الكتاب: كتاب أمثال الحديث
المؤلف: ابن خلاد الرامهرمزي
الجزء:
الوفاة: ٥٧٦
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: أحمد عبد الفتاح تمام
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٩
المطبعة:
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت
ردمك:
ملاحظات:

كتاب
أمثال الحديث
المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم
1

بسم الله الرحمن الرحيم
2

كتاب
أمثال الحديث
المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم
تأليف
القاضي أبي الحسن بن عبد الرحمن
بن خلاد الرامهرمزي
رحمه الله
علق عليه
أحمد عبد الفتاح تمام
1 / 7
مؤسسة الكتاب الثقافية
3

ملتزم الطبع والنشر التوزيع
مؤسسة الكتب الثقافية فقط
الطبعة الأولى
1409 ه‍ - 1988 م
مؤسسة الكتاب الثقافية
الصنائع - بناية الاتحاد الوطني. الطابق السابع - شقة 78
هاتف المكتب: 248263 - 244361 ص. ب: 5115 / 114 - برقيا: الكتبكو - تلكس: 40459 بيروت - لبنان
4

مقدمة الكتاب
- 1 -
اشتهر العرب فيما اشتهروا به من آداب بضرب الأمثال وهي أقوال موجزة تتميز
بدقة العبارة ونفاذ البصيرة وإضافة الهدف، ترد في حادثة ما فتنتشر على الألسن ومن
ثم تضرب في كل مماثلة للحالة التي وردت فيها.
والأمثال نتاج البيئة الجاهلية التي تغلب عليها الأمة، وتعتمد أكثر ما تعتمد على
الرواية والسمع دون الكتابة والتقييد، وهي في معظم أحوالها تعبر تعبيرا صادقا عن تلك
البيئة وتنحو مناح شتى تبعا لتنوع البيئة فمنها ما يتصل بما يدور من صلح ومنازعات
قطعت جهيزة قول كل خطيب ومنها ما يعبر عن منهج من مناهج الحياة " إن الحديد
بالحديد يفل ".
وبعضها يقوم على ملاحظة البيئة مثل " أهدى من قطاة " وأظمأ من رمل وربما
ارتبط المثل بأشخاص وسموا بصفات مميزة كحاتم الطائي أو مادر البخيل فيقولون
" أجود من حاتم وأبخل من مادر ".
واستخدم القرآن والحديث المثل فيما استخدم من أساليب يقرب البعيد ويبين
المبهم والغامض ويقرب المعقول من المحسوس أو أحد المحسوسين من الآخر.
وقد أحصيت الأمثال التي وردت في القرآن فبلغت ثلاثة وأربعين مثلا، أما التي
وردت في السنة فليس هناك حصر دقيق لها وإن كان ثمة مؤلفات ألفت لذلك
الغرض.
- 2 -
ولمكانة الأمثال وأهميتها في الآداب العربية أفرد لها العلماء المؤلفات وأولوها
5

عظيم الاهتمام وأنفقوا الجهد الجهيد في جمعها وترتيبها وشرح غامضها ومناسبات
صدوردها.
وكتب الأمثال قد أخذت مناهج واتجاهات شتى منها ما اهتم بالأمثال العربية
القديمة كمجمع الأمثال للميداني، والمفاخر للمفضل بن سلمة، ومنها ما عني بالأمثال
القرآنية كصنيع ابن القيم في كتابه، أمثال الحديث ".
ومنها ما أولت اهتماما بأمثال الحديث كأبي محمد الحسن بن خلاد المرامهرمزي في
كتابه " أمثال الحديث ".
- 3 -
وصاحب الكتاب هو الامام أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الفارسي
الرامهرمزي نسبة إلى مدينة " رامهرمز " من بلاد خوزستان، والذي عرف أول ما عرف
بكتابه " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، والكتب التي ترجمت له لهم ترسم صورة
واضحة الملامح لنشأته وحياته ورحلاته.
فالسمعاني (1) يقول، كان فاضلا مكثرا في الحديث، ولي القضاء ببلاد الخوذ
والذهبي (2) يقول " كان من أئمة هذا الشأن، ومن تأمل كتابه في علم الحديث لاح له
ذلك.
أما الثعالبي في اليتيمة (3) فقال عنه " كان من أنياب الكلام وفرسان الأدب
وأعيان الفضل وأفراد الدهر وجملة القضاة الموسومين بمداخلة الوزراء والرؤساء ".
وخلاصة هذه الأقوال أنه كان معروفا بسعة الاطلاع وبسطة العلم ووفرة
المحصول لا سيما ما يتعلق برواية الحديث كما أنه جمع إلى ذلك رواية الأدب وقرض
الشعر.
والكتاب الذي بين أيدينا له نسختان إحداهما في مكتبة الاسكوريال
برقم [1405] والأخرى في مكتبة فيض الله أفندي باستانبول برقم [226]

(1) الانساب: 244 د
(2) تذكرة الحفاظ: [3 / 113]
(2) يتيمة الدهر: [3 / 233]
6

وهناك نسخة مصورة عن تلك النسخة في معهد المخطوطات العربية برقم
[94] حديث.
وعلى هاتين النسختين قام الدكتور عبد الاعلى الأعظمي بتحقيق الكتاب وقد
بذل غاية الجهد في إثبات الفروق بين النسختين الخطيتين وتقويم النص وتخريج
الاحادث لكن فاته ضبط النصوص سواء أكانت الشواهد الشعرية أو الآيات القرآنية
أو الأحاديث كما أنه لم يصنع الفهارس العلمية لكتابه.
وكان عملنا في إعادة نشر الكتاب تدارك ما فات على السيد المحقق مع زيادة في
الحواشي حسبما يقتضي الامر.
أحمد عبد الفتاح تمام
طنطا 14 من ربيع الأول 1408 ه‍
7

قال الشيخ الامام الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم السلفي
الأصبهاني رضي الله عنه أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف بن المسلم الأنماطي
بالإسكندرية:
أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي بن يحيى الدقاق بمصر.
حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن علي بن طالب البغدادي حدثني أبو محمد
الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي برامهرمز بقراءته علي في المحرم سنة ثلاث
وثلاثين وثلاثمائة.
قال:
هذا ذكر الأمثال المروية عن النبي (ص) وهي على خلاف ما رويناه من كلامه
المشاكل للأمثال المذكورة عن متقدمي العرب، فإن تلك مواقع الافهام باللفظ الموجز
المجل، وهذا بيان وشرح وتمثيل يوافق أمثال التنزيل التي وعد الله عز وجل بها
وأوعد، وحرم وأحل، ورجى وخوف، وقرع بها المشركين وجعلها موعظة وتذكيرا،
8

ودل على قدرته مشاهدة وعيانا، وعاجلا وآجلا.. (وله المثل الأعلى في السماوات
والأرض وهو العزيز الحكيم).
1 - حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي مطين، ثنا عبد الله بن براد حدثني
زيد بن الحباب ثنا ابن لهيعة ثنا يزيد بن عمرو المعافري أنه سمع شفيا
الأصبحي يقول سمعت عبد الله بن عمرو يقول:
(حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم ألف مثل).
2 - حدثنا أبو أحمد هارون بن يوسف ثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني
ثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ح وحدثنا
9

عبد الله بن أحمد موسى عبدان ثنا عبد ربه بن خالد النميري ثنا الفضيل بن
سليمان النميري عن موسى بن عقبة عن أبي حازم التمار أنه سمع أبا هريرة
يقول: قال رسول الله (ص):
(إنما مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله وأكمله إلا
موضع لبنة فجعل الناس يطيفون به ويقولون ما رأينا أحسن من هذا لولا موضع
هذه اللبنة! ألا فكنت تلك اللبنة).
قال أبو محمد:
هذا مثل نبوته (ص) وأنه خاتم الأنبياء، وبه تتم حجة الله عز وجل على خلقه.
ومثل ذلك بالبنيان الذي يشد بعضه بعضا وهو ناقص الكمال بنقصان بعضه فأكمل
الله به دينه وختم به وحيه.
والعرب تمثل ما يبالغون فيه من الوثاقة والأصالة وعقدة المكارم والمفاخر وأشباه
ذلك بالبنيان. قال الله عز وجل:
(إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص).
يعني لا يزول ولا يتخلخل.
وأخبر أنه بنى السماء فرفع سمكها وهو بناء القدرة لا أن ثم شيئا من آلة
الصنعة.
10

قال (عبدة بن الطبيب) يذكر (قيس بن عاصم):
فما كان قيس هلكه هلك واحد * ولكنه بنيان قوم تهدما
وقال آخر:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا * وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
البنى: مقصور بضم الباء جمع بنية.
هكذا قال لنا (إبراهيم بن السري) يعني (الزجاج) - كما تقول: لحية ولحى
وحلية وحلى.
وأنشد ابن دريد:
تبوأت بيتا في المكارم والعلا * رفيع البنا بين المجرة والنجم
11

وقال (زياد بن حمل التيمي):
غمر الندى لا يبيت الحق يثمده * إلا غدا وهو سامي الطرف مبتسم
إن المكارم يبنيها ويعمرها * حتى ينال أمورا دونه قحم
يعني لا يلج عليه الحق إلا سر به. وقحم: تكلف وتعب.
وأخبرنا (أبو خليفة) عن (ابن سلام) قال:
لما أراد (الوليد بن عبد الملك) -، وإنما هو عبد الملك وليس هو الوليد - أن
يبايع لابنه (يزيد) قال (جرير):
وماذا تنظرون بها وفيكم * نهوض بالعظائم واعتلاء
ولو قد بايعوك ولي عهد * لقام الوزن واعتدل البناء
12

وقال آخر من العرب يمدح قوما:
هم حلوا من الشرف المعلى * ومن حسب العشيرة حيث شاءوا
بناة مكارم وأساة كلم * دماؤهم من الكلب الشفاء
فأما بيتكم إن عد - بيت * فطال السمك واتسع الفناء
وأما أسه فعلى قديم * من العادي إن ذكر البناء
فلوا أن السماء دنت لمجد * ومكرمة دنت لكم السماء
قوله:
(دماؤهم من الكلب الشفاء): الكلب داء يأخذ الكلب، وكانت العرب تزعم
أن الكلب الكلب وهو الذي يأخذه هذا الداء إذا عض تلف المعضوض، وإذا
استشفى المعضوض بدم الشريف بريء.
3 - حدثنا أبي ثنا يعقوب بن سفيان الفسوي ثنا عبد الله بن صالح عن
13

معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن النواس بن
سمعان قال رسول الله (ص):
(ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سور فيه أبواب مفتحة،
وعلى تلك الأبواب ستورمرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: أيها الناس ادخلوا
الصراط ولا تعوجوا، ومن فوق الصراط داع ينادي - فمن أراد أن يفتح شيئا من
تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه.
فالصراط الإسلام. والستور حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، والداعي
القرآن، والداعي من فوق واعظ الله).
قال لنا أبو محمد: الصراط: الطريق، والسور: الحائط. يقال سرت الحائط
وتسورته: إذا صرت في أعلاه. وجنبتا الصراط: ناحيتاه والجمع جنبات. والحد: المقدار والتناهي الممنوع من
تجاوزه كما قال الله عز وجل: (تلك حدود الله فلا تعتدوها)، وأصل الحد: المنع
ومنه ضرب الحد وهو عدد ومقدار منع الله من تجاوزه. وحدود الدار: هو المقدار
14

والتناهي الذي لا يتجاوزه صاحب الدار. ويسمى البواب حدادا لأنه يمنع من
الدخول.
وتقول: دون ذلك الأمر حدد أي مانع.
قال: زيد بن عمرو بن نفيل:
سبحانه ثم سبحانه نعوذ به * فقبلنا سبح الجودي والجمد
لا تعبدن إلها غير خالقكم * وإن دعيتم فقولوا دونه حدد
وهذا مثل في وضوح الحق وظهور معالم الإسلام لمن أراد قصدها وعدل عن
طريق الشبه والريب مفارقا لها وبيانه في حديث (النعمان بن بشير):
الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس.
فمن اتقى الشبهات استترن منه وأعرضن عنه، ومن وقع في الشبهات وقع في
الحرام كالراعي حول الحمى فيوشك أن يقع فيه. ولكل ملك حمى وحمى الله محارمه.
قال لنا أبو محمد:
الحمى: المكان المعشب الذي يمنع مالكه من تطرقه. وقوله، فمن اتقى
الشبهات استترن منه وأعرضن عنه، تمثيل ومعناه ترك الإنسان ما يريبه إلىمالا
يريبه. وجعل الفعل للشبه على التوسعة ومثله في كلام العرب كثير. قال الشاعر:
وفارقني قرين السوء لما * رأيت الرشد فارقت القرينا
أراد جهل الشباب فأوجب له الفعل في حال ولنفسه في حال. والجهل لا فعل
له وإنما الفعل للجاهل.
15

(4) - حدثنا أحمد بن محمد الشافعي ثنا عمي إبراهيم بن محمد الشافعي ثنا
عبد الله بن رجاء المكي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول
الله (ص):
(الحلال بين والحرام بين فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
تقول: رابني الأمر يريبني: إذا أدخل عليك شكا.
وسمعت (إبراهيم بن السري) يحكي عن أبي عبيدة أنه قال: رابني وأرابني
بمعنى واحد. وأنشدني محمد بن عطية السامي عن الزيادي:
يا قوم ما لي وأبا ذؤيب * كنت إذا أتوته من غيب
يشم عطفي ويبز ثوبي * كأنما أربته بريب
قال الزيادي: أتوته بمعنى أتيته، وربته وأربته جميعا، وربته وهو المعروف
16

ويقال: أراب الرجل: إذا كان صاحب ريبة، والريب أيضا حادثة من حوادث
الدهر. والريب: الشك وأنشدنا وكيع:
دع ما يريبك وانتقل * عنه إلى ما لا يريبك
وأقنع بما رزق الإله * فليس تعدوا ما يصيبك
وليأتينك أين كنت * موقرا منه نصيبك
(5) - حدثنا هارون بن يوسف ثنا ابن أبي عمر العدني ثنا مروان الفزاري عن
جويبر عن الضحاك أو غيره قال: قال رسول الله (ص):
(بينا أنا بين النائم واليقظان إذ أتاني ملكان فقال أحدهما: إن له مثلا فاضرب له
مثلا، فقال: سيد بني دارا وأعد مأدبة وبعث مناديا. فالسيد الله، والدار الجنة،
والمأدبة الإسلام والداعي محمد (ص)).
ورواه يزيد بن هارون عن سليمان بن حيان عن سعيد بن مينا عن جابر
قال:
كان النبي (ص) نائما، فأتاه ملكان، فقال أحدهما: العين نائمة، وقال الآخر:
17

إن له مثلا، وذكر نحوا من الكلام الأول قال لنا أبو محمد: المأدبة: الوليمة.
وفي حديث (ابن مسعود)، إن هذا القرآن مأدبة الله، ويروى (مأدبة الله) بفتح
الدال.
قال لنا أبو محمد قال لنا أبو موسى الحامض:
من روى هذا بضم الدال فإنما أراد الوليمة، ومن رواها بفتح الدال أراد أدب
الله عز وجل الذي أدب به عباده.
قال أبو محمد: وقوله (القلب يقظان) تمثيل ويراد به حياة القلب وصحة
خواطره. ويقال: رجل يقظ، ويقظ إذا كان حديد القلب ذكيه وهذا مثل لدعوة النبي
(ص) والفوز بالاستجابة لها والوصول إلى الجنة بها (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي
من يشاء إلى صراط مستقيم).
(6) - حدثنا أبو شعيب الحراني ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي ثنا صفوان بن
عمرو حدثني سليمان بن عامر قال: قال النبي (ص):
(نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم، وأوتيت الحكمة، وضرب لي من
18

الأمثال مثل القرآن، وإني بينا أنا نائم إذ أتاني ملكان فقام أحدهما عند رأسي وقام
الآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي: اضرب مثلا. فقال الذي عند رجلي بل
اضرب مثلا وأنا أفسره فقال الذي عند رأسي - وأهوى إلي - لتنم عينك ولتسمع
أذنك وليع قلبك. قال: فكنت كذلك. أما الأذن فتسمع وأما القلب فيعي وأما العين
فتنام. قال فضرب مثلا فقال: بركة فيها شجرة نابتة وفي الشجرة غصن خارج،
فجاء ضارب فضرب الشجرة فوقع الغصن ووقع معه ورق كثير، كل ذلك في
البركة لم يعدها، ثم ضرب الثانية فوقع كثير، وكل ذلك في البركة لم يعدها، ثم
ضرب الثالثة فوقع ورق كثير، لا أدري ما وقع فيها أكثر أو ما خرج منها. قال ففسر
الذي عند رجلي فقال: أما البركة فهي الجنة، وأما الشجرة فهي الأمة، وأما الغصن
فهو النبي (ص)، وأما الضارب فملك الموت. ضرب الضربة الأولى في القرن الأول
فوقع النبي (ص) وأهل طبقته، وضرب الثانية في القرن الثاني فوقع كل ذلك في الجنة
ثم ضرب الثالثة في القرن الثالث فلا أدري ما وقع فيها أكثر أو ما خرج منها).
(7) - حدثنا محمد بن الحسن بن سماعة الحضرمي ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين
ثنا بشير - يعني ابن مهاجر الغنوي - حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:
خرج النبي (ص) ذات يوم فنادى ثلاث مرات، أيها الناس! إنما مثلي ومثلكم
مثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم فبعثوا رجلا يتربأ لهم، فبينما هو كذلك إذ أبصر
العدو فأقبل لينذر قومه، فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه، فأهوى بثوبه
أيها الناس! أتيتم! ثلاث مرات.
قال أبو محمد:
يتربأ لهم، هو أن يعلو شاهقا فيرقب العدو لينذر به، واسمه الربيئة على مثال
19

فعيلة، مهموز. وهو الذي يقال له الديدبان.
قال عبيد الله بن ثعلبة اليشكري:
أما النهار فرابي * قومي بمرقبه نفاع
والليل أبطن ذا خضا * خض والوعور من البقاع
ترد السباع معي فألغي * كالمدل من السباع
ومنه قولهم: (إني لأربأ بك عن كذا) - أي أرفعك عنه. وتقول: ما رأيته حتى
أربأ على - أي أشرف على.
وهذا مثل في السبق إلى اتباع النبي (ص) والفوز بتصديقه قبل فقده، وإنه آخر
من أنذر ولا نبي بعده ينتظر، ويتضمن معنى دنو الساعة وقربها كما قال: بعثت
والساعة كهاتين وأشار بإصبعيه.
وقال الله عز وجل: (هذا نذير من النذر الأولى. أزفت الأزفة) يعنى دنت
القيامة، وهذا على المبالغة في تقريب الكائن الذي هو لا محالة واقع كما قال، أبو بكر
رضي الله عنه:
كل امريء مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله
أراد بدنو الموت وقوعه لا محالة.
وقال كعب الغنوي:
لعمر كما إن البعيد الذي مضى * وإن الذي يأتي غدا لقريب
20

فسمى ما قدر كونه وينتظر وقوعه، وإن بعد وقته باسم غد، وهو ثاني يومك
لأن مرور الأوقات يدنيه. وفي التنزيل (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر) وهذا
وشبهه متصرف في أكثر كلام العرب، ولهذا أخرجوا المستقبل من الأفعال التي وقع
الوعد به مخرج به الماضي الذي قد تصرم وقته كما قال الله عز وجل (ونادى أصحاب
الجنة)، (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد).
وسمعت (إبراهيم بن محمد بن عرفة) يقول في قوله عز وجل:
(أتى أمر الله فلا تستعجلوه) إن معناه أتى أمر الله وعدا فلا تستعجلوه وقوعا.
ومن كلام العرب إذا بالغوه في شدة السعي وقوة الحركة: جاءنا زيد أسرع من
الريح وأسرع من البرق. ورأينا فلانا يطير.
ومعلوم أن الإنسان لا يباري الريح والبرق ولا يقدر على الطيران، وإنما يراد به
الخفة وسرعة الحركة.
ويقال في أمثالهم (جاء فلان قبل عير وما جرى) يريدون السرعة أي قبل
لحظة العين - والعير بالراء: إنسان العين.
وفسر بيت الحارث بن حلزة:
زعموا أن كل من ضرب العير * موال لنا وأنى الولاء
21

أي كل من ضرب بجفن على عير. قال: والعير إنسان العين.
وهذا تفسير بعض الرواة من القدماء وهو غريب. فهذه لغات العرب وإنما
خاطبهم النبي (ص) بلغته ولغتهم. فمن جهل لغات المخاطبين فقد خرج عن جملة
النظارين.
8 - حدثنا أبي ثنا يحيى بن حكيم المقوم ثنا عبد الوهاب الثقفي ثنا
جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال:
(كان النبي (ص) إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه نذير
جيش يقول صبحكم! ومساكم! ثم يقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين
أصابعه السبابة والوسطى).
9 - حدثنا عبد الوهاب بن رواحة ثنا أبو كريب ثنا يحيى بن عبد الرحمن عن
22

عبيدة بن الأسود عن مجالد عن قيس عن المستورد قال:
قال رسول الله (ص):
(بعثت في نفس الساعة كما سبقت هذه هذه وأشار بإصبعيه).
10 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن معدان ويعرف بالثغري ثنا إبراهيم بن سعيد
الجوهري ثنا أبو أسامة ثنا بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى
قال رسول الله (ص):
(إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم إني رأيت
الجيش بعيني وإني أنا النذير العريان فالنجاء. فأطاعه طائفة منهم فأدلجوا فانطلقوا
على مهلهم فنجوا، وكذبته طائفة فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم
23

واجتاحهم. كذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب بما
جئت به من الحق).
قال أبو محمد:
سمعت أبي يقول: النذير العريان الذي قد ظهر صدقه، ولا أدري عمن
حكاه وإلى من أسنده إلا أني سمعت (أبا إسحاق إبراهيم بن السري) يقول: عري
الأمر: إذاظهر.
ويقال الحق عار أي ظاهر مشرق مشرف كما قيل: (الحق أبلج) من بلجة
الصبح.
قال فند الزماني:
فلما صرح الشر * فأمسى وهو عريان
مشينا مشية الليث * غدا والليث غضبان
وقال الخطيم:
وقال وقد مالت بهم نشوة الكرى * نعاسا ومن يعلق سرى الليل يكسل
أنخ تعط انضاء النعاس دواءها * قليلا ورفه عن قلائص ذبل
فقلت له كيف الإناخة بعدما * حدا الليل عريان الطريقة منجل
24

وأنشدني بعض شيوخنا عن المازني عن الجواداني قال أنشدني بشار:
أسرت وكم تقدم من أسير * يزين بوجهه عقد الإسار
كبشر أو كبسطام بن قيس * أصيبا ثم ما دنسا بعار
وكيف ينالني من لم ينلهم * أعز بطانة في الحق عار
والطائفة من كل شيء: قطعة منه. تقول: طائفة من القوم وطائفة من الليل،
كما قال الله عز وجل: (وطائفة من الذين معك).
وأدنى ما يقع اسم الطائفة واحد، وهذا القوم للشافعي رحمه الله في قوله:
(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا
رجعوا إليهم).
وقد قال ذلك غير الشافعي.
والنذير بمعنى المنذر كما قالوا سميع بمعنى مسمع، وأليم بمعنى مؤلم ووجيع
بمعنى موجع.
25

قال عمرو بن معد يكرب:
أمن ريحانة الداعي السميع * يؤرقني وأصحابي هجوع
يريد الداعي المسمع.
وقوله (أدلجوا). الإدلاج من أول الليل، تقول من ذلك: أدلج يدلج
إدلاجا، والإدلاج - بتشديد الدال - من آخر الليل تقول منه: أدلج يدلج إدلاجا -
واسمه الدلجة.
وهذا الحديث في المعنى قريب من معنى الحديث الذي قبله.
11 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن موسى ثنا أبو المفلس النميري ثنا الفضيل بن
سليمان عن موسى بن عقبة عن أبي حازم التمار أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول
الله (ص):
(إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل
الفراش والذباب يقتحمون فيها. فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها)
قال أبو محمد:
استوقد بمعنى أوقد كما قالوا استجاب بمعنى أجاب. قال الله عز وجل
(استجيبوا لله وللرسول)، (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا).
26

وقال الغنوي:
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى * فلم يستجبه عند ذاك مجيب
والحجز واحدتها حجزة. تقول: حجزة وحجز وحجزات وهي مقعد الإزار وحيث
يثنى طرفه قال (النابغة).
رقاق النعال طيب حجزاتهم * يحيون بالريحان يوم السباسب
وهذا تمثيل من أوجز الكلام وأبلغه وأشده اختصارا. تقول أخذت بحجزته
عن كذا، إذا صددته عنه ومنعته منه، وتقول: أخذت بناصيته إلى كذا إذا قدته إليه
وقهرته عليه.
قال الله عز وجل: (مامن دابة إلا هو آخذ بناصيتها) أي هو قادر عليها
مالك لها.
والناصية: تناهي شعر الرأس بما يلي الوجه.
وقال: (يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام) أي يساقون إلى
النار قهرا.
ويقول القائل: ناصيتي بيدك، في معنى الطاعة والانقياد.
27

وقال الفرزدق:
عشية أعطتنا عمان أمورها * وقدنا معدا عنوة بالخزائم
يريد أنهم غلبوهم وساقوهم قهرا.
وقوله: أنا آخذ بحجزكم عن النار. يقول: أحذركموها وأصدكم عنها
وأرغبكم في الجنة ونعيمها، وأنتم في غفلة ساهون لا تشعرون كما يقتحم الفراش النار
وهو لا يشعر لميلكم إلى الدنيا وزهرتها وإيثاركم لها على ثواب الله تعالى، وما عنده
الذي هو خير وأبقى فهذه موعظة لبعض من أجابوا الدعوة ويحتمل أن يكون وعيدا
لمشركي قريش.
12 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن معدان ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا أبو
أسامة حدثني بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي (ص) قال:
(مثلي ومثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيثا أصاب الأرض فكانت
منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء
فنفع الله بها الناس فشربوا ورعوا وسقوا.
وأصاب طائفة أخرى منها الماء وهي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك
مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك
رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به).
قال أبو محمد:
الغيث اسم عام للمطر يغيث الله به عباده ويصيب به مواقع النفع لهم. تقول
منه غيثت الأرض فهي مغيثة.
28

والكلأ: الحشيش. قال صاحب كتاب العين: هو اسم لرطبه ويابسه.
قال: والعشب لا يكون إلا رطبا.
وقال أبو زيد الأنصاري:
الكلأ كله ما دام رطبا عشبه وبقله وهو مهموز. والجمع الأكلاء ممدود. يقال:
أكلأت الأرض فهي مكلئة. وأكلأت الأرض وأعشبت، وأكلأ المال وأعشب
الناس، والناس مكلأون ومعشبون، وقد بدأ الأكلاء والأعشاب والأبقال فأما ذكار
الكلأ فعشب وهو ما غلظ منه وعظم. والبقل مالان منه ودق. وهذا مثل للنبي (ص)
في إبلاغه عن الله عز وجل ودعائه إلى سبيله وإنه بعث رحمة للعالمين ليخرجهم من
الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم، ومثل ذلك بالغيث الذي ينشر الله به
رحمبه في الأرض ويحيى به الأنعام والحرث والذين استمعوا قوله وشاهدوا أمره في
اختلاف مذاهبهم وطرائقهم ببقاع الأرض التي يختلف تربها وأماكنها فمنها ذات
الرياض المعشبة الكثيفة التي يكثر خيرها ويعم نفعها، ومنها الأماكن ذات
الغياض والغدران والنقر والقلات، وغير ذلك من الأماكن التي يستنقع فيها الماء
فيرد إليها الناس والأنعام، ومنها ما لا يتعلق من المطر إلا بمروره عليه، وهو مثل لمن
فقه عن الله عز وجل وتفقه لما أمر به الرسول (ص) فعلم وعلم وعمل، ومثل للحامل
29

علمه إلى من هو أوعى منه، كما قال في الحديث الآخر، (فرب حامل فقه إلى من هو
أفقه منه) ومثل للسامع المعرض المحروم.
والأجادب في ما أحسب جمع أجداب أو يكون جمعا لأجدب، وهذا فيما
أحسب ولا أحقق سمعت الزجاج يقول: جدبت الأرض وأجدبت: إذا لم تنبت
شيئا.
وسمعت (ابن دريد) يقول: أرض جدبة: إذا كانت قليلة النبات.
آخر الجزء الأول - والحمد الله حق حمده
وصلواته على سيدنا محمد رسوله وعبده
ويتلوه في الثاني. حدثنا أبي في عداد منهم الحسن بن المثنى والحمد لله رب العالمين
وصلواته على سيد الأولين والآخرين محمد وآله وأصحابه وأزواجه أجمعين وسلم
تسليما كثيرا وحسبنا الله وحده
30

الجزء الثاني
كتاب
أمثال الحديث
المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم
تأليف
القاضي أبي الحسن بن عبد الرحمن
بن خلاد الرامهرمزي
رحمه الله
32

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
قال الشيخ الإمام الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني
رحمه الله.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف المصري ثنا أبو الحسين محمد بن علي بن يحيى
الدقاق بمصر نا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن طالب البغدادي. حدثني القاضي أبو
محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي بقراءته علي في المحرم سنة ثلاث
وثلاثين وثلاثمائة.
13 - حدثنا أبي في عداد منهم الحسن بن المثنى وأبو جعفر الحضرمي وأبو يحيى
الساجي ويعقوب بن مجاهد وابن البرتي وغيرهم قالوا ثنا أبو الخطاب زياد بن
يحيى الحساني ثنا مالك بن سعير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
33

هريرة، وحدثنا عبد الله بن عباس الطيالسي ثنا مؤمل بن إهاب ثنا مالك بن سعير
عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص):
(يا أيها الناس! إنما أنا رحمة مهداة).
قال أبو محمد:
واتفقت ألفاظهم في ضم الميم من قوله (مهداة) إلا (ابن البرتي) قال: مهداة
بكسر الميم من الهداية، وكان ضابطا فيهما متصرفا في الفقه واللغة، والذي قاله أجود
من الاعتبار لأنه بعث (ص) هاديا كما قال الله عز وجل (وإنك لتهدي إلى صراط
مستقيم) وكما قال عز وجل، (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس) و (لتخرج
الناس من الظلمات إلى النور).
ومن رواه بضم الميم إنما أراد أن الله أهداه إلى الناس وهو قريب.
14 - حدثنا أبي ثنا أحمد بن ملاعب ثنا مالك بن إسماعيل عن حفص بن
34

حميد عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه قال:
قال رسول الله (ص):
(إني ممسك بحجزكم عن النار وتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب ويوشك
أن أرسل حجزكم، وأنا فرط لكم على الحوض فتردون علي معا وأشتاتا - يقول
جميعا - فأعرفكم بأسمائكم وبسيماكم كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله.
فيذهب بكم ذات الشمال وأناشد فيكم رب العالمين، فأقول يا رب أمتي! فيقال:
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. إنهم كانوا يمشون القهقري بعدك فلأعرفن أحدكم
يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي يا محمد! فأقول لا أملك لك من الله شيئا.
قد بلغت ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء ينادي يا محمد! فأقول
لا أملك لك من الله شيئا. قد بلغت. ولأعرفن أحدم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا
له حمحمة ينادي يا محمد! يا محمد! فأقول لا أمل ل من الله شيئا. قد بلغت
ولأعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قشعا من أدم ينادي يا محمد! فأقول: لا أملك لك من
الله شيئا. قد بلغت).
قال أبو محمد
قوله (آخذ بحجزكم عن النار). الحجزة مشد الإزار وقد تقدم ذكرها.
وقوله (يوشك أن أرسل حجزكم). يقول: يوشك أن أفارقكم ويحول الموت
بيني وبينكم. ويوشك في معنى يسرع، وهو بكسر الشين. قال الشاعر:
يوشك من فر من منيته * في بعض غراته يوافقها
35

وقوله (أنا فرط لكم على الحوض) يقول أتقدمكم وأسبقكم إليه. وفارط
القوم الذي يتقدمهم إلى الماء، وفعله فرط يفرط فرطا.
وقوله: (فتردون علي معا وأشتاتا) يقول جميعا ومتفرقين، (فأعرفكم بسيماكم)
السيماء: العلامة التي يعرف بها الخير والشر من الإنسان قال الله عز وجل: (سيماهم
في وجوههم من أثر السجود) وقال (يعرف المجرمون بسيماهم)، والسيماء
مثله ممدود.
وأنشدنا أبو خليفة قال: أنشدنا (التوزي):
غلام رماه الله بالحسن يافعا * له سيمياء لا تشق على البصر
وقوله (فيذهب بكم ذات الشمال) يعني طريق الحساب والعقاب وقوله (أناشد
فيكم رب العالمين) يقول أطلب إليه وأسأله العفو عنكم والتجاوز عن سيئاتكم، وهو
كما يقول القائل نشدتك الله والرحم. وقوله (إنهم كانوا يمشون القهقري بعدك)
معناه كانوا يخالفون أمرك ويسلكون غير سبيلك. والقهقري: أن يمشي الانسان موليا.
36

وقوله (يحمل شاة لها ثغاء) الثغاء صوت الشاء. تقول ثغت الشاة تثغو
ثغاء، ورغا البعير يرغو رغاء.
والحمحمة صوت الفرس وهو دون الصهيل.
قال (أبو عبيد): هو صوت الفرس للشعير.
(والقشع من أدم)، وربما اتخذ من جلود الإبل يحرز فيه أهل البدو أمتعتهم وهو
موضع الخزانة من أهل الحاضرة.
قال متمم:
ولا برما تهدى النساء لعرسه * إذا القشع من حسن الشتاء تقعقعا
يقول إنه يخف في الشتاء للمحل.
وهذا في الغلول كما قال الله عز وجل:
(ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت)
وقد تضمن هذا الحديث تذكيرا وتخويفا وموعظة يقع خطابها عاما ومعناه
الخصوص. وعلى هذا سائر الكلام المؤلف في الخطب والمواعظ. كقول الواعظ (كأن
الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وقد نسينا كل واعظة
وأمنا كل جائحة).
وهذا من كلام يروى عنه (ص) في خطبة له معروفة وهو من أخبر الله أن جنوبهم
37

تتجافى عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا، وأن قلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم
راجعون من هذا الخطاب خارجون.
وقال الله عز وجل (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم).
والمراد بهذا الخطاب أهل البغي وتقديره: يا أيها الباغون: فأما (التائبون
العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن
المنكر والحافظون لحدود الله) فبعداء من البغي خارجون من هذا النعت.
وإنما استقصيت القول في هذا مع وضوحه وظهوره، لأن من الشيوخ من يتهيب
رواية هذا الحديث مقدرا أنه يتعلق بشيء من ذم الصحابة أهل الهجرة والنصرة.
وحضرت موسى بن هارون وهو يقرأ علينا كتاب (الزهد) لسيار بن حاتم،
فمر بهذا الحديث فطواه وامتنع من روايته، وهذا مذهب من لا يتعلق من الحديث إلا
بالرواية. ويقول فيما يقوم في نفسه على تزوير الرواة والطعن عليهم، وكان بعض
أصحابنا يزعم أن هذا الخطاب إنما هو لأهل الردة الذين منعوا الصدقة إذ كان الله قد
أعلم نبيه أنهم يرتدون ويمنعون. ويصرف قوله (يحمل شاة لها ثغاء وبعيرا له
رغاء) إلى هذا الوجه.
يقول يمنع حق الله عز وجل فيها ويمنع حق الله في فرسه في ارتباطه والجهاد
عليه، وفيما يحرزه ويدخره في قشعه، وعلى أن بعض الفقهاء قد أوجب الصدقة في
الخيل وهو قول حماد بن أبي سليمان.
38

وقال الأوزاعي: إذا كانت الدواب للبيع ففيها الصدقة.
وقال أبو حنيفة: إذا كانت خيلا فيها إناث فطلب نسلها ففيها الصدقة في كل
أربعين فرسا فرس.
وقال بعضهم: في الخيل السائمة إن المصدق بالخيار إن شاء أخذ من كل فرس
دينارا أو عشرة دراهم، وإن شاء قومها ثم أخذ من كل مائتي درهم خمسة دراهم وهذا
القول (لزفر).
قال أبو يوسف: ليس هذا بشيء.
وفي قوله (يحمل شاة وبعيرا وفرسا) وجهان:
أحدهما: أن يكون حمله له على التمثيل والمجاز بمعنى أن يحمل وزره ويبوء بإثمه
والوجه الآخر: أن يكون على ظاهره فيجعل حمله له عقوبة له ومثله كما ورد عنه (ص)
في مانع حق الله عز وجل في غنمه أن يبطح لها بقاع قرقر تطأه بأظلافها وتنطحه
بقرونها.
وقال الله عز وجل في مانع الزكاة:
(يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما
كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون)
15 - حدثنا القاسم بن زكريا ثنا إبراهيم بن سعيد ثنا يحيى بن سعيد الأموي
39

عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال: بعث رسول الله (ص) سعد بن عبادة
فقال:
(إياك أن تأتي ببعير تحمله له رغاء فقال: لا آخذه ولا أجيء به. فأعفاه).
16 - حدثنا أبي ثنا أبو الخطاب الحساني ثنا يزيد بن زريع حدثني روح بن
القاسم حدثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص):
(ما من عبد له مال لا يؤدي زكاته إلا جمع له يوم القيامة فيحمى عليه صفائح
في جهنم ويكوى بها جبينه من ظهره حتى يقضي الله عز وجل بين عباده في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وما من
صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا يجاء به يوم القيامة كأكبر ما كانت عليهن بطح لها
بقاع قرقر تطأه بأظلافها وتنطح بقرونها ليس فيها عقصاء ولا جلحاء، كلما مضت
عليه أخراها ردت عليه أولاها حتى يقضي الله عز وجل بين عباده في يوم كان مقداره
خمسين الف سنة مما تعدون ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.
40

قيل يا رسول الله والخيل؟ قال: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
والخيل لثلاثة:
لرجل أجر، ولآخر ستر، ولآخر وزر.
فأما التي هي له أجر فرجل يحبسها ويعدها في سبيل الله، فما غيبت في بطونها
فهو له أجر، ولو رعاها في مرج كان له فيما غيبت في بطونها أجر، ولو استنت شرفا
أو شرفين كان له بكل خطوة خطتها أجر. ولو عرض لها نهر فسقاها منه كان له
بكل قطرة غيبتها في بطونها أجر حتى أنه ليذكر الأجر في أرواثها وأبوالها.
وأما التي هي له ستر فرجل يتخذها تعففا وتجملا وتكرما ولا ينسى حق الله في
ظهورها ولا بطونها في عسره أو يسره.
وأما التي هي عليه وزر فرجل يتخذها أشرا وبطرا ورياء الناس وبذخا قيل يا
رسول الله! فالحمر؟ قال: ما أنزل فيها علي شيء إلا هذه الآية الجامعة (فمن يعمل
مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).
قال أبو محمد:
قوله (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فإني سمعت (أبا عبد الله بن عرفة)
يقول: ذهب ناس إلى أن الله عز وجل يفعل فيه من الأفعال ما يفعل مثله في خمسين
ألف سنة.
قال: وأما كلام العرب فإنهم يصفون أيام الشدة ولياليها بالطول، وأيام الرخاء
والسرور بالقصر، وإنما يراد شدة ذلك اليوم وثقله وعظمه وهوله كما قال الشاعر:
تعالوا أعينوني على الليل إنه * على كل عين لا تنام طويل
فأعلم أنه يطول على الساهر لشدته عليه، ولا زيادة في الليل ولا نقصان في
المقدار الذي قدره الله عز وجل.
41

وقال آخر يذكر يوما بالشدة:
فقلت لأصحابي مشيرا إليهم * إذا اليوم أم يوم القيامة أطول
وقال ابن أبي كاهل:
كلما قلت مضى أوله * عطف الآخر منه فرجع
وقال آخر في قصر أيام السرور:
تمتع بذا اليوم القصير فإنه * رهين بأيام الشهور الأطاول
قال وقال ابن أبي ربيعة:
فيا لك من ليل تقاصر طوله * وما كان ليلي قبل ذلك يقصر
وقال حمدي بن ثور الهلالي:
وكائن لهونا من ربيع مسرة * وصيف لهوناه قصير ظهائره
42

17 - حدثنا موسى بن هارون وجعفر بن محمد الفريابي قالا ثنا قتيبة بن
سعيد ثنا ليث عن سعيد بن أبي سعيد عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح
عن أبي سعيد الخدري قال:
(قام رسول الله (ص) فخطب الناس فقال: لا والله ما أخشى عليكم أيها الناس
إلا ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا. فقال رجل: يا رسول الله! أو يأتي الخير
بالشر؟ فصمت رسول الله (ص) ثم قال: كيف قلت؟ قال يا رسول وهل يأتي الخير
بالشر؟ فقال رسول اله (ص) إن الخير لا يأتي إلا بالخير، وإن مما ينبت الربيع لما يقتل
حبطا أو يلم إلا آكله الخضر أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاه سنة استقبلت الشمس
فثلطت وبالت ثم اجترت فعادت فأكلت، فمن أخذ مالا بحقه يبارك له فيه. ومن
أخذ مالا بغير حقه فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع).
حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا أمية بن بسطام ثنا يزيد بن زريع حدثنا
هشام الدستوائي - وحدثنا الحضرمي ثنا أبو كريب ثنا إسماعيل بن
43

إبراهيم ثنا هشام الدستوائي حدثنا يحيى بن أبي كثير ثنا هلال بن أبي ميمونة
عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص).
قال أبو محمد:
الزهرة: نوار الربيع. وزهرة الدنيا حسنها وبهجتها وما أظهر الله عليها مما
يتنافس فيه أهلها، وإنما سميت الدنيا لأنها دانية تتقدم الآخرة. والربيع فصل من
الزمان مختلف فيه. ويسمى المطر بعينه ربيعا، ويقال للرجل الجواد الكثير المعروف
الفائض الخير ربيع. ويجمع معنى الخصب والسعة والخير كما قال المعذل بن غيلان:
أرى خلة من صحبة وقرابة * وذي رحم ما كنت ممن يضيعها
ولو ساعدتني بالمكارم قدرة * لفاض عليهم بالنوال ربيعها
قال أبو زيد سعيد بن أوس:
أول الربيع عند طلوع الحمل والثور والجوزاء ثم الصيف، وهو عند طلوع
السرطان والأسد والسنبلة. قاله الأصمعي في كتاب الصفات. أخبرني (أحمد بن
عبد الله بن مسلم بن قتيبة) عن أبيه وغير واحد اثنين من أهل العلم أن الربيع
44

عند العرب وهو الفصل الذي يسميه الناس الخريف، وذلك عند حلول الشمس
برأس الميزان.
قال أبن قتيبة
وإنما سمته العرب الربيع لأن أول المطر يكون فيه وسماه الناس الخريف لأن
الثمار تخترف فيه. فهذا قول العرب أو أكثرهم، وقد أوجبه ضرب من القياس لأنهم
يسمون الفصل الذي يذكر فيه حلول الشمس السرطان والأسد والسنبلة قيظا،
وهو الوقت الذي تحمى فيه الشمس ويشتد فيه الحر وفصل الصيف مقرون به لا
محالة، وهو يتقدمه إذ كان لا يجوز أن يتأخر، ولأن المشاهدة تبطله، وقد جمع بين
الصيف وبينه.
قال الشاعر:
أما يستفيق القلب إلا انبرى له * توهم صيف من سعاد ومربع
وقد يجوز أن يتباعد أحد الوقتين عن الآخر.
وحدثني (عبد الله بن الحسن بن النعمان القزاز ثنا الحسين بن علي العجلي قال
سمعت يحيى بن آدم يقول: السنة أربعة أزمنة كل ثلاثة أشهر منها زمان. فالربيع
زمان وهو أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني، ثم الشتاء زمان وهو كانون الأول
وكانون الثاني وشباط. ثم الصيف زمان وهو آذار ونيسان وأيار، ثم القيظ زمان وهو
حزيران وتموز وآب.
45

وسمعت إبراهيم بن السري يقول: من الناس من يجعل الربيع الأول من السنة
ابتداؤه لثلاث وعشرين تمضي من أيلول وعند ذلك يستوي الليل والنهار، ومنهم من
يجعل الربيع الأول في تسعة عشر تمضي من آذار، قال: وذلك آخر أمطار الشتاء وأول
مطر الربيع.
وقال: وفي آخر يوم من نيسان آخر مطر الربيع وأول مطر الصيف. وقال (أبو
حاتم السجستاني): الوسمي: أول مطر الربيع وهو أول المطر والذي يسم الأرض.
وقد تردد ذكر الربيع في الشعر، فمنهم من جعله المطر بعينه، ومنهم من جعله
النبات، ومنهم من جعله الوقت.
فأما ما جاء في وصفه وطيب أوانه من قديم الشعر وحديثه، فإنما يعنى به أيام
النشر والزهر والنور كما قال البحتري:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا * من الحسن حتى كاد أن يتكلما
وقد نبه المنثور في غلس الدجى * أوائل ورد كن بالأمس نوما
فأوجب اسم الربيع لفصل نيسان.
وقال أبو تمام: إن الربيع أول الأزمان.
وهذه صفة زمن النور.
وأنشدنا (ابن عرفة) بيتين:
توصلنا على الأيام باق * ولكن لو هجرنا مطر الربيع
يروعك صوبه لكن تراه * على روعاته داني النزوع
وهذا نعت المطر في آذار. وليس هذا مما لا تقوم في مثله حجة من شعر
المتأخرين لأن أصحابه أعلام الدراية، وسواء قالوا ذلك قولا أو أتوا به شعرا.
46

وأحسبه نقل اسم زمن النور إلى اسم الربيع لأن آثار المطر الذي جعل الله حياة
للأرض وسببا للبشر تظهر فيه، ويدلل على صحة هذا التأويل قول الله عز وجل:
(ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة)
وليس اخضرارها عقيب يوم يمطر فيه. إنما المعنى أنه سبب له بإذن الله عز
وجل، وزعم قوم أن هذا بمكة موجود تخضر الأرض في ليلة واحدة ولا يكون إلا
بمكة.
وأما ما جاء في معنى المطر بعينه قولة الشاعر:
خليلي أمسى حب خرقاء عامدي * ففي القلب مني زفرة وصدوع
ولو جاورتنا العام خرقاء لم نبل * على جدبنا ألا يصوب ربيع
وقال آخر:
إذا غبت عنا غاب عنا ربيعنا * ونسقى الغمام الغدق حين نؤوب
وقال أبو طالب بن عبد المطلب في النبي صلى الله عليه وسلم هذا البيت:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ربيع اليتامى عصمة للأرامل
وأنشدنا (الحامض): ثمال اليتامى.
وأنشدنا (وكيع) لصموت الأعرابية، قال ورواه الأصمعي:
فكه إلى جنب الخوان إذا سرت * نكباء (تقطع منبت) الأطناب
وأبو اليتامى ينبتون فناءه * (نبت الربيع) بكاليء معشاب
47

فقوله (ص) (إن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا أو يلم).
قال (ابن دريد): هذا من أبلغ الكلام في تحذير الدنيا والاغترار بزهوتها
والركون إلى غضارتها، وذلك أن الماشية يروقها نبت الربيع فتأكل منه بأعينها، فربما
تفتقت سمنا فهكلت. يقول: فمن أعطي كفوا ورفاهية عيش في دنياه فليقتصد ولا
ينهمك فيها فتلهيه عن الاحتراز لآخرته فيهلك كما أن الماشية تلهيها زهرة النبات
تأكل حتى تهلك.
وقال الله عز وجل: (ألهاكم التكاثر. حتى زرتم المقابر. كلا سوف
تعلمون).
وقال بعض الشعراء يذكر الدنيا:
كيف يحلو طعم شيء زائل * رب حلو من مذاق العيش مر
والحبط: انتفاخ بطن الدابة من الامتلاء أو من المرض. يقال حبط يحبط
حبطا. ويقال أن (الحارث بن مازن بن عمرو بن تميم) سمي الحبط لأنه أصابه مثل
ذلك وهو سفر له فمات، والنسبة إليه حبطي - بفتح الباء - كما ينسب إلى سلمة
سلمي، وإلى سفرة سفري لأنهم يستثقلون الكسرة مع الياء وقوله (أو يلم) يعني أو
يقرب، وهذا قول (أبي عبيد).
وقوله (فمن أخذ مالا بحقه يبارك له فيه). البركة: الكثرة والاتساع هكذا قاله
لنا (ابن عرفة) وسألت عنه (الحامض) فلم يذكره. يقول من أخذ من الدنيا شيئا
على طريق الاقتصاد والرضى بالقسم حيي بعز القناعة وغنى النفس حياة طيبة، ومن
طمح بصره إلى كل ما يرى من المتاع بها فهو في منزلة البهيمة التي تأكل فتمتليء ثم
تروث. والثلط: الروث وتبول ثم تجتر. والجرة أن تخرج ما في بطنها بعد الامتلاء
فتديره في فمها ثم تعاود الأكل، لا تعرف غير هذه الحال. قال الله عز وجل:
(والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم).
وقوله: (فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع) قال (ابن البرتي):
معناه يكثر الأكل كما تقول: فلان يتكلم ولا يسكت ويبكي ولا يرفأ دمعه.
48

ومعناه يكثر الكلام ويكثر البكاء.
قال (ابن دريد): لا تشبع عينه.
وحدثني علي بن الحسن ويعرف بالشامي ثنا المخيمر بن سعيد المنبجي ثنا عيسى
ابن يونس عن عثمان بن المغيرة عن الشعبي قال سمعت الحجاج يقول لرجل من
أهل الشام: هل كان وراءك من غيث؟
قال: نعم، قال صفه لي:
قال: سمعت الرواد يدعوا إلى زيارتها، وسمعت قائلا يقول: هلم ظعنكم إلى
محلة تطفأ فيها النيران، وتشتكي فيها النساء، وتنافس فيها المعزى. فلم يفهم
الحجاج ما قال. فقال ويحك! إنما تخاطب أهل العراق فأفهمهم.
قال: نعم أيها الأمير! كثر المطر وكثر الكلأ والعشب فاستغني عن نار يخبز بها.
فهذا إطفاء النيران، وأما تشكي النساء، ولا تزال المرأة ترعى بهمها فتأخذ مرة يمنة
ومرة يسرة لكثرة الكلأ فتتبعها المرأة من ليلتها، ولساقها وجيف من الإعياء، فهذا
تشكي النساء، وأما تنافس المعزى فإن بطونها تشبع وعيونها لا تشبع.
18 - وحدثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة
49

عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال (خطبنا رسول الله (ص)
خطبة بعد صلاة العصر إلى مغيربان الشمس، حفظها من حفظها، ونسيها من نسيها، فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد! فإن الدنيا خضرة حلوة وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها فناظر كيف
تعملون. ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء).
19 - حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم الآملي ثنا يحيى بن عثمان بن
صالح ثنا عمرو بن طارق عن ابن لهيعة عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ميمونة قالت: قال رسول الله (ص)
لعمرو بن العاص.
50

الدنيا خضرة حلوة فمن اتقى الله فيها وأصلح، وإلا فهو كالآكل ولا يشبع،
وبين الناس في ذلك كبد الكوكبين أحدهما يطلع في المشرق والآخر يغيب في
المغرب).
قال أبو محمد:
سألت بعض شيوخنا عن قوله (الدنيا خضرة حلوة) على ما يقع هذان المعنيان؟
فقال: معناه أن ما على ظهرها من متاعها يحسن في عيون أهلها ويحلو في صدورهم كما
قال الله عز وجل:
(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب
والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن
المآب).
وأنشد:
نحن بنو الدنيا إنا خلقنا لغيرها * وما نحن فيه فهو شيء محبب
قال أبو محمد:
وهو عندي في نعت الحديث الأول أن الدنيا مرتع حلو خضر يرتع أبناؤها فيها
ويعجبون بحسنها، ويستحلون الحياة فيها كما تعجب الأنعام بخضر الربيع وما حلا
من نباته وبقله، وألحقت الهاء في قوله خضرة حلوة لأنهما جعلتا نعتين للدنيا فجرتا على
ظاهر الكلام.
قال صاحب كتاب (العين): الرتع، الأكل والشرب رغدا في الريف ولا
51

يكون الرتع إلا في الخصب والسعة كما قال إخوة يوسف (ص): (نرتع ونلعب).
وتقول: رتع فلان في مال فلان: إذا انقلب فيه أكلا وشربا.
وقال الفرزدق:
إرعي فزارة، لا هناك المرتع
وقال:
أبا جعفر لما توليت ارتعوا * وقالوا لدنياهم أفيقي فدرت
وهذا معنى يتردد في كلام العرب وأشعارها ومن ذلك قولهم: النعمة الظليلة،
والعيش المورق، والشباب الغض وأشباه ذلك، والنعمة ليست بجسم فتورق فتظل
وكذلك العيش والشباب ليست بأجسام. وقال (مالك بن حويص المهدي) (لهردة بن
علي) عند كسرى أبرويز وذكر قوما فقال: كانوا تحت كنف من النعماء غدق وربيع من
الخضرة مونق، تنهل دهمه بالحبور، وتتدفق ديمه بالسرور يجتنون تمر الغبطة ويتفيأون
في ظلال النعمة ويختالون في رياض الظفر حماهم غزير وذراهم حرير.
وأنشدنا ابن عطية عن أبي حاتم السجستاني لحميد بن ثور:
يقولان طال النأي لن يحصل الذي * رأيناه إلا أن يعد لبيب
بلى فاذكرا عام ارتبعنا وأهلنا * مراتع دارا والجناب خصيب
ولا يبعد الله الشباب وقولنا * إذا ما صبونا صبوة سنئوب
ليالي أبصار الغواني وسمعها * إلي وإذ ريحي لهن جنوب
وإذ ما يقول الناس شيء مهون * علي وإذ غصن الشباب رطيب
52

قوله (عام ارتبعنا) يقول ارتبع القوم إذا ارتعوا في الخصب، وإنما أراد أنهم
عاشوا عيشا هينا طيبا.
وقوله (والجناب خصيب) يعني الحال جميلة والعيش هنيء، تمثيل. وقوله: (إذ
ريحي لهن جنوب): يعني أنه كان موافقا لهن بشبابه وطراوته كما يوافق الجنوب المطر
والخصب. وقوله (غصن الشباب رطيب) يعني نضارة الشباب وحسنه واعتداله، فمثله
بالغصن إذا أورق.
وأما قوله (ص) (وبعد الناس في ذلك كبعد الكوكبين أحدهما يطلع في المشرق
وآخر يغيب في المغرب) فإنما أراد - والله أعلم - الكواكب التي جعلها الله تعالى منازل
للقمر كما قال (والقمر قدرناه منازل) وهي التي تسمى الأنواء ويسقي الله عباده بها
الغيث. فإن أحدهما لا يغيب في المغرب غدوة حتى يطلع رقيبه في المشرق غدوة،
فهما لا يلتقيان ولا يتقاربان، فكذلك اختلاف أحوال أهل الدنيا في حظوظهم ومكاسبهم
لا يتقارب قاهر ومقهور، ومحروم ومرزوق. ومعافي ومبتلى وأشباه ذلك.
آخر الجزء الثاني
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد
وآله وصحبه وسلم تسليما إلى يوم الدين
يتلوه في أول الثالث (حدثنا سليمان بن أيوب)
53

الجزء الثالث
كتاب
أمثال الحديث
المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم
تأليف
القاضي أبي الحسن بن عبد الرحمن
بن خلاد الرامهرمزي
رحمه الله
55

قال الحافظ أبو طار أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي
الأصبهاني رضي الله عنه.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف بن المسلم الأنماطي بالإسكندرية ثنا أبو
الحسين محمد بن علي بن يحيى الدقاق بمصر ث.
ثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن علي بن طالب البغدادي حدثني أبو محمد
الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي برامهرمز.
20 - ثنا سليمان بن أيوب مولى بني هاشم ثنا محمد بن أبي صفوان ثنا أبو
داود عن المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله
قال: دخلت على رسول الله (ص) وهو على حصير قد أثر الشريط في جنبه فقلت: لو
57

نمت - يا رسول الله على ما هو ألين من هذا! فقال (ما لي وللدنيا! إنما مثلي ومثل الدنيا
كمثل راكب بأرض فلاة فرأى شجرة فاستظل تحتها ثم راح وتركها).
هذا مثل في سرعة انقطاع الدنيا بصاحبها وإن الكائن واقع وقال العدوي:
يا أيهذا الذي قد غره الأمل * ودون ما يأمل التنغيص والأجل
ألا ترى إنما الدنيا وزينتها * كمنزل الركب دارا ثمة ارتحلوا
حتوفها رصد وكدها نكد * وعيشها رنق وملكها دول
21 - حدثنا محمد بن حيان المازني ثنا مسدد ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا
إسماعيل بن أبي خالد ثنا قيس بن أبي حازم قال سمعت المستورد أخا بني فهر يقول
قال رسول الله (ص): (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يضع أحدكم أصبعه في اليم فلينظر
بم ترجع إليه). وقبض يحيى على مفصلين من السبابة.
قال أبو محمد رحمه الله: اليم: البحر.
22 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن موسى عبدان ثنا محمد بن عبيد بن حساب
ثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن قيس عن المستورد بن شداد عن النبي (ص)
مثله. قال: وإني لفي ركب مع النبي (ص) إذ مر بسخلة منبوذة فقال (أترون هذه
هانت على أهلها؟ فوالذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها).
58

قال أبو محمد: السخلة: ولد الشاة وهي اسم يجمع الذكر والأنثى والجمع
سخل. وقالوا: سخلة، والمنبوذة: الملقاة يقال نبذت الشيء أنبذه إذا لقيته.
23 - حدثنا أبي ثنا يحيى بن يونس ثنا علي بن إبراهيم المروزي ثنا ابن المبارك
ثنا غير واحد عن الحسن قال: (قال رسول الله (ص) إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا
كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء لا يدرون ما قطعوا منها أكثر أو ما بقي منها فحسرت
ظهورهم ونفد زادهم، وسقطوا بين ظهراني المفازة فأيقنوا بالهلكة، فبينا هم كذلك إذ
خرج عليهم رجل في حلة يقطر رأسه. فقالوا: إن هذا لحديث عهد بريف. فانتهى
إليهم فقال: يا هؤلاء ما شأنكم؟ فقالوا: ما ترى كيف حسرت ظهورنا ونفدت
أزوادنا بين ظهراني هذه المفازة لا ندري ما قطعنا منها أكثر أم ما بقي؟ فقال: ما
تجعلون لي إن أوردتكم ماء رواء ورياضا خضرا؟ قالوا: حكمك، قال: تعطوني
عهودكم ومواثيقكم أن لا تعصوني؟ ففعلوا. فمال بهم فأوردهم ماء رواء ورياضا
خضرا فمكث يسيرا ثم قال: هلموا إلى رياض أعشب من رياضكم هذه، وماء
أروى من مائكم هذا. فقال جل القوم: ما قدرنا على هذا حتى كدنا أن لا نقدر
عليه. وقالت طائفة منهم: ألستم قد جعلتم لهذا الرجل عهودكم ومواثيقكم أن لا
تعصوه وقد صدقكم في أول حديثه، فآخر حديثه مثل أوله، فراح وراحوا معه
فأوردهم رياضا خضرا وماء رواء، وأتى الأخرين العدو من ليلتهم فأصبحوا ما بين
قتيل وأسير).
24 - حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا يحيى بن أيوب الزاهد ثنا عبد الجبار
59

ابن وهب عن سعد بن طارق عن أبيه قال: قال رسول الله (ص):
نعمت الدار الدنيا لمن تزود فيها خيرا لآخرته ما يرضي به ربه وبئست الدار
الدنيا لمن صدته عن آخرته وقصرت به عن رضى ربه وإذ قال العبد قبح الله الدنيا!
قالت الدنيا: قبح الله أعصانا لربه.
قال أبو محمد:
قوله (بئست الدار الدنيا لمن صدته عن آخرته).
المعنى: أن يصد العبد بها عن الآخرة فجعل الفعل للدنيا. وكذا قوله:
(قصرت به عن رضى ربه) يريد قصر هو بها عن رضى ربه. وقوله (قالت الدنيا قبح الله
أعصانا لربه) معناه أن العاصي هو المقبوح فيها. فجعل الاتعاظ بها بمعنى القول
منها. كما قيل: (سل الدنيا من شق أنهارك وفجر بحارك وغرس أشجارك؟ فإن لم
تجبك حوارا أجابتك اعتبارا).
25 - وحدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أحمد بن يونس ثنا ليث عن
نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): (إنما آجالكم في آجال من خلا كما
60

بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل
استعمل عمالا فقال: من يعمل إلى نصف النهار على قيراط قيراط، فعملت اليهود
إلى نصف النهار على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل من نصف النهار إلى صلاة
العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على
قيراط قيراط. فقال: من يعمل من صلاة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين
قيراطين؟ ألا لكم الأجر مرتين. قال: فغضبت اليهود والنصارى، قالوا: نحن أكثر
عملا وأقل عطاء. قال الله عز وجل: هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا.
قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت).
قال أبو محمد:
هذا مثل في فضل هذه الأمة على من تقدمها من الأمم، وأن الله عز وجل
يضاعف لها الثواب على يسير ما كلفوا من العمل مع قصر مدتها في مدة من قبلها من
اليهود والنصارى.
وإنما سميت اليهود يهودا من قولهم (هدنا إليك).
وأخبرنا أبو محمد الأنباري عن الطوسي قال: والتهود: التوبة والعمل
الصالح. وأنشد:
سوى ربع لم يأت فيها مخافة * ولا رهقا من عائذ متهود
وسميت النصارى نصارى لأنهم نسبوا إلى قرية يقال لها نصورية، وقالوا:
أناصرت. وقال بعضهم في النسبة نصري.
والأجل: المدة والوقت الذي يتناهى إليه العمر. وهذا على الجمهور الأكثر إلا
أن أحدا لا يتجاوزها. ومن كلام العرب: جاءت تميم وأقبلت بكر.
وقالوا: جاءت غطفان عن بكرة أبيها. أي جاءوا بأجمعهم.
61

وأنشدنا (ابن عطية) قال أنشدنا (أبو حاتم)
وجاءت سليم قضها بقضيضها * تمسح دوني بالفضاء سبالها
القض: الحصى، والقضيض: التراب.
وأنشدني رجل بضربة يذكر وقعة:
ثارت لها كلب وقيس كلها * وبنو الحروب تنوخ والأنصار
وأتتك بهراء بن عمرو بالقنا * والخيل معلمة لها أحضار
وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر:
(ألقت إليكم مكة أفلاذ كبدها). يريد أشرافها يعني معظمهم وأكثرهم.
26 - حدثنا يحيى بن معاذ التستري ثنا يحيى بن المغيرة المخزومي ثنا ابن أبي
فديك عن إبراهيم بن الفضل عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
(ص):
(معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين).
المعترك: موضع الاعتراك. وكذلك المعركة. فالاعتراك الاعتلاج في الحرب.
يقال: اعترك القوم للقتال والخصومة.
62

قال جرير:
قد جربت عركتي في كل معترك * غلب الليوث فما بال الضغابيس؟
وهذا يريد أن معظم المنايا وأكثرها لهذه الأمة بين هاتين المدتين، وهي المدة التي
تذكرها العرب.
أنشد الأصمعي:
ومن يصحب الأيام ستين حجة * يغيرنه والدهر لا يتغير
وقال آخر:
وإن امرأ قد جاوز ستين حجة * إلى منهل من ورده لقريب
ومات النبي (ص) والخلفاء الراشدون وجمهور الصحابة لهما رضوان الله وصلواته
ورحمته عليهم.
فأما من خلفه النبي (ص) فأسن منهم العباس بن عبد المطلب. وعثمان بن
عفان وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر، وبلال بن الحارث، وزيد
63

ابن خالد الجهني. وممن جاوز السبعين عمار بن ياسر، وأبو أمامة صدي بن
عجلان والسائب بن يزيد، وواثلة بن الأسقع، وممن جاوز المائة أنس بن
مالك وحكيم بن حزام.
وحدثنا عبد الله بن سلمة بن أبي حبيب الأنصاري، حدثني بكر بن عبد الوهاب
الخياط الأنماطي ثنا محمد بن عمر الأسلمي الواقدي قال: مات مخرمة بن نوفل
وحويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وسعيد بن يربوع - وكنية مخرمة أبو
64

المسور وكنية حكيم أبو خالد. وكنية حويطب أبو محمد - ماتوا سنة أربع وخمسين. وقد
بلغ كل واحد منهم عشرين ومائة سنة إلا مخرمة فإنه بلغ خمس عشرة ومائة.
ومات أنس بن مالك سنة إحدى وتسعين وقال: قدم النبي (ص) المدينة ولي عشر
سنين، فذلك مائة سنة وسنة واحدة.
حدثنا أبو عبيدة محمد بن الجنيد حدثنا إسماعيل بن حفص ثنا المحاربي عن
أشعث بن سوار قال: مات شريح وهو ابن مائة وعشر سنين، ومات سويد بن
غفلة وهو ابن عشرين ومائة، ومات أبو رجاء وهو ابن مائة وسبع وعشرين.
قال أبو محمد: هؤلاء مخضرمة، والمخضرمة الذين أدركوا الجاهلية والإسلام.
حدثنا (ابن البرتي) عن أبي حفص قال: مات (أبو عثمان النهدي) وهو ابن
ثلاثين ومائة. مات بعد المائة.
حدثنا (أبو خليفة) عن (التوزي) قال حدثت عن (يونس) عن ابن داود عن ابن
حي قال: عاش سويد بن غفلة عشرين ومائة سنة، لم ير محتنيا ولا متساندا قط،
وافتض عام مات بكرا.
حدثني الحسن بن علي السراج قاضي الأهواز ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا
عبد الله بن ثور حدثتنا (دنية بنت أبي الحلال) قالت: بعث المهلب إلى أبي الحلال
بجارية لينظر هل بقي من الشيخ بقية فافتضها وهو يومئذ ابن عشرين ومائة.
65

27 - حدثنا محمد بن أحمد بن كسا ثنا دحيم ثنا ابن أبي فديك حدثني إبراهيم
المخزومي عن ابن أبي الحسين المكي عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله
(ص):
(إذا كان يوم القيامة نودي أين أبناء الستين؟ وهو العمر الذي قال الله عز
وجل: (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير).
قال أبو محمد: إبراهيم المخزومي وهو إبراهيم بن الفضل، وابن حسين:
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين.
28 - حدثنا الحضرمي ثنا إسماعيل بن بهرام وهشام بن يونس قالا ثنا عبد
العزيز بن أبي حازم ثنا أبي عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال:
(من عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه من العمر) يريد (أو لم نعمركم ما
يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير).
حدثنا أبي ثنا ابن أبي خيثمة ثنا عبد الله بن جعفر الرقي عن ابن المبارك عن أبي
عثمان الصنعاني عن وهب بن منبه قال:
(وقد بلغت من الكبر عتيا) * مريم / 8 * قال هذه المقالة وهو ابن ستين أو خمس
وستين سنة.
29 - حدثنا موسى بن زكريا ثنا أزهر بن مروان ثنا داود بن الزبرقان ثنا مطر
الوراق عن عبد الله بن بريدة الأسلمي عن يحيى بن يعمر أن أبا سبرة قال لعبيد الله
ابن زياد حدثني عمرو بن العاص قال: قال رسول الله (ص):
66

(مثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا وإن مثل المؤمن مثل
القطعة الجيدة من الذهب أدخلت النار فنفخ عليها فخرجت جيدة).
قال أبو محمد:
هذا مثل للمؤمن في صحة عقده وعهده وسره وعلانيته وسائر أحواله، ومثل
بالنحلة تارة وبالقطعة من الذهب تسبك فيعود وزنها مثله قبل سبكها لصفائها
وخلوص جوهرها، لأن الخالص من الذهب لا يحمل الخبث ولا يقبل الصدأ ولا
تنقصه النار ولا يغيره مرور الأوقات، وكذلك المؤمن في حال منشطه ومكرهه وعسره
ويسره على بينة من ربه ويقين من أمره لا ينقصه الاختبار ولا يزيله عن إيمانه ويقينه
تفرق الأحوال.
والذهب أسنى الجوهر وأشرفه، ويقال للشيء في بلوغ الغاية في تفضيله وشرفه
وخطره: كأنه الإبريز الخالص. وما هو إلا الذهب الأحمر.
وقال بعض الشعراء:
كالخالص الإبريز إن لم تجله * فجلاؤه فيه وإن صحب الأبد
لا يستحيل على الليالي لونه * أنى وجوهره شهاب يتقد
وقال آخر:
لا يعلق العار جنبي إن رميت به * نأيت عنه كما لا يصدأ الذهب
وحدثني عبدان بن أحمد بن أبي صالح صاحب التفسير عن عمرو بن محمد
الزنبقي البصري عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: من أحب أن ينظر
إلى رجل صيغ من ذهب فلينظر إلى الخليل بن أحمد ثم أنشأ يقول:
قد صاغه الله من مسك ومن ذهب * وصاغ راحته من عارض هطل
والنحلة كريمة تغتذي بألطف الغذاء وأشرف ما يغتذي به ذو حياة، وتمج
العسل وهو أطيب طعام وأعذبه، وإليه المثل في الحلاوة التي هي أعجب الطعوم مذاقا
وأفضلها مأكولا ومشروبا، وأوقعها من النفوس مواقع الغاية ويقال إنها بإذن الله
67

وقدرته تحمل العسل في أفواهها والشمع على أفخاذها وظهورها. وتقول: نحلة للذكر
والأنثى والجمع نحل، والنحل مذكرات ومؤنثات، ويقال للنحل ذباب الخصب
وذباب الربيع. أفرد لها هذا الاسم لشرفها مقرون بشرف الوقت الذي تنتشر فيه،
وهو الفصل الذي يكثر فيه الذباب والخصب والخير والمرعى.
وسمي المعتد من الرجال السيد المؤتمر له: يعسوبا تشبيها بيعسوب النحل،
وهو أميرها. وفي الحديث (علي يعسوب المؤمنين - أي سيدهم - والمال يعسوب
المنافقين).
ووقف علي رضي الله عنه على عبد الرحمن بن عتاب يوم الجمل وهو مقتول -
فاسترجع ثم قال: هذا يعسوب قريش: أي سيدهم.
واختلفوا في اليعسوب فقال بعضهم هو نحلة ذكر أكبر من الإناث يجتمع إليه
النحل ويتفرقن عنه وهو مقيم لا يبرح، فإن خرج خرجن معه، وإن غاب طلبنه،
وإن ضاع تمزقن وتشتتن ولم يصلحن إلا به.
وقال بعضهم: بل هو الأنثى وتسمى الأمراء والنحل يسمى النحال، وذكر
النحل في أشعار العرب كثير لعجيب صنعها وجليل ما يخرج الله تعالى من بطونها.
قال الله تعالى (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن
الشجر ومما يغرسون. ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا. يخرج من
بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس).
وتناهى ما جاء في ذكره من الشعر كثير كما قال (أبو ذؤيب).
ولا ما تمج النحل في متمنع * فقد ذقته مستطرفا وصفا ليا
68

وكما قال الآخر:
وإن حديثا منك لو تبذلينه * جنى النحل في أبكار عوذ مطافل
30 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن موسى ثنا محمد بن إسحاق بن يحيى الحلواني
ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة ثنا المحاربي عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر
قال: قال رسول الله (ص):
(مثل المؤمن مثل النخلة أو النحلة إن شاورته نفعك وإن ماشيته نفعك وإن
شاركته نفعك).
31 - حدثنا عبد الله بن أحمد ثنا محمد بن صدران ثنا أزهر عن ابن عون
عن نافع عن ابن عمر ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مثل المؤمن كمثل الشجرة.....) وذكره.
32 - حدثنا يوسف بن يعقوب ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا يحيى بن
سعيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص):
69

(أخبروني بشجرة كالرجل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها لا يتحات
ورقها. ثم قال: هي النخلة).
33 - حدثنا محمد بن علي الناقد ثنا إبراهيم بن الحسن العلاف ثنا أبو عوانة
عن أبي بشر عن مجاهد عن أبن عمر قال:
كنت عند النبي (ص) وهو يأكل جمارا فقال: إن من الشجر كالرجل المؤمن،
فأردت أن أقول هي النخلة فنظرت في وجوه القوم فإذا أنا أحدثهم. فقال رسول
الله (ص): هي النخلة.
قوله: (لا يتحات ورقها) يعني لا يتساقط كما يتساقط ورق الشجر وورقها:
خوصها. وأصل الحت الفرك. قال الشاعر:
تحت بقرنيها برير أراكة * وتعطو بظلفيها إذا الغصن طالها
وسمي الخوص ورقا. كما سمي النخلة شجرة. وفي هذا كلام بين الفقهاء،
والنخلة سيدة الشجر ضربها الله تعالى مثلا لقول لا إله إلا الله فقال:
(مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء).
ومثلها رسول الله (ص) بالرجل المؤمن القوي في إيمانه المنتفع به في جميع أحواله.
والعرب تعظمها ويكثر في أشعارها ذكرها. وزعم قوم ممن يتعمق في الاشتقاق
إن اسمها مشتق من الانتخال وهو التصفية والاختيار. قالوا في صفوة الشجر
ومختار المعاش.
70

وهذا قول نادر شاذ. تقول ونخلت الشيء إذا صفيته، ونخلت الكلام والشعر
إذا هذبته ولخصته. قال الشاعر:
تنخلتها مدحا لقوم ولم أكن * لغيرهم فيما مضى أتنخل
وبه سمي المتنخل الشاعر:
ويقول: أشد من نخلة، وأعظم بركة من نخلة. وتوصف المرأة الجزلة بها
وتوصف الفرس بجذعها، والقمر حين يبدو بعرجونها، ويشبه الخلق في تمامه وشطاطه
بمجالها، ويسمى طلعها الكافور، وجمارها الإغريض وهو الفضة، ويقال إنه ليس في
المأكول أنظف منها.
وقال رجل من العرب يصف نسوة كلامهن.
كلامهن أقتل من النبل، وأوقع في القلوب من الوبل في المحل، وفروعهن
أحسن من فروع النخل.
وقال الشاعر:
كأن فروعهن بكل ريح * عذارى بالذوائب ينتصينا
وقال العرجي:
حوراء يمنعها القيام - إذا * قعدت - تمام الخلق والبهر
71

كالعذق في رأس الكثيب نما * طولا ومال بفرعه الوقر
وقال الحارث المخزومي:
كالعذق زعزعه رياح حرجف * فاهتز بعد فروعه قنواته
ويقال في بلوغ الغاية في صفاء الشيء وليانه ومخه: ما هو إلا جمارة. وكأنه
جمارة النخل. كما قال الجهني:
أنتم جمارة من هاشم * والكرانيف سواكم والحطب
* حدثنا يوسف بن يعقوب ثنا محمد بن كثير ثنا سليمان بن كثير عن حصين عن
عكرمة في قول الله تعالى:
(مثلا كلمة كشجرة طيبة) قال: هي النخلة لا يزال فيها شيء ينتفع به،
إما ثمره وإما حطبه. وكذلك الكلمة الطيبة ينتفع بها صاحبها في الدنيا والآخرة.
* حدثنا الحسن بن المثنى ثنا أبو حذيفة ثنا شبل عن ابن أبي نجاح عن مجاهد
قال: الشجرة الطيبة، النخلة، والخبيثة الحنظلة مثل المؤمن والكافر.
* حدثنا يوسف ثنا المقدمي ثنا حماد بن زيد ثنا شعيب بن الحجاب قال: كنا
عند أنس مالك فجيء بطبق من رطب فقال: كلوا فإن هذه التي ذكر الله: ضرب
الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة. قال ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من
فوق الأرض تلكم الحنظلة.
72

34 - حدثنا أحمد بن عبد الله الجشمي ثنا علي بن المؤمل من أهل وادي القرى
قال: سمعت موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
رضي الله عنهم يقول: حدثني أبي عن آبائه قال: قال رسول الله (ص):
(نعم المال النخل الراسخات في الوحل المطعمات في المحل).
والمحل: الجدب. وقال الشاعر:
نأين فلم تلحق بها كف جاذب * ولم يتباعد خيرها ابن سبيل
وقال الآخر:
إذا اغبر وجه الأرض واصفر عودها * أقمن فهن المطعمات على المحل
35 - حدثنا محمد بن سعيد الأيلي ويلقب بمردك والحسن بن أبي شجاع البلخي
قال ثنا شيبان بن فروخ ثنا مسرور بن سعيد التيمي حدثني الأوزاعي عن عروة بن
رويم عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (ص):
(أكرموا عمتكم النخلة فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم وليس من
الشجر شيء يلقح غيرها - فأطعموا نساءكم الولد الرطب فإن لم يكن الرطب فالتمر.
وليس شيء من الشجر أكرم على الله تعالى من شجرة نزلت عندها مريم بنت
عمران).
قال أبو محمد:
هذا من الأحاديث التي يعترض عليها من يشنأ الحديث ويبغض أهله ويجب أن
يعد من أهل النظر ويتحلى بالخلاف على الأثر. فقال رويتم أن النخلة عمة كما رويتم
أن الفأرة يهودية ورويتم كذا ورويتم كذا.
73

وما أدري ما الذي ينكر من هذا؟ ولم لا يجوز لها هذا الاسم على التمثيل مع ما
روي أنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم.
وإنما أخبر عليه السلام عن قدمها إن كان الحديث محفوظا وأعلمنا أنها خلقت
مع آدم من الطين.
والعرب تذكر النخلة بالقدم وتصفها بالبقاء، ومن كلامهم إذا طال عمر
الإنسان (كأنه نخلتا ثروان). قال الشاعر - فجعلها بنات الدهر يريد أنهن يبقين بقاء
الدهر على المبالغة - في البقاء:
ضربن العرق في ينبوع عين * طلبن معينه حتى روينا
بنات الدهر لا يخشين محلا * إذا لم تبق سائمة بقينا
كأن فروعهن بكل ريح * عذارى بالذوائب ينتصينا
وقال أحيحة بن الجلاح - فسمي الصغار منهن طفلا: هو الظل في الصيف حق
الظليل والمنظر الأحسن الأجمل).
نعم لعمكم نافع * وطفل لطفلكم يومل
العم: الطول ضرب بها المثل فقال هذه الطول للرجال وهذه الصغار
للأحداث نشأت معهم.
وقال رجل من بني حنيفة - فسمى العظام منها أمهات:
ولما أتم الطلع منها وشبهت * شماريخها الكتان أخلصن بالرحض
كفى أمهات الحمل منها بناتها * بنضر العذوق بعضهن على بعض
74

وقال الآخر:
لنا لقحة لم تغد يوما بناتها * إذا بركت في منزل لم تحول
لها أخوات حولها من بناتها * حوادث لم تحلل ببيداء مجهل
قيام حوالي فحلها وهو قائم * تلقح عنه وهو عنها بمعزل
ترى الشارب النشوان من حلباتها * إذا راح يمشي مثل مشي المخبل
حدثنا ابن دريد ثنا السجستاني عن الأصمعي قال: لقيت أعرابيا فقلت ممن
أنت؟ فقال: أسدي - قلت: من أيهم؟ قال: نمري. قلت: من أي البلاد؟ قال: من
أهل عمان. قلت فأنى لك هذه الفصاحة؟ قال: سكنت بأرض لا نسمع فيها ناجحة التيار
أو نافجة التيار - يعني صوت البحر. قلت: فصف لي أرضك - قال: سيف أفيح،
وفصل ضحضح، وجبل صلدح، ورمل أصبح قلت: فما بالك؟ قال: النخل. قلت:
فأين أنت من الإبل؟ قال: إن النخل حملها غذاء، وسعفها ضياء، وجذعها بناء،
وكربها صلاء، وليفها وشاء وخوصها وعاء، وقروها إناء.
وقال (الأعشى) في صفة الفرس:
أما إذا استقبلته فكأنه * جذع سما فوق النخيل مشذب
وقال الجعدي في الإغريض:
ليالي تصطاد الرجال بفاحم * وأبيض كالإغريض لم يتثلم
وقال آخر في الكافور:
كأن على أسنانها عذق نخلة * مدلى من الكافور غير مكمم
75

وقال أعرابي في وصف امرأة:
يا طيب وصلك في النساء مبين * لخلائق يأبى النساء مداها
بعفافة وحلاوة وتقبل * أعي النساء - وإن جهدن - سواها
فكأن طيبة نخلة في جدول * عذبت مغارسها فطاب جناها
وقال الربيع بن أبي الحقيق - فشبه الليث بحواشي البرود:
ربت في كثيب ذي أباريق عذبة * عواقبها في الماء ورد شوارع
لها سعف جعد وليف كأنه * حواشي برود حاكهن الصوانع
وقال أمية بن أبي الصلت يذكر الجنة:
فيها الفواكه كلها وتزخرفت * بطلع يرضي الناضرين نضير
آخر جزء الثالث والحمد لله وحده
وصلواته على خير خلقه محمد وآله وصحبه
وأزواجه وسلم تسليما
يتلوه إن شاء الله تعالى في الجزء الرابع
حدثنا عبد الله بن أحمد بن موسى
والحمد لله حق حمده وهو حسبنا ونعم الوكيل
76

الجزء الرابع
كتاب
أمثال الحديث
المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم
تأليف
القاضي أبي الحسن بن عبد الرحمن
بن خلاد الرامهرمزي
رحمه الله
77

بسم الله الرحمن الرحيم
رب عونك
قال الشيخ الإمام الأجل الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن
إبراهيم السلفي الأصبهاني.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف بن المسلم الأنماطي ثنا أبو الحسين محمد بن
علي بن يحيى الدقاق بمصر ثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن علي بن طالب البغدادي
حدثني أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي برامهرمز قال:
36 - ثنا عبد الله بن أحمد بن موسى ثنا سليمان بن أيوب ثنا حماد بن زيد عن
علي بن سويد بن منجوف عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال:
(مثل المؤمن القوي مثل النخلة ومثل المؤمن الضعيف كخامة الزرع).
37 - حدثنا أحمد بن عمرو الحنفي ثنا عمرو بن علي ثنا عبد الرحمن بن
مهدي عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله أو عبد الرحمن بن كعب بن
79

مالك الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): (مثل المؤمن كمثل الخامة
من الزرع تفيئه الرياح تعدلها مرة ويقيمها مرة أخرى حتى يأتيه أجله، ومثل الكافر
كمثل الأرزة المجذية على أصلها لا يقيمها حتى يكون انجعافها مرة واحدة).
قال أبو محمد:
ورواه (يحيى بن سعيد) عن (الثوري) فقال (لا يصيبها شيء حتى يستجمه).
ورواه (حماد بن سلمة) عن ثابت فقال: (لا تزال قائمة حتى تنقصف). ورواه
الأعمش عن عطاء عن جابر قال: (لا تزال قائمة حتى تنقعر). وقال الأرزنة - بالنون.
38 - حدثنا محمد بن علي بن الوليد السلمي قال سمعت هدبة بن خالد
القيسي يقول حدثنا عبيد الله بن مسلم عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله
(ص): (مثل المؤمن مثل السنبلة تقوم أحيانا وتميل أحيانا).
قال أبو محمد:
الخامة: الفضة الرطبة قال الطرماح:
إنما نحن مثل خامة زرع * متى يأن يأت محتصده
80

والأرزة: الثابتة من الشجر، واختلف في تسميتها فمنهم من يقول: الأرزة
مثال فعلة محركة مفتوحة العين، وهو لفظ الحديث، ومنهم من يقول: الأرزة مثال
فاعلة وهو قول (أبي عمرو الشيباني)، قال ومنه تقول: أرز يأرز.
ومنهم من يقول الأرزة مثال فعله ساكنة العين وهو قول (أبي عبيدة)، قال:
وهو شجر معروف بالشام وقد رأيته يقال له الأرز واحدتها أرزة، وهي التي تسمى
بالعراق (الصنوبر) والصنوبر ثمر الأرزة.
والمجذية: الثابتة في الأرض - يقال منه جذت تجذو وأجذت تجذي.
والانجعاف: الانقلاع - ومنه قيل: جعفت به الأرض إذا صرعته فضربت به الأرض،
والانقصاف مثله.
قال أبو عبيد:
هذا فيما نرى أنه شبه المؤمن بالخامة التي تميلها الريح لأنه مرزأ في نفسه وأهله
وولده وماله، والكافر كمثل الأرزة التي لا تميلها الريح أي لا يرزأ شيئا وإن أرزى لم
يؤجر عليه حتى يموت فشبه موته بانجعاف تلك حتى يلقى الله عز وجل بذنوبه.
39 - حدثني قتادة بن رستم الطائي ثنا عبيد بن آدم العسقلاني ثنا أبي عن ابن
أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص):
(مثل المؤمن والإيمان كمثل الفرس في آخيته يجول ما يجول ثم يرجع إلى آخيته
وكذلك المؤمن يقترف ثم يرجع إلى الإيمان فأطعموا طعامكم الأبرار وخصوا
بمعروفكم المؤمنين).
قال أبو محمد: الآخية عود يعرض يعرض على الحائط تشد إليه الدابة والجمع: الأواخي
ويقال لفلان آخية عند الأمير.
40 - حدثنا محمد بن يحيى المروزي ثنا عاصم بن علي ثنا شعبة عن مجالد قال
سمعت الشعبي يقول عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله (ص):
81

(المؤمنون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى شيء منه تداعى سائره
بالسهر والحمى).
41 - حدثنا عبد الله بن غنام ثنا جعفر بن حميد ثنا الوليد بن أبي ثور عن
عبد الملك بن عمير عن النعمان بن بشير عن النبي (ص) قال:
(مثل المسلمين في تواصلهم وتراحمهم والذي جعل الله بينهم مثل الجسد إذا
اشتكى شيء منه تداعى سائره بالسهر والحمى).
قال أبو محمد التواد والتحاب والتراحم والتواصل مصادر من قولك تحاب
الرجلان وتوادا وتواصلا وتراحما ومر أن يقع فعل المحبة والمودة والوصلة والرحمة من
أحدهما مثل ما يقع من الآخر وشبه المؤمنين في هذه الخصال وان تغايرت أجسامهم
وتباينت بالجسد الواحد الذي يألم جميعه بما يألم بعضه فكذلك المؤمنون متكافئون في
السراء والضراء ومشتركون في الشدة والرخاء.
42 - حدثنا عبدان ثنا دحيم ثنا مروان بن معاوية ثنا الحسن بن عمرو ثنا
الشعبي قال سمعت النعمان بن بشير يقول على المنبر:
يا أيها الناس تراحموا فإني سمعت بأذني هاتين من رسول الله (ص) وهو يقول:
المسلمون كالرجل الواحد إذا اشتكى عضو من أعضائه تداعى له سائر جسده.
43 - حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا علي بن بهرام ثنا عبد الملك بن أبي
82

كريمة عن غالب صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي (ص)
قال:
(المؤمن للمؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضا).
44 - حدثني أبي ثنا عبد الله بن محمد الزهري ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد
الحنفي عن غالب الجزري عن أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله
(ص) قال:
(إن مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تكر إلى هذه مرة وإلى هذه
مرة لا تدري أيا تتبع)؟.
45 - حدثنا أحمد بن جعفر النيسابوري ثنا أحمد بن حفص ثنا أبي ثنا
إبراهيم بن طهمان عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي (ص):
مثله.
83

46 - حدثني علي بن أحمد بن عبيد الله المباركي ثنا أبي ثنا إسحاق الأزرق عن
عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
قال أبو محمد:
قوله بين الغنمين يريد بين القطيعين من الغنم، ويقال: عارت الشاة إذا فارقت
جماعة الغنم وعدلت إلى بعض النواحي، ومنه قيل للذي يعير نحو الباطل ويفارق
أهل الاستقامة والحق: العيار.
قال أوس بن حجر:
ليث عليه من البردي هبرية * كالمرزباني عيار بأوصال
يصف أسدا يعير بأوصال ما يفترسه، ويروى عيال يعني يتبختر في مشيته
بالعشايا، ويقال قصيدة عائرة أي سائرة، وقال بعض الرواة: ما قالت العرب بيتا
أعير من قوله:
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
فصاحب النفاق يعير إلى أهل الايمان تارة وإلى المشركين أخرى متردد كما قال الله
تعالى (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء).
47 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن خلاد القطان ثنا أبو الوليد الطيالسي ثنا همام
ثنا قتادة - وحدثنا محمد بن يحيى المروزي ويوسف بن الحكم قالا ثنا سريج بن
84

يونس ثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس عن أبي موسى قال قال رسول الله (ص):
(مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب ومثل
المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر
الذي لا يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ
القرآن مثل الحنظلة خبيث طعمها خبيث ريحها).
قال أبو محمد رحمه الله:
الأترجة - بلا نون - والذي يقوله العامة بالنون خطأ. وليس في المشمومات
شيء يجمع طيب الرائحة وطيب الطعم غيرها.
والريحان اسم يجمع المشمومات من النبات سوى الشجر هكذا قاله الحامض.
وقال صاحب كتاب العين: (الريحان أطراف كل بقلة طيبة الريح إذا خرج عليه
أوائل النور.
وقال أبو محمد: الريحان فعلان من الريح. والريح والروح واحد، وإنما صار
الواو ياء في الريح، لأن الحرف الذي قبله مكسور وتصغيرها رويحة. وتقول: أروح
الماء وغيره إذا تغير.
أخبرنا أبو خليفة عن المازني عن أبي زيد قال:
يقال: انشق الصبح عن ريحانة إذا انشق عن نسيمه، والنسيم: الرائحة الطيبة
تجدها تقول انشق النهار عن أطيب أوقاته.
85

48 - حدثنا عبد الله بن علي بن مهدي ثنا أحمد بن المعلى الآدمي ثنا إسماعيل
ابن صبيح ثنا يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي عبد الرحمن عن عثمان
عن النبي (ص) قال:
(إن القرآن كجراب ملأته مسكا ثم ربطت على فيه فإن فتحته فاح لك ريحه.
وإن تركته كان مسكا مرفوعا فكذلك مثل القرآن إن قرأته أو كان في صدرك.
49 حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن الحسن الحضرمي ثنا
إسحاق بن نجيح عن عطاء الخراساني عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص):
* مثل الذي يقرأ القرآن ولا يفرض مثل الذي ليس له رأس.
50 - حدثنا أحمد بن حماد بن سفيان الكوفي ثنا عثمان بن حفص ثنا
الفضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول
الله (ص):
(مثل القرآن كمثل الإبل المعقلة إذا تعاهد صاحبها عقلها أمسكها وإذا أغفلها
ذهبت، وإذا قام صاحب القرآن يقرؤه آناء الليل وآناء النهار وإن لم يقم به نسيه).
قال أبو محمد رحمه الله:
86

قوله (إذا تعاهد صاحبها عقلها) منهم من يقول بضم العين ومنهم من يقول
بفتحها. وأهل العربية يختارون الفتح وهو مصدر قولك: عقلت البعير أعقله عقلا إذا
شددت يد بعقال. والعقل: الحبل الذي تربطه به. ومن قال بالضم فإنما يحتاج معه
إلى حركة القاف ليكون جمعا للعقال كما تقول حمار وحمر وعقال وعقل وجراب
وجرب، وتسكين القاف خطأ وهو لفظ المحدثين.
51 - حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار ثنا الهيثم بن خارجة ثنا رشدين
ابن سعد عن عبد الله بن الوليد التجيبي عن النخعي عن أبي حفص أنه سمع
أنس بن مالك يقول: قال رسول الله (ص):
(إن مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر
والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن يضل الهداة).
52 - أخبرنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا أحمد بن يونس ثنا أبو بكر بن عياش
عن أبي المهلب عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي
87

أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لقمان قال لابنه:
* (يا بني عليك بمجالسة العلماء واستماع كلام الحكماء فإن الله عز وجل يحيي
القلوب بنور الحكمة كما يحيى الأرض بوابل المطر).
53 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا إبراهيم بن أبي معاوية ثنا أبي
عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله (ص):
(مثل الصلوات الخمس مثل نهر جار على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم
خمس مرات).
54 - حدثنا موسى بن زكريا ثنا داود بن بلال ثنا أبو الأشهب عن الحسن عن
أبي هريرة - إن شاء الله - قال قال رسول الله (ص):
(مثل الصلوات الخمس مثل رجل على بابه نهر جار غمر عذب يغتسل منه
كل يوم خمس مرات، فماذا يبقين من درنه).
55 - حدثنا شيخ من أهل مدينة السلام ثنا محرز بن سلمة عن الدراوردي
88

عن موسى بن عبيدة عن ماعز بن سويد العرجي عن علي بن أبي طالب رضي الله
عنه أن النبي (ص) قال:
(مثل الذي لا يتم صلاته مثل المرأة حملت حتى إذا دنا نفاسها أسقطت فلا
حامل ولا ذات رضاع. ومثل المصلي كمثل التاجر لا يخلص له الربح حتى يخلص له
رأس ماله، فكذلك المصلي لا يقبل له نافلة حتى يؤدي الفريضة).
56 - أخبرنا الحضرمي ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي عن مجالد عن
الشعبي عن ابن عباس عن النبي (ص) قال:
(مثل الذي يتكلم والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا).
الأسفار: واحدها سفر. وقال الله تعالى (بأيدي سفرة. كرام بررة) السفرة:
الكتبة من الملائكة. ويقال إنهم ملائكة السماء الدنيا الذين يحصون أعمال العباد.
وقال بعض الشعراء - يعير قوما بالرواية دون الدراية:
زوامل للأشعار لا علم عندهم * يجيدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما تدري المطي إذا غدا * بأوساقه أو راح ما في الغرائر
89

وهذا مثل لمن شهد الجمعة بجسمه ول يشهدها بقلبه. فجهل ما يجوز من ثوابها
بحضوره إذا أنصت واستمع ولم يلغ. فهو كالحمار الذي لا يعقل وقال الله تعالى:
(مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار) وضرب الله هذا مثلا
للذين حملوا التوراة ولم يحملوها ما فيها من الأوامر والنواهي فصاروا بمنزلة من لم
يحملها لعدم الانتفاع بها، وخص الحمار بهذا المثل لأن المذموم عند العرب من الدواب
والغاية فيما يستبهم، وهم يقولون للإنسان المذموم كأنه حمار، أو كأنه عير.
أنشدنا ابن عرفة أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي:
دفعت إلى شيخ بجنب فنائه * هو العير إلا أنه يتكلم
وقال (الفرزدق):
سواسية سود الوجوه كأنهم * حمير بني ذكوان إذ ثار صيقها
والصيق: الغبار.
وضرب الله للمعرضين عن الذكر النائبين عنه مثل الحمير المستنفرة ممن يقسرها
ويقهرها، قال: (كأنهم حمر مستنفرة. فرت من قسورة).
90

وكذلك قال النبي (ص):
(أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟ ويروى
وجهه وجه حمار):
واعترض بعض من يتحلى بالخلاف على الأثر ويطعن على أهله فقال: وكيف
لحق هذا الذنب اليسير مثل هذا الوعيد العظيم؟ فقال فيه قولا قبيحا، وإنما المعنى:
أما يخشى من جهل الاقتداء بإمامه وقد مقام المقتدي أن يشرك البهيمة في صورته
كما شركه في جهله؟
وهذا على المبالغة في ذم الجهل وأهله، وخص الحمار بذلك لما قدمنا القول فيه،
ولأن العرب تجعله الغاية فيما تستبهم وتذم وتستجهل حتى ذكره بعضهم بفساد الدين
كما قال الأخطل:
فدينك عندي كدين الحمار * بل أنت أكفر من هرمز
ولهذا قالت الإخوة من الأب والأم لعمر حين أسهم للأخوة من الأم دونهم
(هب أن أبانا كان حمارا).
ولذلك قال بعض المتأخرين حين بالغ في ذم الدهر وصرفه للأمور عن جهتها
وإجرائها على غير حقائقها:
فلو ذهبت ستار الدهر عنه * وألقى عن مناكبه الدثار
لعدل قسمة الأيام فينا * ولكن دهرنا هذا حمار
وقال (حيان بن سليمان بن مالك):
إذا حل أهلي بالشرية فاللوى * فليس على قتلي لبيد بقادر
ولا تقتلوني واقتلوا بأخيكم * حمارا مهينا من حمير قراقر
91

حدثنا سهل بن موسى ثنا بندار ثنا أبو أحمد ثنا سفيان عن إسماعيل عن أبي
صالح في قوله تعالى: (في أي صورة ما شاء ركبك).
قال: إن شاء حمارا وإن شاء خنزيرا.
57 - حدثنا أبو خليفة ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد
عن أوس بن خالد عن أبي هريرة عن النبي (ص): (مثل الذي يسمع الحكمة ولا يحمل
إلا شرها كمثل رجل أتى راعيا فقال اجزرني شاة من غنمك، قال: انطلق فخذ
بأذن شاة منها فذهب فأخذ بأذن كلب الغنم).
58 - حدثنا (عبدان) ثنا (عبد الأعلى بن حماد) ثنا (حماد بن سلمة) بإسناده عن
النبي (ص) قال:
مثل الذي يسمع الخطبة ثم لا يعي ما سمع.. وذكر مثله.
قال أبو محمد:
إن قال قائل: كلب الغنم خير من شاة، والحكمة لا تسمى شرا، فالجواب إن
الحكمة مسموعة ومعقولة، والمسموع الكلام الذي بني على جهة الصواب وأحكم
معناه.
وقال صاحب (كتاب العين):
الحكمة مرجعها إلى العدل والعلم والحكم. ومنه قولهم أحكم فلان فلانا عن
كذا أي منعه.
أخبرنا (مسبح بن حاتم) ثنا (الحسن بن علي الواسطي) ثنا (هشيم) عن (أبي
بشر) عن (مجاهد) في قوله تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة). قال الصواب.
92

وقال جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم * إني أخاف عليكم أن أغضبا
فمن الحكمة قول (عروة بن الورد):
إذا المرء لم يطلب معاشا يكفه * شكا الفقر أو لام الصديق فأكثرا
وصار على الأدنين كلا وأوشكت * صلات ذوي القربى له أن تنكرا
فسر في بلاد الله والتمس الغنى * تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
فهذه حكمة، وقد دل صاحبها على طلب الرزق ورغب في الثروة، وأخبر عن
عيوب الفقر وفضل الغنى، وأعلم أن في الغنى صيانة للعرض وقضاء للحق. وصلة
للرحم وعونا على المروءة. وهو بذا الكلام الحسن والمعنى الجيد الذي ضمنه غير سالك
به سبيل الحق والعدل. وهو بذا الكلام الحسن والمعنى الجيد الذي ضمنه غير سالك
به سبيل الحق والعدل. يريد به الغارة ويبعث على القتل والتلصص على ما أخبروا
وخير منها وأفضل قول (سالم بن وابصة):
غنى النفس ما يكفيك من سد خلة * فإن شيئا عاد ذاك الغنى فقرا
فإنه أخبر عن فضل القناعة والرضى بالميسور، ودل على مواقع الكفاف وغنى
النفس وذم التكاثر بأوجز لفظ وأتمه بيانا وأحسنه من قلوب أهل البصائر موقعا وأجمعه
لحظ الدنيا والدين فهي خير من الأولى وأفضل وهما حكمتان.
93

وقال (قيس بن الخطيم):
وكنت امرأ لا أسمع الدهر سبة * أسب بها إلا كشفت غطاءها
متى يأت هذا الموت لم تبق حاجة * لنفسي إلا قد قضيت قضاءها
فانظر جودة هذا الكلام وحسنه وقد دل ظاهره على مبادرة اللذة بالفوت والأخذ
منها قبل مفارقتها، وإنما أراد قائلها أنه شفى نفسه بدرك ثأره والاعتلاء على أعدائه
وهو حكمة في معناه، وخير منه وأفضل قول (الصلتان العبدي):
نروح ونغدو لحاجاتنا * وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته * وتبقى له حاجة ما بقي
فانظر أين موقع هذا الكلام إذا اعتبر ومقداره إذا وزن؟ والحاجة ما يشتمل
عليه الصدر، فأخبر أن الإنسان لا تتناهى به الحال إلى أن يبلغ أقصى بغيته فيقضي
من الحياة نهمته، ويستوفي منها شهوته، وإنه رهين بما يحاول وغير بالغ جميع ما يؤمل،
وإن طالت أيامه وامتد عمره.
والآخذ يقول قيس هو الحامل لشر الحكمتين.
94

وأما قوله (أجزرني شاة) فإنه استعطى ما ينتفع بلحمه، والكلب لا ينتفع
بلحمه إنما ينتفع بصيده وحراسته. والجزر: كل شيء مباح للذبح والواحدة جزرة.
قال (سابق البربري):
أصبحتم جزرا للموت يأخذكم * كما البهائم في الدنيا لكم جزر
آخر الرابع ويتلوه في الخامس إن شاء تعالى
حدثنا ابن صاعد ثنا الحسن المروزي ثنا
ابن المبارك
95

الجزء الخامس
كتاب
أمثال الحديث
المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم
تأليف
القاضي أبي الحسن بن عبد الرحمن
بن خلاد الرامهرمزي
رحمه الله
97

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
قال الشيخ الإمام الأجل الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي
الأصبهاني قراءة عليه.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف الأنماطي.
ثنا أبو الحسين محمد بن علي بن يحيى الدقاق بمصر. ثنا أبو القاسم عبد الله بن
أحمد بن علي بن طالب البغدادي. حدثني أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد
الرامهرمزي برامهرمز قال:
59 - ثنا ابن صاعد ثنا الحسين المروزي ثنا ابن المبارك ثنا عبد الرحمن بن يزيد
ابن جابر حدثني أبو هريرة قال: سمعت معاوية يقول على هذا المنبر سمعت رسول
الله (ص) يقول: إنما بقي من الدنيا بلاء وفتنة إنما مثل عمل أحدكم كمثل
الوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله.
60 - حدثني أحمد بن عمرو الحنفي ثنا الحسن بن مدرك ثنا يحيى بن حماد
99

ثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي (ص):
(أن رجلا كان فيمن كان قبلكم استضاف قوما فأضافوه ولهم كلبة تنبح قال فقالت
الكلبة: والله لا أنبح ضيف أهلي الليلة. قال: فعوى جراؤها في بطنها فبلغ ذلك نبيا
لهم أو قيلا لهم فقال:
(مثل هذه مثل أمة تكون بعدكم يقهر سفهاؤها حلماءها ويغلب سفهاؤها
علماءها).
قال أبو محمد رحمه الله:
الجراء جمع جرو - بكسر الجيم - وهو ولد الكلبة، وعوى الكلب إذا صاح وهو
العواء - بضم العين. ممدود.
وهذا مثل في استعلاء السفهاء وتطاول الأشرار.
والسفه نقيض الحلم وهو في معنى الجهل، وأصله التنقص في العقل،
ويستعمل في بذاء اللسان ورفث القول، كما قال جرير:
أبني حنيفة! أحكموا سفهاءكم * إني أخاف عليكم أن أغضبا
وكما قال الآخر:
إذا نطق السفيه فلا تجبه * فخير من إجابته السكوت
سكت عن السفيه فظن أني * عييت من الجواب فما عييت
وهذا البيتان يرويان (لعمر بن علي بن أبي طالب) رضوان الله عليهما.
61 - أحمد بن يحيى الحلواني ثنا أحمد بن يونس ثنا جابر وهو ابن
رفاعة حدثني الشعبي قال سمعت على هذا المنبر - وهو منبر الكوفة - رجلا وهو
100

يقول سمعت رسول الله (ص) ما سمعت أحدا يقول قبله. فقال له نعيم
الأشجعي: من هو يا عامر؟ قال هو النعمان بن بشير الأنصاري قال سمعت رسول الله (ص) يقول:
(إن مثل المدهن في أمر الله كمثل رهط ركبوا سفينة فاقترعوا على المنازل فيها
فأصاب بعضهم أعلى السفينة وأصاب بعضهم أسفلها، فاطلع مطلع من الذين أعلى
السفينة، فإذا بعض من في أسفلها يخرقها. قال ما تصنع يا فلان؟ قال - أحسبه -
قال: أخرق مكانا فأستقي منه، قال: اشرب. فقال رسول الله (ص): فإن غيروا عليه
نجا ونجوا وإن تركوه يخرقها غرق وغرقوا).
قال نعيم بن أبي هند: إن هذه علينا شديدة، أنا أخاف أن يغرق هؤلاء القوم
ويغرقوا - يعني بني أمية -.
قال وهذا في زمان بني أمية.
62 - حدثنا أبي ومحمد بن جنيد قال ابن جنيد ثنا عقبة بن مكرم. وقال أبي ثنا
يحيى المقوم قالا ثنا أبو عاصم ثنا جابر بن يزيد بن رفاعة العجلي حدثني نعيم بن أبي
هند قال سمعت الشعبي يقول سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت رسول الله (ص)
يقول..... فذكر نحوه.
63 - حدثنا ابن ذريح العكبري ثنا سفيان بن وكيع ثنا أبو بكر بن عياش
عن مغيرة عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: (مثل
المقيم على حدود الله عز وجل والمدهن في حدود الله عز وجل والمنهمك فيها كمثل
ثلاثة في سفينة...) وذكر الحديث.
101

قال أبو محمد رحمه الله تعالى:
الإدهان: اللين، يقال أدهن الرجل يدهن إدهانا فهو مدهن، والمداهن
المصانع الموارب، قال الله تعالى (ودوا لو تدهن فيدهنون) أي تلين لهم فيلينون لك.
قال شاعر:
وفي الحلم إدهان وفي العفو دربة * وفي الصدق منجاة من الشر فاصدق
والانهماك: اللجاج والتمادي. تقول: انهمك فلان في أمر كذا: إذا لج وتمادى
وهذا مثل في الاغضاء عن الجاهل والتلاين له حتى يتمادى في جهله. وهو يقتضي
معنى القول بالحق والأمر بالمعروف والأخذ على أيدي أهل الشر حتى لا يؤدي انهماكهم
في جهلهم إلى فساد العامة وهو في معنى قول أبي الأسود
وما لحليم واعظ مثل نفسه * ولا لسفيه واعظ كحليم
وكما قال الآخر
ولقد توقع الحليم وإن * كان بريئا بجهلها السفهاء
وأخو الحلم حين لا يرمح * الجاهل - والجاهل السفيه سواء
وقال العدوي:
ومن لا يزل يوما مع الجهل مذعنا * يقده إلى حين وذو الجهل حاين
102

64 - أخبرنا الحضرمي ثنا أحمد بن عبده الضبي ثنا حفص بن جميع عن
سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): (مثل الذي
يعين قوما على الظلم مثل البعير الذي يتردى في الركي ينزع بذنبه).
قال أبو محمد رحمه الله:
الركي: البئر الصغيرة تقول: ركية وركي وركايا وأحسب الركي - بطرح الهاء - في
معنى الجميع.
والنزع: قلعك الشيء من الشيء.
وهذا مثل في ذم الحمية والتعاون على العصبية، ومثل بالبعير الذي يتردى في
البئر فيحاول نجاة نفسه بهلاك بعضه، وكان هذا من شأن العرب ومذهبها.
قال (وداك بن ثميل المازني) يذكر قومه:
مقاديم وصالون في الروع خطوهم * بكل رقيق الشفرتين يمان
إذا استنجدوا لم يسألوا من دعاهم * لأية لا حرب أو لأي مكان
103

وقال آخر يعير قومه باللين ويذكر غيرهم بالحمية:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم * طاروا إليه زرافات ووحدانا
65 - حدثنا إبراهيم بن أسباط السلولي ثنا سريج بن يونس ثنا هشيم ثنا
عبيد الله بن أبي بكر قال سمعت أنس بن مالك يقول - وحميد عن الحسن
ويونس عن الحسن - قال قال رسول الله (ص):
(أعن أخاك ظالما أو مظلوما وقال رجل: يا رسول الله! هذا أنصره مظلوما
أرأيت إن كان ظالما؟ قال: امنعه من الظلم واحجزه فإن ذلك نصره).
66 - حدثنا الحضرمي ثنا ابن أبي رزمة ثنا علي بن الحسن الشقيقي قال
الحضرمي وحدثنا محمد بن علي الشقيقي عن أبيه ثنا أبو حمزة عن إبراهيم الصائغ
104

عن عطاء عن نافع عن ابن عمر أن النبي (ص) قال:
(من أعان على خصومه بغير حق كان في سخط الله تعالى حتى يرجع).
67 - حدثنا عبد الوهاب بن رواحة ثنا حميد بن الربيع حدثني أبو خمرة حدثني
أبو حازم قال لا أعلمه إلا عن سهل بن سعد أن رسول الله (ص) قال:
(مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء هذا بعود وجاء هذا
بعود حتى جمعوا ما أنضجوا خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها
تهلكه).
68 - حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني تلقينا ثنا إبراهيم بن حمزة بن أنس بحلوان
ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله (ص):
(إنما مثل أمتي كمثل ماء أنزله الله من السماء لا يدرى البركة في أولها أو في
آخرا).
69 - حدثني محمد بن علي السلمي قال سمعت هدبة يعني ابن خالد ثنا عبيد
ابن مسلم السابري عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله (ص):
(مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره).
105

70 - حدثنا أبو عمرو البهراني ثنا عبد الرحمن بن المبارك ثنا فضيل بن سليمان
عن موسى بن عقبة عن عبيد بن سلمان الأغر عن أبيه عن عثمان عن النبي (ص)
قال:
(مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره).
قال أبو محمد:
إن تعلق متعلق بظاهر هذا الحديث فادعى عليه تناقضا في قوله (ص) (خير أمتي
قرني ثم الذين يلونهم)، فإن المعنى في قوله (لا يدرى أوله خير أم آخره) إن الخير
شامل لها، وإن كان معلوما أن القرن الأول خير من الثاني، وهذا كما قال الله عز
وجل (كنتم خير أمة أخرجت للناس).
وقال الشاعر يذكر امرأة أعجبه منها بيانها وطرفها وثغرها:
أشارت بأطراف لطاف وأجفن * مراض وألفاظ تنعم بالسحر
فوالله ما أدري أفي الطرف سحرها * أم السحر منها في البيان وفي الثغر
يريد أن السحر في جماعتها.
71 - حدثني موسى بن زكريا ثنا الصلت بن مسعود الجحدري ثنا
106

سهل بن أسلم العدوي عن يونس بن عبيد عن الحسن عن سمرة قال: قال
رسول الله (ص):
(مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الأرض بدين فيخرج وله
حصاص حتى إذا انبهر وأعيا قالت الأرض: يا ثعلب أديني ديني فيخرج وله حصاص
حتى إذا عيي وانبهر انقطعت عنقه ومات).
قال أبو محمد:
قوله (تطلبه) بمعنى تأخذه، وأما خصت الأرض بهذا المثل لأن أحدا لا
مهرب له منها، وخص الثعلب بهذا التمثيل لروغانه واعتياصه على الصائد وشدة
عدوه.
قال الأصمعي:
أغار إغارة الثعلب إذا أسرع ودفع.
قال المرار:
صفة قبل الثعلب أدنى جريه * وإذا يركض يعفور أشر
يعفور: ظبي، وأشر: نشيط، وقال محمد بن حمران بن أبي حمران:
ما إن يغيب به الدهاس * ولا تزل به الصفا
يعدو كعدو الثعلب * الممطور روحه العسا
حدثنا أبو عبد الله اليزيدي عن عمه عن ابن حبيب قال: يقال: (أروغ من
ثعلب) وانشد:
107

كل خليل كنت خاللته * لا ترك الله له نابحة
كلهم أروغ من ثعلب * ما أشبه الليل بالبارحة
ويقال للفرس: هو يعدو الثعلبية: إذا كان يمشي التقريب، وذلك أنه ليس شيء
أحسن تقريبا من الثعلب. قال (ابن مقبل):
بذي ميعة كأن بعض سقاطه * وتعدائه رسلا ذآليل ثعلب
الميعة: النشاط. ويقال: إنه لساقط الشد أي يأتي منه بشيء بعد شيء فذلك
سقاطه، والذألان: مر سريع.
72 - حدثنا أبي ثنا يحيى بن حكيم ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان حدثني أبي
عن أبي يعلى منذر الثوري عن الربيع بن خثيم عن عبد الله بن مسعود قال:
(خط لنا رسول الله (ص) خطا مربعا وخط وسط الخط المربع خطا وخطوطا إلى
جانب الخط الذي وسط الخط المربع، وخطا خارج المربع ثم قال: أتدرون ما هذا؟
قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا الخط الأوسط الإنسان، والخطوط التي إلى جانبه
108

الأعراض والأعراض تنهشه من كل مكان إذا أخطأه هذا أصابه هذا، والخط الرابع
الأجل المحيط به، والخط الخارج البعيد الأمل).
73 - حدثني الحسين بن محمد بن الحسين الخياط ثنا أحمد بن منصور الرمادي
ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي ثنا سفيان عن أبيه عن أبي يعلى عن الربيع بن خثيم
عن عبد الله بن مسعود عن النبي (ص) قال:
الإنسان هكذا المربع الأجل.
والذي وسط الإنسان والحلقة الخارجة الأمل، وهذه الحروف الأعراض
والأعراض تنهشه من كل مكان كلما أفلت من واحد أخذه واحد والأجل قد جال
دون الأمل.
قال أبو محمد:
هكذا كتبناه من كتاب (الحسين)، وقال لنا الحسين هكذا كتبناه من كتاب
(الرمادي)، وقال الرمادي هكذا كتبناه من كتاب (أبي حذيفة).
وقال أبو محمد:
الحروف التي في جوانب الخط المربع يجب أن يكون رؤسها إلى داخل الخط قال
(أبو القاسم بن طالب): الذي اراده أبو محمد ينبغي أن يكون شكله وصورته هكذا:
109

74 - حدثنا أبي ثنا السري بن يحيى بن أخي هناد بن السري ثنا أبو نعيم ثنا علي
ابن علي الرفاعي حدثني أبو المتوكل عن أبي سعيد الخدري أن النبي (ص) غرس
عودا بين يديه وآخر إلى جانبه وآخر بعده وقال أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله
أعلم. قال: هذا الإنسان وهذا الأجل، يتعاطى الأمل فيختلجه الأجل دون الأمل.
75 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن معدان ثنا يوسف بن مسلم المصيصي ثنا
حجاج بن محمد الأعور عن أبي بكر الهذلي عن الحسن عن أبي بن كعب عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إني ضربت للدنيا مثلا لابن آدم عند الموت: مثله مثل رجل له ثلاثة أخلاء فلما
فلما حضره الموت قال لأحدهم إنك كنت لي خلا وكنت لي مكرما مؤثرا وقد حضرني من
أمر الله ما ترى فماذا عندك؟ فيقول خليله ذلك وماذا عندي؟ وهذا أمر الله تعالى قد
غلبني عليك ولا أستطيع أن أنفس كربتك ولا أفرج غمك ولا أؤخر سعيك، ولكن
ها أنذا بين يديك فخد مني زادا تذهب به معك فإنه ينفعك.
قال: ثم دعا الثاني فقال: إنك كنت لي خليلا وكنت آثر الثلاثة عندي وقد
نزل بي من أمر الله ما ترى فماذا عندك؟ قال: يقول وماذا عندي؟ وهذا أمر الله قد
غلبني ولا أستطيع أن أنفس كربتك ولا أفرج غمك ولا أؤخر سعيك، ولكن سأقوم
عليك في مرضك فإذا مت أتقنت غسلك وجودت كسوتك وسترت جسدك
وعورتك
110

قال: ثم دعا الثالث فقال: نزل بي من أمر الله ما ترى، وكنت أهون الثلاثة
علي وكنت لك مضيعا وفيك زاهدا فماذا عندك؟ قال: عندي إني قريبك وحليفك في
الدنيا والآخرة، أدخل معك قبرك حين تدخله وأخرج منه حين تخرج منه ولا أفارقك
أبدا.
فقال النبي (ص): هذا ماله وأهله وعمله، أما الأول الذي قال خذ مني زادا
فماله، والثاني أهله والثالث عمله).
76 - حدثني علي بن أحمد بن عمران المصيصي ثنا عمرو بن عثمان بن كثير
الحمصي ثنا أبي حدثني عبد الله بن عبد العزيز يعني الليثي - ثنا محمد بن عبد
العزيز عن الزهري عن عائشة - وعن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنها.
قال أبو محمد قال لي عبد الله بن أحمد بن موسى عبدان حدثنا عمرو بن عثمان ثنا أبي -
يعني بإسناده - قال قال رسول الله (ص) يوما لأصحابه: أتدرون ما مثل أحدكم ومثل أهله
وماله وعمله؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم. فقال:
إنما مثل أحدكم ومثل ماله وأهله وولده وعمله كمثل رجل له ثلاثة إخوة، فلما
حضرته الوفاة دعا بعض إخوانه فقال: إنه قد نزل من الأمر ما ترى فما لي عندك وما لي
لديك؟ فقال: لك عندي أن أمرضك ولا أزايلك وأن أقوم بشأنك فإذا مت غسلتك
وكفنتك وحملتك مع الحاملين، أحملك طورا وأميط عنك طورا فإذا رجعت أثنيت
عليك بخير عند من يسألني. هذا أخوه الذي هو أهله، فما ترونه؟ قالوا: لا نسمع
طائلا يا رسول الله!
ثم يقول للأخ الآخر: أترى ما نزل بي؟ فما لي لديك وما لي عندك؟
فيقول ليس عندي غناء الا وأنت في الأحياء. فإذا مت ذهب بك مذهب
وذهب بي مذهب. هذا أخوه الذي هو ماله، كيف ترونه؟ قالوا: ما نسمع طائلا يا
رسول الله!
111

ثم يقول لأخيه الآخر: أترى ما قد نزل بي، وما رد علي أهلي ومالي. فما لي
عندك وما لي لديك؟ فيقول: أنا صاحبك في لحدك وأنيسك في وحشتك وأقعد اليوم
الوزن في ميزانك فأثقل ميزانك. هذا أخوه الذي هو عمله فكيف ترونه؟ قالوا:
خير أخ وخير صاحب يا رسول الله قال: فإن الأمر هكذا).
قالت (عائشة) رضوان الله عليها: فقام إليه (عبد الله بن كرز) فقال: يا رسول
الله! أتأذن لي أن أقول على هذا أبياتا؟ فقال: نعم فذهب فما بات إلا ليلة حتى عاد
إلى رسول الله (ص) فوقف بين يديه واجتمع الناس وأنشأ يقول:
واني وأهلي والذي قدمت يدي * كداع إليه صحبة ثم قائل
لإخوته إذ هم ثلاثة إخوة * أعينوا علي أمر بي اليوم نازل
فراق طويل غير مشق به * فماذا لديكم في الذي هو عائلي
فقال امرؤ منهم أنا الصاحب الذي * أطيعك فيما شئت قبل التزايل
فإما إذا جد الفراق فإنني * لما بيننا من خلة غير واصل
فخذ ما أردت الآن مني فإنني * سيسلك بي في مهبل من مهابل
وإن تبقين لا تبق فاستنفدنني * وعجل صلاحا قبل حتف معاجل
وقال امرؤ قد كنت جدا أحبه * وأوثره من بينهم في التفاضل
غنائي أني جاهد لك ناصح * إذا جد جد الكرب غير مقاتل
ولكنني باك عليك ومعول * ومثن بخير عند من هو سائلي
ومتبع الماشين أمشي مشيعا * أعين برفق عقبة كل حامل
إلى بيت مثواك الذي أنت مدخل * وراجع مقرونا بما هو شاغلي
كأن لم يكن بيني وبينك خلة * ولا حسن ود مرة في التباذل
فذلك أهل المرء ذاك غناؤهم * وليسوا وإن كانوا حراصا بطائل
وقال امرؤ منهم أنا الأخ لا ترى * أخا لك مثلي عند كرب الزلازل
لدى القبر تلقاني هنالك قاعدا * أجادل عند القول رجع التجادل
وأقعد يوم الوزن في الكفة التي * تكون عليها جاهدا في التثاقل
ولا تنسني واعلم مكاني فإنني * عليك شفيق ناصح غير خاذل
فذلك ما قدمت من كل صالح * تلاقيه إن أحسنت يوم التواصل
قال: فبكى رسول الله (ص)، وبكى المسلمون من قوله، وكان (عبد الله بن كرز
112

لا يمر بطائفة من المسلمين إلا دعوه واستنشدوه فإذا أنشدهم بكوا.
77 - حدثنا ابن أبي سويد القرشي ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا إبان عن قتادة
عن أنس.
وحدثنا سهل بن موسى ثنا عبد الله بن الصباح ثنا سعيد بن عامر عن شبيل
ابن عزرة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(مثل الجليس الصالح مثل العطار إن لم يصبك من عطره أصبت من ريحه،
ومثل الجليس السوء مثل القيران إن لم يحرق ثوبك أصابك من ريحه).
78 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن معدان ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا أبو
أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبيه عن أبي موسى عن النبي (ص) قال:
(مثل الجليس الصالح مثل العطار إن لم يحذك من عطره أصابك من ريحه،
ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من شراره أصابك من
ريحه).
ورواه (ابن عيينة) عن (بريد).
مثل الجليس الصالح مثل الداري إن يحذك من عطره علقك من ريحه.
والداري: العطار، ونسب إلى (دارين) موضع (بالبحرين) يؤتى منه بالطيب.
113

وأنشدنا (أبو خليفة) عن (ابن عائشة):
إذا التاجر الداري جاء بفأرة * من المسك راحت في مفارقهم تجري
وقوله (إن لم يحذك)، يريد إن لم يعطك، والإحذاء: الإعطاء يقال: أحذيت
فلانا إحذاء إذا أعطيته. والحذيا: العطية والكير كير الحداد، ولا يقال كور، إنما
الكور رحل الناقة وكان (أبو عمرو الشيباني) يفرق بين الكير والكور فيقول:
الكير: زق الحداد، والكور: هو المبنى من الطين، وهذا قول أبي عمرو وحده.
آخر الجزء الخامس. ويتلوه في الذي بعده (حدثنا سهل بن موسى ثنا أحمد بن عبدة
ثنا سفيان) والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وأزواجه
114

الجزء السادس
كتاب
أمثال الحديث
المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم
تأليف
القاضي أبي الحسن بن عبد الرحمن
بن خلاد الرامهرمزي
رحمه الله
115

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الفقيه الإمام الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي
الأصبهاني رحمه الله:
أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف بن المسلم الأنماطي.
ثنا أبو الحسين محمد بن علي بن يحيى الدقاق بمصر.
ثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن علي بن طالب البغدادي.
حدثني أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي برامهرمز.
79 - حدثنا سهل بن موسى ثنا أحمد بن عبدة ثنا سفيان عن أبي الزناد عن
الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(مثل المنفق والبخيل مثل رجلين عليهما جبتان أو جنتان من حديد من لدن
ثدييهما إلى تراقيهما. فإذا أراد المنفق أن ينفق سبغت عليه الدرع أو مرت عليه حتى
تجن بنانه وتعفوا أثره، وإذا أراد البخيل أن ينفق قلصت أو لزمت كل حلقة
موضعها حتى تأخذ بترقوته أو برقبته).
117

فشهد أبو هريرة أنه سمع النبي (ص) يحدث بهذا الحديث وأومى بيده إلى حلقة،
فهو يوسعها ولا تتسع، وأدخل سفيان أصبعه في جبته يدير هكذا.
(باب الكناية)
80 - حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا سعيد بن سليمان عن يحيى بن مسلم عن
إبراهيم بن ميمون عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي (ص) قال:
(من شق عصا المسلمين فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه).
قال أبو محمد رحمه الله:
شق العصا بمعنى مخالفة الإسلام والخروج على أهله بالعصيان.
يقال: شقت عصا المسلمين إذا اختلفت كلمتهم وتبدد جمعهم، والشقاق:
المخالفة، وفي التنزيل قال الله عز وجل:
(بل الذين كفروا في عزة وشقاق).
والربقة: القلادة، ولا قلادة هناك وإنما هو على التمثيل وهذا من الكناية التي
يدل ظاهرها على موقع المراد منها.
81 - حدثنا عبد الله بن علي بن مهدي السفحي حدثنا ثنا يزيد بن عمرو الغنوي ثنا
نائل بن نجيح ثنا جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله
ابن قيس عن أبيه قال قال رسول الله (ص):
118

(إن الجنة تحت ظلال السيوف).
قال أبو محمد:
وهذا حث منه على الجهاد، ومعناه أن حامل سيفه في سبيل الله مطيعا لله به
يصل إلى الجنة.
82 - حدثنا محمد بن الحسين بن مكرم ثنا عمرو بن علي ثنا سفيان بن عيينة
عن وائل بن داود عن نصر بن عاصم الليثي قال:
أذن رسول الله (ص) لقريش وأخر أبا سفيان، ثم أذن له فقال ما كدت أن
تأذن لي حتى كدت أن تأذن لحجارة الجلهمتين قبلي. فقال: ما أنت وذاك يا أبا
سفيان، إنما أنت كما قال الأول: كل الصيد في بطن الفرأ.
119

83 - حدثنا محمد بن الجنيد بن بهرام ثنا الحجاج بن يوسف ويعرف بالشاعر
ثنا أبو النضر ثنا أبو عقيل ثنا يزيد بن سنان حدثني بكير بن فيروز قال سمعت أبا
هريرة يقول: قال رسول الله (ص):
(من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل. ألا إن سلعة الله غالية. ألا إن سلعة الله
غالية).
قال أبو محمد رحمه الله:
هذا من أحسن كناية وأوجزها وأدلها على معنى لا يتعلق بشيء من لفظه ومعناه:
من خاف النار جد في العمل، ومن جد في العمل وصل إلى الجنة فجعل خائف النار
بمنزلة المسافر الذي يخاف فوت المنزل فيرحل مدلجا. والإدلاج: السير من أول الليل.
وجعلت غالية لشرفها وسروها، ولأنها لا تنال بالهوينى والتقصير، إنما تنال
بمجاهدة النفس ومغالبة الهوى وترك الشهوات.
(باب الكناية ورد مفسرا)
84 - حدثنا أبي ثنا بشر بن آدم حدثني أحمد بن عبد الله بن عمر المدني حدثني
محمد بن عمر المكي عن يحيى بن سعيد بن دينار عن أبي وجزة عن عطاء بن يزيد
120

الليثي عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص) قال:
(إياكم وخضراء الدمن، قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في
منبت السوء).
قال أبو محمد رحمه الله تعالى: اسم أبي وجيزة (يزيد بن عبيد).
وقد جاء هذا مفسرا ومعنى ذلك أن الريح تجمع الدمن - وهي البعر - في المكان
من الأرض، ثم يركبه الساقي فينبت ذلك المكان نبتا ناعما غضا فيروق بحسنه
وغضارته فتجيء الإبل إلى الموضع وقد أعيت فربما أكلته الإبل فتمرض.
يقول: لا تنكحوا المرأة لجمالها وهي خبيثة الأصل، لأن عرق السوء لا ينجب
معه الولد.
وقال الشاعر:
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى * وتبقى حزازات النفوس كما هيا
85 - حدثنا أحمد بن محمد بن سهيل الفقيه ثنا أحمد بن يحيى الصوفي ثنا زيد
121

ابن الحباب ثنا صالح المري عن قتادة عن زرارة عن ابن عباس أن رجلا قال يا
رسول الله:
(أي الأعمال أفضل؟ قال: عليك بالحال المرتحل، قال: وما الحال المرتحل؟
قال: صاحب القرآن يضرب في أوله حتى يبلغ آخره، ويضرب في آخره حتى يبلغ
أوله. كلما حل ارتحل).
86 - حدثنا الحضرمي ثنا الربيع بن ثعلب ثنا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن
ابن جحادة عن أنس قال قال رسول الله (ص):
(لا تطرحوا الدر في أفواه الكلاب) قال: الفقه.
(باب التشبيه)
87 - حدثنا أبي وأحمد بن يحيى بن زهير قالا ثنا يحيى بن حكيم المقوم ثنا
122

حماد بن مسعدة عن سليمان التيمي عن أنس عن أم سليم أنا كانت في نسوة مع
النبي (ص) وسائق يسوق بهم فقال النبي (ص):
(يا أنجشة! رويدا سوقك بالقوارير).
88 - حدثنا ابن قضاء ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا حماد بن زيد ثنا أيوب عن
أبي قلابة عن أنس قال كان النبي (ص) في بعض أسفاره وغلام أسود يقال له أنجشة
يحدو، فقال له رسول الله: (يا أنجشة رويدا سوقك بالقوارير).
قال أبو محمد:
يقول (ص) اجعل سيرك على مهل فإنك تسير بالقوارير، فكنى عن ذكر النساء
بالقوارير، شبههن بها لرقتهن وضعفهن عن الحركة.
و (رويد) تصغير (رود). والرود مصدر فعل الرائد وهو المبعوث ولم يستعمل
في معنى المهلة في السير والحركة إلا مصغرا منونا. ومعناه أرود.
وذكر صاحب (كتاب العين) أنه إن أريد به ترديد الوعيد لم ينون وأنشد:
123

رويد تصاهل بالعراق جيادنا * كأنك بالضحاك قد قام نادبه
وهذا قول أكثر العلماء، أعني انه كنى بالقوارير عن ذكر النساء، وهو قول أبي
عبيدة.
وقال آخرون: معناه سقهن كسوقك بالقوارير. والتشبيه تشبيهان: مطلق
ومقيد.
فالمطلق أن يسمى باسم ما أشبهه أو تجعل له فعله بعينه كما سميت قوارير،
لأنهن أشبهنها بالرقة واللطافة وضعف البنية.
والمقيد أن يظهر حرف التشبيه فيقول كالقوارير أو مثل القوارير، أو كأنهن
القوارير.
وفي التنزيل:
(جنة عرضها السماوات والأرض).
(وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) فجاء مطلقا ومقيدا.
وقال: (كأنهن بيض مكنون).
(وكأنهم لؤلؤ مكنون) وهذا وأشباهه من المقيد.
ومن المقيد قوله:
(وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب).
فأوجب مرور السحاب للجبال وهما متغايران.
وقال الشاعر:
النشر مسك والوجوه دنا * نير وأطراف الأكف عنم
124

واعتل بعض الفقهاء بقول النبي (ص)
(ذكاة الجنين ذكاة أمه).
بهذا المعنى ونصب الهاء من قوله (ذكاة أمه) قال ومعناه ذكاته كذكاة أمه، ولو
تركها مرفوعة على هذا التعليل لصح الاعتبار.
89 - حدثنا أبو خليفة ثنا شعيب ثنا يزيد بن هارون ثنا حماد عن علي بن زيد
ابن جدعان عن خالد بن الحويرث عن عبد الله بن عمرو أن النبي (ص) قال:
(الآيات خرزات منظومات في سلك إذا انقطع السلك اتبع بعضه بعضا).
90 - حدثنا إبراهيم بن أيوب ثنا عبد الحميد بن بيان ثنا خالد بن عبد الله
عن بيان عن قيس عن مرداس السلمي قال قال رسول الله (ص):
125

(يذهب الصالحون أسلافا الأول فالأول حتى لا يبقى إلا حثالة كحثالة التمر
والشعير لا يبالي الله بهم).
قال أبو محمد الحثالة من كل شيء رزالته.
91 - حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا إسماعيل بن عبد الله بن الحارث
الهمداني عن عمار بن محمد عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة قال قال
رسول الله (ص):
(إذا تقارب الزمان انتقى الموت خيار أمتي كما ينتقي أحدكم خيار الرطب من
الطبق).
92 - ثنا أبو شعيب ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي ثنا الأوزاعي حدثني
عروة بن محمد السعدي عن أبيه قال قال رسول الله (ص):
(ثلاث إذا رأيتهن فعندك عندك: إخراب العامر وإعمار الخراب وأن يتمرس
الرجل بأمانته تمرس البعير بالشجر).
93 - وحدثنا البراثي ثنا منصور بن أبي مزاحم ثنا يحيى بن حمزة عن
126

الأوزاعي عن محمد بن خراشة عن عروة بن محمد عن أبيه عن النبي (ص) مثله.
94 - حدثنا الحسين بن بيان ثنا سهل بن عثمان ثنا أبو معاوية عن عمر بن
راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي الدرداء قال
رسول الله (ص):
(أكثروا من قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا
قوة إلا بالله، فإنهن من الباقيات الصالحات، وهن يحططن الخطايا كما تحط الشجرة
ورقها، وهن من كنوز الجنة).
95 - حدثنا عبدان ثنا دحيم ثنا ابن أبي فديك ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري
عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله (ص) (إذا اشتكى المؤمن
أخلصه ذلك كما يخلص الكبر خبث الحديد).
96 - حدثنا عثمان بن نضرة ثنا سوار القاضي ثنا عبد الوهاب عن خالد عن
عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
127

(العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه).
97 - حدثنا هاشم بن القاسم الهاشمي ثنا الزبير بن بكار ثنا ابن نافع عن
عطية بن رفاعة المري عن عمه عن أبي هريرة عن النبي (ص) أنه قال:
(يوشك أن ينطوي الإسلام في كل بلد إلى المدينة كما تنطوي الحية إلى
حجرها).
98 - حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق بن يحيى بن زكريا المكي ثنا أبو خالد يزيد
ابن خالد بن عبد الله موهب ثنا مسروح أبو شهاب الحدثي عن سفيان الثوري عن
أبي الزبير عن جابر قال:
دخلت على النبي (ص) والحسن والحسين على ظهره وهو يقول: نعم الجمل
جملكما ونعم العدلان أنتما.
قال أبو محمد رحمه الله:
هذا مزاح من النبي (ص) وهو منقبة تفرد بها الحسن والحسين رضوان الله عليهما.
ويتضمن من الفقه إطلاق تشبيه الإنسان بالبهيمة إذا شاركها في بعض فعلها.
99 - حدثنا محمد بن خلف بن حيان ثنا زيد بن إسماعيل ثنا جعفر بن
128

عون ثنا معاوية بن أبي مزرد عن أبيه عن أبي هريرة قال:
رأيت النبي (ص) أخذ بيد الحسن بن علي وجعل رجليه على ركبتيه وهو يقول:
ترق عين بقة.
100 - حدثنا محمد بن خلف ثنا علي بن شعيب ثنا يعقوب الحضرمي حدثني
عبد القاهر بن السري السلمي حدثني جميل بن سنان السلمي قال:
رأيت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يصعد المنبر ويقول:
حزقة حزقة ترق عين بقة.
101 - حدثنا الحسن بن المثنى حدثنا عمي عبيد الله ثنا أبي ثنا عبد الرحمن بن
أبي الزناد حدثني أبي عن عروة عن عائشة قالت:
(قال لي رسول الله (ص): يا عائشة كنت لك كأبي زرع لأم زرع).
102 - حدثنا محمد بن أحمد بن هلال الشطوي ثنا نصر بن داود ثنا يحيى بن
129

يعلى ثنا أبي عن يونس بن أبي إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
قالت: (قال رسول الله (ص): كنت لك كأبي زرع لأم زرع..) وذكر الحديث.
103 - حدثنا موسى بن هارون ثنا بن أبي عمر العدني ثنا سفيان بن عيينة عن
داود بن شابور عن عمر بن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة أنها ذكرت
لرسول الله صلى الله عليه وسلم خبر أبي زرع وأم زرع.
104 - حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا صالح بن مالك ثنا
عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن هشام بن عروة عن أخيه عن أبيه عن
عائشة:
وحدثنا عبد الله بن أحمد بن موسى ثنا هشام بن عمار ثنا عيسى بن يونس عن
هشام بن عروة عن أخيه عن أبيه عن عائشة رضوان الله عليها قالت:
جلس إحدى عشرة امرأة - وذكر حديث أم زرع بطوله - قالت فذكرت ذلك
لرسول الله (ص) فقال لي: كنت لك كأبي زرع لأم زرع.
قال عيسى: إنما يراد من هذا الحديث هذا.
105 - حدثني محمد بن فردخت السيرافي ثنا محمد بن منصور الجواز ثنا عبد
130

الملك بن إبراهيم الجدي ثنا محمد بن محمد الطائفي عن القاسم بن عبد الواحد
ابن أيمن حدثني عمر بن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت:
فخرجت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية، فقال لي النبي (ص)
(اسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع.
ثم أنشأ يحدثنا أن إحدى عشرة امرأة اجتمعن فتعاقدن وتعاهدن أن لا يكتمن
من أخبار أزواجهن شيئا. وذكر الحديث وزاد فيه، قالت عائشة يا رسول الله بل أنت
خير من أبي زرع.
106 - حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد الرقيقي ثنا محمد بن عبد الرحمن
العزوان ثنا عيسى بن يونس بإسناده نحوه:
وحدثنيه الحسن بن سهل بن النزال القرشي ثنا عبد الرحمن بن المسور الزهري
ثنا سليمان بن داود العتكي ثنا عيسى بن يونس عن هشام عن أخيه عن أبيه عن
عائشة رضي الله عنها قالت:
اجتمعت إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار
أزواجهن شيئا - فقالت الأولى:
زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعث لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى.
وقالت الثانية:
زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره أن أذكره أذكر عجره وبجره.
وقالت الثالثة:
زوجي العشنق إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق.
وقالت الرابعة:
زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف ولا يولج الكف ليعلم البث.
وقالت الخامسة:
131

زوجي غياياء طباقاء كل داء له داء. شجك أو فلك أو جمع كلا لك.
وقالت السادسة:
زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب.
وقالت السابعة:
زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة.
وقالت الثامنة:
زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد ولا يسأل عما عهد.
قالت التاسعة:
زوجي رفيع العماد، عظيم الرماد، طويل النجاد، قريب البيت من الناد.
قالت العاشرة:
زوجي مالك - فما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك قليلات
المسارح إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك.
قالت الحادية عشر:
زوجي أبو زرع. وما أبو زرع؟ أناس من حلى أذني، وملأ من شحم عضدي
وبجحني إلى نفسي فبجحت، وجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل
وأطيط ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح وأشرب فأتقمح وأرقد فأتصبح.
أم أبي زرع، فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح وبيتها فساح.
ابن أبي زرع. وما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل الشطبة ويشبعه ذراع
الجفرة.
بنت أبي زرع. فما بنت أبي زرع؟ طوع أبيها وطوع أمها وملأ كسائها وغيظ
جارتها.
جارية أبي زرع. وما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا
تنقيثا ولا تملأ بيتنا تعشيشا.
خرج أبو زرع والوطاب تمخض، فمر بامرأة معها ولدان لها يلعبان من تحت
خصرها برمانتين فطلقني ونكحها، فتزوجت بعده رجلا سريا ركب شريا وأخذ خطيا
وأراح علي نعما ثريا، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما
بلغ أصغر آنية أبي زرع.
132

قالت عائشة:
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت لك كأبي زرع لأم زرع.
قال أبو محمد رحمه الله:
فسر لنا هذا الحديث القرشي وحكاه عن حميد بن الربيع اللخمي قال:
أما قول الأولى:
(زوجي لحم جمل غث) فإنها تصف قلة خيره، وبعد متناولة مع القلة كالشئ
في قلة الجبل الصعب لا ينال إلا بمشقة.
والغث: المهزول.
وقولها (ولا سمين فينتقي) تعني ليس فيه نقي، والنقي: المخ.
تقول: نقوت العظم ونقيته: إذا استخرجت النقي منه.
وقوله الثانية:
زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره أن أذكر عجره وبجره.
133

فالبث: الإفشاء، تقول لا أفشي سره، والعجر: أن يتعقد العصب أو العروق
حتى تراها ناتئة من الجسد.
والبجر: نحوها إلا أنها في البطن خاصة، واحدتها بجرة، وقد قيل رجل أبجر
إذا كان ناتئ السرة عظيمها.
حدثني أبو الطيب الناقد (نصر بن علي) قال:
قلت (للأصمعي) ما معنى قول علي رضي الله عنه حين وقف على طلحة يوم
الجمل وهو مقتول: أشكو إلى الله عجري وبجري، فقال الأصمعي: يعني همومي
وأحزاني.
وقول الثالثة:
زوجي العشنق، إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق.
فالعشنق: الطويل. تقول ليس عنده أكثر من طوله بلا نفع، فإن ذكرت ما فيه
134

من العيوب طلقني وان أسكت تركني معلقة لا أيما ولا ذات بعل ومنه قول الله عز
وجل:
(ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة).
وقول الرابعة:
(زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة).
تقول: ليس عنده أذى ولا مكروه، وهذا مثل لأن الحر والقر مؤذيان إذا
اشتدا. ولا مخافة تعني ولا غائلة عنده ولا شر فأخافه، ولا سآمة، تقول لا يسأمني
أي لا يمل صحبتي.
ومنه قول الله جل وعلا:
(لا يسأم الإنسان من دعاء الخير) أي لا يمل.
وقول الخامسة:
(إن أكل لف وإن شرب اشتف).
اللف في المطعم: الإكثار منه مع التخليط من الصنوف حتى لا يبقى منه
شيء.
والاشتفاف: أن يستقصي ما في الإناء، وإنما أخذ من الشفافة وهي البقية
تبقى في الاناء من الشراب، فإذا شربها صاحبها قيل اشتفها وتشافها تشافا.
135

وقولها (لا يولج الكف ليعلم البث).
أراه كان بجسدها عيب وداء كانت به، لأن البث هو الحزن، فكان لا يدخل
يده في ثوبها ليمس ذلك العيب. وليعيب فيشق عليها، تصفه بالكرم.
وقول السادسة:
(زوجي عياياء طباقاء).
(فالعياياء) من الإبل التي لا تضرب ولا تلقح، وكذلك هو في الرجال.
136

(والطباقاء): العي الأحمق الفدم.
وقولها: (كل داء له داء) أي كل شيء من أدواء الناس فهو فيه.
وقول السابعة:
(زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد) فإنها تصفه بكثرة النوم والغفلة في منزله
على وجه المدح له، وذلك أن الفهد يكثر النوم، يقال (أنوم من الفهد).
والذي أرادت أنه ليس يتفقد ما ذهب من ماله ولا يلتفت إلى معايب البيت. وما
فيه وهو كأنه ساه عن ذلك، ومما يبين ذلك قولها: (ولا يسأل عما عهد) تعني عما كان
عندي.
وقولها (إن خرج أسد) تصفه بالشجاعة، تقول إذا خرج إلى الناس في مباشرة
الحروب أسد، يقال: أسد الرجل واستأسد.
137

وقول الثامنة:
(زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب).
فإنها تصف بحسن الخلق ولين الجانب كمس الأرنب إذا وضعت يدك على
ظهرها.
وقولها: (الريح ريح زرنب) فإن فيه معنيين: يجوز أن تريد طيب روح جسده
ويجوز أن تريد طيب الثناء في الناس وانتشاره فيهم ريح الزرنب، وهو نوع من أنواع
الطيب معروف.
والثناء والنثا واحد إلا أن الثناء ممدود والنثاء مقصور.
وقول التاسعة:
(زوجي رفيع العماد) تعني عماد البيت وجمعه عمد، ومنه قوله عز وجل (رفع
السماوات بغير عمد ترونها).
والعمد: العيدان التي تعمد بها البيوت، وتعني أن بيته في حسبه رفيع في قومه.
وقولها (طويل النجاد) تصفه بامتداد القامة، و (النجاد) حمائل السيف فهو يحتاج
إلى قدر ذلك من طوله.
وأما قولها (عظيم الرماد) فكأنها تصفه بالجود وكثرة الضيافة لأن ناره تعظم
ويكثر وقودها ويكون الرماد في الكثرة على ذلك.
138

وقولها (قريب البيت من الناد) تعني أنه ينزل بين ظهراني الناس ليعلو مكانه
فينزل به الأضياف ولا يستبعد منهم فرارا من نزول النوائب والأضياف.
وقول العاشرة:
(زوجي مالك. فما مالك؟ مالك خير من ذلك. له إبل قليلات المسارح كثيرات
المبارك).
تقول أنه لا يوجههن لسرحهن نهارا إلا قليلا. ولكن يبركن في فنائه فإن نزل به
ضيف لم تكن الإبل غائبة عنه ليقري من ألبانها ولحومها وقولها (إذا سمعن صوت
المزهر أيقن أنهن هوالك).
فالمزهر: العود الذي يضرب به فإذا سمعن صوته أيقن أنهن منحورات.
وقول الحادية عشرة:
(زوجي أبو زرع. وما أبو زرع؟ أناس من حلي أذني).
تقول: حلاني قرطة وشنوفا تنوس بأذني. والنوس: الحركة في كل شيء متدل.
قال أبو محمد رحمه الله وسمعت أبا موسى الحامض يقول:
139

سمي الإنسان من النوس وهو أفعلان منه.
وقولها (ملأ من شحم عضدي). لم ترد العضد خاصة أرادت الجسد كله.
تقول أنه سمنني بإحسانه، وإذا سمنت العضد سمن سائر جسده.
وقولها (وبجحني فبجحت إلى نفسي). أي فرحني ففرحت فقد تبجح الرجل إذا
فرح.
وقولها (وجدني في أهل غنيمة بشق) تقول أن أهلها كانوا أصحاب غنم، ليسوا
أصحاب خيل ولا إبل.
وشق: موضع.
وقولها (جعلني في أهل صهيل وأطيط) تعني أنه ذهب بي إلى أهله وهم أهل
خيل وإبل.
والصهيل: أصوات الخيل، والأطيط: أصوات الإبل.
وقولها (ودائس) فإن بعض الناس يتأوله دياس الطعام، وأهل يسمونه
الدراس، فأرادت أنهم أصحاب زرع، وهذا أشبه بكلام العرب.
وقولها (منق) فهو من تنقية الطعام إذا ديس.
140

قولها: (عنده أقول فلا أقبح وأشرب فاتقمح) فإنها تريد لا يقبح قولي ويسمع
مني.
وأما قولها (أتقمح). أي أروي حتى أدع الشرب من شدة الري وهذا من عزة
الماء عندهم، وكل رافع رأسه فهو مقامح.
قال الله عز وجل: (فهي إلى الأذقان فهم مقمحون).
وقولها (عكومها رداح).
فالعكوم: الأحمال والأعدال التي فيها الأوعية من صنوف الأطعمة والمتاع،
وقولها: رداح (تعني عظاما كثيرة الحشو) ويقال للمرأة إذا كانت عظيمة
الأكفال:
رداح.
وقولها (كمثل الشطبة)، فإن أصلها ما شطب من جريدة النخل وهو سعفه،
وذلك أنه تشقق منه قضبان فتدق وينسج منه الحصر يقال منه للمرأة التي تفعل ذلك
(شاطبة).
وقولها (يكفيه ذراع الجفرة)، فإن الجفرة: الأنثى من أولاد الغنم والذكر
جفر. ومنه قول (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (في المحرم يصيب الأرنب جفرة).
141

والعرب تمدح الرجل بقلة المطعم والمشرب.
وقولها (لا تبث حديثنا تبثيثا) تعني لا تظهر سرنا.
وقولها (لا تنقث ميرتنا تنقيثا) تعني الطعام لا تأخذه فتذهب به، تصفها
بالأمانة. والتنقيث: الإسراع في السير.
وقولها (والوطاب تمخض). الوطاب: أسقية اللبن، واحدها وطب.
وقولها (معها ولدان كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين) تعني أنها
ذات كفل عظيم. فإذا استلقت نتأ الكفل من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري
فيها الرمان.
وقولها (ركب شريا) تعني فرسا يستشري في سيره أي يلج ويمضي فيه بلا فتور
ولا انكسار، ومن هذا قيل للرجل إذا لج في الأمر، قد شرى واستشرى.
وقولها (أخذ خطيا) فالخطي: الرمح منسوب إلى ناحية من البحرين يقال لها
الخط.
وأصل الرماح من الهند، ولكنها تحمل على الخط ثم تفرق في البلاد. وقولها:
(نعما ثريا) تعني بالنعم الإبل، والثري: الكثير، يقال ثري بنو فلان بني فلان: إذا
كثروهم فكانوا أكثر منهم.
142

آخر الجزء السادس
والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وأزواجه
ويتلوه في السابع ثنا حامد بن محمد بن شعيب ثنا عبد الله بن عون الخراز
والحمد لله حق حمده وصلواته على محمد وآله.
143

كتاب
أمثال الحديث
المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم
تأليف
القاضي أبي الحسن بن عبد الرحمن
بن خلاد الرامهرمزي
رحمه الله
145

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام الأجل الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي
الأصبهاني:
أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف المصري.
ثنا أبو الحسين محمد بن علي بن يحيى الدقاق بمصر.
ثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن علي بن طالب البغدادي.
حدثني أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي.
في نعت الجنة
107 - ثنا حامد بن محمد بن شعيب ثنا عبد الله بن عون الخراز ثنا الوليد بن
مسلم ثنا محمد بن المهاجر الأنصاري ثنا سليمان بن موسى ثنا كريب.
ثنا أسامة بن زيد قال:
147

(سمعت رسول الله (ص) - وذكر الجنة) فقال - ألا مثمر لها هي ورب الكعبة؟
ريحانة تهتز، ونور يتلألأ، ونهر يطرد، وزوجة لا تموت في حبور، ونعيم ومقام
أبدا).
قال أبو محمد رحمه الله:
هذا أوجز ما يكون من الكلام وأحسنه وتقديره: إن ريحانتها نضرة أبدا غضة
ونورها مشرق لا يتغاير وأنهارها جارية، ولأهلها أزواج لا يموتون ولا يهرمون، ولا
ينفذ نعيمهم وهم فيها خالدون.
في نعت النار
108 - حدثنا عبدان ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا ابن جابر ثنا أبو
سعيد قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله (ص):
(إن الصراط بين أظهر جهنم دحض مزلة والأنبياء عليه يقولون: رب سلم
سلم، والناس عليه كالبرق وكطرفة العين وكأجود الخيل، والركاب، وشدا على
الأقدام. فناج مسلم ومخدوش مرسل ومطروح فيها، (ولها سبعة أبواب لكل باب
منهم جزء مقسوم).
في نعت الدنيا
109 - حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا يحيى بن أيوب المقابري ثنا عبد الجبار
ابن وهب ثنا سعد بن طارق عن أبيه قال قال رسول الله (ص):
148

(نعمت الدار الدنيا لمن تزود فيها خيرا لآخرته ما يرضي ربه، وبئست الدار
الدنيا لمن صدته عن آخرته وقصرت به عن رضى ربه. فإذا قال العبد: قبح الله
الدنيا! قالت الدنيا: قبح الله أعصانا للرب).
في نعت النساء
110 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن موسى ثنا زاهر بن نوح ثنا هدبة بن المنهال
عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال:
(صنفان من أهل النار لم أرهما: ناس معهم سياط كأنها أذناب البقر يضربون بها
الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن مثل أسنمة البخت لا
يرين الجنة ولا يجدن ريحها).
أنشدنا (ابن المرزبان) للمتوكل الليثي:
تعطلن إلا من محاسن أوجه * فهن خوال في الصفات عواطل
كواس عوار صامتات نواطق * بغث الكلام باخلات بواذل
111 - حدثنا سليمان بن أحمد اللخمي ثنا الحسين بن السميدع الأنطاكي ثنا
موسى بن أيوب ثنا الجراح بن مليح عن أرطاة بن المنذر عن عبد الله بن دينار
البهراني عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله (ص):
(النساء على ثلاثة أصناف: صنف كالعر - وهو الجرب - وصنف كالوعاء تحمل
وتضع، وصنف ودود ولود مسلمة تعين زوجها على إيمانه وهي خير له من الكنز).
112 - حدثنا أبي ثنا حوترة هو ابن أشرس ثنا أبو مدين ثنا حماد بن يزيد عن
الوضين بن مسلم قال قال رسول الله (ص):
(قريش سادة العرب، وقيس فرسانها وتميم رحاها).
113 - حدثنا هارون بن يوسف ثنا ابن أبي عمر العدني ثنا عمر بن خالد
149

القرشي ثنا أبو عبد الله الحلبي عن عبد الله بن فرات عن عثمان بن الضحاك. رفع
الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(عبد مناف عز قريش وأسد بن عبد العزى ركنها وعضدها، وعبد الدار قادتها
وأوائلها وزهرة الكبد، وبنو تيم وعدي زينتها، ومخزوم فيها كالأراكة في نضرتها،
وسهم وجمح جناحاها، وعامر ليوثها وفرسانها، وقريش تبع لولد قصي والناس تبع
لقريش)
114 - حدثنا علي بن محمد بن الحسين الفارسي ثنا محمد بن عبد الله بن عمار
الموصلي ثنا أبو معاوية عن سلام بن صبيح عن منصور بن زاذان عن ابن
سيرين عن أبي هريرة قال:
(ذكرت القبائل عند رسول الله (ص) فقالوا: يا رسول الله ما تقول في هوازن؟
قال: زهرة تينع. قالوا: فما تقول في بني عامر؟ قال: جمل أزهر يأكل من أطراف
الشجر قالوا: فما تقول في تميم؟ قال: يأبى الله لتميم إلا خيرا. ثبت الأقدام عظام
الهام، رجح الأحلام، هضبة حمراء لا يضرها من ناوأها، أشد الناس على الدجال آخر
الزمان).
115 - حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد بن موسى ثنا سماك بن عبد الصمد أبو
القاسم الأنصاري من ولد سماك بن رافع من أصحاب النبي (ص) - ثنا أبو مسهر عبد
150

الأعلى بن مسهر الغساني عن وهب بن تميم عن الشعبي عن خيفان بن عرابة
العبسي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله (ص) يقول:
(الإيمان يمان والحكمة يمانية) رحى الإيمان دائر في ولد قحطان، والقسوة
والجفوة فيما ولد عدنان - حمير رأس العرب ونابها، ومذحج هامتها وغلصمتها،
والأزد كاهلها وجمجمتها، والأنصار مني وأنا منهم اللهم أعز الأنصار وأبناء الأنصار
وأبناء أبناء الأنصار. اللهم أعز غسان، غسان أكرم العرب في الجاهلية وأفضل
الناس في الإسلام).
116 - حدثنا موسى بن زكريا ثنا عمرو بن الحصين ثنا ابن علاثة ثنا غالب
ابن عبد الله الجزري عن مجاهد عن ابن عباس قال ذكرت بنو تميم عند النبي (ص)
فنال منها الأشعث بن قيس فقال له النبي (ص):
(مهلا يا أشعث فإن تميما رحانا، وقيسا فرساننا، إن تميما صخرة صماء لا تغل
ولا يضيرها عداوة من عاداها، وهم عظام الهام، رجح الأحلام ثبت الأقدام، وهم
قتلة الدجال وأنصار الدين في آخر الزمان).
117 - حدثنا موسى بن زكريا ثنا عمرو عن ابن علاثة ثنا ثوير عن خالد عن
مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (ص):
151

(الاحتباء حيطان العرب، والاتكاء رهبانية العرب، والعمائم تيجان العرب،
فاعتموا تزدادوا حلما، ومن اعتم فله بكل كور حسنة فإذا حط فله بكل حطة حط
خطيئة).
في نعت الخيل
118 - حدثنا عبد الوهاب بن رواحة عن عزرة القوسي ثنا محمد بن زنبور
المكي ثنا حماد بن زيد ثنا ثابت عن أنس قال:
(كان رسول الله (ص) أشجع الناس وأجود الناس وأسخى الناس، وكان في
المدينة فزع فركب فرسا لأبي طلحة عريا، فقال: لا تراعوا فلما رجع قال: إني
وجدته بحرا).
119 - حدثنا محمد بن أحمد البوراني القاضي ثنا عبد الله بن يوسف ثنا أرطاة بن
الأشعث عن الأعمش عن شقيق قال قال رسول الله (ص):
(الغنم بركة، والإبل عز لأهلها، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم
القيامة).
120 - حدثنا أبو حفص الكاغدي ثنا العباس بن يزيد البحراني ثنا أبو عامر
152

ثنا محمد بن عبد الملك الكوفي - وأراه ثقفيا - ثنا محمد بن المنكدر عن ابن عمر عن
النبي (ص) - وذكر الخيل - قال:
(أعرافها أدفاؤها، وأذنابها مذابها).
121 - حدثنا موسى بن زكريا ثنا عمرو بن الحصين العقيلي ثنا ابن علاثة ثنا
عون بن يزيد عن نصر بن علقمة الكناني عن مخراق بن عبد الله عن عتبة بن عبد
السلمي قال:
(نهى رسول الله (ص) عن جز أذناب الخيل وأعرافها ونواصيها أما أعرافها فإنها
أدفاؤها، وأما أذنابها فإنها مذابها. وأما نواصيها فإن الخير معقود في نواصيها).
122 - حدثنا بكر بن أحمد الزهري ثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: ذكر لنا
عن ابن جريج وعن الزهري وعامر بن شراحبيل أن النبي (ص) قال لعبدة بن
مسهر - وكان وفد مع جرير بن عبد الله - ومسهر الذي فقأ عين (عامر بن الطفيل)
وله قال عامر:
لعمري وما عمري علي بهين * لقد شان حر الوجه طعنة مسهر
153

أين منزلك يا ابن مسهر؟ قال بكعبة نجران حيث يتسايل سيحها وتتناوح ريحها
وتصافح طلحها ويتواهق سرحها، إن أجدب الناس أمرعنا، وأن أخصبوا أينعنا،
فقال النبي (ص):
(عليك بالخيل اتخذها في بلادك فإنها عز للحلول وحرز في الشدائد والخير
معقود في نواصيها، والشر مسدود في هواديها، وإن لا فالغنم فمنها معاشنا، وصوفها
رياشنا، ودفؤها كناسنا).
123 - حدثنا أبي ثنا أحمد بن الفرج بن عبد الله الجشمي ثنا وهب بن جرير
ثنا أبي ثنا يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن علي بن رباح عن أبي قتادة
الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
154

(خير الخيل الأدهم الأقرح المحجل الأرثم طلق يد اليمنى، فإن لم يكن أدهم
فكميت على هذه الشية).
في نعت السحاب
124 - حدثنا موسى بن زكريا ثنا عمرو بن الحصين ثنا أمية بن سعيد الأموي
ثنا صفوان بن سليم عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله
(ص):
(ينشئ الله السحاب ثم ينزل فيها فلا شيء أحسن من ضحكه ولا شيء أحسن
من منطقه - قال ومنطقه الرعد وضحكه البرق).
125 - حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري عن إبراهيم
ابن سعد حدثني أبي - وحدثنا يوسف بن موسى ثنا محمد بن خالد بن عبد الله ثنا
إبراهيم بن سعيد عن أبيه قال إني جالس إلي عمي حميد بن عبد الرحمن في مسجد
الرسول (ص) إذ عرض لي في المسجد شيخ جليل في بصره ضعف فأرسل إليه حميد
فأقبل، فقال حميد: يا ابن أخي! أوسع لي فيما بينك وبينه، فإنه قد صحب رسول الله
(ص) في سفره فجاء فجلس فقال له حميد: الحديث الذي سمعت رسول الله (ص) يقول
في السحاب؟ فقال: نعم سمعت رسول الله (ص) يقول:
(إن الله ينشئ السحاب فتنطق أحسن النطق وتضحك أحسن الضحك).
قال أبو محمد رحمه الله:
155

هذا من أحسن التشبيه والصفة، لأنه جعل صوت الرعد منطقا للسحاب وتلألؤ
البرق بمنزلة الضحك لها.
وقال (ابن مطير):
مستضحك بلوامع مستعبر * بمدامع لم تمرها الأقذاء
فله بلا حزن ولا بمسرة * ضحك يؤلف بينه وبكاء
سحم فهن إذا كظمن فواحم * وإذا ضحكن به فهن وضاء
حدثنا (أبو موسى الحامض) في كلام لعبد الملك كتب به إلى عامل له بمكة يسأله
عن غيث كان بها ويستوصفه إياه فكتب إليه فصلا فيه، فأقبلت الجنوب تسفي بذيلها
التراب، وتنشأ من فوقها السحاب فتبسم بالبروق الخواطف وتنطق بالرعود الرواجف
فزجرت الرعود أردافه وأضحكت البروق أعطافه وحلبت الجنوب أخلافه.
126 - حدثنا أحمد بن عمرو الحنفي ثنا عبد الله بن محمد الأموي عن عباد بن
عباد المهلبي عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كان عند النبي
صلى الله عليه وسلم في يوم دجن فقال النبي (ص):
156

(كيف ترون بواسقها؟ قالوا: يا رسول الله! ما أحسنها وأشد تمكنها
قال: فكيف ترون جونها؟ قالوا: يا رسول الله! ما أحسنه وأشد سواده! قال:
فكيف ترون بروقها؟ أخفوا أو وميضا أم يشق شقا. قالوا يا رسول الله! بل يشق
شقا.
فقال رسول الله (ص): الحيا - أي جاءكم الحيا.
فقال أعرابي: يا رسول الله ما رأيت الذي هو أفصح منك.
فقال النبي (ص):
(وما يمنعني وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين).
باب من المثنى
127 - ثنا أبو شعيب الحراني ثنا عفان ثنا همام عن أبي جمرة عن أبي بكر عن
أبيه قال قال رسول الله (ص):
(من صلى البردين دخل الجنة) قال غدوة وعشية.
حدثنا الحضرمي ثنا هدبة بن خالد ثنا همام بإسناده مثله - قال: الفجر
والعصر.
قال أبو محمد:
هكذا لفظ الحديث (بردين) وكلام العرب: الأبردان وهما الغداة والعشي.
وهما الأبردان والفينان والردفان والصرعان والقرنان والكربان.
128 - حدثنا إسحاق بن داود الصراف ثنا الحسن بن قزعة ثنا مسلمة بن
157

علقمة ثنا داود بن أبي هند عن أبي حرب عن عبد الله بن فضالة عن أبيه قال قال
رسول الله (ص):
(لا تدع العصرين)
قلت: رسول الله! وما العصران؟ قال: (صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة
قبل غروبها).
حدثنا محمد بن حيان المازني ثنا عمرو بن الحصين ثنا فضيل بن سليمان عن داود
عن أبي حرب بن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة عن أبيه.
129 - وحدثنا أحمد بي يحيى الحلواني ثنا بشار الخفاف ثنا الحاطبي حدثني
أبي عن ابن عمر قال: كان رسول الله (ص) يقول:
(اللهم إني أعوذ بك من شر الأعميين).
فقيل: يا أبا عبد الرحمن! ما الأعميان؟ قال: السيل والبعير المغتلم.
130 - حدثنا موسى بن زكريا ثنا عمرو بن الحصين ثنا ابن علاثة عن جعفر بن
محمد بن أبيه عن جده قال قال رسول الله (ص): يا حبتا الأطيبان من قريش: تيم بن
مرة وزهرة بن كلاب تقول العرب: ذهب منه الأطيبان: النوم والنكاح، ويقال:
الأكل والنكاح.
158

131 - حدثنا محمد بن صالح ثنا سليمان بن شعيب الكيساني ثنا الحصيب ثنا
يزيد بن عطاء عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي (ص)
قال:
ذانك الأطيبان: التمر واللبن.
132 - حدثنا أبي ثنا أحمد بن ملاعب ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ثنا عبد الله
ابن إدريس عن أبيه عن عمه عن جده عن أبي هريرة قال:
سئل النبي (ص) عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق،
وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار قال: الأجوفان: الفم والفرج.
باب من الألفاظ المفردة النادرة
133 - حدثنا الحسن بن بشر ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد ثنا عبيد الله بن
159

موسى ثنا ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله (ص):
إن عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي، وإن كرشي الأنصار، فاقبلوا من محسنهم
وتجاوزوا عن مسيئهم.
134 - حدثنا موسى بن زكريا ثنا أبو الربيع ثنا إسماعيل بن زكريا عن يزيد
ابن أبي زياد عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان أن النبي (ص) قال:
أبيدوا خضراءهم.
160

النوادر
135 - حدثنا القاسم بن محمد بن حماد الدلال الفارسي بالكوفة ثنا أبو بلال
الأشعري ثنا عبد الله بن مسعر عن مسعر عن وبرة عن ابن عمر قال قال رسول
الله (ص) لرجل:
(توقه وتبقه).
قال أبو محمد رحمه الله:
هذا يشبه أن يكون في معنى (وقاك الله وأبقاك) فأخرجه مخرج الأمر واعتد بالهاء
كما قال: عش حميدا والبس جديدا ومت شهيدا وقال بعض أصحابنا:
أظنه أراد توق المحارم لتنال البقاء في الجنة.
136 - حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا
عبد الرحمن عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن رجل من أسلم يقال له ابن الأدرع
161

قال قال رسول الله (ص):
تمعددوا واخشوشنوا وامشوا حفاة
قال أبو محمد رحمه الله:
المعنى: اقتدوا بمعد بن عدنان، والبسوا الخشن من الثياب وامشوا حفاة، وهو
حث على التواضع ونهي عن الإفراط في الترفه والنعمة.
137 - حدثنا موسى بن زكريا ثنا عمرو بن الحصين ثنا محمد بن عبد الله بن
علاثة ثنا أبو سملة الحمصي أن رسول الله (ص) قال: من أصاب مالا من
نهاوش أذهبه الله في نهاير.
قال عمرو:
يعني من أصابه من غير حله أذهبه الله في غير حقه.
138 - حدثنا عبدان بن عبد الرحمن الشافعي ثنا هلال بن يحيى بن مسلم عن
عبد الواحد بن زياد عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن أبي سعيد الخدري
162

أن رسول الله (ص) بايع الناس وفيهم رجل دخشمان فقال له النبي (ص):
يا عبد الله! أرزئت في نفسك شيئا قط؟ قال لا. قال: ففي ولدك؟ قال: لا.
قال: ففي أهلك؟ قال: لا.
قال يا عبد الله! إن أبغض عباد الله إلى الله عز وجل العفرية النفرية الذي لم
يرزأ في نفسه ولا أهله ولا ماله ولا ولده.
قال هلال: فلقيت (الأصمعي) فسألته عن الدخشمان فقال: الرجل السمين
الغليظ الذي لا ينبعث.
139 - حدثني محمد بن الحسن بن علي بن بحر ثنا هاشم بن القاسم الحراني
ثنا يعلى بن الأشدق عن عمه عبد الله بن جراد قال قال رسول الله (ص):
كم إبلك؟ قلت: ثلاثون.
قال: إن ثلاثين خير من مائة.
قلت: إنا لنحدث إن المائة أفضل وأطيب.
قال: هي مفرحة مفتنة، وكل مفرح مفتن.
قال أبو محمد رحمه الله:
هكذا حدثناه (ابن البري) مفرحة مفتنة، مفتوحتي الميم وهما مصدران يقال:
مفرح مفتن - وهي لغة يقال: فتنه وأفتنه.
وقال الشاعر:
لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت * سعيدا فأضحى قد قلى كل مسلم
فجمع اللغتين. وقال قوم: أفتنه بمعنى جعل له ما يفتتن به. كما يقال: سقاه
وأسقاه يعني جعل له شرابا.
قال الشاعر:
سقى قومي بني مجد وأسقى * نميرا والقبائل من هلال
163

140 - حدثنا الحسن بن المثنى ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن عثمان بن
خثيم عن سعيد بن أبي راشد عن يعلى العامري قال: جاء الحسن والحسين عليهما
السلام يستبقان إلى رسول الله (ص) فضمهما إليه وقال:
الولد مجبنة مبخلة.
قال أبو محمد رحمه الله:
هذان مصدران من البخل والجبن، ومعناه أن حب الولد يمنع من بذل المال
للإبقاء عليهم وعن لقاء العدو إشفاقا من الضيعة لهم.
آخر الكتاب والحمد لله رب العالمين
وصلواته على سيدنا محمد رسوله وآله وصحبه
وأزواجه وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل
164