكره أحوط له وأحرى بأن لا يخفى على من يحتاج
إليه ولا بأس بكتبته آخر الكتاب وفي ظهره وحيث لا يخفى موضعه وينبغي أن يكون
التسميع بخط شخص موثوق به غير مجهول الخط ولا ضير حينئذ في أن لا يكتب
الشيخ المسمع خطه بالتصحيح وهكذا لا بأس على صاحب الكتاب إذا كان موثوقا به
أن يقتصر على إثبات سماعه بخط نفسه فطالما فعل الثقات ذلك
وقد حدثني بمرو الشيخ أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد المروزي عن أبيه عمن
حدثه من الأصبهانية أن عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن منده قرأ ببغداد جزء على أبي
أحمد الفرضي وسأله خطه ليكون حجة له فقال له أبو أحمد يا بني عليك
بالصدق فإنك إذا عرفت به لا يكذبك أحد وتصدق فيما تقول وتنقل وإذا كان غير
ذلك فلو قيل لك ما هذا خط أبي أحمد الفرضي ما ذا تقول لهم
ثم إن على كاتب التسميع التحري والاحتياط وبيان السامع والمسموع منه بلفظ
غير محتمل ومجانبة التساهل فيمن يثبت اسمه والحذر من إسقاط اسم أحد منهم
لغرض فاسد فإن كان مثبت السماع غير حاضر في جميعه لكن أثبته معتمدا على إخبار
من يثق بخبره من حاضريه فلا بأس بذلك إن شاء الله تعالى ثم إن من ثبت سماعه في
كتابه فقبيح به كتمانه إياه ومنعه من نقل سماعه ومن نسخ الكتاب وإذا أعاره إياه فلا
يبطئ به روينا عن الزهري أنه قال إياك وغلول الكتب قيل له وما غلول
الكتب قال حبسها عن أصحابها وروينا عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه أنه
قال ليس من فعال أهل الورع ولا من فعال الحكماء أن يأخذ سماع رجل فيحبسه
عنه ومن فعل ذلك فقد ظلم نفسه وفي رواية ولا من فعال العلماء أن يأخذ سماع
رجل وكتابه فيحبسه عليه فإن منعه إياه فقد روينا أن رجلا ادعى على رجل بالكوفة
سماعا منعه إياه فتحاكما إلى قاضيها حفص بن غياث فقال لصاحب الكتاب أخرج
إلينا كتبك فما كان من سماع هذا الرجل بخط يدك ألزمناك وما كان بخطه أعفيناك منه
قال بن خلاد سألت أبا عبد الله الزبيري عن هذا فقال لا يجئ في هذا الباب حكم
أحسن من هذا لان خط صاحب الكتاب دال على رضاه باستماع صاحبه معه
132

قال بن خلاد وقال غيره ليس بشئ
وروى الخطيب الحافظ أبو بكر عن إسماعيل بن إسحاق القاضي أنه تحوكم إليه
في ذلك فأطرق مليا ثم قال للمدعى عليه إن كان سماعه في كتابك بخطك فيلزمك أن
تعيره وإن كان سماعه في كتابك بخط غيرك فأنت أعلم
قلت حفص بن غياث معدود في الطبقة الأولى من أصحاب أبي حنيفة وأبو
عبد الله الزبيري من أئمة أصحاب الشافعي وإسماعيل بن إسحاق لسان أصحاب مالك
وإمامهم وقد تعاضدت أقوالهم في ذلك ويرجع حاصلها إلى أن سماع غيره إذا ثبت
في كتابه برضاه فيلزمه إعارته إياه وقد كان لا يبين لي وجهه ثم وجهته بأن ذلك
بمنزلة شهادة له عنده فعليه أداؤها بما حوته وإن كان فيه بذل ماله كما يلزم متحمل
الشهادة أداؤها وإن كان فيه بذل نفسه بالسعي إلى مجلس الحكم لأدائها والعلم
عند الله تبارك وتعالى ثم إذا نسخ الكتاب فلا ينقل سماعه إلى نسخته إلا بعد المقابلة
المرضية وهكذا لا ينبغي لأحد أن ينقل سماعا إلى شئ من النسخ أو يثبته فيها عند
السماع ابتداء الا بعد المقابلة المرضية بالمسموع كيلا يغتر أحد بتلك النسخة غير
المقابلة إلا أن يبين مع النقل وعنده كون النسخة غير مقابلة والله أعلم
النوع السادس والعشرون
في صفة رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك
وقد سبق بيان كثير منه في ضمن النوعين قبله
شدد قوم في الرواية فأفرطوا وتساهل فيها آخرون ففرطوا
ومن مذاهب التشديد مذهب من قال لا حجة إلا فيما رواه الراوي من حفظه
وتذكره وذلك مروي عن مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما وذهب إليه من أصحاب
الشافعي أبو بكر الصيدلاني المروزي ومنها مذهب من أجاز الاعتماد في الرواية على
كتابه غير أنه لو أعار كتابه وأخرجه من يده لم ير الرواية منه لغيبته عنه
وقد سبقت حكايتنا لمذاهب عن أهل التساهل وإبطالها في ضمن ما تقدم من
شرح وجوه الاخذ والتحمل ومن أهل التساهل قوم سمعوا كتبا مصنفة وتهاونوا حتى
إذا طعنوا في السن واحتيج إليهم حملهم الجهل والشره على أن رووها من نسخ مشتراه
أو مستعارة غير مقابلة فعدهم الحاكم أبو عبد الله الحافظ في طبقات المجروحين قال
133

وهم يتوهمون أنهم في روايتها صادقون وقال هذا مما كثر في الناس وتعاطاه قوم
من أكابر العلماء والمعروفين بالصلاح
قلت ومن المتساهلين عبد الله بن لهيعة المصري ترك الاحتجاج بروايته مع
جلالته لتساهله ذكر عن يحيى بن حسان أنه رأى قوما معهم جزء سمعوه من بن لهيعة
فنظر فيه فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث بن لهيعة فجاء إلى بن لهيعة فأخبره
بذلك فقال ما اصنع يجيئوني بكتاب فيقولون هذا من حديثك فأحدثهم به
ومثل هذا واقع من شيوخ زماننا يجئ إلى أحدهم الطالب بجزء أو كتاب فيقول هذا
روايتك فيمكنه من قراءته عليه مقلدا له من غير أن يبحث بحيث يحصل له الثقة بصحة
ذلك
والصواب ما عليه الجمهور وهو التوسط بين الافراط والتفريط فإذا قام الراوي
في الاخذ والتحمل بالشرط الذي تقدم شرحه وقابل كتابه وضبط سماعه على الوجه
الذي سبق ذكره جازت له الرواية منه وإن أعاره وغاب عنه إذا كان الغالب من أمره
سلامته من التغيير والتبديل لا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه في الغالب لو غير
شئ منه وبدل تغييره وتبديله وذلك لان الاعتماد في باب الرواية على غالب الظن
فإذا حصل أجزأ ولم يشترط مزيد عليه والله أعلم
تفريعات
أحدها إذا كان الراوي ضريرا ولم يحفظ حديثه من فم من حدثه واستعان
بالمأمونين في ضبط سماعه وحفظ كتابه ثم عند روايته في القراءة منه عليه واحتاط في
ذلك على حسب حاله بحيث يحصل معه الظن بالسلامة من التغيير صحت روايته غير
أنه أولى بالخلاف والمنع من مثل ذلك من البصير قال الخطيب الحافظ والسماع
من البصير الأمي والضرير اللذين لم يحفظا من المحدث ما سمعاه منه لكنه كتب لهما
بمثابة واحدة قد منع منه غير واحد من العلماء ورخص فيه بعضهم والله أعلم
الثاني إذا سمع كتابا ثم أراد روايته من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي مقابلة
بنسخة سماعه غير أنه سمع منها علي شيخه لم يجز له ذلك قطع به الإمام أبو نصر بن
الصباغ الفقيه فيما بلغنا عنه وكذلك لو كان فيها سماع شيخه أو روي منها ثقة عن
شيخه فلا تجوز له الرواية منها اعتمادا علي مجرد ذلك إذ لا يؤمن أن تكون فيها زوائد
ليست في نسخة سماعه ثم وجدت الخطيب قد حكي مصداق ذلك عن أكثر أهل
الحديث فذكر فيما إذا وجد أصل المحدث ولم يكتب فيه سماعه أو وجد نسخة كتبت
134

عن الشيخ تسكن نفسه إلي صحتها ان عامة أصحاب الحديث منعوا من روايته من ذلك
وجاء عن أيوب السختياني ومحمد بن بكر البرساني الترخص فيه
قلت اللهم الا أن تكون له إجازة من شيخه عامة لمروياته أو نحو ذلك فيجوز له
حينئذ الرواية منها إذ ليس فيه أكثر من رواية تلك الزيادات بالإجازة بلفظ أخبرنا أو
حدثنا من غير بيان للإجازة فيها والامر فيه ذلك قريب يقع مثله في محل التسامح
وقد حكينا فيما تقدم انه لا غني في كل سماع عن الإجازة ليقع ما يسقط في السماع علي
وجه السهو وغيره من كلمات أو أكثر مرويا بالإجازة وان لم يذكر لفظها فإن كان الذي
في النسخة سماع شيخ شيخه أو هي مسموعة علي شيخ شيخه أو مروية عن شيخ شيخه
فينبغي له حينئذ في روايته منها أن تكون له إجازة شاملة من شيخه ولشيخه إجازة شاملة
من شيخه وهذا تيسير حسن هدانا الله له وله الحمد والحاجة إليه ماسة في زماننا
جدا والله أعلم
الثالث إذا وجد الحافظ في كتابه خلاف ما يحفظه نظر فإن كان إنما حفظ ذلك
من كتابه فليرجع إلي ما في كتابه وإن كان حفظه من فم المحدث فليعتمد حفظه دون ما
في كتابه إذا لم يتشكك وحسن ان يذكر الامرين في روايته فيقول حفظي كذا وفي
كتابي كذا هكذا فعل شعبة وغيره وهكذا إذا خالفه فيما يحفظه بعض الحفاظ فليقل
حفظي كذا وكذا وقال فيه فلان أو قال فيه غيري كذا وكذا أو شبه هذا من الكلام
كذلك فعل سفيان الثوري وغيره والله أعلم
الرابع إذا وجد سماعه في كتابه وهو غير ذاكر لسماعه ذلك فعن أبي حنيفة
رحمه الله وبعض أصحاب الشافعي رحمه الله أنه لا يجوز له روايته ومذهب
الشافعي رحمه الله وأكثر أصحابه وأبي يوسف ومحمد أنه يجوز له روايته
قلت هذا الخلاف ينبغي أن يبنى على الخلاف السابق قريبا في جواز
اعتماد الراوي على كتابه في ضبط ما سمعه فإن ضبط أصل السماع كضبط
المسموع فكما كان الصحيح وما عليه أكثر أهل الحديث تجويز الاعتماد على
الكتاب المصون في ضبط المسموع حتى يجوز له أن يروي ما فيه وإن كان لا
يذكر أحاديثه حديثا حديثا كذلك ليكن هذا إذا وجد شرطه وهو أن يكون السماع
بخطه أو بخط من يثق به والكتاب مصون بحيث يغلب على الظن سلامة ذلك من
تطرق التزوير والتغيير إليه على نحو ما سبق ذكره في ذلك وهذا إذا لم يتشكك
فيه وسكنت نفسه إلى صحته فإن تشكك فيه لم يجز الاعتماد عليه والله أعلم
135

الخامس إذا أراد رواية ما سمعه على معناه دون لفظه فإن لم يكن عالما
عارفا بالألفاظ ومقاصدها خبيرا بما يحيل معانيها بصيرا بمقادير التفاوت بينها
فلا خلاف أنه لا يجوز له ذلك وعليه أن لا يروي ما سمعه إلا على اللفظ الذي
سمعه من غير تغيير فأما إذا كان عالما عارفا بذلك فهذا مما اختلف فيه السلف
وأصحاب الحديث وأرباب الفقه والأصول فجوزه أكثرهم ولم يجوزه بعض
المحدثين وطائفة من الفقهاء والأصوليين من الشافعيين وغيرهم ومنعه بعضهم
في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازه في غيره
والأصح جواز ذلك في الجميع إذا كان عالما بما وصفناه قاطعا بأنه أدى
معنى اللفظ الذي بلغه لان ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف
الأولين وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا في أمر واحد بألفاظ مختلفة وما
ذلك إلا لان معولهم كان على المعنى دون اللفظ ثم إن هذا الخلاف لا نراه
جاريا ولا أجراه الناس فيما نعلم فيما تضمنته بطون الكتب فليس لأحد أن يغير
لفظ شئ من كتاب مصنف ويثبت بدله فيه لفظا آخر بمعناه فإن الرواية بالمعنى
رخص فيها من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج
والنصب وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب ولأنه إن
ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره والله أعلم
السادس ينبغي لمن روى حديثا بالمعنى أن يتبعه بأن يقول أو كما قال
أو نحو هذا أو ما أشبه ذلك من الألفاظ روي ذلك من الصحابة عن ابن مسعود
وأبي الدرداء وأنس رضي الله عنهم قال الخطيب والصحابة أرباب اللسان وأعلم
الخلق بمعاني الكلام ولم يكونوا يقولون ذلك إلا تخوفا من الزلل لمعرفتهم بما
في الرواية على المعنى من الخطر
قلت وإذا اشتبه على القارئ فيما يقرؤه لفظة فقرأها على وجه يشك فيه ثم
قال أو كما قال فهذا حسن وهو الصواب في مثله لان قوله أو كما قال
يتضمن إجازة من الراوي وإذنا في رواية صوابها عنه إذا بان ثم لا يشترط إفراد
ذلك بلفظ الإجازة لما بيناه قريبا والله أعلم
السابع هل يجوز اختصار الحديث الواحد ورواية بعضه دون بعض
اختلف أهل العلم فيه فمنهم من منع من ذلك مطلقا بناء على القول بالمنع من
136

النقل بالمعنى مطلقا ومنهم من منع من ذلك مع تجويزه النقل بالمعنى إذا لم يكن قد رواه على
التمام مرة أخرى ولم يعلم أن غيره قد رواه على التمام ومنهم من جوز ذلك وأطلق ولم
يفصل وقد روينا عن مجاهد أنه قال انقص من الحديث ما شئت ولا تزد فيه والصحيح
التفصيل وأنه يجوز ذلك من العالم العارف إذا كان ما تركه متميزا عما نقله غير متعلق
به بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة فيما نقله بترك ما تركه
فهذا ينبغي أن يجوز وإن لم يجز النقل بالمعنى لان الذي نقله والذي تركه
والحالة هذه بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر ثم هذا إذا كان
رفيع المنزلة بحيث لا يتطرق إليه في ذلك تهمة نقلة أولا تماما ثم نقله ناقصا أو نقله أولا
ناقصا ثم نقله تاما فأما إذا لم يكن كذلك فقد ذكر الخطيب الحافظ أن من روى حديثا على
التمام وخاف إن رواه مرة أخرى على النقصان أن يتهم بأنه زاد في أول مرة ما لم يكن سمعه
أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث لقلة ضبطه وكثرة غلطه فواجب عليه أن ينفي هذه الظنة
عن نفسه وذكر الإمام أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي الفقيه أن من روى بعض الخبر ثم
أراد أن ينقل تمامه وكان ممن يتهم بأنه زاد في حديثه كان ذلك عذرا له في ترك الزيادة وكتمانها
قلت من كان هذا حاله فليس له من الابتداء أن يروي الحديث غير تام إذا كان قد
تعين عليه أداء تمامه لأنه إذا رواه أولا ناقصا أخرج باقيه الاحتجاج عن حيز الاحتجاج به ودار بين أن لا
يرويه أصلا فيضيعه رأسا وبين أن يرويه متهما فيه فيضيع ثمرته لسقوط الحجة فيه
والعلم عند الله تعالى
وأما تقطيع المصنف متن الحديث الواحد وتفريقه في الأبواب فهو إلى الجواز أقرب
ومن المنع أبعد وقد فعله مالك والبخاري وغير واحد من أئمة الحديث ولا يخلو من
كراهية والله أعلم
الثامن ينبغي للمحدث أن لا يروي حديثه بقراءة لحان أو مصحف روينا عن
النضر بن شميل قال جاءت هذه الأحاديث عن الأصل معربة وأخبرنا أبو بكر بن
أبي المعالي الفراوي قراءة عليه أخبرنا الإمام أبو جدي أبو عبد الله محمد بن الفضل
الفراوي أنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا الإمام أبو
سليمان حمد بن محمد الخطابي حدثني محمد بن معاذ قال أنا بعض أصحابنا
عن أبي داود السنجي قال سمعت الأصمعي يقول إن أخوف ما أخاف على طالب
العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قول النبي صلى الله عليه وسلم من كذب علي فليتبوأ مقعده
من النار لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه
قلت فحق على طالب الحديث أن يتعلم من النحو واللغة ما يتخلص به من شين
137

اللحن والتحريف ومعرتهما روينا عن شعبة قال من طلب الحديث ولم يبصر العربية
فمثله مثل رجل عليه برنس ليس له رأس أو كما قال وعن حماد بن سلمة قال مثل
الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو مثل الحمار عليه مخلاة لا شعيرة فيها
واما التصحيف فسبيل السلامة منه الاخذ من أفواه أهل العلم والضبط فان من حرم
ذلك وكان اخذه وتعلمه من بطون الكتب كان من شانه التحريف ولم يفلت من التبديل
والتصحيف والله أعلم
التاسع إذا وقع في روايته لحن أو تحريف فقد اختلفوا فمنهم من كان بري انه
يرويه علي الخطا كما سمعه وذهب إلي ذلك من التابعين محمد بن سيرين وأبو معمر
عبد الله بن سخبرة وهذا غلو في مذهب اتباع اللفظ والمنع من الرواية بالمعني ومنهم
من رأي تغييره واصلاحه وروايته علي الصواب روينا ذلك عن الأوزاعي وابن المبارك
وغيرهما وهو مذهب المحصلين والعلماء من المحدثين والقول به في اللحن الذي لا
يختلف به المعني وأمثاله لازم علي مذهب تجويز رواية الحديث بالمعني وقد سبق انه
قول الكثرين واما إصلاح ذلك وتغييره في كتابه واصله فالصواب تركه وتقرير ما وقع في
الأصل علي ما هو عليه مع التضبيب عليه وبيان الصواب خارجا في الحاشية فان ذلك
أجمع للمصلحة وأنفى للمفسدة وقد روينا ان بعض أصحاب الحديث رئي في المنام
وكأنه قد مر من شفته أو لسانه شئ فقيل له في ذلك فقال لفظه من حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم غيرتها برأيي ففعل بي هذا وكثيرا ما نرى ما يتوهمه
كثير من أهل العلم خطا وربما غيروه صوابا ذا وجه صحيح وان خفي واستغرب لا سيما
فيما يعدونه خطا من جهة العربية وذلك لكثرة لغات العرب وتشعبها وروينا عن
عبد الله بن أحمد بن حنبل قال كان إذا مر بابي لحن فاحش غيره وإذا كان لحنا سهلا
تركه وقال كذا قال الشيخ
وأخبرني بعض أشياخنا عمن أخبره عن القاضي الحافظ عياض بما معناه
واختصاره ان الذي استمر عليه عمل أكثر الأشياخ ان ينقلوا الرواية كما وصلت إليهم ولا
يغيروها في كتبهم حتى في أحرف من القرآن استمرت الرواية فيها في الكتب على خلاف
التلاوة المجمع عليها ومن غير أن يجئ ذلك في الشواذ ومن ذلك ما وقع في الصحيحين
والموطأ وغيرها لكن أهل المعرفة منهم ينبهون على خطئها عند السماع
والقراءة وفي حواشي الكتب مع تقريرهم ما في الأصول على ما بلغهم ومنهم من
جسر على تغيير الكتب وإصلاحها منهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني
الوقشي فإنه لكثرة مطالعته وافتتانه وثقوب فهمه وحدة ذهنه جسر على الاصلاح
138

كثيرا وغلط في أشياء من ذلك وكذلك غيره ممن سلك مسلكه فالأولى سد باب
التغيير والاصلاح لئلا يجسر على ذلك من لا يحسن وهو أسلم مع التبيين فيذكر ذلك
عند السماع كما وقع ثم يذكر وجه صوابه إما من جهة العربية وإما من جهة الرواية وإن
شاء قرأه أولا على الصواب ثم قال وقع عند شيخنا أو في روايتنا أو من طريق فلان كذا
وكذا وهذا أولى من الأول كيلا يتقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل وأصلح ما يعتمد
عليه في الاصلاح أن يكون ما يصلح به الفاسد قد ورد في أحاديث أخر فإن ذاكره آمن من
أن يكون منقولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل والله أعلم
العاشر إذا كان الاصلاح بزيادة شئ قد سقط فإن لم يكن في ذلك مغايرة في
المعنى فالامر فيه على ما سبق وذلك كنحو ما روي عن مالك رضي الله عنه أنه قيل له
أرأيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم يزاد فيه الواو والألف والمعنى واحد فقال أرجو أن يكون
خفيفا وإن كان الاصلاح بالزيادة يشتمل على معنى مغاير لما وقع في الأصل تأكد فيه
الحكم بأنه يذكر ما في الأصل مقرونا بالتنبيه على ما سقط ليسلم من معرة الخطأ ومن أن
يقول على شيخه ما لم يقل حدث أبو نعيم الفضل بن دكين عن شيخ له بحديث قال
فيه عن بحينة فقال أبو نعيم إنما هو بن بحينة ولكنه قال بحينة وإذا كان من
دون موضع الكلام الساقط معلوما أنه قد أتي به وإنما أسقطه من بعده ففيه وجه آخر
وهو أن يلحق الساقط في موضعه من الكتاب مع كلمة يعني كما فعل الخطيب
الحافظ إذ روى عن ابن عمر بن مهدي عن القاضي المحاملي بإسناده عن عروة عن
عمرة بنت عبد الرحمن يعني عن عائشة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي
رأسه فأرجله قال الخطيب كان في أصل بن مهدي عن عمرة أنها قالت كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فألحقنا فيه ذكر عائشة إذ لم يكن منه بد وعلمنا أن
المحاملي كذلك رواه وإنما سقط من كتاب شيخنا أبي عمر وقلنا فيه يعني عن
عائشة رضي الله عنها لأجل أن بن مهدي لم يقل لنا ذلك وهكذا رأيت غير واحد
من شيوخنا يفعل في مثل هذا ثم ذكر بإسناده عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال
سمعت وكيعا يقول أنا أستعين في الحديث ب يعني
قلت وهذا إذا كان شيخه قد رواه له على الخطأ فأما إذا وجد ذلك في كتابه
وغلب على ظنه أن ذلك من الكتاب لا من شيخه فيتجه ههنا إصلاح ذلك في
كتابه وفي روايته عند تحديثه به معا ذكر أبو داود أنه قال لأحمد بن حنبل
وجدت في كتابي حجاج عن جريج عن أبي الزبير يجوز لي أن أصلحه بن
139

جريج فقال أرجو أن يكون هذا لا بأس به والله أعلم وهذا من قبيل ما إذا درس من
كتابه بعض الاسناد أو المتن فإنه يجوز له استدراكه من كتاب غيره إذا عرف صحته
وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط من كتابه وإن كان في المحدثين من لا
يستجيز ذلك وممن فعل ذلك نعيم بن حماد فيما روي عن يحيى بن معين عنه
قال الخطيب الحافظ ولو بين ذلك في حال الرواية كان أولى وهكذا الحكم
في استثبات الحافظ ما شك فيه من كتاب غيره أو من حفظه وذلك مروي عن
غير واحد من أهل الحديث منهم عاصم وأبو عوانة وأحمد بن حنبل وكان
بعضهم يبين ما ثبته فيه غيره فيقول حدثنا فلان وثبتني فلان كما روي عن
يزيد بن هارون أنه قال أخبرنا عاصم وثبتني شعبة عن عبد الله بن سرجس
وهكذا الامر فيما إذا وجد في أصل كتابه كلمة من غريب العربية أو غيرها غير
مقيدة وأشكلت عليه فجائز أن يسأل عنها أهل العم ويرويها على ما يخبرونه
به روي مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وغيرهما رضي الله
عنهم والله أعلم
الحادي عشر إذا كان الحديث عند الراوي عن اثنين أو أكثر وبين روايتهما
تفاوت في الفظ والمعنى واحد كان له أن يجمع بينهما في الاسناد ثم يسوق
الحدي على لفظ أحدهما خاصة ويقول أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان أو
هذا لفظ فلان قال أو قالا أنا فلان أو ما أشبه ذلك من العبارات
ولمسلم صاحب الصحيح مع هذا في ذلك عبارة أخرى حسنة مثل قوله
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج كلاهما عن أبي خالد قال أبو بكر
حدثنا أبو خالد الأحمر عن الأعمش وساق الحديث فأعادته ثانيا ذكر أحدهما
خاصة إشعار بأن اللفظ المذكور له
وأما إذا لم يخص لفظ أحدهما بالذكر بل أخذ من فلظ هذا ومن لفظ ذاك
وقال أخبرنا فلان وفلان وتقاربا في اللفظ قالا أخبرنا فلان فهذا غير ممتنع
على مذهب تجويز الرواية بالمعنى وقول أبي داو د صاحب السنن حدثنا مسدد
وأبو توبة المعنى قالا حدثنا أبو الأحوص مع أشباه لهذا في كتابه يحتمل أن يكون
من قبيل الأول فيكون اللفظ لمسدد ويوافقه أبو توبة في المعنى ويحتمل أن
يكون من قبيل الثاني فلان يكون قد أورد لفظ أحدهما خاصة بل رواه بالمعنى عن
140

كليهما وهذا الاحتمال يقرب في قوله حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن
إسماعيل المعنى واجد قالا حدثنا أبان
وأما إذا جمع بين جماعة رواة قد اتفقوا في المعنى وليس ما أورده لفظ كل
واحد منهم وسكت عن البيان لذلك فهذا مما عيب به البخاري أو غيره ولا بأس
به على مقتضى مذهب تجويز الرواية بالمعنى
وإذا سمع كتابا مصنفا من جماعة ثم قابل نسخته بأصل بعضهم دون بعض
وأراد أن يذكر جميعهم في الاسناد ويقول واللفظ لفلان كما سبق فهذا يحتمل
أن يجوز كالأول لان ما أورده قد سمعه بنصه ممن ذكر أنه بلفظه ويحتمل أن لا
يجوز لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها بخلاف ما سبق فإنه
اطلع على رواية غير من نسب اللفظ إليه وعلى موافقتهما من حيث المعنى فأخبر
بذلك والله أعلم
الثاني عشر ليس له أن يزيد في نسب من فوق شيخه من رجال الاسناد
على ما ذكره شيخه مدرجا عليه من غير فصل مميز فإن أتى بفصل جاز مثل أن
يقول هو بن فلان الفلاني أو يعني بن فلان ونحو ذلك وذكر الحافظ
الإمام أبو بكر البرقاني رحمه الله في كتاب اللفظ له بإسناده عن علي بن المديني
قال إذا حدثك الرجل فقال حدثنا فلان ولم ينسبه فأحببت أن تنسبه فقل حدثنا
فلان أن فلان بن فلان حدثه والله أعلم
وأما إذا كمان شيخه قد ذكر نسب شيخه أو صفته في أول كتاب أو جزء عند
أول حديث منه واقتصر فيما بعده من الأحاديث على ذكر اسم الشيخ أو بعض نسبه
مثاله أن أروي جزءا عن الفراوي وأقول في أوله أخبرنا أبو بكر منصور بن
عبد المنعم بن عبد الله الفراوي قال أخبرنا فلان وأقول في باقي أحاديثه أخبرنا
منصور أخبرنا منصور فهل يجوز لمن سمع ذلك الجزء مني أن يروي عني
الأحاديث التي بعد الحديث الأول متفرقة ويقول في كل واحد منها أنا فلان
قال أنا أبو بكر منصور بن عبد المنعم بن عبد الله الفراوي قال أنا فلان
وإن لم أذكر له ذلك في كل واحد منها اعتمادا على ذكري له أولا فهذا قد حكى
الخطيب الحافظ عن أكثر أهل العلم أنهم أجازوه وعن بعضهم أن الأولى أن
يقول يعني بن فلان وروى بإسناده عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه كان
141

إذا جاء اسم الرجل غير منسوب قال يعني بن فلان
وروى عن البرقاني بإسناده عن علي بن المديني ما قدمنا ذكره عنه ثم ذكر
أنه هكذا رأى أبا بكر أحمد بن علي الأصبهاني نزيل نيسابور يفعل وكان أحد
الحفاظ المجودين ومن أهل الورع والدين وأنه سأله عن أحاديث كثيرة رواها له
قال فيها أنا أبو عمرو بن حمدان أن أبا يعلى أحمد بن علي بن المثنى
الموصلي أخبرهم وأخبرنا أبو بكر بن المقري أن إسحاق بن أحمد بن نافع
حدثهم وأخبرنا أبو أحمد الحافظ أن أبا يوسف محمد بن سفيان الصفار
أخبرهم فذكر له أنها أحاديث سمعها قراءة على شيوخه في جملة نسخ نسبوا
الذين حدثوهم بها في أولها واقتصروا في بقيتها على ذكر أسمائهم قال وكان
غيره يقول في مثل هذا أخبرنا فلان قال أنا فلان هو بن فلان ثم يسوق نسبه
إلى منتهاه قال وهذا الذي أستحبه لان قوما من الرواة كانوا يقولون فيما أجيز
لهم أخبرنا فلان أن فلانا حدثهم
قلت جميع هذه الوجوه جائز وأولاها أن يقول هو بن فلان أو يعني بن
فلان ثم أن يقول إن فلان بن فلان ثم أن يذكر المذكور في أول الجزء
بعينه من غير فصل والله أعلم
الثالث عشر جرت العادة بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الاسناد خطا
ولا بد من ذكره حالة القراءة لفظا ومما قد يغفل عنه من ذلك ما إذا كان في أثناء
الاسناد قرئ على فلان أخبرك فلان فينبغي للقارئ أن يقول فيه قيل له
أخبرك فلان ووقع في بعض ذلك قرئ على فلان ثنا فلان فهذا يذكر فيه
قال فيقال قرئ على فلان قال ثنا فلان وقد جاء هذا مصرحا به خطأ
هكذا في بعض ما رويناه وإذا تكررت كلمة قال كما في قوله في كتاب
البخاري حدثنا صالح بن حيان قال قال عامر الشعبي حذفوا إحداهما في
الخط وعلى القارئ أن يلفظ بهما جميعا والله أعلم
الرابع عشر النسخ المشهورة المشتملة على أحاديث بإسناد واحد كنسخة
همام بن منبه عن أبي هريرة رواية عبد الرزاق عن معمر عنه ونحوها من النسخ
والاجزاء منهم من يجدد ذكر الاسناد في أول كل حديث منها ويوجد هذا في
كثير من الأصول القديمة وذلك أحوط ومنهم من يكتفي بذكر الاسناد في أولها
142

عند أول حديث منها أو في أول كل مجلس من مجالس سماعها ويدرج الباقي
عليه ويقول في كل حديث بعده وبالاسناد أو وبه وذلك هو الأغلب
الأكثر وإذا أراد من كان سماه على هذا الوجه تفريق لتلك الأحاديث ورواية كل
حديث منها بالاسناد المذكور في أولها جاز له ذلك عند الأكثرين منهم
وكيع بن الجراح ويحيى بن معين وأبو بكر الإسماعيلي وهذا لان الجميع
معطوف على الأول فالاسناد المذكور أولا في حكم المذكور في كل حديث
وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله والله أعلم
ومن المحدثين من أبي إفراد شئ من تلك الأحادي المدرجة بالاسناد
المذكور أولا ورآه تدليسا وسأل بعض أهل الحديث الأستاذ أبا إسحاق
الأسفرائيني الفقيه الأصولي عن ذلك فقال لا يجوز
وعلى هذا من كان سماعه على هذا الوجه فطريقه أن يبين ويحكي ذلك كما
جرى كما فعله مسلم في صحيحه في صحيفة همام بن منبه نحو قوله ثنا
محمد بن رافع قال ثنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن همام بن منبه قال
هذا ما حدثنا أبو هريرة وذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أدنى مقعد
أحدكم في الجنة أن يقول له تمن الحديث وهكذا فعل كثير من المؤلفين
والله أعلم
الخامس عشر إذا قدم ذكر المتن على الاسناد أو ذكر المتن وبعض الاسناد
ثم ذكر الاسناد عقيبه على الاتصال مثل أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا
أو يقول روى عمرو بن دينا رعن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا ثم يقول
أخبرنا به فلان قال أخبرنا فلان ويسوق الاسناد حتى يتصل بما قدمه فهذا
يلتحق بما إذا قدم الاسناد في كونه يصير به مسندا للحديث لا مرسلا له فلو أراد
من سمعه منه هكذا أن يقدم الاسناد ويؤخر المتن ويلفقه كذلك فقد ورد عن بعض
من تقدم من المحدثين أنه جوز ذلك
قلت ينبغي أن يكون فيه خلاف نحو الخلاف في تقديم بعض متن الحديث
على بعض وقد حكى الخطيب المنع من ذلك على القول بان الرواية على المعنى
لا تجوز والجواز على القول بأن الرواية على المعنى تجوز ولا فرق بينهما في
ذلك والله أعلم
143

وأما ما يفعله بعضهم من إعادة ذكر الاسناد في آخر الكتاب أو الجزء بعد
ذكره أولا فهذا لا يرفع الخلاف الذي تقدم ذكره في إفراد كل حديث بذلك الاسناد
عند روايتها لكونه لا يقع متصلا بكل واحد منها ولكنه بفيد تأكيدا واحتياطا
ويتضمن إجازة بالغة من أعلى أنواع الإجازات والله أعلم
السادس عشر إذا روى المحدث الحديث بإسناد ثم اتبعه بإسناد آخر وقال
عند انتهائه مثله فأراد الراوي عنه أن يقتصر على الاسناد الثاني ويسوق لفظ
الحديث المذكور عقيب الاسناد الأول فالأظهر المنع من ذلك
وروينا عن أبي بكر الخطيب الحافظ رحمه الله قال كان شعبة لا يجيز
ذلك وقال بعض أهل العلم يجوز ذلك إذا عرف أن المحدث ضابط متحفظ
يذهب إلى تمييز الألفاظ وعد الحروف فإن لم يعرف ذلك منه لم يجز ذلك
وكان غير واحد من أهل العلم إذا روى مثل هذا يورد الاسناد ويقول مثل حدية
قبله متنه كذا وكذا ثم يسوقه وكذلك إذا كان المحدث قد قال نحوه قال وهذا
هو الذي أختاره أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن أبي منصور علي بن علي
البغدادي شيخ الشيوخ بها بقراءتي عليه بها قال أنا والدي رحمه الله قال أنا أبو
محمد عبد الله بن محمد الصريفيني قال أنا أبو القاسم بن حبابة قال حدثنا أبو
القاسم عبد الله بن محمد البغوي قال ثنا عمرو بن محمد الناقد قال ثنا وكيع
قال قال شعبة فلان عن فلان مثله لا يجزئ قال وكيع وقال سفيان
الثوري يجزئ
وأما إذا قال نحوه فهو في ذلك عند بعضهم كما إذا قال مثله ونبئنا بإسناد
عن وكيع قال قال سفيان إذا قال نحوه فهو حديث وقال شعبة نحوه شك وعن
يحيى بن معين أنه أجاز ما قدمنا ذكره في قوله مثله ولم يجزه في قوله نحوه
قال الخطيب وهذا القول على مذهب من لم يجز الرواية على المعنى فأما على مذهب
من أجازها فلان فرق بين مثله ونحوه
قلت هذا له تعلق بما رويناه عن مسعود بن علي السجزي أنه سمع الحاكم
أبا عبد الله الحافظ يقول إن مما يلزم الحديثي من الضبط والاتقان أن يفرق بين أن
يقول مثله أو يقول نحوه فلا يحل له أن يقول مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على
لفظ واحد ويحل أن يقول نحوه إذا كان على مثل معانيه والله أعلم
144

السابع عشر إذا ذكر الشيخ إسناد الحديث ولم يذكر من متنه الا طرفا ثم قال
وذكر الحديث أو قال وذكر الحديث بطوله فأراد الراوي عنه أن يروي عنه الحديث
بكماله وبطوله فهذا ألوى بالمنع مما سبق ذكره في قوله مثله أو نحوه فطريقه أن
يبين ذلك بأن يقتص ما ذكره الشيخ على وجهه ويقول قال وذكر الحديث بطوله ثم
يقول والحديث بطوله هو كذا وكذا ويسوقه إلى آخره وسأل بعض أهل الحديث
أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الشافعي المقدم في الفقه والأصول عن ذلك فقال لا
يجوز لمن سمع على هذا الوصف أن يروي الحديث بما فيه من الألفاظ على التفصيل
وسأل أبو بكر البرقاني الحافظ الفقيه أبا بكر الإسماعيلي الحافظ الفقيه عمن قرأ إسناد
حديث على الشيخ ثم قال وذكر الحديث هل يجوز أن يحدث بجميع الحديث
فقال إذا عرف المحدث والقارئ ذلك الحديث فأرجو أن يجوز ذلك والبيان أولى أن
يقول كما كان
قلت إذا جوزنا ذلك فالتحقيق فيه أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ
لكنها إجازة أكيدة قوية من جهات عديدة فجاز لهذا مع كون أوله سماعا ادراج الباقي
عليه من غير افراد له بلفظ الإجازة والله أعلم
الثامن عشر الظاهر أنه لا يجوز تغيير عن النبي إلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا
بالعكس وإن جازت الرواية بالمعنى فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى والمعنى في
هذا مختلف وثبت عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه رأى أباه إذا كان في الكتاب
النبي فقال المحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب وكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال
الخطيب أبو بكر هذا غير لازم وإنما استحب أحمد اتباع المحدث في لفظه وإلا
فمذهبه الترخيص في ذلك ثم ذكر بإسناده عن صالح بن أحمد بن حنبل قال قلت
لأبي يكون في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعل الانسان قال النبي صلى الله عليه وسلم قال
أرجو أن لا يكون به بأس وذكر الخطيب بسنده عن حماد بن سلمة أنه كان يحدث
وبين يديه عفان وبهز فجعلا يغيران النبي صلى الله عليه وسلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما
حماد أما أنتما فلا تفقهان أبدا والله أعلم
التاسع عشر إذا كان سماعه على صفة فيها بعض الوهن فعليه أن يذكرها في حالة
الرواية فان في إغفالها نوعا من التدليس وفيما مضى لنا أمثلة لذلك ومن أمثلته ما
إذا حدثه المحدث من حفظه في حالة المذاكرة فليقل حدثنا فلان مذاكرة أو حدثناه في
المذاكرة فقد كان غير واحد من متقدم العلماء يفعل ذلك وكان جماعة من
145

حفاظهم يمنعون من أن يحمل عنهم في المذاكرة شئ منهم عبد الرحمن بن مهدي
وأبو زرعة الرازي ورويناه عن ابن المبارك وغيره وذلك لما قد يقع فيها من المساهلة
مع أن الحفظ خوان ولذلك امتنع جماعة من أعلام الحفاظ من رواية ما يحفظونه إلا
من كتبهم منهم أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم
العشرون إذا كان الحديث عن رجلين أحدهما مجروح مثل أن يكون عن ثابت
البناني وأبان بن أبي عياش عن أنس فلا يستحسن إسقاط المجروح من الاسناد
والاقتصار على ذكر الفقه خوفا من أن يكون فيه عن المجروحين شئ لم يذكره الثقة قال
نحوا من ذلك أحمد بن حنبل ثم الخطيب أبو بكر قال الخطيب وكان مسلم بن
الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح من الاسناد ويذكر الثقة ثم يقول وآخر كناية
عن المجروح قال وهذا القول لا فائدة فيه
قلت وهكذا ينبغي إذا كان الحديث عن رجلين ثقتين أن لا يسقط أحدهما منه
لتطرق مثل الاحتمال المذكور إليه وإن كان محذور الاسقاط فيه أقل ثم لا يمتنع ذلك
في الصورتين امتناع تحريم لأن الظاهر اتفاق الراويين وما ذكر من الاحتمال نادر بعيد
فإنه من الادراج الذي لا يجوز تعمده كما سبق في نوع المدرج والله أعلم
الحادي والعشرون إذا سمع بعض حديث من شيخ وبعضه من شيخ اخر فخلطه
ولم يميزه وعزي الحديث جمله إليهما مبينا ان عن أحدهما بعضه وعن الاخر بعضه
فذلك جائز كما فعل الزهري في حديث الإفك حيث رواه عن عروة وابن المسيب
وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها
وقال وكلهم حدثني طائفة من حديثها قالوا قالت الحديث ثم إنه ما من
شئ من ذلك الحديث الا وهو في الحكم كأنه رواه عن أحد الرجلين علي الابهام
حتى إذا كان أحدهما مجروحا لم يجز الاحتجاج بشئ من ذلك الحديث وغير جائز
لأحد بعد اختلاط ذلك أن يسقط ذكر أحد الراويين ويروي الحديث عن الاخر وحده
بل يجب ذكرهما جميعا مقرونا بالافصاح بان بعضه عن أحدهما وبعضه عن الاخر
والله أعلم
النوع السابع والعشرون
معرفة آداب المحدث
وقد مضي طرف منها اقتضته الأنواع التي قبله
146

علم الحديث علم شريف يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وينافر
مساوئ الأخلاق ومشاين الشيم وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا فمن أراد
التصدي لإسماع الحديث أو لإفادة شئ من علومه فليقدم تصحيح النية واخلاصها
وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها وليحذر بلية حب الرياسة ورعوناتها
وقد اختلف في السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث
والانتصاب لروايته والذي نقوله انه متى احتيج إلي ما عنده استحب له التصدي لروايته
ونشره في أي سن كان وروينا عن القاضي الفاضل أبي محمد بن خلاد رحمه الله أنه قال
الذي يصح عندي من طريق الأثر والنظر في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به ان
يحدث هو ان يستوفي الخمسين لأنها انتهاء الكهولة وفيها مجتمع الأشد قال
سحيم بن وثيل
أخو خمسين مجتمع أشدي * ونجذني مداورة الشؤون
قال وليس بمنكر ان يحدث عند استيفاء الأربعين لأنها حد الاستواء ومنتهى
الكمال نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بن أربعين وفي الأربعين تتناهى عزيمة الانسان
وقوته ويتوفر عقله ويجود رأيه
وأنكر القاضي عياض ذلك علي بن خلاد وقال كم من السلف المتقدمين ومن
بعدهم من المحدثين من لم ينته إلي هذا السن ومات قبله وقد نشر من الحديث والعلم
ما لا يحصي هذا عمر بن عبد العزيز توفي ولم يكمل الأربعين وسعيد بن جبير لم
يبلغ الخمسين وكذلك إبراهيم النخعي وهذا مالك بن أنس جلس للناس بن نيف
وعشرين وقيل بن سبع عشرة والناس متوافرون وشيوخه احياء وكذلك محمد بن
إدريس الشافعي قد اخذ عنه العلم في سن الحداثة وانتصب لذلك والله أعلم
قلت ما ذكره بن خلاد غير مستنكر وهو محمول علي انه قاله فيمن يتصدى
للتحديث ابتداء من نفسه غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكره فهذا
إنما ينبغي له ذلك بعد استيفاء السن المذكور فإنه مظنة الاحتياج إلي ما عنده واما
الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم
147

تقدمت ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك أو لأنهم سئلوا ذلك اما
بصريح السؤال واما بقرينة الحال
وأما السن الذي إذا بلغه المحدث انبغى له الامساك عن التحديث فهو السن الذي
يخشى عليه فيه من الهرم والخرف ويخاف عليه فيه أن يخلط ويروي ما ليس من حديثه
والناس في بلوغ هذه السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم وهكذا إذا عمي وخاف
أن يدخل عليه ما ليس من حديثه فليمسك عن الرواية وقال بن خلاد أعجب إلي أن
يمسك في الثمانين لأنه حد الهرم فإن كان عقله ثابتا ورأيه مجتمعا يعرف حديثه ويقوم
به وتحرى أن يحدث احتسابا رجوت له خيرا ووجه ما قاله أن من بلغ الثمانين
ضعف حاله في الغالب وخيف عليه الاختلال والاخلال وأن لا يفطن له إلا بعد أن
يخلط كما اتفق لغير واحد من الثقات منهم عبد الرزاق وسعيد بن أبي عروبة وقد
حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن فساعدهم التوفيق وصحبتهم السلامة منهم أنس بن
مالك وسهل بن سعد وعبد الله بن أبي أوفى من الصحابة ومالك والليث وابن
عيينة وعلي بن الجعد في عدد جم من المتقدمين والمتأخرين وفيهم غير واحد
حدثوا بعد استيفاء مائة سنة منهم الحسن بن عرفة وأبو القاسم البغوي وأبو إسحاق
الهجيمي والقاضي أبو الطيب الطبري رضي الله عنهم أجمعين والله أعلم
ثم إنه لا ينبغي للمحدث ان يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك وكان إبراهيم
والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشئ وزاد بعضهم فكره الرواية ببلد فيه من
المحدثين من هو أولى منه لسنه أو ليغر ذلك روينا عن يحيى بن معين قال إذا
حدثت في بلد فيه مثل أبي مسهر فيجب للحيتي أن تحلق وعنه أيضا إن الذي
يحدث بالبلدة وفيها من هو ألوى بالتحديث منه أحمق وينبغي للمحدث إذا
التمس منه ما يعلمه عند غيره في بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من وجه
آخر أن يعلم الطالب به ويرشده إليه فإن الدين النصيحة ولا يمتنع من تحديث أحد
لكونه غير صحيح النية فيه فإنه يرجى له حصول النية من بعد روينا عن معمر قال كان
يقال إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيأبى عليه العلم حتى يكن لله عز وجل
وليكن حريصا على نشره مبتغيا جزيل أجره وقد كان في السلف رضي الله عنهم من
يتألف الناس على حديثه منهم عروة بن الزبير رضي الله عنهما والله أعلم
وليقتد بمالك رضي الله عنه فيما أخبرناه أبو القاسم الفراوي بنيسابور قال
أنا أبو المعالي الفارسي قال أنا أبو بكر البيهقي الحافظ قال أنا أبو عبد الله
148

الحافظ قال أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني قال حدثنا
جدي قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال كان مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث
توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة
وحدث فقيل له في ذلك فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحدث
إلا على طهارة متمكنا وكان يكره أن يحدث في الطريق أو هو قائم أو يستعجل
وقال أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي أيضا عنه أنه كان يغتسل
لذلك ويتبخر ويتطيب فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبره وقال قال الله تعالى
يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي فمن رفع صوته عند
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروينا أو بلغنا عن محمد بن أحمد بن عبد الله الفقيه أنه قال القارئ لحديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام لأحد فإنه يكتب عليه خطيئة ويستحب له مع أهل مجلسه ما ورد
عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم
جميعا والله أعلم
ولا يسرد الحديث سردا يمنع السامع من إدراك بعضه وليفتتح مجلسه وليختتمه
بذكر ودعاء يليق بالحال ومن أبلغ ما يفتتحه به أن يقول الحمد لله رب العالمين
أكمل الحمد على كل حال والصلاة والسلام الأتمان على سيد المرسلين كلما ذكره
الذاكرون وكلما غفل عن ذكره الغافلون اللهم صل عليه وعلى آله وسائر النبيين وآل
كل وسائر الصالحين نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون
ويستحب للمحدث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث فإنه من أعلى مراتب
الراوين والسماع فيه من أحسن وجوه التحمل وأقواها وليتخذ مستمليا يبلغ عنه إذا كثر
الجمع فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدين لمثل ذلك وممن روي عنه ذلك
مالك وشعبة ووكيع وأبو عاصم ويزيد بن هارون في عدد كثير من الاعلام
السالفين وليكن مستمليه محصلا متيقظا كيلا يقع في مثل ما روينا أن يزيد بن هارون
سئل عن حديث فقال حدثنا به عدة فصاح به مستمليه يا أبا خالد عدة بن
من فقال له عدة بن فقدتك
وليستمل على موضع مرتفع من كرسي أو نحوه فإن لم يجد استملى قائما
وعليه أن يتبع لفظ المحدث فيؤديه على وجهه من غير خلاف والفائدة في استملاء
149

المستملي توصل من يسمع لفظ المملي على بعد منه إلى تفهمه وتحققه بإبلاغ
المستملي وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملي فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك
عن المملي مطلقا من غير بيان للحال فيه وفي هذا كلام قد تقدم من النوع الرابع
والعشرين
ويستحب افتتاح المجلس بقراءة قارئ لشئ من القرآن العظيم فإذا فرغ
استنصت المستملي أهل المجلس إن كان فيه لغط ثم يبسمل ويحمد الله تبارك وتعالى
ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتحرى الأبلغ في ذلك ثم يقبل على المحدث ويقول
من ذكرت أو ما ذكرت رحمك الله أو غفر الله لك أو نحو ذلك والله أعلم وكلما انتهى إلى ذكر
النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه وذكر الخطيب أنه يرفع صوته بذلك وإذا انتهى إلى ذكر الصحابي
قال رضي الله عنه ويحسن بالمحدث الثناء على شيخه في حالة الرواية عنه بما هو
أهل له فقد فعل ذلك غير واحد من السلف والعلماء كما روي عن عطاء بن أبي رباح أنه
كان إذا حدث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال حدثني البحر وعن وكيع أنه قال
حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث وأهم من ذلك الدعاء له عند ذكره فلا
يغفلن عنه
ولا بأس بذكر من يروي عنه بما يعرف به من لقب كغندر لقب محمد بن جعفر
صاحب شعبة ولوين لقب محمد بن سليمان المصيصي أو نسبة إلى أم عرف بها
كيعلى بن منبه الصحابي وهو بن أمية ومنبه أمه وقيل جدته أم أبيه أو وصف بصفة
نقص في جسده عرف كسليمان الأعمش وعاصم الأحول إلا ما يكرهه من
ذلك كما في إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية وهي أمه وقيل أم أمه روينا
عن يحيى بن معين أنه كان يقول حدثنا إسماعيل بن علية فنهاه أحمد بن حنبل
وقال قل إسماعيل بن إبراهيم فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه فقال
قد قبلنا منك يا معلم الخير
وقد استحب للمملي أن يجمع في إملائه بين الرواية عن جماعة من شيوخه مقدما
للأعلى إسنادا أو الأولى من وجه آخر ويملي عن كل شيخ منهم حديثا واحدا ويختار
ما علا سنده وقصر متنه فإنه أحسن وأليق وينتقي ما يمليه ويتحرى المستفاد منه وينبه
على ما فيه من فائدة وعلو وفضيلة ويتجنب ما لا تحتمله عقول الحاضرين وما يخشى
فيه من دخول الوهم عليهم في فهمه وكان من عادة غير واحد من المذكورين ختم
الاملاء بشئ من الحكايات والنوادر والانشادات بأسانيدها وذلك حسن والله أعلم
150

وإذا قصر المحدث عن تخريج ما يمليه فاستعان ببعض حفاظ وقته فخرج له فلا
بأس بذلك قال الخطيب كان جماعة من شيوخنا يفعلون ذلك وإذا نجز الاملاء
فلا غنى عن مقابلته وإتقانه وإصلاح ما فسد منه بزيغ القلم وطغيانه هذه عيون من آداب
المحدث اجتزأنا بها معرضين عن التطويل بما ليس من مهماتها أو هو ظاهر ليس من
مستبهماتها والله الموفق وهو أعلم
النوع الثامن والعشرون
معرفة آداب طالب الحديث
وقد اندرج طرف منه في جملة ما تقدم
فأول ما عليه تحقيق الاخلاص والحذر من أن يتخذه وصلة إلى شئ من
الأغراض الدنيوية روينا عن حماد بن سلمة رضي الله عنه أنه قال من طلب الحديث
لغير الله مكر به وروينا عن سفيان الثوري رضي الله عنه قال ما أعلم عملا هو أفضل
من طلب الحديث لمن أراد الله به وروينا نحوه عن ابن المبارك رضي الله عنه ومن
أقرب الوجوه في إصلاح النية فيه ما روينا عن أبي عمرو إسماعيل بن نجيد أنه سأل
أبا جعفر أحمد بن حمدان وكانا عبدين صالحين فقال له بأي نية أكتب الحديث
فقال ألستم تروون أن عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة قال نعم قال
فرسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الصالحين
وليسأل الله تبارك وتعالى التيسير والتأييد والتوفيق والتسديد وليأخذ نفسه
بالأخلاق الزكية والآداب الرضية فقد روينا عن أبي عاصم النبيل قال من طلب هذا
الحديث فقد طلب أعلى أمور الدين فيجب أن يكون خير الناس
وفي السن الذي يستحب فيه الابتداء بسماع الحديث وبكتبته اختلاف سبق بيانه
في أول النوع الرابع والعشرين وإذا أخذ فيه فليشمر عن ساق جهده واجتهاده ويبدأ
بالسماع من أسند شيوخ مصره ومن الأولى فالأولى من حيث العلم أو الشهرة أو الشرف
أو غير ذلك وإذا فرغ من سماع العوالي والمهمات التي ببلده فليرحل إلى غيره روينا
عن يحيى بن معين أنه قال أربعة لا تؤنس منهم رشدا حارس الدرب ومنادي
القاضي وابن المحدث ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث وروينا
عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قيل له أيرحل الرجل في طلب العلو فقال
بلى والله شديدا لقد كان علقمة والأسود يبلغهما الحديث عن عمر رضي الله عنه فلا
151

يقنعهما حتى يخرجا إلى عمر رضي الله عنه فيسمعانه منه والله أعلم وعن إبراهيم بن أدهم
رضي الله عنه قال إن الله تعالى يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب
الحديث ولا يحملنه الحرص والشره على التساهل في السماع والتحمل والاخلال
بما يشترط عليه على ما تقدم شرحه
وليستعمل ما يسمعه من الأحاديث الواردة بالصلاة والتسبيح وغيرهما من
الأعمال الصالحة فذلك زكاة الحديث على ما روينا عن العبد الصالح بشر بن الحارث
الحافي رضي الله عنه وروينا عنه أيضا أنه قال يا أصحاب الحديث أدوا زكاة هذا
الحديث اعملوا من كل مئتي حديث بخمسة أحاديث وروينا عن عمرو بن قيس
الملائي رضي الله عنه قال إذا بلغك شئ من الخير فاعمل له ولو مرة تكن من أهله
وروينا عن وكيع قال إذا أرت أن تحفظ الحديث فاعمل به وليعظم شيخه ومن
يسمع منه فذلك من أجلال الحديث والعلم ولا يثقل عليه ولا يطول بحيث يضجره
فإنه يخشى على فاعل ذلك أن يرحم الانتفاع وقد روينا عن الزهري أنه قال إذا طال
المجلس كان للشيطان فيه نصيب
والله أعلم ومن ظفر من الطلبة بسماع شيخ فكتمه غيره لينفرد به عنهم كان جديرا بأن لا
ينتفع به وذلك من اللؤم الذي يقع فيه جهلة الطلبة الوضعاء ومن أول فائدة طلب
الحديث الإفادة روينا عن مالك رضي الله عنه أنه قال من بركة الحديث إفادة بعضهم
بعضا وروينا عن إسحاق بن إبراهيم راهويه أنه قال لبعض من سمع منه في
جماعة انسخ من كتابهم ما قد قرأت فقال إنهم لا يمكنونني قال إذا والله لا
يفلحون قد رأينا أقواما منعوا هذا السماع فوالله ما أفلحوا ولا أنجحوا قلت وقد
رأينا نحن أقواما منعوا السماع فما أفلحوا ولا أنجحوا ونسأل الله العافية والله أعلم
ولا يكن ممن يمنعه الحياء أو الكبر عن كثير من الطلب وقد روينا عن مجاهد
رضي الله عنه أنه قال لا يتعلم مستحي ولا مستكبر وروينا عن عمر بن الخطاب
وابنه رضي الله عنهما أنهما قالا من رق وجهه رق علمه ولا يأنف من أن يكتب
عمن دونه ما يستفيده منه روينا عن وكيع بن الجراح رضي الله عنه أنه قال لا ينبل
الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه
وليس بموفق من ضيع شيئا من وقته في الاستكثار من الشيوخ لمجرد اسم الكثرة
وصيتها وليس من ذلك قول أبي حاتم الرازي إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش
وليكتب وليسمع ما يقع إليه من كتاب أو جزء على التمام ولا ينتخب فقد قال
152

بن المبارك رضي الله عنه ما انتخبت على عالم قط إلا ندمت وروينا عنه أنه قال
لا ينتخب على عالم إلا بذنب وروينا أو بلغنا عن يحيى بن معين أنه قال سيندم
المنتخب في الحديث حين لا تنفعه الندامة فإن ضاقت به الحال عن الاستيعاب
وأوج إلى الانتقاء الانتخاب تولى ذلك بنفسه إن كان أهلا مميزا عارفا بما يصلح
للانتقاء والاختيار وإن كان قاصرا عن ذلك استعان ببعض الحفاظ لينتخب له وقد
كان جماعة من الحفاظ متصدين للانتقاء على الشيوخ والطلبة تسمع وتكتب بانتخابهم
منهم إبراهيم بن أرمة الأصبهاني وأبو عبد الله الحسين بن محمد المعروف بعبيد
العجل وأبو الحسن الدارقطني وأبو بكر الجعابي في آخرين وكانت العادة جارية
برسم الحافظ علامة في أصل الشيخ على ما ينتخبه فكان النعيمي أبو الحسن يعلم
الصاد ممدودة وأبو محمد الخلال بطاء ممدودة وأبو الفضل الفلكي بصورة همزتين
وكلهم يعلم بحبر في الحاشية اليمنى من الورقة وعلم الدارقطني في الحاشية اليسرى
بخط عريض بالحمرة وكان أبو القاسم اللالكائي الحافظ يعلم بخط صغير بالحمرة
على أول إسناد الحديث ولا حجر في ذلك ولكل الخيار ثم لا ينبغي لطالب الحديث
ان يقتصر على سماع الحديث وكتبه دون معرفته وفهمه فيكون قد أتعب نفسه من غير
أن يظفر بطائل وبغير أن يحصل في عداد أهل الحديث بل لم يزد على أن صار من
المتشبهين المنقوصين المتحلين بما هم منه عاطلون
قلت أنشدني أبو المظفر بن الحافظ أبي سعد السمعاني رحمه الله لفظا بمدينة
مرو قال أنشدنا والدي لفظا أو قراءة عليه قال أنشدنا محمد بن ناصر السلامي من
لفظه قال أنشدنا الأديب الفاضل فارس بن الحسين لنفسه
يا طالب العلم الذي ذهبت بمدته الرواية
كن في الرواية ذا العناية بالرواية والدراية
وارو القليل وراعه فالعلم ليس له نهاية
وليقدم العناية بالصحيحين ثم بسنن أبي داود وسنن النسائي وكتاب
الترمذي ضبطا لمشكلها وفهما لخفي معانيها ولا يخدعن عن كتاب السنن الكبير
للبيهقي فإنا لا نعلم مثله في بابه ثم بسائر ما تمس حاجة صاحب الحديث إليه من
كتب المساند كمسند أحمد ومن كتب الجوامع المصنفة في الاحكام المشتملة على
المسانيد وغيرها وموطأ مالك هو المقدم منها ومن كتب علل الحديث ومن أجودها
كتاب العلل عن أحمد بن حنبل وكتاب العلل عن الدارقطني ومن كتب معرفة الرجال
153

وتواريخ المحدثين ومن أفضلها تاريخ البخاري الكبير وكتاب الجرح والتعديل
لابن أبي حاتم ومن كتب الضبط لمشكل الأسماء ومن أكملها كتاب الاكمال لأبي
ناصر بن مأكولا وليكن كلما مر به اسم مشكل أو كلمة من حديث مشكلة بحث عنها
وأودعها قلبه فإنه يجتمع له بذلك علم كثير في يسر وليكن تحفظه للحديث على
التدريج قليلا قليلا مع الأيام والليالي فذلك أحرى بأن يمتع بمحفوظه
وممن ورد ذلك عنه من حفاظ الحديث المتقدمين شعبة وابن علية ومعمر
وروينا عن معمر قال سمعت الزهري يقول من طلب العلم جملة فاته جملة وإنما
يدرك العلم حديثا وحديثين والله أعلم وليكن الاتقان من شأنه فقد قال عبد الرحمن بن مهدي
الحفظ الاتقان
ثم إن المذاكرة بما يتحفظه من أقوى أسباب الامتاع به روينا عن علقمة النخعي
قال تذاكروا الحديث فإن حياته ذكره وعن إبراهيم النخعي قال من سره أن
يحفظ الحديث فليحدث به ولو أن يحدث به من لا يشتهيه وليشتغل بالتخريج
والتأليف والتصنيف إذا استعد لذلك وتأهل له فإنه كما قال الخطيب الحافظ يثبت
الحفظ ويذكي القلب ويشحذ الطبع ويجيد البيان ويكشف الملتبس ويكسب
جميل الذكر ويخلده إلى آخر الدهر وقل ما يمهر في علم الحديث ويقف على غوامضه
ويستبين الخفي من فوائده إلا من فعل ذلك وحدث الصوري الحافظ محمد بن علي
قال رأيت أبا محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ في المنام فقال لي يا أبا عبد الله
خرج وصنف قبل أن يحال بينك وبينه هذا أنا تراني قد حيل بيني وبين ذلك
وللعلماء بالحديث في تصنيفه طريقتان إحداهما التصنيف على الأبواب وهو
تخريجه على أحكام الفقه وغيرها وتنويعه أنواعا وجمع ما ورد في كل حكم وكل نوع
في باب فباب والثانية تصنيفه على المسانيد وجمع حديث كل صحابي وحده وإن
اختلفت أنواعه ولمن اختار ذلك أن يرتبهم على حروف المعجم في أسمائهم وله أن
يرتبهم على القبائل فيبدأ ببني هاشم ثم بالأقرب فالأقرب نسبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وله
أن يرتب على سوابق الصحابة فيبدأ بالعشرة ثم بأهل بدر ثم بأهل الحديبية ثم
بمن أسلم وهاجر بين الحديبية وفتح مكة ويختم بأصاغر الصحابة كأبي الطفيل
ونظرائه ثم بالنساء وهذا أحسن والأول أسهل وفي ذلك من وجوه الترتيب غير
ذلك
ثم إن من أعلى المراتب في تصنيفه تصنيفه معللا بأن يجمع في كل حديث طرفه
154

واختلاف الرواة فيه كما فعل يعقوب بن شيبة في مسنده ومما يعتنون به في التأليف
جمع الشيوخ أي جمع حديث شيوخ مخصوصين كل واحد منهم على انفراده قال
عثمان بن سعيد الدارمي يقال من لم يجمع حديث هؤلاء الخمسة فهو مفلس في
الحديث سفيان وشعبة ومالك وحماد بن زيد وابن عيينة وهم أصول الدين
وأصحاب الحديث يجمعون حديث خلق كثير غير الذين ذكرهم الدارمي منهم أيوب
السختياني والزهري والأوزاعي ويجمعون أيضا التراجم وهي أسانيد يخصون ما
جاء بها بالجمع والتأليف مثل ترجمة مالك عن نافع عن ابن عمر وترجمة سهيل بن
أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وترجمة هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله
عنها في أشباه لذلك كثيرة ويجمعون أيضا أبوابا من أبواب الكتب المصنفة الجامعة
للأحكام فيفردونها بالتأليف فتصير كتبا مفردة نحو باب رؤية الله عز وجل وباب
رفع اليدين وباب القراءة خلف الإمام وغير ذلك ويفردون أحاديث فيجمعون
طرفها في كتب مفردة نحو طرق حديث قبض العلم وحديث الغسل يوم الجمعة
وغير ذلك وكثير من أنواع كتابنا هذا قد أفردوا أحاديثه بالجمع والتصنيف
وعليه في كل ذلك تصحيح القصد والحذر من قصد المكاثرة ونحوه بلغنا عن
حمزة بن محمد الكناني أنه خرج حديثا واحدا من نحو مئتي طريق فأعجبه ذلك فرأى
يحيى بن معين في منامه فذكر له ذلك فقال له أخشى أن يدخل هذا تحت ألهاكم
التكاثر ثم ليحذر أن يخرج إلى الناس ما يصنفه إلا بعد تهذيبه وتحريره وإعادة النظر
فيه وتكريره وليتق أن يجمع ما لم يتأهل بعد لاجتناء ثمرته واقتناص فائدة جمعه كيلا
يكون حكمه ما رويناه عن علي بن المديني قال إذا رأيت الحدث أول ما يكتب
الحديث يجمع حديث الغسل وحديث من كذب فاكتب على قفاه لا يفلح
ثم إن هذا الكتاب مدخل إلى هذا الشأن مفصح عن أصوله وفروعه شارح
لمصطلحات أهله ومقاصدهم ومهماتهم التي ينقص المحدث بالجهل بها نقصا فاحشا
فهو إن شاء الله جدير بأن تقدم العناية به ونسأل الله سبحانه فضله العظيم وهو أعلم
النوع التاسع والعشرون
معرفة الاسناد العالي والنازل
أصل الاسناد أولا خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة وسنة بالغة من
155

السنن المؤكدة روينا من غير وجه عن عبد الله بن المبارك رضي الله عنه أنه قال
الاسناد من الدين لولا الاسناد لقال من شاء ما شاء
وطلب العلو فيه سنة أيضا ولذلك استحبت الرحلة فيه على ما سبق ذكره قال
أحمد بن حنبل رضي الله عنه طلب الاسناد العالي سنة عمن سلف وقد روينا أن
يحيى بن معين رضي الله عنه قيل له في مرضه الذي مات فيه ما تشتهي قال بيت
خالي وإسناد عالي
قلت العلو يبعد الاسناد من الخلل لان كل رجل من رجاله يحتمل أن يقع
الخلل من جهته سهوا أو عمدا ففي قلتهم قلة جهات الخلل وفي كثرتهم كثرة جهات
الخلل وهذا جلي واضح
ثم إن العلو المطلوب في رواية الحديث على أقسام خمسة
أولها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد نظيف غير ضعيف وذلك من أجل
156

أنواع العلو وقد روينا عن محمد بن أسلم الطوسي الزاهد العالم رضي الله عنه أنه
قال قرب الإسناد قرب أو قربة إلى الله عز وجل وهذا كما قال لان قرب الإسناد
قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرب إليه قرب إلى الله عز وجل
الثاني وهو الذي ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ القرب من إمام من أئمة
الحديث وإن كثر العدد من ذلك الامام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا وجد ذلك في إسناد
وصف بالعلو نظرا إلى قربه من ذلك الامام وإن لم يكن عاليا بالنسبة إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الحاكم يوهم أن القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعد من العلو
المطلوب أصلا وهذا غلط من قائله لان القرب منه صلى الله عليه وسلم بإسناد نظيف غير ضعيف أولى
بذلك ولا ينازع في هذا من له مسكة من معرفة وكأن الحاكم أراد بكلامه ذلك إثبات
العلو للإسناد بقربه من امام وإن لم يكن قريبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والانكار على من
يراعي في ذلك مجرد قرب الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان إسنادا ضعيفا ولهذا
مثل ذلك بحديث أبي هدبة ودينار والأشج وأشباههم والله أعلم
الثالث العلو بالنسبة إلى رواية الصحيحين أو أحدهما أو غيرهما من
الكتب المعروفة المعتمدة وذلك ما اشتهر آخرا من الموافقات والابدال
والمساواة والمصافحة وقد كثر اعتناء المحدثين المتأخرين بهذا النوع وممن
وجدت هذا النوع في كلامه أبو بكر الخطيب الحافظ وبعض شيوخه وأبو نصر بن
157

مأكولا وأبو عبد الله الحميدي ويغرهم من طبقتهم وممن جاء بعدهم والله أعلم
أما الموافقة فهي أن يقع لك الحديث عن شيخ مسلم فيه مثلا عاليا بعدد أقل من
العدد الذي يقع لك به ذلك الحديث عن ذلك الشيخ إذا رويته عن مسلم عنه
وأما البدل فمثل أن يقع لك هذا العلو عن شيخ غير شيخ مسلم هو مثل شيخ
مسلم في ذلك الحديث وقد يرد البدل إلى الموافقة فيقال فيما ذكرناه إنه موافقة عالية
في شيخ شيخ مسلم ولو لم يكن ذلك عاليا فهو أيضا موافقة وبدل لكن لا يطلق
عليه اسم الموافقة والبدل لعدم الالتفات إليه
وأما المساواة فهي في أعصارنا أن يقل العدد في إسنادك لا إلى شيخ مسلم
وأمثاله ولا إلى شيخ شيخه بل إلى من هو أبعد من ذلك كالصحابي أو من قاربه
وربما كان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث يقع بينك وبين الصحابي مثلا من العدد مثل ما وقع
من العدد بين مسلم وبين ذلك الصحابي فتكون بذلك مساويا لمسلم مثلا في قرب الإسناد
وعدد رجاله
واما المصافحة فهي أن تقع هذه المساواة التي وصفناها لشيخك لا لك فيقع
ذلك لك مصافحة إذ تكون كأنك لقيت مسلما في ذلك الحديث وصافحته به لكونك
قد لقيت شيخك المساوي لمسلم فإن كانت المساواة لشيخ شيخك كانت المصافحة
لشيخك فتقول كأن شيخي سمع مسلما وصافحه وإن كانت المساواة لشيخ شيخ
158

شيخك فالمصافحة لشيخ شيخك فتقول فيها كأن شيخ شيخي سمع مسلما وصافحه
ولك أن لا تذكر لك في ذلك نسبة بل تقول كأن فلانا سمعه من مسلم من غير أن
تقول فيه شيخي أو شيخ شيخي
ثم لا يخفى على المتأمل أن في المساواة والمصافحة الواقعتين لك لا يلتقي
إسنادك وإسناد مسلم أو نحوه إلا بعيدا عن شيخ مسلم فيلتقيان في الصحابي أو قريبا
منه فإن كانت المصافحة التي تذكرها ليست لك بل لمن فوقك من رجال إسنادك أمكن
التقاء الاسنادين فيها في شيخ مسلم أو أشباهه وداخلت المصافحة حينئذ الموافقة فإن
معنى الموافقة راجع إلى مساواة ومصافحة مخصوصة إذ حاصلها أن بعض من تقدم
من رواة إسنادك العالي ساوى أو صافح مسلما أو البخاري لكونه سمع ممن سمع من
شيخهما مع تأخر طبقته عن طبقتهما ويوجد في كثير من العوالي المخرجة لمن تكلم
أولا في هذا النوع وطبقتهم المصافحات مع الوفاقات والابدال لما ذكرناه ثم اعلم أن
هذا النوع من العلو علو تابع لنزول إذ لولا نزول ذلك الامام في إسناده لم تعل أنت في
إسنادك وكنت قد قرأت بمرو على شيخنا المكثر أبي المظفر عبد الرحيم بن الحافظ
المصنف أبي سعد السمعاني رحمهما الله في أربعي أبي البركات الفراوي حديثا ادعى
فيه أنه كأنه سمعه هو أو شيخه من البخاري فقال الشيخ أبو المظفر ليس لك بعال
ولكنه للبخاري نازل وهذا حسن لطيف يخدش وجه هذا النوع من العلو والله أعلم
الرابع من أنواع العلو العلو المستفاد من تقدم وفاة الراوي مثاله ما أرويه عن
شيخ أخبرني به عن واحد عن البيهقي الحافظ عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ أعلى من
روايتي لذلك عن شيخ أخبرني به عن واحد عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم
وإن تساوى الإسنادان في العدد لتقدم وفاة البيهقي على وفاة بن خلف لان البيهقي
مات سنة ثمان وخمسين وأربعمئة ومات بن خلف سنة سبع وثمانين وأربعمئة
روينا عن أبي يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي الحافظ رحمه الله قال قد يكون
الاسناد يعلو على غيره بتقدم موت راويه وإن كانا متساويين في العدد ومثل ذلك من
حديث نفسه بمثل ما ذكرناه ثم إن هذا كلام في العلو المنبني على تقدم الوفاة المستفاد
من نسبة شيخ إلى شيخ وقياس راو براو وأما العلو المستفاد من مجرد تقدم وفاة
شيخك من غير نظر إلى قياسه براو آخر فقد حده بعض أهل هذا الشأن بخمسين سنة
وذلك ما رويناه عن أبي علي الحافظ النيسابوري قال سمعت أحمد بن عمير الدمشقي
وكان من أركان الحديث يقول إسناد خمسين سنة من موت الشيخ إسناد علو وفيما
159

يروي عن أبي عبد الله بن منده الحافظ قال إذا مر على الاسناد ثلاثون سنة فهو عال
وهذا أوسع من الأول والله أعلم
الخامس العلو المستفاد من تقدم السماع أنبئنا عن محمد بن ناصر الحافظ عن
محمد بن طاهر الحافظ قال من العلو نقدم السماع
قلت وكثير من هذا يدخل في النوع المذكور قبله وفيه ما لا يدخل في ذلك بل
يمتاز عنه مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا
وسماع الآخر من أربعين سنة فإذا تساوى السند إليهما في العدد فالاسناد إلى الأول
الذي تقدم سماعه أعلى فهذه أنواع العلو على الاستقصاء والايضاح الشافي ولله
سبحانه وتعالى الحمد كله
وأما ما رويناه عن الحافظ أبي الطاهر السلفي رحمه الله من قوله في أبيات له
بل علو الحديث بين أولي الحفظ والاتقان صحة الاسناد
وما رويناه عن الوزير نظام الملك من قوله عندي أن الحديث العالي ما صح
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن بلغت رواته مائة فهذا ونحوه ليس من قبيل العلو المتعارف
إطلاقه بين أهل الحديث وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب والله أعلم
فصل
وأما النزول فهو ضد العلو وما من قسم من أقسام العلو الخمسة إلا وضده قسم
من أقسام النزول فهو إذا خمسة أقسام وتفصيلها يدرك من تفصيل أقسام العلو على
نحو ما تقدم شرحه وأما قول الحاكم أبي عبد الله لعل قائلا يقول النزول ضد
العلو فمن عرف العلو فقد عرف ضده وليس كذلك فإن للنزول مراتب لا يعرفها إلا
أهل الصنعة إلى آخر كلامه فهذا ليس نفيا لكون النزول ضدا للعلو على الوجه
الذي ذكرته بل نفيا لكونه يعرف بمعرفة العلو وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة
العلو فإنه قصر في بيانه وتفصيله وليس كذلك ما ذكرناه نحن في معرفة العلو فإنه
مفصل تفصيلا مفهما لمراتب النزول والعلم عند الله تبارك وتعالى
ثم إن النزول مفضول مرغوب عنه والفضيلة للعلو على ما تقدم بيانه ودليله
وحكى بن خلاد عن بعض أهل النظر أنه قال التنزل في الاسناد أفضل واحتج له بما
معناه أنه يجب الاجتهاد والنظر في تعديل كل راو وتجريحه فكلما زادوا كان الاجتهاد
160

أكثر فكان الاجر أكثر وهذا مذهب ضعيف ضعيف الحجة وقد روينا عن علي بن
المديني وأبي عمرو المستملي النيسابوري أنهما قالا النزول شؤم وهذا ونحوه مما جاء في ذم النزول مخصوص ببعض النزول فإن النزول إذا تعين دون العلو طريقا
إلى فائدة راجحة على فائدة العلو فهو مختار غير مرذول والله أعلم
النوع الموفي ثلاثين
معرفة المشهور من الحديث
ومعنى الشهرة مفهوم وهو منقسم إلى صحيح كقوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال
بالنيات وأمثاله وإلى غير صحيح كحديث طلب العلم فريضة على كل
مسلم وكما بلغنا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال أربعة أحاديث تدور
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسواق ليس لها أصل من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة
ومن آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة ونحركم يوم صومكم وللسائل حق
وإن جاء على فرس
161

وينقسم من وجه آخر إلى ما هو مشهور بين أهل الحديث وغيرهم
كقوله صلى الله عليه وسلم المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده وأشباهه وإلى ما هو
مشهور بين أهل الحديث خاصة دون غيرهم كالذي رويناه عن محمد بن عبد الله
الأنصاري عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهرا
بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان فهذا مشهور بين أهل الحديث مخرج في
الصحيح وله رواه عن أنس غير أبي مجلز ورواه عن أبي مجلز غير التيمي ورواه
عن التيمي غير الأنصاري ولا يعلم ذلك إلا أهل الصنعة وأما غيرهم فقد يستغربونه
من حيث أن التيمي يروي عن أنس وهو ههنا يروي عن واحد عن أنس
ومن المشهور المتواتر الذي يذكره أهل الفقه وأصوله وأهل الحديث لا
يذكرونه باسمه الخاص المشعر بمعناه الخاص وإن كان الحافظ الخطيب قد ذكره
ففي كلامه ما يشعر بأنه اتبع فيه غير أهل الحديث ولعل ذلك لكونه لا تشمله صناعتهم
ولا يكاد يوجد في رواياتهم فإنه عبارة عن الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه
ضرورة ولا بد في إسناده من استمرار هذا الشرط في رواته من أوله إلى منتهاه
ومن سئل عن ابراز مثال لذلك فيما يروي من الحديث أعياه تطلبه وحديث
إنما الأعمال بالنيات ليس من ذلك بسبيل وإن نقله عدد التواتر وزيادة لان ذلك
طرأ عليه في وسط إسناده ولم يوجد في أوائله على ما سبق ذكره نعم حديث من
كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار نراه مثالا لذلك فإنه نقله من الصحابة
رضي الله عنهم العدد الجم وهو في الصحيحين مروي عن جماعة منهم وذكر أبو بكر
البزار الحافظ الجليل في مسنده أنه رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو من أربعين رجلا من
الصحابة وذكر بعض الحفاظ أنه رواه عنه صلى الله عليه وسلم اثنان وستون نفسا من الصحابة وفيهم
162

العشرة المشهود لهم بالجنة قال وليس في الدنيا حديث اجتمع على روايته العشرة
غيره ولا يعرف حديث يروي عن أكثر من ستين نفسا من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا هذا الحديث الواحد
قلت وبلغ بهم بعض أهل الحديث أكثر من هذا العدد وفي بعض ذلك عدد
التواتر ثم لم يزل عدد رواته في ازدياد وهلم جرا على التوالي والاستمرار والله
أعلم
النوع الحادي والثلاثون
معرفة الغريب والعزيز من الحديث
روينا عن أبي عبد الله بن منده الحافظ الأصبهاني أنه قال الغريب من الحديث
كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن يجمع حديثهم إذا انفرد الرجل عنهم
بالحديث يسمى غريبا فإذا روى عنهم رجلان وثلاثة واشتركوا في حديث يسمى
عزيزا فإذا روى الجماعة عنهم حديثا سمي مشهورا
قلت الحديث الذي يتفرد به بعض الرواة يوصف بالغريب وكذلك الحديث
الذي يتفرد فيه بعضهم بأمر لا يذكره فيه غيره اما في متنه واما في إسناده وليس كل ما
يعد من أنواع الافراد معدودا من أنواع الغريب كما في الافراد المضافة إلي البلاد علي
ما سبق شرحه
ثم إن الغريب ينقسم إلي صحيح كالأفراد المخرجة في الصحيح والي غير
صحيح وذلك هو الغالب علي الغرائب روينا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال
غير مرة لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرايب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء
وينقسم الغريب أيضا من وجه اخر فمنه ما هو غريب متنا وإسنادا وهو الحديث
الذي تفرد برواية متنه راو واحد ومنه ما هو غريب إسنادا لا متنا كالحديث الذي متنه
معروف مروي عن جماعة من الصحابة إذا تفرد بعضهم بروايته عن صحابي اخر كان
غريبا من ذلك الوجه مع أن متنه غير غريب ومن ذلك غرائب الشيوخ في أسانيد المتون
الصحيحة وهذا الذي يقول فيه الترمذي غريب من هذا الوجه ولا أرى هذا النوع
ينعكس فلا يوجد إذا ما هو غريب متنا وليس غريبا إسنادا الا إذا اشتهر الحديث الفرد
عمن تفرد به فرواة عنه عدد كثيرون فإنه يصير غريبا مشهورا وغريبا متنا وغير غريب
إسنادا لكن بالنظر إلي أحد طرفي الاسناد فان إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول
163

متصف بالشهرة في طرفه الاخر كحديث إنما الأعمال بالنيات وكسائر الغرائب التي
اشتملت عليها التصانيف المشتهرة والله أعلم
النوع الثاني والثلاثين
معرفة غريب الحديث
وهو عبارة عما وقع في متون الأحاديث من الألفاظ الغامضة البعيدة من الفهم
لقلة استعمالها هذا فن مهم يقبح جهله باهل الحديث خاصة ثم باهل العلم عامة
والخوض فيه ليس بالهين والخائض فيه حقيق بالتحري جدير بالتوقي روينا عن
الميموني قال سئل أحمد بن حنبل عن حرف من غريب الحديث قال سلوا
أصحاب الغريب فاني أكره ان أتكلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن فأخطئ وبلغنا
عن التاريخي محمد بن عبد الملك قال حدثني أبو قلابة عبد الملك بن محمد قال قلت
للأصمعي يا أبا سعيد ما معني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الجار أحق بسقبه فقال
انا لا أفسر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن العرب تزعم أن السقل اللزيق ثم إن غير
واحد من العلماء صنفوا في ذلك فأحسنوا وروينا عن الحاكم أبي عبد الله الحافظ
قال أول من صنف الغريب في الاسلام النضر بن شميل ومنهم من خالفه فقال
أول من صنف فيه أبو عبيدة معمر بن المثني وكتاباهما صغير ان وصنف بعد ذلك
أبو عبيد القاسم بن سلام كتابه المشهور فجمع وأجاد واستقصي فوقع من أهل العلم
164

بموقع جليل وصار قدوة قي هذا الشأن ثم تتبع القتبي ما فات أبا عبيد فوضع فيه
كتابه المشهور ثم تتبع أبو سليمان الخطابي ما فاتهما فوضع في ذلك كتابه المشهور
فهذه الكتب الثلاثة أمهات الكتب المؤلفة في ذلك ووراءها مجامع تشتمل من ذلك
علي زوائد وفوائد كثيرة ولا ينبغي ان يقلد منها الا ما كان مصنفوها أئمة جلة
وأقوى ما يعتمد عليه في تفسير غريب الحديث ان يظفر به مفسرا في بعض
روايات الحديث نحو ما روي في حديث بن صياد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له قد خبأت لك
خبيئا فما هو قال الدخ فهذا خفي معناه وأعضل وفسره قوم بما لا يصح
وفي معرفة علوم الحديث للحاكم انه الدخ بمعني الزخ الذي هو الجماع وهذا تخليط
فاحش يغيظ العالم والمؤمن وإنما معني الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال له قد أضمرت
لك ضميرا فما هو فقال الدخ بضم الدال يعني الدخان والدخ هو الدخان في
لغة إذ في بعض روايات الحديث ما نصه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني قد خبأت لك
خبيئا وخبا له يوم تأتي السماء بدخان مبين فقال بن صياد هو الدخ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم اخسأ فلن تعدو قدرك وهذا ثابت صحيح خرجه الترمذي وغيره
فأدرك بن صياد من ذلك هذه الكلمة فحسب علي عادة الكهان في اختطاف بعض الشئ
من الشياطين من غير وقوف علي تمام البيان ولهذا قال له اخسأ فلن تعدو قدرك
أي فلا مزيد لك علي قدر إدراك الكهان والله أعلم
النوع الثالث والثلاثون
معرفة المسلسل من الحديث
التسلسل من نعوت الأسانيد وهو عبارة عن تتابع رجال الاسناد وتواردهم فيه
واحد بعد واحد علي صفة أو حالة واحدة وينقسم ذلك إلي ما يكون صفة للرواية
والتحمل والي ما يكون صفة للرواة أو حالة لهم ثم إن صفاتهم في ذلك وأحوالهم
165

أقوالا وأفعالا ونحو ذلك تنقسم إلي مالا نحصيه ونوعه الحاكم أبو عبد الله الحافظ
إلي ثمانية أنواع والذي ذكره فيها إنما هو صور وأمثلة ثمانية ولا انحصار لذلك في
ثمانية كما ذكرناه ومثال ما يكون صفة للرواية والتحمل ما يتسلسل ب سمعت فلانا
قال سمعت فلانا إلي اخر الاسناد أو يتسلسل ب حدثنا أو خبرنا إلي اخره ومن
ذلك أخبرنا والله فلان قال أخبرنا والله فلان إلي اخره
ومثال ما يرجع إلي صفات الرواة وأقوالهم ونحوها إسناد حديث اللهم أعني
علي شكرك وذكرك وحسن عبادتك المتسلسل بقولهم اني أحبك فقل وحديث
التشبيك باليد وحديث العد في اليد في أشباه لذلك نرويها وتروي كثيرة
وخيرها ما كان فيه دلالة علي اتصال السماع وعدم التدليس ومن فضيلة التسلسل
اشتماله علي مزيد الضبط من الرواة وقلما تسلم المسلسلات من ضعف أعني في
وصف التسلسل لا في أصل المتن ومن المسلسل ما ينقطع تسلسله في وسط إسناده
وذلك نقص فيه وهو كالمسلسل بأول حديث سمعته علي ما هو الصحيح في ذلك والله
أعلم
النوع الرابع والثلاثون
معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه
هذا فن مهم مستصعب روينا عن الزهري رضي الله عنه أنه قال أعيى
166

الفقهاء وأعجزهم ان يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه وكان للشافعي
رضي الله عنه فيه يد طولي وسابقه أولي روينا عن محمد بن مسلم بن وارة أحد أئمة
الحديث ان أحمد بن حنبل قال له وقد قدم من مصر كتبت كتب الشافعي فقال
لا قال فرطت ما علمنا المجمل من المفسر ولا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من
منسوخه حتى جالسنا الشافعي وفيمن عاناه من أهل الحديث من ادخل فيه ما ليس
منه لخفائه معني النسخ وشرطه
وهو عبارة عن رفع الشارع حكما منه متقدما بحكم منه متأخر وهذا حد وقع
لنا سالم من اعتراضات وردت علي غيره
ثم إن ناسخ الحديث ومنسوخه ينقسم أقساما
فمنها ما يعرف بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم به كحديث بريدة الذي أخرجه مسلم في
صحيحه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها في أشباه
لذلك ومنها ما يعرف بقول الصحابي كما رواه الترمذي وغيره عن أبي بن كعب أنه قال
كان الماء من الماء رخصة في أول الاسلام ثم نهي عنها وكما خرجه النسائي
عن جابر بن عبد الله قال كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست
النار في أشباه لذلك ومنها ما عرف بالتاريخ كحديث شداد بن أوس وغيره أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفطر الحاجم والمحجوم وحديث بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
167

احتجم وهو صائم بين الشافعي أن الثاني ناسخ للأول من حيث إنه روي في
حديث شداد أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم زمان الفتح فرأى رجلا يحتجم في شهر رمضان فقال
أفطر الحاجم والمحجوم وروي في حديث بن عباس أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم
صائم فبان بذلك أن الأول كان زمن الفتح في سنة ثمان والثاني في حجة الوداع في
سنة عشر ومنها ما يعرف بالاجماع كحديث قتل شارب الخمر في المرة الرابعة
فإنه منسوخ عرف نسخه بانعقاد الاجماع على ترك العمل به والاجماع لا ينسخ ولا
ينسخ ولكن يدل على وجود ناسخ غيره والله أعلم بالصواب
النوع الخامس والثلاثون
معرفة المصحف من أسانيد الأحاديث ومتونها
هذا فن جليل إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ والدارقطني منهم وله فيه
تصنيف مفيد وروينا عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال ومن
يعرى من الخطأ والتصحيف فمثال التصحيف في الاسناد حديث شعبة عن
العوام بن مراجم عن أبي عثمان النهدي عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لتؤدن الحقوق إلى أهلها الحديث صحف فيه يحيى بن معين فقال بن
168

مزاحم بالزاي والحاء فرد عليه وإنما هو بن مراجم بالراء المهملة والجيم ومنه ما
رويناه عن أحمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن مالك بن
عرفطة عن عبد خير عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت قال أحمد
صحف شعبة فيه وإنما هو خالد بن علقمة وقد رواه زائدة بن قدامة وغيره
على ما قاله أحمد وبلغنا عن الدارقطني أن بن جرير الطبري قال فيمن روى عن
النبي صلى الله عليه وسلم من بني سليم ومنهم عتبة بن البذر قاله بالباء والذال المعجمة وروى له
حديثا وإنما هو بن الندر بالنون والدال غير المعجمة
ومثال التصحيف في المتن ما رواه بن لهيعة عن كتاب موسى بن عقبة إليه
بإسناده عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في المسجد وإنما هو بالراء
احتجر في المسجد بخص أو حصير حجرة يصلي فيها فصحفه بن لهيعة لكونه
أخذه من كتاب بغير سماع ذكر ذلك مسلم في كتاب التمييز له وبلغنا عن الدارقطني
في حديث أبي سفيان عن جابر قال رمي أبي يوم الأحزاب على أكحله فكواه
169

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن غندرا قال فيه أبي وإنما هو أبي وهو بن كعب وفي
حديث أنس ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن
ذره قال فيه شعبة ذرة بالضم والتخفيف ونسب فيه إلى التصحيف وفي حديث
أبي ذر تعين الصانع قال فيه هشام بن عروة بالضاد المعجمة وهو تصحيف
والصواب ما رواه الزهري الصانع بالصاد المهملة ضد الأخرق وبلغنا عن أبي
زرعة الرازي أن يحيى بن سلام هو المفسر حدث عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في
قوله تعالى سأريكم دار الفاسقين قال مصر واستعظم أبو زرعة هذا
واستقبحه وذكر أنه في تفسير سعيد عن قتادة مصيرهم
وبلغنا عن الدارقطني أن محمد بن المثنى أبا موسى العنزي حدث بحديث
النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي أحدكم يوم القيامة ببقرة لها خوار فقال فيه أو شاة تنعر
بالنون وإنما هو تيعر بالياء المثناة من تحت وأنه قال لهم يوما نحن قوم لنا
شرف نحن من عنزة قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم إلينا يريد ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى
عنزة توهم أنه صلى إلى قبيلتهم وإنما
170

العنزة ههنا حربة نصبت بين يديه فصلى إليها وأطرف من هذا ما رويناه عن الحاكم
أبي عبد الله عن أعرابي زعم أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى نصبت بين يديه شاة أي صحفها عنزة
بإسكان النون وعن الدارقطني أيضا أن أبا بكر الصولي أملى في الجامع حديث أبي
أيوب من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال فقال فيه شيئا بالشين والياء وأن
أبا بكر الإسماعيلي الامام كان فيما بلغهم عنه يقول في حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في
الكهان قر الزجاجة بالزاي وإنما هو قر الدجاجة بالدال وفي حديث
يروى عن معاوية بن أبي سفيان قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يشققون الخطب
تشقيق الشعر ذكر الدارقطني عن وكيع أنه قاله مرة بالحاء المهملة وأو نعيم شاهد
فرده عليه بالخاء المعجمة المضمومة وقرأت بخط مصنف أن بن شاهين قال في جامع
المنصور في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تشقيق الحطب فقال بعض الملاحين
يا قوم فكيف نعمل والحاجة ماسة
قلت فقد انقسم التصحيف إلى قسمين أحدهما في المتن والثاني في
الاسناد
وينقسم قسمة أخرى إلى قسمين أحدهما تصحيف البصر كما سبق عن ابن
لهيعة وذلك هو الأكثر والثاني تصحيف السمع نحو حديث لعاصم الأحول رواه
بعضهم فقال عن واصل الأحدب فذكر الدارقطني أنه من تصحيف السمع لا من
تصحيف البصر كأنه ذهب والله أعلم إلى أن ذلك مما لا يشتبه من حيث الكتابة وإنما
أخطأ فيه سمع من رواه
وينقسم قسمة ثالثة إلى تصحيف اللفظ وهو الأكثر وإلى تصحيف يتعلق
171

بالمعنى دون اللفظ كمثل ما سبق عن محمد بن المثنى في الصلاة إلى عنزة
وتسمية بعض ما ذكرناه تصحيفا مجاز وكثير من التصحيف المنقول
عن الأكابر الجلة لهم فيه أعذار لم ينقلها ناقلوه ونسأل الله التوفيق والعصمة والله
أعلم
النوع السادس والثلاثون
معرفة مختلف الحديث
وإنما يكمل للقيام به الأئمة الجامعون بين صناعتي الحديث والفقه الغواصون
على المعاني الدقيقة
اعلم أن ما يذكر في هذا الباب ينقسم إلى قسمين
أحدهما أن يمكن الجمع بين الحديثين ولا يتعذر إبداء وجه ينفي تنافيهما
فيتعين حينئذ المصير إلى ذلك والقول بهما معا
ومثاله حديث لا عدوى ولا طيرة مع حديث لا يورد ممرض على
172

مصح وحديث فر من المجذوم فرارك من الأسد وجه الجمع بينهما أن هذه
الأمراض لا تعدي بطبعها ولكن الله تبارك وتعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح
سببا لأعدائه مرضه ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب ففي الحديث
الأول نفى صلى الله عليه وسلم ما كان يعتقده الجاهلي من أن ذلك يعدي بطبعه ولهذا قال فمن أعدى
الأول وفي الثاني أعلم بان الله سبحانه جعل ذلك سببا لذلك وحذر من الضرر الذي
يغلب وجوده عند وجوده بفعل الله سبحانه وتعالى ولهذا في الحديث أمثال كثيرة
وكتاب مختلف الحديث لابن قتيبة في هذا المعنى إن يكن قد أحسن فيه من وجه فقد
أساء في أشياء منه قصر باعه فيها وأتى بما غيره أولى وأقوى وقد روينا عن محمد بن
إسحاق بن خزيمة الامام أنه قال لا أعرف أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان بإسنادين
صحيحين متضادين فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما
القسم الثاني أن يتضادا بحيث لا يمكن الجمع بينهما وذلك على ضربين
أحدهما أن يظهر كون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا فيعمل بالناسخ ويترك
المنسوخ
والثاني أن لا تقوم دلالة على أن الناسخ أيهما والمنسوخ أيهما فيفزع حينئذ
إلى الترجيح ويعمل بالأرجح منهما والأثبت كالترجيح بكثرة الروا ة أو بصفاتهم في خمسين
وجها من وجوه الترجيحات وأكثر ولتفصيلها موضع غير ذا والله سبحانه أعلم
النوع السابع والثلاثون
معرفة المزيد في متصل الأسانيد
مثاله ما روي عن عبد الله بن المبارك قال حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن
يزيد بن جابر قال حدثني بسر بن عبيد الله قال سمعت أبا إدريس يقول سمعت
واثلة بن الأسقع يقول سمعت أبا مرثد الغنوي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها فذكر سفيان في هذا الاسناد زيادة ووهم
173

وهكذا ذكر أبي إدريس أما الوهم في ذكر سفيان فممن دون بن
المبارك لان جماعة ثقات رووه عن ابن المبارك عن ابن جابر نفسه ومنهم من صرح فيه
بلفظ الاخبار بينهما وأما ذكر أبي إدريس فيه فابن المبارك منسوب فيه إلى الوهم وذلك
لان جماعة من الثقات رووه عن ابن جابر فلم يذكروا أبا إدريس بين بسر وواثلة وفيهم
من صرح فيه بسماع بسر من واثلة قال أبو حاتم الرازي يرون أن بن المبارك وهم
في هذا قال وكثيرا ما يحدث بسر من أبي إدريس فغلط بن بن المبارك وظن أن هذا مما
روى عن أبي إدريس عن واثلة وقد سمع هذا بسر من واثلة نفسه
قلت قد ألف الخطيب الحافظ في هذا النوع كتابا سماه كتاب تمييز المزيد في
متصل الأسانيد وفي كثير مما ذكره نظر لان الاسناد الخالي عن الراوي الزائد إن كان
بلفظه عن في ذلك فينبغي أن يحكم بإرساله ويجعل معللا بالاسناد الذي ذكر فيه
الزائد لما عرف في نوع المعلل وكما يأبى ذكره إن شاء الله تعالى في النوع الذي
يليه وإن كان فيه تصريح بالسماع أو بالاخبار كما في المثال الذي أوردناه فجائز أن
يكون قد سمع ذلك من رجل عنه ثم سمعه منه نفسه فيكون بسر في هذا الحديث قد
سمعه من أبي إدريس عن واثلة ثم لقي واثلة فسمعه منه كما جاء مثله مصرحا به في غير
هذا اللهم إلا أن توجد قرينة تدل على كونه وهما كنحو ما ذكره أبو حاتم في المثال
المذكور وأيضا فالظاهر ممن وقع له مثل ذلك أن يذكر السماعين فإذا لم يجئ عنه
ذكر ذلك حملناه على الزيادة المذكورة والله أعلم
النوع الثامن والثلاثون
معرفة المراسيل الخفي إرسالها
هذا نوع مهم عظيم الفائدة يدرك بالاتساع في الرواية والجمع لطرق الأحاديث مع
المعرفة التامة وللخطيب الحافظ فيه كتاب التفصيل لمبهم المراسيل والمذكور في
هذا الباب منه ما عرف فيه الارسال بمعرفة عدم السماع من الراوي فيه أو عدم اللقاء
كما في الحديث المروي عن العوام بن حوشب عن عبد الله بن أبي أوفى قال كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال بلال قد قامت الصلاة نهض وكبر روي فيه عن أحمد بن حنبل أنه قال
العوام لم يلق ابن أبي أوفى ومنه ما كان الحكم بإرساله محالا علي مجيئه من
وجه اخر بزيادة شخص واحد أو أكثر في الموضع المدعي فيه الارسال كالحديث
الذي سبق ذكره في النوع العاشر عن عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق فإنه حكم
فيه بالانقطاع والارسال بين عبد الرزاق والثوري لأنه روي عن عبد الرزاق قال حدثني
174

النعمان بن أبي شيبة الجندي عن الثوري عن أبي إسحاق وحكم أيضا فيه بالارسال
بين الثوري وأبي إسحاق لأنه روي عن الثوري عن شريك عن أبي إسحاق وهذا وما
سبق في النوع الذي قبله يتعرضان لان يعترض بكل واحد منهما علي الاخر علي ما
تقدمت الإشارة إليه والله أعلم
النوع التاسع والثلاثون
معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
هذا علم كبير قد الف الناس فيه كتبا كثيرة ومن أحلاها وأكثرها فوائد كتاب
الإستيعاب لابن عبد البر لولا ما شانه به من إيراده كثيرا مما شجر بين الصحابة
وحكاياته عن الأخباريين لا المحدثين وغالب علي الأخباريين الاكثار والتخليط فيما
يروونه وانا أورد نكتا نافعة إن شاء الله تعالى قد كان ينبغي لمصنفي كتب الصحابة ان
يتوجوها بها مقدمين لها في فواتحها
إحداها اختلف أهل العلم في أن الصحابي من فالمعروف من طريقة أهل
الحديث ان كل مسلم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة قال البخاري في صحيحه
من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه وبلغنا عن أبي المظفر
السمعاني المروزي أنه قال أصحاب الحديث يطلقون اسم الصحابة علي كل من روي
عنه حديثا أو كلمة ويتوسعون حتى يعدون من رآه رؤية من الصحابة وهذا لشرف
منزلة النبي صلى الله عليه وسلم أعطوا كل من رآه حكم الصحبة وذكر ان اسم الصحابي من حيث
اللغة والظاهر يقع علي من طالت صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم وكثرت مجالسته له علي طريق
التبع له والاخذ عنه قال وهذا طريق الأصوليين
قلت وقد روينا عن سعيد بن المسيب انه كان لا يعد الصحابي الا من أقام مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين وكان المراد بهذا ان صح عنه
راجع إلي المحكي عن الأصوليين ولكن في عبارته ضيق يوجب الا يعد من
الصحابة جرير بن عبد الله البجلي ومن شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ممن لا
نعرف خلافا في عده من الصحابة وروينا عن شعبة عن موسى السبلاني واثني عليه
خيرا قال أتيت أنس بن مالك فقلت هل بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد غيرك
قال بقي ناس من الاعراب قد رواه فاما من صحبه فلا إسناده جيد حدث به مسلم
بحضرة أبي زرعة
175

ثم إن كون الواحد منهم صحابيا تارة يعرف بالتواتر وتارة بالاستفاضة القاصرة
عن التواتر وتارة بان يروي عن آحاد الصحابة انه صحابي وتارة بقوله واخباره عن
نفسه بعد ثبوت عدالته بأنه صحابي والله أعلم
الثانية للصحابة بأسرهم خصيصة وهي انه لا يسأل عن عدالة أحد منهم بل
ذلك أمر مفروغ منه لكونهم علي الاطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من
يعتد به في الاجماع من الأمة
قال الله تبارك وتعالى كنتم خير أمة أخرجت للناس الآية قيل اتفق
المفسرون علي انه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال تعالى وكذلك جعلناكم أمة
وسطا لتكونوا شهداء علي الناس وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ وقال
سبحانه وتعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء علي الكفار الآية وفي
نصوص السنة الشاهدة بذلك كثرة منها حديث أبي سعيد المتفق علي صحته ان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لوان أحدكم أنفق مثل أحد
ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ثم إن الأمة مجمعة علي تعديل جميع
الصحابة ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الاجماع
إحسانا للظن بهم ونظرا إلي ما تمهد لهم من الماثر وكان الله سبحانه وتعالى أتاح
الاجماع علي ذلك لكونهم نقلة الشريعة والله أعلم
الثالثة أكثر الصحابة حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو هريرة روي ذلك عن
سعيد بن أبي الحسن وأحمد بن حنبل وذلك من الظاهر الذي لا يخفي علي حديثي
وهو أول صاحب حديث بلغنا عن أبي بكر بن أبي داود السجستاني قال رأيت
أبا هريرة في النوم وانا بسجستان أصنف حديث أبي هريرة فقلت اني لأحبك فقال
انا أول صاحب حديث كان في الدنيا
وعن أحمد بن حنبل أيضا رضي الله عنه قال ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثروا
176

الرواية عنه وعمروا أبو هريرة وابن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله وابن عباس
وأنس وأبو هريرة أكثرهم حديثا وحمل عنه الثقات
ثم إن أكثر الصحابة فتيا تروي بن عباس بلغنا عن أحمد بن حنبل قال ليس
أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يروي عنه في الفتوى أكثر من بن عباس
وروينا عن أحمد بن حنبل أيضا انه قيل له من العبادلة فقال عبد الله بن
عباس و عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو قيل له فابن
مسعود قال لا ليس عبد الله بن مسعود من العبادلة قال الحافظ أحمد البيهقي
فيما رويناه عنه وقراءته بخطه وهذا لان بن مسعود تقدم موته وهؤلاء عاشوا حتى
احتيج إلي علمهم فإذا اجتمعوا علي شئ قيل هذا قول العبادلة أو هذا فعلهم
قلت ويلتحق بابن مسعود في ذلك سائر العبادلة المسمين بعبد الله من الصحابة وهم
نحو مئتين وعشرين نفسا والله أعلم
وروينا عن علي بن عند الله المديني قال لم يكن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له
أصحاب يقومون بقوله في الفقه الا ثلاثة عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وابن
عباس رضي الله عنهم كان لكل رجل منهم أصحاب يقومون بقوله ويفتون الناس
وروينا عن مسروق قال وجدت علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انتهي إلي ستة عمر
وعلي وأبي وزيد وأبي الدرداء وعبد الله بن مسعود ثم انتهي علم هؤلاء الستة
إلي اثنين علي وعبد الله وروينا نحوه عن مطرف عن الشعبي عن مسروق لكن
ذكر أبا موسي بدل أبي الدرداء وروينا عن الشعبي قال كان العلم يؤخذ عن ستة من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر وعبد الله وزيد يشبه علم بعضهم بعضا وكان
يقتبس بعضهم من بعض وكان علي والأشعري وأبي يشبه علم بعضهم بعضا
وكان يقتبس بعضهم من بعض وروينا عن الحافظ أحمد البيهقي ان الشافعي ذكر
الصحابة في رسالته القديمة واثني عليهم بما هم أهله ثم قال وهم فوقنا في كل
علم واجتهاد وورع وعقل وامر استدرك به علم واستنبط به وآراؤهم لنا أحمد
وأولي بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم
الرابعة روينا عن أبي زرعة الرازي انه سئل عن عدة من روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
فقال ومن يضبط هذا شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أربعون ألفا وشهد معه تبوك
سبعون ألفا وروينا عن أبي زرعة أيضا انه قيل له أليس يقال حديث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة
آلاف حديث قال ومن قال ذا قلقل الله أنيابه هذا قول الزنادقة ومن يحصي
177

حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة الف وأربعة عشر ألفا من الصحابة
ممن روي عنه وسمع منه وفي رواية ممن رآه وسمع منه قال أهل المدينة وأهل مكة ومن بينهما
والعراب ومن شهد معه حجة الوداع كل رآه وسمع منه بعرفة
قلت ثم إنه اختلف في عدد طبقاتهم وأصنافهم والنظر في ذلك إلي
السبق بالاسلام والهجرة وشهود المشاهد الفاضلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بآبائنا وأمهاتنا
وأنفسنا هو صلى الله عليه وسلم وجعلهم الحاكم أبو عبد الله اثنتي عشرة طبقة ومنهم من زاد علي
ذلك ولسنا نطول بتفصيل ذلك والله أعلم
الخامسة أفضلهم علي الاطلاق أبو بكر ثم عمر ثم إن جمهور السلف علي
تقديم عثمان علي وقدم أهل الكوفة من أهل السنة عليا علي عثمان وبه قال منهم
سفيان الثوري أولا ثم رجع إلي تقديم عثمان روي ذلك عنه وعنهم الخطابي وممن
نقل عنه من أهل الحديث تقديم علي علي عثمان محمد بن إسحاق بن خزيمة وتقديم
عثمان هو الذي استقرت عليه مذاهب أصحاب الحديث وأهل السنة واما أفضل
أصنافهم صنفا فقد قال أبو منصور البغدادي التميمي أصحابنا مجمعون علي ان
أفضلهم الخلفاء الأربعة ثم الستة الباقون إلي تمام العشرة ثم البدريون ثم أصحاب
أحد ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية
قلت وفي نص القران تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم
الذين صلوا إلي القبلتين في قول سعيد بن المسيب وطائفة وفي قول الشعبي هم
الذين شهدوا بيعة الرضوان وعن محمد بن كعب القرظي وعطاء بن يسار انهما قالا
هم أهل بدر روي ذلك عنهما بن عبد البر فيما وجدناه عنه والله أعلم
السادسة اختلف السلف في أولهم اسلاما فقيل أبو بكر الصديق روي ذلك
عن ابن عباس وحسان بن ثابت وإبراهيم النخعي وغيرهم وقيل علي أول من
أسلم روي ذلك عن زيد بن أرقم وأبي ذر والمقداد وغيرهم وقال الحاكم أبو
عبد الله لا اعلم خلافا بين أصحاب التواريخ ان علي بن أبي طالب أولهم اسلاما
واستنكر هذا من الحاكم وقيل أول من أسلم زيد بن حارثة وذكر معمر نحو ذلك عن
الزهري وقيل أول من أسلم خديجة أم المؤمنين روي ذلك من وجوه عن الزهري
وهو قول قتادة ومحمد بن إسحاق بن يسار وجماعة وروي أيضا عن ابن عباس
وادعي الثعلبي المفسر فيما رويناه أو بلغنا عنه اتفاق العلماء علي ان أول من أسلم
178

خديجة وان اختلافهم إنما هو في أول من أسلم بعدها
والأورع ان يقال أول من أسلم من الرجال الحرار أبو بكر ومن الصبيان أو
الاحداث علي ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة ومن العبيد بلال
والله أعلم
السابعة آخرهم علي الاطلاق موتا أبو الطفيل عامر بن واثلة مات سنة مائة من
الهجرة واما بالإضافة إلي النواحي فاخر من مات منهم بالمدينة جابر بن عبد الله
رواه أحمد بن حنبل عن قتادة وقيل سهل بن سعد وقيل السائب بن يزيد وآخر
من مات منهم بمكة عبد الله بن عمر وقيل جابر بن عبد الله وذكر علي بن المديني
ان أبا الطفيل بمكة مات فهو إذا الاخر بها وآخر من مات منهم بالبصرة أنس بن مالك
قال أبو عمر بن عبد البر ما اعلم أحدا مات بعده ممن رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم الا أبا
الطفيل وآخر من مات منهم بالكوفة عبد الله بن أبي أوفى وبالشام عبد الله بن بسر
وقيل بل أبو أمامة وتبسط بعضهم فقال اخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
بمصر عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي وبفلسطين أبو أبي بن أم حرام وبدمشق
واثلة بن الأسقع وبحمص عبد الله بن بسر وباليمامة الهرماس بن زياد وبالجزيرة
العرس بن عميرة وبإفريقية رويفع بن ثابت وبالبادية في الاعراب سلمة بن الأكوع
رضي الله عنهم أجمعين
وفي بعض ما ذكرناه خلاف لم نذكره وقوله في رويفع بإفريقية لا يصح إنما مات
في حاضرة برقة وقبره بها ونزل سلمة إلي المدينة قبل موته بلبال فمات بها والله
أعلم
النوع الموفي أربعين
معرفة التابعين
هذا ومعرفة الصحابة أصل أصيل يرجع إليه في معرفة المرسل والمسند قال
الخطيب الحافظ التابعي من صحب الصحابي
قلت ومطلقة مخصوص بالتابع بإحسان ويقال للواحد منهم تابع وتابعي
وكلام الحاكم أبي عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفي فيه ان يسمع من الصحابي أو يلقاه وان
لم توجد الصحبة العرفية والاكتفاء في هذا بمجرد اللقاء والرؤية أقرب منه في
الصحابي نظرا إلي مقتضي اللفظين فيهما
179

وهذه مهمات في هذا النوع
إحداها ذكر الحافظ أبو عبد الله ان التابعين علي خمس عشرة طبقة الأولى
الذين لحقوا العشرة سعيد بن المسيب وقيس بن أبي حازم وأبو عثمان النهدي وقيس
بن عباد وأبو ساسان حضين بن المنذر وأبو وائل وأبو رجاء العطاردي وغيرهم
وعليه في بعض هؤلاء إنكار فان سعيد بن المسيب ليس بهذه المثابة لأنه ولد في خلافة
عمر ولم يسمع من أكثر العشرة وقد قال بعضهم لا تصح له رواية عن أحد من العشرة
الأسعد بن أبي وقاص
قلت وكان سعد آخرهم موتا وذكر الحاكم قبل كلامه المذكور ان سعيدا أدرك
عمر فمن بعده إلي اخر العشرة وقال ليس في جماعة التابعين من أدركهم وسمع منهم
غير سعيد وقيس بن أبي حازم وليس ذلك علي ما قال كما ذكرناه نعم قيس بن أبي
حازم سمع العشرة وروي عنهم وليس في التابعين أحد روي عن العشرة سواه ذكر
ذلك عبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ فيما روينا أو بلغنا عنه وعن أبي داود
السجستاني أنه قال روي عن التسعة ولم يرو عن عبد الرحمن بن عوف ويلي هؤلاء
التابعون الذين ولدوا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة
وأبي امامة أسعد بن سهل بن حنيف وأبي إدريس الخولاني وغيرهم
الثانية المخضرمون من التابعين هم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
واسلموا ولا صحبة لهم واحدهم مخضرم بفتح الراء كأنه خضرم أي قطع عن نظرائه
الذين أدركوا الصحبة وغيرها وذكرهم مسلم فبلغ بهم عشرين نفسا منهم أبو عمرو
الشيباني وسويد بن غفلة الكندي وعمرو بن ميمون الأودي وعبد خير بن يزيد
الخيواني وأبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن مل وأبو الحلال العتكي ربيعة بن
زرارة وممن لم يذكره مسلم منهم أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب
والأحنف بن قيس والله أعلم
الثالثة من أكابر التابعين الفقهاء السبعة من أهل المدينة وهم سعيد بن
المسيب والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وخارجة بن زيد وأبو سلمة بن
عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار روينا عن الحافظ أبي
عبد الله أنه قال هؤلاء الفقهاء السبعة عند الأكثر من علماء الحجاز وروينا عن ابن
المبارك قال كان فقهاء أهل المدينة الذين يصدرون عن رأيهم سبعة فذكر هؤلاء الا
انه لم يذكر أبا سلمة بن عبد الرحمن وذكر بدله سالم بن عبد الله بن عمر وروينا عن
180

أبي الزناد تسميتهم في كتابه عنهم فذكر هؤلاء الا انه ذكر أبا بكر بن عبد الرحمن بدل
أبي سلمة وسالم
الرابعة ورد عن أحمد بن حنبل أنه قال أفضل التابعين سعيد بن المسيب
فقيل له فعلقمة والأسود فقال سعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعنه أنه قال
لا اعلم في التابعين مثل أبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم وعنه أيضا
أنه قال أفضل التابعين قيس وأبو عثمان وعلقمة ومسروق هؤلاء كانوا فاضلين ومن
عليه التابعين وأعجبني ما وجدته عن الشيخ أبي عبد الله بن خفيف الزاهد الشيرازي
في كتاب له قال اختلف الناس في أفضل التابعين المدينة يقولون سعيد بن
المسيب وأهل الكوفة يقولون أويس القرني وأهل البصرة يقولون الحسن
البصري وبلغنا عن أحمد بن حنبل قال ليس أحد أكثر في فتوى من الحسن وعطاء
يعني من التابعين وقال أيضا كان عطاء مفتي مكة والحسن مفتي البصرة فهذان
أكثر الناس عنهم آراءهم وبلغنا عن أبي بكر بن أبي داود قال سيدتا التابعين من
النساء حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن وثالثهما وليست كهما أم
الدرداء والله أعلم
الخامسة روينا عن الحاكم أبي عبد الله قال طبقة تعد في التابعين ولم يصح
سماع أحد منهم من الصحابة منهم إبراهيم بن سويد النخعي وليس بإبراهيم بن
يزيد النخعي الفقيه وبكير بن أبي السميط وبكير بن عبد الله بن الأشج وذكر
غيرهم قال وطبقة عدادهم عند الناس في اتباع التابعين وقد لقموا الصحابة منهم أبو
الزناد عبد الله بن ذكوان لقي عبد الله بن عمر وأنسا وهشام بن عروة وقد ادخل علي
عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وموسى بن عقبة وقد أدرك أنس بن مالك وأم
خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص وفي بعض ما قاله مقال
قلت وقوم عدوا من التابعين وهم من الصحابة ومن أعجب ذلك عد الحاكم
أبي عبد الله النعمان وسويدا ابني مقرن المزني في التابعين عندما ذكر الاخوة من
التابعين وهما صحابيان معروفان مذكوران في الصحابة والله أعلم
النوع الحادي والأربعون
معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر
ومن الفائدة فيه ان لا يتوهم كون المروي عنه أكبر أو أفضل من الراوي نظرا إلي
181

ان الأغلب كون المروي عنه كذلك فيجهل بذلك منزلتها وقد صح عن عائشة
رضي الله عنها انها قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ننزل الناس منازلهم
ثم إن ذلك يقع علي اضرب
منها ان يكون الراوي أكبر سنا وأقدم طبقة من المروي عنه كالزهري
ويحي بن سعيد الأنصاري في روايتهما عن مالك وكأبي القاسم عبيد الله بن أحمد
الأزهري من المتأخرين أحد شيوخ الخطيب روي عن الخطيب في بعض تصانيفه
والخطيب إذ ذاك في عنفوان شبابه وطلبه
ومنها ان يكون الراوي أكبر قدرا من المروي عنه بان يكون حافظا عالما
والمروي عنه شيخا راويا فحسب كمالك في روايته عن عبد الله بن دينار وأحمد بن
حنبل وإسحاق بن راهويه في روايتهما عن عبيد الله بن موسي في أشباه لذلك كثيرة
ومنها ان يكون الراوي أكبر من الوجهين جميعا وذلك كرواية كثير من العلماء
والحفاظ عن أصحابهم وتلامذتهم كعبد الغني الحافظ في روايته عن محمد بن علي
الصوري وكرواية أبي بكر البرقاني عن أبي بكر الخطيب وكرواية الخطيب عن أبي
نصر بن مأكولا ونظائر ذلك كثيرة ويندرج تحت هذا النوع ما يذكر من رواية
الصحابي عن التابعي كرواية العبادلة وغيرهم من الصحابة عن كعب الأحبار وكذلك
رواية التابعي عن تابع التابعي كما قدمناه من رواية الزهري والأنصاري عن مالك
وكعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص لم يكن من التابعين
وروي عنه أكثر من عشرين نفسا من التابعين جمعهم عبد الغني بن سعيد الحافظ في
كتيب له وقرأت بخط الحافظ أبي محمد الطبسي في تخريج له قال عمرو بن شعيب
ليس بتابعي وقد روي عنه نيف وسبعون رجلا من التابعين والله أعلم
النوع الثاني والأربعون
معرفة المدبج وما عداه من رواية
الاقران بعضهم عن بعض
وهم المتقاربون في السن والاسناد وربما اكتفي الحاكم أبو عبد الله فيه
182

بالتقارب في الاسناد وان لم يوجد التقارب في السن
اعلم أن رواية القرين عن القرين تنقسم
فمنها المدبج وهو ان يروي القرينان كل واحد منهما عن الاخر مثاله في
الصحابة عائشة وأبو هريرة روي كل واحد منهما عن الاخر وفي التابعين رواية
الزهري عن عمر بن عبد العزيز ورواية عمر عن الزهري وفي اتباع التابعين رواية
مالك عن الأوزاعي ورواية الأوزاعي عن مالك وفي اتباع الاتباع رواية أحمد بن
حنبل عن علي بن المديني ورواية علي عن أحمد وذكر الحاكم في هذا رواية أحمد بن
حنبل عن عبد الرزاق ورواية عبد الرزاق عن أحمد وليس هذا بمرضي
ومنها غير المدبج وهو ان يروي أحد القرينين عن الاخر ولا يروي الاخر عنه
فيما نعلم مثاله رواية سليمان التيمي عن مسعر وهما قرينان ولا نعلم لمسعر رواية
عن التيمي ولذلك أمثال كثيرة والله أعلم
النوع الثالث والأربعون
معرفة الاخوة والأخوات من العلماء والرواة
وذلك أحدي معارف أهل الحديث المردة بالتصنيف صنف فيها علي بن
المديني وأبو عبد الرحمن النسوي وأبو العباس السراج وغيرهم
فمن أمثاله الأخوين من الصحابة عبد الله بن مسعود وعتبة بن مسعود هما
اخوان زيد بن ثابت ويزيد بن ثابت اخوان عمرو بن العاصي وهشام بن العاصي
اخوان ومن التابعين عمرو بن شرحبيل أبو ميسرة وأخوه أرقم بن شرحبيل كلاهما
من أفاضل أصحاب بن مسعود هزيل بن شرحبيل وأرقم بن شرحبيل اخوان آخران
من أصحاب بن مسعود أيضا
ومن أمثلة ثلاثة الاخوة سهل وعباد وعثمان بنو حنيف إخوة ثلاثة
عمرو بن شعيب وعمر وشعيب بنو شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن
العاصي إخوة ثلاثة
ومن أمثلة الأربعة سهيل بن أبي صالح السمان الزيات وإخوته عبد الله الذي
يقال له عباد ومحمد وصالح
ومن أمثلة الخمسة ما نرويه عن الحاكم أبي عبد الله قال سمعت أبا علي
الحسين بن علي الحافظ غير مرة يقول آدم بن عيينة وعمران بن عيينة ومحمد بن
183

عيينة وسفيان بن عيينة وإبراهيم بن عيينة حدثوا عن آخرهم
ومثال الستة أولاد سيرين ستة تابعيون وهم محمد وأنس ويحيى ومعبد
وحفصة وكريمة ذكرهم هكذا أبو عبد الرحمن النسوي ونقلته من كتابه بخط
الدارقطني فيما أحسب وروي ذلك أيضا عن يحيى بن معين وهكذا ذكرهم الحاكم
في كتاب المعرفة لكن ذكر فيما نرويه من تاريخه باسنادنا عنه أنه سمع أبا علي الحافظ
يذكر بني سيرين خمسة إخوة محمد بن سيرين وأكبرهم معبد بن سيرين ويحيى بن
سيرين وخالد بن سيرين وأنس بن سيرين وأصغرهم حفصة بنت سيرين
قلت وقد روي عن محمد عن يحيى عن أنس عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لبيك حقا حقا تعبد ورقا وهذه غريبة عايا بها بعضهم فقال أي ثلاثة إخوة روى
بعضهم عن بعض
ومثال السبعة النعمان بن مقرن وإخوته معقل وعقيل وسويد وسنان
وعبد الرحمن وسابع لم يسم لنا بنو مقرن المزنيون سبعة إخوة هاجروا وصحبوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشاركهم فيما ذكره بن عبد البر وجماعة في هذه المكرمة غيرهم
وقد قيل إنهم شهدوا الخندق كلهم والله أعلم وقد يقع في الاخوة ما فيه خلاف في مقدار عددهم
ولم نطول بما زاد على السبعة لندرته ولعدم الحاجة إليه في غرضنا ههنا والله أعلم
النوع الرابع والأربعون
معرفة رواية الآباء عن الأبناء
وللخطيب الحافظ في ذلك كتاب روينا فيه عن العباس بن عبد المطلب عن ابنه
الفضل رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بالمزدلفة وروينا فيه
عن وائل بن داود عن ابنه بكر بن وائل وهما ثقتان أحاديث منها عن ابن عيينة عن
وائل بن داود عن ابنه بكر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخروا الأحمال فإن اليد معلقة والرجل موثقة قال الخطيب
184

لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلمه الا من جهة بكر وأبيه وروينا فيه عن معتمر بن
سليمان التيمي قال حدثني أي قال حدثتني أنت عني عن أيوب عن الحسن قال ويح
كلمة رحمة وهذا طريف يجمع أنواعا وروينا فيه عن أبي عمر حفص بن عمر الدوري
المقري عن ابنه أبي جعفر محمد بن حفص ستة عشر حديثا أو نحو ذلك وذلك أكثر ما
رويناه لأب عن ابنه وآخر ما رويناه من هذا النوع وأقربه عهدا ما حدثنيه أبو المظفر
عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد المروزي رحمها الله بها من لفظه قال أنبأني
والدي عني فيما قرأت بخطه قال حدثني ولدي أبو المظفر عبد الرحيم من لفظه وأصله
فذكر بإسناده عن أبي أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحضروا موائدكم البقل فإنه مطردة
للشيطان مع التسمية وأما الحديث الذي رويناه عن أبي بكر الصديق عن عائشة
رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحبة السوداء شفاء من كل داء فهو غلط ممن رواه
إنما هو عن أبي بكر بن أبي عتيق عن عائشة وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن
أبي بكر الصديق وهؤلاء هم الذين قال فيهم موسى بن عقبة لا نعرف أربعة أدركوا
النبي صلى الله عليه وسلم هم وأبناؤهم إلا هؤلاء الأربعة فذكر أبا بكر الصديق وأباه وابنه
عبد الرحمن وابنه محمد أبا عتيق والله أعلم
النوع الخامس والأربعون
معرفة رواية الأبناء عن الآباء
ولأبي نصر الوابلي الحافظ في ذلك كتاب وأهمه ما لم يسم فيه الأب أو الجد
وهو نوعان
أحدهما رواية الابن عن الأب عن الجد نحو عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده وله بهذا الاسناد نسخة كبيرة أكثرها فقهيات عن أبيه عن جده وله بهذا الاسناد نسخة كبيرة أكثرها فقهيات جياد وشعيب هو بن محمد بن
عبد الله بن عمرو بن العاصي وقد احتج أكثر أهل الحديث بحديثه حملا لمطلق الجد
185

فيه على الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب لما ظهر من
إطلاقه ذلك
ونحو بهز بن حكيم عن أبيه عن جده روى بهذا الاسناد نسخة كبيرة حسنة وجده
هو معاوية بن حيدة القشيري
وطلحة بن مصرف عن أبيه عن جده وجده عمرو بن كعب اليامي ويقال
كعب بن عمرو
ومن أطرف ذلك رواية أبي الفرج عبد الوهاب التميمي الفقيه الحنبلي وكانت له
ببغداد في جامع المنصور حلقة للوعظ والفتوى عن أبيه في تسعة من آبائه نسقا أخبرني
بذلك الشيخ أبو الحسن مؤيد بن محمد بن علي النيسابوري بقراءتي عليه بها قال
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد الشيباني في كتابه إلينا قال أخبرنا الحافظ أبو
بكر أحمد بن علي حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن
الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي من
لفظه قال سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول
سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت
أبي يقول سمعت علي بن أبي طالب وقد سئل عن الحنان المنان فقال الحنان الذي
يقبل على من أعرض عنه والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال آخرهم أكينة بالنون
وهو السامع عليا رضي الله عنه حدثني أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد
السمعاني بمرو الشاهجان عن أبي النضر عبد الرحمن بن عبد الجابر الفامي قال سمعت
السيد أبا القاسم منصور بن محمد العلوي يقول الاسناد بعضه عوال وبعضه معال
وقول الرجل حدثني أبي عن جدي من المعالي
الثاني رواية الابن عن أبيه دون الجد وذلك باب واسع وهو نحو رواية أبي
العشراء الدارمي عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه معروف وقد اختلفوا فيه فالأشهر
أن أبا العشراء هو أسامة بن مالك بن قهطم وهو فيما نقتله من خط البيهقي وغيره
بكسر القاف وقيل متحطم بالحاء وقيل هو عطارد بن برز بتسكين الراء وقيل
186

بتحريكها أيضا وقيل بن بلز باللام وفي اسمه واسم أبيه من الخلاف غير ذلك والله أعلم
النوع السادس والأربعون
معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان
متقدم ومتأخر تباين وقت وفاتيهما تباينا شديدا فحصل
بينهما أمد بعيد وإن كان المتأخر منهما غير معدود
من معاصري الأول وذوي طبقته
ومن فوائد ذلك تقرير حلاوة علو الاسناد في القلوب وقد أفرده الخطيب الحافظ
في كتاب حسن سماه كتاب السابق واللاحق ومن أمثلته أن محمد بن إسحاق الثقفي
السراج النيسابوري روى عنه البخاري والامام في تاريخه وروى عنه أبو الحسين
أحمد بن محمد الخفاف النيسابوري وبين وفاتيهما مائة وسبع وثلاثون سنة أو أكثر
وذلك أن البخاري مات سنة ست وخمسين ومائتين ومات الخفاف سنة ثلاث وتسعين
وثلاثمائة وقيل مات في سنة أربع أو خمس وتسعين وثلاثمائة وكذلك مالك بن أنس
الامام حدث عنه الزهري وزكريا بن دويد الكندي وبين وفاتيهما مائة وسبع
وثلاثون سنة أو أكثر ومات الزهري سنة
أربع وعشرين ومائة ولقد حظي مالك بكثير من هذا النوع والله أعلم
النوع السابع والأربعون
الله تعالى معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد
من الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم
ولمسلم فيه كتاب لم أره مثاله من الصحابة وهب بن خنبش وهو في كتابي
الحاكم وأبي نعيم الأصبهاني في معرفة علوم الحديث هرم بن خنبش وهو رواية
187

داود الأودي عن الشعبي وذلك خطأ صحابي لم يرو عنه غير الشعبي وكذلك
عامر بن شهر وعروة بن مضرس ومحمد بن صفوان الأنصاري ومحمد بن
صيفي الأنصاري وليسا بواحد وإن قاله بعضهم صحابيون لم يرو عنهم غير
الشعبي وانفرد قيس بن أبي حازم بالرواية عن أبيه وعن دكين بن سعيد
المزني والصنابح بن الأعسر ومرداس بن مالك الأسلمي وكلهم صحابة
وقدامة بن عبد الله الكلابي منهم لم يرو عنه غير أيمن بن نابل وفي الصحابة جماعة
لم يرو عنهم غير أبنائهم منهم شكل بن حميد لم يرو عنه غير ابنه شتير
ومنهم المسيب بن حزن القرشي لم يرو عنه غير ابنه سعيد بن المسيب
ومعاوية بن حيدة لم يرو عنه غير ابنه حكيم والد بهز وقرة بن إياس لم يرو عنه غير
ابنه معاوية وأبو ليلى الأنصاري لم يرو عنه غير ابنه عبد الرحمن بن أبي ليلى
ثم إن الحاكم أبا عبد الله حكم في المدخل إلى كتاب الإكليل بأن أحدا من هذا
القبيل لم يخرج عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما وأنكر ذلك عليه ونقض عليه
بإخراج البخاري في صحيحه حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي يذهب
الصالحون الأول فالأول ولا راوي له غير قيس وبإخراجه بل بإخراجهما حديث
المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب مع أنه لا راوي له غير ابنه وبإخراجه حديث
الحسن البصري عن عمرو بن تغلب إني لأعطي الرجل والذي أدع أحب إلي ولم يرو
عن عمرو غير الحسن وكذلك أخرج مسلم في صحيحه حديث رافع بن عمرو الغفاري
188

ولم يرو عنه غير عبد الله بن الصامت وحديث أبي رفاعة العدوي ولم يرو عنه غير
حميد بن هلال العدوي وحديث الأغر المزني إنه ليغان على قلبي ولم يرو عنه غير
أبي بردة في أشياء كثيرة عندهما في كتابيهما على هذا النحو وذلك دال على مصيرهما
إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا مردودا برواية واحد عنه وقد قدمت هذا في
النوع الثالث والعشرين
ثم بلغني عن أبي عمر بن عبد البر الأندلسي وجادة قال كل من لم يرو عنه إلا
رجل واحد فهو عندهم مجهول إلا أن يكون رجلا مشهورا في غير حمل العلم كاشتهار
مالك بن دينار بي الزهد وعمرو بن معدي كرب بالنجدة
واعلم أنه قد يوجد في بعض من ذكرنا تفرد راو واحد عنه خلاف في تفرده ومن
ذلك قدامة بن عبد الله ذكر بن عبد البر أنه روى عنه أيضا حميد بن كلاب والله أعلم
ومثال هذا النوع في التابعين أبو العشراء الدارمي لم يرو عنه فيما يعلم غير
حماد بن سلمة ومثل الحاكم لهذا النوع في التابعين بمحمد بن أبي سفيان الثقفي
وذكر أنه لم يرو عنه غير الزهري فيما يعلم قال وكذلك تفرد الزهري عن نيف وعشرين
رجلا من التابعين لم يرو عنهم غيره وكذلك عمرو بن دينار تفرد عن جماعة من
التابعين وكذلك يحيى بن سعيد الأنصاري وأبو إسحاق السبيعي وهشام بن عروة
وغيرهم وسمى الحاكم منهم في بعض المواضع فيمن تفرد عنهم عمرو بن دينار عبد
الرحمن بن معبد وعبد الرحمن بن فروخ وفيمن تفرد عنهم الزهري عمرو بن أبان بن
عثمان وسنان بن أبي سنان الدؤلي وفيمن تفرد عنهم يحيى عبد الله بن أنيس
الأنصاري ومثل في أتباع التابعين بالمسور بن رفاعة القرظي وذكر أنه لم يرو عنه غير
مالك وكذلك تفرد مالك عن زهاء عشرة من شيوخ المدينة
قلت وأخشى أن يكون الحاكم في تنزيله بعض من ذكره بالمنزلة التي جعله فيها
معتمدا على الحسبان والتوهم والله أعلم
النوع الثامن والأربعون
معرفة من ذكر بأسماء مختلفة أو نعوت متعددة
فظن من لا خبرة له بها أن تلك الأسماء
أو النعوت لجماعة متفرقين
هذا فن عويص والحاجة إليه حاقة وفيه إظهار تدليس المدلسين فإن أكثر ذلك
189

إنما نشأ من تدليسهم وقد صنف عبد الغني بن سعيد الحافظ المصري وغيره في
ذلك
مثاله محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير هو أبو النضر الذي روى عنه
محمد بن إسحاق بن يسار حديث تميم الداري وعدي بن بداء وهو حماد بن السائب
الذي روى عنه أبو أسامة حديث ذكاة كل مسك دباغه وهو أبو سعيد الذي يروي عنه
عطية العوفي التفسير يدلس به موهما أنه أبو سعيد الخدري
ومثاله أيضا سالم الراوي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعائشة رضي الله
عنهم هو سالم أبو عبد الله المديني وهو سالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان
النصري وهو سالم مولى شداد بن الهاد النصري وهو في بعض الروايات مسمى بسالم
مولى النصريين وفي بعضها بسالم مولى المهري وهو في بعضها سالم سبلان وفي
بعضها أبو عبد الله مولى شداد بن الهاد وفي بعضها سالم أبو عبد الله الدوسي وفي
بعضها سالم مولى دوس ذكر ذلك كله عبد الغني بن سعيد
قلت والخطيب الحافظ يروي في كتبه عن أبي القاسم الأزهري وعن
عبيد الله بن أبي الفتح الفارسي وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي والجميع
شخص واحد من مشايخه وكذلك يروي عن الحسن بن محمد الخلال وعن
الحسن بن أبي طالب وعن أبي محمد الخلال والجميع عبارة عن واحد ويروي
أيضا عن أبي القاسم التنوخي وعن علي بن المحسن وعن القاضي أبي القاسم
علي بن المحسن التنوخي وعن علي بن أبي علي المعدل والجميع شخص واحد
وله من ذلك الكثير والله أعلم
النوع التاسع والأربعون
معرفة المفردات الآحاد من أسماء الصحابة
ورواة الحديث والعلماء وألقابهم وكناهم
هذا نوع مليح عزيز يوجد في كتب الحفاظ المصنفة في الرجال مجموعا مفرقا
في أواخر أبوابها وأفرد أيضا بالتصنيف وكتاب أحمد بن هارون البرديجي البرذعي
المترجم بالأسماء المفردة من أشهر كتاب في ذلك ولحقه في كثير منه اعتراض
واستدراك من غير واحد من الحفاظ منهم أبو عبد الله بن بكي ر فمن ذلك ما وقع في
كونه ذكر أسماء كثيرة على أنها آحاد وهي مثان ومثالث وأكثر من ذلك وعلى ما فهمناه
190

من شرطه لا يلزمه ما يوجد من ذلك في غير أسماء الصحابة والعلماء ورواة الحديث
ومن ذلك أفراد ذكرها اعترض عليه فيها بأنها ألقاب لا أسامي منها الأجلح الكندي إنما
هو لقب لجلحة كانت به واسمه يحيى ويحيى كثير ومنها صغدي بن سنان اسمه
عمر وصغدي لقب ومع ذلك فلهم صغدي غيره وليس يرد هذا على ما ترجمت به هذا
النوع والحق أن هذا فن يصعب الحكم فيه والحاكم فيه على خطر من الخطأ
والانتقاض فإنه حصر في باب واسع شديد الانتشار
فمن أمثلة ذلك المستفادة أحمد بن عجيان الهمداني بالجيم صحابي ذكره بن
يونس وعجيان كنا نعرفه بالتشديد على وزن عليان ثم وجدته بخط بن الفرات
وهو حجة عجيان بالتخفيف على وزن سفيان أوسط بن عمرو البجلي تابعي
تدوم بن صبح الكلاعي عن تبيع بن عامر الكلاعي ويقال فيه يدوم بالياء
وصوابه بالتاء المثناة من فوق جبيب بن الحارث صحابي بالجيم وبالباء الموحدة
المكررة جيلان بن فروة بالجيم المكسوة أبو الجلد الاخباري تابعي
الدجين بن ثابت بالجيم مصغرا أبو الغصن قيل إنه جحا المعروف والأصح
أنه غيره زر بن حبيش التابعي الكبير سعير بن الخمس انفرد في
اسمه واسم أبيه سندر الخصي مولي زنباع الجذامي له صحبة شكل بن حميد
191

الصحابي بفتحتين شمعون بن زيد أبو ريحانة بالشين المنقوطة والعين المهملة ويقال
بالغين المعجمة قال أبو سعيد بن يونس وهو عندي أصح أحد الصحابة الفضلاء
صدي بن عجلان أبو أمامة الصحابي صنابح بن الأعسر الصحابي ومن قال فيه
صنابحي فقد أخطأ ضريب بن نقير بن سمير بالتصغير فيها كلها أبو الليل القيسي
البصري روى عن معاذة العدوية وغيرها ونقير أبوه بالنون والقاف وقيل بالفاء
وقيل بالفاء واللام نفيل عزوان بن زيد الرقاشي بعين غير معجمة عبد صالح تابعي
قرثع الضبي بالثاء المثلثة كلدة بن حنبل بفتح اللام صحابي لبي بن لبا الأسدي
الصحابي باللام فيهما والأول مشدد مصغر على وزن أبي والثاني مخفف مكبر
على وزن عصا فاعلمه فإنه يغلط فيه مستمر بن الريان رأى أنسا
نبيشة الخير صحابي نوف البكالي تابعي من بكال بطن من حمير بكسر الباء
وتخفيف الكاف وغلب على ألسنة أهل الحديث فيه فتح الباء وتشديد الكاف
وابصة بن معبد الصحابي هبيب بن مغفل مصغر بالباء الموحدة المكررة صحابي
ومغفل بالغين المنقوطة الساكنة همذان بريد عمر بن الخطاب ضبطه بن بكير وغيره
بالذال المعجمة وضبطه بعض من ألف على كتاب البرديجي بالدال المهملة وإسكان
الميم
وأما الكنى المفردة فمنها أبو العبيدين مصغر مثنى واسمه معاوية بن سبرة من
أصحاب بن مسعود له حديثان أو ثلاثة أبو العشراء الدارمي وقد سبق أبو المدلة
بكسر الدال المهملة وتشديد اللام ولم يوقف على اسمه روى عنه الأعمش وابن عيينة
وجماعة ولا نعلم أحدا تابع أبا نعيم الحافظ في قوله إن أسامة عبيد الله بن عبد الله
المدني أبو مراية العجلي عرفناه بضم الميم وبعد الألف ياء مثناة من تحت واسمه
192

عبد الله بن عمرو تابعي روى عنه قتادة أبو معيد مصغر مخفف الياء حفص بن غيلان
الهمداني روى عن مكحول وغيره
وأما الافراد من الألقاب فمثالها سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة لقب فرد
واسمه مهران على خلاف فيه مندل بن علي وهو بكسر الميم عن الخطيب
وغيره ويقولونه كثيرا بفتحها وهو لقب واسمه عمرو سحنون بن سعيد التنوخي
القيرواني صاحب المدونة على مذهب مالك لقب فرد واسمه عبد السلام ومن ذلك
مطين الحضرمي ومشكدانة الجعفي في جماعة آخرين سنذكرهم في نوع الألقاب إن
شاء الله تعالى وهو أعلم
النوع الموفي خمسين
معرفة الأسماء والكنى
كتب الأسماء والكنى كثيرة منها كتاب علي بن المديني وكتاب مسلم وكتاب
النسائي وكتاب الحاكم الكبير أبي أحمد الحافظ ولابن عبد البر في أنواع منه كتب
لطيفة رائقة والمراد بهذه الترجمة بيان أسماء ذوي الكنى والمصنف في ذلك يبوب
كتابه على الكنى مبينا أسماء أصحابها وهذا فن مطلوب لم يزل أهل العلم بالحديث
يعنون به ويتحفظونه ويتطارحونه فيما بينهم ويتنقصون من جهلة وقد ابتكرت فيه تقسيما
حسنا فأقول أصحاب الكنى فيها على ضروب
أحدها الذين سموا بالكنى فأسماؤهم كناهم لا أسماء لهم غيرها وينقسم هؤلاء إلى
قسمين
أحدهما من له كنية أخرى سوى الكنية التي هي اسمه فصار كأن للكنية كنية
وذلك طريف عجيب وهذا كأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي
أحد فقهاء المدينة السبعة وكان يقال له راهب قريش اسمه أبو بكر وكنيته أبو
عبد الرحمن وكذلك أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصار ي يقال إن اسمه أبو
بكر وكنيته أبو محمد ولا نظير لهذين في ذلك قاله الخطيب وقد قيل إنه لا كنية لابن
حزم غير الكنية التي هي اسمه
الثاني من هؤلاء من لا كنية له غير الكنية التي هي اسمه مثاله أبو بلال
الأشعري الراوي عن شريك وغيره روي عنه أنه قال ليس لي اسم اسمي وكنيتي
واحد وهكذا أبو حصين بن يحيى بن سليمان الرازي بفتح الحاء روى عنه جماعة
193

منهم أبو حاتم الرازي وسأله هل لك اسم فقال لا اسمي وكنيتي واحد
الضرب الثاني الذين عرفوا بكناهم ولم يوقف على أسمائهم ولا على حالهم
فيها هل هي كناهم أو غيرها مثاله من الصحابة أبو أناس بالنون الكناني ويقال الديلي
من رهط أبي الأسود الديلي ويقال فيه الدؤلي بالضم والهمزة مفتوحة في النسب عند
بعض أهل العربية ومكسورة عند بعضهم على الشذوذ فيه وأبو مويهبة مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو شيبة الخدري الذي مات في حصار القسطنطينة ودفن هناك
مكانه ومن غير الصحابة أبو الأبيض الراوي عن أنس بن مالك أبو بكر بن نافع مولى
بن عمر روى عنه مالك وغيره أبو النجيب مولى عبد الله بن عمرو بن العاص بالنون
المفتوحة في أوله وقيل بالتاء المضمومة باثنتين من فوق أبو الحرب بن أبي الأسود
الديلي أبو حريز الموقفي والموقف محلة بمصر روى عنه بن وهب وغيره والله
أعلم
الضرب الثالث الذين لقبوا بالكنى ولهم غير ذلك كنى وأسماء مثاله علي بن
أبي طالب رضي الله عنه يلقب بأبي تراب ويكنى أبا الحسن أبو الزناد عبد الله بن
ذكوان كنيته أبو عبد الرحمن وأبو الزناد لقب وذكر الحافظ أبو الفضل الفلكي فيما
بلغنا عنه أنه كان يغضب من أبي الزناد وكان عالما مفتنا أبو الرجال محمد بن
عبد الرحمن الأنصاري كنيته أبو عبد الرحمن وأبو الرجال لقب لقب به لأنه كان له
عشرة أولاد كلهم رجال أبو تميلة بتاء مضمومة مثناة من فوق يحيى بن واضح
الأنصاري المروزي يكنى أبا محمد وأبو تميلة لقب وثقه يحيى بن معين وغيره وأنكر
أبو حاتم الرازي على البخاري إدخاله إياه في كتاب الضعفاء أبو الآذان الحافظ
عمر بن إبراهيم يكنى أبا بكر وأبو الآذان لقب لقب به لأنه كان كبير الاذنين أبو
الشيخ الأصبهاني عبد الله بن محمد الحافظ كنيته أبو محمد وأبو الشيخ لقب أبو حازم
العبدوي الحافظ عمر بن أحمد كنيته أبو حفص وأبو حازم لقب وإنما استفدناه من
كتا ب الفلكي في الألقاب والله أعلم
الضرب الرابع من له كنيتان أو أكثر مثال ذلك عبد الملك بن عبد العزيز بن
جريج كانت له كنيتان أبو خالد وأبو الوليد عبد الله بن عمر بن حفص العمري أخو
عبيد الله روي أنه كان يكنى أبا القاسم فتركها واكتنى أبا عبد الرحمن وكان لشيخنا
منصور بن أبي المعالي النيسابوري حفيد الفراوي ثلاث كنى أبو بكر وأبو الفتح
وأبو القاسم والله أعلم
194

الضرب الخامس من اختلف في كنيته فذكر له على الاختلاف كنيتان أو أكثر
واسمه معروف ولعبد الله بن عطاء الإبراهيمي الهروي من المتأخرين فيه مختصر
مثاله أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل كنيته أبو زيد وقيل أبو
محمد وقيل أبو عبد الله وقيل أبو خارجة أبي بن كعب أبو المنذر وقيل أبو الطفيل قبيصة بن
ذؤيب أبو إسحاق وقيل أبو سعيد القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أبو
عبد الرحمن وقيل أبو محمد سليمان بن بلال المدني أبو بلال وقيل أبو محمد وفي
بعض من ذكر في هذا القسم من هو في نفس الامر ملتحق بالضرب الذي قبله والله
أعلم
الضرب السادس من عرفت كنيته واختلف في اسمه مثاله من الصحابة أبو
بصرة الغفاري على لفظ البصرة البلدة قيل اسمه جميل بن بصرة بالجيم وقيل حميل
بالحاء المهملة المضمومة وهو الأصح أبو جحيفة السوائي قيل اسمه وهب بن عبد الله
وقيل وهب الله بن عبد الله أبو هريرة الدوسي اختلف في اسمه واسم أبيه اختلاف كثير
جدا لم يختلف مثله في اسم أحد في الجاهلية والاسلام وذكر بن عبد البر ان فيه نحو
عشرين قولة في اسمه واسم أبيه وانه لكثرة الاضطراب لم يصح عنده في اسمه شئ
يعتمد عليه الا ان عبد الله أو عبد الرحمن هو الذي يسكن إليه القلب في اسمه في
الاسلام وذكر عن محمد بن إسحاق ان اسمه عبد الرحمن بن صخر قال وعلي هذا
اعتمدت طائفة الفت في الأسماء والكنى قال وقال أبو أحمد الحاكم أصح شئ
عندنا في اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر
ومن غير الصحابة أبو بردة بن أبي موسي الأشعري أكثرهم علي ان اسمه عامر
وعن بن معين ان اسمه الحارث أبو بكر بن عياش راوي قراءة عاصم اختلف في اسمه
علي أحد عشر قولا قال بن عبد البر ان صح له اسم فهو شعبة لا غير وهو الذي
صححه أبو زرعة قال بن عبد البر وقيل اسمه كنيته وهذا أصح إن شاء الله لأنه روي
عنه أنه قال ما لي اسم غير أبي بكر والله أعلم
السابع من اختلف في كنيته واسمه معا وذلك قليل مثاله سفينة مولي
رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل اسمه عمير وقيل صالح وقيل مهران وكنيته أبو عبد الرحمن
وقيل أبو البختري والله أعلم
الثامن من لم يختلف في كنيته واسمه وعرفا جميعا واشتهرا ومن أمثلته أئمة
المذاهب ذوو أبي عبد الله مالك ومحمد بن إدريس الشافعي وأحمد بن حنبل
195

وسفيان الثوري وأبو حنيفة النعمان بن ثابت في خلق كثير
التاسع من اشتهر بكنيته دون اسمه واسمه مع ذلك غير مجهول عند أهل العلم
بالحديث ولابن عبد البر تصنيف مليح فيمن بعد الصحابة منهم مثاله أبو إدريس
الخولاني اسمه عائذ الله بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي اسمه عمرو بن عبد الله أبو
الأشعث الصنعاني صنعاء دمشق اسمه شراحيل بن أداة بهمزة ممدودة بعدها دال
مهملة مفتوحة مخففة ومنهم من شدد الدال ولم يمد أبو الضحي مسلم بن صبيح بضم
الصاد المهملة أبو حازم الأعرج الزاهد الراوي عن سهل بن سعد وغيره اسمه
سلمة بن دينار ومن لا يحصي والله أعلم
النوع الحادي والخمسون
معرفة كني المعروفين بالأسماء دون الكنى
وهذا من وجه ضد النوع الذي قبله ومن شأنه أن يبوب على الأسماء ثم تبين
كناها بخلاف ذاك ومن وجه آخر يصلح لان يجعل قسما من أقسام ذاك من حيث كونه
قسما من أقسام أصحاب الكنى وقل من أفرده بالتصنيف وبلغنا أن لأبي حاتم بن حبان
البستي فيه كتابا ولنجمع في التمثيل جماعات في كنية واحدة تقريبا على الضابط
فممن يكنى بأبي محمد من هذا القبيل من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين طلحة بن
عبيد الله التيمي عبد الرحمن بن عوف الزهري الحسن بن علي بن أبي طالب
الهاشمي ثابت بن قيس بن الشماس عبد الله بن زيد صاحب الاذان الأنصاريان
كعب بن عجرة الأشعث بن قيس معقل بن سنان الأشجعي عبد الله بن جعفر بن
أبي طالب عبد الله بن بحينة عبد الله بن عمرو بن العاص عبد الرحمن بن أبي بكر
الصديق جبير بن مطعم الفضل بن العباس بن عبد المطلب حويطب بن
عبد العزى محمود بن الربيع عبد الله بن ثعلبة بن صغير
وممن يكنى منهم بأبي عبد الله الزبير بن العوام الحسين بن علي بن أبي
طالب سلمان الفارسي عامر بن ربيعة العدوي حذيفة بن اليمان كعب بن مالك
رافع بن خديج عمارة بن حزم النعمان بن بشير جابر بن عبد الله عثمان بن حنيف
حارثة بن النعمان وهؤلاء السبعة أنصاريون ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن
شعبة شرحبيل بن حسنة عمرو بن العاص محمد بن عبد الله بن جحش
معقل بن يسار وعمرو بن عامر المزنيان وممن يكنى منهم بأبي عبد الرحمن
عبد الله بن مسعود معاذ بن جبل زيد بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب عبد الله بن
196

عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة الأنصاري عويم بن ساعدة على وزن نعيم
زيد بن خالد الجهني بلال بن الحارث المزني معاوية بن أبي سفيان الحارث بن
هشام المخزومي المسور بن مخرمة وفي بعض من ذكرناه من قبل في كنيته غير ما
ذكرناه والله أعلم
النوع الثاني والخمسون
معرفة ألقاب المحدثين ومن يذكر معهم
وفيها كثرة ومن لا يعرفها يوشك أن يظنها أسامي وأن يجعل من ذكر باسمه في
موضع وبلقبه في موضع شخصين كما اتفق لكثير ممن ألف وممن صنفها أبو بكر
أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ ثم أبو الفضل بن الفلكي الحافظ وهي تنقسم
إلى ما يجوز التعريف به وهو ما لا يكرهه الملقب وإلى ما لا يجوز وهو ما يكرهه
الملقب وهذا أنموذج منها مختار
روينا عن عبد الغني بن سعيد الحافظ أنه قال رجلان جليلان لزمهما لقبان
قبيحان معاوية بن عبد الكريم الضال وإنما ضل في طريق مكة وعبد الله بن محمد
الضعيف وإنما كان ضعيفا في جسمه لا في حديثه قلت وثالث وهو عارم أبو
النعمان محمد بن الفضل السدوسي وكان عبدا صالحا بعيدا من العرامة والضعيف هو
الطرسوسي أبو محمد سمع أبا معاوية الضرير وغيره كتب عنه أبو حاتم الرازي وزعم
أبو حاتم بن حبان أنه قيل له الضعيف لإتقانه وضبطه
غندر لقب محمد بن جعفر البصري أبي بكر وسببه ما روينا أن بن جريج
قدم البصرة فحدثهم بحديث عن الحسن البصري فأنكروه عليه وشغبوا وأكثر محمد بن
جعفر من الشغب عليه فقال له اسكت يا غندر وأهل الحجاز يسموه المشغب
غندرا ثم كان بعده غنادرة كل منهم يلقب بغندر منهم محمد بن جعفر الرازي أبو
الحسين غندر روى عن أبي حاتم الرازي وغيره ومنهم محمد بن جعفر أبو بكر
البغدادي غندر الحافظ الجوال حدث عنه أبو نعيم الحافظ وغيره ومنهم محمد بن
جعفر بن دران البغدادي أبو الطيب روى عن أبي خليفة الجمحي وغيره وآخرون لقبوا
بذلك ممن ليس بمحمد بن جعفر
غنجار لقب عيسى بن موسى التيمي أبي أحمد البخاري متقدم حدث عن
197

مالك والثوري وغيرهما لقب بغنجار لحمرة وجنتيه وغنجار آخر متأخر وهو أبو
عبد الله محمد بن أحمد البخاري الحافظ صاحب تاريخ بخارى مات سنة ثنتي عشرة
وأربعمائة والله أعلم
صاعقة هو أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم الحافظ روى عنه البخاري وغيره
قال أبو علي الحافظ إنما لقب صاعقة لحفظه وشدة مذاكرته ومطالباته
شباب لقب خليفة بن خياط العصفري صاحب التاريخ سمع غندرا وغيره
زنيج بالنون والجيم لقب أبي غسان محمد بن عمرو الرازي روى
عنه مسلم وغيره
رسته لقب عبد الرحمن بن عمر الأصبهاني
سنيد لقب الحسين بن داود المصيصي صحاب التفسير روى عنهما أبو زرعة
وأبو حاتم الحافظان وغيرهما
بندار لقب محمد بن بشار البصري روى عنه البخاري ومسلم والناس قال
بن الفلكي إنما لقب بهذا لأنه كان بندار الحديث
قيصر لقب أبي النضر هاشم بن القاسم المعروف روى عنه أحمد بن حنبل وغيره
الأخفش لقب جماعة منهم أحمد بن عمران البصري النحوي متقدم روى عن
زيد بن الحباب وغيره وله غريب الموطأ وفي النحويين أخافش ثلاثة مشهورون
أكبرهم أبو الخطاب عبد الحميد بن عبد المجيد وهو الذي ذكره سيبويه في كتابه
والثاني سعيد بن مسعدة أبو الحسن الذي يروي عنه كتاب سيبويه وهو صاحبه والثالث
أبو الحسن علي بن سليمان صاحب أبوي العباس النحويين أحمد بن يحيى الملقب
بثعلب ومحمد بن يزيد الملقب بالمبرد
مربع بفتح الباء المشددة هو محمد بن إبراهيم الحافظ البغدادي
جزرة لقب صالح بن محمد البغدادي الحافظ لقب بذلك من أجل أنه سمع
198

من بعض الشيوخ ما روي عن عبد الله بن بسر أنه كان يرقي بخرزة فصحفها وقال جزرة
بالجيم فذهبت عليه وكان ظريفا له نوادر تحكى
عبيد العجل لقب أبي عبد الله الحسين بن محمد بن حاتم البغدادي الحافظ
كيلجة هو محمد بن صالح البغدادي الحافظ
ما غمه بلفظ النفي لفعل الغم هو لقب علان بن عبد الصمد وهو علي بن
الحسين بن عبد الصمد الحافظ ويجمع فيه بين اللقبين فيقال علان ما غمه
وهؤلاء البغداديون الخمسة روينا أن يحيى بن معين هو لقبهم وهم من كبار أصحابه
وحفاظ الحديث
سجادة المشهور هو الحسن بن حماد سمع وكيعا وغيره
مشكدانة ومعناه بالفارسية حبة المسك أو وعاء المسك لقب عبد الله بن
عمر بن محمد بن أبان
مطين بفتح الياء لقب أبي جعفر الحضرمي خاطبهما بذلك أبو نعيم الفضل بن
دكين فلقبها بهما عبدان لقب لجماعة أكبرهم عبد الله بن عثمان المروزي صاحب بن المبارك
وراويته روينا عن محمد بن طاهر المقدسي أنه إنما قيل له عبدان لان كنيته أبو
عبد الرحمن واسمه عبد الله فاجتمع في كنيته واسمع العبدان وهذا لا يصح بل ذلك من
تغيير العامة للأسامي وكسرهم لها في زمان صغر المسمى أو نحو ذلك كما قالوا في
علي علان وفي أحمد بن يوسف السلمي وغيره حمدان وفي وهب بن بقية
الواسطي وهبان والله أعلم
النوع الثالث والخمسون معرفة المؤتلف
والمختلف من الأسماء والأنساب وما يلتحق بها
وهو ما يأتلف أي تتفق في الخط صورته وتختلف في اللفظ صيغته هذا فن
199

جليل من لم يعرفه من المحدثين كثر عثاره ولم يعدم مخجلا وهو منتشر لا ضابط في
أكثره يفزع إليه وإنما يضبط بالحفظ تفصيلا وقد صنفت فيه كتب مفيدة ومن
أكملها الاكمال لأبي نصر بن مأكولا على إعواز فيه وهذه أشياء مما دخل منه تحت
الضبط مما يكثر ذكره والضبط فيها على قسمين على العموم وعلى الخصوص
فمن القسم الأول سلام وسلام جميع ما يرد عليك من ذلك فهو بتشديد اللام
إلا خمسة وهم سلام والد عبد الله بن سلام الإسرائيلي الصحابي وسلام والد
محمد بن سلام البيكندي البخاري شيخ البخاري لم يذكر فيه الخطيب وابن مأكولا غير
التخفيف وقال صاحب المطالع منهم من خفف ومنهم من ثقل وهو الأكثر
قلت التخفيف أثبت وهو الذي ذكره غنجار في تاريخ بخارى وهو أعلم بأهل
بلاده وسلام بن محمد بن ناهض المقدسي روى عنه أبو طالب الحافظ والطبراني
وسماه الطبراني سلامة وسلام جد محمد بن عبد الوهاب بن سلام المتكلم الجبائي
أبي علي المعتزلي وقال المبرد في كامله ليس في العرب سلام مخفف اللام إلا والد
عبد الله بن سلام وسالم بن أبي الحقيق قال وزاد آخرون سلام بن مشكم خمارا كان
في الجاهلية والمعروف فيه التشديد والله أعلم
عمارة وعمارة ليس لنا عمارة بكسر العين إلا أبي بن عمارة من الصحابة
ومنهم من ضمه ومن عداه عمارة بالضم والله أعلم
كريز وكريز حكى أبو علي الغساني في كتابه تقييد المهمل عن محمد بن
وضاح أن كريزا بفتح الكاف في خزاعة وكريزا بضمها في عبد شمس بن عبد مناف
قلت وكريز بضمها موجود أيضا في غيرهما ولا نستدرك في المفتوح بأيوب بن كريز
الراوي عن عبد الرحمن بن غنم لكون عبد الغني ذكره بالفتح لأنه بالضم كذلك ذكره
الدارقطني وغيره
حزام بالزاي في قريش وحرام بالراء المهملة في الأنصار والله أعلم
ذكر أبو علي بن البرداني أنه سمع الخطيب الحافظ يقول العيشيون بصريون
والعبسيون كوفيون والعنسيون شاميون
قلت وقد قاله قبله الحاكم أبو عبد الله وهذا على الغالب الأول بالشين
المعجمة والثاني بالباء الموجدة والثالث بالنون والسين فيهما غير معجمة
أبو عبيدة كله بالضم بلغنا عن الدارقطني أنه قال لا نعلم أحدا يكنى أبا عبيدة
بالفتح
200

وهذه أشياء اجتهدت في ضبطها متتبعا من ذكرهم الدارقطني وعبد الغني وابن
مأكولا
منها السفر بإسكان الفاء والسفر بفتحها وجدت الكنى من ذلك بالفتح والباقي
بالاسكان ومن المغاربة من سكن الفاء من أبي السفر سعيد بن يحمد وذلك خلاف ما
يقوله أصحاب الحديث حكاه الدارقطني عنهم
عسل بكسر العين المهملة وإسكان الحسين المهملة وعسل بفتحهما وجدت
الجميع من القبيل الأول ومنهم عسل بن سفيان إلا عسل بن ذكوان الاخباري البصري
فإنه بالفتح ذكره الدارقطني وغيره ووجدته بخط الامام أبي منصور الأزهري في كتابه
تهذيب اللغة بالكسر والإسكان أيضا ولا أراه ضبطه والله أعلم
غنام بالغين المعجمة والنون المشددة وعثام بالعين المهملة والثاء المثلثة
المشددة ولا نعرف من القبيل الثاني غير عثام بن علي العامري الكوفي والد علي بن
عثام الزاهد والباقون من الأول منهم غنام بن أوس صحابي بدري والله أعلم
قمير وقمير الجميع بضم القاف ومنهم مكي بن قمير عن جعفر بن سليمان إلا
امرأة مسروق بن الأجدع قمير بنت عمرو فإنها بفتح القاف وكسر الميم والله أعلم
مسور ومسور أما مسور بضم الميم وتشديد الواو وفتحها فهو مسور بن يزيد
المالكي الكاهلي له صحبة ومسور بن عبد الملك اليربوعي روى عنه معن بن عيسى
ذكره البخاري ومن سواهما فيما نعلم بكسر الميم وإسكان السين والله أعلم
الحمال والجمال لا نعرف في رواة الحديث أو فيمن ذكر منهم في كتب
الحديث المتداولة الحمال بالحاء المهملة صفة لا اسما إلا هارون بن عبد الله الحمال
والد موسى بن هارون الحمال الحافظ حكى عبد الغني الحافظ أنه كان بزازا فلما
تزهد حمل وزعم الخليلي وابن الفلكي أنه لقب بالحمال لكثرة ما حمل من العلم ولا
أرى ما قالاه يصح ومن عداه فالجمال بالجيم منهم محمد بن مهران الجمال حدث عنه
البخاري ومسلم وغيرهما والله أعلم
وقد يوجد في هذا الباب ما يؤمن فيه من الغلط ويكون اللافظ فيه مصيبا كيفما
قال مثل عيسى بن بابي عيسى الحناط وهو أيضا الخباط والخياط إلا أنه اشتهر بعيسى
الحناط بالحاء والنون كان خياطا للثياب ثم ترك ذلك وصار حناطا يبيع الحنطة ثم
ترك ذلك وصار خباطا يبيع الخبط الذي تأكله الإبل وكذلك مسلم الخباط بالباء
201

المنقوطة بواحدة اجتمع فيه الأوصاف الثلاثة حكى اجتماعها في هذين الشخصين
الامام الدارقطني والله أعلم
القسم الثاني ضبط ما في الصحيحين أو ما فيهما مع الموطأ من ذلك على
الخصوص فمن ذلك بشار بالشين المنقوطة والد بندار محمد بن بشار وسائر من
في الكتابين يسار بالياء المثناة في أوله والسين المهملة ذكر ذلك أبو علي الغساني في
كتابه وفيهما جميعا سيار بن سلامة وسيار بن أبي سيار وردان ولكن ليسا على هذه
الصورة وإن قاربا والله أعلم
جميع ما في الصحيحين والموطأ مما هو على صورة بسر فهو بالشين المنقوطة
وكسر الباء إلا أربعة فإنهم بالسين المهملة وضم الباء وهم عبد الله بن بسر المازني
في الصحابة الصحابي وبسر بن سعيد وبسر بن عبيد الله الحضرمي وبسر بن محجن الديلي
وقد قيل في بن محجن بشر بالشين المنقوطة حكاه أحمد بن صالح المصري عن
جماعة من ولده ورهطه وبالأول قال مالك والأكثر والله أعلم
وجميع ما فيهما على صورة بشير بالياء المثناة من تحت قبل الراء فهو بالشين
المنقوطة والباء الموحدة المفتوحة إلا أربعة فاثنان منهم بضم الباء وفتح الشين
المعجمة وهما بشير بن كعب العدوي وبشير بن يسار والثالث يسير بن عمرو وهو
بالسين المهملة وأوله ياء مثناة من تحت مضمومة ويقال فيه أيضا أسير والرابع قطن بن
نسير وهو بالنون المضمومة والسين المهملة والله أعلم
كل ما فيها على صورة يزيد فهو بالزاي والياء المثناة من تحت إلا ثلاثة أحدها
بريد بن عبد الله بن أبي بردة فإنه بضم الباء الموحدة وبالراء المهملة والثاني محمد بن
عرعرة بن البرند فإنه بالباء الموحدة والراء المهملة المكسورتين وبعدهما نون ساكنة
وفي كتاب عمدة المحدثين وغيره أنه بفتح الباب والراء والأول أشهر ولم يذكر بن
مأكولا غيره والثالث علي بن هاشم بن البريد فإنه بفتح الباء الموحدة والراء المهملة
المكسورة والياء المثناة من تحت والله أعلم
كل ما يأتي فيها من البراء فإنه بتخفيف الراء إلا أبا معشر البراء وأبا العالية البراء
فإنهما بتشديد الراء والبراء الذي يبري العود والله أعلم
ليس في الصحيحين والموطأ جارية بالجيم إلا جارية بن قدامة ويزيد بن
جارية ومن عداهما فهو حارثة بالحاء والثاء والله أعلم
ليس فيها حريز بالحاء في أوله والزاي في آخره إلا حريز بن عثمان الرحبي
202

الحمصي وأبو حريز عبد الله بن الحسين القاضي الراوي عن عكرمة وغيره ومن
عداهما جرير بالجيم وربما اشتبها بحدير بالدال وهو فيها والد عمران بن حدير ووالد
زيد وزياد ابني حدير والله أعلم
ليس فيها حراش بالحاء المهملة إلا والد ربعي بن حراش ومن بقي ممن اسمه
على هذه الصورة فهو خراش بالخاء المعجمة والله أعلم
ليس فيها حصين بفتح الحاء إلا في أبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي ومن
عداه حصين بضم الحاء وجميعه بالصاد المهملة إلا حضين بن المنذر أبا ساسان فإنه
بالضاد المعجمة والله أعلم
كل ما فيها من حازم وأبي حازم فهو بالحاء المهملة إلا محمد بن خازم أبا معاوية
الضرير فإنه بخاء معجمة والله أعلم
الذي فيها من حبان بالحاء المفتوحة والباء الموحدة المشددة حبان بن منقذ والد
واسع بن حبان وجد محمد بن يحيى بن حبان وجد حبان بن واسع بن حبان وحبان
بن هلال منسوبا وغير منسوب عن شعبة وعن وهيب وعن همام بن يحيى وعن
أبان بن يزيد وعن سليمان بن المغيرة وعن أبي عوانة والذي فيها من حبان بكسر الحاء
حبان بن عطية وحبان بن موسى وهو حبان غير منسوب عن عبد الله هو بن المبارك
وابن العرقة اسمه أيضا حبان ومن عدا هؤلاء فهو حيان بالياء المثناة من تحت والله
أعلم
الذي في هذه الكتب من خبيب بالخاء المعجمة المضمومة خبيب بن عدي
وخبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف وهو خبيب غير منسوب عن حفص بن
عاصم وعن عبد الله بن محمد بن معن وأبو خبيب عبد الله بن الزبير ومن عداهم
فبالحاء المهملة والله أعلم
ليس فيها حكيم بالضم إلا حكيم بن عبد الله ورزيق بن حكيم والله أعلم
كل ما فيها من رباح فهو بالباء الموحدة إلا زياد بن رياح وهو أبو قيس الراوي عن
أبي هريرة في أشراط الساعة ومفارقة الجماعة فإنه بالياء المثناة من تحت عند الأكثرين
وقد حكى البخاري فيه وجهين بالباء والياء والله أعلم
زبيد وزييد ليس في الصحيحين إلا زبيد بالباء الموحدة وهو زبيد بن الحارث
203

اليامي وليس في الموطأ من ذلك إلا زييد بياءين مثناتين من تحت وهو زييد بن
الصلت يكسر أوله ويضم والله أعلم
فيها سليم بفتح السين واحد وهو سليم بن حيان ومن عداه فيها فهو سليم بالضم
والله أعلم
وفيها سلم بن زرير وسلم بن قتيبة وسلم بن أبي الذيال وسلم بن
عبد الرحمن هؤلاء الأربعة بإسكان اللام ومن عداهم سالم بالألف والله أعلم
وفيها سريج بن يونس وسريج بن النعمان وأحمد بن أبي سريج هؤلاء
الثلاثة بالجيم والسين المهملة ومن عداهم فيها فهو بالشين المنقوطة والحاء المهملة
والله أعلم
وفيها سلمان الفارسي وسلمان بن عامر وسلمان الأغر وعبد الرحمن
بن سلمان ومن عدا هؤلاء الأربعة سليمان بالياء وأبو حازم الأشجعي الراوي عن أبي
هريرة وأبو رجاء مولى أبي قلابة كل واحد منهما اسمه سلمان بغير ياء لكن ذكرا
بالكنية والله أعلم
وفيها سلمة بكسر اللام عمرو بن سلمة الجرمي إمام قومه وبنو سلمة القبيلة من
الأنصار والباقي سلمة بفتح اللام غير أن عبد الخالق بن سلمة في كتاب مسلم ذكر فيه
الفتح والكسر والله أعلم
وفيها سنان بن أبي سنان الدؤلي وسنان بن سلمة وسنان بن ربيعة أبو ربيعة
وأحمد بن سنان وأم سنان وأبو سنان ضرار بن مرة الشيباني ومن عدا هؤلاء الستة
شيبان بالشين المنقوطة والياء والله أعلم
عبيدة بفتح العين ليس في الكتب الثلاثة إلا عبيدة السلماني وعبيدة بن حميد
وعبيدة بن سفيان وعامر بن عبيدة الباهلي ومن عدا هؤلاء الأربعة فعبيدة بالضم
والله أعلم
عبيد بغير هاء التأنيث هو بالضم حيث وقع فيها وكذلك عبادة بالضم حيث وقع
إلا محمد بن عبادة الواسطي من شيوخ البخاري فإنه بفتح العين وتخفيف الباء والله
أعلم
عبدة هو بإسكان الباء حيث وقع في هذه الكتب إلا عامر بن عبدة في خطبة كتاب
مسلم وإلا بجالة بن عبدة على أن فيهما خلافا منهم من سكن الباء منهما أيضا وعبد
204

بعض رواة مسلم عامر بن عبد بلا هاء ولا يصح والله أعلم
عباد هو فيها بفتح العين وتشديد الباء إلا قيس بن عباد فإنه بضم العين وتخفيف
الباء والله أعلم
ليس فيها عقيل بضم العين إلا عقيل بن خالد ويحيى بن عقيل وبنو عقيل
للقبيلة ومن عدا هؤلاء عقيل بفتح العين والله أعلم
وليس فيها وافد بالفاء أصلا وجميع ما فيها واقد بالقاف والله أعلم
ومن الأنساب ذكر القاضي الحافظ عياض أنه ليس في هذه الكتب الأبلي بالباء
الموحدة وجميع ما فيها على هذه الصورة فإنما هو الأيلي بالياء
المنقوطة باثنتين من تحت
قلت روى مسلم الكثير عن شيبان بن فروخ وهو أبلي بالباء الموحدة لكن إذا
لم يكن في شئ من ذلك منسوبا لم يلحق عياضا منه تخطئة والله أعلم
لا نعلم في الصحيحين البزار بالراء المهملة في آخره إلا خلف بن هشام البزار
والحسن بن الصباح البزار وأما محمد بن الصباح البزار وغيره فيهما فهو بزايين
والله أعلم
وليس في الصحيحين والموطأ النصري بالنون والصاد المهملة إلا ثلاثة
مالك بن أوس بن الحدثان النصري وعبد الواحد بن عبد الله النصري وسالم مولى
النصريين وسائر ما فيها على هذه الصورة فهو بصري بالباء الموحدة والله أعلم
ليس فيها التوزي بفتح التاء المثناة من فوق والواو المشددة المفتوحة والزاي إلا
أبو يعلى التوزي محمد بن الصلت في كتاب البخاري في باب الردة ومن عداه فهو
الثوري بالثاء المثلثة ومنهم أبو يعلى منذر بن يعلى الثوري خرجا عنه والله أعلم
سعيد الجريري وعباس الجريري والجريري غير مسمى عن أبي نضرة هذا ما
فيها بالجيم المضمومة وفيها الحريري بالحاء المهملة يحيى بن بشر شيخ البخاري
ومسلم والله أعلم
وفيها الجريري بفتح الجيم يحيى بن أيوب الجريري في كتاب البخاري من ولد
جرير بن عبد الله والله أعلم
الجاري فيها بالجيم شخص واحد وهو سعد منسوب إلى الجار مرفأ السفن
بساحل المدينة ومن عداه الحارثي بالحاء والثاء والله أعلم
205

الحزامي حيث وقع فيها فهو بالزاي غير المهملة والله أعلم
السلمي إذا جاء في الأنصار فهو بفتح السين نسبة إلى بني سلمة منهم ومنهم
جابر بن عبد الله وأبو قتادة ثم إن أهل العربية يفتحون اللام منه في النسب كما في
النمري والصدفي وبابهما وأكثر أهل الحديث يقولونه بكسر اللام على الأصل وهو
لحن والله أعلم
ليس في الصحيحين والموطأ الهمذاني بالذال المنقوطة وجميع ما فيها على
هذه الصورة فهو الهمداني بالدال المهملة وسكون الميم وقد قال أبو نصر بن مأكولا
الهمداني في المتقدمين بسكون الميم أكثر وبفتح الميم في المتأخرين أكثر وهو كما
قال والله أعلم
هذه جملة لو رحل الطالب فيها لكانت رحلة رابحة إن شاء الله تعالى ويحق على
الحديثي إيداعها في سويداء قلبه وفي بعضها من خوف الانتقاض ما تقدم في الأسماء
المفردة وأنا في بعضها مقلد كتاب القاضي عياض ومعتصم بالله فيه وفي جميع أمري
وهو سبحانه أعلم
النوع الرابع والخمسون
معرفة المتفق والمفترق من الأسماء
والأنساب ونحوها
هذا النوع متفق لفظا وخطا بخلاف النوع الذي قبله فإن فيه الاتفاق في صورة
الخط مع الافتراق في اللفظ وهذا من قبيل ما يسمى في أصول الفقه المشترك وزلق
بسببه غير واحد من الأكابر ولم يزل الاشتراك من مظان الغلط في كل علم وللخطيب
فيه كتاب المتفق والمفترق وهو مع أنه كتاب حفيل غير مستوف للأقسام التي أذكرها
إن شاء الله تعالى
فأحدها المفترق ممن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم
مثاله الخليل بن أحمد ستة وفات الخطيب منهم الأربعة الأخيرة فأولهم
النحوي البصري صاحب العروض حدث عن عاصم الأحول وغيره قال أبو العباس
المبرد فتش المفتشون فما وجد بعد نبينا صلى الله عليه وسلم من اسمه أحمد قبل أبي الخليل بن
أحمد وذكر التاريخي أبو بكر أنه لم يزل يسمع النسابين والأخباريين يقولون إنهم لم
يعرفوا غيره واعترض عليه بأبي السفر سعيد بن أحمد احتجاجا بقول يحيى بن معين
206

في اسم أبيه فإنه أقدم وأجاب بأن أكثر أهل العلم إنما قالوا فيه سعيد بن يحمد والله
أعلم والثاني أبو بشر المزني بصري أيضا حدث عن المستنير بن أخضر عن
معاوية بن قرة روى عنه العباس العنبري وجماعة والثالث أصبهاني روى عن
روح بن عبادة وغيره والرابع أبو سعيد السجزي القاضي الفقيه الحنفي المشهور
بخراسان حدث عن ابن خزيمة وابن صاعد والبغوي وغيرهم من الحفاظ
المسندين والخامس أبو سعيد البستي القاضي المهلبي فاضل روى عن الخليل
السجزي المذكور وحدث عن أحمد بن المظفر البكري عن ابن أبي خثيمة بتاريخه وعن
غيرهما حدث عنه البيهقي الحافظ والسادس أبو سعيد البستي أيضا الشافعي فاضل
متصرف في علوم دخل الأندلس وحدث ولد سنة ستين وثلاثمائة روى عن أبي
حامد الأسفرائيني وغيره حدث عنه أبو العباس العذري وغيره والله أعلم
القسم الثاني المفترق ممن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم وأجدادهم أو أكثر
من ذلك
ومن أمثلته أحمد بن جعفر بن حمدان أربعة كلهم في عصر واحد أحدهم
القطيعي البغدادي أبو بكر الراوي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل الثاني السقطي
البصري أبو بكر يروي أيضا عن عبد الله بن أحمد ولكنه عبد الله بن أحمد بن إبراهيم
الدورقي الثالث دينوري روى عن عبد الله بن محمد بن سنان عن محمد بن كثير
صاحب سفيان الثوري والرابع طرسوسي روى عن عبد الله بن جابر الطرسوسي
تاريخ محمد بن عيسى الطباع
محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري اثنان كلاهما في عصر واحد وكلاهما
يروي عنه الحاكم أبو عبد الله وغيره فأحدهما هو المعروف بأبي العباس الأصم
والثاني هو أبو عبد الله بن الأخرم الشيباني ويعرف بالحافظ دون الأول والله أعلم
القسم الثالث ما اتفق من ذلك في الكنية والنسبة معا
مثاله أبو عمران الجوني اثنان أحدهما التابعي عبد الملك بن حبيب
والثاني اسمه موسى بن سهل بصري سكن بغداد روى عن هشام بن عمار وغيره روى
عنه دعلج بن أحمد وغيره
ومما يقاربه أبو بكر بن عياش ثلاثة أولهم القارئ المحدث وقد سبق ذكر
الخلاف في اسمه والثاني أبو بكر بن عياش الحمصي الذي حدث عنه جعفر بن
عبد الواحد الهاشمي وهو مجهول وجعفر غير ثقة والثالث أبو بكر بن عياش السلمي
207

الباجدائي صاحب كتاب غريب الحديث واسمه حسين بن عياش مات سنة أربع
ومائتين بباجدا روى عنه علي بن جميل الرقي وغيره والله أعلم
القسم الرابع عكس هذا
ومثاله صالح بن أبي صالح أربعة أحدهم مولى التوأمة بنت أمية بن خلف
والثاني أبوه أبو صالح السمان ذكوان الراوي عن أبي هريرة والثالث صالح بن أبي
صالح السدوسي روى عن علي وعائشة روى عنه خلاد بن عمرو الرابع صالح بن
أبي صالح مولى عمرو بن حريث روى عن أبي هريرة روى عنه أبو بكر بن عياش
والله أعلم
القسم الخامس المفترق ممن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم ونسبتهم
مثاله محمد بن عبد الله الأنصاري اثنان متقاربان في الطبقة أحدهما هو
الأنصاري المشهور القاضي أبو عبد الله الذي روى عنه البخاري والناس والثاني
كنيته أبو سلمة ضعيف الحديث والله أعلم
القسم السادس ما وقع فيه الاشتراك في الاسم خاصة أو الكنية خاصة وأشكل
مع ذلك لكونه لم يذكر بغير ذلك
مثاله ما رويناه عن ابن خلاد القاضي الحافظ قال إذا قال عارم حدثنا حماد
فهو حماد بن زيد وكذلك سليمان بن حرب وإذا قال التبوذكي ثنا حماد فهو
حماد بن سلمة وكذلك الحجاج بن منهال وإذا قال عفان حدثنا حماد أمكن أن
يكون أحدهما ثم وجدت عن محمد بن يحيى الذهلي عن عفان قال إذا قلت لكم
حدثنا حماد ولم أنسبه فهو بن سلمة وذكر محمد بن يحيى فيمن سوى التبوذكي ما
ذكره بن خلاد
ومن ذلك ما رويناه عن سلمة بن سليمان أنه حدث يوما فقال أنبأ عبد الله
فقيل له أبن من فقال يا سبحان الله أما ترضون في كل حديث حتى أقول حدثنا
عبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن الحنظلي الذي منزله في سكة صغد ثم قال
سلمة إذا قيل بمكة عبد الله فهو بن الزبير وإذا قيل بالمدينة عبد الله فهو بن
عمر وإذا قيل بالكوفة عبد الله فهو بن مسعود وإذا قيل بالبصرة عبد الله فهو بن
عباس وإذا قيل بخراسان عبد الله فهو بن المبارك وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي
القزويني إذا قال المصري عن عبد الله ولا ينسبه فهو بن عمرو يعني بن العاص
وإذا قال المكي عن عبد الله ولا ينسبه فهو بن عباس
208

ومن ذلك أبو حمزة بالحاء والزاي عن ابن عباس إذا أطلق وذكر بعض الحفاظ
ان شعبة روي عن سبعة كلهم أبو حمزة عن ابن عباس وكلهم أبو حمزة بالحاء والزاي
الا واحدا فإنه بالجيم وهو أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي ويدرك فيه الفرق بينهم
بان شعبة إذا قال عن أبي جمرة عن ابن عباس وأطلق فهو عن نصر بن عمران وإذا
روي عن غيره فهو يذكر اسمه أو نسبه والله أعلم
القسم السابع المشترك المتفق في النسبة خاصة
ومن أمثلته الآملي والآملي فالأول إلي امل طبرستان قال أبو سعيد
السمعاني أكثر أهل العلم من أهل طبرستان من امل والثاني إلي امل جيحون
شهر بالنسبة إليها عبد الله بن حماد الآملي روي عنه البخاري في صحيحه وما ذكره
الحافظ أبو علي الغساني ثم القاضي عياض المغربيان من أنه منسوب إلي امل طبرستان
فهو خطا والله أعلم
ومن ذلك الحنفي والحنفي فالأول نسبة إلي بني حنيفة والثاني نسبة إلي
مذهب أبي حنيفة وفي كل منهما كثرة وشهرة وكان محمد بن طاهر المقدسي وكثير من
أهل الحديث وغيرهم يفرقون بينهما فيقولون في المذهب حنيفي بالياء ولم
أجد ذلك عن أحد من النحويين الا عن أبي بكر بن الأنباري الامام قاله في كتابه
الكافي ولمحمد بن طاهر في هذا القسم كتاب الأنساب المتفقة
ووراء هذه الأقسام أقسام اخر لا حاجة بنا إلي ذكرها
ثم إن ما يوجد من المتفق المفترق غير مقرون ببيان فالمراد به قد يدرك بالنظر
في رواياته فكثيرا ما يأتي مميزا في بعضها وقد يدرك بالنظر في حال الراوي والمروي
عنه وربما قالوا في ذلك بظن لا يقوي حدث القاسم المطرز يوما بحديث عن أبي
همام أو غيره عن الوليد بن مسلم عن سفيان فقال له أبو طالب بن نصر الحافظ من
سفيان هذا فقال هذا الثوري فقال له أبو طالب بل هو بن عيينة فقال له المطرز
من أين قلت فقال لان الوليد قد روي عن الثوري أحاديث معدودة محفوظة وهو
ملئ بابن عيينة والله أعلم
النوع الخامس والخمسون
نوع يتركب من النوعين اللذين قبله
وهو ان يوجد الاتفاق المذكور في النوع الذي فرغنا منه آنفا في اسمي شخصين
209

أو كنيتهما التي عرفا بها ويوجد في نسبهما أو نسبتهما الاختلاف والائتلاف المذكوران
في النوع الذي قبله أو علي العكس من هذا بان يختلف ويأتلف اسماهما ويتفق
نسبتهما أو نسبهما اسما أو كنية ويلتحق بالمؤتلف والمختلف فيه ما يتقارب ويشتبه
وإن كان مختلفا في بعض حروفه في صورة الخط وصنف الخطيب الحافظ في ذلك
كتابه الذي أسماه كتاب تلخيص المتشابه في الرسم وهو من أحسن كتبه لكن لم يعرب
باسمه الذي سماه به عن موضوعه كما أعربنا عنه
فمن أمثلة الأول موسى بن علي بفتح العين وموسى بن علي بضم العين فمن
الأول جماعة منهم أبو عيسى الختلي الذي روى عنه أبو بكر بن مقسم المقري وأبو علي
الصواف وغيرهما وأما الثاني فهو موسى بن علي بن رباح اللخمي المصري عرف
بالضم في اسم أبيه وقد روينا عنه تخريجه من يقوله بالضم ويقال إن أهل مصر
كانوا يقولونه بالفتح لذلك وأهل العراق كانوا يقولونه بالضم وكان بعض الحفاظ
يجعله بالفتح اسما له وبالضم لقبا والله أعلم
ومن المتفق من ذلك المختلف المؤتلف في النسبة محمد بن عبد الله المخرمي
بضم الميم الأولى وكسر الراء المشددة مشهور صاحب حديث نسب إلى المخرم من
بغداد ومحمد بن عبد الله المخرمي بفتح الميم الأولى وإسكان الخاء المعجمة غير
مشهور روى عن الشافعي الامام والله أعلم
ومما يتقارب ويشتبه مع الاختلاف في الصورة ثور بن يزيد الكلاعي الشامي
وثور بن زيد بلا ياء في أوله الديلي المدني وهذا الذي روى عنه مالك وحديثه في
الصحيحين معا والأول حديثه عند مسلم خاصة والله أعلم
ومن المتفق في الكنية المختلف المؤتلف في النسبة أبو عمرو الشيباني وأبو
عمرو السيباني تابعيان يفترقان لان الأول بالشين المعجمة والثاني بالعين المهملة
واسم الأول سعد بن إياس ويشاركه في ذلك أبو عمرو الشيباني اللغوي إسحاق بن
مرار وأما الثاني فاسمه زرعة وهو والد يحيى بن أبي عمرو السيباني الشامي والله
أعلم
وأما القسم الثاني الذي هو على العكس فمن أمثلته بأنواعه عمرو بن زرارة
بفتح العين وعمر بن زرارة بضم العين فالأول جماعة منهم أبو محمد النيسابوري
الذي روى عنه مسلم والثاني يعرف بالحدثي وهو الذي يروي عنه البغوي المنيعي
وبلغنا عن الدارقطني أنه من مدينة في الثغر يقال لها الحدث وروينا عن أبي أحمد
210

الحافظ الحاكم أنه من أهل الحديث منسوب إليها والله أعلم
عبيد الله بن أبي عبد الله وعبد الله بن أبي عبد الله الأول هو بن الأغر
سلمان أبي عبد الله صاحب أبي هريرة روى عنه مالك والثاني جماعة منهم
عبد الله بن أبي عبد الله المقرئ الأصبهاني روى عنه أبو الشيخ الأصبهاني والله
أعلم
حيان الأسدي بالياء المشددة المثناة من تحت وحنان بالنون الخفيفة الأسدي
فمن الأول حيان بن حصين التابعي الراوي عن عمار بن ياسر والثاني هو حنان
الأسدي من بني أسد بن شريك بضم الشين وهو عم مسرهد والد مسدد ذكره الدارقطني
يروي عن أبي عثمان النهدي والله أعلم
النوع السادس والخمسون
عز وجل معرفة الرواة المتشابهين في الاسم والنسب
المتمايزين بالتقديم والتأخير في الابن والأب
مثاله يزيد بن الأسود والأسود بن يزيد فالأول يزيد بن الأسود الصحابي
الخزاعي ويزيد بن الأسود الجرشي أدرك الجاهلية وأسلم وسكن الشام وذكر
بالصلاح حتى استسقى به معاوية في أهل دمشق فقال اللهم إنا نستشفع إليك اليوم
بخيرنا وأفضلنا فسقوا للوقت حتى كادوا لا يبلغون منازلهم والثاني الأسود بن
يزيد النخعي التابعي الفاضل
ومن ذلك الوليد بن مسلم ومسلم بن الوليد فمن الأول الوليد بن مسلم
البصري التابعي الراوي عن جندب بن عبد الله البجلي والوليد بن مسلم الدمشقي
المشهور صاحب الأوزاعي روى عنه أحمد بن حنبل والناس والثاني مسلم بن
الوليد بن رباح المدني حدث عن أبيه وغيره روى عنه عبد العزيز الدراوردي وغيره
وذكره البخاري في تاريخه فقلب اسمه ونسبه فقال الوليد بن مسلم وأخذ عليه
ذلك
وصنف الخطيب الحافظ في هذا النوع كتابا سماه رافع الارتياب في
المقلوب من الأسماء والأنساب وهذا الاسم ربما أوهم اختصاصه بما وقع فيه مثل
الغلط المذكور في هذا المثال الثاني وليس ذلك شرطا فيه وأكثره ليس كذلك فما
ترجمناه به إذا أولى والله أعلم
211

النوع السابع والخمسون
معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم
وذلك على ضروب أحدها من نسب إلى أمه منهم معاذ ومعوذ وعوذ بنو عفراء هي أمهم
وأبوهم الحارث بن رفاعة الأنصاري وذكر بن عبد البر أنه يقال في عوذ عوف وأنه
الأكثر بلال بن حمامة المؤذن حمامة أمه وأبوه رباح سهيل وأخواه سهل وصفوان
بنو بيضاء هي أمهم واسمها دعد واسم أبيهم وهب شرحبيل بن حسنة هي أمه وأبو
عبد الله بن المطاع الكندي عبد الله بن بحينة هي أمه وأبوه مالك بن الشقب الأزدي
الأسدي سعد بن حبتة الأنصاري هي أمه وأبوه بحير بن معاوية جد أبي يوسف
القاضي هؤلاء صحابة رضي الله عنهم
ومن غيرهم محمد بن الحنفية هي أمه واسمها خولة وأبوه علي بن أبي طالب
رضي الله عنه إسماعيل بن علية هي أمه وأبوه إبراهيم أبو إسحاق إبراهيم بن
هراسة قال عبد الغني بن سعيد هي أمه وأبوه سلمة والله أعلم
الثاني من نسب إلى جدته منهم يعلى بن منية الصحابي هي في قول الزبير بن
بكار جدته أم أبيه وأبوه أمية ومنهم بشير بن الخصاصية الصحابي هو بشير بن معبد
والخصاصية هي أم الثالث من أجداده ومن أحدث ذلك عهدا شيخنا أبو أحمد
عبد الوهاب بن علي البغدادي يعرف بابن سكينة وهي أم أبيه والله أعلم
الثالث من نسب إلى جده منهم أبو عبيدة بن الجراح أحد العشرة هو عامر بن
عبد الله بن الجراح حمل بن النابغة الهذلي الصحابي هو حمل بن مالك بن النابغة
مجمع بن جارية الصحابي هو مجمع بن يزيد بن جارية بن جريج هو عبد الملك بن
عبد العزيز بن جريج بنو الماجشون بكسر الجيم منهم يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة
الماجشون قال أبو علي الغساني هو لقب يعقوب بن أبي سلمة وجرى على بنيه وبني
أخيه عبد الله بن أبي سلمة قلت والمختار في معناه أنه الأبيض الأحمر والله أعلم
بن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب بن أبي ليلى
الفقيه هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى بن أبي مليكة هو عبد الله بن
عبيد الله بن أبي مليكة أحمد بن حنبل الامام هو أحمد بن محمد بن حنبل أبو
عبد الله بنو أبي شيبة أبو بكر وعثمان الحافظان وأخوهما القاسم أبو شيبة هو جدهم
212

واسمه إبراهيم بن عثمان واسطي وأبوهم محمد بن أبي شيبة ومن المتأخرين أبو
سعيد بن يونس صاحب تاريخ مصر هو عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى
الصدفي والله أعلم
الرابع من نسب إلى رجل غير أبيه هو منه بسبب منهم المقداد بن الأسود وهو
المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي وقيل البهراني كان في حجر الأسود بن عبد يغوث
الزهري وتبناه فنسب إليه الحسن بن دينار هو بن واصل ودينار زوج أمه وكأن هذا
خفي علي بن أبي حاتم حيث قال فيه الحسن بن دينار بن واصل فجعل واصلا
جده والله أعلم
النوع الثامن والخمسون
معرفة النسب التي باطنها على خلاف ظاهرها
الذي هو السابق إلى الفهم منها
من ذلك أبو مسعود البدري عقبة بن عمرو لم يشهد بدرا في قول الأكثر ولكن
نزل بدر فنسب إليها سليمان بن طرخان التيمي نزل في تيم وليس منهم وهو مولى بني
مرة أبو خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن هو أسدي مولى لبني أسد نزل في بني
دالان بطن من همدان فنسب إليهم إبراهيم بن يزيد الخوزي ليس من الخوز إنما
نزل شعب الخوز بمكة عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي نزل جبانة عرزم بالكوفة
وهي قبيلة معدودة في فزارة فقيل عرزمي بتقديم الراء المهملة على الزاي محمد بن
سنان العوقي أبو بكر البصري باهلي نزل في العوقة بالقاف والفتح وهم بطن من
عبد القيس فنسب إليهم أحمد بن يوسف السلمي جليل روى عنه مسلم وغيره هو
أزدي عرف بالسلمي لان أمه كانت سلمية ثبت ذلك عنه وأبو عمرو بن نجيد السلمي
مصنف الكتب للصوفية كانت أمه ابنة أبي
عمرو المذكور فنسب سلميا وهو أزدي أيضا جده بن عم أحمد بن يوسف ويقرب من
ذلك ويلتحق به مقسم مولى بن عباس هو مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل لزم بن
عباس فقيل مولى بن عباس للزومه إياه يزيد الفقير أحد التابعين وصف بذلك
213

لأنه أصيب في فقار ظهره فكان يألم منه حتى ينحني له خالد الحذاء لم يكن حذاء
ووصف بذلك لجلوسه في الحذائين والله أعلم
النوع التاسع والخمسون
معرفة المبهمات
أي معرفة أسماء من أبهم ذكره في الحديث من الرجال والسناء وصنف في ذلك
عبد الغني بن سعيد الحافظ والخطيب وغيرهما ويعرف ذلك بوروده مسمى في بعض
الروايات وكثير منهم لم يوقف على أسمائهم وهو على أقسام
منها وهو من أبهما ما قيل فيه رجل أو امرأة ومن أمثلته حديث بن عباس
رضي الله عنهما أن رجلا قال يا رسول الله الحج كل عام هذا الرجل هو
الأقرع بن حابس بينه بن عباس في رواية أخرى حديث أبي سعيد الخدري في ناس
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا بحي فلم يضيفوهم فلدغ سيدهم فرقاه رجل منهم
بفاتحة الكتاب على ثلاثين شاة الحديث الراقي هو الراوي أبو سعيد الخدري
حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى حبلا ممدودا بين ساريتين في المسجد فسأل عنه
فقالوا فلانة تصلي فإذا غلبت تعلقت به قيل إنها زينب بنت جحش زوج
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل أختها حمنة بنت جحش وقيل ميمونة بنت الحارث أم
المؤمنين المرأة التي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغسل من الحيض فقال خذي فرصة
من مسك هي أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية وكان يقال لها خطيبة
النساء وفي رواية لمسلم تسميتها أسماء بنت شكل والله أعلم
ومنها ما أبهم بأن قيل فيه بن فلان أو بن الفلاني أو ابنة فلان أو
نحو ذلك من ذلك حديث أم عطية ماتت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اغسلنها
214

بماء وسدر الحديث هي زينب زوجة أبي العاص بن الربيع أكبر بناته صلى الله عليه وسلم وإن
كان قد قيل أكبرهن رقية والله أعلم
بن اللتبية ذكر صاحب الطبقات محمد بن سعد أن اسمه عبد الله وهذه نسبة إلى
بني لتب بضم اللام وإسكان التاء المثناة من فوق بطن من الأسد بإسكان السين وهم
الأزد وقيل فيه بن الأتبية بالهمزة ولا صحة لها
بن مربع الأنصاري الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل عرفة وقال كونوا على
مشاعركم اسمه زيد وقال الواقدي وكاتبه بن سعد اسمه عبد الله بن أم
مكتوم الأعمى المؤذن اسمه عبد الله بن زائدة وقيل عمرو بن قيس وقيل غير ذلك وأم مكتوم
اسمها عاتكة بنت عبد الله الابنة التي أراد بنو هشام بن المغيرة أن يزوجوها من علي بن أبي
طالب رضي الله عنه هي العوراء بنت أبي جهل بن هشام والله أعلم
ومنها العم والعمة ونحوهما من ذلك رافع بن خديج عن عمه في حديث
المخابرة عمه هو ظهير بن رافع الحارثي الأنصاري زياد بن علاقة عن عمه هو قطبة بن
مالك الثعلبي بالثاء المثلثة عمة جابر بن عبد الله التي جعلت تبكي أباه يوم أحد اسمها
فاطمة بنت عمرو بن حرام وسماها الواقدي هندا والله أعلم
ومنها الزوج والزوجة من ذلك حديث سبيعة الأسلمية أنها ولدت بعد وفاة
زوجها بليال زوجها هو سعد بن خولة الذي رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة وكان
بدريا زوج بروع بنت واشق وهي بفتح الباء عند أهل اللغة وشاع في ألسنة أهل
الحديث كسرها زوجها اسمه هلال بن مرة الأشجعي على ما رويناه من غير وجه
زوجة عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي التي كانت تحت رفاعة بن سموأل القرظي
فطلقها اسمها تميمة بنت وهب وقيل تميمة بضم التاء وقيل سهيمة والله أعلم
النوع الموفي ستين معرفة تواريخ الرواة
وفيها معرفة وفيات الصحابة والمحدثين والعلماء ومواليدهم ومقادير أعمارهم
ونحو ذلك
215

روينا عن سفيان الثوري أنه قال لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم
التاريخ أو كما قال وروينا عن حفص بن غياث أنه قال إذا اتهمتم الشيخ حاسبوه
بالسنين يعني احسبوا سنة وسن من كتب عنه وهذا كنحو ما روينا عن إسماعيل بن
عياش قال كنت بالعراق فأتاني أهل الحديث فقالوا ههنا رجل يحدث عن خالد بن
معدان فأتيته فقلت أي سنة كتبت عن خالد بن معدان فقال سنة ثلاث عشرة يعني
ومائة فقلت أنت تزعم انك سمعت من خالد بن معدان بعد موته بسبع سنين قال
إسماعيل مات خالد ستة ست ومائة قلت وقد روينا عن عفير بن معدان قصة نحو
هذه جرت له مع بعض من حدث خالد بن معدان ذكر عفير فيها ان خالدا مات سنة
أربع ومئة
وروينا عن الحاكم أبي عبد الله قال لما قدم علينا أبو جعفر محمد بن حاتم
الكشي وحدث عن عبد بن حميد سألته عن مولده فذكر انه سنة ستين ومئتين فقلت
لأصحابنا سمع هذا الشيخ من عبد بن حميد بعد موته بثلاث عشرة سنة
وبلغنا عن أبي عبد الله الحميدي الأندلسي أنه قال ما تحريره ثلاثة أشياء من
علوم الحديث يجب تقديم التهمم بها العلل وأحسن كتاب وضع فيه كتاب
الدارقطني والمؤتلف والمختلف وأحسن كتاب وضع فيه كتاب بن مأكولا
ووفيات الشيوخ وليس فيه كتاب
قلت فيها غير كتاب ولكن من غير استقصاء وتعميم وتواريخ المحدثين
مشتملة علي ذكر الوفيات ولذلك ونحوه سميت تواريخ واما ما فيها من الجرح
والتعديل ونحوهما فلا يناسب هذا الاسم والله أعلم
ولنذكر من ذلك عيونا أحدها الصحيح في سن سيدنا سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر
الصديق وعمر ثلاث وستون سنة وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ضحي لاثنتي عشرة ليلة
خلت من شهر ربيع الأول سنة أحدي عشرة من الهجرة وتوفي أبي بكر في جمادي
الأول سنة ثلاث عشرة وعمر في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وعثمان في ذي
الحجة سنة خمس وثلاثين وهو بن اثنتين وثمانين سنة وقيل بن تسعين وقيل غير
ذلك وعلي في شهر رمضان سنة أربعين وهو بن ثلاث وستين وقيل بن أربع
وستين وقيل بن خمس وستين وطلحة والزبير جميعا في جمادي الأولى سنة ست
وثلاثين وروينا عن الحاكم أبي عبد الله ان سنهما كان واحدا كانا ابني أربع وستين
216

وقد قيل غير ما ذكره الحاكم وسعد بن أبي وقاص سنة خمس وخمسين علي الأصح
وهو بن ثلاث وسبعين سنة وسعيد بن زيد سنة أحدي وخمسين علي وهو بن ثلاث و
أربع وسبعين وعبد الرحمن بن عوف سنة اثنتين وثلاثين وهو بن خمس وسبعين
سنة وأبو عبيدة بن الجراح سنة ثماني عشرة وهو بن ثماني وخمسين سنة وفي بعض ما
ذكرته خلاف لم أذكره والله أعلم
الثاني شخصان من الصحابة عاشا في الجاهلية ستين سنة وفي الاسلام ستين
سنة وماتا بالمدينة سنة أربع وخمسين أحدهما حكيم بن حزام وكان مولده في جوف
الكعبة قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة والثاني حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام
الأنصاري وروي بن إسحاق انه وآبائه ثابتا والمنذر وحراما عاش كل واحد منهم
عشرين ومائة سنة وذكر أبو نعيم الحافظ انه لا يعرف في العرب مثل ذلك لغرهم
وقد قيل إن حسان مات سنة خمسين والله أعلم
الثالث أصحاب المذاهب الخمسة المتبوعة رضي الله عنهم
فسفيان بن سعيد الثوري أبو عبد الله مات بلا خلاف بالبصرة سنة أحدي وستين
ومائة وكان سنة سبع وتسعين
ومالك بن أنس رضي الله عنه توفي بالمدينة سنة تسع وسبعين ومائة قبل الثمانين
بسنة واختلف في ميلاده فقيل في سنة ثلاث وتسعين وقيل سنة أحدي وقيل سنة
أربع وقيل سنة سبع
وأبو حنيفة رحمه الله مات سنة خمسين ومائة ببغداد وهو بن سبعين سنة
والشافعي رحمه الله مات في آخر رجب سنة أربع ومائتين بمصر وولد سنة
خمسين ومائة
وأحمد بن محمد بن حنبل مات ببغداد في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين
ومائتين وولد سنة أربع وستين ومائة والله أعلم
الرابع أصحاب كتب الحديث الخمسة المعتمدة رضي الله عنهم فالبخاري أبو
عبد الله ولد يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع
وتسعين ومائة ومات بخرتنك قريبا من سمرقند ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين
ومائتين فكان عمره اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما
ومسلم بن الحجاج النيسابوري مات بها لخمس بقين من رجب سنة إحدى
217

وستين ومائتين وهو بن خمس وخمسين سنة
وأبو داود السجستاني سليمان بن الأشعث مات بالبصرة في شوال سنة خمس
وسبعين ومائتين
وأبو عيسى محمد بن عيسى السلمي الترمذي مات بها لثلاث عشرة مضت من
رجب سنة تسع وسبعين ومائتين
وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسوي مات سنة ثلاث وثلاثمائة والله أعلم
الخامس سبعة من الحفاظ في ساقتهم أحسنوا التصنيف وعظم الانتفاع
بتصانيفهم في أعصارنا
أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي مات بها في ذي القعدة سنة خمس
وثمانين وثلاثمائة ولد في ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة ثم الحاكم أبو عبد الله بن البيع
النيسابوري مات بها في صفر سنة خمس وأربعمائة وولد بها في شهر ربيع الأول سنة
إحدى وعشرين وثلاثمائة ثم أبو محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي حافظ مصر ولد في
ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة ومات بمصر في صفر سنة تسع وأربعمائة ثم
أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني الحافظ ولد سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ومات في
صفر سنة ثلاثين وأربعمائة بأصبهان
ومن الطبقة الأخرى أبو عرم بن عبد البر النمري حافظ أهل المغرب ولد في
شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستين وثلاثمائة ومات بشاطبة من بلاد الأندلس في شهر
ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربعمائة ثم أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ولد سنة
أربع وثمانين وثلاثمائة ومات بنيسابور في جمادي الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة
ونقل إلى بيهق فدفن بها ثم أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ولد في جمادي
الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة ومات ببغداد في ذي الحجة سنة ثلاث وستين
وأربعمائة رحمهم الله وإيانا والمسلمين أجمعين والله أعلم
النوع الحادي والستون
معرفة الثقات والضعفاء من رواة الحديث
هذا من أجل نوع وأفخمه فإنه المرقاة إلى معرفة صحة الحديث وسقمه ولأهل
المعرفة بالحديث فيه تصانيف كثيرة
218

منها ما أفرد في الضعفاء ككتاب الضعفاء للبخاري والضعفاء للنسائي
والضعفاء للعقيلي وغيرها
ومنها في الثقات فحسب ككتاب الثقات لأبي حاتم بن حبان
ومنها ما جمع فيه بين الثقات والضعفاء كتاريخ البخاري وتاريخ بن أبي خيثمة
وما أغزر فوائده وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي
روينا عن صالح بن محمد الحافظ جزرة قال أول من تكلم في الرجال شعبة بن
الحجاج ثم تبعه يحيى بن سعيد القطان ثم بعده أحمد بن حنبل ويحيى بن معين
وهؤلاء قلت يعني أنه أول من تصدى لذلك وعني به وإلا فالكلام فيهم جرحا وتعديلا
متقدم ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عن كثير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وجوز
ذلك صونا للشريعة ونفيا للخطأ والكذب عنها
وكما جاز الجرح في الشهود جاز في الرواة ورويت عن أبي بكر بن خلاد قال
قلت ليحيى بن سعيد أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك
عند الله يوم القيامة فقال لان يكونوا خصمائي أحب إلي من أن يكون خصمي
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي لم لم تذب الكذب عن حديثي وروينا أبو بلغنا أن أبا تراب
النخشبي الزاهد سمع من أحمد بن حنبل شيئا من ذلك فقال له يا شيخ لا تغتاب
العلماء فقال له ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة ثم إن على الآخذ في ذلك أن
يتقي الله تبارك وتعالى ويتثبت ويتوقى التساهل كيلا يجرح سليما ويسم بريئا بسمة سوء
يبقى عليه الدهر عارها وأحسب أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم وقد قيل إنه كان
يعد من الابدال من مثل ما ذكرناه خاف فيما رويناه أو بلغنا أن يوسف بن الحسين
الرازي وهو الصوفي دخل عليه وهو يقرأ كتابه في الجرح والتعديل فقال له كم من
هؤلاء القوم قد حطوا رواحلهم في الجنة منذ مائة سنة ومائتي سنة أنت تذكرهم
وتغتابهم فبكى عبد الرحمن وبلغنا أيضا أنه حدث وهو يقرأ كتابه ذلك على الناس
عن يحيى بن معين أنه قال إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة منذ
أكثر من مائتي سنة فبكى عبد الرحمن وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب من يده
قلت وقد أخطأ فيه غير واحد على غير واحد فجرحوهم بما لا صحة له
من ذلك جرح أبي عبد الرحمن النسائي لأحمد بن صالح وهو حافظ ثقة إمام لا يعلق
به جرح أخرج عنه البخاري في صحيحه وقد كان من أحمد إلى النسائي جفاء أفسد
219

قلبه عليه وروينا عن أبي يعلى الخليلي الحافظ قال اتفق الحفاظ على أن كلامه فيه
تحامل ولا يقدح كلام أمثاله فيه
قلت النسائي إمام حجة في الجرح والتعديل وإذا نسب مثله إلى مثل هذا كان
وجهه أن عين السخط تبدي مساوئ لها في الباطن مخارج صحيحة تعمى عنه بحجاب
السخط لا أن ذلك يقع من مثله تعمدا لقدح يعلم بطلانه فاعلم هذا فإنه من النكت
النفيسة المهمة
وقد مضى الكلام في أحكام الجرح والتعديل في النوع الثالث والعشرين والله
أعلم
النوع الثاني والستون
معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات
هذا فن عزيز مهم لم أعلم أحدا أفرده بالتصنيف واعتنى به مع كونه حقيقا بذلك
جدا
وهم منقسمون فمنهم من خلط لاختلاطه وخرفه ومنهم من خلط لذهاب
بصره أو لغير ذلك والحكم فيهم أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط ولا يقبل
حديث من أخذ عنه بعد الاختلاط أو أشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط
أو بعده
فمنهم عطاء بن السائب اختلط في آخر عمره فاحتج أهل العلم برواية الأكابر
عنه مثل سفيان الثوري وشعبة لان سماعهم منه كان في الصحة وتركوا الاحتجاج
برواية من سمع منه آخرا وقال يحيى بن سعيد القطان في شعبة إلا حديثين كان شعبة
يقول سمعتهما بأخرة عن زاذان
أبو إسحاق السبيعي اختلط أيضا ويقال إن سماع سفيان بن عيينة منه بعد ما
اختلط ذكر ذلك أبو يعلى الخليلي
سعيد بن إياس الجريري اختلط وتغير حفظه قبل موته قال أبو الوليد
الباجي المالكي قال النسائي أنكر أيام الطاعون وهو أثبت عندنا من خالد الحذاء
ما سمع منه قبل أيام الطاعون
220

سعيد بن أبي عروبة قال يحيى بن معين خلط سعيد بن أبي عروبة بعد
هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن سنة اثنتين وأربعين يعني ومائة فمن
سمع منه بعد ذلك فليس بشئ ويزيد بن هارون صحيح السماع منه سمع منه بواسط
وهو يريد الكوفة وأثبت الناس سماعا منه عبدة بن سليمان قلت وممن عرف أنه
سمع منه بعد اختلاطه وكيع والمعافى بن عمران الموصلي بلغنا عن ابن عمار
الموصلي أحد الحفاظ أنه قال ليست روايتهما عنه بشئ إنما سماعهما بعدما
اختلط وقد روينا عن يحيى بن معين أنه قال لوكيع تحدث عن سعيد بن أبي عروبة
وإنما سمعت منه في الاختلاط فقال رأيتي حدثت عنه الا بحديث مستو
المسعودي ممن اختلط وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن
مسعود الهذلي وهو أخو أبي العميس عتبة المسعودي ذكر الحاكم أبو عبد الله في
كتاب المزكين للرواة عن يحيى بن معين أنه قال من سمع من المسعودي في زمان
أبي جعفر فهو صحيح السماع ومن سمع منه في أيام المهدي فليس سماعه بشئ
وذكر حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل أنه قال سماع عاصم هو بن علي وأبي
النضر وهؤلاء من المسعودي بعد ما اختلط
ربيعة الرأي بن أبي عبد الرحمن أستاذ مالك قيل إنه تغير في آخر عمره وترك
الاعتماد عليه لذلك صالح بن نبهان مولى التوأمة بنت أمية بن خلف روى عنه بن أبي ذئب
والناس قال أبو حاتم بن حبان تغير في سنة خمس وعشرين ومائة واختلط حديثه
الأخير بحديثه القديم ولم يتميز فاستحق الترك
حصين بن عبد الرحمن الكوفي ممن اختلط وتغير ذكره النسائي وغيره والله
أعلم
عبد الوهاب الثقفي ذكر بن أبي حاتم الرازي عن يحيى بن معين أنه قال
اختلط بأخرة
سفيان بن عيينة وجدت عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي أنه سمع يحيى بن سعيد القطان يقول أشهد أن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين فمن
سمع منه في هذا النسبة وبعد هذا فسماعه لا شئ قلت توفي بعد ذلك بنحو سنتين
سنة تسع وتسعين ومائة
221

عبد الرزاق بن همام ذكر أحمد بن حنبل أنه عمي في آخر عمره فكان يلقن فيتلقن
فسماع من سمع منه بعد ما عمي لا شئ وقال النسائي فيه نظر لمن كتب
عنه بأخرة
قلت وعلى هذا نحمل قول عباس بن عبد العظيم لما رجع من صنعاء والله
لقد تجشمت إلى عبد الرزاق وإنه لكذاب والواقدي أصدق منه
قلت قد وجدت فيما روي عن الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عن
عبد الرزاق أحاديث استنكرتها جدا فأحلت أمرها على ذلك فإن سماع الدبري منه
متأخر جدا قال إبراهيم الحربي مات عبد الرزاق وللدبري ست سنين أو سبع سنين
ونحصل أيضا في نظر من كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من سفيان بن عيينة
وأشباهه
عارم محمد بن الفضل أبو النعمان اختلط بأخرة فما رواه عنه البخاري
ومحمد بن يحيى الذهلي وغيرهما من الحافظ ينبغي أن يكون مأخوذا عنه قبل
اختلاطه
أبو قلابة عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي روينا عن الامام بن خزيمة
أنه قال حدثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد وممن بلغنا عنه ذلك
من المتأخرين أبو أحمد الغطريفي الجرجاني وأبو طاهر حفيد الامام بن خزيمة ذكر
الحافظ أبو علي البرذعي ثكم السمرقندي في معجمه أنه بلغه أنهما اختلطا في آخر
عمرهما
وأبو بكر بن مالك القطيعي راوي مسند أحمد وغيره اختل في آخر عمره وخرف
حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه
واعلم أن من كان من هذا القبيل محتجا بروايته في الصحيحين أو أحدهما فإنا
نعرف على الجملة أن ذلك مما تميز وكان مأخوذا عنه قبل الاختلاط والله أعلم
النوع الثالث والستون
معرفة طبقات الرواة والعلماء
وذلك من المهمات التي افتضح بسبب الجهل بها غير واحد من المصنفين
وغيرهم
وكتاب الطبقات الكبير لمحمد بن سعد كاتب الواقدي كتاب حفيل كثير
222

الفوائد وهو ثقة غير أنه كثير الرواية فيه عن الضعفاء ومنهم الواقدي وهو محمد بن
عمر الذي لا ينسبه
والطبقة في اللغة عبارة عن القوم المتشابهين وعند هذا فرب شخصين يكونان
من طبقة واحدة لتشابههما بالنسبة إلى جهة ومن طبقتين بالنسبة إلى جهة أخرى لا يتشابهان
فيها فأنس بن مالك الأنصاري وغيره من أصاغر الصحابة مع العشرة وغيرهم من أكابر
الصحابة من طبقة واحدة إذا نظرنا إلى تشابههم في أصل صفة الصحبة
وعلى هذا فالصحابة بأسرهم طبقة أولى والتابعون طبقة ثانية وأتباع التابعين
ثالثة وهلم جرا وإذا نظرنا إلى تفاوت الصحابة في سوابقهم ومراتبهم كانوا على ما
سبق ذكره بضع عشرة طبقة ولا يكون عند هذا أنس وغيره من أصاغر الصحابة من
طبقة العشرة من الصحابة بل دونهم بطبقات والباحث الناظر في هذا الفن يحتاج إلى
معرفة المواليد والوفيات ومن أخذوا عنه ومن أخذ عنهم ونحو ذلك والله أعلم
النوع الرابع والستون
معرفة الموالي من الرواة والعلماء
وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الاطلاق فإن الظاهر
في المنسوب إلى قبيلة كما إذا قيل فلان القرشي أنه منهم صليبة فإذا بيان من قيل
فيه قرشي من أجل كونه مولى لهم مهم
واعلم أن فيهم من يقال فيه مولى فلان أو لبني فلان والمراد به مولى العتاقة
وهذا هو الأغلب في ذلك
ومنهم من أطلق عليه لفظ المولى والمراد به ولاء الاسلام
ومنهم أبو عبد الله البخاري فهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم نسب إلى
ولاء الجعفيين لان جده وأظنه الذي يقال له الأحنف أسلم وكان مجوسيا على يد
اليمان بن أخنس الجعفي جد عبد الله بن محمد المسندي الجعفي أحد شيوخ البخاري
وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجسي مولى عبد الله بن المبارك إنما ولاؤه من حيث
كونه أسلم وكان نصرانيا علي يديه
ومنهم من هو مولى بولاء الحلف والموالاة كمالك بن أنس الامام ونفره هم
أصبحيون حميريون صليبة وهم موال لتيم قريش بالحلف وقيل لان جده مالك بن أبي
عامر كان عسيفا على طلحة بن عبيد الله أي أجيرا وطلحة يختلف بالتجارة
223

فقيل مولى التميمي لكونه مع طلحة بن عبيد الله التيمي
وهذا قسم رابع في ذلك وهو نحو ما أسلفناه في مقسم أنه قيل فيه مولى بن
عباس للزومه إياه
وهذه أمثلة للمنسوبين إلى القبائل من مواليهم
أبو البختري الطائي سعيد بن فيروز التابعي هو مولى طئ أبو العالية رفيع
الرياحي التميمي التابعي كان مولى امرأة من بني رياح عبد الرحمن بن هرمز الأعرج
الهاشمي أبو داود الراوي عن أبي هريرة وابن بحينة وغيرهما هو مولى بني هاشم
الليث بن سعد المصري الفهمي مولاهم عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي
مولاهم عبد الله بن وهب المصري القرشي مولاهم عبد الله بن صالح المصري
كاتب الليث الجهني مولاهم
وربما نسب إلى القبيلة مولى مولاها كأبي الحباب سعيد بن يسار الهاشمي
الراوي عن أبي هريرة وابن عمر كان مولى لمولى بني هاشم لأنه مولى شقران مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم والله
أعلم روينا عن الزهري قال قدمت على عبد الملك بن مروان فقال من أين قدمت
يا زهري قلت من مكة قال فمن خلفت بها يسود أهلها قلت عطاء بن أبي
رباح قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال وبم سادهم
قلت بالديانة والرواية قال إن أهل الديانة الرواية لينبغي أن يسودوا قال فمن
يسود أهل اليمن قال قلت طاوس بن كيسان قال فمن العرب أم من الموالي قال
قلت من الموالي قال وبم سادهم قلت بما سادهم به عطاء قال إنه لينبغي
قال فمن يسود أهل مصر قال قلت يزيد بن أبي حبيب قال فمن العرب أم من
الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل الشام قال قلت مكحول
قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من
هذيل قال فمن يسود أهل الجزيرة قلت ميمون بن مهران قال فمن العرب أم
من الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل خراسان قال قلت
الضحاك بن مزاحم قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال
فمن يسود أهل البصرة قال قلت الحسن بن أبي الحسن قال فمن العرب أم من
الموالي قال قلت من الموالي قال ويلك فمن يسود أهل الكوفة قال قلت
إبراهيم النخعي قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من العرب قال ويلك
224

يا زهري فرجت عني والله لتسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر
والعرب تحتها قال قلت يا أمير المؤمنين إنما هو أمر الله ودينه من حفظه ساد
ومن ضيعه سقط
وفيما نرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال لما مات العبادلة صار الفقه
في جميع البلدان إلى الموالي إلا المدينة فإن الله خصها بقرشي فكان فقيه أهل المدينة
سعيد بن المسيب غير مدافع
قلت وفي هذا بعض الميل فقد كان حينئذ من العرب غير بن المسيب فقهاء
أئمة مشاهير منهم الشعبي والنخعي وجميع الفقهاء السبعة الذين منهم بن المسيب
عرب إلا سليمان بن يسار والله أعلم
النوع الخامس والستون
معرفة أوطان الرواة وبلدانهم
وذلك مما يفتقر حفاظ الحديث إلى معرفته في كثير من تصرفاتهم ومن مظان
ذكره الطبقات لابن سعد وقد كانت العرب إنما تنتسب إلى قبائلها فلما جاء
الاسلام وغلب عليهم سكنى القرى والمدائن حدث فيما بينهم الانتساب إلى الأوطان
كما كانت العجم تنتسب وأضاع كثير منهم أنسابهم فلم يبق لهم غير الانتساب إلى
أوطانهم ومن كان من الناقلة من بلد إلى بلد وأراد الجمع بينهما في الانتساب فليبدأ
بالأول ثم بالثاني المنتقل إليه وحسن أن يدخل على الثاني كلمة ثم فيقال في الناقلة
من مصر إلى دمشق مثلا فلان المصري ثم الدمشقي ومن كان من أهل قرية من
قرى بلدة فجائز أن ينتسب إلى القرية وإلى البلدة أيضا والى الناحية التي منها تلك البلدة
أيضا
ولنقتد بالحاكم أبي عبد الله الحافظ فنروي أحاديث بأسانيدها منبهين على بلاد
رواتها ومستحسن من الحافظ أن يورد الحديث بإسناده ثم يذكر أوطان رجاله واحدا
فواحدا وهكذا غير ذلك من أحوالهم
أخبرني الشيخ المسند المعمر أبو حفص عمر بن محمد بن المعمر رحمه الله
بقراءتي عليه ببغداد قال أنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري
قال أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي قال أنا أبو محمد
عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي قال ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله
225

الكجي قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال ثنا سليمان التيمي عن أنس
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام أو قال ثلاث ليال
أخبرني الشيخ المسند أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي المقرئ رحمه الله
بقراءتي عليه بنيسابور عودا على بدء من ذلك مرة على رأس قبر مسلم بن الحجاج قال
أنا فقيه الحرم أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي عند قبر مسلم ح
وأخبرتني أم المؤيد زينب بنت أبي القاسم عبد الرحمن بن الحسن الشعري بقراءتي
عليها بنيسابور مرة وبقراءة غيري مرة أخرى رحمها الله قلت أخبرك إسماعيل بن أبي
القاسم بن أبي بكر القارئ قراءة عليه قالا أنا أبو حفص عمر بن أحمد بن
مسرور قال أنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد السلمي قال أنا أبو مسلم
إبراهيم بن عبد الله الكجي قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني حميد
الطويل عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصر أخاك ظالما أو مظلوما
قلت يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما قال تمنعه من الظلم
فذلك نصرك إياه
الحديثان عاليان في السماع مع نظافة السند وصحة المتن وأنس في الأول فمن
دونه إلى أبي مسلم بصريون ومن بعد أبي مسلم إلى شيخنا فيه بغداديون وفي
الحديث الثاني أنس فمن دونه إلى أبي مسلم كما ذكرناه بصريون ومن بعده من بن
نجيد إلى شيخنا نيسابوريون
أخبرني الشيخ الزكي أبو الفتح منصور بن عبد المنعم بن أبي البركات بن الإمام
أبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي بقراءتي عليه بنيسابور رحمه الله قال أنا
جدي أبو عبد الله محمد بن الفضل قال أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد البحيري
رحمه الله قال أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الله بن حمدون قال أخبرنا أبو حاتم
مكي بن عبدان قال أنا عبد الرحمن بن بشر قال أنا عبد الرزاق قال أنا ابن
جريج قال أخبرني عبدة بن أبي لبابة أن ورادا مولى المغيرة بن شعبة أخبره أن
المغيرة بن شعبة كتب إلى معاوية كتب ذلك الكتاب له وراد إني سمعت
226

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله
الحمد اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد
المغيرة بن شعبة ووراد وعبدة كوفيون وابن جريج مكي وعبد الرزاق صنعاني
يمان و عبد الرحمن بن بشر فشيخنا ومن بينهما أجمعون نيسابوريون
ولله سبحانه الحمد الأتم على ما أسبغ من إفضاله والصلاة والسلام الأفضلان
على سيدنا محمد وآله وعلى سائر النبيين وآل كل نهاية ما يسأل السائلون وعاية ما
يأمل الآملون
آمين آمين آمين
227