الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ٣
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه باب الراء ربيعة بن أبي عبد الرحمن المدني صاحب الرأي مدنى تابعي ثقة واسم أبي عبد الرحمن فروخ مولى ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي هذا هو الصحيح وقيل مولى التيميين ومولى آل المنكدر والصواب ما ذكرنا ويكنى ربيعة أبا عثمان وقيل أبو عبد الرحمن والأول أصح وكان أحد (أ) فقهاء المدينة الثقات الذين عليهم مدار الفتوى كان أكثر أخذه عن القاسم بن محمد وقد (ب) أخذ عن سعيد بن المسيب وسائر فقهاء وقته وأدرك أنس بن مالك وروى عنه
1

وكان يذكر مع جلة التابعين في الفتوى بالمدينة وكان مالك (أ) يفضله ويرفع به ويثنى عليه في الفقه والفضل على أنه ممن اعتزل حلقته لاغراقه في الرأي وكان القاسم بن محمد يثنى عليه أيضا ذكر ابن لهيعة عن أبي (ب) الأسود قال سمعت القاسم بن محمد يقول ما يسرني أن أمي ولدت لي أخا ممن ترون من أهل المدينة إلا ربيعة الرأي وذكر ابن سعد قال أخبرني مطرف بن عبد الله قال سمعت مالك بن أنس يقول ذهبت حلاوة الفقه (ج) مذ مات ربيعة بن أبي عبد الرحمن حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الوليد (1326) بن شجاع
2

قال حدثنا ضمرة (1327) عن رجاء (1328) بن أبي سلمة عن ابن عون قال كان ربيعة بن أبي عبد الرحمن يجلس إلى القاسم ابن محمد فكان من لا يعرفه يظنه صاحب المجلس يغلب على صاحب (1) المجلس بالكلام قال وحدثنا مصعب قال كان عبد العزيز بن أبي سلمة يجلس إلى ربيعة فلما حضرت ربيعة الوفاة قال له عبد العزيز يا أبا عثمان أنا قد تعلمنا منك وربما جاءنا من يستفتينا (ب) في
3

الشيء لم نسمع فيه شيئا فنرى أن رأينا له خير من رأيه لنفسه فنفتيه فقال ربيعة أجلسوني فجلس ثم قال ويحك يا عبد العزيز لأن تموت جاهلا خير لك من أن تقول في شيء بغير علم لا لا لا ثلاث مرات قال وحدثنا مصعب قال حدثنا الدراوردي قال إذا قال مالك وعليه أدركت أهل بلدنا وأهل العلم ببلدنا والأمر المجتمع عليه عندنا فإنه يريد ربيعة بن أبي عبد الرحمن وابن هرمز قال مصعب ومات ربيعة في سلطان بني هاشم قدم على أبي العباس السفاح وذكر أحمد (1329) بن مروان المالكي عن إبراهيم بن سهلوية عن ابن أبي أويس قال سمعت خالي مالك بن أنس يقول كانت أمي تلبسني الثياب وتعممني وأنا صبي وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن وتقول يا بني أئت مجلس ربيعة فتعلم من سمته وأدبه قبل ان تتعلم من حديثه وفقهه
4

وذكر ابن القاسم عن مالك ان ابن هرمز قال في ربيعة أنه لفقيه في حكاية ذكرها وقال مالك وجدت ربيعة يوما يبكي فقيل له ما الذي أبكاك أمصيبة نزلت بك فقال لا ولكن أبكاني أنه استفتى من لا علم له وقال لبعض من يفتى ها هنا أحق بالسجن من السارق قال أبو عمر هذه أخباره الحسان وقد ذمه جماعة من أهل الحديث لاغراقه في الرأي فرووا في ذلك أخبارا قد ذكرتها في غير هذا الموضع وكان سفيان بن عيينة والشافعي وأحمد بن حنبل لا يرضون عن رأيه لأن كثيرا منه يوجد له بخلاف السند الصحيح لأنه لم يتسع فيه فضحه فيه ابن شهاب وكان أبو الزناد معاديا له وكان أعلم منه وكان ربيعة أورع والله أعلم قال أبو عمر توفي ربيعة بن أبي عبد الرحمن بالمدينة في سنة ست وثلاثين (أ) ومائة في آخر خلافة أبي العباس السفاح وكان ثقة فقيها جليلا
5

لمالك عنه من مرفوعات الموطأ اثنا عشر حديثا منها خمسة متصلة ومنها عن سليمان بن يسار واحد مرسل ومنها من بلاغاته (أ) ستة أحاديث
6

حديث أول لربيعة متصل مسند مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الامهق ولا بالأدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته (أ) عشرون شعرة بيضاء صلى الله عليه وسلم أما قوله في هذا الحديث ليس بالطويل البائن فالبائن هو البعيد الطول المشرف المتفاوت والبون والبين البعد ومنه قول الشاعر
* وما هاج هذا الشوق إلا حمامة
* مطوقة قد بان عنها قرينها
* أي بعد قرينها عنها
7

وقال زهير
* بان الخليط ولم يأووا لمن تركوا
* وقال جرير
* بان الخليط ولو طووعت ما بانا
* وقال الأخفش البائن هو (أ) الطويل الذي يضطرب من طوله وهو عيب في الرجال والنساء يقول فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك وأما قوله الامهق فإن ابن وهب وغيره قالوا المهق البياض الشديد الذي ليس بمشرق ولا يخالطه شيء من الحمرة (ب) يخاله الناظر اليه برصا يقول فلم يكن كذلك صلى الله عليه وسلم وكذلك (ج) وصفه علي رضي الله عنه وهو أحسن الناس له صفة فقال كان أبيض مشربا بحمرة وقال بعض الأعراب
* أما تبينت بها مهقة
* تنبو بقلب الشيق العازم
* وأما قوله ليس بالآدم فإنه يقول ليس بأسمر والأدمة السمرة والقطط هو الشديد الجعودة مثل شعر الحبش والسبط المرسل الشعر الذي ليس في شعره شيء من التكسير
يقول فهو جعد رجل كأنه دهره قد رجل شعره يعني مشط
8

واما قوله بعثه الله على رأس أربعين سنة (1) فأقام بمكة عشر سنين فمختلف في ذلك على ما نحن ذاكروه إن شاء الله وأما قوله بالمدينة عشر سنين فمجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه وأما قوله وتوفاه الله على رأس ستين فمختلف فيه على حسب اختلافهم في مقامه بمكة فحديث ربيعة عن أنس على ما ترى أن س توفي وهو ابن ستين ورواه عن (ب) ربيعة جماعة من الأئمة منهم مالك وأنس بن عياض وعمارة بن غزية ويحيى بن سعيد الأنصاري والأوزاعي وسعيد (1330) بن أبي هلال وسليمان بن بلال كلهم عن ربيعة عن أنس بمعنى حديث مالك سواء وقد ذكر البخاري حديث ربيعة هذا عن أنس ثم أتبعه فقال حدثني أحمد صاحب لنا قال حدثني أبو غسان (1331)
9

محمد بن عمرو الرازي زنيج قال حدثنا حكام (1332) بن سلم قال حدثنا عثمان (1333) بن زائدة عن الزبير بن عدي عن أنس ابن مالك قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة (أ) وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة (1) وعمر وهو ابن ثلاث وستين سنة (أ) (1) قال البخاري وهذا عندي أصح من حديث ربيعة قال أبو عمر إنما قال ذلك البخاري والله أعلم لأن عائشة ومعاوية وابن عباس على اختلاف عنه كلهم يقول (ب) إن رسول
10

الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين (1) ولم يختلف عن عائشة ومعاوية في ذلك رواه جرير عن معاوية وجاء عن أنس ما ذكر ربيعة عنه وذلك مخالف لما ذكره هؤلاء كلهم وروى الزبير بن عدي وهو ثقة عن أنس (أ) ما يوافق ما قالوا فقطع البخاري بذلك لأن المنفرد أولى بإضافة الوهم اليه من الجماعة وأما من طريق الاسناد فحديث ربيعة أحسن إسنادا في ظاهره إلا أنه قد بان من باطنه ما يضعفه وذلك مخالفة أكثر الحفاظ له فإن لم يكن هذا وجه قول البخاري وإلا فلا أعلم له وجها وقد تابع ربيعة على روايته عن أنس نافع (1334) أبو غالب وروى عن أنس بن مالك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وله أربعون سنة (2)
11

قال البخاري وأخبرنا محمد بن عمر القصبي قال أخبرنا عبد الرزاق قال حدثنا نافع أبو غالب أنه سمع أنس بن مالك يقول أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشرا بعد ان بعث وذكره ابن أبي خيثمة قال حدثنا محمد بن عمر القصبي قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا نافع أبو غالب قال قلت لأنس يا أبا حمزة كم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض قال ستون سنة وقد روى ابن وهب عن قرة (1335) بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن أنس (1) قال نبىء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة ومكث بمكة عشرا وبالمدينة عشرا وتوفى وهو ابن ستين سنة (1) وقد روى من حديث ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
12

توفي وهو ابن اثنتين وستين سنة وأشهر وذكر إبراهيم بن المنذر عن سعد بن سعيد بن أبي سعيد عن أخيه عن أبيه عن أبي هريرة قال نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا وتوفي وهو ابن ستين سنة قال أبو عمر وممن قال أن رسول الله بعث على رأس أربعين سنة قباث (1336) بن أشيم قال نبئ النبي صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين من عام الفيل قال أبو عمر لا خلاف أنه ولد صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفيل إذ ساقه الحبشة إلى مكة يغزون البيت وروى هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين صلى الله عليه وسلم (1) ورواه جماعة عن هشام بن حسان وهو قول
13

عروة بن الزبير رواه عن عروة هشام بن عروة وعمرو بن دينار وكان عروة يقول أنه أقام بمكة عشرا وأنكر قول من قال أقام بها ثلاث عشرة سنة وقوله كرواية ربيعة سواء وكان الشعبي يقول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبئ صلى الله عليه وسلم الأربعين ثم وكل به إسرافيل ثلاث سنين قرن بنبوته فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل القرآن على لسانه عشرين سنة (1) هذا كله قول الشعبي وكذلك قال محمد (1337) بن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبئ على رأس أربعين وهو قول عطاء الخراساني وممن قال أنه بعث على رأس ثلاث وأربعين ابن عباس من رواية هشام الدستوائي عن عكرمة عنه خلاف ما رواه هشام ابن حسان وقاله أيضا سعيد بن المسيب أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال أخبرنا هشام قال حدثنا عكرمة عن ابن عباس قال أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم =
14

وهو ابن ثلاث وأربعين (1) قال أحمد بن زهير وأخبرني أبي قال حدثنا جرير بن عبد الحميد قال أحمد بن زهير وحدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا حماد بن زيد جميعا عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي وهو ابن ثلاث وأربعين سنة (1) خالف القواريري عارم (1338) في هذا الخبر عن حماد بن زيد فقال فيه أنزل عليه وهو ابن أربعين سنة وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة
15

ورواه يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد مثل رواية القواريري وهو عبيد الله بن عمر عن حماد بن زيد وأخبرنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن راشد قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال حدثني قرة بن عبد الرحمن المعافري عن ابن شهاب وربيعة عن أنس قال نبئ النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين فأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا قال أبو عمر لا أعلم أحدا رواه عن ابن شهاب عن أنس غير قرة والله أعلم وأما مكثه بمكة صلى الله عليه وسلم ففي قول أنس من رواية ربيعة وأبي غالب أنه مكث بمكة عشر سنين وكذلك روى أبو سلمة عن عائشة وابن عباس وهو قول عروة بن الزبير والشعبي وسعيد بن المسيب على اختلاف عنه (أ) وابن شهاب والحسن وعطاء الخراساني وكذلك روى (ب) هشام الدستوائي عن عكرمة عن ابن عباس حدثنا (ج) خلف بن قاسم قال حدثنا أبو الميمون قال حدثنا أبو زرعة الدمشقي قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن ابن عباس وعائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة عشر سنين ينزل
16

عليه القرآن وبالمدينة عشرا وحدثنا خلف قال حدثنا أبو الميمون قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أحمد بن شبويه ومحمد بن أبي عمر قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن
دينار قال قلت لعروة بن الزبير كم لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال عشرا قلت فإن ابن عباس يقول بضع عشرة قال إنما أخذه من قول الشاعر وروى هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس أنه مكث بمكة بعد ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة وكذلك روى أبو حمزة وعمرو بن دينار عن ابن عباس وهو قول أبي جعفر محمد بن علي وقال أبو قيس صرمة بن أبي أنس الأنصاري في أبيات يفخر بما من الله به عليه من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته له
* ثوى في قريش بضع عشرة حجة
* يذكر لو يلقى صديقا مواتيا
* في أبيات قد ذكرتها بتمامها (1) في باب صرمة من كتاب الصحابة
17

وأما سنه في حين وفاته ففي حديث ربيعة وأبي غالب عن أنس أنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين (1) وهو قول عروة بن الزبير وروى حميد عن أنس قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين ذكره أحمد بن زهير عن المثنى (1339) بن معاذ عن بشر بن المفضل عن حميد وروى الحسن عن دغفل النسابة وهو دغفل (1340) بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين ولم يدرك دغفل النبي صلى الله عليه وسلم وقال البخاري ولا نعرف للحسن سماعا من دغفل
18

قال البخاري وروى عمار (1341) بن أبي عمار عن ابن عباس قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين (1) سنة قال البخاري ولا يتابع عليه إلا شيء رواه العلاء (1342) ابن صالح عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم (أ) بمكة عشر سنين وخمس سنين وأشهرا ولم يوافق عليه العلاء وهو شيء لا أصل له قال وروى عكرمة وأبو ظبيان وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعمرو بن دينار كلهم عن ابن عباس أن رسول الله
19

صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن ثلاث وستين (1) قال أبو عمر قد روى علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين ذكره أحمد بن زهير عن أحمد بن حنبل عن هشيم عن علي ابن زيد وإنما ذكرنا هذا وإن كان الصحيح عندنا غيره لقول البخاري أنه لم يتابع عليه عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس والذي ذكره البخاري أنهم رووا عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين فكما ذكر وقد روى أبو حمزة ومحمد بن سيرين أيضا عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين ولم يختلف عن عائشة ومعاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين وأما حديث عمار بن أبي عمار فرواه سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة فأقام بمكة خمس عشرة سنة وبالمدينة عشر سنين وقبض وهو ابن خمس وستين (2) سنة ورواه شعبة عن يونس عن عمار مولى بني هاشم قال سألت ابن عباس ابن كم توفي (3) رسول الله
20

صلى الله عليه وسلم فقال إن هذا لشديد على مثلك الا تعلم مثل هذا في قومك توفي وهو ابن خمس وستين ورواه حماد ابن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس مثله فالاختلاف على ابن عباس في هذا قوي لأن عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم وسعيد بن جبير من رواية العلاء بن صالح عن المنهال عن سعيد ويوسف (1343) بن مهران كلهم اتفقوا عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين سنة وروى أبو سلمة وعكرمة ومحمد بن سيرين وأبو حمزة وأبو حصين (1344) ومقسم وأبو ظبيان وعمرو بن دينار
21

كلهم عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين وقد روى معاذ بن معاذ عن بشر بن المفضل عن حميد عن أنس قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين ذكره ابن أبي خيثمة عن (أ) المثنى بن معاذ هكذا وذكره المستملي عن معاذ (1345) بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أنس مثله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين (1) والصحيح عندي حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن الحسن عن دغفل بن حنظلة قال توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين (2)
22

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا إبراهيم بن حمزة وإسحاق (1346) بن إبراهيم بن حبيب قال إسحاق أخبرني أبي (1347) وقال إبراهيم بن حمزة حدثني محمد بن فليح كلاهما عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال حدثني عروة عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين (1) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ
23

قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا إسماعيل (1348) بن إبراهيم الترجماني قال حدثنا حسان (1349) بن إبراهيم قال حدثنا يونس بن يزيد عن الزهري قال أخبرني عروني عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين (1) قال الزهري وأخبرني سعيد بن المسيب عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك
24

قال أبو عمر هذا أصح شيء جاء في هذا الباب إلا أني أعجب من رواية هشام بن عروة وعمرو بن دينار عن عروة وقوله بخلاف هذا الحديث على ما قدمنا عنه وما أدري كيف هذا
25

وروى شعبة وإسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن جرير بن عبد الله أنه سمع معاوية يقول قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين قاله أبو إسحاق وعامر بن سعد وعبد الله بن عتبة وسعيد ابن المسيب والشعبي وعليه أكثر الناس لأنه يجتمع على هذا القول كل من قال تنبئ على رأس أربعين فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وكل من قال بعث على رأس ثلاث وأربعين فأقام بمكة عشرا وهو الذي يسكن إليه القلب في وفاته والله أعلم ولا خلاف أنه ولد يوم الاثنين بمكة في ربيع الأول
عام الفيل وأن يوم الاثنين أول يوم أوحى الله إليه فيه وأنه قدم المدينة في ربيع الأول قال ابن إسحاق وهو ابن ثلاث وخمسين سنة وأنه توفي يوم الاثنين في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة ص وروى كريب عن ابن عباس قال أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالدينة عشرا وتوفي وهو ابن ثلاث وستين (1) وذكر يعقوب بن شيبة قال حدثنا عارم بن الفضل قال حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة وأنزل عليه وهو ابن أربعين سنة وأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا
26

قال أبو عمر هذا ما في ذلك عندي والله أعلم وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا عبد الرحمن (1350) ابن عمر (أ) أبو الميمون بدمشق قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عنبسة (1351) بن خالد قال حدثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين وصدق ذلك حديث علي بن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين (ب) وأما شيبه صلى الله عليه وسلم فأكثر الآثار على نحو
27

حديث ربيعة عن أنس في تقليل شيبه عليه السلام وأن ذلك كان منه في عنفقته وقد روى أنه كان يخضب وليس بقوى والصحيح أنه لم يخضب ولم يبلغ من الشيب ما يخضب له وسنذكر ذلك في باب حديث سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن ابن عمر من كتابنا هذا إن شاء الله وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد (1352) بن وضاح إملاء قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا الوليد بن كثير عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سألت أو سئل أنس هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لم يدرك الخضاب ولكن خضب أبو بكر وعمر (1) وقد أكثر الناس في صفته صلى الله عليه وسلم فمنهم المطول ومنهم المقتصد ومن أراد الوقوف على ذلك تأمله في كتاب أحمد بن زهير وغيره
28

وأحسن الناس له صفة في اختصار علي بن أبي طالب حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي وزهير (1353) ابن عباد وابن أبي شيبة قالوا حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن عبد الله مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد من ولد علي قال كان (1) علي إذا نعت النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يكن بالطويل الممغط (2) ولا بالقصير المتردد وكان ربعة من
29

القوم ولم يكن بالجعد (1) القطط (2) ولا بالسبط (3) كان جعدا رجلا (4) ولم يكن بالمطهم (5) ولا بالمكلثم (6) وكان في الوجه تدوير أبيض مشرب حمرة أدعج (7) العينين أهدب الأشفار جليل المشاس (8) والكتد (9) أجرد ذو مسربة (10) شئن (11) الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب (12) وإذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوة وهو
30

خاتم النبيئين أجود الناس كفا وأجرؤ الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفى الناس بذمة وألينهم عريكة (1) وأكرمهم عشرة (2) من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم قوله الممغط هو الطويل المديد وقال الخليل بن أحمد الفرس المطهم التام الخلق وقال أبو عبيد المشاش رؤوس العظام وقال = الخليل الكثد ما بين الثبج (3) إلى منتصف الكاهل من الظهر والمسربة شعرات (أ) تتصل من الصدر إلى السرة
31

حديث ثان لربيعة متصل مسند مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة (1354) ابن قيس الزرقي عن رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع قال حنظلة فسألت رافع بن خديج بالذهب والورق قال أما الذهب والورق فلا بأس قال أبو عمر اختلف الناس في كراء المزارع فذهبت فرقة إلى أن ذلك لا يجوز بوجه من الوجوه ومالوا إلى ظاهر هذا الحديث وما كان مثله قالوا أنه قد روى عن رافع بن خديج من هذا الوجه وغيره خلاف ما حكاه ربيعة عن حنظلة عنه من تأويله
32

هذا وذكروا أن أحاديث رافع في ذلك مضطربة الالفاظ مختلفة المعاني واحتجوا بما حدثناه إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال حدثنا محمد (1355) بن العباس الحلبي قال حدثنا أبو عوانة الحسين بن محمد الحراني بحران قال حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي قال حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب عن مطر عن عطاء عن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها ولا يواجرها (1) وحدثنا إسماعيل أيضا قال حدثنا محمد ابن العباس قال حدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الله مكحول البيروتي ببيروت قال حدثنا أبو عمير (1356) عيسى بن محمد بن النحاس قال حدثنا ضمرة عن ابن شوذب (1357) عن مطر الوراق عن عطاء عن جابر مثله سواء مرفوعا
33

قالوا فهذا جابر يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن كراء الأرض مطلقا ولم يختلف عن جابر في ذلك كما اختلف عن رافع وقد روى من حديث رفاعة عن رافع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه أو ليدعها وذكر من ذهب إلى هذا المذهب من حديث رافع ما رواه ابن شهاب عن سالم أن ابن عمر كان يكرى أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج كان ينهى عن كراء الأرض فترك ابن عمر كراء الأرض ورواه جماعة عن ابن شهاب هكذا وكذلك رواه جويرية وحده عن مالك عن ابن شهاب عن سالم أنه سأله عن كراء المزارع فقال سالم أخبر رافع بن خديج عبد الله بن عمر أن عميه وكانا شهدا بدرا أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع فترك عبد الله كراءها وكان يكريها قبل ذلك والذي في الموطأ مالك عن ابن شهاب أنه قال سألت سالم بن عبد الله عن كراء الأرض بالذهب والفضة فقال لا بأس بذلك قال فقلت أرأيت الحديث الذي يذكر عن رافع بن خديج فقال أكثر رافع بن خديج ولو كانت لي أرض أكريتها (1) هكذا هو في الموطأ لمالك عن أبي شهاب عن سالم قوله ورواه جويرية مرفوعا وقد روى نافع عن ابن عمر مثله
34

ولما كان سالم يذهب إلى إجازة كراء الأرض بالذهب والورق ولم يحمل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء المزراع على العموم اعترضه ابن شهاب بحديث رافع والقول بظاهره فقال سالم أكثر رافع في حمله الحديث على ظاهره ومنعه من كرائها بالذهب والورق لأن المعنى عند سالم وطائفة من العلماء كان في النهى عن كرائها لوجوه سنذكرها مفسرة بعد هذا إن شاء الله منها أنه إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض لأنهم كانوا يكرونها ببعض ما يخرج منها (أ) ومنها قول زيد بن ثابت أنه أعلم بذلك من رافع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه قوم قد تشاجروا وتقاتلوا في كراء المزارع وهذا كله يدل على أن ليس الحديث على ظاهره ولا عمومه وأنه لمعنى ما قدمنا (ب) قد اعتقده كل فريق فيه فلهذا قال سالم أكثر رافع يعني في حمل الحديث على ظاهره والله أعلم أي حجر ما قد وسعه الله تعالى وتأول ما يضيق على الناس على أنه قد روى عن رافع إجازة كرائها بالذهب والورق وغير ذلك مما يأتي بعد إن شاء الله أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكرى أرضه في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وصدرا من إمارة معاوية حتى إذا كان في آخرها بلغه أن رافعا يحدث في ذلك بنهى
35

رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه وأنا معه فسأله فقال نعم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع فتركها بن عمر بعد قالوا وهذا أيضا على الاطلاق والعموم وما رواه الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عفير أن رافع بن خديج كان يقول منعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكرى المحاقل والمحاقل فضول يكون من الأرض وما رواه عبد الكريم عن مجاهد عن ابن رافع بن خديج عن أبيه سمعه يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجارة الأرض (1) وإلى هذا ذهب طاوس اليماني فقال لا يجوز كراء الأرض بالذهب ولا بالورق ولا بالعروض وبه قال أبو بكر الأصم عبد الرحمن بن كيسان فقال لا يجوز كراء الأرض بشيء من الأشياء قال لأنها إذا استؤجرت وحرثها المستأجر وأصلحها لعله أن يحرق زرعه فيردها وقد زادت فانتفع رب الأرض ولم ينتفع المستأجر فمن هناك لم يجز لأحد أن يستأجرها والله أعلم وقال آخرون جائز كراء الأرض لمن شاء ولكنه لا يجوز كراؤها بشيء من الأشياء إلا بالذهب والورق وذكروا في إباحة
36

كراء الأرض ما رواه عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عبيدة (1358) ابن محمد بن عمار بن ياسر عن الوليد (1359) بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير قال قال زيد بن ثابت يغفر الله لرافع ابن خديج انا والله أعلم بالحديث منه أنما أتاه رجلان من الأنصار قد اقتتلا فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فسمع قوله لا تكروا المزارع (1) ذكره أبو داود عن مسدد عن بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق واحتجوا بحديث طارق (1360) بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما يزرع ثلاثة رجل له أرض فهو يزرعها ورجل منح
37

أرضا فهو يزرع ما منح ورجل اكترى بذهب أو فضة (1) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير وبكر بن حماد قال أحمد حدثنا الفضل بن دكين وقال بكر حدثنا مسدد قال حدثنا أبو الأحوص عن طارق بن عبد الرحمن فذكره وذكر أبو داود عن مسدد مثله قالوا فلا يجوز أن يتعدى ما في هذا الحديث لما فيه من البيان والتوقيف ولأن رافعا بذلك كان يفتى ألا ترى ما ذكره ربيعة عن حنظلة عنه وكان أحمد بن حنبل يقول أحاديث رافع في كراء الأرض مضطربة وأحسنها حديث حديث يعلى (1361) بن حكيم عن سليمان ابن يسار عن رافع بن خديج
38

وقال آخرون جائز أن تكرى الأرض بكل شيء من الأشياء حاشا الطعام واحتجوا بما رواه يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فيلزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يكريها بثلث ولا ربع ولا طعام مسمى (1) ذكره أبو داود قال حدثنا عبيد (1362) الله بن عمر بن ميسرة قال حدثنا خالد بن الحارث قال حدثنا شعبة عن يعلى بن حكيم وذكره أيضا عن محمد بن عبيد عن حماد بن زيد عن أيوب قال كتب إلى يعلى بن حكيم إني سمعت سليمان بن يسار فذكره (أ) وذكر مالك عن ابن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله عن كراء المزارع فقال لا بأس بها بالذهب والورق وإلى هذا ذهب مالك وأكثر أصحابه على ما بينا عنهم وعن
39

غيرهم من العلماء في باب (1) داود بن الحصين والحمد لله قالوا فقد حجر في هذا الحديث على كراء الأرض بالطعام المعلوم وذكروا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة وقد تألووا في ذلك أنها استكراء الأرض بالحنطة وما كان في معناها وقد ذكرنا اختلاف العلماء (2) في معنى المحاقلة والمخابرة وكراء الأرض في باب داود من كتابنا هذا بما يغنى عن اعادته ها هنا وإنما ذكرنا ها هنا اختلاف الآثار في ذلك وجملة الأقاويل وبالله التوفيق وقال آخرون جائز أن تكرى الأرض بالذهب والورق والطعام كله وسائر العروض إذا كان ذلك معلوما وكل ما جاز أن يكون ثمنا لشيء فجائز أن يكون أجرة في كراء الأرض ما لم يكن مجهولا ولا غررا واحتجوا بما روى الأوزاعي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة بن قيس الأنصاري قال سالت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق فقال لا بأس بذلك إنما كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجرون بها على الماذيانات واقبال الجداول فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كراء إلا هذا فلذلك زجر عنه صلى الله عليه وسلم فأما بشيء مضمون معلوم فلا بأس به (3)
40

قالوا ففي هذا الحديث إجازة كراء الأرض بكل شيء معلوم وإنما النهي عن ذلك بأن (أ) يجهل البدل ذكره أبو داود عن إبراهيم (1363) بن موسى عن عيسى بن يونس عن الأوزاعي قال أبو داود روى الليث عن ربيعة مثله قال ورواية يحيى بن سعيد عن حنظلة نحوه مثله قال أبو عمر روى الثوري وابن عيينة ويزيد بن هارون وغيرهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني حنظلة بن قيس أنه سمع رافع بن خديج يقول كنا أكثر الأنصار وأكثر أهل (ب) المدينة حقلا وكنا نقول للذي نخابره ونكرى منه الأرض لك هذه القطعة ولنا هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه شيئا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأما بذهب أو ورق فلم ينهنا دخل حديث بعضهم في بعض قيل لابن عيينة أن مالكا يروى هذا الحديث عن ربيع فقال وما يريد بذلك وما
41

يرجو منه يحيى بن سعيد احفظ منه وقد حفظناه عنه ورواية الأوزاعي عن ربيعة موافقة لرواية يحيى بن سعيد ورواية مالك مختصرة ففي هذا الحديث أن النهي إنما كان مخرجه من أجل المخابرة وجهل الإجارة وذلك أيضا بين فيما ذكر الحميدي عن ابن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت عبد الله بن عمر يقول كنانخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه فتركنا ذلك من أجل قوله (1) فقد بان بهذا الحديث معنى (1) حديث ابن شهاب عن سالم عن أبيه الذي قدمنا ذكره وبان به أن ذلك من أجل المخابرة وهي كراء الأرض ببعض ما يخرج منها لا خلاف في ذلك وقد ذكرناه ومضى القول فيه من جهة اللغة والآثار بما فيه كفاية حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد ابن زيد عن عمرو بن دينار قال سمعت ابن عمر يقول كنا لا نرى بالخبر بأسا حتى كان عام أول فزعم رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه (2) قالوا والخبر (3) المخابرة وهي كراء الأرض ببعض ما
42

تخرجه على سنة خيبر وذلك منسوخ وقد بان نسخه بهذا الحديث وما كان مثله واحتجوا أيضا أن حديث رافع بن خديج إنما معناه النهي عن المزارعة وهي كراء الأرض بالثلث والربع بما حدثنا (أ) عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد ابن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا الحكم بن أبي عبد الرحمن بن أبي نعيم قال سمعت أبي يقول عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى (1) عن المزارعة وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن أسيد (1364) بن ظهير قال أتانا رافع ابن خديج فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن الحقل (2)
43

والحقل المزارعة بالثلث والربع وهو معنى حديث ثابت (1365) بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن المزارعة وعللوا حديث جابر بأنه يحتمل ان يكون على الندب وأن مطرا الوراق قد خالفه غيره فيه فرواه عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال كان لرجال هنا فضول أرضين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يواجرونها على النصف والثلث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو لمينحها أخاه فإن أبى فليمسك (1) فقالوا فقد تبين بهذا أن النهي إنما خرج عن المزارعة والمخابرة وذلك كراء الأراض ببعض ما تخرجه وكذلك روى أبو الزبير عن جابر قال كنا (2) في زمن النبي صلى الله عليه وسلم نأخذ الأرضين بالثلث والربع وبالماذيان (3) فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك
44

قالوا وأما بالطعام المعلوم فلا بأس بذلك كسائر العروض ولم يفرقوا بين كراء الأرض وكراء الدار وإلى هذا ذهب الشافعي رحمه الله وقال آخرون أحاديث رافع في هذا الباب لا يثبت منها شيء يوجب أن يكون حكما لاختلاف ألفاظها واضطرابها وكذلك حديث جابر قالوا وممكن أن يكون النهي عن ذلك على نحو ما رواه سعيد ابن المسيب عن سعد بن أبي وقاص قال كان الناس يكرون المرزاع بما يكون على السواقي وبما ينبته الماء حول البئر فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك حدثناه أبو محمد عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن عكرمة (1366) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن
45

محمد (1367) بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن سعيد بن المسيب عن سعد (أ) قال كنا (1) نكرى الأرض بما على السواقي فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمرنا أن نكريها بذهب أو ورق وهذا على نحو ما قاله يحيى بن سعيد عن حنظلة عن رافع في ذلك قوله لك هذه القطعة ولي هذه فربما أخرجت هذه وربما لم تخرج هذه ومثله ما رواه الأوزاعي عن ربيعة عن حنظلة عن رافع وذلك كله مجهول وغرر ولا يجوز أخذ العوض على مثله في الشريعة للجهل به قالوا فاما بالثلث والربع والجزء المعلوم فجائر لأن ذلك معلوم سنة ماضية في قصة خيبر إذ أعطاها صلى الله عليه وسلم اليهود على نصف ما تخرج أرضها وثمرتها
46

وروى ابن المبارك قال أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر (1) ما خرج منها وروى أنس بن عياض ويحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع أو تمر (2) ذكر ذلك كله البخاري وهو صحيح الأثر وقد تقدم القول بذكر القائلين بهذه الأقاويل وبمعنى اختلافهم في ذلك في باب حديث داود بن الحصين من كتابنا هذا وبالله التوفيق
47

حديث ثالث لربيعة بن أبي عبد الرحمن مسند صحيح (أ) مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين قالت كانت في بريرة ثلاث سنن وكانت احدى السنن الثلاث أنها عتقت فخيرت في زوجها وقال النبي عليه السلام الولاء لمن أعتق ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والبرمة تفور بلحم فقرب إليه خبز وأدم (1) من أدم (ب) البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أر البرمة فيها لحم فقيل بلى يا رسول الله لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عليها صدقة وهو لنا هدية قال أبو عمر قد أكثر الناس في تشقيق معاني الأحاديث المروية في قصة
48

بريرة وتفتيقها (أ) وتخريج وجوهها فلمحمد بن جرير (ب) في ذلك كتاب ولمحمد بن خزيمة في ذلك كتاب ولجماعة في ذلك أبواب أكثر ذلك (ج) تكلف واستنباط واستخراج محتمل وتأويل ممكن لا يقطع بصحته ولا يستغنى عن الاستدلال عليه والذي قصدته عائشة رضي الله عنها في هذا لحديث هو عظم الأمر في قصة بريرة لأن ذلك أصول وأحكام وأركان من الحلال والحرام وأنا أورد في تلك المعاني من البيان ما يوقف الناظر على بلوغ المراد منها وبالله التوفيق وقد تقصينا القول فيما توجبه ألفاظ حديث (د) بريرة من الأحكام والمعاني في باب حديث هشام بن عروة من هذا الكتاب والحمد لله وقد روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بريرة بأربع قضايا وهو على نحو ما قلنا في حديث عائشة هذا وحديث ابن عباس حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو
بكر ابن أبي شيبة وأخبرنا عبيد الله (ه) بن محمد ومحمد بن عبد الملك قالا حدثنا عبد الله بن مسرور العسال قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر قالا
49

حدثنا قال حدثنا همام قال حدثنا قتادة عن (أ) عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود يسمى مغيثا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بأربع قضيات وذلك أن مواليها شروها واشترطوا الولاء فقضى أن الولاء لمن أعطى الثمن وخيرها وأمرها أن تعتد وتصدق عليها بصدقة فأهدت منها إلى عائشة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال هو لها صدقة ولنا هدية فأما قول عائشة أن بريرة أعتقت فخيرت في زوجها فكانت سنة ولكن (ب) من ذلك سنة مجتمع عليها ومنها ما اختلف فيه فأما المجتمع عليه الذي لا خلاف بين العلماء فيه فهو أن الأمة إذا أعتقت تحت عبد قد كانت زوجت منه فإن لها الخيار في البقاء معه أو مفارقته فإن اختارت المقام في عصمته لزمها ذلك ولم يكن لها فراقه بعد وإن اختارت مفارقته فذلك لها هذا ما لا خلاف علمته (ج) فيه واختلف الفقهاء في وقت خيار الأمة إذا أعتقت فقال أبو حنيفة وأصحابه وسائر العراقيين إذا علمت بالعتق وبان لها الخيار فخيارها على المجلس وقال الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي إذا جامعها وهي لا تعلم بالعتق فلها الخيار لأنها جومعت ولا تعلم فإن علمت فجامعها (د) بعد العلم فلا خيار لها
50

قال الثوري فإن ادعت الجهالة حلفت ثم يكون لها الخيار وقال مالك وأصحابه والشافعي ومن سلك سبيله والأوزاعي لها الخيار (أ) ما لم يمسها زوجها قال الشافعي لا أعلم في ذلك وقتا إلا ما قالته حفصة رضي الله عنها قال أبو عمر روى عن حفصة (1368) و عبد الله ابني عمر رضي الله عنهما أن للأمة الخيار إذا أعتقت ما لم يمسسها زوجها قال مالك فإن مسها زوجها فادعت أنها جهلت أن لها الخيار فإنها تتهم ولا تصدق بما ادعت من الجهالة ولا خيار لها بعد أن يمسها هذا قوله في الموطأ (1) وجملة قوله وقول أصحابه لا ينقطع خيارها إذا أعتقت حتى يطأها زوجها بعد علمها بعتقها أو توقف فتختار ولا توقف بعد المسيس ولا يمين عليها وإذا صحت جهالتها بعتقها فلا يضرها مسه لها وقال الشافعي إن أصابها زوجها فادعت الجهالة ففيها قولان
51

أحدهما لا خيار لها والآخر أن لها الخيار وتحلف وهو أحب إلينا وقال الأوزاعي إذا لم تعلم أن لها الخيار حتى غشيها زوجها ثم علمت فلها الخيار وهذا كقول مالك وروى مالك (1) عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن مولاة لبني عدي يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد وهي أمة يومئذ فعتقت قالت فأرسلت إلى حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فدعتني فقالت أني مخبرتك خبرا ولا أحب ان تصنعي شيئا أن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك فإن مسك فليس لك من الأمر شيء قالت فقلت هو الطلاق ثم الطلاق ثم الطلاق ففارقته ثلاثا وحدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق أن لها الخيار ما لم يمسها قال أبو عمر لا أعلم لابن عمر وحفصة في ذلك مخالفا من الصحابة وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بريرة (1369) من حديث ابن عباس ما فيه دليل واضح على ما ذهبنا إليه وروى سعيد بن منصور عن هشيم عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال لما خيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته فكلم الناس له رسول
52

الله صلى الله عليه وسلم ان يطلب إليها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجك وأبو ولدك فقالت أتأمرني يا رسول الله فقال إنما أنا شافع فقالت إن كنت شافعا فلا حاجة لي فيه واختارت نفسها وكان يقال له مغيث وكان عبدا لآل المغيرة من بني مخزوم (1) ففي هذا الحديث مرورها في السكك (2) ومراجعتها النبي عليه السلام ولم يبطل ذلك خيارها فبطل قول من قال إن خيارها إنما هو (أ) ما داما في مجلسهما واختلف الفقهاء أيضا في فرقة المعتقة إذا اختارت فراق زوجها فقال ماكل والأوزاعي والليث بن سعد هو طلاق بائن قال مالك هي تطليقة بائنة إلا أن تطلق نفسها ثلاثا فإن طلقت نفسها ثلاثا فذلك لها ولها أن تطلق نفسها ما شاءت من الطلاق فإن طلقت نفسها واحدة فهي بائنة قال أبو عمر حديث ابن شهاب عن عروة في قصة بريرة (ب) دليل على صحة ما قلنا وما ذهب إليه مالك في أن لها أن توقع من الطلاق ما
53

شاءت وقد قال قوم من العلماء أنها لا تطلق نفسها إلا واحدة ب بائنة وقد روى ذلك عن مالك وقال به بعض أصحابه والمشهور عنه وعن جملة أصحابه ما قدما من مذهبه على حديث زبراء وهو أصل لا يدفع لأنه لم يبلغنا أن أحدا من الصحابة أنكر عليها ذلك وقد كان كثير من الصحابة في حياة حفصة متوافرين وفي القياس من كان له أن يوقع طلقة كان له أن يوقع ثلاثا قال أبو عمر قد احتج بهذا الحديث (أ) من أصحابنا من أجاز لها أن توقع الثلاث تطليقات في اختيارها نفسها وليس ذلك على أصل مذهب مالك (ب) من وجهين أحدهما أنه لا يجب لأحد إيقاع الثلاث مجتمعات والثاني أنه طلاق معلق بعبد لا مدخل فيه للثلاث لأن الطلاق منوط بأحوال الرجال لا بالنساء وطلاق العبد إنما هو تطليقتان وقد حكى أبو الفرج أن مالكا لا يجيز لها أن توقع إلا واحدة فتكون بائنة أو تطليقتين فلا تحل له إلا بعد زوج وهو أصل مالك وروى عن بعض العلماء انها طلقة رجعية قال الأوزاعي لو اعتق زوجها في عدتها فإن بعض شيوخنا يقول هو أملك بها وبعضهم يقول هي بائنة
54

وقد روى ابن نافع عن مالك ان للعبد الرجعة ان اعتق قال ابن نافع ولا أرى ذلك ولا رجعة له وان اعتق وروى عيسى عن ابن القاسم في الأمة تعتق وهي حائض قال لا تختار نفسها حتى تطهر قال وان اعتق زوجها قبل أن تطهر فلا أرى ذلك يقطع خيارها لأنه قد وجب لها الخيار وإنما منعها منه الحيض وقال ابن عبدوس لا خيار لها إذا اعتق قبل أن تطهر وتختار نفسها قال أبو عمر لا معنى لقول من قال إنها طلقة رجعية لأن زوجها لو ملك رجعتها لم يكن لاختيارها معنى وأي شيء كان يفيدها فرارها عن زوجها ومفارقتها إياه بتطليقها نفسها وهو يملك رجعتها هذا ما لا معنى له لأنها إنما اختارت نفسها لتخلصها من عصمته فلو ملك رجعتها لم تتخلص منه وإذا استحال ذلك فمعلوم أن الطلاق إذا وقع بائنا لم يكن رجعيا بعد وكيف يكون بائنا عند وقوعه وتكون لزوجها رجعتها أن اعتق هذا محال ومثله في الضعف قول ابن القاسم أن لها الخيار وزوجها قد أعتق وكيف يكون ذلك والعلة الموجبة لها الاختيار قد ارتفعت ألا ترى أنها لو أعتقت تحت حر لم يكن لها عنده وعند جمهور أهل المدينة خيار فكذلك
إذا لم تختر نفسها حتى عتق فلا خيار لها لأن الرق قد زال وقال الثوري والحسن بن حي وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه ان اختارت الأمة المعتقة نفسها فهو فسخ بغير طلاق وهو قول أحمد بن حنبل وإسحق
55

وقال ابن أبي أويس سئل مالك عن الجارية نصفها حر ونصفها مملوك يخطبها العبد فتأبى أن تتزوجه فيسئلها سيدها ذلك فتطاوعه ثم تعتق بعد ذلك أترى لها الخيار قال نعم اني لأرى ذلك لها فقيل أنه لم (أ) يكن لها أن تأبى التزويج ولا يكرهها سيدها على ذلك قال بلى قيل له فكيف يكون لها الخيار قال هي في حالها حال أمة وإنما ذلك بمنزلة ما لو أن أمة ليس فيها عتق طلبت إلى سيدها أن يزوجها عبدا ففعل فزوجها فلها الخيار فقيل له إن هذه لو شاءت لم تفعل والأخرى لم يكن لها أن تأبى وهذه قد طاوعت ولم يكن ليجبرها على النكاح قال لكنها في حالها كلها في حدودها وكشف شعرها كالأمة فما أرى إلا أن يكون لها الخيار واختلفوا أيضا في الأمة تعتق تحت الحر فقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح لها الخيار حرا كان زوجها أو عبدا ومن حجتهم ان الأمة لم يكن لها في انكاحها رأى من أجل انها كانت أمة فلما عتقت كان لها الخيار ألا ترى إلى اجماعهم على أن الأمة يزوجها سيدها بغير اذنها من أجل اموتها فإذا كانت حرة كان لها الخيار قالوا وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تخيير بريرة عند عتقها ما فيه كفاية ولم يقل لها أن خيارك إنما وجب لك من أجل أن زوجك عبد فواجب لها الخيار أبدا متى ما عتقت تحت حر وتحت عبد على عموم الحديث
56

ورووا عن الأسود بن يزيد عن عائشة ان زوج بريرة كان حرا وعن سعيد بن المسيب مثله واحتجوا أيضا بما روى في بعض الآثار في قصة بريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها قد ملكت نفسك فاختاري قالوا فكل من ملكت نفسها اختارت وسواء كانت تحت حر أو عبد وادعوا ان قول من قال إن زوج بريرة كان حرا أولى لأن الرق ظاهر بزعمهم والحرية طارئة ومن أنبأ عن الباطن كان أولى وقال مالك وأهل المدينة والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وابن أبي ليلى إذا أعتقت الأمة تحت حر فلا خيار لها وهو قول أحمد واسحق ومن حجتهم أنها لم يحدث لها حال ترتفع بها عن الحر فكأنهما لم يزالا حرين ولما لم ينقص حال الزوج عن حالها ولم يحدث به عيب لم يكن لها خيار وقد أجمع الفقهاء أن لا خيار لزوجة العنين إذا ذهبت العنة وكذلك زوال سائر العيوب تنفى الخيار وأما حجتهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لبريرة قد ملكت نفسك فاختاري فإنه خطاب ورد فيمن كانت تحت عبد فأما من أعتقت تحت حر فلا تملك بذلك نفسها لأنه ليس هناك شيء يوجب ملكها لنفسها وأما رواية الأسود بن يزيد عن عائشة أن زوج بريرة كان حرا فقد عارضه عن عائشة من هو مثله وفوقه وذلك القاسم بن محمد وعروة بن الزبير رويا عن عائشة أن زوج بريرة كان
57

عبدا (1) والقلب إلى رواية اثنين أشد سكونا منه إلى رواية واحد فكيف وقد روى عن ابن عباس وابن عمر ان زوج بريرة كان عبدا حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا حين أعتقت (2) وذكر ابن أبي شيبة عن عفان عن همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ان زوج بريرة كان عبدا يسمى مغيثا وقال أبو بكر أيضا عن الحسين بن علي عن زائدة عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدا حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا إبراهيم (1370) بن
58

طيفور قال حدثنا عبد الله (1371) بن موسى عن أسامة (1372) بن زيد عن القاسم بن محمد عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدا وذكر حديث (1) عبد الرزاق عن الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال إذا أعتقت تحت حر فلا خيار لها وفي تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة بعد أن بيعت من عائشة دليل على أن بيع الأمة ليس بطلاق لها وفي ذلك بطلان قول من قال بيع الأمة طلاقها لأن بيعها لو كان طلاقا لم يخيرها
59

رسول صلى الله عليه وسلم في أن تبقى مع من طلقت عليه أو تطلق نفسها لأنه محال ان تخير وهي مطلقة وهذا واضح يغني عن الاكثار فيه وهذا القول يروى عن بعض الصحابة وأكثر الفقهاء على خلافه بحديث بريرة هذا والله أعلم وقد وضحنا هذا المعنى في باب هشام (1) بن عروة وأما قوله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن اعتق (2) فإنه يدخل في قوله من اعتق كل مالك نافذ أمره مستقر ملكه من الرجال والنساء البالغين الا أن النساء ليس لهن من الولاء إلا ما أعتقن أو الولاء عتق (أ) من اعتق لأن الولاء للعصبات وليس لذوي الفروض مدخل في ميراث الولاء إلا أن يكونوا عصبة وليس النساء بعصبة روى ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري أنه أخبره عن سالم ابن ابن عمر كان يورث موالي عمر دون بنات عمر وروى عن زيد بن ثابت معناه وعليه جماعة أهل العلم ولا يستحق الولاء من العصبات إلا الأقرب فالأقرب ولا يدخل بعيد على قريب وان قربت قراباتهم فأقرب العصبات الأبناء ثم بنوهم وان سفلوا ثم الأب لأنه الصق الناس به بعد ولده وولد ولده ثم الأخوة لأنهم بنو الأب ثم بنو الأخوة وان سفلوا ثم الجد أب الأب ثم العم لأنه ابن الجد ثم بنو العم فعلى
60

هذا التنزيل ميراث الولاء وعلى هذا المجرى يجرى ميراث الولاء وما أحرز الأبناء والآباء من الولاء فهو لعصبتهم حدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال تزوج زياد بن حذيفة بن سعيد بن سهم أم وائل بنت معمر الجمحية فولدت ثلاثة أولاد فتوفيت أمهم فورثها بنوها رباعها (1) وولاء مواليها فخرج بهم عمرو بن العاص معه إلى الشام فماتوا في طاعون عمواس فورثهم عمرو وكان عصبتهم (أ) فلما رجع عمرو جاءه بنو معمر يخاصمونه في ولاء أختهم إلى عمر بن الخطاب فقال عمر أقضى بينكم بما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما أحرز الولد أو الوالد (ب) فهو لعصبته من كان (2) فقضى لنا وكتب بذلك كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت وآخر حتى إذا استخلف عبد الملك بن مروان توفي مولى لها وترك ألف دينار وبلغني أن (ج) ذلك القضاء قد غير فخاصموه إلى هشام
61

ابن إسماعيل فرفعه إلى عبد الملك بن مروان فأتيناه بكتاب عمر فقال إن كنت لأرى أن هذا من القضاء الذي لا يشك فيه وما كنت أرى أمرا بالمدينة بلغ هذا أن يشكوا في القضاء به فقضى لنا به فلم ننازع فيه بعد وهذا صحيح حسن غريب فقال يعقوب بن شيبة ما رأيت أحدا من أصحابنا ممن ينظر في الحديث وينتقي الرجال يقول في عمرو بن شعيب شيئا وحديثه عندهم صحيح وهو ثقة ثبت والأحاديث التي أنكروا من حديثه إنما هي لقوم ضعفاء زوروها (أ) عنه وما روى عنه الثقات فصحيح قال وسمعت علي بن المديني يقول قد سمع أبوه شعيب من جده عبد الله بن عمرو قال علي وعمرو بن شعيب عندنا ثقة وكتابه صحيح وحسين المعلم ثقة عند جميعهم واما اختلافهم في الولاء للكبير (ب) فذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا حجاج قال حدثنا هشام (ج) قال حدثنا المغيرة عن إبراهيم أن عليا وابن مسعود وزيدا كانوا يقولون الولاء للكبير قال وحدثنا حجاج قال حدثنا هشام عن الأشعث عن الشعبي عن علي وابن مسعود وزيد مثل ذلك قال إسماعيل فأوجب هؤلاء الولاء للأقرب فالأقرب خاصة ولم يجعلوه مشتركا على طريق الفرائض
62

قال وحدثنا حجاج قال حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن إبراهيم في أخوين ورثا مولى كان اعتقه أبوهما فمات أحد الأخوين وترك ولدا قال كان شريح يقول من ملك شيئا حياته فهو لورثته من بعده قال وكان علي وعبد الله وزيد يقولون الولاء للكبير قال أبو عمر على قول علي وعبد الله وزيد جمهور فقهاء الأمصار وأكثر أهل العلم يقولون إن الولاء لا يجوز (أ) في الميراث إلا لأقرب الناس للمعتق يوم يموت الموروث المعتق وأنه ينتقل أبدا لهذه الحال قال إسماعيل حدثنا حجاج قال حدثنا حماد عن قتادة ان شريحا قال في رجل ترك جده وابنه ومولى قال للجد السدس من الولاء وما بقي فللأبن قال قتادة وقال زيد الولاء للابن كله قال أبو عمر وعليه الناس اليوم وقال إسماعيل وحدثنا حجاج قال حدثنا حماد قال سألت إياس بن معاوية عن رجل ترك جده وابنه ومولاه فقال الولاء للابن وقال كل إنسان له فريضة مسماة فليس له من الولاء شيء قال إسماعيل يعني إياس لا يكون له شيء من الولاء في هذه الحال التي له فيها فريضة مسماة لأنه لم يرث في هذا
63

الموضع من طريق العصبة وإن كان قد يكون عصبة في موضع آخر فيكون له الولاء قال أبو عمر أجمع المسلمون على أن المسلم إذا اعتق عبده المسلم عن نفسه فإن الولاء له هذا ما لا خلاف فيه واختلفوا فيمن اعتق عن غيره رقبة بغير اذن المعتق عنه ودون امره كذلك اختلفوا في النصراني يعتق عبده المسلم قبل أن يباع عليه وفي ولاء المعتق سائبة وفي ولاء الذي يسلم على يد رجل فقالوا في ذلك كله أقاويل شتى منهم من قال (أ) أصله فيها اعتمادا على قوله صلى الله عليه وسلم إنما الولاء (1) لمن اعتق ومنهم من نزع به رأيه وأداه اجتهاده إلى غير ذلك وأنا أبين أقوال الفقهاء فقهاء الأمصار في هذه المسائل واقتصر على ذكرهم في ذلك دون ذكر من قال بقولهم من التابعين قبلهم والخالفين بعدهم على ما اعتمدنا عليه من أول تأليفنا هذا وقصدناه لئلا نخرج عن شرطنا ذلك إذ كان مرادنا فيه الفرار من التخليط والاكثار وبالله التوفيق فأما عتق الرجل عن غيره فإن مالكا وأصحابه الا أشهب قالوا الولاء للمعتق عنه وسواء أمر بذلك أو لم يأمر إذا كان
64

مسلما وإن كان نصرانيا فالولاء لجماعة المسلمين وكذلك قال الليث بن سعد في ذلك كله وقال أبو عبيد القاسم بن سلام من اعتق عن غيره فالولاء للمعتق عنه كقول مالك وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري ان قال اعتق عبدك عني على مال ذكره فالولاء للمعتق عنه لأنه بيع صحيح فإذا قال اعتق عبدك عني (أ) بغير مال فأعتقه فالولاء للمعتق لأن الآمر لم يملك منه شيئا وهي هبة باطل لأنها لا يصح فيها القبض وقال الشافعي (ب) إذا أعتقت عبدك عن رجل حي أو ميت بغير امره فولاؤه لك وان أعتقته عنه بأمره بعوض أو بغير عوض فولاؤه له دونك ويجزئه بمال وبغير مال وسواء قبله المعتق عنه بعد ذلك أو لم يقبله قال الشافعي ولا يكون ولاء لغير معتق أبدا وكذلك قال أحمد وداود وقال الأوزاعي فيمن اعتق عن غيره الولاء لمن أعتق وأجمعوا ان الوكالة في العتق وغيره جائزة وأما أشهب فيجيز كفارة الانسان عن غيره بأمره ولا يجيزها بغير أمره في العتق وغير العتق وسنذكر ذلك في باب سهيل إن شاء الله فاما حجة مالك ومن ذهب مذهبه فمنها ما حدثناه أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وأحمد بن محمد بن أحمد قالا حدثنا
65

قاسم بن اصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا يونس بن يزيد عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث ذكره فيه طول ان نبي الله أيوب عليه السلام قال في بلائه ان الله ليعلم اني كنت أمر على الرجلين يتنازعان ويذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهة ان يذكرا الله إلا في حق (1) قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث يونس عن عقيل عن ابن شهاب مرسلا ورواه نافع بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب (أ) عن انس عن النبي صلى الله عليه وسلم فوصله وفيه أن أيوب كان يكفر عن غيره بغير أمره ولو لم يجز عند أيوب لم يكفر عنه والكفارة قد تكون بالعتق وغيره لأنه لم يبلغنا أن شريعة أيوب كانت في كفارة الأيمان على غير شريعتنا وإذا جاز العتق للإنسان عن غيره في شريعة أيوب عليه السلام لم ينسخ ذلك في شريعتنا الا بأمر بين فالواجب الاقتداء به لقول الله عز وجل * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) * وقال ابن القاسم من اعتق عن رجل بغير امره في كفارة أنه يجزئه
66

قال أبو عمر حجتهم في ذلك ما تقدم (أ) والقياس على أداء الدين عن غيره بغير اذنه أنه براءة صحيحة قال أبو عمر إذا صح هذا الأصل صح الولاء للمعتق عنه لأنه يستحيل ان تجزئ عنه الكفارة فيما قد وجب عليه والولاء لغيره فإذا أجزأت عنه كفارة فالولاء له وذكر القاسم بن خلف عن أبي بكر الأبهري أنه قال في مسئلة ابن القاسم هذه القياس أن لا يجوز لأنه غير جائز ان يفعل الانسان عن غيره شيئا واجبا عليه لا يصح الا بنية منه بغير أمره كالحج والزكاة وكذلك الكفارات لأنها افعال تعبد (ب) بها الانسان وليس كذلك الدين لأنه قد يزول عن الانسان بغير أداء وهو أن يبرأ منه قال أبو عمر ومن حجة من لم يجز العتق عن غيره بغير امره قوله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن اعتق هذا معناه عندهم ان الولاء لا يكون إلا لمعتق ز والمعتق عنه غير المعتق فبطل ذلك عندهم لأن الولاء لا ينتقل وهو لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب وغير جائز في الحقيقة أن يضاف إلى الانسان فعل لم يقصده ولم يعلم به فلهذا يستحيل أن يقال أنه وهبه له ثم اعتقه عنه من غير توكيل منه وأما إذا أمره أن يعتق عبده عنه فاجابه المأمور
67

إلى ذلك ثم اعتق عنه من غير توكيل (أ) وإنما هي هبة مقبوضة ينفذ فيها التوكيل والتسليط والمال في ذلك وغير المال سواء لأن الهبة والبيع في ذلك سواء وأما النصراني يعتق عبده المسلم قبل أن يباع عليه فإن مالكا وأصحابه يقولون ليس له من ولائه شيء وولاؤه لجماعة المسلمين ولا يرجع إليه الولاء أبدا وإن أسلم ولا إلى ورثته وان كانوا مسلمين وحجة من قال بهذا القول أن اسلام عبد النصراني يرفع ملكه عنه ويوجب اخراجه عن (ب) يده فلما كان ملكه يرتفع باسلامه لم يثبت الولاء له بعد عتقه وإذا لم يثبت له ثبت لجماعة المسلمين وإذا ثبت لهم الولاء لم ينتقل عنهم لأنه لحمة كلحمة النسب وسواء أسلم سيده بعد ذلك أو لم يسلم لأن الولاء قد ثبت لجماعة المسلمين قالوا والدليل على ارتفاع ملك النصراني عن عبده المسلم عموم قول الله تعالى * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * وقوله تعالى * (وأنتم الأعلون) * والحديث الاسلام (1) يعلو ولا يعلى عليه
68

وقال الشافعي والعراقيون وأصحابهم إذا أسلم عبد النصراني فاعتقه قبل ان يباع عليه فولاؤه له ولورثته من بعده فإن أسلم مولاه ثم مات المعتق ولم يكن له وارث بالنسب ورثه معتقه وان لم يسلم لم يرثه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرث (1) المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وحجتهم في أن الولاء له عموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن اعتق لم يخص مسلما من كافر ولو لم يكن له عليه ملك ما بيع عليه ودفع ثمنه إليه وقد قال صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب (2) قال أبو عمر روى في هذا الباب حديث ليس بالقوي من جهة الاسناد ولكنه قد احتج به من ذهب هذا المذهب وهو ما حدثناه إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد ابن أيوب الرقى قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال
69

حدثنا إبراهيم (1373) بن الجنيد قال حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عروة بن غيلان الثقفي أخبره عن أبيه أن نافع بن السائب كان لغيلان بن سلمة ففر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حاصر الطائف فاعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أسلم غيلان رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء نافع إليه (1) قال أبو عمر كان أهل الطائف حربيين يومئذ وما خرج عنهم من أموالهم إلى المسلمين كان للمسلمين وجائز أن يكون هذا قبل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) عن بيع الولاء وهبته ونهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته أقوى من هذا
70

وبالله التوفيق (أ) وقال الشافعي في قوله صلى الله عليه وسلم (ب) إنما الولاء لمن أعتق بيان أن الولاء لا يكون إلا لمعتق وهو يوجب أن يكون الولاء لكل معتق كفارا كان أو مسلما لأنه قد جعله صلى الله عليه وسلم كالنسب فكما منع اختلاف الأديان من التوارث مع صحة النسب فكذلك منع اختلاف الأديان من التوارث مع صحة (ج) الولاء وثبوته فإذا اتفقا على الاسلام توارثا وليس اختلاف الأديان مما يمنع من الولاء ولا يدفعه كما أن اختلاف الأديان لا يمنع النسب ولكنه يمنع التوارث كما تمنعه العبودية والقتال عمدا قالوا فولاء المسلم على الكافر ثابت وولاء الكافر على المسلم ثابت (د) إذا اعتقه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن اعتق قالوا ولا يزيل اسلام (ه) عبد النصراني ملكه عنه وإنما يمنع استقراره واستدامته الا ترى انه إذا بيع عليه ملك ثمنه ولو ارتفع ملكه عنه لم يبع عليه ولا ملك المبدل منه ونظير ذلك ملك الرجل لمن يعتق عليه يمنع من استدامة الرق ويعتق عليه بالملك فيكون له ولاؤه وهذا ما لا خلاف فيه ومالك وأصحابه يقولون في العبد إذا اشترى اشتراء فاسدا فاعتقه المشترى ان العتق واقع والولاء ثابت له وان كان ملكه غير تام ولا مستقر
71

قال أبو عمر اما المسلم إذا اعتق عبده النصراني فلا خلاف بين العلماء أن له ولاءه وانه يرثه إن أسلم إذا لم يكن له وارث من نسبه يحجبه فإن مات العبد وهو نصراني فلا خلاف علمته أيضا بين الفقهاء أن ماله يوضع في بيت مال المسلمين ويجرى مجرى الفيء إلا ما ذكره اشهب عن المخزومي فإنه قال عنه ان ميراثه لأهل دينه قال فإن أسلم النصراني ميراثه (أ) ولم يطلبوه ولا طلبه منهم طالب أدخلناه بيت مال المسلمين معزولا ولا يكون فيئا حتى يرثه الله أو يأتي (ب) له طالب وهذا عندي لا وجه له إلا كون الكفار بعضهم أولياء بعض كما أن المسلمون بعضهم أولياء بعض والصحيح في ذلك ما قاله جمهور العلماء (ج) انه يوضع في بيت المال لأن ولاءه قد ثبت للمسلمين (د) ولاية نسب وهي أقعد من ولاية الدين في وجه المواريث إلا أن الشريعة منعت من التوارث بين المسلمين والكفار فكان هذا النصراني المعتق قد ترك مالا لا وارث له وله أصل في المسلمين عدم مستحقه بعينه فوجب أن يصرف في مصالح المسلمين ويوقف في بيت مالهم والله أعلم وأما الحربي يعتق مملوكه ثم يخرجان مسلمين فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا للعبد أن يوالي من شاء ولا يكون ولاؤه للمعتق وكذلك عندهم كل كافر اعتق كافرا وقال الشافعي مولاه يرثه إذا أسلم واستحسنه أبو يوسف وهو قياس قول
72

مالك في الذمي يعتق ذميا ثم يسلمان وقولهم جميعا وبالله التوفيق وأما المعتق سائبة (1) فإن (أ) ابن وهب روى عن مالك قال لا يعتق أحد سائبة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته وهذا عند كل من مذهب مذهب مالك إنما هو على كراهية السائبة لا غير لأن كل من اعتق عندهم سائبة نفذ عتقه وكان ولاؤه لجماعة المسلمين هكذا روى ابن القاسم وابن عبد الحكم وأشهب وغيرهم عن مالك وكذلك ذكر ابن وهب عن مالك في موطئه وهو المشهور من مذهبه عند أصحابه وقد يحتمل ان يكون قول مالك لا يعتق أحد سائبة رجوعا عن قوله المعروف والله أعلم ولكن أصحابه على المشهور من قوله قال مالك في موطئه وأحسن ما سمعت في السائبة انه لا يوالي أحدا وان ولاءه لجماعة المسلمين وعقله عليهم (2) وهذا يدلك (ب) على تجويزه لعتق السائبة وقال ابن القاسم وابن وهب عن مالك انا أكره عتق السائبة وأنهى عنه فإن وقع نفذ وكان ميراثه لجماعة المسلمين وعقله عليهم
73

وقال ابن نافع لا سائبة اليوم في الإسلام ومن اعتق سائبة فإن (أ) ولاءه له وقال اصبغ لا بأس بعتق السائبة ابتداء قال أبو عمر اصبغ ذهب في هذا إلى المشهور من مذهب مالك وله احتج إسماعيل بن إسحاق القاضي وإياه تقلد ومن حجته في ذلك ان عتق السائبة مستفيض بالمدينة لا ينكره عالم وان عبد الله بن عمر وغيره من السلف أعتقوا السائبة (ب) وان عمر بن الخطاب قال السائبة والصدقة ليومهما أي لا يتصرف في شيء منهما وروى سليمان التيمي عن بكر المزني ان ابن عمر اتى بمال مولى
اعتقه سائبة فمات فقال انا كنا اعتقناه سائبة فامر أن يشتري به رقاب فتعتق وروى سليمان التيمي عن أبي عثمان (1374) النهدي قال قال عمر بن الخطاب السائبة والصدقة ليومهما
74

وروى ابن عيينة عن الأعمش ولم يسمعه منه قال سمعت إبراهيم يقول اتى عبد الله رجل بمال فقال خذ هذا فقال ما هو قال مال رجل أعتقته سائبة فمات وترك هذا قال فهو لك قال ليس لي فيه حاجة قال وطرحه عبد الله في بيت المال قال أبو عمر وهذا ان صح لم يكن فيه حجة لأن ابن مسعود قال هو لك ولم يقل لجماعة المسلمين وإنما جعله في بيت المال (أ) لأن ذلك حكم كل مال يدفعه ربه عن نفسه إلى غير مالك معين وكذلك فعل عمر ابن الخطاب في طارق (1375) بن المرقع ذكره وكيع عن بسطام (1376) بن مسلم عن عطاء بن أبي رباح ان طارق بن المرقع اعتق عبدا له فمات وترك مالا فأعرض على طارق فأبى فقال إنما جعلته لله ولست آخذ ميراثه فكتب فيه إلى عمر فكتب عمر (ب) أن أعرضوا على طارق الميراث فإن قبله وإلا فاشتروا به رقيقا
75

فاعتقوهم فبلغ خمس عشرة أو ست عشرة رأسا وأما أهل المدينة فأكثرهم على أن السائبة ميراثه لجماعة المسلمين (أ) وممن روى هذا عنه (ب) منهم ابن شهاب وربيعة وأبو الزناد وهو قول عمر بن عبد العزيز وأبي العالية وعطاء وعمرو بن دينار وقال سفيان الثوري في قول عمر السائبة ليومها قال يعني يوم القيامة لا يرجع في شيء منها إلى يوم القيامة وذكر ابن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع ان ابن عمر كان إذا اعتق سائبة لم يرثه ولا يختلف في أن سالما (1377) مولى أبي حذيفة أعتقته مولاته ليلى أو لبنى (ج) بنت يعار وكانت تحت أبي حذيفة ابن عتبة بن ربيعة فأعتقته سائبة ولم يقل أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك (د) ثم مات وترك ابنته فأعطاها عمر بن الخطاب نصف ماله وجعل النصف في بيت المال والذي لم يختلف فيه من أمر سالم مولى أبي حذيفة أنه أعتق سائبة (ه) ولا خلاف أنه قتل يوم اليمامة وإنما
76

نسب القضاء فيه إلى عمر لأنه كان بأمر أبي بكر وكان عمر القاضي لأبي بكر وقد روى أن عمر جعل ميراثه لابنته لما امتنع مواليه من قبول ميراثه إذ كان سائبة وروى أنها أعتقته سائبة فوالى أبا حذيفة وقال الشعبي ترك سالم مولى أبي حذيفة ابنته ومولاته ليلى بنت يعار امرأة أبي حذيفة بن عتبة فورث أبو بكر البنت الصنف وعرض الباقي على مولاته فقالت لا أرجع في شيء من أمر سالم إني جعلته لله فجعل أبو بكر رضي الله عنه النصف الباقي في سبيل الله وهذا أولى من رواية من روى أن عمر حكم بذلك إلا بما وجهنا من أمر أبي بكر له بذلك والله أعلم وروى عن عمر وابن مسعود أنهما قالا يعرض مال المعتق سائبة على الذي اعتقه فإن تحرج عنه اشترى به رقاب وأعتقوا وعن أبي عمرو (1378) الشيباني عن ابن مسعود قال يضع السائبة ماله حيث شاء وقال أبو العالية والزهري ومكحول ومالك بن أنس لا ولاء عليه ويرثه المسلمون وقال مالك رحمه الله السائبة لا يوالي أحدا وولاؤه لجماعة المسلمين وحجته في أنه لا يوالي أحدا قوله صلى الله عليه وسلم
77

الولاء لمن اعتق ومعلوم أن من تولاه السائبة لم يعتقه فكيف يكون له ولاؤه وقال ابن شهاب والأوزاعي والليث بن سعد له أن يوالي من شاء فإن مات ولم يوال أحدا كان ولاؤه لجماعة المسلمين ومن حجتهم في ذلك قول عمر رحمه الله لك ولاؤه في المنبوذ قالوا فقام الصغير مقامه لنفسه لو ميز موضع الاختيار لها والدفع عنها فجاز بذلك للكبير أن يوالي من شاء إذا لم يكن له عليه ولاء وهؤلاء كلهم يجيزون عتق السائبة ويجعلون الولاء للمسلمين وحجتهم ما ذكرناه من عمل أهل المدينة قرنا بعد قرن في زعم المحتج بذلك ولأنه في معنى من اعتق عن غيره فيكون الولاء له ومن اعتق عبده (أ) سائبة فقد اعتقه عن جماعة المسلمين فلذلك صار الولاء لهم قالوا وإنما يكون الولاء لمن اعتق إذا عن نفسه فهذا ما احتج به إسماعيل وغيره في عتق السائبة وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما من اعتق سائبة فولاؤه له وهو يرثه دون الناس وهو قول الشافعي وعطاء والحسن وابن سيرين وضمرة بن حبيب وراشد بن سعد وبه يقول محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وحجتهم في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الولاء لمن اعتق فنفى بذلك أن يكون الولاء لغير معتق ونهى عليه السلام عن بيع الولاء وهبته
78

واحتجوا أيضا بقول الله عز وجل * (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) * والحديث لا سائبة في الاسلام وبما رواه أبو قيس عن هذيل بن شرحبيل قال قال رجل لعبد الله بن مسعود إني أعتقت غلاما لي سائبة فمات وترك مالا فقال عبد الله أن أهل الاسلام (1) لا يسيبون إنما كانت تسيب الجاهلية أنت وارثه وولى نعمته وقد روى ابن جريج عن عطاء ان طارق بن المرقع كان أميرا على مكة فاعتق سوائب فماتوا (أ) فجاءوا بالميراث إلى عمر فقال اعطوه ورثته فأبى الورثة أن يقبلوه فاشتروا به رقابا فاعتقوهم قال أبو عمر روى شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت أبا عمرو الشيباني قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول السائبة يضع ماله حيث شاء وهذا معناه ان المعتق له سائبة لم يكن حيا ولا عصبته ومن كانت هذه حاله فمذهب ابن مسعود فيه وفي كل من لا وارث له انه يضع ماله حيث شاء وأجاز له ان يوصي
79

بماله لمن شاء وهو قول مسروق وعبيدة والشعبي وأكثر أهل العراق وأما الذي يسلم على يد رجل أو يواليه فإن مالكا وأصحابه وعبد الله بن شبرمة والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحابه قالوا لا ميراث للذي اسلم على يديه ولا ولاء له بحال وميراث ذلك المسلم إذا لم يدع وارثا لجماعة المسلمين وهو قول أحمد وداود ولا ولاء إلا للمعتق وحجتهم في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق قالوا وهذا غير معتق فكيف يكون لهؤلاء من أسلم على يديه ومن حجتهم أيضا ان الميراث بالمعاقدة منسوخ فبطل بذلك أن يوالي أحد أحدا لأن الولاء نسب قال اشهب عن مالك جاء رجل من أهل مصر ذكر ان في يده ألف دينار من مال رجل هلك وقد اسلم على يديه فقيل له ليس لك هذا فلا أراه الا ردها قال أشهب الرجل الذي جاء هو موسى (1379) بن علي بن رباح وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن إذا أسلم كافر على يد رجل مسلم بأرض العدو أو بأرض المسلمين فميراثه للذي أسم على يديه
80

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري إذا كان من أرض العدو فجاء فأسلم على يدي رجل فإن ولاءه لمن والاه ومن أسلم من أهل الذمة على يدي رجل مسلم فولاؤه للمسلمين
عامة وقال أبو حنيفة وأصحابه من أسلم على يدي رجل ووالاه وعاقده ثم مات ولا وارث غيره فميراثه له وقال الليث بن سعد من أسلم على يدي رجل فقد والاه وميراثه للذي أسلم على يديه إذا لم يدع وارثا غيره وحجة من قال بهذا القول ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الله (1380) بن داود عن عبد العزيز (1381) بن عمر بن عبد العزيز عن
81

عبد الله (1382) بن موهب عن تميم الداري (1383) قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المشرك يسلم على يدي الرجل المسلم فقال هو أحق الناس وأولى الناس بمحياه (1) ومماته قال عبد العزيز
82

فحدث به ابن موهب عمر بن عبد العزيز فشهدته قضى بذلك في رجل أسلم على يدي رجل مسلم فمات (أ) وترك مالا وابنة فقسم ماله بينه وبين ابنته فأعطى الابن النصف وأعطى الذي أسلم على يديه النصف وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال قضى عمر بن الخطاب في رجل وإلى قوما فجعل ميراثه لهم وعقله عليهم قال معمر وقال الزهري إذا لم يوال أحدا ورثه المسلمون قال أبو عمر في هذه المسألة أقوال أحدهما ما قدمنا عن مالك والشافعي ومن تابعهما أنه لا يكون ولاؤه ولاء ميراث لمن أسلم على يديه وسواء والاه أو لم يواله وقول آخر إذا أسلم على يديه ورثه وإن لم يواله روى ذلك عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وبه قال الليث بن سعد
83

جعل اسلامه على يديه موالاة ومن حجة من ذهب إلى هذا حديث تميم الداري المذكور وما رواه حماد بن سلمة عن جعفر (1384) بن الزبير عن القاسم (1385) ابن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أسلم على يدي رجل فله ولاؤه (1)
84

وذكر سعيد بن منصور عن عيسى بن يونس (أ) عن الأحوص (1386) بن حكيم عن راشد (1387) بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلم على يديه رجل فهو مولاه وهي آثار ليست بالقوية ومراسيل وقالت طائفة إذا والى رجل رجلا (ب) وعاقده فهو يعقل عنه ويرثه إذا لم يخلف ذا رحم وروى عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود أنهم أجازوا الموالاة وورثوا بها وعن عطاء والزهري ومكحول نحوه وقالت طائفة أن عقل عنه ورثه وان لم يعقل عنه لم يرثه
85

روى عن سعيد بن المسيب أيما رجل اسلم على يدي رجل فعقل عنه ورثه وان لم يعقل عنه لم يرثه وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا والاه على أن يعقل عنه ويرثه عقل عنه وورثه إذا لم يخلف وارثا معروفا قالوا وله أن ينقل ولاءه عنه ما لم يعقل عنه (أ) أو عن أحد من صغار ولده وللموالي أن يبرأ من ولائه بحضرته ما لم يعقل عنه قالوا وان اسلم على يدي رجل ولم يواله لم يرثه ولم يعقل عنه وهو قول الحكم وحماد وإبراهيم وهذا كله فيمن لا تعرف له عصبة ولا ذو رحم يرث بها واما قوله في الحديث ألم أر برمة فيها لحم فقيل بلى يا رسول الله ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم هو عليها صدقة وهو لنا هدية ففيه إباحة أكل اللحم وهو يرد قول من كرهه من الصوفية والعباد ويبين معنى قول عمر إياكم واللحم فإن له ضراوة كضراوة الخمر (1) وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال سيد أدام الدنيا والآخرة اللحم (2) وسيأتي من هذا المعنى ذكر عند قوله صلى الله عليه وسلم نكب عن ذات الدر (3) في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله ذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا مسلم بن إبراهيم
86

قال حدثنا بكار بن عبد العزيز بن بريد الكندي قال حدثنا غالب (1388) القطان قال كان للحسن (أ) كل يوم لحم بنصف درهم وما وجدت مرقة قط (ب) أطيب ريحا من مرقة الحسن قال (ج) وحدثنا عائذ قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال ما وجدت مرقة أطيب ريحا من مرقة الحسن قال وحدثنا عبد الصمد (1389) قال حدثنا أبو هلال (1390) قال ما دخلنا على الحسن قط إلا وقدره تفور بلحم طيبة الريح
87

قال ودخلت يوما على محمد وهوي يأكل متكئا من سمك صغار وفي هذا الحديث أيضا أن الصدقة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكلها وكان يأكل الهدية وأجمع العلماء ان الصدقة كانت لا تحل له على لسانه صلى الله عليه وسلم ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الصدقة لا تحل لمحمد ولالآل (1) محمد وأنه كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة (ه) حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو طالب محمد بن زكريا المقدسي قال حدثنا عبيد بن الغازي أبو ذهل قال حدثنا أبو عاصم النبيل قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن ابن (أ) أبي مليكة عن ابن عباس عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية وكان لا يقبل الصدقة وقال طائفة من أهل العلم إن صدقة التطوع كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنزه عنها ولم تكن عليه محرمة وقال آخرون وهم أكثر أهل العلم كل صدقة فداخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم ان الصدقة لا تحل لنا واستدلوا بأنه كان عليه السلام لا يأكل صدقة التطوع وقالوا في اللحم الذي
88

تصدق به على بريرة انه كان من صدقات التطوع لأن المعروف في الصدقات المفروضات انها لا تفرق لحما وإنما تفرق لحما لحوم الأضحية والعقيقة وغير ذلك من التطوع قال أبو عمر اما تحريم الصدقة المفترضة عليه وعلى أهله فأشهر عند أهل العلم من أن يحتاج فيها (أ) إلى اكثار ونحن نذكر ها هنا من ذلك ما فيه كفاية إن شاء الله وذكرر عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه انه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني لأدخل بيتي فأجد التمرة ملقاة على فراشي فلولا اني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها (1) وروى حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر بالتمرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة (2) حدثنا عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو بكر بن أبي العوام قال حدثنا
89

أبو عاصم النبيل قال حدثنا ثابت (1391) بن عمارة عن ربيعة (1392) بن شيبان قال قلت للحسن بن علي هل حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال نعم دخلت غرفة الصدقة فأخذت تمرة من تمر الصدقة فالقيتها في فمي فقال النبي صلى الله عليه وسلم انزعها فإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهله (1)
90

روى شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم اتى بتمر من تمر الصدقة فتناول الحسن (أ) ابن علي منها تمرة فلاكها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كخ انه لا تحل لنا الصدقة (1) قال أبو عمر اما الصدقة المفروضة فلا تحل للنبي عليه السلام ولا لبني هاشم ولا لمواليهم لا خلاف بين علماء المسلمين
في ذلك الا ان بعض أهل العلم قال إن موالي بني هاشم لا يحرم (ب) عليهم شيء من الصدقات وهذا خلاف الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا عمرو ابن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا شعبة قال حدثنا الحكم (2) عن ابن أبي رافع (1393)
91

عن أبيه (1394) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بني مخزوم على الصدقة فأراد أبو رافع أن يتبعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان الصدقة لا تحل لنا وان مولى القوم منهم (1) وأبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم واسمه اسلم وقيل إبراهيم وقيل غر ذلك على ما قد ذكرنا في كتاب الصحابة واختلف العلماء أيضا في جواز صدقة التطوع لبني هاشم والذي عليه جمهور أهل العلم وهو الصحيح عندنا ان صدقة التطوع لا بأس بها لبني هاشم ومواليهم ومما يدلك على صحة ذلك ان عليا والعباس وفاطمة رضي الله عنهم وغيرهم
92

تصدقوا وأوقفوا (1) أوقافا على جماعة من بني هاشم وصدقاتهم الموقوفة معروفة مشهورة ولا خلاف علمته بين العلماء في بني هاشم وغيرهم في قبول الهدايا والمعروف سواء وقد قال صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة (2) وسنزيد هذا الباب بيانا في أولى المواضع به من كتابنا هذا إن شاء الله وأما امتناعه صلى الله عليه وسلم من أكل صدقة التطوع فمشهور ومنقول من وجوه صحاح حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد ابن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا زياد (1395) ابن أيوب وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا أحمد (1396) بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا أحمد بن الحسن بن هارون الصباحي قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم
93

الدروقي قالا حدثنا أبو عبيدة (1397) عبد الواحد بن واصل قال حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بشيء سأل عنه أصدقة أم هدية فإن قيل صدقة لم يأكل منه وإن قيل هدية بسط يده وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا مؤمل بن يحيى بن مهدي قال حدثنا محمد (1398) بن جعفر بن حفص بن راشد الإمام قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا مكي بن إبراهيم ويوسف (1399) بن يعقوب السدوسي قالا حدثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
94

كان إذا أتى بهدية قبلها وإذا أتى بصدقة أمر أصحابه فاكلوها حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا القاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن موسى قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحق عن أبي قرة (1400) الكندي عن سلمان الفارسي قال كنت من أبناء أساورة فارس وكنت في كتاب وكان معي غلامان فإذا أتيا من عند معلمهما اتيا قسا فدخلا عليه فدخلت معهما عليه فقال ألم أنهكما ان تأتياني بأحد فجعلت اختلف إليه حتى كنت أحب إليه منهما فقال لي إذا سألك أهلك ما حبسك فقل معلمي وإذا سألك معلما ما حبسك فقل أهلي ثم أنه أراد أن يتحول فقلت له أنا أتحول معك فتحولت معه فنزلت (أ) قرية فكانت امرأة تأتيه فلما حضر قال لي يا سلمان أحفر عند رأسي فحفرت عند رأسه فاستخرجت جرة من دراهم فقال لي صبها على صدري فصببتها على صدره فجعل يقول ويل لاقتنائي ثم إنه مات فهممت بالدراهم أن أحولها ثم اني ذكرت قوله فتركتها ثم اني (ب) اذنت القسيسين والرهبان به فحضروه فقلت لهم انه قد ترك مالا فقام شباب من القرية فقالوا هذا مال أبينا فأخذوه قال فقلت للرهبان أخبروني برجل
95

عالم ابتعه فقالوا ما نعلم في الأرض رجلا (أ) اعلم من رجل بحمص فانطلقلت اليه فلقيته فقصصت عليه القصة قال وما جاء بك إلا طلب العلم قلت ما كان إلا طلب العلم فقال إني لا أعلم اليوم في الأرض أحدا أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كل سنة ان انطلقت الان وافقت حماره فانطلقت فإذا انا بحماره على باب بيت المقدس فجلست عنده وانطلق فلم أره حتى الحول فجاء فقلت يا عبد الله ما صنعت بي قال وأنك لها هنا قلت نعم فإني والله ما أعلم اليوم رجلا أعلم من رجل خرج من أرض تيماء وان تنطلق الان توافقه وفيه ثلاث آيات يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة وعند غرضوف (ب) (1) كتفه اليمنى خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة لونها لون جلده قال فانطلقت ترفعني أرض وتخفضني أخرى حتى مررت بقوم من الاعراب فاستعبدوني فباعوني حتى اشترتني امرأة بالمدينة فسمعتهم يذكرون النبي عليه السلام وكان العيش عزيزا فقلت لها هبي لي يوما فقالت نعم فانطلقت (ج) فاحتطبت حطبا فبعته فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم وكان يسيرا فوضعته بين يديه فقال ما هذا فقلت صدقة فقال لأصحابه كلوا ولم يأكل (ج) فقلت هذه
96

من علاماته ثم مكثت ما شاء الله ان أمكث ثم قلت لمولاتي هبي لي يوما فقالت نعم فانطلقت فاحتطبت حطبا فبعته بأكثر من ذلك وصنعت طعاما فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فوضعته بين يديه فقال ما هذا فقلت هدية فوضع يده وقال لأصحابه خذوا باسم الله فقمت خلفه فوضع رداءه فإذا خاتم النبوءة (أ) فقلت أشهد إنك رسول الله صلى الله عليك فقال وما ذاك فحدثته عن الرجل ثم قلت أيدخل الجنة يا رسول الله فإنه حدثني إنك نبي فقال لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة (ب) (1) وحدثنا ابن القاسم قال حدثنا محمد (1401) بن أحمد بن المسور قال حدثنا مقدام بن داود قال حدثنا عبد الأحد بن الليث بن عاصم أبو زرعة قال حدثني الليث بن سعد عن يحيى ابن سعيد عن سعيد بن المسيب ان سلمان الخير كان خالط الناس من أصحاب دانيال بأرض فارس قبل الإسلام فسمع ذكر النبي عليه السلام وصفته فإذا في حديثهم أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة في أشياء من صفته فأراد الخروج في التماسه فمنعه أبوه ثم هلك أبوه فخرج إلى الشام يلتمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان هناك في كنيسة ثم سمع بخروج رسول
97

الله صلى الله عليه وسلم وذكره فخرج يريده فأخذه أهل تيماء فاسترقوه فقدموا (أ) به المدينة فباعوه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلما قدم المدينة أتاه سلمان بشيء فقال ما هذا فقال صدقة فأمر بها فصرفت ثم جاء بشيء فقال ما هذا فقال هدية فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم سلمان عند ذلك فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مملوك فقال كاتبهم بغرس مائة ودية (1) فرماه الأنصار من ودية ووديتين فغرسها فأقبل يوما آخر وأنه لفي سقى ذلك الودي أو وحدثنا خلف بن
القاسم قال حدثنا مؤمل بن يحيى بن مهدي قال حدثنا محمد بن جعفر بن حفص الإمام قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنا الحسين (1402) بن واقد قال حدثنا عبد الله بن يزيد عن أبيه ان سلمان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة فقال صدقة عليك وعلى أصحابك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا لا تحل لنا الصدقة فدفعها ثم جاء من الغد بمثلها فقال هذه هدية لك فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه
98

كلوا قال ثم اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان بكذا وكذا درهما من يهود وعلى ان يغرس لهم كذا وكذا من النخل يقوم عليه حتى يدرك قال فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل كله إلا نخلة غرسها عمر قال (1) فأطعم النخل كله إلا النخلة التي غرسها عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرس هذه النخلة فقالوا عمر قال فقطعها وغرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمت من عامها حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا ابن الأصبهاني قال أخبرنا شريك عن عبيد (1403) المكتب عن أبي الطفيل عن سلمان قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة فردها وأتيته بهدية فقبلها وإنما لم تجز صدقة التطوع للنبي عليه السلام والله أعلم لأن الصدقة لا يثاب عليها صاحبها لأنه لا يبتغي بها إلا الآخرة وأبيحت له الهدية لأنه يثيب عليها ولا تلحقه بذلك منه وروى مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو
99

لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين للغنى (1) وهذا في معنى حديث بريرة سواء في قوله عليه السلام هو لها صدقة ولنا هدية (2) وسيأتي هذا الحديث ويأتي القول فيه وفي إسناده ومعانيه في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا إن شاء الله وقوله لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة يريد الصدقة المفروضة وأما التطوع فغير محرمة على أحد غير من ذكرنا على حسب ما وصفنا في هذا الباب إلا أن التنزه عنها حسن وقبولها من غير مسئلة لا بأس به (أ) ومسئلتها غير جائرة إلا لمن لم يجد بدا وسنبين هذه الوجوه كلها في مواضعها من كتابنا هذا إن شاء الله وقد استدل جماعة من أهل العلم على جواز شراء المتصدق صدقته من الساعي إذا قبضها الساعي وبان بها إلى نفسه بحديث بريرة هذا وقالوا شراء الصدقة من الساعي ومن المتصدق عليه جائز لأنها ترجع إلى مشتريها من غير ملك الجهة لأنه ليس بمانع للصدقة ولا عائد فيها من وجهها وقالوا كما رجعت الصدقة على بريرة هدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن بذاك بأس وكذلك إذا اشتراها المتصدق بها وقالوا كما أنه لو ورثها لم يكن بذلك عند أهل العلم بأس وقيل
100

إن إستقاء (1) عمر بن الخطاب اللبن الذي سقيه من نعم الصدقة إنما استقاءه لأن الذي سقاه إياه كان من الأغنياء الذين لا تحل لهم الصدقة ولا يصح ملكها ولو كان ممن تحل له الصدقة ويستقر عليها ملكه ما اسقاءه عمر لأنه كان يحل له حينئذ لأنه غنى أهدى إليه رجل مسكين مما تصدق عليه على حديث بريرة وغيره مما قد ذكرناه في هذا الباب والحمد لله قال أبو عمر أما إهداء المسكين إلى الغنى فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جوازه من حديث عائشة هذا وغيرها في قصة بريرة من حديث أبي سعيد الخدري أيضا وغيره وكذلك ما رجع بالميراث إلى المتصدق فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم جوازه أيضا فوجب الوقوف عند ذلك كله على حسب ما نقل عنه من ذلك صلى الله عليه وسلم وأما شراء الصدقة من المتصدق عليه ومن الساعي فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك بقوله عليه السلام لعمر في الفرس التي (أ) حمل عليها عمر في سبيل الله لا تشترها ولا تعد (2) في صدقتك الحديث فكيف يجمع بين أمرين فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما الا أن أهل
101

العلم حملوا نهيه على شراء الصدقة والعودة فيها على سبيل التنزه عنها لا على سبيل التحريم ولما في ذلك من قطع الذريعة لئلا يطلق للناس اشتراء صدقاتهم فيشترونها من الساعي والمتصدق عليه قبل القبض فيدخل في ذلك بيع ما لم يقبض وإعطاء القيمة عن العين الواجبة وسنذكر ما للعلماء في هذا المعنى في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا عند ذكر حديث عمر في الفرس إن شاء الله وأما رجوعها بالميراث إلى المتصدق بها فلا تهمة فيها ولا كراهية تدخله إلى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من جوازه حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا زهير قال حدثنا عبد الله (1404) بن عطاء عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه (1405) أن امرأة أتت رسول الله
102

صلى الله عليه وسلم فقالت كنت تصدقت على أمي بوليدة وأنها ماتت وتركت تلك الوليدة فقال وجب أجرك ورجعت إليك بالميراث (1) أخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الله (1406) بن نمير عن عبد الله بن عطاء عن ابن بريدة عن أبيه قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءت امرأة فقالت يا رسول الله إني كنت تصدقت على أمي بجارية فماتت وبقيت الجارية فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم وجب أجرك ورجعت إليك بالميراث حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا سليمان بن الأشعث قال حدثنا
103

عمرو (1407) بن مرزوق قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس ابن مالك إن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلحم فقال ما هذا فقالوا شيء تصدق به على بريرة قال هو لها صدقة ولنا هدية (1) قال أبو عمر ففي هذه الآثار ما يدل على أن الصدقة إذا تحولت إلى غير معناها حلت لمن لم تكن تحل له قبل ذلك وفي قوله هو عليها صدقة وهو لنا هدية دليل على أن ما لم يحرم لعينه كالميتة والخنزير والدم والعذرات وسائر النجاسات وما أشبهها وحرم لعلة عرضت من فعل فاعل إلى غيره من العلل فإن تحريمه يزول بزوال العلة ألا ترى أن الدرهم المغصوب والمسروق حرام على الغاصب والسارق من أجل غصبه له وسرقته إياه فإن وهبه له المغصوب منه والمسروق منه طيبة به نفسه حل له وهو الدرهم بعينه
104

وقد اعتل قوم ممن نفى القياس في الأحكام وزعم أن التعبد بالأسماء دون المعاني بحديث بريرة هذا في قصة اللحم والصدقة به والهدية وزعم أن ذلك اللحم لما سمى
صدقة حرم فلما سمى هدية حل فجاء بتخليط من القول وخطل منه واحتج على مذهبه في ذلك بقوله تعالى * (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا) * وللكلام في هذا الباب موضع غير هذا ولو ذكرناه ها هنا خرجنا عما (أ) شرطنا وعما له قصدنا (ب) وبالله توفيقنا وعليه توكلنا
105

حديث رابع لربيعة مسند صحيح مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد (1408) مولى المنبعث عن زيد (1409) بن خالد الجهني أنه (1) قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها والا فشأنك (1) بها قال فضالة الغنم
106

يا رسول الله قال لك أو لأخيك أو للذئب (أ) قال فضالة الإبل قال مالك معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها والعفاص هنا الخرقة المربوط فيها الشيء الملتقط وأصل العفاص ما سد به فم القارورة وكل ما سد به فم الآنية فهو عفاص يقال منه عفصت القارورة وأعفصتها وقال أبو عبيدة هو جلد تلبسه رأس القارورة والوكاء الخيط الذي يشد به يقال منه أوكيتها ايكاء وأما الصمام فهو ما يدخل في فم القارورة فيكون سدادا لها قال أبو عمر في هذا الحديث معان اجتمع العلماء على القول بها ومعان اختلفوا فيها فمما اجتمعوا عليه ان عفاص اللقطة ووكاءها من احدى (ب) علاماتها وأدلها عليها وأجمعوا ان اللقطة ما لم تكن تافها يسيرا أو شيئا لا بقاء له فإنها تعرف حولا كاملا واجمعوا على أن صاحبها إذا جاء فهو أحق بها من ملتقطها إذا ثبت له أنه صاحبها واجمعوا ان ملتقطها أن أكلها بعد الحول وأراد صاحبها أن يضمنه فإن ذلك له وإن تصدق بها فصاحبها مخير بين التضمين
107

وبين أن ينزل على أجرها فأي ذلك تخير كان ذلك له بإجماع ولا تنطلق يد ملتقطها عليها بصدقة ولا تصرف قبل الحول واجمعوا أن أخذ ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها واختلفوا في سائر ذلك على ما نذكره إن شاء الله فمن ذلك أن في الحديث دليلا على إباحة التقاط اللقطة وأخذ الضالة ما لم تكن إبلا لأنه عليه السلام أجاب السائل عن اللقطة بأن قال أعرف عفاصها ووكاءها كأنه قال احفظها على صاحبها واعرف من العلامات ما تستحق به إذا طلبت وقال في الشاة هي لك أو لأخيك أو للذئب يقول خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب إن لم تأخذها كأنه يحضه على أخذها ولم يقل في شيء من ذلك دعوه حتى يضيع أو يأتيه ربه ولو كان ترك اللقطة أفضل لأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها كما قال في ضالة الإبل والله أعلم ومعلوم أن أهل الأمانات لو اتفقوا على ترك اللقطة لم ترجع لقطة ولا ضالة إلى صاحبها أبدا لأن غير أهل الأمانات لا يعرفونها بل يستحلونها ويأكلونها واختلف الفقهاء في الأفضل من أخذ اللقطة أو تركها فروى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن اللقطة يجدها الرجل أيأخذها فقال أما الشيء الذي له بال فإني أرى ذلك فقال له الرجل إني رأيت شفنا (1) (أ) أو قرطا مطروحا في المسجد فتركته فقال مالك لو أخذته فأعطيته بعض نساء المسجد كان أحب إلي قال وكذلك الذي يجد الشيء فإن كان لا يقوى على تعريفه فإنه يجد من هو
108

أقوى على ذلك منه ممن يثق به يعطيه فيعرفه فإن كان الشيء له بال فأرى أن يأخذه وروى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم عن مالك أنه كره أخذ اللقطة والآبق جميعا قال فإن أخذ أحد شيئا من ذلك فأبق الآبق أو ضاعت اللقطة من غير فعله ولم يضيع لم يضمن قال مالك فيمن وجد آبقا أن كان لجار أو لأخ رأيت له أن يأخذه وإن كان لمن لم يعرف فلا يقربه وهو في سعة من ترك مال لجاره أو لأخيه وجملة مذهب أصحاب (أ) مالك أنه في سعة إن شاء أخذها وإن شاء تركها هذا قول إسماعيل بن إسحاق رحمه الله وهو ظاهر حديث زيد بن خالد هذا إن شاء الله قال أبو عمر إنما جعله مالك والله أعلم في سعة من ذلك لما في أخذ الآبق والحيوان الضوال من المؤن ولم يكلف الله عباده ذلك فإن فعله فاعل فقد أحسن وليست اللقطة كذلك لأن المؤونة فيها خفيفة لأنها لا تحتاج إلى غذاء ولا اهتبال (1) حرز ولا يخشى غائلتها فيحتفظ منها كما يصنع بالآبق وقال الليث في اللقطة إن كان شيء له بال فأحب إلي أن يأخذه ويعرفه وإن كان شيئا يسيرا فإن شاء تركه وأما ضالة الغنم فلا أحب أن يقربها ألا أن يحوزها لصاحبها
109

قال ابن وهب وسمعت الليث ومالكا يقولان في ضالة الإبل في القرى من وجدها يعرفها وأن وجدها في الصحارى فلا يقربها وأصحاب مالك يقولون في الذي يأخذ اللقطة ثم يردها إلى مكانها في فوره أو قريبا من ذلك أنه لا ضمان عليه قال ابن القاسم ان تباعد ثم ردها ضمن وقال اشهب لا يضمن وإن تباعد ولا وجه عندي لقول أشهب لأنه رجل قد حصل بيده مال غيره ثم عرضه للضياع والتلف وقال المزني عن الشافعي لا أحب لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان أمينا عليها قال وسواء قليل اللقطة وكثيرها واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضالة الغنم هي لك أو لأخيك أو للذئب يقول إن لم تحفظها بنفسك على أخيك أكلها الذئب فاحفظ على أخيك ضالته الضائعة وذكر بعض أصحابه ما حدثناه عبد الله بن محمد بن أسد وخلف بن قاسم بن سهل قالا حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا مقدام (1410) بن داود قال حدثنا
110

ذؤيب (1411) بن عمامة السهمي قال حدثنا هشام بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل (1) عن ضالة الغنم فقال هي لك أو لأخيك أو للذئب فرد على أخيك ضالته (أ) وسئل عن ضالة الإبل فقال ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها وسئل عن حريسة الجبل فقال فيها جلدات نكال وغزامة مثلها فإذا أواه المراح فالقطع فيما بلغ ثمن المجن (2) فقوله في هذا الحديث فرد على أخيك ضالته يعني ضالة الغنم في الموضع المخوف عليها دليل على الحض على أخذها لأنها لا ترد إلا بعد أخذها وحكم اللقطة في خوف التلف عليها والبدار إلى أخذها وتعريفها كذلك والله أعلم واختلف العلماء في اللقطة والضالة وكان أبوه عبيد القاسم بن سلام وجماعة من العلماء يفرقون بين اللقطة والضالة قالوا الضالة لا تكون إلا في الحيوان واللقطة في غير الحيوان قال أبو عبيد إنما الضوال ما ضل بنفسه وكان يقول لا ينبغي لأحد أن يدع اللقطة ولا يجوز لأحد أخذ الضالة ويحتج
111

بحديث الجارود (1412) وحديث عبد الله بن الشخير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ضالة المؤمن حرق النار وبحديث جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤوى الضالة إلا ضال (1) وقالت طائفة من أهل العلم اللقطة والضوال سواء في المعنى والحكم فيها سواء وكان أبو جعفر الطحاوي يذهب إلى هذا وأنكر قول أبي عبيد الضال ما ضل بنفسه وقال هذا غلط لأنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الافك قوله للمسلمين إن أمكم ضلت قلادتها فاطلق ذلك على القلادة وقال
في قوله صلى الله عليه وسلم ضالة المؤمن حرق النار قال وذلك لأنهم أرادوها للركوب والانتفاع بها لا للحفظ على صاحبها لذلك قال لهم صلى الله عليه وسلم ضالة المؤمن حرق النار قال وذلك بين في رواية الحسن عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا أحملكم قلنا نحن نجد في الطريق
112

ضوال من الإبل نركبها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضالة المؤمن حرق النار (1) وقال في قوله لا يؤوى الضالة إلا ضال قال هذا محمول على أنه يؤويها لنفسه لا لصاحبها ولا يعرفها وذكر الحطاوي أيضا عن يونس عن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكر (1423) بن سوادة عن أبي سالم الجيشاني عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها (2) قال أبو عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضالة الغنم هي لك أو لأخيك أو للذئب وفي ضالة الإبل
113

مالك ولها (أ) معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها دليل واضح على أن العلة في ذلك خوف التلف والذهاب لا جنس الذهاب فلا فرق بين ما ضل بنفسه وبين ما لم يضل بنفسه إذا خشي عليه التلف عندي والله أعلم (ب) بظاهر الحديث الصحيح في الفرق بين ضالة الغنم وضالة الإبل الا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن ضالة الإبل غضب واشتد غضبه ثم قال فيها ما ذكرنا وقد قيل إن الإبل تصبر على الماء ثلاثة أيام وأكثر وليس ذلك بحكم الشاة لأنه يقول إن لم تأخذها ولا وجدها أخوك صاحبها أو غيره أكلها الذئب يقول فخذها وهذا محفوظ من رواية الثقات حدثني محمد بن إبراهيم قراءة مني عليه قال حدثنا أحمد ابن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا يعقوب الأيلي (ج) قال حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن ربيعة عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني قال سفيان فلقيت ربيعة فسألته فقال حدثني يزيد عن زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم انه سئل عن ضالة الإبل (1) فغضب واحمرت وجنتاه وقال ما لك ولها
114

معها الحذاء والسقاء ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها وسئل عن ضالة الغنم فقال خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب وسئل عن اللقطة فقال أعرف عفاصها ووكاءها وعرفها سنة فإن اعترفت وإلا فاخلطها بمالك كذا قال ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن ربيعة وخالفه سليمان بن بلال وحماد بن سلمة فروياه عن يحيى بن سعيد وربيعة جميعا عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا خلف بن القاسم الحافظ قراءة مني عليه أن عبد الله بن جعفر بن الورد حدثهم قال حدثنا الحسن (أ) بن غالب قال حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق أبو محمد البيطاري قال أخبرنا سليمان بن بلال قال حدثني يحيى بن سعيد وربيعة ابن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني قال سئل (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة الذهب أو الورق قال أعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستعن بها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها اليه وسئل عن ضالة الإبل فقال مالك ولها دعها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وترعى الشجر حتى يجدها ربها وسأله عن الشاة فقال خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب وكذلك رواه القعنبي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وربيعة جميعا عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله
115

عليه وسلم فذكر مثل حديث مالك سواء في ضالة الغنم وفي ضالة الإبل وفي اللقطة إلا أنه قال عرفها (1) سنة فإن لم تعرف فاستنفع بها ولتكن وديعة عندك وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد وربيعة عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني ان رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل فقال مالك ولها معها سقاؤها وحذاؤها دعها تأكل الشجر وترد الماء حتى يأتيها باغيها ثم سأله عن ضالة الغنم فقال هي لك أو لأخيك أو للذئب ثم سأله عن اللقطة فقال اعرف عفاصها وعدتها فإن جاء صاحبها فعرفها فادفعها إليه وإلا فهي لك واختلف الفقهاء في التافه اليسير الملتقط هل يعرف حولا أم لا فقال مالك إذا كان تافها يسيرا تصدق به قبل الحول قال ابن حبيب كالدرهم ونحوه وذكر ابن وهب عن مالك أنه قال في اللقطة مثل المخلاة والحبل والدلو وأشباه ذلك أنه إن كان ذلك في طريق وضعه في أقرب الأماكن اليه ليعرف وإن كان في مدينة انتفع به وعرفه ولو تصدق به كان أحب إلى فإن جاء صاحبه كان على حقه وقال أبو حنيفة وأصحابه ما كان عشرة دراهم فصاعدا
116

عرفها حولا وإن كان دون ذلك عرفها على قدر ما يرى وقال الحسن بن حي كقولهم سواء إلا أنه قال ما كان دون عشرة دراهم عرفه ثلاث أيام وقال الثوري الذي يجد الدرهم يعرفه أربعة أيام رواه عنه (أ) أبو نعيم وقال الشافعي يعرف القليل والكثير حولا كاملا ولا تنطلق يده على شيء منه إلا بعد الحول فإذا عرفه حولا أكله بعد ذلك أو تصدق به فإذا جاء صاحبه كان غريما في الموت والحياة قال وإن كان طعاما لا يبقى فله أن يأكله ويغرمه لربه قال المزني ومما وجد بخطه أحب إلى أن يبيعه ويقيم على تعريفه حولا ثم يأكله (ب) هذا أولى به لأن النبي عليه السلام لم يقل للملتقط فشأنك بها الا بعد السنة ولم يفرق بين القليل والكثير قال أبو عمر التعريف عند جماعة الفقهاء فيما علمت لا يكون إلا في الأسواق وأبواب المساجد ومواضع العامة واجتماع الناس وروى عن عمر وابن عباس وابن عمر وجماعة من السلف يطول ذكرهم أن اللقطة يعرفها واجدها سنة فإن لم يأت لها مستحق أكلها وأجدها ان شاء أو تصدق بها فإن جاء صاحبها وقد تصدق بها فهو مخير بين الاجر والضمان وبهذا كله أيضا قال جماعة فقهاء الأمصار منهم مالك والثوري
117

والأوزاعي وأبو حنيفة والليث والشافعي ومن تبعهم الا ما بينا عنهم في كتبانا هذا من تفسير بعض (أ) هذه الجملة مما اختلفوا فيه واجمعوا أن الفقير له أن يأكلها بعد الحول وعليه الضمان واختلفوا في الغنى فقال مالك اما الغني فأحب إلى أن يتصدق بها بعد الحول ويضمنها ان جاء صاحبها وقال ابن وهب قلت لمالك في حديث عمر بن الخطاب حين قال للذي وجد الصرة عرفها ثلاثا ثم احبسها سنة فإن جاء صاحبها والا فشأنك بها قال ما شأنه بها قال يصنع بها ما شاء إن شاء أمسكها وإن شاء تصدق بها
وإن شاء استنفقها (1) فإن جاء صاحبها أداها اليه وقال الأوزاعي إن كان مالا كثيرا جعله في بيت المال بعد السنة وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يأكلها الغني البتة بعد الحول وإنما يأكلها الفقير ويتصدق بها الغني فإن جاء صاحبها كان مخيرا على الفقير الآكل وعلى الغني المتصدق في الأجر أو الضمان وقال الشافعي يأكل اللقطة الغني والفقير بعد الحول وهو تحصيل مذهب مالك وقوله (ب) لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد الجهني قد قال لواجدها شأنك بها بعد السنة ولم يفرق بين الغني والفقير وعلى من أكلها أو تصدق بها الضمان ان جاء صاحبها
118

قال أبو عمر احتج بعض من يرى أن الغنى لا يأكل اللقطة بعد الحول بما ذكره ابن عيينة في حديث زيد بن خالد المذكور عنه في هذا الباب بقوله وعرفها سنة فإن عرفت والا فاخلطها بمالك قالوا فهذا دليل على أن السائل عن حكم اللقطة والضالة في ذلك الحديث كان غنيا فخرج الجواب عليه من قوله فشأنك بها وقوله فاخلطها بمالك وقوله ولتكن وديعة عندك نحو هذا فما روى من اختلاف ألفاظ الناقلين لهذا الحديث من الألفاظ الموجبة لا تكون عنده مرفوعة لصاحبها وهي تفسير معنى قوله شأنك بها وحجة من أجاز للغني أكلها ظاهر الحديث بقوله شأنك بها واخلطها بمالك ولم يسأله أفقير هو أم غني ولا فرق له بين الفقير والغني ولو كان بين الفقير والغني فرق في حكم الشرع لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم والفقير قد يكون له مال لا يخرجه إلى حد الغنى فيجوز أن يقال له اخلطها بمالك وفي ذلك دليل على انطلاق يده عليها بما أحب كانطلاق يده في ماله ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عياض بن حمار (1) فإن جاء صاحبها فهو أحق بها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء وهذا معناه انطلاق يد الملتقط وتصرفه فيها بعد الحول ولكنه يضمنها ان جاء صاحبها واجب ذلك باجماع المسلمين لأنه مستهلك مال غيره وقد أجمعوا أن من استهلك مال غيره وأنفقه بغير اذنه
119

غرمه وضمنه (1) ومن استهلك لغيره شيئا من المال ضمنه بأبي وجه استهلكه وهذا مالا خلاف فيه فأغنى ذلك عن الاكثار واختلفوا في دفع اللقطة إلى من جاء بالعلامة دون بينة فقال مالك تستحق بالعلامة قال ابن القاسم ويجبر على دفعها إليه فإن جاء مستحق فاستحقها ببينة لم يضمن الملتقط شيئا قال مالك وكذلك اللصوص إذا وجد معهم أمتعة فجاء قوم فادعوها وليست لهم بينة ان السلطان يتلوم في ذلك فإن لم يأت غيرهم دفعها إليهم وكذلك الآبق وهو قول الليث بن سعد والحسن بن حي أنها تدفع لمن جاء بالعلامة والحجة لمن قال بهذا القول قوله صلى الله عليه وسلم اعرف عفاصها ووكاءها وعدتها فإن جاء صاحبها فعرفها فادفعها اليه وهذا نص في موضع الخلاف يوجب طرح ما خالفه وقال أبو حنيفة والشافعي لا تستحق الا بينة ولا يجبر على دفعها الا من جاء بالعلامة ويسعه ان يدفعها اليه فيما بينه وبينه دون قضاء وذكر المزني عن الشافعي قال فإذا عرف طالب اللقطة العفاص والوكاء والعدد والوزن وحلاها بحليتها ووقع في نفس الملتقط أنه صادق كان له أن يعطيه إياها والا أجبره لأنه قد يصيب الصفة بأن يسمع الملتقط يصفها قال ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم اعرف عفاصها ووكاءها والله أعلم لأن (ب) يؤدى عفاصها ووكاءها معها وليعلم إذا وضعها في ماله أنها
120

لقطة وقد يكون ليستدل على صدق المعترف أرأيت لو وصفها عشرة أيعطونها نحن نعلم أن كلهم كاذب إلا واحدا بغير عينه يمكن أن يكون صادقا قال أبو عمر القول بظاهر الحديث أولى ولم (2) يؤمر بأن يعرف عفاصها ووكاءها وعلاماتها إلا لذلك وقال صلى الله عليه وسلم إن عرفها فادفعها اليه هكذا قال حماد بن سلمة في حديثه ومن كان أسعد بالظاهر أفلح وبالله التوفيق واختلفوا فيمن أخذ لقطة ولم يشهد على نفسه أنه التقطها وإنها عنده يعرفها ثم هلكت عنده وهو لم يشهد فقال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد لا ضمان عليه إذا هلكت عنده من غير تضييع منه وإن كان لم يشهد وهو قول عبد الله بن شبرمة وقال أبو حنيفة وزفر أن أشهد حين أخذها أنه يأخذها ليعرفها لم يضمنها ان هلكت وإن لم يشهد ضمنها وحجتهما في ذلك ما حدثني أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل الدينوري قال حدثنا أبو العباس محمد بن عبد الحكم القطري قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا شعبة عن خالد الحذاء قال سمعت يزيد بن عبد الله بن الشخير ابا العلاء يحدث عن أخيه مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض بن حمار
121

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من التقط (1) لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل (أ) وليعرف ولا يكتم ولا يغيب فإن جاء صاحبها فهو أحق بها (ب) وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء قال الطحاوي وهذا الحديث يحتمل أن يكون مراده في الاشهاد الإشادة والاعلان وظهور الأمانة قال ولما لم يكن الاشهاد (ج) في الغصوب يخرجها عن حكم الضمان وكان الاشهاد في ذلك وترك الاشهاد سواء وهي مضمونة أبدا أشهد أم لم يشهد وجب أن تكون اللقطة أمانة أبدا لقوله صلى الله عليه وسلم ولتكن وديعة عندك ولاجماعهم على أنه إذا أشهد لم يضمن وكذلك إذا لم يشهد قال أبو عمر معنى هذا الحديث عندي والله أعلم أن ملتقط اللقطة إذا عرفها وسلك فيها سنتها ولم يكن مغيبا ولا كاتما وكان معلنا معرفا وحصل بفعله ذلك أمينا لا يضمن الا بما يضمن به الأمانات وإذا لم يعرفها ولم يسلك بها سنتها وغيب وكتم ولم يعلم الناس ان عنده لقطة ثم قامت عليه البينة بأنه وجد لقطة
122

ذكروها وضمها إلى بيته ثم ادعى تلفها ضمن لأنه بذلك الفعل خارج عن حدود الأمانة وبالله التوفيق وقال بعض أهل العلم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للسائل عن اللقطة أعرف عفاصها ووكاءها فإن جاء صاحبها وعرفها يعني بعلاماتها دليل بين على ابطال قول كل من ادعى علم الغيب في الأشياء كلها من الكهنة وأهل التنجيم وغيرهم لأنه لو علم صلى الله عليه وسلم أنه يوصل إلى علم ذلك من هذه الوجوه لم يكن لقوله صلى الله عليه وسلم (أ) في معرفة علاماتها وجه والله أعلم فهذا ما في الحديث من أحكام اللقطة ووجوه القول فيها وأما حكم الضوال من الحيوان فإن الفقهاء اختلفوا في بعض وجوه ذلك فقال مالك في ضالة الغنم ما قرب من القرى فلا يأكلها ويضمها إلى أقرب القرى تعرف فيها قال ولا يأكلها واجدها ولا من تركت عنده حتى تمر بها سنة كاملة هذا فيما يوجد بقرب القرى وأما ما كان في الفلوات والمهامة (1) فإنه يأخذها ويأكلها ولا يعرفها فإن جاء صاحبها فليس له شيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي لك أو لأخيك أو للذئب والبقر بمنزلة الغنم إذا خيف عليها
السباع فإن لم يخف عليها السباع فبمنزلة الإبل وقال في الإبل إذا وجدها في فلاة فلا يتعرض لها فإن أخذها فعرفها فلم يجيء صاحبها خلاها في الموضع الذي وجدها فيه قال والخيل والبغال والحمير يعرفها ثم يتصدق بثمنها لأنها لا توكل
123

قال مالك لا تباع ضوال الإبل ولكن يردها إلى موضعها التي أصيبت فيه وكذلك فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه واتفق قول مالك وأصحابه ان الامام إذا كان غير عدل ولا مأمون لم تؤخذ ضوال الإبل وتركت مكانها فإن كان الامام عدلا كان له أخذها وتعريفها فإن جاء صاحبها والا ردها إلى المكان هذه رواية ابن القاسم وابن وهب (أ) عن مالك وقال اشهب لا يردها ويبيعها ويمسك ثمنها على ما روى عن عثمان وقال ابن وهب عن مالك فيمن وجد شاة أو غنما (ب) بجانب قرية أنه لا يأكلها حتى تمر بها سنة أو أكثر فإن كان لها صوف أو لبن وكان قربه من يشتري ذلك الصوف واللبن فليبعه وليدفع ثمنه لصاحب الشاة إن جاء قال مالك ولا أرى بأسا أن يصيب من نسلها ولبنها بنحو قيامه عليها قال ابن وهب عن مالك فيمن وجد تيسا قرب قرية (ج) أنه لا بأس أن يتركه ينزو على غنمه ما لم يفسده ذلك وقال الأوزاعي في الشاة أن أكلها واجدها ضمنها لصاحبها وقال الشافعي تؤخذ الشاة ويعرفها آخذها فإن لم يجيء صاحبها أكلها ثم ضمنها لصاحبها ان جاء قال ولا يعرض للإبل والبقر فإن أخذ (د) الإبل ثم أرسلها ضمن
124

وذكر ان عثمان خالف (عمر فأمر) (أ) ببيعها وحبس أثمانها لأربابها واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم رد على أخيك ضالته وبقوله في اللقطة ولتكن وديعة عندك ومن أرسل الوديعة وعرضها للضياع ضمنها باجماع (وقال مالك وأبو حنيفة من وجد بعيرا في بادية أو غيرها فأخذه ثم أرسله لم يضمنه بخلاف اللقطة وشبهه بعض أصحابهما بالصيد يصيده المحرم ثم يرسله انه لا شيء عليه فأما الشافعي فالضالة عنده ها هنا كاللقطة لاجتماعهما في أنه مال هالك معين قد لزمه حفظه بعد اخذه فوجب أن يصير بإزالة يده عنه ضامنا كالوديعة) (ب) قال أبو جعفر الأزدي هو الطحاوي جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضوال الإبل بغير ما أجاب في ضالة الغنم اخبار منه عن حال دون حال وذلك على المواضع المأمون عليها فيها التلف فإذا تخوف عليها التلف فهي والغنم سواء قال ولم يوافق مالكا أحد من العلماء على قوله في الشاة أن أكلها لم يضمنها إذا وجدها في الموضع المخوف قال واحتجاجه بقوله عليه السلام هي لك أو لأخيك أو للذئب لا معنى له لأن قوله هي لك ليس هو على معنى التمليك كما أنه إذا قال أو للذئب لم يرد (ج) به التمليك لأن الذئب يأكلها على ملك صاحبها فكذلك الواجد أن أكلها اكلها على ملك صاحبها فيضمنها واحتج بحديث سليمان بن بلال في
125

اللقطة ولتكن وديعة عندك قال وذلك يوجب ضمانها إذا أكلها قال أبو عمر في قوله صلى الله عليه وسلم رد على أخيك ضالته من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص دليل على أن الشاة على ملك صاحبها وذلك يوجب الضمان على آكلها وقد قال مالك وهو الذي لا يرى على آكلها في الموضع المخوف شيئا ان ربها لو أدركها لحما في يد واجدها وفي يد الذي تصدق بها عليه وأراد أخذ لحمها كان ذلك له ولو باعها واجدها كان لربها ثمنها الذي بيعت به وهذا يدل على أنها على ملك مالكها عنده فالوجه تضمين آكلها إن شاء الله (لأنه لا فرق بين أكل الشاة في الوقت الذي أبيح له أخذها وبين أكل اللقطة واستهلاكها بعد الحول لأنهما قد أبيح لكل واحد منهما أن يفعل بها ما شاء ويتصرف فيها بما أحب ثم أجمعوا على ضمان اللقطة لصاحبها إن جاء طالبها فكذلك الشاة وبالله التوفيق) (أ) ومن حجة مالك قوله صلى الله عليه وسلم هي لك أو لأخيك لأنه يحتمل أن يريد بذكر الأخ صاحبها ويحتمل أن يريد لك أو لغيرك من الناس الواجدين لها وأي الوجهين كان فالظاهر من قوله أو للذئب يوجب تلفها أي إن لم تأخذها أنت ولا مثلك أكلها الذئب وأنت ومثلك أولى من الذئب فكان النبي صلى الله عليه وسلم جعلها طعمة لمن وجدها فإذا كان ذلك كذلك فلا وجه
126

للضمان في طعمة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقد شبهها بعض المتأخرين من أصحابه بالركاز وهذا بعيد لأن الركاز لم يصح عليه ملك لأحد قبل) (أ) ويجوز ان يحتج أيضا لمالك في ترك تضمين آكلها باجماعهم على إباحة أكلها واختلافهم في ضمانها والاختلاف لا يوجب فرضا لم يكن واجبا (وهذا الاحتجاج مخالف لأصول مالك ومذهبه) (ب) وقد قال صلى الله عليه وسلم هي لك أو لأخيك أو للذئب ولم يقل ذلك في الإبل ولا في اللقطة وذلك فرق بين إن شاء الله هذا مما يمكن أن يحتج به لمالك في ذلك وفي المسئلة نظر (والصحيح ما قدمت لك) (ج) وبالله التوفيق وقد قال سحنون في المستخرجة أن أكل الشاة واجدها في الفلاة أو تصدق بها ثم جاء صاحبها ضمنها وهو الظاهر (د) من قول مالك ان من أكل طعاما قد اضطر اليه لغيره لزمه قيمته والشاة أولى بذلك والله أعلم وروى أشهب عن مالك في الضوال من المواشي يتصدق بها الملتقط بعد التعريف ثم يأتي ربها أنه ليس له شيء قال (ه) وليست المواشي مثل الدنانير واختلف الفقهاء أيضا في النفقة على الضوال واللقيط
127

فقال مالك فيما ذكر ابن القاسم عنه ان أنفق الملتقط على الدواب والإبل وغيرها فله ان يرجع على صاحبها بالنفقة وسواء أنفق عليها بأمر السلطان أو بغير امره قال وله أن يحبس بالنفقة ما أنفق عليه ويكون أحق به كالرهن قال ويرجع على صاحب اللقطة بكراء حملها وقال مالك في اللقيط إذا أنفق عليه الملتقط ثم أقام رجل البينة أنه ابنه فإن الملتقط يرجع على الأب إن كان طرحه متعمدا وكان موسرا وإن لم يكن طرحه ولكن ضل منه فلا شيء على الأب والملتقط متطوع بالنفقة وقال الشافعي فيما رواه عنه الربيع في البويطي إذا انفق على الضوال من أخذها فهو متطوع فإن أراد أن يرجع على صاحبها فليذهب إلى الحاكم حتى يفرض له النفقة ويوكل غيره بأن يقبض تلك النفقة منه وينفق عليها ولا يكون للسلطان أن يأذن له أن ينفق عليها الا اليوم واليومين فإن جاوز ذلك أمر ببيعها وقال المزني عنه إذا أمر الحاكم بالنفقة كانت دينا وما ادعى قبل منه إذا كان مثله قصدا وقال المزني لا يقبل قوله وليس بالأمين وقال ابن شبرمة إذا انفق على العبد رجع على صاحبه على كل حال ألا أن يكون قد انتفع به وخدمه فتكون النفقة بمنفعة وقال في الملتقط ان انفق عليه الملتقط احتسابا لم يرجع وإن كان على غير ذلك احتسب بمنفعته وأعطى نفقته بعد ذلك
128

وقال الحسن بن حي لا يرجع على صاحبه من نفقته بشيء في الحكم ويعجبني في الورع والأخلاق أن يرد عليه نفقته وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا أنفق على اللقطة والآبق بغير أمر القاضي فهو متطوع وان انفق بأمر القاضي فهو دين على صاحبها إذا جاء وله أن يحبسها بالنفقة إذا حضر صاحبها والنفقة عليها ثلاثة أيام ونحوها حتى
يأمر القاضي ببيع الشاة وما أشبهها ويقضي بالنفقة واما الغلام والدابة فيكرى وينفق عليها من الأجرة قالوا وما انفق على اللقيط فهو متطوع الا أن يأمره الحاكم وقال ابن المبارك عن الثوري ان من (أ) انفق بأمر الحاكم في الضالة واللقيط كان دينا وقال الليث في اللقيط أنه يرجع الملتقط بالنفقة على أبيه إذا ادعاه ولم يفرق وهو معنى قول الأوزاعي لأنه قال كل من أنفق على من لا تجب له عليه نفقة رجع بما أنفق
129

حديث خامس لربيعة بن أبي عبد الرحمن مسند صحيح مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن يحيى ابن حبان عن ابن محيريز (1414) أنه قال دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست اليه فسألته عن العزل فقال أبو سعيد الخدري (أ) خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من سبي العرب فأشتيهنا النساء واشتدت علينا (ب) العزبة واحببنا الفداء فأردنا أن نعزل فقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسئله فسألناه عن ذلك فقال ما عليكم ألا تفعلوا ما من
130

نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة (هكذا جاء هذا الحديث في الموطأ) (أ) قال أبو عمر ورواية ربيعة لهذا الحديث عن محمد بن يحيى بن حبان تدخل في باب رواية النظير عن النظير والكبير عن الصغير وفي هذا ما يدلك على ما كان القوم عليه من البحث عن العلم واستدامة طلبه العمر كله عند كل من طمع به عنده وقد روى هذا الحديث جويرية عن مالك عن الزهري عن ابن محيريز عن أبي سعيد الخدري وما أظن أحدا رواه عن مالك بهذا الاسناد غير جويرية ذكره السدي عن العباس (1415) العنبري عن عبد الله بن محمد بن أسماء عن جويرية عن مالك وكذلك رواه عقيل (ب) وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن ابن محيريز (عن أبي سعيد الخدري) (ج) وخالفهما إبراهيم بن سعد (ورواه يحيى بن أيوب عن ربيعة عن محمد
131

ابن يحيى بن حبان عن ابن محيريز قال دخلت أنا وأبو صرمة وكان أكبر مني وأفضل على أبي سعيد الخدري فسألناه عن العزل فقال أسرنا بني المصطلق فأردنا أن نعزل ورغبنا في الفداء فقلنا نعزل وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره سواء بمعناه ورواه ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز الشامي أنه سمع أبا سعيد الخدري وأبا صرمة المازني يقولان أصبنا سبايا في غزوة بني المصطلق وهي الغزوة التي أصاب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية فكان منا من يريد أن يتخذ أهلا ومنا من يريد أن يستمتع ويبيع فتذاكرنا العزل فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا عليكم ألا تفعلوا فإن الله عز وجل قد قدر ما هو خالق إلى يوم القيامة ولهذا الاضطراب في ذكر أبي صرمة في هذا الحديث لم يذكره مالك في حديثه والله أعلم) (أ) وخالفهما إبراهيم بن سعد فرواه عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري وحديث مالك وشعيب وعقيل (ب) هو الصواب عندهم والله أعلم
132

وأما حديث جويرية فحدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا أبو الطاهر محمد بن أ حمد بن عبد الله قال حدثنا يوسف (1416) ابن يعقوب القاضي قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري عن ابن محيريز عن أبي سعيد الخدري أخبره أنه قال أصبنا سبايا فكنا نعزل فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لنا وإنكم لتفعلون ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة (وأما حديث عقيل فأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن مطرف الاعناقي قال حدثنا محمد (1417) بن عزيز قال حدثنا سلامة (1418) عن عقيل قال سألت ابن شهاب عن الرجل يعزل عن امرأته فقال أخبرني عبد الله بن محيريز
133

القرشي أن أبا سعيد الخدري أخبره قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال له رجل يا رسول الله أنا نصيب سبايا ونحب الأثمان فكيف ترى في العزل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنكم لتفعلون ذلك لا عليكم ألا تفعلوا فإنها ليست نسمة كتب الله لها أن تخرج ألا وهي خارجة فلا نرى أن هذا كان نهيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعزيمة) (أ) وأما ابن محيريز هذا فاسمه عبد الله نزل المدينة وهو معدود في الشاميين من جلة التابعين وخيارهم روى عنه مكحول وفي هذا الحديث من الفقه أن العرب تسبى وتسترق وهو أصح حديث يروى في هذا المعنى وفيه رد على من قال إن العرب لا تسترق وفيه إباحة الوطء بملك اليمين وإن ما وقع في سهم الانسان من الغنيمة ملك يمينه وذلك والحمد لله من أطيب الكسب وهو مما أحله الله لهذه الأمة وحرمه على من قبلها وجواز الوطء بملك اليمين مقيد بمعان في الشريعة منها أنه لا يدخل في ذلك ذوات المحارم من النسب والرضاع (ومنها ألا توطأ من ليست كتابية حتى تسلم) (ب) ومنها ألا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض حيضة وأما وطء نساء بني المصطلق فلا يخلو أمرهن من أن يكن (ج) من نساء العرب الذين دانوا بالنصرانية أو اليهودية فيحل
134

وطؤهن أو يكن من الوثنيات فتكون إباحة وطئهن منسوخة بقول الله تعالى * (ولا تنكحوا المشركات) * يعني الوثنيات ومن ليس من أهل الكتاب حتى يؤمن وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار وجمهور العلماء وما خالفه فشذوذ لا يعرج عليه (ولا يعد خلافا) (أ) وفيه أن الرجل يجوز له أن يخبر عن نفسه (ب) بما فيه مما لا نقيصة عليه في دينه منه (ج) من شهوة النساء للعفاف وحب المال للتستر والكفاف والاستغناء عن الناس ألا ترى إلى قوله اشتدت علينا العزبة واحببنا الفداء وأما قوله (د) فما عليكم فما بمعنى ليس ولا زائدة كقوله تعالى * (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) * بمعنى أن تسجد فيكون تقدير الكلام قوله عليه السلام ما عليكم ان تفعلوا أي لا حرج عليكم في العزل وقوله ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة أراد ما من نسمة قدر الله أن تكون الا ولا بد من كونها فلا يوجب العزل منع الولد كما لا يوجب الاسترسال أن يأتي الولد بل ذلك بيده تعالى لا اله إلا هو) وفيه أن أم الولد لا يجوز بيعها لقوله وأحببنا الفداء فأردنا أن نعزل والفداء ها هنا الثمن في البيع أو أخذ الفداء من أقاربهن
135

من المشركين فيهن لأن كل واحد قد ملك ما وقع في سهمه من السبي فأرادوا الوطء وخافوا الحمل المانع من الفداء والبيع فهموا بالعزل رجاء السلامة من الحمل في الأغلب ولم يقدموا على العزل حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن اليهود كانت تقول بين أظهرهم أن العزل هو المؤودة الصغرى وكانوا أهل اكتاب فلم يقدموا على العزل لما كان في نفوسهم من قول اليهود حتى وقفوا على ما في ذلك عند نبيهم صلى الله عليه وسلم وفي شريعتهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأباح لهم العزل ولو كانت أم الولد يجوز بيعها ولم يمنع من ذلك حملها لبلغوا من الوطء ما أحبوا مع حاجتهم إلى ذلك ولكنهم لما أرادوا الفداء أحبو العزل ليسلم ذلك لهم
ثم لم يقدموا على ذلك حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرهم ان الله قد فرغ من العباد وقد علم كل نسمة كائنة وقدرها وجف القلم بها وما قدر لم يصرف وهذا الحديث من أصح شيء في المنع من بيع أمهات الأولاد وقد أجمع المسلمون على منع بيع أم الولد ما دامت حاملا من سيدها ثم اختلفوا في بيعها بعد وضع حملها وأصل المخالف أنه لا ينتقض اجماع إلا بمثله وهذا قطع لقوله ها هنا (إلا أنه يعترض بزوال العلة المانعة من بيعها لأنه إذا زال الحمل المانع من ذلك وجب أن يزول بزواله المنع من البيع ولهم في ذلك ضروب من التشغيب وأما طريق الاتباع للجمهور الذي يشبه الاجماع فهو المنع من بيعهن) (أ) وعلى المنع من
136

بين جماعة فقهاء الأمصار منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والثوري (أ) والأوزاعي والليث بن سعد وجمهور أهل الحديث وقد قال الشافعي في بعض كتبه بإجازة بيعهن ولكنه قطع في مواضع كثيرة من كتبه بأنهن لا يجوز بيعهن وعلى ذلك عامة أصحابه والقول ببيع أمهات الأولاد شذوذ تعلقت به طائفة منهم داود (اتباعا لعلي رضي الله عنه ولا حجة لها في ذلك) (ب) (ولا سلف لها) (ج) لأن علي بن أبي طالب مختلف عنه في ذلك (وأصح شيء عنه في ذلك ما ذكره الحلواني قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا وهيب قال حدثنا عطاء بن السائب قال سمعت عبيدة (1419) يقول كان علي يبيع أمهات الأولاد في الدين) (د) وقد صح عن عمر في جماعة من الصحابة المنع من بيعهن
137

ومن حجة من أجاز بيعهن ما روى عن جابر كنا (1) نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى عن أبي سعيد الخدري مثل ذلك أيضا (وهي آثار ليست بالقوية وفيها) (أ) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مارية إذ ولدت إبراهيم أعتقها ولدها (2) والحجج متساوية في بيعهن للقولين جميعا من جهة النظر وأما العمل والاتباع فعلى مذهب عمر رضي الله عنه أو وفي هذا الحديث برهان واضح على اثبات قدم العلم وان الخلق يجرون في علم الله وقدره فلا يخرج شيء من خلقه عن ذلك عز الله وجل تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا
138

وروى حماد بن زيد عن داود بن أبي هند عن الشعبي في قوله * (وكل شيء فعلوه في الزبر) * قال كتب عليهم قبل (أ) أن يعلموه وروى شعبة عن أبي هشام عن مجاهد في قوله تعالى * (لولا كتاب من الله سبق) * قال كان في علمه أنهم كانوا (ب) يأخذون الغنائم وروى سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قوله * (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) * قال ما كتب لهم من الشقاء والسعادة وعن ابن عباس في قوله وأنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص قال ما قدر لهم من خير وشر وجملة القول في القدر أنه سر الله لا يدرك بجدال (ج) ولا نظر ولا تشفى منه خصومة ولا احتجاج وحسب المؤمن من القدر أن يعلم أن الله لا يقوم شيء دون ارادته ولا يكون شيء إلا بمشيئته له الخلق والأمر كله لا شريك له نظام ذلك قوله * (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) * وقوله * (إنا كل شيء خلقناه بقدر) * وحسب المؤمن من القدر (د) أن يعلم أن الله لا يظلم مثقال ذرة ولا يكلف نفسا إلا وسعها وهو الرحمن الرحيم فمن رد على الله تعالى خبره في الوجهين (أو في أحدهما كان عنادا وكفرا) (ه) وقد ظاهرت الآثار في التسليم للقدر والنهي عن الجدل فيه والاستسلام له والاقرار بخيره وشره
139

والعلم بعدل مقدره وحكمته وفي نقض عزائم الانسان برهان فيما قلنا وتبيان والله المستعان حدثنا محمد بن زكرياء قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا مروان بن عبد الملك قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا حبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين قال ما ينكر هؤلاء أن يكون الله عز وجل علم علما فجعله كتابا حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا خالد بن القاسم قال حدثنا الليث بن سعد وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا عبد الله بن صالح قالا جميعا حدثنا معاوية بن صالح أن علي (1420) بن أبي طلحة حدثه أن أبا الوداك أخبره عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل فقال ما من (1) كل ماء يكون الولد وإذا أراد الله خلق شيء (أ) لم يمنعه شيء
140

وروى يحيى القطان عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال حدثنا عيينة بن المنهال قال قال بلال (1421) بن أبي بردة لمحمد بن واسع ما تقول في القضاء والقدر فقال أيها الأمير أن الله تبارك وتعالى لا يسئل عباده يوم القيامة عن قضائه وقدره وإنما يسئلهم عن أعمالهم وفي هذا الحديث دليل على أن السباء يقطع العصمة بين الزوجين ألا ترى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا على وطء السبايا يومئذ كل واحد منهم انطلقت يده في ذلك على من وقع في سهمه منهن وأرادوا العزل عنهن وذلك محمول عند أهل العلم على أن ذلك إنما كان منهم بعد الاستبراء لأنه مذكور في غير ما خبر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يومئذ لا توطأ حامل (1) حتى تضع ولا حائل حتى تحيض حيضة رواه شريك عن قيس بن وهب عن أبي الوداك عن أبي سعيد وروى من حديث جابر وأنس رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
141

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مقدام بن عيسى قال حدثنا إسحاق (1422) بن بكر بن مضر قال حدثني أبي (1423) عن جعفر بن ربيعة عن أبي مرزوق (1424) عن حنش (1425) الصنعاني عن رويفع
142

ابن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل (1) لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه ولد غيره ورواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق مولى تجيب عن حنش سمع رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض حيضة أحاديث حسان وعليها جماعة أهل العلم في الوطء الطارىء بملك اليمين وليس عند مالك في هذا حديث مسند وعنده فيه عن يحيى بن سعيد بن المسيب أنه كان يقول ينهى (2) ان تنكح المراة على عمتها أو على خالتها وأن يطأ الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره واختلف الفقهاء في الزوجين إذا سبيا معا فقال أبو حنيفة وأصحابه إذا سبى الحربيان وهما زوجان معا فهما على النكاح وان سبى أحدهما قبل الآخر وأخرج إلى دار الاسلام فقد وقعت الفرقة وهو قول الثوري وقال
الأوزاعي إذا سبيا معا فما كانا في المقاسم فهما على النكاح فإن اشتراهما رجل فإن شاء جمع بينهما وإن شاء
143

فرق بينهما فاتخذها (أ) لنفسه أو زوجها لغيره بعد أن يستبرئها بحيضة وهو قول الليث بن سعد وقال الحسن بن حي إذا سبيت ذات زوج استبرئت بحيضتين وغير ذات زوج بحيضة وقال الشافعي إذا سبيت بانت من زوجها سواء كان معها أو لم يكن قال والسباء يقطع العصمة على كل حال لأن الله قد أحل فروجهن في الكتاب والسنة للذين سبوهن وصرن بأيديهم وملك أيمانهم وهو قول مالك فيما روى ابن وهب وابن عبد الحكم وهو قولهما وقو أشهب وقال ابن القاسم في ذلك مثل قول أبي حنيفة إذا سبيا معا أو مفترقين ورواه عن مالك وكل هؤلاء يقول في قول الله عز وجل * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) * انهن السبايا ذوات الأزواج يحلهن السباء وفي حديث أبي سعيد الخدري هذا دليل واضح على ذلك وفيه تفسير الآية وهو أولى ما قيل في تفسيرها وقال ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب ان معنى الآية في الإماء ذوات الأزواج وأنهن إذا ملكن جاز وطؤهن بملك اليمين وكان بيعهن طلاقهن والتفسير الأول عليه جمهور الفقهاء وقد روى أبو علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري أن هذه الآية قوله عز وجل * (والمحصنات من النساء) * نزلت في سبايا أوطاس وقاله الشعبي وأكثر أهل التفسير
144

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الأعلى عن شعبة عن قتادة عن أبي الخليل (1426) أن أبا علقمة (1427) الهاشمي حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين سرية فأصابوا أحياء من أحياء العرب يوم أوطاس فقتلوهم وهزموهم وأصابوا نساء لهن أزواج فكان أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تأثموا من غشيانهن من أجل أزواجهن فأنزل الله * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) * منهن فحلال لكم وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن عمر بن ميسرة قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا سعيد عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري
145

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث (1) بعثا يوم حنين إلى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا فكان أناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله في ذلك * (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) * فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن قال أبو عمر وهذه اللفظة حجة للحسن (أ) بن حي في اعتباره العدة في ذلك وفي حديث بريرة ما يبين ان بيع الأمة ليس بطلاقها وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم من كتابنا هذا (وفي هذا الحديث أيضا إباحة العزل وقد اختلف السلف في ذلك والحجة قائمة لمن أجازه بهذا الحديث وما كان مثله حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن قاسم بن شعبان قال حدثنا محمد بن الحسن بن الضحاك قال حدثنا
146

أبو مروان (1428) العثماني قال حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن ابن شهاب الزهري أن زيد بن ثابت وابن مسعود كانا يعزلان وكان عمر وابن عمر يكرهان العزل) (أ) (وفي الحديث أيضا أن للرجل) (ب) ان يعزل عن الأمة (ج) بغير امرها وانها لا حق لها في ذلك لأنهم لم يحتاجوا في أمر العزل إلى أكثر من معرفة جوازه في الشريعة لم يضيفوا إلى ذلك استيمار الإماء ولا مشاورتهن فدل ذلك على جواز العزل عنهن دون رأيهن والأصول تشهد لصحة هذا التأويل والاجماع والقياس لأنه لما جاز له ان يمنع أمته الوطئ أصلا كان له العزل عنها أحرى بالجواز وهذا أمر وإن كان جاء عن بعض السلف كراهية العزل فإن أكثرهم على اباحته وجوازه وهو أمر لا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار فيه والحمد لله
147

وكذلك لا خلاف بين العلماء أيضا في أن الحرة لا يعزل عنها الا باذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به (أ) وليس الجماع المعروف التام إلا أن لا يلحقه العزل وفي الموطأ عن سعد بن أبي وقاص وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن ثابت وابن عباس جواز العزل وإباحته (حدثنا عبد الله بن سعد قال حدثنا أحمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا سعيد بن عبد الرحمن قال حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العزل وإنما هو حرثك إن شئت سقيته وإن شئت عطشته) (ب) فإن قيل قد روى حماد بن زيد عن عاصم عن زيد عن علي أنه كان يكره العزل ويقول هو الوأد الخفي قيل لو صح هذا عن علي كانت الحجة فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون قوله لأنه قد ثبت في هذا الحديث قول الصحابة فأردنا أن نعزل فقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسئله فسألناه فقال ما عليكم ألا تفعلوا فأي شيء أبين من إباحة العزل (وإجازته وهذا في السنة الثابتة وهي الحجة عند التنازع وقد صح عن علي خلاف هذا وروى يزيد بن أبي حبيب عن معمر بن أبي حبيبة عن معاذ بن أبي رفاعة قال شهدت نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرون الموءدة فيهم على وعمر وعثمان والزبير وطلحة وسعد فاختلفوا فقال عمر انكم أصحاب رسول الله
148

صلى الله عليه وسلم تختلفون في هذا فكيف بمن بعدكم فقال علي انها لا تكون موءودة حتى يأتي عليها الحالات السبع فقال له عمر صدقت أطال الله بقاءك قال ابن لهيعة انها لا تكون موءودة حتى تكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم لحما ثم تظهر ثم تستهل فحينئذ إذا دفنت فقد وئدت لأن من الناس من قال إن المراة إذا أحست بحمل فتداوت حتى تسقطه فقد وأدته ومنهم من قال العزل الموءدوة الصغرى فأخبر علي رضي الله عنه أن ذلك لا يكون موءدة الا بعد ما وصف وقد قيل في) (أ) قول الله عز وجل * (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) * إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل قاله جماعة من العلماء وإن كان في ذكر الآية (ب) قولان غير هذا ذكر إسماعيل بن أبي أويس (ج) عن مالك قال لا يعزل عن الحرة الا باذنها وإن كانت تحته أمة لقوم تزوجها فلا يعزل عنها الا بإذن أهلها وإن كانت أمته فليعزل إن شاء واختلف الفقهاء في العزل عن الزوجة الأمة فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما الاذن في العزل عن الزوجة الأمة إلى مولاها (وعن الثوري روايتان إحداهما لا يعزل عنها الا بأمرها والأخرى بأمر مولاها) (د)
149

وقال الشافعي (أ) له أن يعزل عن الزوجة الأمة دون اذنها ودون أذن مولاها وليس له العزل عن الحرة إلا بإذنها وقد روى في هذا الباب حديث مرفوع في إسناده
ضعف ولكن اجماع الحجة على القول بمعناه يقضي بصحته حدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا ابن المفسر (1429) قال حدثنا أحمد بن علي القاضي قال حدثنا أبو خيثمة زهير ابن حرب قال حدثنا إسحاق بن عيسى قال حدثنا ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن الزهري عن محرر (1430) بن أبي هريرة عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل (1) عن الحرة الا بإذنها (ومن حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان لي جارية أفأعزل عنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم سياتيها ما قدر لها) (ب)
150

حديث سادس لربيعة مرسل مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة ابنة الحارث ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج هذا الحديث قد رواه مطر الوراق عن ربيعة عن سليمان بن يسار عن أبي رافع وذلك عندي غلط من مطر لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين وقيل سنة سبع وعشرين ومات أبو رافع بالمدينة بعد قتل عثمان بيسير وكان قتل عثمان رضي الله عنه في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وغير جائز ولا ممكن ان يسمع سليمان بن يسار من أبي رافع وممكن صحيح أن يسمع سليمان بن يسار من ميمونة لما ذكرنا من مولده ولأن ميمونة مولاته ومولاة أخوته أعتقتهم وولاؤهم لها وتوفيت ميمونة سنة ست وستين وصلى عليها ابن عباس فغير نكير ان يسمع منها ويستحيل أن يخفى عليه أمرها وهو مولاها وموضعه من الفقه موضعه وقصة ميمونة هذه أصل هذا الباب عند أهل العلم وغير ممكن سماعة من أبي رافع فلا معنى لرواية مطر وما رواه مالك أولى والله التوفيق
151

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوارق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أحمد بن محمد بن هانيء أبو بكر الأثرم قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة عن سليمان بن يسار عن أبي رافع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة (1) وهو حلال وبنى بها وهو حلال وكنت الرسول بينهما وحدثناه عبد الوارث بن سفيان قراءة منى عليه ان قاسم ابن أصبغ حدثهم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن مطر قال حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا وبنى بها حلالا وكنت الرسول بينهما قال أبو عمر في رواية مالك لهذا الحديث دليل على جواز الوكالة في النكاح وهو أمر لا أعلم فيه خلافا والرواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال متواترة عن ميمونة بعينها وعن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم وعن سليمان بن يسار مولاها وعن يزيد بن الأصم وهو ابن أختها وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وأبي بكر بن عبد الرحمن
152

وابن شهاب وجمهور علماء المدينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكح ميمونة الا وهو حلال قبل أن يحرم وما أعلم أحدا من الصحابة روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم إلا عبد الله بن عباس ورواية من ذكرنا معارضة لروايته والقلب إلى رواية الجماعة أميل لأن الواحد أقرب إلى الغلط وأكثر أحوال حديث ابن عباس ان يجعل متعارضا مع رواية من ذكرنا فإذا كان كذلك (أ) سقط الاحتجاج بجميعها ووجب طلب الدليل على هذه المسئلة من غيرها فوجدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن نكاح المحرم وقال لا (1) ينكح المحرم ولا ينكح فوجب المصير إلى هذه الرواية التي لا معارض لها لأنه يستحيل أن ينهى عن شيء ويفعله مع عمل الخلفاء الراشدين لها وهم عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وهو قول ابن عمر وأكثر أهل المدينة وسنذكر حديث عثمان في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله
153

وذكر مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان (1431) ابن طريف المريء (أ) قال تزوج أبي وهو محرم ففرق بينهما عمر بن الخطاب وروى قتادة عن الحسن سمعه يحدث عن علي بن أبي طالب قال أيما رجل نكح وهو محرم فرقنا بينه وبين امرأته وروى الثوري عن قدامة (1432) بن موسى قال سألت سعيد بن المسيب عن محرم نكح قال يفرق بينهما فهؤلاء يفسخون نكاح المحرم وهم جلة العلماء من الصحابة والتابعين والتفريق لا يكون الا عن بصيرة مستحكمة وان ذلك لا يكون عندهم والله أعلم كذلك الا لصحته عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال لا يتزوج المحرم ولا يخطب على غيره
154

وروى مالك وأيوب وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب قال عبد الرزاق وأخبرني معمر عن عبد الكريم الجزري عن ميمون بن مهران قال سألت صفية ابنة شيبة أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم فقالت بل تزوجها وهو حلال قال وأخبرنا معمر عن أيوب وجعفر بن برقان قالا كتب عمر بن عبد العزيز إلى ميمون بن مهران ان يسئل يزيد بن الأصم كيف تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة أحلالا أم حراما فسأله فقال بل تزوجها حلالا وكتب بذلك إليه فهذا عمر بن عبد العزيز يقنع في ذلك بيزيد (1433) بن الأصم (لعلمه باتصاله بها وهي خالته ولثقته به قال عبد الرزاق وأخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني يزيد بن الأصم) (أ) أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا وروى حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن
155

مهران عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت تزوجني (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف وهما حلالان بعد ما رجع من مكة وقرأت على سعيد بن نصر ان قاسم بن أصبغ حدثهم قال أخبرنا ابن وضاح قال أخبرنا (أ) أبو بكر بن أبي شيبة قال أخبرنا يحيى بن آدم قال أخبرنا جرير بن حازم قال حدثنا أبو فزارة (1434) عن يزيد بن الأصم قال حدثتني ميمونة بنت الحارث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تزوجها (2) وهو حلال قال وكانت خالتي وخالة ابن عباس واختلف فقهاء الأمصار في نكاح المحرم فقال مالك وأصحابه والليث والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل (ب) لا ينكح المحرم ولا ينكح وقال أبو حنيفة وأصحابه والشوري لا بأس أن ينكح المحرم وان ينكح
156

وذكر عبد الرزاق عن محمد بن مسلم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه لم ير بنكاح المحرم بأسا قال وأخبرنا الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال يتزوج المحرم (أ) ان شاء لا بأس به قال وقال لي الثوري لا تلتفت فيه إلى قول أهل المدينة وحجة مالك ومن قال بقوله حديث عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك مع ما ذكرناه عن الصحابة في هذا الباب وتفرقة عمر بينهما تدلك على قوة بصيرته في ذلك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال أخبرنا قاسم بن أصبغ قال أخبرنا أحمد بن زهير قال أخبرنا عبد الله بن جعفر قال أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن ميمون بن مهران قال أتيت صفية بنت شيبة (1) امرأة كبيرة فقلت لها أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم قالت لا والله لقد تزوجها وهما حلالان وحجة العراقيين في ذلك حديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة بسرف وهو محرم رواه عن ابن عباس عكرمة وسعيد بن جبير وجابر بن يزيد أبو الشعثاء ومجاهد وعطاء بن أبي رباح كلهم عن ابن عباس بهذا الحديث وذكر ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال حدثت ابن شهاب عن جابر بن يزيد عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
157

نكح (1) ميمونة وهو محرم فقال ابن شهاب حدثني يزيد بن الأصم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة (2) وهو حلال قال قلت لابن شهاب أتجعل حفظ ابن عباس كحفظ اعرابي يبول على فخذيه حدثناه قاسم بن محمد قال أخبرنا خلف بن سعيد قال أخبرنا (أ) أحمد بن عمرو قال أخبرنا محمد بن سنجر قال أخبرنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم قال سعيد بن المسيب وهم ابن عباس وان كانت خالته ما تزوجها الا بعد ما أحل قال أبو عمر هكذا في الحديث قال سعيد بن المسيب فلا أدري أكان الأوزاعي يقوله أو عطاء
158

قال أبو عمر واختلف أهل السير في الاخبار في تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة فقالت طائفة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم وقال آخرون تزوجها وهو حلال على حسب اختلاف الفقهاء سواء وذكر الأثرم عن أبي عبيدة (1435) معمر بن المثنى قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر توجه إلى مكة معتمرا سنة سبع وقدم عليه جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة فخطب عليه ميمونة ابنة الحارث الهلالية وكانت أختها لأمها أسماء بنت عميس عند جعفر ابن أبي طالب وسلمى بنت عميس عند حمزة بن عبد المطلب وأختها لأبيها وأمها أم الفضل تحت العباس فأجابت جعفر بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت أمرها إلى العباس فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم فلما رجع بنى بها بسرف حلالا وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام المقبل عام الحديبية
159

معتمرا في ذي القعدة سنة سبع وهو الشهر الذي صده فيه المشركون عن المسجد الحرام فلما بلغ موضعا ذكره بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة بنت الحارث بن حزن العامرية فخطبها عليه فجعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حلال قال أبو عمر قال أبو عبيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية وقال ابن شهاب العامرية وهي من ولد هلال بن عامر بن صعصعة وقد ذكرت نسبها مرفوعا في كتاب الصحابة وبالله التوفيق وعليه التوكل
160

حديث سابع لربيعة مرسل منقطع مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عائشة (1436) زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت مضطجعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد (أ) وأنها وثبت وثبة شديدة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك لعلك نفست (1) يعني الحيضة قالت نعم قال شدي على نفسك إزارك ثم عودي إلى مضجعك
161

(هكذا هذا الحديث في الموطأ كما روى منقطع) (أ) ويتصل معناه من حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعلم أنه روى من حديث عائشة بهذا اللفظ البتة وسنذكر في هذا الباب ما روى فيه (ب) عن عائشة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله ولم يختلف ورواه الموطأ في إرسال هذا الحديث كما روى وروى حبيب عن مالك عن الزهري عن عروة وسعيد بن المسيب عن عائشة ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يضاجع أم سلمة وهي حائض عليها بعض الإزار وما انفرد به حبيب لا يحتج به وفيه من الفقه نوم الرجل الشريف مع أهله في ثوب واحد وسرير واحد وفيه أن الحيض قد يأتي فجاة دون مقدمة من العلامات لبعض النساء وبعضهن ترى قبله (ج) صفرة أو كدرة كما ترى بعده وفيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم من الغيب إلا ما علمه الله لقوله مالك لعلك نفست وقوله نفست يقول لعلك أصبت بالدم يعني الحيضة والنفس الدم الا ترى إلى قول إبراهيم النخعي وهو عربي فصيح كل ما ليس له نفس سائلة يموت في الماء لا يفسده يعني دما سائلا وفيه أن الحائض يجوز ان يباشر منها ما فوق الإزار لقوله ثم عودي إلى مضجك ومعلوم انها إذا عادت اليه في ثوب واحد
162

معه ان يباشرها فإذا كان ذلك كذلك كان هذا الحديث يفسر قول الله عز وجل * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * لأنه يحتمل قوله اعتزلوا النساء أي لا تكونوا معهن في البيوت ويحتمل اعتزلوا وطأهن لا غير فأتت السنة مبينة مراد الله عز وجل من قوله ذلك أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد ابن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد قال حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك ان اليهود كانت إذا حاضت منهن امرأة أخرجوها من البيت ولم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله * (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) * إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعوهن (1) في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح فقالت اليهود ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه فجاء
163

أسيد (1437) بن حضير وعباد (1438) بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا له يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض فتغير (1) وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أنه قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في أثرهما فسقاهما فظننا أنه
لم يجد عليهما أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو سلمة عن أم سلمة قالت كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحافه فوجدت ما يجد النساء من الحيضة فانسللت من اللحاف فقال
164

رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفست قلت وجدت ما يجد النساء من الحيضة قال ذلك ما كتب الله على بنات آدم قالت فانسللت فأصلحت من شأني ثم رجعت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالى فادخلي في اللحاف قالت فدخلت معه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ان زينب بنت أبي سلمة حدثته أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت حضت (1) وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة (2) قالت (أ) فانسللت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضتي فلبستها فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفست قالت قلت نعم فدعاني فأدخلني معه في الخميلة هذا حديث حسن صحيح ثابت في معنى حديث ربيعة عن عائشة رواه عن يحيى بن أبي كثير جماعة هكذا ورواه محمد ابن عمرو عن أبي سلمة عن أم سلمة كما ذكرنا والقول عندهم قول يحيى بن أبي كثير وهو أثبت من محمد بن عمرو في أم
165

سلمة وقد ادخل بين أبي سلمة وأم سلمة زينب بنت أم سلمة وهو الصواب وحدثني محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب القاضي قال حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا أبو عوانة عمرو بن أبي سلمة عن أبيه عن عائشة أنها كانت تنام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض وبينهما ثوب (وعمرو بن أبي سلمة كان شعبة يضعفه وليس بالحافظ وإسناد يحيى عن أبي سلمة عن زينب عن أم سلمة صحيح عندهم وإسناد حديث عائشة أيضا وميمونة في هذا الباب صحيح والحمد لله) (أ) حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت كان (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها وقال مرة يباشرها وحدثني محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب عن يونس والليث عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن
166

ندية (1439) (وكان الليث يقول ندبة) (أ) مولاة ميمونة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر (1) المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به (ب) وفي حديث الليث محتجزته (حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يزيد بن خالد قال حدثنا الليث عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن ندية مولاة ميمونة عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر امرأته وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به) (ج) قال أبو داود يونس يقول ندية ومعمر يقول ندبة وحدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال
167

حدثنا جرير عن الشيباني (1440) عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت كان (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في فوح (2) حيضتنا أن نتزر ثم يباشرنا وأيكم يملك أربه (3) كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك أربه (وذكر دحيم قال حدثنا الوليد بن سلم قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد عن سويد (1441) بن قيس التجيبي أن قرط بن عوف حدثه أنه سأل عائشة فقال يا أم المؤمنين أكان النبي صلى الله عليه وسلم يضاجعك وأنت حائض فقالت نعم إذا
168

شددت على إزاري وذلك إذ لم يكن الا فراش واحد فلما رزقنا الله فراشين اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا نعلم يروى الا من حديث ابن لهيعة وليس بحجة (أ) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا سليمان الشيباني قال حدثنا عبد الله بن شداد عن ميمونة قالت كان النبي (1) صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض امرها فائتزرت وحدثنا عبد الله بن محمد الجهني قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا محمد بن شعيب قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحق عن عمرو بن شرحبيل عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تشد إزارها ثم يباشرها (وروى عن عائشة رضي الله عنها من وجوه حسان كلها) (ب) قال أبو عمر هذه الآثار كلها في معنى حديث ربيعة عن عائشة وظاهرها أن الحائض لا يباشر منها إلا ما فوق الإزار
169

واختلف الفقهاء في مباشرة الحائض وما يستباح منها فقال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف له منها ما فوق المئزر وممن روى عنه هذا المعنى القاسم وسالم وحجتهم ما ذكرنا في هذا الباب من الآثار عن عائشة وميمونة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الثوري ومحمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي يجتنب مواضع الدم وممن روى عنه هذا المعنى ابن عباس مسروق والنخعي وعكرمة وهو قول داود بن علي ومن حجتهم حديث ثابت عن أنس قوله صلى الله عليه وسلم (جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء ما خلا النكاح) (أ) أو قال ما خلا الجماع وقد ذكرناه في هذا الباب ومن حجتهم أيضا حديث عائشة قوله صلى الله عليه وسلم إن حيضتك ليست في يدك اه (أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت
170

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حيضتك ليست في يدك) (أ) وحدثنا عمر بن الحسين بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال حدثنا أسد بن موسى اه ووجدت في أصل سماع أبي رحمه الله بخطه ان محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال حدثهم قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا نصر بن مرزوق قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم ابن محمد عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ناوليني (1) الخمرة (2) من المسجد قلت إني حائض قال إن حيضتك ليست في يدك قال أسد بن موسى وحدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أنس (ب) عن ابن عمر عن عائشة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مثله قال أسد وحدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أنس عن عائشة مثله ولم يذكر ابن عمر
171

(وذكر دحيم قال حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البهي (1442) عن ابن عمر عن عائشة مثله) (أ) قال دحيم وحدثنا محمد بن عبيد عن حريث عن عامر عن مسروق عن عائشة قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ناوليني (1) الثوب قلت إني حائض قال إن الحيض ليس في يدك فناولته قال دحيم وحدثنا يعلى عن عثمان بن حكيم عن جدته الرباب (1443) ان عثمان بن حنيف (2) قال يا جارية ناوليني الخمرة فقالت لست أصلي فقال ان حيضتك ليست في يدك فناولته فقام فصلى
172

قال أبو عمر فدل ما في هذا الحديث أن كل عضو منها ليس فيه الحيضة في الطهارة يعني ما كان قبل الحيض ودل على أن الحيض ليس يغير شيئا من المرأة مما كان عليه قبل الحيض غير موضع الحيض وحده (قال أبو جعفر الطحاوي ما في هذا الحديث إن كل عضو منها ليس فيه الحيضة في الطهارة يعني ما كان عليه قبل الحيض غير موضع الحيض وحده) (أ) وروى أبو معشر (ب) عن إبراهيم عن مسروق قال سألت عائشة ما يحل لي من امرأتي وهي حائض فقالت كل شيء إلا (1) الفرج رواه أيوب عن أبي معشر وروى أيوب أيضا عن أبي قلابة عن عائشة مثله وأخبرنا عمر بن حسين عن أبيه قال حدثني علي بن أحمد (ج) ابن أبي جعفر الطحاوي عن أبيه قال حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال حدثنا شعيب بن الليث قال حدثنا الليث عن بكر ابن الأشج عن أبي مرة عن (د) عقيل عن حكيم بن عفان (ه) قال سألت عائشة ما يحرم على من امرأتي إذا حاضت فقالت فرجها (وذكره دحيم قال حدثنا أبو عبد الرحمن المقري عن
173

سعيد بن أيوب عن يزيد بن حبيب عن بكر بن عبد الله الأشج عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب عن حكيم بن عقال قال سألت عائشة ما يحرم على من امرأتي وهي حائض قالت فرجها) (أ) ومن حجة من قال بالقول الأول ما رواه زيد بن أسلم أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل (1) لي من امرأتي وهي حائض فقال لتشد عليها إزارها ثم شأنك (2) بأعلاها وحديث ميمونة وأم سلمة وعائشة على ما ذكرنا في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يباشر امرأة من نسائه وهي حائض الا وهي متزرة وهو المبين عن الله مراده قولا وعملا صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر يحتمل ان يكون قوله صلى الله عليه وسلم بمباشرة الحائض وهي متزرة على الاحتياط والقطع للذريعة ولو أنه أباح فخذها كل ذلك ذريعة إلى موضع الدم المحرم باجماع فنهى عن ذلك احتياطا والمحرم بعينه موضع الأذى ويشهد لهذا ظاهر القرآن وإجماع معاني الآثار لئلا يتضاد وبالله التوفيق حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي قال حدثنا عبد الله يعني
174

ابن عمر بن غانم عن عبد الرحمن يعني بن زياد عن عمارة (1444) ابن غراب (أ) إن عمة له حدثته أنها سالت عائشة قالت أحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد قالت أخبرك بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فمضى إلى المسجد قال أبو داود تعني مسجد بيته فلم ينصرف حتى غلبتني عيناي وأوجعه البرد فقال ادن مني فقلت إني حائض فقال وان (ب) اكشفي عن فخذك فكشفت فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفئ (1) ونام واختلف الفقهاء في الذي يأتي امرأته وهي حائض فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد يستغفر الله ولا شيء عليه ولا يعود وبه (ج) قال داود وروى عن محمد بن الحسن أنه قال يتصدق بنصف دينار وقال أحمد بن حنبل يتصدق بدينار أو نصف دينار وقال أحمد ما أحسن حديث عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم يتصدق بدينار أو نصف
175

دينار وقال الطبري يستحب له أن يتصدق بدينار أو نصف دينار فإن لم يفعل فلا شيء عليه وهو قول الشافعي ببغداد وقالت فرقة من أهل الحديث ان وطيء في الدم فعليه دينار وإن وطيء في انقطاع الدم فنصف دينار قال أبو عمر حجة من قال بهذا القول ما رواه علي بن الحكم البناني عن أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا قال إذا أصابها (1) في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار (سواء وحجة من قال بقول محمد بن الحسن ما رواه خصيف (1445) عن مقسم) (أ) وكذلك رواه ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس (مرفوعا قال إذا أصابها في الدم فدينار وإذا
176

أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار) (أ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا وقع بأهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار وقال أبو داود كذلك (ب) قال علي (1446) بن بذيمة عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم (مرسل وحجة من قال بقول أحمد بن حنبل ما رواه الحكم بن عتيبة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (ج) في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال يتصدق (1) بدينار أو نصف دينار (قال أبو داود هكذا الرواية الصحيحة دينار أو نصف دينار) (د) قال وربما لم يرفعه شعبة عن الحكم وقال الأوزاعي من وطيء امرأته وهي حائض تصدق بخمسى دينار رواه عن زيد (ه) بن أبي مالك عن عبد الحميد
177

ابن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمره أن يتصدق بخمسى دينار قال أبو عمر وحجة من لم يوجب عليه كفارة الا الاستغفار والتوبة اضطراب هذا الحديث عن ابن عباس وان مثله لا تقوم به حجة وان الذمة على البراءة ولا يجب ان يثبت فيها شي لمسكين ولا غيره الا بدليل لا مدفع فيه (أ) ولا مطعن عليه وذلك معدوم في هذه المسألة واختلف الفقهاء أيضا في وطء الحائض بعد الطهر وقبل الغسل فقال مالك وأكثر أهل المدينة إذا انقطع عنها الدم لم يجز وطؤها حتى تغتسل وبه قال الشافعي والطبري ومحمد ابن سلمة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ان انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام جاز له أن يطأها وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت صلاة قال أبو عمر هذا تحكم (ب) لا وجه له وقد حكموا للحائض بعد انقطاع دمها بحكم الحيض في العدة وقالوا لزوجها عليه الرجعة ما لم تغتسل (فعلى قياس قولهم هذا لا يجب أن توطأ حتى تغتسل) (ج) وهو الصواب مع موافقة أهل المدينة وبالله التوفيق
178

فإن قيل أن في قول الله عز وجل * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * بعد قوله * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * دليلا على أن المحيض إذا زال وطهرن جاز اتيانهن من حيث أمرنا باجتنابهن فالجواب أن في قول الله عز وجل * (فإذا تطهرن فأتوهن) * دليلا على بقاء تحريم الوطء بعد الطهر حتى يتطهرن بالماء لأن تطهرن تفعلن مأخوذ من قول الله * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * يريد الاغتسال بالماء وقد يقع التحريم بالشيء ولا يزول بزواله لعله أخرى دليل ذلك قول الله عز وجل في المبتوتة * (فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * وليس تحل له بنكاح الزوج حتى يمسها (أ) ويطلقها وكذلك لا تحل الحائض للوطء بالطهر حتى تغتسل ومثل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ومعناه حتى تضع وتطهر من دم نفاسها أو حيضتها (ب) وتغتسل منه ومن هذا المعنى أيضا أن الاحرام يمنع من الطيب واللباس والصيد والنساء (ج) وقد يقع الحل من ذلك كله قبل أن يقع من وطء النساء حتى يكمل الخروج من الحج فيحل حينئذ الوطء فكذلك الحيض يوجب تحريم الصلاة والصوم واتيان الزوج فإذا انقطع الدم انحل عنها بعض ذلك بإباحة الصوم لها وبقي تحريم الصلاة إلى أن تأتي بالطهارة فكذلك حكم الجماع أن يبقى تحريمه حتى لا يبقى للحيض حكم والله أعلم وفي المسألة اعتراضات وفيما ذكرنا كفاية والحمد لله
179

حديث ثامن لربيعة منقطع يتصل من وجوه مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اصابته مصيبة فقال كما أمره الله إنا لله وإنا اليه راجعون اللهم أجرني (1) في مصيبتي وأعقبني خيرا منها الا فعل الله ذلك به قالت أم سلمة فلما توفي أبو سلمة قلت ذلك ثم قلت ومن خير من أبي سلمة فأعقبها الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها اه هكذا روى يحيى هذا الحديث وتابعه جماعة من رواة الموطأ ورواه ابن وهب فقال حدثني مالك بن أنس عن ربيعة أن أبا سلمة قال لأم سلمة لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما ما أحب ان لي به حمر النعم سمعته يقول ما من أحد تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله به * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * اللهم أجرني في مصيبتي واعقبني خيرا منها إلا فعل الله ذلك به
180

قالت فلما توفي أبو سلمة قلت ذلك ثم قلت ومن خير من أبي سلمة ثم قلته فأعقبني الله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر هذا الحديث يتصل من وجوه شتى ألا ان بعضهم يجعله لأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يجعله لأم سلمة عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك اختلف فيه أيضا عن مالك على حسب ما ذكرناه وهذا مما ليس يقدح في الحديث لأن رواية الصحابة بعضهم عن بعض ورفعهم ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم سواء عند العلماء لأن جميعهم مقبول الحديث مأمون على ما جاء به بثناء الله عليهم وقد أوضحنا هذا المعنى في غير (أ) هذا الموضع وأبو سلمة مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك في كتاب الصحابة فأغنى ذلك (ب) عن ذكره ها هنا اه أخبرني أحمد (ج) بن محمد قال أخبرنا (د) وهب بن مسرة قال أخبرنا (ه) محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضرتم (1) الميت أو المريض فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما
181

تقولون قالت فلما مات أبو سلمة (أ) أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات قال قولي اللهم أغفر له (ب) وأعقبني منه عقبى حسنة قالت ففعلت فأعقبني (ج) الله من هو خير منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة (1447) عن سعد (1448) بن سعيد قال أ خبرني عمر (1449) بن كثير بن أفلح قال سمعت
182

ابن سفينة (1450) يحدث أنه سمع أم سلمة تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد (1) تصيبه مصيبة فيقول * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها الا أجره في مصيبته وأخلف له خيرا منها قالت فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلفني الله خيرا منه محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر وحدثنا ابن نمير قال حدثنا سعد بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح قال أخبرني علي بن سفينة مولى أم سلمة عن أم سلمة (أ) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد تصيبه مصيبة فذكر مثله إلا أنه قال فقلت من هو خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عزم لي فقلتها قال أبو عمر هكذا يقول في هذا (ب) الحديث سعد بن سعيد بإسناده عن أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفه سعيد بن
183

أبي هلال (في الاسناد وجعله عن أم سلمة عن أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره ابن وهب قال حدثنا ابن لهيعة عن سعيد بن أبي هلال) (أ) عن عمر بن كثير بن أفلح عن أم أيمن (1451) مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أخبرتني أم سلمة زوج النبي عليه السلام أن أبا سلمة أتاها يوما فقال لقد سمعت اليوم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما لهو أحب إلى من حمر النعم قالت وما هو يا أبا سلمة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من رجع عند مصيبة ثم قال اللهم اجرني في مصيبتي واخلفني خيرا منها كان له ذلك قالت فلما أصيب (ب) أبو سلمة رجعت ثم قلت اللهم أجرني في مصيبتي قالت وهممت أن أقول واخلف لي خيرا منها ثم قلت ومن خير من أبي سلمة قالت ورسول صلى الله عليه وسلم أمامي متوكيء على أبي بكر ممسك بيده قالت ثم قلتها قالت فشد على يدي أبي بكر قال أبو عمر هكذا قال سعيد بن أبي هلال عن عمر بن كثير بن أفلح عن أم
184

أيمن وقال سعد بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن علي بن سفينة والله أعلم وأما إسناده عن أبي سلمة فهو الصحيح وبالله التوفيق حدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا (أ) عبد الملك بن قدامة الجمحي عن أبيه عن عمرو بن أبي سلمة عن أم سلمة (ب) ان أبا سلمة حدثها أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم (1) أصيب (ج) بمصيبة فيفزع لما أمره الله به من قول * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * اللهم عندك احتسب مصيبتي فأجرني فيها وعضني خيرا منها إلا أجره الله عليها وعاضه خيرا منها قالت فلما توفي أبو سلمة ذكرت الذي
حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * اللهم إني احتسبت عندك مصيبتي فأجرني عليها فلما أردت أن أقول عضني خيرا منها قلت في نفسي أعاض خيرا من أبي سلمة ثم قلتها فعاضني الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأجرني في مصيبتي
185

قال أبو عمر عبد الملك بن قدامة هذا هو عبد الملك بن قدامة بن محمد بن حاطب الجمحي مدني ثقة شريف وأخبرني أبو عبد الله عبيد (أ) بن محمد ومحمد (1452) ابن عبد الملك قالا أخبرنا عبد الله بن مسور العسال قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال حدثنا عبيد (1453) الله بن محمد بن حفص العيشي (ب) قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا (ج) ثابت قال
186

أخبرني عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد عن أمه أم سلمة أن أبا سلمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب (1) أحدكم مصيبة فليقل * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني بها خيرا منها قالت فلما احتضر أبو سلمة بن عبد الأسد قال اللهم اخلفني في أهلي بخير مني فلما قبض أبو سلمة قلت إنا لله وإنا اليه راجعون اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأجرني فيها فكنت إذا أردت أن أقول وأبدلني خيرا منها قلت ومن خير من أبي سلمة فلم أزل حتى قلتها قال فلما انقضت عدتها خطبها أبو بكر فردته ثم خطبها عمر فردته ثم بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبها فقالت مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم ومرحبا بالله ورسوله اقرأ رسول الله السلام وأخبره أني امرأة غيرى (2) وأنا مصبية (3) (أ) وليس أحد من أولياءي شاهدا قال فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم اما قولك إني غيرى فإني سأدعو الله ان يذهب غيرتك وأما قولك إني مصبية فإن الله سيكفيك وأما أولياؤك فليس أحد منهم شاهدا ولا غائبا الا سيرضاني فقالت لابنها قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما اني لا أنقصك مما أعطيت أختك فلانة جرتين ورحى ووسادة
187

من أدم حشوها ليف قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها وهي ترضع زينب فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذتها فوضعتها في حجرها ترضعها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيبا كريما فرجع فنظر إليها عمار بن ياسر وكان أخاها من الرضاعة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيها ذات يوم فجاء عمار فدخل عليها فأهبط زينب من حجرها وقال دعي هذه المقبوحة المشقوحة (1) (أ) التي قد آذيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل فجعل يلتفت ينظر (ب) في البيت ويقول أين زناب وما فعلت زناب وما لي لا أرى زناب فقالت جاء عمار فذهب بها فبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهله وقال لها ان سبعت لك سبعت للنساء قال أبو عمر ليس في حديث أم سلمة من رواية مالك معنى يشكل ولا موضع تنازعه العلماء في التأويل وإنما هو دعاء واسترجاع وتعز ومعنى قوله * (إنا لله) * أي نحن لله وعبيد وخلق خلقنا للفناء
188

* (وإنا إليه راجعون) * أي اليه نصير واليه نرجع لأنه تبارك اسمه اليه يرجع الأمر كله والخلق كله فلا بد من الموت والرجوع إلى الله أي فما لنا نجزع (أ) مما لا بد لنا منه ولا محيد عنه وهذا أحسن شيء وأبلغه في حسن العزاء وفيه إيمان واخلاص واقرار بالبعث والحمد لله
189

حديث تاسع لربيعة منقطع يتصل من وجوه حسان مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم أن أبا موسى الأشعري جاء يستأذن على عمر بن الخطاب فاستأذن ثلاثا ثم رجع فأرسل عمر بن الخطاب في أثره فقال مالك لم تدخل فقال أبو موسى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن اذن لك فادخل والا فارجع فقال عمر بن الخطاب ومن يعلم هذا لئن لم تأت بمن يعلم ذلك لأفعلن بك كذا وكذا فخرج أبو موسى حتى جاء مجلسا في المسجد يقال له مجلس الأنصار فقال أني أخبرت عمر بن الخطاب إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث فإن اذن لك فادخل والا فارجع فقال لئن لم تأت بمن يعلم هذا لأفعلن بك كذا وكذا فإن كان سمع ذلك أحد منكم فليقم معي فقالوا لأبي سعيد الخدري قم معه وكان أبو سعيد أصغرهم فقام معه فأخبر ذلك عمر بن الخطاب فقال عمر لأبي موسى أما إني لم أتهمك ولكني خشيت ان يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم
190

قال أبو عمر روى هذا الحديث متصلا مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه من حديث أبي موسى وحديث أبي بن كعب وحديث أبي سعيد الخدري وقال بعضهم في هذا الحديث كلنا سمعه وقد روى قوم هذا الحديث عن أبي سعيد عن أبي موسى وإنما هذا من النقلة باختلاط (أ) الحديث عليهم ودخول قصة أبي سعيد مع أبي موسى في ذلك والله أعلم كأنهم يقولون عن أبي سعيد عن قصة أبي موسى على نحو رواية عمر بن سلمة عن البهزي يريد عن قصة البهزي وقد أوضحنا هذا المعنى عند ذكر حديث البهزي في باب حديث يحيى بن سعيد من كتابنا هذا والحمد لله ومن أحسن طرق أبي سعيد الخدري في هذه القصة ما حدثناه (ب) أبو زيد عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا علي بن محمد بن مسرور قال حدثنا أحمد بن أبي سليمان قال حدثنا سحنون قال حدثنا ابن وهب قال أخبرنا عمر بن الحارث عن بكير بن الأشج ان بسر بن سعيد حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول كنا في مجلس أبي بن كعب فأتى أبو موسى مغضبا حتى وقف وقال أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الاستئذان ثلاث
191

فإن اذن لك والا فارجع قال أبي (أ) وما ذاك قال استأذنت على عمر أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئت اليوم فدخلت عليه فأخبرته إني جئت (ب) أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت قال قد سمعناك ونحن حينئذ على شغل فلو استأذنت حتى يؤذن لك قال استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك (ج) على هذا فقال أبي والله لا يقوم معك ألا أحدثنا سنا الذي يجيبك (د) قم يا أبا سعيد فقمت حتى أتيت عمر فقلت قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا قال ابن وهب وقال مالك الاستئذان ثلاث لا أحب أن يزيد أحد عليها الا من علم أنه لم يسمع فلا أرى باسا أن يزيد إذا استيقن انه لم يسمع قال وقال مالك الاستيناس فيما نرى والله أعلم الاستئذان حدثني (ه) أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله (و) بن محمد ببغداد قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا شعيب عن سعيد الجريري أنه سمع أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري قال
192

جاء أبو موسى (1) فاستأذن على عمر ثلاثا (أ) فلم يؤذن له فرجع فقال عمر لئن لم تأتني ببينة (ب) أو لأفعلن بك فأتي الأنصار فقال ألستم تعلمون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع قال فقالوا لا يشهد لك ألا أصغرنا قال أبو سعيد فأتيت فشهدت له قال علي وأخبرنا شعبة عن أبي سلمة سعيد بن يزيد سمع ابا نضرة يحدث عن أبي سعيد مثل ذلك أخبرنا عبد الله (ج) بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد (1454) بن جعفر بن مالك قال حدثنا (د) عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال إن أبا موسى استأذن على عمر قال واحدة ثنتين ثلاثا ثم رجع أبو موسى فقال له عمر لتأتين على هذا ببينة
193

أو لأفعلن بك (أ) كأنه يقول أجعله نكالا في الآفاق قال فانطلق أبو موسى إلى مجلس فيه الأنصار فذكر ذلك لهم فقال ألم تعلموا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فاليرجع قالوا بلى لا يقوم معك الا أصغرنا قال فقام أبو سعيد الخدري إلى عمر فقال هذا أبو سعيد فخلى عنه قال أبو عمر رواه معمر عن الجريري بإسناده فلم يأت بالقصة بتمامها ورواه عن أبي نضرة أيضا داود بن أبي هند ورواية أبي سلمة أحسن سياقه وأتم معنى حدثنا سعيد بن نصر و عبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم قال (ب) حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة (ج) قال حدثنا يزيد بن مروان قال أخبرنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال استأذن أبو موسى على عمر ثلاثا فلم يؤذن له فرجع فلقيه عمر فقال ما شأنك رجعت فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أستأذن ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع فقال لتأتين ببينة أو لأفعلن وأفعلن فأتي مجلس قومي (د) فناشدهم الله فقلت أنا أشهد معك فشهدت بذلك فخلى سبيله
194

وأما رواية من روى هذا الحديث عن أبي موسى الأشعري (فحدثني عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن غياث عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المستأذن ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو داود عن طلحة عن يحيى عن أبي بردة عن أبي موسى أنه أتى عمر فاستأذن (1) ثلاثا فقال استأذن أبو موسى استأذن الأشعري استأذن عبد الله بن قيس فلم يؤذن له فرجع فبعث اليه عمر فقال ما ردك فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستأذن أحدكم ثلاثا فإن أذن له والا فليرجع قال ايتني ببينة على هذا فقال هذا أبي فانطلقنا إلى عمر فقال نعم يا عمر لا تكن عذابا على أصحاب رسول الله فقال عمر لا أكون عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أ) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد اه
195

وحدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قالا حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن عطاء بن عبيد ابن عمير أن أبا موسى استأذن على عمر (1) ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع فقال ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس قالوا بلى قال فاطلبوه قال فدعى قال ما حملك على ما صنعت فقال استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت كما (أ) كنا نؤمر بهذا فقال لتأتين عليه بالبينة أو لأفعلن فأتي مجلس أو مسجد الأنصار فقالوا لا يشهد لك إلا أصغرنا فقام أبو سعيد فشهد له فقال عمر خفي على هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني عنه الصفق بالأسواق واللفظ لحديث عبد الله والمعنى سواء قال أبو عمر في هذا الحديث من الفقه إيجاب الاستئئذان وهو يخرج في تفسير قول الله عز وجل * (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) * ولا استيناس في هذا الموضع هو الاستئذان كذلك قال أهل التفسير وكذلك في قراءة أبي وابن عباس تستأذنوا وتسلموا على أهلها
196

(أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل أبو جعفر الصائغ قال حدثنا عفان قال حدثني ثابت بن يزيد قال حدثنا عاصم الأحول عن عكرمة قال في قراءة أبي بن كعب حتى تسلموا أو تستأذنوا قال وتعلم منه ابن عباس) (أ) وفيه ان السنة في الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها ويحتمل أن يكون ذلك على معنى الإباحة والتخفيف على المستأذن فمن استأذن أكثر من ثلاث مرات لم يحرج والله أعلم (وقال بعض أهل العلم ان الاستئذان ثلاث مرات مأخوذ من قول الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات) * قال يريد ثلاث دفعات فورد القرآن في الممالك والصبيان وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجميع قال أبو عمر ما قاله من هذا فإنه غير معروف عن العلماء في تفسير الآية التي نزع بها والذي عليه جمهورهم في قوله فيها ثلاث مرات أي في ثلاثة أوقات يدل على صحة هذا القول ذكره فيها من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثبابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء وللكلام في هذه لآية موضع غير هذا) (ب) وجاء في هذا
197

الحديث عن أبي موسى أنه قال استئذانه يومئذ بأن قال يستأذن عبد الله بن قيس يستأذن أبو موسى ونحو هذا قال أبو عمر وفيه ان الرجل العالم الحبر قد يوجد عند من هو دونه في العلم ما ليس عنده من العلم إذا كان طريق ذلك العلم السمع و (وإذا جاز مثل هذا على عمر على موضعه في العلم فما ظنك بغيره بعده وروى وكيع عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال لو أن علم عمر وضع في كفة ووضع علم أحياء الأرض في كفة أخرى لرجح علم عمر بعلمهم قال الأعمش فذكرت ذلك لإبراهيم فقال لا تعجب من هذا فقد قال عبد الله إني لاحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر وجاء عن حذيفة مثل قول عبد الله) (أ) قال أبو عمر زعم قوم ان في هذا الحديث دليلا على أن مذهب عمر ان لا يقبل خبر الواحد وليس كما زعموا لأن عمر رضي الله عنه قد ثبت عنه استعمال خبر الواحد وقبوله وإيجاب الحكم به أليس هو الذي ناشد الناس بمنى من كان عنده علم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية فليخبرنا وكان رأيه ان المراة لا ترث من دية زوجها لأنها ليست من عصبته الذين يعقلون عنه فقام
198

الضحاك (1455) بن سفيان الكلاب (أ) فقال كتب إلى (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها وكذلك ناشد الناس في دية الجنين من عنده فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره حمل بن مالك بن النابغة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى (2) فيه بغرة عبد أو أمة فقضى به
عمر ولا يشك ذو لب ومن له أقل منزلة (ب) في العلم ان موضع أبي موسى من الاسلام ومكانه من الفقه (ج) والدين أجل من أن يرد خبره ويقبل خبر الضحاك ابن سفيان الكلابي وحمل بن مالك الاعرابي وكلاهما لا يقاص به في حال وقد قال له عمر في حديث ربيعة هذا (د) أما إني لم أتهمك ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل على اجتهاد كان من عمر رحمه الله في ذلك الوقت
199

لمعنى الله أعلم به وقد يحتمل أن يكون عمر رحمه الله كان عنده في ذلك الحين من لم يصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل العراق وأهل الشام لأن الله فتح عليه أرض فارس والروم ودخل في الاسلام كثير ممن يجوز عليهم الكذب لأن الايمان لم يستحكم في قلوب جماعة منهم وليس هذه صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله قد اخبر أنهم خير أمة أخرجت للناس وأنهم (أ) أشداء على الكفار رحماء بينهم وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه وإذا جاز الكذب وأمكن في الداخلين إلى الاسلام فيمكن أن يكون عمر مع احتياطه في الدين يخشى ان يختلقوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند (ب) الرهبة والرغبة أو طلبا للحجة وفرارا إلى الملجأ والمخرج مما دخلوا فيه لقلة علمهم بما في ذلك عليهم فأراد عمر أن يريهم أن من فعل شيئا ينكر عليه ففزع إلى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليثبت له بذلك فعله وجب التثبت فيما جاء به إذا لم تعرف حاله حتى يصح قوله فأراهم ذلك ووافق أبا موسى وان كان عنده معروفا بالعدالة غير متهم ليكون ذلك أصلا عندهم وللحاكم ان يجتهد بما أمكنه إذا أراد به الخير ولم يخرج عما أبيح له والله أعلم بما أراد عمر بقوله ذلك لأبي موسى وعلى هذا قول طاوس قال (ج) كان الرجل إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حتى يجيء ببينة والا عوقب يعني ممن
200

ليس بمعروف بالعدالة ولا مشهور بالعلم والثقة الا ترى إلى اجماع المسلمين ان العالم إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مشهورا بالعلم أخذ ذلك عنه ولم ينكر عليه ولم يحتج إلى بينة ومن نحو قول طاوس هذا قول سعد (أ) بن إبراهيم رحمه الله لا يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الا الثقات أي (ب) كل من إذا وقف أحال على مخرج صحيح وعلم ثابت وكان مستورا (ج) لم تظهر منه كبيرة وأما قول من قال إن عمر لم يعرف أبا موسى فقول خرج عن غير روية ولا تدبر ومنزلة أبي موسى عند عمر مشهورة وقد عمل له وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاملا وساعيا على بعض الصدقات وهذه منزلة رفيعة في الثقة والأمانة وفي قول عمر رحمه الله في حديث عبيد 1456) بن عمير الذي ذكرناه في هذا الباب خفي على هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهاني عنه الصفق في الأسواق اعتراف منه بجهل ما لم يعلم وانصاف صحيح وهكذا (د) يجب على كل مؤمن
201

وفي قوله الهاني عنه الصفق بالأسواق دليل على أن طلب الدنيا يمنع من استفادة العلم وإن كل ما ازداد (أ) المرء طلبا لها ازداد جهلا وقل عمله والله أعلم ومن هذا قول أبي هريرة اما اخواننا المهاجرون فكان يشغلهم الصفق بالأسواق وأما اخواننا من الأنصار فشغلتهم حوائطهم ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شبع بطني هذا وكان القوم عربا في طبعهم الحفظ وقلة النسيان فكيف اليوم وإذا كان القرآن الميسر للذكر كالإبل (1) المعقلة من تعاهدها أمسكها فكيف بسائر العلوم والله اسئله علما نافعا وعملا متقبلا ورزقا واسعا لا شريك له ومن أحسن حديث يروى في كيفية الاستيذان ما حدثنا سعيد ابن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال اتساذن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام على رسول الله السلام عليكم أيدخل عمر
202

وروى منصور عن ربعي بن حراش عن رجل من بني عامر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له قل (أ) السلام (1) آدخل (وقد ذكر ابن وهب قال أخبرني عمر بن الحارث عن أبي الزبير عن عمر مولى آل عمر أنه حدثه أنه دخل على عبد الله ابن عمر بمكة قال وقفت على الباب فقلت السلام عليكم ثم دخلت فنظر في وجهي ثم قال اخرج ثم قلت السلام عليكم آدخل قال ادخل الان من أنت قلت رجل من مصر قال وقال ابن جريج قلت لعطاء كان يقال إذا استأذن الرجل ولم يسلم فلا يؤذن له حتى يأتي بمفتاح قلت السلام قال نعم قال أبو عمر تهذيب هذه الآثار كلها على ما جاء في حديث ابن عباس السلام عليكم أيدخل عمر فمن سلم ولم يقل آدخل أو يدخل فلان أو قال ادخل أو يدخل فلان ولم يسلم فليس بأذن يستحق به أن يؤذن له والله أعلم وقد أخبرنا ابن عباس ان الاستئذان ترك العمل به الناس وأظن ذلك لقرع الأبواب اليوم والله أعلم حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي قال حدثنا الدراوردي
203

عن عمرو (1457) بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الناس (1) ليس لبيوتهم ستور ولا حجال (2) فأمرهم الله بالاستئذان ثم جاءهم الله بالستور والخير فلم أر أحدا يعمل بذلك بعد وقد أوضحنا هذا المعنى في باب صفوان بن سليم والحمد لله) (أ)
204

وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم (على جابر حين دق على رسول الله صلى الله عليه وسلم الباب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم) (أ) من فقال جابر أنا فأنكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أنا أنا مرتين أو ثلاثا انكارا لذلك ورواه شعبة وغيره عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنه ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في دين أبيه قال فدققت (1) الباب فقال من هذا قلت أنا قال أنا أنا فكرهه =
205

حديث عاشر لربيعة منقطع يتصل من وجوه صحاح مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال قدم على أبي بكر الصديق مال من البحرين فقال من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم واي أو عدة فليأت فجاء جابر بن عبد الله فحفن له ثلاث حفنات هذا الحديث يتصل من وجوه ثابتة عن جابر رواه عنه جماعة منهم أبو جعفر محمد بن علي ومحمد بن المنكدر و عبد الله بن محمد بن عقيل وأبو الزبير والشعبي وسنذكر وجوه (أ) هذا الحديث وطرقه بعد الفراغ من القول في معانيه إن شاء الله وفيه من الفقه ان العدة واجب الوفاء بها وجوب سنة وكرامة وذلك من اخلاق أهل الايمان وقد جاء في الأثر وأي المؤمن (1) واجب أي واجب (ب) في اخلاق المؤمنين
206

وإنما قلنا إن ذلك ليس بواجب فرضا لاجماع الجميع على أن من وعد بمال ما كان لم يضرب به مع الغرماء كذلك قلنا (إيجاب الوفاء به حسن في المروءة) (أ) ولا
يقضى به ولا أعلم خلافا ان ذلك مستحسن يستحق صاحبه الحمد والشكر على الوفاء به ويستحق على الخلف في ذلك الذم وقد أثنى الله عز وجل على من صدق وعده ووفى بنذره وكفى بهذا مدحا وبما خالفه ذما (ولم تزل العرب تمدح بالوفاء وتذم بالغدر والخلف وكذلك سائر الأمم والله أعلم قال سابق بن خديم
* متى ما يقل حر لطالب حاجة نعم يقضها والحر للوأي ضامن
* والوأي العدة ولما كان هذا من مكارم الأخلاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بها وأنذرهم إليها وكان أبو بكر خليفته أدى ذلك وقام فيه مقامة في الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيمه) (ب) وقد اختلف الفقهاء فيما يلزم من العدة وما لا يلزم منها وكذلك اختلفوا في تأخير الدين الحال هل يلزم أم لا يلزم وهو من هذا الباب فقال مالك وأصحابه من أقرض رجلا مالا دناينر أو دراهم أو شيئا مما يكال أو يوزن وغير ذلك إلى
207

أجل أو منح منحة أو أعار عارية أو أسلف سلفا كل ذلك إلى أجل ثم أراد الانصراف في ذلك وأخذه قبل الاجل لم يكن ذلك له لأن هذا مما يتقرب به إلى الله عز وجل وهو من باب الحسبة قال أبو عمر ومن الحجة لمالك رحمه الله في ذلك عموم قوله تعالى * (وأوفوا بالعهد) * وقوله عليه السلام كل معروف صدقة وأجمعوا أنه لا يتصرف في الصدقات وكذلك سائر الهبات) (أ) قال مالك وأما العدة مثل ان يسأل الرجل الرجل أن يهب له الهبة فيقول له نعم ثم يبدو له أن لا يفعل فما أرى ذلك يلزمه قال مالك ولو كان ذلك في قضاء دين فسأله ان يقضيه عنه فقال نعم وثم رجال يشهدون عليه فما أحراه ان يلزمه إذا شهد عليه اثنان وقال ابن القاسم إذا وعد الغرماء فقال أشهدكم إني قد وهبت لهذا من أين يؤدى إليكم فإن هذا يلزمه وأما ان يقول نعم أنا أفعل ثم يبدو له فلا أرى ذلك عليه وقال سحنون الذي يلزمه من العدة في السلف والعارية أن يقول للرجل (ب) اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبنيها به أو اخرج إلى الحج (ج) وأنا أسلفك ما يبلغك أو اشتر سلعة كذا أو تزوج وأنا أسلفك ثمن السلعة وصداق المرأة وما أشبهه مما
208

يدخله فيه وينشبه به فهذا كله يلزمه قال وأما أن يقول أنا أسلفك وأنا أعطيك بغير شيء يلزم المأمور نفسه فإن هذا لا يلزمه منه شيء قال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي وعبيد الله (أ) بن الحسين وسائر الفقهاء اما العدة فلا يلزمه منها شيء لأنها منافع لم يقبضها في العارية لأنها طارئة وفي غير العارية أشخاص وأعيان موهوبة لم تقبض ولصاحبها الرجوع فيها وأما القرض فقال أبو حنيفة وأصحابه سواء كان القرض إلى أجل أو إلى غير أجل له أن يأخذه متى أحب وكذلك العارية وما كان مثل ذلك كله ولا يجوز تأخير القرض البتة بحال ويجوز عندهم تأخير المغصوب (وقيم المستهلكات الا زفر فإنه قال لا يجوز التأجيل في القرض ولا في الغصب) (ب) واضطرب قول أبي يوسف في هذا الباب وقال الشافعي إذا أخره بدين حال فله أن يرجع متى شاء وسواء كان من قرض أو غير قرض أو من أي وجه كان وكذلك العارية وغيرها لأن ذلك من باب العدة والهبة غير المقبوضة وهبة ما لم يخلق قال أبو عمر في هذا الحديث أيضا دليل على أن يقضي الانسان عن غيره
209

بغير اذنه فيبرا وان الميت يسقط عنه ما كان عليه بقضاء من قضى عنه والله أعلم قال أبو عمر أما الآثار المتصلة في معنى حديث ربيعة فحدثنا خلف بن قاسم الحافظ قراءة مني عليه ان أبا أحمد الحسين بن جعفر الزيات حدثهم قال حدثنا يوسف (1458) بن يزيد القراطيسي قال حدثنا حجاج (1459) بن إبراهيم قال حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر قال سمعت جابر بن عبد الله قال سفيان وحدثني عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن جابر بن عبد الله (1) يزيد أحدهما على الاخر قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قدم (1) مال من البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا (ب) (فما قدم مال من البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم) (أ) فلما قدم مال من البحرين قال أبو بكر
210

من كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتنا قال جابر فأتيت أبا بكر فقلت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدني إذا قدم مال من البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا قال فحثى لي أبو بكر حثية (1) ثم قال لي (ب) عدها فإذا هي خمسمائة قال خذ مثلها مرتين وزاد فيه ابن المنكدر (ج) ثم أتيت أبا بكر بعد ذلك فردني فسألته فردني فقلت في الثالثة سألتك مرتين فلم تعطني قال إنك لم تأتني مرة الا وأنا أريد أن أعطيك وأي داء أدوأ من البخل اه وحدثني أبو عبد الله محمد بن رشيق رحمه الله قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم الخراساني قال حدثنا بكر (1460) بن محمد بن حمدان قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا مقاتل بن إبراهيم قال حدثنا نوح (1461)
211

ابن أبي مريم عن أبي الزبير عن جابر قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو جاءنا مال لحثيت لك ثم حثيت لك ثم حثيت لك قال فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت أبا بكر فحدثته فقال ونحن لو جاءنا مال لحثيت لك ثم حثيت لك ثم حثيت لك قال فأتي مال فحثي لي ثم حثى لي ثم حثى لي ثم قال ليس لي عليك فيه صدقة حتى يحول الحول فوزنها فكانت (أ) ألفا وخمسمائة درهم وحدثنا محمد بن إبراهيم وإبراهيم بن شاكر قالا حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب الرقى قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار قال حدثنا محمد (1462) بن جابر قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا مجالد (1463) عن الشعبي عن جابر قال لما قتل أبي دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتحب الدراهم
212

فقلت نعم قال لو جاءني مال لأعطيتك هكذا وهكذا قال فمات رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان يعطيني فلما استخلف أبو بكر أتاه مال من البحرين فقال خذ كما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت ورواه سعيد بن سليمان سعدويه عن فليح بن سليمان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر نحوه بمعناه (وذكر أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد عمرو ابن العاص حين بعثه إلى المنذر بن ساوى ان يستعمله على صدقات معد فلما قدم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله عليها أبو بكر انفاذا لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم) (أ) =
213

حديث حادي عاشر لربيعة منقطع متصل من وجوه شتى مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أنه قدم من سفر فقدم اليه أهله لحما فقال انظروا أن
يكون هذا من لحوم الأضاحي فقالوا هو منها فقال أبو سعيد ألم (أ) يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها فقالوا أنه قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدك (ب) فيها أمر فخرج أبو سعيد فسأل عن ذلك فأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا وتصدقوا وادخروا ونهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا وكل مسكر حرام ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا (1) يعني لا تقولوا سواء سوء قال أبو عمر لم يسمع ربيعة من أبي سعيد الخدري وهذا الحديث يتصل من غير حديث ربيعة ويستند (ج) إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق حسان من حديث علي بن أبي طالب وأبي سعيد
214

وبريدة الأسملي وجابر وأنس وغيرهم وهو حديث صحيح وفيه من الفقه ترك الاقدام على ما في النفس منه شك حتى يستبرا ذلك بالسؤال والبحث والوقوف على الحقيقة وفيه ان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الناسخ والمنسوخ كما في كتاب الله عز وجل وهذا إنما يكون في الأوامر والنواهي من الكتاب والسنة وأما في الخبر عن الله عز وجل أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز النسخ في الاخبار البتة بحال لأن المخبر عن الشيء أنه كان أو يكون إذا رجع عن ذلك لم يخل من السهو أو الكذب وذلك لا يعزى إلى الله ولا إلى رسوله فيما يخبر به عن ربه في دينه وأما الأمر والنهي فجائز عليهما النسخ للتخفيف ولما شاء الله من مصالح عباده وذلك من حكمته لا اله إلا هو وقد أنكر قوم من الروافض والخوراج النسخ في القرآن والسنة وضاهوا في ذلك قول اليهود ولو امعنوا النظر لعلموا أن ذلك ليس من باب البداء (أ) كما زعموا ولكنه من باب الموت بعد الحياة والكبر بعد الصغر والغنى بعد الفقر إلى أشباه ذلك من حكمة الله تعالى ولكن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء وليس هذا موضع الكلام في هذا المعنى لئلا نخرج عما قصدناه وفيه أن النهي حكمه إذا ورد ان يتلقى باستعمال ترك ما نهى عنه والامتناع منه وان النهي محمول على الحظر والتحريم
215

والمنع حتى يصحبه دليل من فحوى القصة والخطاب أو دليل من غير ذلك يخرجه من هذا الباب إلى باب الارشاد والندب وفيه ان الاخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخ لما تقدم منه إذا لم يمكن استعماله وصح (أ) تعارضه ولذلك لا خلاف علمته من العلماء في إجازة أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وقبل ثلاث وان النهي عن ذلك منسوخ على ما جاء في هذا الحديث لا خلاف بين فقهاء المسلمين في ذلك وقد روت عمرة عن عائشة بيان العلة في النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وان ذلك إنما كان محبة في الصدقة من أجل الدافة التي كانت قد دفت عليهم يعني الجماعة من الفقراء القادمة عليهم وروى ذلك مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة وسنذكره في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد ابن بكر قال حدثنا سليمان بن الأشعث قال حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا خالد الحذاء عن أبي المليح عن نبيشة (1464) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
216

عليه وسلم إنا كنا نهيناكم (أ) عن لحومها (1) ان تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم فقد جاء الله بالسعة فكلوا وادخروا وائتجروا (2) ألا وأن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل قال أبو عمر هكذا في حديث نبيشة الخير عن النبي صلى الله عليه وسلم فكلوا وادخروا وائتجروا ومعناه اتخذوا الاجر فيما تتصدقون به منها يبين ذلك حديث عمرة عن عائشة المتقدم ذكره فيه فكلوا وتصدقوا وادخروا (ومعناهما عندي واحد والله أعلم 0 وأما قوله فكلوا وتصدقوا وادخروا) (ب) على لفظ الأمر فإن معناه الإباحة لا الايجاب وهكذا (ج) كل أمر يأتي في الكتاب والسنة بعد حظر ومنع تقدمه فمعناه الإباحة لا غير ألا ترى أن الصيد لما حظر على المحرم ومنع منه ثم قيل له بعد أن حل اصطد إذا (د) حللت كان ذلك إباحة له في الاصطياد
217

لا ايجابا لذلك عليه قال الله عز وجل * (وإذا حللتم فاصطادوا) * ومثل ذلك * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) * وهو كثير في القرآن والسنة والحمد لله وهذا أصل جسيم في العلم فقف عليه وإذا كان هذا كما ذكرنا فجائر للمضحي أن يأكل أضحيته كلها وجائز أن يتصدق بها كلها وجائز أن يدخر وأن لا يدخر وعلى هذا جماعة العلماء الا انهم يستحبون للمضحي أن يأكل ويتصدق ويكرهون له أن لا يتصدق منها بشيء وكان الشافعي رحمه الله يستحب ان يأكل من أضحيته ثلثها ويتصدق بثلث ويدخر ثلثا على ما جاء في الحديث وكان غيره يستحب ان يتصدق بنصف ويأكل نصفا لقول الله في البدن * (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر) * وأما مالك رحمه الله فلم يحد في ذلك حدا (أ) وكان يستحب ان يأكل منها ويتصدق من غير أن يحد في ذلك حدا حدثني أحمد بن عمر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا معن بن عيسى عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية (1465) عن جبير بن نفير عن ثوبان قال
218

ذبح (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحيته ثم قال يا ثوبان اصلح لحم هذه الأضحية فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة ففي هذا الحديث ادخار لحم الأضحية وفيه الضحية في السفر وأما قوله ونهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا وكل مسكر حرام فإن ذلك عند أهل العلم محمول على أن النهي عنها معناه (أ) لسرعة الشدة فيها ولهذا ثبت على كراهية الانتباذ فيها جماعة من العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الناسخ وكل مسكر حرام وكرهوا الانتباذ فيها خوفا من موافقة المسكر والله أعلم فإن انتبذ أحد في شيء منها ولم يشرب مسكرا فلا حرج عليه والأوعية التي نهى عن الانتباذ هي الدباء (2) والنقير (3) والحنتم (4) والمزفت (5) والمقير والجر وما كان مثلها
219

وبذكر هذه الأوعية وردت الآثار في كراهية النبيذ (أ) فيها وكان عبد الله بن عمر و عبد الله بن عباس لا يريان الانتباذ (ب) في شيء منها بحال لما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عنها إن وعن نبيذ الجر وكان ابن عباس يقول الجر كل ما يصنع من مدر وكانا لا يجيزان النبيذ الا في الجلود بعضهم يقول اسقية الادم وبعضهم يقول الجلد المؤكأ عليه ونحو هذا وابن عباس هو الذي روى حديث وفد عبد القيس وفيه النهي عن الشرب في الدباء والنقير والمقير وبعضهم يقول المزفت والحنتم وفي ذلك الحديث أنهم قالوا يا رسول الله أرأيت ان اشتد في الأسقية قال فصبوا عليه الماء قالوا يا رسول الله فقال لهم في الثالثة أو الرابعة اهرقوه ثم قال إن الله حرم الخمر والميسر وكل مسكر حرام قال أبو عمر ففي هذا الحديث دليل على أن النهي عن ذلك خشية مواقعة الحرام والله أعلم وإذا كان ذلك كذلك فواجب أن تكون
الكراهية باقية على كل حال لأن الخشية أبدا غير مرتفعة ويكون على هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم فانتبذوا فيما بدا لكم كشفا عن المراد لا انه نسخ أباح فيه ما حرم قبل هذا ما يحضرني من التأويل فيه وبالله التوفيق
220

ومما يدل على أن الوجه ما ذكرنا ما خرجه أبو داود عن مسدد عن يحيى القطان عن الثوري عن منصور عن سالم ابن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال لما نهى (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية قالت الأنصار أنه لا بد لنا قال فلا إذا وهذا حديث صحيح ويدل على ذلك أيضا اختلاف الفقهاء في هذا الباب مع علمهم بهذا الحديث وروايتهم له وذكر ابن القاسم عن مالك أنه كره الانتباذ في الدباء والمزفت ولا يكره غير ذلك قال أبو عمر هذا لما خشي (أ) من سرعة الفساد إلى النبيذ في هذين الظرفين والله أعلم وكره الثوري الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت وقال الشافعي لا أكره من الأنبذة إذا لم يكن الشراب يسكر شيئا بعد ما سمى في الآثار من الحنتم والنقير والدباء والمزفت قال أبو عمر قد أحاط علمنا بأن مالكا والثوري والشافعي رووا الآثار الناسخة المذكورة في هذا الباب وعنهم رويناها فلا وجه
221

لكراهيتهم الانتباذ في هذه الأوعية مع سرعتهم إلى القول بما صح عندهم من الآثار المسندة (1) الا ما ذكرنا وبالله التوفيق وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس بالانتباذ في جميع الأواني وحجتهم الآثار التي ذكر فيها النسخ لما قبلها ورووا عن إنس أنه كان ينبذ له في جرة خضراء وهو أحد من روى النهي عن نبيذ الجر فدل ذلك على أنه منسوخ فأما الآثار في هذا الباب فحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا فليح بن سليمان عن محمد (1466) بن عمرو العتواري قال حدثني أبي ان عبد الله بن عمر مر به فقال له أين أصبحت غاديا يا أبا عبد الرحمن قال أردت أبا سعيد الخدري قال فانطلقت معه فقال له ابن عمر يا أبا سعيد ما حديث بلغني عنك (ب) انك تحدث به (ج) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحوم الأضاحي وادخارها بعد ثلاث (وفي زيارة القبور وفي الأنبذة فقال أبو سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي وادخارها بعد ثلاث) (د) فقد جاء الله بالسعة فكلوا وادخروا ما بدا لكم وكنت نهيتكم عن
222

زيارة القبور فإن زرتموها فلا تقولوا هجرا ونهيتكم عن الأنبذة فاشربوا كما بدا لكم وكل مسكر حرام (وأما حديث علي بن أبي طالب فسنذكره بعد في هذا الباب وأما حديث ابن مسعود) (أ) فروى واسع بن حبان عن أبي سعيد عن النبي عليه السلام نحوه وأخبرني أحمد بن محمد قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن زيد قال حدثنا فرقد (1467) السبخي (ب) قال حدثنا جابر بن يزيد عن مسروق عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت نهيتكم (1) عن زيارة القبور وانه قد اذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزرورها تذكركم الآخرة ونهيتكم عن هذه الأوعية وان الأوعية لا تحل شيئا منها ولا تحرمه فاشربوا فيها ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فاحبسوا ما بدا لكم
223

وأخبرني عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا معرف (1468) بن واصل عن محارب (1469) بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيتكم (1) عن ثلاث وإني آمركم بهن عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة ونهيتكم عن الأشربة ان تشربوا الا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا ونهيتكم عن لحوم الأضاحي ان تأكلوها بعد ثلاث فكلوا واستمتعوا بها في أسفاركم وروى الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (أ) (قال كنت
224

نهيتكم عن زيارة القبور فقد اذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها ما بدا لكم فإنها تذكر الآخرة ونهيتكم عن لحوم الأضاحي ان تأكلوها فوق ثلاث وإنما أردنا بذلك ان يوسع أهل السعة على من لا سعة له فكلوا مما بدا لكم ونهيتكم عن الظروف وان الظروف لا تحل شيئا ولا تحرمه وكل مسكر حرام) (أ) قال أبو عمر قدم تقدم القول في أن هذا القول إباحة فمن شاء انتبذ ومن شاء لم ينتبذ ومن شاء زار القبور ومن لم يشأ لم يزر وروى عبد الرحمن بن جابر عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت نهيتكم ان تنتبذوا في الدباء والحنتم والمقير والمزفت فانبتذوا ولا أحل مسكرا وروى أبو بردة (ب) (1470) بن نيار عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو نحوه
225

وقال عبد الله بن المغفل شهدت (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى عن نبيذ الجر وشهدته حين أمر بشربه فقال اجتنبوا المسكر أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال حدثنا أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان قال حدثنا محمد بن العباس قال حدثنا ابن الطائفي قال حدثنا زهير بن عباد قال حدثني ضمرة عن عثمان (1471) بن عطاء عن أبيه عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحل نبيذ الجر بعد أن حرمه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا حجاج بن منهال وسليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن ربيعة (1472) بن النابغة عن أبيه عن علي بن أبي طالب
226

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت نهيتكم عن الأوعية فانتبذوا (1) فيم بدا لكم وأياكم والمسكر فكل مسكر حرام ونهيتكم عن زيارة القبور فإن زرتموها فلا تقولوا هجرا وحدثنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل الخفاف قال حدثنا عبد الملك بن محمد الدقاق قال حدثنا محمد (1473) بن سهل بن عسكر قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم (1) عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة ونهيتكم عن نبيذ الجر فانتبذوا في كل وعاء واجتنبوا كل مسكر ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث وكلوا وادخروا وتزودوا وحدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم ابن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا شريك بن عبد الله عن سماك بن حرب عن ابن بريدة عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
227

نهى عن زيارة القبور ولحوم (أ) الأضاحي ان تحبس فوق ثلاث وعن الدباء والحنتم والنقير (1) والمزفت ثم أني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فكلوا وأطعموا وادخروا ونهيتكم عن الظروف فانتبذوا فيما بدا لكم واجتنبوا كل مسكر (وروى محمد بن إسحاق عن سلمة بن كهيل عن ابن بريدة عن أبيه ان النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الظروف بعد أن نهى عنها وانفرد به محمد بن إسحاق عن سلمة بن كهيل وليس لسلمة عن ابن بريدة غير هذا الحديث قال أبو عمر احتج بعض من أجاز شرب النبيذ الصلب بأحاديث هذا الباب وقالوا هذه الأحاديث تدل على أن الذي نهى عنه من شرب النبيذ هو ما أسكر شاربه منه وما لم يسكره فليس بحرام عليه قالوا والمسكر مثل المحنتم من الأطعمة والمبشم (2) والموخم (3) والمشبع وهو ما أشبع من الأطعمة واتخم ولا يقال لمن أكل لقمة واحدة أكل ما يتخمه ويشبعه وأكثروا من القول في هذا المعنى مما لا وجه لإيراده يراده ها هنا
228

وقالوا قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشربوا في الطروف كلها ولا تسكروا بعد ان كان نهاهم عن الانتباذ في بعضها قالوا ومحال ان يقول رسول الله اشربوا ما لا يسكر قليلة ولا كثيرة وإياكم ان تسكروا لأن هذا غير جائز أن يضاف مثله اليه لأن الحلو الذي لا يسكر كثيره ولا قليله ليس يقال في مثله اشرب منه ولا تسكر واتوا بضروب من خطا القول والتعسف في الاحتجاج بما لا يلزم وفي قوله صلى الله عليه وسلم كل مسكر (1) خمر وكل خمر حرام وما أسكر كثيره فقليله حرام ما يرفع الأشكال فيما ذكروه ويوهم ان النهي عن شرب قليل الجنس من المسكر وكثيره لا عن الفعل من فعل الشارب وخرج القول في نبيذ الظروف على خوف الشدة فيه على ما وصفنا وقد بينا هذا المعنى في باب (2) اسحق) (أ) وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ونهيتكم عن زيارة
229

القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا فإن العلماء اختلفوا في ذلك على وجهين أحدهما ان الإباحة في (أ) زيارة القبور إباحة عموم كما كان النهي عن زيارتها نهي عموم ثم ورد النسخ بالإباحة على العموم فجائز للنساء والرجال زيارة القبور على ظاهر هذا الحديث لأنه لم يستثن فيه رجلا ولا امرأة اه حدثني خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا أبو علي سعيد ابن السكن قال حدثنا يحيى (1474) بن محمد بن صاعد قال حدثنا حميد (1475) بن الربيع الخزاز قال حدثنا يحيى (1476) ابن اليمان قال أخبرنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم زار قبر (1) أمه في الف مقنع قال فما رأيت يوما كان أكثر باكيا من يومئذ
230

قال أبو علي قال لي ابن صاعد كان حميد لا يحدث بهذا الحديث إلا في كل سنة مرة (قال أبو عمر) زعم قوم ان يحيى بن اليمان انفرد بهذا الحديث لأن سائر أصحاب الثوري يروونه عن الثوري عن علقمة مرسلا والذي قال أن حميد بن الربيع انفرد بتوصيله لأن البزار ذكره قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال حدثنا يحيى ابن اليمان عن سفيان عن علقمة مرسلا وذكره البزاز أيضا عن حميد بن الربيع متصلا كما ذكرنا) (أ) وقال آخرون إنما اقتضت الإباحة زيارة القبور للرجال والنساء فجائز للرجال زيارة القبور وغير جائز ذلك للنساء لما خصص في ذلك واحتجوا لما ذهبوا اليه مما ذكرنا عنهم بحديث ابن عباس عن النبي عليه السلام وهو ما حدثناه أبو القاسم خلف بن (ب) القاسم قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبيد بن آدم ابن أبي إياس قال حدثنا أبو معن ثابت بن نعيم قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا شعبة عن محمد (1477) بن
231

جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس قال لعن (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم الزائرات للقبور والمتخذين عليها المساجد والسرج (2) وحدثنا أبو القاسم عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج وحدثناه محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد الوارث عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن ابن عباس فذكره سواء قال أبو عمر ممكن أن يكون هذا قبل الإباحة وتوقى ذلك للنساء المتجالات أحب إلى فأما الشواب فلا تؤمن الفتنة عليهن وبهن حيث
232

خرجن ولا شيء للمرأة أفضل من لزوم قعر بيتها ولقد كره أكثر العلماء خروجهن إلى الصلوات فكيف إلى المقابر وما أظن سقوط فرض الجمعة عنهن الا دليلا على أمساكهن عن الخروج فيما عداها والله أعلم واحتج من أباح زيارة القبور للنساء بما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الحسن (أ) بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا محمد بن المنهال قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا بسطام ابن مسلم عن أبي التياح يزيد بن حميد عن عبد الله بن أبي مليكة إن عائشة أقبلت (1) ذات يوم من المقابر فقلت لها يا أم المؤمنين من أين أقبلت قالت من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت لها أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور قالت نعم كان نهى عن زيارتها ثم أمر بزيارتها قال أبو بكر وحدثنا قبيصة قال حدثنا سفيان بن جريج عن ابن أبي مليكة قال زارت عائشة قبر أخيها في هودج قال أبو بكر وحدثنا مسدد قال حدثنا نوح (1478) بن
233

دراج عن أبان (1479) بن تغلب (أ) عن جعفر بن محمد قال كانت (1) فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة قال أبو بكر وسمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسئل عن المرأة تزور القبر فقال أرجو إن شاء الله أن لا يكون به بأس عائشة زارت قبر أخيها قال ولكن حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور ثم قال هذا أبو صالح ماذا كأنه يضعفه ثم قال أرجو إن شاء الله عائشة زارت قبر أخيها قيل لأبي عبد الله فالرجال قال أما الرجال فلا بأس به قال أبو عمر قد روى حديث لعن زوارات القبور من غير رواية أبي صالح ومن غير حديث ابن عباس حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا عبد الملك بن بحر قال حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا العباس بن الوليد قال حدثنا أبو عوانة عن عمر
234

ابن أبي سلمة عن أبيه (أ) عن أبي هريرة قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات (1) القبور (وبه عن موسى بن هارون) (ب) قال حدثنا العباس بن الوليد قال حدثنا عبد الجبار (1480) بن الورد قال سمعت ابن أبي مليكة يقول ركبت عائشة فخرج الينا (ج) غلامها فقلت أين ذهبت أم المؤمنين قال ذهبت إلى قبر
أخيها (عبد الرحمن تسلم عليه) (د)
235

حديث ثاني عشر لربيعة مرسل مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع (أ) لبلال (1481) ابن الحارث المزني معادن القبلية (1) وهي من ناحية الفرع (2) فتلك المعادن لا يؤخذ منها (إلى اليوم الا الزكاة) (ب) هكذا هو في
236

الموطأ عند جميع الرواة مرسلا ولم يختلف فيه عن مالك وهذا الحديث رواه الدراوردي عن ربيعة بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه حدثنا إبراهيم بن شاكر ومحمد بن إبراهيم قالا حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا يوسف بن سليمان قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة فذكره ورواه كثير (1482) بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام وكثير مجتمع على ضعفه لا يحتج بمثله (ذكره البزار ولفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية جلسيها وغوريها (1) وحيث يصلح الزرع من مدهن ولم يعطه حق مسلم
237

رواه أبو يونس عن كثير عن أبيه عن جده وعن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس وليس يرويه عن أبي (1483) أويس عن ثور وانفرد أبو سبرة المدني عن مطرف عن مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن بلال بن الحارث بمثله سواء ولم يتابع أبو سبرة على هذا الاسناد) (أ) وإسناد ربيعة فيه صالح حسن وهو حجة لمالك ومن ذهب مذهبه في المعادن واختلف العلماء فيما يخرج من المعادن (فقال مالك لا شيء فيما يخرج من المعادن) (ب) غير الذهب والفضة ولا شيء فيما يخرج منها من الذهب والفضة حتى يكون الذهب عشرين مثقالا والفضة مائتي درهم فيجب فيها الزكاة مكانها (ج) وما زاد فبحساب (د) ذلك ما دام في المعدن نيل
238

فإن انقطع ثم جاء بعد ذلك نيل فإنه يتبدا (أ) فيه مقدار الزكاة مكانه قال والمعدن بمنزلة الزرع لا ينتظر به حول قال وما وجد في المعدن من الذهب والفضة من غير كبير عمل فهو بمنزلة الركاز فيه الخمس قال والمعدن في أرض العرب والعجم سواء قال والمعدن في أرض الصلح لأهلها لهم ان يصنعوا فيها ما شاءوا ويصالحون لمن أذنوا (ب) له فيه على ما شاءوا من خمس أو غيره قال وما افتتح عنوة فهو إلى السلطان يصنع بها ما شاء واختلف قول الشافعي فيما يخرج من المعادن فمرة يقول (ج) بقول مالك في ذلك ومرة يقول (د) بما يخرج منها فائدة يستأنف بها حول وهو قول الليث بن سعد وقال الأوزاعي في ذهب المعدن وفضته الخمس ولا شيء فيما يخرج منه غيرهما وقال أبو حنيفة وأصحابه في الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص الخمس واختلف قوله أعني أبا حنيفة في الزئبق يخرج في المعادن فمرة قال فيه الخمس ومرة قال ليس فيه شيء كالقار (ه) والنفط وقد أوضحنا هذه المسألة في باب ابن شهاب عند قوله صلى الله عليه وسلم والمعدن جبار وفي الركاز الخمس (وتقصينا القول فيها هنالك والحمد لله) (و)
239

باب الزاي زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أبو عمر زيد بن أسلم يكنى أبا أسامة وأبوه أسلم يكنى أبا خالد بابنه خالد بن أسلم وهو ن \ من سبي عين التمر (وهو أول سبي دخل المدينة في خلافة أبي بكر بعث به خالد بن الوليد فأسلموا وأنجبوا كلهم منهم حمران بن أبان ويسار مولى قيس بن مخرمة وأفلح مولى أبي أيوب وأسلم مولى عمر) (أ) وكان أسلم (ب) من جلة الموالي علما ودينا وثقة (ج) وزيد بن أسلم أحد ثقات أهل المدينة وكان من العلماء العباد الفضلاء وزعموا أنه كان أعلم أهل المدينة بتأويل القرآن بعد محمد بن كعب القرظي وقد كان زيد بن أسلم يشاور في زمن القاسم (د) وسالم
240

روى ابن وهب قال أخبرني أسامة (1484) بن زيد بن أسلم أنه كان جالسا عند أبيه إذ أتاه رسول من النصارى وكان أميرا لهم فقال ان الأمير يقول لك كم عدة الأمة تحت الحر وكم طلاقه إياها وكم عدة الحرة تحت العبد وكم طلاقه إياها قال أبي عدة الأمة المطلقة حيضتان وطلاق الحر الأمة ثلاث وطلاق العبد الحرة تطليقتان وعدتها ثلاث حيض ثم قام الرسول فقال أبي (إلى أين تذهب فقال أمرني أن آتي القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله فأسألهما فقال أبي) (أ) أقسمت عليك الا ما رجعت إلى فأخبرتني بما يقولان لك قال فذهب ثم رجع فأخبره أنهما قالا كما قال وقال الرسول قالا قل له ليس في كتاب الله ولا سنة من رسول الله ولكن عمل به المسلمون وقال مالك كان زيد بن أسلم من العلماء الذين يخشون الله وكان ينبسط إلى وكان يقول ابن آدم اتق الله يحبك الناس وان كرهوا قال أبو عمر توفي زيد بن أسلم سنة ست وثلاثين ومائة في عشر ذي الحجة وفي هذه السنة استخلف أبو جعفر المنصور
241

(وكان علي بن حسين بن علي يتخطى الخلق إلى زيد بن أسلم وكان نافع بن جبير ينقل ذلك عليه فرآه ذات يوم يتخطى إليه فقال أتتخطى مجالس قومك إلى عبد آل عمر بن الخطاب فقال علي بن حسين إنما يجالس الرجل من ينفعه في دينه) (أ) وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يدني زيد بن أسلم ويقربه (ب) ويجالسه وحجب الأحوص الشاعر يوما فقال
* خليلي أبا حفص هل أنت مخبري
* أفي الحق أن أقصى ويدني ابن أسلما
* فقال عمر ذلك الحق اه أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن عمرو القاضي المالكي قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا ابن أبي شيبة قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الخزاعي (ج) قال أخبرني زيد (1485) بن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال لما وضع مالك الموطأ جعل أحاديث زيد بن أسلم في آخر الأبواب فأتيته فقلت أخرت أحاديث زيد بن أسلم جعلتها في آخر الأبواب فقال إنها كالسراج تضيء لما قبلها
242

لمالك عن زيد بن اسلم من مرفوعات الموطأ أحد وخمسون حديثا منها مسندة ثلاثة وعشرون حديثا ومنها حديث منقطع قصة معاوية مع أبي الدرداء تتمة أربعة وعشرين ومنها مرسلة سبعة وعشرون حديثا من مراسيل سعيد بن المسيب واحد ومن مراسيل عطاء بن يسار خمسة عشر ومن مراسليه عن نفسه أحد عشر حديثا
243

حديث أول لزيد بن أسلم مسند صحيح عن ابن عمر مالك عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم كلهم يخبره عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء قال أبو عمر الخيلاء التكبر وهي الخيلاء والمخيلة يقال منه رجل خال ومختال (أ) شديد الخيلاء وكل ذلك من البطر والكبر والله لا يحب المتكبرين (ب) ولا يحب كل مختال فخور وهذا الحديث يدل على أن من جر إزاره من غير خيلاء ولا بطر أنه لا يلحقه الوعيد المذكور غير أن جر الإزار والقميص وسائر الثياب مذموم على كل حال وأما المستكبر الذي يجر ثوبه فهو الذي ورد فيه ذلك الوعيد الشديد
244

يروى عن النبي عليه السلام فيما يحكى عن ربه عز وجل أنه قال الكبرياء (1) ردائي والعظمة إزاري من نازعني واحدة منهما أدخلته النار (روى كريب بن إبراهيم عن أبي ريحانة سمعه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يدخل شيء من الكبر الجنة) (أ) وترك التكبر واجب فرضا (وهيئة اللباس سنة) (ب) قال صلى الله عليه وسلم إزرة المؤمن (2) إلى انصاف ساقيه ولا جناح عليه فيما بين ذلك إلى الكعبين ما أسفل من ذلك ففي النار يعني ان هذا مستحق (ج) من فعل ذلك وهو عالم بالنهي مستخف بما جاءه عن نبيه صلى الله عليه وسلم وإن عفا الله عنه فهو أهل العفو وأهل المغفرة
245

ومما يدل على أن جر الإزار مذموم على كل حال ما ذكره أبو زرعة قال حدثنا محمد بن أبي عمر عن سفيان بن عيينة أنه أخبرهم عن زيد بن أسلم قال سمعت عبد الله بن عمر يقول لابن ابنه (عبد الله بن واقد) (أ) يا بني ارفع ازارك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء ألا ترى أن ابن عمر لم يقل لابن ابنه هل تجره خيلاء بل أرسل ذلك ارسالا خوفا منه أن يكون ذلك خيلاء (ولو صح انه ليس خيلاء لدينه إن شاء الله وذكر الحسن الحلواني قال حدثنا خالد (1486) بن خداش قال حدثنا حماد بن زيد قال كان قميص أيوب يسم الأرض هروي جيد) (ب) وقد زعم أبو جعفر الطحاوي أن زيد بن أسلم لم يسمع من ابن عمر وهذا غلط وقد بان لك (ج) في حديث ابن عيينة هذا
246

سماعه ومما يدل (أ) على ذلك أيضا ما ذكره ابن وهب في كتاب المجالس قال أخبرنا ابن زيد عن أبيه أن أباه أسلم أرسله إلى عبد الله بن عمر يكتب له إلى قيمه بخيبر أن يصنع له خصفتين (1) للأقط (ب) قال فجئته فقلت أألج فقال ادخل فلما دخلت قال مرحبا بابن أخي لا تقل أألج ولكن قل السلام عليكم فإذا قالوا وعليك فقل آدخل فإذا قالوا ادخل فادخل فقال له زيد ان أبي يقرأ عليك السلام ويقول اكتب إلى قيمك بخيبر أن يصنع له خصفتين للأقط فقال نعم وكرامة اكتب يا غلام فكتب إلى قيمه يأمره ان يصنع لي خصفتين جيدتين حسنتين فلم يأل قال زيد ملتحف فبينما هو يكتب إذ دخل عليه عبد الله ابن واقد بن ابنه وهو ملتحق (ج) مرخ ثوبه فقال له ارفع ثوبك فرفع فقال ارفع فرفع فقال ارفع فرفع وقال إن في رجلي قروحا فقال وإن فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا ينظر الله (1) عز وجل إلى من يجر ثوبه الخيلاء يوم القيامة وهذا واضح في كراهية ابن عمر لجر الانسان ثوبه على كل حال لأن عبد الله بن واقد أخبره أن في رجليه قروحا فقال وإن
247

وقد روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة لم يختلفوا فيه منهم نافع وسالم وعبد الله بن دينار وعبد الله بن واقد وزيد بن أسلم ومحارب بن دثار وجبير (1487) بن أبي سليمان وغيرهم ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم ابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عبادة (1488) بن مسلم (أ) الفزاري قال حدثني جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم وزعم أنه كان جالسا مع ابن عمر إذ مر به فتى شاب عليه جبة صنعانية يجرها مسبلا فقال يا فتى هلم فقال له الفتى ما حاجتك يا أبا عبد الرحمن قال ويحك أتحب أن ينظر الله إليك يوم القيامة قال سبحان الله وما يمنعني من ذلك قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا ينظر الله إلى عبد يوم القيامة يجر إزاره خيلاء قال فلم ير الفتى إلا مشمرا بعد ذلك اليوم حتى مات
248

وقد ظن قوم أن جر الثوب إذا لم يكن خيلاء فلا بأس به واحتجوا لذلك بما حدثناه عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال أخبرنا ابن (أ) مقاتل قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن عبد الله ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من جر ثوبه (1) خيلاء لم ينظر الله اليه يوم القيامة فقال أبو بكر أن أحد شقى ليسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست تصنع ذلك خيلاء قال موسى قلت (ب) لسالم أذكر عبد الله من جر ازاره قال لم أسمعه إلا ذكر ثوبه وهذا إنما فيه أن أحد شقى ثوبه يسترخي لا أنه تعمد ذلك خيلاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لست ممن يرضى ذلك ولا يتعمده ولا يظن بك ذلك وقد مضى ما فيه كفاية في هذا المعنى وسنزيده بيانا في باب العلاء إن شاء الله وذكر موسى بن هارون الحمال قال حدثنا محمد بن بكار قال حدثنا أبو معشر عن أبي حازم قال إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى عبد يجر ثوبه من الخيلاء حتى يضع ذلك الثوب وإن كان الله يحب ذلك العبد
249

قال أبو عمر روى زيد بن أسلم عن ابن عمر أحاديث منها هذا ومنها حديث ابن عمر عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في رد السلام في الصلاة بالإشارة ومنها ان من البيان لسحرا ومنها من نزع يدا من طاعة ومنها في حل الازرار ومنها تشقيق الكلام من الشيطان كلها عن النبي عليه السلام وكلها سمعها زيد بن أسلم من عبد الله بن عمر ولم يذكر في هذا الموضع من هذا الكتاب حديث مالك عن زيد ابن أسلم عن ابن عمر عن النبي عليه السلام خطب رجلان فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا أو ان بعض البيان لسحر وذكرناه في مراسل زيد ابن أسلم من هذا الكتاب لأن يحيى أرسله ولم يذكر فيه ابن عمر ولم يتابع يحيى على ذلك والله أعلم
250

حديث ثان لزيد بن أسلم مسند حسن عن جابر قال أبو عمر قال قوم لم يسمع زيد بن أسلم من جابر بن عبد الله وقال آخرون سمع منه وسماعه من جابر غير مدفوع (أ) عندي وقد سمع من ابن عمر وتوفي ابن عمر قبل جابر بن عبد الله بنحو أربعة أعوام توفي جابر سنة ثمان وسبعين وتوفي ابن عمر سنة أربع وسبعين مالك عن زيد ابن أسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني أنمار قال جابر فبينا أنا نازل تحت شجرة إذا رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال (1) فقلت يا رسول الله هلم إلى الظل قال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى غرارة (2) لنا
251

فالتمست فيها فوجدت جروقثاء (1) فكسرته ثم قربته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أين لكم هذا فقلت خرجنا به يا رسول الله من المدينة قال جابر وعندنا صاحب لنا نجهزه يذهب يرعى ظهرنا (2) قال فجهزته ثم أدبر يذهب في الظهر وعليه بردان له قد خلقا قال فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما له ثوبان غير هذين فقلت بلى يا رسول الله ثوبان في العيبة (3) كسوته إياهما قال فادعه فمره فيلبسهما قال فدعوته فلبسهما (أ) ثم ولى يذهب قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما له ضرب الله عنقه أليس هذا خيرا قال فسمعه الرجل فقال يا رسول الله في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله فقتل الرجل في سبيل الله (هكذا هذا الحديث في الموطأ لم يختلف فيه الرواة وقد حدث أبو نعيم الحلبي عبيد (1489) بن هشام عن ابن
252

المبارك عن مالك بحديث هو عندهم خطأ ان أراد حديث زيد بن أسلم هذا حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو الحسين علي بن الحسين بن بندار قال حدثنا أبو عثمان سعيد بن عبد العزيز قال حدثنا أبو نعيم الحلبي قال حدثنا ابن المبارك عن مالك عن محمد بن المنكدر عن أنس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يا فلان ضرب الله عنقك قال في سبيل الله يا رسول الله قال في سبيل الله قال وهي كانت نية رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه عن أبي نعيم الحلبي جماعة هكذا بهذا الإسناد منهم أبو عمران موسى بن محمد الأنطاكي وسعيد بن عبد العزيز ابن مروان الحلبي) (أ) في هذا الحديث إباحة طلب الظل والراحة وان الوقوف للشمس مع وجود الظل ليس من البر في غزو كان ذلك أو غيره لأنهم كانوا غازين مجاهدين حينئذ وفيه الخروج بالزاد وفي ذلك رد على من قال من الصوفية لا يدخر (ب) لغد وفيه اكرام الرجل الجليل السيد بيسير الطعام وقبول الجلة ليسير ما يدعون اليه وفيه ان للرجل ان يسأل من أين هذا الطعام إذا خاف منه شيئا أو خاف من صاحب غفلة لمعنى معهود فينبهه على ذلك وكان جابر يومئذ حدثا والله أعلم بمعنى سؤال رسول الله
253

صلى الله عليه وسلم إياه عن ذلك ولم يكن جابر ممن يتهم ولكن رسول الله بعث معلما صلى الله عليه وسلم وفيه ان من وسع الله عليه لم يجز له ادمان لبس الخلق من الثياب وقال صلى الله عليه وسلم إذا أنعم الله على عبد بنعمة أحب ان يرى أثرها عليه وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا وسع الله (1) عليكم فأوسعوا على أنفسكم جمع (2) الرجل (أ) عليه ثيابه اه حدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال حدثنا محمد بن العباس الحلبي قال حدثنا علي (1490) بن عبد الحميد الغضائري قال حدثنا سفيان (1491) بن وكيع قال حدثني أبي عن أشعث عن بكر المزني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله (3) يحب أن يرى أثر نعمته على عبده
254

(وهذا الحديث يعارض ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال البذاذة (1) من الايمان والبذاذة رثاثة الهيئة) (أ) وفيه إباحة الكلام بالمعاريض وبما فحواه يسمع إذا كان المتكلم به يريد به وجها محمودا ألا ترى إلى قوله ماله ضرب الله عنقه وهو يريد بذلك الشهادة له وكان صلى الله عليه وسلم قلما يقول مثل هذا إلا كان كما قال ألا ترى إلى ما روى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثة (ب) إلى مؤتة وأمر عليهم زيد بن حارثة فقال ان قتل فجعفر بن أبي طالب فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة قالوا فلما قال ذلك علمنا أنهم سيقتلون ومثل هذا ما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر (ج) ابن أبي شيبة قال حدثنا هاشم بن القاسم قال حدثنا عكرمة ابن عمار قال حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع (قال أخبرني أبي في حديث ذكره ان عامر بن الأكوع) (د) حين خرج إلى خيبر جعل يرتجز بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
255

وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يسوق بهم الركاب وهو يقول
* تالله لولا الله ما اهتدينا
* ولا تصدقنا ولا صلينا
*
* إن الذين قد بغوا علينا
* إذا (أ) أرادوا فتنة أبينا
* ونحن عن فضلك ما استغنينا
* فثبت الأقدام أن لا قينا
* وأنزلن سكينة علينا
* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا قالوا عامر يا رسول الله قال غفر لك ربك قال وما استغفر لأنسان قط يخصه إلا استشهد قال (ب) فلما سمع ذلك عمر بن الخطاب قال يا رسول الله لو متعتنا بعامر فقام عامر إلى الحرب فبارزه مرحب اليهودي فاستشهدا وذكر تمام الحديث ألا ترى إلى قوله وما استغفر لأنسان يخصه إلا استشهد وإلى قول عمر لو متعتنا بعامر وهذا كله في معنى قوله ماله ضرب الله عنقه وفيه إجابة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاؤه كله عندنا مجاب إن شاء الله وسيأتي القول في معنى حديثه صلى الله عليه وسلم فاختبأت دعوتي شفاعة لامتي في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى
256

حديث ثالث لزيد بن أسلم متصل صحيح مسند مالك عن زيد ابن أسلم عن أبيه أنه قال سمعت عمر بن الخطاب وهو يقول حملت على فرس عتيق في سبيل الله وكان الرجل الذي هو عنده قد اضاعه فأردت أن أشتريه منه وظنت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد
فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه روى هذا الحديث ابن عيينة عن زيد ابن أسلم عن أبيه عن عمر مثله وقال فيه لا تشتره ولا شيئا من نتاجه ذكره الشافعي والحميدي عن ابن عيينة قال أبو عمر الفرس العتيق هو الفاره عندنا وقال صاحب العين عتقت الفرس تعتق إذا سبقت وفرس عتيق رائع وفي هذا الحديث من الفقه إجازة تحبيس الخيل في سبيل الله
257

وفيه ان حمل على فرس في سبيل الله وغزا به (فله أن يفعل به بعد ذلك ما يفعل في سائر ماله) (أ) ألا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على بائعه بيعه وأنكر على عمر شراءه ولذلك قال ابن عمر إذا بلغت به وادي القرى فشأنك به وقال سعيد بن المسيب إذا بلغ به رأس مغزاته فهو له ويحتمل أن يكون هذا الفرس ضاع حتى عجز عن اللحاق بالخيل وضعف عن ذلك ونزل عن مراتب الخيل التي يقاتل عليها فأجيز له بيعة لذلك ومن أهل العلم من يقول يضع ثمنه ذلك في فرس عتيق أن وجده والا أعان به في مثل ذلك ومنهم من يقول أنه له كسائر ماله إذا غزا عليه واما اختلاف الفقهاء في هذا المعنى فقال مالك إذا أعطى فرسا في سبيل الله فقيل له هو لك في سبيل الله فله أن يبيعه وأن قيل هو في سبيل الله ركبه ورده وقال الشافعي وأبو حنيفة الفرس المحمول عليها في سبيل الله هي لمن يحمل عليها تمليك قالوا ولو قال له إذا بلغت به رأس مغزاك فهو لك كان تمليكا على مخاطرة ولم يجز وقال الليث بن سعد من أعطى فرسا في سبيل الله لم يبعه حتى يبلغ مغزاه ثم يصنع به ما شاء إلا أن يكون حبسا فلا يباع وقال عبيد الله بن الحسن إذا قال هو لك في سبيل الله فرجع به رده حتى يجعله في سبيل الله
258

وسيأتي (أ) هذا في باب نافع والحمد لله وفيه ان كل من يجوز تصرفه في ماله وبيعه وشراؤه (ب) فجائز له بيع ما شاء من ماله بما شاء من قليل الثمن وكثيره كان مما يتغابن الناس به أو لم يكن إذا كان ذلك ماله ولم يكن وكيلا ولا وصيا لقوله صلى الله عليه وسلم (في مثل هذا الحديث (ج) ولو أعطاكه بدرهم واختلف الفقهاء في كراهية شراء الرجل لصدقته الفرض والتطوع إذا أخرجها عن يده لوجهها ثم أراد شراءها من الذي صارت اليه فقال مالك إذا (د) حمل على فرس فباعه الذي حمل عليه فوجده الحامل في يد المشتري فلا يشتره أبدا وكذلك الدراهم والثوب قال أبو عمر ذكره ابن عبد الحكم عنه وقال في موضع آخر من كتابه ومن حمل على فرس فباعه ثم وجده الحامل في يد الذي اشتراه فترك شرائه أفضل قال أبو عمر كره (ه) ذلك مالك والليث والحسن بن حي والشافعي
259

ولم يروا لأحد أن يشتري صدقته (فإن اشترى أحد صدقته) (أ) لم يفسخوا العقد ولم يردوا البيع ورأوا التنزه عنها وكذلك قولهم في شراء الانسان ما يخرجه من كفارة اليمين مثل الصدقة سواء قال أبو عمر (إنما كرهوا بيعها) (ب) لهذا الحديث ولم يفسخوها لأنها راجعة اليه بغير ذلك المعنى وقد بينا هذا الحديث (ج) في قصة هدية بريرة بما تصدق به عليها ويحتمل هذا الحديث أن يكون على وجه التنزه وقطع الذريعة إلى بيع الصدقة قبل اخراجها أو يكون موقوفا على التطوع في التنزه وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي لا بأس لمن أخرج زكاته وكفارة يمينه أن يشتريه بثمن يدفعه إليه وقال أبو جعفر الطحاوي المصير إلى حديث عمر في الفرس أولى من قول من أباح شراء صدقته وقال قتادة البيع في ذلك فاسد مردود لأني لا أعلم الفيء إلا حراما وكل العلماء يقولون إذا رجعت اليه بالميراث طابت له (الا ابن عمر فإنه كان لا يحبسها إذا رجعت اليه بالميراث) (د)
260

وتابعه الحسن بن حي فقال إذا رجعت اليه بالميراث وجهها فيما كان وجهها فيه إذا كانت صدقة وأما الهبة فلا يكره الرجوع فيها اه قال أبو عمر يحتمل فعل ابن عمر في رد ما رجع اليه من صدقاته بالميراث ان يكون على سبيل الورع والتبرع لأنه كان يرى ذلك واجبا عليه وكثيرا ما كان يدع الحلال ورعا ولعله لم يصح عنده ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ولم يعلمه وقد وردت السنة الثابتة (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) (أ) بإباحة ما رده الميراث من الصدقات وقد ذكرناها في باب ربيعة في قصة لحم بريرة وأوضحنا المعنى في ذلك بما لا وجه لإعادته ها هنا وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أهدى اليه من الصدقة وقوله أن الصدقة تحل من اشتراها بماله من الأغنياء يوضح ما ذكرنا لأن الصدقة لا تحل لغنى الا لخمسة أحدهم رجل اشتراها بماله فكما جاز له ان يشتريها بماله وهي صدقة غيره فكذلك شراء صدقته لأن الشراء لها ليس برجوع فيها في المعنى على ما بينا في قصة لحم بريرة وإنما الرجوع فيها أن يتصرف فيما فعله من صدقته أو هبته دون ان يبتاع (ب) ذلك
261

ولكن حديث عمر (أ) هذا أولى أن يوقف عنده لأنه خص المتصدق بها فنهى عن شرائها وذلك نهى تنزه إن شاء الله وأما قوله عليه السلام لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة فسيأتي ذكره فيما يأتي من حديث زيد بن أسلم من كتابنا هذا وبالله توفيقنا
262

حديث رابع لزيد بن أسلم مسند يجري مجرى المتصل مالك عن زيد ابن أسلم عن أبيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه (ثم سأله فلم يجبه) (أ) فقال عمر ثكلتك أمك يا عمر (ب) نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري حتى إذا كنت أمام الناس وخشيت ان ينزل في قرآن فما نشبت ان سمعت صارخا يصرخ (ج) بي قال فقلت لقد خشيت ان يكون نزل في قرآن قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال أنزل على هذه الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) * هذا الحديث عندنا على الاتصال لأن أسلم رواه عن عمر
263

وسماع أسلم من مولاه عمر رضي الله عنه صحيح لا ريب فيه وقد رواه محمد بن حرب عن مالك كما ذكرنا اه أخبرنا خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم قالا (حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا محمد بن زريق بن جامع وحدثنا عبد الرحمن بن مروان قال) (أ) حدثنا الحسن بن علي بن داود قال حدثنا محمد بن زيان (ب) قالا حدثنا عبدة (1492) ابن عبد الرحيم المروزي قال أخبرنا محمد (1493) بن حرب عن مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر يسير معه ليلا فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه (ثم سأله فلم يجبه) (ج) ثلاثا فقال عمر ثكلتك أمك عمر (د) نزرت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري حتى تقدمت أما الناس وخشيت ان ينزل في قرآن فما نشبت أن سمعت
264

صارخا يصرخ بي قال فقلت له لقد خشيت ان يكون ينزل في قرآن فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فقال لي لقد أنزل الله (1) علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ثم قرأ * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله) * وهكذا رواه مسندا روح بن عبادة ومحمد بن خالد بن عثمة (جميعا أيضا عن مالك كرواية محمد بن حرب سواء ذكره النسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك) (ب) في هذا الحديث السفر بالليل والمشي على الدواب بالليل وذلك عند الحاجة مع استعمال الرفق لأنها بهائم عجم وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق بها والاحسان إليها وفيه أن العالم إذا سئل عن شيء لا يجب (ج) الجواب فيه أن يسكت ولا يجيب بنعم ولا بلا ورب كلام جوابه السكوت وفيه من الأدب ان سكوت العالم عن الجواب يوجب على المتعلم ترك الالحاح عليه وفيه الندم على الالحاح على العالم خوف غضبه وحرمان فائدته فيما يستأنف وقلما أغضب عالم إلا احترمت فائدته قال أبو سلمة بن عبد الرحمن لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علما اه وفيه ما كان عمر عليه من التقوى والوجل لأنه خشي أن يكون عاصيا بسؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات
265

كل ذلك لا يجيبه إذ المعهود إن سكوت المرء عن الجواب وهو قادر عليه عالم به دليل على كراهية السؤال وفيه ما يدل على أن السكوت عن السائل يعز عليه وهذا موجود في طابع الناس ولهذا ارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمر يؤنسه ويبشره والله أعلم وفيه أوضح الدليل على منزلة عمر من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعه منه ومكانته عنده وفيه ان غفران الذنوب خير للإنسان مما طلعت عليه الشمس لو أعطى ذلك وذلك تحقير منه صلى الله عليه وسلم للدنيا وتعظيم للآخرة (أ) وهكذا ينبغي للعالم ان يحقر ما حقر الله من الدنيا ويزهد فيها ويعظم ما عظم الله من الآخرة ويرغب فيها وإذا كان غفارن الذنوب للإنسان خيرا مما طلعت عليه الشمس ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكفر عنه إلا الصغائر من الذنوب لأنه لم يأت قط كبيرة لا هو ولا أحد من أنبياء الله لأنهم معصومون من الكبائر صلوات الله عليهم فعلى هذا الصلوات الخمس خير للإنسان من الدنيا وما فيها لأنها تكفر الصغائر وبالله التوفيق وفيه أن نزول القرآن كان حيث شاء الله من حضر وسفر وليل ونهار والسفر المذكور في هذا الحديث الذي نزلت فيه سورة الفتح منصرفة من الحديبية لا أعلم بين أهل العلم في ذلك خلافا
266

قال أبو عمر قال معمر عن قتادة نزلت عليه * (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * مرجعه من الحديبية فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد نزلت على آية أحب إلى (مما على الأرض) (أ) ثم قرأ عليهم فقالوا هنيئا مريئا يا رسول الله قد بين الله لك ما يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت * (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) * إلى قوله * (فوزا عظيما) * وقال ابن جريج نحو ذلك وزاد فنزل ما في الأحزاب * (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) * وأنزل * (ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) * الآيتين إلى قوله * (غفورا رحيما) * وقال غير ابن جريج فقال المنافقون وماذا يفعل بنا فنزلت * (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما) * ونزلت * (ويعذب المنافقين والمنافقات) * إلى قوله * (وكان الله غفورا رحيما) * فقال عبد الله بن أبي وأصحابه يزعم محمد أنه غفر له ذنبه وان يفتح الله عليه وينصره نصرا عزيزا هيهات هيهات الذي بقي له أكثر فارس والروم أيظن محمد أنهم مثل (ب) من نزل بين ظهريه فنزلت * (ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء) * بأنه لا ينصر فبئس ما ظنوا ونزلت * (ولله جنود السماوات والأرض) * الآية
267

قال أبو عمر اختلف أهل العلم في قوله * (فتحا مبينا) * فقال قوم خيبر وقال قوم (أ) الحديبية منحره وحلقه وقال ابن جريج فتحنا لك حكمنا لك حكما (بينا حين ارتحل) (ب) من الحديبية راجعا قال وقد كان شق عليهم أن صدوا عن البيت وقال ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وقال أوله وآخره وينصرك الله نصرا عزيزا قال يريد بذلك فتح مكة والطائف وحنين (ج) العرب ولم يكن بقي (د) في العرب غيرهم وقال قتادة ومجاهد فتحنا لك قضينا لك (ه) قضاء مبينا منحره وحلقه بالحديبية ذكره معمر عن قتادة وذكره ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وروى شعبة عن قتادة عن أنس فتحا مبينا قال الحديبية (وذكر وكيع عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس قال خيبر وكذلك اختلف في ذلك قول مجاهد أيضا) (و)
268

وأما قوله في الحديث نزرت (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن وهب معناه أكرهت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسئلة أي أتيته بما يكره وقال ابن حبيب معناه ألححت وكررت السؤال وأبرمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر حبيب عن مالك قال نزرت راجعته وقال الأخفش نزرت وأنزرت البئر (أكثرت الاستقاء منها حتى يقل ماؤها قاله أبو عمر) (أ) (ودفع نزور أي يأتي منها الشيء منقطعا قال ومعنى هذا الحديث أنه سأله حتى قطع عنه كلامه لأنه تبرم به) (ب)
269

حديث خامس لزيد بن أسلم متصل صحيح مسند مالك عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج كلهم يحدثه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر قال أبو عمر عطاء بن يسار قد تقدم ذكره والخبر عنه في باب إسماعيل ابن أبي حكيم (وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا احمد أبن صالح قال حدثنا ابن وهب قال حدثنا أبو صخر (1494)
270

عن هلال (1495) بن أسامة قال كان عطاء بن يسار إذا جلس يكون زيد بن أسلم عن يمينه وكنت عن يساره) (أ) وأما بسر بن سعيد فإنه كان مولى لحضر موت من أهل المدينة وكان ثقة فاضلا مسنا سمع سعد بن أبي وقاص وجالسه كثيرا ولم ينكر يحيى القطان أن يكون سمع زيد بن ثابت قال علي بن المديني قلت ليحيى بن سعيد يعني القطان بسر ابن سعيد لقي زيد بن ثابت قال وما تنكر (ب) ان يكون لقيه قلت قد روى عن أبي صالح عبيد (ج) مولى السفاح عن زيد بن ثابت فقال قد روى سفيان عن رجل عن عبد الله قال أبو عمر الحديث الذي رواه بسر بن سعيد عن أبي صالح عبيد مولى السفاح عن زيد بن ثابت (وهو حديث) (د) عجل لي وأضع عنك ذكره
مالك وغيره وكان مالك رحمه الله يثنى على بسر بن سعيد ويفضله ويرفع به في ورعه وفضله
271

وذكر علي بن المديني قال سمعت يحيى بن سعيد يقول بسر بن سعيد أحب إلي من عطاء بن يسار قال يحيى (كان بسر بن سعيد يذكر بخير) (أ) بسر بن سعيد مولى الحضرميين كان من أهل الفضل روى عن أصحاب النبي عليه السلام مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وأما الأعرج فهو عبد الرحمن بن هرمز كان صاحب قرآن وحديث قرأ عليه نافع القارئ وكان ثقة مأمونا قال (مصعب ابن عبد الله) (ب) عبد الرحمن (بن هرمز) (ج) الأعرج مولى محمد بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب يكنى أبا داود روى عنه ابن شهاب وأبو الزناد ويحيى بن سعيد وغيرهم توفي بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة (وقال المدائني مات أبو داود عبد الرحمن الأعرج مولى محمد بن ربيعة بالإسكندرية سنة تسع عشرة ومائة) (د) وأما أبو هريرة رضي الله عنه فمذكور في كتابنا في الصحابة بما يجب أن يذكر به وبالله التوفيق وقد قيل إن زيد بن أسلم روى هذا الحديث أيضا عن أبي صالح مع هؤلاء كلهم عن أبي هريرة وحدثني خلف بن القاسم قال حدثنا إبراهيم بن محمد الديلي قال حدثنا محمد بن علي بن زيد الجوهري قال حدثنا
272

سعيد بن منصور قال حدثنا حفص بن ميسرة الصنعاني عن زيد بن أسلم عن الأعرج وبسر بن سعيد وأبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك (1) ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فلم تفته ومن أدرك ركعة من صلاة (أ) العصر قبل أن تغرب الشمس فلم تفته قال أبو عمر الادراك في هذا الحديث ادراك الوقت لا ان ركعة من الصلاة من أدركها من (ب) ذلك الوقت أجزأته من تمام صلاته وهذا إجماع من المسلمين لا يختلفون في أن هذا المصلى فرض عليه واجب ان يأتي بتمام صلاة الصبح وتمام صلاة العصر فأغنى ذلك عن الإكثار وبان بذلك ان قوله صلى الله عليه وسلم فقد أدرك الصلاة يريد فقد أدرك وقت الصلاة إلا أن ثم أدلة تدل على أن الوقت المختار في هاتين الصلاتين غير ذلك الوقت منها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (وآخر وقت العصر) (ج) ما لم تصفر الشمس يعني آخر الوقت المختار لئلا تتعارض الأحاديث
273

ومثل ذلك حديث العلاء عن أنس مرفوعا تلك (1) صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان قام فنقر (2) أربعا لا يذكر الله فيها الا قليلا وهذا التغليظ على من ترك اختيار رسول الله لأمته في الوقت ورغب عن ذلك ولم يكن له عذر مقبول والآثار في تعجيل العصر كثيرة جدا ومعناها كلها ما ذكرناه وبهذا كتب عمر بن الخطاب (أ) إلى عماله إن صلوا (3) العصر والشمس بيضاء نقية قبل ان تدخلها صفرة هذا كله على الاختيار بدليل حديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب (حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر قال حدثنا الأثرم قال قيل لأحمد بن حنبل قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقال هذا على الفوات ليس على أن يترك العصر إلى هذا الوقت وذكر حديث قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال
274

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقت (1) العصر ما لم تصفر الشمس) (أ) فالأوقات (ب) في ترتيب السنن والله أعلم وقتان في الحضر وقت رفاهية وسعة ووقت عذر ضرورة يبين لك ذلك ما ذكرنا من الآثار ويزيد لك في ذلك بيانا أقاويل فقهاء أئمة الأمصار فنذكر هنا أقاويلهم في وقت الصبح والعصر إذ لم يتضمن حديث هذا الباب ذكر غيرهما من الصلوات ونذكر في باب ابن شهاب عن عروة جملة مواقيت الصلاة ونبسط ذلك ونمهده هناك إن شاء الله أجمع العلماء على أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني إذا تبين طلوعه وهو البياض المنتشر من أفق المشرق والذي لا ظلمة بعده (وقد ذكرنا أسماء الفجر في اللغة وشواهد الشعر على ذلك والمعنى فيه عند الفقهاء في أول حديث من مراسيل عطاء ومن باب يزيد أيضا والحمد لله)) (ج) واختلفوا في آخر وقتها فذكر ابن وهب عن مالك قال وقت الصبح من حين يطلع الفجر إلى طلوع الشمس وقال ابن القاسم عن مالك وقت الصبح الاغلاس والنجوم بادية مشتبكة وآخر وقتها إذا أسفر
275

قال أبو عمر هذا عندنا على الوقت المختار لأن مالكا لم يختلف قوله فيمن أدرك ركعة منها قبل طلوع الشمس ممن له عذر في سقوط الصلاة عند خروج الوقت مثل الحائض تطهر ومن جرى مجراها ان تلك الصلاة واجبة عليها بادراك مقدار ركعة من وقتها وإن صلت الركعة الثانية مع الطلوع أو بعده وقال الثوري آخر وقتها ما لم تطلع الشمس وكانوا يستحبون ان يسفروا بها ومثل قول الثوري قال أبو حنيفة وأصحابه وكذلك قال الشافعي آخر وقتها طلوع الشمس الا أنه يستحب التغليس بها ولا تفوت عنده حتى تطلع الشمس قبل أن يصلي منها ركعة بسجدتيها فمن لم يكمل منها ركعة بسجدتيها قبل طلوع الشمس فقد فاتته وقال أحمد بن حنبل مثل قول الشافعي سواء قال وقت الصبح من طلوع الفجر إلى أن تطلع الشمس ومن أدرك منها ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدركها مع الضرورة وهذا كقول الشافعي سواء ولا خلاف بين العلماء في ذلك الا أن منهم (أ) من جعل آخر وقتها ادراك ركعة منها قبل طلوع الشمس لضرورة وغير ضرورة وهو قول داود وإسحاق وأما سائر العلماء فجعلوا هذا وقتا لأصحاب العذر والضرورات وممن ذهب إلى هذا مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد ابن حنبل
276

واختلفوا في أول وقت العصر وآخره فقال مالك أول وقت العصر إذا كان الظل قامة بعد القدر الذي زالت عنه (أ) الشمس ويستحب لمساجد الجماعات أن يؤخروا ذلك قليلا قال وآخر وقتها ان يكون ظل كل شيء مثليه هذه حكاية ابن عبد الحكم وابن القاسم عنه وهذا عندنا على وقت الاختيار لأنه قد روى عنه أن (ب) (لا خلاف عندنا في) (ج) مدرك ركعة منها قبل الغروب ممن كانت الصلاة لا تجب عليه لو خرج وقتها لحالة كالمغمى عليه عنده والحائض ومن كان مثلهما تجب عليه صلاة العصر فرضا بإدراك مقدار ركعة منها قبل غروب الشمس فدل ذلك على أن وقتها عنده إلى غروب الشمس وكذلك ذكر ابن وهب أيضا عن مالك وقت الظهر والعصر إلى غروب الشمس وهذا عندنا أيضا على أصحاب الضرورات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما لضرورة السفر فكل ضرورة وعذر فكذلك وسنذكر وجه الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر في باب أبي الزبير إن شاء الله وقد (د) قال الأوزاعي إن ركع ركعة من العصر قبل غروب الشمس وركعة بعد غروبها فقد أدركها والصبح عنده كذلك (قال الثوري أول وقت العصر إذا كان ظلك مثلك وإن أخرتها ما لم تغير الشمس أجزأك) (ه)
277

وقال الشافعي أول وقتها في الصيف إذا جاوز ظل كل شيء مثله بشيء ما كان ومن أخر العصر حتى يجاوز ظل كل شيء مثليه في الصيف أو قدر ذلك في الشتاء فقد فاته وقت الاختيار ولا يجوز أن يقال قد فاته وقت العصر مطلقا كما جاز على الذي أخر الظهر إلى أن جاوز ظل كل شيء مثله قال وإنما قلت ذلك لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها قال أبو عمر قول الشافعي ها هنا في وقت الظهر ينفى الاشتراك بينها وبين العصر في ظاهر كلامه وهو شيء ينقضه ما بنى عليه مذهبه في الحائض تطهر والمغمى عليه يفيق والكافر يسلم والصبي يحتلم لأنه يوجب على كل واحد منهم إذا أدرك ركعة واحدة قبل الغروب أن يصلي الظهر والعصر جميعا وفي بعض أقاويله إذا أدرك أحد هؤلاء مقدار تكبيرة واحدة قبل الغروب لزمه الظهر والعصر جميعا فكيف يسوغ لمن هذا مذهبه أن يقول إن الظهر يفوت فواتا صحيحا بمجاوزة ظل كل شيء مثله أكثر من فوات العصر بمجاوزة ظل كل شيء مثليه وأما قوله في وقت العصر إذا جاوز ظل كل شيء مثليه فقد جاوز وقت الاختيار فهذا أيضا فيه شيء لأنه هو وغيره من العلماء يقولون من صلى العصر والشمس بيضاء نقية فقد صلاها في وقتها المختار لا أعلمهم يختلفون في ذلك
278

فقف على ما وصفت لك يتبين لك بذك سعة الوقت المختار أيضا وبالله التوفيق قال أبو ثور أول وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله بعد الزوال وزاد على الظل زيادة تتبين إلى أن تصفر الشمس (وهو قول داود) (أ) قال أبو عمر أما قول الشافعي وأبي ثور في أن وقت العصر لا يدخل حتى (ب) يزيد الظل على القامة زيادة تظهر فمخالف لحديث إمامة جبريل عليه السلام لأن حديث إمامة جبريل يقتضي أن يكون آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر بلا فصل (ولكنه مأخوذ من حديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما التفريط على (1) من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى) (ج) وقد بينا اختلاف العلماء في هذا المعنى وذكرنا علل أقاويلهم فيه في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب وقال أحمد بن حنبل في هذه المسألة مثل قول الشافعي أيضا (د) قال (وإذا زاد ظل كل شيء مثليه) (ه) خرج وقت الاختيار ومن أدرك منها ركعة قبل أن تغرب
279

الشمس فقد أدركها قال وهذا مع الضرورة (هذه حكاية الخزفي عنه وأما الأثر فقال سمعت أبا عبد الله يقول آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر قال لي ذلك غير مرة وسمعته يقول آخر وقت العصر تغير الشمس قيل له ولا تقل بالمثل والمثلين قال لا هذا أكثر عندي) (أ) وقال أبو حنيفة لا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه فخالف الآثار وجماعة العلماء في ذلك وجعل وقت الظهر إلى أن يصير (ب) ظل كل شيء مثله (ج) (وجعل بينهما واسطة ليست منهما وهذا لم يقله أحد) (د) هذه رواية أبي يوسف عنه (وللحسين بن زياد اللؤلؤي) (ه) أن الظل إذا صار مثله خرج وقت الظهر وإذا خرج تلاه وقت العصر إلى غروب الشمس وقال أبو يوسف ومحمد وزفر آخر وقت الظهر أن يصير (و) ظل كل شيء مثله وهو أول وقت العصر إلى أن تتغير الشمس وقال إسحاق بن راهويه آخر وقت العصر أن يدرك المصلى منها ركعة قبل الغروب وهو قول داود لكل الناس (ز) معذور
280

وغير معذور والأفضل عندهما أول الوقت قال أبو عمر فقد بان بما ذكرنا من أقاويل أئمة فقهاء الأمصار وما روينا من الآثار في هذا الباب أن أول الوقت منه مختار في الحضر للسعة والرفاهية ومنه وقت ضرورة وعذر ولا يلحق الاثم واللوم حتى يخرج الوقت كله والله أعلم وقد أفادنا قوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) (أ) ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر معاني ووجوها منها أن المدرك لركعة من الصبح قبل ان تطلع الشمس أو لركعة من العصر قبل غروبها كالمدرك لوقت الصبح ولوقت العصر الوقت الذي يأثم بالتأخير اليه كأنه قد أدرك الوقت من أوله وهذا لمن كان له عذر من نسيان أو ضرورة على (ب) ما قدما ذكره ومنها جواز صلاة من صلى ذلك الوقت فرضه ممن نام عن صلاة أو نسيها لأنه المراد بالخطاب المذكور والمأمور بالبدار إلى إدراك بقية الوقت وإن كان غيره يدخل في ذلك الخطاب بالمعنى فإن هذا هو المشار اليه فيه بالنص إن شاء الله والله أعلم
281

ومنها أنه أفادنا في حكم من أسلم من الكفار أو بلغ من الصبيان أو طهر من الحيض في ذلك الوقت أنه كمن أدرك الوقت بكماله في وجوب صلاة (أ) ذلك الوقت وتلزمه تلك الصلاة بكمالها كما لو أدرك وقتها من أوله ففرط فيها وكذلك حكم المسافر يقدم الحضر وحكم الحضري يخرج مسافرا في بقية من الوقت أو بعد دخول الوقت وحكم المغمى عليه يفيق وهذا الحديث أصل هذا الباب كله فقف عليه (إلا أن الفقهاء اختلفوا ها هنا فذهب مالك وأصحابه إلى ظاهر هذا الحديث فقالوا من خرج مسافرا وقد بقي عليه من النهار مقدار ركعة بعد أن جاوز بيوت مصره أو قريته صلى العصر ركعتين ولو خرج وقد بقي عليه مقدار ثلاث ركعات ولم يكن صلى الظهر والعصر صلاهما جميعا مقصورتين وهذا عنده حكم المغرب والعشاء يراعى منهما مقدار ركعة من كل واحدة منهما على أصله فيمن سافر وقد بقي عليه مقدار ركعة أنه يقصر تلك الصلاة ولو قدم في ذلك الوقت من سفره أتم وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي إذا خرج من مصره قبل خروج الوقت صلى ركعتين وان قدم قبل خروج الوقت أتم وهذا قول مالك وقال زفر ان جاوز بيوت القرية والمصر ولم يبق من الوقت الا ركعة فإنه مفرط وعليه أن يصلي العصر أربعا وان قدم من
282

سفره ودخل مصره ولم يبق من الوقت الا ركعة أتم الصلاة وقال الحسن بن حي والليث والشافعي إذا خرج بعد دخول الوقت أتم وكذلك ان قدم المسافر قبل خروج الوقت أتم وستأتي زيادة في هذا المعنى عن الشافعي والليث ومن تابعهما في آخر هذا الباب) (أ) وأما اختلاف الفقهاء في صلاة الحائض والمغمى عليه ومن جرى مجراهما فقال مالك إذا طهرت المرأة قبل الغروب فإن كان بقي عليها من النهار ما تصلى خمس ركعات صلت الظهر والعصر وإن لم يكن بقي من النهار ما تصلي خمس ركعات صلت العصر وإذا طهرت قبل الفجر وكان ما بقي عليها من الليل قدر ما تصلي أربع ركعات ثلاثا للمغرب وركعة من العشاء صلت المغرب والعشاء وإن لم يبق عليها إلا ما تصلي فيه ثلاث ركعات صلت العشاء ذكره أشهب وابن عبد الحكم وابن القاسم وابن وهب عن مالك قال أشهب وسئل مالك عن النصراني يسلم والمغمى عليه يفيق أهما مثل الحائض تطهر قال نعم يقضي كل واحد منهما ما لم يفت وقته وما فات وقته لم يقضه قال ابن وهب سألت مالكا عن المراة تنسى وتغفل عن صلاة الظهر فلا
تصليها حتى تغشاها الحيضة قبل غروب الشمس
283

قال مالك لا أرى عليها قضاء إلا أن تحيض بعد غروب الشمس ولم تكن صلت الظهر والعصر رأيت عليها القضاء (وقال مالك إذا طهرت قبل غروب الشمس فاشتغلت بالغسل فلم تزل مجتهدة حتى غربت الشمس لا أرى أن تصلي شيئا من صلاة النهار) (أ) (قال مالك إذا طهرت قبل غروب الشمس لا أرى أن تصلي شيئا من صلاة النهار) (ب) وقال المراة الطاهر تنسى الظهر والعصر حتى تصفر الشمس ثم تحيض فليس عليها قضاؤهما فإن لم تحض حتى غابت الشمس فعليها القضاء ناسية كانت أو متعمدة قال مالك إذا رأت الطهر عند الغروب فأرى ان تغتسل فإن فرغت من غسلها قبل غروب الشمس فإن كان فيما أدركت ما تصلي الظهر وركعة من العصر فلتصل الظهر والعصر وإن كان الذي بقي من النهار ليس فيه إلا (ج) قدر صلاة واحدة صلت العصر وإن لم يكن بقي من النهار الا قدر ركعة واحدة فلتصل تلك الركعة ثم تقضي ما بقي من تلك الصلاة وقال مالك من أغمي عليه في وقت صلاة فلم يفق حتى ذهب وقتها ظهرا كانت أو عصرا قال والظهر والعصر وقتهما في هذا إلى مغيب الشمس فلا أعادة عليه قال وكذلك المغرب والعشاء وقتهما الليل كله
284

وقول الليث بن سعد في الحائض والمغمى عليه كقول مالك هذا سواء وقال الأوزاعي وقد سئل عن الحائض تصلي ركعتين ثم تحيض (وكيف وإن كانت أخرت الصلاة قال إن أدركها المحيض في صلاة انصرفت عنها ولا شيء عليها) (أ) وإن كانت أخرت الصلاة ولم يذهب الوقت فلا شيء عليها قال وإذا طهرت المرأة بعد العصر فأخذت في غسلها فلم تفرغ منه حتى غابت الشمس فلا شيء عليها ذكره الوليد بن يزيد عن الأوزاعي وقال الشافعي إذا طهرت المرأة قبل مغيب الشمس بركعة أعادت الظهر والعصر وكذلك أن طهرت قبل الفجر بركعة أعادت المغرب والعشاء واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر وبجمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين في أسفاره وبعرفة وبالمزدلفة في وقت أحداهما يعني صلاتي الليل وصلاتي النهار الظهر والعصر والمغرب والعشاء (وهذا القول للشافعي) (ب) في هذه المسألة أشهر أقاويله عند أصحابه فيها وأصحها عندهم وهو الذي لم يذكر البويطي غيره وللشافعي في هذه المسألة قولان آخران أحدهما مثل قول مالك سواء في مراعاة قدر خمس ركعات
285

للظهر والعصر وما دون إلى ركعة للعصر ومقدار أربع ركعات للمغرب والعشاء وما دون ذلك للعشاء وآخر الوقت عنده في هذا القول لاخر الصلاتين والقول الآخر قاله في الكتاب المصري قال في المغمى عليه أنه إذا أفاق وقد بقي عليه من النهار قدر ما يكبر فيه تكبيرة الاحرام أعاد الظهر والعصر ولم يعد ما قبلهما لا صبحا ولا مغربا ولا عشاء قال وإذا أفاق وقد بقي عليه من الليل قبل أن يطلع الفجر قدر تكبيرة واحدة قضى المغرب والعشاء وإذا أفاق قبل طلوع الشمس بقدر تكبيرة قضى الصبح وإذا طلعت الشمس قبل أن يفيق لم يقضها قال وكذلك الحائض والرجل يسلم وقال فيمن جن بأمر (أ) لا يكون به عاصيا فذهب عقله لا قضاء عليه ومن كان زوال عقله بما يكون به عاصيا قضى كل صلاة فاتته في حال زوال عقل وذلك مثل السركان وشارب السم والسركان عامدا لأذهان عقله قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصبح أو من العصر على ما في هذا الحديث يقتضي فساد قول من قال من أدرك تكبيرة لأن دليل الخطاب في ذلك أن من لم يدرك من الوقت مقدار ركعة فقد فاته ومن فاته الوقت بعذر يسقط عنه فيه الصلاة كالحائض وشبهها فلا شيء عليه والله أعلم
286

(وما احتج به بعض أصحاب الشافعي بهذه القولة حيث قالوا إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر الركعة البعض من الصلاة لأنه قد روى عنه من أدرك ركعتين من العصر فأشار إلى بعض الصلاة مرة بركعة ومرة بركعتين والتكبير في حكم الركعة لأنه بعض الصلاة فمن أدركها فكأنه أدرك ركعة من الصلاة فلس بشيء لأنه ينتقض عليه أصله في الجمعة ولم يختلف قوله فيها أن من لم يدرك منها ركعة تامة فلم يدركها وهو ظاهر الخبر لأن قوله في جماعة أصحابه من لم يدرك من صلاة الجمعة ركعة بسجدتيها أتمها ظهرا وهذا يقضي عليه على سائر أقواله وهو أصحها والله أعلم) (أ) وقال أبو حنيفة وأصحابه وهو قول ابن علية من طهر من الحيض أو بلغ من الصبيان أو أسلم من الكفار لم يكن عليه أن يصلي شيئا مما فات وقته وإنما يقضي ما أدرك وقته بمقدار ركعة فما زاد وهم لا يقولون بالاشتراك (في الأوقات) (ب) لا في صلاتي الليل ولا في صلاتي النهار ولا يرون لأحد الجمع بين الصلاتين لا لمسافر ولا لمريض ولا لعذر من الاعذار في وقت إحداهما لا يجوز ذلك عندهم في غير عرفة والمزدلفة وسيأتي ذكر مذاهب العلماء في الجمع بين الصلاتين في باب أبي الزبير إن شاء الله وقول حماد بن (أبي سليمان (ج) في هذه المسألة كقول أبي
287

حنيفة ذكره غندر عن شعبة قال سألت حمادا عن المراة تطهر في وقت العصر قال تصلى العصر فقط وقال أبو حنيفة وأصحابه فيمن أغمي عليه خمس صلوات فأقل منها ثم أفاق أنه يقضيها ومن أغمي عليه أكثر من ذلك ثم أفاق لم يقضه وهذا قول الثوري إلا أنه قال أحب إلى أن يقضي وقال الحسن بن حي إذا أغمي عليه خمس صلوات فما دونها قضى ذلك كله (أ) إذا أفاق وإن أغمي عليه أياما قضى خمس صلوات فقط ينظر حتى (ب) يفيق فيقضي ما يليه وقال زفر في المغمى عليه يفيق والحائض تطهر والنصراني يسلم والصبي يحتلم انه لا يجب على واحد منهم قضاء صلاة الا بأن يدركوا من وقتها مقدار الصلاة كلها (ج) بكمالها كما لا يجب عليه من الصيام الا ما أدرك وقته بكماله قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة على ما في حديث هذا الباب يرد قول زفر هذا والله المستعان وقال أبو ثور في المغمى عليه لا يقضي إلا صلاة وقته مثل أن يفيق نهارا قبل غروب الشمس فيقضي الظهر والعصر ولا يصلي الفجر وأن أفاق قبل الفجر صلى المغرب والعشاء لا غير (وأن أفاق بعد لطلوع الفجر لم يجب عليه من صلاة الليل شيء
288

فإن أفاق) (أ) بعد طلوع الشمس فليس عليه صلاة الصبح وقال أحمد بن حنبل إذا طهرت الحائض أو أسلم الكافر أو بلغ الصبي قبل أن تغرب الشمس صلوا الظهر والعصر وإن كان ذلك قبل أن يطلع الفجر صلى المغرب والعشاء وقال أحمد بن حنبل أيضا في المغمى عليه فإنه يجب عليه عنده أن يقضي الصلوات كلها التي كانت في
اغمائه وهو قول عبيد الله بن الحسن العنبري (ب) قاضي البصرة لا فرق عندهما بين النائم وبين المغمى عليه في أن كل واحد منهما يقضي جميع ما فاته وقته وأن كثر وهو قول عطاء بن أبي رباح وروى ذلك عن عمار بن ياسر وعمران بن حصين وروى ابن رستم عن محمد بن الحسن أن النائم إذا نام أكثر من يوم وليلة فلا قضاء عليه قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال هذا القول في النائم غير (ج) محمد بن الحسن فإن صح هذا عنه فهو خلاف السنة لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من نام عن صلاة (1) أو نسيها فليصلها إذا ذكرها
289

وأجمعوا ان من نام عن خمس صلوات قضاها فكذلك في القياس ما زاد عليها وأما قول (أ) من قال يقضي المغمى عليه (ب) إذا أغمي عليه خمس صلوات فدون ولا يقضي أكثر فقول ضعيف لا وجه له في النظر لأنه تحكم لا يجب امتثاله الا لو كان قول من يجب التسليم له وأصح ما في هذا الباب في المغمى عليه يفيق أنه لا قضاء عليه لما فاته وقته وبه قال ابن شهاب والحسن وابن سيرين وربيعة ومالك والشافعي وأبو ثور وهو مذهب عبد الله بن عمر أغمي عليه فلم يقض شيئا مما فات وقته وهذا هو القياس عندي والله أعلم لأن الصلاة تجب للوقت فإذا فات الوقت لم تجب إلا بدليل لا تنازع فيه ومن لم يدرك من الوقت مقدار ركعة وفاته ذلك بقدر من الله فلا قضاء عليه والأصول مختلفة في قضاء ما يجب من الأعمال في أوقات معينة (إذا فاتت أوقاتها فمنها ان صوم رمضان في وقت بعينه فإذا منع المسلم من صيامه علة كان عليه أن يأتي بعدته من أيام أخر ومنها أن أعمال الحج أوقات معينة) (ج) فإذا فات وقتها لم تعمل في غيرها كالوقوف بعرفة وبالمزدلفة وغير ذلك من أعمال الحج وكرمي الجمار في أيامها وكالضحايا في أيامها لا يعمل
290

شيء من ذلك في غيرها قام دليل الاجماع على ذلك وقام الدليل من القرآن على ما ذكرنا في قضاء الصيام فلما احتملت الصلاة الوجهين جميعا طلبنا الدليل على ذلك فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين مراد الله منها فيمن نام أو نسي أنه يقضي ورأينا العاجز عن القيام في الصلاة أنه يسقط عنه وكذلك أن عجز عن الجلوس وغيره حتى يومئ إيماء فإذا لم يقدر على الايماء فهو المغمى عليه ووجب سقوط ذلك عنه بخروج الوقت (ودليل آخر) (1) من الاجماع وذلك أنهم أجمعو على أن المجنون المطبق لا شيء عليه (بخروج الوقت) (ب) من صلاة ولا صيام إذا افاق من جنونه واطباقه وكان المغمى عليه أشبه به منه بالنائم إذ لا يجتذبه غير هذين الأصلين ووجدناه لا ينتبه إذا نبه وكان ذلك فرقا بينه وبين النائم وفرق آخر أن النوم لذة ونعمة والاغماء علة ومرض من الأمراض فحاله بحال من يجن أشبه منه بحال النائم ولقول أحمد بن حنبل وعبيد الله بن الحسن وجوه في القياس أيضا مع الاحتياط واتباع رجلين من الصحابة وأما قول من قال يقضي خمس صلوات ولا يقضي ما زاد فقول لا برهان له به ولا وجه يجب التسليم له وقالت طائفة من العلماء منهم ابن عليه وهو أحد أقوال الشافعي وهو المشهور عنه في البويطي وغيره إذا طهرت الحائض في وقت صلاة وأخذت في غسلها فلم تفرغ حتى خرج وقت تلك الصلاة
291

وجب عليها قضاء تلك الصلاة لأنها في وقتها غير حائض وليس فوت الوقت عن الرجل بمسقط عنه الصلاة ان اشتغل بوضوئه أو غسله حتى فاته الوقت وكذلك لحائض إذا طهرت لا تسقط عنها الصلاة من أجل غسلها لأن شغلها بالاغتسال لا يضيع عنها ما لزمها من فرض الصلاة وإنما تسقط الصلاة عن الحائض ما دامت حائضا فإذا طهرت فهي كالجنب ولزمها صلاة وقتها (التي طهرت فيه) (أ) (قال الشافعي وكذلك المغمي عليه يفيق والنصراني يسلم قبل غروب الشمس أو قبل طلوع الفجر أو قبل طلوع الشمس بركعة ثم اشتغل بالوضوء حتى خرج الوقت قال ولا يقضي أحد من هؤلاء شيئا من الصلوات التي فات وقتها) (ب) وقال الشافعي وابن علية لو أن امرأة حاضت في أول وقت الظهر بمقدار ما يمكنها فيه صلاة الظهر ولم تكن صلت لزمها قضاء صلاة الظهر لأن الصلاة تجب بأول الوقت وليس تسقط عنها لم كان لها من تأخير الصلاة إلى آخر وقتها ما وجب عليها من الصلاة بأوله قالوا والدليل على أن الصلاة تجب بأول الوقت ان مسافرا لو صلى في أول الوقت قبل أن يدخل المصر ثم دخل المصر في وقته أجزأه فإن حاضت وقد مضى من الوقت قدر ما لا يمكنها فيه الصلاة (بتمامها لم يجب قضاؤها لأنه لم يأت عليها من الوقت ما يمكنها
292

فيه الصلاة) (أ) كما لو حاضت وهي في الصلاة في أول وقتها لم تكن عليها اعادتها لأن الله منعها ان تصلي وهي حائض وقال بعض أصحاب الشافعي لم يجز أن يجعل أول الوقت ها هنا كآخره فيلزمها بادراك ركعة الصلاة كلها أو الصلاتان لأن البناء في آخر الوقت يتهيأ على الركعة ولا يتهيأ البناء في أول الوقت لأن تقديم ذلك قبل دخول الوقت لا يجوز وروى ابن وهب عن الليث في الرجل تزول عليه الشمس وهو يريد سفرا فلا يصلي حتى يخرج قال يصلي صلاة المقيم لأن الوقت دخل عليه قيل الخروج ولو شاء أن يصلي صلى والكلام في تعليل هذه المسائل يطول وقد ذكرنا منها أصول معانيه وما مداره عليه والحمد لله وقال مالك وأبو حنيفة (والأوزاعي وأصحابهم) (ب) لا شيء على المراة إذا حاضت في بقية من الوقت على ما قدمنا عنهم أن الحائض لا صلاة عليها وقد كانت موسعا لها في الوقت ومسائل هذا الباب تكثر جدا وهذه أصولها التي تضبط بها وأصل هذا الباب كله الحديث المذكور في أوله وبالله العون والتوقيف لا شريك له وأما الوجه الثالث من معاني حديث هذا الباب وهو جواز (من صلى) (ج) صلاة الصبح عند طلوع الشمس أو العصر عند غروب الشمس ممن نام أو نسي فإن العلماء اختلفوا في ذلك
293

فقال الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه لا يقضي أحد صلاة عند طلوع الشمس ولا عند قيام قائم الظهيرة ولا عند غروب الشمس غير (أ) عصر يومه خاصة فإنه لا بأس ان يصليها عند غروب الشمس من يومه لأنه يخرج إلى وقت تجوز فيه الصلاة قالوا ولو دخل في صلاة الفجر فلم يكلمها حتى طلعت عليه الشمس بطلت عليه واستقبلها بعد ارتفاع الشمس ولو دخل في صلاة العصر فاصفرت الشمس أتمها إذا كانت عصر يومه خاصة واحتجوا لما ذهبوا اليه في هذا الباب بحديث الصنابحي وحديث عمرو بن عبسة وحديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها وجعلوا نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات نهى عموم كنهيه عن صيام يوم الفطر ويوم النحر لأنه (ب) لا يجوز لأحد أن يقضي فيها فرضا من صيام ولا يتطوع بصيامها وهذا إجماع قالوا فكذلك نهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها واستوائها يقتضي صلاة النافلة والفريضة ومنهم من زعما حديث هذا الباب منسوخ بأحاديث النهي عن الصلاة في تلك الأوقات واحتجوا
أيضا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام عن الصلاة واستيقظ في حين طلوع الشمس أخر الصلاة حتى ارتفعت
294

قالوا وبهذا تبين أن نهيه عن الصلاة في تلك الأوقات ناسخ لحديث الباب فذكروا حديث الثوري عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن رجل من ولد كعب بن عجرة أنه نام عن الفجر حتى طلعت الشمس قال فقمت أصلي فدعاني فأجلسني أعني كعب بن عجرة حتى ارتفعت الشمس وابيضت ثم قال قم فصل وحديث معمر والثوري عن أيوب عن ابن سيرين أن أبا بكرة أتاهم في بستان لهم فنام عن العصر قال فرأيناه أنه صلى ولم يكن صلى فقام فتوضأ ولم يصل حتى غابت الشمس قال أبو عمر أما الخبر عن كعب بن عجرة فلا تقوم به حجة لأنه عن رجل مجهول من ولده وأما حديث أبي بكرة فهم يخالفونه في عصر يومه ويرون جواز ذلك وقد أجمعوا أن السنة لا ينسخها الا سنة مثلها ولا تنسخ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول (غيره لأنه مأمور باتباعه ومحظور من مخالفته) (أ) وقال مالك والشافعي وأصحابهما والثوري والأوزاعي وداود والطبري من نام عن صلاة أو نسيها أو فاتته بأبي
295

سبب كان فليصلها بعدالصبح وبعدالعصر وعند الطلوع وعند الاستواء وعند الغروب وفي كل وقت ذكرها فيه وهو قول أكثر التابعين بالحجاز واليمن والعراق وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال صلها حين تذكرها وإن كان ذلك في وقت تكره فيه الصلاة وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقدأدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل ان تطلع الشمس فقد أدرك الصبح فهذا الحديث يبيح الصلاة في حين الطلوع والغروب لمن ذكر صلاة بعد نسيان أو غفلة أو تفريط ويؤيد هذاالظاهر أيضا قوله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فيصلها إذا ذكرها ولم يخص وقتا من وقت فذلك على كل حال (أ) وقت لمن نام أو نسي حدثنا أحمد بن عاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس (ب) (1496) عن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى من الصبح ركعة قبل
296

أن تطلع الشمس وطلعت فليصل (1) إليها أخرى وهذا نص في ابطال قول أبي حنيفة (ومن تابعه) (أ) وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد ابن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا همام عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها) (ب) لا كفارة لها إلا ذلك ولا وجه لقول من ادعى النسخ في هذا الباب لأن النسخ إنما يكون فيما يتعارض ويتضاد ولو جاز لقائل أن يقول إن نهيه عن الصلاة في تلك الأوقات ناسخ لقوله من أرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر وناسخ لقوله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ولا يأتي على ذلك بدليل لا معارض له لجاز لقائل أن يقول إن هذين الحديثين قد نسخا نهيه عن الصلاة في تلك الأوقات وهذا لا يجوز لأحد أن يدعى النسخ فيما ثبت بالاجماع وبدليل لا معارض له فلهذا صح قول من قال إن النهي إنما ورد في النوافل دون الفرائض ليصح استعمال الآثار كلها ولا يدفع بعضها ببعض وقد أمكن استعمالها
297

ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لو قال في مجلس واحد لا صلاة بعدالعصر ولا بعد الصبح ولا عند طلوع الشمس وعند استوائها وغروبها الا من نسي صلاة وجبت عليه أو نام عنها ثم فزع إليها لم يكن في هذا الكلام تناقض ولا تعارض وكذلك هو إذا ورد هذا اللفظ في حديثين لا فرق بينه وبين أن يرد في حديث واحد ولا فرق أن يكون ذلك في وقت أو وقتين فمن حمل قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر أو الصبح قبل الطلوع والغروب فقد أدرك على الفرائض ورتبه على ذلك وجعل نهيه عن الصلوات في تلك الأوقات مرتبا على النوافل فقد استعمل جميع الآثار والسنن ولم ينسب اليه أنه رد سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا التأويل في هذه الآثار عامة علماء الحجاز وفقهاؤهم وجميع أهل الأثر وهذا أصل عظيم جسيم في ترتيب السنن والآثار فتدبره وقف عليه ورد كل ما يرد عليك من بابه اليه ومن قبيح غلطهم في ادعائهم النسخ في هذا الباب أنهم أجازوا لمن غفل أو نام عن عصر يومه أن يصليها في الوقت المنهي عنه فلم يقودوا أصلهم في النسخ ولا فرق بين عصر يومه وغير يومه في نظر ولا أثر ولو صح النسخ دخل فيه عصر يومه وغير يومه وفي قولهم هذا اقرار منهم بالخصوص في أحاديث النهي والخصوص
298

أن يقتصر بها على التطوع دون ما عداه من الصلوات (المنسيات المكتوبات) (أ) هذا قول مالك وأصحابه وزاد الشافعي وأصحابه المسنونات وأما قولهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الفائتة حين انتبه عند طلوع الشمس فليس كما ظنوا لأنا قد روينا أنهم لم ينتبهوا يومئذ الا لحر الشمس والشمس لا تكون لها حرارة الا في وقت تحل فيه الصلاة إن شاء الله أخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن (ب) مطعم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقال من يكلؤنا (1) الليلة لا نرقد عن صلاة الفجر فقال بلال أنا فاستقبل مطلع الشمس فضرب على آذانهم حتى أيقظهم حر الشمس ثم قاموا فقادوا ركابهم فتوضأوا ثم أذن بلال (ثم صلو ركعتي الفجر ثم صلوا الفجر) (ج) وسنذكر أحاديث النوم عن الصلاة في باب مرسل زيد بن أسلم وباب ابن شهاب عن ابن المسيب إن شاء الله
299

ونذكر أحاديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس (وعند غروبها واستوئاها) (أ) في باب زيد بن اسلم عن عطاء ابن يسار عن الصنابحي ونبين معناها عند العلماء ونذكر حديث نهيه عن الصلاة بعدالصبح وبعدالعصر في باب محمد بن يحيى بن حبان (ونذكر أحاديث النوم عن الصلاة في باب مرسل زيد بن أسلم) (ب) ونورد في كل باب من هذه الأبواب ما للعلماء في ذلك من المذاهب والتنازع إن شاء الله
300

حديث سادس لزيد بن أسلم مرسل صحيح مالك عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس أنه قال خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقام قياما طويلا قال نحوا من سورة البقرة قال ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع رأسه من الركوع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا
وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم انصرف وقد تجلت الشمس فقال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت فقال إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط ورأيت أكثر
301

أهلها النساء قالوا ولم (أ) يا رسول الله قال لكفرهن قالوا (ب) أيكفرن بالله قال يكفرن العشير ويكفرن الاحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط هذا من أصح حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف وهي ركعتان في كل ركعة ركوعان فحصلت أربع ركعات وأربع سجدات وكذلك روى ابن شهاب عن (كثير (1497) (ج) بن عباس) عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديثها أيضا في ذلك أثبت حديث وأصحه رواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وعن يحيى بن سعيد عن مرة عن عائشة بمعنى واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وكذلك رواه ابن شهاب عن عروة عن عائشة وبه يقول مالك والشافعي وأصحابهما وهو قول أهل الحجاز وقول الليث بن سعد وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور فأما قوله في هذا الحديث وهو دون القيام الأول فإنه أراد بقوله أن القيام الأول أطول من الثاني وكذلك الركوع الأول
302

أطول من الثاني في الركعة الأولى وأراد (أ) والله أعلم في الركعة الثانية ان القيام الأول فيها دون القيام الأول في الركعة الأولى والركوع الأول فيها دون الركوع الأول في الركعة الأولى وأراد ((ب) والله أعلم بقوله في القيام الأول فيها وكذلك ركوعه الثاني فيها دون ركوعه الأول فيها وقد قيل غير هذا وهذا أصح ما قيل في ذلك عندي والله أعلم لتكون الركعتان معتدلتين في أنفسهما وكما (ج) نقص القيام الثاني (د) في الركعة الأولى عن القيام الأول فيها والركوع الثاني في الأولى عن الركوع الأول فيها نفسها فكذلك يجب أن تكون الركعة الثانية ينقص قيامها الثاني عن قيامها الأول وركوعها الثاني عن ركوعها الأول فيها نفسها ويكون قيامها الأول دون القيام الأول في الركعة الأولى وركوعها الأول دون الركوع الأول في الركعة الأولى وجائز على هذا (ه) القياس أن يكون القيام الأول في الركعة الثانية مثل القيام الثاني في الركعة الأولى وجائز أن يكون دونه وحسبه أن يكون دون القيام الأول في الركعة الأولى والقول في الركوع على هذا القياس فتدبره وبالله التوفيق وقال مالك لم أسمع أن السجود يطول في صلاة الكسوف وهو مذهب الشافعي
303

ورأت فرقة من أهل الحديث تطويل السجود في ذلك وروته عن ابن عمر وقال العراقيون منهم أبو حنيفة وأصحابه والثوري صلاة الكسوف كهيئة صلاتنا ركعتان نحو صلاة الصبح ثم الدعاء حتى تنجلى وهو قول إبراهيم النخعي قال أبو عمر روى نحو قول العراقيين عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من حديث أبي بكرة وسمرة بن جندب و عبد الله بن عمر وقبيصة الهلالي والنعمان بن بشير و عبد الرحمن (1498) بن سمرة (أ) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد (1499) بن أبي شعيب
304

قال حدثنا الحارث (1500) بن عمير البصري عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال كشفت (1) الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ويسلم حتى تجلت الشمس (أ) (حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة الهلالي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا انكسفت (2) الشمس أو القمر فصلوا كأحدث صلاة صليتموها مكتوبة) (ب) قال أبو عمر الأحاديث في هذا الوجه في بعضها اضطراب تركت ذلك لشهرته عند أهل الحديث ولكراهة التطويل والمصير إلى حديث ابن عباس وعائشة من رواية مالك أولى لأنهما أصح ما روى في هذا الباب من جهة الاسناد ولأن فيها زيادة في كيفية
305

الصلاة يجب قبولها واستعمال فائدتها ولأنهما قد وصفا صلاة الكسوف وصفا يرتفع معه الاشكال والوهم فإن قيل إن طاوسا روى عن ابن عباس انه صلى في صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات ثم سجد وإن عبيد ابن عمير روى عن عائشة مثل ذلك وإن عطاء روى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ست ركعات في أربع سجدات وإن أبا العالية روى عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات في ركعتي الكسوف وأربع سجدات فلم يكن المصير عندك إلى زيادة هؤلاء أولى قيل له إنما تقبل الزيادة من الحافظ إذا ثبتت عنه وكان أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله في الحفظ لأنه كأنه حديث آخر مستأنف وأما إذا كانت الزيادة من غير حافظ ولا متقن فإنها لا يلتفت إليها وحديث طاوس هذا مضطرب ضعيف رواه وكيع عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ورواه غير الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس لم يذكر طاوسا ووقفه ابن عيينة عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس (فعله) (أ) ولم يرفعه وهذا الاضطراب يوجب طرحه واختلف أيضا في متنه فقوم يقولون أربع ركعات في ركعة وقوم يقولون ثلاث ركعات في ركعة (ب) ولا يقوم بهذا الاختلاف حجة
306

وأما حديث جابر فرواه أبو الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم اربع (1) ركعات في أربع سجدات مثل حديث ابن عباس هذا ذكره أبو داود قال حدثنا مؤمل ابن هشام قال حدثنا إسماعيل بن علية قال حدثنا هشام قال حدثنا أبو الزبير وأما حديث أبي بن كعب فإنما يدور على أبي جعفر الرازي عن الربيع عن أنس عن أبي العالية وليس هذا الاسناد عندهم بالقوي وأما حديث عبيد بن عمير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ثلاث ركعات وسجدتين في كل ركعة فإنما يرويه قتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة وسماع قتادة عندهم من عطاء غير صحيح وقتادة إذا لم يقل سمعت وخولف في نقله فلا تقوم به حجة لأنه يدلس كثيرا عمن
من لم يسمع منه وربما كان بينهما غير ثقة وليس مثل هذه الأسانيد يعارض بها حديث عروة وعمرة عن عائشة ولا حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس لأنها من الآثار التي لا مطعن لأحد فيها وقد كان أبو داود الطيالسي يروى حديث قتادة هذا عن هشام عن قتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة موقوفا لا يرفعه
307

حدثنا محمد بن إبراهيم ومحمد بن حكم قالا حدثنا محمد ابن معاوية قال حدثنا الفضل بن الحباب القاضي قال حدثنا أحمد بن الفرات أبو مسعود قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هشام عن قتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت صلاة الآيات (1) ست ركعات وأربع سجدات قال أبو مسعود ولم يرفعه أبو داود ورفعه معاذ بن هشام قال أبو عمر قول ابن عباس في حديثنا المذكور في هذا الباب حيث قال نحوا من سورة البقرة دليل على سنة القراءة في صلاة الكسوف أن تكون سرا وكذلك روى ابن إسحاق عن هشام بن عروة وعبد الله (1501) ابن أبي سلمة عن عروة عن عائشة قالت كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فصلى بالناس فأقام فأطال القيام فحزرت (2) قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة وساق الحديث وسجد سجدتين ثم قام فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة آل عمران
308

وهذا يدل على أن قراءته كانت سرا ولذلك روى سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يسمع (1) له صوت في صلاة الكسوف وبذلك قال مالك والشافعي وأصحابهما وهو قول أبي حنيفة والليث بن سعد والحجة لهم ما ذكرنا أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد ابن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زهير قال حدثنا الأسود بن قيس قال حدثني ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة أنه شهد خطبة يوما لسمرة فذكر حديث الكسوف بتمامه وفيه فصلى بنا فقام كأطول ما قام بنا قط لا نسمع له صوتا وذكر الحديث أخبرنا عبد الله بن إبراهيم (أ) بن أسد قال حدثنا حمزة ابن محمد بن أحمد بن شعيب بن علي قال أخبرنا عمرو بن منصور قال أخبرنا (ب) أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن الأسود (1502) بن قيس عن
309

ثعلبة (1503) بن عباد عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم كسوف الشمس لا يسمع له صوت وقد روى عن ابن عباس أنه قال في صلاة الخسوف كنت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم فما سمعت منه حرفا ومن حجة من ذهب إلى هذا المذهب ما جاء في الخبر صلاة النهار عجماء وروى عن علي رضي الله عنه أنهم حزروا قراءته (بالروم ويس أو العنكبوت) (أ) وروى عن أبان بن عثمان أنه قرا في صلاة الكسوف سأل سائل والذي استحستن مالك والشافعي أن يقرا في الأولى بالبقرة وفي الثانية بآل عمران وفي الثالثة بقدر مائة آية وخمسين آية من البقرة (وفي الرابعة بقدر خمسين آية من البقرة (ب) وفي كل واحدة أم القرآن لا بد وكل ذلك لا يسمع للقارئ فيه صوت وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن يجهر بالقراءة في صلاة الكسوف وروى عن علي بن أبي طالب أنه جهر وعن زيد بن أرقم والبراء بن عازب والعلاء (ج) بن يزيد مثله وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه
310

واحتجوا أيضا بحديث سفيان (أ) (1504) بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة إن النبي صلى الله عليه وسلم جهر (1) بالقراءة في كسوف الشمس (وفي حديث أبي ابن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بسورة من الطول ثم ركع خمس ركعات وسجد سجدتين ثم قام إلى الثانية فقرأ بسورة من الطول ثم ركع خمس ركعات وسجد سجدتين ثم جلس كما يدعو ثم انجلى كسوفها وقد يحتمل ان يكون قوله سورة من الطول في تقديره والظاهر فيه الجهر والله أعلم ولكنه حديث يدور على أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي وقد تكلم في هذا الاسناد) (ب) وسفيان بن حسين في الزهري ليس بالقوي وقد تابعة على ذلك عن الزهري عبد الرحمن بن نمير وسليمان بن كثير وكلهم لين الحديث عن الزهري
311

(ومن حجة من قال بالجهر في صلاة الكسوف اجماع العلماء على أن كل صلاة سنتها ان تصلى في جماعة من صلوات السنن سنتها الجهر كالعيدين والاستسقاء وكذلك الخسوف) (أ) وقال الطبري إن شاء جهر في صلاة الكسوف وإن شاء أسر وإن شاء قرأ في كل ركعة مرتين وركع فيها ركوعين وإن شاء اربع قراءات وركع أربع ركعات وإن شاء ثلاث ركعات في ركعة وإن شاء ركعتين كصلاة النافلة واختلف الفقهاء أيضا في صلاة الكسوف هل هي في كل النهار أم لا فروى ابن وهب عن مالك قال لا يصلى الكسوف إلا في حين صلاة قال فإن كسفت في غير حين الصلاة ثم جاء حين الصلاة والشمس لم تنجل صلوا فإن تجلت (ب) قبل ذلك لم يصلوا وروى ابن القاسم عنه قال لا أرى ان يصلى الكسوف بعد الزول وإنما سنتها تصلى ضحى إلى الزوال وقال الليث ابن سعد يصلى الكسوف نصف النهار لأن نصف النهار لا يثبت لسرعة الشمس وقال الليث حججت سنة ثلاث عشرة ومائة (ج) وعلى الموسم سليمان بن هشام وبمكة عطاء بن أبي رباح وابن شهاب وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد وعمرو بن شعيب وقتادة وأيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية فكسفت الشمس (د) بعد العصر فقاموا قياما يدعون الله بعد العصر في
312

المسجد فقلت لأيوب بن موسى ما لهم لا يصلون وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف فقال النهي قد جاء عن الصلاة بعد العصر فلذلك لا يصلون والنهي يقطع الأمر ذكره الحلواني عن ابن أبي مريم وأبي صالح كاتب الليث جميعا عن الليث وقال أبو حنيفة وأصحابه والطبري لا تصلى صلاة الكسوف في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها وقال الشافعي تصلى نصف النهار وبعد العصر وفي كل وقت وهو قول أبي ثور وقال إسحق تصلى (أ) في كل وقت الا في حين الطلوع والغروب والنهي عند الشافعي عن الصلاة بعد العصر (في كل وقت وهو قول أبي ثور) (ب) إنما هو على التطوع المبتدأ فأما الفرائض والسنن وما كان من عادة المرء أن يصليه فلا وسيأتي اختلافهم في هذا المعنى في موضعه من هذا الكتاب (ج) إن شاء الله بحجة كل واحد منهم ولا حول ولا قوة الا بالله وقال إسحق بن راهويه في صلاة الكسوف إن شاء أربع ركعات في ركعتين وإن شاء ست ركعات في ركعتين كل ذلك مؤتلف يصدق بعضه بعضا لأنه إنما كان يزيد في الركوع إذا لم ير الشمس قد تجلت فإذا تجلت سجد قال فمن ها هنا زيادة الركعات (د) ولا يجاوز بذلك أربع ركعات في كل ركعة لأنه لم يأتنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك
313

قال أبو عمر قد روى من حديث أبي هريرة (أ) عن النبي صلى الله عليه وسلم خمس ركعات (في كل ركعة) (ب) على ما قدمنا ذكره في كل ركعة وهو حديث لين ومثله روى عن علي رحمه اله أنه صلى في الكسوف خمس (ج) ركعات وسجد (د) سجدتين ثم قام ففعل في الركعة الثانية مثل ذلك وروى عن الحسن مثل ذلك
وأصح شيء في هذا الباب حديث ابن عباس وعائشة أربع ركعات في اربع سجدات والله أعلم وقد روى عن أحمد بن حنبل وقاله جماعة من أصحاب الشافعي ان الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف كلها حسان وبايها عمل الناس جاز عنهم الا أن الاختيار عندهم ما في حديث ابن عباس هذا وما كان مثله واختلفوا أيضا في صلاة كسوف القمر فقال العراقيون ومالك وأصحابه لا يجمع في صلاة القمر ولكن يصلى الناس افذاذا ركعتين كسائر الصلوات والحجة لهم قوله صلى الله عليه وسلم صلاة (1) المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة وخص صلاة كسوف الشمس بالجمع لها ولم يفعل ذلك في
314

كسوف القمر فخرجت صلاة كسوف الشمس بدليلها وما ورد من التوفيق فيها وبقيت صلاة كسوف القمر على أصل ما عليه النوافل وقال الليث بن سعد لا يجمع في صلاة القمر ولكن الصلاة فيها كهيئة الصلاة في كسوف الشمس وهو قول عبد العزيز (1505) بن أبي سلمة ذكره ابن وهب عنه وقال ذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا (1) رأيتم ذلك بهما فافزعوا إلى الصلاة وقال الشافعي وأصحابه وأهل الحديث وأحمد وإسحق وأبو ثور وداود والطبري الصلاة في كسوف القمر كهي في كسوف الشمس سواء وهو قول الحسن وإبراهيم وعطاء وحجتهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إن الشمس (2) والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله قال الشافعي رحمه الله فكان الذكر الذي فزع اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كسوف الشمس هو الصلاة المذكورة فكذلك خسوف القمر يجمع الصلاة عنده على حسب الصلاة عند كسوف الشمس لأنه صلى الله عليه وسلم قد جمع بينهما في الذكر
315

ولم يخص أحداهما من الأخرى بشيء وقال صلى الله عليه وسلم أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفا لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا وروى عبد الله بن عباس عنه أنه (أ) قال فافزعوا إلى الصلاة إذا رأيتم ذلك وعرفنا كيف الصلاة عند إحداهما فكان دليلا على الصلاة عند الأخرى اه قال أبو عمر روى عن ابن عباس وعثمان بن عفان انهما صليا في القمر جماعة ركعتين في كل ركعة ركوعان مثل قول الشافعي على حديث ابن عباس المذكور في هذا الباب وأخبرنا (ب) عبد الله بن محمد الجهني قال حدثنا حمزة ابن محمد الكناني قال حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال حدثنا عمران بن موسى قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا يونس عن الحسن عن أبي بكرة قال كنا (1) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم (يجر رداءه) (ج) حتى انتهى إلى المسجد وثاب اليه الناس فصلى ركعتين فلما انكسفت الشمس قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف بهما الله عباده وإنهما لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى
316

ينكشف ما بكم وذلك أن أبنا له مات يقال له إبراهيم فقال ناس في ذلك وقد روى عن مالك أنه قال ليس في صلاة كسوف القمر سنة ولا صلاة فيها الا لمن شاء وهذا شيء لم يقله أحد من العلماء غيره والله أعلم وسائر العلماء يرون صلاة كسوف القمر سنة كل على مذهبه واختلفوا أيضا بعد صلاة الكسوف فقال الشافعي ومن اتبعه وهو قول إسحاق والطبري يخطب بعدالصلاة في الكسوف كالعيدين ولاستسقاء واحتج الشافعي بحديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في حديث الكسوف وفيه ثم انصرف وقد تجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله الحديث وبه احتج كل من رأى الخطبة في الكسوف وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما لا خطبة في الكسوف واحتج بعضهم في ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خطب الناس لأنهم قالوا إن الشمس كسفت لموت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك خطبهم يعرفهم ان الشمس والقمر لا ينكسفان (أ) لموت أحد ولا لحياته وكان مالك والشافعي لا يريان الصلاة عند الزلزلة ولا عند الظلمة والريح الشديدة ورآها جماعة من أهل العلم منهم أحمد وإسحاق وأبو ثور وروى عن ابن عباس إنه صلى في زلزلة
317

قال ابن مسعود إذا سمعتم هذا من السماء فافزعوا إلى الصلاة وقال أبو حنيفة من فعل فحسن ومن لا فلا حرج قال أبو عمر لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح أن الزلزلة كانت في عصره ولا صحت عنه فيها سنة وقد كانت (أول ما كانت) (أ) في الاسلام على عهد عمر فأنكرها فقال أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم رواه ابن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية (ب) قالت زلزلت المدينة على عهد عمر حتى اصطكت (1) السرر فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ما أسرع ما أحدثتم والله لئن عادت لأخرجن من بين أظهركم ورى حماد بن سلمة عن قتادة عن عبد الله بن الحارث قال زلزلت الأرض بالبصرة فقال ابن عباس والله ما أدري أزلزلت الأرض أم بي أرض فقام بالناس فصلى يعني صلاة الكسوف اه وأما قوله في الحديث رأيناك تكعكعت فمعناه عند أهل اللغة اخنست (ج) وتأخرت (وقال الفقهاء معناه تقهقرت والأمر كله قريب
318

وقال متمم بن نويرة
* ولكنني أمضي على ذاك مقدما
* إذا بعض من لاقى الخطوب تكعكعا) (أ
* وأما قوله عليه السلام إني رايت الجنة ورأيت النار فإن الآثار في رؤيته لهما صلى الله عليه وسلم كثيرة وقد رآهما مرارا والله أعلم على ما جاءت به الأحاديث وعندالله علم كيفية رؤيته لهما صلى الله عليه وسلم فيمكن ان يمثلا له فينظر اليهما بعيني وجهه كما مثل له بيت المقدس حين كذبه الكفار بالاسراء فنظر اليه وجعل يخبرهم عنه وممكن أن يكون ذلك برؤية القلب قال الله عز وجل * (وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) * واختلف أهل التفسير في ذلك فقال مجاهد فرجت له السماوات فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره (ب) إلى العرش وفورجت له الأرضون (ج) السبع فنظر إلى ما فيهن اه ذكره حجاج عن ابن جريج قال أخبرني القاسم بن أبي بزة عن مجاهد وذكره معمر عن قتادة قال ملكوت السماوات الشمس والقمر والنجوم وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار والظاهر في هذا الحديث أنه رأى الجنة والنار رؤية عين والله أعلم وتناول من الجنة عنقودا على ما ذكر صلى الله عليه وسلم ويؤيد ذلك قوله فلم أر كاليوم منظرا قط (د) فالظاهر
319

الأغلب انها رؤية عين لأن الرؤية والنظر إذا أطلقا فحقهما أن يضافا إلى رؤية العين الا بدليل لا يحتمل تأويلا والا فظاهر الكلام وحقيقته أولى إذا لم يمنع منه مانع دليل (يجب التسليم له وفي الحديث أيضا من ذكر الجنة والنار) (أ) دليل على أنهما مخلوقتان وعلى ذلك جماعة أهل العلم وأنهما لا يبيدان من بين سائر المخلوقات وأهل البدع ينكرون ذلك وأما قوله في العنقود ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا فكما قال صلى الله عليه وسلم حدثني أحمد بن عمر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا محمد بن إسحاق السجسي قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عمرو بن يزيد البكالي (ب) عن عتبة (1506) بن عبد السلمي قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله (1) عن الجنة وذكر الحوض
320

فقال (أ) فيها فاكهة قال نعم شجرة (ب) تدعى طوبى قال يا رسول الله أي شجر أرضنا تشبه قال لا تشبه شيئا من شجر أرضك أئت (ج) الشام هناك شجرة تدعى الجوزة تنبت على ساق يفترش أعلاها قال يا رسول الله فما عظم أصلها قال لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما قال هل فيها عنب قال نعم قال فما عظم العنقود منها قال مسيرة الغراب شهر الا يقع ولا يفتر قال فما عظم حبها (د) قال أما عمد أبوك وأهلك إلى جذعة فذبحها وسلخ أهابها فقال افروا (ه) (1) لنا منها دلوا فقال رسول الله أن تلك الحبة لتشبعني (و) وأهل بيتي قال نعم وأهل (ز) عشيرتك قال أبو عمر روينا عن بعض الصحابة لا أقف على اسمه في وقتي هذا أنه قال كان يسرنا أن تأتي الأعراب يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يسألون عن أشياء لا نقدم نحن على السؤال عنها أو نحو هذا وقال بعض أهل العلم ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء وأما قوله فرأيت النار فلم أر
321

كاليوم منظرا قط ورأيت أكثر أهلها النساء فإنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال اطلعت (1) في الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قالا جميعا حدثنا هوذة بن خليفة قال حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أسامة ابن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قمت (2) على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين وإذا أصحاب الجد محبوسون الا أصحاب النار فقد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء وأما قوله في الحديث قالوا لم يا رسول الله قال لكفرهن قيل أيكفرن بالله قال ويكفرن العشير (ويكفرن الاحسان وهكذا رواه يحيى بن يحيى ويكفرن العشير بالواو) (أ) قالوا (ب) وقد تابعه بعض
322

من نقد عليه ذلك أيضا غلطا كما عد على يحيى والمحفوظ فيه عن مالك من رواية ابن القاسم وابن وهب والقعنبي وعامة رواة الموطأ قال يكفرن العشير بغير واو وهو الصحيح في المعنى وأما رواية يحيى فالوجه فيها والله أعلم أن يكون السائل لما قال أيكفرن بالله لم يجبه عن هذا جوابا مكشوفا لإحاطة العلم بأن من النساء من يكفرن بالله كما أن من الرجال من يكفر بالله فلم يحتج إلى ذلك لأن المقصود في الحديث إلى غير ذلك (كأنه قال وأن كان من النساء من يكفرن بالله فإنهن كلهن في الغالب من أمرهن يكفرن الاحسان) (أ) الا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم للنساء المؤمنات تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار وقرأت على خلف بن القاسم ان الحسين (ب) بن جعفر الزيات حدثهم بمصر قال حدثنا يوسف بن يزيد قال حدثنا حجاج ابن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن (أبي سعيد المقبري) (ج) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الصبح فأتى النساء في المسجد فوقف عليهن فقال يا معشر النساء تصدقن فما رأيت من (1) نواقص عقل قط أو دين أذهب لقلوب ذوي الألباب
323

منكن وإني رأيتكن أكثر أهل النار يوم القيامة فتقربن إلى الله بما استطعتن وكان في النساء امرأة ابن مسعود فساق الحديث فقالت فما نقصان ديننا وعقولنا يا رسول الله قال أما ما ذكرت من نقصان دينكن فالحيضة التي تصيبكن تمكث إحداكن ما شاء الله أن تمكث لا تصلي ولا تصوم فذلك نقصان دينكن وأما ما ذكرت من نقصان عقولكن (فشهادة المرأة) (أ) نصف شهادة الرجل وأما قوله يكفرن العشير ويكفرن الاحسان فالعشير في هذا الموضع عند أهل العلم الزوج والمعنى عندهم في ذلك كفر النساء لحسن معاشرة الزوج ثم عطف على ذلك كفرهن بالاحسان جملة في الزوج وغيره وقال أهل اللغة العشير المخالط (ب) من المعاشرة ومنه قول الله عز وجل * (لبئس المولى ولبئس العشير) * قال الشاعر
* وتلك التي لم يشكها في خليقة
* عشير وهل يشكو الكريم عشير
* ج وقال آخر
* سلاهل قلاني من عشير صحبته
* وهل ذم رحلي في الرفاق (د) دخيل
*
324

حدثني سعيد بن نصر قراءة عليه ان قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا منصور قال حدثنا ذر الهمداني عن وائل بن مهانة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن فإنكن من أكثر أهل النار فقامت امرأة ليست من علية النساء فقالت لم يا رسول الله فقال لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير ثم قال عبد الله بن مسعود ما وجد من ناقص العقل والدين أغلب للرجال ذوي الرأي على أمورهم من النساء قال فقيل (أ) يا أبا عبد الرحمن فما نقصان عقلها ودينها فقال أما نقصان عقلها فجعل الله شهادة امرأتين كشهادة رجل وأما نقصان دينها فإنها تمكث كذا وكذا يوما
لا تصلي لله (ب) فيه سجدة قال أبو عمر رواه شعبة عن الحكم عن وائل (1507) بن مهانة (ج) عن عبد الله عن النبي عليه السلام نحوه قال وقال عبد الله وما رأيت من ناقصات الدين والعقل أغلب للرجال ذوي الأمر منهن ثم ذكره إلى آخره ورواه المسعودي عن الحكم عن ذر عن وائل ابن مهانة عن عبد الله موقوفا والصواب
325

فيه رواية منصور عن ذر والله أعلم وقد روى كلام ابن مسعود هذا مرفوعا وقد ذكرناه (من حديث المغيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وراه الدراوردي عن سهيل عن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فوعظ ثم قال يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت له امرأة ولم ذلك يا رسول الله قال بكثرة لعنكن وكفركن العشير وما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لألباب ذوي الرأي منكن فقالت امرأة يا رسول الله وما نقصان عقولنا وديننا فقال شهادة امرأتين منكن شهادة رجل ونقصان دينهن الحيضة تمكث إحداكن الثلاث والأربع لا تصلي وروى الليث بن سعد وبكر بن مضر عن ابن الهادي عن عبد الله بن دينار وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار قالت امرأة منهن وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن قالت يا رسول الله وما نقصان العقل والدين قال اما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا من نقصان العقل وتمكث ليلالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين هذا الحديث يدل على أن نقصان الدين قد يقع ضرورة لا تدفع إلا ترى ان الله جبلهن على ما يكون نقصا فيهن قال الله عز وجل * (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على) *
326

* (بعض) * وقد فضل الله أيضا بعض الرجال على بعض وبعض النساء على بعض وبعض الأنبياء على بعض لا يسأل عما يفعل وهو الحكيم العليم (أ) اه وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد (قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا أحمد بن خالد (ب) قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني قال أخبرنا عمران القطان عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمر (ج) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه وكذلك رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى امرأة لا تعرف حق زوجها وهي لا تستغني عنه رواه شعبة عن قتادة عن سعيد بن = المسيب عن عبد الله بن عمر موقوفا (حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمر قال لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا
327

تستغني (1) عنه) (أ) وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو طالب محمد بن زكرياء ببيت المقدس قال حدثنا محمد بن يعقوب بن الفرج قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا هشام (1508) بن يوسف قال حدثنا القاسم (1509) بن فياض عن خلاد (1510) ابن (ب) عبد الرحمن بن جعدة عن سعيد بن المسيب أنه سمع ابن عباس يقول إن امرأة قالت يا رسول الله ما خير ما أعدت المرأة قال الطاعة للزوج والاعتراف بحقه
328

حديث سابع لزيد بن أسلم مسند صحيح مالك عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ عند عطاء بن يسار في هذا الباب أيضا حديث عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال حدثني (أ) محمد بن يوسف أن عطاء بن يسار اخبره أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها قربت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جنبا (1) مشويا فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ وليس هذا (ب) باختلاف (على عطاء بن يسار في الاسناد) (ج) وهما حديثان صحيحان
329

قال أبو عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال توضؤا (1) مما غيرت النار وتوضئوا مما مست النار وذهب بعض من تكلم في تفسير حديث النبي عليه السلام إلى أن قوله عليه السلام توضئوا مما مست (النار أنه) (أ) عنى به غسل اليد لأن الوضوء مأخوذ من الوضاءة وهي النظافة فكأنه قال فنطفوا أيديكم من غمر ما مست النار ومن دسم ما مست النار وهذا لا معنى له عند أهل العلم ولو كان كما ظن هذا القائل لكان دسم ما لم تسمه النار وودك ما لم تمسه النار لا يتنظف منه ولا تغسل منه اليد وهذا لا يصح عند ذي لب وتأويله هذا يدل على ضعف نظره وقلة علمه بما جاء عن السلف في هذه المسألة اه والله أعلم وقوله صلى الله عليه وسلم توضئوا مما مست النار أمر منه بالوضوء المعهود للصلاة لمن أكل طعاما مسته النار وذلك عند أكثر العلماء (وعند جماعة أئمة الفقهاء) (ب) منسوخ بأكله صلى الله عليه وسلم طعاما مسته النار وصلاته بعد ذلك دون أن يحدث وضوءا فاستدل العلماء بذلك على أن أمره بالوضوء مما
330

مست النار منسوخ واشكل ذلك على طائفة كثيرة من أهل العلم بالمدينة والبصرة ولم يقفوا على الناسخ في ذلك من المنسوخ أو لم يعرفوا منه غير الوجه الواحد فكانوا يوجبون الوضوء مما مست النار ويتوضأون من ذلك وممن روى عنه ذلك زيد بن ثابت (وابن عمرو) (أ) وأبو موسى وأبو هريرة وعائشة وأم حبيبة (1511) أما المؤمنين واختلف فيه عن أبي طلحة الأنصاري وعن ابن عمر وأنس بن مالك وبه قال خارجة بن زيد بن ثابت وأبو بكر بن عبد الرحمن وابنه عبد الملك (1512) ومحمد ابن المنكدر وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب الزهري فهؤلاء كلهم مدنيون وقال به (ب) من أهل العراق أبو قلابة وأبو مخلد (ج) والحسن البصري ويحيى بن يعمر وهؤلاء كلهم بصريون
331

وكان ابن شهاب رحمه الله قد عرف الوجهين جميعا في ذلك وروى الحديثين المتعارضين في هذا الباب وكان يذهب إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم توضأوا مما غيرت النار ناسخ لفعله المذكور في حديث ابن عباس هذا ومثله وهذا مما غلط فيه الزهري مع سعة علمه وقد ناظره أصحابه في ذلك فقالوا كيف يذهب الناسخ على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وهم الخلفاء الراشدون فأجابهم بأن قال أعيى الفقهاء أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه (حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة عن أبي رزين قال سمعت الزهري يقول أعيى
الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه وروى أبو عاصم النبيل وهو الضحاك بن مخلد عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عبد الملك بن أبي بكر عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم توضؤوا مما غيرت النار) (أ) وجاء عن أبي هريرة في هذا الباب نحو مذهب ابن شهاب لأن أبا هريرة ممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال توضئوا مما مست النار وروى عنه أيضا أنه أكل كتف شاة فمضمض وغسل يديه وصلى فكان أبو هريرة يتوضأ مما مست النار فدل ذلك على أن مذهبه ومذهب ابن شهاب في ذلك
332

سواء وأنه اعتقد ان الناسخ قوله صلى الله عليه وسلم توضئوا مما مست النار فأما حديثه في الرخصة في ذلك فرواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف (1) شاة فمضمض وغسل يديه وصلى ذكره الأثرم قال حدثنا عفان قال حدثنا وهيب قال حدثنا سهيل وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن محمد بن يوسف عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة أنه كان يتوضأ مما مست النار وأخبرنا أحمد بن عبد الله وأحمد بن سعيد قالا حدثنا مسلم (أ) بن القاسم قال حدثنا أبو الحسن العباس بن محمد الجوهري ببغداد قال حدثنا عمي القاسم بن محمد قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا فليح بن سليمان قال سألنا الزهري عن الوضوء مما غيرت النار فذكر فيه عن أبي هريرة وخارجة بن زيد وعمر بن عبد العزيز وعبد الملك بن أبي بكر ابن عبد الرحمن وغيرهم أنهم كانوا يتوضئون ما غيرت النار فقلت له ان ها هنا شيخا من قريش يقال له عبد الله بن محمد بن عقيل يحدث عن جابر بن عبد الله يقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل سعد بن الربيع فأتينا بخبز ولحم فأكل واكلنا فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم
333

يتوضأ وأنه رجع مع أبي بكر في خلافته بعد المغرب فأتى أهله فابتغى عشاء فقيل ما عندنا عشاء الا أن هذه الشاة ولدت فاحتلب لنا (أ) من لبنها ثم طبخ فأكل وأكلنا فقال لي ما قال لك يعني النبي صلى الله عليه وسلم قال قال لي إذا جاءنا مال أعطيناك هكذا وهكذا وهكذا فحفن لي ثلاث حفنات ثم قمنا إلى الصلاة فصلينا ولم يمس أحد منا ماء وكان عمر بن الخطاب ربما صنع لنا في ولايته الخبز واللحم فأكل وما يتوضأ أحد منا فقال الزهري أهذا تريدون حدثني علي بن عبد الله بن عباس أن أباه اخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل عضوا وصلى ولم يتوضأ قال وحدثني جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اكل عضوا وصلى (1) ولم يتوضأ فقلت للزهري فما بعد هذا قال أنه يكون الأمر ثم يكون بعده الأمر قال أبو عمر فهذا يدلك على أن ابن شهاب كان يذهب إلى أن (ب) الناسخ في هذا الباب أمره صلى الله عليه وسلم بالوضوء مما مست النار وأظنه كان يقول أن أمهات المؤمنين لا يخفى عليهن الاخر من فعله صلى الله عليه وسلم فبهذا استدل والله أعلم على
334

أنه الناسخ وقد كان عنده في ذلك ما ذكره عبد الرزاق عن معمر وابن جريج عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سفيان (1513) بن المغيرة بن الأخنس أنه دخل على آم حبيبة فسقته سويقا ثم قام يصلي فقالت توضأ (1) يا ابن أخي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول توضئوا مما مست النار قال معمر قال الزهري وبلغني ان زيد ابن ثابت وعائشة كانا يتوضئان مما مست النار قال أبو عمر وجاء عن عائشة رضي الله عنها مثل مذهب ابن شهاب في أن الناسخ أمره بالوضوء مما مست النار قرأت على خلف بن القاسم ان عبد الله بن جعفر بن الورد حدثهم قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي قال حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن عبد العزيز بن عمران عن ابن لعبد الرحمن بن عوف عن عائشة قالت كان آخر (2) الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء
335

مما مست النار فهذا كله يعضد مذهب ابن شهاب في هذا الباب ذكر ابن وهب عن يونس بن يزيد وعبد الرزاق عن معمر جمعيا عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه كان يتوضأ مما مست النار وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله وعن ابن جريج قال أخبرني نافع عن ابن عمر كان لا يطعم طعاما مسته النار أو لم تمسه الا توضأ وإن شرب سويقا توضأ قال أبو عمر كان ابن عمر يتوضأ لكل صلاة (وقد روى عن ابن عمر ترك الوضوء مما مست النار ذكره أبو بكر بن أبي شيبة عن هشيم عن حصين عن مجاهد عن ابن عمر وعن وكيع عن مسعر عن ابن عمر ورواية أهل المدينة عنه أصح) (أ) وذكر عبد الرزاق عن معمر (ب) عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها كانت تتوضأ مما مست النار (وعن معمر عن الزهري أن عمر ابن عبد العزيز كان يتوضأ مما مست النار) (ج) حتى كان يتوضأ من السكر قال عبد الرزاق وكان معمر والزهري يتوضآن مما مست النار وذكر ابن وهب عن يونس بن يزيد قال قال لي ابن شهاب أطعني وتوضأ مما غيرت النار فقلت لا أطيعك وادع سعيد بن المسيب فسكت
336

أخبرني أبو القاسم خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا عبد الرحمن بن عمر بن راشد بدمشق قال حدثنا أبو زرعة قال حدثني أبو الوليد بن عتبة عن أبي صالح عن الليث بن سعد عن يونس قال قال لي ابن شهاب أطعني وتوضأ مما مست النار قال قلت لا أطيعك وادع سعيد بن المسيب واخبرني خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الرحمن بن عمر قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا علي بن عباس قال حدثنا شعيب ابن أبي حمزة (أ) قال مشيت بين الزهري ومحمد بن المنكدر في الوضوء مما مست النار وكان الزهري يراه وابن المنكدر لا يراه واحتج الزهري بأحاديث فلم أزل اختلف بينهما حتى رجع ابن المنكدر إلى قول الزهري وأخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن النجار الفقيه ببغداد قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال أخبرنا عبد الرزاق قال كان معمر يتوضأ مما غيرت النار فقال له ابن جريج أنت شهابي يا أبا عروة (وقد روى عفان عن همام عن قتادة قال قال لي سليمان بن هشام إن هذا يعني الزهري لا يدعنا ان كان شيء أمرنا أن نتوضأ يعني مما مست النار فقلت له سألت سعيد بن المسيب فقال إذا أكلته فهو طيب ليس عليك فيه وضوء فإذا خرج وجب عليك فيه الوضوء حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن معبد قال حدثنا محمد بن زيان قال حدثنا زكرياء بن يحيى كاتب العمري قال حدثنا الفضل بن فضالة عن عياش بن عباس
337

القتباني أنه كتب إلى يحيى بن سعيد يسأله هل يتوضأ مما مسته النار فكتب اليه هذا مما يختلف فيه وقد بلغنا عن أبي بكر وعمر انهما أكلا مما مست النار ثم صليا ولم
يتوضآ) (أ) وأما عمر بن عبد العزيز فإنه كان عنده في هذا الباب ما رواه معمر وابن جريج عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن عبد الله ابن قازظ قال مررت بأبي هريرة وهو يتوضأ فقال أتدري مم أتوضأ أتوضأ من أثوار أقط أكلتها لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول توضؤا (1) مما مست النار ولعل عمر بن عبد العزيز لم يرو في هذا الباب غير هذا الحديث فذهب اليه ولعله كان وضوؤه من ذلك ابتغاء الفضل وهروبا من الخلاف مع شدة احتياطه في الدين قال أبو عمر لقوة الاختلاف في هذه المسألة بالمدينة بين علمائها أشبع مالك رحمه الله في موطئه في هذا الباب وشده وقواه فذكر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس وسويد بن النعمان وهما اسنادان صحيحان وذكر فيه عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي و عبد الله بن عباس وعامر بن ربيعة وأبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب (انهم كانوا لا يتوضأون مما مست النار)
338

وما ذكره مالك في موطئه عن أبي طلحة يدل على أن المنسوخ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء مما مست النار لأن أبا طلحة روى الأمر بالوضوء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يتوضأ فدل على أنه منسوخ عنده لأنه يستحيل أن يأخذ بالمنسوخ ويدع الناسخ وقد علمه ورواية أبي طلحة في ذلك ما حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا محمد بن علي بن القاسم البصري بالبصرة قال حدثنا حاتم (1514) بن بكير بن بلال بن غيلان قال حدثنا (بشر بن عمر الزهراني) (أ) قال حدثنا همام عن مطر الوراق عن الحسن عن أنس بن مالك عن أبي طلحة الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم توضئوا (1) مما غيرت النار وحدثني خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا الحوضي أبو عمر حفص بن عمر قال حدثنا همام قال قيل لمطر وانا عنده عمن اخذ الحسن الوضوء مما غيرت النار فقال أخذه الحسن عن أنس وأخذه أنس عن أبي طلحة وأخذه أبو طلحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
339

وهذا يحتمل أن يكون معناه ممن أخذ الحسن الحديث الذي كان يحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء مما غيرت النار فقال له أخذه الحسن عن أنس واخذه أنس عن أبي طلحة واخذه أبو طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس في هذا ما يدل على أن أبا طلحة عمل به بعد النبي صلى الله عليه وسلم (هذا على أن مطرا الوراق ليس ممن يحتج به) (أ) ويعضد هذا التأويل ما ذكره مالك في موطئه عن موسى بن عقبة عن عبد الرحمن بن زيد الأنصاري عن أنس ان أبا طلحة وأبي بن كعب أنكرا عليه الوضوء مما غيرت النار فلو أن هذا الحديث عند أبي طلحة غير منسوخ لم ينكر ذلك على أنس والله أعلم وقد روى (ب) هذه القصة عن عبد الرحمن بن زيد جماعة من أهل المدينة أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال أخبرني أبي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا بحر بن نصر قال حدثنا بشر بن بكر قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني أسامة ابن زيد الليثي قال حدثني عبد الرحمن بن زيد الأنصاري قال حدثني أنس بن مالك قال بينا أنا وأبو طلحة الأنصاري وأبي بن كعب اتينا بطعام سخن فأكلت (ج) ثم قمت فتوضأت فقال أحدهما لصاحبه أعراقية (د) ثم انتهراني فقلت أنهما أفقه مني
340

وذكر الطحاوي قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثنا إسماعيل بن رافع عن عبد الرحمن بن زيد الأنصاري عن أنس بن مالك قال أكلت أنا وأبو طلحة وأبو أيوب الأنصاري طعاما قد مسته النار فقمت لأتوضأ فقالا لي أتوضأ من الطيبات لقد جئت بها عراقية هكذا ذكر الطحاوي هذا الخبر (أ) بهذا الاسناد فقال فيه وأبو أيوب والمحفوظ من رواية الثقات وأبي بن كعب كما قال مالك والأوزاعي وأظن الوهم فيه من يحيى بن أيوب أو من إسماعيل (1515) بن رافع والله أعلم (وقد روى عن أنس أنه لم يكن يتوضأ من الطعام مثل وضوئه للصلاة وذكر العقيلي قال حدثنا أحمد بن محمد النوفلي قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال حدثنا الهيثم بن جبل قال حدثنا غالب بن فرقد قال صليت مع أنس بن مالك المغرب فلما انصرفنا دعا بمائدة فتعشى ثم دعا بوضوء فغسل يديه ومضمض فاه وغسل يديه وذراعيه ووجهه ثم جلسنا حتى حضرت العتمة فصلى بذلك الوضوء ولم يغسل رجليه فهذا يدل على أن ذلك لم يكن عنده حدثا ينقض الوضوء) (ب) وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ترك
341

الوضوء مما مسته النار أم سلمة وميمونة وأبو سعيد الخدري وابن مسعود وضباعة (1516) ابنة الزبير وأبو رافع وجابر وعمرو (1517) بن أمية وأم عامر (1518) بنت يزيد بن السكن وكانت من المبايعات وابن عباس وسويد (1519) بن النعمان وكثير من رجال الصحابة كل هؤلاء رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى أيضا من حديث أبي هريرة وقد ذكرناه ومما يستبين به أن الأمر بالوضوء مما غيرت النار منسوخ ان عبد الله بن عباس شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل لحما (1) وخبزا وصلى ولم يتوضأ ومعلوم ان حفظ ابن عباس من رسول الله صلى الله عليه وسلم متأخر
342

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تعرق (1) كتفا ثم قام فصلى ولم يتوضأ وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي أن أباه أخبره قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة فجاء بلال فأذنه بالصلاة فخرج وخرجنا معه فاستقبلتنا هدية من خبز ولحم فرجع ورجعنا معه (أ) وأكل وأكلنا ثم خرجنا إلى الصلاة ولم يمس (ب) ماء وذكر حماد بن سلمة أيضا عن هشام بن عروة عن أبي نعيم وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس نحوه وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن خالد قال كان ابن عباس يوم الجمعة يبسط له في بيت خالته ميمونة فيحدث فقال له أخبرني عما مست النار فقال ابن عباس لا أخبرك الا بما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو وأصحابه في بيته فجاءه المؤذن فقام إلى الصلاة حتى إذا كان بالباب لقي بصحفة فيها خبز ولحم
343

فرجع بأصحابه فأكل وأكلوا ثم رجع إلى الصلاة ولم يتوضأ (أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا بكر بن محمد ابن العلاء قال حدثنا عثمان بن عمر قال حدثنا مسدد
قال حدثنا يحيى عن حسين قال حدثني أبو عون عن عبد الله بن شداد قال قال أبو هريرة الوضوء مما غيرت النار قال مروان كيف نسأل عن هذا وفينا أمهاتنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلني إلى أم سلمة فقالت جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توضأ وضوءه للصلاة فناولته لحما فاكل ثم خرج إلى الصلاة حدثنا عبد الله قال قال حدثنا مسدد عن جعفر بن محمد عن علي بن حسين عن زينب بنت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتفا فجاء بلال فخرج إلى الصلاة ولم يمس ماء) (أ) يقولون أن خال محمد بن إسحاق محمد (ب) بن عمرو (1520) ابن حلحلة الديلي (فإن كان كذلك فبين محمد بن إسحاق وبين محمد (1521) بن عمرو بن عطاء العامري في هذا الحديث محمد
344

ابن عمرو بن حلحلة ولمحمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أحاديث) (أ) وذكر عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج قال أخبرني محمد بن يوسف أن سليمان بن يسار أخبره أنه سمع أبا هريرة وابن عباس ورأى أبا هريرة يتوضأ ثم قال أبو هريرة بنى عباس أتدري بنى عباس مم أتوضأ توضأت من أثوار أقط أكلتها فقال ابن عباس ما أبالي (ب) مما توضأت اشهد لرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف لحم ثم قام إلى الصلاة وما توضأ وقد روى هذا الحديث عن ابن عباس عطاء بن يسار وسليمان بن يسار ومحمد بن عمرو بن عطاء وعمر (1522) بن عطاء بن أبي الخوار وابنه على (1523) بن عبد الله بن عباس
345

وعكرمة مولاه ومحمد بن سيرين وغيرهم الا أن عكرمة ذكر في هذا الحديث لفظة زائدة حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد (أ) وحدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا ابن جامع قالا حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا ابن الأصبهاني قال حدثنا شريك بن (ب) سماك عن عكرمة عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفا (1) مهرية (ج) يعني نضجة ثم مسح يده ثم صلى هكذا جاء في هذا الحديث تفسير مهرية وهو أولى ما قيل في ذلك إن شاء الله وذكر أبو عبيد مؤربة (د) بالهمز وفسرها (ه) انها موفرة ثم قال هو مأخوذ من الإرب يعني العضو فهذه طرق حديث ابن عباس أو بعضها وهو حديث قد رواه معه من تقدم ذكرنا له من وجوه صحاح كلها والحمد لله وقد قال جابر ان الناسخ في هذا الباب ترك الوضوء مما مست النار وخالفته (و) في ذلك عائشة اهأخبرنا خلف (ز) بن القاسم قال حدثنا ابن أبي العقب بدمشق
346

قال حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال حدثنا على (1524) بن عياش (أ) قال حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر (عن جابر بن عبد الله قال كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار وقد ذكرنا حديث محمد بن المنكدر) (ب) بما يجب القول فيه في كتابنا هذا في باب محمد بن المنكدر لأن مالكا ارسله عنه ووصله غيره وقد ذكرناه على شرطنا وبالله التوفيق فهذا وجه القول في هذا الباب من جهة الآثار وأما طريق النظر فإن الأصل ان لا ينتقض وضوء مجتمع عليه الا بحديث مجتمع عليه أو بدليل من كتاب أو سنة لا معارض له (حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا ضمرة عن رجاء قال سألت الوليد (1525) بن هشام
347

عما غيرت النار فقال إني لست بالذي أسأل قلت على ذلك قال كان مكحول وكان أعظم فقها يتوضأ منه فلقى من أثبت له الحديث انه ليس فيه وضوء فترك الوضوء) (أ) (أخبرنا أحمد بن قاسم قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عمرو بن هشام البيروتي قال سمعت الأوزاعي يقول سألت ابن شهاب عن الوضوء مما غيرت النار فقال لي توضأ قلت عمن قال عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وزيد بن ثابت وأنس بن مالك وعائشة وأم سلمة قلت فأبو بكر قال لم يكن يتوضأ قلت فعمر قال لم يكن يتوضأ قلت فعثمان قال لم يكن يتوضأ قلت فعلي قال لم يكن يتوضأ قلت فابن عباس قال لم يكن يتوضأ قال فقلت له أرأيت ان سألتك رجالا مثل رجالي فقال إذا لأتيتك بهم حدثنا أبو الفضل أحمد ابن قاسم بن عبد الرحمن وأبو عثمان يعيش بن سعيد بن محمد الوراق الامام وأبو عبد الله محمد بن حكم قالوا أخبرنا أبو بكر محمد بن معاوية القرشي قال حدثنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عن اليزيد بن أبي زياد عن مقسم قال بينما نحن عن عند ابن عباس إذ أتى بجفنة فيها ثريد قال خذوا باسم الله وكلوا من نواحيها وذروا الذروة فإن في الذروة البركة فأكلنا ثم دعا بماء فشربه ثم قام إلى الصلاة فقلت يا ابن عباس ان الناس يقولون إن فيما غيرت النار من الطعام الوضوء فقال لولا النار ما أكلناه وما زادته النار الا
348

طيبا وإنما الوضوء فيما يخرج وليس فيم يدخل وصلى بنا على بساط) (أ) وممن قال باسقاط الوضوء مما مست النار أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب (وعبد الله ابن مسعود) (ب) وعبد الله بن عباس وعامر بن ربيعة وأبي بن كعب وأبو الدرداء وأبو أمامة وقال بذلك من فقهاء الأمصار مالك فيمن قال بقوله من أهل المدينة وغيرهم وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وسائر أهل الكوفة والأوزاعي في أهل الشام (والليث بن سعد) (ج) والشافعي ومن اتبعه وأحمد ابن حنبل وأبو ثور وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وداود بن علي ومحمد بن جرير الطبري وجماعة أهل الأثر الا أن أحمد بن حنبل وطائفة من أهل الحديث يقولون من أكل لحم الجزور خاصة فقد وجب عليه الوضوء وليس ذلك عليه في شيء مسته النار غير لحم الجزور وقال أحمد فيه حديثان صحيحان حديث البراء وحديث جابر ابن سمرة يعني عن النبي صلى الله عليه وسلم (وكذلك قال إسحاق بن راهويه ذكره الأثرم عن أحمد وذكره إسحاق بن منصور والكوسج عن أسحق
349

قال أبو عمر حديث البراء حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله (1526) ابن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال سل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال توضئوا منها وحديث (1) جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أ) (رواه أبو عوانة عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم توضأ من لحوم الإبل) (ب) رواه شعبة وزائدة عن سماك
350

ابن حرب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا شيبان بن عبد الله بن شيبان قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سابق الحضرمي قال حدثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى قال حدثنا ابن أبي ليلى عن عيسى عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن جابر بن سمرة ان اعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم قال أصلي في مباركها قال لا قال أتوضأ من لحوم الغنم قال لا قال أصلي في مرابضها قال نعم) (أ) وممن قال بقول أحمد هذا في لحم الإبل خاصة إسحاق بن راهويه وأبو ثور ويحيى بن يحيى النيسابوري وأبو خيثمة وهو قول محمد بن إسحاق وأما قول (ب) مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والليث والأوزاعي فكلهم لا يرون في شيء مسته النار وضوءا على من أكله سواء عندهم لحم الإبل في ذلك وغير الإبل لأن في الأحاديث الثابتة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل خبزا ولحما وأكل كتفا ونحو هذا كثير (ولم يخص لحم جزور من غيره) (ج) وصلى ولم يتوضأ وهذا (ناسخ رافع) (د) عندهم لما عارضه على ما تقدم ذكرنا له وبالله التوفيق
351

قال أبو عمر قد تأول بعض الناس في هذا الحديث أن (أ) قوله صلى الله عليه وسلم توضئوا مما مست النار أنه أريد به غسل اليد قال فلما سمع أبو هريرة قوله هذا ورآه صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة ظن أن ذلك أريد به الوضوء للصلاة قال أبو عمر هذا ليس بشيء وقد تقدم رد هذا القول ودفع هذا التأويل وقد (ب) اجتنبنا في هذاالباب ما تبين به جهل هذا المتكلف في تأويله هذا وبالله التوفيق اه حدثني (ج) أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري قال حدثنا أحمد بن عمير قال حدثنا عمرو (د) قال حدثنا عقبة (1527) بن علقمة قال حدثنا الأوزاعي قال كان مكحول يتوضأ مما مست النار حتى لقي عطاء بن أبي رباح فأخبره عن جابر بن عبد
352

الله أن أبا بكر الصديق أكل ذراعا أو كتفا ثم صلى ولم يتوضأ فترك مكحول الوضوء فقيل له أتركت الوضوء مما مست النار فقال لأن يقع أبو بكر من السماء إلى الأرض أحب اليه من أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم (وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا عارم وسليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال سمعت أيوب يقول لعثمان البتي (إذا سمعت امرأ) (أ) عن النبي عليه السلام أو بلغك فانظر ما كان عليه أبو بكر وعمر فشد به يديك قال وحدثنا عارم قال حدثنا حماد بن زيد عن خالد الحذاء قال كانوا يرون الناسخ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال حماد وكان رأي خالد أحب الينا من حديثه قال وحدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد قال كان أبو بكر وعمر أتبع الناس لهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم) (ب) (وروى محمد بن الحسن عن مالك بن أنس أنه قال إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان وبلغنا أن أبا بكر وعمر عملا بأحد الحديثين وتركا الآخر كان في ذلك دلالة أن الحق فيما عملا به) (ج)
353

وقد روى عكراش (1528) بن ذوئب (أ) عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة الوضوء مما غيرت النار ولم أر لذكره معنى لأن إسناده ضعيف لا يحتج بمثله وأهل العلم ينكرونه
354