الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ١٨
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

((أبو الزناد عبد الله بن ذكوان))
قال أبو عمر أبو الزناد لقب غلب عليه وكنيته أبو عبد الرحمان لا يختلفون في ذلك وهو عبد الله بن ذكوان وذكوان أبوه مولى رملة ابنة شيبة (1) بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف وكانت رملة هذه تحت عثمان بن عفان وقيل هو مولى عائشة ببنت عثمان وقيل مولى عثمان ويقال إن ذكوان أبا أبي الزناد كان أخا أبي لؤلؤة قاتل عمر بن الخطاب بولادة العجم هكذا قال الواقدي ومصعب الزبيري والطبري وأخبرنا عبد الرحمان بن يحيى قال أخبرنا أحمد بن سعيد قال أخبرنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله بن صالح قال قال أبي أبو الزناد من رهط أبي لؤلؤة كانت بينهم قرابة قال وكان أحد مفتي أهل المدينة حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا
5

أحمد بن زهير حدثنا مصعب بن عبد الله قال كان أبو الزناد فقيه أهل المدينة وكان صاحب كتاب وحساب وكان كاتبا لعبد الحميد بن عبد الرحمان بن زيد بن الخطاب وكاتبا أيضا لخالد بن عبد الملك بن الحرث بن الحكم بالمدينة قال وقدم على هشام بن عبد الملك بحساب ديوان المدينة فجالس هشاما مع ابن شهاب فسأل هشام ابن شهاب في أي شعر كان عثمان يخرج العطاء فيه لأهل المدينة فقال لا أدري فقال (1) أبو الزناد كنا نرى أن ابن شهاب لا يسأل عن شيء إلا وجد عنده علمه قال أبو الزناد فسألني هشام فقلت في (2) المحرم قال هشام لابن شهاب يا أبا بكر هذا علم قد أفدته اليوم فقال ابن شهاب مجلس أمير المؤمنين أهل أن يفاد منه (3) العلم قال مصعب وكان أبو الزناد معاديا لربيعة بن أبي عبد الرحمان قال وكان أبو الزناد وربيعة فقيهي أهل المدينة في زمانهما وذكر الحلواني في كتاب المعرفة عن ابن أبي مريم عن الليث عن عبد ربه بن سعيد قال رأيت أبا الزناد دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
6

ومعه من الأتباع مثل ما مع السلطان من بين سائل عن حديث وبين سائل عن فقه وبين سائل عن فريضة وبين سائل عن شعر قال وحدثنا علي بن المديني حدثنا سفيان بن عيينة قال سألت سفيان الثوري قلت (1) له كيف رأيت أبا الزناد قال أو كان ثم أمير غيره حدثنا خلف بن القاسم حدثنا أبو الميمون حدثنا أبو زرعة قال سمعت أحمد بن حنبل يقول أبو الزناد أعلم من ربيعة فقلت لأحمد حديث ربيعة كيف هو قال ثقة وأبو الزناد أعلم منه وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا سليمان بن أبي شيخ قال ولى عمر بن عبد العزيز أبا الزناد بيت مال الكوفة وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثني أبي حدثنا ابن عيينة عن ابن شبرمة قال كان الشعبي يقول لأبي الزناد جئت بها زيوفا وتذهب بها جيادا وقال المدائني كان خالد بن عبد الملك بن الحارث بن
7

الحكمم قد ولى أبا الزناد المدينة فقال علي بن الجون الغطفاني
* رأيت الخير عاش لنا فعشنا
* وأحياني مكان أبي الزناد
* وسار بسيرة العمرين فينا
* بعدل في الحكومة واقتصاد
* وقال الواقدي سمعت مالك بن أنس يقول كانت لأبي الزناد حلقة على حدة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الواقدي مات أبو الزناد فجأة في مغتسله ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة ثلاثين ومائة وهو ابن ست وستين وقيل توفي أبو الزناد سنة إحدى وثلاثين ومائة وهو ابن أربع وستين (1) وقال الطبري كان أبو الزناد ثقة كثير الحديث فصيحا بصيرا بالعربية كاتبا حاسبا فقيها عالما عاقلا وقد ولي خراج المدينة (2) قال أبو عمر لمالك عنه في الموطأ أربعة وخمسون حديثا (3) مسندة ثابتة صحاح متصلة
8

حديث أول لأبي الزناد مالك عن أبي الزيناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة (1) قد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة من كتابنا (2) هذا فأغنى ذلك عن إعادته ههنا وبالله التوفيق
9

حديث ثان لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة إلى من يجر إزاره بطرا (1) وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا (2) والحمد لله وأما قوله في هذا الحديث بطرا فتفسيره (3) عندي قوله في حديث ابن عمر خيلاء على ما ذكرناه في باب زيد بن أسلم من تفسير الخيلاء والمخيلة وأما أصل البطر في اللغة فله وجوه أحدها كفر النعمة وهو الذي يشبه المعنى المقصود إليه بهذا الحديث وقد يكون البطر بمعنى الدهش قال الخليل بطر بطرا إذا دهش وأبطرت حلمه أدهشته عنه وبطر النعمة إذا لم يشكرها ورجل بطر متماد في الغي ولكن المعنى المراد بهذا الحديث التبختر في المشي والنظر في الأعطاف والتيه والتكبر والتجبر ونحو ذلك
10

حديث ثالث لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحاج آدم وموسى قال له موسى أنت آدم الذي أغويت الناس وأخرجتهم من الجنة قال آدم (1) أنت موسى الذي أعطاه الله علم كل شيء واصطفاه على الناس برسالته وبكلامه قال نعم قال افتلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق (2) إلى ههنا (3) انتهى حديث مالك عند جميع رواته لهذا الحديث وزاد فيه ابن عيينة عن أبي الزناد بإسناده قبل أن أخلق بأربعين سنة وكذلك قال طاوس عن أبي هريرة حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن عمر حدثنا علي بن حرب حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس سمع
11

أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج آدم موسى فقال موسى يا آدم أنت أبونا أخرجتنا من الجنة قال آدم يا موسى أنت الذي اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده أتلومني على أمر قدره علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة وهذا حديث صحيح ثابت من جهة الإسناد لا يختلفون في ثبوته رواه عن أبي هريرة جماعة من التابعين وروي من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية الثقات الأئمة (1) الأثبات حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله حدثنا أبو عمرو عثمان ابن محمد بن إبراهيم
حدثنا أبو محمد عبد الله بن سلم المقدسي حدثنا عبد الرحمان بن إبراهيم حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي آدم موسى فقال له موسى أنت أبو الناس الذي أغويتهم وأخرجتهم من الجنة فقال له آدم أنت موسى الذي كلمك الله واصطفاك برسالته فكيف تلومني على عمل كتب الله علي أن أعمله قبل أن أخلق (2) قال فحج آدم موسى
12

ورواه الزهري فاختلف أصحابه عليه في إسناده فرواه إبراهيم بن سعد وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمان عن أبي هريرة ورواه عمر بن سعيد عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة ومنهم من يجعله عن معمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة ومنهم من يرويه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة وكلهم يرفعه وهي كلها صحاح للقاء الزهري جماعة من أصحاب أبي هريرة وقد روي هذا الحديث عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا بأتم ألفاظ وأحسن سياقة حدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا سحنون قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال أقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن موسى عليه السلام قال يا رب أبونا آدم أخرجنا ونفسه من الجنة فأراه الله آدم فقال له أنت آدم قال آدم نعم قال أنت الذي نفخ الله فيك من روحه وعلمك
13

الأسماء كلها وأمر ملائكته فسجدوا لك قال نعم قال فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة قال له آدم ومن أنت قال أنا موسى قال أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب لم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه قال نعم قال أما وجدت في كتاب الله الذي أنزل عليك أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق قال نعم قال أفتلومني في شيء سبق من الله فيه القضاء قبل قال عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى في هذا الحديث من الفقه إثبات الحجاج (1) والمناظرة وإباحة ذلك إذا كان طلبا للحق وظهوره وقد أفردنا لهذا المعنى بابا كاملا أوضحناه فيه بالححج والبرهان والبسط والبيان في كتابنا كتاب العلم (2) فأغنى ذلك عن إعادته ههنا وفيه إباحة التقرير (3) والتعريض في معنى التوبيخ في درج الحجاج حتى تقر الحجة مقرها وفيه دليل على أن من علم وطالع العلوم فالحجة له ألزم وتوبيخه على الغفلة أعظم
14

وفيه إباحة مناظرة الصغير للكبير والأصغر للأسن إذا كان ذلك طلبا للازدياد من العلم وتقريرا للحق وابتغاء له (1) وفيه الأصل الجسيم الذي أجمع عليه أهل الحق وهو أن الله عز وجل قد فرغ من أعمال العباد فكل يجري فيما قدر له وسبق في علم الله تبارك اسمه وأما قوله أفتلومني على أمر قد قدر علي فهذا عندي مخصوص به آدم لأن ذلك إنما كان منه ومن موسى عليهما السلام بعد أن تيب على آدم وبعد أن تلقى من ربه كلمات تاب بها عليه فحسن منه أن يقول ذلك لموسى لأنه قد كان تيب عليه من ذلك الذنب وهذا غير جائز أن يقوله اليوم أحد إذا أتى ما نهاه الله (عنه) (2) ويحتج بمثل هذا فيقول أتلومني على أن قتلت أو زنيت أو سرقت وذلك قد سبق في علم الله وقدره علي قبل أن أخلق هذا ما لا يسوغ لأحد أن يقوله وقد اجتمعت الأمة أن من أتى ما يستحق الذم عليه فلا بأس بذمه ولا حرج في لومه ومن أتى ما يحمد له فلا بأس بمدحه عليه وحمده وقد حكى مالك عن يحيى بن سعيد
15

معنى ما ذكرنا أن ذلك إنما كان من آدم عليه السلام بعد أن تيب عليه ذكره ابن وهب عن مالك وهذا صحيح لأن روحه لم يجتمع بروح موسى ولم يلتقيا والله أعلم إلا بعد الوفاة وبعد رفع أرواحهما في عليين فكان التقاؤهما كنحو التقاء نبينا صلى الله عليه وسلم بمن لقيه في المعراج من الأنبياء على ما جاء (1) في الأثر الصحيح وان كان ذلك عندي لا يحتمل تكييفا وإنما فيه التسليم لأنا لم نؤت من جنس هذا العلم إلا قليلا حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ابن سلمة عن عمار بن أبي عمار قال سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حماد وأخبرنا حميد عن الحسن عن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقي آدم موسى فحج آدم موسى قال أبو عمر معنى حجه غلبه وظهر عليه في الحجة وفي ذلك دليل على فضل من أدلى عند التنازع بحجته
16

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحارث بن أبي اسامة حدثنا يونس بن محمد حدثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقي آدم موسى فقال له موسى يا آدم أنت الذي خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته ونفخ فيك من روحه فعلت ما فعلت فأخرجت (1) ذريتك من الجنة قال آدم يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه وقربك نجيا وآتاك التوراة فبكم تجد الذنب الذي عملته مكتوبا علي قبل أن أخلق قال بأربعين سنة (2) قال فلم تلومني قال النبي صلى الله عليه وسلم فحج آدم موسى يقولها ثلاثا قال أبو عمر هذا الحديث من أوضح ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات القدر ودفع قول القدرية وبالله التوفيق (والعصمة) (3)
17

وروي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الحسن البصري إن الله لا يطالب خلقه بما قضى عليهم وقدر ولكن يطالبهم بما نهاهم عنه وأمر فطالب نفسك من حيث يطالبك ربك والسلام وروينا أن الناس لما خاضوا في القدر بالبصرة اجتمع مسلم ابن يسار ورفيع أبو العالية فقال أحدهما لصاحبه تعال حتى ننظر فيما خاض الناس فيه هذا الأمر قال فقعدا ففكرا فاتفق رأيهما أنه يكفي المؤمن من هذا الأمر أن يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له وأنه مجزي بعمله
18

حديث رابع لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا (1) قال أبو عمر احتج قوم من الشافعية بهذا الحديث ومثله في إبطال الذرائع في البيوع (2) فقالوا قال الله عز وجل * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * 3 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وقال إن الله حرم من المؤمن دمه وعرضه وماله وأن لا يظن به إلا الخير (4) وقال صلى الله عليه وسلم إذا ظننتم فلا تحققوا (5) قالوا وأحكام الله عز وجل على
19

الحقائق لا على الظنون فأبطلوا القول بالذرائع في الأحكام من البيوع وغيرها فقالوا غير جائز أن يقال إنما أردت بهذا البيع كذا بخلاف ظاهره وصار هذا كأنه كذا ويدخله
كذا لما ينكر فاعله أنه أراده وللقول عليهم موضع غير هذا من جهة النظر روى أشهب عن نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة أن عمر بن الخطاب قال لا يحل لامرىء مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوءا وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرا حدثنا خلف بن القاسم حدثنا أحمد بن صالح بن عمر حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد المنادي أخبرنا ابن سيف عن السري بن يحيى قال حدثنا يعلى بن عبيد قال سمعت سفيان يقول الظن ظنان ظن (1) فيه إثم وظن ليس فيه إثم فأما الظن الذي فيه إثم فالذي يتكلم به وأما الذي ليس في إثم فالذي لا يتكلم به ومن حجة من ذهب إلى القول بالذرائع وهم أصحاب الرأي من الكوفيين ومالك وأصحابه من المدنيين من جهة الأثر حديث عائشة في قصة زيد بن أرقم وهو حديث يدور على امرأة مجهولة وليس عند أهل الحديث
20

بحجة وأما قوله في هذا الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا فهما لفظتان (1) معناهما واحد وهو البحث والتطلب (2) لمعايب الناس ومساويهم إذا غابت واستترت لم (3) يحل لأحد أن يسأل عنها ولا يكشف عن خبرها قال ابن وهب ومنه لا يلي أحدكم استماع ما يقول فيه أخوه وأصل هذه اللفظة في اللغة من قولك حسن الثوب أي أدركه (4) بحسه وجسه من المحسة والمجسة وذلك حرام كالغيبة أو أشد من الغيبة قال الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا) * 5 فالقرآن والسنة وردا جميعا بأحكام هذا المعنى وهو قد استسهل في زماننا فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بنا حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا محمد بن المثنى وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش
21

عن زيد يعني ابن وهب قال أتي ابن مسعود فقيل له هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبد الله إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ (1) به (2) وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى * (ولا تجسسوا) * قال خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله وأما قوله ولا تنافسوا فالمراد به التنافس في الدنيا ومعناه طلب الظهور فيها على أصحابها والتكبر عليهم ومنافستهم في رياستهم والبغي عليهم وحسدهم على ما آتاهم الله منها وأما التنافس والحسد على الخير وطرق البر فليس من هذا في شيء وكذلك من سأل عما غاب عنه من علم وخير فليس بمتجسس فقف على ما فسرت لك وقد مضى في باب ابن شهاب عن أنس من هذا الكتاب (3) في معنى التحاسد والتدابر والتباغض ما فيه كفاية فلا معنى لإعادة ذلك ههنا ومعنى قوله لا تدابروا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا معنى متداخل كله متقارب والقصد (4) فيه إلى الندب على
22

التحاب ودفع ما نفى ذلك لأنك إذا أحببت أحدا وأصفيته الود لم تعرض عنه بوجهك ولم توله دبرك بل تقبل عليه وتواجهه وتلقاه بالبشر ومن أبغضته وليته دبرك وأعرضت عنه وقد فسرنا هذه المعاني في مواضع سلفت من كتابنا هذا والحمد لله أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا عيسى بن محمد وابن عوف وهذا لفظه قالا حدثنا الفريابي عن سفيان عن ثور عن راشد بن سعد عن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم قال أبو الدرداء كلمة سمعها معاوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله بها (1) قال أبو عمر وروى هذا الحديث عبد الرحمان بن جبير ابن نفير عن أبيه عن معاوية عن النبي عليه السلام مثله بمعناه
23

حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أبو (1) إسماعيل الترمذي حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء حدثنا عمرو بن الحارث حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي (2) قال حدثني يحيى بن جابر أن عبد الرحمان بن جبير حدثه أن أباه حدثه أنه سمع معاوية بن أبي سفيان قال إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما نفعني الله به سمعته يقول أعرضوا عن الناس ألم تر إنك إذا اتبعت الريبة في الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن جبير ابن نفير وكثير بن مرة وعمرو بن الأسود بعن المقدام ابن معدي كرب وأبي أمامة عن النبي عليه السلام قال إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم (3)
24

حديث خامس لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه وإذا كره لقائي كرهت لقاءه (1) وهذا الحديث معناه عند أهل العلم فيما يعانيه المرء عند حضور أجله فإذا رأى ما يكره لم يحب الخروج من الدنيا ولا لقاء الله لسوء ما عاين مما يصير إليه وإذا رأى ما يحب أحب لقاء الله والإسراع إلى رحمته لحسن ما عاين وبشر به وليس حب الموت ولا كراهيته والمرء في صحته من هذا المعنى في شيء والله أعلم وقال أبو عبيد في معنى قوله عليه السلام من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه قال ليس وجهه عندي أن يكون يكره علز (2) الموت وشدته لأن هذا لا يكاد يخلو منه أحد
25

نبي ولا غيره ولكن المكروه من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها والكراهة أن يصير إلى الله والدار الآخرة ويؤثر المقام في الدنيا قال ومما يبين ذلك أن الله قد عاب قوما في كتابه بحب الحياة فقال * (إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها) * وقال * (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) * 2 وقال * (ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم) * 3 قال فهذا يدل على أن الكراهية للقاء الله ليست بكراهية الموت وإنما هو الكراهية للنقلة من الدنيا إلى الآخرة قال أبو عمر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن أن يتمنى أحدهم الموت لضر نزل به فالمتمني للموت ليس بمحب للقاء الله بل هو عاص لله عز وجل في تمنيه الموت (4) إذا كان بالنهي عالما حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا عمرو
26

ابن مرزوق حدثنا شعبة عن قتادة وعبد العزيز بن صهيب وعلي بن زيد كلهم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتمنى أحدكم الموت لضر ينزل (1) به فإن كان لا بد قائلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي (2) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن تمني الموت جماعة من الصحابة منهم خباب بن الأرت وأم الفضل بنت الحرث أم ابن عباس وعابس الغفاري وأبو هريرة وغيرهم حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر
بن حماد حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد قال حدثني قيس قال أتيت خبابا وقد اكتوى سبعا في بطنه فقال لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به (3) حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا
27

محمد بن جعفر الوركاني حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتمنى أحدكم الموت إما محسن فلعله يزداد خيرا وإما مسيء فلعله يستعتب (1) فهذه الآثار وما كان مثلها يدلك على أن حب لقاء الله ليس بتمني الموت والله أعلم وقد يجوز تمني الموت لغير البلاء النازل مثل أن يخاف على نفسه المرء فتنة في دينه قال مالك كان عمر بن عبد العزيز لا يبلغه شيء عن عمر بن الخطاب إلا أحب أن يعمل به حتى لقد بلغه أن عمر بن الخطاب دعا على نفسه بالموت فدعا عمر بن عبد العزيز على نفسه بالموت فما أتت الجمعة حتى مات رحمه الله وقد أوضحنا هذا المعنى في هذا الكتاب عند قوله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر أخيه فيقول يا ليتني مكانه وأما معنى حديث هذا الباب فإنما هو والله أعلم عند
28

حضور الموت ومعاينة بشرى الخير أو الشر فعلى هذا تنزل (1) الآثار وعلى ذلك فسره العلماء حدثنا عبد الرحمان بن يحيى وخلف بن القاسم قالا حدثنا أحمد بن محمد بن الحداد بكير حدثنا موسى بن هارون حدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا إسحاق بن موسى الهروي حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمارة بن غزية عن موسى (2) بن وردان المصري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن المسلم إذا حضره الموت رأى بشره فلم يكن شيء (3) أبغض إليه من المكث في الدنيا (4) وإذا حضر الكافر الموت رأى بشره فلم يكن شيء أحب إليه من المكث في الدنيا قال أبو عمر بشر جمع بشير مثل سرير وسرر وقد يخفف ذلك ويثقل مثل رسل ورسل وسبل وسبل وقد تكون البشرى بالخير والشر كما قال الله عز وجل * (فبشرهم) *
29

* (بعذاب أليم) * 1 وقال أهل اللغة أيضا إنه قد يكون البشر جمع بشارة حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة عن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل الصالح قالوا أخرجي أيتها لانفس الطيبة (2) كانت في الجسد الطيب أخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان قال فلا تزال (3) يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها فيقال من هذا فيقولون فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في السجد الطيب أدخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال ذلك حتى ينتهي بها (4) إلى السماء يعني (5) السابعة وإذا كان الرجل السوء وحضرته الملائكة
30

عند موته قالت أخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث أخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج (1) وذكر الحديث وفيه ما يدل على أن ما ذكرنا من حب لقاء الله وكراهته (2) إنما ذلك عند حضور الوفاة ومعاينة ما له عند الله والله أعلم وفيه ما يدل على أن البشارة قد تكون بالخير والشر وبما يسوء وبما يسر وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه في حديث ذكره أينما مررت بقبر كافر فبشره بالنار (3) وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال بشر قاتل ابن صفية بالنار وقد حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد
31

ابن هارون (1) أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة (2) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قيل يا رسول الله ما منا أحد إلا وهو يكره الموت ويقطع به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ذلك كشف له (3) حدثنا خلف بن القاسم حدثنا حمزة بن محمد حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا هناد بن السري عن أبي زبيد عن مطرف عن عامر الشعبي عن شريح بن هانئ عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه (4) قال شريح فأتيت عائشة فقلت يا أم المؤمنين
32

سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا إن كان كذلك فقد هلكنا فقالت وما ذلك قلت قال من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه وليس منا أحد إلا ويكره الموت قالت قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ليس بالذي تذهب إليه ولكن إذا طمح البصر وحشرج الصدر واقشعر الجلد فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه (1) فهذه الآثار كلها قد بان فيها أن ذلك عند حضور الموت ومعاينة ما هناك وذلك حين لا تقبل توبة التائب إن لم يتب قبل ذلك (وقد ذكرنا هذا المعنى مجودا في باب نافع والحمد لله) (2)
33

حديث سادس لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبستين وعن بيعتين عن الملامسة والمنابذة وعن أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وعن أن يشتمل الرجل الثوب (1) على أحد شقيه (2) أما الملامسة والمنابذة فقد مضى تفسيرهما في باب محمد بن يحيى بن حبان من هذا الكتاب (3) وهذا الحديث أيضا بين مستغن عن التفسير بل هو مفسر للبسة الصماء المنهي عنها وفيه دليل كالنص على النهي عن كشف العورة وهو أمر (4) مجتمع عليه لا خلاف فيه والحمد لله
34

حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد حدثنا عبد الحميد حدثنا الخضر حدثنا أبو بكر يعني الأثرم قال سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسأل عن الصماء في غير الصلاة فقال كرهت في الصلاة ثم قال أكرهها إذا لم يكن على عاتقه قميص قال أبو بكر الصماء مفسرة في حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتمل الرجل بالثوب الواحد على أحد شقيه حدثناه القعنبي عن مالك قال أبو عمر الصماء كما جاء في حديث أبي الزناد بأن يشتمل الثوب على أحد شقيه يعني ولا يرفعه عنه يتركه مطبقا وإنما سميت الصماء لأنها لبسة لا انفتاح فيها كأنه لفظ مأخوذ من الصمم الذي لا انفتاح فيه ومنه الأصم الذي لا انفتاح في سمعه ويقال للفريضة إذا لم تتفق سهامها وانغلقت صماء لأنه لا انفتاح فيها للاختصار وقد جاء في تفسير الصماء حديث مرفوع حدثناه سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن
أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا كثير بن هشام قال حدثني جعفر بن
35

برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين الصماء وهو أن يلتحف الرجل بالثوب الواحد ويحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس بين فرجه وبين السماء ستر وحديث أبي الزناد أقوى من هذا الإسناد وقد مضى القول في الصماء في أبي الزبير من هذا الكتاب والحمد لله
36

حديث سابع لأبي الزناد مالك عن الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم به فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم (1) فغفر له (2) قال أبو عمر تابع يحيى على رفع هذا الحديث عن مالك بهذا الإسناد أكثر رواة الموطأ ووقفه مصعب بن عبد الله الزبيري وعبد الله بن مسلمة القعنبي فجعلاه من قول أبي هريرة ولم يرفعاه وقد روي عن القعنبي مرفوعا كرواية
37

سائر الرواة عن مالك وممن رواه مرفوعا عن مالك عبد الله بن وهب وابن القاسم وابن بكير وأبو المصعب ومطرف وروح بن عبادة وجماعة أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم بن سهل قال حدثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين بن السندي العسكري حدثنا يونس بن عبد الأعلى (1) والربيع بن سليمان قالا حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني ابن أبي الزناد ومالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رجل لم يعمل خيرا قط لأهله إذا مات فأحرقوه واذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات فعلوا به فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه (2) ثم قال لم فعلت هذا قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر له
38

قال أبو عمر روي من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمان بن عوف عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أسرف رجل على نفسه حتى إذا حضرته الوفاة قال لأهله إذا أنا مت فأحرقوني الحديث كحديث مالك عن أبي الزناد سواء وروي من حديث أبي سعيد الخدري هذا المعنى أيضا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبو هلال قال حدثنا قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد الخدري قال كان فيمن كان قبلكم رجل من الأمم السالفة أفاده الله مالا وولدا فلما ذهب يعني أكثر عمره قال لولده لا أدع لكم مالا أو تفعلون ما أقول قالوا يا أبانا لا تأمر بشيء إلا فعلناه قال إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في يوم ريح عاصف لعلي أضل الله ففعلوا ذلك به فقال الله له كن فإذا هو رجل قائم قال ما حملك على ما صنعت فقال مخافتك فما تلافاه غيرها فغفر له قال أحمد بن زهير كذا قال أبو هلال أوقف الحديث على أبي سعيد ورفعه سليمان التيمي حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا معتمر بن سليمان قال أخبرني أبي قال حدثنا قتادة
39

عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رجلا فيمن كان سلف ثم ذكر نحوه قال أبو عمر روي من حديث أبي رافع عن أبي هريرة في هذا الحديث أنه قال قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد وهذه اللفظة إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى والأصول كلها تعضدها والنظر يوجبها لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا وهذا ما لا مدفع له ولا خلاف فيه بين أهل القبلة وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث لم يعمل حسنة قط أو لم يعمل خيرا قط لم يعذبه إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير وهذا سائغ في لسان العرب جائز في لغتها أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض والدليل على أن الرجل كان مؤمنا قوله حين قيل له لم فعلت هذا فقال من خشيتك يا رب والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم كما قال الله عز وجل * (إنما يخشى الله) *
40

* (من عباده العلماء) * 1 قالوا كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده ومثل هذا الحديث في المعنى ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو صالح حدثني الليث عن ابن العجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان يداين الناس فيقول لرسوله خذ ما يسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا فلما هلك قال الله هل عملت خيرا قط قال لا إلا أنه كان لي غلام فكنت أداين الناس فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما يسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا قال الله قد تجاوزت عنك قال أبو عمر فقول هذا الرجل الذي لم يعمل خيرا قط غير تجاوزه عن غرمائه لعل الله يتجاوز عنا إيمان وإقرار بالرب ومجازاته وكذلك قوله الآخر خشيتك يا رب إيمان
41

بالله واعتراف له بالربوبية والله أعلم وأما قوله لئن قدر الله علي فقد اختلف العلماء في معناه فقال منهم قائلون هذا رجل جهل بعض صفات الله عز وجل وهي القدرة فلم يعلم أن الله على كل ما يشاء قدير قالوا ومن جهل صفة من صفات الله عز وجل وآمن بسائر صفاته وعرفها لم يكن بجهله بعض صفات الله كافرا قالوا وإنما الكافر من عائد الحق لا من جهله وهذا قول المقتدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين (1) وقال آخرون أراد بقوله لئن قدر الله عليه من القدر الذي هو القضاء وليس من باب القدرة والاستطاعة في شيء قالوا وهو مثل قول الله عز وجل في ذي النون * (إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) * 2 وللعلماء في تأويل هذه اللفظة قولان أحدهما أنها من التقدير والقضاء والآخر أنها من التقتير والتضييق وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية فهو جائز في تأويل هذا
42

الحديث في قوله لئن قدر الله علي فأحد الوجهين تقديره كأن الرجل قال لئن كان قد سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين غيري والوجه الآخر تقديره والله لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك ثم أمر بأن يحرق بعد موته من إفراط خوفه قال ابن قتيبة بلغني عن الكسائي أنه قال يقال هذا قدر الله وقدره قال ولو قرئت * (أودية بقدرها) * 1 مخففا أو قرئت * (وما قدروا الله حق
قدره) * 2 مثقلا جاز وأنشد
* وما صب رجلي في حديد مجاشع
* مع القدر إلا حاجة لي أريدها
* أراد القدر قال ويقال هذا على قدر هذا وقدره قال الأصمعي أنشدني عيسى بن عمر لبدوي
* كل شيء حتى أراك متاع
* وبقدر تفرق واجتماع
* ومن هذا حديث ابن عمر عن النبي عليه السلام في الهلال فإن غم عليكم فاقدروا له وقد ذكرته في بابه وموضعه من هذا الكتاب
43

وقد روينا عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب أنه قال في قول الله عز وجل * (فظن أن لن نقدر عليه) * قال هو من التقتير ليس من القدرة يقال منه قدر الله لك الخير يقدره قدرا بمعنى قدر الله لك الخير وأنشد ثعلب
* ولا عائدا ذاك الزمان الذي مضى
* تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر
* يعني ما تقدره وتقضي به يقع يعني ينزل وينفذ ويمضي قال أبو عمر هذا البيت لأبي صخر الهذلي في قصيدة له أولها
* لليلى بذات الجيش (1) دار عرفتها
* وأخرى بذات البين آياتها سطر
* وفيها يقول
* وليس عشيات الحمى برواجع
* لنا أبدا ما أبرم السلم النضر
* ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى
* تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر
*
44

السلم شجر من العضاه يدبغ به والنضر النضارة والتنعم وأبرم السلم أخرج برمته وأبرمت الأمر أحكمته وقال غيره
* فما الناس أردوه ولكن أقاده
* يد الله والمستنصر الله غالب
* فإنك ما يقدر لك الله تلقه
* كفاحا وتجلبه إليك الجوالب
* وقال ابن قتيبة في قول الله عز وجل * (فظن أن لن نقدر عليه) * 1 أي لن نضيق عليه قال فلان مقدر عليه ومقتر عليه ومنه قوله عز وجل * (فقدر عليه رزقه) * أي (2) ضيق عليه في رزقه وقوله * (ومن قدر عليه رزقه) * 3 أي ضيق عليه في رزقه وقال ثعلب في قول الله عز وجل * (وذا النون إذ ذهب مغاضبا) * قال مغاضبا للملك قال أبو عمر قد قيل ما قال ثعلب وقيل أنه خرج مغاضبا لنبي كان في زمانه وهذان القولان للمتأخرين وأما المتقدمون فإنهم قالوا خرج مغاضبا لربه روي ذلك عن ابن مسعود والشعبي والحسن البصري وغيرهم ولولا خروجنا عما له قصدنا لذكرنا خبره وقصته ههنا
45

وأما جهل هذا الرجل المذكور في هذا الحديث بصفة من صفات الله في علمه وقدره فليس ذلك بمخرجه من الإيمان ألا ترى أن عمر بن الخطاب وعمران بن حصين وجماعة من الصحابة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القدر ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم جاهلون به وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك كافرين أو يكونوا في حين سؤالهم عنه غير مؤمنين حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا شيبان بن فروخ قال حدثنا عبد الوارث عن يزيد الرشك قال حدثنا مطرف عن عمران بن حصين قال قلت يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار وذكر الحديث وروى الليث عن أبي قبيل (1) عن شفي (2) الأصبحي عن عبد الله بن عمرو بن العاص فذكر حديثا في القدر
46

وفيه (1) فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأي شيء نعمل إن كان الأمر قد فرغ منه فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم العلماء الفضلاء سألوا عن القدر سؤال متعلم جاهل لا سؤال متعنت معاند فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جهلوا من ذلك ولم يضرهم جهلهم به قبل أن يعلموه ولو كان يسعهم جهله وقتا من الأوقات لعلمهم ذلك مع الشهادة بالإيمان وأخذ ذلك عليهم في حين إسلامهم ولجعله عمودا سادسا للإسلام فتدبر واستعن بالله فهذا الذي حضرني على ما فهمته من الأصول ووعيته وقد أديت اجتهادي في تأويل حديث هذا الباب كله ولم آل وما أبرئ نفسي وفوق كل ذي علم عليم وبالله التوفيق
47

حديث ثامن لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده
اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان قالوا فما المسكين يا رسول الله قال الذي لا يجد غني يغنيه ولا يفطن الناس له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس (1) هكذا قال يحيى في هذا الحديث فما المسكين ولم يقل فمن المسكين وكان وجه الكلام أن يقول فما المسكين لأن من وضعت لمن يعقل وقد تابع يحيى على قوله فما المسكين جماعة ويحتمل وجهين أحدهما أن يكون أراد بها الحال التي يكون بها السائل مسكينا والوجه الآخر أن تكون ما ههنا من كما قال عز وجل * (والسماء وما بناها) * 2 أراد ومن بناها وكما قال * (وما خلق الذكر والأنثى) *
48

(1) بمعنى (أراد ومن خلق الذكر والأنثى (2)) فأما (3) قوله ليس المسكين بهذا الطواف فإنه أراد ليس المسكين حقا على الكمال وهو الذي بالغته المسكنة بهذا الطواف لأن هناك مسكينا أشد مسكنة من الطواف وهو الذي لا يجد غنى ولا يسأل ولا يفطن له فيتصدق عليه هذا وجه قوله صلى الله عليه وسلم ليس المسكين بالطواف لا وجه له غير ذلك لأنه معلوم أن الطواف مسكين وذلك موجود في الآثار ومعروف في اللغة ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم ردوا المسكين ولو بظلف محرق هكذا رواه مالك عن زيد بن اسلم عن ابن بجيد عن جدته عن النبي صلى الله عليه وسلم (4) وقول عائشة إن المسكين ليقف على بابي الحديث فقد سمته مسكينا وهو طواف على الأبواب وقد جعل الله عز وجل الصدقات للفقراء والمساكين
49

وأجمعوا أن السائل الطواف المحتاج مسكين وفي هذا كله ما يدلك على ما وصفنا وبالله توفيقنا واختلف العلماء وأهل اللغة في المسكين والفقير فقال منهم قائلون الفقير أحسن حالا من المسكين قالوا والفقير الذي له بعض ما يقيمه ويكفيه والمسكين الذي لا شيء له واحتجوا بقول الراعي
* أما الفقير الذي كانت حلوبته
* وفق العيال فلم يترك له سبد
* قالوا لا ترى أنه قد أخبر أن لهذا الفقير حلوبة وممن ذهب إلى هذا يعقوب بن السكيت وابن قتية وهو قول يونس بن حبيب وذهب إليه قوم من أهل الفقه والحديث وقال آخرون المسكين أحسن حالا من الفقير واحتج قائلوا هذه المقالة بقول الله عز وجل * (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) * 1 فأخبر أن للمسكين سفينة من سفن البحر وربما ساوت جملة من المال واحتجوا بقول الله عز وجل * (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل) *
50

* (أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا) * 1 قالوا فهذه الحال التي وصف الله بها الفقراء دون الحال التي أخبر بها عن المساكين قالوا ولا حجة في بيت الراعي لأنه إنما ذكر أن الفقير كانت له حلوبة في حال ما قالوا والفقير معناه في كلام العرب المفقور الذي نزعت فقرة من ظهره من شدة الفقر فلا حال أشد من هذه واستشهدوا بقول الشاعر
* لما رأى لبد النسور تطايرت
* رفع القوادم كالفقير الأعزل
* أي لم يطق الطيران فصار بمنزلة من انقطع صلبه ولصق بالأرض قالوا وهذا هو الشديد المسكنة واستدلوا بقول الله عز وجل * (أو مسكينا ذا متربة) * 2 يعني مسكينا قد لصق بالتراب من شدة الفقر وهذا يدل على أن ثم مسكينا ليس ذا متربة مثل الطواف وشبهه ممن له البلغة والسعي في الاكتساب بالسؤال والتحرف ونحو هذا وممن ذهب إلى أن المسكين أحسن حالا من الفقير الأصمعي وأبو جعفر أحمد بن عبيد وهو قول الكوفيين من الفقهاء أبي حنيفة وأصحابه ذكر ذلك عنهم الطحاوي وهو أحد قولي الشافعي وللشافعي رحمه الله قول آخر أن الفقير والمسكين سواء ولا فرق
51

بينهما في المعنى وإن افترقا في الاسم وإلى هذا ذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك في تأويل قول الله عز وجل * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * 1 وأما أكثر أصحاب الشافعي فعلى ما ذهب إليه الكوفيون في هذا الباب والله الموفق للصواب وقال أبو بكر بن الأنباري المسكين في كلام العرب الذي سكنه الفقر أي قلل حركته واشتقاقه من السكون يقال قد تمسكن الرجل وتسكن إذا صار مسكينا وتمدرع الرجل وتدرع إذا لبس المدرعة وفي هذا الحديث دليل على أن الصدقة على أهل الستر والتعفف أفضل منها على السائلين الطوافين حدثنا عبد الرحمان بن يحيى حدثنا علي بن محمد حدثنا أحمد بن أبي سليمان حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني أشهل بن حاتم عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال قال عمر ليس الفقير الذي لا مال له ولكن (2) الفقير الأخلق الكسب (3)
52

حديث تاسع لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن (1) يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء (2) قال أبو عمر معي مقصور مثل غني وسني ومني وهذا الحديث خرج على غير مقصوده بالحديث والإشارة فيه إلى كافر بعينه لا إلى جنس الكافر ولا سبيل إلى حمله على العموم لأن المشاهدة تدفعه وتكذبه وقد جل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ألا ترى أنه قد يوجد كافر أقل أكلا من مؤمن ويسلم الكافر فلا ينتقص أكله ولا يزيد وفي حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن هذا الحديث في رجل بعينه ولذلك جعله مالك في موطئه بعده مفسرا
53

له وقد قيل فيه غير هذا مما قد ذكرته في حديث سهيل وسيأتي حديث سهيل في بابه من كتابنا هذا إن شاء الله ويروى أن الرجل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة هو جهجاه بن سعيد الغفاري وقد ذكرناه وذكرنا خبره في كتاب الصحابة (1) حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن الحباب قال حدثنا موسى بن عبيدة قال حدثنا عبيد الله بن سلمان الأغر عن عطاء بن يسار عن جهجاه الغفاري أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فلما سلم قال ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه قال فلم يبق في المسجد غير
رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيري وكنت رجلا عظيما طوالا لا يقدم علي أحد فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فحلب لي عنزا فأتيت عليها حتى حلب لي سبعة أعنز فأتيت عليها وذكر الحديث وفيه فلما أسلمت دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فحلب لي عنزا
54

فرويت وشبعت فقالت أم أيمن يا رسول الله أليس هذا ضيفنا فقال بلى ولكنه أكل في معي مؤمن الليلة وأكل قبل ذلك في معي كافر والكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحدة قال أبو عمر وهذا أيضا لفظ عموم والمراد به الخصوص فكأنه قال هذا إذ كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء فلما آمن عوفي وبورك له في نفسه فكفاه جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه إذ كان كافرا خصوصا له والله أعلم فكان قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الكافر يأكل في سبعة أمعاء إشارة إليه كأنه قال هذا الكافر وكذلك المؤمن يأكل في معي واحد يعني هذا المؤمن والله أعلم وقد قال الله عز وجل * (الذين قال لهم الناس) * وهو يريد رجلا فيما (1) قال أهل العلم بتأويل القرآن وقيل رجلان * (إن الناس قد جمعوا لكم) * 2 يعني قريشا فجاء بلفظ عموم ومعناه الخصوص ومثله * (تدمر كل شيء) * 3 * (ما تذر) *
55

* (من شيء) * 1 كل هذا عموم يراد به الخصوص ومثل هذا كثير في القرآن ولسان العرب وفي هذا الحديث دليل على ذم الأكول الذي لا يشبع وأنها خلة مذمومة وصفة غير محموده وأن القلة (2) من الأكل أحمد وأفضل (3) وصاحبها عليها ممدوح وإن كان الأمر كله لله وبيده وخلقه وصنعه لا شريك له (والحمد لله رب العالمين) (4)
56

حديث عاشر لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما تناتج (1) الإبل من بهيمة جمعاء (2) هل تحس من جدعاء (3) قالوا يا رسول الله أرأيت الذي يموت وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين (4) قال أبو عمر روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه صحاح (كلها) (5) ثابتة من حديث أبي هريرة وغيره فممن (6) رواه عن أبي هريرة عبد الرحمان الأعرج وسعيد بن المسيب وأبو سلمة وحميد ابنا عبد الرحمان بن عوف وأبو صالح السمان وسعيد بن أبي سعيد ومحمد
57

ابن سيرين ورواه ابن شهاب فاختلف أصحابه عليه في إسناده فرواه معمر والزبيدي (1) عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة ورواه يونس وابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ورواه الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن ابن عبد الرحمان عن أبي هريرة وزعم (2) محمد بن يحيى الذهلي (النيسابوري) (3) أن هذه الطرق كلها صحاح عن ابن شهاب محفوظة قال أبو عمر ليس هذا الحديث عند مالك عن ابن شهاب في الموطأ وهو عنده عن أبي الزناد عن أبي هريرة وقد روى هذا الحديث عبد الله بن الفضل الهاشمي شيخ مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كالبهيمة تنتج (4) البهيمة هل تحسون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها إلى ههنا انتهى حديثه ولم يذكر ما (5) في حديث مالك قوله أرأيت من
58

يموت وهو صغير إلى آخر الحديث وزاد فيه ويمجسانه وهكذا رواية ابن شهاب لهذا الحديث ليس فيها قوله أرأيت من يموت وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين عند (1) ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة (2) عن النبي عليه السلام أنه سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين وسنذكر حديث ابن شهاب هذا عن عطاء بن يزيد في باب مفرد من هذا الكتاب إن شاء الله أما قوله في حديث مالك وغيره كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه الحديث فإن أهل العلم من أصحابنا وغيرهم اختلفوا في معنى قوله كل مولود فقالت طائفة ليس في قوله كل مولود ما يقتضي العموم قالوا والمعنى في ذلك أن كل من ولد على الفطرة وكان له أبوان على غير الإسلام هوداه أو نصراه أو مجساه قالوا وليس المعنى أن جميع المولودين من بني آدم أجمعين يولدون على الفطرة بل المعنى أن المولود على الفطرة من الأبوين الكافرين يكفرانه وكذلك من لم يولد على الفطرة
59

وكان أبواه مؤمنين حكم له بحكمهما في صغره إن كانا يهوديين فهو يهودي يرثهما ويرثانه وكذلك لو كانا نصرانيين أو مجوسيين حتى يعبر عنه لسانه ويبلغ الحنث فيكون له حكم نفسه حينئذ لا حكم أبويه واحتج قائلوا هذه المقالة بحديث أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الغلام الذي قتله الخضر طبعه الله يوم طبعه كافرا وبقوله عليه السلام ألا إن بني آدم خلقوا طبقات فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا وهذا الحديث حدثناه خلف بن القاسم قراءة مني عليه أن أحمد بن محمد بن أبي الموت المكي حدثهم قال حدثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بنهار ثم قام وخطبنا إلى مغرب
60

الشمس فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبر به حفظه من حفظه ونسبه من نسيه وكان فيما حفظنا أن قال ألا إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء وكان فيما حفظنا أن قال الا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول الحق إذا علمه فبكى أبو سعيد وقال قد والله رأينا فهبنا وكان فيما حفظنا أن قال ألا أن لكل غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته ولا غدر أعظم من غدر إمام عامة وكان فيما حفظنا أن قال ألا إن بني آدم خلقوا طبقات شتى منهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا ومنهم حسن القضاء حسن الطلب وذكر تمام الحديث قالوا ففي هذا الحديث ومع الحديث في غلام الخضر ما يدل على أن قوله كل مولود ليس على العموم وأن المعنى فيه أن كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهوديان أو نصرانيان فإنهما يهودانه أو ينصرانه اي يحكم له بحكمهما ثم يصير عند بلوغه إلى ما يحكم به عليه قالوا وألفاظ الحفاظ على نحو حديث مالك
61

هذا ودفعوا رواية من روى كل بني آدم يولد على الفطرة قالوا ولو صح هذا اللفظ ما كان فيه أيضا حجة لما ذكرنا لأن الخصوص جائز دخوله على هذا اللفظ في لسان العرب ألا ترى إلى قول الله عز وجل * (تدمر كل شيء) * 1 ولم تدمر السماوات والأرض وقوله * (فتحنا عليهم أبواب كل شيء) * 2 ولم يفتح عليهم أبواب الرحمة ومثل هذا كثير وذكروا (3) من ألفاظ الأحاديث في ذلك رواية الأوزاعي عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه قال الأوزاعي وذلك بقضاء وقدر وهكذا لفظ حديث معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون من جدعاء ثم يقول أبو هريرة
62

اقرءوا إن شئتم * (فطرة الله التي فطر الناس عليها) * 1 ذكره عبد الرزاق هكذا ولم يختلف في هذا اللفظ عن معمر فيما علمت أعني قوله كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه الحديث وكذلك رواه ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه الحديث كلفظ حديث معمر سواء إلا قول أبي هريرة وكذلك حديث سمرة بن جندب حديث الرؤيا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه هذا لفظه وروى أبو رجاء العطاردي عن سمرة نب جندب الحديث الطويل حديث الرؤيا وفيه عن النبي عليه السلام وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة وقال آخرون المعنى في ذلك كل مولود من بني آدم فهو يولد على الفطرة أبدا وأبواه يحكم له بحكمهما وإن كان قد ولد على الفطرة حتى يكون ممن يعبر عنه لسانه
63

والدليل على أن المعنى كما وصفنا رواية من روى كل بني آدم يولد على الفطرة وما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة وحق الكلام أن يحمل على عمومه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب قال حدثنا أبو صالح حدثني الليث حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمان بن هرمز أنه قال قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بني آدم يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما تنتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء قال أفرأيت من يموت صغيرا يا رسول الله قال الله أعلم بما كانوا عاملين وكذلك وراه خالد الواسطي عن عبد الرحمان بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بني آدم يولد على الفطرة (1) ثم ذكره سواء روى ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال
64

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على فطرة ثم قرأ فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث (1) قال حدثني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم قال أبو هريرة اقرءوا * (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) * وكذلك حديث سمرة بن جندب عن النبي عليه السلام حديث الرؤيا (2) فيه والشيخ (3) الذي في أصل الشجرة إبراهيم والولدان حوله أولاد الناس قالوا فهذه الأحاديث تدل ألفاظها على أن المعنى في حديث مالك وما كان مثله ليس كما تأوله المخالف أنه يقتضي أن الأبوين
65

لا يهودان ولا ينصران إلا من ولد على الفطرة من أولادهما بل الجميع يولدون على الفطرة قال أبو عمر الفطرة المذكورة في هذا الحديث اختلف العلماء فيها واضطربوا في معناها وذهبوا في ذلك مذاهب متباينة ونزعت كل فرقة منهم في ذلك (1) بظاهر آية ونص سنة وسنبين ذلك كله ونوضحه ونذكر ما جاء فيه من الآثار واختلاف الأقوال والاعتلال عن السلف والخلف بعون الله إن شاء الله وقد سأل أبو عبيد محمد بن الحسن الفقيه صاحب أبي حنيفة عن معنى هذا الحديث فما أجابه فيه بأكثر ن أن قال كان هذا القول من النبي عليه السلام قبل أن يؤمر الناس بالجهاد قال وقال ابن المبارك يفسره (2) آخر الحديث الله أعلم بما كانوا عاملين هذا ما ذكره أبو عبيد في تفسير قوله كل مولود يولد على الفطرة عن محمد بن الحسن وابن المبارك لم يزد على تلك عنهما ولا عن غيرهما
66

فأما ما ذكره عن ابن المبارك فقد روي عن مالك نحو ذلك وليس فيه مقنح من التأويل ولا شرح موعب في أمر الأطفال ولكنها جملة تؤدي إلى الوقوف (1) عن القطع فيهم بكفر أو إيمان أو جنة أو نار ما لم يبلغوا وأما ما ذكره عن محمد بن الحسن فأظن محمد بن الحسن حاد عن الجواب فيه إما لإشكاله عليه أو لجهله به أو لكراهية الخوض في (2) ذلك وأما قوله فيه إن ذلك القول كان من النبي عليه السلام قبل أن يؤمر الناس بالجهاد فليس كما قال لأن في حديث الأسود بن سريع ما يبين أن ذلك كان (3) بعد الأمر بالجهاد حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحمان (4) بن سليمان عن إسماعيل بن مسلم
67

عن الحسن عن الأسود بن سريع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال قوم بالغوا في القتل حتى قتلوا الولدان فقال رجل أوليس إنما هم أولاد المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوليس خياركم أولاد المشركين إنه ليس من مولود إلا وهو يولد على الفطرة فيعبر عنه لسانه ويهوده أبواه أو ينصرانه وروى هذا الحديث عن الحسن جماعة منهم بكر المزني والعلاء بن زياد والسري بن يحيى وقد روي عن الأحنف عن الأسود بن سريع وهو حديث بصري صحيح وروى عوف الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل مولود يولد على الفطرة فناداه الناس يا رسول الله وأولاد المشركين قال وأولاد المشركين قال أبو عمر أما اختلاف العلماء في الفطرة المذكورة في هذا الحديث فقالت جماعة من أهل الفقه والنظر أريد بالفطرة المذكورة في هذا الحديث الخلقة التي خلق عليها المولد في المعرفة بربه فكأنه قال كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه إذا بلغ مبلغ المعرفة يريد خلقة مخالفة
68

لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفة ذلك واحتجوا على أن الفطرة الخلقة والفاطر الخالق بقول الله عز وجل * (الحمد لله فاطر السماوات والأرض) * 1 يعني
خالقهن وبقوله (2) * (وما لي لا أعبد الذي فطرني) * 3 يعني خلقني وبقوله * (الذي فطرهن) * 4 يعني خلقهن قالوا فالفطرة الخلقة والفاطر الخالق وأنكروا أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار قالوا وإنما يولد المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعا وبنية ليس معها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة ثم يعتقدون الكفر أو الإيمان (5) بعد البلوغ إذا ميزوا واحتجوا بقوله في الحديث كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء يعني سالمة هل تحسون فيها من جدعاء يعني مقطوعة الأذن فمثل (6) قلوب بني آدم بالبهائم لأنها تولد كاملة الخلق ليس فيها نقصان ثم تقطع آذانها بعد وأنوفها فيقال هذه بحائر وهذه
69

سوائب يقول (1) فكذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس لهم كفر حينئذ ولا إيمان ولا معرفة ولا إنكار كالبهائم السالمة فلما بلغوا استهوتهم الشياطين فكفر أكثرهم وعصم الله أقلهم قالوا ولو كان الأطفال قد فطروا على شيء على الكفر أو الإيمان (2) في أولية أمرهم ما انتقلوا عنه أبدا وقد نجدهم يؤمنون ثم يكفرون (3) قالوا ويستحيل في المعقول أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل كفرا أو إيمانا لأن الله أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئا قال الله عز وجل * (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا) * 4 فمن لا يعلم شيئا استحال منه كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار قال أبو عمر هذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة التي يولد الناس عليها والله أعلم وذلك أن الفطرة السلامة والاستقامة بدليل حديث عياض بن حمار عن النبي عليه السلام حاكيا عن ربه عز وجل إني خلقت عبادي حنفاء
70

يعني على استقامة وسلامة والحنيف في كلام العرب المستقيم السالم وإنما قيل للأعرج أحنف على جهة الفأل كما قيل للقفر مفازة فكأنه والله أعلم أراد الذين خلصوا من الآفات كلها والزيادات ومن المعاصي والطاعات (1) فلا طاعة منهم ولا معصية إذا لم يعملوا (2) بواحدة منهما ألا ترى إلى قول موسى في الغلام الذي قتله الخضر * (أقتلت نفسا زكية) * 3 لما كان عنده ممن لم يبلغ العمل فيكسب الذنوب (4) ومن الحجة أيضا في هذا قول الله عز وجل * (إنما تجزون ما كنتم تعملون) * 5 * (كل نفس بما كسبت رهينة) * 6 ومن لم يبلغ وقت العمل لم يرتهن بشيء وقال الله عز وجل * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * 7 ولما أجمعوا على دفع القود والقصاص والحدود والآثام عنهم في دار الدنيا كانت الآخرة أولى بذلك والله أعلم
71

وأما (1) قوله صلى الله عليه وسلم كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء فالبهيمة الجمعاء المجتمعة الخلق التامة غير الناقصة الصحيحة غير السقيمة ليس فيها قطع أذن ولا شقها ولا نقص شيء منها (2) يقول فهل ترى فيها جدعاء يقول هل تحس من جدع أو نقصان حين تنتج لتمام يقول ثم الجدع والآفات تدخلها بعد ذلك فكذلك المولود يولد سالما ثم يحدث فيه بعد (3) الكفر والإيمان وقال آخرون الفطرة ههنا الإسلام قالوا وهو المعروف عند عامة السلف من أهل العلم بالتأويل قد أجمعوا في قول الله عز وجل * (فطرة الله التي فطر الناس) * عليها على أن قالوا فطرة الله دين الله الإسلام واحتجوا بقول أبي هريرة في هذا الحديث اقرءوا إن شئتم * (فطرة الله التي فطر الناس عليها) * وذكروا عن عكرمة ومجاهد والحسن وإبراهيم والضحاك وقتادة في قول الله عز وجل * (فطرة الله التي فطر الناس عليها) * قالوا دين الله الإسلام لا تبديل لخلق الله قالوا لدين الله
72

واحتجوا بحديث محمد بن إسحاق عن ثور بن يزيد عن يحيى بن جابر عن عبد الرحمان بن عائذ الأزدي عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس يوما ألا أحدثكم بما حدثني الله في الكتاب أن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين الحديث بطوله وكذلك روى بكر بن مهاجر عن ثور بن يزيد بإسناده في هذا الحديث حنفاء مسلمين حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن ثور بن يزيد عن يحيى بن جابر عن عبد الرحمان بن عائذ الأزدي وكان عبد الرحمان من حملة العلم يطلبه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب أصحابه إنه حدثه عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس يوما ألا أحدثكم بما حدثني الله في الكتاب أن الله خلق آدم وبنيه حنفاء مسلمين وأعطاهم المال حلالا لا حرام فيه فجعلوا مما أعطاهم الله حلالا وحراما وذكر الحديث بتمامه
73

ولم يسمع قتادة من مطرف لأن همام بن يحيى روى عن قتادة قال لم أسمعه من مطرف ولكن حدثني ثلاثة عقبة بن عبد الغافر ويزيد بن عبد الله بن الشخير والعلاء بن زياد كلهم يقول حدثني مطرف بن الشخير عن عياض بن حمار عن النبي عليه السلام بهذا الحديث قال فيه (1) وأني خلقت عبادي حنفاء كلهم لم (2) يقل مسلمين وكذلك رواه عوف الأعرابي عن حكيم الأثرم عن الحسن عن مطرف أن عياض بن حمار حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر هذا الحديث وقال فيه إني خلقت عبادي حنفاء كلهم فأتتهم الشياطين فاجتالتهم (3) عن دينهم ولم يقل مسلمين وإنما قال حنفاء فقط وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عمن لا يتهم عنده عن قتادة عن مطرف عن عياض بن حمار عن النبي عليه السلام فقال فيه ألا وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم
74

وساق الحديث فدل هذا على حفظ محمد بن إسحاق وإتقانه وضبطه لأنه ذكر مسلمين في روايته عن ثور بن يزيد لهذا الحديث وأسقطه من رواية قتادة وكذلك رواه شعبة وهشام ومعمر عن قتادة عن مطرف عن عياض عن النبي عليه السلام لم يقولوا فيه عن قتادة مسلمين فليس في حديث قتادة ذكر مسلمين وهو في حديث ثور بن يزيد بإسناده وقد اختلف العلماء في قوله عز وجل * (حنفاء) * 1 فروي عن الضحاك والسدي في قوله * (حنفاء) * قالا حجاجا وروي عن الحسن قال الحنفية حج البيت وعن مجاهد * (حنفاء) * قال (مسلمين) (2) متبيعن وهذا كله يدل على أن الحنفية الإسلام ويشهد لذلك قول الله عز وجل * (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما) * 3 وقال * (هو سماكم المسلمين) * 4 فلا وجه لإنكار من أنكر رواية من روى حنفاء مسلمين قال الشاعر وهو الراعي
* أخليفة الرحمان إنا معشر
* حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
* عرب نرى لله في أموالنا
* حق الزكاة منزلا تنزيلا
*
75

فهذا قد وصف الحنفية بالإسلام وهو أمر واضح لا خفاء به وقيل الحنيف من كان على دين إبراهيم ثم سمى
من كان يختتن ويحج البيت في الجاهلية حنيفا والحنيف اليوم المسلم ويقال إنما سمى إبراهيم حنيفا لأنه كان حنف (1) عما كان يعبد أبوه وقومه من الآلهة إلى عبادة الله أي عدل عن ذلك ومال وأصل الحنف ميل من (2) إبهامي القدمين كل واحدة منهما على صاحبها ومما احتج من ذهب إلى أن الفطرة الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم خمس من الفطرة فذكر منهن قص الشارب والاختتان وهي (3) من سنن الإسلام وممن ذهب إلى أن الفطرة في معنى هذا الحديث الإسلام أبو هريرة وابن شهاب حدثني محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد بن حبيب قال حدثنا الأوزاعي قال سألت الزهري (4) عن رجل عليه رقبة مؤمنة أيجزئ عنه الصبي أن يعتقه وهو رضيع
76

قال نعم لأنه ولد على الفطرة يعني الإسلام وعلى هذا القول يكون معنى قوله في الحديث من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء يقول خلق الطفل سليما من الكفر مؤمنا مسلما على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم * (ألست بربكم قالوا بلى) * 1 قال أبو عمر يستحيل أن تكون الفطرة المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة الإسلام لأن الإسلام والإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وهذا معدوم من الطفل لا يجهل بذلك ذو عقل والفطرة لها معان ووجوه في كلام العرب وإنما أجزأ الطفل المرضع عند من أجاز عتقه في الرقاب الواجبة لأن حكمه حكم أبويه وخالفهم آخرون فقالوا لا يجزئ في الرقاب الواجبة إلا من صام وصلى (2) وقد مضى في هذا الباب من هذا المعنى ما يكفي والحمد لله
77

وقال آخرون معنى قوله عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة يعني على البدأة التي ابتدأهم عليها أي على ما فطر الله عليه خلقه من أنهم ابتدأهم للحياة والموت والشقاء والسعادة وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ من ميولهم (1) عن آبائهم واعتقادهم وذلك ما فطرهم الله (2) عليه مما لا بد من مصيرهم إليه قالوا والفطرة في كلام العرب البدأة والفاطر المبدئ والمبتدئ فكأنه قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على ما ابتدأه الله عليه من الشقاء والسعادة مما يصير إليه واحتجوا بما حدثناه (3) عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عباس قال لم أكن أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر قال أحدهما أنا فطرتها أي
78

ابتدأتها قالوا فالفطرة البدأة واحتجوا بقول الله عز وجل * (كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) * 1 وذكروا ما يروى (2) عن علي بن أبي طالب في بعض دعائه اللهم جبار القلوب على فطرتها وشقيها وسعيدها قال أبو عبد الله بن نصر المروزي وهذا المذهب شبيه بما حكاه أبو عبيد عن عبد الله بن المبارك أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فقال يفسره (3) الحديث الآخر حين سئل عن أطفال المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين قال المروزي ولقد كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا القول ثم تركه قال أبو عمر ما رسمه مالك في الموطأ وذكره في أبواب القدر (4) فيه من الآثار ما (5) يدل على أن مذهبه في ذلك نحو هذا والله أعلم
79

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا موسى بن عبيدة قال سمعت محمد بن كعب القرظي في قوله عز وجل * (كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) * قال من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيره إلى الضلالة وإن عمل بأعمال الهدى ومن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيره الله إلى الهدى وإن عمل بأعمال الضلالة ابتدأ خلق إبليس على الضلالة وعمل بعمل السعادة مع الملائكة ثم رده الله إلى ما ابتدأ (1) عليه خلقه من الضلالة قال وكان من الكافرين وابتدأ خلق السحرة على الهدى وعملوا بعمل الضلالة ثم هداهم الله إلى الهدى والسعادة وتوفاهم عليها مسلمين وبهذا الإسناد عن محمد بن كعب في قوله * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * يقول فأقروا له بالإيمان والمعرفة الأرواح قبل أن تخلق (2) أجسادها
80

أخبرنا سعيد بن نصر وأحمد بن محمد قالا حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا محمد بن عبد السلام (1) قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمان بن مهدي قال حدثنا محمد بن أبي وضاح عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير في قوله * (كما بدأكم تعودون) * قال كما كتب عليكم تكونوا وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد * (كما بدأكم تعودون) * 2 قال شقيا وسعيدا وقال ورقاء بن إياس عن مجاهد * (كما بدأكم تعودون) * قال يبعث المسلم مسلما والكافر كافرا وقال الربيع بن أنس عن أبي العالية * (كما بدأكم تعودون) * قال عادوا إلى علمه فيهم * (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) * واحتج من ذهب هذا المذهب في تأويل الفطرة المذكورة في الحديث المذكور في هذا الباب بما ذكره أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا حكم بن سلم عن عنبسة (3 عن عمارة بن عمير عن أبي محمد رجل من أهل المدينة قال سألت عمر بن
81

الخطاب عن قوله عز وجل * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * الآية فقال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه ثم أجلسه ومسح ظهره فأخرج منه ذرءا (1) قال ذرء (1) ذرأتهم للجنة يعملون بما شئت من عمل ثم أختم له بأحسن أعمالهم فأدخلهم (2) الجنة ثم مسح ظهره فأخرج ذرءا فقال ذرء ذرأتهم للنار يعملون بما شئت من عمل ثم أختم لهم بسوء (3) أعمالهم فأدخلهم النار وذكر حديث مالك عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمان عن مسلم بن يسار أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية فذكر الحديث مرفوعا بمعنى ما تقدم على حسبما في الموطأ (4) قال أبو عمر ليس في قوله * (كما بدأكم تعودون) * ولا في لن يختم الله للعبد بما قضاه له وقدره عليه حين أخرج ذرية آدم من ظهر دليل على أن الطفل يولد حين يولد مؤمنا أو
كافرا لما شهدت به العقول أنه في ذلك الوقت ليس ممن يعقل إيمانا ولا كفرا
82

والحديث الذي جاء فيه أن الناس خلقوا طبقات فمنهم من يولد مؤمنا ومنهم من يولد كافرا على حسبما تقدم ذكره في هذا الكتاب (1) ليس من الأحاديث التي لا مطعن فيها لأنه انفرد به علي بن زيد بن جدعان وقد كان شعبة يتكلم فيه على أنه يحتمل قوله يولد مؤمنا يولد ليكون مؤمنا ويولد ليكون كافرا على سابق علم الله (2) فيه وليس في قوله في الحديث خلقت هؤلاء للجنة وخلقت هؤلاء للنار أكثر من مراعاة ما يختم به لهم لا أنهم في حين طفولتهم (3) ممن يستحق جنة أو نارا أو يعقل كفرا أو إيمانا وقد أوضحنا الحجة في هذا لمن ألهم رشده فيما تقدم والحمد لله وفي اختلاف السف واختلاف ما روي من الآثار في الأطفال ما يبين لك ما قلنا إن شاء الله وقال آخرون معنى قوله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة أن الله قد فطرهم على الإنكار والمعرفة وعلى الكفر والإيمان فأخذ من ذرية آدم الميثاق حين خلقهم فقال ألست بربكم قالوا جميعا بلى فأما أهل السعادة
83

فقالوا بلى على معرفة له طوعا من قلوبهم وأما أهل الشقاء فقالوا بلى كرها لا طوعا قالوا وتصديق ذلك قوله * (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها) * 1 قالوا وكذلك قوله * (كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) * قال المروزي وسمعت إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه يذهب إلى هذا المعنى واحتج بقول أبي هريرة اقرءوا إن شئتم * (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) * قال إسحاق يقول لا تبديل لخلقته التي جبل عليها ولد آدم كلهم يعني من الكفر والإيمان والمعرفة والإنكار واحتج إسحاق أيضا بقول الله عز وجل * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * الآية قال إسحاق أجمع أهل العلم أنها الأرواح قبل الأجساد استنطقهم وأشهدهم على أنفسهم * (ألست بربكم قالوا بلى) * فقال انظروا ألا * (تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم) * 2
84

قال أبو عمر من أحسن ما روي في تأويل قوله عز وجل * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * الآية ما حدثناه محمد بن عبد الملك قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال حدثنا عمرو بن حماد قال حدثنا أسباط (1) بن نصر الهمداني عن السري عن أصحابه قال عمرو أصحابه أبو مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * قالوا لما أخرج الله آدم من الجنة قبل أن يهبطه (2) من السماء مسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج منها ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر فقال لهم ادخلوا الجنة برحمتي ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منها ذرية سوداء كهيئة الذر فقال ادخلوا النار ولا أبالي فذلك قوله أصحاب اليمين والشمال ثم أخذ منهم الميثاق فقال ألست بربكم قالوا بلى فأعطاه طائفة طائعين
85

وطائفة كارهين على وجه التقية فقال هو والملائكة * (شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل) * قالوا فليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف الله أنه ربه وذلك قوله عز وجل * (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها) * وذلك قوله * (فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين) * 1 يعني يوم أخذ الميثاق واحتج إسحاق أيضا بحديث أبي بن كعب في قصة الغلام الذي قتله الخضر قال أخبرنا مسلم بن قتيبة قال حدثنا عبد الجبار بن عباس الهمداني عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الغلام الذي قتله الخضر طبعه الله يوم طبعه كافرا قال إسحاق وكان الظاهر ما قال موسى * (أقتلت نفسا زكية) * 2 فأعلم الله الخضر ما كان الغلام عليه في الفطرة التي فطره عليها لأنه كان قد طبع يوم طبع كافرا قال إسحاق وأخبرنا سفيان عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يقرأ (وأما الغلام فكان كافرا)
86

* (فكان أبواه مؤمنين) * قال إسحاق فلو ترك النبي عليه السلام الناس ولم يبين لهم حكم الأطفال لم يعرفوا المؤمنين منهم من الكافرين لأنهم لا يدرون ما جبل كل واحد منهم عليه حين أخرج من ظهر آدم فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم حكم الطفل في الدنيا فقال أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه يقول أنتم لا تعرفون ما طبع عليه في الفطرة الأولى ولكن حكم الطفل في الدنيا حكم أبويه فاعرفوا ذلك بالأبوين (1) فمن كان صغيرا بين أبوين كافرين (2) ألحق بحكمهما ومن كان صغيرا بين أبوين مسلمين ألقح بحكمهما (3) وأما إيمان ذلك وكفره مما يصير إليه فعلم ذلك إلى الله ويعلم ذلك فضل الخضر موسى إذ أطلعه الله عليه في ذلك الغلام وخصه بذلك العلم قال أبو عمر ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من أمته حكم الأطفال الذين يموتون صغارا بيانا يقطع حجة (4) العذر بل اختلفت الآثار عنه في ذلك بما سنورده بعد هذا إن شاء الله
87

واحتج إسحاق أيضا بحديث عائشة حين مات صبي من الأنصار بين أبوين مسلمين فقالت عائشة طوبى له عصفور من عصافير الجنة فرد عليها النبي عليه السلام فقال مه يا عائشة وما يدريك إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلها وخلق النار وخلق لها أهلها قال إسحاق فهذا الأصل الذي يعتمد عليه أهل العلم قال أبو عمر أما قول إسحاق ومن قال بقوله في تأويل الحديث في الفطرة التي يولد عليها بنو آدم إنها المعرفة والإنكار والكفر والإيمان فإنه لا يخلو من أن يكونوا أرادوا بقولهم ذلك أن الله خلق الأطفال وأخرجهم من بطون أمهاتهم ليعرف منهم العارف ويعترف فيؤمن ولينكر منهم المنكر ما يعرف فيكفر وذلك كله قد سبق به لهم قضاء الله وتقدم فيه (1) علمه ثم يصيرون إليه في حين تصح منهم المعرفة والإيمان والكفر والجحود وذلك عند التمييز والإدراك فذلك ما قلنا أو يكونوا أرادوا بقولهم ذلك أن الطفل يولد عارفا مقرا مؤمنا أو عارفا جاحدا منكرا كافرا في حين ولادته فهذا ما يكذبه العيان والعقل ولا علم أصح من ذلك لأنها شواهد الأصول
88

ودلائل العقول وليس في قوله عز وجل * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * الآية دليل يشهد لهم بما ادعوه من ذلك ولا فيه رد لما قلنا (1) وإنما فيه أن الخلق يحشرون (2) ويصيرون إلى ما سبق لهم في علمه وهذا ما لا يختلف أهل الحق فيه ومعنى الآية والحديث أنه أخرج ذرية آدم من ظهره كيف شاء ذلك
وألهمهم أنه ربهم فقالوا بلى لئلا يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ثم تابعهم بحجة العقل عند التمييز وبالرسل بعد ذلك استظهارا بما في عقولهم من المنازعة إلى خالق مدبر حكيم يدبرهم بما لا يتهيأ لهم ولا يمكنهم جحده وهذا إجماع أهل السنة والحمد لله (3) وإنما اختلفوا فيمن مات وهو طفل لم يدرك من أولاد المؤمنين والكافرين على ما نوضح بعد الفراغ من القول في الفطرة التي يولد المولود عليها واختلاف أهل العلم في معناها إن شاء الله وأما الغلام الذي قتله الخضر فأبواه مؤمنان لا شك في ذلك فإن كان طفلا ولم يكن كما قال بعض أهل العلم رجلا قاطعا للسبيل فمعلوم أن شريعتنا وردت بأن (4) كل
89

أبوين مؤمنين لا يحكم لطفلهما الصغير بحال الكفر ولا يحل قتله بإجماع وكفى بهذا حجة في تخصيص غلام الخضر وقد أجمع المسلمون من أهل السنة وغيرهم إلا المجبرة أن أولاد المؤمنين في الجنة فكيف يجوز الاحتجاج بقصة الغلام الذي قتله الخضر اليوم في هذا الباب وأما حديث عائشة الذي احتج به إسحاق فإنه حديث ضعيف انفرد به طلحة بن يحيى فأنكروه عليه وضعفوه من أجله وقد بينت ذلك في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وقول إسحاق في هذا الباب لا يرضاه الحذاق الفقهة (1) من أهل السنة وإنما هو قول المجبرة وفيما مضى كفاية والحمد لله وقال آخرون معنى الفطرة المذكورة في المولودين ما أخذ الله من ذرية آدم (2) من الميثاق قبل أن يخرجوا إلى الدنيا يوم استخرج ذرية آدم من ظهره فخاطبهم ألست بربكم قالوا بلى فأقروا جميعا له (3) بالربوبية عن معرفة منهم به ثم أخرجهم من أصلاب آبائهم مخلوقين مطبوعين على تلك المعرفة وذلك الإقرار قالوا وليست تلك المعرفة بإيمان ولا
90

ذلك الإقرار بإيمان ولكنه إقرار من الطبيعة للرب فطرة ألزمها قلوبهم ثم أرسل إليهم الرسل فدعوهم إلى الاعتراف له بالربوبية والخضوع تصديقا بما جاءت به الرسل فمنهم من أنكر وجحد بعد المعرفة وهو به عارف لأنه لم يكن الله ليدعو خلقه إلى الإيمان به وهو لم يعرفهم نفسه إذ (1) كان يكون حينئذ قد كلفهم الإيمان بما لا يعرفون قالوا وتصديق ذلك قوله عز وجل * (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله) * 2 وذكروا ما ذكره السدي عن أصحابه وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود على حسبما ذكرناه قبل هذا في قول الله عز وجل * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * الآية وذكروا أيضا ما حدثناه إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس (3) عن أبي العالية عن أبي بن كعب في قول الله عز وجل * (وإذ أخذ ربك) *
91

* (من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * إلى قوله * (أفتهلكنا بما فعل المبطلون) * قال جمعهم جميعا فجعلهم أرواحا ثم صورهم ثم استنطقهم فقال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا (1) يوم القيامة لم نعلم هذا قالوا نشهد أنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك قال فإني أرسل إليكم رسلي وأنزل عليكم كتبي فلا تكذبوا رسلي وصدقوا بوعدي وإني سأنتقم ممن أشرك بي ولم يؤمن بي قال فأخذ عهدهم وميثاقهم ورفع أباهم آدم فنظر إليهم فرأى منهم (2) الغني والفقير وحسن الصورة وغير ذلك فقال يا رب لو سويت بين عبادك قال أحببت أن أشكر قال والأنبياء يومئذ بينهم مثل السرج قال وخصوا بميثاق آخر للرسالة (3) أن يبلغوها قال فهو قوله * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) * 4 قال وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها وذلك (5) قوله * (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) * 6 وذلك قوله * (فما كانوا) *
92

* (ليؤمنوا بما كذبوا من قبل) * 2 قال فكان في علم الله من يكذب به ومن يصدق قال وكان روح عيسى عليه السلام من تلك الأرواح التي أخذ عهدها وميثاقها في زمن آدم وذكر تمام الحديث وسئل حماد بن سلمة عن قول النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فقال هذا عندنا حيث أخذ العهد عليهم في أصلاب آبائهم قال أبو عمر القول فيما تقدم قبل هذا يغني عن القول ههنا وقد قال هؤلاء ليست تلك المعرفة بإيمان ولا ذلك الإقرار بإيمان ولكنه إقرار من الطبيعة للرب فطرة ألزمها قلوبهم فكفونا بهذه المقالة أنفسهم وقال آخرون الفطرة ما يقلب الله قلوب الخلق إليه مما يريد ويشاء فقد (3) يكفر العبد ثم يؤمن فيموت مؤمنا وقد يؤمن ثم يكفر فيموت كافرا وقد يكفر ثم لا يزال على كفره حتى يموت عليه وقد يكون مؤمنا حتى يموت على الإيمان وذلك كله تقدير الله وفطرته لهم
93

واحتجوا من الأثر بحديث علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (1) ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت كافرا ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت (2) مؤمنا وقد مضى القول في إسناد هذا الحديث فيما تقدم من هذا الباب والفطرة عند هؤلاء ما قضاه الله وقدره لعباده من أول أحوالهم إلى آخرها كل ذلك عندهم فطرة وسواء كانت عندهم حالا واحدة لا تنتقل أو حالا بعد حال كقوله عز وجل * (لتركبن طبقا عن طبق) * 3 أي حالا بعد حال على ما سبق لهم في علم الله وهذا القول وإن كان صحيحا في الأصل فإنه أضعف الأقاويل من جهة اللغة في معنى الفطرة والله أعلم فهذا ما انتهى إلينا عن العلماء أهل الفقه والأثر وهم الجماعة في تأويل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة
94

وأما أهل البدع فمنكرون لكل ما قاله العلماء في تأويل قول الله عز وجل * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * الآية قالوا ما أخذ الله من آدم ولا من ذريته ميثاقا قط قبل خلقه إياهم وما خلقهم قط إلا في بطون أمهاتهم وما استخرج قط من ظهر آدم من ذرية تخاطب ولو كان ذلك لأحياهم ثلاث مرات والقرآن قد نطق على أهل النار بأنهم قالوا ما لم يرده عز وجل عليهم من قولهم * (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) * 1 وقال عز وجل تصديقا لذلك * (وكنتم أمواتا) * 2 يعني في حال عدم غير وجود فأحياكم يريد بخلقه إياكم * (ثم يميتكم ثم يحييكم) * فجعل الحياة مرتين والموت مرتين قالوا وكيف يخاطب الله من لا يعقل وكيف يجيب من لا عقل له (3) وكيف يحتج عليهم بميثاق لا يذكرونه وهم لا يؤاخذون بما نسوا ولا نجد أحدا يذكر أن ذلك عرض له أو كان منه قالوا وإنما أراد الله عز وجل بقوله * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * الآية إخراجه إياهم في الدنيا وخلقه لهم وإقامة الحجة عليهم بأن فطرهم وبناهم فطرة إذا بلغوا وعقلوا علموا أن الله ربهم
وخالقهم
95

وقال بعضهم أخرج الذرية قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر واشهدهم على أنفسهم بما جعل في عقولهم مما تنازعهم به أنفسهم إلى الإقرار بالربوبية حتى صاروا بمنزلة من قيل لهم * (ألست بربكم قالوا بلى) * وقال (1) بعضهم قال لهم ألست بربكم على لسان بعض أنبيائه وكلهم يقول إن (2) الحديث المأثور (3) ليس بتأويل للأمة ثم اختلف القائلون بهذا كله في المعرفة هل تقع ضرورة أو اكتسابا وليس هذا موضع ذكر ذلك والحمد لله وأما اختلاف العلماء في الأطفال فقالت طائفة أولاد الناس كلهم المؤمنين منهم والكافرين إذا ماتوا أطفالا صغارا لم يبلغوا (4) في مشيئة الله عز وجل يصيرهم إلى ما شاء من رحمة أو عذاب وذلك كله عدل منه وهو أعلم بما كانوا عاملين وقال آخرون وهم الأكثر أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار في المشيئة وقال آخرون حكم الأطفال كلهم كحكم آبائهم في الدنيا والآخرة هم مؤمنون بإيمان
96

آبائهم وكافرون بكفر آبائهم فأطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار في النار وقال آخرون أولاد المسلمين وأولاد الكفار إذا ماتوا صغارا جميعا في الجنة وقال آخرون أولاد المشركين خدم أهل الجنة وقال آخرون يمتحنون في الآخرة وروت كل طائفة فيما ذهبت إليه من ذلك آثارا وقفت عندها ودانت بها لصحتها لديها ونحن نذكر منها ما حضرنا ذكره بعون ربنا لا شريك له وبالله التوفيق
97

باب ذكر الأخبار التي احتج بها من أوجب الوقوف عن الشهادة لأطفال المسلمين وغيرهم بجنة أو نار وجعل جميعهم في مشيئة الجبار حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال أخبرنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمان بن هرمز الأعرج أنه قال قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بني آدم يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما تنتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء قيل أفرأيت من يموت وهو صغير يا رسول الله قال الله أعلم بما كانوا عاملين (هكذا قال كل بني آدم) (1) وهو (2) يقتضي كل مولود لمسلم وغير مسلم على ظاهره وعمومه وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال
98

حدثنا يحيى يعني القطان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأطفال فقال الله أعلم بما كانوا عاملين هكذا قال الأطفال لم يخص شيئا حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا مسدد (1) قال حدثنا حماد عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول يا رب نطفة يا رب علقة يا رب مضغة فإذا أراد أن يقضي خلقه قال أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فما الرزق وما الأجل فيكتب (2) وهو في بطن أمه (3) حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن سليمان المنقري قال حدثنا محمد بن كثير العبدي قال حدثنا سفيان الثوري
99

وشعبة وأبو عوانة قال المنقري وحدثنا عمرو بن مرزوق قال حدثنا شعبة وحدثنا أبو الربيع سليمان بن داود (1) الزهراني وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا جرير وأبو معاوية كلهم يقول حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن خلق ابن آدم يمكث في بطن أمه أربعين يوما ثم يصير علقة أربعين يوما ثم يصير مضغة أربعين يوما ثم يبعث الله إليه ملكا فيقول يا رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد ما الأجل وما الأثر فيوحي الله ويكتب الملك حتى إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع فيغلب عليه الكتاب الذي سبق فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو قيد ذراع فيغلب عليه الكتاب الذي سبق فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة وأخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي قال
100

حدثنا أبو معاوية (1) قال حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق أن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه (2) أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا يحيى بن أبي بكير قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا عبد الله بن عطاء أن عكرمة بن خالد (3) حدثه أن أبا الطفيل حدثه
101

أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول إن الشقي من شقي في بطن أمه وإن السعيد من وعظ بغيره قال فخرجت من عنده أتعجب مما سمعته (1) حتى دخلت على أبي سريحة حذيفة بن أسيد الغفاري فتعجبت عنده فقال مم تتعجب فقلت سمعت أخاك عبد الله بن مسعود يقول إن الشقي من شقي في بطن أمه وإن السعيد من وعظ بغيره فقال ومن أي ذلك تعجب فقلت أيشقى أحد بغير عمل فأهوى إلى أذنيه وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأذني هاتين إن النطفة تمكث في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك قال زهير حسبته (2) قال الذي وكل (3) بخلقها فيقول يا رب أذكر أم أنثى ثم يقول يا رب سوي أو غير سوي فيجعله الله سويا أو غير سوي ذكر أم (4) أنثى ثم يقول ما رزقه ما أجله ما خلقه ثم يجعله الله شقيا أو سعيدا (وحدثنا خلف بن القاسم حدثنا أبو أحمد عبد الله بن المفسر حدثنا علي بن غالب الشكشري حدثنا علي بن
102

المديني حدثنا سفيان بن عمر سمع أبا الطفيل يحدث عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو بخمس وأربعين ليلة فيقول أي رب ذكر أو أنثى فيقول الله تبارك وتعالى فيكتب قال ثم يكتب عمله ورزقه وأجله وأثره ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد على ما فيها ولا ينقص قال علي بن المديني وحدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا منصور بن حيان الأسدي قال حدثنا أبو الطفيل قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول الشقي من شقي في
بطن أمه قال ففزعت إلى حذيفة بن أسيد الغفاري فقلت إني سمعت عبد الله بن مسعود يقول الشقي من شقي في بطن أمه فقال وما أنكرت من ذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن المرأة إذا حملت فأتت على أربعين يوما نزل إليها ملك فإذا قضى الله عز وجل في خلق ما في بطنها ما قضى قال الملك يا رب أذكر أم أنثى فيقضي الله عز وجل إلى الملك ويكتب ثم يقول يا رب ما رزقه فيقض الله عز وجل إلى الملك ويكتب الملك ثم يقول يا رب أشقي أم سعيد فيقضي الله عز وجل
103

إلى الملك فيكتب الملك ثم تطوى الصحيفة فتكون مع الملك إلى يوم القيامة) (1) وقد روى هذا المعنى جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا طلحة بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن خالتها أم المؤمنين قالت أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الأنصار ليصلي عليه فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل بسوء ولم يدركه (2) ذنب فقال النبي عليه السلام أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلها وخلقهم في أصلاب آباهئم وخلق النار وخلق لها أهلها وخلقهم في أصلاب آبائهم وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا طلحة بن يحيى عن عمته يعني عائشة بنت طلحة
104

عن عائشة زوج النبي عليه السلام قالت فذكر مثل حديث ابن عيينة سواء ورواه عن طلحة بن يحيى جماعة بإسناده ومعناه وزعم قوم أن طلحة بن يحيى انفرد بهذا الحديث وليس كما زعموا وقد رواه فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة كما رواه طلحة بن يحيى سواء ذكره المروزي قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا جرير عن العلاء بن المسيب عن فضيل بن عمرو عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت توفي صبي فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق لها أهلا وخلق النار وخلق لها أهلا وحدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا أحمد بن محمد المكي قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا القعنبي قال حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن رقبة بن مصقلة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا
105

قال أبو عمر هذا الحديث يقولون إنه (1) انفرد برفعه رقبة بن مصقلة وإن أصحاب أبي إسحاق الثقات يوقفونه على أبي بن كعب ورقبة بن مصقلة (2) ثقة فصيح (3) عاقل كان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يثنيان عليه وقد تابعه عبد الجبار بن عباس على رفعه وعبد الجبار بن العباس (4) رجل كوفي روى عنه جماعة من جلة أهل الكوفة منهم الحسن بن صالح ووكيع وأبو نعيم وقال أحمد ويحيى ليس به بأس وقال أبو حاتم الرازي هو ثقة قيل له لا بأس به قال ثقة ذكر المروزي قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم يعين ابن راهويه قال أخبرنا مسلم بن قتيبة قال حدثنا عبد الجبار بن عباس الهمداني عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا وقد حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي
106

قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار قال أخبرني سعيد بن جبير قال كان ابن عباس يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا زياد بن أيوب قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا حجاج عن عطاء عن ابن عباس قال كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل الصبيان فكتب إليه ابن عباس أما الصبيان فإن كنت أنت الخضر تعلم المؤمن من الكافر فاقتلهم وروى قتادة عن عكرمة عن ابن عباس مثله وأخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الزهري ومحمد بن علي عن يزيد بن هرمز قال كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن قتل الولدان ويذكر في كتابه إن العالم صاحب موسى قد قتل المولود قال يزيد فأنا كتبت كتاب ابن عباس بيدي جوابه
107

إلى نجدة أما بعد فإنك كتبت إلي تسألني عن قتل الولدان وتذكر في كتابك أن العالم صاحب موسى قد قتل المولود فلو كنت تعلم من الولدان ما علم ذلك العالم لقتلت ولكنك لا تعلم وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم وروى الثوري (1) عن إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز عن ابن عباس مثله وفي هذا الخبر مع صحته عن ابن عباس رد قول من قال الغلام الذي قتله الخضر كان رجلا وكان قاطع طريق وهذا قول يروى عن عكرمة حكاه قتادة وغيره عنه وقال قتادة لعمري ما قتله إلا على كفر (2) قال قتادة وقال بعضهم كان يقطع الطريق قال قتادة (3) كان يقرأ في الحرف الأول (وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين) وقال غيره لم يقتله الخضر إلا وهو كافر كان قد كفر بعد إدراكه وبلوغه أو عمل (4) عملا استوجب عليه القتل فقتله واحتج بعض من ذهب هذا المذهب بحديث الزهري عن محمد بن عبد الله بن نوفل عن عبد المطلب بن ربيعة
108

قال اجتمعت أنا والفضل بن عباس ونحن غلامان شابان قد بلغنا في حديث ذكره في كراهية الصدقة لبني هاشم قال أبو عمر أما قوله في حديث الزهري ونحن غلامان شابان قد بلغنا فهو كلام خرج على القرب والمجاز وقد بان ذلك في قوله قد بلغنا وأما قول من قال إن الغلام كان رجلا قد كفر أو عمل ما استوجب عليه القتل فتخرص وظن لم يصح في أثر ولا جاء به خبر ولا يعرفه أهل العلم ولا أهل اللغة وقد سمى الله عز وجل الإنسان الذي قتله الخضر غلاما والغلام عند أهل اللغة هو الصبي الصغير يقع عليه عند بعضهم اسم غلام من حين يفطم إلى سبع سنين وعند بعضهم يسمى غلاما وهو رضيع إلى سبع سنين (1) ثم يصير يافعا ويفاعا إلى عشر سنين ثم يصير حزورا إلى خمس عشرة سنة واختلف في تسمية منازل سنه بعد ذلك إلى أن يصير هما فانيا كبيرا بما لا حاجة بنا ههنا إلى ذكره قال أبو عمر وعلى هذا جمهور أهل اللغة في الغلام أنه ما دام رضيعا فهو طفل وغلام إلى سبع سنين وأما اختلافهم
109

في الكهل والشيخ فقال بعضهم الكهل ابن (1) ثلاث وثلاثين سنة وقال بعضهم الكهل من أربعين (2) إلى خمسين والشيخ من (3) خمسين إلى ثمانين ثم يصير هما فانيا وقال جماعة من العلماء في (4) قوله عز وجل (نفسا زاكية) 5 قالوا لم (6) يذنب قط حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا الحسن بن أحمد قال حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا شعيب عن أبي العالية في قصة موسى والخضر عليهما السلام قال * (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله) * 7 قال غلام يلعب مع الغلمان فقتل عنقه فقتله ولم يره إلا موسى ولو رآه القوم لحالوا بينه وبينه قال (أقتلت نفسا زاكية أو زكية) قال لم تبلغ الخطايا
110

وقال ابن جريج أخبرني يعلى بن مسلم أنه سمع سعيد بن جبير يقول وجد الخضر غلمانا يلعبون فأخذ غلاما فأضجعه وذبحه بالسكين حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا سحنون وأبو الظاهر وحرملة بن يحيى قالوا حدثنا ابن وهب قال حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أن عبد الرحمان بن هنيدة حدثه أن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله أن يخلق النسمة قال ملك الأرحام معرضا يا رب ذكر أم (1) أنثى فيقضي الله أمره ثم يقول يا رب شقي أو (2) سعيد فيقضي الله أمره ثم يكتب بين عينيه ما هو حتى النكبة ينكبها قال أبو عمر بهذه الآثار وما كان مثلها احتج من ذهب إلى الوقوف عن الشهادة لأطفال المسلمين أو المشركين بجنة أو نار وإليها ذهب جماعة كثيرة من أهل الفقه والحديث منهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك وإسحاق
111

ابن راهويه وغيرهم وهو يشبه ما رسمه مالك في أبواب القدر في موطئه وما أورد في ذلك من الأحاديث (1) وعلى ذلك أكثر أصحابه وليس عن مالك فيه شيء منصوص إلا أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا إلى أن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار خاصة في المشيئة لآثار وردت في ذلك نحن نذكرها في الباب بعد هذا إن شاء الله
112

((ذكر الأخبار التي احتج بها من شهد لأطفال المسلمين بالجنة))
أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا روح بن عبادة قال أخبرنا عوف عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من المسلمين من يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله وإياه الجنة بفضل رحمته يجاء بهم يوم القيامة فيقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون لا حتى يدخل آباؤنا فيقال لهم ادخلوا أنتم وآباؤكم بفضل رحمتي (1) حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا حمزة بن محمد وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قالا حدثنا البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلا جاء بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتحبه فقال
113

أحبك الله يا رسول الله كما أحبه فتوفي الصبي ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال ابن فلان ابن فلان قالوا يا رسول الله توفي ابنه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أماترضى أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا جاء يسعى يفتحه لك فقالوا يا رسول الله أله وحده أم لنا كلنا قال بل لكم كلكم وروى يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمان بن مهدي ومحمد بن جعفر غندر وغيرهم عن شعبة بإسناده مثله سواء حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت قال سمعت البراء بن عازب يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ابنه إبراهيم أنه له موضعا في الجنة وروى سعيد بن إياس الحريري عن خالد بن علان قال مات ابن لي فوجدت عليه وجدا شديدا فقلت يا أبا هريرة أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يسخي أنفسنا عن موتانا فقال سمعته يقول صغاركم دعاميص (1) الجنة
114

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن عبد الرحمان بن الأصبهاني عن أبي حازم عن أبي هريرة قال أولاد المسلمين في جبل تكفلهم سارة وإبراهيم فإذا كان يوم القيامة دفعوهم إلى آبائهم حدثنا أحمد بن قاسم وأحمد بن محمد قالا حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا محمد بن قدامة قال حدثنا جرير عن الأعمش عن عثمان عن زاذان عن علي في قول الله عز وجل * (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) * 1 قال هم أطفال المسلمين وحدثنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن سعيد وأحمد بن مطرف قالا حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا المؤمل بن إسماعيل عن سفيان عن الأعمش عن عثمان بن موهب عن زاذان عن علي في * (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) * قال أصحاب اليمين أطفال المسلمين قال أبو عمر اختصرت هذا الباب لأني قد تقصيته في كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة وتكلمت عليه في باب سعيد بن المسيب من هذا الكتاب
115

باب ذكر الأخبار التي احتج بها من شهد لأطفال المشركين بدخول الجنة ومن قال إنهم خدم أهل الجنة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عوف عن خنساء امرأة من بني صريم عن عمها قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والوئيد في الجنة (1) وحدثنا قاسم بن محمد حدثنا خالد بن سعد حدثنا أحمد بن عمرو حدثنا محمد بن سنجر حدثنا هوذة حدثنا عوف عن خنساء بنت معاوية قالت حدثني عمي قال قلت يا رسول الله من في الجنة قال النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والوئيد في الجنة
116

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن أبي العوام قال حدثنا عبد العزيز القرشي قال حدثنا أبو معاذ قال حدثنا الزهري عن عروة عن عائشة قالت سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال هم مع آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعدما استحكم الإسلام فنزلت * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * 2 وقال هم على الفطرة أو قال في الجنة وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب
قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا ابن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت ربي عن اللاهين من ذرية البشر ألا يعذبهم فأعطانيهم قال أبو عمر إنما قيل للأطفال اللاهين لأن أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقد ولا عزم من قولهم لهيت عن الشيء أي لم أعتمده كقوله * (لاهية قلوبهم) * 3
117

وروى الحجاج بن نصير عن مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أولاد المشركين خدم أهل الجنة وأخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن يزيد الرقاش عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولدان أو قال الأطفال خدم أهل الجنة وذكر البخاري في حديث أبي رجاء العطاردي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث الطويل حديث الرؤيا وفيه قوله صلى الله عليه وسلم وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة قال فقيل يا رسول الله وأولاد المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاد المشركين (1) وخرج البخاري أيضا في رواية أخرى عن أبي رجاء في هذا الحديث والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم والصبيان حوله أولاد الناس (2) وهذا يقتضي ظاهره وعمومه جميع الناس والله الموفق
118

((باب ذكر الأخبار التي احتج بها من شهد لأطفال المشركين بالنار))
حدثنا يعيش بن سعد قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي قال حدثنا أبو عمر الحوضي قال مرجي بن رجاء وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا المعتمر قالا حدثنا داود عن عامر الشعبي عن علقمة بن قيس قال حدثنا سلمة بن يزيد الجعفي قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأخي فقلنا يا رسول الله إن أمنا ماتت في الجاهلية وكانت تقري الضيف وتصل الرحم وتفعل وتفعل فهل ينفعها من عملها ذلك شيء قال لا قال فقلنا إن أمنا ولدت أختا لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث فهل ذلك نافع أختنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيتم الوائدة والمئودة فإنهما في النار إلا إن تدرك الوائدة الإسلام فيغفر الله لها (1)
119

قال أبو عمر ليس لهذا الحديث إسناد أقوى وأحسن من هذا الإسناد ورواه جماعة عن الشعبي كما رواه داود وقد رواه أبو إسحاق عن علقمة كما رواه الشعبي وهو حديث صحيح من جهة الإسناد إلا أنه محتمل أن يكون خرج على جواب السائل في عين مقصودة فكانت الإشارة إليها والله أعلم وهذا أولى ما حمل عليه هذا الحديث لمعارضة الآثار له وعلى هذا يصح معناه (1) والله المستعان حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم فقال سول الله صلى الله عليه وسلم هم منهم وكان عمرو بن دينار يقول هم من آبائهم (2) قال الزهري ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والولدان (3)
120

قال أبو عمر معنى هذا الحديث عند أهل العلم في أحكام الدنيا في ذلك هم من آبائهم وعلى ذلك مخرج الحديث فليس على من قتلهم قود ولا دية لأنهم أولاد من لا دية في قتله ولا قود لمحاربته وكفره وليس هذا الحديث في أحكام الآخرة وإنما هو في أحكام الدنيا فلا حجة فيه ولا في الذي قبله في هذا الباب وقد روى بقية بن الوليد عن محمد بن زياد الألهاني قال سمعت عبد الله بن أبي قيس يقول سمعت عائشة تقول سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المؤمنين فقال هم مع آبائهم قلت بلا عمل قال الله أعلم بما كانوا عاملين قال أبو عمر عبد الله بن أبي قيس شامي تابعي ثقة روى عنه محمد بن زياد الألهاني ومعاوية بن صالح وراشد بن سعد وأما بقية بن الوليد فضعيف وأكثر حديثه مناكير ولكن هذا الحديث قد روي عن عائشة مرفوعا أيضا من غير هذا الوجه ويحتمل من التأويل أن يكون كحديث الصعب بن جثامة سواء في أحكام الدنيا
121

حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو محمد الحسن بن جعفر الزيات قال حدثنا يوسف بن يزيد قال حدثنا حجاج بن إبراهيم قال حدثنا أبو عقيل يحيى بن المتوكل عن بهية عن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدان المسلمين أين هم قال في الجنة يا عائشة قال وسألته عن ولدان المشركين أين هم يوم القيامة قال في النار قالت فقلت مجيبة له يا رسول الله لم يدركوا الأعمال ولم تجر عليهم الأقلام قال ربك أعلم بما كانوا عاملين والذي نفسي بيده لئن شئت أسمعتك تضاعيهم (1) في النار قال أبو عمر أبو عقيل هذا صاحب بهية لا يحتج بمثله عند أهل العلم بالنقل وهذا الحديث لو صح أيضا احتمل من الخصوص ما احتمل غيره في هذا الباب ومما يدل على أنه خصوص لقوم من المشركين قوله لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار وهذا لا يكون إلا فيمن قد مات وصار في النار وقد عارض هذا الحديث ما هو أقوى منه من الآثار والحمد لله
122

ومما احتج به من ذهب إلى القول بظاهر آثار هذا الباب قول الله عز وجل * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء) * 1 وقوله عز وجل لنوح نبيه عليه السلام * (أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) * 2 فلما قيل لنوح ذلك وعلم أنهم لا يؤمنون وأنهم على كفرهم يموتون دعا عليهم بهلاك جميعهم فقال * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) * 3 فأخبر أنهم لكفرهم لا يلدون إلا كفارا وقال صلى الله عليه وسلم هم من آبائهم
123

((ذكر الأخبار التي احتج بها من أوجب الوقوف عن الشهادة لأطفال المشركين بجنة أو نار))
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قالا حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم إذ خلقهم بما كانوا عاملين وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا
قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين وعند أبي عوانة عن هلال بن حباب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
124

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج قال حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا الليث قال حدثني عبد الرحمان بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي أنه سمع أبا هريرة يقول سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ورواه سفيان بن عيينة وابن أبي ذئب ومعمر عن الزهري بإسناده هذا بمثله وروى سفيان بن عيينة أيضا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن أبي حماد قال حدثنا مسدد قال وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا محمد بن بشار قالا جميعا حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو عن سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين
125

وقال مسدد في حديثه بإسناده هذا عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأطفال فقال الله أعلم بما كانوا عاملين وروى إسماعيل بن علية عن خالد الحذاء عن عمار مولى بني هاشم قال قال ابن عباس كنت أقول في أطفال المشركين هم مع آبائهم حتى حدثني رجل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ربهم أعلم بهم هو خلقهم وهو أعلم بهم وبما كانوا عاملين قال أبو عمر أحاديث هذا الباب من جهة الإسناد صحاح ثابتة عند جميع أهل العلم بالنقل والله الموفق للصواب
126

ذكر (1) الأخبار التي احتج بها من أوجب امتحانهم واختبارهم في الآخرة أخبرنا محمد بن عبد الملك وعبيد بن محمد قالا حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسيكن قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا سعيد بن سليمان عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهالك في الفترة والمعتوه والمولود قال يقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب ولا رسول ثم تلا * (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا) * 2 إلى آخر الآية ويقول المعتوه رب لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا قال ويقول المولود رب لم أدرك العمل قال فترفع لهم نار فيقال ردوها ادخلوها قال فيردها أو يدخلها من كان في علم الله سعيدا وأدرك العمل ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل قال فيقول الله عز وجل إياي عصيتم فكيف رسلي لو أتتكم
127

قال أبو عمر من الناس من يوقف هذا الحديث على أبي سعيد ولا يرفعه منهم أبو نعيم الملاي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا موسى بن معاوية وحدثنا عبد الوارث بن سفيان عن سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قالا حدثنا جرير عن ليث عن عبد الوارث عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى يوم القيامة بأربعة بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة وبالشيخ الهرم الفاني كلهم يتكلم بحجته فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من جهنم ابرزي ويقول لهم إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم قال فيقول لهم ادخلوا هذه فيقول من كتب عليه الشقاء يا رب أتدخلناها ومنها كنا نفر قال وأما من كتب له السعادة فيمضي فيقتحم فيها فيقول الرب تبارك وتعالى قد عاينتموني فعصيتموني فأنتم برسلي أشد تكذيبا ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار واللفظ لحديث موسى بن معاوية الصفار
128

وذكر (1) أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي قال حدثنا أبو بكر بن زنجويه قال حدثنا محمد بن المبارك الصوري قال حدثنا عمرو بن واقد عن يونس بن حليس عن أبي إدريس عن معاذ بن جبل عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يؤتى يوم القيامة بالممسوح أو الممسوح عقلا وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيرا فيقول الممسوح عقلا يا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا أسعد بعقله مني ويقول الهالك في الفترة يا رب لو أتاني منك عهد ما كان من آتيته عهدا بأسعد بعهدك مني ويقول الهالك صغيرا يا رب لو آتيتني عمرا ما كان من آتيته عمرا بأسعد بعمره مني فيقول الرب سبحانه إني آمركم بأمر أفتطيعوني فيقولون نعم وعزتك يا رب فيقول اذهبوا فأدخلوا النار قال ولو دخلوها ما ضرتهم فتخرج عليهم قوانص (2) يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعا فيقولون يا رب خرجنا وعزتك نريد دخولها فخرجت علينا قوانص ظننا
129

أنها قد أهلكت ما خلق الله ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك ويقولون مثل قولهم فيقول الرب سبحانه قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون فعلى علمي خلقتكم وإلى علمي تصيرون فتأخذهم النار قال أبو عمر روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الأسود بن سريع وأبي هريرة وثوبان بأسانيد صحية من أسانيد الشيوخ إلا ما ذكره عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة موقوفا لم يرفعه بمثل معنى ما ذكرنا سواء وليس في شيء منها ذكر المولود وإنما فيها ذكر أربعة كلهم يوم القيامة يدلي بحجته رجل أصم أبكم ورجل أحمق ورجل مات في الفترة ورجل هرم فلما لم يكن فيها ذكر المولود لم نذكرها في هذا الباب وجملة القول في أحاديث هذا الباب كلها ما ذكرت منها وما لم أذكر أنها من أحاديث الشيوخ وفيها علل وليست من أحاديث الأئمة الفقهاء وهو أصل عظيم والقطع فيه بمثل هذه الأحاديث ضعف في العلم والنظر مع أنه عارضها ما هو أقوى منها والله أعلم والله الموفق للصواب
130

((باب ())
1) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا إبراهيم بن طيفور وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا الحسن بن سلمة قال حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال حدثنا إسحاق بن منصور قالا جميعا حدثنا إسحاق بن راهويه قال حدثني يحيى بن آدم قال حدثنا جرير بن حازم عن أبي رجاء العطاردي قال سمعت ابن عباس يقول لا يزال أمر هذه الأمة مواتيا أو مقاربا أو كلمة تشبه هاتين حتى يتكلموا أو ينظروا في الأطفال والقدر قال يحيى بن آدم قد ذكرته
لابن المبارك فقال أفيسكت الإنسان على الجهل قلت فتأمر بالكلام فسكت وذكر أبو عبد الله المروزي قال حدثنا شيبان بن شيبة الأيلي قال حدثنا جرير بن حازم قال حدثنا أبو رجاء العطاردي قال سمعت ابن عباس وهو يخطب الناس وهو يقول إن هذه الأمة لا يزال أمرها مقاربا أو مواتيا أو كلمة تشبهها ما لم يتكلموا في الولدان والقدر
131

قال أبو عمر رضي الله عنه أما الشك في هذه اللفظة مواتيا أو مقاربا فغير جائز أن يكون من ابن عباس وإنما الشك من المحدث عنه أو الناقل عن المحدث عنه هكذا حكم كل ما تجده من مثل هذا الشك في الأحاديث المرفوعة وغيرها إنما هو من الناقلين فاعرف ذلك وقف عليه وهذا قلما يكون إلا من ورع المحدث وتثبته إن شاء الله وذكر المروزي قال حدثنا عمرو بن زرارة قال أخبرنا إسماعيل عن ابن عون قال كنت عند القاسم بن محمد إذ جاءه رجل فقال ماذا كان بين قتادة وبين حفص بن عمير في أولاد المشركين قال أو تكلم ربيعة الرأي في ذلك فقال القاسم إذا الله انتهى عند شيء فانتهوا وقفوا عنده قال فكأنما كانت نارا فأطفئت قال أبو عمر وقد ذكرنا والحمد لله ما بلغنا عن العلماء في معنى الفطرة التي يولد المولود عليها واخترنا من ذلك أصحه من جهة الأثر والنظر بمبلغ اجتهادنا ولعل غيرنا أن يدرك من ذلك ما لم يبلغه علمنا فإن الله يفتح لمن يشاء من العلماء فيما يشاء ويحجبه عمن يشاء ليبين العجز في البرية ويصح الكمال للخالق ذي الجلال والإكرام وذكرنا في الأطفال
132

والحمد لله كثيرا مما قاله العلماء ونقلوه ودانوا به واعتقدوه من حكمهم فيما يصيرون إليه في آخرتهم وبقي القول فيهم في أحكام الدنيا فإن من ذلك ما أجمع عليه العلماء وما اختلفوا ونحن نذكره ههنا ممهدا بعون الله وفضله
133

((باب ذكر ما للعلماء من الأقوال والمذاهب في أحكام الأطفال في دار الدنيا))
قال أبو عمر ذكر المروزي وغيره أن أهل العلم بأجمعهم قد اتفقوا على أن حكم الأطفال في الدنيا حكم آبائهم ما لم يبلغوا فإذا بلغوا فحكمهم حكم أنفسهم قال أبو عمر أما أطفال المسلمين فحكمهم حكم آبائهم أبدا ما لم يبلغوا لأنه لا يلحقهم سبي من قبل مسلم فيغير حكمهم عند المسلمين فهم كآبائهم أبدا في المواريث والنكاح والصلاة عليهم ودفنهم في مقابرهم وسائر أحكامهم وكذلك أطفال أهل الذمة كآبائهم أيضا في جميع أحكامهم حتى يبلغوا لا خلاف بين العلماء في ذلك أيضا وكذلك أطفال الحرب كآبائهم في أحكامهم إلا ما خصت السنة منهم ومن نسائهم ألا يقتلوا في دار الحرب إلا أن يقاتلوا لأنهم لا يقاتلون في الأغلب من أحوالهم والله عز وجل يقول * (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) * 1 فما دام أطفال أهل الحرب لم يسبوا فحكمهم حكم آبائهم أبدا على حسبما ذكرنا لا يختلف العلماء في ذلك
134

واختلف أهل العلم قديما وحديثا في الطفل الحربي يسبى ومعه أبواه أو أحدهما أو يسبى وحده ما حكمه حيا وميتا في الصلاة عليه ودفنه وسائر أحكامه في حياته فذهب مالك بن أنس في المشهور من مذهبه أن الطفل من أولاد الحربيين وسائر الكفار لا يصلى عليه سواء كان معه أبواه أو لم يكونا حتى يعقل الإسلام فيسلم وهو عنده على دين أبويه أبدا حتى يبلغ ويعبر عنه لسانه فإن اختلف دين أبويه فهو عنده على دين أبيه دون أمه ومن الحجة لمذهبه هذا إجماع العلماء أنه ما دام مع أبويه ولم يلحقه سبأ فحكمه حكم أبويه أبدا حتى يبلغ فكذلك إذا سبي وحده لا يغير السبي حكمه ويكون على حكم أبويه أبدا حتى يبلغ فيعبر عن نفسه ولا يزيل حكمه عن حكم أبويه المجتمع عليه إلا حجة من كتاب أو سنة أو إجماع وقول الشعبي وابن عون في هذا كقول مالك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا محبوب بن موسى وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا عبد الملك بن حبيب المصيصي قالا حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن سفيان عن سلمة بن تمام قال
135

قلت للشعبي إني بخراسان فأبتاع السبي فيموت بعضهم أفنصلي عليهم قال إذا صلى فصل عليهم قال أبو إسحاق وسألت هشاما وابن عون عن السبي يموتون وهم صغار في ملك المسلمين فقال هشام يصلى عليهم وقال ابن عون حتى يصلوا قال أبو عمر وذكر عبد الملك بن الماجشون عن أصحابه من أهل المدينة أبيه ومالك والمخزومي وابن دينار وغيرهم أنهم كانوا يزعمون أن الصبيان إذا كان معهم أبوهم فهم على دين أبيهم إن أسلم أبوهم صاروا مسلمين بإسلامه وإن ثبت على الكفر فهم على دينه ولا يعتد فيهم بدين الأم على حال لأنهم لا ينسبون إليها وإنما ينسبون إلى أبيهم وبه يعرفون قال عبد الملك هذا إذا لم يفرق بينهم السبي فيقعون في قسم مسلم وملكه بالبيع أو القسم فإذا فرق بينهم وبين آبائهم بالبيع والقسم فأحكامهم حينئذ أحكام المسلمين في القصاص والقود والخطأ والصلاة عليهم والدفن في مقابر المسلمين والموارث وغيرها قال أبو عمر قول عبد الملك وروايته هذه عن أصحابه أميل إلى مذهب الأوزاعي منها إلى مذهب مالك
136

وليست بواحد منهما مجردا لأنها مخالفة لهما في فصول تراها إن تدبرت وتأملت بعون الله قال الأوزاعي وهو قول فقهاء الشام إذا صار السبي في ملك المسلمين فحكمه حكم الإسلام لأن الملك أولى به من النسب ذكر المروزي قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا ابن الطباع قال حدثني مبشر الحلبي عن تمام بن نجيح قال كنت مع سليمان بن موسى بأرض الروم وهو على السبي فكانوا يموتون صغارا فلا يصلى عليهم فقلت له أليس كان يقال ما أحرز المسلمون يصلى عليهم فقال ذاك إذا اشتراهم رجل فصاروا في خاصة نفسه قال وحدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أبو مغيرة قال حدثنا صفوان قال سمعت أصحابنا ومشيختنا يقولون ما ملك المسلمون من صبيان العدو فماتوا فليصل عليهم فإن لم يصلوا فإنهم مسلمون ساعة ملكهم المسلمون قال وحدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن كثير قال سألت الأوزاعي عن السبي يموت بأرض الروم أيصلى عليهم قالا لا يصلى عليهم حتى يصيروا في ملك مسلم فإذا صاروا في ملك مسلم صلي عليهم وقد دخلوا في شريعة الإسلام
137

قال وحدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا ابن الطباع قال سألت الأوزاعي عن الصبيان يموتون من السبي فقال إن اشتروا صلي عليهم وإن كانوا لم يباعوا لم يصل عليهم قال ابن الطباع على هذا فتيا أهل الثغر على قول سليمان بن موسى ورواية الحارث عن الأوزاعي قال وحدثنا مخلد بن حسين عن الأوزاعي بشيء أخشى أن يكون وهما قال سألت الأوزاعي عن الطفل يسبى فقال إن كان معه أبواه يخلى بينه وبينهما وإن لم يكونا معه فليصل عليه قال أبو عمر رواية مخلد بن حسين هذه عن الأوزاعي هي قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهم وقول حماد بن أبي سليمان قالوا حكم الطفل حكم أبويه إذا كانا معه أو كان معه أحدهما وسواء الأب أو الأم في ذلك فإن لم يكونا معه ولم
يكن معه أحدهما وصار في ملك مسلم فحكمه حكم المسلمين لأنه صار في ملك المسلمين وليس معه أبواه ولا واحد منهما فيكون دينه دينهما يهودانه أو ينصرانه وإذا لم يكونا معه صار حكمه حكم مالكه فهذا مذهب الكوفيين والشافعي وأصحابهم واختلف في هذا الباب عن الثوري فروي عنه مثل قول أبي حنيفة والشافعي
138

وروى عنه ابن المبارك أنه قال يصلى على الصبي وإن كان مع أبوين مشركين لأن الملك أغلب عليه وأملك به وهذا شبيه بمذهب الأوزاعي حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا عبد الملك بن حبيب المصيصي وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد حدثنا محبوب بن موسى قالا حدثنا أبو إسحاق الفزاري قال سفيان إذا دخلوا في المسلمين صلي عليهم وإذا صاروا في ملك المسلمين صلي عليهم قال الفزاري وسألت الأوزاعي قلت السبي يصابون وهم صغار معهم أمهاتهم وآباؤهم قال إذا مات صغيرا وهو في جماعة الفيء أو الخمس أو في نفل قوم وهم في بلاد العدو لم يصل عليهم ما لم يقسم فإذا قسموا وصاروا في ملك مسلم أو اشتراهم قوم بينهم فاشتركوا فيهم أو في واحد منهم ثم مات صلي عليه وإن كان في بلاد العدو وكان معه أبواه لأن المسلم أولى به من أبويه ولأن أحدهم لو أعتق نصيبه منه كلف خلاصه من شركائه
139

وقال أبو عبيد وقال أهل العراق وإن كان معه أبواه أو أحدهما حين سبي فهو على دينه ولا يجزئ في الرقبة المؤمنة وإن لم يكن معه واحد منهما فهو مسلم ويجزئ قال وأما قول مالك فإنهم يختلفون عنه فيه قال أبو عبيد والذي يختار من هذا قول الأوزاعي لأن دين سيده أحق به من أبويه والإسلام يعلو ولا يعلى ولما لم يكن على دين أبويه إذا كانا ميتين أو غائبين فكذلك إذا كانا حيين مقيمين وقال الميمون بن عبد الملك بن عبد الحميد من ولد ميمون بن مهران سألت أحمد بن حنبل عن الصغير يخرج من أرض الروم ليس معه أبواه قال إذا مات صلى عليه المسلمون قلت يكره على الإسلام قال من يليه إلا هم حكمه حكمهم قال كان معه أبواه أو أحدهما لم يكره وهو على دينهما واحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه قلت وإن كان مع أحدهما قال وإن كان مع أحدهما قلت فيفدى الصغير إذا لم يكن معه أبواه قال لا ولا ينبغي إلا أن يكون معه أبواه فذكرت له حديث عمر بن عبد العزيز أنه فادى بصغير وقال نرده إليهم صغيرا ويرده الله إلينا كبيرا فنضرب عنقه فقال أحمد هذا لا شك كان معه أبواه أو أحدهما وتعجب أبو عبد الله من أهل الثغور
140

قال إذا أخذوا الصغير ومعه أبواه كان حكمه عندهم حكم الإسلام ولم يلتفتوا إلى أبويه قلت فأي شيء تقول أنت فقال أي شيء أقول فيها ثم احتج بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم فأبواه يهودانه وينصرانه قال فظاهر هذا أن حكم الصغير حكم أبويه فقلت لأحمد الغلام النصراني إذا أسلم أحد أبويه فقال هو مع المسلم منهما سواء كان أما أو أبا حكمه حكم المسلم منهما وكان أبو ثور يقول إذا سبي مع أبويه أو أحدهما أو وحده ثم مات قبل أن يختار الإسلام لم يصل عليه قال أبو عمر هذا نفس مذهب مالك والحجة في ذلك له ولمن ذهب مذهبه أن الطفل على أصل ما كان عليه مع أبويه حتى يعبر عنه لسانه كما روى عبد الله بن محمد بن عقيل عن سعيد بن أبي سعد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه وأبواه يهودانه (1) وينصرانه
141

حديث حادي عشر لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل الفدادين أهل الوبر والسكينة في أهل الغنم (1) أما قوله رأس الكفر نحو المشرق فهو أن أكثر الكفر وأكبره كان هناك لأنهم كانوا قوما لا كتاب لهم وهم فارس ومن وراءهم ومن لا كتاب له فهو أشد كفرا من أهل الكتاب لأنهم لا يعبدون شيئا ولا يتبعون رسولا فهذا والله أعلم معنى قوله ررأس الكفر نحو المشرق وقد مضى بعض هذا المعنى في كتابنا هذا عند قوله صلى الله عليه وسلم من حيث يطلع قرن الشيطان فلا وجه لإعادة ذلك ههنا وأما أهل الخيل والإبل فهم الأعراب (2) أهل الصحراء وفيهم التكبر والتجبر والخيلاء وهي الإعجاب والفخر والتبختر وأما أهل الغنم
142

فهم أهل سكينة وقلة أذى وقلة فخر وخيلاء على ما قال النبي عليه السلام فهو الصادق في خبره صلى الله عليه وسلم وأما قوله الفدادين فكان مالك يقول الفدادون هم أهل الجفاء وهم أهل الخيل والوبر يريد بالوبر الإبل وهو كما قال مالك قال أبو عبيد هم الفدادون بالتشديد وهم الرجال والواحد فداد وقال الأصمعي هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم وما يعالجون منها قال أبو عبيد وكذلك قال الأصمعي قال ويقال منه فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته وأنشد
* أنبئت أخوالي بني يزيد
* ظلما علينا لهم فديد
* قال أبو عبيد وكان أبو عبيدة يقول غير ذلك كله قال الفدادون المكثرون من الإبل الذي يملك أحدهم المائتين (1) منها إلى الألف يقال للرجال فداد إذا بلغ ذلك وهم مع هذا جفاة أهل خيلاء وقال الأخفش في الفدادين قولان أحدهما أنهم الأعراب سموا بذلك لارتفاع أصواتهم عند سقي إبلهم
143

وحركاتهم مع رعاء إبلهم والفديد الأصوات والجلبة وقيل إنما سموا الفدادين من أجل الفدافد وهي الصحاري والبوادي الخالية واحدها فدفد والأول أجود (1) قال أبو عمر وروي من حديث قيس بن عاصم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أهل الإبل أهل الجفاء (قال أبو عمر ليس إسناد هذا اللفظ بالقائم) (2) وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من لزم البادية جفا وروى الثوري وابن عيينة عن أبي موسى التمار عن وهب بن منبه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن لزم السلطان افتتن (3) قال أبو عبيد ومن هذا الحديث الذي يروى أن الأرض إذا دفن فيها الإنسان قالت له ربما مشيت علي فدادا والمعنى ذا مال كثير وذا خيلاء
144

قال أبو عمر الحديث حدثناه قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا بكر بن سهل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن يحيى بن جابر الطائي عن ابن عائذ الأزدي عن غضيف بن الحرث قال أتيت بيت المقدس أنا وعبد الله بن عبيد بن عمير قال فجلسنا إلى عبد الله بن عمرو بن
العاصي فسمعته يقول إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول يا ابن آدم ما غرك بي ألم تعلم أني بيت الوحدة ألم تعلم أني بيت الظلمة ألم تعلم أني بيت الحق يا ابن آدم ما غرك بي لقد كنت تمشي حولي فدادا قال ابن عائذ قلت (1) لغضيف ما الفداد يا أبا أسماء قال كبعض مشيتك يا ابن أخي أحيانا قال غضيف فقال صاحبي وكان أكبر مني لعبد الله بن عمرو فإن كان مؤمنا فماذا له قال يوسع له في (2) قبره ويجعل منزله أخضر ويعرج بنفسه إلى الله (تعالى) (3)
145

حديث ثاني عشر لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه (1) قال أبو عمر قد ظن بعض الناس أن هذا الحديث معارض لنهيه صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت بقوله عليه السلام لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به قال وفي هذا الحديث إباحة تمني الموت وليس كما ظن وإنما هذا خبر أن ذلك سيكون لشدة ما ينزل بالناس من فساد الحال في الدين وضعفه وخوف ذهابه (2) لا لضر ينزل بالمؤمن في جسمه وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانك فإنما هو خبر عن تغير الزمان وما يحدث فيه من المحن والبلاء والفتن وقد أدركنا ذلك الزمان كما شاء الواحد المنان (3) لا شريك له عصمنا الله ووفقنا وغفر لنا آمين
146

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا ابن الأصبهاني قال أخبرنا شريك بن عبد الله عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن زاذان أبي عمر عن عليم قال كنت مع عبس (1) الغفاري على سطح له (2) فرأى قوما يتحملون من الطاعون فقال يا طاعون خذني إليك ثلاثا (يقولها) (3) فقال له عليم لم تقول هذا (4) ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتمنى (5) أحدكم الموت فإنه عند انقطاع عمله ولا يرد فيستعتب (6) فقال عبس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بادروا بالموت ستا إمرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم واستخفافا بالدم وقطيعة الرحم ونشوا يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليغنيهم بالقرآن وإن كان أقلهم فقها وهذا حديث مشهور روي عن عبس الغفاري
147

من طرق قد ذكرناها في كتاب البيان عن تلاوة القرآن والحمد لله وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إذا أردت بالناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ما يوضح لك معنى هذا الحديث ومثل هذا قول عمر اللهم قد ضعفت قوتي وكبرت سني وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط فما جاوز ذلك الشهر حتى قبض رحمة الله عليه وقد ذكرنا هذين الخبرين (1) في باب يحيى بن سعيد وقد روى شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت أبا الزعراء يحدث عن عبد الله قال ليأتين عليكم زمان يأتي الرجل القبر فيقول يا ليتني مكان هذا ليس به حب الله ولكن من شدة ما يرى من البلاء حدثنا خلف بن القاسم حدثنا أحمد بن صالح بن عمر المقرئ حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المنادي حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا عبد الرحمان بن يونس أبو يوسن الجعدي حدثنا عمر بن أبان أخو عبد العزيز بن أبان عن سفيان عن رجل عن عمر بن عبد العزيز أنه
148

مر على أهل مجلس فقال دعوا الله لي بالموت قال فدعوا له فما مكث إلا أياما حتى مات حدثنا خلف بن القاسم حدثنا أحمد بن صالح حدثنا أحمد بن جعفر بن عبيد الله حدثنا العباس بن محمد الدوري إملاء حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام حدثنا أحمد بن كثير الطرسوسي حدثنا حماد بن سلمة قال كان سفيان الثوري عندنا بالبصرة فكان كثيرا ما يقول ليتني قد مت ليتني قد استرحت ليتني في قبري فقال له خالد بن سلمة يا أبا عبد الله ما كثرة تمنيك هذا الموت والله لقد آتاك الله القرآن والعلم فقال له سفيان يا أبا سلمة وما تدري لعلي أدخل في بدعة لعلي أدخل فيما لا يحل لي لعلي أدخل في فتنة أكون قد مت وسبقت هذا وقال يحيى بن يمان سمعت سفيان يقول قد كنت أشتهي أن أمرض وأموت فأما اليوم فليتني مت فجأة لأني أخاف أن أتحول عما أنا عليه من يأمن البلاء بعد خليل الرحمان وهو يقول * (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) * 1
149

وقال يحيى بن يمان عن سفيان لما جاء البشير يعقوب قال له على أي دين تركت يوسف قال على الإسلام قال الآن تمت النعمة وفي هذا الحديث أيضا من العلم إباحة الخبر بما يأتي بعد وبما يكون وهذا غير جائز على القطع إلا لمن أظهره الله على غيبه ممن ارتضى من رسله وبالله العصمة والتوفيق أنشدنا غير واحد لمنصور الفقيه رحمه الله
* قد غلب الغي على الغي
* وأصبح الناس كلا شيء
* وأصبح الميت في قبره
* أحسن أحوالا من الحي
* 1)
150

حديث ثالث عشر لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقولن (1) أحدكم يا خيبة الدهر فإن الدهر هو الله (2) هكذا هذا (3) الحديث في الموطأ بهذا الإسناد عند جماعة الرواة فيما علمت ورواه إبراهيم بن خالد بن عثمة عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة والصواب فيه إسناد الموطأ حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن جعفر غندر قال حدثنا الحسن بن أبي عباد الصفار حدثنا عبد السلام بن محمد حدثنا إبراهيم بن خالد بن عثمة حدثنا ملك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر (4)
151

وفي الموطأ عند جماعة رواته في هذا الحديث لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر وقال فيه سعيد بن هاشم بإسناد الموطأ لا تسبوا الدهر حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو جعفر أحمد بن جعفر بن محمد التميمي حدثنا يوسف بن يزيد حدثنا سعيد بن هاشم الفيومي حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر (1) وقال فيه يحيى فإن الدهر هو الله وغيره كلهم يقول فإن الله هو الدهر وهذا الحديث قد اختلف في ألفاظه عن أبي هريرة
من رواية الأعرج وغيره فمنهم من يقول فيه لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر هكذا رواه ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة وكذلك رواه ابن لهيعة عن الأعرج بإسناده سواء وكذلك رواه ابن سيرين وغيره عن أبي هريرة حدثنا أحمد بن القاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن
152

أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا هوذة بن خليفة قال حدثنا عوف عن محمد وخلاس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرني العلاء بن عبد الرحمان بن يعقوب مولى الحرقة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل استقرضت عبدي فلم يقرضني وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني يقول وادهره وادهره وأنا الدهر وأنا الدهر قال أبو عمر هذه ألفاظ إن صحت فمخرجها على معان سنبينها والصحيح في لفظ هذا الحديث ما رواه ابن شهاب وغيره من الفقهاء ذوي الألباب أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال أخبرنا أبو داود قال حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان وأحمد بن السرح قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب
153

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار هكذا قال ابن عيينة عن الزهري عن سعيد وقال يونس بن زيد عن الزهري عن أبي سلمة وهما جميعا صحيحان حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو الطاهر وزيد بن البشر قالا أخبرنا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان قال قال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار فمن أهل العلم من يروي هذا الخبر بنصب الدهر على الظرف يقول أنا الدهر كله بيدي الأمر أقلب الليل والنهار ومنهم من يرويه بالرفع على معنى حديث مالك ومن تابعه والمعنى فيه أن أهل الجاهلية كانوا يذمون الدهر في أشعارهم وأخبارهم ويضيفون إليه كل ما يصنعه الله بهم وقد حكى الله عنهم قولهم * (ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون) *
154

1 فنهى الله عن قولهم ذلك ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه أيضا بقوله لا تسبوا الدهر يعني لأنكم إذا سببتموه وذممتموه لما يصيبكم فيه من المحن والآفات والمصائب وقع السب والذم على الله لأنه الفاعل ذلك وحده لا شريك له وهذا ما لا يسع أحدا جهله والوقوف على معناه لما يتعلق به الدهرية أهل التعطيل والإلحاد وقد نطق القرآن وصحت السنة بما ذكرنا وذلك أن العرب كان من شأنها ذم الدهر عندما ينزل بها من المكاره فيقولون أصباتنا قوارع الدهر وابادنا الدهر وأتى علينا الدهر ألا ترى إلى قول شاعرهم
* رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى
* فكيف بمن يرمى وليس برام
* فلو أنها نبل إذا لاتقيتها
* ولكنني أرمى بغير سهام
* فأفنى وما أفنيت للدهر ليلة
* ولم يغن ما أفنيت سلك نظام
*
155

وقال أبو العتاهية فذكر الزمان والدهر وهما سواء ومراده في ذلك كله ما يحدث الله من العبر فيها لمن اعتبر
* إن الزمان إذا رمى لمصيب
* والعود منه إذا عجمت صليب
* إن الزمان لأهله لمؤدب
* لو كان ينفع فيهم التأديب
* كيف اغتررت بصرف دهرك يا أخي
* كيف اغتررت به وأنت لبيب
* ولقد رأيتك للزمان مجربا
* لو كان يحكم رأيك التجريب
* وهذا المعنى في شعره كثير جدا (1) وقال غيره وهو المساور بن هند
* بليت وعلمي في البلاد مكانه
* وأفنى شبابي الدهر وهو جديد
* وقال غيره
* حنتني حانيات الدهر حتى
* كأني خاتل أدنو لصيد
* قريب الخطو يحسب من يراني
* ولست مقيدا إني بقيد
* وقال امرؤ القيس
* الا إن هذا الدهر يوم وليلة
* وليس على شيء قويم بمستمر
* وقال أيضا
* أرجي من صروف الدهر لينا
* ولم تغفل عن الصم الهضاب
*
156

وقال أبو ذؤيب الهذلي
* أمن المنون وريبها تتفجع
* والدهر ليس بمعتب من يجزع
* وقال أرطاة بن سهية
* عن الدهر فاصفح إنه غير معتب
* وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع
* وقال الراجز
* ألقى علي الجهر رجلا ويدا
* والدهر ما أصلح يوما أفسدا
* يصلحه اليوم ويفنيه غدا
* ويسعد الموت إذا الموت عدا
* وأشعارهم في هذا أكثر من أن تحصى خرجت كلها على المجاز والاستعارة والمعروف من مذاهب العرب في كلامها لأنهم يسمون الشيء ويعبرون عنه بما يقرب منه وبما هو فيه فكأنهم أرادوا ما ينزل بهم في الليل والنهار من مصائب الأيام فجاء النهي عن ذلك تنزيها لله لأنه الفاعل ذلك بهم في الحقيقة وجرى ذلك على الألسنة في الإسلام وهم لا يريدون ذلك (1) ألا ترى أن المسلمين الخيار الفضلاء (قد) (2) استعملوا ذلك في أشعارهم على دينهم وإيمانهم جريا في ذلك على
157

عادتهم وعلما بالمراد وأن ذلك مفهوم معلوم لا يشكل على ذي لب هذا سابق البربري على فضله يقول
* المرء يجمع والزمان يفرق
* ويظل يرقع والخطوب تمزق
* ويروى أن هذا الشعر لصالح بن عبد القدوس) (1) وهذا سليمان العدوي وكان خير متدينا يقول
* أيا دهرا عملت فينا أذاكا
* ووليتنا بعد وجه قفاكا
* جعلت الشرار علينا رؤوسا
* وأجلست سفلتنا مستواكا
* فيا دهر إن كنت عاديتنا
* فها قد صنعت بنا ما كفاكا
* وقالت صفية الباهلية
* أخنى علي واحدي ريب المنون
* وما يبقي الزمان على شيء ولا يذر
* وقال أبو العتاهية وموضعه من الخير موضعه
* يا دهر تؤمننا الخطوب وقد نرى
* في كل ناحية لهن شياكا
* يا دهر قد أعظمت عبرتنا
* بمن دارت عليه من القرون رحاكا)
* 2)
158

وروينا أن مالك بن أنس رحمه الله كان ينشد لبعض صالحي أهل المدينة
* أخي لا تعتقد دنيا
* قليلا ما تواتيكا
* فكم قد أهلكت خلا
* أليفا لو تنبيكا
* ولا تغررك زهرتها
* فتلقي السم في فيكا
* في أبيات كثيرة فمرة يضيفون ذلك إلى الدهر ومرة إلى الزمان ومرة إلى الأيام (1) ومرة إلى الدنيا وذلك كله مفهوم المعنى على ما ذكرنا وفسرنا والحمد لله وقال أبو العتاهية
* ألا عجبا للدهر لا بل لريبه
* تضرم ريب الدهر كل إخاء
* ومزق ريب الجهر كل جماعة
* وكدر ريب الدهر كل صفاء
* وقال آخر
* يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا
* وأنت والد سوء تأكل الولدا
* أستغفر الله بل ذا كله قدر
* رضيت بالله ربا واحدا صمدا
159

* لا شيء يبقى سوى خير تقدمه
* ما دام ملك لإنسان ولا خلدا
* 1) ومما ينشد للمأمون ويروى له من قوله
* أنا في علمي بالدهر
* أبو الدهر وأمه
* ليس يأتي الدهر يوما
* بسرور فيتمه
* فكما سر أخاه
* فكذا سوف يغمه
* ليس للدهر صديق
* حامد الدهر يذمه
* وقال (1) ابن المغيرة في شعر يرثي به أباه
* أين من يسلم من صرف الردى
* حكم الموت علينا فعدل
* فكأنا لا نرى ما قد نرى
* وخطوب الدهر فينا تنتضل
* وقال نصر بن أحمد
* كأنما الدهر قد أغرى بنا حسدا
* ونعمة الله مقرون بها الحسد
* وقال جحظة
* ايا دهر ويحك كم ذا الغلط
* وضيع علا وكريم سقط
160

* وعير تسيب في جنة
* وطرف (1) بلا علف يرتبط
* وجهل برؤوس وعقل برأس
* وذاك مشتبه مختلط
* وأهل القرن كلهم ينتمون إلى
* آل كسرى فأين النبط
* وقال غيره
* رأيت الدهر بالأشراف يكبو
* ويرفع راية القوم اللئام
* كأن الدهر موتور حقود
* يطالب ثأره عند الكرام
* والأشعار في هذا لا يحاط بها كثرة وفيما لوحنا به (منها) (2) كفاية والحمد لله
161

حديث رابع عشر لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم فقالوا يا رسول الله إن كانت لكافية قال إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا (1) ليس في هذا الحديث ما يحتاج إلى القول وفيه إباحة الخبر عن القيامة والآخرة وحال النار أجارنا الله منها وزحزحنا عنها وفيما نطق به القرآن من الخبر عن الآخرة والجنة والنار ما فيه معتبر لأولي الأبصار حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان قال (2) حدثنا أحمد
162

ابن عبد الله بن يونس قال حدثنا أبو بكر عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله قال إن ناركم هذه ليست مثل نار جهنم لا تنفع أحدا وأنها لما نزلت ضرب البحر بها مرتين ولولا ذلك لم تنفع أحدا وروى الفضيل بن دكين عن أبي إسرائيل عن أبي إسحاق عن عون بن عبد الله عن عبد الله قال إن النار التي خلق منها الجان جزء من سبعين جزءا من نار جهنم وروى عبيد الله بن موسى بن إسرائيل عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من النار وهذه النار قد ضرب بها البحر حين أنزلت سبع مرات ولولا ذلك ما انتفع بها وروى عبد الله بن نصير عن إسماعيل بن أبي خالد عن تبيع بن الحرث عن أنس بن مالك قال إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ولولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم بها وأنها لتدعو الله أن لا يعيدها في تلك النار أبدا
163

وروى زيد بن الحباب عن محمد بن مسلم عن ميسرة عن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب سأل رجلا من اليهود لم ير في اليهود مثله عن النار الكبرى فقال الحبر يبعث الله الريح الدبور على البحور فتعود نارا فهي النار الكبرى
164

حديث خامس عشر لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها (1) في هذا الخبر من الفقه أنه لا ينبغي أن تسأل المرأة زوجها أن يطلق ضرتها (2) لتنفرد به (3) فإنما لها ما سبق به القدر عليها لا ينقصها طلاق ضرتها شيئا مما جرى به القدر لها ولا يزيدها وقال الأخفش كأنه يريد أن تفرغ صحفة تلك من خير الزوج وتأخذه هي وحدها قال أبو عمر (4) وهذا الحديث من أحسن أحاديث القدر عند أهل العلم والسنة وفيه أن المرء لا يناله إلا ما قدر له
165

قال الله عز وجل * (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) * 1 والأمر في هذا واضح لمن هداه (الله) (2) والحمد لله وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز لامرأة ولا لوليها أن يشترط في عقد نكاحها طلاق غيرها ولهذا الحديث وشبهه استدل جماعة من العلماء بأن شرط المرأة على الرجل عند عقد نكاحها أنها إنما تنكحه على أن كل من يتزوجها عليها من النساء فهي طالق شرط باطل وعقد نكاحها على ذلك فاسد يفسخ (3) قبل الدخول لأنه شرط فاسد دخل في الصداق المستحل به الفرج ففسد لأنه طابق النهي ومن أهل العلم من يرى الشرط باطلا في ذلك كله والنكاح ثابت صحيح وهذا هو الوجه المختار وعليه أكثر علماء الحجاز وهم مع ذلك يكرهونها ويكرهون عقد النكاح عليها وحجتهم حديث هذا الباب وما كان مثله وحديث عائشة في قصة بريرة يقتضي في مثل هذا جواز العقود وبطلان الشروط وهو أولى ما اعتمد عليه في هذا الباب ومن أراد أن يصح له هذا الشرط المكروه عند أصحابنا عقده بيمين فيلزمه الحنث
166

في تلك اليمين بالطلاق أو بما حلف به وليس من أفعال الأبرار ولا من مناكح السلف الأخيار استباحة النكاح بالأيمان المكروهة ومخالفة السنة حدثنا محمد بن عبد الملك
قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا سعدان بن نصر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي ليلى عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي رضي الله عنه قال شرط الله قبل شرطها قال أبو عمر يقول إن الله قد أباح ما ترومون المنع منه ومنهم من يرى أن الشرط صحيح لحديث عقبة بن عامر عن النبي عليه السلام أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج حدثناه عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر أخبرنا أبو داود حدثنا عيسى بن حماد المصري حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم بن الفروج (1) وهذا
167

حديث إن كان صحيحا فإن معناه والله أعلم أحق الشروط أن يوفى به من الشروط الجائزة ما استحللت به الفروج فهو أحق ما وفى به المرء وأولى ما وقف عنده والله أعلم وقد روى الشاميون في هذا عن عمر ما حدثناه محمد بن عبد الملك قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا سعدان بن نصر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر (1) عن عبد الرحمان بن غنم قال شهدت عمر يسأل عنه فقال لها دارها فإن مقاطع الحقوق عند الشروط قال سعدان وحدثنا سفيان عن عمرو عن أبي الشعثاء قال هو بما استحل من فرجها قال أبو عمر معنى حديث عمر وقول أبي الشعثاء هو فيمن نكح امرأة وشرط لها أن لا يخرجها من دارها ونحو هذا مذهب سعد بن أبي وقاص أيضا حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف حدثنا الحسين بن أحمد بن بزاذ حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا ابن أبي الدنيا حدثنا العباس بن طالب حدثنا أبو إسحاق الطالقاني عن ابن المبارك عن داود بن قيس قال حدثتني أمي
168

وكانت مولاة نافع بن عتبة بن أبي وقاص قالت رأيت سعدا زوج ابنته رجلا من أهل الشام وشرط لها أن لا يخرجها فأرادت أن تخرج معه فنهاها سعد وكره خروجها فأبت إلا أن تخرج فقال سعد اللهم لا تبلغها ما تريد فأدركها الموت في الطريق فقالت
* تذكرت من يبكي علي فلم أجد
* من الناس إلا أعبدي وولائدي
* وإلى هذا المعنى ذهب الليث بن سعد وطائفة إلى أن الشرط لازم والوجه المختار عندنا ما ذكرنا وقد روي عن عمر بن الخطاب من رواية المدنيين خلاف ما تقدم عنه من رواية الشاميين حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا محمد بن معاوية حدثنا الفضل بن الحباب أبو خليفة حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا الليث بن سعيد حدثنا كثير بن فرقد عن عبيد بن السباق أن رجلا شرط عليه في امرأته عند عقدة النكاح ألا يخرجها من دارها ولم يذكر عتقا ولا طلاقا فأراد بها بلدا آخر فخصامته إلى عمر بن الخطاب فقضى عمر أن تتبع زوجها وأنه لا شرط لها قال وحدثنا الليث حدثنا توبة بن النمر الحضرمي أن عمر بن عبد العزيز كتب في ذلك بمثل ذلك
169

قال أبو عمر قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم إلا شرط أحل حراما أو حرم حلالا (1) وقال كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل (2) يعني في حكم الله كما قال * (كتاب الله عليكم) * يعني حكمه وقضاءه فكل شرط ليس في حكم الله وحكم رسوله جوازه فهو باطل وهذا أصح ما في هذا الباب والله الموفق للصواب والكلام في شروط النكاح وما يلزم منها وما لا يلزم عند العلماء موضع غير هذا وأما قوله لتستفرغ صحفتها فكلام عربي مجاز ومعناه لتنفرد بزوجها فاعلمه لا وجه له غيره
170

حديث سادس عشر لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقتسم (1) ورثتي دنانير ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة (2) الرواية في هذا الحديث يقتسم برفع الميم على الخبر أي ليس يقتسم ورثتي دينارا لأني لا أتخلف دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا وهذا معنى حديث مسروق عن عائشة وإن ما تخلف عقارا يجري غلته على نسائه بعد مئونة عامله وقد بينا هذا في حديث ابن شهاب والحمد لله وهكذا قال يحيى دنانير وتابعه ابن كنانة وأما سائر رواة الموطأ فيقولون دينارا وهو الصواب لأن الواحد في هذا الموضع أهم عند أهل اللغة (3) لأنه يقتضي الجنس والقليل والكثير وممن قال دينارا من أصحاب مالك ابن القاسم
171

وابن وهب وابن نافع وابن بكير والقعنبي وأبو مصعب ومطرف وهو المحفوظ في هذا الحديث وكذلك قال ورقاء بن عمر عن أبي الزناد بإسناده وقال ابن عيينة عن أبي الزناد بهذا الإسناد لا يقتسم (1) ورثتي بعدي ميراثي ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة قال ابن عيينة يقول لا أورث وأما قوله مئونة عاملي فإنهم يقولون أراد بعامله خادمه في حوائطه وقيمه ووكيله وأجيره ونحو هذا وقد مضى القول في معاني هذا الحديث مستوعبا مبسوطا ممهدا واضحا في باب ابن شهاب من كتابنا هذا فلا معنى لإعادة ذلك ههنا وبالله التوفيق
172

حديث سابع عشر لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب (1) تابع يحيى قوم على قوله تأكله الأرض في هذا الحديث وقال جماعة يأكله التراب والمعنى واحد وعجب الذنب معروف وهو العظم في الأسفل بين الأليتين الهابط من الصلب يقال لطرفه العصعص وظاهر هذا الحديث وعمومه يوجب أن يكون بنو آدم كلهم في ذلك سواء إلا أنه قد روي في أجساد الأنبياء والشهداء (2) أن الأرض لا تأكلهم وحسبك ما جاء في شهداء أحد وغيرهم وقد ذكرنا ذلك فيما مضى من كتابنا وهذا يدل على أن هذا لفظ عموم ويدخله الخصوص من الوجوه التي ذكرنا فكأنه قال كل من تأكله الأرض فإنه لا تأكل منه عجب الذنب وإذا جاز أن لا تأكل الأرض عجب الذنب جاز أن لا تأكل الشهداء وذلك كله حكم الله وحكمته
173

وليس في حكمه إلا ما شاء لا شريك له وإنما نعرف من هذا ما عرفنا به ونسلم له إذ جهلنا علته لأنه ليس برأي ولكنه قول من يجب التسليم له صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى البلخي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير سمع جابرا يقول لما أراد معاوية أن يجري العين التي في أسفل أحد عند قبور الشهداء الذين بالمدينة أمر مناديا فنادى من كان له ميت فليأته فليخرجه فليحمله قال جابر فذهبنا إلى أبي
فأخرجناهم رطابا ينثنون قال أبو سعيد لا ينكر بعد هذا منكرا قال جابر فأصابت المسحاة إصبع رجل منهم فتقطر الدم وأما قوله منه خلق وفيه يركب فيدل على أنه ابتدأ خلقه وتركيبه من عجب ذنبه والله أعلم وهذا لا يدرك إلا بخبر ولا خبر فيه عندنا مفسر وإنما هي جملة ما جاء في هذا الخبر وأما خلق آدم صلوات الله عليه وعلى سائر أنبياء الله فروي في خلقه آثار كثيرة في ظاهر بعضها اختلاف روى
174

شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن سليمان قال أول ما خلق الله من آدم رأسه فجعل ينظر وهو يخلق وروى حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي قال خمر الله طينة آدم أربعين ليلة ثم خلقها بيده فخرج طيبها في يمينه وخرج خبيثها في الأخرى ثم مسح يديه أحداهما بالأخرى فخلط بعضه ببعض فمن ثم يخرج الخبيث من الطيب والطيب من الخبيث وروى عوف عن قسامة بن زهير سمع أبا موسى الأشعري يقول إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والحزن والسهل والخبيث والطيب وقال ابن جريج يقولون إن الروح أول ما نفخ في يافوخ آدم وفي قوله عليه السلام وفيه يركب إيمان بالبعث والنشأة الأخرى
175

حديث ثامن عشر لأبي الزناد مالك عن محمد بن يحيى بن حبان (1) وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة (2) قد مضى القول في هذا الحديث وفي معنى الملامسة والمنابذة وما لأهل العلم في ذلك من التفسير والتوجيه والمعاني مستوعبة في باب محمد بن يحيى بن حبان (3) فلا معنى لإعادة ذلك ههنا
176

حديث تاسع عشر لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمشين أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا (1) قال أبو عمر قوله لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا أراد القدمين وهما لم يتقدم لهما ذكر وإنما تقدم ذكر النعل ولو أراد النعلين لقال لينتعلهما جميعا أو ليحتف منهما جميعا وهذا مشهور من لغة العرب ومتكرر في القرآن كثير أن يأتي بضمير ما لم يتقدم ذكره لما يدل عليه فحوى الخطاب ونهيه صلى الله عليه وسلم عن المشي في نعل واحدة نهي أدب لا نهي تحريم والأصل في هذا الباب أن كل ما كان في ملكك فنهيت عن شيء من تصرفه والعمل به فإنما هو نهي أدب لأنه ملكك تتصرف فيه كيف شئت ولكن التصرف على سنته لا تتعدى وهذا باب مطرد ما لم يكن ملكك حيوانا فتنهى عن أذاه فإن أذى المسلم في غير حقه
177

حرام وأما النهي عما ليس في ملكك إذا (1) نهيت عن تملكه أو استباحته إلا على صفة ما في نكاح أو بيع أوصيد أو نحو ذلك فالنهي عنه نهي تحريم فافهم هذا الأصل وقد مضى منه ما فيه دلالة وكفاية في باب إسماعيل بن أبي حكيم عند نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع (2) فلا وجه لإعادة ذلك ههنا وروى جابر في هذا الباب حديثا حسنا يجب أن يوقف عليه مع حديث أبي هريرة حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمش في نعل واحدة حتى يصلح شسعه ولا يمش في خف واحدة ولا يأكل بشماله (3) قال أبو عمر حديث أبي هريرة هذا وحديث جابر الذي ذكرنا حديثان بينان واضحان مستغنيان عن التفسير
178

مستعملان عند أهل العلم لا أعلم بينهم في استعمالهما خلافا وقد روي عن عائشة معارضة لأبي هريرة في حديثه لم يلتفت أهل العلم إلى ذلك لضعف إسناد حديثها ولأن السنن لا تعارض بالرأي وقد روي عنها أنها لم تعارض أبا هريرة برأيها وقالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في نعل واحدة وهذا الحديث عند أهل العلم غير صحيح لأن في إسناده ضعفا حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا يحيى بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا مندل عن ليث عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت ربما انقطع شسع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى في النعل الواحدة حتى يصلح الأخرى وحدثنا أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا يحيى بن إبراهيم قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا عبد الله العمري عن أبيه أنه رأى سالم بن عبد الله يمشي في نعل واحدة وهو يصلح الأخرى قال وأخبرنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا
179

سليمان بن بلال عن سليمان بن يسار مولى أصحاب (1) المقصورة عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه أن عليا كان يمشي في النعل الواحدة وهذا معناه لو صح أنه كان عن ضرورة أو كان يسيرا نحو أن يصلح الأخرى لا أنه أطال ذلك والله أعلم ولا حجة في مثل هذا الإسناد ذكر الحسن الحلواني قال حدثنا عفان قال حدثنا سليم عن ابن عون عن محمد بن سيرين أنه قال ولا خطوة واحدة يعني يمشي في نعل واحدة وأخبرنا عبد الرحمان حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عين عن محمد بن سيرين قال كانوا يكرهون أن يمشي الرجل في النعل الواحدة ويقولون ولا خطوة وقد ذكر عيسى بن دينار عن ابن القاسم عن مالك أنه سئل عن الذي ينقطع شسع نعله وهو في أرض حارة (2) هل يمشي في الأخرى حتى يصلحها قال لا ولكن ليخلعهما جميعا أو ليقف قال أبو عمر هذا هو الصحيح من الفتوى وهو الصحيح في الأثر وعليه (3) العلماء
180

حديث موفى عشرين لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين وإذا نزع فليبدأ بالشمال ولتكن اليمنى أولهما تنعل وآخرهما تنزع (1) وهذا حديث صحيح بين في معناه كامل حسن مستغن عن القول والمعنى فيه والله أعلم تفضيل اليمنى على اليسرى بالإكرام ألا ترى أنها للأكل دون الاستنجاء فكذلك تكرم أيضا ببقاء زينتها أولا وآخرا (2) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا النفيلي قال حدثنا زهير قال حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال
181

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبستم وإذا توضأتم فابدأوا (1) بميامنكم (2) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص قال حدثنا محمد بن كثير الصنعاني عن معمر وحماد بن سلمة وابن شوذب عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتعل
أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا خلع فليبدأ باليسرى ليحفهما جميعا أو ينعلهما جميعا هذا يبين لك أن اليمنى مكرمة فلذلك يبدأ بها إذا انتعل ويؤخرها إذا خلع لتكون الزينة باقية عليها أكثر مما على الشمال ولكن مع هذا لا يبقى عليها بقاء دائما لقوله ليحفهما جميعا (1) قال أبو عمر من مشى في نعل أو خف واحدة أو بدأ في انتعاله بشماله فقد أساء وخالف السنة وبئسما صنع إذا كان بالنهي عالما ولا يحرم عليه مع ذلك لباس نعله ولا خفه ولكنه لا ينبغي له أن يعود فالبركة والخير كله في اتباع أدب رسول الله وامتثال أمره صلى الله عليه وسلم
182

قال أبو عمر روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال استكثروا من النعال فإن الرجل المنتعل بمنزلة الراكب أو لا يزال راكبا ما انتعل وروي عن ابن عباس أنه قال من السنة إذا نزع الرجل نعليه أن يضعهما بجنبه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في نعليه وروي عن قتادة (1) عن أنس أن نعل النبي عليه السلام كان لهما قبالان وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن الهيثم قال حدثنا ابن أبي السري قال حدثنا مخلد بن حسين قال حدثنا هشام بن حسان عن عبد الحميد عن أنس بن مالك قال كان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر بقبالين وأول من شسع عثمان بن عفان
183

حديث حاد وعشرون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تلقوا الركبان للبيع ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا ولا يبع حاضر لباد ولا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها وردها صاعا من تمر (1) أما قوله لا تلقوا الركبان فهو النهي عن تلقي السلع وقد روي هذا المعنى بألفاظ مختلفة فروى الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تلقوا الركبان كما ترى وروى ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تلقوا الجلب وروى أبو صالح وغيره عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام أنه نهى أن تتلقى السلع حتى تدخل الأسواق
184

وروى ابن عباس لا تستقبلوا السوق ولا يتلق بعضكم لبعض والمعنى في ذلك كله واحد وقد مضى القول في ذلك وفي معنى قوله لا يبع بعضكم على بيع بعض في باب نافع عن ابن عمر لأن القعنبي ذكر ذلك عن مالك في حديث نافع وذكر يحيى وغيره من ذلك ما وصفنا هنالك وسنزيد المعنيين ههنا بيانا من قول أصحابنا وغيرهم إن شاء الله فجملة قول مالك في ذلك أنه لا يجوز أن يشتري أحد (1) من الجلب والسلع الهابطة إلى الأسواق وسواء هبطت من أطراف المصر أو من البوادي حتى يبلغ بالسلعة سوقها هذا إذا كان التلقي في أطراف المصر أو قريبا منه وقيل لمالك أرأيت إن كان ذلك على رأس ستة أميال فقال لا بأس بذلك والحيوان وغير الحيوان في ذلك كله سواء وروى عيسى وأصبغ وسحنون عن ابن القاسم أن السلعة إذا تلقاها واشتراها قبل أن يهبط بها إلى السوق قال ابن القاسم تعرض السلعة على أهل السلع في السوق فيشتركون فيها بذلك الثمن لا زيادة فإن لم يكن لها سوق عرضت على الناس في المصر فيشتركون فيها إن أحبوا فإن
185

نقصت عن ذلك الثمن لزمت المشرتي قال سحنون وقال لي غير ابن القاسم يفسخ البيع وقال عيسى عن ابن القاسم يؤدب ملتقي السلع إذا كان معتادا بذلك وروى سحنون عنه أيضا أنه يؤدب إلا أن يعذر بالجهالة وقال عيسى عن ابن القاسم إن فاتت السلعة فلا شيء عليه وروى أشهب عن مالك أنه كره أن يخرج الرجل من الحاضرة إلى أهل الحوائط فيشتري منهم الثمرة مكانها ورآه (1) من التلقي ومن يبيع الحاضر للبادي وقال أشهب لا بأس بذلك وليس هذا بمتلق ولكنه اشترى الشيء في موضعه وروى أبو قرة قال قال لي مالك إني لأكره تلقي السلع وإن يبلغوا بالتلقي أربعة برد قال أبو عمر لا أعلم خلافا في جواز خروج الناس إلى البلدان في الأمتعة والسلع ولا فرق بين القريب والبعيد من ذلك في النظر وإنما التلقي تلقي من خرج بسلعة يريد بها السوق وأما من قصدته إلى موضعه فلم تتلق (2)
186

وقال الليث بن سعد أكره تلقي السلع وشراءها في الطريق أو على بابك حتى تقف السلعة في سوقها التي تباع فيها فإن تلقى أحد سلعة فاشتراها ثم علم به فإن كان بائعها لم يذهب ردت إليه حتى تباع في السوق وإن كان قد ذهب ارتجعت منه وبيعت في السوق ودفع إليه ثمنها قال وإن كان على بابه أو في طريقه فمرت به سلعة يريد صاحبها سوق تلك السلعة فلا بأس أن يشتريها إذا لم يقصد لتلقي السلع وليس هذا بالتلقي إنما التلقي أن يعمد لذلك قال أبو عمر أما مذهب مالك والليث ومن قال بمثل (1) قولهما في النهي عن تلقي السلع فمعناه عندهم الرفق بأهل الأسواق لئلا يقطع بهم عما له جلسوا يبتغون من فضل الله فنهى الناس أن يتلقوا السلع التي يهبط بها إليهم لأن في ذلك فسادا عليهم وأما الشافعي فمذهبه في ذلك أن النهي إنما ورد رفقا بصاحب السلع لئلا يبخس في ثمن سلعته قال الشافعي لا تتلقى السلعة فمن تلقاها فصاحبها بالخيار إذا بلغ السوق وقد روي بمثل ما قاله الشافعي خبر صحيح يلزم العمل به
187

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تلقي الجلب فإن تلقاه متلق فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا وردت السوق (1) قال أبو عمر هذه الرواية عن ابن سيرين تبين ما رواه عنه هشام بن حسان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه شيئا فهو بالخيار إذا أتى السوق قال أبو عمر فقوله في خبرهشام فهو بالخيار يريد البائع لئلا يتناقض الحديثان وهو جائز في اللغة أن يقصده وإن لم يذكره إلا بالمعنى وقد روينا من حديث هشام نصا كما قال أيوب وهو الصواب وما خالفه فليس بشيء وقال أصحاب الشافعي تفسير النهي عن التلقي أن يخرج أهل الأسواق فيخدعون أهل القافلة ويشترون منهم شراء رخيصا فلهم الخيار لأنهم قد غروهم وخدعوهم
188

وأما أبو حنيفة وأصحابه فالنهي عن تلقي السلع عندهم إنما هو من أجل الضرر فإن لم يضر بالناس تلقي ذلك لضيق المعيشة وحاجتهم إلى تلك السلع فلا بأس بذلك وقال أبو جعفر الطحاوي لما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار في السلعة المتلقاة إذا هبط بها إلى السوق دل على جواز البيع لأنه ثبته وجعل فيه الخيار قال وهذا يدل على أن التلقي المكروه إذا كان فيه ضرر فلذلك جعل فيه الخيار فإن لم يكن فيه فهو غير مكروه وقال ابن خواز بنداد البيع في تلقي السلع صحيح على قول الجميع
وإنما الخلاف هو أن المشتري لا يفوز بالسلعة ويشركه فيها أهل الأسواق ولا خيار للبائع أو أن البائع بالخيار قال أبو عمر ما حكاه ابن خواز بنداد عن الجميع في جواز البيع في ذلك مع ما دل عليه الحديث هو الصحيح لا ما حكاه سحنون عن غير ابن القاسم أنه يفسخ البيع وبالله التوفيق وكان ابن حبيب يذهب إلى فسخ البيع في ذلك فإن لم يوجد البائع عرضت السلعة على أهل الأسواق واشتركوا (1)
189

فيها أن أحبوها (1) وإن أبوا منها ردت على مبتاعها إلى كلام كثير ذكره وفرق بين الطعام في ذلك وغيره وقال الطعام يوقف للناس كلهم يشترونه بالثمن وإن كان له أهل راتبون في السوق (2) ولم يفسخ فيه البيع حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا بو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام قال لا تلقوا الأجلاب فمن تلقى منه شيئا فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق وأما قوله في الحديث لا يبع بعضكم على بيع بعض فهو كقوله لا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يستام على سومه ذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا عفان قال حدثنا إسماعيل قال حدثنا ابن عون قال قال محمد بن سيرين أتدري متى لا يستام الرجل على سوم أخيه قلت لا أدري قال وأنا لا أدري وقال سفيان هو أن يقول عندي خير منه وقال مالك معنى ذلك الركون
190

قال مالك تفسير قول رسول الله لا يبع بعضكم على بيع بعض فيما نرى والله أعلم أنه إنما نهى أن يسوم الرجل على سوم أخيه إذا ركن البائع إلى السائم وجعل يشترط وزن الذهب ويتبرأ من العيوب وما أشبه هذا مما يعرف به أن البائع قد أراد مبايعة السائم فذلك الذي نهى عنه والله أعلم قال مالك ولا بأس بالسوم بالسلعة توقف للبيع فيسوم بها غير واحد قال ولو ترك الناس السوم عند أول من يسوم بالسلعة أخذت بشبه الباطل من الثمن ودخل على الباعة في سلعهم المكروه والضرر قال ولم يزل الأمر عندنا على هذا (1) قال أبو عمر أقوال الفقهاء كلهم في هذا الباب متقاربة المعنى وكلهم قد أجمعوا على جواز البيع فيمن يزيد وهو يفسر لك ذلك ومذهب مالك أن البيع في ذلك يفسخ ما لم يفت ومذهب الشافعي وأبي حنيفة أن البيع لازم والفعل مكروه وذكر ابن خواز بنداد قال قال مالك لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته ومتى فعل ذلك فسخ البيع ما لم يفت وفسخ النكاح قبل الدخول
191

وقال الشافعي وأبو حنيفة فيمن باع على بيع أخيه العقد صحيح ويكره له ما فعل وأجمع الفقهاء أيضا على أنه لا يجوز دخول المسلم على الذمي في سومه إلا الأوزاعي وحده فإنه قال لا بأس بدخول المسلم على الذمي في سومه لقوله صلى الله عليه وسلم لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يسم على سوم أخيه (1) وحجة سائر الفقهاء أن الذمي لما دخل في نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وبيع ما لم يقبض والنجش وربح ما لم يضمن ونحو ذلك كان كذلك في السوم على سومه وإذا أطلق الكلام على المسلمين دخل فيه أهل الذمة والدليل على ذلك اتفاقهم على كراهية سوم الذمي على الذمي فدل على أنهم مرادون وكان ابن حبيب يقول إنما نهي أن يشتري الرجل على شراء الرجل وأما أن يبيع على بيعه فلا قال لأنه لا يبيع أحد على بيع أحد قال وإنما هو أن يشتري مشتر على شراء مشتر قال والعرب تقول بعت الشيء في معنى (2)
192

اشتريته وأنشد أبياتا في ذلك وجعل البيع فيه صحيحا وفاعله عاصيا أمره بالتوبة والاستغفار وأن يعرض السلعة على أخيه الذي دخل فيها عليه فإن أحبها أخذها قال أبو عمر لا أدري وجها لإنكاره أن يراد بذلك البيع (1) والعرب وإن كان يعرف من لغتها أن تقول بعت بمعنى اشتريت فالذي هو أعرف وأشهر عنها أن يقول بعت بمعنى بعت واي ضرورة بنا إلى هذا والمعنى فيه واضح على ما قال مالك وغيره وبالله العون والتوفيق وأما قوله لا تناجشوا فقد مضى القول في معناه عند ذكر حديث مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النجش ولا تختلف الفقهاء أن المناجشة معناها أن يدس الرجل إلى الرجل ليعطي بسلعته عطاء وهو لا يريد شراءها ليعتبر به من أراد شراءها من الناس أو يفعل ذلك هو بنفسه في سلعته إذا لم يعلم أنها له واختلفوا في هذا البيع (2) فقال مالك من اشترى سلعة منجوشة فهو بالخيار إذا علم وهو عيب من العيوب وهذا
193

تحصيل مذهب مالك عند المصريين والعراقيين من أصحابه ذكر ذلك ابن خواز بنداد وغيره عن مالك وقال الشافعي وأبو حنيفة ذلك مكروه والبيع لازم وقال ابن حبيب من فعل ذلك جاهلا أو مجترنا فسخ البيع إن أدرك قبل أن يفوت إلا أن يحب المشتري أن يتمسك بالسلعة بذلك الثمن الذي أخذها (1) به قال فإن فاتت في يده كانت عليه بالقيمة وذلك إذا كان البائع هو الذي دسه أو كان المعطي من سبب البائع وإن لم يكن شيئا من ذلك وكان أجنبيا لا يعرف البائع ولا يعرف قصته فلا شيء على البائع والبيع تام صحيح والفاعل آثم هذا كله قول ابن حبيب وأما قوله في هذا الحديث ولا يبع حاضر لباد فإن العلماء اختلفوا في ذلك فكان مالك يقول تفسير ذلك أهل البادية وأهل القرى فأما أهل المدائن من أهل الريف فإنه ليس بالبيع لهم بأس ممن يرى أنه يعرف السوم إلا من كان منهم يشبه أهل البادية فإني لا أحب أن يبيع لهم حاضر وقال في البدوي يقدم فيسأل الحاضر عن السعر أكره له أن يخبره ولا بأس أن يشتري له إنما يكره أن يبيع له فأما أن يشترط
194

له فلا بأس هذه رواية ابن القاسم عنه قال ابن القاسم ثم قال بعد ولا يبيع (1) مصري لمدني ولا مدني لمصري ولكن يشير عليه وقال ابن وهب عن مالك لا أرى أن يبيع الحاضر للبادي ولا لأهل القرى وقد حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا المفضل بن محمد الجندي قال حدثنا علي بن زياد قال حدثنا أبو قرة قال قلت لمالك قول النبي عليه السلام لا يبع حاضر لباد ما تفسيره قال لا يبع أهل القرى لأهل البادية سلعهم قلت فإن بعث بالسلعة إلى أخ له من أهل القرى ولم يقدم مع سلعته قال لا ينبغي له قلت له ومن أهل البادية قال أهل العمود قلت له القرى المسكونة التي لا يفارقها أهلها يقيمون فيها تكون قرى صغارا في نواحي المدينة العظيمة فيقدم بعض أهل تلك القرى الصغار إلى أهل المدينة بالسلع فيبيعها لهم أهل المدينة قال نعم إنما معنى الحديث أهل العمود وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن فعل ذلك من بيع الحاضر للبادي أنه يفسخ بيعه وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم قال وإن فات فلا شيء عليه
195

وروى سحنون عن ابن القاسم أنه يمضي البيع قال سحنون وقال لي غير ابن القاسم أنه يرد للبيع وروى سحنون وعيسى عن ابن القاسم أنه يؤدب الحاضر إذا باع للبادي قال في رواية عيسى إن كان معتادا لذلك وروى عبد الملك بن الحسن زونان عن ابن وهب أنه لا يؤدب عالما كان بالنهي عن ذلك أو جاهلا قال أبو عمر لم يختلف قول مالك والله أعلم في كراهية بيع الحاضر للبادي واختلف قوله في شراء الحاضر للبادي فمرة قال لا بأس أن يشتري له ومرة قال لا يشتري له ولا يشير (1) عليه ذكر ذلك في كتاب السلطان من المستخرجة وبه قال ابن حبيب قال والبادي الذي لا يبيع له الحاضر هم أهل العمود وأهل البوادي والبراري مثل الأعراب قال وجاء النهي في ذلك إرادة أن يصيب الناس غرتهم ثم ذكر عن الخزامي عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض (2) قال فأما أهل القرى
196

الذين يعرفون أثمان سلعهم وأسواقها فلم يعنوا بهذا الحديث قال فإذا باع الحاضر للبادي فسخ البيع لأن عقده وقع منهيا عنه فالفسخ أولى به قال وكذلك أخبرني أصبغ عن ابن القاسم قال عبد الملك بن حبيب والشراء للبادي مثل البيع ألا ترى إلى قوله عليه السلام لا يبع بعضكم على بيع بعض إنما هو لا يشتري بعضكم على شراء بعض قال فلا يجوز للحضري أن يشتري للبدوي ولا يبيع له ولا أن يبعث البدوي إلى الحضري بمتاع فيبيعه له الحضري ولا يشير عليه في البيع إن قدم عليه قال أبو عمر قال الليث بن سعد لا يشير الحاضر على البادي لأنه إذا أشار عليه فقد باع له لأن شأن أهل البادية أن يرخصوا على أهل الحضر لقلة معرفتهم بالسوق فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع له قال ولا بأس أن يبتاع الحاضر للبادي وأما أهل القرى فلا بأس أن يبيع لهم الحاضر وقال الأوزاعي لا يبع حاضر لباد ولكن لا بأس أن يخبره بالسعر
197

وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس أن يبيع الحاضر للبادي ومن حجتهم أن هذا الحديث قد عارضه قوله صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة لكل مسلم (1) وقال الشافعي لا يبع حاضر لباد فإن باع حاضر لباد فهو عاص إذا كان عالما بالنهي ويجوز البيع لقوله صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض قال أبو عمر هذا اللفظ يقضي على أن النهي عن بيع الحاضر للبادي إنما هو لئلا يمنع المشتري فضل ما يشتريه وهو موافق للنهي عن تلقي السلع على تأويل مالك وأصحابه ومخالف لذلك على تأويل الشافعي في النهي عن تلقي السلع وهذا لفظ صحيح حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يبع حاضر لباد دعوا (2) الناس يرزق الله بعضهم من بعض
198

وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير قال حدثنا أبو الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبع حاضر لباد ذروا الناس يرزق الله بعضهم من بعض (1) وروى ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ذكره معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وقال قلت له ما يبيع حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا وروى أنس بن مالك عن النبي عليه السلام قال لا يبع حاضر لباد وإن كان أباه وأخاه وفي حديث طلحة بن عبيد الله أنه قال للأعرابي حين قدم عليه بحلوبة له يبيعها إن النبي عليه السلام نهى أن يبيع حاضر لباد ولكن اذهب إلى السوق فانظر من يبايعك وشاورني حتى آمرك أو أنهاك ذكره حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سالم المكي أن أعرابيا حدثه انه قدم بحلوبة له على طلحة بن عبيد الله فذكره
199

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد في زمانه أراد أن يصيب الناس بعضهم من بعض فأما اليوم فليس به بأس قال ابن أبي نجيح وقال عطاء لا يصلح ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن عمر قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان عن مسلم الخياط سمع ابن عمر ينهى أن يبيع حاضر لباد قال مسلم وقال أبو هريرة لا يبيعن حاضر لباد قال أبو عمر من فسخ البيع من أهل لعلم في المناجشة وبيع الحاضر للبدوي وبيع المرء على بيع أخيه ونحو ذلك من الآثار فحجتهم أنه بيع طابق النهي ففسد وكذلك البيع عندهم بعد النداء للجمعة أو مع الأذان لها وكان أبو حنيفة والثوري والشافعي وداود وجماعة من أصحابهم وغيرهم يذهبون إلى أن البيع عند الأذان للجمعة جائز ماض وفاعله عاص
200

وكذلك البيوع المذكورة المنهي عنها في الحديث المذكور في هذا الباب واستدل من ذهب هذا المذهب بأن النهي عن ذلك لم يرد به نفس البيع إنما أريد به معنى غير البيع وهو ترك الاشتغال عن الجمعة بما يحبس عنها وسواء كان بيعا أو غير بيع وجرى في ذلك ذكر البيع لأنهم كانوا يبتاعون ذلك الوقت فنهوا عن كل شاغل يشغل عن الجمعة وعن كل ما يحول بين من وجبت عليه وبين السعي إليها والبيع وغيره في ذلك سواء قالوا ولا معنى لفسخ البيع لأنه معنى غير شهود الجمعة (1) لأنه قد يبيع ذلك الوقت ويدرك الجمعة قالوا ألا ترى أن رجلا لو ذكر صلاة لم يبق من وقتها إلا ما يصليها فيه كان عاصيا بالتشاغل عنها بالبيع وجاز بيعه قالوا فكذلك من باع بعد أذان الجمعة سواء قالوا وكذلك لو كان في صلاة فقال له رجل قد بعتك عبدي هذا بألف فقال قد قبلت صح البيع وإن كان منهيا عن قطع صلاته بالقول وأما قوله في هذا الحديث ولا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر فقد اختلف
201

العلماء في القول بهذا الحديث فمنهم من قال به ومنهم من رده ولم يستعمله وممن قال به مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق وجمهور أهل الحديث ذكر أسد وسحنون عن ابن القاسم أنه قال له أيأخذ مالك بهذا الحديث فقال قلت لمالك تأخذ بهذا الحديث قال نعم وقال مالك أو لأحد في هذا الحديث رأي قال ابن القاسم وأنا أخذ به إلا أن ملكا قال لي أرى لأهل البلدان إذا نزل بهم هذا أن يعطوا الصاع من عيشهم قال وأهل مصر عيشهم الحنطة قال أبو عمر رده أبو حنيفة وأصحابه وزعم بعضهم أنه منسوخ وأنه كان قبل تحريم الربا وبأشياء لا يصلح لها معنى إلا مجرد الدعوى وقد روى أشهب عن مالك نحو ذلك ذكر العتبي من سماع أشهب عن مالك أنه سئل عن قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابتاع مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر فقال قد سمعت ذلك وليس بالثابت ولا الموطأ عليه ولئن لم يكن ذلك أن له اللبن بما أعلف وضمن قيل
202

له نراك تضعف الحديث فقال كل شيء يوضع موضعه وليس بالموطأ ولا الثابت وقد سمعته قال أبو عمر هذه رواية منكرة والصحيح عن مالك ما رواه ابن القاسم والحديث عند أهل العلم بالحديث صحيح من جهة النقل رواه جماعة عن أبي هريرة منهم موسى بن يسار وأبو صالح السمان وهمام بن منبه ومحمد بن سيرين ومحمد بن زياد بأسانيد صحاح ثابتة فرواية الأعرج قد ذكرناها من حديث مالك وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن حمد بن حبابة قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا جدي قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثا وإن ردها رد معها صاعا من تمر وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن حبابة قال حدثنا البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا أبو جعفر الرازي عن هشام عن ابن سيرين عن
203

أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها صاعا من تمر لا سمراء وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره حرفا بحرف وزاد لا سمراء يعني الحنطة قال أبو عمر أما قوله في حديث أبي الزناد ولا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها يريد من ابتاع المصراة من الإبل والغنم والمصراة هي المحفلة سميت بمصراة لأن اللبن صري في ضرعها أياما حتى اجتمع وكثر ومعنى صري حبس فلم تحلب حتى عظم ضرعها به ليغتر المشتري بذلك ويظن أن تلك حالها وأصل التصرية حبس الماء وجمعه تقول العرب منه صريت الماء إذا حبسته وليس هذا اللفظ من الصرار والتصرير ولو كان منه لكانت مصرورة لا مصراة وإنما قيل للمصراة المحفلة لأن اللبن اجتمع في ضرعها فصارت حافلا (والشاة) (1) الحافل الكثيرة اللبن العظيمة الضرع ومنه قيل
204

مجلس حافل ومحتفل إذا كثر فيه القوم وهذا الحديث أصل في النهي عن الغش وأصل فيمن دلس عليه بعيب أو وجد عيبا بما ابتاعه أنه بالخيار في الاستمساك أو الرد وهذا مجتمع عليه بالمدينة في الرد بالعيوب كلهم يجعل حديث المصراة أصلا في ذلك وأما استعمال الحديث في المصراة على وجهه فمختلف فيه قال به أكثر أهل الحجاز واستعملوا كثيرا من معانيه ومن أهل العلم بالعراق والحجاز من يأبى (1) استعمال حديث المصراة واختلف الذين أبوا ذلك فقال منهم قائلون ذلك خصوص في المصراة غير مستعمل في غيرها لأن اللبن المحلوب منها فيه للمشتري حظ لأن بعضه حدث في ملكه فهو غلة له وذكروا قوله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان والغلة بالضمان قالوا والغلة والكسب لما كان عند الجميع بالضمان كان رد الصاع خصوصا في المصراة أخبرنا عبد الرحمان بن مروان قال أخبرنا الحسن بن يحيى قال حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال حدثنا
205

بحر بن نصر عن الشافعي قال حدثنا مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلا اشترى عبدا فاستغله ثم ظهر منه على عيب فخاصم فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى له برده فقال البائع يا رسول الله إنه قد أخذ خراجه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قراءة مني عليه أن الميمون بن حمزة الحسيني حدثهم قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكره سواء وأخبرنا عبد الرحمان بن مروان قال أخبرني الحسن بن يحيى القلزمي قال حدثنا ابن الجارود قال حدثنا عبد الله بن هشام قال حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب قال حدثني مخلد بن خفاف عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخراج بالضمان (2)
206

وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل وأبو يحيى (1) بن أبي مسرة قال حدثنا مطرف بن عبد الله قال قاسم وحدثنا أحمد بن حماد ببغداد قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي قال حدثنا مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخراج بالضمان وفي حديث أحمد بن حماد أن رجلا اشترى غلاما فرده بعيب به فقال الرجل إنه قد استغله يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلة بالضمان وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا بكر حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف بن أيماء عن عروة عن عائشة عن النبي عليه السلام الخراج بالضمان وقال منهم آخرون حديث المصراة منسوخ كما نسخت العقوبات بالغرامات واعتلوا في جواز دعوى النسخ في ذلك بأن قالوا العلماء لم يجعلوا حديث المصراة أصلا يقيسون عليه
207

ولد الجارية إذا ولدت عند المشتري ثم اطلع على عيب لأنهم اختلفوا في ذلك فقال مالك يردها وولدها على البائع وقال الشافعي يحبس الولد لنفسه لأنه حدث في ملكه قالوا (1) ومعلوم أن في لبن المصراة جزءا حادثا في ملك المشتري في الحلبة الأولى لأن اللبن يحدث بالساعات فقد أمر في هذا الحديث برد ما حدث من ذلك في ملك المبتاع وهذا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم الغلة بالضمان فلهذا لم يجعلوا هذا الحديث أصلا يقيسون عليه هذه جملة ما اعتل به من رد حديث المصراة فيما ذكرنا وممن رده أبو حنيفة وأصحابه وهو حديث مجتمع على صحته وثبوته من جهة النقل وهذا مما يعد وينقم على أبي حنيفة من السنن التي ردها برأيه وهذا ما عيب عليه ولا معنى لإنكارهم ما أنكروه من ذلك لأن هذا الحديث أصل في نفسه والمعنى فيه والله أعلم على ما قال أهل العلم أن لبن المصراة لما كان مغيبا لا يوقف على صحة مقداره وأمكم التداعي في قيمته وقلة ما طرأ منه في ملك المشتري وكثرته
208

قطع النبي صلى الله عليه وسلم الخصومة في ذلك بما حده فيه كما فعل عليه السلام في دية الجنين قطع فيه مثل ذلك لأن الجنين لما أمكن أن يكون حيا فتكون فيه الدية وأمكن أن يكن ميتا فلا يكون فيه شيء قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه بما حد فيه واتفق العلماء على القول به مع قولهم إن في الطفل الحي الدية كاملة والميت
لا شيء فيه فكذلك حكم المصراة لا يلتفت فيها إلى ما خالفها من الأصول لأن حكمها أصل في نفسه لثبوت الخبر بها عن النبي صلى الله عليه وسلم كالعرايا وما أشبهها والله أعلم وأما الرد بما دلس فيه بائعه من العيب في سلعته (1) فهذا الحديث عندهم أصل في ذلك (وقد جعله العراقيون والشافعي أصلا في الخيار ثلاثة أيام لا يتجاوز) (2) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال حدثنا المقرئ قال حدثنا المسعودي عن جابر وعن أبي الضحى عن مسروق
209

قال قال عبد الله بن مسعود أشهد على الصادق المصدوق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أنه قال بيع المحفلات خلابة ولا تحل خلابة مسلم حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل اشترى محفلة فله أن يمسكها ثلاثا فإن أحبها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر وكذلك رواه ابن المبارك عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الشاة وهي المحفلة فإذا باعها فإن صاحبها بالخيار ثلاثة أيام فإن كرهها ردها وصاعا من تمر لم يقل لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها ولا قال من ابتاع غنما مصراة فاحتلبها وجعل الحديث في شاة واحدة
210

قال أبو عمر بهذا الحديث استدل من ذهب (1) إلى أن الصاع إنما يرد عن الواحدة لا عن أكثر من واحدة وبهذا احتج من ذهب إلى ذلك من متأخري الفقهاء وقال فإن كانت أكثر من واحدة رد صاعا عن كل واحدة وسواء في ذلك الناقة والشاة تعبدا وتسليما والله أعلم وقد اختلف المتأخرون من أصحابنا وغيرهم فيمن اشترى محفلات بصفقة فبعضهم قال بما ذكرنا وبعضهم قال لا يرد معهن إن سخطهن إلا صاعا واحدا من تمر أو صاعا من عيش بلده وأظنه ذهب إلى ما رواه ابن جريج عن زياد بن سعد عن ثابت مولى عبد الرحمان بن زيد سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبها صاع من تمر ذكره أبو داود عن عبد الله بن مخلد عن مكي بن إبراهيم عن ابن جريج (2) وذكره البخاري حدثنا محمد بن عمرو حدثنا مكي أخبرنا ابن جريج أخبرني زياد أن
211

ثابتا مولى عبد الرحمان بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره (1) قال البخاري وحدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر (2) وهذا مثل حديث مالك سواء وهو محتمل للتأويل ومن استعمل ظواهر آثار هذا الباب على جملتها لم يفرق بين شاة وغنم ولا بين ناقة ونوق في الصاع عما ابتاعه مما ضمن من ذلك ودلس عليه به والله أعلم والأكثر من أصحابنا وغيرهم يقولون إن الصاع إنم هو عن الشاة الواحدة المصراة أو الناقة الواحدة المحفلة واحتجوا برواية عكرمة وأبي صالح وخلاس بن عمرو وابن سيرين كلهم يقول عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام من اشترى شاة مصراة أو نعجة مصراة
212

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن أيوب وهشام وحبيب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء ردها وصاعا من طعام لا سمراء (1) هكذا رواه جماعة في حديث ابن سيرين وغيره عن أبي هريرة شاة مصراة وبعضهم يقول في هذا الحديث لا سمراء وبعضهم لا يذكره ويقول صاعا من طعام وفسر بعضهم قوله صاعا من طعام لا سمراء قال يقول تمرا ليس (2) ببر وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص قال حدثنا الحنيني عن داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشترى أحدكم الشاة المصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر
213

وكذلك رواه القعنبي وابن وهب عن داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهما قالا فلينقلب بها فليحلبها فإن رضي حلابها أمسكها وإلا ردها ومعها صاع تمر وأما الحديث المذكور فيه صاعا من طعام فأخبرناه عبد الرحمان بن مروان قال حدثنا الحسن بن يحيى قال حدثنا ابن الجارود قال حدثنا عبد الله بن هاشم قال حدثنا روح بن عبادة عن شعبة عن سيار عن الشعبي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تبايعوا بإلقاء الحصى ولا تناجشوا ولا تبايعوا بالملامسة ومن اشترى منكم محفلة فكرهها فليردها وليرد معها صاعا من طعام وأما أقاويل الفقهاء في هذا الباب فقال أو حنيفة وأصحابه المحفلة عندنا وغيرها سواء ومن اشترى عنده وعند أصحابه شاة مصراة فحلب لبنها لم يردها بعيب ولكنه يرجع بنقصان العيب وقالوا هذا الحديث في المصراة منسوخ واختلفوا فيما نسخه فمنهم من قال نسخه وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به (1) وأنه لا يجب فيمن استهلك شيئا لأحد غيره إلا مثله أو قيمته ومنهم من قال نسخه الخراج بالضمان
214

من تمر الحلبة الأولى ولو جاء باللبن بعينه الذي حلبه لم يقبل منه ولزمه غرم الصاع ولو لم يردها للحلبة الثانية وظن أن نقص لبنها كان من استنكار الموضع فحلبها ثالثة فتبين له صرها فأراد ردها فإنه يحلف بالله ما كان ذلك ممن رضي ويرد معها الصاع الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف المتأخرون من أصحاب مالك على القولين اللذين قدمنا ذكرهما في مشتري عدد من الغنم فوجدها كلها مصراة فبعضهم قال يرد عن كل واحدة صاعا من تمر وقال بعضهم بل يرد عن جميعها صاعا واحدا من تمر تعبدا لأنه ليس بثمن اللبن ولا قيمته وقال الشافعي في المصراة يردها ويرد معها صاعا من تمر لا يرد غير التمر وكذلك قال ابن أبي ليلى والليث بن سعد وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ويجيء على أصولهم أن التمر إذا عدم وجب رد قيمته وقد روي عن ابن أبي ليلى وأبي يوسف أنهما قالا يعطي معهما قيمة اللبن
215

وقال زفر يردها ويرد معها صاعا من تمر أو نصف صاع من بر وقال أبو حنيفة إذا حلبها لم يردها وإنما يرجع بنقصان العيب قال أبو عمر سواء كان اللبن المحلوب من
المصراة حاضرا أو غائبا لا يرد اللبن وإنما يرد البدل المذكور في هذا الحديث لأنه قد أمر برد الصاع لا اللبن فلو رد اللبن كان قد فعل غير ما أمر به وهو نص لا يجوز خلافه إلى القياس ومعلوم أنه لا يستبين أنها مصراة إلا بالحلبة الثانية وإذا كان ذلك كذلك علم أن لبن الحلبة الأولى قد فات أو تغير فلو ألزموا المبتاع مثله خالفوا ظاهر الخبر إلى القياس وذلك غير جائز وأما أصحابنا فيزعمون أنه لو رد اللبن دخله بيع الطعام قبل أن يستوفى لأنه كأنه قد وجب له الصاع (تمرا) (1) فأخذ فيه اللبن وباعه قبل أن يستوفيه ويدخل عليهم مثل ذلك في قولهم يعطي بدل التمر صاعا من قوته وعيشه وبالله التوفيق
216

والكالئ بالكالئ لأن لبن المصراة دين في ذمة المشتري وإذا ألزمناه في ذمته صاعا من تمر كان الطعام بالطعام نسيئة ودينا بدين وهذا كله منسوخ بما ذكرنا وأكثروا من التشغيب في ذلك بعد إجماعهم على أنه منسوخ كما نسخت العقوبات في الغرامات بأكثر من المثل في مانع الزكاة أنها تؤخذ منه مع شطر ماله وفي سارق التمر من غير الجرين غرامة مثليه وجلدات نكال ونحو ذلك وقال ابن أبي ليلى ومالك والشافعي والثوري هو بخير النظرين إذا احتلبها ووجد حلابها بخلاف ما ظهر فإن ردها رد معها صاعا من تمر ولا يرد اللبن الذي حلب وإن كان قائما بعينيه قال مالك وأرى لأهل كل بلد أن يعطوا الصاع من عيشهم حنطة أو غيرها قالوا وإنما تستبين المصراة ويعلم بأنها مصراة إذا حلبها المشتري مرتين أو ثلاثا فنقص اللبن في كل مرة عما كان (عليه) (1) في الأولى وقال مالك إنما يختبر بالحلاب الثاني فإذا حلب ما يعلم أنه قد اختبرها به فهو رضى
217

وقال روي عن زيد بن الهذيل في نوادر تنسب إليه فيمن اشترى شاة مصراة قال هو بالخيار ثلاثا ليحلبها فإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر أو نصف صاع من بر قال وإن اشتراها وليست بمحفلة فاحتلبها فليس له أن يردها ولكنه يرجع بنقصان العيب لأنا اتبعنا الأثر في المحفلة فإن حدث في (1) المحفلة عيب فإنه يرد النقصان إلا أن يرضى البائع أن يأخذها كما هي قال أبو عمر تلخيص اختلاف الفقهاء في هذا الباب أن نقول قال مالك من اشترى مصراة فاحتلبها ثلاثا فإن رضيها أمسكها وإن سخطها لاختلاف لبنها ردها ورد معها صاعا من قوت ذلك البلد تمرا كان أو برا أو غير ذلك وبه قال الطبري وقال عيسى بن دينار في مذهب مالك لو علم مشتري المصراة أنها مصراة بإقرار البائع فردها قبل أن يحلبها لم يكن عليه غرم لأنه لم يحلب اللبن الذي من أجله يلزم غرم الصاع قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه قال عيسى ولو حلبها مرة ثم حلبها ثانية فنقص لبنها ردها ورد معها صاعا
218

قال أبو عمر جعل العراقيون والشافعي حديث المصراة من رواية ابن سيرين ومحمد بن زياد ومن تابعهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أصلا في الخيار أنه لا يكون أكثر من ثلاثة أيام وذهب مالك إلى أن الخيار لا حد فيه وإنما هو على ما شرطه المتبايعان مما يليق ويعرف من مدة اختيار مثل تلك السلعة وحجته في ذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم إلا بيع الخيار وقد مضى القول في الخيار ممهدا في باب نافع والحمد لله رب العالمين
219

حديث ثان وعشرون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (1) إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ثم ليستنثر ومن استجمر فليوتر (2) هكذا رواه يحيى فليجعل في أنفه ثم ليستنثر ولم يقل ماء وهو مفهوم من الخطاب وهكذا وجدناه عند جماعة شيوخنا إلا فيما حدثناه أحمد بن محمد عن أحمد بن مطرف عن عبيد الله بن يحيى عن أبيه فإنه قال فيه فليجعل في أنفه ماء وأما القعنبي فلم يقل ماء في رواية علي بن عبد العزيز عن القعنبي ورواه أبو داود عن القعنبي فقال فيه فليجعل في أنفه ماء (3) وكذلك رواية ابن بكير ومعن وجماعة عن
220

مالك فليجعل في أنفه ماء وعند أكثر الرواة هو هكذا فليجعل في أنفه ماء وقال أبو خليفة الفضل بن حباب القاضي البصري عن القعنبي في هذا الحديث فليجعل في أنفه ماء وهذا كله معنى واحد والمراد مفهوم ورواية ورقاء لهذا الحديث عن أبي الزناد كما روى يحيى عن مالك لم يقل ماء قرأت على عبد الله بن محمد بن يوسف أن عبيد الله بن محمد بن بي غالب حدثهم قال حدثنا محمد بن محمد بن بدر الباهلي قال حدثنا رزق الله بن موسى قال حدثنا شبابة قال حدثنا ورقاء بن عمر اليشكري عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أحدكم توضأ فليجعل في أنفه ثم يستنثر قال أبو عمر في هذا الحديث الأمر بالاستنثار بالماء عند الوضوء وذلك دفع الماء بريح الأنف بعد الاستنشاق والاستنشاق أخذ الماء بريح الأنف من الكف والاستنثار دفعه ومحال أن يدفعه من لم يأخذه ففي الأمر بالاستنثار أمر بالاستنشاق فافهم وعلى ما وصفت لك في الاستنشاق والاستنثار جمهور العلماء وأصل هذه اللفظة في اللغة القذف يقال نثر
221

واستنثر بمعنى واحد وذلك إذا قذف من أنفه ما استنشق مثل الامتخاط ويقال الجراد نثرة حوت أي قذف به من أنفه وقد روى ابن القاسم وابن وهب عن مالك قال الاستنثار أن يجعل يده على أنفه ويستنثر قيل لمالك أيستنثر من غير أن يضع يده على أنفه فأنكر ذلك وقال إنما يفعل ذلك الحمار وسئل مالك عن المضمضة والاستنثار مرة أم مرتين أم ثلاثا فقال ما أبالي أي ذلك فعلت وكل ذلك جائز عند مالك وجميع أصحابه أن يتمضمض ويستنثر من غرفة واحدة قال أبو عمر أما لفظ الاستنشاق فلا يكاد يوجد الأمر به إلا في رواية همام عن أبي هريرة وفي حديث أبي رزين العقيلي واسمه ليقط بن صبرة ويوجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق من حديث عثمان وعلي وعائشة وغيرهم من وجوه وأما لفظ الاستنثار فمحفوظ الأمر به من حديث ابن عباس ومن طريق أبي هريرة من رواية أبي إدريس الخولاني والأعرج وعيسى بن طلحة وغيرهم عن أبي هريرة وقد ذكرنا خبر أبي إدريس الخولاني في باب ابن شهاب من كتابنا هذا وذكرنا هناك الحكم في الاستجمار وما للعلماء في
222

ذلك من الوجوه والاختيار (1) وذكرنا أقوالهم في الاستنثار في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي من كتابنا هذا (2) ونزيد القول ههنا بيانا في ذلك إن شاء الله حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط عن أبيه قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال أسبغ الوضوء وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما (3) ورواه الثوري عن أبي هاشم عن عاصم بإسناده مثله ورواه ابن جريج عن إسماعيل بن كثير بإسناده مثله حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال حدثنا نعيم بن
حماد قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا ابن أبي ذئب عن قارظ بن شيبة عن أبي غطفان قال دخلت على ابن عباس فوجدته يتوضأ فمضمض واستنثر ثم قال قال رسول
223

الله صلى الله عليه وسلم استنثروا اثنتين بالغتين أو ثلاثا وذكره أبو داود عن إبراهيم بن موسى عن وكيع عن ابن أبي ذئب عن قارظ عن أبي غطفان عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استنثروا مرتين بالغتين (1) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير (2) قال حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استنشقت فانثر وإذا استجمرت فأوتر وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو إسماعيل قال حدثنا نعيم قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخره من الماء ثم لينثره (3)
224

قال أبو عمر هذا أبين حديث في الاستنشاق والاستنثار وأصحها إسنادا وأجمع المسلمون طرا أن الاستنشاق والاستنثار من الوضوء وكذلك المضمضة ومسح الأذنين واختلفوا فيمن ترك ذلك ناسيا أو عامدا فكان أحمد بن حنبل يذهب إلى أن من ترك الاستنثار في الوضوء ناسيا أو عامدا أعاد الوضوء والصلاة وبه قال أبو ثور وأبو عبيد في الاستنثار خاصة وهو قول داود في الاستنثار خاصة أيضا وكان أبو حنيفة والثوري وأصحابهما يذهبون إلى إيجاب المضمضة والاستنشاق في الجنابة دون الوضوء وكانت طائفة توجبهما في الوضوء والجنابة وقد تقدم ذكرهم في باب زيد بن أسلم (1) وأما مالك والشافعي والأوزاعي وأكثر أهل العلم فإنهم ذهبوا إلى أن لا فرض في الوضوء واجب إلا ما ذكره الله عز وجل في القرآن وذلك غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين وقد مضى القول في أحكام المضمضة والاستنشاق ومسح الأذنين مستوعبا ممهدا بعلله وأوضحنا وجوه الأقاويل فيه عند ذكر حديث الصنابحي في باب زيد بن أسلم وذكرنا أحكام الاستجمار والاستنجاء بالأحجار في باب ابن شهاب عن
225

أبي إدريس من كتابنا هذا (2) والحمد لله والذي يتحصل من مذهب مالك أن الوتر في الاستجمار ليس بواجب ولكنه مندوب إليه سنة وقد تابع مالكا على هذا جماعة قد ذكرناهم في باب ابن شهاب عن أبي إدريس (من هذا الكتاب) (1) وذكرنا الحجة من جهة الأثر والنظر لهم ولمن خالفهم هناك (2) والحمد لله وقد كان ابن عمر يستحب الوتر في تجمير ثيابه وكان يستعمل العموم في قوله صلى الله عليه وسلم ومن استجمر فليوتر فكان يستجمر بالأحجار وترا وكان يجمر ثيابه وترا تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم ومستعملا عموم الخطاب والله الموفق للصواب وقد جاء في الأثر (3) المرفوع أن الله وتر يحب الوتر (4)
226

حديث ثالث وعشرون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه (1) فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده (2) لم تختلف الرواية عن مالك في حديث أبي الزناد هذا في قوله فليغسل يده قبل أن يدخلها بغير توقيت ولا تحديد في الغسلات وكذلك رواية الأعرج فيما علمت عن أبي هريرة في هذا الحديث بغير توقيت كما قال مالك عن أبي الزناد سواء وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمان بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة رفعه قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسل يده أو يفرغ فيها فإنه لا يدري أين باتت يده
227

وكذلك رواه عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة ذكر حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار قال سمعت أبا هريرة يقول إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يضع يده في الإناء حتى يغسلها فإنه لا يدري على ما باتت يده فقال له قين أرأيت إذا أتينا مهراسكم (1) هذا بالليل فكيف نصنع فقال أعوذ بالله من شرك يا قين هكذا سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول وكذلك رواية همام بن منبه عن أبي هريرة أيضا سواء بغير توقيت ذكره (2) عبد الرزاق عن معمر قال حدثنا همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده وكذلك رواه ثابت مولى عبد الرحمان بن زيد عن أبي هريرة بغير تحديد ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن ثابت مولى عبد الرحمان بن زيد أنه أخبره أنه سمع أبا
228

هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان أحدكم نائما ثم استيقظ فأراد الوضوء فلا يضع يده في الإناء حتى يصب على يده فإنه لا يدري اين باتت يده واختلف في هذا اللفظ عن ابن سيرين فروي عنه هذا الحديث عن أبي هريرة بغير توقيت كرواية الأعرج ومن تابعه وروي عنه فيه غسل اليد ثلاثا وكذلك روى هذا الحديث سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمان وأبو صالح وأبو رزين عن أبي هريرة فقالوا فيه حتى يغسلها ثلاثا وبعضهم قال فيه مرتين أو ثلاثا حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا أحمد بن إبراهيم الفرضي قال حدثنا عمرو بن محمد بن بكير الناقد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري حيث باتت يده ورواه ابن أبي عمر عن ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة أن رسول الله
229

صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده قيل لسفيان يعني مس الذكر قال نعم ولم يأت فيه شيء أشد منه ورواه الأوزاعي عن الزهري بإسناده مثله إلا أنه قال فيه مرتين أو ثلاثا وروى هذا الحديث ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن أبي هريرة أنه أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فليفرغ على يده ثلاث مرات قبل أن يدخلها الإناء ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا قام أحدكم من النوم فليفرغ على يده (1) من إنائه ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده قال قين الأشجعي فإذا جئت مهراسكم هذا كيف أصنع فقال أبو هريرة أعاذنا الله من شرك يا قين وكذلك رواه أبو مريم عن أبي هريرة
230

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ومحمد بن سلمة المرادي قالا حدثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح
عن أبي مريم قال سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده وأين كانت تطوف يده (1) ورواه عبد الرحمان بن مهدي قال حدثنا معاوية بن صالح عن أبي مريم عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام مثله سواء قال حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده ولم يزد وأما رواية أبي صالح وأبي رزين لهذا الحديث فحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة يرفعه قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء
231

حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده هكذا قال عن وكيع لم يذكر أبا رزين مع أبي صالح وكذلك رواه عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة لم يذكر أبا رزين وقال (1) مرتين أو ثلاثا ذكره أبو داود عن مسدد عن عيسى بن يونس (2) وقد حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح وابن رزين عن أبي هريرة يرفعه فذكر الحديث كما تقدم لوكيع سواء وذكر أبا رزين مع أبي صالح وهو صحيح حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده (3)
232

وروى هذا الحديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فقال فيه حتى يغسلها ثلاثا وهو عندي وهم في حديث أبي الزناد وأظنه حمله على حديث الزهري والله أعلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده هكذا قال حامد عن سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة لم يذكر سعيدا وكذلك رواه قتيبة بن سعيد عن ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ولم يذكر سعيدا ورواه الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ذكرنا له
233

وقد حدث به معمر عن الزهري مرة عن سعيد عن أبي هريرة ومرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة فدل على أن الحديث صحيح لهما عن أبي هريرة وكذلك هو صحيح لهما ولكل (1) من ذكرنا من رواته في هذا الكتاب عن أبي هريرة وهو حديث مجتمع على صحته عند أهل النقل (وأما رواية ابن عيينة لحديث أبي الزناد فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن واضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الماء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده) (2) قال أبو عمر احتج بعض أصحاب الشافعي لمذهبهم في الفرق بين ورود الماء على النجاسة وبين ورودها عليه بهذا الحديث وقالوا ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خاف على النائم المستيقظ من نومه القائم منه إلى وضوئه أن تكون في يده نجاسة أمره بطرح الماء من الإناء على يده ليغسلها ولم يأمره بإدخال يده في الإناء ليغسلها فيه
234

بل نهاه عن ذلك قال فدلنا (1) ذلك على أن النجاسة إذا وردت على الماء القليل أفسدته ومنعت من الطهارة به وإن لم تغيره قال (2) ودلنا ذلك أيضا على أن ورود الماء على النجاسة لا تضره وأنه بوروده عليها مطهر لها وهي غير مفسدة له لأنها لو أفسدته مع وروده عليها لم تصح طهارة أبدا في شيء من الأشياء واحتجوا أيضا بنهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم وبحديث ولوغ الكلب في الإناء وبنحو ذلك من الآثار مع أمره بالصب على بول الأعرابي قال أبو عمر أما لو لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الماء غير هذا الحديث لساغ في الماء بعض هذا التأويل ولكن قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الماء أنه لا ينجسه شيء يريد إلا ما غلب عليه بدليل الإجماع على ذلك وهذا الحديث موافق لما وصف الله عز وجل به الماء في قوله * (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) * 3 يعني لا ينجسه شيء إلا أن يغلب عليه
235

وقد أجمعوا معنا على أن ورود الماء على النجاسة لا يضره وأنه مطهر لها وطاهر في ذاته إن لم يتغير بها طعمه أو لونه أو ريحه فإن بذلك صحة قولنا وعلمنا بكتاب الله وسنة رسوله أن أمره صلى الله عليه وسلم القائم من نومه أن لا يغمس يده في وضوئه إنما ذلك ندب وأدب وسنة قائمة لمن كانت يده طاهرة وغير طاهرة لأنه لو أراد بذلك النجاسة لأمر بغسل المخرجين أولا ولقال إذا قام أحدكم من نومه لفينظر يده فإن لم يكن فيها نجاسة أدخلها في وضوئه وإن كانت في يده نجاسة غسلها قبل أن يدخلها هذا على مذهب من جعل قوله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يدري أين باتت يده علة احتياط خوف إصابته بها نجاسة وذلك أنهم كانوا يستنجون بالأحجار من غير ماء فالأحجار لا بد أن يبقى فيها أثر فربما حكه أو مسه بيده فأمروا بالاحتياط في ذلك ومن جعل ذلك ندبا وسنة مسنونة قال اليد على طهارتها وليس الشك بعامل فيها والماء لا ينجسه شيء والله أعلم وقد أجمع جمهور العلماء على أن الذي يبيت في سراويله وينام فيها ثم يقوم من نومه ذلك أنه مندوب إلى غسل يده قبل أن يدخلها في إناء وضوئه ومنهم من أوجب عليه مع حاله هذه غسل يده فرضا على ما نذكره في هذا الباب إن شاء الله
236

ومعلوم أن من بات في سراويله لا يخاف عليه أن يمس بيده نجاسة في الأغلب من أمره فعلمنا بهذا كله أن المراد بهذا الحديث ليس كما ظنه أصحاب الشافعي والله أعلم وقد نقضوا قولهم في ورود الماء على النجاسة لأنهم يقولون إذا ورد الماء (1) على نجاسة في إناء أو موضع وكان الماء دون القلتين أن النجاسة تفسده وأنه غير مطهر لها فلم يفرقوا ههنا بين ورود الماء على النجاسة وبين ورودها عليه وشرطهم أن يكون (ورود) الماء (2) صبا مهراقا تحكم لا دليل عليه والله أعلم وقد أوضحنا مذهبنا في الماء في باب إسحاق من هذا الكتاب (3) والحمد لله وفي هذا الحديث من الفقه إيجاب الوضوء من النوم وهو أمر مجتمع عليه في النائم المضطجع الذي قد استثقل نوما وقال زيد بن أسلم وغيره في تأويل قول الله عز وجل * (إذا قمتم إلى الصلاة) * 4 قال إذا قمتم من المضاجع يعني النوم وكذلك قال السدي
237

وروي عن عمر وعلي ما يدل على أن الآية عني بها تجديد الوضوء في وقت كل صلاة إذا قام المرء إليها رواه أنس عن عمر وعكرمة عن علي وعن ابن سيرين مثل ذلك وهذا معناه أن يكون الوضوء على المحدث إذا قام إلى الصلاة واجبا وعلى غير المحدث ندبا وفضلا وروي عن ابن عباس وسعد بن أبي وقاص وأبي موسى الأشعري وجابر بن عبد الله وعبيدة السلماني وأبي العالية وسعيد بن المسيب والحسن وعن السدي أيضا والأسود بن يزيد وإبراهيم النخعي أن الآية عني بها حال القيام إلى الصلاة على غير طهر وهذا أمر مجتمع عليه وقال ابن عمر هذا أمر من الله لنبيه والمؤمنين ثم نسخ بالتخفيف وهذا يشبه مذهب من ذهب إلى أن السنة تنسخ القرآن قال أبو عمر قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الصلوات كلها بوضوء واحد وأجمعت الأمة على أن ذلك جائز وفي ذلك كفاية عن كل قول حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان بن سعيد عن عمرو
238

ابن عامر عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة قلت فأنتم قال إنا لنجتزئ بوضوء واحد ما لم نحدث وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عيسى قال أخبرنا شريك عن عمرو بن عامر البجلي قال محمد هو أبو أسد بن عمرو (1) قال سألت أنس بن مالك عن الوضوء فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحد (2) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قالا حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد ومسح على خفيه فقال له عمر إني رأيتك صنعت شيئا لم تكن صنعته قال عمدا صنعته
239

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمان عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله قال (1) إني عمدا فعلته يا عمر حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا عبد الرحمان بن زياد عن أبي عطيف قال كنا عند ابن عمر في مجلس في داره فلما نودي بالظهر دعا بماء فتوضأ ثم خرج إلى الصلاة فلما صلى رجع إلى مجلسه فلما نودي بالعصر دعا بوضوء فتوضأ ثم خرج إلى الصلاة فلما صلى رجع إلى مجلسه فلما نودي بالمغرب دعا بوضوء فتوضأ فقلت له أسنة ما نراك تصنع فقال (2) وقد فطنت لذلك مني قلت نعم قال لا وإن كان وضوئي للصبح لكاف
240

للصلوات كلها ما لم أحدث ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات فإنما رغبت في ذلك يا ابن أخي قال أبو عمر فقد تبين بهذه الأحاديث أن الوضوء للصلاة ليس بواجب على القائم إليها إذا كان على وضوء وأن دخول الوقت وحضور الصلاة لا يوجبان على من لم يحدث وضوءا وعلماء المسلمين متفقون على ذلك فبان بهذا تأويل قول الله عز وجل ومراده من كلامه حيث يقول * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) * الآية وصح أن المراد بذلك من لم يكن على وضوء ومن كان على وضوء فإنما هو مندوب إلى ذلك له فيه فضل كامل تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده أو يغمس يده في وضوئه الحديث ما يدل على أن على القائم من النوم الوضوء واختلف العلماء في النوم هل هو حدث كسائر الأحداث أم له حكم منفرد في ذلك فجملة مذهب مالك أن كل نائم (1) استثقل نوما وطال نومه على أي حال كان فقد وجب عليه الوضوء
241

وقال مالك من نام مضطجعا أو ساجدا فليتوضأ ومن نام جالسا فلا وضوء عليه إلا أن يطول وهو قول الزهري وربيعة والأوزاعي في رواية الوليد بن مسلم قال من نام قليلا لم ينتقض وضوءه فإن تطاول ذلك توضأ وبه قال أحمد بن حنبل وروى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي أنه سأل ابن شهاب الزهري عن الرجل ينام جالسا حتى يستثقل قال إذا استثقل نوما فإنا نرى أن يتوضأ وأما من كان نومه غرارا ينام ويستيقظ ولا يغلبه النوم فإن المسلمين قد كان ينالهم ذلك ثم لا يقطعون صلاتهم ولا يتوضؤون منه قال الوليد وسمعت أبا عمرو يعني الأوزاعي يقول إذا استثقل نوما توضأ وروى محمود بن خالد عن الأوزاعي قال لا وضوء من النوم وإن توضأ ففضل أخذ به وإن ترك فلا حرج ولم يذكر عنه الفضل بين أحوال النائم وسئل الشعبي عن النوم فقال إن كان غرارا لم ينقض الطهارة قال أبو عمر الغرار هو القليل من النوم قال جرير
242

* ما بال نومك (1) بالفراش غرارا
* لو كان قلبك يستطيع لطارا
* وقال أبو حنيفة وأصحابه لا وضوء إلا على من نام مضطجعا أو متوركا وقال أبو يوسف إن تعمد النوم في السجود فعليه الوضوء وقال الثوري والحسن بن حي لا وضوء إلا على من اضطجع وهو قول حماد والحكم وإبراهيم وجاء (2) عن عمر بن الخطاب إذا نام أحدكم مضطجعا فليتوضأ وروى أبو خالد يزيد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما الوضوء على من نام مضطجعا وهو عندهم حديث منكر لم يروه أحد من أصحاب قتادة الثقات وإنما انفرد به أبو خالد الدالاني وأنكره عليه وليس بحجة فيما نقل وقال الليث بن سعد إذا تصنع للنوم جالسا فعليه الوضوء ولا وضوء على القائم والجالس إذا غلبه النوم توضأ وقال الشافعي على كل نائم الوضوء إلا الجالس وحده فكل من زال عن حد الاستواء ونام فعليه الوضوء وسواء نام
243

قاعدا أو ساجدا أو قائما أو راكعا أو مضطجعا وهو قول الطبري وداود بن علي وروي عن علي وابن مسعود وابن عمر أنهم قالوا من نام جالسا فلا وضوء عليه وروي عن ابن عباس أنه قال وجب الوضوء على كل نائم (1) إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين رواه هشيم عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس ورواه الثوري عن يزيد عن مقسم عن ابن عباس قال وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق خفقة برأسه وقال الحسن وسعيد بن المسيب إذا خالط النوم قلب أحدكم واستحلى نوما فليتوضأ
وروي ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وبه قال إسحاق وأبو عبيد وهو معنى قول مالك وكان عبد الله بن المبارك يقول إن نام ساجدا في صلاته فلا وضوء عليه وإن نام ساجدا في غير صلاته فعليه الوضوء وكذلك إن تعمد النوم جالسا وهو في (2) صلاته فعليه الوضوء
244

وروي عن أبي موسى الأشعري ما يدل على أن النوم عنده ليس بحدث على أي حال كان حتى يحدث النائم حدثنا غيرالنوم لأنه كان ينام ويوكل من يحرسه وروي عن عبيدة نحو ذلك وروي عن سعيد بن المسيب أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة ثم يصلي ولا يعيد الوضوء للصلاة وقال المزني صاحب الشافعي النوم حدث وقليله وكثيره يوجب الوضوء كسائر الأحداث قال أبو عمر حجة من ذهب مذهب المزني (1) في النوم حديث صفوان بن عسال مع القياس على ما أجمعوا عليه في أن غلبة النوم وتمكنه يوجب الوضوء إلا شيء روي عن أبي موسى وعبيجة محتمل للتأويل ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب (2) عن ابن سيرين قال سألت عبيدة أيتوضأ الرجل إذا نام قال هو أعلم بنفسه (3)
245

وأما حديث صفوان بن عسال فحدثناه محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال أخبرنا خالد قال حدثنا شعبة عن عاصم أنه سمع زر بن حبيش يحدث قال أتينا رجلا يدعى صفوان بن عسال فقعدت على بابه فخرج فقال ما شأنك قلت أطلب العلم قال إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم (رضي بما يطلب) (1) قال عن أي شيء تسأل قلت عن الخفين قال كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثا إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم قالوا ففي هذا الحديث التسوية بين الغائط والبول والنوم قالوا والقياس أنه لما كان كثيره وما غلب على العقل منه حدثا وجب أن يكون قليله حدثا قال أبو عمر هذا قول شاذ غير مستحسن والجمهور من العلماء على خلافه والآثار كلها عن الصحابة ترفعه وقد يحتمل قوله لكن من غائط وبول ونوم ثقيل غالب على النفس والله أعلم
246

وكذلك ما روي عن أبي موسى أنه كان يوكل من يحرسه إذا نام فإن لم يخرج منه حدث قام من نومه وصلى قول شاذ أيضا والناس على خلافه وقد يمكن أن يحتج من ذهب بحديث علي بن أبي طالب وحديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حيوة بن شريح في آخرين قالوا حدثنا بقية بن الوليد قال حدثنا الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمان بن عائذ (1) الأزدي عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاء السه العينان فمن نام فليتوضأ (2) وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا محمد بن مصفى قال حدثنا بقية فذكر بإسناده مثله وبهذا الإسناد عن بقية قال حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس عن معاوية بن أبي سفيان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العين وكاء السه فإذا نامت العين استطلق الوكاء
247

قال أبو عمر هذان الحديثان ليسا بالقويين وأصح ما في هذا الباب من جهة الإسناد والعمل ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة يعني العشاء فأخرها حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ثم خرج علينا فقال ليس (1) أحد ينتظر الصلاة غيركم (2) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شاذ بن فياض قال أخبرنا هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون (3) قال أبو داود ورواه شعبة عن قتادة وزاد فيه كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (4)
248

رواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر وشعبة بلفظ آخر وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب قالا حدثنا حماد عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال أقيمت صلاة العشاء فقام رجل فقال يا رسول الله إن لي حاجة فجعل يناجيه حتى نعس القوم أو بعض القوم ثم صلى بهم ولم يذكر وضوءا (1) فهذه الآثار كلها تدل على أن النوم إذا عرض للإنسان وهو جالس لا ينقض وضوءه ويحتمل مع هذا أن يكون ذلك النوم كان خفيفا والنوم الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان ينام في صلاته حتى ينفخ ثم يصلي ولا يتوضأ روي عنه أنه كان في سجوده وكان ابن عباس ينكر أن يكون كان ذلك منه وهو ساجد وقال كان النوم منه صلى الله عليه وسلم وهو جالس كذلك (2) حكى يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
249

قال أبو عمر ليس بنا حاجة إلى هذا في النبي صلى الله عليه وسلم لأنه محفوظ مخصوص بأن تنام عيناه ولا ينام قلبه صلى الله عليه وسلم وإنما النوم الموجب للوضوء ما غلب على القلب أو خالطه وقد روي عن أبي هريرة قال من استحق النوم فعليه الوضوء وأبو هريرة هو الراوي للخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال عطاء إذا ملكك النوم فتوضأ قاعدا أو مضطجعا (1) وعن معمر عن قتادة عن أنس قال لقد رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة وإني لأسمع لبعضهم غطيطا يعني وهو جالس وما يتوضأ قال معمر فحدثت به الزهري فقال رجل عنده أو خطيطا فقال الزهري لا قد أصاب غطيطا وذكر عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان ينام وهو جالس فلا يتوضأ وإذا نام مضطجعا أعاد الوضوء (2)
250

وعن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله (1) فهذا عبد الله بن عمر قد فرق بين النوم جالسا ومضطجعا وعبد الرزاق (2) عن الثوري عن الأعمش عن ثابت بن عبيد (3) قال انتهيت إلى ابن عمر وهو جالس ينتظر الصلاة فسلمت فاستيقظ فقال أثابت قلت نعم قال أسلمت قلت نعم قال إذا سلمت فأسمع وإذا ردوا عليك فليسمعوك قال ثم قام فصلى وكان محتبيا قد نام (4) وعبد الرزاق (5) عن ابن جريج عن إبراهيم بن ميسرة أن طاوسا رقد يوم الجمعة والضحاك يخطب الناس قال فلما صلينا وخرجنا قال ما قال حين رقدت (6) فهذه الآثار كلها تدل على أن من نام جالسا لا شيء عليه وقد تأول بعضهم قوله صلى الله عليه وسلم في حديث هذا الباب
فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده (7) أن ذلك على نوم الليل والمعروف منه في الأغلب الاضطجاع والاستثقال لعلى هذا خرج الحديث والله أعلم
251

وأما قوله في هذا الحديث فلا يغمس يده في وضوئه فإن أكثر أهل العلم ذهبوا إلى أن ذلك منه ندب لا إيجاب وسنة لا فرض وكان مالك رحمه الله يستحب لكل من أراد الوضوء أن يغسل يده قبل أن يدخلها الإناء وسواء كان على وضوء أو على غير وضوء ولقد روى عنه أشهب في ذلك تأكيدا واستحبابا (1) وروى ابن وهب وابن نافع عن مالك في المتوضئ يخرج منه ريح بحدثان وضوئه ويده طاهرة قال يغسل يده قبل أن يدخلها الإناء أحب إلي قال ابن وهب وقد كان قال لي قبل ذلك إن كانت يده طاهرة فلا بأس أن يدخلها في الوضوء قبل أن يغسلها ثم قال لي أحب إلي أن يغسل يده إذا أحدث قبل أن يدخلها في وضوئه (2) وإن كانت يده طاهرة وذكر ابن عبد الحكم عن مالك قال من استيقظ من نومه أو مس فرجه أو كان جنبا أو امرأة حائضا (3) فأدخل أحدهم (4) يده في وضوئه فليس ذلك يضره إلا أن تكون في يده
252

نجاسة كان ذلك الماء قليلا أو كثيرا ولا يدخل أحد منهم (1) يده في وضوئه حتى يغسلها قال أبو عمر الفقهاء على هذا كلهم يستحبون ذلك ويأمرون به فإن أدخل يده أحد بعد قيامه من نومه في وضوئه قبل أن يغسلها ويده نظيفة لا نجاسة فيها فليس عليه شيء ولا يضر ذلك وضوءه وعلى ذلك أكثر أهل العلم فإن كانت في يده نجاسة نظر إلى الماء ورجع كل واحد من الفقهاء حينئذ إلى أصله في الماء على ما قدمنا عنهم في باب إسحاق من كتابنا هذا وكان الحسن البصري فيما روى عنه أشعث يقول إذا استيقظ أحدكم من النوم فغمس يده في الإناء قبل أن يغسلها أهراق الماء وإلى هذا ذهب أهل الظاهر فلم يجيزوا الوضوء به لأنه عندهم ماء منهي عن استعماله هذا معنى النهي عن غمس اليد فيه عندهم كأنه قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في إناء وضوئه فإن فعل فلا يتوضأ بذلك الماء وإلى هذا المعنى ذهب بعض أصحاب داود وتحصيل مذهب داود وأكثر أصحابه (2) أن (3)
253

فاعل ذلك عاص إذا كان بالنهي عالما والماء طاهر والوضوء به جائز ما لم تظهر فيه نجاسة وقد روى هشام عن الحسن قال من استيقظ فغمس يده في وضوئه (1) فلا يهريقه وعلى هذا جماعة الفقهاء إلا أن من أدخل يده في الإناء إذا استيقظ من نومه قبل أن يغسلها فقد أساء عندهم إذا كان عالما بالخبر في ذلك ووضوءه بذلك الماء جائز وليس عليه أن يهريقه إذا كانت يده طاهرة واختلف عن الحسن البصري أيضا في الفرق بين نوم الليل والنهار فذكر المروزي عن إسحاق بن راهويه عن سهل بن يوسف عن بعض أصحابه عن الحسن أنه كان يساوي بين نوم الليل والنهار في غسل اليد قال المروزي وقد روينا عن الحسن خلاف هذا بأثبت من هذا الإسناد قال حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا النضر بن شميل قال حدثنا أشعث عن الحسن أنه كان لا يجعل نوم النهار مثل نوم الليل يقول لا بأس إذا استيقظ من نوم النهار أن يغمس يده في وضوئه وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل ذكر أبو بكر الأثرم قال سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسأل عن الرجل يستيقظ من نومه فيغمس يده في
254

الإناء قبل أن يغسلها فقال أما بالنهار فليس به عندي بأس وأما إذا قام من النوم بالليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها لأنه قال لا يدري أين باتت يده قال فالمبيت إنما يكون بالليل قيل لأبي عبد الله فما يصنع بذلك الماء قال إن صب الماء وأبدله فهو أحسن وأسهل قال أبو عمر أما المبيت فيشبه أن يكون ما قاله أحمد بن حنبل صحيحا فيه لأن الخليل قال في كتاب العين البيتوتة دخولك في الليل وكونك فيه بنوم وبغير نوم قال ومن قال بت بمعنى نمت وفسره على النوم فقد أخطأ قال ألا ترى أنك تقول بت أراعي النجم معناه بت أنظر إلى النجم قال فلو كان نوما كيف كان ينام وينظر إنما هو ظللت أراعي النجم قال وتقول أباتهم الله إباتة حسنة وباتوا بيتوتة صالحة واباتهم الأمر بياتا كل ذلك دخول الليل وليس من النوم في شيء وقال إسحاق بن راهويه لا ينبغي لأحد استيقظ ليلا أو نهارا إلا أن يغسل يده قبل أن يدخلها الوضوء قال والقياس في نوم النهار أنه مثل نوم الليل قال فإذا كان النائم ليلا يجب عليه أن يغسل يده قبل أن يدخلها الإناء لما ورد من ذلك في الحديث فنوم النهار مثل نوم الليل في القياس
255

قال أبو عمر لا أعلم أحدا قال بقول الحسن وأحمد بن حنبل في هذه المسألة غيرهما والناس على ما ذكرنا عن إسحاق في التسوية بين نوم الليل والنهار فإن أدخل يده في الإناء وهي طاهرة لا نجاسة فيها لم يضره عندهم ذلك وعلى جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن جابر عن الشعبي قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون أيديهم في الماء وهم جنب والنساء حيض فلا يفسد ذلك بعضهم على بعض وعبد الرزاق عن عمر بن ذر قال رأيت إبراهيم النخعي قرب له وضوءه فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها فقال له أمثلك يفعل هذا يا أبا عمران فقال إبراهيم ليس حيث تذهب يا أبا عمر أرأيت المهراس الذي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضؤون فيه كيف كانوا يصنعون به قال أبو عمر هذا عندنا على أن وضوءه ذلك كان في مطهرة وشبهها مما لم يمكنه أن يصب منه على يده فلذلك أدخل يده فيه والله أعلم وقد ذكر عبد الرزاق عن الثوري وابن عيينة عن الصلت بن بهرام قال رأيت إبراهيم النخعي يبول ثم يدخل يده في المطهرة
256

ومعمر عن قتادة عن ابن سيرين أنه كان يدخل يده في وضوئه وقد خرج من الكنيف قبل أن يغسلها وابن المبارك عن هشام عن ابن سيرين مثله وأيوب عن ابن سيرين عن عبيدة مثله وروى عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثنا مهدي بن ميمون قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال رأيت سالم بن عبد الله بال فأتى بركوة فيها ماء فغمس يده في جوف الركوة يغسلها وعبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال إذا غسلت كفي قبل أن أدخلها الإناء لم أغسلها مع الذراعين قال وإن غمست كفيك في الوضوء قبل أن تغسلها فتوضأت ثم ذكرت فلا تعد لوضوئك ولحسبك لعمري إنا لننسى ذلك كثيرا ثم لا تزيد على ذلك الماء وعن ابن جريج عن عطاء قال إن أمنت أن يكون بكفيك أذى أو قشب فلا يضرك أن تدخلهما في وضوئك قبل أن تغسلهما قال أبو عمر من جعل ترتيب الوضوء واجبا عضوا بعد عضو فلا يتحصل على أصله إلا أن يكون غسل اليدين قبل
257

إدخالهما في الوضوء بدءا وأما من أجاز تقديم غسل اليدين على الوجه فيجيء على أصله ما قال عطاء أنه لا يعيد غسل كفيه مع ذراعيه قال أبو عمر وروينا عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود والبراء بن عازب وجرير بن عبد الله أنهم كانوا يتوضؤون من المطاهر التي يتوضأ منها العوام ويدخلون أيديهم فيها ولا يغسلونها وذكر
وكيع عن سفيان ومسعر عن مزاحم بن زفر قال قلت للشعبي أكوز مخمر أحب إليك أن أتوضأ به أم (1) من المطهرة التي يدخل فيها الجزار يده قال لا بل المطهرة التي يدخل فيها الجزار يده (2) وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام بعض هذه الأحاديث في الوضوء من المطاهر ثم قال هذا كله قول أهل الحجاز والعراق إن هذه المطاهر لا ينجسها وضوء الناس منها وقال أبو عبد الله المروزي وكذلك القول عندنا قال ومعنى المطاهر هذه السقايات التي تكون فيها الحياض فيتوضأ
258

منها الصادر والوارد وإنما أرادت العلماء من هذا أنهم رأوا أن إدخاهلم أيديهم في الماء لا يفسده قال وعلى هذا أمر المسلمين أن رجلا لو (1) أدخل يده في الإناء قبل غسلها لم ينجس ذلك ماء إلا أنه مسيء في ترك غلسها لأن السنة أن يبدأ بغسلها قبل أن يدخلها الإناء وذكر المروزي (2) عن إسحاق عن عبد الله بن نمير عن الأشعث عن الشعبي قال النائم والمستيقظ سواء إذا وجب عليه الوضوء لم يدخل يده في الإناء حتى يغسلها قال حدثنا إسحاق قال حدثنا المعتمر عن سالم عن الحسن قال لا تغمسوا أيديكم في الإناء حتى تغسلوها وذكر عبد الرزاق عن معمر وابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان يغسل يديه قبل أن يدخلهما الماء عبد الرزاق عن ابن جريج قال حدثنا نافع عن ابن عمر أنه كان يغسل يديه قبل أن يدخلهما الوضوء ورواه عيسى بن يونس عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يدخل يده الإناء حتى يغسلها وذكر الحرث
259

ابن مسكين عن ابن وهب قال سمعت مالكا وسئل عن الرجل يخرج منه الحدث وهو طاهر أيغسل يده إذا أراد الوضوء فقال نعم وقد كان قال لي قبل ذلك إن كانت يده طاهرة فلا بأس أن يدخلها الوضوء قبل أن يغسلها قال وسئل عن المهراس الذي كان الناس يتوضؤون فيه فقال لم يكن يومئذ مهراس قال وقال مالك في الذي قال لأبي هريرة كيف بالمهراس فقال مالك أكره أن يعارض مثل هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحرث عن عبد الرحمان بن القاسم عن مالك أنه قيل له يا أبا عبد الله فالمهراس قال أي المهراس قيل أن قوما يتحدثون أنهم أدركوه ويذكرون أنه كان مهراس يتوضأ فيه الرجال والنساء فأنكر أن يكون ثم مهراس ورأيته يستحب أن يفرغوا على أيديهم قبل أن يدخلوا أيديهم في الماء وقال ما أرى الناس إلا وقد كان لهم القدح وغير ذلك وذكر المروزي قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا الفضل بن دكين قال رأيت سفيان يتوضأ من مطهرة المسجد ونحن في جنازة
260

حديث رابع وعشرون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه (1) هذا حديث ظاهره كباطنه وباطنه كظاهره في البيان عن ذم من هذه حالته وفعله وخلقه عصمنا الله برحمته وقد تأول قوم في هذا الحديث أنه الذي يرائي بعمله ويري الناس خشوعا واستكانة ويريهم أنه يخشى الله حتى يكرموه وليس الحديث على ذلك والله أعلم وقوله يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه يرد هذا التأويل وما يحتاج ذم الرياء إلى استنباط معنى من هذا الحديث وشبهه لأن الآثار فيه عن النبي عليه السلام وعن السلف أكثر من أن تحصى حدثنا خلف بن قاسم حدثنا يعقوب بن المبارك حدثنا الحسن بن مخلد حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني حدثنا
261

سليمان بن بلال عن عبيد الله بن سليمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام قال لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينا ومن هذا الحديث والله أعلم أخذ القائل قوله
* إن شر الناس من يكشر لي
* حين يلقاني وإن غبت شتم
* حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إبراهيم بن مهران حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار حدثنا علي بن هاشم عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة (1) وذكر البزار حدثنا محمد بن مسكين بن ثميلة حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن بلال عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينا عند الله
262

حديث خامس وعشرون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات (1) هكذا هذا الحديث في الموطأ بهذا الإسناد عند جميع رواته فيما علمت ورواه يعقوب بن الوليد عن مالك عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة وليس بمحفوظ لمالك بهذا الإسناد حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن هارون الأنماطي بمكة حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا جدي حدثنا يعقوب بن الوليد حدثنا مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا ولغ الكلب في الإناء غسل سبع مرات هذا عندي خطأ في الإسناد لا شك فيه والله أعلم
263

حدثني خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين العسكري حدثنا الربيع بن سليمان والمزني قالا حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وهكذا يقول مالك في هذا الحديث إذا شرب الكلب وغيره من رواة حديث أبي هريرة هذا بهذا الإسناد وبغيره على تواتر طرقه وكثرتها عن أبي هريرة وغيره كلهم يقول إذا ولغ الكلب ولا يقولون شرب الكلب وهو الذي يعرفه أهل اللغة وأما قوله في الحديث فليغسله سبع مرات ولم يزد ولا ذكر التراب في أخراهن ولا أولاهن فكذلك رواه الأعرج وأبو صالح وأبو رزين وثابت الأحنف وهمام بن منبه وعبد الرحمان أبو السري وعبيد بن حنين وثابت بن عياض مولى عبد الرحمان بن زيد وأبو سلمة كلهم رووه عن أبي هريرة ولم يذكروا التراب واختلف عن ابن سيرين في ذلك فروى هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
264

قال طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرار أولاهن بالتراب وكذلك رواه حبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وكذلك رواه أيوب في غير
رواية حماد بن زيد عنه عن محمد بن سيرين إلا أن أيوب وقفه على أبي هريرة وقال كان محمد ينحو بأحاديث أبي هريرة نحو الرفع ورواه حماد بن زيد عن أيوب فلم يذكر فيه التراب ورواه قتادة عن ابن سيرين أنه حدثه عن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات السابعة بالتراب ورواه خلاس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أخراهن بالتراب وبعضهم يقول في حديث خلاس إحداهن بالتراب وسائر رواة أبي هريرة لم يذكروا التراب لا في الأولى ولا في الآخرة ولا في شيء من الغسلات فهذا ما في حديث أبي هريرة وأما حديث عبد الله بن مغفل المزني فإنه جعلها ثمان غسلات منهما سبع غسلات بالماء وجعل الغسلة الثامنة بالتراب
265

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة قال حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت مطرفا يحدث عن ابن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ثم قال ما لهم وللكلاب ثم رخص لهم في كلب الصيد وقال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب وبهذا الحديث كان يفتي الحسن أن يغسل الإناء سبع مرات والثامنة بالتراب ولا أعلم أحدا كان يفتي بذلك غيره وفي هذا الحديث دليل على أن الكلب الذي أبيح اتخاذه هو المأمور فيه بغسل الإناء من ولوغه سبعا وهذا يشهد له النظر والمعقول لأن ما لم يبح اتخاذه وأمر بقتله محال أن يتعبد فيه بشيء لأن ما أمر بقتله فهو معدوم لا موجود وما أبيح لنا اتخاذه للصيد والماشية أمرنا بغسل الإناء من ولوغه حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن أبي رزين أنه رأى أبا هريرة يضرب جبهته بيده ثم يقول يا أهل العراق أتزعمون
266

أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون لكم المهنأ وعلي الإثم أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب قال أخبرنا شعبة عن الأعمش عن ذكوان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا ولغ الكلب في إناء فاغسلوه سبع مرات وذكر عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه قال قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات (1) قال أبو عمر اختلف العلماء في العمل بظاهر هذا الحديث واختلفوا في معناه أيضا على ما نذكره بعون الله فأما أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء المسلمين فإنهم يقولون إن الإناء يغسل من ولوغ الكلب سبع مرات بالماء
267

وممن روي ذلك بالطرق الصحاح أبو هريرة وابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وطاوس وعمرو بن دينار وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود الطبري ذكر المروزي قال أخبرنا أبو كامل قال حدثا أبو زرعة عن أبي حمزة قال سمعت ابن عباس يقول إذا ولغ الكلب في الإناء فاغلسه سبع مرار فإنه رجس ثم اشرب منه وتوضأ قال وحدثنا هدبة بن خالد قال حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال إذا ولغ الكلب في الإناء يغسل سبع مرار وعبد الرزاق عن معمر وابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسله سبع مرات وقال ابن جريج عن ابن طاوس وكان أبي لا يجعل فيه شيئا حتى يغسله سبع مرات (1) قال أبو عمر وفي هذه المسألة قول ثان روي عن الزهري وعطاء ذكر عبد الرزاق عن معمر قال سألت
268

الزهري عن الكلب يلغ في الإناء قال يغسل ثلاث مرات قال ولم أسمع في الهر شيئا (1) وذكر عن ابن جريج قال قلت لعطاء كم يغسل الإناء الذي يلغ فيه الكلب قال كل ذلك قد سمعت سبعا وخمسا وثلاث مرات (2) وفي المسألة قول ثالث قال (3) أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث بن سعد يغسل بلا حد قال أبو عمر قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ما يرد قول هؤلاء فلا وجه للاشتغال به ولقد روي عن عروة بن الزبير أنه كان له قدح يبول فيه فولغ فيه الكلب فأمر عروة بغسله سبعا اتباعا للحديث في ذلك واختلف الفقهاء أيضا في سؤر الكلب وما ولغ فيه من الماء والطعام فجملة ما ذهب إليه مالك واستقر عليه مذهبه عند أصحابه أن سؤر الكلب طاهر ويغسل الإناء من ولوغه سبعا تعبدا (4) استحبابا أيضا لا إيجابا وكذلك يستحب لمن وجد
269

ماء لم يلغ فيه الكلب مع ماء قد ولغ فيه كلب أن يترك الذي ولغ فه الكلب وغيره أحب إليه منه وجاءت عنه روايات في ظاهرها اضطراب والذي تحصل عليه مذهبه ما أخبرتك ولا عنده بأس بأكل ما ولغ فيه الكلب من اللبن والسمن وغير ذلك ويستحب هرق ما ولغ فيه من الماء وفي الجملة هو عنده طاهر وقال هذا الحديث ما أدري ما حقيقته وضعفه مرارا فيما ذكر ابن القاسم عنه وذكر عنه ابن وهب في هذا الإسناد في حديث المصراة أنه قال وهل في هذا الإسناد لأحد مقال وذلك حي بلغه أن أبا حنيفة وغيره من أهل العراق يردونه وروى ابن القاسم عنه أنه لا يغسل الإناء من ولوغ الكلب إلا في الماء وحده وروى ابن وهب عنه أنه يغسل من الماء وغيره وكل إناء ولغ فيه طعاما كان أو غيره يؤكل الطعام ويغسل الإناء بعد تعبدا ولا يراق شيء من الطعام وإنما يراق الماء عند وجوده ليسارة مؤونته قال أبو بكر الأبهري وروي عن مالك أنه يغسل الإناء من ولوغ الخنزير سبعا ولا يصح ذلك عنه وروى معن عن مالك غسل الإناء من ولوغ الخنزير بأكثر
270

وروى مطرف عن مالك مثل ذلك وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث بن سعد سؤر الكلب نجس ولم يحدوا الغسل منه قالوا إنما عليه أن يغسله حتى يغلب على ظنه أن النجاسة قد زالت وسواء واحد أو أكثر وقال الأوزاعي سؤر الكلب في الإناء نجس وفي المستنقع ليس بنجس قال ويغسل الثوب من لعابه ويغسل ما أصاب لحم الصيد من لعابه وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وأبو ثور والطبري سؤر الكلب نجس ويغسل الإناء منه سبعا أولاهن بالتراب وهو قول أكثر أهل الظاهر وقال داود سؤر الكلب طاهر وغسل الإناء منه سبعا فرض إذاولغ في الإناء وسواء كان في الإناء ماء أو غير ماء هو طاهر ويغسل منه الإناء سبعا ويتوضأ بالماء الذي ولغ فيه ويؤكل غير ذلك من الطعام والشراب الذي ولغ فيه قال أبو عمر من ذهب إلى أن الكلب ليس بنجس فسؤره عنده طاهر وغسل الإناء من ولوغه سبع مرات هو عنده تعبد في غسل الطاهر خصوصا لا يتعدى (1) ومن ذهب إلى أن
271

الكلب نجس وسؤره نجس ممن قال أيضا إن الإناء من ولوغه يغسل سبعا قال التعبد إنما وقع في عدد الغسلات من بين سائر النجاسات قال الشافعي وأصحابه الكلب
والخنزير نجسان حيين وميتين وليس في حي نجاسة سواهما قال وجميع أعضاء الكلب مقيسة على لسانه وكذلك الخنزير فمتى أدخل الكلب يده أو ذنبه أو رجله أو عضوا من أعضائه في الإناء غسل سبعا بعد هرق ما فيه (1) وقد أفسد ما في الإناء بولوغه ونجسه قال الشافعي وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهر إنه ليس بنجس دليل على أن في الحيوان من البهائم ما هو نجس وهو حي وما ينجس ولوغه قال ولا أعلمه إلا الكلب المنصوص عليه دون غيره قال والخنزير شر منه لأنه لا يجوز اقتناؤه ولا بيعه (2) ولا شراؤه عند أحد مع تحريم عينه ومما احتج به أصحاب الشافعي أيضا قوله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات قالوا فأمر بتطهير الإناء فدل على نجاسته
272

واحتجوا بما رواه علي بن مسهر وغيره عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله سبع مرات قالوا فأمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب كما أمر بإراقة السمن المائع إذا وجدت فيه ميتة وبطرح السمن الجامد الذي حول الفأرة إذا ماتت فيه قال أبو عمر أما هذا اللفظ في حديث الأعمش فليهرقه فلم يذكره أصحاب الأعمش الثقات الحفاظ مثل شعبة وغيره وأما قوله عليه السلام طهور إناء أحدكم فصحيح إلا أنه قد يقع التطهير على النجس وعلى غير النجس ألا ترى أن الجنب ليس بنجس فيما مس ولاصق وقد قال الله عز وجل * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * 1 فأمر الجنب بالتطهير وقال المخالف الانفصال من هذا أن الجنب غسله عبادة وليس الإناء مما يلحقه (2) عبادة ويدخل عليه أن الإناء يجوز أن يكون متعبدا فيه كما أن عدد الغسلات عبادة عنده وينفصل من هذا أيضا أن الأصل في الشرائع العلل وما كان لغير العلة ورد به التوقيف وفي هذه المسأل كلام
273

كثير بن الشافعيين والمالكيين يطول الكتاب بذكره وهي مسألة قد اختلف فيها السلف والخلف كما اختلفوا في مقدار الماء الذي يلحقه النجاسة وفيما مضى في سائر الكتاب في ذلك كفاية ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (1) وعن عبيد الله (2) بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكره سؤر الكلب (3) وذكر عن ابن جريج قال قلت لعطاء ولغ الكلب في جفنة فيها لبن فأدركوه عند ذلك فغرفوا حول ما ولغ فيه قال لا يشربوه (4) وذكر الوليد بن مسلم عن الأوزاعي وعبد الرحمان بن نمر أنهما سمعا الزهري يقول في إناء قوم ولغ فيه الكلب فلم يجدوا ماء غيره قال يتوضأ به قال فقلت للأوزاعي ما تقول في ذلك فقال أرى أن يتوضأ به ويتيمم قال الوليد فذكرته لسفيان الثوري فقال هذا والله الفقه فيه لقول الله
274

عز وجل * (فلم تجدوا ماء) * 1 وهذا ماء وفي النفس منه شيء فأرى أن يتوضأ به ويتيمم قال الوليد وقلت لمالك بن أنس والأوزاعي في كلب ولغ في إناء تور أو غيره فقالا لا يتوضأ به قلت لهما فلم أجد غيره فقالا توضأ به قلت لهما أيغسل الإناء من ولوغ الكلب المعلم سبعا كما يغسل من غير المعلم قالا نعم حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا عبد الرحمان بن إبراهيم دحيم قال حدثنا الوليد فذكره
275

حديث سادس وعشرون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها (1) قال أبو عمر هذا حديث صحيح ثابت مجتمع على صحته رواه عن أبي هريرة جماعة من أصحابه منهم سعيد بن المسيب وأبو سلمة وأبو صالح وغيرهم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو قلابة قال حدثنا أبو عاصم قال حدثنا همام عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وحدثنا همام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها وعلى خالتها
276

وأخبرنا أحمد بن فتح قال حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق الرازي قال حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج بن عبد الرحمان القطان قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني الليث بن سعد عن أيوب بن موسى عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن عبد الملك بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها قال أبو عمر أجمع العلماء عل القول بهذا الحديث فلا يجوز عند جميعهم نكاح المرأة على عمتها وإن علت ولا على ابنة أختها وإن سفلت ولا على خالتها وإن علت ولا على ابنة أخيها وإن سفلت والرضاعة في ذلك كالنسب وقد كان بعض أهل الحديث يزعم أن الحديث لم يروه أحد غير أبي هريرة وقد رواه علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر كما رواه أبو هريرة حدثنا يحيى بن عبد الرحمان وسعيد بن نصر قالا حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا معتمر بن سليمان قال قرأت على فضيل
277

ابن ميسرة عن أبي جرير قاضي سجستان أن عكرمة حدثهم عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها وقال إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن وذكر عبد الرزاق وغيره (1) عن الثوري عن عاصم عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها (2) وروى معمر عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنكح المرأة على ابنة أخيها ولا تنكح المرأة على عمتها ولا تنكح المرأة على خالتها ولا تنكح المرأة على ابنة أختها (3) وأظن قائل ذلك القول لم يصحح حديث الشعبي عن جابر وصحح حديث الشعبي عن أبي هريرة والحديثان جميعا صحيحان وقد روي هذا المعنى (4) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم
278

وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول كان ينهى أن تنكح المرأة على عمتها وعلى (1) خالتها وأن يطأ الرجل وليدة وفي بطنها جنين لغيره قال أبو عمر أما النهي عن وطء المرأة وفي بطنها جنين لغيره فمجتمع أيضا على تحريمه وقد روي بذلك من أخبار الآحاد العدول عن النبي عليه السلام حديثان أحدهما من حديث أبي سعيد الخدري والآخر من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض وكلاهما طريقه صالح حسن يحتج بمثله وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه ولد غيره وقد ذكرنا هذا الحديث في باب ربيعة عن محمد بن يحيى بن حبان (2) وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا تنكح على عمتها ولا على خالتها فإجماع العلماء على القول بظاهر هذا الحديث يغني عن قول كل قائل إلا أنهم اختلفوا في المعنى
المراد
279

به فقالت فرقة معناه كراهية القطيعة فلا يجوز أن يجمع بين امرأة وقريبتها وسواء كانت عمة أو بنت عم أو خالة أو بنت خال روي ذلك عن إسحاق بن طلحة وعكرمة وقتادة وعطاء في رواية ابن أبي نجيح عنه وروي عن ابن (1) جريج عنه أنه لا بأس بذلك وهو الصحيح ذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء أنه كره أن يجمع بين ابنة العم (2) وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء أيجمع بينها وبين ابنة عمها قال لا بأس بذلك (3) وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة وابن جريج عن عمرو بن دينار أن حسن بن محمد بن علي أخبره أن حسن بن حسن بن علي نكح في ليلة واحدة ابنة محمد بن علي وابنة عمر بن علي فجمع بين ابنتي عم زاد ابن عيينة في حديثه فأصبح نساؤهم لا يدرين إلى أيتهما يذهبن (4) وذكر عن معمر عن قتادة في ابنتي العم يجمع بينهما قال ما هو بحرام إن فعلته ولكنه يكره من أجل القطيعة (5)
280

وفي سماع ابن القاسم سئل مالك عن ابنتي العم أتجمعان قال ما أعلمه حراما قيل له أفتكرهه قال إن ناسا ليتقونه وقال لنا قبل ذلك غيره أحسن منه قال ابن القاسم وهو حلال لا بأس به قال أبو عمر على هذا القول جماعة فقهاء الأمصار من أهل الرأي والحديث لا يختلفون في أنه جائز الجمع بين ابنتي العم من النسب والرضاعة لأن ابنتي العم لو كانت إحداهما ذكرا حل له نكاح الأخرى وليس كذلك المرأة مع عمتها ومعنى هذا الحديث عندهم كراهية الجمع وتحريمه بين كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاح الأخرى من النسب خاصة دون المصاهرة فافهم هذا الأصل (1) فإنه مأخوذ من تحريم الجمع بين الأختين لأنه (2) لا يحل لأحدهما لو كانت رجلا نكاح أختها فكذلك كل من كان بمنزلتهما من ذوات المحارم وإن بعدن إذا كانت إحدى المرأتين لو كان مكانها رجل لم يجز أن يتزوج الأخرى لم يحل الجمع بينهما لأحد وروى معتمر بن سليمان عن فضيل بن ميسرة عن أبي حريز عن الشعبي قال كل امرأتين إذا جعلت موضع
281

إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج بالأخرى فالجمع بينهما باطل فقلت له عمن هذا فقال عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن ابن أبي ليلى عن الشعبي قال لا ينبغي لرجل أن يجمع بين المرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاحهما قال سفيان تفسيره عندنا أن يكون من النسب ولا يكون بمنزلة امرأة وابنة زوجها يجمع بينهما إن شاء (1) قال أبو عمر وعلى هذامذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي وسائر فقهاء الأمصار (2) من أهل الحديث وغيرهم فيما علمت لا يختلفون في هذا الأصل وقد كره قوم من السلف أن يجمع الرجل بين ابنة رجل وامرأته من أجل أن إحداهما لو كانت رجلا لم يحل له نكاح الأخرى والذي عليه الفقهاء أنه لا بأس بذلك وأن المراعى في هذا المعنى النسب دون غيره من المصاهرة فإنه (3) لا بأس أن يجمع بين امرأة الرجل وابنته من غيرها (4)
282

وقد فرق قوم من جهة النظر بين امرأة الرجل وابنته وبين المرأة وعمتها بأن قالوا في هاتين وما كان مثلهما أيتهما جعلت ذكرا لم يحل له الأخرى وأما امرأة الرجل وابنته من غيرها فإنه لو كان موضع البنت ابن لم يحل له امرأة أبيه وبقي فيها وجه آخر وذلك أن يجعلوا موضع المرأة ذكرا فتحل له الأنثى لأنه رجل أجنبي تزوج ابنة رجل أجنبي وليس الأختان ولا العمة مع ابنة أخيها والخالة مع ابنة أختها كذلك لأن هؤلاء أيتهما جعلت ذكرا لم تحل له الأخرى فقف على هذا الأصل فعليه جماعة أئمة الفتوى والحمد لله والرضاعة في هذا الباب كالنسب ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس أنه كره العمة والخالة من الرضاعة (1) وعن ابن جريج عن عطاء قال قلت له أيجمع الرجل بين المرأة وعمتها من الرضاعة قال لا ذلك مثل الولادة (2)
283

(وعن معمر (1) عن قتادة أن ابن مسعود قال وأكره عمتك من الرضاعة وخالتك (2) من الرضاعة (3))
284

حديث سابع وعشرون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع (1) هذا يدل على أن المطل على الغني حرام لا يحل إذا مطل بما عليه من الديون وكان قادرا على توصيل الدين إلى صاحبه وكان صاحبه طالبا له لأن الظلم حرام قليله وكثيره وتختلف آثامه على قدر اختلافه لأن للظلم وجوها كثيرة فأعظمها الشرك وأقلها لا يكاد يعرف من خفائه وجملتها لا تحصى كثرة وأصل الظلم في اللغة أخذك ما ليس لك ووضعك الشيء في غير موضعه ومنه قالوا ومن يشابه أباه فما ظلم أي لم يضع الشبه غير موضعه ثم يتصرف على كل شيء أخذ من غير وجهه قال الله عز وجل * (إن الشرك لظلم عظيم) * 2
285

وقال * (ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا) * 1 * (والله لا يحب الظالمين) * 2 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكيا عن ربه يا عبادي حرمت عليكم الظلم فلا تظالموا (3) وقال الظلم ظلمات يوم القيامة (4) أخبرنا أبو محمد قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثني محمد بن عمر بن لبابة قال حدثني عثمان بن أيوب قال سمعت سحنون بن سعيد يقول إذا مطل الغني بدين عليه لم تجز شهادته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد سماه ظالما والدليل على أن مطل الغني ظلم لا يحل ما أبيح منه لغريمه من أخذ عوضه والقول فيه بما هو عليه من الظلم وسوء الأفعال ولولا مطله له كان ذلك فيه غيبة وقد قال صلى الله عليه وسلم إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام (5) يريد من بعضكم على بعض ثم أباح لمن مطل بدينه
286

أن يقول فيمن مطله قال صلى الله عليه وسلم لي الواجد يحل عرضه وعقوبته (1) واللي المطل والتسويف والواجد الغني حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا وبرة بن أبي دليلة (2) شيخ من أهل الطائف (3) قال حدثني محمد بن ميمون بن مسيكة وأثنى عليه خيرا عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي الواجد يحل عرضه وعقوبته قال أبو عمر هذا عندي نحو معنى قول الله عز وجل * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * 4 وهذه الآية نزلت في رجل تضيف قوما فلم يضيفوه فأبيح له أن يقول فيهم إنهم لئام لا خير فيهم ولولا منعهم له من حق الضيافة ما جاز له أن يقول فيهم ما فيهم لأنها غيبة محرمة قال صلى الله عليه وسلم إذا قلت في أخيك ما فيه فقد اغتبته
وإذا قلت فيه ما ليس فيه فذلك البهتان وهكذا لما كان مطل
287

الغني ظلما أبيح لغريمه عرضه ومعنى قوله في هذا الحديث وعقوبته والله أعلم المعاقبة له بأخذ ماله عنده من ماله إذا أمكنه أخذ حقه منه بغير إذنه وكيف أمكنه من ماله قال الله عز وجل * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * 1 وقد شكت هند إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن زوجها أبا سفيان لا يعطيها ما يكفيها وولدها بالمعروف فقال لها خذي من ماله ما يكفيك وولدها بالمعروف فأمرها أن تعاقبه بأخذ مالها من حق عنده فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم والله أعلم لي الواجد يحل عرضه وعقوبته حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا أبو عاصم عن وبرة بن أبي دليلة عن محمد بن عبد الله بن ميمون قال حدثني عمرو بن الشريد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي الواجد يحل عرضه وعقوبته وقد استدل جماعة من أهل العلم والنظر على جواز حبس من وجب عليه أداء الدين حتى يؤديه إلى صاحبه أو تثبت عسرته بقوله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم
288

وبقوله لي الواجد يحل عرضه وعقوبته قالوا ومن عقوبته (1) الحبس هذا إذا كان دينه بعوض حاصل بيده إلا أن أكثر أصحابنا لا يفرقون بين وجوب الدين عليه من أجل عوض أو غير عوض لأن الأصل عندهم اليسار حتى يثبت العدم وعند غيرهم الأصل في الناس العدم لأن الله لم يخرج (2) خلقه إلى الوجود إلا فقراء ثم تطرأ الأملاك عليهم بأسباب مختلفة فمن ادعى ذلك فعليه البينة وأما من أقر بالعوض فقد أقر باليسار فإن ادعى الفقر لم يقبل منه بغير بينة ومطله ومدافعته ظلم وأما إذا صح يساره وامتنع من أداء ما وجب عليه فحبسه واجب لأنه ظالم بإجماع قال الله عز وجل * (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) * 3 وهذا حديث غريب لا يجيء إلا بهذا الإسناد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
289

يتقاضاه فأغلظ له فهم به أصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فإن فإن لصاحب الحق مقالا وأما قوله وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع فمعناه الحوالة يقول وإذا أحيل أحدكم على مليء فليتبعه وهذا يبينه ويرفع الإشكال فيه حديث يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم وإذا أحلت على مليء فاتبعه وهذا عند أكثر الفقهاء ندب وإرشاد لا إيجاب وهو عند أهل الظاهر واجب فقال ابن وهب سألت مالكا عن تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتبع على مليء فليتبع قال مالك هذا أمر ترغيب وليس بالذي يلزمه السلطان الناس وينبغي له أن يطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وسألت مالكا عن الحول بالدين فقال انظر ما أقول لك أحل بما قد حل من دينك فيما حل وفيما لم يحل ولا تحل ما لم يحلل في شيء ولا فيما حل وفيما لم يحل واختلف الفقهاء في معنى الحوالة فجملة مذهب مالك وأصحابه فيها أن من احتال بدين له على رجل على آخر فقد برئ المحيل ولا يرجع إليه أبدا أفلس أو مات إلا أن
290

يغره من فلس فإن غره انصرف عليه وهذا إذا كان له عليه دين فإن لم يكن له عليه دين فهي حمالة ويرجع إليه أبدا فإن كان له عليه دين فهي الحوالة ولا يكون للمحتال أن يرجع على المحيل بوجه من الوجوه توى المال أو لم يتو (1) إلا أن يغره من فلس قد علمه وهذا كله مذهب الشافعي وأصحابه أيضا قال ابن وهب عن مالك إذا أحيل بدين عليه فقد برئ المحيل ولا يرجع عليه بموت ولا إفلاس وقال ابن القاسم عنه إن أحاله ولم يغره من فلس علمه من غريمه فلا يرجع عليه إذا كان عليه دين له فإن غيره أو لم يكن له عليه شيء فإنه يرجع عليه إذا أحاله وقال الشافعي يبرأ المحيل بالحوالة ولا يرجع عليه بموت ولا إفلاس وقال أبو حنيفة وأصحابه يبرأ المحيل بالحوالة ولا يرجع عليه إلا بعد التوى والتوى عند أبي حنيفة أن يموت المحال عليه مفلسا أو يحلف ما له عليه من شيء ولم يكن للمحيل بينة وقال أبو يوسف ومحمد هذا تواء وإفلاس المحال عليه أيضا تواء
291

وقال عثمان البتي الحوالة لا تبرئ المحيل إلا أن يشترط البراءة فإن اشترط البراءة برئ المحيل إذا أحاله على مليء وإن أحاله على مفلس ولم يعلمه أنه مفلس فإنه يرجع عليه وإن أبرأه وإن أعلمه أنه مفلس وأبرأه لم يرجع على المحيل وقال ابن المبارك عن الثوري إذا أحاله على رجل فأفلس فليس له أن يرجع على الآخر إلا بمحضرهما وإن مات وله ورثة ولم يترك شيئا رجع حضروا أو لم يحضروا وقال الليث في الحوالة لا يرجع إذا أفلس المحتال عليه وقال ابن أبي ليلى يبرأ صاحب الأصل بالحوالة وقال زفر والقاسم بن معن في الحوالة له أن يأخذ كل واحد منهما بمنزلة الكفالة قال أبو عمر لما قال صلى الله عليه وسلم وإذا أحيل أحدكم أو أتبع أحدكم على مليء فليتبع دل على أن من غير غريمه من غير مليء لم يكن له أن يتبعه وكان له أن يرجع عليه بحقه لأنه لم يحله على مليء وإذا أحاله على مليء ثم لحقه بعد ذلك آفة الفلس لم يكن له أن يرجع لأنه قد فعل ما كان له فعله ثم أتى من أمر الله غير ذلك
292

وقد كان صح انتقال ذمة المحيل إلى ذمة المحتال عليه فلا يفسخ ذلك أبدا وما اعتراه بعد من الفلس فمصيبته من المحتال لأنه لا ذمة له غير ذمة غريمه الذي احتال عليه وهذا بين إن شاء الله ومن حجة أبي حنيفة وأصحابه أن الملأ لما شرط في الحوالة دل على أن زوال ذلك يوجب عود المال عليه وشبهه ببيع الذمة بالذمة في الحوالة كابتياع عبد بعبد فإذا مات العبد قبل القبض بطل البيع قالوا فكذلك موت المحتال عليه مفلسا قالوا وإفلاس المحتال عليه مثل إباق العبد من يد البائع فيكون للمشتري الخيار في فسخ البيع وإن كان قد يرجى رجوعه وتسليمه كذلك إفلاس المحتال عليه (قال أبو عمر أصح شيء في الحوالة من أقوال الفقهاء ما ذهب إليه مالك والشافعي والله أعلم) (1) فهذا ما للعلماء في الحوالة من المعاني والأصل فيها (2) حديث هذا الباب والحوالة أصل في نفسها خارجة عن الدين بالدين وعن بيع ذهب بذهب أو ورق بورق وليس يدا بيد كما أن العرايا أصل في نفسها خارج عن المزابنة وكما أن القراض والمساقاة أصلان في أنفسهما خارجان عن معنى الإجارات فقف على هذه الأصول تفقه إن شاء الله وليس هذا موضع ذكر الكفالة والله الموفق للصواب
293

حديث ثامن وعشرن لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر
من فيح جهنم (1) لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ولفظه كلهم يقول فيه إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة هكذا وقد حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو الحسن علي بن العباس بن عبد الغفار البزار قال حدثنا مقدام بن داود وبكر بن سهل الدمياطي قالا حدثنا محمد بن مخلد الرعيني حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبردوا بصلاة الظهر في اليوم الحار فإن شدة الحر من فيح جهنم قد مضى القول في معنى هذا الحديث وما للعلماء فيه في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار من كتابنا هذا (2) فلا وجه لإعادة ذلك ههنا
294

حديث تاسع وعشرون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والوصال إياكم والوصال قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني (1) وقد تقدم القول في معنى هذا الحديث في باب نافع عن ابن عمر والحمد لله ولا يصح عن مالك في النهي عن الوصال غير حديثه عن أبي الزناد وعن نافع وقد روي عن شجرة بن عبد الله قاضي القيروان عن مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال في الصيام وهو باطل عن الزهري عن أنس لمالك وغيره
295

حديث موفي ثلاثين لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فقال اركبها فقال يا رسول الله إنها بدنة فقال اركبها فقال يا رسول الله إنها بدنة فقال اركبها وويلك في الثانية أو الثالثة (1) هكذا يرويه أكثر الرواة عن مالك في الموطأ في الثانية أو في الثالثة وممن قال ذلك عتيق بن يعقوب الزبيري وقتيبة وقال فيه ابن عبد الحكم في الثالثة أو في الرابعة حدثناه خلف حدثنا ابن الورد حدثنا يوسف بن يزيد حدثنا ابن عبد الحكم أخبرنا مالك فذكره بإسناده هكذا قال مالك في هذا الحديث عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة وخالفه ابن عيينة فقال فيه عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي قال حدثنا
296

إسحاق بن إسماعيل العثماني الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة قال مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يسوق بدنة فقال اركبها فقال إنها بدنة يا رسول الله فقال ويلك اركبها اختلف العلماء في ركوب الهدي الواجب والتطوع فذهب أهل الظاهر إلى أن ركوبه جائز من ضرورة وبعضهم أوجب ذلك وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه لا بأس بركوب الهدي على كل حال أيضا على ظاهر هذا الحديث والذي ذهب إليه مالك وأبو حنيفة والشافعي وأكثر الفقهاء كراهية ركوبه من غير ضرورة فكره مالك ركوب الهدي من غير ضرورة وكذلك كره شرب لبن البدنة وإن كان بعد ري فصيلها فإن فعل شيئا من ذلك كله فلا شيء عليه وقال أبو حنيفة والشافعي إن نقصها الركوب أو شرب لبنها فعليه قيمة ما شرب من لبنها وقيمة ما نقصها الركوب وحجة من ذهب هذا المذهب أنه ما خرج لله فغير جائز الرجوع في شيء منه ولا الانتفاع به فإن اضطر إلى ذلك جاز له لحديث جابر في ذلك حدثناه عبد الله بن محمد
297

قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرنا أبو الزبير قال سألت جابر بن عبد الله عن ركوب الهدي فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اركبها بالمعروف إذا لجأت إليها حتى تجد ظهرا (1) وأما قوله ويلك فمخرجه الدعاء عليه إذ أبى من ركوبها في أول مرة وقال له إنها بدنة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أنها بدنة فكأنه قال له الويل لك في مراجعتك إياي فيما لا تعرف (2) والله أعلم وكان الأصمعي يقول ويل كلمة عذاب وويح كلمة رحمة
298

حديث حاد وثلاثون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك (1) هكذا قال يحيى في هذا الحديث لولا أن أشق عل أمتي لم يزد وتابعه جماعة من رواة الموطأ على ذلك وقال بعضهم فيه عن مالك لولا أن أشق على أمتي أو على الناس وقال فيه آخرون عن مالك لولا أن أشق على المؤمنين أو على الناس لأمرتهم بالسواك هكذا قال القعنبي وعبد الله بن يوسف وأيوب بن صالح وقال فيه قتيبة عند كل صلاة ولم يقل أو على الناس كل هذا قد روي عن مالك في حديث أبي الزناد هذا حدثنا خلف بن القاسم حدثنا عبد المطلب بن العباس العمري حدثنا محمد بن يوسف بن المنذر حدثنا أيوب بن
299

صالح حدثنا مالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على الناس أو على المؤمنين لأمرتهم بالسواك وقال ابن عيينة في هذا الحديث عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء والسواك عند كل صلاة وقال فيه سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام لولا أن أشق عل أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء وروي هذا الحديث عن أبي هريرة من طرق شتى ورواه عن النبي عليه السلام جماعة من أصحابه منهم جابر وزيد بن خالد (1) وعائشة وأم حبيبة وأنس وقد مضى القول في السواك في باب ابن شهاب عن حميد وعن ابن السباق من كتابنا هذا فلا معنى لإعادة ذلك ههنا
300

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا ابن أبي أويس قال حدثني إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السواك مطهرة للفم مرضاة للرب (1) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا محمد بن إسحاق عن ابن أبي عتيق عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السواك مطهرة للفم مرضاة للرب (2) وهذان الإسنادان حسنان وإن لم يكونا بالقويين فهي فضيلة لا حكم
301

حديث ثان وثلاثون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع (1) هذا من أفضل حديث وأجله في فضل الجهاد لأنه مثله بالصلاة والصيام وهما أفضل الأعمال وجعل المجاهد بمنزلة من
لا يفتر عن ذلك ساعة فأي شيء أفضل من الجهاد يكون صاحبه راكبا وماشيا وراقدا ومتلذذا بكثير من حديث رفيقه وأكله وشربه وغير ذلك مما أبيح له وهو في ذلك كله كالمصلي التالي للقرآن في صلاته الصائم مع ذلك المجتهد إن هذا لغاية في الفضل وفقنا الله برحمته ولهذا ومثله قلنا إن الفضائل لا تدرك بقياس ونظر والله المستعان وحسبك من فضل الجهاد بقول الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله) *
302

* (ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) * 1 وفي هذا الحديث دليل على إجازة القياس بالتشبيه والتمثيل في الأحكام وهذا باب جسيم قد أفردنا له أبوابا في كتاب العلم (2) والحمد لله وقد ذكرنا في كتاب العلم أيضا أن فرض الجهاد على الكفاية كطلب العلم على حسبما قد أوضحناه هنالك (3) قال مالك رحمه الله الجهاد فرض بالأموال والأنفس فإن منعهم الضرر أو عاهة بأنفسهم لم يسقط عنهم الفرض بأموالهم وقال أبو حنيفة الجهاد واجب إلا أن المسلمين في عذر حتى يحتاج إليهم وقال ابن شبرمة الجهاد ليس بواجب والقائمون به من المسلمين أنصار الله وقال الشافعي الغزو غزوان نافلة وفريضة فأما الفريضة فالنفير إذا أظل العدو بلد الإسلام والنافلة الرباط والخروج إلى الثغور إذا كان فيها من فيه كفاية
303

قال أبو عمر قال الله عز وجل * (انفروا خفافا وثقالا) * 1 الآية يعني شبابا وشيوخا وقال * (ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) * الآية إلى قوله * (يعذبكم عذابا أليما) * 2 فثبت فرضه إلا أنه على الكفاية لقول الله عز وجل * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) * 3 وعلى هذا جمهور العلماء ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس (4) ليس فيما ذكر الجهاد لأنها كلها متعينة على المرء في خاصته وبالله التوفيق
304

حديث ثالث وثلاثون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع النداء فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه (1) يقول أذكر كذا وأذكر كذا لما لم يكن يذكره حتى يظل الرجل أن (2) يدري كم صلى (3) في هذا الحديث من الفقه أن الصلاة من شأنها أن يؤذن لها قال الله عز وجل وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا (4) وقال إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة (5) وقد ذكرنا ما للعلماء من الأقوال والمذاهب في الأذان في السفر والحضر عندهم وما اخترنا من ذلك بما صح عندنا
305

في باب نافع من كتابنا هذا وأفردنا القول في الأذان للصبح في باب ابن شهاب عن سالم من كتابنا هذا فلا معنى لإعادة شيء من ذلك كله (1) ههنا وروي عن الأوزاعي (2) عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى المنادي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط فذكر معنى حديث أبي الزناد سواء وزاد حتى لا يدري كم صلى أثلاثا أم أربعا فإذا لم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليسجد سجدتين وهو جالس وقد ذكرنا معنى هذا الحديث فيما سلف من حديث ابن شهاب وجملة مذهب مالك عند أصحابه وتحصيله عندهم أن الأذان سنة مؤكدة واجبة على الكفاية وليس بفرض وهو قول أبي حنيفة واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال هو فرض على الكفاية ومنهم من قال هو سنة مؤكدة على الكفاية وأما قوله في هذا الحديث أدبر الشيطان إلى آخر الحديث فإن هذا الحديث عندي يخرج في (3) التفسير المسند في قول
306

الله عز وجل * (من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس) * 1 لم يختلف أهل التفسير وأهل اللغة أن الوسواس الشيطان يوسوس في صدور الناس وقلوبهم أي يلقي في قلوبهم الريب ويحرك خواطر الشكوك ويذكر من أمر الدنيا بما يشغل عن ذكر الله وأصل الوسواس في اللغة صوت حركة الحلي وقوله الخناس لأنه يخنس عند ذكر العبد لله ومعنى يخنس اي يرجع ناكصا ذكر معمر عن قتادة قال الوسواس الخناس هو الشيطان إذا ذكر الله العبد خنس وذكر حجاج عن ابن جريج عن عثمان بن عطاء عن عكرمة قال الوسواس محله الفؤاد فؤاد الإنسان وفي عينيه (2) وذكره ومحله من المرأة في عينيها إذا أقبلت وفي فرجها ودبرها إذا أدبرت فهذه مجالسه منهما وذكر وكيع عن سفيان عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما من مولود يولد إلا
307

وعلى قلبه وسواس فإذا عقل (1) فذكر الله خنس وإذا غفل وسوس وقال ابن قتيبة خنس أي كف وأقصر وقال اليزيدي يوسوس ثم يخنس أي يتوارى قال أبو عمر فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إذا نودي للصلاة يريد إذا أذن لها فر الشيطان من ذكر الله في الأذان وأدبر وله ضراط من شدة ما لحقه من الخزي والذعر عند ذكر الله وذكر الله في الأذان تفزع منه القلوب ما لا تفزع من شيء من الذكر لما فيه من الجهر بالذكر وتعظيم الله فيه وإقامة دينه فيدبر الشيطان لشدة ذلك على قلبه حتى لا يسمع النداء فإذا قضي النداء أقبل على طبعه وجبلته يوسوس أيضا ويفعل ما يقدر مما قد سلط عليه حتى إذا ثوب بالصلاة والتثويب ههنا الإقامة أدبر أيضا حتى إذا قضي التثويب وهو الإقامة كما ذكرت لك أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا وكذا لمالم يكن يذكر حتى يظل الرجل أن يدري كم صلى لينسيه ويخلط عليه (2) أجارنا الله منه
308

وفي هذا الحديث فضل للأذان عظيم ألا ترى أن الشيطان يدبر منه ولا يدبر من تلاوة القرآن في الصلاة وحسبك بهذا فضلا لمن تدبر روى ابن القاسم عن مالك قال استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم (1) وكان معدنا لا يزال يصاب فيه الناس من قبل الجن فلما وليهم شكوا ذلك إليه فأمرهم بالأذان وأن يرفعوا أصواتهم به ففعلوا فارتفع ذلك عنهم فهم عليه حتى اليوم قال مالك وأعجبني ذلك من رأي زيد بن أسلم هكذا روى سحنون في سماع ابن القاسم وذكره الحرث بن مسكين قال أخبرني عبد الرحمان بن القاسم وعبد الله بن وهب قالا قال مالك استعمل زيد بن أسلم على معدن بني سليم فذكره سواء إلى آخره وذكر يعقوب بن شيبة قال حدثنا أبو سلمة التبوذكي قال حدثنا جرير بن حازم قال سمعت سليمان الشيباني يحدث عن بسير بن عمرو قال سمعت عمر يقول أن شيئا من
309

الخلق لا يستطيع أن يتحول في غير خلقه ولكن للجن سحرة كسحرة الآدميين فإذا خشيتم شيئا من ذلك فأذنوا حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن وضاح حدثنا ابن دحيم حدثنا الفريابي حدثنا سفيان عن الشيباني عن بسير بن عمرو قال ذكر الغيلان عند عمر فقال إنه ليس شيء يتحول عن خلقه الذي خلق عليه ولكن لهم سحرة
كسحرتكم فإذا أحسستم من ذلك شيئا فأذنوا بالصلاة وذكر الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال الغيلان سحرة الجن وأما قوله حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل فإنه عنى بقوله التثويب ههنا الإقامة ولا يحتمل غير هذا التأويل عندي والله أعلم وإنما سميت الإقامة في هذا الموضع تثويبا لأن التثويب في اللغة معناه العودة يقال منه ثاب إلي مالي بعد ذهابه أي عاد وثاب إلى المريض جسمه إذا عاد إليه ومنه قول الله عز وجل * (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا) * 1 اي معادا لهم يثوبون إليه لا
310

يقضون منه وطرا وإنما قيل للإقامة تثويب لأنها عودة إلى معنى الأذان تقول العرب ثوب الداعي إذا كرر دعاءه إلى الحرب وغيرها قال حسان بن ثابت
* في فتية كسيوف الهند أوجههم
* لا ينكلون (1) إذا ما ثوب الداعي
* 2) وقال آخر
* لخير نحن عند الناس منكم
* إذا الداعي المثوب قال يالا
* وقال عبد المطلب بن هاشم وهو عند أخواله بني النجار بالمدينة
* فحنت ناقتي وعلمت أني
* غريب حين ثاب إلي عقلي
* وقال آخر
* لو رأينا التوكيد خطة عجز
* ما شفعنا الأذان بالتثويب
* ولا خلاف علمته أن التثويب عند عامة العلماء وخاصتهم قول المؤذن الصلاة خير من النوم ولهذا قال أكثر الفقهاء لا تثويب إلا في الفجر
311

وقال الحسن بن حي يثوب في الفجر والعشاء وقال حماد عن إبراهيم التثويب في صلاة العشاء والصبح لا في غيرهما (1) وقال ابن الأنباري إنما سمي التثويب تثويبا وهو قوله الصلاة خير من النوم الصلاة خير من نوم لأنه دعاء ثان إلى الصلاة وذلك أنه لما قال حي على الصلاة حي على الفلاح وكان هذا دعاء إلى الصلاة ثم عاد فقال الصلاة خير من النوم فدعا إليها مرة أخرى عاد إلى ذلك والتثويب عند العرب العودة وذكر نحو ما تقدم وقد يحتمل أن تكون الإقامة سميت تثويبا لتثنيتها في مذهب من رأى تثنيتها أو تثنية قوله قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة عند من قال ذلك من العلماء وهم الأكثر (2) وأما اختلاف العلماء في الإقامة فقال مالك تفرد الإقامة ويثنى الأذان
312

ومعنى قوله تفرد الإقامة يريد غير التكبير في أولهما وآخرها فإنه يثنى بإجماع من العلماء وقال الشافعي تفرد الإقامة كقول مالك سواء إلا قوله قد قامت الصلاة فإنه يقولها مرتين فخالف مالكا في هذا الموضع وحده من الإقامة ويروى أن أبا محذورة وولده ومؤذني مكة كلهم يقولون قد قامت الصلاة مرتين وهو قول الزهري والحسن البصري ومكحول والأوزاعي وبه قال أبو ثور وأحمد وإسحاق وقال مالك يقول قد قامت الصلاة مرة واحدة وروي عن ولد سعد القرظ بالمدينة أنهم يقولون قد قامت الصلاة مرة واحدة وقال الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي الأذان والإقامة مثنى مثنى سواء إلا أن التكبير عندهم في أول الأذان وأول الإقامة أربع مرات ولا خلاف عندهم بين الأذان والإقامة في شيء ذهبوا في ذلك إلى حديث عبد الله بن زيد وهو حديث مختلف في ألفاظه وإسناده وسنذكره في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله وذهب مالك
313

والشافعي في الأذان والإقامة إلى حديث أبي محذورة ولا خلاف بين مالك والشافعي في الأذان إلا في قوله الله أكبر في أوله فإن الشافعي ذهب إلى أن ذلك يقال أربع مرات وذهب مالك إلى أن ذلك يقال مرتين وأكثر الآثار عن أبي محذورة وغيره على ما قال الشافعي وهو أذان أهل مكة والأذان بالمدينة على ما قال مالك وهو شيء يؤخذ عملا لأنه لا ينفك منه ومثل هذا يصح فيه ادعاء العمل بالمدينة واتفق مالك والشافعي على الترجيع بالشهادة في الأذان خاصة دون الإقامة على ما في حديث أبي محذورة وذهب الكوفيون إلى أن لا ترجيع في الأذان ولا إقامة وإنما ذلك عندهم مثنى مثنى إلا التكبير في أوله على حسبما ذكرته لك وقال أحمد وإسحاق إن رجع فلا بأس قال إسحاق هما مستعملان والذي اختار أذان بلال وقالت طائفة منهم الطبري إن شاء رجع وإن شاء لم يرجع وإن شاء أذن كأذان أبي محذورة وإن شاء كأذان بلال وفي الإقامة أيضا إن شاء ثنى وإن شاء أفرد وإن شاء قال قد قامت الصلاة مرة وإن شاء مرتين كل ذلك مباح
314

قال أبو عمر قول داود وأصحابه في الأذان والإقامة كقول الشافعي سواء ومن حجة مالك والشافعي في إفراد الإقامة ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو سلمة قال حدثنا أحمد بن سلمة قال أخبرنا خالد عن أبي قلابة عن أنس قال أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس أن النبي عليه السلام أمر بلالا أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة قال أبو عمر ذكر عباس عن يحيى بن معين قال لم يرفع هذا الحديث غير عبد الوهاب قال وقد رواه إسماعيل ووهب ولم يرفعاه قال أبو عمر يعني أنه لم يقل أحد في حديث أنس هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا غير عبد الوهاب من أصحاب أيوب وغيرهم يقولون أمر بلال
ولا يذكرون النبي عليه السلام وحجة من قال قد قامت الصلاة مرتين ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن
315

نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قالا جميعا حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن سماك بن عطية عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة (1) زاد أبو داود في إسناد هذا الحديث فقال حدثنا سليمان بن حرب وعبد الرحمان بن المبارك قالا حدثنا حماد بن زيد ثم ذكره (2) قال أبو داود وحدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة قال أبو داود وحدثنا حميد (3) بن مسعدة قال حدثنا إسماعيل عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك مثل حديث وهيب قال إسماعيل فحدثت به أيوب فقال إلا الإقامة (4) قال أبو عمر يريد بقوله إلا الإقامة قوله قد قامت الصلاة فإنها لا تفرد وتثنى يقول أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلا قوله قد قامت الصلاة فإنه مثنى
316

حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا شعبة قال حدثني أبو جعفر عن أبي المثنى عن ابن عمر قال كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى والإقامة مرة إلا أنك تقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة (1) وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أسود بن عامر قال حدثنا شعبة عن أبي جعفر المؤذن عن أبي المثنى مؤذن المسجد الأكبر أنه سمع ابن عمر يقول كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى والإقامة واحدة إلا أنه إذا قال قد قامت الصلاة قالها مرتين فكنا إذا سمعنا الأذان توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة قال سمعت أبا جعفر يحدث عن
317

مسلم بن المثنى عن ابن عمر قال إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فإذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة فقال شعبة لم أسمع من أبي جعفر غير هذا الحديث (1) قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك في الإقامة على ما ذكر ابن خواز بنداد وغيره أنها سنة مؤكدة وهي عندهم أوكد من الأذان ومن تركها فهو مسيء وصلاته مجزئة وهو قول الشافعي وسائر الفقهاء فيمن ترك الإقامة أنه مسيء بتركها ولا إعادة عليه وقال أهل الظاهر والأوزاعي وعطاء ومجاهد هي واجبة ويرون الإعادة على من تركها أو نسيها (2) ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن الفزاري عن الأوزاعي قال الإقامة أول الصلاة قال أبو عمر في قوله صلى الله عليه وسلم تحريمها التكبير دليل على أنه لم يدخل في الصلاة من لم يحرم فما كان قبل الإحرام فحكمه ألا تعاد منه الصلاة إلا أن يجمعوا
318

على شيء فيسلم للإجماع كالطهارة والقبلة والوقت ونحو ذلك وأما قوله حتى يظل الرجل أن يدري كم صلى فإنه يريد حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى كذا رواه بهذا اللفظ جماعة ومعنى يظل يصير يقول حتى يصير المرء لا يدري كم صلى وقيل يظل ههنا بمعنى يبقى لا (1) يدري كم صلى وأنشدوا
* ظللت ردائي فوق رأسي قاعدا
* أعد الحصى ما تنقضي عبراتي
* من رواه بكسر الهمز إن يدري ما صلى فإن بمعنى ما كثير ولكن الرواية عندنا فتح الهمزة والله أعلم وبه التوفيق
319

حديث رابع وثلاثون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده ليأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه (1) هكذا في جل الموطآت ليأخذ وروايته لابن نافع عن مالك لأن يأخذه وكذلك رواه معن بن عيسى عن مالك وهو المراد والمقصد والمعنى مفهوم والحمد لله حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية وحدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا الحسن بن الخضر الأسيوطي قالا حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا علي بن شعيب قال حدثنا معن قال حدثنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه
320

في هذا الحديث كراهية السؤال لكل من فيه طاقة على السعي والاكتساب وفيه ذم المسألة وحمد المعالجة والسعي والتحرف في المعيشة وقد وردت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذم المسألة كثيرة صحاح فيها شفاء لمن تدبرها ووقف عل معانيها وهي تفسر معنى هذا الباب وتوضح المراد من حديثه والله الموفق للصواب فمما يخرج في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا المنفقة (1) وقيل المتعففة على حسبما ذكرنا من ذلك في باب نافع من كتابنا هذا واليد السفلى السائلة وقد ذكرنا طرق هذا الحديث في باب نافع فلا وجه لإعادة ذلك ههنا أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا أبو داود قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن أبا عبيد مولى عبد الرحمان بن أزهر أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن
321

يحتزم أحدكم بحزمة حطب فيحملها على ظهره فيبيعها خير له من أن يسأل رجلا فيعطيه أو يمنعه حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا حفص بن عمر النمر يقال حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة الفزاري عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسائل كدوح (1) يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بدا (2) أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث عن الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر قال سمعت حمزة بن عبد الله يقول
سمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة (3) لحم أخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة
322

قال حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن معن عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري عن حمزة بن عبد الله عن أبيه أن النبي عليه السلام قال لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم (1) وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي أن الفراسي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أأسأل قال لا وإن كنت سائلا لا بد فاسأل الصالحين (2) أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي مسلم الخولاني قال حدثني الحبيب الأمين أما هو إلي فحبيب وأما هو عندي فأمين عوف بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة
323

أو ثمانية أو تسعة فقال ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا حديث عهد ببيعته قلنا قد بايعناك قالها ثلاثا فبسطنا أيدينا فبايعناه قال قائل يا رسول الله إنا قد بايعناك فعلام نبايعك قال أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وتصلوا الصلوات الخمس وتسمعوا وتطيعوا وأسر كلمة خفية (1) قال لا تسألوا الناس شيئا قال فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه فما يسأل أحدا يناوله إياه (2) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبيد الله بن معاذ قال حدثني أبي قال حدثنا شعبة عن عاصم عن أبي العالية عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتكفل لي ألا يسأل الناس شيئا وأتكفل به بالجنة فقال ثوبان أنا فكان لا يسأل أحدا شيئا (3) أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا محمد بن عثمان بن
324

أبي صفوان الثقفي قال حدثنا أمية بن خالد قال حدثنا شعبة عن بسطام بن مسلم عن عبد الله بن خليفة عن عائد بن عمرو أن رجلا أتى النبي عليه السلام فسأله فأعطاه فلما وضع رجله على أسكفة الباب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما في السؤال ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئا (1) قال أبو عمر السؤال لا يجوز لمن فيه منة وقوة وأدنى حيلة في المعيشة إلا أن يسأل ذا سلطان لأن له عنده حقا في بيت المال وإن لم يتعين أو يسأل في أمر لا بد له منه من حمالة يتحملها أو دين أدانه في واجب أو مباح يسأل من يعرف أن كسبه لا بأس به وهم الصالحون الذين قصد إليهم في حديث الفراسي المذكور في هذا الباب والله أعلم وفي حديث قبيصة بن المخارق ثلاثة وجوه وفي حديث أنس أيضا ثلاثة وجوه تحل فيها المسألة لا ينبغي أن تتعدى إلا ما ذكرنا في حديث سمرة والله أعلم
325

حدثنا عبد الرحمان بن يحيى حدثنا علي بن محمد حدثنا أحمد بن داود حدثنا سحنون بن سعيد حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفر عن حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع أباه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا حفص بن عمر الخوضي وسليمان بن حرب قالا حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة الفزاري قال سمعت سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل ذا سلطان أو ينزل به أمر لا بجد منه بدا ورواه الثوري وأبو عوانة عن عبد الملك بن عمير بإسناده مثله سواء وأخبرنا عبد الله محمد قال حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن هارون بن رباب قال حدثنا كنانة بن نعيم العدوي عن
326

قبيصة بن مخارق الهلالي قال تحملت حمالة فأتيت النبي عليه السلام فقال أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة وآمر لك بها ثم قال يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لإحدى ثلاث رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة فسأل حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة فسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه قد أصابت فلانا الفاقة فحلت له المسألة فسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك وما سواهن من المسائل يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا (1) قال أبو عمر هذا واضح في وجوه المسألة مغن عن قول كل قائل وبالله التوفيق والسداد في هذا الحديث وما كان مثله بكسر السين ومعناه البلغة والكفاية وكذلك ما سد به الشيء يقال له أيضا سداد بالكسر قال العرجي وهو من ولد عثمان بن عفان
* أضاعوني وأي فتى أضاعوا
* ليوم كريهة وسداد ثغر
*
327

وأما السداد بالفتح فهوالقصد أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا عيسى بن يونس عن الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي عن أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى النبي عليه السلام يسأله فقال أما في بيتك شيء قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه الماء فقال ائتني بهما فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذين فقال رجل أنا آخذهما بدرهم قال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما وائتني فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له اذهب فاحتطب وبع ولا أراك خمسة عشر يوما فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في
328

وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع (1) قال أبو عمر الدم الموجع الحمالة في دم الخطأ والفقر المدقع
الذي أفضى بصاحبه إلى الدقعاء وهي التراب كأنه ألصق ظهره بالأرض من الفقر وهو مثل قول الله عز وجل * (مسكينا ذا متربة) * 2 وقد فسرنا معنى المسكين والفقير فيما تقدم من حديث أبي الزناد في كتابنا هذا والحمد لله أخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا نصر بن المهاجر قال حدثنا الضحاك بن مخلد عن عبد الرحمان بن عبد المؤمن عن غالب القطان عن بكر بن عبد الله المزني عن عمر قال مكسبة فيها بعض الريبة خير من مسألة الناس هكذا قال الريبة وإنما حفظناه الدناءة ذكر العقيلي قال حدثنا الحسن بن سهل قال أخبرنا أبو عاصم قال أخبرنا عبد الرحمان بن عبد المؤمن قال حدثنا
329

غالب القطان عن بكر بن عبد الله المزني قال قال عمر بن الخطاب مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مسألة الناس قال العقيلي عبد الرحمان بن عبد المؤمن هذا هو عبد الرحمان بن عبد المؤمن بن فيروز المعولي الرامي بصري ثقة وقال أبو حاتم الرازي سمعت الحسن بن الربيع يقول قال لي ابن المبارك ما حرفتك قلت أنا بوراني قال ما بوراني قلت لي غلمان يصنعون البواري قال لو لم تكن للصناعة ما صحبتني وقال أيوب السختياني قال لي أبو قلابة يا أيوب الزم سوقك فإن الغنى من العافية
330

حديث خامس وثلاثون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء (1) روي هذا الحديث عن أبي هريرة من وجوه رواه أبو صالح ويزيد بن الأصم والأعرج وغيرهم قوله لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب أي يجمع وفي هذا الحديث من الفقه معرفة يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كان يحلف على ما يريد بالله وفي ذلك رد لقول من قال لا يحلف بالله صادقا ولا كاذبا وفي قوله عليه السلام من كان حالفا فليحلف بالله كفاية وكان صلى الله عليه وسلم يحلف كثيرا بالله ثم إن رأى ما هو خير مما حلف عليه
331

حنث نفسه وكفر وفيه الأسوة الحسنة وسيأتي هذا المعنى مبينا في باب سهيل من كتابنا هذا إن شاء الله وفي هذا الحديث أيضا أن الصلوات يؤذن لها وفيه أيضا إجازة إمامة المفضول بحضرة الفاضل وفيه إباحة عقوبة من تأخر عن شهود الجماعة لغير عذر ولم يكن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة إلا منافق أو من له عذر بين وقد استدلت به طائفة على أن العقوبة قد تكون في المال وجائز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يعاقب بما ذكر في هذا الحديث وجائز أن لا يفعل لأن ترك إنفاذ الوعيد عفو وليس بخلف ولا كذب وإنما الكذب ما أثم فيه المرء وعصى ربه فجائز مثل هذا القول تأديبا للناس ثم الخيار بعد في إنفاذه واستدل به داود وأصحابه على أن الصلاة في الجماعة فرض على كل أحد في خاصته كالجمعة وأنها لا تجزء المنفرد إلا أن يصليها في المسجد مع الجماعة أو يصليها قبل أن يفرغ الجماعة في المسجد منها كقولنا في الجمعة سواء واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد (1)
332

وهذا عندنا محمول على الكمال في الفضل كما قال لا دين لمن لا أمانة له (1) وقال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن أي مستكمل الإيمان واحتج أيضا بحديث عتبان بن مالك وعمرو بن أم مكتوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما أو لأحدهما هل تسمع النداء قال نعم قال ما أجد لك رخصة وهذا محمول عندنا على الجمعة واحتج بحديث هذا الباب قوله لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب الحديث قال ومحال أن يحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بيوت قوم إلا على ترك الواجب وهذا عندنا على أن شهود الجماعة من السنن المؤكدة التي تجب عقوبة من أدمن التخلف عنها من غير عذر وقد أوجبها جماعة من أهل العلم فرضا على الكفاية وهو قول حسن صحيح لإجماعهم على أنه لا يجوز أن يجتمع على تعطيل المساجد كلها من الجماعات فإذا قامت الجماعة في المسجد فصلاة المنفرد في بيته جائزة
333

لقوله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة (1) ففي هذا الحديث جواز صلاة المنفرد والخبر بأن صلاة الجماعة أفضل وقد قال صلى الله عليه وسلم إذا وجد أحدهم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة وقال إذا حضرت الصلاة والعشاء فابدأوا بالعشاء وقال ألا صلوا في الرحال في المطر وهذه الآثار كلها تدل على أن الجماعة ليست بفريضة وإنما هي فضيلة وقد ذكرنا هذه الآثار بأسانيدها في غير موضع من كتابنا هذا والحمد لله وقد قيل إن معنى حديث هذا الباب إنما هو في الجمعة لا في غيرها من الصلوات الخمس في الجماعة واستدل القائلون بذلك بما رواه معمر وغيره عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أنطلق فأحرق على قوم بيوتهم لا يشهدون الجمعة
334

وقد جاء عن ابن مسعود في الصلوات الخمس غير هذا وترتيب الآثار عنه في ذلك على فرض الجمعة وتأكيد فضل الجماعة والله أعلم ويحتمل أن يكون حديث ابن مسعود مفسرا لحديث أبي هريرة حديث هذا الباب فيكون قوله في حديث هذا الباب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها أي صلاة الجمعة حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا الفضل بن دكين عن زهير عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص سمعه منه عن عبد الله أن النبي عليه السلام قال القوم يتخلفون عن الجمعة لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على قوم يتخلفون عن الجمعة بيوتهم وهذا بين في الجمعة وأما التأكيد في الندب إلى الجماعات في الصلوات الخمس فأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا سويد بن نصر قال أخبرنا عبد الله بن المبارك عن المسعودي عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص عن عبد الله أنه كان يقول من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات
335

الخمس حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيه عليه السلام سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى وإني لا أحسب منكم أحدا إلا له مسجدا يصلي فيه في بيته فلو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وذكر تمام الحديث (1) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هارون بن عباد الأزدي قال حدثنا وكيع عن المسعودي فذكره بإسناده مثله (2) وأخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي الكوفي قال حدثنا جعفر بن عون عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله قال عليكم بالصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإنها من سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم ولقد عهدتنا وإن الرجل ليهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم نفاقه فقد صرحت هذه الآثار عن
ابن مسعود بأن شهود الجماعة سنة ومن تدبرها علم أنها واجبة على الكفاية والله أعلم
336

وعبد الله بن مسعود أحد الذين رووا عن النبي عليه السلام فضل صلاة الجمع (1) على صلاة الفذ خمس وعشرون درجة حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زائدة قال حدثنا السائب بن حبيش عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية (2) قال زائدة قال السائب يعني الجماعة (3) ورواه ابن المبارك عن زائدة بإسناده مثله سواء وقال زائدة قال السائب يعني بالجماعة الصلاة في الجماعة وأما قوله والذي نفسي بيده لو يعلم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء فهذا توبيخ منه لمن تأخر عن شهود العشاء معه وتقريع وذم صريح وعتب (4)
337

صحيح إذا أضاف إليهم أن أحدهم لو علم أنه يجد من الدنيا العرض القليل والتافه الحقير والنزر اليسير في المسجد لقصده من أجل ذلك وهو يتخلف عن الصلاة (فيه) (1) ولها من الأجر العظيم والثواب الجسيم ما لا خفاء به على مؤمن والحمد لله وكفى بهذا توبيخا في أثرة الطعام واللعب على شهود صلاة الجماعة وهذا منه صلى الله عليه وسلم إنما كان قصدا إلى المنافقين وإشارة إليهم ألا ترى إلى قول ابن مسعود ولقد رأيتنا في ذلك الوقت وما يتأخر عنها إلا منافق معلوم نفاقه وما أظن أحدا من أصحابه الذين هم أصحابه حقا كان يتخلف عنه إلا لعذر بين (2) هذا ما لا يشك فيه مسلم إن شاء الله وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعظم السمين يريد بضعة اللحم السمين على عظمة المثل في التفاهة كما قال عز وجل * (ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك) * 3 يريد الشيء الكثير لم يرد القنطار بعينه * (ومنهم من إن تأمنه بدينار) * 3 يريد الشيء الحقير القليل ولم يرد الدينار بعينه لا يؤده إليك
338

وأما المرماتان فقيل هما السهمان وقيل هما حديدتان من حدائد كانوا يلعبون بها وهي ملس كالأسنة كانوا يثبتونها في الأكوام والأغراض ويقال لها فيما زعم بعضهم المذاجي وقال أبو عبيد يقال إن المرماة ما بين ظلفي الشاة قال وهذا حرف لا أدري ما وجهه إلا أن هذا تفسيره ويروى المرماتين بكسر الميم وبفتحها واحدها مرماة مثل مرماة ذكر ذلك الأخفش وغيره
339

حديث سادس وثلاثون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لوددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل فكان أبو هريرة يقول ثلاثا أشهد بالله (1) في (2) هذا الحديث إباحة اليمين بالله على كل ما يعتقده المرء مما يحتاج فيه إلى يمين ومما لا يحتاج إليها ليس بذلك بأس على كل حال بدليل هذا الحديث لأن في اليمين بالله توحيدا وتعظيما وإنما يكره الحنث والاستخفاف وفيه إباحة تمني الخير والفضل من رحمة الله بما يمكن وما لا يمكن وهذا الحديث إنما معناه الذي من أجله خرج فضل الجهاد وفضل القتل في سبيل الله وفضل الشهادة وقد علمنا أن ذلك لا يحيط به كتاب فكيف أن يجمع في باب والله الموفق للصواب
340

حديث سابع وثلاثون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة (1) وفي هذا الحديث أيضا أصل عظيم وفضل جسيم للمجاهد في سبيل الله وفيه دليل على أن الأعمال لا يزكو منها إلا ما (2) صحبته النية والإخلاص لله عز وجل والإيمان به وفي هذا الحديث دليل (3) على أن الغنيمة لا تنقص من أجر المجاهد شيئا وأن المجاهد وافر الأجر غنم أو لم يغنم ويعضد هذا ويشهد له ما اجتمع على نقله أهل السير والعلم بالأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لعثمان وطلحة وسعيد بن زيد بأسهمهم يوم بدر وهم غير حاضري القتال
341

فقال كل واحد منهم وأجري يا رسول الله قال وأجرك وأجمعوا أن تحليل الغنائم لهذه الأمة من فضائلها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم وقال صلى الله عليه وسلم فضلت بخصال وذكر منها وأحلت لي الغنائم ولو كانت تحبط الأجر أو تنقصه ما كانت فضيلة له وقد ظن قوم أن الغنيمة تنقص من أجر الغانمين لحديث رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من سرية أسرت فأخفقت إلا كتب لها أجرها مرتين قالوا وفي هذا الحديث ما يدل على أن العسكر إذا لم يغنم كان أعظم لأجره والله أعلم واحتجوا أيضا بما حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو عبد الرحمان المقرئ قال حدثنا حيوة عن أبي هانئ حميد بن هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمان الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من غازية تغزو في سبيل الله فتصيب غنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم
342

الثلث فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم وهذا إنما فيه تعجيل بعض الأجر مع التسوية فيه للغنائم وغير الغانم إلا أن الغانم عجل له ثلثا أجره وهما مستويان في جملته وقد عوض الله من لم يغنم في الآخرة بمقدار ما فاته من الغنيمة والله يضاعف لمن يشاء هو أفضل من رجي وتوكل عليه لا إله إلا هو
343

حديث ثامن وثلاثون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يضحك الله عز وجل إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد (1) معنى هذا الحديث عند جماعة أهل العلم أن القاتل الأول كان كافرا وتوبته المذكورة في هذا الحديث إسلامه قال الله عز وجل * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * 2 وفي هذا الحديث دليل على أن كل من قتل في سبيل الله فهو في الجنة لا محالة إن شاء الله حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال
344

حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي العجفاء عن عمر بن الخطاب فذكر حديثا سمعه يقول قال وأخرى تقولونها يعني في مغازيكم هذه لمن يقتل قتل فلان شهيدا أو مات فلان شهيدا ولعله أن يكون قد أوقر دفتي راحلته ذهبا أو ورقا يبتغي الدنيا أو قال التجارة فلا تقولوا ذاكم ولكن قولوا كما
قال النبي عليه السلام ومن (1) قتل في سبيل الله أو مات فهو في الجنة وكذلك الآثار المتقدمة كلها تدل على ذلك والله أعلم وذلك على قدر النيات وكل من قاتل لتكون كلمة الله العليا وكلمة الذين كفروا السفلى فهو في الجنة إن شاء الله وأما قوله يضحك الله فمعناه يرحم الله عبده عند ذاك ويتلقاه بالروح والراحة والرحمة والرأفة وهذا مجاز مفهوم وقد قال الله عز وجل في السابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان * (رضي الله عنهم) * 2 وقال في المجرمين * (فلما آسفونا انتقمنا منهم) * 3 وأهل العلم يكرهون الخوض في مثل هذا وشبهه من التشبيه كله في الرضا والغضب وما كان مثله من صفات المخلوقين وبالله العصمة والتوفيق
345

حديث تاسع وثلاثون لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أترون قبلتي ههنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم إني لأراكم من وراء ظهري (1) هذا كما قال صلى الله عليه وسلم ولا سبيل إلى كيفية ذلك وهو علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال أخبرنا عبد الحميد بن أحمد بن عيسى الوراق أخبرنا الخضر بن داود قال أخبرنا أبو بكر (2) الأثرم قال قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل رحمه الله قول النبي صلى الله عليه وسلم إني أراكم من وراء ظهري فقال كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه قلت له إن إنسانا قال لي هو في ذلك مثل غيره وإنما كان يراهم كما ينظر الإمام من عن يمينه وشماله فأنكر ذلك إنكارا شديدا
346

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح (1) حدثنا حامد (2) بن يحيى حدثنا سفيان عن داود وحميد وابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله * (وتقلبك في الساجدين) * 3 قال كان النبي عليه السلام يرى من خلفه في الصلاة كما يرى من بين يديه قال وحدثنا موسى وأبو بكر قالا حدثنا وكيع عن سفيان عن ليث عن مجاهد قال كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه قال وحدثنا موسى حدثنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن عكرمة وتقلبك في الساجدين قال ركوعه وسجوده قال معمر عن قتادة * (في الساجدين) * في المصلين قال وقال عكرمة قائما وراكعا وساجدا وجالسا وذكر سنيد حدثنا حجاج عن ابن أبي ذئب عن عجلان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده إني لأنظر إلى من ورائي كما أنظر إلى من بين يدي فسووا (4) صفوفكم وأحسنوا ركوعكم وسجودكم
347

حديث موفى أربعين لأبي الزناد مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال أحدكم آمين قالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه (1) قد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب ابن شهاب فلا معنى لإعادته (2) ههنا والحمد لله وقد جاء عن عكرمة ما هو تفسير لحديث أبي الزناد هذا وما كان مثله ذكر سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال أخبرني الحكم بن أبان أنه سمع عكرمة يقول إذا أقيمت الصلاة فصف أهل الأرض صف أهل السماء فإذا قال قارئ الأرض * (ولا الضالين) * 3 قالت الملائكة آمين فإذا وافقت آمين أهل الأرض آمين أهل السماء غفر لأهل الأرض ما تقدم من ذنوبهم
348