الكتاب: الرحلة في طلب الحديث
المؤلف: الخطيب البغدادي
الجزء:
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: نور الدين عتر
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٣٩٥
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت
ردمك:
ملاحظات:

سلسلة روائع تراثنا الاسلامي
الرحلة في طلب الحديث
للخطيب البغدادي
الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت
ولد سنة 392 وتوفي سنة 463 رحمه الله
حققه وعلق عليه
نور الدين عتر
رئيس قسم علوم القرآن والسنة
في جامعة دمشق
1

الطبعة الأولى
1395 ه‍ - 1975 م
إعادة الطبع محفوظة للمحقق
2

بسم الله الرحمن الرحيم
" فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين
ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ".
" قرآن كريم "
" من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به
طريقا إلى الجنة ".
" حديث شريف "
3

الإهداء
إلى العلامة الكبير المجاهد، فضيلة أستاذنا الجليل الشيخ
مصطفى مجاهد، الذي أفدت منه في علم الحديث وفقهه، في
رحلاتي العلمية إلى كعبة علوم الإسلام: الجامع الأزهر.
لقد كنت لنا أستاذا عظيما، ومرشدا ناصحا وأسوة حسنة.
وكنت مثالا في الجهر بالحق وإعلاء كلمته، غرست فينا روح
العلم والعمل في مجالس المذاكرة التي خصصتنا بها.
وقد أكرمك ربك بنشر العلم على أعلى مستوياته، في
أول الحرمين أقدس البلاد، ثم اصطفاك لرحمته في أكرم جوار،
جوار رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، تكريما لجهادك فيه، ولحبك لنبيه
صلى الله عليه وآله وسلم.
نور الدين
5

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
وسلم تسليما.
وبعد:
فان الله تعالى قد جعل الأمة الاسلامية هادية مهتدية، تحمل لواء العلم وتجلو
ظلمات الجهل، وقد قام ورثة الأنبياء فيها من أئمة الدين بإضاءة منار العلم
بما بحثوه في حلقاتهم العلمية، وما صنفوه من المصادر الجليلة، التي خلدها
التاريخ مفخرة للمسلمين ونبراسا يهتدون به في تجديد ما درس من حضارتهم،
وإحياء ما غطى عليه الجهل من معارف كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وقد أخذنا على عاتقنا نشر مجموعة من هذا المصادر لها أهميتها ومكانها في
مكتبة العلوم الاسلامية، تحت هذا العنوان " سلسلة روائع تراثنا الاسلامي "،
راجين من الله تعالى أن يتفضل بالتيسير والقبول.
وهذا كتاب " الرحلة في طلب الحديث " ننشره بين يدي هذه
المجموعة تشجيعا لطلاب العلم بل لكل المسلمين وترغيبا في طلب العلم
وبذل غاية الوسع والطاقة من أجله أسوة بما كان عليه سلفهم الصالح حيث
كان الواحد منهم يرحل المسافات الشاسعة ويجتاز الفيافي والقفار، يأدتم كسر
7

الخبز اليابس، ويكتفى بالطعام الجلف، ويلبس خلق الثياب ويعاني
الأهوال للفوز بطلب العلم، بل لطلب مسألة من العلم، أو لسماع حديث واحد.
وقد جمع الامام الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب الرحلة هذا أخبارا
عجيبة وتحفا نادرة من أخبار رحلاتهم هي رحلاتهم من أجل الحديث الواحد
فقط، ثم قام محققة فضيلة الدكتور الشيخ نور الدين عتر رئيس قمس
علوم القرآن والسنة بجامعة دمشق بجلاء هذه المأثرة الجليلة من مآثر مجدنا
العلمي وأبرز حيويتها ونضارتها بما قدم به لهذا الكتاب من دراسة قيمة
واسعة عن الرحلة من منبعها وهو الاعجاز العلمي للقرآن الكريم، ثم
برد كيد الكائدين لهذه الأمة من متعصبة المستشرفين الذين حاولوا زحزحة
المسلمين عن مفاخرهم وأمجادهم، وكذلك فيما علقه على الكتاب من تعليقات
حافلة بالفوائد، ثم بهذا الاستدراك الذي ذيل به الكتاب وذكر فيه
جملة من أخبار الرحلة في الحديث الواحد، تعادل أخبار الكتاب الأصل،
استخرجها من بين عشرات الآلاف من التراجم، مما يدل على ما بذله
من الجهد وما لديه من الاطلاع الذي قدم لنا تلك المجموعة من أخبار الرحلة
في طلب الحديث الواحد.
وإنا لنأمل أن يوفقنا الله إلى خدمة التراث العلمي الاسلامي وأن
نقوم بقسطنا من الواجب نحو هذه الأمة وهو سبحانه ولي التوفيق.
الناشر
أمين دمج
8

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نور السماوات والأرض، أنار قلوب عباده بالعلم والعرفان.
وصلى الله على سيدنا محمد منقذ الانسان من ظلمات الجهل والجاهلية
إلى نور العلم والايمان.
أما بعد:
فان المرء ليعجب لما يحدثنا به التاريخ عن علماء الاسلام عامة
والمحدثين خاصة من أنباء رحلاتهم المضنية التي قاموا بها من أجل العلم،
رغم أبعاد السفر الشاسعة، ومشقاته في أيامهم يجتازون العقبات ويستهينون
بالصعوبات في سبيل العلم، لا يطمحون من وراء ذلك إلى جاه أو وظيفة
يشغلونها، ولا يطمعون في دنيا يصيبونها.
وإن كتاب " الرحلة في طلب الحديث " للامام الحافظ أبي بكر
أحمد بن علي الخطيب البغدادي، برهان عظيم وآية كبرى في إثبات
ما بلغه علماؤنا العظام من علو الهمة وسمو القصد، وشرف الغاية والوسيلة
نقدمه للقراء اليوم نستنهض به هم شبابنا المثقف وحمية طلبة العلم ليسلكوا
سبيل أساتذتهم الأوائل علماء أمتهم الخالدين ويعيدوا للعالم أشرف سياحة
عرفها، هي السياحة للقاء العلماء والتزود من توجيهاتهم والإفادة من معينهم
العلمي والروحي العظيم.
9

عثرت على هذا الكتاب في أثناء تطوافي بين مخطوطات " دار الكتب
الظاهرية " العامرة، فلفت نظري طرافة موضوعة، ثم طالعته فجدبني
إليه حسن اختيار مادته ومضمونه، حيث خصص الامام الخطيب كتابه
هذا للرحلة في طلب الحديث الواحد فقط، لا لطلب الحديث جملة.
فاستنسخت الكتاب ثم قابلته بالنسختين الخطيتين بالدار، توطئة
لتحقيقه، وتقديمه لشبابنا المثقف، بل لأهل العلم في كافة الأقطار (1).
وقد قدمت للكتاب بتمهيد موجز عن إعجاز النبوة العلمي، لأن
مجدنا العلمي والحضاري، بل مجد العالم إنما هو فرع لما ابتنت عليه هذه
الدعوة، وتمرة لما قامت عليه من تحرير الفكر والعلم من الأغلال.
وشرحت عناية المسلمين بالمحافظة على الأصل الموجه لهذه الحضارة، أعني
القرآن والحديث، وما اختصهم الله به من علم لم يعرفه غيرهم، أعني علم نقد
الروايات، وما بذلوا من أجله من جهود تفوق الوصف والبيان. وعرفت
بالخطيب البغدادي ومنهجه العلمي تعريفا موجزا، يبرز جانب العبرة
التي نقصدها من نشر هذا الكتاب. ويرد على أعداء المحدثين من المستشرقين
ومن يقلدهم في بعض مزاعمهم.
ثم في التعليق على الكتاب خرجت الأحاديث النبوية، وتكلمت
على أسانيدها مراعيا جانب الإيجاز، ورجعت في ذلك إلى المراجع الأصلية
المطبوعة والمخطوطة، وكان لذلك فائدة كبيرة في جلاء رتبة أحاديث
الكتاب وحالها من الصحة أو الضعف، وفي تحقيق نصها أيضا، فقد

(1) وسنعرفك بهاتين النسختين وبطريقة التحقيق التي سلكناها في آخر التقديم
للكتاب إن شاء الله.
10

استطعت بذلك إزالة الاشكال عن رواية الخطيب لبعض الأحاديث،
حيث وجدت أصول المراجع تشتمل على زيادة تجلو الأمر وتزيل اللبس.
كما أني أوضحت الألفاظ التي تحتاج للتفسير في الاسناد أو المتن،
لجلاء معاني الكتاب.
ثم جعلت خاتمة ذلك زيادة أحاديث وأخبار كثيرة أضفتها إلى
الكتاب، مما لم يذكره الخطيب البغدادي رحمه الله.
وهكذا جاء عملنا - إن شاء الله - شاملا جوانب الكتاب، مكملا
لفوائده، وإنا لنرجو أن نكون قد وفقنا إلى ما نقصده من جلاء هذه
المأثرة العظيمة من روائع مجدنا العلمي. واستنهاض همم شبابنا المثقف،
وحمية طلبة العلم.
وهو سبحانه سندنا ونعم الوكيل.
وكتب
نور الدين عتر
11

إعجاز النبوة العلمي
من المعجزات العظمى للنبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم معجزاته العلمية
ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمي لا يعلم قراءة ولا كتابة، ولم يتلق عن أحد
علما من علوم الدين أو علوم الدنيا، وقومه العرب في الجزيرة أميون، عدمت
فيهم القراءة والكتابة، إلا ما وجد على قلة وندرة من مبادئ يسيرة جدا
للكتابة نقلتها عنهم الآثار.
ومع ذلك فقد جاء بالعلم وبعثت بالمعرفة. حتى كانت أول
آيات تنزل عليه هي: " اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من
علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الانسان
ما لم يعلم ".
ومن معجزات هذا النبي الكريم، أنه في دعوته القوية الصافية،
يأتي بأدلة العقل المستبصرة من الفكر الصحيح، ومن حقائق الكون
الراسخة، فالقرآن الكريم يتحدث عن حقائق الكون حديث الجير بها،
ويأتي بها شواهد صدق تعرف العباد بربهم سبحانه، ولذلك فان
الانسانية على مر العصور وتقدمها في العلوم لا تخرج عما قرره القرآن من
قواعد الكون العامة التي تدل على أن القرآن لا يمكن أن يصدر إلا من
الله، وأن علوم محمد لا يمكن أن تأتي إلا من الله.
12

وخلاصة تلك الأصول الكونية:
1 - أن كل هذه المكونات في الطبيعة في الأرض أو السماء مخلوقة
لله، مقهورة لسلطانه مسيرة ذليلة لقدرته وإرادته. وبهذا بطل ما كان
يعتقده أهل الأديان في بعض الجمادات الأرضية أو الكواكب من تأثير
في حياة الانسان، وتحرر الانسان من العبودية لها والخوف منها.
2 - أنها تدل على وجود الله ووحدانيته، وصفاته العليا، بما أودع
فيها من عجائب الصنع وآيات الابداع. فأمر بالتفكر فيها والبحث عن
مكنوناتها، وهو بهذا يفتح باب البحث في علوم الكون على مصراعيه،
بل يكلف الناس بهذا، في الوقت الذي كان العالم كله يعتقد أن ذلك
أمر محظور، وأنه مناوأة لله عز وجل.
3 - أن كل شئ في العالم يسير بنظام دقيق " الشمس والقمر
بحسبان "، " وكل شئ عنده بمقدار ".
4 - أن كل هذه الكائنات خلقت لمنفعة الانسان، بل إنها مسخرة
له، علويها وسفليها، كما قال الله تعالى: " هو الذي خلق لكم ما في
الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات، وهو بكل
شئ عليم " البقرة: الآية: 29.
وقال أيضا: " وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا
منه... " الجاثية: الآية: 13 ولقد حملت هذه الأمة مشعل العلم
والحضارة، وأضاءت بهما العالم كله، دهرا طويلا حيث كانت أوروبا
تعيش في ظلام دامس، وكان الفكر العلمي فيها رهن السجون والاغلال،
بل كان الفكر العلمي نهب القتل والاغتيال، حتى تلمذت على المسلمين،
13

وتلقفت منهم حقائق العلم، والثقة بالعلم، والتضحية من أجل العلم فتحررت
بفضل ذلك وعرفت الطريق نحو الحضارة.
وإذا كانت البشرية قد وصلت اليوم إلى القمر والكواكب، فإنها
مدينة في ذلك لما قرره القرآن في الآيات التي تلوناها، وفي أمثالها، بل
إن القرآن ليقرر ما هو أبعد من مجرد الوصول إلى القمر!، يقرر تسخير
هذه الكواكب لصالح هذا الإنسان.
ويضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الحفاظ على الحقيقة العلمية
والأمانة، حين كسفت الشمس يوم موت عظيم، أو ولادته. فقال
الناس: والكسوف يقعان بسبب موت عظيم، أو ولادته. فقال
الناس: خسفت الشمس لموت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم
يجمع الناس يصلي بهم ركعتين سنة الكسوف ثم يخطب فيهم يقول:
" إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد
ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا... " (1).
ولقد كان المصاب فاجعا بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم، حزن من أجله حزنا
عظيما حتى ذرفت عيناه ووقف يقول هو يردع ولده: " إن العين
لتدمع، وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك
يا إبراهيم لمحزونون ".
ومن ذا الذي يرزأ بمثل هذا الخطب ثم لا يرى الدنيا مكتسية ثوب
الحداد لرزئه وأن الشمس والقمر تشاركانه الأسى لمصابه.
لكن خمدا الأمين صلى الله عليه وسلم يراعي قبل هذا كله، وفوق هذا كله
الحقيقة العلمية التي اطلعه الله عليها، وإذا به يخطب في الناس ليحطم

(1) متفق عليه، البخاري بلفظه في الصلاة: 2: 34. ومواضع أخرى.
ومسلم: 3: 27.
14

هذه الخرافة التي قيلت مواساة له وتسلية لا حزانه. فكان العلم بالكون
وبالطبيعة مدينا لهذا النبي الذي فتح العيون على حقائق الأمور الدينية ومهد
السبيل لتقديم العلوم الطبيعية والكونية، فاستنارت القلوب بدعوته، وازدهرت
الحضارة بشريعته، وتقدمت علوم الطبيعة والكون بتوجيهات رسالته (1).
اعتناء المسلمين بالحديث والاسناد:
بهذه الروح العلمية النابعة من الاسلام والقرآن حفظت هذه الأمة
كتاب الله المنزل إليها، فنقلته بحفظ الصدور تلقيا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بأمانة وثقة وتواتر، كما نقلته أيضا بحفظ السطور أخذا من الصحف التي
دونت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأدت القرآن إلى العالم بغاية الدقة
في تبليغ نصه وكيفية أدائه وتلاوته في كلماته وحروفه، وإدغاماته وإظهاراته
وغناته، ومداته، ووقوفه ووصله... حتى وصل إلينا عبر القرون
غضا طريا كما أقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، مما لم يقدر لكتاب غيره.
ثم ذبت الكذب والحلل عن الحديث النبوي بما وضعته من قوانين
للرواية هي أصح وأدق طريق علمي في نقل الروايات واختبارها.
وكان من أهم هذه القوانين البحث في إسناد الحديث، وفحص أحوال
الرواة. وقد حث علماء الصحابة الناس على الاحتياط في حمل الحديث،
وعلى التثبث من أحوال الرواة وأن لا يأخذوا من الحديث إلا حديث من
يوثق به دينا وحفظا، حتى شاعت لذي كافة الناس هذه القاعدة عن الصحابة:
(هامش) * (1) انظر التوسع في شرح حديث الكسوف وما يسن فيه وصفة صلاة الكسوف في
كتابنا " هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلوات الخاصة " ص 167 - 175. (*)
15

" إنما هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذونها (1) " فبعد معرفة
رواة الخبر يمكن تفحص أحوالهم، ومعرفة صحة الخبر من سقمه، متأثر
بذلك علم ميزان الرجال: " الجرح والتعديل " الذي هو عمود أصول
الحديث.
ولقد كان علم السند هذا ابتكارا في قوانين الرواية وفق الله إليه
المسلمين وخصهم به دون الأمم السابقة.
يقول الإمام علي بن حزم (2): " نقل الثقة عن الثقة مع الاتصال
حتى يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خص الله به المسلمين دون سائر أهل الملل كلها،
وأبقاه عندهم غضا جديدا على قديم الدهور... ".
ويقول الحافظ أبو علي الجياني: " خص الله تعالى هذه الأمة بثلاثة
أشياء لم يعطها من قبلها: الإسناد، والأنساب، والإعراب " (3).
الرحلة في طلب الحديث
ولما كان الحديث النبوي هو المصدر الثاني للاسلام، وكان منه بهذه
المثابة فقد أعطاه العلماء غابة اهتمامهم، وبذلوا من أجل الحديث وأسانيده
كل ما في وسعهم، حتى رحلوا المسافات البعيدة، على بعد الشقة وعظم

(1) اخرج ذلك ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل: 1 / 1 / 15 بأسانيده عن عدد
من التابعين بلفظ: " كان يقال انما هذه الأحاديث... الخ ". وانظر تفصيل ذلك وبيان
موقعه من منهج السلف العلمي في كتابنا " منهج النفد في علوم الحديث " ص 47 وما بعد.
(2) في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل: ج 2 ص 82.
(3) تقريب الراوي ص 359.
16

المشقة، طلبا للحديث وبحثا عن أسانيد الأحاديث، بل عن إسناد الحديث
الواحد. امتثالا لأمر الله تعالى، وتحقيقا لما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين:
قال تعالى: " فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين
ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به
طريقا إلى الجنة ". (1)
وقد كانت الرحلة في طلب الحديث من لوازم طريقة المحدثين ومنهجهم
في التحصيل العلمي. قال الإمام ابن الصلاح (2): " وإذا فرغ من سماع
العوالي والمهمات التي ببلده فليرحل إلى غيره ". وقال يحيى بن معين: " أربعة
لا تؤنس منهم رشدا: حارس الدرب، ومنادي القاضي، وابن المحدث،
ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث (3) ".
ويبدو أثر الرحلة للناظر في أسانيد الأحاديث واضحا جليا، إذا
ما تناولنا أي اسناد منها ودرسنا تاريخ رواته نجد في أغلب الأحيان أنهم
ينتمون إلى أكثر من موطن، بل ربما وجدنا كل واحد منهم من بلدة،
جمعت الرحلة في طلب الحديث شتاتهم وقربت بعد ما بينهم حتى تسلسلوا في
قرن واحد في سند الحديث الواحد...!
أهداف الرحلة عند المحدثين:
وللرحلة أهداف ومقاصد جليلة لدي أهل الحديث نوضح أهمها فيما يلي:

(1) من حديث صحيح أخرجه مسلم وغيره.
(2) في كتابه علوم الحديث ص 222 بتحقيقنا.
(3) المرجع السابق ص 223.
17

1 - تحصيل الحديث:
ولعل هذا أول أسباب الرحلة، خصوصا في عهود الاسلام الأولى
ومنه جاءت رحلات الصحابة (1) ثم التابعين، وهكذا...
وذلك أن الصحابة رضي الله عنهم تفرقوا في البلاد ومع كل واحد
منهم علم حمله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان هناك عدد منهم نستطيع أن
نقول إنهم كانوا يحملون جملة الحديث، وهم الذين كان الخلفاء يرسلونهم
إلى البلاد دعاة ومعلمين، مثل عبد الله بن مسعود في العراق، وأبي
الدرداء في الشام...
ثم انتشر علم الصحابة في تلامذتهم التابعين وتفرق بينهم، فاحتاج
العلماء إلى تحصيل الحديث من صدور حملته استكمالا لعلم السنة النبوية.
وقد ضرب المسلمون في ذلك مثلا عاليا، وبلغوا شأوا عزيز المال، حتى
رحلوا في طلب الحديث الواحد، وها هو ذا كتاب الرحلة الذي بين
أيدينا بينة واضحة على هذا المقصد الجليل.
2 - التثبت من الحديث:
وهذا كان مقصد أبي أيوب رضي الله عنه في رحلته من المدينة
المنورة إلى مصر ليثبت من حديث سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه
غيره وغير عقبة بن عامر (2).
وكذلك رحل شعبة بن الحجاج من أجل اسناد لحديث فضل

(1) رحلاتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما أثبتناه في مطلع استدراكنا على
كتاب الرحلة، وكذا رحلاتهم إلى بعضهم البعض مما ذكره الخطيب.
(2) انظر حديث في الرحلة رقم 34 - 38.
18

الوضوء والذكر بعده، فإن أبا إسحاق السبيعي الذي سمع منه شعبة
هذا الحديث مدلس، ولم يكشف لشعبة عن حقيقة أمر السند، وكان شعبة
كثير العناية بتتبع المدلسين، فرحل تلك الرحلة المضنية حتى توصل إلى
نتيجة مؤسفة هي سقوط رواة من السند أحدهم مطعون فيه، فلم
يملك نفسه أن قال: " دمر علي هذا الحديث، لو صح لي هذا الحديث
كان أحب إلي من أهلي ومن مالي ومن الدنيا كلها " (1).
ومن التثبت من الحديث أن يكون عند المحدث أحاديث يرويها
فيسمع في رحلته بعض هذه الأحاديث بأسناد تلتقي مع إسناده وتتفق في
صيغة المتن المروي أو معناه (2) أو يسمع أحاديث أخرى في معني ما يرويه (3)
فيطمئن المحدث ويتقوى الحديث حتى يحتج به إن كان فيه ضعف من قبل (4)،
أو يزداد صحة إن كان من قبل صحيحا (5). كما أن تتبع الروايات
والأسانيد قد يسفر عن خلل يسقط حديثا كان يظنه من قبل صحيحا (6).

(1) انظر الحديث وتعليقنا الحافل عليه في الرحلة برقم 59 و 60.
(2) وهو ما يسمى بالتابع أو المتابع والمتابعة.
(3) ويسميه المحدثون الشاهد. انظر تفصيل البحث في التابع والشاهد في كتابنا
منهج النقد في علوم الحديث رقم عام 74 - 75 ص 394 - 398.
(4) وهو الحديث الحسن لغيره، انظر تعريفه وشروطه في كتابنا منهج النقد رقم
عام 39 - ص 294 - 252.
(5) وقد بحثنا أنواع الحديث الناشئة من تعدد السند مع اتفاق الرواة في كتابنا
الامام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين ص 126 - 132 وزدنا هذا البحث
توسعا في كتاب منهج النقد المبحث الثاني من الباب السابع ص 380 - 398.
(6) انظر أنواع الحديث الناشئة من اختلاف الرواة في رواية الحديث في فصل
جامع من كتابنا الامام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين ص 132 - 150
وكتابنا منهج النقد المبحث الثالث من الباب السابع ص 399 - 432. وفيه زيادة توسع
وتفصيل.
19

3 - طلب العلو في السند:
والعلو هو قلة عدد الوسائط في سند الحديث مع اتصال السند،
ويحصل العلو بأن يسمع المحدث حديثا من راو عن شيخ موحود " فيذهب المحدث إلى ذلك الشيخ ويسمعه منه. وهكذا يقل عدد وسائط
النقل في السند.
وللعلو فائدة عظيمة هي أنه يبعد الاسناد من الخلل، لأن كل رجل
من رجاله قد يحتمل أن يقع من جهته خلل في النقل، فإذا قلت
الوسائط تقل جهات الاحتمال للخلل، فيكون علو السند قوة للحديث (1).
لذلك عني المحدثون بالعلو عناية كبيرة، وألفوا فيه المصنفات
وتجشموا لتحصيله المشقات، حتى رحلوا إلى الأقطار النائية سعيا وراء علو السند،
ما إن يسمع أحدهم بحديث عن محدث في عصره حتى يرحل إليه ليسمعه
منه مباشرة.
قال الحافظ أبو الفضل المقدسي (2): " أجمع أهل النقل على طلبهم
العلو ومدحه، إذ لو اقتصروا على سماعه بنزول لم يرحل أحد منهم ".
وقال الإمام أحمد بن حنبل: " طلب الاسناد العالي سنة
عمن سلف ".
وقيل ليحيى بن معين في مرض موته: " ما تشتهي؟ ". قال:
" بيت خالي، وإسناد عالي! (3) ".

(1) علوم الحديث لابن الصلاح ص 231 وانظر منهج النقد في علوم الحديث ص 335
رقم عام 59.
(2) هو محمد بن طاهر، انظر كلمته هذه في " مسألة العلو والنزول " ق 5 / آ.
(3) علوم الحديث ص 231.
20

وقيل للإمام أحمد بن حنبل: أيرحل الرجل في طلب العلو؟
فقال: " بلى والله شديدا، لقد كان علقمة والأسود يبلغهما الحديث
عن عمر رضي الله عنه فلا يقنعهما حتى يخرجا إلى عمر فيسمعانه منه (1) ".
وقال أبو العالية: " كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحن بالبصرة فما نرضي حتى نركب إلى المدينة فنمعها من
أفواههم... " (2).
وغير ذلك كثير جدا.
4 - البحث عن أحوال الرواة:
وذلك لأن معرفة أداء الراوي للحديث كما سمعه هو المقصد الذي
عليه مدار هذا العلم، ومن أجله بذلت كل الجهود، ووضعت قواعد
النقد، فكان لابد من تقصي أحوال الرواة وأخبارهم حتى يتميز مقبولهم
من مردودهم، وقد قلنا في كتابنا " منهج النقد " (3): " ولولا ما بذله
الأئمة النقاد في هذا الشأن من الجهود في البحث عن عدالة الرواة واختبار
حفظهم وتيقظهم حتى رحلوا في سبيل ذلك وتكبدوا المشاق ثم قاموا في
الناس بالتحذير من الكذابين والضعفاء المخلطين لاشتبه أمر الإسلام واستولت
الزنادقة ولخرج الدجالون ".
وحسبنا دليلا على أهمية هذا البحث تلك العلوم الكثيرة التي تبحث

(1) المرجع السابق 223، وانظر المستدرك على الرحلة رقم 92.
(2) أخرجه الخطيب في الرحلة برقم 21.
(3) ص 84 رقم عام / 2 /.
21

في الرواة من كل جهات البحث فيهم، والتي بلغت أصولها ثلاثين
علما (1)!!
ومن أمثلة الرحلة لهذا الغرض سعي الإمام يحيى بن معين إلى أبي
نعيم الفضل بن دكين ليختبر حفظه وتيقظه حتى شهد له انه قد بلغ الغاية
في ذلك (2).
ولو أن الناس وطلبة العلم عنوا في هذا العصر بهذين المقصدين
(الثالث والرابع) في حق المؤلفات الحديثة، ورجعوا إلى (المؤلف)
مصدر الفكرة المنشورة، يبحثون حاله كما كان السلف يفعلون لوجدوا
كثيرا من أصحاب الكتب لا يستحق القراءة له، ولاكتفوا شرا
كثيرا (3) لكنه القعود والاخلاد إلى الراحة جعل للمطبعة ولدعاية الناشرين
التجارية قوة لم تكن تكسب من قبل بالشهرة المفتعلة أو الألقاب المصطنعة،
حيث كانت الرحلة للقي الرجال تكشف خباياهم.
5 - مذاكرة العلماء في نقد الأحاديث وعللها:
وهو فن جليل يحتاج إلى عمق النظر وتقصي الأسانيد والروايات،
لذلك قال العلماء إن التعمق فيه وتحصيل الملكة العلمية لا يتم إلا بالمجالة
والمذاكرة ولقاء جهابذة الفن.

(1) وقد جمعناها مبوبة مفصلة إلى أقسامها بحسب جهة البحث في الرواة وتقسيمها تقسيما
مبتكرا في كتابنا منهج النقد في علوم الحديث ص 66 - 173 فانظر دراسة قواعدها فيه.
(2) انظر خبر هذه الرحلة الطريف في المستدرك على الرحلة برقم 106.
(3) لذلك نرى أن يحتاط المسلم وطالب العلم لدينه من كتاب لم يتوثق من ورع مؤلفه
ورسوخه العلمي، وأن يحرص على التلقي المباشر من العلماء الذين عرف من ورعهم وعلمهم
ما يجعلهم أهلا للقدوة، فإن الأمر خطير، جد خطير.
22

قال الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية (1) " ولو كان حكم
المتصل والمرسل واحدا لما ارتحل كتبة الحديث وتكلفوا مشاق الأسقار
إلى ما بعد من الأقطار، للقاء العلماء والسماع منهم في سائر الآفاق... "
وكان سفيان بن عيينة بمكة يرحل إليه علي ين المديني من العراق
للمذاكرة في ذلك، فقال ابن عيينة: " يلومونني على حب علي ابن المديني
والله لما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني... " وقال يحيى القطان: " أنا
أتعلم من علي أكثر مما يتعلم مني ".
وكان الإمام أحمد بن حنبل يصلي من الليل مائة ركعة وأكثر،
فإذا زاره يحيى بن معين اكتفي بالقليل من النافلة وجلس للمذاكرة مع
يحيى، فقال له ابنه في ذلك؟ فقال: " يا بني إن ما يفوت من النافلة
يدرك، لكن إذا فات ما عند هذا الفتى لا يدرك ".
ومن روائع نتائج الرحلة ما أفاده الامام الترمذي في علل الحديث
من الامام البخاري، وهذا كتابه " العلل الكبير " شاهد صدق بذلك
لكثرة نقوله عن الامام البخاري في معظم أحاديث الكتاب. وقد صرح
الترمذي في آخر جامعه بإفادته من هذه المباحثة فقال: " وما كان
فيه - يعني الجامع - من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ
فهو ما استخرجته من كتب التاريخ، وأكثر ذلك ما ناظرت به محمد
ابن إسماعيل - يعني البخاري -... " (2)
* (هامش) (1) ص 402 - 403 طبع الهند.
(2) آخر جامع الترمذي المشهور ب‍ " سنن الترمذي ". وانظر كتابنا الامام
الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين ص 17 - 18، و 267. (*)
23

فوائد الرحلة
وهي فوائد عامة نضيفها إلى ما سبق من أغراض الرحلة عند المحدثين
نستشير بها عزائم الشباب حتى يتخطوا الصعاب، وتخف عليهم أعباؤها
المالية ومشقاتها:
من هذه الفوائد:
1 - التمكن من الجوانب العلمية:
وذلك أن الانسان يتأثر ببيئته ومحيطه، وقد تتحكم فيه المألوفات
التي عاش بينها، فإذا رحل إلى بيئة أخرى ألقى مشاكل جديدة تبحث،
أو آراء جديدة في مسائل سبق له أن درسها، فيتسع أفقه واجتهاده
بدراسة الجديد من المسائل أو الجديد من الآراء، وكثيرا ما يؤدي ذلك
إلى تغيير في آرائه واجتهاداته بعد أن كان سار عليها زمنا لا يجيد عنها،
وهذا الفقه الشافعي برهان ساطع على ذلك، فإن من المعروف المشهور
أن للامام الشافعي مذهبان: المذهب القديم، والمذهب الجديد، والمذهب
الجديد يختلف في مسائل جوهرية كثيرة عن القديم، وقد صار إليه
الشافعي بعد رحلته إلى العراق، حيث لقي الإمام محمد بن الحسن الشيباني
صاحب أبي حنيفة، ولقي تلامذة أبي حنيفة، وغيرهم من العلماء.
وقد أبان العلامة ابن خلدون هذه المزية في فصل خاص مختصر (1)
نسوقه بنصه. وهو: أن الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال
في التعلم.

(1) هو الفصل الرابع والثلاثون - من مقدمة ابن خلدون - (من أقسام الفصل
السادس من الكتاب الأول) في أن الرحلة في طلب العلوم... "... إلى آخره ص 478.
24

والسبب في ذلك أن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما ينتحلون
به من المذاهب والفضائل تارة علما وتعليما والقاء، وتارة محاكاة وتلقينا
بالمباشرة، إلا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقي أشد استحكاما
وأقوى رسوخا، فعلي قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها.
والاصطلاحات أيضا في تعليم العلوم مخلطة على المتعلم حتى لقد يظن كثير
منهم أنها جزء من العلم، ولا يدفع عنه ذلك إلا مباشرته لاختلاف الطرق
فيها من المعلمين، فلقاء أهل العلوم وتعدد المشايخ يفيده تمييز الاصطلاحات
بما يراه من اختلاف طرقهم فيها، فيجرد العلم عنها، ويعلم أنها أنحاء
تعليم وطرق توصيل، وتنهض قواه إلى الرسوخ والاستحكام في الملكات
وتصح معارفه وتميزها عن سواها، مع تقوية ملكته بالمباشرة والتلقين
وكثرتهما من المشيخة عند تعددهم وتنوعهم.
وهذا لمن يسر الله عليه طرق العلم والهداية، فالرحلة لا بد منها
في طلب العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال،
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ". انتهى.
2 - نشر العلم الذي حصله العالم:
وذلك أن العالم كثيرا ما ينبغ في بلد يضيق عن حمل نبوغه، لعدم
توفر الكفاءات أو لقلة اهتمام أهل البلد بهذا الفن أو الاختصاص، فيرحل
إلى مدينة تكون أوسع مجالا للآراء الخطيرة، أو أشد حاجة، فتعظم
مكانته ويكثر الانتفاع بحكمته، ولولا الرحلة لما عظم شأنه ولما كثرت
ثمرات نبوغه، وهذا الشيخ عز الدين بن عبد السلام مر عند خروجه من
الشام بالكرك فتلقاه صاحباه وسأله الإقامة عنده، فقال له الشيخ:
" بلدك صغير عن علمي ". وتوجه إلى القاهرة.
25

وقد تكون رحلة العالم أو الأديب من أسباب ظهور علمه أو أدبه
وانتشاره في الآفاق.
قال الأديب أبو بكر المعروف بابن بقي:
ولي همم ستقذف بي بلادا * نأت إما العراق أو الشآما
لكيما تحمل الركبان شعري * بوادي الطلح أو وادي الخزاما
وكيما تعلم الفصحاء أنتي * خطيب علم السجع الحماما
وقد أطلعتهن بكل أرض * بدورا لا يفارقن التماما
3 - اتساع الثقافة العامة:
وذلك لكثرة احتكاك الانسان بالجديد عليه من الناس وما لديهم من عادات
وثقافة وحكم وأمثال ونوادر، فيتأثر بذلك وينطبع في نفسه حتى تتكون
لديه من كل رحلة ولقاء فائدة أو يحفظ حكمة أو نكتة، أو تقع له
حادثة طريفة، فيحفظ ذلك كله ويصبح له زادا يجتذب إليه الناس بالحديث
عنه، وفي الناس حب التطلع لأخبار غيرهم ومعرفة ما لم يألفوه من
أحوالهم، لذلك احتل الرحالون مراكز الصدارة في المجالس واجتذبوا
الناس إليهم بما يحكمون من أنباء رحلاتهم العلمية، وما يذكرون من
أحوال مشايخهم وأخبار أساتذتهم. ومن مشاهداتهم الاجتماعية، ولطائف
الحكم وطرائف النكت التي سمعوها، والوقائع العجيبة التي صادفوها.
4 - تنمية الفضائل والكمالات في النفس:
وقد كان هذا غرضا يرحل إليه الراحلون، يقصدون أهل الفضل
للتأسي بأحوالهم وصفاتهم.
قال الامام العالم الحافظ الزاهد أحمد بن فرح الإشبيلي (1) في
الامام النووي:

(1) انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ للذهبي ص 1486.
26

" الامام محيي الدين قد صار إلى ثلاث مراتب، كل مرتبة
لو كانت لشخص لشدت إليه الرحال: العلم، والزهد، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر " (1).
ورحل الامام الكبير الحافظ يحيى بن يحيى بن بكير التميمي (2)
إلى الامام مالك بن أنس للسماع منه، وبعد أن أتم ذلك بقي عند
مالك، وقال: " أقمت لأستفيد من شمائله ".
كما أن الانسان في الرحلة تتغير مألوفاته وعاداته، فيكتسب بمواجهة
ذلك أخلاقا طيبة تغرسها الرحلة في النفس، مثل خلق الصبر لكثرة
ما يلاقيه الراحل من متاعب بدنية وآلام نفسية لفراق الأحبة، ومثل
أدب المداراة، فإن البعيد عن وطنه أشد شعورا بالحاجة إلى هذا الأدب
ممن يعيش بين قوم يعرفون من حسبه ومكانة بيته ما يجعل صراحته خفيفة
على أسماعهم.
وهذا التلقي الفضائل من الأكابر يفتح رحاب الصدر للاختلاف،
حيث يعذر كل واحد الآخر في خطته أو في اجتهاداته وآرائه، ولا يتسرع
للحط من مخالفه أو الطعن عليه بالابتداع أو الضلال...!!
5 - كسب صداقات جديدة خالصة:
والصداقة الخالصة من ألذ ما يتمتع به الانسان في الدنيا، وقد
ذكر الله تعالى من نعيم أهل الجنة أن متعهم بمحبة بعضهم لبعض " ونزعنا
ما في صدورهم من غل إخوانا... ".

(1) انظر المرجع السابق ص 1470 - 1486، وانظر دراسة عن النووي في
كتابنا " دراسات تطبيقية في الحديث النبوي " ص 376 وما بعد.
(2) انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ ص 415.
27

والرحلة وسيلة نافعة في كسب أصدقاء جدد يتعرف عليهم، ويعرف
بهم أهل بلده، ويتحدث عن فضائلهم ومحاسنهم في مجالسه، فيؤدي ذلك
إلى تعارف الشعوب وتحاببها، وقد كان المسلمون على غاية التحابب،
والتعاون حيث كانت البلاد الاسلامية كلها مفتوحة للمسلم، لا تضيق به
الدنيا، ولا تعسر عليه المعيشة، ولا ينتهى مدى جناحه على الأرض.
وهذه مصادر الأدب فيها الكثير من مراسلات الأصدقاء النثرية وقصائدهم
الشعرية (1).
وغير ذلك من فوائد يستزيد من تعدادها المجرب ويذوق حلاوتها
لما فيها من تجديد في الشخصية، وفي رؤية الحياة:
إن السفر
كنز العبر
فارحل ترى الآفاق أبهج منظرا
وترى الربيع البكر يرتاد القرى
وسنا الشباب بنبض روحك قد سرى (2)
وما أحسن قول الشاعر الحكيم أبي تمام:
وطول مقام المرء في الحي مخلق * لديباجتيه فاغترب تتجدد
فاني رأيت الشمس زيدت محبة * إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد

(1) انظر رسائل الاصطلاح لفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر الأسبق الشيخ
محمد الخضر حسين رحمه الله ج 2 ص 190 وما بعد. وانظر مناظرة حول الرحلة في كتاب
المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي ص 216 وما بعد.
(2) عن قصيدة " شيخ الغجر " (ص 61) من ديوان " عودة الغائب " للشاعر
الأستاذ محمد الحسناوي.
28

آداب الرحلة
وهي أصول ينبغي مراعاتها حتى تؤتي الرحلة ثمارها وتتحقق أهدافها
أيا كان العلم الذي يرحل فيه الطالب، ونجمل لك أهمها فيما يلي:
1 - أن يقدم السماع من علماء بلده على الرحلة للآفاق، فهو
أيسر وأقل كافة، وأمكن له في التثبت مما يسمع وتدوينه وضبطه
ومراجعة ما يشكل منه، ولا يستخفن طالب العلم بأساتذة بلده، شأن
بعض الغافلين يرى أحدهم الدرهم في بيت جاره خيرا من الدينار في بيته.
فإذا فرغ من التلقي عن علماء بلده عزم على الرحلة وسلك سبيلها (1).
2 - حسن اختيار أماكن الرحلة، بأن تكون عامرة ببعض العلماء
أو الفضلاء ممن يفاد منهم. وكان العلماء يعتنون بذلك ويستشيرون فيه،
كما ستراه في تقديمنا هذا من استشارة الخطيب شيخه أبا بكر البرقاني في
الرحلة، ويأتي في كتاب الرحلة (2) عن أحمد بن حنبل وقال له رجل:
عمن ترى أن يكتب الحديث؟ فقال له: " أخرج إلى أحمد بن يوسف
فإنه شيخ الإسلام ".
وعن معمر قال: قال لي أيوب: " إن كنت راحلا إلى أحد
فارحل إلى ابن طاوس وإلا فالزم تجارتك " (3).
3 - أن يهتم بكثرة المادة العلمية المتلقاة، وكثرة المسموع مما ليس
عنده من الأسانيد والمتون، ويقدم ذلك على الاستكثار من الأساتذة،

(1) كما صرح المحدثون بذلك، انظر علوم الحديث ص 222، وشرح النخبة
ص 154 بحاشية لقط الدرر وشرح الشرح ص 266.
(2) برقم 18.
(3) كما في الرحلة أيضا رقم 19.
29

قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة (1): " ثم يرحل فيحصل في
الرحلة ما ليس عنده، ويكون اعتناؤه بتكثير المسموع أولى من اعتنائه
بتكثير الشيوخ ".
وفي شرح الشرح (2): " ويكون اعتناؤه أي وينبغي أن يكون
اهتمام الطالب بتكثير المسموع أي في الحديث أكثر من اعتنائه بتكثير
الشيوخ، أي والأسانيد، لأن المقصود الأصلي أولى هو الدراية لا مجرد
الرواية، نعم قد يحتاج إلى تكثير الرواية لتصحيح الدراية ".
4 - أن يعتني بالمذاكرة مع المحققين لتمكين التعمق في العلم،
وذلك بأن يحضر ما توصل إليه من آراه أو علاج لمشكلات العلم،
فيلقيه على أهل التحقيق والدقة، ويعرض عليهم ما وقع له من استشكال،
فيكسب بذلك آراءا جديدة تزيده تمكنا وتعمقا، أو تزيح ما وقع له
من إشكال، وهي فائدة هامة يكمل بها العالم ويسمو. وينبغي عدم
التساهل في ذلك، وأن يستكثر من الأساتذة الذين يعرض عليهم هذه
الأمور إن اقتضى الأمر، كما يستكثر الباحث من الرجوع إلى المصادر
المكتوبة في المسائل العويصة حتى يحلها، والمصادر الحية (الأساتذة)
أهم من الكتب لعلاج المشاكل فيما لمسناه، لأنها تقدر على تتبع الخواطر
ومناقشاتها إلى النهاية.
5 - مراعاة الآداب العامة في السفر: وهي مطلوبة من كل
مسافر خصوصا صاحب الرحلة لطلب العلم، أو لتحصيل شئ من خصال

(1) ص 154 نسخة لقط الدرر.
(2) للشيخ علي القاري ص 266، ونحوه في لقط الدرر نفس المكان.
30

الخير، فهو أحرى بمراعاتها وأجدر. ومن أهمها المداومة على الطاعات
والعبادات وذكر الله تعالى، والسخاء بالمال، ثم تحمل متاعب السفر
والطريق والصبر على الرفاق، وغير ذلك من آداب وسنن لا نطل
بذكرها هنا (1) لكنا نذكر بتأكيدها لما لها من أثر كبير في النفس
يهذبها ويكسبها فضائل تسمو بها، حتى كان كثير من الأكابر يرحلون
لمجاهدة أنفسهم على تلك الخصال.
تاريخ الرحلة في طلب الحديث
سلك المسلمون سنن الرحلة في طلب العلم والحديث من وقت مبكر
جدا، بدأ منذ بمصر النبوة، وكتاب الرحلة هذا وثيقة هامة تثبت
ذلك بما أخرج فيه الخطيب البغدادي من الأحاديث الصحيحة في ذلك ثم
بما خرجناه في المستدرك عليه. الأمر الذي يدل على الأهمية البالغة للرحلة
في طلب العلم، وطلب الحديث خاصة، ويدل على تلك القوة الدينية
الإيمانية العظيمة التي دفعت المسلم إلى أن يزعج نفسه ويجشمها أعظم المشقات
في سبيل الحديث ابتغاء رضوان الله تعالى.
لكن بعض المستشرقين مثل (جولد تسهير) وتابعه (ليون
بورشيه) يؤرخ الرحلة تأريخا مختلفا تماما عما أثبتته الوثائق والدلائل العلمية.
يقول بورشيه في تلخيص لكلام جولد تسهير (2).

(1) ذكرنا مهمات منها في كتابنا " الحج والعمرة في الفقه الاسلامي "، في موضوع
" مستحبات السفر وأدعيته " من فصل " كيفية الحج والعمرة... " ص 187 - 191.
(2) في كتاب " دراسات في السنة الاسلامية " تاريخ العصر الأموي الفقرة رقم 3.
31

" الطابع الدنيوي الخالص للسيطرة الأموية:
يسمى هذا الطابع " الملك " وقد اعتبره الأتقياء موقفا سيئا،
وبما أن الأشخاص الأتقياء كانوا قد عزلوا عن الحياة العامة من قبل القادة
فإنهم قد أعطوا كل ما عندهم للدراسة المتعمقة للشريعة الإسلامية، وفتشوا
عن سنة النبي في أي مكان يمكن أن توجد فيه، وهذه بداية الرحلات
في طلب الحديث " انتهي.
والواقع أن دلائل كثيرة جدا تثبت بطلان هذا الزعم، نذكر منها:
1 - ما أشرنا إليه من رحلة الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مثل ضمام
ابن ثعلبة، فان التحقيق في خبره يدل على أن الاسلام دخل قلبه قبل لقائه
للنبي صلى الله عليه وسلم لكنه جاء ليسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما كان بلغه عنه.
2 - ما هو ثابت من رحلات التابعين في عصر صدر الخلافة الراشدة،
كما سبق (1) أن ذكرنا من " أن علقمة والأسود كانا يبلغهما الحديث عن
عمر رضي الله عنه فلا يقنعها حتى يخرجا إلى عمر فيسمعانه منه " وهو أثر
صحيح ظاهر الدلالة على أن الرحلة في طلب الحديث الواحد وجدت قبل
عصر الأمويين بزمن بعيد، فكيف بطلب مجموعات من الحديث، وقد
احتج بهذا الأثر الامام المحدث الحافظ الجليل أبو عمرو ابن الصلاح على سنية
الرحلة وأهميتها في طلب الحديث (2).

(1) في صفحة 21 وانظر آثارا أخرى تأتي في الرحلة برقم 20 و 21
(2) أذكر أنني التقيت في مطلع الربيع 1973 في المجمع العلمي في
دمشق بالمستشرق الدكتور " يوسف وان إس " رئيس قسم اللغة العربية بجامعة
نوبتجن بألمانيا، وهو من كبار المستشرقين العصريين، وله إشراف على عدد من
رسائل الدكتوراه لطلاب عرب!! وأفادني بعض الأصدقاء أنه يعتبر الآن عميد
المستشرقين.
وقد قلت للدكتور يوسف وان إس: إنني أرى من اللازم أن لا يقلد
المستشرقون الآن ما كتبه أسلافهم عن الإسلام وخصوصا " جولد تسيهر " الذي
لحظنا له أثرا كبيرا بين المستشرقين وذلك لأن الدراسات العلمية تثبت وقوعه في
أخطاء كثيرة واضحة...
فتساءل عن ذلك؟
قلت له: " أذكر على سبيل المثال بمناسبة هذا اللقاء أن جولد تسيهر أرخ الرحلة
في طلب الحديث بوقت متأخر في عصر الأمويين لظروف سياسية... " مع أن ثمة
دلائل صحيحة ثابتة تبرهن على خلاف ذلك وتثبت أن الرحلة في طلب الحديث كانت
قبل ذلك بكثير ".
وألقيت عليه هذا الاستدلال برحلة علقمة والأسود للسماع من عمر رضي الله
عنه، فحملق في الدكتور يوسف، وقال: أهذا صحيح؟!
قلت: نعم، وهو ثابت في كتاب علوم الحديث للإمام ابن الصلاح.
فلم يجب.
وأسجل بهذه المناسبة أمنيتي هذه تأكيدا لما ذكرت به الدكتور وان إس
بضرورة تحرر المستشرقين من تقليد سابقيهم إذا أرادوا الحقيقة العلمية. فهل تتحقق
هذه الأمنية؟!!.
32

3 - ان وقوع الرحلة منذ عهد سابق على الأمويين (على زعم أن
الأتقياء عزلوا عن القيادة في عصر الأمويين وهو زعم غير مسلم به) يدل
على أنه لا صلة لهذه القضية بانتزاع القيادة من الأتقياء كما زعم، وإنما هو
الدافع العلمي الديني لخدمة الاسلام والتورع في استخراج أحكامه ورواية
أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
4 - أن جولد تسيهر ومن تبعه في هذا الزعم الفاسد قد خلط في فهم
الانتقاد للحكام الذي يبلغ أحيانا درجة من الشدة، والذي كان أئمة المسلمين
33

يقومون به، فجعل ذلك سعيا للوصول إلى السلطة ومنافسة على المنصب،
من أناس عزلوا عن المناصب، وإنما كان العلماء العاملون يفعلون ذلك قياما
بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي فرضه الله على المسلمين،
وبلغوا به رتبة الأفضلية على الأمم، كما قال تبارك وتعالى: " كنتم
خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
وتؤمنون بالله ".
لكن جولد تسيهر تجاهل مجموعة النصوص الضخمة في القرآن والسنة
حول هذه الفريضة ليجعل هذا النقد ذا صبغة دنيوية سياسية، وكأنه في
ذلك يخضع لقيمه الشخصية المادية أو بيئته.
5 - أن أعلام الرحلة في طلب الحديث منذ عصر الصحابة وما بعده
من العصور كانوا بعيدين أشد البعد عن المطامح السياسية أو محاولة انتزاع
السلطة، بل كانوا أبعد الناس عن التطلع إلى الدنيا ومتاعها أو مناصبها
وهذه أسماؤهم في أخبار الرحلة لطلب الحديث الواحد قد عرفنا بهم في
تعليقنا على الكتاب تدل أبلغ دلالة على أنه لاصله لمسألة الرحلة في طلب
الحديث بشئ من مؤثرات الدنيا، وإنما هو وهم نسجه خيال أوروبي
لا يؤمن بشئ غير النفع الدنيوي،...!! أولا يصبر على ثبوت
فضيلة للمسلمين!!
6 - أن طلب العلم الشرعي عامة وطلب الحديث خاصة عبادة
عظيمة، وقربة إلى الله سبحانه وتعالى. وقد حض الله عز وجل وحض
النبي صلى الله عليه وسلم علي طلب العلم وعلى الرحلة من أجله، ورغب بجزيل الأجر
ورفيع المنازل والدرجات عند الله، ومعلوم ما كان المسلمون عليه من الحرص
34

الشديد على مصلحة دينهم والتقرب إلى ربهم عز وجل فكيف يكون
طلبهم للحديث مشوبا بنزعات النفس، وأطماعها الدنيوية؟!، خصوصا
وقد وردت النصوص الكثيرة جدا في الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية (1)
في التحذير من الرياء والتخويف الشديد منه، وأنه يحبط الأعمال، بل
يعرض صاحبه لشديد العذاب عند الله:
قال تعالى: " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك
بعبادة ربه أحدا ".
وقال يصف المنافقين: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون
الناس ".
وقال أيضا: " فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين
هم يراءون ويمنعون الماعون ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد،
فأتي به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال قاتلت
فيك حتى استشهدت. قال: كذبت! ولكنك قاتلت لأن يقال
جرئ، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه
فعرفها، قال: فما علمت فيها قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت
فيك القرآن. قال: كذبت! ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت

(1) انظر تفصيل البحث في خطورة الرياء في كتاب احياء علوم الدين للامام
الغزالي ج 3 ص 285 - 326.
35

القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى
ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به
فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت
من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت!
ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه
حتى ألقي في النار ". أخرجه مسلم (1).
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتخيروا
به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار ". أخرجه ابن ماجة وابن حبان
والحاكم (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من تعلم عالما مما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب
به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " يعني ريحها. أخرجه
أبو داود وابن ماجة (3).

(1) في الإمارة (باب من قائل للرياء والسمعة استحق النار) ج 6 ص 47.
(2) ابن ماجة برقم 254، وموارد الظمآن ص 51، والمستدرك ج 1 ص 81
وقد اختلف في ارساله ووصله، والراجح وصله لثقة راويه يحيى بن أيوب،
وقد أخرج الحاكم وابن ماجة ما يشهد لوصله. وانظر المغني في الضعفاء رقم
6931، وكتابنا منهج النقد في علوم الحديث رقم عام 68 ص 375، فقد تكلمنا
فيهما على سنده.
(3) أبو داود في العلم (باب طلب العلم لغير الله تعالى) ج 3 ص 361،
وسكت عليه وما سكت عليه أبو داود فهو صالح. وابن ماجة (باب الانتفاع
بالعلم والعمل به) ص 92 - رقم 252 ونحوه قريبا منه عند الترمذي عن
ابن عمر ج 5 ص 33، وابن ماجة. وغير ذلك أحاديث كثيرة جدا في مصادر
السنة اكتفينا منها بما وقع لنا سريعا.
36

الإمام الحافظ أبو بكر الخطيب
هو الإمام المحدث الحافظ الحجة الثبت المؤرخ أبو بكر أحمد بن علي
ابن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي.
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة هجرية في بيت علم ودعوة، فقد
كان والده أحد حفاظ القرآن، تولى الإمامة والخطابة على المنبر بقرية
" درزيجان " قرب بغداد (1). وقد حرص على ولده وتعهده وبث فيه
روح العلم والتقى فعلمه القراءة والكتابة وحفظ القرآن والقراءات، ثم
أخذه ليسمع الحديث سنة 403 ه‍ في جامع بغداد.
لكن الخطيب انصرف بعد هذا إلى الفقه، فتفقه بكبار الفقهاء
الشافعية، كأبي حامد الأسفرائيني، وأبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري،
وأحمد بن محمد المحاملي. ثم لم يلبث أن عاود مجالس الحديث، وهو في
الثامنة عشرة من عمره.
وأكب على شيوخ الحديث ببغداد يكتب عنهم، لا يدع منهم
أحدا، ثم أخذ في الرحلة، فرحل إلى البصرة عام 412 وسمع مشايخها،
وأخذ عن أهل الكوفة ما عندهم من الحديث. وعاد إلى بغداد وقد ظهر
نبله وفضله، وأصبح محل ثقة علمائها وثنائهم، لكنه لم يرض إلا أن
يستمر في التزود من العلم، فعزم على الرحلة إلى البلدان القاصية.
وكان في بغداد شيخه الامام المحدث أبو بكر البرقاني فاستشاره في
أمره. قال الخطيب:

(1) وهي قرية كبيرة جنوب غربي بغداد.
37

" أول ما سمعت في المحرم سنة ثلاث، واستشرت البرقاني في الرحلة
إلى عبد الرحمن بن النحاس بمصر، أو أخرج إلى نيسابور؟ فقال: إن
خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى رجل واحد، إن فاتك ضاعت رحلتك،
وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة إن فاتك واحد أدركت من بقي،
فخرجت إلى نيسابور... وكنت كثيرا أذاكر البرقاني بالأحاديث
فيكتبها عني ويضمنها جموعه، وحدث عني وأنا أسمع ".
ولم تحدد لنا المراجع التي بين أيدينا مدة هذه الرحلة، لكنا نقدر
أنها استمرت أربع سنوات إلى سنة 419. لأنهم ذكروا أنه في هذه
السنة ذاكر ببغداد شيخه الكبير الامام البرقاني بعض ما يرويه، وكانت رحلته
رحلة واسعة غزيرة الفوائد طوف فيها على العلماء في نيسابور وغيرها من
بلدان ذلك الإقليم، فدخل الري وخراسان ورحل إلى أصبهان وهمذان
والجبال والدينور. وحصل في رحلته هذه علما كثيرا بذكائه وحافظته
الفذة وجده ودأبه، حتى رجع وقد أصبح إماما كبيرا في العلم بالحديث.
وأقام ببغداد يسمع الناس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويأخذ عنه
العلماء والكبار حتى أن شيوخه قد أخذوا عنه كالبرقاني وغيره.
قال الامام الذهبي في تذكرة الحفاظ (1) يعدد أشهر شيوخه:
" سمع أبا الحسن بن الصلت الأهوازي وأبا عمر بن مهدي وأبا الحسين
ابن المتيم والحسين بن الحسين الجواليقي وابن رزقويه وابن أبي الفوارس
وهلال الحفار وإبراهيم بن مخلد الباخرجي والموجودين ببغداد.
وارتحل سنة اثنتي عشرة إلى البصرة فسمع أبا عمر القاسم بن جعفر

(1) ص 1136.
38

الهاشمي رواية السنن، وعلي بن القاسم الشاهد، والحسن بن علي النيسابوري،
وسمع بنيسابور أبا القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج والقاضي أبا بكر
الحيري وطبقتهما. وسمع بأصبهان أبا الحسن بن عبد كويه ومحمد بن عبد الله
ابن شهريار وأبا نعيم الحافظ وطبقتهم.
وسمع بالدينور أبا نصر الكسار وطائفة. وبهمذان محمد بن
عيسى وطائفة. وبالكوفة، والري، والحرمين، ودمشق، والقدس
وصور وغير ذلك ".
ثم قال الذهبي يذكر أعلاما من تلامذة الخطيب:
" روى عنه البرقاني شيخه، وأبو الفضل بن خيرون والفقيه نصر
المقدسي، وأبو عبد الله الحميدي وعبد العزيز الكتاني وأبو نصر بن ماكولا
وعبد الله بن أحمد السمرقندي والمبارك بن الطيوري، ومحمد بن مرزوق
الزعفراني وأبو بكر بن الخاضبة وأبي النرسي وأبو القاسم النسيب وهبة الله
ابن الأكفاني وعلي بن أحمد بن قيس الغساني ومحمد بن علي بن أبي العلاء
المصيصي، وأبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي وعبد الكريم بن حمزة
وطاهر بن سهل الأسفرائيني وهبة الله بن عبد الله الشروطي وأبو السعادات
أحمد بن أحمد المتوكلي، وعبد الرحمن بن محمد الشيباني القزاز وأبو منصور
ابن خيرون المقرئ ويوسف بن أيوب الهمذاني نزيل مصر... وخلق
يطول عددهم... ". انتهى.
وعلى الرغم مما حصل للخطيب من العلم الغزير ظل حريصا على
الازدياد من فوائده، فكان يسعى السعي الحثيث لعلو الاسناد.
وفي سنة 444 خرج من بغداد إلى الحج فعرف الناس منه في
39

طريقه غاية التعبد والحرص على نشر العلم، قال أبو الفرج الأسفرائيني:
" كان الخطيب معنا في طريق الحج، فكان يختم كل يوم ختمة إلى قرب
الغياب قراءة ترتيل، ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون
حدثنا فيحدثهم ".
وغلبته في طريقه غريزة المحدثين في السماع، فدخل دمشق سنة 445
وسمع بها، ثم دخل صور فسمع بها أيضا على بعض الشيوخ (1).
وفي مكة سمع من القاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي،
وقرأ صحيح البخاري على كريمة بنت أحمد المروزية، وكان سماعها لهذا
الكتاب أقدم سماع في عصرها. وذكر الخطيب عن نفسه أنه لما حج
شرب ما ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله ثلاث حاجات أخذا بالحديث:
" ماء زمزم لما شرب له " (2) فالحاجة الأولى: أن يحدث بكتابه تاريخ
بغداد في نفس مدينة بغداد، الثانية: أن يملي الحديث بجامع المنصور،
الثالثة: أن يدفن عند بشر الحافي. وقد قضى الله له ذلك وأجاب دعاءه.
إمامته وتصدره مجالس الحديث:
في إثر عودة الخطيب إلى بغداد أذن له الخليفة أن يملي الحديث بجامع

(1) كتاب الخطيب البغدادي ص 127 نقلا عن ابن قاضي شهبة في المنتخل من
تاريخ بغداد 138 / 1 و 136 / 2 و 137 / 1.
(2) الحديث أخرجه ابن ماجة عن جابر ص 1018 رقم 3062، والحاكم في
المستدرك: 1: 473 عن ابن عباس بأطول من هذا، وأخرجه غيرهما أيضا.
وقد روى الحديث من طرق كثيرة لم يخل شئ منها من القدح. لكن الحفاظ حسنوه
لتعدد طرقه. منهم الحافظ ابن حجر، وصححه بعضهم: كالمنذري والدمياطي
والسيوطي، انظر نيل الأوطار ج 5 ص 87، وتدريب الراوي ص 80 وشرح الجامع
الصغير للمناوي ج 5 ص 404.
40

المنصور، فاجتمع عليه في المسجد خلق عظيم يكتبون عنه ويسمعون
منه، وقرأ تاريخ بغداد في مدينة بغداد كما طلب من ربه ودعاه.
وانقطع الخطيب وقد اكتمل في العلم، وبلغ سن الحكمة، انقطع
للتصنيف يعمل بجد متواصل، ورغبة شديدة، يستكمل ما بدأ تصنيفه
من قبل، أو يراجع ما صنفه، أو يصنف كتبا جديدة حتى أنهي القسم
الأعظم من تآليفه وأعدها للنشر والاملاء في مجالس التحديث. وقد جاوزت
تآليفه عشرة آلاف ورقة، وقدرت بسبعين مجلد من المجلدات الكبار.
وبينا كان الخطيب على ذلك إذا بالاحداث تتغير فجأة لتضطره إلى
الرحلة من بغداد والفرار منها.
حدثت في بغداد آنذاك فتنة الباسيري ومحاولته قلب الخلافة
العباسية، وتشوش حال الناس وأمنهم، واستولى على الأمور من لا يؤمن
على الأنفس والأموال، مما أتاح لبعض خصومه إيذاءه والكيد له بشتى
الوسائل، فخشي أبو بكر الخطيب على نفسه وخرج من بغداد مصطحبا
تصانيفه وكتبه وسماعاته، حتى أتى دمشق فاستوطنها، وظل مقيما فيها
رغم علمه بهدوء الحال في بغداد وعودة الأمور إلى نصابها.
وقد اتخذ لنفسه في دمشق حلقة كبيرة في المسجد الأموي تغص
بالناس، وكان ذا صوت جهوري يدوي في أرجاء المسجد حتى يسمعه آخر
من في المسجد.
ولهذه الرحلة الفضل فيما ظفرت به دمشق من كتب الخطيب القيمة
التي لا يزال قسم كبير منها في دار الكتب الظاهرية حرسها الله تعالى.
وفي سنة 459 قلبت له الأيام ظهر المجن - شأنها مع أولي الفضل -،
41

بسبب سعاية الوشاة الخبثاء حتى أمر الوالي بقتله، وكاد ينفذ فيه ذلك
لولا أن الشريف العلوي أبا القاسم علي بن إبراهيم وهو من أهل العلم عرف
للخطيب فضله، فاحتال له وشفع فيه حتى انتهت الحادثة دون أن يمس
الخطيب بأذى، لكن أمر بمغادرة دمشق، وألا يقيم فيها، فخرج وأقام
في مدينة صور حتى سنة اثنتين وستين وأربعمائة.
ثم لم يلبث بعد ذلك أن اشتد به الحنين إلى بلدته بغداد، فشد
رحله إليها، وخرج من صور عن طريق الساحل السوري إلى طرابلس،
ثم إلى حلب وهكذا حتى بلغ بغداد، وكان كلما مر ببلدة أقام أياما،
وعقد مجلسا للعلم، وباحث العلماء وناظرهم. وما إن وصل بغداد حتى
اجتمع حوله العلماء، يسمعون منه كتابه الذي تمنى على الله قراءته في هذه
البلدة " تاريخ بغداد " ويسمعون غيره من الكتب حتى وافته منيته ضحى يوم
الاثنين سابع ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وحقق الله أمنيته
الأخيرة التي دعا بها عند زمزم فتخلى له الشيخ الصوفي أبو بكر أحمد
ابن علي الطريثيثي عن قبر أعده لنفسه بجوار بشر الحافي، وكان الطريثيثي
يتردد على القبر وينام فيه ويختم فيه القرآن كل أسبوع، ثم تخلى عنه
للخطيب كي يدفن فيه إيثارا لعلم الخطيب وفضله رحمه الله ورضي عنه.
ولعل من المكافأة الإلهية للطريثيثي أن أطال الله حياته، فعمر
بعد ذلك ثلاثين سنة رحمه الله تعالى.
شخصية الخطيب البغدادي:
يتمتع الإمام الحافظ أبو بكر الخطيب بشخصية قوية، جمعت أطرافا من
من كمال الإيمان، والعلم، والتقي، وحسن الخلق، ودقة النظام.
42

كان في درجة الكمال خلقا وهيئة ومنظرا، وكان إلى جانب عنايته
بمظهره " حسن الخط كثير الضبط، وهذا مما يعني به المحدثون أكثر من
غيرهم، كما كان يراعي آداب المحدث في القراءة المفصحة فكان إذا قرأ
الحديث في جامع دمشق يسمع صوته من كان في آخر الجامع، وكان يقرأ
مع هذا معربا صحيحا ".
وكان حريصا على العلم لا يفارق المطالعة لحظة، قال ابن الآبنوسي:
" كان الخطيب يمشي وفي يده جزء يطالعه " وكان كثير التعبد تاليا
للقرآن، حتى ذكر من رافقه في السفر " أنه كان يختم كل يوم ختمة
إلى قرب المغيب قراءة ترتيل ".
وكان على عفة وترفع عن الدنيا، ابتعد عن الدخول إلى السلطان
والتقرب إليه، كما ابتعد عن السياسة، وهذا أمر حسن يتيح للعالم
التفرغ لنشر العلم، وينفع الناس به نفعا كثيرا.
عرف الدنيا وزخرفها الباطل وغرورها الخادع، فترفع عنها، ومن
قوله في ذلك هذه الأبيات من الشعر:
لا تغبطن أخا الدنيا بزخرفها * ولا بلذة وقت عجلت فرحا
فالدهر أسرع شئ في تقلبه * وفعله بين للخلق قد وضحا
كم شارب عسلا فيه منيته * وكم تقلد سيفا من به ذبحا
ومن كان على هذه المعرفة بالدنيا كان واثقا بالآخرة عاملا لها متورعا
تقيا، يتجنب ما فيه شبهة ويجتهد في القربات بالعبادة والدعاء، والذكر
والقرآن، والصدقات.
ثم إن التواضع من شيم العلماء البارزة التي تدل على علو كعبهم في العلم،
43

ورجاحة عقلهم، وتماسك شخصيتهم، فالعالم الكثير العلم كثير التواضع
لا يعرف الافتخار، ولا التبجح، ولا الدعوى ولا الدعاية، إنما هي
سبيل من قل حظه في العلم، وفقد التماسك في شخصيته، فلا يجد ما
يدلي به إلا التبجح، ودعوى العندية الزائفة، وتشامخ الغرور الكاذب.
ولقد كان الخطيب البغدادي مثلا يحتذي به، وأسوة يقتدي به في
هذه الخليفة الرفيعة، كان جم التواضع لين الجانب، قال سعيد المؤدب:
قلت للخطيب عند لقائي له: " أنت الحافظ أبو بكر؟ " فقال:
" أنا أحمد بن علي الخطيب، انتهى الحفظ إلى الدارقطني ".
وهذه تآليفه أكبر شاهد على تواضعه، وهضم شهواته الدنيئة لح
الظهور والتعاظم، فكل تأليف منها ينبئ عن غزارة علمه واطلاعه،
وعن ابتكاره الناطق بإمامته. لكنك لا تجد فيها ما يشعرك بأنه يدل
بذلك أو ينوه به، فضلا عن المفاخرة والتباهي...
وما أحسن قوله رحمه الله:
إن كنت تبغي الرشاد محضا * لأمر دنيا والمعاد
فخالف النفس في هواها * إن الهوى جامع الفساد
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
تبوأ الخطيب البغدادي مكانة علمية عالية عند العلماء، فكان محل ثنائهم
ومدحهم وثقتهم، قال أبو نصر بن ماكولا: " كان أبو بكر الخطيب آخر
الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظا وإتقانا، وضبطا لحديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم وتفننا في علله وأسانيده، وعلما بصحيحه وغريبه، وفرده ومنكره،
ومطروحه... ولم يكن لبغداد بعد الدارقطني مثله ".
44

وقال مؤتمن الساجي: " ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني
مثل الخطيب ".
وقال أبو سعيد السمعاني: " كان الخطيب مهيبا وقورا، ثقة
متحريا، حسن الخط كثير الضبط، فصيحا، ختم به الحفاظ ".
وقال ابن شافع: " انتهى إليه الحفظ والاتقان، والقيام
بعلوم الحديث ".
وقال الامام السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: " ثم أقام ببغداد،
وألقى عصا السفر إلى حين وفاته، فما طاف سورها على نظيره يروي عن
أفصح من نطق بالضاد، ولا أحاط جوانبها بمثله وإن طفح ماء دجلتها
وروى كل صاد... ".
وحسبه في ذلك أن يصبح رئيس أصحاب الحديث يتولى الاشراف
على رواية الحديث فلا يحدث الخطباء والوعاظ بحديث إلا إذا كان يقره.
نقل الحافظ الذهبي عن أبي الحسن الهمذاني قال: " كان رئيس
الرؤساء تقدم إلى الوعاظ والخطباء ألا يرووا حديثا حتى يعرضوه على
أبي بكر (1) ".

(1) انظر ترجمة الخطيب في تذكرة الحفاظ للذهبي ص 1135 وما بعدها، وطبقات
الشافعية الكبرى للسبكي ج 4 ص 29 وما بعدها، ووفيات الأعيان لابن خلكان
ج 1 ص 76، والبداية لابن كثير ج 12 ص 103، وشذرات الذهب لابن العماد
الحنبلي ج 3 ص 314، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي ج 5 87.
وللدكتور يوسف العش كتاب " الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد ومحدثها " رجعنا
إلى مصادره. وللدكتور محمود الطحان كتاب " الخطيب البغدادي وأثره في علوم
الحديث ". أطروحة نال بها درجة الدكتوراه في علوم الحديث من جامعة الأزهر.
45

وهذا منصب عظيم جدا، عني به المسلمون، وكانوا منذ سالف عهدهم الأول
يراقبون الرواية، فأبو بكر الصديق كان يتثبت في الرواية. وعمر رضي
الله عنه كان يحض على الاقلال من الرواية، خشية أن تزل أقدام المكثرين
في الخطأ في الرواية. وكذلك فعل علي رضي الله عنه فقد راقب القصاص
وكان يستحلف الراوي (1) ثم قام أئمة الاسلام بذلك خير قيام، فمن
أثنوا عليه قبل حديثه وارتفع، ومن خفضوه لم يرتفع ميزانه، وكان
الحكام من تحت إشارتهم، ينزلون العقاب بالكذابين والوضاعين. تحرزا
وحفظا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخلل أو الكذب.
منهج الخطيب العلمي
يمتاز الخطيب البغدادي بتعدد جوانبه العلمية التي عرف بها حتى أن
دراسة منهجه العلمي تستغرق أبحاثا وفصولا مطولة، لا يحتملها هذا
البحث الذي بنيناه على الاختصار الشديد، إلا أنا سنلقي على هذا المنهج
ضوءا يفسح المجال لاستكمال صورة هذا الامام فنتكلم عن منهجه في هذه
العلوم الثلاثة:
1 - علم الكلام، 2 - علم الفقه، 3 - الحديث وعلومه.
1 - منهجه في علم الكلام:
وأهم مسألة يعرف بها اتجاه العالم في هذا الميدان هي مسألة الصفات
* (هامش) (1) انظر للتوسع في منهج الصحابة العلمي في الرواية كتابنا " منهج النقد في
علوم الحديث " الدور الأول من أدوار علوم الحديث ص 29 - 50 وخصوصا
قوانين الرواية في عهد الصحابة. (*)
46

المتشابهة، قد احتدم فيها الخلاف، واشتد، فماذا كان مذهب الخطيب؟
يقول عبد العزيز الكتاني في الخطيب: " وكان يذهب إلى مذهب أبي
الحسن الأشعري ".
وهذا القول قد يوهم أن الخطيب البغدادي يذهب إلى تأويل هذه
الصفات كما هو مشهور من مذهب الأشعري أنه يؤولها، فيفسر اليد في
مثل قوله تعالى " يد الله فوق أيديهم " بالقدرة؟ وهكذا... وذلك ما فهمه
الامام الذهبي.
لكن دأب المحدثين هو الاحتياط، والسير على طريق السلف رضي الله
عنهم، والخطيب وهو إمام محدث لم يقل بهذا التأويل، وإنما كان على
مذهب السلف، أي على عدم التأويل، وهو رأي آخر للامام الأشعري
رحمه الله، على الرغم مما اشتهر عنه من التأويل حتى قد يظن البعض أنه رأيه
الوحيد في المسألة.
وهذا موقف دحض تزل فيه الأقدام، وقع بسببه كثير من الناس
في تشبيه الله بمخلوقاته، أو ما يقارب التشبيه عياذا بالله تعالى، وهم
يظنون ذلك مذهب السلف الصالح رضي الله عنهم وقد برأهم الله منه.
انظر إلى كلام الخطيب نفسه يبرز المذهبين ويشرح مذهب السلف
ويعلن اختياره إياه فيقول - كما روى عنه الذهبي في التذكرة (1) -.
" أما الكلام في الصفات فان ما روى منها في السنن الصحاح، مذهب
السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد
نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا من
ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والفصل إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة

(1) ص 1143 - 1143.
47

بين الأمرين، ودين الله بين المغالي فيه والمقصر عنه، والأصل في هذا
أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، ويحتذي في ذلك حذوه
ومثاله، وإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين هو إثبات وجود لا إثبات
كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات
تحديد وتكييف.
فإذا قلنا: لله يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى
لنفسه. ولا نقول إن معنى اليد القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر
العلم. ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع التي هي
جوارح وأدوات للفعل، ونقول وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها،
ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى: " ليس كمثله شئ "، " ولم
يكن له كفوا أحد " انتهى كلام الخطيب رحمه الله.
لقد اجتاز الإمام الخطيب عقبة زلت فيها أقلام وأوهام حيث رد
على المعتزلة وأشباههم من نفاة الصفات، ثم فهم مذهب السلف على حقيقته
فأثبت تلك الصفات إثباتا يفوض علم حقيقتها إلى الله تعالى، لا إثبات
تحديد وتكييف، فقرر بذلك مذهب السلف على حقيقته، لا كما يفهمه
الغالطون في هذا العصر من المماحكين المكابرين الذين لم يستطيعوا التمييز
بين تفويض السلف العلم بحقيقة هذه الأمور إلى الله، وبين تنزيههم الحق
عما توهم الألفاظ من التشبيه وبين تشبيه الكرامية المشبهين الجاهلين.
ومن قبل صرح الامام الترمذي بهذا في حديث أبي هريرة الذي أخرجه
في جامعه (1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تصدق أحد بصدقة من طيب -
ولا يقبل الله إلا الطيب - إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة
تربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ".

(1) في الزكاة (فضل الصدقة) ج 1 ص 128 - 129، طبع بولاق، وانظر كتابنا
" الامام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين " ص 224 - 225.
48

والحديث مشكل لأنه يجعل لله يدا، وذلك تجسيم وتشبيه، معارض
للأدلة القاطعة بتنزيه الله عن ذلك، وقد أزال الترمذي الإشكال وحقق
المسألة فتعرض لمسألة المتشابهات وأبان الحق فيها، فقال:
(وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا
من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء
الدنيا، قالوا: قد ثبتت الروايات في هذا، ويؤمن بها، ولا يتوهم
ولا يقال كيف، هكذا روي عن مالك وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك
أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف، وهكذا قول أهل العلم
من أهل السنة والجماعة.
وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا التشبيه.
وقد ذكر الله عز وجل في غير موضع من كتابه اليد والسمع والبصر
فتأولت الجهمية هذه الآيات، ففسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا:
إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معنى اليد ههنا القوة.
وقال إسحاق بن إبراهيم: إنما يكون التشبيه إذا كان يد كيد،
أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع
أو مثل سمع فهذا التشبيه، وأما إذا قال كما قال الله تعالى: يد وسمع
وبصر، ولا يقول كيف ولا يقول مثل سمع ولا كسمع، فهذا لا يكون
تشبيها، وهو كما قال الله في كتابه: " ليس كمثله شئ وهو السميع
البصير ") انتهى (1).

(1) جامع الترمذي كتاب الزكاة (باب ما جاء في فضل الصدقة) ج 3
ص 50 - 51.
49

وهذا بيان ساطع لمعنى هذه المتشابهات سار على النهج المستقيم الذي
عليه سلف الأمة، وهو المذهب الذي نختاره ونأخذ به، فإنه هو الأعلم
وهو الأسلم.
2 - منهجه في الفقه:
عرف ولوع الحافظ أبي بكر بالفقه منذ صغره، وأنه تفقه على كبار
علماء الشافعية في زمنه، وتخرج بهم، وفي زمنه كانت استقرت المذاهب
المعتمدة لدى الأمة، واختار كل فريق من العلماء مذهبا منها، وكذلك
فعل الخطيب فأخذ فقه الإمام الشافعي. وتمذهب به. وقد بلغ الخطيب
شأوا كبيرا في الفقه الشافعي حتى ترجم له التاج السبكي في طبقات الشافعية
الكبرى وقال: " كان من كبار الفقهاء... "
لكن الخطيب البغدادي تشدد في تمذهبه حتى بلغ حد العصبية الشديدة.
وهذا كتابه الكبير " تاريخ بغداد " فيه الغض من علماء الحنابلة
والحط عليهم، وكذلك أودع كتابه الغض من الحنفية، بل النيل من
الإمام أبي حنيفة، بما جمع في ترجمته من روايات الكذابين والدساسين.
أو الحاسدين ما ينبوا عنه العقل والذوق من الدسائس المختلقة والافتراءات
المفضوحة.
وقد رد العلماء على الخطيب وعلى غيره كابن عدي ممن تكلم في أبي
حنيفة، ونبه الأئمة من كافة الطوائف والمذاهب أنه لا يلتفت إلى ذلك
الطعن، ولا يغض من قدر هذا الإمام.
فرد على الخطيب عالم الملوك الملك المعظم عيسى بن أبي بكر الأيوبي
في كتابه " السهم المصيب في كبد الخطيب " ورد عليه أيضا الإمام ابن
50

الجوزي من الحنابلة، وسبطه من الحنفية، وكذلك رد الإمام حافظ
المغرب أبو عمر بن عبد البر المالكي على من تكلم في أبي حنيفة، واشتد
بعض الذين ردوا على الخطيب في الإنكار حتى نال من عفته ودينه (1).
وهذا كله يدلك على أن الاقرار بإمامة أبي حنيفة، والثناء عليه في
الفقه والحفظ للحديث موضع اتفاق السلف والخلف وأنه قد تواتر النقل
عنهم في ذلك، وها هو الامام مالك لما قال له الليث بن سعد:
" أراك تعرق " فأجابه قائلا: عرقت مع أبي حنيفة إنه لفقيه
يامصري (2) " والاعتراف له بأنه فقيه اعتراف له بكل خير، وقد تواتر عن
الشافعي قوله: " الناس كلهم عيال في الفقه على أبي حنيفة ".
وكان الامام رضي الله عنه لشدة احتياطه لا يجيز لأحد أن يحدث
بالمعنى، بل لا بد أن يروي الحديث باللفظ، وكان لا يحدث الا بما حفظ
من اللفظ. وقد أثنى عليه المحدثون وأخذوا بفقهه، قال إمام هذا الشأن
يحيى بن معين: " ثقة لا يحدث إلا بما يحفظه ولا يحدث بما لا يحفظه ". وقال
ابن معين أيضا: " كان أبو حنيفة ثقة في الحديث ".
وقال إمام أهل زمانه (3) في الحديث يحيى بن سعيد القطان: " لا نكذب
الله ما سمعنا أحسن من رأى أبي حنيفة وقد أخذنا بأكثر أقواله " وقد

(1) وقد صدر حديثا كتاب قيم يجلو مناقب هذا الامام عنوانه " أبو حنيفة النعمان
إمام الأئمة الفقهاء " لفضيلة الأستاذ الشيخ وهبي سليمان غاوجي الألباني. فليرجع إليه
سيما الفصل الثاني ص 69 - 119.
(2) تأنيب الخطيب ص 7 نقلا عن المدارك للقاضي عياض.
(3) تهذيب التهذيب ج 10: ص 450.
51

كان يحيى إماما محدثا وفقيها كبيرا (1). وهكذا كان كبار العلماء يفعلون،
يأخذون المذهب وقد يختارون في بعض المسائل غير حكم المذهب.
وقد قال الإمام أبو داود السجستاني: " رحم الله أبا حنيفة كان إماما " (2).
وفي الواقع أن شأن أبي حنيفة رضي الله عنه أكبر من أن يحتاج
للدفاع عنه، وإن ما فعله الخطيب خطيئة وقع فيها، تأثر فيها بتيار
المناقشات الدنيوية التي أدى إليها التعصب المذهبي المقيت، وكانت بغداد
مرتعا خصبا لذلك. وهذا كله على فرض ثبوت ذلك عن الخطيب البغدادي
هو هفوة منه - ولكل جواد كبوة - تغمرها حسناته وخدماته للاسلام.
ويرى بعض العلماء المحققين عدم صحة ذلك، وأنه مدسوس على كتاب
الخطيب، واستشهدوا لذلك بدلائل قوية لا نطيل بها تدل على عدم ثبوت
ذلك عنه (3)، وذلك هو الذي يليق بمثله.
3 - منهج الخطيب في علم الحديث:
وعلم الحديث أشهر ما عرف به الخطيب البغدادي وظهر فيه أثره،
فقد كان محدثا حافظا إماما، واحد زمانه في علم الحديث وفنونه، برع
في سلوك طريقة المحدثين حتى وافي النهاية، وحسبك في هذا أن ينصب

(1) قال أحمد: " ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطان " وقال عبد الرحمن
بن مهدي: " لا ترى بعينك مثل يحيى القطان " وانظر المزيد من ذلك في تذكرة الحفاظ
ص 298 - 300 وغيره.
(2) جامع بيان العلم بلفظه ج 2 ص 163 والتذكرة ص 169.
(3) انظر في ذلك تأنيب الخطيب وكتاب الخطيب البغدادي للدكتور محمود
الطحان ص 263 - 301 فقد توسع في ذلك وفي مناقشة تلك الروايات الطاعنة سندا
ومتنا بما لا يدع مجالا للشك في بطلانها. وانظر كتاب " أبو حنيفة " للأستاذ غاوجي
ص 205 - 277. ففيه مزيد مناقشات.
52

حكما على الخطباء والوعاظ، ما أقره من الحديث رووه، وما لم يقره لم
يروه منهم أحد.
ومن هنا جاءت براعة الخطيب البغدادي في علم التاريخ، تلك البراعة
التي شهرته كعالم مؤرخ ناقد، حيث طبق على التاريخ منهج المحدثين
النقدي في الاستثبات من النصوص المنقولة ونقد الوثائق التاريخية.
وهذا نموذج من كتابه " تاريخ بغداد " هو رواية تاريخية في عتق
سلمان الفارسي رضي الله عنه أخرجها الخطيب في تاريخه بسنده (1) ثم نقدها.
ونص الرواية بعد السند إلى سلمان كما يلي:
".... أن النبي صلى الله عليه وسلم أملي الكتاب على علي بن أبي طالب:
هذا ما فادى محمد بن عبد الله رسول الله، فدى سلمان الفارسي من
عثمان بن الأشهل اليهودي ثم القرظي، بغرس ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية
ذهبا، وقد برئ محمد بن عبد الله رسول الله لثمن سلمان الفارسي وولاؤه
لمحمد بن عبد الله رسول الله وأهل بيته فليس لأحد على سلمان سبيل.
شهد على ذلك: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن
أبي طالب، وحذيفة بن سعد بن اليمان، وأبو ذر الغفاري، والمقداد
ابن الأسود، وبلال مولى أبي بكر، وعبد الرحمن بن عوف.
وكتب علي بن أبي طالب يوم الاثنين في جمادى الأولى، من
سنة مهاجر محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم!! ".
قال الخطيب: " في هذا الحديث نظر، وذلك أن أول مشاهد سلمان

(1) تاريخ بغداد ج 1 ص: 170 - 171.
53

مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق، وكانت في السنة الخامسة من الهجرة،
ولو كان يخلص سلمان من الرق في السنة الأولى من الهجرة لم يفته شئ
من المغازي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضا فان التاريخ بالهجرة لم يكن
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من أرخ بها عمر بن الخطاب في خلافته،
والله أعلم " انتهى.
وهذه حادثة أخرى جرت له سنة 447 هجرية (1)
أظهر بعض اليهود كتابا باسقاط النبي صلى الله عليه وسلم الجزية عن الخيابرة
[يعني يهود خيبر] وفيه شهادة الصحابة، فعرضها الوزير أبو القاسم علي
وزير الخليفة القائم على أبي بكر الخطيب؟. فقال: هذا مزور!.
قيل: من أين قلت هذا؟.
قال: " فيه شهادة معاوية وهو أسلم عام الفتح بعد خيبر، وفيه
شهادة سعد بن معاذ ومات قبل خيبر بسنتين ".
فاستحسن الوزير ذلك منه، ولم يقبل منهم ما في هذا الكتاب.
وهذا النقد يدل على سبق علماء المسلمين إلى أدق أصول علم التاريخ

(1) تذكرة الحفاظ ص 1141، وانظر طبقات الشافعية الكبرى ج 4 ص 35
الطبعة الأولى وانظر الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي ص 10، والمنتظم ج 8
ص 265، وإرشاد: 4: 18، والمنتخل من تاريخ بغداد لابن قاضي شهبة ص 139
والخطيب البغدادي ليوسف العش ص 235 فقد أحال إلى هذه المراجع. وانظر " المنار
المنيف في الصحيح والضعيف " لابن القيم ص 102 - 105 حيث ذكر ان اليهود حاولوا
مثل هذه المحاولة مرة ثانية في عصر ابن تيمية، وردهم بالخزي والصغار وبين بطلانه من
عشرة أوجه. وفي الاعلان بالتوبيخ مزيد من الأمثلة لهذا النوع من النقد التاريخي
فانظره.
54

التي توصل إليها المؤرخون في هذا العصر وقرروها (1) ومن قبل البغدادي
سبق مؤرخ الاسلام ابن جرير الطبري (2) وغيره إلى مثل ذلك في
وقائع كثيرة.
ونحن بدورنا نقدم هذه القصة هي ومثيلاتها التي لا تحصى عددا هدية
نهديها إلى المستشرق اليهودي (جولد زيهر) وإلى من سايره في زعمه
الفاسد أن المحدثين ينقدون السند فحسب ولا يعتنون بنقد المتن (3).
لأن الحادثة في الواقع نقد حديثي وليست مجرد نقد تاريخي، لأن
الوثيقة إنما تروي حديثا نبويا فهي تدل على دقة ما بلغه المحدثون وأنهم
لا يكتفون بنقد السند، بل ينقدون المتن أيضا.
أثر الخطيب في علوم الحديث:
بهذه الموهبة والإمامة في نقد الحديث، وجه الإمام أبو بكر عنايته
إلى الوسائل العلمية التي يستخدمها العلماء لتمييز صحيح الحديث من سقيمه،
وهي قواعد علوم الحديث.
جاء الخطيب وقد سبقه العلماء فصنفوا في كل نوع من علوم الحديث
كتابا أو كتبا، وكانت تآليفهم تجربة أولى في تدوين العلوم، فأكب

(1) انظر كتاب مصطلح التاريخ الدكتور أسد رستم مدرس التاريخ في الجامعة
اللبنانية فقد أبرز في كتابه سبق المحدثين إلى قواعد علم التاريخ اليوم، وانظر على
الخصوص بحث نقد الأصول ص 12 - 24 حيث تكلم عن النقد الباطني للأصول
التاريخية.
(2) البداية لابن كثير ج 12 ص 101.
(3) وقد توسعنا في الرد عليهم في كتابنا " منهج النقد في علوم الحديث " في مناسبات
كثيرة، خصوصا في خاتمة الكتاب ص 436 - 455 فانظرها لزاما.
55

على تلك المصنفات يدرسها بعين الناقد المطلع الغزير المادة، فوجد الحاجة
ماسة لتحرير المسائل واستيفاء مادتها، فصنف في كل فن من فنون الحديث
كتابا وافيا جمع فيه ما سبقه المؤلفون وأضاف إليه علما غزيرا وفوائد جمة، وألف
في فنون وموضوعات لم يسبق إليها، وأسند كل رأي إلى قائله بالسند المتصل
إليه. كما روى فيها الأحاديث بالإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وبهذا أصبحت كتب الحافظ أبي بكر ملاذ الأئمة في الفنون
الحديثية، إليها يرجعون، وعليها يعتمدون. فكان كما قال الحافظ
أبو بكر ابن نقطة:
" كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه ".
مؤلفاته:
وكان الحافظ أبو بكر أحد أفراد قلائل في التاريخ من حيث كثرة
التصانيف وتنوع الموضوعات التي صنف فيها، لا تكاد تجد علما من علوم
الإسلام إلا وله فيه كتب كثيرة حتى جاوز عدد مؤلفاته الثمانين (1) ما بين
مصنف ضخم كتاريخ بغداد / 14 / مجلدا، وكتاب معتدل كالكفاية،
ورسالة صغيرة (جزء حديثي) ككتاب الرحلة هذا.
وإليك أهم مؤلفاته:
آ - في الحديث وعلومه:
1 - " الأمالي " توجد منه ثلاثة أجزاء في دار الكتب الظاهرية
بدمشق.

(1) حسبما أحصاه من المصادر الدكتور يوسف العش في كتابه " الخطيب البغدادي
ص 120 - 134.
56

2 - مسند أبي بكر الصديق على شرط الصحيحين في جزء.
3 - " الفوائد المنتخبة " وله عدة كتب منتخبة، ومنها أجزاء
بالظاهرية.
4 - " الفصل للوصل المدرج في النقل " تسعة أجزاء.
5 - " الكفاية في علم الرواية " وهو كتاب عظيم جدا في بابه
مطبوع في مجلد.
6 - " شرف أصحاب الحديث " جزء كبير مطبوع.
7 - " الأسماء المبهمة " في الظاهرية.
8 - " التبيين لأسماء المدلسين ".
9 - " تلخيص المتشابه في الرسم ".
10 - " المتفق والمفترق ".
11 - " الموضح لأوهام الجمع والتفريق " طبع في الهند في مجلدين.
وله مؤلفات وأجزاء حديثية كثيرة.
ب - في الفقه وأصوله:
1 - " الفقيه والمتفقه " توجد منه نسخة في دار الكتب الظاهرية.
وطبع في جزءين.
2 - " الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم " اختصره الذهبي وتتبع
أحاديث فيه بالنقد.
3 - " صلاة التسبيح والاختلاف فيها " ومنه نسخة في الظاهرية.
4 - " القنوت والآثار المروية فيه " على مذهب الشافعي.
57

الأدب:
1 - " البخلاء " في ثلاثة أجزاء ونقل عنه ابن عبد الهادي في
كتابه (وقوع البلاء في البخل والبخلاء) ظاهرية.
2 - " التطفيل وحكايات الطفيلين " طبع بمصر.
التاريخ:
1 - " تاريخ بغداد " طبع في مصر في 14 مجلدا.
2 - " مناقب الإمام الشافعي ".
3 - " مناقب الإمام أحمد بن حنبل ".
التعريف بكتاب الرحلة
موضوع الكتاب:
كتاب الرحلة في طلب الحديث ليس موضوعة الرحلة في طلب الحديث
جملة كما يتبادر للذهن من أول وهلة، وإنما تناول فيه الحافظ أبو بكر
جانبا من هذا الموضوع لطيفا، ونوعا عظيما طريفا، هو الرحلة من
أجل الحديث الواحد فقط، وهو موضوع له روعته في النفوس، ووقعه
في القلوب.
ولو قصد الامام الخطيب الرحلة في طلب الحديث جملة، لبلغ
الكتاب مجلدات ضخمة كثيرة، لأنه سيضم أسماء كافة رواة الحديث،
فإنه قل أن تجد فيهم روايا لم يرحل في تحصيل الحديث.
58

يبدأ الكتاب بفضل العلم والرحلة من أجله، ثم يذكر رحلة
سيدنا موسى عليه السلام إلى الخضر، لأن الله أطلعه أنه أعلم منه، فرحل
إليه موسى في سبيل هذا الهدف: " أن تعلمني مما علمت رشدا ".
ثم يذكر أنباء الصحابة الذين رحلوا إلى بعضهم من أجل حديث
واحد، وأتبع ذلك بأخبار من بعد الصحابة من التابعين والخالفين في
رحلاتهم للحديث الواحد، ثم يختم الكتاب بعد ذلك بأنباء من رحلوا
إلى محدث لسماع حديثه فمات المحدث قبل بلوغ الطالب منه إلى مراده.
والخطيب في هذا الكتاب يذكر كل حديث وخبر بالسند المتصل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو إلى من يسوق أخبار رحلاتهم من الصحابة فمن بعدهم.
وهذه هي طريقة المحدثين المتقدمين كانوا لا ينقلبون شيئا من حديث أو غيره
إلا بالسند إلى قائله.
وتجد في الكتاب اختصارا في صيغ الأداء فيرمز إلى " حدثنا "
ب‍ " ثنا " أو " نا " ويرمز إلى أخبرنا ب‍ " أنبا " كما أنه يستخدم هذا الرمز
" ح " إشارة للتحويل من سند إلى سند آخر لنفس الحبر يلتقي بالسند الأول
في الأثناء.
وكثيرا ما يورد الحافظ أبو بكر الحديث الواحد بعدة أسانيد فيتكرر
الحديث
على عدة ألفاظ بحسب ما أداه إليه الرواة، والحديث بتجدد السند
يعتبر عند المحدثين حديثا جديدا يرحلون من أجله.
وقد أعلمنا على ابتداء أول كل إسناد برقم مسلسل، وفصلنا بعد كل
حديث وما يتبعه من الأسانيد والروايات بنجميات صغيرة في منتصف السطر،
لتكون علامة على الانتقال إلى خبر ذي موضوع جديد، وليسهل على
القارئ حصر تأمله في أسانيد وروايات الحديث الواحد فيتذوق من حلاوة
الاسناد.
59

وصف نسخ الكتاب
اعتمدنا في تحقيق الكتاب على نسختين صحيحتين في دار الكتب
الظاهرية بدمشق:
النسخة الأولى:
في المجموع رقم 75 في 24 صفحة. وهي نسخة قديمة في غاية الجودة.
كتبها بخطه الإمام الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسي
الحنبلي رحمه الله، وهو يروي الكتاب عن مؤلفه الخطيب بثلاثة أسانيد،
تؤخذ من السماعات المدونة على النسخة، والتي سنذكرها بعد:
السند الأول: عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي سماعا لقراءة الكتاب
على الشيخ الأجل الثقة أبي الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد قراءة
بأصل أبي محمد سعد الله بن أيوب، أي عن ابن أيوب عن الخطيب البغدادي
بسماع ابن أيوب عنه.
السند الثاني: عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي عن عبد الحق بن
عبد الخالق عن الصيرفي مناولة عن الخطيب.
السند الثالث: عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي بالسماع عن أبي عبد الله
محمد بن أبي الصفر بالسماع عن ابن الأكفاني عن الخطيب.
وعلى ظهر النسخة في الأعلى اسم الكتاب وروايته وتسجيل سماع المقدسي
بخطه هكذا:
60

" كتاب الرحلة في الحديث "
" تأليف الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي.
رواية أبي محمد سعد الله بن علي بن الحسين بن أيوب بن البزاز عنه.
ورواية أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي عن الخطيب.
رواية الشيخ الثقة أبي الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد
ابن يوسف.
عن ابن أيوب سماع وعن الصيرفي يعرف بابن الطيوري مناولة في
رجب سنة خمسمائة.
سماع لعبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي متع
به ورحم الله والديه آمين ".
وتحت هذا بمقدار أربعة أسطر ما يلي نصه:
" قرأت جميع هذا الكتاب على الشيخ الثقة الأمين بهاء الدين أبي محمد
عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسي أبقاه الله بسماعه فيه، وبسماعه
أيضا من أبي عبد الله محمد بن أبي الصفر بسماعه من ابن الأكفاني عن
الخطيب فسمعه الأمير شجاع الدين أبو أحمد حمدان بن مرزبان بن باد الهذباني
وابنه سيف الدولة أبو العباس وصح ذلك وثبت.
قاله وكتبه عبيد الله الفقير إليه الغني به، عيسى بن سليمان بن
عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن محمد الدغيني الأندلسي المالكي
عفا الله عنه وذلك في غرة جمادى الآخرة سنة أريع وعشرين وستمائة
61

بمنزل شجاع الدين بالعقيبة ظاهر دمشق والحمد لله وسلام على عباده
الذين اصطفى ".
وفي آخر النسخة (ورقة 178 أ) بخط المقدسي رحمه الله:
" بلغ من أوله أعني كتاب الرحلة للخطيب أبي بكر أحمد بن علي
ابن ثابت سماعا على الشيخ الأجل الثقة. أبي الحسين أحمد بن عبد القادر
ابن محمد بن يوسف. عرضا بأصل سماعه من سعد الله ابن أيوب وبمناولته
من أبي الحسين المبارك بن عبد الجبار الطيوري كلاهما عن الخطيب بقراءة
صاحبه الإمام الفقيه أبي محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد الحنبلي. وكانت
قراءاته من الأصل المذكور. الشيوخ أبو بكر محمد بن أبي الحسن بن
الحسين المقري والفقيه أبو الفضل الياس بن حامد بن محمود الحراني وأبو عبد الله
محمد بن أسفاه أمير الحنبلي السهماني المسمى أحمد بن أحمد بن السريحي (1)
وأخوه أبو العباس أحمد، مطلع شهر رمضان من سنة أربع وسبعين وخمسمائة
بمنزل الشيخ ‍ا‍ي (2) "؟
وإزاء هذا على الهامش الأيسر بخط المقدسي:
" شاهدت على الأصل بخط الشيخ عبد الخالق: قرأت جميعه على
الشيخ أبي محمد سعد الله ابن علي الحسين بن أيوب البزاز بحق سماعه فيه
من الخطيب وسمعه ابني أبو الحسين عبد الحق وابن أختي أبو حامد يحيى
ابن علي بن عبد الباقي وفتاي مختار بن عبد الله الهندي في ربيع الآخر
سنة ستين وكتب عبد الخالق بن أحمد بن يوسف. نقله على الوجه
عبد الرحمن بن أحمد المقدسي في رمضان سنة أربعين وستمائة وصلى الله (3)
على محمد وآله وسلم ".

(1) و (2) الخط مهمل وغير واضح.
(3) الباقي ذهب بقص الورقة فألحقته من عندي.
62

النسخة الثانية:
تقع ضمن مجموعة أيضا برقم 101 في أربعين صحيفة تبدأ بالورقة 251
وجه أ وتنتهي بالورقة 270. وكاتب النسخة هو علي بن محمد البالسي،
كما يظهر من الكلام المدون آخر الكتاب.
وهذه النسخة هي رواية الكتاب عن الخطيب من طريق ابن الأكفاني
وعن ابن الأكفاني الخشوعي. وقد ثبت على ظهر النسخة ما يلي:
" كتاب الرحلة في طلب الحديث "
تصنيف الشيخ الإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن
علي بن ثابت الخطيب البغدادي رحمه الله.
رواية الشيخ أبي محمد هبة الله بن أحمد بن الأكفاني عنه
رواية أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن الخشوعي عنه ".
وفي آخر النسخة: ورقة 270 أ:
" ثم الكتاب بحمد الله ومنه ". عورض به فصح (1).
سمعه على أبي محمد هبة الله بن أحمد بن محمد الأكفاني أبو عبد الله
الحسين بن الحضر بن عبدان وأبو الفضل محمد بن محمد بن هلال والخضر
ابن سهل الحارثي وإبراهيم بن طاهر الخشوعي وابن بركات وجماعة كثيرة
بقراءة وهب بن سلمان بن أحمد السلمي في مستهل ربيع الآخر سنة
عشرين وخمسمائة نقله مختصرا علي بن محمد البالسي ".

(1) هذه الجملة (عورض به فصح) كتبت بحبر مغاير للنسخة مما يدل على أنها
قوبلت من غير كاتبها وصححت فكتب هذا المصحح تلك الجملة.
63

وهنالك سماعات لغير هؤلاء على ورقتين في أول النسخة، وورقتين في
آخرها، وسماعات في أثناء النسخة لا نطيل بنقلها.
منهجنا في تحقيق الكتاب:
1 - اعتمدنا على النسخة الأولى وجعلناها أصلا، لما بدا لنا
أنها أصح وأقرب عهدا بالمؤلف، وما كان من زيادة النسخة الثانية أدرجناه
في المتن بين معكوفين هكذا [] ثم أثبتنا اختلاف النسخة الثانية
عن الأولى في الحاشية ورمزنا للنسخة الثانية بالحرف ب.
2 - خرجنا أحاديث الكتاب المرفوعة، لما أن تخريج الأحاديث
من مراجع السنة المشهورة يدنيها من قلوب الناس. ثم بينا ما في الأحاديث
من ضعف إن وجد بها ضعف، وهو قليل فيما تبينا، كما أنه مما يحتمل
ويقبل إيراده في مثل هذا الموضوع، إلا حديثا أو حديثين، كما ستجد
في التعليقات.
وننبه هنا إلى أن ضعف الحديث لا يعني عدم صحة خبر الرحلة من أجله،
فقد كانوا يرحلون من أجل الحديث أيا كانت درجته في سبيل متابعة التحقيق
العلمي فيه.
3 - شرح ما يحتاج إلى شرحه من ألفاظ الأحاديث لتكون الفائدة
أكبر وأعظم.
4 - الاستدراك على الخطيب. فقد تبينا أن الرسالة لم تستوف
كل ما ورد في موضوعها وهو أخبار من رحلوا لأجل الحديث الواحد، فأثبتنا
في الاستدراك ما وقفنا عليه من ذلك. ثم اختتمنا بطرائف من رحلات
المحدثين، لمناسبة الموضوع.
64

طبعة مخطوطة:
وقد اطلعنا على نسخة مطبوعة من كتاب الرحلة ضمن " مجموعة
رسائل في علوم الحديث " من اخراج صاحب " المكتبة السلفية بالمدينة
المنورة "!! طبع مطابع المجد بالقاهرة، وتأملنا هذه الطبعة فإذا هي
- شأن مطبوعات هذه المكتبة - قد نشرت نشرا تجاريا، بعيدا جدا
عن الاخراج العلمي، حتى قد عطلت الفائدة منها، وذلك لأسباب
كثيرة، نذكر منها:
1 - اغفال المحقق التنبيه على الاختلاف بين النسختين بما يؤدي واجب
التحقيق، على الرغم من أنه قال في تقديمه للكتاب ص 41 من المجموعة:
" رمزنا للنسخة الأولى بحرف أ ". وقال أيضا: " رمزنا للنسخة الثانية
بحرف ب ".
2 - اغفال تخريج الأحاديث، مما يترك القارئ حائرا، لا ينتفع
من الكتاب، اللهم إلا نزرا يسيرا جدا من التخريج لأحاديث قليلة،
وقع له في تخريجها قصور شديد أحيانا، نحو إطلاقه الحكم بالضعف على
حديث " اطلبوا العلم ولو بالصين فان طلب العلم فريضة على كل
مسلم " فإنه لم يميز في حكمه بالضعف بين طرفي الحديث، الطرف
الأول الضعيف، والطرف الثاني الذي ورد حديثا مفردا بأسانيد
كثيرة جدا تبلغ الخمسين وترمي به إلى الاحتجاج كما نبهنا في
تعليقنا عليه.
65

3 - كثرة الأخطاء المطبعية كثرة فاحشة لا يفهم معها للكلام
معنى، سيما في الأسانيد، حتى لا يدري الناظر هل هي من السهو في
تصحيح تجارب الطبع، أو من تحريف قراءة المخطوطات.
وهذه صحيفة واحدة كانت أول ما واجهني عند فتح الكتاب هي
الصحيفة / 65 / اذكرها مثالا لذلك:
1 - سطر 3: " بابك " والصواب " بابتك " كما هو مثبت في
المخطوطتين وفي الكفاية أيضا.
2 - سطر 6: " صر على هذا الحديث " كذا؟؟ والصواب:
" دمر علي هذا الحديث ".
3 - سطر 6: " من رسول الله صلى الله عليه وسلم ". والصواب: " عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
4 - سطر 7: " أحب لي ". والصواب: " أحب إلي ".
5 - سطر 8: " المثنى بن معاذ ". الصواب: " المثنى بن معاذ
ابن معاذ ".
6 - سطر 10: " جعفر بن الليث ". الصواب: " جعفر بن
أحمد بن الليث ".
7 و 8 - سطر 12 - 13: " فأرسل فيه حتى أسمعه ". الصواب:
" فارحل فيه حتى أسمعه وأرجع ". وفرق بعيد بينهما، مع ما هنالك
من سقط.
9 - سطر 14: " المروزي " صوابه: " المروروذي ".
10 - سطر 14: " من لفظه بعيدا ". صوابه " من لفظه
بصيدا ".
66

11 - سطر 16: " الرازي ". صوابه " أبو العباس
الرازي ".
12 - سطر 22: " الصفدي ". صوابه " الصغدي ".
13 - سطر 24: " الموصل ". صوابه " بالموصل ".
كما أن في هذه الصحيفة اختلافات بين النسخ لم ينبه المحقق عليها،
تعرف من مقابلتها بتحقيقنا. وغير هذه الصحيفة ليس أحسن حالا منها
كما تدل المقابلة.
وقد زادني ذلك إصرارا على متابعة خدمة الكتاب، واقتناعا بخطة
عملي لأن هذا الافساد والتشويه يؤكدان ضرورة العمل لإنقاذ هذا الكتاب
القيم العظيم، وإخراجه بحلة من التحقيق العملي تليق بموضوعة الطريف النفيس.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
67

الرحلة في طلب الحديث
للخطيب البغدادي
الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت
حققه وعلق عليه
نور الدين عتر
69

بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الرحلة في طلب الحديث
والأمر بها، والحث عليها، وبيان فضلها
أخبر الشيخ الأجل الثقة أبو الحسين عبد الحق بن
عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف أنبا
الشيخ أبو محمد سعد الله بن علي بن الحسين بن أيوب في ربيع
71

الآخر سنة ست وخمسمائة أنبأ الشيخ الحافظ أبو بكر أحمد
بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي [قال]:
1 - أنبأ أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن
عثمان الطرازي بنيسابور ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم
ثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ثنا الحسن بن عطية ثنا
أبو عاتكة.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اطلبوا العلم ولو بالصين، فإن طلب العلم فريضة
على كل مسلم ".
72

[...]
73

[...]
74

2 - أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل
المتوثي، ثنا أبو سهل أحمد بن محمد عبد الله بن زياد القطان
ثنا محمد بن غالب التمتام [ح] وأنبأ أبو الحسن العباس بن
عمر بن العباس الكلوذاني أنبا عثمان بن أحمد الدقاق ثنا جعفر
ابن هاشم ومحمد بن غالب بن حرب قالا ثنا الحسن بن عطية -
زاد ابن الفضل " البزاز " - ثنا أبو عاتكة - زاد ابن الفضل
" طريف بن سلمان " - ثم اتفقا على أنس - قال العباس -
" ابن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اطلبوا العلم ولو بالصين،
فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم ".
75

3 - أخبرنا [ه] أبو محمد عبد الله بن يحي بن عبد
الجبار السكري أنبا يحيى بن وصيف الخواص ثنا عبد الله بن
الحسن الحراني أنبا أبو بكر الأعين ح وأخبرنيه أبو
الحسن علي بن حمزة بن أحمد المؤذن بالبصرة ثنا أبو بكر أحمد بن
عبيد الله النهر ديري ثنا محمد بن يزيد الراسبي ثنا العباس بن أبي طالب
ببغداد قالا ثنا الحسن بن عطية عن أبي عاتكة عن أنس بن مالك قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اطلبوا العلم ولو بالصين " زاد العباس:
" فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم ".
76

4 - أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد
الحرشي بنيسابور ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثم إبراهيم
بن مرزوق البصري بمصر ح وأنبأ أبو علي الحسن بن
أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز أنبا أبو سهل أحمد بن محمد
بن عبد الله بن زياد ثنا محمد بن يونس ح وأنبأ أبو
نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ بأصبهان ثنا أبو بكر
أحمد بن يوسف بن خلاد ثنا محمد بن يونس بن موسى قالا
77

ثنا عبد الله بن داود الخريبي عن عاصم. وفي حديث محمد بن يونس
[قال] ثنا عاصم بن رجاء بن حيوة ح وأنبأ أبو الحسن
علي بن أحمد بن عمر المقري أنبأ محمد بن عبد الله بن إبراهيم
الشافعي ثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد ثنا ابن داود قال سمعت
عاصم ابن رجاء بن حيوة يحدث عن داود بن جميل:
عن كثير بن قيس قال: كنت جالسا مع أبي الدرداء في
مسجد دمشق، فأتاه رجل فقال: يا أبا الدرداء! جئتك من
المدينة، مدينة الرسول، لحديث بلغني أنك تحدثه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال، ولا جئت لحاجة؟. قال: لا.
قال: ولا لتجارة؟. قال: لا. قال: ولا جئت إلا لهذا الحديث؟. قال: لا.
قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك به طريقا من طرق الجنة،
وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن فضل العالم على
العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العالم
ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض وكل شئ حتى الحيتان
78

في جوف الماء، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم
يورثوا دينارا ولا درهما وأورثوا العلم، فمن أخذه أخذ
بحظ وافر ". وهذا لفظ حديث الأصم.
79

[...]
80

5 - ورواه عبد الوهاب بن الضحاك العرضي عن إسماعيل
بن عياش الحمصي عن عاصم بن رجاء بن حيوة، كرواية
ابن داود:
أنباه أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد العتيقي وأبو
محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري قالا: أنبا محمد بن المظفر
الحافظ ثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي ثنا عبد الوهاب
ابن الضحاك ثنا ابن عياش عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن
داود بن جميل:
عن كثير بن قيس قال: جاء رجل من أهل المدينة إلى
أبي الدرداء بدمشق يسأله عن حديث بلغه يحدث به أبو الدرداء عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو الدرداء: ما جاء بك تجارة؟ قال: لا.
قال ولا جئت طالب حاجة؟ قال: لا. قال وما جئت تطلب
إلا هذا الحديث؟ قال: لا. قال فأبشر إن كنت صادقا،
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من
رجل يخرج من بيته يطلب علما إلا وضعت له الملائكة
أجنحتها رضا بما يطلب، وإلا سلك الله به طريقا إلى الجنة،
81

وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض، حتى
الحيتان في البحر، ولفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة
البدر على سائر الكواكب، إن العلماء هم ورثة الأنبياء،
إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم ".
6 - خالفه غسان بن الربيع الكوفي عن ابن عياش فقال:
ما أنبأ أبو محمد عبد الله بن أبي بكر بن شاذان وأبو عبد الله
محمد عبد الواحد بن محمد بن جعفر وأبو القاسم علي بن المحسن
التنوخي قالوا: أنبا القاضي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن
فهد الموصلي ثم أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى ثنا غسان بن
الربيع عن إسماعيل بن عياش عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن
جميل بن قيس أن رجلا جاء من المدينة إلى أبي الدرداء، فسأله
عن حديث. فقال له أبو الدرداء: ما جاء بك حاجة، ولا جئت
في طلب تجارة؟. وساق الحديث بطوله.
82

7 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن طلحة بن أحمد بن هارون
الواعظ وأبو عمرو عثمان بن محمد بن يوسف العلاف: قال
أحمد: ثنا، وقال عثمان: أنبأ أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي
ثنا يعقوب بن يوسف القزويني ثنا محمد بن سعيد بن سابق ثنا أبو
جعفر الرازي عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش
قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي، فقال: ما جاء بك؟
قلت: ابتغاء العلم.
قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" من خرج من بيته ابتغاء العلم وضعت الملائكة
أجنحتها له رضا بما يصنع ".
83

[...]
84

8 - أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن طلحة الواعظ
بأصبهان ثنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني قال سمعت أبا
يحيى زكريا بن يحيى الساجي قال: كنا نمشي في أزقة
البصرة إلى باب بعض المحدثين، فأسرعنا المشي، وكان معنا
رجل ما جن متهم في دينه، فقال:
85

" ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها!! "،
كالمستهزئ، فما زال من موضعه حتى جفت رجلاه،
وسقط.
9 - أخبرنا أبو الحسين علي بن القاسم بن الحسن الشاهد
بالبصرة ثنا أبو روق البهراني ثنا عبيد الله بن الجهم
الأنماطي بالبصرة سنة تسع وأربعين ومائتين ثنا حمزة
بن ربيعة:
عن أبي مطيع معاوية بن يحيى قال: أوحى الله تعالى
إلى داود عليه السلام: " أن اتخذ نعلين من حديد وعصى
من حديد، واطلب العلم حتى تنكسر العصا، وتنخرق
النعلان ".
10 - أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري إجازة
وحدثينه الحسن بن محمد الخلال عنه قراءة ثنا إبراهيم بن
أحمد بن الحسن القرمنسيني ثنا أحمد بن محمد بن الحسن بن
أبي حمزة ثنا محمد بن وزير الواسطي قال:
86

سمعت يزيد بن هارون يقول لحماد بن زيد: " يا أبا
إسماعيل هل ذكر الله تعالى أصحاب الحديث في القرآن؟ "
فقال: نعم، ألم تسمع إلى قوله عز وجل: [" فلولا
نفر من كل فرقة منهم طائفة.]: " ليتفقهوا في الدين
ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ". فهذا في كل من رحل
في طلب العلم والفقه، ورجع به إلى من وراءه، فعلمه
إياه ".
11 - أخبرنا أبو القاسم الأزهري والحسن بن محمد الخلال
قالا ثنا محمد بن العباس الخزاز ثنا عبد الله بن أبي داود
ثنا جعفر بن أبي سلمة ثنا عبد الله بن عمر ثنا الوليد بن بكير
عن عمر بن نافع:
عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله تعالى: " السائحون "
87

قال: " هم طلبة الحديث "
12 - أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري قراءة عليه أنبا
إسماعيل بن علي الخطبي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال:
" سألت أبي - رحمه الله - عمن طلب العلم، ترى له
أن يلزم رجلا عنده علم فيكتب عنه، أو ترى أن يرحل إلى
المواضع التي فيها العلم فيسمع منهم؟ ". قال: " يرحل يكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل
المدينة ومكة، يشام الناس يسمع منهم ".
88

13 - أخبرنا أبو القاسم رضوان بن محمد بن الحسن الدينوري
ثنا أبو علي [أ] حمد بن عبد الله الأصبهاني قال: سمعت أبا
عبد الله عمر بن محمد بن إسحاق العطار يقول: سمعت عبد الله
بن أحمد بن حنبل يقول:
سمعت أبي يقول: " طلب علو الإسناد من الدين ".
14 - أخبرنا أبو نعيم الحافظ أخبرني محمد بن عبد الله
الضبي في كتابه قال حدثني أبو عمر عبد الواحد بن أحمد بن
محمد بن عمر القرشي ثنا أبي ثنا جعفر الطيالسي قال:
سمعت يحي بن معين يقول: " أربعة لا تؤنس منهم
رشدا: حارس الدرب ومنادي القاضي " وابن المحدث،
ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث ".
15 - أخبرني محمد بن أبي القاسم الأزرق أنبا أبو بكر
محمد بن الحسن النقاش أن محمد بن عصام حدثهم بمرو قال سمعت
عبد الرحمن بن محمد بن حاتم قال:
89

بلغني أن إبراهيم بن أدهم قال: " إن الله تعالى يرفع
البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث ".
16 - أخبرنا أبو منصور أحمد بن الحسين بن علي بن عمر
بن محمد السكري ثنا محمد بن إسماعيل الوراق إملاء ثنا علي
ابن محمد بن أحمد ثنا الحسن بن علي بن ياسر ثنا أبو بكر بن أبي
عتاب الأعين:
ثنا زكريا بن عدي قال رأيت ابن المبارك في النوم فقلت:
ما فعل الله بك؟ قال: " غفر لي برحلتي في الحديث ".
90

17 - أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان أنبا
عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي ثنا يعقوب بن سفيان
حدثني الفضل بن زياد قال:
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: " لم يكن في زمان ابن
المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن وإلى مصر وإلى الشام
والبصرة والكوفة، وكان من رواة العلم وأهل ذلك. كتب عن
الصغار والكبار:
كتب عن عبد الرحمن بن المهدي، وعن الفزاري، وجمع
أمرا عظيما ".
18 - وقال يعقوب حدثني الفضل قال سمعت أحمد رحمه الله
وقال له رجل:
" عمن ترى أن يكتب الحديث؟ ".
91

فقال له: " أخرج إلى أحمد بن يوسف، فإنه شيخ
الإسلام ".
19 - أخبرنا ابن الفضل ثنا عبد الله بن جعفر ثنا
يعقوب قال حدثني أبو بكر بن عبد الملك ثنا عبد الرزاق ثنا
معمر قال:
قال لي أيوب: " إن كنت راحلا إلى أحد فارحل إلى ابن
طاوس، وإلا فالزم تجارتك ".
20 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد
بن رزق البزاز أنبا إسماعيل بن علي الخطبي وأبو علي بن الصواف
وأحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل
حدثني أبي رحمه الله ورضي عنه ثنا عبد الصمد ثنا همام ثنا عاصم
بن بهدلة، قال:
حدثني زر بن حبيش قال: " وفدت في خلافة عثمان بن
عفان، وإنما حملني على الوفادة لقي أبي بن كعب، وأصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
92

21 - حدثنا ابن الفضل أنبا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن
سفيان ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم عن أبي قطن عن أبي خلدة:
عن أبي العالية قال: " كنا نسمع بالرواية عن أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بالبصرة فما نرضى حتى أتيناهم
فسمعنا منهم ".
22 - أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل
ابن شاذان الصيرفي بنيسابور أنبا أبو العباس محمد بن يعقوب
الأصم ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا أبو نوح قراد أنبا أبو
جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال:
" كنت أرحل إلى الرجل مسيرة أيام لأسمع منه فأول ما أفتقد
منه صلاته، فإن أجده يقيمها أقمت وسمعت منه، وإن أجده
يضيعها رجعت ولم أسمع منه، وقلت: هو لغير الصلاة
أضيع ".
23 - أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن الحسين بن
93

إسماعيل المحاملي والحسن بن أبي بكر بن شاذان قالا أنبا محمد بن محمد
بن أحمد بن مالك الإسكافي ثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم
القاضي ثنا أبو سعيد الجعفي:
ثنا وكيع قال: " كنت أرى ابن عون في النوم من
شوقي إليه، وأنا أختلف إلى الأعمش، فلما مات الأعمش
رحلت إليه فسمعت منه ". 24 - أخبرنا ابن الفضل أنبا عبد الله بن جعفر ثنا
يعقوب بن سفيان قال حدثني الفضل - هو ابن زياد - قال:
سمعت أبا عبد الله يقول: " ليس تضم إلى معمر
أحدا إلا وجدته فوقه، رحل في الحديث إلى اليمن، وهو
أول من رحل. فقال له أبو جعفر: والشام؟ فقال:
لا الجزيرة ".
25 - أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله
94

ابن مهدي البزاز أنبا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار
ثنا أحمد بن منصور بن راشد ثنا علي بن الحسن أنبا أبو حمزة
عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال:
قال عبد الله: " والذي لا إله غيره لقد قرأت من في
رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة. ولو أعلم أحدا
أعلم بكتاب الله مني تبلغني الإبل إليه لأتيته ".
26 - أنبا ابن الفضل أنبا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ثنا
ابن نمير ثنا يحيى بن عيسى عن سفيان عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال:
قال عبد الله: " ما أنزلت آية إلا وأنا أعلم فيما
أنزلت. ولو أني أعلم أن أحدا أعلم بكتاب الله مني
تبلغه الإبل والمطايا لأتيته ".
95

27 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبيد الله بن محمد
الحناني أنبا علي بن محمد بن الزبير الكوفي ثنا الحسن بن
علي بن عفان ثنا جعفر بن عون ثنا عيسى الحناط:
عن الشعبي قال: " لو أن رجلا سافر من أقصى الشام
إلى أقصى اليمن فحفظ كلمة تنفعه فيما يستقبله من عمره
رأيت أن سفره لا يضيع ".
28 - أنشدني أبو علي الحسن بن علي بن محمد الوخشي
[الحافظ] بأصبهان قال أنشدني أبو الفضل العباس بن محمد
الخراساني:
رحلت أطلب أصل العلم مجتهدا * وزينة المرء في الدنيا الأحاديث
لا يطلب العلم إلا بازل ذكر * وليس يبغضه إلا المخانيث
لا تعجبن بمال، سوف تتركه * فإنما هذه الدنيا مواريث
96

ذكر رحلة نبي الله موسى
صلى الله على نبينا وعليه وسلم
وفتاه في طلب العلم
29 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن [أحمد بن] غالب
الخوارزمي البرقاني قال قرأت على أبي العباس بن حمدان
حدثكم محمد بن نعيم بن عبد الله ثنا إسحاق بن إبراهيم
الحنظلي أنبا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع
سعيد بن جبير يقول:
" قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى
ليس بصاحب الخضر، إنما هو موسى آخر؟ ".
فقال ابن عباس: " كذب عدو الله ".
97

قال ابن عباس: حدثنا أبي بن كعب عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن موسى عليه السلام قام في
بني إسرائيل خطيبا، فسئل أي الناس أعلم؟ فقال:
" أنا ". فعتب الله عليه حيث لم يرد العلم إليه، فقال:
" عبد لي عند مجمع البحرين [و] هو أعلم منك ".
قال: " أي رب فكيف به؟ "
قال: " تأخذ حوتا فاجعله في مكتل، فحيث
ما فقدت الحوت فهو ثم ".
قال: " فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلقا يمشيان،
معه فتاه يوشع بن نون، حتى أتى الصخرة فنام، واضطرب
الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر، فأمسك الله
عن الحوت الماء مثل الطاق، وجاوز موسى، فلما
98

استيقظ موسى نسي أن يخبره بالحوت.
وقال له: " إني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا
الشيطان أن أذكره " الآية.
فلما كان من الغد قال له موسى: " آتنا غداءنا لقد
لقينا من سفرنا هذا نصبا ". فلم يجد النصب حتى جاوز حيث
أمره الله.
قال: " ذلك ما كنا نبغي فارتدا على آثارهما قصصا "،
فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، وكان للحوت
سربا ولهما عجبا، فإذا رجل مسجى نائم، فسلم موسى.
فقال له الخضر: " وأنى بأرضك السلام " أو قال
بأرضي السلام - الشك من إسحاق -.
فقال له موسى: " أنا موسى بني إسرائيل أتيتك لتعلمني
مما علمت رشدا ".
قال: " إنك على علم علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم
علمنيه لا تعلمه أنت ".
قال: " فإني أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ".
99

قال: " إنك لن تستطيع معي صبرا، وكيف تصبر
على ما لم تحط به خبرا ".
قال: " ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا ".
قال: " فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث
لك منه ذكرا ".
فانطلقا يمشيان إلى الساحل فعرف الخضر فحمل بغير
نول في السفينة فلم يفجأ إلا والخضر يريد أن يقلع
لوحا.
فقال موسى: " أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا
إمرا ".
قال: " ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا ".
قال: " تؤاخذني بما نسيت ".
قال: " وكانت الأولى نسيانا. قال: وجاء عصفور،
فوقع على حرف من السفينة، فنقر من البحر، فقال له الخضر:
" ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا ما نقص العصفور من
100

هذا البحر ".
فلما خرجا من البحر أبصر غلاما من الغلمان يلعب
فتناوله فقطع رأسه. فقال موسى: " أقتلت نفسا زكية بغير
نفس لقد جئت شيئا نكرا ".
قال: " ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ".
قال: إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني. قد
بلغت من لدني عذرا ".
فانطلقا، حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا
أن يضيفوهما، فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض،
فقال الخضر هكذا بيده فأقامه.
فقال له موسى: " أتينا أهل هذه القرية فلم يضيفونا،
فلو اتخذت عليه أجرا ".
قال: " هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم
تستطع عليه صبرا، أما السفينة "... تلا الآيات...
101

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وددنا أنه كان صبر، حتى
يقص علينا من خبرهما ".
قال وكان ابن عباس يقرأ: وأما الغلام فكان كافرا.
قال ابن عباس: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة
غصبا ".
30 - أخبرني أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن عبيد الله
النجار ثنا أبو الحسن علي بن محمد بن شداد المطرز ثنا عبد الله
102

بن محمد بن عبد العزيز ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا يعقوب
القمي ثنا هارون بن عنترة عن أبيه:
عن ابن عباس قال: سأل موسى عليه السلام ربه فقال:
أي رب أي عبادك أحب إليك؟
قال: " الذي يذكرني ولا ينساني ".
قال: " رب! فأي عبادك
أعلم ".
قال " الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب
كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى ".
قال: " رب! فأي عبادك أقضى "؟
قال: " الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى ".
قال: " ومن ذاك يا رب؟ "
قال: " ذاك الخضر ".
103

قال: وأين أطلبه "؟
قال: " على الساحل عند الصخرة
التي ينقلب عندها
الحوت ".
قال: " فخرج موسى يطلبه حتى كان منه ما ذكر
الله تعالى. فانتهى موسى إليه عند الصخرة، فسلم كل واحد
منها على صاحبه ".
فقال له موسى: " إني أحب أن تصحبني ".
قال: " إنك لن تطيق صحبتي ".
قال: " بلى ".
قال: " فإن صحبتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث
لك منه ذكرا ".
فانطلقا. حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال:
أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا؟!
قال: " ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا "؟
، قال: " لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري
عسرا ".
فانطلقا. حتى إذا لقيا غلاما فقتله.
104

قال: " أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا
نكرا "!
قال: " ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا! "
قال: " إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد
بلغت من لدني عذرا ".
فانطلقا. حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا
أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه.
قال: لو شئت لاتخذت عليه أجرا ".
قال: " هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم
تستطع عليه صبرا ".
قال: فأخبره بما قال الله تعالى.
فسار به في البحر حتى انتهى إلى مجمع البحور.
قال: " يا موسى! هل تدري أي مكان هذا؟ "
قال: " لا "!
105

قال: " هذا مجمع البحور ليس في الأرض مكان أكثر
ماءا من هذا ".
قال: وبعث ربك الخطاف فجعل يستقى من الماء بمنقاره.
قال: " يا موسى كم ترى هذا الخطاف رزئ من [هذا]
الماء "؟
قال: " ما أقل ما رزئ ".
قال: فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما حمل
هذا الخطاف من هذا الماء ".
وقد كان موسى قد حدث نفسه بأنه ليس أحد أعلم
منه أو تكلم به، من ثم أمر أن يأتي الخضر.
قال بعض أهل العلم: إن فيما عاناه موسى من الدأب
والسفر وصبر عليه من التواضع والخضوع للخضر، بعد معاناة
قصده، مع محل موسى من الله وموضعه من كرامته وشرف
نبوته دلالة على ارتفاع قدر العلم وعلو منزلة أهله، وحسن
106

التواضع لمن يلتمس منه ويؤخذ عنه، ولو ارتفع عن التواضع
لمخلوق أحد بارتفاع درجة وسمو منزلة لسبق إلى ذلك موسى،
فلما أظهر الجد والاجتهاد والانزعاج عن الوطن والحرص عن
الاستفادة مع الاعتراف بالحاجة إلى أن يصل من العلم إلى ما هو
غائب عنه دل على أنه ليس في الخلق من يعلو على هذه [الحال]
ولا يكبر عنها.
107

وقد رحل غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الحديث إلى البلاد البعيدة، وعدة من التابعين
بعدهم، نحن نورد أخبارهم التي أدت إلينا ذلك عنهم بمشيئة
الله ومعونته:
108

ذكر من رحل في حديث واحد
من الصحابة الأكرمين
رضي الله عنهم أجمعين
31 - أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يوسف الصياد
والحسن بن أبي بكر قالا: أنبا أحمد بن يوسف بن خلاد العطار
[ح] وأنبأ الحسن بن أبي بكر أنبا محمد بن محمد بن أحمد
ابن مالك الإسكافي قالا: ثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة:
وأخبرتنا أم الفرج فاطمة بنت هلال بن أحمد الكرخي
قالت: أنا عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ثنا الحارث بن أبي
أسامة التميمي ثنا يزيد بن هارون أنبا همام بن يحيى عن القاسم
بن عبد الواحد المكي [ح] وحدثني أبو القاسم عبد الله
109

ابن أحمد بن علي السوذرجاني لفظا بأصبهان - وسياق الحديث
له - ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن المقري ثنا أبو
يعلى الموصلي ثنا شيبان ثنا همام ثنا القاسم بن عبد الواحد
قال حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب:
أن جابر بن عبد الله حدثه قال: بلغني عن رجل
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث سمعه من
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمعه منه، قال فابتعت
بعيرا، فشددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا حتى
أتيت الشام، فإذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاري. قال
فأرسلت إليه أن جابرا على الباب.
قال: فرجع إلي الرسول فقال: جابر بن عبد الله؟.
فقلت: نعم.
قال: فرجع الرسول إليه فخرج إلي فاعتنقني واعتنقته.
قال: قلت: حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله
صلى الله عليه وسلم في المظالم لم أسمعه، فخشيت أن
أموت أو تموت قبل أن أسمعه!.
فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
110

" يحشر الله العباد، أو قال: يحشر الله الناس -
قال وأومأ بيده إلى الشام - عراة غرلا بهما ".
قلت: ما بهما؟ قال: ليس معهم شئ!.
قال: فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب:
" أنا الملك أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل
الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة، ولا ينبغي لأحد
من أهل النار يدخل النار وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة
حتى اللطمة ".
قال: قلنا: كيف هو، وإنما نأتي الله تعالى عراة
غرلا بهما؟! ".
قال: بالحسنات والسيئات ".
111

[...]
112

32 - وهكذا رواه عبد الوارث بن سعيد التنوري عن
القاسم بن عبد الواحد:
أخبرناه علي بن أحمد بن عمر المقري أنبا محمد بن
عبد الله بن إبراهيم الشافعي ثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد ثنا
عبد الوارث عن القاسم بن عبد الواحد عن عبد الله بن محمد
ابن عقيل:
عن جابر بن عبد الله قال: بلغني حديث عن رجل من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريت بعيرا
فشددت عليه رحلا ثم سرت إليه شهرا حتى قدمت مصر
قال: فخرج إلي غلام أسود فقلت: استأذن لي على فلان.
قال: فدخل فقال: إن أعرابيا بالباب يستأذن!
قال: فاخرج إليه فقل له: من أنت؟
قال: فقال له: " أخبره أني جابر بن عبد الله ". قال: فخرج إليه فالتزم كل واحد منهما صاحبه.
قال: فقال: ما جاء بك؟.
113

قال: حديث بلغني أنك تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في القصاص، وما أعلم أحدا يحفظه غيرك، فأحببت أن
تذاكرنيه.
فقال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " إذا كان يوم القيامة حشر الله عباده عراة غرلا
بهما، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد منهم كما يسمعه من
قرب: " أنا الملك أنا الديان لا تظالموا اليوم، لا ينبغي
لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل
النار قبله مظلمة، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن
يدخل النار ولأحد من أهل الجنة قبله مظلمة، حتى
اللطمة باليد ".
قالوا: " يا رسول الله وكيف وإنما نأتي الله عراة
غرلا بهما! ".
114

قال: " من الحسنات والسيئات ".
33 - وروي عن أبي جارود العبسي عن جابر بن
عبد الله:
أخبرنيه عبد العزيز بن علي الأرجي ثنا علي بن عمر
ابن محمد الحربي ثنا حامد بن بلال البخاري ثنا محمد بن عبد
الله المقري البخاري ثنا يحيى بن النضر ثنا عيسى غنجار عن
عمر بن الصبح عن مقاتل بن حيان عن أبي جارود العبسي
115

أن جابر بن عبد الله قال: بلغني حديث في القصاص وكان
صاحب الحديث بمصر فاشتريت بعيرا وشددت عليه رحلا
ثم سرت شهرا حتى وردت مصر فسألت عن صاحب الحديث
فدللت عليه وإذا هو باب لاط، فقرعت الباب
فخرج إلي مملوك له أسود فقلت: ها هنا أبو فلان. فكست
علي فدخل فقال لمولاه: بالباب أعرابي يطلبك فقال:
اذهب فقل له: من أنت، فقلت: أنا جابر بن عبد الله
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فخرج إلي فرحب
بي وأخذ بيدي. قلت: حديث في القصاص لا أعلم أحدا
ممن بقي أحفظ له منك. فقال: أجل. سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول:
116

" إن الله يبعثكم يوم القيامة حفاة عراة غرلا،
وهو تعالى على عرشه ينادي بصوت له رفيع غير فظيع يسمع
البعيد كما يسمع القريب، يقول: " أنا الديان لا ظلم
عندي، وعزتي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم ولو لطمة ولو ضربة
يد على يد، ولأقتصن للجماء من القرناء، ولأسألن الحجر لم
نكب الحجر ولأسألن العود لم خدش صاحبه " في ذلك أنزل علي في
كتابه:
" ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس
117

شيئا ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أخوف
ما أخاف على أمتي من بعدي عمل قوم لوط، ألا فلتترقب
أمتي العذاب إذا تكافأ الرجال بالرجال، والنساء
بالنساء ".
34 - أخبرنا أبو نعيم الحافظ ثنا محمد بن أحمد بن الحسن
ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا ابن جريج
قال سمعت أبا سعد الأعمى يحدث عطاء بن أبي رباح قال:
خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر وهو بمصر يسأله عن
حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم أتى
منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري، وهو أمير مصر، فأخبر
به، فجعل فخرج إليه فعانقه، وقال: " ما جاء بك يا أبا
أيوب؟ ".
قال: " حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد
118

سمعه غيري وغير [عقبة، فابعث من يدلني على منزله، قال
فبعث معه من يدله على منزل عقبة، فأخبر عقبة به، فجعل
فخرج إليه، فعانقه وقال: " ما جاء بك يا أبا أيوب؟ ".
فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه غيري
وغير] ك في ستر المؤمن.
قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " من ستر مؤمنا في الدنيا على خربة ستره الله
يوم القيامة ".
فقال له أبو أيوب: " صدقت " ثم انصرف أبو أيوب
119

إلى راحلته فركبها راجعا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة
ابن مخلد إلا بعريش مصر.
35 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان
الغزال وكان عبدا صالحا ثنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير
الخلدي إملاء ثنا أبو علي بشر بن موسى الأسدي ثنا أبو
عبد الرحمن المقري ثنا عبد الرحمن بن زياد قال:
120

حدثني مسلم ابن يسار أن رجلا من الأنصار ركب من
المدينة إلى عقبة بن عامر وهو بمصر حتى لقيه فقال له:
أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" من ستر مؤمنا في الدنيا ستره الله يوم القيامة "؟ فقال:
نعم: قال: فكبر الأنصاري وحمد الله ثم انصرف.
36 - أخبرنا محمد بن أحمد بن يوسف الصياد أنبا أحمد
ابن يوسف بن خلاد ثنا الحارث بن محمد ثنا كثير بن هشام
121

ثنا جعفر بن برقان ثنا يحيى أبو هاشم الدمشقي قال: جاء
رجل من أهل المدينة إلى مصر فقال لحاجب أميرها: قل للأمير
يخرج إلي، فقال الحاجب: ما قال لنا أحد منذ نزلنا هذا
البلد غيرك، إنما كان يقال: استأذن لنا على الأمير. قال: ايته
فقل له: هذا فلان بالباب فخرج إليه الأمير، فقال: إنما
أتيتك أسألك عن حديث واحد فيمن ستر عورة مسلم.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من
ستر عورة مسلم فكأنما أحيا موءودة ".
122

37 - أخبرني أبو القاسم عبيد الله بن أحمد الصيرفي
أنبا الحسين بن عمر الضراب ثنا حامد بن محمد بن شعيب
البلخي ثنا شريح بن يونس ثنا هشيم:
عن سيار عن جرير بن حيان أن رجلا رحل إلى
مصر في هذا الحديث، ولم يحل رحله حتى رجع: " من ستر
على أخيه في الدنيا ستر الله عليه في الآخرة ".
123

38 - أخبرنا أبو بكر البرقاني أنبا محمد بن عبد الله
بن خميرويه الهروي أنبأ الحسين بن إدريس ثنا ابن عمار
ثنا معن بن عيسى أنبا مالك:
" أن رجلا خرج إلى مسلمة بن مخلد بمصر في حديث
سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
39 - أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن
عبد الواحد الهاشمي بالبصرة ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن
عمرو اللؤلؤي ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ثنا الحسن بن علي
ثنا يزيد أنبا الجريري:
عن عبد الله بن بريدة أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل
124

إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر، فقدم عليه، فقال: أما
إني لم آتك زائرا، ولكن سمعت أنا وأنت حديثا من
رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا رجوت أن يكون
عندك منه علم. قال: ما هو؟. قال: كذا وكذا، وساق
الحديث.
40 - أخبرني أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن أحمد
بن فضالة الحافظ النيسابوري بالري أنبا عبد الله بن محمد
السمذي النيسابوري ثنا عبد الله بن محمد بن مسلم الجوربذي
ثنا نصر بن مرزوق أبو الفتح المصري قال: سمعت عمرو
ابن أبي سلمة يقول:
قلت للأوزاعي: " أنا ألزمك منذ أربعة أيام ولم
أسمع منك إلا ثلاثين حديثا "؟.
125

قال: " وتستقل ثلاثين حديثا في أربعة أيام؟ لقد
سار جابر بن عبد الله إلى مصر واشترى راحلة وركبها
حتى سأل عقبة بن عامر عن حديث واحد وانصرف. وأنت
تستقل ثلاثين حديثا في أربعة أيام!! ".
126

ذكر الرواية عن التابعين والخالفين
في مثل ذلك
41 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزق البزاز
ثنا أبو جعفر محمد بن عمرو ابن البختري الرزاز إملاء ثنا
جعفر بن هاشم البزاز العسكري ثنا علي بن بحر ثنا عبد
الرحمن بن مهدي عن مالك بن أنس [ح] وأنبأ محمد بن
الفرج البزاز أنبا أحمد بن جعفر بن حمدان ثنا عبد الله بن
أحمد ثنا أبي ثنا عبد الرحمن قال: سمعت مالكا قال:
قال سعيد بن المسيب: " إن كنت لأسير الأيام والليالي في
طلب الحديث الواحد ".
42 - أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان أنبا
127

عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني عبد العزيز
ابن عبد الله الأويسي ثنا مالك بن أنس أنه بلغه أن سعيد
ابن المسيب قال: " إن كنت لأسير في طلب الحديث
الواحد مسيرة الليالي والأيام ".
قال مالك: وكان سعيد بن المسيب يختلف إلى أبي
هريرة بالشجرة وهو ذو الحليفة.
رواه خالد بن نزار عن مالك عن يحيى بن سعيد عن
ابن المسيب. ورواه إسحاق بن محمد الفروي عن مالك انه بلغه
عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب.
43 - أما رواية خالد بن نزار: فأخبرني الحسن بن
أبي طالب ثنا محمد بن العباس الخزاز ثنا أبو بكر بن أبي داود
ثنا أحمد بن صالح ثنا خالد بن نزار عن مالك ابن أنس عن
يحيى بن سعيد:
عن سعيد بن المسيب قال: " إن كنت لأرحل
128

الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد ".
44 - وأما رواية إسحاق [بن محمد] الفروي: فأنبا
أبو العلاء محمد بن الحسن بن محمد الوراق ثنا أبو بكر أحمد
ابن كامل القاضي ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا إسحاق بن محمد
الفروي ثنا مالك أنه بلغه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
المسيب قال: " إن كنت لأسير الليالي في الحديث الواحد ".
45 - أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل
الصيرفي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا الربيع بن
129

سليمان المرادي ثنا أيوب بن سويد ثنا يحي بن زيد الباهلي من
أهل البصرة وكان ثقة قال:
قال عبيد الله بن عدي بن الخيار - أحد بني نوفل بن
عبد مناف -: بلغني حديث عن علي خفت إن مات ألا أجده
عند غيره، فرحلت حتى قدمت العراق، فسألته عن الحديث
فحدثني وأخذ علي عهدا ألا أخبر به [أحدا] ولوددت
لو لم يفعل فأحدثكموه، فلما كان ذات يوم جاء حتى صعد
المنبر في إزار ورداء متوحشا قرنا فجاء الأشعث بن قيس حتى
أخذ بإحدى عضادتي المنبر ثم قال علي:
" ما بال أقوام يكذبون علينا يزعمون أن عندنا عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عند غيرنا. ورسول الله
صلى الله عليه وسلم كان عاما ولم يكن خاصا، وما عندي عنه
ما ليس عند المسلمين إلا شئ في قرني هذا، فأخرج منه صحيفة
فإذا فيها: " من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة
الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف، ولا عدل ".
فقال له الأشعث بن قيس: " دعها يا رجل، فإنها عليك
لا لك! ".
130

فقال: " قبحك الله! ما يدريك ما علي لا لي؟!
أضحت هزالة راعي الضأن تهزأ بي، ماذا يريبك مني راعي
الضأن؟! ".
131

46 - أخبرنا أبو القاسم عبيد الرحمن بن عبيد الله بن
عبد الله بن محمد الحربي ثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد
المقري النقاش ثنا محمد بن خزيمة بنيسابور ثنا بشر بن هلال
ثنا جعفر عن علي بن زيد:
عن أبي عثمان قال: بلغني عن أبي هريرة حديث
أنه قال:
132

" إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة
ألف ألف حسنة ".
فحججت ذلك العام ولم أكن أريد الحج إلا للقائه في
هذا الحديث، فأتيت أبا هريرة فقلت: يا أبا هريرة: بلغني
عنك حديث فحججت العام ولم أكن أريد الحج إلا لألقاك ".
قال: فما هو؟
قلت: " إن الله ليكتب لعبده المؤمن بالحسنة الواحدة
ألف ألف حسنة ".
فقال أبو هريرة: " ليس هكذا قلت. ولم يحفظ الذي
حدثك! ".
قال أبو عثمان: " فظننت أن الحديث قد سقط ".
قال: إنما قلت: " إن الله ليعطي عبده المؤمن بالحسنة
الواحدة ألفي ألف حسنة! " ثم قال: " أو ليس في كتاب الله تعالى
ذلك؟ ".
قلت: " كيف؟ ".
133

قال: لأن الله يقول: " من ذا الذي يقرض الله
قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ". والكثيرة عند
الله أكثر من ألفي ألف، وألفي ألف ".
47 - أخبرنا محمد بن الحسين القطان أنبأ عبد الله بن
جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عبد الله بن صالح حدثني
معاوية بن صالح [ح] وأنبأ عبد العزيز بن علي الوراق وعلي
134

ابن المحسن المعدل قالا أخبرنا عبيد الله بن محمد بن سليمان
المخرمي أنبا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي حدثني أحمد بن
خالد هو الخلال ثنا معن بن عيسى ثنا معاوية بن صالح عن
ربيعة بن يزيد قال:
سمعت ابن الديلمي يقول: بلغني حديث عن عبد الله
ابن عمرو بن العاص، فركبت إليه إلى الطائف أسأله عنه،
وكان ابن الديلمي بفلسطين قال: فدخلت عليه وهو في حديقة
له، فوجدته مختصرا بيد رجل كنا نتحدث بالشام أن ذلك
الرجل من شربة الخمر. قال فقلت له: يا أبا محمد هل
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في شارب الخمر شيئا؟
قال: فاختلج الرجل يده من يد عبد الله بن عمرو.
فقال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا ".
135

قلت: ما حديث بلغني عنك تقوله: " إن صلاة في
بيت المقدس كألف صلاة. وإن القلم قد جف "؟.
فقال عبد الله: " اللهم إني لا أحل لهم أن يقولوا إلا
ما سمعوا مني ". قالها ثلاثا.
قال: ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: " إن سليمان بن داود سأل الله ثلاثا: سأله ملكا
لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه، وسأله حكما يصادف حكمه
فأعطاه إياه، وسأله من أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه
أن يغفر له ".
هذا آخر حديث أبي صالح.
وزاد معن وسياق الحديث له قال: وسمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله خلق الناس في
ظلمة فأخذ نورا من نوره، فألقى عليهم، فأصاب من
شاء وأخطأ من شاء، فقد عرف من يخطئه ممن يصيبه،
فمن أصابه من نوره اهتدى، ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول:
إن القلم قد جف ".
136

48 - أخبرنا [محمد بن الحسين] بن الفضل أنبا
عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب ثنا عبد الله بن يوسف ثنا محمد
بن مهاجر عن عروة بن رويم:
عن ابن الديلمي الذي كان يسكن بيت المقدس أنه ركب
في طلب عبد الله بن عمرو بن العاص إلى المدينة فسأل عنه
فقالوا: قد سار إلى مكة فاتبعه فوجده في زرعه الذي يسمى
الوهط. قال ابن الديلمي فدخلت عليه فقلت: " يا عبد الله
ما هذا الحديث الذي بلغنا عنك؟ ".
137

قال: ما هو؟
قلت: إنك تقول: " صلاة في بيت المقدس خير من
ألف صلاة في غيرها إلا الكعبة؟.
قال: اللهم إني لا أحل لهم أن يقولوا علي ما لم أقل.
إن سليمان حين فرغ من بيت المقدس قرب قربانا فتقبل منه،
فدعا الله بدعوات، منهن: " اللهم أيما عبد مؤمن زارك في هذا
البيت تائبا إليك إنما جاء يتنصل عن خطاياه وذنوبه أن تتقبل
منه وتتركه من خطاياه كيوم ولدته أمه ".
49 - أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن أحمد بن بشار
النيسابوري بالبصرة ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمويه
العسكري ثنا جعفر بن محمد القلانسي ثنا آدم بن أبي إياس
138

ثنا شعبة [ح] وأنا أبو بكر البرقاني قال: قرأت على أبي
العباس بن حمدان حدثكم الحسن بن علي السدي ثنا علي بن
الجعد أنبا شعبة ثنا المغيرة بن النعمان قال:
سمعت سعيد بن جبير يقول: اختلف فيها أهل
الكوفة: في قوله تعالى: " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه
جهنم [خالدا فيها] " فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها،
فقال: نزلت هذه الآية " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه
جهنم " في آخر ما نزل ما نسخها شئ ".
واللفظ لحديث آدم.
139

50 - أخبرنا محمد بن الحسين القطان أنبا عبد الله بن جعفر
ثنا يعقوب بن سفيان ثنا أبو بكر الحميدي ثنا سفيان ثنا صالح
ابن صالح بن حي الهمذاني وكان خيرا من ابنيه: علي
والحسن وكان علي خيرهما، يريد من الآخر - قال:
جاء رجل إلى الشعبي وأنا عنده فقال: يا أبا عمرو إن
ناسا عندنا يقولون: إذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها فهو
كالراكب بدنته! قال الشعبي: حدثني أبو بردة بن أبي موسى
عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة يؤتون
أجرهم مرتين: الرجل من أهل الكتاب كان مؤمنا قبل أن
يبعث النبي صلى الله عليه وسلم فله أجران، ورجل كانت
له جارية فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها
وتزوجها فله أجران، وعبد أطاع الله وأدى حق سيده
فله أجران ".
140

خذها بغير شئ فلقد كان الرجل يرحل في أدنى منها إلى
المدينة ".
51 - وأخبرنا محمد بن الحسين أنبا عبد الله ثنا يعقوب
ثنا أبو بكر ثنا سفيان قال: سمعت عطاء يحدث عن عبد الله
ابن عبيد بن عمير - وربما قال سفيان: لا أدري ذكر فيه عن
أبيه أم لا؟ - [قال]:
قيل لابن عمر: " ما لنا لا نراك تستلم إلا هذين الركنين؟ "
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن
استلام الركنين يحط الخطايا كما يتحات ورق الشجر ".
141

قال سفيان: حدثني بهذا الحديث عطاء، وأنا وهو في
الطواف. قال: فكأنه لم يرني أعجبت به، فقال: أتزهد في
هذا يا ابن عيينة؟! حدثت به الشعبي فقال: لو رحل في هذا
الحديث كذا وكذا لكان أهلا له.
142

52 - أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق أنبا عثمان بن أحمد
الدقاق ثنا حنبل بن إسحاق ثنا إبراهيم بن نصر ثنا أبو إسماعيل
المؤدب عن سعد بن إسحاق عن أبان عن الحسن قال:
" رحلت إلى كعب بن عجرة من البصرة إلى الكوفة:
فقلت: ما كان فداؤك حين أصابك الأذى؟ ".
قال: " شاة ".
143

53 - حدثني عبد الله بن أحمد السوذرجاني ثنا أبو بكر
بن المقري ثنا أبو يعلى الموصلي ثنا محمد بن المنهال أخو حجاج ثنا
حماد بن زيد عن أيوب:
عن أبي قلابة قال: " أقمت في المدينة ثلاثا، ما لي بها
حاجة إلا قدوم رجل بلغني عنه حديث فبلغني انه يقدم فأقمت
144

حتى قدم فحدثني به ".
54 - أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ثنا محمد بن عمرو
الرزاز ثنا جعفر بن هاشم ثنا علي بن بحر ثنا عبد الرحمن بن
مهدي عن حماد بن زيد [ح] وأنبأ ابن رزق أنبا عثمان بن أحمد ثنا
حنبل ثنا أبو عبد الله ثنا عبد الرحمن عن حماد عن أيوب قال:
قال أبو قلابة: " لقد أقمت بالمدينة ثلاثا مالي حاجة
إلا رجل يقدم عنده حديث فأسمعه منه ".
55 - أنبا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي
وأبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي قالا: ثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب الأصم ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا محمد بن المهلب الحراني
ثنا عبد الرحمن بن عمرو الحراني ثنا محمد بن الفضيل قال:
145

قال لي مغيرة: سمعت من عمارة بن القعقاع حديثا ذكره عن
إبراهيم، قال: وكان عمارة قد خرج إلى مكة فاكتريت حمارا
فلحقته بالقادسية فحدثني عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال:
" كان النبي صلى الله عليه وسلم تمر به الفتية من قريش فلا يتغير
لونه، وتمر الفتية من أهل بيته فيتغير لونه. فقلنا: يا رسول الله
لا نزال نرى منك ما يشق علينا! تمر بك الفتية من قريش
فلا يتغير لونك، وتمر بك الفتية من أهل بيتك فيتغير لونك؟
قال: إن أهلي هؤلاء اختارهم الله للآخرة ولم يخترهم
للدنيا، وسيلقون بعدي تطريدا وتشريدا وبلاء شديدا ".
56 - أنباه الحسن بن أبي بكر أنبا مكرم بن أحمد
القاضي ثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زياد بن
عبد الله الرازي مولى بني هاشم ثنا عبد المؤمن بن علي
ثنا ابن فضيل قال: قال مغيرة بن مقسم سمعت من
146

عمارة بن القعقاع حديث إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الفتية من أهل بيته تغير لونه.
قال: قال لي المغيرة: كان عمارة قد خرج إلى مكة
فاكتريت حمارا فصرت إلى القادسية فلما رآني قال: ما جاء بك؟ قال:
قلت: حديث إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
نعم. حدثني إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم
" كان إذا نظر إلى الفتية من أهل بيته تغير لونه وقال:
إن أهل بيتي هؤلاء اختار الله لهم الآخرة ولم يختر لهم
الدنيا وسيلقون بعدي تطريدا وتشريدا... ". وذكر
حديثا طويلا.
57 - أخبرنا ابن الفضل أنبا عبد الله بن جعفر ثنا
يعقوب بن سفيان حدثني حيوة ابن شريح ثنا الوليد بن مسلم
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن بسر بن عبيد الله
الحضرمي قال: " إن كنت لأركب إلى المصر من الأمصار
147

في الحديث الواحد لأسمعه ".
58 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الدقاق ثنا أحمد بن
إسحاق النهاوندي ثنا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد ثنا ابن
بهان وهو الحسين بن بهان العسكري ثنا سهل بن عثمان
ثنا زيد بن الحباب العكلي عن جعفر بن سليمان عن أبان
ابن أبي عياش قال: قال لي أبو معشر الكوفي:
" خرجت من الكوفة إليك إلى البصرة في حديث
بلغني عنك ".
قال: " فحدثته به ".
59 - حدثنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان
148

التميمي بدمشق أنبا القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم بن يوسف
الميانجي ثنا أبو عبيد محمد بن أحمد الناقد ثنا أبو يحيى محمد بن
سعيد العطار الضرير قال سمعت نصر بن حماد الوراق يقول:
كنا قعودا على باب شعبة نتذاكر فقلت: ثنا إسرائيل عن
149

[...]
150

أبي إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر قال:
كنا نتناوب رعية الإبل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجئت ذات يوم والنبي حوله أصحابه فسمعته يقول:
" من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين فاستغفر
الله إلا غفر له ".
151

فقلت: " بخ بخ ". فجذبني رجل من خلفي، فالتفت
فإذا عمر بن الخطاب، فقال: " الذي قبل أحسن! ".
فقلت: وما قال؟
قال: قال:
" من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
قيل له: ادخل من أي أبواب الجنة شئت ".
قال: فخرج شعبة فلطمني ثم رجع فدخل. فتنحيت من
ناحية. قال: ثم خرج فقال: ماله يبكي بعد؟ فقال له
عبد الله بن إدريس: " إنك أسأت إليه ".
فقال شعبة: " انظر ما تحدث، إن أبا إسحاق حدثني
بهذا الحديث عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر، قال:
فقلت لأبي إسحاق من عبد الله بن عطاء، قال: فغضب ومسعر
بن كدام حاضر قال فقلت له: لتصححن لي هذا أو لأخرقن
ما كتبت عنك ". فقال لي مسعر: " عبد الله بن عطاء بمكة "
قال شعبة: " فرحلت إلى مكة لم أرد الحج أردت الحديث،
فلقيت عبد الله بن عطاء فسألته؟ فقال: " سعد بن إبراهيم
حدثني ".
152

فقال لي مالك بن أنس: " سعد بالمدينة لم يحج العام ". قال شعبة: فرحلت إلى المدينة فلقيت سعد بن إبراهيم
فسألته فقال: " الحديث من عندكم زياد بن مخراق حدثني "
قال شعبة: فلما ذكر زيادا قلت: أي شئ هذا الحديث؟! بينما هو
كوفي إذ صار مدنيا، إذ صار بصريا. قال: فرحلت إلى البصرة
فلقيت زياد بن مخراق فسألته؟ فقال: ليس هو من بابتك.
قلت: حدثني به. قال: لا ترده. قلت: حدثني به.
قال: حدثني شهر بن حوشب عن أبي ريحانة عن عقبة
بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شعبة: " فلما ذكر شهر بن حوشب قلت: دمر
علي هذا الحديث، لو صح لي مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان أحب إلي من أهلي ومالي والناس أجمعين ".
153

60 - قال أبو يحيى: قدم علينا المثنى بن معاذ بن معاذ وسألته
عن هذا الحديث، فقلت: هل عندكم يعني له أصل بالبصرة؟
قال: نعم، حدثني بشر بن المفضل عن شعبة بمثل هذه
154

الصفة.
61 - أخبرنا أبو نعيم الحافظ أنبا أبو بكر محمد بن
جعفر بن الليث الواسطي ثنا أسلم بن سهل حدثني عبد الحميد
بن بيان: قال سمعت هشيما يقول: " كنت أكون بأحد
المصرين فيبلغني أن بالمصر الآخر حديثا فأرحل فيه، حتى
أسمعه وأرجع ".
62 - حدثنا أبو القاسم سعيد بن محمد بن الحسن المروروذي من
لفظه بصيدا أنبا أحمد بن علي بن الحسن بن إسحاق الكشقائي
بزبيد اليمن ثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة أبو العباس
155

الرازي ثنا إسماعيل بن محمود ثنا محمد بن كيسان ثنا هارون
ابن المغيرة عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال:
" لا تشتر مودة ألف رجل بعداوة رجل واحد ".
قال هارون: قدم علي ابن المبارك فجاء إلي وهو على
156

الرحل فسألني عن هذا الحديث فحدثته. فقال: ما وضعت
رحلي من مرو إلا لهذا الحديث.
63 - حدثنا أبو بكر البرقاني أنبا عمر بن نوح البجلي
ثنا أبو بكر أحمد بن عبد العزيز بن حماد المصري ثنا علي
بن فضالة الصغدي ثنا أبو بكر الكلوذاني يعني محمد بن
رزق الله.
وأنبأ أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عبد الأعلى الرقي
أنبا أبو الحسين عبد الله بن القاسم بن سهل الصواف بالموصل
ثنا عبد الله بن زياد ثنا محمد بن رزق الله الكلوذاني - واللفظ
لحديث البرقاني - ثنا زيد بن الحباب ثنا سفيان الثوري عن أسامة
بن زيد عن موسى بن علي اللخمي عن أبيه عن أبي قيس
مولى عمرو:
عن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فرق بين صيامنا
وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ".
157

قال زيد بن الحباب: فلما ذهبت لأقوم من مجلس
سفيان الثوري قال لي رجل: أنا خلفت أسامة حيا
بالمدينة، فركبت راحلتي وأتيت المدينة فلقيت أسامة فقلت:
حديث حدثنيه سفيان الثوري عنك عن موسى بن علي عن
أبيه عن أبي قيس مولى عمرو عن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر "؟
قال: نعم، حدثني موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه
عن أبي قيس مولى عمرو عن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ".
قال زيد: فلما ذهبت لأقوم من مجلس أسامة قال رجل:
أنا خلفت موسى بن علي حيا بمصر فركبت راحلتي وأتيت
مصر فجلست ببابه فخرج إلي شيخ راكب على فرس.
158

قال: ألك حاجة.
قال: قلت: نعم، حديث حدثنيه سفيان الثوري عن
أسامة بن زيد عنك عن أبيك عن أبي قيس مولى عمرو عن
عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فرق بين صيامنا
وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ".
فقال: نعم، حدثني أبي عن أبي قيس مولى عمرو عن
عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فرق بين صيامنا
وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ".
64 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الدقاق ثنا أحمد
ابن إسحاق النهاوندي ثنا الحسن بن عبد الرحمن ثنا عمر بن
159

إسحاق الشيرجي ثنا أبو جعفر التمار قال: سمعت الشاذكوني
يقول:
دخلت الكوفة نيفا وعشرين دخلة أكتب الحديث،
فأتيت حفص بن غياث فكتبت حديثه، فلما رجعت إلى البصرة
وصرت في بنانة لقيني ابن أبي خدويه فقال: يا سليمان
من أين جئت؟
قلت: " من الكوفة ".
قال: حديث من كتبت؟
160

قلت: " حديث حفص بن غياث ".
قال: " أفكتبت علمه كله؟ "
قلت: نعم. قال: أذهب عليك منه شئ؟ قلت: " لا ".
قال: فكتبت عنه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن أبي سعيد
الخدري " أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش فحيل
كان يأكل في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد "؟.
قلت: لا.
قال: فأسخن الله عينيك، أيش كنت تعمل بالكوفة؟!
قال: " فوضعت خرجي عند النرسيين، ورجعت إلى
الكوفة فأتيت حفصا ". فقال: " من أين "؟
قلت: " من البصرة ".
161

قال: " لم رجعت؟ ".
قلت: " إن ابن أبي خدويه ذاكرني عنك بكذا وكذا ".
قال: " فحدثني ورجعت، ولم يكن لي حاجة بالكوفة
غيرها ".
65 - أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن
جعفر أنبا طاهر بن محمد بن سهلويه النيسابوري ثنا أبو حامد
162

أحمد بن محمد الشرقي ثنا عبد الرحمن بن بشر ثنا مالك بن
سعير بن الخمس التميمي ثنا الأعمش عن عبد الملك بن عمير
والمسيب بن رافع عن وراد قال: أملى علي المغيرة بن شعبة
كتابا إلى معاوية وقال مرة: كتب به إلى معاوية:
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قضى الصلاة: " لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل
شئ قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت
ولا ينفع ذا الجد منك الجد ".
قال طاهر: سمعت أبا حامد يقول سمعت صالحا جزرة
يقول: قدمت خراسان بسبب هذا الحديث حديث الأعمش
عن عبد الملك بن عمير والمسيب بن رافع.
163

66 - أنبا أحمد بن جعفر القطيعي أنبا أبو المفضل
محمد بن عبد الله الكوفي ثنا عبد الله بن أبي سفيان الشعراني
ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا يحيى بن حسان ثنا عبد الرحمن
ابن مهدي ثنا سفيان الثوري ثنا يحيى بن سعيد القطان
ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار:
عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت على رسول الله
صلى الله عليه وسلم هذه الآية: " وتعزروه ". قال لنا
رسول الله: " ما ذاك "؟.
قلنا: " الله ورسوله أعلم ".
قال: " لتنصروه ".
قال أبو محمد ابن أبي سفيان سمعت الحديث من إبراهيم
164

ابن سعيد ببغداد ثم ذكر لي هذا الحديث بالشام وقد دخل إلى
الثغر فصرت إليه إلى عين زربة، وكان قد سكنها في سنة ثلاث
وخمسين في رحلتي الثانية إلى الثغر فسألته عن هذا الحديث
فرددني مرارا ثم حدثني به لفظا كما قدمت من ذكره. ومات في
هذه السنة.
قال أبو محمد: وليس هذا الحديث اليوم عند أحد فيما
أعلم.
165

ذكر من رحل إلى شيخ يبتغي علو إسناده
فمات قبل ظفر الطالب منه ببلوغ مراده
67 - أخبرنا محمد بن الحسين القطان أنبا عبد الله بن
جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا عبد الله بن مسلمة ثنا ابن لهيعة عن
يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير:
عن الصنابحي أنه قيل له: متى هاجرت؟ قال:
166

متوفى النبي صلى الله عليه وسلم لقيني رجل عند الجحفة فقلت:
الخبر يا عبد الله؟ فقال: " أي والله لخبر طويل أو جليل: دفنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من أمس ".
68 - أخبرنا عبد الله بن أحمد بن علي السوذرجاني
أنبا أبو بكر ابن المقري ثنا محمد بن الحسن بن علي بن بحر ثنا
أبو جعفر عمرو بن علي ثنا عبد الله بن نمير ثنا محمد بن
إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله:
عن عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي قال: " وفدت إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض وأنا بالجحفة ".
69 - وقال ثنا عمرو بن علي قال سمعت ابن داود يقول:
أنبا يحيى بن مسلم أخو الضحاك.
عن زيد بن وهب قال: " رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقبض وأنا في الطريق ".
167

70 - أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحسين المحاملي أنبا
محمد بن محمد بن أحمد بن مالك الإسكافي ثنا أبو الأحوص محمد بن
الهيثم بن حماد القاضي قال: سمعت محمد بن كثير يقول:
قال الأوزاعي: " خرجت إلى الحسن وابن سيرين
فوجدت الحسن قد مات، ووجدت محمد بن سيرين مريضا
فدخلنا عليه نعوده فمكث أياما ثم مات ".
168

[...]
169

[...]
170

71 - أنبا ابن الفضل أنبا عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب
قال: قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه ثنا عفان:
ثنا حماد بن سلمة قال: " قدمت مكة وعطاء بن أبي
رباح حي، قال فقلت: إذا أنا أفطرت دخلت عليه، قال:
171

فمات في رمضان وكان ابن أبي ليلى يدخل عليه " فقال لي عمارة
بن ميمون: " الزم قيس بن سعد فإنه أفقه من عطاء ".
72 - أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر النرسي أنبا محمد
ابن عبد الله الشافعي ثنا هيثم بن مجاهد:
ثنا عباس بن يزيد قال: " مات يزيد بن زريع
سنة ثنتين وثمانين "، وقال: " خرجت إلى الكوفة مع أبي
وأنا أريد أبا إسحاق الهمداني فتلقتني جنازته ".
172

73 - أنبا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي
ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا الخضر بن أبان
الهاشمي بالكوفة قال: سمعت علي بن عاصم يقول:
" خرجت من واسط إلى الكوفة أنا وهشيم لنلقى
منصورا، فلما خرجت من واسط سرت فراسخ لقيني إما أبو
معاوية وإما غيره فقلت: " أين تريد؟ " قال: " أسعى في
دين علي ".
قال: فقلت: " ارجع معي فإن عندي أربعة آلاف
درهم أعطيك منها ألفين ".
173

فرجعت فأعطيته ألفين ثم خرجت فدخل هشيم الكوفة
بالغداة ودخلتها بالعشي، فذهب هشيم فسمع من منصور
أربعين حديثا، ودخلت أنا الحمام، فلما أصبحت مضيت فأتيت
باب منصور فإذا جنازة!
فقلت: " ما هذا؟ " قالوا " جنازة منصور ".
فقعدت أبكي.
فقال لي شيخ هناك: " يا فتى ما يبكيك؟ ".
قال قلت: " قدمت على أن أسمع من هذا الشيخ
وقد مات ".
قال: " فأدلك على من شهد عرس أم ذا؟ ".
قلت: " نعم ".
قال: " اكتب: حدثني عكرمة عن ابن عباس ".
قال: " فجعلت أكتب عنه شهرا، فقلت له: " من أنت
رحمك الله؟ ".
قال: " أنت تكتب عني منذ شهر لم تعرفني؟ أنا حصين
ابن عبد الرحمن، وما كان بيني وبين أن ألقى ابن عباس
174

إلا سبعة دراهم أو تسعة دراهم، فكان عكرمة يسمع
منه ثم يجيء فيحدثني ".
74 - أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق ومحمد بن الحسين بن الفضل
قالا: أنا دعلج بن أحمد قال أنبا وفي حديث ابن رزق قال
ثنا أحمد بن علي الأبار ثنا أبو عبيد الله:
عن ابن وهب قال: " دخلت المسجد فإذا الناس
175

مزدحمون على ابن سمعان وإذا هشام بن عروة جالس فقلت:
اسمع من هذا وأصير إليه، فلما فرغت قام فأتيت منزله فقالوا:
هو راقد، فقلت: أحج وأرجع، فرجعت وقد مات ".
75 - أنبا القاضي أبو الفرج محمد بن أحمد بن الحسن
الشافعي أنبا أحمد بن يوسف بن خلاد العطار ثنا محمد بن
يونس القرشي قال:
سمعت ابن داود وهو عبد الله بن داود الخريبي يقول:
176

" كان سبب دخولي البصرة لأن ألقى ابن عون، فلما صرت
إلى قناطر بني دارا تلقاني نعي ابن عون، فدخلني ما الله
به عليم ".
76 - أخبرني أبو الفرج الحسين بن علي الطناجيري ثنا
عمر بن أحمد الواعظ قال: قرأت في كتاب جدي: ثنا روح
بن الفرج ثنا هارون بن سعيد:
عن خالد بن نزار قال: " خرجت سنة خمسين ومائة
بكتب ابن جريج لأوافيه، فوجدته قد مات، فقرأت كتبه على
داود بن عبد الرحمن العطار وسعيد بن سالم القداح ".
77 - أنبا ابن الفضل أنبا دعلج بن أحمد أنبا أحمد بن
علي الأبار ثنا عبد الرحيم بن حازم أبو محمد البلخي. قال:
177

سمعت مكي وهو ابن إبراهيم يقول: " لم أطلب
بعد سنة خمسين ومائة إلا خرجت إلى الليث وابن لهيعة
وموسى بن علي، غير فدخلتها يعني مصر وقد كان موسى بن
علي مات قبلي بثلاثة أيام ". 78 -
وأخبرنا ابن الفضل أنبا دعلج أنبا [أحمد بن علي]
الأبار ثنا محمد بن علي بن حمزة قال:
178

سمعت علي بن الحسين ابن واقد يقول: " حججت سنة
ستين ومائة فقدمت الكوفة فأردت إسرائيل، فاستقبلني الناس
فقالوا: مات إسرائيل! ".
79 - أنبا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل السقا الحربي
ثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ثنا محمد ابن عمرو
الباهلي بمصر قال: سمعت أبا عبد الله بن أبي مقاتل البلخي
بمصر يقول:
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: دخلت البصرة
179

لأسمع من حماد بن زيد، فقدمت فإذا هو قد مات، فشكوت
ذلك إلى عبد الرحمن بن مهدي؟! فقال: " مهما سبقت
[به] فلا تسبقن بتقوى الله عز وجل ".
80 - أخبرنا أبو طاهر حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق
ثنا أبو العباس الوليد بن بكر الأندلسي ثنا علي بن أحمد بن
الخصيب الهاشمي با طرابلس المغرب ثنا أبو مسلم صالح بن أحمد
بن عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي حدثني أبي قال:
180

" أبو داود الطيالسي ثقة، وكان كثير الحفظ. رحلت إليه
فأصبته [قد] مات قبل قدومي بأيام.
81 - أخبرنا الحسن بن أبي بكر أنبا أحمد بن محمد
ابن عبد الله القطان ثنا عبد الكريم بن الهيثم ثنا أحمد بن
محمد بن القاسم بن أبي بزة ثنا أبو العباس الوليد بن عبد
العزيز بن عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج قال حدثتني
أمي عن جدي عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح:
عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من فلق
فيه إلى أذني هذه - ورآني أمشي بين يدي أبي بكر وعمر - فقال:
يا أبا الدرداء أتمشي بين يدي من هو خير منك؟ ".
فقلت: " ومن هو يا رسول الله؟ ".
فقال: " أبو بكر وعمر. ما طلعت الشمس ولا غربت
على أحد بعد النبيين والمرسلين خير من أبي بكر ".
181

[...
182

قال: فحدثت الحميدي فقال لي: " اذهب بنا
183

إليه حتى أسمعه منه ". فقلت له: " منزله بالثقبة "، والثقبة
على رأس ثلاثة أميال من مكة.
فلما كان ذات يوم دفنا رجلا من قريش باكرا ثم قال لي
الحميدي: " هل لك بنا في الرجل؟ " قلت: " نعم "،
فخرجنا نريده. فلما كنا بقصر داود بن عيسى لقينا ابن عم
له فقال: " يا أبا بكر أين تريد؟ " قال: " أردنا أبا العباس "
فقال: " يرحم الله أبا العباس مات أمس ".
فقال الحميدي: " هذه حسرة. ثم قال: أنا أسمعه
منك ". فدخلنا على سعيد بن منصور وهو يحدث فلما افترق
الناس دنا منه فقال لي: " حدث أبا عثمان حديث الجريجي
فحدثته.
184

فقال سعيد: " قطع هذا كل علة ".
فقلت للحميدي: " ما قطع كل علة؟ ".
فقال [لي]: " إن أناسا يزعمون أن عليا من رسول الله
وأنه لا يقاس به أحد من الناس، فلما أن قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما قال، علمنا أن عليا ليس بنبي ولا
مرسل، فقطع كل علة ".
آخر الكتاب، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
185

استدراك الزيادات على كتاب الرحلة
مما لم يذكره الحافظ الخطيب
رحلة الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
لم يخرج الإمام أبو بكر الخطيب شيئا من هذا النوع،
وهو كثير جدا، لأن كثيرا من الصحابة كان يقصد النبي صلى الله عليه وسلم
يرحل إليه، ليتشرف بلقائه، ويحمل عنه وصية، أو خطبة،
أو حديثا، وكثير منهم رحلوا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم
عن مسألة أشكلت عليهم.
وإليك طرفا من ذلك:
82 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: نهينا أن
نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ، فكان يعجبنا أن
يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع،
187

فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد، أتانا رسولك
فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟.
قال: صدق. قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله.
قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله. قال: فمن نصب هذه الجبال
وجعل فيها ما جعل؟. قال: الله.
قال: فبالذي خلق السماء، وخلق الأرض ونصب هذه
الجبال آلله أرسلك؟. قال: نعم.
قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا
وليلتنا؟ قال: صدق. قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك
بهذا؟. قال: نعم.
قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا؟
قال: صدق. قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟.
قال: نعم.
قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في
سنتنا؟. قال: صدق. قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك
بهذا؟ قال: نعم.
قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع
188

إليه سبيلا؟. قال: صدق.
قال: ثم ولى، قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن
ولا أنقص منهن.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لئن صدق ليدخلن الجنة ".
متفق عليه
83 - وللبخاري عن أنس قال: بينما نحن جلوس مع
النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد
ثم عقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين
ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال له
الرجل: ابن عبد المطلب!، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
قد أجبتك. فقال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني سائلك
فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك. فقال: سل
عما بدا لك.
فقال: أسألك بربك ورب من قبلك آلله أرسلك إلى
الناس كلهم؟ فقال: اللهم نعم.
189

قال: أنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي الصلوات
الخمس في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم.
قال: أنشدك بالله آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة
من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
اللهم نعم.
فقال الرجل: " آمنت بما جئت به، وأنا رسول من
ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد
بن بكر ".
84 - قال ابن عباس رضي الله عنهما: فما سمعنا بوافد
قوم يقول أفضل من ضمام ".
أخرجه أحمد والطبراني في حديث طويل
85 - عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال:
190

جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد
ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفقه ما يقول،
حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خمس صلوات
في اليوم والليلة ". فقال: " هل علي غيرها؟ " قال:
" لا، إلا أن تطوع ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وصيام رمضان "
قال: " هل علي غيره؟: قال: " لا، إلا أن تطوع ".
قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة.
قال: " هل علي غيرها؟ " قال: " لا، إلا أن تطوع ".
قال: فأدبر الرجل وهو يقول: " والله لا أزيد على
هذا ولا أنقص ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفلح إن صدق ".
متفق عليه
وهذا الرجل غير ضمام بن ثعلبة، لأن ضماما سعدي
بكري ذو عقيصتين أي ضفيرتين كما في المسند والمعجم الكبير
للطبراني، وهذا نجدي ثائر الرأس، فهما مختلفان موطنا وهيئة.
191

86 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: إن
وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من القوم أو من
الوفد؟ " قالوا: ربيعة. قال: " مرحبا بالقوم أو بالوفد غير
خزايا ولا ندامى ".
فقالوا: يا رسول الله إنا لا نستطيع أن فأتيك إلا في
شهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا
بأمر فصل نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة، وسألوه
عن الأشربة، فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع:
أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: " أتدرون ما الإيمان
بالله وحده "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: " شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله،
وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن
تعطوا من المغنم الخمس "، ونهاهم عن أربع: عن الحنتم،
والدباء، والنقير، والمزفت، وربما قال المقير. وقال:
" احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم ".
متفق عليه
192

وهذه المنهيات أوعية ينبذ فيها المسكر فنهاهم عما ينبذ فيها.
الحنتم: الجرة الخضراء، والدباء: القرع اليابس يتخذ منه إناء
للخمر، والنقير: جذع ينقر وسطه. والمقير ما طلي بالقار
كالمزفت المطلي بالزفت.
87 - عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما
انهما قالا: إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
" يا رسول الله: أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله ".
فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه: " نعم فاقض بيننا
بكتاب الله وائذن لي ".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قل ".
قال: " ان ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته، وإني
أخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة،
فسألت أهل العلم، فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب
عام، وأن على امرأة هذا الرجم؟ ".
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لأقضين بينكما
193

بكتاب الله: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب
عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها ".
قال: " فغدا عليها فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فرجمت ". متفق عليه
الأعرابي: هو ساكن البادية. وقد رحل مع صاحبه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، لسؤاله عن هذه الواقعة ليس له حاجة غيرها.
عسيفا على هذا: أي أجيرا عند هذا.
الوليدة والغنم رد: أي الجارية المملوكة والغنم ترد إليك.
88 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
جاءه أعرابي، فقال: " يا رسول الله، إن امرأتي ولدت
غلاما أسود؟! "
فقال: " هل لك من إبل؟ " قال: " نعم ".
قال: " ما ألوانها؟ ". قال: " حمر ".
194

قال: " فيها من أورق؟ ". قال: " نعم ".
قال: " فأنى ذلك؟ ". قال: " أراه عرق نزعه ".
قال: " فلعل ابنك هذا نزعه عرق ".
متفق عليه
الأورق: الأسمر
نزعه عرق: جذبه الشبه إلى بعض أجداده بعامل الوراثة.
ومن آثار الصحابة في الرحلة:
89 - قول أبي الدرداء: " لو أعيتني آية من كتاب الله فلم أجد
أحدا يفتحها علي إلا رجل ببرك الغماد لرحلت إليه ".
من رحلات التابعين ومن بعدهم:
وفيها جاء هذا الحديث:
90 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم، فلا يجدون
195

أحدا أعلم من عالم المدينة ".
أخرجه الترمذي وسننه
وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي
91 - عن عامر بن شراحيل الشعبي الإمام التابعي أنه
خرج إلى مكة في ثلاثة أحاديث ذكرت له، فقال: " لعلي ألقى
رجلا لقي النبي صلى الله عليه وسلم أو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ".
أخرجه الرامهرمزي
92 - عن علي بن المديني قال: قيل للشعبي: " من أين
لك هذا العلم كله؟ ".
قال: " بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر
196

الجماد، وبكور كبكور الغراب ".
تذكرة الحفاظ
93 - عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قيل له:
" أيرحل الرجل في طلب العلو؟ ".
فقال: " بلى والله شديدا، لقد كان علقمة والأسود يبلغهما
الحديث عن عمر رضي الله عنه، فلا يقنعهما حتى يخرجا إلى
عمر فيسمعانه منه ".
علوم الحديث
هذان الإمامان الجليلان من أئمة التابعين يخرجان من
العراق إلى المدينة مسيرة شهر لكي يسمعا من عمر حديثا
بلغهما عنه.
94 - عن الشعبي قال: " ما علمت أن أحدا من الناس
197

كان أطلب لعلم في أفق من الآفاق من مسروق ".
أخرجه الرامهرمزي وابن عبد البر
95 - وعن سفيان عن رجل " أن مسروقا رحل في حرف،
وأن أبا سعيد رحل في حرف ".
أخرجه ابن عبد البر
96 - مكحول الدمشقي الإمام قال:
" كنت عبدا بمصر لامرأة من بني هذيل فأعتقتني فما
خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت
الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم أتيت
الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى، ثم
أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما
أرى، ثم أتيت الشام فغر بلتها، كل ذلك أسأل عن النفل
فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشئ حتى أتيت شيخا يقال له
زياد بن جارية التميمي فقلت له: هل سمعت في النفل شيئا؟
198

قال: نعم: سمعت حبيب بن مسلمة الفهري يقول: شهدت
النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة ".
أخرجه أبو داود وابن ماجة
97 - وعن ابن إسحاق قال: سمعت مكحولا يقول:
" طفت الأرض في طلب العلم ".
ذكره الذهبي في التذكرة
98 - أربدة التميمي التابعي راوي التفسير عن ابن
عباس، قال العجلي: " تابعي كوفي ثقة "، وذكره ابن حبان
في الثقات. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: " صدوق ".
روى عنه أبو إسحاق السبيعي الإمام الحافظ أنه قال:
199

" ما سمعت بأرض فيها علم إلا أتيتها ".
أخرجه أحمد في العلل
99 - الإمام الحافظ العلم علي بن المديني شيخ الإمام
البخاري: قال:
حججت حجة وليس لي همة إلا أن أسمع... ".
أخرجه الترمذي
100 - الإمام الحافظ عبد الرحمن بن الإمام الكبير أبي حاتم
محمد بن إدريس قال:
سمعت أبي رحمه الله يقول:
" قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: من أغرب علي
حديثا غريبا مسندا صحيحا لم أسمعه فله علي درهم يتصدق
به ". وقد حضر على باب أبي الوليد خلق. من الخلق:
أبو زرعة فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى علي ما لم أسمع
200

به، فيقولون: هو عند فلان. فأذهب فأسمع. وكان مرادي
أن أسمع منهم ما ليس عندي، فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب
علي حديثا ".
تقدمة الجرح والتعديل
101 - عن المؤمل بن إسماعيل إنه ذكر عنده الحديث
الذي يروى عن أبي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن،
فقال: لقد حدثني رجل ثقة سماه، قال: أتيت المدائن فلقيت
الرجل الذي يروي هذا الحديث، فقلت له حدثني فإني أريد
أن آتي البصرة.
فقال: هذا الرجل الذي سمعنا منه هو بواسط في
أصحاب القصب.
201

قال: فأتيت واسطا فلقيت الشيخ، فقلت: إني كنت
بالمدائن فدلني عليك الشيخ وإني أريد أن آتي البصرة.
قال: ان هذا الذي سمعت منه هو بالكلاء.
فأتيت البصرة فلقيت الشيخ بالكلاء، فقلت له حدثني
فإني أريد أن آتي عبادان.
فقال: " إن الشيخ الذي سمعناه منه هو بعبادان ".
فأتيت عبادان فلقيت الشيخ، فقلت له: " اتق الله
ما حال هذا الحديث؟ أتيت المدائن - فقصصت عليه - ثم
واسطا، ثم البصرة، فدللت عليك، وما ظننت إلا أن هؤلاء
كلهم قد ماتوا، فأخبرني بقصة هذا الحديث ".
فقال: " إنا اجتمعنا هنا فرأينا الناس قد رغبوا عن
القرآن، وزهدوا فيه، وأخذوا في هذه الأحاديث، فقعدنا
فوضعنا لهم هذه الفضائل حتى يرغبوا فيه ".
أخرجه الخطيب في الكفاية وابن الجوزي
202

الحافظ أبو جعفر أحمد بن حمدان النيسابوري
الزاهد العابد المجاب الدعوة صاحب الكتاب الجليل " المستخرج
على صحيح مسلم ".
قال أبو عمرو بن الصلاح: " رحل في حديث واحد منه
إلى أبي يعلى الموصلي، ورحل في أحاديث معدودة منه لم
يكن سمعها حتى سمعها.
وروينا أنه سمعه منه الشيخ القدوة أبو عثمان سعيد بن
إسماعيل الزاهد الحيري، فكان إذا بلغ منه موضعا فيه سنة لم
يستعملها وقف عندها إلى أن يستعملها ".
شرح مسلم لابن الصلاح
103 - الفضل بن غانم الخزاعي قاضي الري للرشيد. وكان
ممن لم يجب المعتزلة ومن وافقهم من الحكام إلى القول بخلق القرآن
203

روى إبراهيم بن محمد المخرمي حدثنا الفضل بن غانم حدثنا
مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي رضي الله عنه قال قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال في اليوم مائة مرة لا إله إلا الله
الملك الحق المبين كان له أمان من الفقر... الحديث ".
قال: الفضل بن غانم:
" لو رحل في هذا الحديث إلى خراسان لكان قليلا ".
اللسان
104 - المسيب بن واضح السلمي التلمنسي.
قال الحسين بن عبد الله القطان: سمعت المسيب بن
واضح يقول: " خرجت من قرية تلمنس أريد إلى مصر ابن
لهيعة فأخبرت بموته ".
الميزان واللسان
204

طرائف من رحلات المحدثين
نقدم إليك أخبارا لطيفة من طرائف رحلات المحدثين رضي الله عنهم
وأجزل مثوبتهم، نختارها من بين ما وقعنا عليه لمناسبة موضوع هذا الكتاب:
105 - الهيثم بن جميل البغدادي أبو سهل الحافظ نزيل أنطاكية.
ثقة صاحب سنة يغلط على الثقات. قال سفيان بن محمد المصيصي:
" شهدت الهيثم بن جميل وهو يموت وقد سجي نحو القبلة، فقامت جاريته
تغمز رجليه (أي لترى صحوه) فقال: اغمزيهما فالله يعلم أنه ما مشتا
إلى حرام قط ".
رحل وتجول في طلب الحديث، وتحمل الكثير، قال ابن سعد:
سمعت موسى بن داود يقول:
" أفليس الهيثم بن جميل في طلب الحديث مرتين ".
205

توفى سنة 213. رحمه الله تعالى.
106 - يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي المحدث الحافظ.
كان ممن جمع وصنف مع الورع والنسك والصلابة في التمسك بالسنة،
قال الحاكم: " فأما سماعه ورحلته وأفراد حديثه فأكثر من أن يمكن ذكرها ".
وقال أبو عبد الرحمن النهاوندي سمعت يعقوب بن سفيان يقول:
" كتبت عن ألف شيخ وكسر كلهم ثقات ".
وقال يعقوب أيضا: " قمت في الرحلة ثلاثين سنة ". وقال
أبو زرعة الدمشقي: " قدم علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرحلهما يعقوب
ابن سفيان، يعجز أهل العراق أن يروا مثله ".
مات سنة سبع وسبعين ومائتين.
قال عبدان بن محمد المروزي: " رأيت يعقوب بن سفيان في النوم
فقلت: ما فعل الله تعالى بك؟ قال: " غفر لي وأمرني أن أحدث في
السماء كما كنت أحدث في الأرض ".
ومن عنايات الله بهذا الإمام في طلبه للحديث هذا الحديث الذي
أخبر به عن نفسه نسوقه عبرة لطلاب العلم:
قال محمد بن يزيد العطار سمعت يعقوب بن سفيان يقول: " كنت
في رحلتي فقلت نفقتي، فكنت أدمن الكتابة ليلا، وأقرأ نهارا،
فلما كان ذات ليلة كنت جالسا أنسخ في السراج، وكان شتاء، فنزل
206

الماء في عيني فلم أبصر شيئا، فبكيت على نفسي لانقطاعي عن بلدي
وعلى ما فاتني من العلم، فغلبتني عيناي فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم،
فناداني: " يا يعقوب لم أنت بكيت؟ " فقلت: يا رسول الله ذهب
بصري فتحسرت على ما فاتني. فقال لي: " أدن مني "، فدنوت
منه فأمر يده على عيني كأنه يقرأ عليهما، ثم استيقظت فأبصرت،
فأخذت نسخي وقعدت أكتب ".
107 - يحيى بن معين بن عون المري الغطفاني مولاهم،
أبو زكريا البغدادي:
إمام الجرح والتعديل، وأحد من انتهى إليه علم الحديث في عصره،
قال: كتبت بيدي ألف ألف حديث، قال الإمام أحمد: " كان
ابن معين أعلمنا بالرجال "، وقال أبو سعيد الحداد: " الناس كلهم عيال
على يحيى ابن معين ".
وذكر ابن عدي أن
والد يحيى خلف له ثروة ضخمة ألف ألف
درهم وخمسين ألف درهم، فأنفق ذلك كله على الحديث، لما توسع
في طلبه ورحلاته من أجله.
ومن لطائف أخبار رحلاته، هذه الرحلة التي سافر فيها مع صديقه
الإمام أحمد بن حنبل من العراق إلى اليمن للسماع من الإمام عبد الرزاق
ابن همام الصنعاني حافظ اليمن، وفي العودة أراد أن يدخل الكوفة ليختبر الحافظ
أبا نعيم الفضل بن دكين ويعرف حفظه وتيقظه ونباهته، وكان يرافقهما
207

في هذه الرحلة أحمد بن منصور الرمادي الثقة، وهذا نصه يروي قصة هذا
الاختبار.
قال أحمد بن منصور الرمادي: " خرجت مع أحمد ويحيى إلى
عبد الرزاق أخدمهما، فلما عدنا إلى الكوفة قال يحيى لأحمد: أريد أختبر
أبا نعيم. فقال له أحمد: لا تزيد الرجل إلا ثقة.
فقال يحيى: " لا بد لي "، فأخذ ورقة وكتب فيها ثلاثين حديثا من
حديث أبي نعيم، وجعل على رأس كل عشرة منها حديثا ليس من
حديثه، ثم جاءوا إلى أبي نعيم، فخرج فجلس على دكان، فأخرج
يحيى الطبق فقرأ عليه عشرة ثم قرأ الحادي عشر، فقال أبو نعيم:
ليس من حديثي، اضرب عليه، ثم قرأ العشر الثاني، وأبو نعيم ساكت،
فقرأ الحديث الثاني، فقال: ليس من حديثي اضرب عليه، ثم قرأ
العشر الثالث وقرأ الحديث الثالث، فانقلبت عيناه، وأقبل على يحيى
فقال: أما هذا - وذراع أحمد في يده - فأورع من أن يعمل هذا،
وأما هذا يريدني فأقل من أن يعمل هذا، ولكن هذا من فعلك يا فاعل،
ثم أخرج رجله فرفسه، فرمى به وقام فدخل داره.
فقال أحمد ليحيى: ألم أقل لك إنه ثبت.
قال: " والله لرفسته أحب إلي من سفرتي!! ".
108 - روى عبد الرحمن بن أبي حاتم قال سمعت أبي يقول:
" بقيت بالبصرة في سنة أربع عشرة ومائتين ثمانية أشهر، وكان في
208

نفسي أن أقيم سنة! فانقطع نفقتي، فجعلت أبيع ثياب بدني شيئا
بعد شئ، حتى بقيت بلا نفقة، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى
المشيخة، وأسمع منهم إلى المساء، فانصرف رفيقي ورجعت إلى بيت
خال، فجعلت أشرب الماء من الجوع، ثم أصبحت من الغد وغدا علي
رفيقي فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد، فانصرف
عني وانصرفت جائعا.
فلما كان من الغد غدا علي. فقال: " مر بنا إلى المشايخ ".
قلت: " أنا ضعيف لا يمكنني " قال: " ما ضعفك؟ ".
قلت: " لا أكتمك أمري، قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا ".
فقال: " قد بقي معي دينار، فأنا أواسيك بنصفه، ونجعل النصف
الآخر في الكراء ".
فخرجنا من البصرة. وقبضت منه النصف دينار.
109 - الحافظ الإمام الجوال الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي،
الشعراني المتوفي سنة 282 ه‍، كان أديبا فقيها، عابدا، عارفا بالرجال.
قال ابن المؤمل:
" كنا نقول: ما بقي بلد لم يدخله الفضل الشعراني في طلب الحديث
إلا الأندلس ". تذكرة الحفاظ
209

110 - الحافظ البارع الجوال الزاهد القدوة محمد بن المسيب بن
إسحاق الأرغياني، المتوفي سنة 315 ه‍.
قال الإمام أبو عبد الله الحاكم: " كان من العباد المجتهدين، سمعت
غير واحد من مشايخنا يذكرون عنه أنه قال: " ما أعلم منبرا من منابر
الإسلام بقي علي لم أدخله لسماع الحديث، وسمعت أبا إسحاق المزكي
يقول سمعت محمد بن المسيب يقول: " كنت أمشي في مصر، وفي كمي
مائة جزء، في كل جزء ألف حديث ". وسمعت أبا علي الحافظ يقول:
" كان محمد بن المسيب يمشي بمصر وفي كمه مائة ألف حديث، كان دقيق
الخط، وصار هذا كالمشهور من شأنه ".
تذكرة الحفاظ
111 - محدث أصبهان الإمام الراحل الحافظ الثقة أبو بكر محمد بن
إبراهيم بن علي الأصبهاني الخازن المشهور بابن المقرئ المتوفي سنة 381 ه‍.
سمع مالا يحصى كثره. قال أبو طاهر أحمد بن محمود: سمعت ابن
المقرئ يقول: " طفت الشرق والغرب أربع مرات ".
وعن ابن المقرئ قال: " مشيت بسبب نسخة مفضل بن فضالة
سبعين مرحلة، ولو عرضت على خبار برغيف لم يقبلها ".
210

وقال أبو طاهر بن سلمة: " سمعت ابن المقرئ يقول: دخلت
بيت المقدس عشر مرات... ".
تذكرة الحفاظ
112 - المحدث الحافظ محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده الأصبهاني
الرحالة، كان من أئمة هذا الشأن وثقاتهم، ولد سنة عشر وثلاثمائة،
وسمع سنة ثماني عشرة وبعدها، ورحل سنة ثلاثين إلى نيسابور فأدرك أبو حامد
بن بلال وكتب عن الأصم نحوا من ألف جزء، ثم رحل إلى بغداد
فلقي ابن البختري والصفار، ولقي بدمشق خيثمة بن سليمان وطبقته،
ولقي بمكة أبا سعيد بن الأعرابي، وبمصر أبا الطاهر المديني وببخارى ومرو
وبلخ جماعة، وطوف الأقاليم، وكتب بيده عدة أحمال، وبقي في
الرحلة نحوا من أربعين سنة، ثم عاد إلى وطنه شيخا، فتزوج، ورزق
الأولاد، ويقال إنه لما رجع إلى بلده أصبهان قدمها ومعه أربعون حملا
من الكتب والأجزاء، قال ابن منده رحمه الله: " كتبت عن ألف شيخ
وسبعمائة شيخ ". وكان من دعاة السنة وحفاظ الأثر، حدث بالكثير،
حتى توفي سنة 395، قال الباطرقاني: " إمام الأئمة في الحديث " رحمه الله.
تذكرة الحفاظ
113 - الحافظ العالم المكثر الجوال أبو الفضل محمد بن طاهر بن
211

علي المقدسي، المتوفي سنة 507 ما كان على وجه الأرض له نظير، قال
السلفي سمعت ابن طاهر يقول: " كتبت الصحيحين وسنن أبي داود
سبع مرات بالأجرة... ".
وقال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجي سمعت ابن طاهر يقول " بلت
الدم في طلب الحديث مرتين: مرة ببغداد، ومرة بمكة، كنت أمشي
حافيا في الحر فلحقني ذلك، وما ركبت دابة قط في طلب الحديث،
وكنت أحمل كتبي على ظهري ".
تذكرة الحفاظ
114 - الحافظ الإمام علم السنة عبيد الله بن سعيد بن حاتم
أبو نصر السجزي المتوفي سنة 444 ه‍. من أحفظ أهل زمانه للحديث،
طوف الآفاق في طلب الحديث.
قال الحافظ أبو إسحاق الحبال: " كنت يوما عند أبي نصر السجزي
فدق الباب، فقمت ففتحته، فدخلت امرأة وأخرجت كيسا فيه ألف
دينار، فوضعته بين يدي الشيخ وقالت: " أنفقها كما ترى ".
قال: " ما المقصود؟ ".
قالت: " تتزوجني، ولا حاجة لي في الزوج، ولكن لأخدمك "!
فأمرها بأخذ الكيس وأن تنصرف، فلما انصرفت قال: " خرجت
من سجستان بنية طلب العلم، ومتى تزوجت سقط عني هذا الاسم، وما أوثر
212

عنه ثواب طلب العلم شيئا ".
تذكرة الحفاظ
115 - الإمام الكبير الجهبذ أبو حاتم محمد بن إدريس بن المنذر
الحنظلي الرازي إمام المحدثين في الحديث وفي الجرح والتعديل ومعرفة العلل
والرجال، المتوفى سنة 277 ه‍. رحلته من أطرف رحلات المحدثين.
روى ابنه عبد الرحمن عنه في كتابه " تقدمة الجرح والتعديل " قال:
سمعت أبي يقول: " أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع
سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، لم أزل أحصي
حتى زاد على ألف فرسخ تركته، أما ما كنت سرت أنا من الكوفة إلى
بغداد فمالا أحصي كم مرة، ومن مكة إلى المدينة مرات كثيرة، وخرجت
من البحرين من قرب مدينة صلا، إلى مصر ماشيا، ومن مصر إلى الرملة
ماشيا، ومن الرملة إلى بيت المقدس، ومن الرملة إلى عسقلان، ومن
الرملة إلى طبرية، ومن طبرية إلى دمشق، ومن دمشق إلى حمص،
ومن حمص إلى أنطاكية، ومن أنطاكية إلى طرسوس، ثم رجعت من
طرسوس إلى حمص، وكان بقي علي شئ من حديث أبي اليمان فسمعت،
ثم خرجت من حمص إلى بيسان، ومن بيسان إلى الرقة، ومن الرقة
ركبت الفرات إلى بغداد، وخرجت قبل خروجي إلى الشام من واسط
213

إلى النيل، ومن النيل إلى الكوفة، كل ذلك ماشيا، كل هذا في سفري
الأول، وأنا ابن عشرين سنة أجول سبع سنين، خرجت من الري سنة
ثلاث عشرة ومائتين... في شهر رمضان، ورجعت سنة إحدى وعشرين
ومائتين... ".
تقدمة الجرح والتعديل
116 - وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول:
" كنا في البحر، فاحتلمت، فأصبحت وأخبرت أصحابي به، فقالوا
لي: اغمس نفسك في البحر. قلت: إني لا أحسن أن أسبح فقالوا:
إنا نشد فيك حبلا ونعلقك من الماء ".
" فشدوا في حبلا وأرسلوني في الماء وأنا في الهواء أريد إسباغ الوضوء
فلما توضأت قلت لهم: أرسلوني قليلا، فأرسلوني، فغمست نفسي في
الماء قلت: ارفعوني، فرفعوني ".
تقدمة الجرح والتعديل
117 - وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول:
" لما خرجنا من المدينة من عند داود الجعفري صرنا إلى الجار
وركبنا البحر، وكنا ثلاثة أنفس: أبو زهير المروروذي شيخ، وآخر
214

نيسابوري. فركبنا البحر وكانت الريح في وجوهنا، فبقينا في البحر
ثلاثة أشهر، وضاقت صدورنا، وفني ما كان معنا من الزاد، وبقيت
بقية، فخرجنا إلى البر فجعلنا نمشي أياما على البر حتى فني ما كان معنا
من الزاد والماء، فمشينا يوما وليلة لم يأكل أحد منا شيئا ولا شربنا،
واليوم الثاني كمثله، واليوم الثالث. كل يوم نمشي إلى الليل، فإذا جاء
المساء صلينا وألقينا بأنفسنا حيث كنا، وقد ضعفت أبداننا من الجوع
والعطش والعياء، فلما أصبحنا اليوم الثالث جعلنا نمشي على قدر طاقتنا،
فسقط الشيخ مغشيا عليه، فجئنا نحركه وهو لا يعقل، فتركناه ومشينا
أنا وصاحبي النيسابوري قدر فرسخ أو فرسخين، فضعفت وسقطت مغشيا
علي، ومضى صاحبي وتركني، فلم يزل هو يمشي إذ بصر من بعيد
قوما قد قربوا سفينتهم من البر، ونزلوا على بئر موسى صلى الله عليه وسلم، فلما
عاينهم لوح بثوبه إليهم، فجاءوه معهم الماء في إداوة، فسقوه
وأخذوا بيده.
فقال لهم: الحقوا رفيقين لي قد ألقوا بأنفسهم مغشيا عليهم، فما
شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهي، ففتحت عيني فقلت: اسقني
فصب من الماء في ركوة أو مشربة شيئا يسيرا، فشربت ورجعت إلي
نفسي، ولم يروني ذلك القدر، فقلت: اسقني فسقاني شيئا يسيرا،
وأخذ بيدي، فقلت: ورائي شيخ ملقى، قال: قد ذهب إلى ذاك
جماعة، فأخذ بيدي وأنا أمشي أجر رجلي، ويسقيني شيئا بعد شئ،
حتى إذا بلغت إلى عند سفينتهم وأتوا برفيقي الثالث الشيخ، وأحسنوا
إلينا أهل السفينة، فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا.
215

ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها " راية " إلى واليهم،
وزودونا من الكعك والسويق والماء فلم نزل نمشي حتى نفد ما كان معنا
من الماء والسويق والكعك، فجعلنا نمشي جياعا عطاشا على شط البحر،
حتى وقعنا إلى سلحفاة قد رمى به البحر مثل الترس فعمدنا إلى حجر كبير
فضربنا على ظهر السلحفاة فانفلق ظهره، وإذا فيها مثل صفرة البيض،
فأخذنا من بعض الأصداف الملقى على شط البحر فجعلنا نغترف من ذلك
الأصفر فنتحساه، حتى سكن عنا الجوع والعطش.
ثم مررنا وتحملنا حتى دخلنا مدينة الراية، وأوصلنا الكتاب إلى عاملهم
فأنزلنا في داره وأحسن إلينا، وكان يقدم إلينا كل يوم القرع، ويقول
لخادمه: هاتي لهم باليقطين المبارك، فيقدم إلينا من ذاك اليقطين مع
الخبز أياما.
فقال واحد منا بالفارسية: لا تدعوا باللحم المشؤوم؟ وجعل يسمع
الرجل صاحب الدار.
فقال: أنا أحسن، بالفارسية، فإن جدتي كانت هروية، فأتانا
بعد ذلك باللحم.
ثم خرجنا من هناك، وزودنا إلى أن بلغنا مصر ".
تقدمة الجرح والتعديل
216

وفي الختام نقدم هذه النصوص الثلاثة لأعلام من كبار الأئمة عبرة
وذكرى لأولي الألباب فيما بذله أجدادهم، وما أثمره جهادهم العلمي الخالص
لله تعالى من بنيان علمي ديني وحضاري، ولنهيب بشبابنا أن تابعوا الخطى
واسلكوا سبيل الائتساء بهؤلاء الأسلاف الكرام، في النهوض بعلوم الإسلام
وبث الوعي في المسلمين على أساس من هداية كتاب الله تعالى وسنة رسوله
صلى الله عليه وسلم:
118 - النص الأول للإمام ابن الجوزي:
وهو الإمام الكبير المحدث الحافظ المفسر الصوفي عالم العراق وواعظ
الآفاق: عبد الرحمن بن علي بن محمد، المشهور بابن الجوزي، صاحب التصانيف
السائرة في فنون العلم، ومجموعها مائتان ونيف وخمسون كتابا، ما بين
رسالة صغيرة، وكتاب ضخم مثل " زاد المسير في علم التفسير " وكان
يحضر مجالس وعظه الملوك والوزراء.
قال سبطه: سمعت جدي يقول على المنبر: " كتبت بإصبعي ألفي
مجلد، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفا ".
وكان رحمه الله تعالى حريصا على وقته لا يضيع منه شيئا، حتى كان
إذا جاءه الزوار شغل نفسه مع الحديث إليهم بأعمال بسيطة آلية، مثل
تقطيع الورق ليعده للكتابة، وبري الأقلام، ونحو ذلك. وقد فسح
الله في عمره بالخير الكثير والأمد الطويل، وتوفي سنة 597 رحمه الله
ورضي عنه.
217

وهذا النص من كتابه الطريف النافع " صيد الخاطر " قال
فيه ما يلي:
" تأملت أحوال الناس في حالة علو شأنهم فرأيت أكثر الخلق تبين
خسارتهم حينئذ، فمنهم من بالغ في المعاصي من الشباب، ومنهم من فرط
في اكتساب العلم، ومنهم من أكثر من الاستمتاع باللذات.
فكلهم نادم في حالة الكبر حين فوات الاستدراك لذنوب سلفت،
أو قوى ضعفت، أو فضيلة فاتت، فيمضي زمان الكبر في حسرات.
فإن كانت للشيخ إفاقة من ذنوب قد سلفت قال: وا أسفاه على ما جنيت،
وإن لم يكن له إفاقة صار متأسفا على فوات ما كان يلتذ به.
فأما من أنفق عصر الشباب في العلم فإنه في زمن الشيخوخة يحمد
جني ما غرس ويلتذ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئا
بالإضافة إلى ما يناله من لذات العلم.
هذا مع وجود لذاته في الطلب الذي كان تأمل به إدراك المطلوب
وربما كانت تلك الأعمال أطيب مما نيل منها، كما قال الشاعر:
أهتز عند تمني وصلها طربا * ورب أمنية أحلى من الظفر
ولقد تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في
اكتساب الدنيا، وأنفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم، فرأيتني
لم يفتني مما نالوه إلا ما لو حصل لي ندمت عليه. ثم تأملت حالي فإذا
عيشي في الدنيا أجود من عيشهم، وجاهي بين الناس أعلى من جاههم.
وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم.
218

فقال لي إبليس: ونسيت تعبك وسهرك.
فقلت له: أيها الجاهل تقطيع الأيدي لا وقع له عند رؤية يوسف،
وما طالت طريق أدت إلي صديق:
جزى الله المسير إليه خيرا * وإن ترك المطايا كالمزاد
ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل
لأجل ما أطلب وأرجو. كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج
في طلب الحديث واقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء.
فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم،
فأثمر ذلك عندي أني عرفت بكثرة سماعي لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم
وأحواله وآدابه، وأحوال أصحابه وتابعيهم فصرت في معرفة طريقه
كابن أجود ".
119 - النص الثاني للحاكم أبي عبد الله النيسابوري:
وهو الإمام الجليل الحافظ الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد
النيسابوري، المعروف بابن البيع.
219

ولد سنة 321 ه‍، وطلب العلم من الصغر ورحل في الآفاق وسمع
من شيوخ لا يحصون كثرة، زهاء ألفي شيخ، وتوفي سنة 405.
وكان الحاكم أبو عبد الله إماما جليلا حافظا عارفا ثقة، واسع العلم،
اتفق الناس على إمامته وجلالته وعظمة قدره، ورحل إليه من البلاد
لسعة علمه ودرايته، واتفق العلماء على أنه من أعلم الأئمة الذين حفظ الله
بهم هذا الدين. وكان الحاكم من أبرز الأعلام الذي شيدوا بنيان التدوين
في علوم الحديث، بتصنيف الكتب القيمة، خصوصا كتابه " معرفة علوم
الحديث ".
قال الشيخ طاهر الجزائري: " فيه فوائد مهمة رائعة ينبغي
لمطالعي هذا الفن الوقوف عليها ". وقال ابن خلدون: " ومن فحول
علمائه - يعني علوم الحديث - وأئمتهم أبو عبد الله الحاكم وتآليفه فيه
مشهورة، وهو الذي هذبه وأظهر محاسنه ".
وهذا النص من مطلع كتابه القيم " معرفة علوم الحديث " قال
فيه ما يلي في وصف المحدثين:
"... قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين،
ودمغوا أهل البدع والمخالفين، بسنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أجمعين،
قوم آثروا قطع المفاوز والقفاز، على التنعم في الدمن والأوطار، وتنعموا
بالبؤس في الأسفار، مع مساكنة أهل العلم والأخبار، وقنعوا عند
220

جمع الأحاديث والآثار، بوجود الكسر والأطمار، قد رفضوا الإلحاد
الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية، وتوابع ذلك من البدع والأهواء،
والمقاييس والآراء والزيغ، جعلوا المساجد بيوتهم وأساطينها تكاهم
وبواريها فرشهم.
حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا محمد بن
الحسين بن أبي الحنين ثنا عمر بن حفص بن غياث قال سمعت أبي وقيل
له: ألا تنظر إلى أصحاب الحديث وما هم فيه؟ قال: هم خير أهل الدنيا.
وحدثني أبو بكر محمد بن جعفر [المزكي] ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق
قال سمعت علي بن خشرم يقول سمعت أبا بكر بن عياش يقول: إني
لأرجو أن يكون أصحاب الحديث خير الناس، يقيم أحدهم ببابي وقد كتب
عني، فلو شاء أن يرجع ويقول حدثني أبو بكر جميع حديثه فعل
إلا أنهم لا يكذبون.
قال أبو عبد الله: ولقد صدقا جميعا، إن أصحاب الحديث خير الناس
وكيف لا يكونون كذلك وقد نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم وجعلوا غذاءهم
الكتابة، وسمرهم المعارضة، واسترواحهم المذاكرة، وخلوقهم المداد،
ونومهم السهاد، واصطلاءهم الضياء، وتوسدهم الحصى
فالشدائد مع
وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم
بؤس، فعقولهم بلذاذة السنة غامرة، قلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة،
تعلم السنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم، وأهل السنة قاطبة
إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم ".
221

120 - النص الثالث والأخير للإمام الخطيب البغدادي صاحب
كتاب الرحلة نفسه، من كتابه القيم " شرف أصحاب الحديث ".
قال رحمه الله وأجزل مثوبته:
" وقد جعل الله تعالى أهله - يعني أهل الحديث - أركان الشريعة،
وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته والواسطة بين
النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته، أنوارهم زاهرة، وفضائلهم
سائرة، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة، وكل فئة
تتحيز إلى هوى ترجع إليه، أو تستحسن رأيا تعكف عليه، سوى
أصحاب الحديث، فان الكتاب عدتهم والسنة حجتهم والرسول فئتهم،
وإليه نسبتهم، لا يعوجون على الأهواء ولا يلتفتون إلى الآراء، يقبل
منهم ما رووا عن الرسول، وهم المأمونون عليه والعدول، حفظة الدين
وخزنته، وأوعية العلم وحملته. إذا اختلف في حديث كان إليهم
الرجوع، فما حكموا به فهو المقبول المسموع، ومنهم كل عالم فقيه،
وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن
وخطيب محسن، وهم الجمهور العظيم وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع
باعتقادهم يتظاهر وعلى الافصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمه
الله، ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم.
المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله
على نصرهم لقدير.
أخبرنا أبو بكر... عن معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
222

" لا يزال ناس من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ".
قال علي بن المديني في حديث النبي صلى الله عليه وسلم " لا تزال طائفة من أمتي
ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ": هم أهل الحديث والذين يتعاهدون
مذاهب الرسول ويذبون عن العلم، لولاهم لم تجد عند المعتزلة والرافضة
والجهمية شيئا من السنن.
(قال أبو بكر) وقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس
الدين وصرف عنهم كيد المعاندين لتمسكهم بالشرع المتين واقتفائهم آثار
الصحابة والتابعين: فشأنهم حفظ الآثار، وقطع المفاوز والقفار، وركوب
البراري والبحار في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى لا يعرجون عنه إلى
رأي ولا هوى، قبلوا شريعته قولا وفعلا، وحرسوا سنته حفظا ونقلا،
حتى ثبتوا بذلك أصلها وكانوا أحق بها وأهلها وكم من ملحد يروم أن
يخلط بالشريعة ما ليس منها والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها. فهم
الحفاظ لأركانها، والقوامون بأمرها وشأنها. إذا صدف عن الدفاع عنها
فهم دونها يناضلون، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ".
رحم الله أئمة هذا الدين، وعلماءه المحدثين، لقد كانوا في الأمم
معجزة العلم والتاريخ، جعلهم الله تعالى وسيلة لانجاز وعده " إنا نحن
نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ".
وإنا نذكر القارئ - في هذا الختام - أن استيعاب رحلات المحدثين
وأخبارها لا يمكن إلا في مجلدات كثيرة، لأنهم ما فيهم رجل لم يرحل في
223

طلب الحديث والعلم، ولا يعتبر محدثا قط من لم يلق الشيوخ ويأخذ
عنهم، مهما عنعن ودندن، إنما هو واحد من جملة الوراقين.
وان ما أورده الحافظ الخطيب في الرحلة للحديث الواحد، ثم
ما استدركناه عليه ليس كل ما ورد في ذلك، بل هناك الكثير من أخبار
هذا النوع من الرحلة - فيما نرى - حسب القارئ منه هذا القدر، ليثير
العبرة والذكرى والاعتزاز بهذا التراث العظيم، وليحفز الهمم للاجتهاد في
طلب العلم، والرحلة إلى لقاء العلماء لزيارتهم أو الإفادة من علمهم، أو تلقن
شمائلهم وهديهم، والسعي لا حياء حضارة هذه الأمة الإسلامية.
وهذا آخر ما تيسر تعليقه على كتاب " الرحلة في طلب الحديث "
للخطيب البغدادي رحمه الله وأجزل مثوبته، وقع الفراغ منه يوم السبت
خامس رمضان المبارك من شهور سنة أربع وتسعين وثلاثمائة وألف من
هجرة خير البرية صلى الله عليه وسلم يوافقه الحادي والعشرون من أيلول لسنة أربع
وسبعين وتسعمائة والف.
وفقنا الله لاتباع كتابه وسنة رسوله، ورفع لوائهما، وألهمنا
محبة أئمة هذا الدين وعلماءه الفاضلين ومعرفة فضلهم، وجزاهم عنا وعن العلم
والدين خير الجزاء. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وكتب المفتقر إلى عناية مولاه
نور الدين عتر
224