الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ٢٢
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

سمي مولى أبي بكر (1) (2) هو سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام المخزومي مدني ثقة ثبت (3) لا قول فيه ولا مقال روى عنه جماعة من الأئمة ولا يختلفون في عدالته وأمانته إلا أن علي بن المديني قال قلت ليحيى بن سعيد أسمي أثبت عندك أو القعقاع بن حكيم قال القعقاع أحب إلي منه وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن سمي فقال ثقة روى عنه مالك وقتل سمي رحمه الله بقديد (4) وكانت غزوة قديد في صفر سنة (5) ثلاثين ومائة أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا إسماعيل بن محمد حدثنا إسماعيل بن إسحاق أخبرنا علي بن المديني قال قال سفيان (6) أتيت المدينة فسألت عن سمي قالوا خرج إلى الغزو قيل لسفيان كأن سميا قتل قال زعموا أن الخوارج (7) قتلته
7

قال أبو عمر لمالك عنه ثلاثة عشر حديثا أحدها مرسل وفي حديث واحد منها ثلاثة أحاديث فتصير خمسة عشر حديثا
حديث أول لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش فوجد بئرا (فنزل فيها) (8) فشرب فخرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل (9) الذي بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له فقالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا قال في كل كبد رطبة أجر (10) في هذا الحديث دليل على أن الإساءة إلى البهائم والحيوان لا يجوز ولا يحل وأن فاعلها يأثم فيها لأن النص إذا ورد بأن في الإحسان إليهن أجرا وحسنات قام الدليل بأن في الإساءة إليهن وزرا وذنوبا والله يعصم من يشاء وهذا ما لا شك فيه ولا مدفع له
8

وقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت فعذبت في ذلك (11) فهذا يبين لك ما قلنا وهو أمر لا تنازع بين العلماء فيه وفي هذا الحديث دليل على وجوب نفقات البهائم المملوكة على مالكيها (12) وهذا ما لا خلاف فيه أيضا ولا في القضاء به والحمد لله حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا مهدي بن ميمون عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله ابن جعفر قال اردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثا لا أخبر به أحدا أبدا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليه ما استتر به في حاجته هدفا (13) أو حائش نخل فدخل يوما حائطا من حيطان الأنصار فغذا جمل قد أتاه فجرجر (14) وذرفت عيناه فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم سراته وذفراه فسكن فقال من صاحب الجمل فجاء فتى من الأنصار فقال هو لي يا رسول الله فقال أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه (15)
9

وروي هذا الخبر من حديث يعلى بن صرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث عبد الله بن جعفر وفيه فاستوص به خيرا قال فقال صاحبه لا جرم والله (16) لا أكرم مالا (17) كرامته أبدا (18) وأما قوله ذرفت عيناه فمعناه قطرت دموعهما قطرا ضعيفا والسراة الظهر والذفرى ما وراء الأذنين عن يمين النقرة وشمالها تثنى الذفران وتجمع الذفارى قال ذو الرمة
* والقرط في حرة الذفرى معلقة
* تباعد الحبل منه فهو يضطرب (19
* والحائش حائط النخل والحديقة منه أخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثني محمد بن عبد الله النيسابوري صاحبنا حدثنا الحسن بن محمد ابن إسحاق الإسفراني حدثني خالي أبو عوامة يعقوب بن إسحاق الإسفراني حدثنا أبو سعيد أحمد بن بكر وبه حدثنا زيد بن الحباب عن مالك عن الزهري عن عروة بن الزبير عن سراقة بن مالك بن جعثم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في وجعه فقال يا رسول الله أرأيت الضالة ترد على حوض إبلي هل لي فيها من أجر إن سقيتها قال نعم في الكبد الحرى أجر قال أبو الحسن هذا غريب عن مالك وإنما يرويه أصحاب الزهري عن الزهري عن عبد الرحمان بن مالك بن جعثم عن أبيه عن أخيه سراقة بن جعثم (20) كذلك رواه موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وغيرهما عن الزهري
10

حديث ثان لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر (21) عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخذه فشكر الله له فغفر له وقال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله وقال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاتسبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا (22) قال أبو عمر هذه ثلاثة أحاديث في واحد كذلك يرويها جماعة من أصحاب مالك وكذا هي محفوظة عن أبي هريرة أحدها حديث الذي نزع غصن الشوك عن الطريق والثاني حديث الشهداء والثالث قوله لو يعلم الناس ما في النداء إلى آخر الحديث وهذا القسم الثالث سقط ليحيى من باب وهو عنده في باب آخر منها ما كان ينبغي أن يكون في باب العتمة والصبح وقوله ولو يعلم الناس ما في النداء إلى قوله ولو حبوا فلم يروه عنه ابنه عبيد الله في ذلك الباب ورواه ابن وضاح عن يحيى وهو عند جماعة الرواة للموطأ عن مالك لا يختلفون في ذلك فيما علمت
11

وفي هذا الحديث من الفقه أن نزع الأذى من الطرق من أعمال البر وأن اعمال البر تكفر السيئات وتوجب الغفران والحسنات ولا ينبغي للعاقل المؤمن أن يحتقر شيئا من أعمال البر فربما غفر له بأقلها ألا ترى إلى ما في هذا الحديث من أن الله شكر له إذ نزع غصن الشوك عن الطريق فغفر له ذنوبه وقد قال صلى الله عليه وسلم الإيمان بضع وسبعون شعبة إحداها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان (23) وقال الله عز وجل * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * وقال الحكيم
* ومتى تفعل الكثير من الخير
* إذا كنت تاركا لأقله
* حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن خمير وسعد بن عثمان قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا النضر بن محمد قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثنا أبو زميل عن مالك بن مرثد عن أبيه عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسمك في وجه أخيك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الرجل في أرض الضلالة (25) صدقة ونظرك للرجل الردئ البصر صدقة وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق صدقة وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك (26) صدقة (27)
12

أخبرنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن أحمد حدثنا محمد بن أيوب حدثنا أحمد بن عمرو البزار حدثنا محمد بن يوسف بن سابق حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حوسب رجل فلم يوجد له من الخير إلا غصن شوك نحاه عن الطريق فغفر له هكذا رواه أبو معاوية عن هشام بهذا الإسناد وخالفه فيه غير من أصحاب هشام وأما قوله الشهداء خمسة فهكذا جاء في (هذا) (28) الحديث وقد جاء في غيره مما قد ذكرناه في باب عبد الله بن جابر بن عتيك من كتابنا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله وهذه زيادة وقد مضى القول في ذلك كله ومعانيه في ذلك الباب من هذا الكتاب (29) والحمد لله أخبرني خلف بن القاسم حدثنا علي بن جعفر بن محمد بن عيسى البغدادي حدثنا جعفر بن محمد حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله وروى مالك عن عبد الله بن عبد الله بن جبار بن عتيك بن الحرث بن عتيك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله المطعون والغرق وصاحب ذات الجنب والمبطون والحرق والذي يموت تحت الهدم والمرأة تموت بجمع يعني كلهم شهيد (30)
13

وقد تقدم تفسير معاني هذا الباب ممهدا في باب عبد الله بن جابر من هذا الكتاب (31) فلا وجه لإعادة ذلك ههنا والحمد لله وفي هذا الحديث أيضا فضل النداء وهو الأذان وفضل الصف الأول وفضل البكور بالهاجرة إلى الصلاة في المسجد في الجمعة وغيرها ولا أعلم خلافا بين العلماء أن من بكر وانتظر الصلاة وإن لم يصل في الصف الأول أفضل ممن تأخر ثم تخطى إلى الصف الأول وفي هذا ما يوضح لك معنى فضل الصف الأول أنه ورد من أجل البكور إليه والتقدم والله أعلم وفيه فضل شهود العتمة والصبح في جماعة وقد مضت هذه المعاني مكررة في غير موضع من كتابنا هذا فلا معنى لتكريرها بعد ههنا وفي هذا الحديث أيضا جواز تسمية العشاء بالعتمة وهو موضع اختلاف بين أهل العلم فمن كره ذلك احتج بأن الله عز وجل سماها العشاء بقوله ومن بعد صلاة العشاء (32) واحتج أيضا بحديث أبي سلمة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم هذه إنما هي العشاء وإنما يسمونها العتمة لأنهم يعتمون بالإبل (33) ومن أجاز تسمية العشاء (34) بالعتمة فحجته حديث سمي المذكور في هذا الباب والله الموفق للصواب وأما قوله صلى الله عليه وسلم لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا فإنما الاستهام على الصف لا على الأذان وعليه رجع الضمير في عليه وقال ابن حبيب إنما ذلك في الموضع الذي لا يؤذن فيه إلا واحد كالمغرب والجمعة تجمع كثرة المؤذنين
14

قال أبو عمر يحضهم على ذلك لئلا يزهدوا في الأذان فتبطل السنة فيه بالتواكل وقلة الرغبة وقد روى أبو حمزة السكري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين (359 قالوا يا رسول الله لقد تركتنا بعدك نتنافس في الأذان = فقال إن بعدكم قوما سفلتهم مؤذنوهم وهذا حديث انفرد به أبو حمزة هذا وليس بالقوي (36) وبالله التوفيق
حديث ثالث لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الإمام * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) * 37) فقولوا آمين فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه (38) هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته بهذا الإسناد وروى ابن وهب فيه عن مالك إسنادا آخر عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الإمام * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) *
15

فقولوا آمين فإنه من وافق قوله من أهل الأرض قول أهل غفر له ما تقدم من ذنبه في هذا الحديث دليل على أن الإمام لا يقول آمين وأن المأموم يقولها دونه وهذا الحديث يفسر عند أصحابنا قوله صلى الله عليه وسلم إذا أمن الإمام فأمنوا يريد إذا دعا بقوله * (اهدنا الصراط المستقيم) * إلى آخر السورة لأن الداعي يسمى مؤمنا كما يسمى المؤمن داعيا واستدلوا بقول الله عز وجل لموسى وهارون * (قد أجيبت دعوتكما) * 40 وإنما كان هارون مؤمنا وموسى الداعي فيما قال أهل العلم بتأويل القرآن وقال بعض من يقول بأن الإمام يقول آمين إذا قال * (ولا الضالين) * لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جاء عنه في هذا الحديث أن الإمام لا يقول آمين لأنه قد صح عنه قوله إذا أمن الإمام فأمنوا (41) وصح عنه أنه كان إذا قال * (ولا الضالين) * قال آمين ورفع بها صوته وإنما أراد بما جاء عنه في حديث سمي هذا أن يعرفهم بالموضع الذي يقولون فيه آمين وهو إذا قال الإمام * (ولا الضالين) * ليكون قولهما معا ولا يتقدموه بقول آمين والله أعلم واحتجوا بقول بلال يا رسول الله (42) لا تسبقني بآمين وقد مضى هذا الخبر فيما سلف من هذا الكتاب في باب أبي الزناد وباب ابن شهاب ومضى
16

من القول في معنى هذا الحديث هناك ما فيه كفاية والحمد لله وفي هذا الحديث دلالة على أن المأموم لا يقرأ خلف الإمام إذا جهر لا بأم القرآن ولا بغيرها لأن القراءة بها لو كانت عليهم لأمرهم إذا فرغوا من فاتحة الكتاب أن يؤمن كل واحد (43) منهم بعد فراغه من قراءته لأن السنة فيمن قرأ بأم القرآن أن يؤمن عند فراغه منها ومعلوم
أن المأمومين إذا اشتغلوا بالقراءة خلف الإمام لم يكادوا يسمعون (44) فراغه من قراءة فاتحة الكتاب فكيف يؤمرون بالتأمين عند قول الإمام * (ولا الضالين) * ويؤمرون بالاشتغال عن استماع ذلك هذا ما لا يصح وقد أجمع العلماء على أنه لا يقرأ مع الإمام فيما جهر فيه بغير فاتحة الكتاب والقياس أن فاتحة الكتاب وغيرها سواء في هذا الموضع لأن عليهم إذا فرغ إمامهم منها أن يؤمنوا فوجب عليهم أن لا يشتغلوا بغير الاستماع والله أعلم وأجمع العلماء على أن مراد الله عز وجل من قوله * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * (45) يعني في الصلاة وقد مضى القول في معنى هذا الحديث كله واختلاف العلماء في تأمين الإمام وحجة كل فريق منهم من جهة الأثر والنظر في ذلك ممهدا مبسوطا في باب ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة من هذا الكتاب فلا معنى لتكرير ذلك ههنا
17

حديث رابع لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر (46) هذا من أحسن حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الذكر والآثار في هذا الباب كثيرة جدا بمعان متقاربة وبركاتها وفائدتها العمل بها ورحم الله الشعبي حيث قال كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان ومحمد بن إبراهيم بن سعيد قالا حدثنا محمد بن معاوية حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان المروزي أبو بكر قال حدثنا عاصم بن علي قال حدثنا أبو معشر عن مسلم (47) بن أبي مريم عن صالح مولى وجرة عن أم هانيء بنت أبي طالب قالت جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني امرأة قد ثقلت فعلمني شيئا أقوله وأنا جالسة قال قولي الله أكبر مائة مرة فهو = خير لك من مائة بدنة متجللة متقبلة وقولي سبحان الله مائة مرة فهو خير لك من مائة فرس مسرجة ملجمة تحملها في سبيل الله وقولي الحمد لله مائة مرة فهو خير من مائة رقبة تعتقها من ولد إسماعيل وقولي لا إله إلا الله مائة مرة لا تذر ذنبا ولا يشبهها عمل (48)
18

حديث خامس لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك (49) في هذا الحديث دليل على أن الذكر أفضل الأعمال ألا ترى أن هذا الكلام إذا قيل مائة مرة يعدل عشر رقاب إلى ما ذكر فيه من الحسنات ومحو السيئات وهذا أمر كثير (50) فسبحان المتفضل المنعم لا إله إلا هو العليم (519 الخبير ومن هذا الباب على ما قلنا قول أبي الدرداء ألا أدلكم أو أخبركم بخير أعمالكم وأرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير من كثير من الصدقة والصوم وخير من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا (52) أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله وقال معاذ بن جبل ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله وقالوا ذكر الله خير من حطم السيوف في سبيل الله
19

وقال سعيد بن المسيب وغيره في قول الله عز وجل * (والباقيات الصالحات) * 53 هي قول لا إله إلا الله والحمد لله وسبحان الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله وقال الله عز وجل (54) * (خير عند ربك ثوابا وخير أملا) * 55 فحسبك بما في الكتاب والسنة من فضل الذكر وفقنا الله وحبب إلينا طاعته وأعاننا عليها بفضله ورحمته آمين وهذا وما كان مثله يوضح لك أن الكلام بالخير من ذكر الله وتلاوة القرآن وأعمال البر أفضل من الصمت وكذلك القول بالحق كله والإصلاح بين الناس وما كان مثله وإنما الصمت المحمود الصمت عن الباطل ذكر معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله * (والذين هم عن اللغو معرضون) * 56 قال عن الباطل وقال قتادة في قوله * (وإذا مروا باللغو مروا كراما) * 57 قال لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم ولا يمالئونهم وقال مجاهد إذا أوذوا صفحوا وروى محمد بن يزيد بن خنيس عن سفيان عن سعيد بن حسان عن أم صالح عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله (58) قال
20

ابن خنيس فتعجب القوم فقال سفيان مم تعجبون أليس الله يقول * (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) * 59 وقال * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) * (60) قال أبو عمر مما يبين لك أن الكلام بالخير والذكر أفضل من الصمت أن فضائل الذكر الثابتة في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستحقها الصامت روى شعبة عن الحكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير مائة مرة إذا أصبح ومائة مرة إذا أمسى لم يجيء أحد بأفضل من عمله إلا من قال أفضل من ذلك
حديث سادس لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة
21

الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام طويت الصحف وحضرت الملائكة يستمعون الذكر (61) قال أبو عمر الذكر ههنا الخطبة وما فيها من ذكر الله وتلاوة القرآن واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فقالت طائفة أراد ساعات النهار من أوله واحتجوا بظاهر هذا الحديث وقالوا لا بأس بالمسير إلى الجمعة مع طلوع الشمس وهو أفضل عندهم على هذا الحديث وكان مالك يكره البكور إلى الجمعة غدوة وضحى ويستحب التهجير على قدر إلا من كان منزله بعيدا عن المسجد فليخرج قدر ما يأتي المسجد فيدرك الصلاة والخطبة وقال الشافعي وأبو حنيفة ودواد يستحب البكور إلى الجمعة قال الشافعي البكور بعد الفجر إلى الزوال وذكر الأثرم قال قيل لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل كان مالك بن أنس يقول لا ينبغي التهجير يوم الجمعة باكرا فقال هذا خلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأنكره وقال سبحان الله إلى أي شيء ذهب في هذا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كالمهدي جزورا وكالمهدي كذا وكان ابن حبيب يميل إلى هذا القول وينكر قول مالك وقال هو تحريف في تأويل الحديث ومحال من وجوه قال وذلك أنه لا تكون ساعات في ساعة واحدة
قال والشمس إنما تزول في الساعة السادسة من النهار وهو وقت الآذان وخروج الإمام إلى الخطبة فدل ذلك على أن الساعات المذكورة
22

في هذا الحديث هي ساعات النهار المعروفات فبدأ بأول ساعات اليوم (62) فقال من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ثم قال في الخامسة بيضة ثم انقطع التهجير وحان وقت الأذان قال فشرح الحديث بين في لفظه ولكنه حرف عن وجهه وشرح بالخلف من القول وبما لا يتكون وزهد شارحه الناس فيما رغبهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التهجير في أول النهار وزعم أن ذلك كله إنما يجتمع في ساعة واحدة عند زوال الشمس قال وقد جاءت الآثار بالتهجير إلى الجمعة في أول النهار وقد سقنا من ذلك في موضعه من كتاب واضح السنن ما فيه بيان وكفاية هذا كله قول ابن حبيب قال أبو عمر هذا منه تحامل على مالك رضي الله عنه فهو الذي قال القول الذي أنكره ابن حبيب وجعله خلفا من القول وتحريفا من التأويل والذي قاله مالك هو الذي تشهد له الآثار الصحاح الثابتة من رواية الفقهاء الأئمة مع ما صحبه عنده من عمل العلماء ببلده لأن مثل هذا (63) يصح فيه الاحتجاج بالعمل لأن مالكا كان مجالسا لعلماء المدينة ومشاهدا لوقت حركتهم وخروجهم إلى الجمعة وكان أشد الفقهاء اتباعا لسلفه ولو رآهم يبكرون إلى الجمعة ويخرجون إليها مع طلوع الشمس ما أنكر ذلك مع حرصه على اتباعهم قال أحمد بن حنبل مالك عندي أتبع من سفيان يريد أشد اتباعا لسلفه والله أعلم قال يحيى بن عمر عن حرملة أن سأل ابن وهب عن تفسير هذه الساعات أهو الغدو من أول الساعات النهار أو إنما أراد بهذه الساعات ساعة الرواح فقال ابن وهب سألت مالكا عن هذا فقال أما الذي يقع في قلبي فإنه إنما أراد
23

ساعة واحدة تكون فيها هذه الساعات من راح في أول تلك الساعة أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة ولو لم تكن كذلك (64) ما صليت الجمعة حتى يكون النهار تسع ساعات في وقت العصر أو قريب من ذلك قال أبو عمر فهذا قول مالك الذي أنكره ابن حبيب وأما الآثار التي تشهد لصحة ما ذهب إليه مالك في ذلك فأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر أبو جعفر قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس الأول فالأول المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ثم الذي يليه كالمهدي كبشا حتى ذكر الدجاجة والبيضة فإذا جلس الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة (65) ألا ترى إلى ما في هذا الحديث أنه قال يكتبون الناس الأول فالأول المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه الحديث فجعل الأول مهجرا وهذه اللفظة إنما هي مأخذوة من الهاجرة والهجر وذلك وقت النهوض إلى الجمعة وليس ذلك عند طلوع الشمس لأن ذلك الوقت ليس بهاجرة ولا هجير والله أعلم وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان عن الزهري وحفظته منه عن سعيد بن المسيب أنه أخبره عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من المسجد ملائكة يكتبون
24

الناس على منازلهم الأول فالأول فإذا خرج الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة فالمهجر إلى الصلاة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ثم الذي يليه كالمهدي كبشا حتى ذكر الدجاجة والبيضة قيل لسفيان يقولون هذا عن الأعرج عن أبي هريرة قال ما سمعت الزهري ذكر الأعرج قط ما سمعته يقول إلا عن سعيد أنه أخبره عن أبي هريرة قال أبو عمر ففي هذا الحديث المهجر كما ترى ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم الذي يليه لم يذكر الساعات ورواه ابن أبي ذئب عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة بنحوه حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن عبد الرحمان بن أبي ذئب عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المتعجل إلى الجمعة كالمهدي بدنة ثم كالمهدي بقرة ثم كالمهدي شاة ثم كالمهدي طائرا هكذا قال ابن أبي ذئب المتعجل ولم يقل المهجر ولا ذكر الساعات المذكورة في حديث سمي وروى هذا الحديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب وأبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المهجر إلى الصلاة كالذي يهدي بدنة ثم كالذي يهدي بقرة ثم كالذي يهدي كبشا ثم كالذي يهدي دجاجة قال وحسبت أنه قال كالذي يهدي بيضة حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أخي عن سليمان بن بلال
25

وروى إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن الأغر أبي عبد الله عن أبي هريرة نحو هذا الحديث مختصرا وقد روى ابن عجلان حديث سمي فلم يذكر فيه الساعات التي ذكر مالك وجاء بلفظ هو نحو حديث ابن شهاب حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني محمد ابن العجلان عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال تقعد ملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون الناس على منازلهم فالناس فيها كرجل قدم بدنة وكرجل قدم بقرة وكرجل قدم شاة وكرجل قدم دجاجة وكرجل قدم عصفورا وكرجل قدم بيضة قال وحدثني العجلان مثلا بمثل إلا أنه لم يضعف (66) ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة بمثل حديث بن شهاب إلا أنه قال المتعجل ولم يقل المهجر حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد ابن حبيب قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة قال حدثني أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال المتعجل إلى الجمعة كالمهدي جزورا والذي يليه كالمهدي بقرة والذي يليه كالمهدي شاة والذي يليه كالمهدي الطير فإذا جلس الإمام على المنبر ختمت الصحف فهكذا أحاديث الأئمة الفقهاء مثل (حديث) (67) سعيد بن المسيب
26

وأبي سلمة إنما فيها المهجر والمتعجل والذي يليه والذي يليه والذي يليه ليس فيها ساعات وهذه الآثار كلها تدل على ما ذهب إليه مالك والله أعلم ورواه العلاء بن عبد الرحمان عن أبيه عن أبي هريرة فلم يذكر فيه الساعات أيضا حدثناه يونس بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا أبو كريب
محمد بن العلاء قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا العلاء بن عبد الرحمان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تطلع الشمس على يوم أفضل من يوم الجمعة وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين الجن والإنس على باب من أبواب المسجد ملكان يكتبان الأول فالأول كرجل قدم بدنة وكرجل قدم بقرة وكرجل قدم شاة وكرجل قدم طيرا وكرجل قدم بيضة فإذا قعد الإمام طويت الصحف قال أبو عمر لم أجد ذكر الساعات إلا في حديث مالك عن سمي وفي حديث علي ابن زيد عن أوس بن خالد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون الناس على منازلهم جاء فلان من ساعة كذا جاء فلان من ساعة كذا جاء فلان من ساعة كذا جاء فلان والإمام يخطب جاء فلان وقد أدرك الصلاة جاء فلان ولم يدرك الجمعة إذا لم يدرك الخطبة حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا علي بن زيد وأخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إبراهيم بن موسى قال أخبرنا عيسى يعني ابن يونس قال أخبرنا عبد الرحمان بن يزيد بن جابر قال حدثني عطاء الخراساني عن مولى امرأته
27

أم عثمان يعني ابن عطاء قال سمعت عليا على منبر الكوفة يقول إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق فيرمون الناس بالترابيث ويبطئونهم عن الجمعة وتغدو الملائكة فيجلسون على باب المسجد فيكتبون الرجل من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمام فإذا جلس الرجل مجلسا يستمكن فيه من الاستماع والنظر والصمت ولم يلغ كان له كفلان من الأجر وإن جلس مجلسا يستمكن فيه من الاستماع والنظر فلغا ولم ينصت كان له كفل من وزر ومن قال لصاحبه يوم الجمعة صه فقد لغا ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء ثم يقول في آخر ذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك (68) قال أبو داود رواه الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال بالترابيث (69) وقال مولى امرأته أم عثمان بن عطاء قال أبو عمر ففي هذه الأحاديث وحدنا ذكر الساعات فالله أعلم وكان الشافعي رحمه الله يقول أحب التبكير إلى الجمعة وأن لا تؤتى إلا مشيا وفي قوله التبكير دليل على أنه الاستعجال في أول النهار وقد جاء في كثير من هذه الأحاديث المهجر وجاء فيها المتعجل وقال بعض أصحاب الشافعي ليس في قوله المهجر ما يدل على أنه من وقت الهجير والهاجرة قال وإنما
28

هو من التهجير الذي يراد به البدار والاستعجال وترك الحاجات وإطراح الأشغال ومن ذلك قيل المهاجر لمن ترك أهله ووطنه وبادر إلى صحبة محمد صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر وقد استدل بحديث سمي المذكور في هذا الباب الشافعي وأصحابه ومن قال بقولهم في تفضيل البدن في الضحايا على الكباش وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء فقال مالك وأصحابه أفضل الضحايا الفحول من الضأن وإناث الضأن خير من فحول المعز وفحول المعز خير من إناثها وإناث المعز خير من الإبل والبقر وحجة من ذهب هذا المذهب قول الله عز وجل * (وفديناه بذبح عظيم) * 70 وذلك كبش لا جمل ولا بقرة وروى مجاهد وغيره عن ابن عباس أنه سأله رجل فقال إني نذرت أن أنحر نفسي فقال يجزيك كبش سمين ثم قرأ * (وفديناه بذبح عظيم) * وقال بعضهم لو علم الله حيوانا أفضل من الكبش لفدى به إسحاق وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين وأكثر ما ضحى به الكباش وذكر ابن أبي شيبة عن ابن علية عن ليث عن مجاهد قال الذبح العظيم الشاة حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن زيد قال حدثنا فهد بن سليمان قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس الحنيني عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل علي جبريل في
29

يوم عيد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل كيف رأيت عيدنا فقال يا محمد لقد تباهى به أهل السماء وقال يا محمد اعلم أن الجذع من الضأن خير من السيد من البقر والجذع من الضأن خير من السيد من البقر والجذع من الضأن خير من السيد من الإبل ولو علم الله ذبحا هو خير منه لفدى به إبراهيم ابنه قال أبو عمر هذا الحديث عندهم ليس بالقوي والحنيني عنده مناكير (71) وقال الشافعي الإبل أحب إلي أن يضحى بها من البقر والبقر أحب إلي من الغنم والضأن أحب إلي من المعز وقال أبو حنيفة وأصحابه الجزور في الأضحية أفضل ما ضحي به ثم يتلوه البقر في ذلك ثم تتلوه الشاة وحجة من ذهب إلى هذا المذهب قوله صلى الله عليه وسلم المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ثم الذي يليه كالمهدي شاة فبان بهذا الحديث أن التقرب إلى الله عز وجل بالإبل أفضل من التقرب إليه بالبقر ثم بالغنم على ما في هذا الحديث وقد أجمعوا على أن أفضل الهدايا الإبل واختلفوا في الضحايا فكان ما أجمعوا عليه في الهدي قاضيا على ما اختلفوا فيه في الأضاحي لأنه قربان كله وقد أجمعوا على أنه ما استيسر من الهدي شاة فدل على (72) نقصان ذلك عن مرتبة غيره وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها (73) ومعلوم أن الإبل أكثر ثمنا من الغنم فوجب أن تكون أفضل استدلالا بهذا الحديث
30

وأما الذبح العظيم الذي فدي به الذبيح فجائز أن يطلق عليه عظيم لما ذكر ابن عباس أنه كبش رعى في الجنة أربعين خريفا وأنه الذي قربه ابن آدم فتقبل منه ورفع إلى الجنة قال أبو عمر لو لم يكن فضل الكبش إلا أنه أول قربان تقرب به إلى الله في الدنيا فتقبله وأنه فدي به نبي كريم من الذبح قال الله فيه * (بذبح عظيم) * ذكر عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمان بن ثوبان قال مر النعمان بن أبي قطبة على النبي صلى الله عليه وسلم بكبش أعين أقرن فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أشبه هذا الكبش بالكبش الذي ذبحه إبراهيم فاشترى معاذ بن عفراء كبشا أقرن أعين وأهداه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضحى به (74)
حديث سابع لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا (75) اللهم ربنا (76) ولك الحمد فإنه من وافق قوله قول = الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه (77)
31

وهذا الحديث يوجب أن يقتصر الإمام على قول سمع الله لمن حمده (78) وألا يقول معها ربنا (79) ولك الحمد ويقتصر المأموم على ربنا لك الحمد ولا يقول معها سمع الله لمن حمده وقد ذكرنا اختلاف العلماء في ذلك وفي سائر معاني هذا الباب في باب ابن شهاب عن أنس وسعيد من هذا الكتاب فلا معنى لتكرير ذلك ههنا ومعنى
سمع الله لمن حمده تقبل الله حمد من حمده ومنه قولهم سمع الله دعاءك أي أجابه الله وتقبله وأما قوله في هذا الحديث فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر ما تقدم من ذنبه فقد مضى في باب ابن شهاب في معنى التأمين ما يدل على معنى هذا الباب إن شاء الله والوجه عندي في هذا والله أعلم تعظيم فضل الذكر وأنه يحط الأوزار ويغفر الذنوب وقد أخبر الله عن الملائكة إنهم * (ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك) * 80 فمن كان منه من القول مثل هذا بإخلاص واجتهاد ونية صادقة وتوبة صحيحة غفرت ذنوبه إن شاء الله ومثل هذه الأحاديث المشكلة المعاني البعيدة التأويل عن مخارج لفظها واجب ردها إلى الأصول المجتمع عليها وبالله التوفيق وقد روي عن عكرمة ما يدل على أن أهل السماء يصلون في حين صلاة أهل الأرض على نحو صلاة أهل الأرض ويؤمنون أيضا فمن وافق ذلك منهم غفر له والله أعلم وكل ذلك ندب إلى الخير وإرشاد إلى البر وبالله التوفيق
32

حديث ثامن لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته (81) من وجهه فليعجل إلى أهله (82) هذا حديث انفرد به مالك عن سمي لا يصح لغيره عنه وانفرد به سمي أيضا فلا يحفظ عن غيره حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الرحمان حدثنا أحمد بن عبد الجبار البغدادي حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من العذاب يمنع الرجل طعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل الرجوع إلى أهله وهكذا هو في الموطأ عند جماعة الرواة بهذا الإسناد ورواه ابن مهدي وبشر بن عمر عن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السفر قطعة من العذاب الحديث مرسلا وكان وكيع يحدث به عن مالك هكذا أيضا مرسلا حينا وحينا يسنده كما في الموطأ عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة وهذا إنما هو من نشاط المحدث وكسله أحيانا ينشط فيسند وأحيانا يكسل فيرسل على حسب المذاكرة والحديث مسند صحيح ثابت احتاج الناس فيه إلى مالك وليس له غير هذا الإسناد من وجه الصحيح
33

روى عبيد الله بن المتاب عن سليمان بن إسحاق المكلحي عن هارون الفروي عن عبد الملك بن الماجشون قال قال مالك ما بال أهل العراق يسألوني عن حديث السفر قطعة من العذاب قيل له لم يروه أحد غيرك فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت به وقد رواه عصام (83) بن رواد بن الجراح عن أبيه عن مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة وعن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم (طعامه وشرابه ولذته فإذا قضى أحدكم) (84) حاجته فليعجل إلى أهله حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن جعفر غندر حدثنا محمد بن خالد بن يزيد بمكة حدثنا عصام بن رواد بن الجراح حدثنا أبي حدثنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان عن القاسم عن عائشة وعن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال أبو عمر الإسناد الأول لمالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة غير محفوظ لا أعلم رواه عن مالك غير رواد هذا والله أعلم وهو خطأ وليس رواد بن الجراح ممن يحتج به ولا يعول عليه (85) والإسناد الثاني صحيح وقد رواه خالد بن مخلد عن محمد بن جعفر الوركاني عن مالك عن سهيل بن أبي
34

صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح لمالك عن سهيل والله أعلم وإنما هو لمالك عن سمي لا عن سهيل إلا أنه لا يبعد أن يكون عن سهيل أيضا وليس بمعروف لمالك عنه وروي عن عتيق بن يعقوب الزبيري عن مالك عن أبي النضر مولى عمر ابن عبيد الله عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السفر قطعة من العذاب الحديث ولا يصح هذا الإسناد أيضا عندي وهو خطأ وإنما هو لمالك عن سمي لا عن سهيل ولا عن ربيعة ولا عن أبي النضر والله أعلم وقد زاد فيه بعض الضعفاء عن مالك وليتخذ لأهله هدية وإن لم يجد إلا حجرا فليلقه في مخلاته قال والحجارة يومئذ تضرب بها القداح وهذه زيادة منكرة لا تصح والصحيح ما في الموطأ بإسناده ولفظه والله أعلم وقد رواه ابن سمعان قاضي المدينة عن زيد ابن أسلم عن جهان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله وابن سمعان هذا هو عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان قاضي المدينة كان مالك يرميه بالكذب (86) حدثه عن ابن قحطان بقية بن الوليد وقد رويناه عن الدراوردي عن سهيل بإسناد صالح لكنه لا تقوى الحجة به أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمان قال حدثنا إبراهيم بن قاسم قال حدثنا أبو المصعب أحمد بن أبي بكر بن الحرث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمان ابن عوف قال حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال السفر قطعة من
35

العذاب فإذا فرغ أحدكم من مخرجه أو من سفره فليعجل الكرة إلى أهله وإذا عرستم فتجنبوا الطريق فإنها مأوى الهوام والدواب وفي هذا الحديث دليل على أن طول التغرب عن الأهل لغير حاجة وكيدة من دين أو دنيا لا يصلح ولا يجوز وأن من انقضت حاجته لزمه الاستعجال إلى أهله الذين يمونهم ويقوتهم مخافة ما يحدثه الله بعده فيهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت (87) وقد روينا عن مالك من حديث سمي حديثا يدخل في هذا الباب حدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا أبو القاسم عثمان بن محمد بن عثمان البغدادي الدباغ حدثنا أحمد بن يوسف المنيجي (88) حدثنا حاجب بن سليمان حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا مالك بن أنس عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعلم الناس ما للمسافر لأصبحوا على ظهر سفر إن الله لينظر إلى الغريب في كل يوم مرتين وهذا حديث غريب لا أصل له في حديث مالك ولا في غيره والله أعلم ومما يدخل في هذا الباب أيضا من رواية مالك وغيره سافروا تصحوا (89) وقد ظنه قوم معارضا لحديث السفر كقطعة من العذاب وليس كذلك لاحتماله أن يكون العذاب هو التعب والتعب ههنا مستديما للصحة
36

وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو محمد أحمد بن محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس قال حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني قال حدثنا عبد الله بن عيسى المدني الأصم قال حدثنا مطرف بن عبد الله قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سافروا تصحوا وتسلموا حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا الحسن
بن إسماعيل بن القاسم حدثنا أحمد بن إسماعيل بن القاسم وعلي بن أحمد بن إسحاق والفضل بن عبيد الله الهاشمي قالوا حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة قال حدثنا أبو علقمة الفروي عبد الله بن عيسى الأصم قال حدثنا مطرف عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سافروا تصحوا وتسلموا وحدثنا عبد الله حدثنا الحسن حدثنا محمد بن موسى بن هارون الزهري حدثنا محمد بن إبراهيم بن حماد حدثنا محمد بن سنان العوفي حدثنا محمد بن عبد الرحمان بن زرارة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سافروا تصحوا وتغنموا (90) وحدثنا عبد الله حدثنا الحسن حدثنا محمد بن سعد حدثنا موسى بن عيسى الحتلي حدثنا داود بن رشيد حدثنا بسطام بن حبيب قال حدثنا القاسم ابن عبد الرحمان عن أبي حازم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سافروا تصحوا وترزقوا (91)
37

حديث تاسع لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (92) هذا حديث انفرد به سمي ليس يرويه غيره واحتاج الناس إليه فيه سمي عن أبيه أبي صالح حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا جعفر بن عمر قال حدثنا شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة والعمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا بكر بن محمد بن عبد الوهاب البصري قال حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا عبد العزيز بن المختار عن سهيل عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة والعمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما قال أبو عمر قوله العمرة إلى = العمرة تكفر ما بينهما مثل قوله الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر وقد مضى القول في هذا المعنى مجودا في باب زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي من هذا الكتاب
38

وأما الحج المبرور فقيل (93) هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث فيه ولا فسوق ويكون بمال حلال والله أعلم وبالله التوفيق
حديث عاشر لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام يقول كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم فقال مروان أقسمت عليك يا عبد الرحمان لتذهبن إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك فذهب عبد الرحمان وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلم عليها ثم قال يا أم المؤمنين إنا كنا عند مروان فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم قالت عائشة ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمان أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع قال عبد الرحمان لا والله قالت عائشة فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم قال ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة قال فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم فذكر له عبد الرحمان ما قالتا فقال مروان أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن
39

دابتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعراق فلتخبرنه ذلك فركب عبد الرحمان وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمان ساعة ثم ذكر له ذلك فقال أبو هريرة لا علم لي بذلك إنما أخبرنيه مخبر (94) هذا الإسناد أثبت أسانيد هذا الحديث وهو حديث جاء (95) من وجوه كثيرة متواترة صحاح في هذا الحديث دخول الفقهاء على السلطان ومذاكرتهم له بالعلم وفيه ما كان عليه مروان من الاهتبال بالعلم ومسائل الدين مع ما كان فيه من الدنيا ومروان عندهم أحد العلماء وكذلك ابنه عبد الملك وفيه ما يدل على أن الشيء إذا تنوزع (فيه) (96) رد إلى من يظن به أنه يوجد عنده علم منه وذلك أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بهذا المعنى بعده من أجله صلى الله عليه وسلم وفيه أن من كان عنده علم في شيء وسمع خلافه كان عليه إنكاره من ثقة سمع ذلك أو غير ثقة حتى يتبين له صحة خلاف ما عنده وفيه أن الحجة القاطعة عند الاختلاف فيما لا نص فيه من الكتاب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه إثبات الحجة في العمل بخبر الواحد العدل وأن المراة في ذلك كالرجل سواء وأن طريق الإخبار في هذا غير طريق الشهادات
40

وفيه طلب الحجة وطلب الدليل والبحث عن العلم حتى يصح فيه وجه العمل ألا ترى ان مروان حين أخبره عبد الرحمان بن الحرث عن عائشة وأم سلمة بما أخبره به في هذا الحديث بعث إلى أبي هريرة طالبا الحجة وباحثا عن موقعها ليعرف من أين قال أبو هريرة ما قاله من ذلك ز وفيه اعتراف العالم بالحق وإنصافه إذا سمع الحجة وهكذا أهل الدين والعلم وأولو انصاف واعتراف وفيه الحكم الذي من أجله ورد هذا الحديث وذلك أن الجنب إذا أصابته جنابة من الليل في رمضان لم يضره أن يصبح جنبا ولم يفسد ذلك صيامه ولا قدح في شيء منه وهذا موضع للعلماء فيه اختلاف وتنازع قد ذكرنا ذلك كله في باب أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمان بن معمر من هذا الكتاب ولم نر تكريره ههنا حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا مؤمل بن يحيى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا شعبة قال حدثني قتادة عن سعيد بن المسيب عن عامر بن أبي أمية أخي أم سلمة عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا ثم يصوم ذلك اليوم وأما الرواية عن أبي هريرة أنه من أصبح جنبا فقد افطر ذلك اليوم فقد ذكرنا بعضها في باب أبي طوالة أيضا وأخبرنا محمد بن أبان قال حدثنا محمد بن يحيى وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن سعيد قالوا حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله من أدركه الصبح جنبا فلا صوم له قال فانطلقت أنا وأبي فدخلنا عل عائشة وأم سلمة فسألناهما عن ذلك فأخبرانا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
41

يصبح جنبا من غير حلم ثم يصوم قال فدخلنا على مروان فأخبرناه بقولهما وقول أبي هريرة فقال مروان عزمت عليكما لما ذهبتما إلى أبي هريرة فأخبرتماه قال فلقينا أبا
هريرة عند باب المسجد فقال له أبي إن الأمير عزم علينا في أمر لنذكره لك فقال (97) وما هو قال فحدثه أبي قال فتلون وجه أبي هريرة ثم قال هكذا حدثني الفضل بن عباس وهن أعلم قال الزهري فحول الحديث إلى غيره (98) قال عبد الرزاق وأخبرنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن يحيى بن جعدة أخبره عن عبد الله بن عمر بن عبد القاري أنه سمع أبا هريرة يقول ورب هذا البيت ما أنا قلت من أدركه الصبح جنبا فليفطر ولكن محمد قاله (99) قال ابن جريج قلت لعطاء أيبيت الرجل جنبا في شهر رمضان حتى يصبح يتعمد ذلك ثم يصوم قال أما أبو هريرة فكان ينهى عن ذلك وأما عائشة فكانت تقول ليس بذلك بأس فلما اختلفا على عطاء قال يتم صوم يومه ذلك ويبدل يوما (100) قال أبو عمر قد ثبت أن أبا هريرة لم يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف عليه فيمن أخبره بذلك ففي رواية سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمان عنه أنه قال أخبرنيه مخبر (101) ولم يسم أحدا وفي رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد
42

الرحمان عن أبي هريرة أنه قال أخبرني بذلك الفضل بن عباس (وكذلك روى جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي هريرة أنه قال أخبرني بذلك الفضل بن عباس) (102) وكذلك رواه يعلى بن عتبة وعكرمة بن خالد وعبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمان كلهم عن أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي هريرة أن قال حدثنيه الفضل بن عباس ورواه المقبري عن أبي هريرة قال ابن عباس حدثنيه ورواه عمر بن أبي بكر ابن عبد الرحمان عن أبيه عن جده عن عائشة فساق الخبر وقال فأخبرت أبا هريرة فقال هي أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منا إنما أسامة بن زيد حدثني بذلك ذكره النسائي عن جعفر بن مسافر عن أبن أبي فديك عن ابن أبي ذئب (103) عن عمر بن أبي بكر بن عبد الرحمان ورواه أبو حازم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحرث ابن هشام عن أبيه عن أبي هريرة بهذا الحديث وفيه قال مروان لعبد الرحمان عزمت عليك لما أتيته فحدثته أعن رسول الله صلى الله عليه وسلم تروي هذا قال لا إنما حدثني فلان وفلان فرجعت إلى مروان فأخبرته ذكره النسائي عن عمرو بن علي عن فضيل بن سليمان عن أبي حازم عن عبد الملك بن أبي بكر والرواية الأولى عن عبد الملك بن أبي بكر رواها ابن جريج عنه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد وإسماعيل بن إسحاق قالا حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن أبي جريج قال حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبيه أنه سمع أبا
43

هريرة يقول من أصبح جنبا فلا يصم فانطلق أبو بكر (وأبوه عبد الرحمان فدخلوا على أم سلمة وعائشة فكلتاهما قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من غير حلم ثم يصوم فانطلق أبو بكر) (104) وعبد الرحمان حتى أتيا أبا هريرة فأخبراه قال هما قالتاه لكما قالا نعم قال هما أعلم إنما حدثنيه أو أنبأنيه الفضل بن عباس (105) أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال أخبرني أحمد بن عثمان ومعاوية بن صالح قالا حدثنا خالد ابن مخلد قال حدثنا يحيى بن عمير قال سمعت المقبري يقول كان أبو هريرة يفتي الناس أنه من يصبح جنبا فلا يصوم ذلك اليوم فبعثت إليه عائشة لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا من أهله ثم يصوم فقال ابن عباس حدثنيه قال أبو عمر رجع أبو هريرة عن فتياه هذه (106) إذا بلغه عن عائشة وأم سلمة حديثهما في ذلك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب أخبرنا عمر (107) بن قيس عن عطاء ابن ميناء عن أبي هريرة أنه قال كنت حدثتكم من أصبح جنبا فقد أفطر فإنما ذلك من كيس أبي هريرة فمن أصبح جنبا فلا يفطر
44

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد ويحيى قالا حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة ترك فتياه بعد ذلك حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب أخبرنا سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رجع عن قوله ذلك قبل موته أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال أخبرنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال حدثني أبي عن جدي قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عمر أنه احتلم ليلا في رمضان فاستيقظ قبل أن يطلع الفجر ثم نام قبل أن يغتسل فلم يستيقظ حتى أصبح قال فلقيت أبا هريرة حين أصبحت فاستفتيته فقال تفطر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالفطر إذا أصبح الرجل جنبا قال عبيد الله فجئت عبد الله بن عمر فذكرت له الذي أفتاني أبو هريرة قال أقسم بالله لئن أفطرت لأوجعن متينك فإن بدالك فصم يوما آخر قال أبو عمر لم يختلف فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق في الصائم في رمضان وغيره يصبح جنبا أنه يصوم ذلك اليوم ويجزيه وروي عن بعض التابعين أنهم كانوا يستحبون لمن أصبح جنبا في رمضان أن يصوم ذلك اليوم ويبدله ومال إليه الحسن بن صالح بن حي وهو
45

قول لا يصح في النظر ولا من جهة الأثر وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء على وجهة في هذه المسألة ووجوهها في باب أبي طوالة من هذا الكتاب والحمد لله وذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه قال من أدركه (108) الصبح جنبا وهو متعمد لذلك أبدل الصيام ومن أتى (109) ذلك على غير عمد لم (110) يبدله (111) وروي عن علي وابن عمر وابن مسعود وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وابن عباس لا يبدله وهؤلاء فقهاء الصحابة وهم القدوة مع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية عائشة وأم سلمة في ذلك وبالله التوفيق =
حديث حادي عشر لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي بكر ابن عبد الرحمان عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما قالتا إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم (112)
46

روى هذا الحديث قوم عن أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبيه عن عائشة وأم سلمة ولا معنى لذكر أبيه فيه لأنه شهد القصة مع أبيه كلها عند أبي هريرة وعند عائشة وأم سلمة وهذا محفوظ من رواية سمي وغيره جماعة وبالله التوفيق
حديث ثاني عشر لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبي بكر ابن عبد الرحمان عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال تقووا لعدوكم وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قال الذي حدثني لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج (113) يصب الماء على رأسه (114) من العطش أو من الحر ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكديد (1159 دعا بقدح فشرب فأفطر الناس (116) هذا حديث مسند صحيح ولا رق بين أن يسمي التابع الصاحب الذي حدثه أو لا يسميه في وجوب العمل بحديثه لأن الصحابة كلهم عدول مرضيون ثقات أثبات ومما أمر مجتمع عليه عند أهل العلم بالحديث
47

وقد روي معنى هذا الحديث من وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس وجابر وأبي سعيد الخدري وقد ذكرناها في باب حميد الطويل ومنها ما ذكرنا في باب ابن شهاب وفي هذا الحديث من الفقه الصيام في السفر في رمضان لأن سفره هذا عام الفتح كان في رمضان لا خلاف في ذلك وفي صومه صلى الله عليه وسلم رمضان في سفره إبطال قول من قال لا يصوم أحد رمضان في السفر وجعل الفطر عزمة من الله لقوله عز وجل * (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * (117) يقول إن المسافر لا يصوم في سفره لأن الله أراد منه صيام أيام أخر وهذا قول يروى عن عبيدة وسويد بن غفلة وكان أبو مجاز يقول لا يسافر أحد في رمضان فإن سافر ولا بد فليصم وفي هذا الحديث وشبهه مما تقدم ذكرنا له في باب ابن شهاب عن عبيد الله ما يبطل هذا التأويل وعلى إجازة الصوم في السفر في رمضان وغيره جماعة فقهاء الأمصار حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة في رمضان حين فتح مكة فصام حتى أتى عسفان (118) ثم دعا بماء أو أتي بماء فشرب فكان ابن عباس يقول من شاء صام ومن شاء أفطر
48

وفي هذا الحديث وشبهه بطلان قول من قال الصائم في السفر كالمفطر في الحضر وهو قول شاذ هجره الفقهاء كلهم يروى عن عبد الرحمان بن عوف والسنة ترده وقد ذكرنا كثيرا من معاني هذا الحديث في باب حميد وباب ابن شهاب عن عبيد الله من هذا الكتاب واتفق الفقهاء في المسافر في رمضان أنه لا يجوز له أن يبيت الفطر لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية وإنما يكون مسافرا بالعمل والنهوض في سفره وليست النية في السفر كالنية في الإقامة لأن المسافر إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين لأن الإقامة لا تفتقر إلى علم والمقيم إذا نوى أن يسافر لم يكن مسافرا حتى يأخذ في السفر ويعمل عمل المسافر ويبرز عن الحضر فيجوز له حينئذ تقصير الصلاة وأحكام المسافر ولا خلاف بينهم في الذي يؤمل السفر أنه لا يجوز له أن يفطر في الحضر حتى يخرج واختلف أصحاب مالك في هذا إن أفطر قبل أن يخرج فذكر ابن سحنون عن عبد الملك بن الماجشون أنه قال إن سافر فلا شيء عليه من الكفارة وإن لم يسافر عليه الكفارة قال وقال أشهب لا شيء عليه من الكفارة سافر أو لم يسافر قال وقال سحنون عليه الكفارة سافر أو لم يسافر وهو بمنزلة المراة تقول غدا تأتيني (119) حيضتي فتفطر لذلك ثم رجع إلى قول عبد الملك وقال ليس مثل المرأة لأن الرجل يحدث السفر إذا شاء والمرأة لا تحدث الحيضة وقال ابن حبيب إن كان قد تأهب لسفره وأخذ في سبب الحركة فلا شيء عليه ز وحكي ذلك عن اصبغ وعن ابن الماجشون فإن عاقه عن السفر عائق كان عليه الكفارة وحسبه أن ينجو إن سافر
49

وروى عيسى عن ابن القاسم أنه ليس عليه إلا قضاء يوم لأنه متأول في فطره واختلف الفقهاء في الذي يصبح في الحضر صائما في رمضان ثم يسافر في صبيحة يومه ذلك وينهض في سفره هل له أن يفطر ذلك اليوم أم لا فذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم إلى أن لا يفطر ذلك اليوم بحال وهو قول الزهري ويحيى بن سعيد والأوزاعي وبه قال أبو ثور واختلفوا إن فعل فكلهم قال يقضي ولا يكفر وروي عن بعض أصحاب مالك أنه يقضي ويكفر وهو قول ابن كنانة والمخزومي وليس قولهما هذا بشيء لأن الله قد أباح له الفطر في الكتاب والسنة وإنما قولهم لا يفطر استحبابا لتمام ما عقده فإن أخذ برخصة الله كان عليه القضاء وأما الكفارة فلا وجه لها ومن أوجبها فقد أوجب ما لم يوجبه الله وروي عن ابن عمر في هذه المسألة أنه يفطر إن شاء في يومه ذلك إذا خرج مسافرا وهو قول الشعبي وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق قال أحمد يفطر إذا برز عن البيوت وقال إسحاق يفطر حين يضع رجله في الرحل وهو قول داود وقال الحسن البصري يفطر في بيته إن شاء يوم يريد أن يخرج قال أبو عمر قول الحسن شاذ ولا ينبغي لأحد أن يفطر وهو حاضر لا في نظر ولا في أثر وقد روي عن الحسن خلاف ذلك ذكر عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن يقول لا يفطر ذلك اليوم إلا أن يشتد عليه العطش فإن خاف على نفسه أفطر (120) وقال إبراهيم لا يفطر ذلك اليوم
50

واختلفوا في الذي يختار الصوم في السفر فيصوم ثم يفطر نهارا من غير عذر فكان مالك يوجب عليه القضاء والكفارة وقد روي عنه أنه لا كفارة عليه وهو قول أكثر أصحابه إلا عبد الملك فإنه قال إن أفطر بجماع كفر لأنه لا يقوى بذلك على سفره ولا عذر له وعلى ذلك مذاهب سائر الفقهاء بالحجاز والعراق أنه لا كفارة عليه وروى البويطي عن الشافعي قال إن صح حديث الكديد لم أر بأسا أن يفطر المسافر بعد دخوله في الصوم في سفره وروى المديني عنه كقول مالك أنه لا يرى الكفارة على من فعل ذلك قال أبو عمر الحجة في سقوط الكفارة واضحة من جهة النظر لأنه متأول غير هاتك لحرمة صومه عند نفسه وهو مسافر قد دخل في عموم إباحة الفطر ومن جهة الأثر أيضا حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي حدثنا عبد الله بن يوسف التميمي حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن عطية بن قيس عن قزعة بن يحيى عن أبي سعيد الخدري قال آذننا (121) رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بالرحيل لليلتين خلتا من رمضان فخرجنا صواما حتى بلغنا الكديد فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر وأصبح الناس شرجين (122) منهم الصائم ومنهم المفطر حتى إذا بلغنا الظهران آذننا (123) بلقاء العدو وأمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعين
51

حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال أخبرنا محمد بن حاتم (124) وأخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان فصام حتى أتى قديدا فأتي بقدح من لبن فشرب فأفطر هو وأصحابه وحدثنا محمد بن إبراهيم قال
حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد ابن شعب قال أخبرنا محمد بن قدامة عن جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء فشرب نهارا يراه الناس ثم أفطر حتى أتى مكة (125) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الأعلى عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين والناس مختلفون فصائم ومفطر فلما استوى على راحلته دعا بإناء من ماء قال فوضعه على راحلته ثم نظر الناس فقال المفطرون للصوام أفطروا وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث قال حدثني ابن الهادي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصاح الناس فبلغه أن الناس قد شق عليهم الصيام فدعا بقدح من بعد العصر فشرب والناس ينظرون فأفطر بعض الناس وصام بعض فبلغه أن ناسا صاموا فقال أولئك العصاة
52

فهذه الآثار كلها تبين لك أن للصائم أن يفطر في سفره بعد دخوله في الصوم مختارا له في رمضان وفيها دليل على أن الفطر أولى إن شاء الله وقد تقدم ذكر اختلاف العلماء في الأفضل من ذلك في باب حميد الطويل ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر قال الزهري فكان الفطر آخر الأمرين (126) قال وأخبرنا (127) معمر عن أيوب عن نافع قال كان ابن عمر لا يصوم في السفر قال وما رأيته صام في السفر قط إلا يوما واحدا فإني رأيته أفطر حين أمسى فقلت له أكنت صائما قال نعم كنت أرى أني سأدخل مكة اليوم فكرهت أن يكون الناس صياما وأنا مفطر وذلك في رمضان واختلفوا في المسافر يكون مفطرا في سفره ويدخل الحضر في بقية من يومه ذلك فقال مالك والشافعي وأصحابهما وهو قول ابن عليه وداود في المرأة تطهر والمسافر يقدم وقد أفطروا في السفر أنهما يأكلان ولا يمسكان قال مالك والشافعي ولو قدم مسافر في هذه الحال فوجد امرأته قد طهرت جاز له وطؤها قال الشافعي أحب لهما أن يستترا بالأكل والجماع (128) خوف التهمة وروى الثوري عن أبي عبيد عن جابر بن زيد أنه قدم من سفر في شهر رمضان فوجد المرأة قد اغتسلت من حيضتها (129) فجامعها وروي عن ابن مسعود أنه قال من أكل أول النهار فليأكل آخره
53

قال سفيان هو كصنيع جابر بن زيد ولم يذكر سفيان عن نفسه خلافا لهما وقال ابن علية القول ما قال ابن مسعود من أكل أول النهار فليأكل آخره وقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن في المرأة تطهر في بعض النهار والمسافر يقدم وقد أفطر في سفره أنهما (130) يمسكان بقية يومهما وعليهما القضاء واحتج لهم الطحاوي بأن قال لم يختلفوا أن من غم عليه هلال رمضان فأكل ثم علم أنه يمسك عما يمسك عنه الصائم قال فكذلك الحائض والمسافر وفرق ابن شبرمة بين الحائض والمسافر فقال في الحائض تأكل ولا تصوم إذا طهرت بقية يومها والمسافر إذا قدم ولم يأكل شيئا يصوم يومه ويقضي قال أبو عمر قد روى ابن جريج عن عطاء في الذي يصبح مفطرا في أول يوم من رمضان يظنه من شعبان فيأكل ثم يأتيه الخبر الثبت أنه رمضان أنه يأكل ويشرب بقية يومه إن شاء ولا نعلم (131) أحدا قاله غير عطاء والله أعلم وقد مضى القول في كثير من معاني هذا الباب في باب ابن شهاب عن عبيد الله من هذا الكتاب والحمد لله رب التوفيق
54

حديث ثالث عشر لسمي مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمان يقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني كنت تجهزت للحج فاعترض لي فقال لها (132) رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمري في رمضان فإن عمرة فيه كحجة (133) هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة للموطأ (وهو مرسل في ظاهره إلا أنه قد صح أن أبا بكر سمعه من تلك المرأة فصار) (134) مسندا بذلك والحديث صحيح مشهور من رواية أبي بكر وغيره وفيه من الفقه تطوع النساء بالحج وهذا إذا كانت الطرق مأمونة وكان مع المرأة ذو محرم أو كانت في جماعة نساء يعين بعضهن بعضا وينبغي أن ينضم الرجل إليهن عند الركوب والنزول وفيه أن الأعمال قد يفضل بعضها بعضا في أوقات وأن الشهور بعضها أفضل من بعض (والعمل في بعضها أفضل من بعض) (135) وأن شهر رمضان مما يضاعف فيه عمل البر وذلك دليل على عظيم فضله وفيه أن الحج أفضل من العمرة وذلك والله أعلم لما فيه من زيادة المشقة في العمل والانفاق وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عمرة في رمضان تعدل حجة من وجوه كثيرة من حديث علي بن أبي طالب وأنس وابن عباس ووهب بن خنيش وأبي طليق وأم معقل وهو حديثها وقد قيل أم سنان (والأشهر أم عقيل) (136) وأحسنها
55

إسنادا حديث ابن عباس فمن أسانيد هذا الحديث المسند (137) ما رواه عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمان عن امرأة من بني أسد بن خزيمة يقال لها أم معقل قالت قلت يا رسول الله إني أردت الحج فضل جملي أو قالت بعيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة فيه تعدل حجة هكذا قال الزهري في اسم المرأة أم معقل وهو المشهور المعروف (138) وقد تابعه على ذلك جماعة وقد ذكرناها في كتاب الصحابة (139) وذكرنا الاختلاف فيه هناك (140) بما يغني عن ذكره ههنا حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن نافع قال حدثنا إسحاق بن أحمد حدثنا سعيد بن عبد الرحمان حدثنا عبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء قال سمعت ابن عباس يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار إذا كان شهر رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة قال ابن جريج وسمعت داود بن عاصم (141) يحدث هذا الحديث عن أبي بكر بن عبد الرحمان وقال اسم المرأة أم سنان حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحداد قال حدثنا محمد بن محمد بن سليمان وعبد الجبار السمرقندي قالا حدثنا محمد ابن الوزير الواسطي قال حدثنا إسحاق الأزرق عن سفيان الثوري عن إبراهيم
56

ابن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام أنه كان رسول مروان إلى (142) أم معقل يسألها عن الحديث فقالت كان علي حجة وكان أبو معقل يعني زوجها قد أعد بكرا له في سبيل الله في بني كعب فسألته البكر فذكر لي ما صنع فيه قالت فسألته من (143) صرام النخل فقال قوت أهلي فذكرت ذلك النبي صلى الله
عليه وسلم فقال ادفع إليها البكر فلتحج عليه فإنه في سبيل الله قالت وقد كان حج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا فقال يا رسول الله إني قد كبرت وعلي حجة فما يجزي منها فقال عمرة في رمضان تجزيك من حجتك (144) وحدثنا عبد الرحمان بن مروان حدثنا الحسن بن يحيى (145) حدثنا ابن الجارود حدثنا عبد الله بن هشام حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني عطاء قال سمعت ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ما منعك أن تحجي معنا العام قالت يا نبي الله إنه كان لنا ناضحان فركب أبو فلان وابنه تعني زوجها وابنها ناضحا وترك ناضحا ننضح عليه الماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإن (146) كان رمضان فاعتمري فيه فإن عمرة فيه تعدل حجة أو قال كحجة وأخبرنا إبراهيم بن شاكر حدثنا محمد بن أحمد حدثنا محمد بن أيوب حدثنا أحمد بن عمرو البزار حدثنا أحمد بن عبدة حدثنا يزيد بن زريع
57

حدثنا حبيب المعلم عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمرة في رمضان تعدل حجة قال أبو عمر أحسن الناس سياقة لهذا الحديث محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل عن يوسف بن عبد الله بن سالم حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عمرة (147) الطائي وحدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو ابن منصور قال حدثنا محمد بن سنجر واللفظ لحديثه وهو أتم قالا حدثنا أحمد بن خالد الوهبي قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عيسى بن معقل بن أم معقل الأسدي أسد خزيمة قال حدثني يوسف بن عبد الله بن سلام عن جدته أم معقل قالت لما حج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أمر الناس أن يتهيئوا معه قالت ففعلوا قالت وأصابتنا هذه القرحة الحصبة أو الجدري قالت فدخل علينا من ذلك ما شاء الله أن يدخل فأصابني مرة وأصاب أبا معقل فأما أبو معقل فهلك فيها قالت وكان لنا جمل ننضح عليه نخلات فكان هو الذي يريد أن يحج عليه قالت فجعله أبو معقل في سبيل الله وشغلنا بما أصابنا وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من حجته جئته (148) حين تماثلت من وجعي فدخلت فقال يا أم معقل ما منعك أن تخرجي معنا في وجهنا هذا قالت يا نبي الله لقد تهيأ لنا ذلك فأصابتنا هذه القرحة فهلك فيها أبو معقل وأصابني فيها (149) مرضي هذا حتى صححت
58

منه وكان لنا جمل هو الذي يريد أن نخرج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله قال فهلا خرجت عليه فإن الحج من سبل الله إذا فاتتك هذه الحجة معنا فاعتمري عمرة في رمضان فإنها كحجة (150) قالت وكانت تقول الحج حجة والعمرة عمرة وقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك والله ما أدري (151) أخاصة لي لما فاتني من الحج أم هي للناس عامة (152) قال يوسف فحدثت بهذا الحديث مروان بن الحكم وهو أمير المدينة زمن معاوية فقال من سمع هذا الحديث معك قلت ابنها معقل بن أبي معقل وهو رجل صدق فأرسل إليه فحدثه بمثل ما حدثني قال فقيل لمروان إنها حية في دارها فوالله ما اطمأن إلى حديثنا حتى ركب إليها في الناس فدخل عليها (153) فحدثته هذا الحديث وحدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا ابن سنجر حدثنا أحمد بن خالد حدثنا محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن الحرث بن أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام عن أبيه قال كنت في الناس مع مروان حين دخل عليها فسمعناها (154) تحدث بهذا الحديث قال فكان أبو بكر لا يعتمر إلا في العشر الأواخر من رمضان لذلك من حديث أم معقل حدثنا محمد بن خليفة حدثنا محمد بن المنكدر عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال بعثني مروان بن الحكم إلى رجل من الأنصار أسأله عن العمرة في رمضان فجئته فحدثني أن
59

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ولامرأته اعتمرا في شهر رمضان فإن عمرة فيه كحجة قال أبو عمر القول في هذا الحديث قول ابن إسحاق والله أعلم وقد حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد ابن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال حدثني ابن أم معقل الأسدية قال قالت أمي يا رسول الله إني أريد الحج وجملي أعجف فقال اعتمري في رمضان فإن عمرة في رمضان كحجة ورواه الأسود بن يزيد عن أم معقل أخبرنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن محمد بن بدر قال حدثنا الحسن ابن حماد قال حدثنا علي بن عابس عن أبي إسحاق عن الأسود عن أم معقل قالت أردت أن أحج فقلت لأبي معقل أعطني بكرك فأحج عليه أو تمر نخلك فأبى علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمري في رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة وقد روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث أم معقل هذا حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن نافع قال حدثنا إسحاق بن أحمد قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا إبراهيم بن سويد عن هلال بن يسار عن انس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة في رمضان كحجة وقد ذكرنا حكم من اعتمر في رمضان فحل من عمرته في شوال وأحكام التمتع ووجوها في باب ابن شهاب عن محمد بن عبد الله والحمد لله
60

شريك بن عبد الله بن أبي نمر الليثي لمالك عنه حديثان أحدهما مرسل كان صالح الحديث وهو في عداد الشيوخ ليس به بأس روى عنه جماعة من الأئمة منهم سعيد بن أبي سعيد المقبري ومالك بن أنس والثوري ومحمد بن عمرو بن علقمة وأبو ضمرة أنس ابن عياض وتوفي سنة أربع وأربعين ومائة (1)
حديث أول لشريك مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك أنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة قال فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تهدمت البيوت وانقطعت السبل وهلكت المواشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ظهور الجبال والآكام (2) وبطون الأودية ومنابت الشجر قال فانجابت عن المدينة انجياب الثوب (3)
61

في هذا الحديث الفزع إلى الله وإلى من ترجى دعوته عند نزول البلاء وفيه أن ذكر ما نزل ليس بشكوى إذا كان على الوجه المذكور وفيه الدعاء في الاستسقاء (4) وفيه ما عليه بنو آدم من قلة الصبر عند البلاء ألا ترى سرعة شكواهم بالماء بعد الحاجة إليه وذلك معنى قول الله عز وجل إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا (5) وفيه إباحة الدعاء في الاستصحاء كما يدعى في الاستسقاء وفيه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخلق العظيم في إباحة كل
من دعاه إلى ما أراد ما لم يكن إثما وقد ذكرنا أحكام الاستسقاء والصلاة فيها والقراءة وسائر سننها في باب عبد الله بن أبي بكر من هذا الكتاب وروى هذا الحديث الليث عن سعيد المقبري عن شريك عن أنس قال بينا نحن في المسجد (يوم) (6) الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قام رجل فقال يا رسول الله انقطعت (7) السبل وهلكت الأموال وأجدبت البلاد فادع الله أن يسقينا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حذاء وجهه وقال اللهم اسقنا وذكر نحو حديث مالك إلا أنه قال اللهم حوالينا ولا علينا ولكن الجبال ومنابت الشجر قال فتمزق السحاب فما نرى منه شيئا ورواه إسماعيل بن جعفر عن شريك عن أنس مثله بأتم معنى وأحسن سياقة وفي آخر حديثه قال شريك سألت أنسا الرجل الذي أتاه آخرا هو الرجل الأول قال لا
62

ورواه ثابت وحميد وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة كلهم عن أنس بمعنى حديث شريك هذا حدثنا إبراهيم بن شاكر حدثنا عبد الله بن محمد ابن عثمان حدثنا سعيد بن خمير وسعيد بن عثمان قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا النصر بن محمد قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثنا أبو رميل قال حدثني ابن عباس قال استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمطر الناس حتى سالت قناة أربعين يوما فأصبح الناس منهم من يقول لقد صدق كذا ومنهم من يقول هذه رحمه وضعها الله أخبرنا أحمد بن قاسم ومحمد بن إبراهيم قالا حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إبراهيم بن موسى بن جميل قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا نصر بن علي قال أخبرنا الأصمعي قال أخبرنا عبد الله بن عمرو بن السعدي (8) سعد بن بكر عن أبيه قال شهدت عمر بن الخطاب يستسقي فجعل يستغفر قال فجعلت أقول فيم حرج له ولا أشعر أن الاستسقاء هو الاستغفار قال فقلدتنا السماء قلدا كل خمس عشرة حتى رأيت الأرنبة تأكلها صغار الإبل من وراء حقاق العرفط قال قلت ما حقاق العرفط قال ابنا سنتين و ثلاث قال نصر قال الأصمعي الأرنبة شجرة صغيرة يقول فطالت من الأمطار حتى صارت الإبل كلها تتناولها من فوق شجر العرفط ويروى هذا الخبر عن مسلم الملائي عن انس بغير هذا قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أتيناك وما لنا صبي يغط (9) ولا بعير يئط (10) وأنشد
63

* أتيناك والعذراء (11) تدمي لبانها (12
* وقد شغلت أم الصبي عن الطفل
* والقى بكفيه وخر استكانة
* من الجوع موتا (13) ما يمر وما يحلي (14
*
* ولا شيء مما يأكل الناس عندنا
* سوى الحنظل العامي (15) والعلهز (16) الغسل (17
* وليس لنا إلا إليك فرارنا
* وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
* فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فرفع يديه ثم قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا طبقا نافعا غير ضار عاجلا غير رايث وكذلك تخرجون قال فما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حتى التقت السماء بأبراقها وجاء أهل البطاح يضجون الغرق الغرق فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم حوالينا ولا علينا فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالإكليل
64

فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه من ينشدنا قوله فقال علي أنا يا رسول الله
* لعلك تريد وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
* ثمال (18) اليتامى عصمة للأرامل (19
*
* يطيف (20) به (21) الهلاك من آل هاشم
* فهم عنده في نعمة وفواضل
* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فقام رجل من كنانة فقال يا رسول الله إن يك شاعر أحسن فقد أحسنت أخبرناه خلف بن قاسم أخبرنا محمد بن أحمد بن بحير القاضي حدثنا إبراهيم بن محمد بن صدقة الواسطي ابن ابنة خالد الطحان حدثنا أحمد بن رشدين بن خيثم عن مسلم الملائي عن انس بن مالك فذكره قال القاضي قال لنا إبراهيم اللبان الصدر والحنظل العامي الذي له عام والعلهز لا أعرفه وهكذا قال الشيخ وأظنه العنقز وهو أصول البردي وأما قوله بعير يئط فالأطيط الصوت وغدقا كثيرا وطبقا يطبق الأرض وذكر أبو عبد الله محمد بن زكرياء بن دينار الغلابي قال حدثنا العباس ابن بكار قال حدثنا عيسى بن يزيد عن موسى بن عقبة أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أجدبت عليه السنة فقال يا رسول الله إنه مرت بنا سنون كسني يوسف فادع الله لنا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنبر يجر
65

رداءه وحوله على كتفه ثم قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا (مريئا مريعا (22) فما استتم الدعاء حتى استقلت سحابة تمطر سحا (23) فلم تزل كذلك حتى قدم أهل الأسافل يصيحون الغرق الغرق فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لله أبو طالب لو كان حاضرا لقرت عيناه أما منكم أحد ينشدني شعره فقام علي بن أبي طالب فقال لعلك تريد يا رسول الله وقوله
* وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
* ربيع اليتامى عصمة للأرامل
* فقال نعم فقال الأعرابي وكان من مزينة
* لك الحمد والحمد ممن شكر
* سقينا بوجه النبي المطر
*
* دعا ربه المصطفى دعوة
* فأسلم معها إليه النظر
* فلم يك إلا أن القى الرداء
* وأسرع حتى رأينا الدرر
* ولم يرجع الكف عند الدعاء
* إلى النحر حتى أفاض الغدر
* سحاب وما في أديم السماء
* سحاب يراه الحديد البصر
* فكان كما قاله عمه
* وأبيض يسقى به ذو غدر
* به ينزل الله غيث السماء
* فهذا العيان لذاك الخبر
* فمن يشكر الله يلق المزيد
* ومن يكفر الله يلق الغير
* ليس هذا البيت في رواية الغلابي قال موسى بن عقبة فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم براحلتين وكساه ثوبا
66

وأما قوله الآكام فهي الكداء والجبار الصغار من التراب الواحدة أكمة ومنابت الشجر مواضع المرعى حيث ترعى البهائم وانجياب الثوب انقطاع الثوب يعني الخلق يقول صارت السحابة قطعا وانكشفت عن المدينة كما ينكشف الثوب عن الشيء يكون عليه
حديث ثان لشريك بن أبي نمر مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال سمع قوم الإقامة فقاموا يصلون فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصلاتان معا اصلاتان معا وذلك في صلاة الصبح في الركعتين اللتين قبل الصبح (24) لم تختلف الرواة عن مالك في إرسال هذا الحديث فيما علمت إلا ما رواه الوليد بن مسلم فإنه رواه عن مالك عن شريك عن أنس حدثناه خلف ابن القاسم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي حدثنا أحمد بن عمير بن جوصاء (25) حدثنا محمد بن وزير حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا مالك عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعوا الإقامة فقاموا يصلون فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصلاتان معا
67

ورواه الدراوردي عن شريك فأسنده عن أبي سلمة عن عائشة حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين أقيمت الصلاة صلاة الصبح فرأى ناسا يصلون فقال أصلاتان معا وروى نحو هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سرجس وابن بحينة وأبو هريرة أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر أخبرنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فصلى الركعتين ثم دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فلما انصرف قال يا فلان أيتهما صلاتك التي صليت وحدك أو التي صليت معنا (26) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن شعبة عن سعد بن إبراهيم عن حفص بن عاصم عن ابن بحينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي ركعتين قبل الصبح والمؤذن يقيم فلما فرغ من صلاته الاث به وقال أتصلي الصبح أربعا قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم أصلاتان معا وقوله لهذا الرجل أيتهما صلاتك وقوله في حديث ابن بحينة أتصليهما أربعا كل ذلك إنكار منه صلى الله عليه وسلم لذلك الفعل فلا يجوز لأحد أن يصلي في المسجد ركعتي الفجر ولا شيئا فيمن
68

النوافل إذا كانت المكتوبة قد قامت وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما هو أصح من هذا وعليه المعول (27) في هذه المسألة عند أهل العلم وذلك قوله عليه السلام إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (28) يعني التي أقيمت وهذا يوضح معنى أصلاتان معا ويفسره وهو حديث صحيح رواه عمرو بن دينار عن عطاء
بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك رواه ابن جريج وحماد بن سلمة وحسين المعلم وزياد بن سعد وورقاء وأيوب السختياني وزكرياء بن إسحاق مرفوعا وقد وقفه قوم من رواته على أبي هريرة والقول قول من رفعه وهو حديث ثابت ظاهر المعنى وبالله التوفيق أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا حماد بن سلمة قال أبو داود وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن ورقاء قال وحدثنا الحسن بن علي قال حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال وحدثنا الحسن قال حدثنا يزيد بن هارون عن حماد بن زيد عن أيوب قال وحدثنا محمد بن المتوكل قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا زكرياء بن إسحاق كلهم عن عمرو ابن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة (29) أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا علي ابن عبد العزيز قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
69

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثنا عامر بن محمد قال حدثنا محمد بن زنبور قال حدثنا فضيل بن عياض قال حدثنا زياد بن سعد عن عمرو بن دينار عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة وقد روى هذا الحديث أبو سلمة عن أبي هريرة من وجه صحيح أيضا حدثناه خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران قال حدثنا عمارة بن وثيمة بن موسى بن الفرات قال حدثنا أبو صالح عبد الغفار ابن داود الحراني قال حدثنا الليث بن سعد عن عبد الله بن عياش بن عباس عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة التي أقيمت وفي هذا الباب أيضا حديث جابر وحديث ابن عباس واختلف الفقهاء في الذي لم يصل ركعتي الفجر وأدرك الإمام في الصلاة أو دخل المسجد ليصليهما فأقيمت الصلاة فقال مالك إذا كان قد دخل المسجد فليدخل مع الإمام ولا يركعهما وإن كان لم يدخل المسجد فإن لم يخف أن يفوته الإمام بركعة فليركع خارج المسجد ولا يركعهما في شيء من أفنية المسجد التي تصلى فيها الجمعة اللاصقة بالمسجد وإن خاف أن تفوته الركعة الأولى مع الإمام فليدخل وليصل معه ثم يصليهما إذا طلعت الشمس إن أحب ولأن يصليهما إذا طلعت الشمس أحب إلي وأفضل من تركهما وقال الثوري إن خشي فوت ركعة دخل معهم ولم يصلهما وإلا صلاهما وإن كان قد دخل المسجد وقال الأوزاعي إذا دخل المسجد يركعهما إلا أن يوقن أنه إن فعل فاتته الركعة الآخرة فأما الركعة الأولى فيركع وإن فاتته
70

وقال الحسن بن حي إذا أخذ المقيم في الإقامة فلا تطوع إلا ركعتي الفجر وقال أبو حنيفة وأصحابه إن خشي أن تفوته الركعتان ولا يدرك الإمام قبل رفعه من الركوع في الثانية دخل معه وإن رجا أن يدرك ركعة صلى ركعتي الفجر خارج المسجد ثم يدخل مع الإمام قال أبو عمر اتفق هؤلاء كلهم على أنه يركع ركعتي الفجر والإمام يصلي منهم من راعى (فوت الركعة الأولى ومنهم راعى) (30) الثانية ومنهم من اشترط الخروج عن المسجد (ومنهم من لم يباله على حسبما) (30) ذكرنا عنهم وحجتهم أن ركعتي الفجر من السنن المؤكدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليها إلا أن من أصحاب مالك من قال هما من الرغائب وليسا من السنن وهذا قول ضعيف لا وجه له وكل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فسنة وآكد ما يكون من السنن ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليه ويندب إليه ويأمر به ومن الدليل على تأكيدهما أنه صلاهما حين نام عن صلاة الصبح في سفره بعد طلوع الشمس وهذا (31) غاية في تأكيدهما ولا أعلم خلافا بين (علماء) (32) المسلمين في أن ركعتي الفجر من السنن المؤكدة إلا ما ذكر ابن عبد الحكم وغيره من أصحابنا أنهما من الرغائب وهذا لا يفهم ما هو وأعمال البر كلها مرغوب فيها وأفضلها ما واظب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وسنها ولم يختلف عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أضاء له الفجر صلى ركعتين قبل صلاة الصبح وأنه لم يترك ذلك حتى
71

مات فهذا عمله وقالت عائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتي الفجر وقال صلى الله عليه وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها (33) أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قالا حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن ابن جريج قال حدثني عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح (34) وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا بكر حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها قال أبو عمر فاحتج من قدمنا قوله من الفقهاء وأصحابهم بهذه الآثار وما كان مثلها في تأكيد ركعتي الفجر قالوا هي سنة مؤكدة فإذا أمكن الإتيان بهما وإدراك ركعة من الصبح فلا معنى لتركهما لأنه لا تفوت الصلاة من أدرك ركعة منها وقال منهم آخرون إذا لم تفته الركعة الأولى من صلاة الصبح فلا بأس أن يصليهما في المسجد وقال مالك وأبو حنيفة خارج المسجد لأن النهي (35) المذكور عندهم في حديث ابن بحينة وعبد الله بن سرجس مع قوله أصلاتان معا يحتمل أن يكون ذلك لأنه جمع بين الفريضة والنافلة في موضع واحد كما نهى من
72

صلى الجمعة أن يصلي بعدها تطوعا في مقام واحد حتى يتقدم أو يتكلم هذا ما نزع به الطحاوي وهو شيء عندي ليس بالقوي ومن حجة مالك وأبي حنيفة أيضا في أن يصليهما خارج المسجد إن رجا أن يدرك ما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن زيد ابن أسلم عن ابن عمر أنه جاء (36) والإمام يصلي صلاة الصبح ولم يكن صلى الركعتين قبل صلاة الصبح فصلاهما في حجرة حفصة ثم إنه صلى مع الإمام فهذا ابن عمر قد صلاهما بعد أن أقيمت المكتوبة خارج المسجد وهو قول مالك وأبي حنيفة وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال إذا دخل الرجل المسجد والقوم يصلون فلا
يصلي الركعتين قبل الغداة ولكن ليصلهما خارجا على دكان أو على شيء وهذا مثله أيضا ومن حجة الثوري والأوزاعي في أن يصليهما في المسجد إذا رجا أن يدرك صلاة الصبح مع الإمام ما روي عن عبد الله بن مسعود أنه دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فصلى إلى أسطوانة في المسجد ركعتي الفجر ثم دخل في الصلاة بمحضر من حذيفة وأبي موسى قالوا وإذا (37) جاز أن يشتغل بالنافلة عن المكتوبة خارج المسجد جاز له ذلك في المسجد
73

وقال الشافعي من دخل في المسجد وقد أقيمت الصلاة صلاة الصبح فليدخل مع الناس ولا يركع ركعتي الفجر ومن قوله أنه إذا أقيمت الصلاة دخل مع الإمام ولم يركعهما لا خارج المسجد ولا في المسجد وكذلك قال الطبري لا يتشاغل أحد بنافلة بعد إقامة الفريضة وقال أبو بكر الأثرم سئل أحمد بن حنبل وأنا أسمع عن الرجل يدخل المسجد والإمام في صلاة الصبح ولم يركع الركعتين فقال يدخل في الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة واحتج أيضا بقوله أصلاتان معا قال أحمد ويقضيهما (38) من الضحى قيل له فإن صلاهما بعد سلامه وفراغه من صلاة الفجر فقال يجزيه وأما أنا فأختار أن يصليهما من الضحى ثم قال حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن نافع قال كان ابن عمر يصليهما من الضحى قال أبو بكر الأثرم وحدثنا (39) عفان قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا سلمة بن عائشة قال وقال محمد بن سيرين (40) كانوا يكرهون أن يصلوهما إذا أقيمت الصلاة وقال محمد ما يفوته من المكتوبة أحب إلي منهما قال أبو عمر قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة التي أقيمت رواه أبو سلمة عن أبي هريرة وعطاء بن يسار عن أبي هريرة والحجة عند التنازع السنة فمن أدلى بها فقد أفلح ومن استعملها فقد نجا وما توفيقي إلا بالله
74

((باب الهاء هلال بن أسامة وهو هلال بن أبي ميمونة))
قال مصعب هو مولى عامر بن لؤي قال أبو عمر روى عنه مالك فقال هلال بن أسامة وروى عنه يحيى بن أبي كثير وزياد بن سعد فقالا هلال بن أبي ميمونة وروى عنه فليح بن سليمان فقال هلال بن علي وقيل إنه هلال بن علي بن أسامة وأبوه يكنى أبا ميمونة وبه يعرف بالكنية وهو بها أشهر (1) لمالك عنه حديث واحد اختصره من حديثه الطويل مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن لي جارية كانت ترعى غنما لي فجئتها وقد فقدت شاة فسألتها عنها فقالت أكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بني آدم فلطمت حر (2) وجهها وعلي رقبة أفأعتقها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله فقالت في السماء فقال من أنا فقالت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها (3)
75

هكذا قال مالك في هذا الحديث عن هلال عن عطاء عن عمر بن الحكم لم يختلف الرواة عنه في ذلك وهو وهم عند جميع أهل العلم بالحديث وليس في الصحابة رجل يقال له عمر بن الحكم وإنما هو معاوية ابن الحكم كذلك قال فيه كل من روى هذا الحديث عن هلال وغيره ومعاوية ابن الحكم معروف في الصحابة وحديثه هذا معروف له وقد ذكرناه في الصحابة ونسبناه (4) فأغنانا عن ذكر ذلك ههنا وأما عمر بن الحكم فهو من التابعين وهو عمر بن الحكم بن أبي الحكم وهو من بني عمرو بن عامر من الأوس وقيل بل هو حليف لهم وكان من ساكني المدينة توفي بها سنة سبع عشرة ومائة وهو عم والد عبد الحميد بن جعفر الأنصاري وعمر بن الحكم بن سنان لأبيه صحبة وعمر بن الحكم بن ثوبان هؤلاء ثلاثة من التابعين كلهم يسمى عمر بن الحكم وهم مدنيون وليس فيهم من له صحبة ولا من يروى عنه عطاء بن يسار وليس في الصحابة أحد يسمى عمر بن الحكم وإنما هذا معاوية بن الحكم لا شك فيه حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن أيوب قال سمعت أحمد بن عمر والبزار يقول روى مالك عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم السلمي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فوهم فيه وإنما الحديث لعطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال أبو بكر وليس أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عمر بن الحكم وقال أحمد بن خالد ليس أحد يقول فيه عمر بن الحكم غير مالك وهم فيه
76

وكذلك رواه أصحابه جميعا عنه قال وإنما يقول ذلك مالك في حديثه عن هلال بن أسامة وقد رواه عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن معاوية بن الحكم السلمي كما رواه الناس قال أبو عمر حديثه هذا من رواية يحيى عن مالك مختصر من حديث فيه طول وقد ذكره بأكمل من هذا عن مالك قوم منهم عبد الله بن يوسف وابن بكير وكذلك رواه قتيبة أيضا والشافعي عن مالك بتمامه فيه ذكر الكهان والطيرة وقد روى مالك بعض ذلك الحديث عن الزهري عن أبي سلمة عن معاوية بن الحكم السلمي فذكر أمر الكهان (ولم يذكر أمر الجارية وقال فيه في روايته عن ابن شهاب معاوية بن الحكم) (5) والطيرة كما قال الناس وإنما قال مالك عمر بن الحكم في حديثه عن هلال بن أسامة ولم يتابعه أحد على ذلك وكل من رواه عن هلال قال فيه معاوية بن الحكم وهو الصواب وبالله التوفيق قرأت على أحمد بن عبد الله بن محمد أن الميمون بن حمزة الحسيني حدثهم قال حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم أنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن جارية لي كانت ترعى غنما لي فجئتها وقد فقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت أكلها الذئب فأسفت عليها وكنت امرأ من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة أفأعتقها قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله قالت في السماء قال فمن أنا قالت أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر
77

يا رسول الله أشياء كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان فقال النبي صلى الله عليه وسلم فلا تأتوا الكهان قال عمر وكنا نتطير قال إنما ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم قال الطحاوي سمعت المزني يقول قال الشافعي مالك بن أنس يسمي هذا الرجل عمر بن الحكم وإنما هو معاوية بن الحكم قال الطحاوي وهو كما قال الشافعي وقال الطحاوي وقال مالك هلال بن أسامة وإنما هو هلال بن علي غير أن قائلا قال هو هلال بن علي بن أسامة فإن كان كذلك فإنما نسبه مالك إلى جده حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد حدثنا يوسف ابن يزيد حدثنا عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا مالك عن هلال بن أسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم أنه قال
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن لي جارية كانت ترعى غنما فجئتها ففقدت شاة من الغنم فسألتها عنها فقالت أكلها الذئب فأسفت عليها وكنت من بني آدم فلطمت وجهها وعلي رقبة أفأعتقها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين الله قالت في السماء قال من أنا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فقال عمر يا رسول الله أشياء كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تأتوا الكهان قال وكنا نتطير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يضركم حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا الحسن ابن عبد الله الزبيدي قال حدثنا أبو محمد بن عبد الله بن الجارود قال أخبرنا عبد الله بن عبد الحكم أن ابن وهب أخبره قال أخبرنا مالك عن هلال بن اسامة عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث
78

قال أبو محمد بن الجارود وكذلك حدثناه محمد بن يحيى عن مطرف عن مالك عن هلال عن عطاء عن عمر بن الحكم قال أبو محمد وليس هو عمر بن الحكم إنما هو معاوية بن الحكم وهو خطأ من مالك وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمان عن معاوية بن الحكم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطيرة فقال شيء يجده أحدكم فلا يصدنكم وأخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو الطاهر عن ابن وهب قال أخبرني مالك بن أنس وابن أبي ذئب ويونس بن يزيد وابن سمعان عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن معاوية بن الحكم السلمي قال قلت يا رسول الله أمور كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان قال فلا تأتوا الكهان (6) قال قلت كنا نتطير قال ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم فهذا مالك يقول في هذا الحديث عن ابن شهاب عن معاوية بن الحكم كما سمعه منه وحفظه عنه ولو سمعه كذلك من هلال لأداه كذلك والله أعلم وربما كان هذا من هلال إلا أن جماعة رووه عن هلال فقالوا فيه معاوية بن الحكم والله أعلم حدثنا محمد بن عبد الملك وعبيد بن محمد قالا حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين وأخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد ابن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قالا حدثنا محمد بن عبد الله ابن سنجر الجرجاني قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني
79

يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال قلت يا رسول الله إنا كنا حديث عهد بجاهلية فجاء الله بالإسلام وإن رجالا منا يتطيرون قال ذلك شيء يجدونه في صدروهم فلا يضرهم قال يا رسول الله ورجالا منا يأتون الكهان قال فلا تأتوهم قال يا رسول الله ورجالا منا يخطون قال كان نبي الله يخط فمن وافق خطه فذاك قال وبينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فحذفني القوم بأبصارهم فقلت أمياه إنكم تنظرون إلي قال فضربوا على أفخاذهم فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت قال فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه والله ما ضربني ولا كهرني ولا سبني ولكن قال إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وتلاوة القرآن قال ثم اطلعت غنيمة لي ترعاها جارية لي في ناحية أحد فوجدت الذئب قد أصاب منها شاة وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون فصككتها صكة ثم انصرفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعظم علي قال فقلت يا رسول الله فهلا أعتقها قال ائتيني بها قال فجئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها أين الله فقالت في السماء فقال من أنا فقالت أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها مؤمنة (7) فأعتقها (8) قال أبو عمر معاني هذا الحديث واضحة يستغنى عن الكلام فيها وأما قوله أين = الله فقالت في السماء فعلى هذا أهل الحق لقول الله عز وجل
80

* (أمنتم من في السماء) * 9 ولقوله * (إليه يصعد الكلم الطيب) * 10 ولقوله * (تعرج الملائكة والروح إليه) * 11 ومثل هذا في القرآن كثير قد أتينا عليه في باب ابن شهاب في حديث النزول (12) وفيه رد على المعتزلة وبيان لتأويل قول الله عز وجل * (الرحمن على العرش استوى) * 13 ولم يزل المسلمون في كل زمان إذا دهمهم أمر وكربهم غم يرفعون وجوههم وأيديهم إلى السماء رغبة إلى الله عز وجل في الكف عنهم حدثنا أحمد بن عمر حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أحمد بن خالد حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا أبو عبيد قال سمعت ابن علية يحدث عن سعيد الجريري قال حدثت أن أبا الدرداء ترك الغزو عاما فأعطى رجلا صرة فيها دراهم فقال انطلق فإذا رأيت رجلا يسير من القوم ناحية في هيأته بذاذة فادفعها إليه قال ففعل فرفع رأسه إلى السماء وقال اللهم لم تنس حديدا فاجعل حديدا لا ينساك قال فرجع الرجل إلى أبي الدرداء فأخبره فقال ولي النعمة ربها وقد مضى في هذا المعنى ما فيه كفاية وبيان في باب ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر وأبي سلمة من هذا الكتاب (14)
81

مالك عن هاشم بن هاشم حديث واحد وهو هاشم (1) بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص معروف مشهور النسب شريف وقيل فيه هاشم بن هاشم بن هاشم وقال بعضهم إنه معروف النسب مجهول في نفسه وهذا عندي ليس بشيء وقد روى عنه مالك والدراوردي وشجاع بن الوليد أبو بدر السكوني وأبو ضمرة أنس بن عياض ومكي بن إبراهيم وأبو أسامة ومروان الفزاري (2) ذكره أبو حاتم الرازي وغيره ويروي هاشم بن هاشم عن سعيد بن المسيب وعامر بن سعد وعائشة بنت طلحة وعبد الله بن نسطاس (3) وحديث مالك عنه مالك عن هاشم بن هاشم بن عقبة بن أبي وقاص عن عبد الله ابن نسطاس عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حلف على منبري آثما تبوأ مقعده من النار (4) قال مصعب الزبيري عبد الله بن نسطاس يروي عن أبيه عن جابر ونسطاس مولى أبي بن خلف كان جاهليا
82

لم يختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث ومتنه إلا أن أكثر الرواة عن مالك يقولون فيه من حلف على منبري هذا بيمين آثمة كذا قال ابن بكير وابن القاسم والقعنبي وغيرهم وقال يحيى من حلف على منبري آثما والمعنى واحد وفيه اشتراط الإثم فالوعيد لا يقع إلا مع تعمد الإثم في اليمين واقتطاع حق المسلم بها وهذا المعنى موجود في هذا الحديث وفي حديث العلاء على ما مضى في بابه من هذا الكتاب ومذهبنا في الوعيد أنه غير نافذ في هذا وفي كل ما أوعد الله أهل الإيمان عليه النار والعذاب فإن
الله بالخيار في عبده المذنب إن شاء أن يغفر له غفر (5) وإن شاء أن يعذبه عذبه لقول الله عز وجل * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * 6 والتوبة تمحو السيئات كلها كفرا كانت أو غير ذلك قال الله عز وجل * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (7) إلا أن حقوق الآدميين لا بد فيها من القصاص بالحسنات والسيئات وقد بينا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا (هذا) (8) والحمد لله وأما اليمين على منبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من المنابر فقد اختلف العلماء في ذلك فذهب ذاهبون إلى أن اليمين عند المنبر وفي الجامع لا يكون في أقل من ربع دينار أو ثلاثة دراهم فإذا (9) كان ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو قيمة ذلك عرضا فما زاد كانت اليمين فيه في مقطع الحق بالجامع من ذلك البلد وهذه جملة مذهب مالك قال مالك يحلف المسلم في
83

القسامة واللعان وفيما له بال من الحقوق يريد ربع دينار فصاعدا في جامع بلده في أعظم مواضعه وليس عليه التوجه إلى القبلة هذه رواية ابن القاسم وروى ابن الماجشون عن مالك أنه يحلف قائما مستقبل القبلة ولا يعرف مالك اليمين عند المنبر إلا منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط يحلف عنده في ربع دينار فأكثر قال مالك ومن أبى أن يحلف عند المنبر فهو كالناكل عن اليمين ويجلب في أيمان القسامة عند مالك من كان من عمل مكة إلى مكة فيحلف بين الركن والمقام ويجلب في ذلك إلى المدينة من كان من عملها فيحلف عند المنبر ومذهب الشافعي في هذا الباب كمذهب مالك في المنبر بالمدينة وبين الركن والمقام بمكة في القسامة واللعان وأما في الحقوق فلا يحلف عنده عند المنبر في أقل من عشرين دينارا وذكر عن سعيد بن سالم القداح عن ابن جريج عن عكرمة قال أبصر عبد الرحمان بن عوف قوما يحلفون بين المقام والبيت فقال أعلى دم قيل لا قال أفعلى عظيم من الأمر قيل لا قال لقد خشيت أن يتهاون الناس بهذا المقام هكذا رواه الزعفراني عن الشافعي يتهاون الناس ورواه المزني والربيع في كتاب اليمين مع الشاهد فقالا فيه (لقد) (10) خشيت أن يبهأ الناس بهذا المقام وهو الصحيح عندهم ومعنى يبهأ يأنس الناس به يقال بهأت به أي أنست به ومنبر النبي صلى الله عليه وسلم في التعظيم مثل ذلك لما ورد فيه من الوعيد على من حلف عنده بيمين آثمة تعظيما له وذكر حديث مالك عن هاشم بن هاشم وحديث مالك عن داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري (11) قال اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع إلى مروا بن الحكم في دار فقضى باليمين على زيد بن ثابت
84

على المنبر فقال زيد أحلف له مكاني فقال له مروان لا والله لا والله إلا عند مقاطع الحقوق فجعل زيد يحلف إن حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر فجعل مروان يعجب (12) من ذلك (13) قال مالك كره زيد صبر اليمين قال الشافعي وبلغني أن عمر بن الخطاب حلف على المنبر في خصومة كانت بينه وبين رجل وأن عثمان رضي الله عنه ردت عليه اليمين على المنبر فاقتدى منها وقال أخاف أن توافق قدر بلاء فيقال بيمينه قال الشافعي واليمين على المنبر ما لا اختلاف (14) فيه عندنا بالمدينة ومكة في قديم ولا حديث قال الشافعي فعاب قولنا هذا عائب ترك فيه موضع حجتنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار بعده عن أصحابه (15) وزعم أن زيد بن ثابت كان لا يرى اليمين على المنبر وأنا روينا ذلك عنه وخالفناه إلى قول مروان بغير حجة قال الشافعي هذا مروان يقول لزيد وهو عنده (من) (16) أحظى أهل زنانه وأرفعهم منزلة لا والله إلا عند مقاطع الحقوق قال فما منع زيد بن ثابت لو (لم) (17) يعلم أن اليمين على المنبر حق أن يقول مقاطع الحقوق مجلس الحكم كما قال أبو حنيفة وأصحابه ما كان زيد ليمتنع من أن يقول لمروان ما هو أعظم من هذا وقد قال له أتحل الربا يا مروان فقال مروان أعوذ بالله وما هذا قال فالناس يتبايعون الصكوك قبل أن يقبضوها فبعث مروان الحرس ينتزوعونها من أيدي الناس فإذا كان مروان لا
85

ينكر على زيد بهذا (18) فكيف ينكر عليه في نفسه أن يقول لا تلزمني اليمين على المنبر لقد كان زيد من أعظم أهل المدينة في عين مروان وآثرهم عنده ولكن زيدا علم أن ما قضى به مروان هو الحق وكره أن يصبر يمينه على المنبر قال الشافعي وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي نقل الحديث فيه كأنه تكلف لاجتماعنا على اليمين عند المنبر قال وقد روى الذين خالفونا في هذا حديثا يثبتونه عندهم عن منصور عن الشعبي وعن عاصم الأحول عن الشعبي أن عمر جلب قوما من اليمن فأدخلهم الحجر فأحلفهم فإن كان هذا ثابتا عن عمر فكيف أنكروا علينا أن يحلف من بمكة بين الركن والمقام ومن بالمدينة على المنبر ونحن لا نجلب أحدا من بلده ولو لم يحتج عليهم بأكثر من روايتهم أو بما احتجوا به علينا عن زيد لكانت الحجة بذلك لازمة فكيف والحجة فيها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بعده وهو الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا وذكر حديث أبي بكر الصديق في قصة قيس بن مكشوح فقال أخبرني من أثق به عن الضحاك بن عثمان عن المقبري عن نوفل بن مساحق العامري عن المهاجر بن أبي أمية قال كتب إلي أبو بكر أن أبعث إليه بقيس بن مكشوح في وثاق فبعثت به إليه فجعل قيس يحلف ما قتل دادويه وأحلفه أبو بكر خمسين يمينا مرددة عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله ما قتله ولا علم له قاتلا ثم عفا عنه وذكر حديث مالك عن هاشم بن هاشم المذكور في هذا الباب بمثل (19) لفظ ابن بكير وابن القاسم والقعنبي سواء
86

حدثنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا محمد بن سعد قال حدثنا أبو ضمرة قال حدثني هاشم بن هاشم بن عتبة الزهري عن عبد الله بن نسطاس قال سمعت جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحلف رجل على يمين آثمة عند هذا المنبر إلا يتبوأ مقعده من النار ولو على سواك أخضر (20) وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا مكي بن إبراهيم قال حدثنا هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبد الله بن نسطاس مولى كثير بن الصلت عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حلف من غير سبب على منبري هذا ولو كان سواكا أخضر تبوأ مقعده من النار ففي هذه الآثار دليل على أن اليمين تكون على المنبر لا في مجلس الحكم واختلف الفقهاء في اليمين على المنبر وفي مقدار ما يحلف عليه عند المنبر على حسبما قدمنا ونزيد ذلك بينا فنقول مذهب مالك وأصحابه (أن) (21) لا يحلف على المنبر في مسجد من المساجد الجوامع إلا على منبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأما ما عداها فيحلف في الجامع ويحلف قائما ولا يحلف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في المسجد الجامع بغيره من البلدان إلا في ثلاثة دراهم فصاعدا ولا يحلف في القسامة والدماء والحقوق التي تكون بين الناس إلا في المسجد الجامع دون المنبر من ذلك
المصر إلا بالمدينة فإنه يحلف في القسامة واللعان على منبر النبي صلى الله عليه وسلم وفي ثلاثة دراهم فصاعدا
87

وقال الشافعي من أدعى مالا أو أدعي عليه (22) فوجبت اليمين في ذلك نظر فإن كان عشرين دينارا فصاعدا فإن كان بالمدينة حلف على منبر النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان بمكة حلف بين الركن والمقام إذا كان ما يدعيه المدعي عشرين دينارا فصاعدا قال ويحلف في ذلك على الطلاق والحدود كلها وجراح العمد صغرت أو كبرت وجراح الخطأ إن بلغ أرشها عشرين دينارا قال ولو أخطأ الحاكم في رجل عليه اليمين على منبر النبي صلى الله عليه وسلم (23) أو بين الركن والمقام فأحلفه في مكان آخر بمكة أو بالمدينة ففيها قولان أحدهما أن لا تعاد عليه اليمين والآخر أن تعاد عليه واختار كثير من الصحابة أن لا تعاد عليه قال الشافعي وإن كان ذلك في بيت المقدس أحلفناه في مواضع الحرمة من مسجدها وأقرب المواضع من أن يعظمها قياسا على الركن والمقام (والمنبر) (24) قال ولا يجلب أحد من بلد به حاكم إلى مكة ولا إلى المدينة ويحكم عليه حاكم بلده وقال مالك لا يجلب إلى المدينة للإيمان من بعد عنها إلا في الدماء أيمان القسامة قال مالك ويحلف الناس في غير المدينة في مسجد الجماعات ليعظم ذلك قال أبو عمر قد مضى في هذا الباب عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما جلبا إلى المدينة ومكة في الإيمان في الدماء فقول مالك في ذلك أولى لما جاء عنهما وبالله التوفيق
88

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يجب الاستحلاف عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم على أحد ولا بين الركن والمقام على أحد في قليل الأشياء ولا في كثيرها ولا في الدماء ولا في غيرها = ولكن الحكام يستحلفون من وجبت عليه اليمين في مجالسهم (25)
89

هشام بن عروة بن الزبير بن العوام أبو المنذر وكان أحد الحفاظ الثقات العدول أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن الحسن الأنصاري حدثنا الزبير بن أبي بكر القاضي أخبرني عيسى بن سعيد بن زاذان عن المنذر بن عبد الله قال رويت الشعر ثلاث عشر سنة قبل أن أروي الحديث فلقي أبي هشام بن عروة فقال له إن ابنك يروي الشعر قال نعم قال فأرسله إلي فقال لي أبي اغد إلى هشام بن عروة فإنه قد استزارك وهو بالعقيق فأخذت حمارا وذهبت إليه فسلمت وجلست فقال بلغني أنك تروي الشعر فلأي العرب أنت أروى قلت لبني سليم قال فتروي لفلان كذا ولفلان كذا فجعل ينشدني لشعراء من بني سليم لم أكن سمعت بهم ثم قال لي يا ابن أخي اطلب الحديث فمن ذلك اليوم رويت الحديث قال الزبير وحدثني مصعب بن عثمان عن المنذر بن عبد الله قال ما سمعت من هشام بن عروة رفثا قط إلا يوما واحدا فإن رجلا من أهل البصرة كان يلزمه فقال له يا أبا المنذر نافع مولى ابن عمر كان يفضل أباك على أخيه عبد الله فقال كذب والله نافع وما يدري نافع عاض بظر (1) أمه عبد الله والله خير وأفضل من عروة
90

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد ابن زهير قال سمعت مصعب بن عبد الله يقول هشام بن عروة أبو المنذر قال وأمه أم ولد خراسانية اسمها صافية قال أحمد بن زهير وسمعت يحيى ابن معين يقول عمر بن عبد العزيز وهشام بن عروة والأعمش ولدوا في سنة إحدى وستين قال ورأيت في كتاب علي بن المديني سمعت يحيى بن سعيد يقول كان هشام بن عروة يخضب بالحمرة قال يحيى ومات هشام بن عروة بعد الهزيمة يعني هزيمة إبراهيم كأنه يريد السنة التي بعدها وكانت الهزيمة سنة خمس وأربعين ومائة قال وسمعت يحيى بن معين يقول مات هشام بن عروة سنة ست وأربعين ومائة وقال المدائني توفي هشام بن عروة سنة سبع وأربعين ومائة بعد خروج إبراهيم وكان محمد وعده أن يوليه المدينة وقال الطبري كان هشام بن عروة من ساكني المدينة وقدم بغداد في آخر عمره فمات بها في سنة ست وأربعين ومائة بعد أن هزم إبراهيم بن عبد الله فدفن في مقبرة الخيزران وقيل مات بالكوفة سنة ثمان وأربعين ومائة وقيل توفي هشام بن عروة سنة ست أو خمس وأربعين ومائة وهو ابن ست وتسعين سنة وولد سنة خمسين كل هذا قد قيل في مولده ووفاته رحمه الله وقال يحيى بن معين قال هشام بن عروة رأيت ابن سهل بن سعد وابن عمر وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك قال هشام ومسح ابن عمر على رأسي ودعا لي وقبلني قال ورأيت عبد الله بن عمر وله جمة أو قال وفرة وذكر الزبير قال أخبرني عثمان بن عبد الرحمان قال قال أمير المؤمنين المنصور لهشام بن عروة حين دخل عليه هشام يا أبا المنذر تذكر يوم دخلت عليك إنا وإخوتي مع أبي الخلائف وأنت تشرب سويقا بقعبة يراع فلما خرجنا من عندك قال لنا أبونا اعرفوا لهذا الشيخ حقه فإنه لا
91

يزال في قومكم بقية ما يقي فقال هشام لا أذكر يا أمير المؤمنين فلما خرج قيل له يذكرك أمير المؤمنين ما تمت به إليه فتقول لا أذكره فقال لم أكن أذكر ولم يعودني الله في الصدق إلا خيرا قال وحدثني عمي مصعب بن عبد الله عن جدي عبد الله بن مصعب عن هشام بن عروة قال وضع عندي محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وصيته قال الزبير توفي هشام بن عروة بمدينة السلام عند أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور في صحابته سنة ست وأربعين وصلى عليه المنصور وكبر عليه أربعا وكبر على مولى خمسا وذلك في وقت واحد (2) لمالك عن هشام بن عروة من مرفوعات الموطأ ستة وخمسون حديثا منها ستة وثلاثون مسندة متصلة وسائرها مراسيل تستند من وجوه صحاح أحاديث عروة عن عائشة
حديث أول لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل (3) يديه ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه ثم يفيض الماء على جلده كله (4)
92

في هذا الحديث كيفية غسل المغتسل من الجنابة وهو من أحسن حديث روي في ذلك وفيه فرض وسنة فأما السنة فالوضوء قبل الاغتسال من الجنابة ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كذلك كان يفعل إلا أن المغتسل من الجنابة إذا لم يتوضأ وعم جميع جسده ورأسه ويديه ورجليه وسائر بدنه بالماء وأسبغ ذلك وأكمله بالغسل ومرور يديه فقد أدى ما عليه إذا قصد الغسل ونواه وتم غسله لأن الله عز وجل إنما فرض على الجنب الغسل دون الوضوء بقوله عز وجل * (ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) * 5 وقوله * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * 6 وهذا إجماع لا خلاف فيه بين العلماء إلا أنهم مجمعون أيضا على استحباب الوضوء قبل الغسل للجنب تأسيا
برسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه أعون على الغسل وأهذب فيه وأما بعد الغسل فلا وروى أيوب السختياني هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مثل رواية مالك إلا أن في روايته فيخلل أصول شعره مرتين أو ثلاثا ثم يفرغ الماء على سائر جسده فإن بقي في الإناء شيء صبه عليه فقال أيوب فقلت لهشام فغسل رجليه فقال وضوءه للصلاة وضوءه للصلاة يعني كفاه من ذلك وهذا الوضوء قبل الغسل لا بعده حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة (7)
93

وروى جميع بن عمير والقاسم بن محمد والأسود بن يزيد عن عائشة وصفها غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجنابة نحو حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بمعنى واحد متقارب وفي حديث جميع بن عمير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرار ونحن نفيض على رؤوسنا خمسا من أجل الضفر (8) وأما حديث ميمونة في صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثنا عبد الله ابن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب قال حدثنا ابن عباس عن خالته ميمونة قالت وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا يغتسل به من الجنابة فأكفأ الإناء على يده اليسرى فغسلها مرتين أو ثلاثا ثم صب على فرجه فغسل فرجه بشماله ثم ضرب بيده الأرض فغسلها ثم مضمضم واستنشق وغسل وجهه ويديه ثم صب على رأسه وجسده ثم تنحى ناحية فغسل رجليه فناولته المنديل فلم يأخذه وجعل ينفض الماء عن جسده قال الأعمش فذكرت ذلك لإبراهيم فقال كانوا لا يرون بالمنديل بأسا ولكن كانوا يكرهون العادة (9) هذا الحديث لصحته يرد ما رواه شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه كان إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه سبعا وفرجه سبعا وشعبة هذا ليس بالقوي (10) وقد روي عن ابن عمر قال كانت الصلاة خمسين والغسل من الجنابة سبع مرات وغسل الثوب من البول سبع مرات فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا والغسل من الجنابة مرة وغسل
94

الثوب من البول مرة (11) وإسناد هذا الحديث أيضا عن ابن عمر فيه ضعف ولين وإن كان أبو داود قد خرجه وخرج الذي قبله عن شعبة مولى ابن عباس (12) وأما قوله في حديث عائشة يتوضأ وضوءه للصلاة فيحتمل أنها أرادت بدأ بمواضع الوضوء والدليل على ذلك أنه ليس في شيء من الآثار الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في غسل الجنابة أنه أعاد غسل تلك الأعضاء ولا إعادة المضمضة ولا الاستنشاق وأجمع العلماء على أن ذلك كله لا يعاد من أوجب منهم المضمضة والاستنشاق ومن لم يوجبها وقد مضى القول في ذلك في باب زيد بن وأسلم (13) والحمد لله واختلف قول مالك في تخليل الجنب لحيته في غسله من الجنابة فروى ابن القاسم عنه أنه قال ليس ذلك عليه وروى أشهب عنه أن عليه تخليل لحيته من الجنابة قال ابن عبد الحكم وهو أحب إلينا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل شعره في غسل الجنابة واختلاف الفقهاء في ذلك على هذين القولين وفي حديث عائشة هذا ما يشهد لصحة قول من رأى التخليل لأن قولها فيه فيدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره يقتضي عمومه شعر لحيته ورأسه وإن كان الأظهر فيه شعر رأسه والله أعلم واختلف العلماء في الجنب يغتسل في الماء ويعم جسده ورأسه كله بالغسل أو ينغمس في الماء ويعم بذلك جميع جسده دون أن يتدلك فالمشهور من مذهب مالك أنه لا يجزيه حتى يتدلك لأن الله أمر الجنب
95

بالاغتسال كما أمر المتوضئ بغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ولم يكن بد للمتوضئ من إمرار يديه مع الماء على وجهه وعلى يديه فكذلك جميع جسد الجنب ورأسه في حكم وجه المتوضئ وحكم يديه وهذا قول المزني واختياره وفي بعض روايات حديث ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل جسده من الجنابة وقال أبو الفرج وهذا هو المعقول من لفظ الغسل لأن الاغتسال في اللغة هو الافتعال ومتى لم يمر يديه فلم يفعل غير صب الماء ولا يسميه أهل اللسان غاسلا بل يسمونه صابا للماء ومنغمسا فيه قال وعلى نحو ذلك جاءت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تحت كل شعرة جنابة فبلوا واغسلوا الشعر وأنقوا البشرة (14) قال وإنقاؤه والله أعلم لا يكون إلا لمتبعه على حد ما ذكرناه قال أبو الفرج وتخريج هذا عندي والله أعلم أنه لما كان المعتاد من المنغمس في الماء وصابه عليه أنهما لا يكادان يسلمان من تنكب الماء مواضع المبالغة المأمور بها وجب لذلك عليهما أن يمرا أيديهما قال فأما إن طال مكث الإنسان في ماء أو والى بين صبه عليه من غير أن يمر يديه على بدنه فإنه ينوب له عن إمرار يديه قال وإلى هذا المعنى والله أعلم ذهب مالك رحمه الله هذا كله قول أبي الفرج وقد عاد إلى جواز الغسل للمنغمس في الماء إذا أسبغ وعم وعلى ذلك جماعة الفقهاء وجمهور العلماء وقد روي ذلك عن مالك أيضا نصا أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا مسلمة بن القاسم قال حدثنا محمد بن زبان قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا مروان بن محمد قال سألت مالك بن أنس عن رجل اغتمس في ماء وهو جنب ولم يتوضأ وصلى
96

قال مضت صلاته فهذه الرواية فيها أنه لم يتدلك ولا توضأ وقد أجزأه عند مالك لكن المعروف من مذهبه ما وصفنا من التدلك وقد روي عن الحسن وعطاء مثل ذلك وروي عنهما خلافه ذكر دحيم عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال إذا اغتسلت من الجنابة فادلك جلدك وكل شيء نالته يدك قال وحدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن الزهري في الجنب ينغمس في نهر قال يجزيه قال وحدثنا أبو حفص أنه سأل الأوزاعي عن جنب طرح نفسه في نهر وهو جنب لم يزد على أن انغمس مكانه قال يجزيه وعن الشعبي ومحمد بن علي وعطاء والحسن البصري قالوا إذا اغتمس الجنب في نهر اغتماسة أجزأه وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري والأزاعي يجزي الجنب إذا انغمس في الماء وإن لم يتدلك وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق وداود والطبري ومحمد بن عبد الحكم وهو قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وحماد بن أبي سليمان وعطاء كل هؤلاء يقول إذا انغمس في الماء وقد وجب عليه الوضوء فعم الماء أعضاء الوضوء ونوى بذلك الطهارة أجزه وحجتهم أن كل من صب عليه الماء فقد اغتسل والعرب تقول غسلتني السماء وقد حكت عائشة وميمونة صفة غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكرا فيه التدلك ولو كان واجبا ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه المبين عن الله مراده ولو فعله لنقل عنه كما نقل تخليل أصول الشعر بالماء وغرفه على رأسه
وغير ذلك من صفة غسله ووضوئه صلى الله عليه وسلم ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن رجل يقال له عاصم أن رهطا أتوا عمر بن الخطاب فسألوه عن الغسل من الجنابة فقال أما الغسل
97

فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اغسل رأسك ثلاث مرات وادلكه ثم أفض الماء على جلدك (15) وأما غسل المرأة رأسها في الجنابة وصفة غسلها من ذلك فقد جاء عن عائشة ما ذكرنا من قولها وأما نحن فنفيض على رؤوسنا خمسا من أجل الضفر وقد أنكرت على عبد الله بن عمرو أمره النساء أن ينقضن رؤوسهن عند الغسل وقالت ما كنت أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث غرفات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أيوب عن أبي (الزبير) (16) عن عبيد (17) بن عمير عن عائشة أنه بلغها عن عبد الله بن عمرو (18) وفي حديث أم سلمة أنها قالت يا رسول الله أأنقض رأسي عند الغسل فقال يكفيك أن تصبي على رأسك ثلاث مرات (19) وقال سعيد بن المسيب لكل صبة عصرة وقال مالك اغتسال المرأة من الحيض كاغتسالها من الجنابة ولا تنقض رأسها قال أبو عمر قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخلل أصول شعره في غسله ويتبع ذلك بصب الماء عليه (20) فالواجب على كل ذي شعر من رجل أو امرأة أن يعتقد ذلك حتى يوصل الماء إلى البشرة ويجرى عليها لقوله صلى الله عليه وسلم تحت
98

كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر ويروى فأرووا الشعر وأنقوا البشرة (21) فإن وصل الماء إلى جلد الرأس فلا وجه لنقض الشعر حينئذ حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا (22) من النار قال علي فمن ثم عاديت رأسي ثلاثا وكان يجز شعره (23) وكان ابن عيينة يقول في تأويل الحديث وأنقوا البشر إنه أراد غسل الفرج وتضاعيفه وأنه كنى بالبشرة عن الفرج وما رأيت هذا التفسير لغير ابن عيينة وقال ابن وهب ما رأيت أعلم بتفسير الأحاديث من ابن عيينة وحديث فابلوا الشعر وأنقوا البشرة يدور على الحرث بن وجيه وهو ضعيف حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا نصر بن علي قال حدثنا الحرث بن وجيه قال حدثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وانقوا البشر (24) قال أبو داود هذا حديث ضعيف (25) وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو حذيفة أحمد بن محمد بن علي الدينوري قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان قال حدثنا نصر بن علي
99

الجهضمي قال حدثنا الحرث بن وجيه عن مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم تحت كل شعرة جنابة فأبلوا الشعر وأنقوا البشر وذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم قال سمعت علي بن حسين يقول ما مس الماء منك وأنت جنب فقد طهر ذلك المكان (26) واختلف الفقهاء في الغسل للجنابة وفي الوضوء من غير نية فقال مالك وربيعة والشافعي والليث وداود والطبري وأحمد وأبو ثور وإسحاق وأبو عبيد لا يجزئ الطهارة للصلاة والغسل من الجنابة ولا التيمم إلا بنية وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (27) وقال الله عز وجل * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (28) والإخلاص النية في التقرب إليه والقصد بأداء ما افترض على المؤمن وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري تجزئ كل طهارة بماء بغير نية ولا يجزئ التيمم إلا بنية وقال الأوزاعي والحسن بن حي يجزئ الوضوء والتيمم بغير نية وروى أبو المغيرة عبد القدوس عن الأوزاعي وسئل عن رجل يعلم أحدا التيمم ولا ينوي التيمم لنفسه فحضرت الصلاة قال يصلي بتيممه كما لو توضأ وهو لا ينوي الصلاة كان طاهرا وروى عبد الله بن المبارك والفريابي وعبد الرزاق عن الثوري قال إذا علمت الرجل التيمم لم يجزك إلا أن يكون نويته وإن علمته الوضوء أجزأك وإن لم تنوه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه
100

واختلف عن زفر في التيمم بغير نية فروي عنه مثل قول الحسن بن حي والأوزاعي وروي عنه مثل قول أبي حنيفة والثوري في الفرق بين الوضوء والتيمم وحجة من أسقط النية ولم يراعها في الوضوء بالماء أن الوضوء ليس فيه فرض ونافلة فيحتاج المتوضئ فيه إلى نية قالوا وإنما يحتاج إلى النية فيما فيه من الأعمال فرض ونفل ليفرق بالنية بين ذلك واما الوضوء فهو فرض للنافلة والفريضة ولا يصنعه أحد إلا لذلك فاستغنى عن النية قالوا وأما التيمم فهو بدل من الوضوء فلا بد فيه من النية ومن جمع في ذلك بين التيمم والوضوء فحجته في ذلك واحدة ومن حجتهم أيضا الإجماع على إزالة النجاسات من الأبدان والثياب بغير نية وهي طهارة واجبة فرضا عندهم قالوا فكذلك الوضوء قال أبو عمر القول الصحيح قول من قال لا تجزئ طهارة إلا بنية وقصد لأن المفروضات لا تؤدى إلا بقصد أدائها ولا يسمى الفاعل على الحقيقة فاعلا إلا بقصد منه إلى الفعل ومحال أن يتأدى عن المرء ما لم يقصد إلى أدائه وينويه بفعله وأي تقرب يكون من غير متقرب ولا قاصد والأمر في هذا واضح لمن ألهم رشده ولم تمل به عصبيته واختلف الفقهاء فيمن اغتسل للجمعة وهو جنب ولم يذكر جنابته فقالت طائفة تجزيه لأنه اغتسل للصلاة واستباحتها وليس عليه مراعاة الحدث ونوعه كما ليس عليه أن يراعي حدث البول من الغائط من الريح وغير ذلك من الأحداث وإنما عليه أن يتوضأ للصلاة فكذلك الغسل للصلاة يوم الجمعة تجزيه من الجنابة وإلى هذا ذهب المزني صاحب السافعي فهو قول جماعة من أصحاب مالك منهم أشهب وابن وهب وابن كنانة ومطرف وعبد الملك ومحمد بن مسلمة وقال آخرون لا يجزئ الجنب الغسل للجمعة
101

إذا لم يذكر جنابته ولا يجزيه عن الجنابة إلا الغسل الذي يعتد به لها بقصد منه إلى ذلك ونية ورفع لجنابته بإرادة ذلك وذكره لها لأن الفرائض لا تؤدى إلا بذلك ولأن الغسل للجمعة سنة واستحباب ومحال أن تجزئ سنة عن فرض كما لا تجزئ ذلك في شيء من الصلاة وسائر الأعمال التي فيها الفرض والنفل وهذا القول صح في النظر وهو قول مالك والشافعي وداود بن علي وأحمد بن حنبل وإليه ذهب ابن القاسم صاحب مالك وابن عبد الحكم وروياه عن مالك وأما حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد فليس عند يحيى في الموطأ ولذلك لم يذكره ههنا وعنده في ذلك حديث ابن شهاب عن عروة
عن عائشة وقد تقدم ذكره وما فيه من الأحكام في باب ابن شهاب من هذا الكتاب وقد جمعهما ابن بكير وغيره حديث هشام وحديث ابن شهاب ورواه القعنبي عن مالك عن هشام أو ابن شهاب على الشك ولم يقل لفظهما
حديث ثان لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت قالت فاطمة ابنة أبي حبيش يا رسول الله إني لا (29) أطهر أفأدع الصلاة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق وليس (3)
102

بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي (31) هكذا روى هذا الحديث عن مالك جماعة رواة الموطأ فيما علمت لم يختلفوا في إسناده ولفظه وكذلك لم يختلف الرواة عن هشام في إسناده واختلفوا عنه في بعض ألفاظه وممن رواه عن هشام بهذا الإسناد حماد بن زيد وأبو حنيفة وأبو معاوية وابن عيينة وحماد بن سلمة ومحمد بن كناسة وبعضهم يذكر فيه ألفاظا لا يذكرها غيره منهم وربما أوجبت تلك الالفاظ أحكاما فرواية حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش استفتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر افأدع الصلاة فقال إنما ذلك عرق وليست بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك أثر الدم وتوضئي فإنما ذلك عرق وليست بالحيضة فقيل لحماد فالغسل فقال ومن يشك في ذلك غسلا واحدا بعد الحيضة وأما رواية أبي حنيفة فحدثنا خلف بن قاسم بن سهل الحافظ قال حدثنا محمد بن الحسين بن صالح السبيعي قال حدثنا محمد بن الحسين بن سماعة قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين واسم دكين عمرو قال حدثنا أبو حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت يا رسول الله إني أحيض في الشهر والشهرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا عرق من دمك فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي لطهرك
103

وأما رواية أبي معاوية فحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عمر ابن إبراهيم قال حدثني الحسن بن إسماعيل المحاملي قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال لا إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم اغتسلي قال هشام أي ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن فاطمة ابنة أبي حبيش الأسدية كانت تستحاض فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي أو قال اغسلي عنك الدم وصلي قالت عائشة وهي إحدى نسائنا وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن فاطمة قالت يا رسول الله إني مستحاضة أفأترك الصلاة قال إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة وإذا ذهب وقتها فاغسلي عنك الدم ثم تطهري وصلي قال هشام كان عروة يقول الغسل الأول ثم الطهر بعد وحدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة وأحمد بن سعيد الجمال قالا حدثنا محمد بن كناسة قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أتت
104

فاطمة بنت أبي حبيش النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة قال إنما ذلك ليس بحيض ولكنه عرق فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ورواه يحيى بن هشام عن هشام بن عروة بإسناده مثله وقال فيه إذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي عند كل صلاة وصلي ورواه الزهري عن عروة فاختلف فيه عليه اختلافا كثيرا قال فيه الأوزاعي عن الزهري عن عروة وعمرة أن عائشة قالت استحيضت أم حبيبة بنت جحش وهي تحت عبد الرحمان بن عوف سبع سنين فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي قال أبو داود ولم يذكر هذا الكلام أحد من أصحاب الزهري غير الأوزاعي رواه عن الزهري عمرو بن الحرث ويونس بن يزيد والليث وابن أبي ذئب ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وابن إسحاق وابن عيينة ولم يذكروا هذا الكلام وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال أبو داود وزاد ابن عيينة فيه أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها وهو وهم من ابن عيينة قال وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء يقرب من الذي روى الأوزاعي في حديثه (32) حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدي عن محمد بن عمرو قال حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما ذلك عرق (33)
105

قال أبو داود قال ابن المثنى هكذا حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه ثم حدثنا بعد حفظا فقال حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة أن فاطمة كانت تستحاض فذكره (34) قال أبو عمر روى هذا الحديث سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير قال حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش أو أسماء حدثتني ان فاطمة فلم يقم الحديث وقال فيه إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمان أنها سمعت عائشة تقول جاءت أم حبيبة بنت جحش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قد استحيضت سبع سنين فاشتكت ذلك إليه واستفتته فقال لها إن هذا ليس بالحيضة وإنما هو عرق فاغتسلي ثم صلي قالت عائشة فكانت أم حبيبة تغتسل لكل صلاة وتصلي وقال فيه عمرو بن الحرث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمان بن عوف استحيضت سبع سنين فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي وقد ذكرنا الآثار وما لعلماء الأمصار من المذاهب في هذا الباب ممهدا في باب نافع من هذا الكتاب والحمد لله وأما حديث مالك عن هشام ففيه من الفقه أن الحيض يمنع المرأة الحائض من الصلاة وأن من الدم الخارج من الرحم دما لا تمتنع معه المرأة من الصلاة وهوالعرق الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى قوله إنما ذلك عرق يريد عرق انفجر أو
انقطع وهي الاستحاضة ولهذا سألته فاطمة إذ أشكل
106

عليها ذلك فأجابها بجواب يدل على أنها كانت تميز انفصال دم حيضها من دم استحاضتها فلهذا قال لها إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغتسلي وصلي وهذا نص صحيح في أن الحائض تترك الصلاة ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أثبت منه من جهة نقل الآحاد العدول والأمة مجمعة على ذلك وعلى أن الحائض بعد طهرها لا تقضي صلاة أيام حيضتها لا خلاف في ذلك بين علماء المسلمين فلزمت حجته وارتفع القول فيه وقد روى أبو قلابة وقتادة جميعا عن معاذة العدوية عن عائشة أن امرأة سألتها أتقضي الحائض الصلاة فقالت لها عائشة أحرورية أنت قد كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نطهر فلا نؤمر بقضاء الصلاة وزاد بعضهم ونؤمر بقضاء الصوم وهذا إجماع أن الحائض لا تصوم في أيام حيضتها وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة لا خلاف في شيء من ذلك والحمد لله وما أجمع المسلمون عليه فهو الحق والخبر القاطع للعذر وقال الله عز وجل * (ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) * 35 والمؤمنون هنا الإجماع لأن الخلاف لا يكون معه اتباع غير سبيل المؤمنين لأن بعض المؤمنين مؤمنون وقد اتبع المتبع سبيلهم وهذا واضح يغني عن القول فيه وأما قوله فإذا أدبرت الحيضة فاغسلي عنك الدم وصلي في رواية مالك فقد فسره غيره ممن ذكرنا روايته ههنا وهو أن تغتسل عند إدبار حيضتها واقبال دم استحاضتها كما تغتسل الحائض عند رؤية طهرها سواء لأن المستحاضة طاهر ودمها دم عرق كدم جرح سواء فيلزمها عند انقطاع دم حيضتها الاغتسال كما يلزم الطاهر التي ترى دما
107

وفي هذا الحديث دليل على أن المستحاضة لا يلزمها غير ذلك الغسل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بغيره وفيه رد لقول من رأى عليها الغسل لكل صلاة ورد لقول من رأى عليها الجمع بين الظهر والعصر بغسل واحد والمغرب والعشاء بغسل واحد وتغتسل للصبح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بشيء من ذلك في هذا الحديث وهو أصح حديث روي في هذا الباب وهو رد لقول من قال بالاستظهار يومين أو ثلاثا أو أقل أو أكثر وقد استدل بعض من يرى الاستظهار من أصحابنا بقوله عليه السلام في هذا الحديث فإذا ذهب قدرها قال لأن قدر الحيض قد يزيد مرة وينقص أخرى فلهذا رأى مالك الاستظهار ثلاثة أيام ليستبين فيها انقضاء دم الحيض من دم الاستحاضة واقتصر على القضاء ثلاثة أيام استدلالا بحديث المصراة (36) إذ حد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام في انفصال اللبن (37) وقال غيره ممن يخالفه في الاستظهار معنى قوله فإذا ذهب قدرها تقول إذا ذهبت وأدبرت وخرج وقتها ولم يكن في تقديرك أنه بقي شيء منه فاغتسلي حينئذ ولا تمكثي وأنت غير حائض دون غسل ودون صلاة قال ومحال أن يأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي قد ذهبت حيضتها أن تترك الصلاة ثلاثة أيام لأنتظار حيض يجيء أو لا يجيء ومعنى قوله فإذا ذهب قدرها لا يخلو من أن يكون أراد انقضاء أيام حيضتها أو انفصال دم حيضتها من دم استحاضتها وأي ذلك كان فقد امرها أن تغتسل وتصلي ولم يأمرها باستظهار ولو كان واجبا عليها لأمرها به قالوا والسنة تنفي الاستظهار لأن دم نجاسة جائز أن يكون استحاضة وجائز أن يكون حيضا والصلاة فرض بيقين فلا يجوز لامرأة أن تدع الصلاة حتى تستيقن أنها حائض
108

وذكروا أن مالكا وغيره من العلماء قد جاء عنهم أنهم قالوا لأن تصلي المستحاضة وليس عليها ذلك خير من أن تدع الصلاة وهي واجبة عليها وفي هذا الحديث أيضا رد على من أوجب الوضوء على المستحاضة لكل صلاة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إذا ذهبت الحيضة فاغتسلي وصلي ولم يقل توضئي لكل صلاة وقد ذكرنا القائلين بها في باب الوضوء عليها لكل صلاة والقائلين بإيجاب الغسل ووجه قول كل واحد منهم مبسوطا ممهدا في باب نافع عن سليمان بن يسار والحمد لله قال أبو عمر إذا أحدثت المستحاضة حدثا معروفا معتادا لزمها له الوضوء وأما دم استحاضتها فلا يوجب وضوءا لأنه كدم الجرح السائل وكيف يجب من أجله وضوء وهو لا ينقطع ومن كانت هذه حاله من سلس البول والمذي والاستحاضة لا يرفع بوضوئه حدثا لأنه لا يتمه إلا وقد حصل ذلك الحدث في الأغلب وإلى هذا المذهب ذهب مالك وأصحابه وهو ظاهر حديث هشام ابن عروة هذا في قصة فاطمة بنت أبي حبيش إلا أن عروة كان يفتي بأن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة وذلك عند مالك على الاستحباب لاعلى الإيجاب وقد ذكرنا ما في هذا الباب من الآثار المرفوعة وغيرها على اختلافها وذكرنا من تعلق بها وذهب إليها من علماء الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين وذكرنا اختلافهم في ذلك وأصل كل واحد منهم في الحيض والطهر والاستحاضة ممهدا مبسوطا في باب نافع عن سليمان من هذا الكتاب فلا وجه لإعادة ذلك ههنا والحمد لله
109

روى مالك في موطئه عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلا واحد ثم تتوضأ بعد ذلك لكل صلاة (38) قال مالك الأمر عندنا على حديث هشام بن عروة عن أبيه وهو أحب ما سمعت إلي (39) ومن معاني هذا الحديث وجه آخر أخرنا القول فيه في ذلك الباب إلى هذا الموضع وهو قول العلماء في المرأة التي لم تحض قط فحاضت يوما وطهرت يوما أو حاضت يومين وطهرت يوما أو يومين ونحو هذا فأما مالك وأصحابه فقالوا تجمع أيام الدم بعضها إلى بعض وتطرح أيام التطهر وتغتسل عند كل يوم ترى فيه الطهر أول ما تراه وتصلي ما دامت طاهرا وتكف عن الصلاة في أيام الدم اليوم واليومين وتحصي ذلك فإذا كان ما اجتمع لها من أيام الدم خمسة عشر يوما اغتسلت وصلت وإن زاد على خمسة عشر يوما فهي مستحاضة وإن كانت خمسة عشر يوما أو أقل فهي حيضة تقطعت هذه رواية المدنيين عن مالك وروى ابن القاسم وغيره عنه أنها تضم أيام الدم بعضها إلى بعض فإن دام بها ذلك أيام عادتها استظهرت ثلاثة أيام على أيام حيضتها فإن رأت في خلال أيام الاستظهار أيضا طهرا ألغته حتى تجعل ثلاثة أيام للاستظهار وأيام الطهر وتصلي وتصوم ويأتيها زوجها ويكون ما جمعت من أيام الدم بعضه إلى بعض حيضة واحدة ولا تعد أيام الطهر في عدة من طلاق فإذا استظهرت بثلاثة أيام بعد أيام حيضتها توضأت لكل صلاة وتغتسل كل يوم من أيام الطهر عند انقطاع الدم وإنما أمرت بالغسل لأنها لا تدري لعل الدم لا يرجع إليها
110

ورواية الربيع عن الشافعي مثل رواية المدنيين عن مالك في هذه المسألة اعتبارا لخمسة عشر يوما بلا استظهار وكذلك قال محمد بن مسلمة ولم يختلف مالك والشافعي إذا كان تقطع حيضتها يوما كاملا أو يوما وليلة أنها في يوم الحيض حائض لا مستحاضة وفي يوم الطهر طاهر أو هي حيضة متقطعة وقال محمد بن مسلمة إذا كان طهرها
يوما وحيضها يوما فطهرها أقل الطهر وحيضها أكثر الحيض فكأنها قد حاضت خمسة عشر يوما متوالية وطهرت خمسة عشر فحال حيضتها لا يضرها واجتماع الأيام وافتراقها سواء ولا يكون مستحاضة وأما أبو حنيفة وأصحابه فمذهبهم في هذه المسألة اعتبار أقل الطهر وأقل الحيض فأما أبو يوسف فاعتبر أقل الطهر خمسة عشر يوما وجعله كدم متصل وأما محمد بن الحسن فاعتبر مقدار الدم والطهر فإذا كان بين الدمين من الطهر أقل من ثلاثة أيام فإن ذلك كله كدم متصل سواء كان الحيض أكثر أو الطهر أكثر نحو أن ترى يوما حيضا أو يومين ويومين طهرا وساعة دما فيكون جميع ذلك حيضا وقال أبو جعفر الطحاوي قد اتفقوا أنه لو انقطع ساعة أو نحوها أنه كدم متصل فكذلك اليوم واليومين لأنه لا يعتد به من طلاق وقد قال أبو الفرج ليس بنكير أن تحيض يوما وتطهر يوما فتتقطع الحيضة عليها كما لا ينكر أن يتأخر حيضها عن وقته أن تأخير بعضه عن اتصاله كتأخيره كله فمن أجل ذلك كانت بالقليل أيضا ثم لم يكن القليل حيضة لأن الحيضة لا تكون إلا بان يقضى لها وقت تام وطهر تام أقله فيما روى عبد الملك خمسة أيام قال ولو أن قلة الدم يخرجه من أن يكون حيضا لا أخرجته من أن تكون استحاضة لأن الدم العرق هو الكثير الزائد على ما يعرف
111

قال أبو عمر راعى عبد الملك وأحمد بن المعذل في هذه المسألة ما أصلاه في أقل الطهر خمسة أيام وراعى محمد بن مسلمة خمسة عشر طهرا وجعل كل ما يأتي من الدم قبل تمام الطهر عرقا لا تترك فيه الصلاة وكذلك يلزم كل من أصل في أقل الطهر أصلا بعدة معلومة أن يعتبرها في هذه المسألة وقد ناقض الكوفيون لأنهم قالوا في هذه المسألة بمراعاة ثلاثة أيام طهرا وقولهم في أقل الطهر إنه خمسة عشر يوما وقد ذكرنا في باب نافع من أصول العلماء وأكثرهما واختلاف العلماء في ذلك في باب نافع من هذا الكتاب والحمد لله قال أبو عمر إنما أجرينا هذه المسألة ههنا وإن كانت قد مرت في باب نافع لأنها داخلة في معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها وأدبرت فاغتسلي وصلي وقد ذكرنا حكم أقل الحيض والطهر وأكثرهما واختلاف العلماء في ذلك في باب نافع من هذا الكتاب والحمد لله
حديث ثالث لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن الحرث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي
112

فيفصم عني وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا (40) في هذا الحديث دليل على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسألونه عليه السلام عن كثير من المعاني وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيبهم ويعلمهم وكانت طائفة تسأل وطائفة تحفظ وتؤدي وتبلغ حتى اكتمل الله دينه والحمد لله وفي هذا الحديث نوعان أو ثلاثة من صفة نزول الوحي عليه وكيفية ذلك وقد ورد في غيرما أثر ضروب من صفة الوحي حتى الرؤيا فرؤيا الأنبياء وحي أيضا ولكن المقصد بهذا الحديث إلى نزول القرآن والله أعلم وقد بينا معنى هذا الحديث وشبهه في باب إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة من هذا الكتاب (41) والحمد لله وأما قوله صلصلة الجرس فإنه أراد في مثل صوت الجرس والصلصلة الصوت يقال صلصلة الطست وصلصلة الجرس وصلصلة الفخار وقد روى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال كان الوحي إذا نزل سمعت الملائكة صوت مرارا أو إمرار السلسلة على الصفا وفي حديث حنين أنهم سمعوا صلصلة بين السماء والأرض كإمرار الحديد على الطست الجديد وروي عن مجاهد في قول الله تعالى * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب) * 42 قال موسى حين
113

كلمه الله أو يرسل رسولا قال جبريل إلى محمد صلى الله عليهما وسلم وأشباهه من الرسل وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أنه سئل عن هذه الآية * (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم) * قال نرى هذه الآية تعد من أوحى الله إليه من البشر فالكلام ما كلم الله بن موسى من وراء حجاب والوحي ما يوحي الله إلى النبي من الهداية فيثبت الله ما أراد من وحيه في قلب النبي فيتكلم به النبي صلى الله عليه وسلم ويكتبه فهو كلام الله ووحيه ومنه ما يكون بين الله وبين رسله ومنه لا يكلم به أحد من الأنبياء أحدا = من الناس ولكنه يكون سر غيب بين الله وبين رسله ومنه ما يتكلم به الأنبياء ولا يكتبونه ولكنهم يحدثون به الناس ويأمرونهم ببيانه ويبينون لهم أن الله أمرهم أن يبينوه للناس ويعلموهم إياه ومن الوحي ما يرسل الله من يشاء من ملائكته فيوحيه وحيا في قلوب من يشاء من رسله وقد بين لنا في كتابه أنه كان يرسل جبريل إلى محمد عليهما السلام فقال في كتابه * (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله) * 44 وقال عز وجل * (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك) * إلى قوله * (بلسان عربي مبين) * 45 وأما قوله فيفصم عني فمعناه ينفرج عني ويذهب كما تفصم الخلخال إذا فصمته لتخرجه من الرجل وكل عقدة حللتها فقد فصمتها قال الله عز وجل * (فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع) *
114

* (عليم) * 46 وانفصام العروة أن تفك عن موضعها وأصل الفصم عند العرب أن يفك الخلخال ولا يبين كسره فإذا كسرته فقد قصمته بالقاف قال ذو الرمة
* كأنه دملج من فضة نبه في
* ملعب من عذارى الحي مفصوم
* 479
حديث رابع لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس فقام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام وهو دون القيام الأول ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم رفع فسجد ثم فعل في الركعة الآخرة مثل ذلك ثم انصرف وقد تجلت الشمس فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله وكبروا وتصدقوا ثم قال يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم
قليلا ولبكيتم كثيرا (48)
115

قال أهل اللغة خسفت إذا ذهب ضوؤها ولونها وكسفت إذا تغير لونها يقال بئر خسيف إذا ذهب ماؤها وفلان كاسف اللون أي متغير اللون ومنهم من يجعل الخسوف والكسوف واحد والأول أولى والله أعلم وقد تقدم القول في معاني هذا الحديث وما للعلماء في صلاة الخسوف من المذاهب والمعاني ممهدا في باب زيد ابن أسلم بن أسلم من هذا الكتاب (49) فلا معنى لإعادة ذلك ههنا وفي هذا الحديث حجة الشافعي في قوله إن الإمام يخطب في الكسوف بعد الصلاة كالعيدين والاستسقاء ألا ترى إلى قوله في هذا الحديث ثم انصرف وقد تجلت فخطب الناس فحمد الله واثنى عليه وهو قول الطبري وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما لا خطبة في الخسوف والحجة لهم أن خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ إنما كانت لأن الناس كانوا يقولون كسفت الشمس لموت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فخطبهم ليعلمهم بأنه ليس كذلك وأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته واحتج الشافعي ومن قال بقوله في أن القمر يصلى لكسوفه كما يصلى في كسوف الشمس سواء في جماعة وعلى هيئتها بقوله صلى الله عليه وسلم إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة عند خسوفهما ولم يخص إحداهما دون الأخرى بشيء وصلى عند كسوف الشمس فكان القمر في حكم ذلك عند كسوفه إذ لم ينقل عنه خلاف ذلك صلى الله عليه وسلم في القمر
116

وقال مالك وأبو حنيفة يصلي الناس عند كسوف القمر وحدانا ركعتين ركعتين ركعتين ولا يصلون جماعة وكذلك القول عند أبي حنيفة في كسوف الشمس في هيئة الصلاة وقال الليث وعبد العزيز بن أبي سلمة لا يجمع فيها ولكن يصلونها منفردين على هيئة الصلاة في كسوف الشمس وقال الشافعي وأصحابه والطبري الصلاة في خسوف الشمس والقمر سواء على هيئة واحدة ركعتان في كل ركعة ركوعان جماعة وروي ذلك عن عثمان بن عفان وابن عباس وقد مضت هذه الآثار مهذبة في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب (50) والحمد لله
حديث خامس لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله = يذهب يستغفر فيسب نفسه (51) في هذا الحديث دلل على أن الصلاة لا ينبغي أن يقربها من لا يعقلها ويعقل حدودها وقد قال الضحاك بن مزاحم في قول الله عز وجل * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * 52 قال من النوم وأما معنى هذا
117

الحديث فبين لا مدخل للقول فيه إلا أن الاستدلال منه بأن النعاس والنوم اليسير لا ينقض الصلاة استدلال وصحيح إذا لم ينقض الصلاة لم ينقض الوضوء وقد مضى القول في أحكام النوم في باب أبي الزناد والحمد لله وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن ما شغل القلب عن الصلاة وعن خشوعها وتمام ما يجب فيها فواجب تركه وواجب أن لا يصلي المرء إلا وقلبه متفرغ لصلاته ليكون متيقظا فيها مقبلا عليها وبالله التوفيق حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع عن سلمة عن الضحاك في قوله * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * قال سكر النوم ولا أعلم أحدا قال ذلك غير الضحاك وأما عكرمة فقال نسختها * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) * 53 الآية وقال مجاهد كانوا يصلون وهم سكارى قبل نزول تحريم الخمر فنزلت * (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) * ثم نسخها تحريم الخمر وقال قتادة كانوا يحتسون الخمر ثم يصلون ثم نزل تحريم الخمر وقال ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر فكانوا يجتنبونها عند الصلاة ثم نزل تحريم الخمر بعد ذلك في المائدة
118

حديث سادس لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة ثم ينصرف فإذا سمع النداء بالصبح ركع ركعتين خفيفتين (54) ذكر قوم من رواة هذا الحديث عن هشام بن عروة أنه كان لا يجلس في شيء من الخمس ركعات إلا في آخرهن رواه حماد بن سلمة وأبو عوانة ووهيب وغيرهم وذكروا أنه كان لا يسلم بينهن وذلك كله لا يثبت لأنه قد عارضه عن عائشة ما هو أثبت منه وأكثر الحفاظ رووا هذا الحديث عن هشام كما رواه مالك والأصول تعضد رواية مالك لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة الليل مثنى مثنى (55) وهذا من الأحاديث التي لم يختلف في إسنادها ولا في متنها وهو حديث ثابت مجتمع على صحته وهو قاض في هذا الباب على ما كان ظاهره خلافه وقد أوضحنا هذا المعنى في غير موضع من كتابنا وذكرنا ما للعلماء في ذلك من التنازع وأخبرنا بالوجه المختار الصحيح عندنا والحمد لله ولا وجه لتكرار ذلك ههنا قال أبو عمر الرواية المخالفة في حديث هشام بن عروة هذا لرواية مالك فيه إنما حدث به عن هشام أهل العراق وما حدث به هشام بالمدينة قبل خروجه إلى العراق أصح عندهم ولقد حكى علي بن المديني عن يحيى بن سعيد القطان
119

قال رأيت مالك بن أنس في النوم فسألته عن هشام بن عروة فقال أما ما حدث به عندنا يعني بالمدينة قبل خروجه فكأنه يصححه وأما ما حدث به بعد ما خرج من عندنا فكأنه يوهنه وفي هذا الحديث دليل على أن ركعتي الفجر مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليهما وهما عندنا من مؤكدات السنن وإن كان بعض أصحابنا يخالف في ذلك وقد بينا الوجه فيه في باب = شريك بن أبي نمر وغيره من هذا الكتاب والحمد لله وفي هذا الحديث من الفقه المواظبة على صلاة الليل وأن صلاة الليل آخرها الوتر إما بواحدة وإما بثلاث وقد قيل غير ذلك على حسبما أوضحناه في باب سعيد بن أبي سعيد وباب نافع والحمد لله وفيه النداء للصبح بعد الفجر وتخفيف ركعتبي الفجر وقد استدل به من زعم أن النداء بالصبح لا يكون إلا بعد الفجر وقد مضى القول في ذلك في باب ابن شهاب عن سالم والحمد لله وبه التوفيق
حديث سابع لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يدوم عليه صاحبه (56) ومعنى هذا الحديث مفهوم لأن العمل الدائم يتصل أجره وحسناته وما انقطع انقطع أجره وحسناته = وفي هذا الحديث عندي دليل على أن قليل العمل إذا دام عليه صاحبه أزكى له والله يحب الرفق في الأمر كله ويرضاه ولا يرضى العنف وبالله التوفيق
120

حديث ثامن لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاك (57) فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن أجلسوا فلما انصرف قال إنما جعل الإمام ليؤتم = به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا (58) وقد تقدم القول في معنى هذا الحديث مستوعبا مهذبا في باب ابن شهاب عن أنس من هذا الكتاب وقد روى هشام بن عروة عن أبيه مرسلا في رواية مالك ومسندا في رواية غيره نسخ هذا المعنى في الصلاة جالسا للصحيح خلف الإمام الجالس العليل وسيأتي في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله
حديث تاسع لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها أخبرته أنها لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع (59)
121

في هذا الحديث ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصبر على الصلاة بالليل وفيه إباحة صلاة النافلة جالسا وهو أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه وفيه رد على من أبى من أن يكون المصلي يصلي النافلة بعضها جالسا وبعضها قائما والذي عليه جمهور الفقهاء فيمن افتتح صلاة النافلة قاعدا أنه لا بأس أن يقوم فيها ويقرأ بما أحب على ما في هذا الحديث وشبهه واختلفوا فيمن افتتحها قائما ثم قعد فقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي يجوز أن يقعد فيها كما يجوز له أن يفتتحها قاعدا وقال الحسن بن حي وأبو يوسف ومحمد يصلي قائما ولا يجلس إلا من ضرورة لأنه افتتحها قائما وقال ابن جريج قلت لعطاء استفتحت الصلاة قائما فركعت ركعة وسجدت ثم قمت أفأجلس إن شئت بغير ركوع ولا سجود قال لا فأما المريض فقال ابن القاسم في المريض يصلي مضطجعا أو قاعدا ثم يخف عنه المرض فيجد القوة أنه يقوم فيما بقي من صلاته ويبني على ما مضى منها وهو قول الشافعي وزفر والطبري وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد فيمن صلى مضطجعا ركعة ثم صح أنه يستقبل الصلاة من أولها ولو كان قاعدا يركع ويسجد ثم صح بنى في قول أبي حنيفة ولم يبن في قول محمد وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا افتتح الصلاة قائما ثم صار إلى حال الإيماء فإنه يبني وروي عن أبي يوسف أنه يستقبل وقال مالك في المريض الذي لا يستطيع الركوع ولا السجود وهو يستطيع القيام والجلوس أنه يصلي قائما ويومئ إلى الركوع فإذا أراد السجود جلس فأومأ إلى السجود وهو قول أبي يوسف وقياس قول الشافعي وقال أبو حنيفة وسائر أصحابه يصلي قاعدا
122

وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إذا صلى مضطجعا تكون رجلاه مما يلي القبلة مستقبل القبلة وقال الثوري والشافعي يصلي على جنبه ووجهه إلى القبلة وقد ذكرنا كيفية صلاة القاعد في باب إسماعيل بن محمد (60) والحمد لله
(61) حديث عاشر لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مروا أبا بكر فليصل للناس (62) فقالت عائشة إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل للناس قال مروا أبا بكر فليصل للناس فقالت عائشة فقلت لحفصة قولي له إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل (63) للناس ففعلت حفصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل للناس فقالت حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا (64)
123

في هذا الحديث من الفقه أن القوم إذا أجمعوا للصلاة فأحقهم وأولاهم بالإمامة فيها أفقههم لأن أبا بكر قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة بجماعة أصحابه ومعلوم أنهم كان فيهم من هو أقرأ منه ولا سيما أبي بن كعب وهذه مسألة اختلف فيها السلف فقال مالك يؤم القوم أعلمهم إذا كانت حاله حسنة وللسن حق قيل له فأكثرهم قرآنا قال لا قد يقرأ من لا يكون فيه خير وقال الثوري يؤمهم أقرأهم فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة فإن استووا فأسنهم قال الأوزاعي يؤمهم أفقههم في دين الله وقال أبو حنيفة يؤمهم أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم للسنة فإن استووا في القراءة والعلم بالسنة فأكبرهم سنا فإن استووا في القراءة والفقه والسن فأورعهم قال محمد بن الحسن وغيره إنما قيل في الحديث أقرؤهم لأنهم أسلموا رجالا فتفقهوا فيما علموا من الكتاب والسنة أما اليوم فيتعلمون القرآن وهم صبيان لا فقه لهم وقال الليث يؤمهم أفضلهم وخيرهم ثم أقرؤهم ثم أسنهم إذا استووا وقال الشافعي يؤمهم أقرؤهم وأفقههم فإن لم يجتمع ذلك قدم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكتفي به في صلاته وإن قدم أقرؤهم وعلم ما يلزمه في الصلاة فحسن وقال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل رجلان أحدهما أفضل من صاحبه والآخر قرأ منه فقال حديث أبي مسعود يؤم القوم أقرأهم قال ألا ترى أن سالما مولى أبي حذيفة كان مع خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر وأبو سلمة بن عبد الأسد وكان يؤمهم لأنه جمع القرآن وحديث عمرو بن سلمة أفهم للقرآن فقلت له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا أبا بكر فليصل بالناس أليس هو خلاف حديث أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقرؤهم فقال إنما قوله لأبي بكر يصلي بالناس إنما أراد الخلافة وكان لأبي بكر فضل بين على غيره وإنما الأمر في الإمامة إلى القراءة وأما قصة أبي بكر فإنما أراد به الخلافة
124

قال أبو عمر لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا أبا بكر يصلي بالناس في مرضه الذي توفي فيه واستخلفه على الصلاة وهي عظم الدين وكانت إليه لا يجوز أن يتقدم إليها أحد بحضرته صلى الله عليه وسلم فلما مرض استخلف عليها أبا بكر والصحابة متوافرون (65) منهم علي وعمر وعثمان (66) رضي الله عنهم استدل المسلمون بذلك على فضل أبي بكر وعلى أنه أحق بالخلافة بعد وعلمو ذلك فارتضوا (67) لدنياهم وإمامتهم وخلافتهم من ارتضاه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل دينهم وذلك إمامتهم في صلاتهم ولم يكن يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يصرح بخلافة أبي بكر بعده والله أعلم إلا أنه كان لا ينطق في دين الله بهواه ولا ينطق إلا بما يوحى إليه فيه قال الله عز وجل * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * 68 ولم يكن يوحى إليه في الخلافة شيء وكان لا يتقدم بين يدي ربه في شيء وكان يحب أن يكون أبو بكر الخليفة بعده فلما لم ينزل عليه في ذلك وحي ونعني لم يؤمر بذلك ولكنه أراهم موضع الاختيار وموضع إرادته فعرف المسلمون ذلك منه فبايعوا أبا بكر بعده فخير لهم في ذلك ونفعهم الله به وبارك لهم فيه فقاتل أهل الردة حتى أقام الدين كما كان وعدل في الرعية وقسم بالسوية وسار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفاه الله حميدا رضي الله عنه وقد روى هذا الحديث حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بمعنى حديث مالك
قال حماد وأخبرنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة بمثله قال ابن أبي مليكة وأي خلافة أبين من هذا
125

وقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسره ويعلم أن الخليفة بعده أبو بكر والله أعلم منها قوله صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر (69) حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم ابن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا قبيصة بن عقبة الكوفي قال حدثنا سفيان بن سعيد بن عبد الملك بن عمير عن مولى لربيعي عن ربيعي عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر (70) وحدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا الطحاوي قال حدثني المزني قال حدثني الشافعي أخبرنا إبراهيم بن سعد ابن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن شيء فأمرها أن ترجع قالت يا رسول الله إن رجعت فلم أجدك قال كأنها تعني الموت قال فأتي أبا بكر قال الشافعي وفي هذا دليل على خلافة أبي بكر وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا سليمان بن داود قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال حدثنا أبي عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن شيء فقال لها ارجعي فقالت يا رسول الله إن رجعت فلم أجدك تعني الموت قال فأتي أبا بكر حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا منصور بن سلمة الخزاعي أبو سلمة قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن جبير عن أبيه قال أتت النبي عليه السلام امرأة تكلمه في شيء فأمرها أن ترجع إليه فقالت إن جئت ولم أجدك قال فأتي أبا بكر
126

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ببغداد إملاء في الجامع يوم الجمعة سنة تسع وأربعين وثلاثمائة قال حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام الرياحي سنة ست وسبعين ومائتين قال أخبرني أبي قال حدثنا محمد بن يزيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن زر عن عبد الله (71) قال كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة لكلام قاله عمر أنشدكم بالله أتعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس قالوا نعم قال فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا كلنا لا تطيب أنفسنا أن نزيله عن مقام إقامة فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو بكر محمد بن أبي العوام قال حدثني أبي أحمد بن يزيد أبي العوام قال حدثنا محمد بن يزيد الوسطي قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن زر عن عبد الله بن مسعود قال كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر ابن الخطاب نشدتكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس قالوا اللهم نعم قال فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا كلنا لا تطيب نفسه نستغفر الله (72) وأجمعوا أن أبا بكر كان يكتب من خليفة رسول الله = في كتبه كلها وذكر نافع ابن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة أن رجلا قال لأبي بكر يا خليفة الله فقال أبو بكر أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا راض بذلك وبعث عمر بن عبد العزيز محمد بن الزبير إلى الحسن يسأله هل استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقال نعم
127

قال أبو عمر إنما قال هذا استدلالا بنحو ما ذكرنا من الحديث والله أعلم ولم يختلف عن عمر أنه لما حضرته الوفاة قال إن أستخلف فقد استخلف أبو بكر وإن لم أستخلف فلم يستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عمر فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم علمت أنه لا يستخلف وهذا معناه أنه لم يستخلف نصا ولا تصريحا والله أعلم حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زبير قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمان عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الأسود قال قلت لعمر صل بالناس وأبو بكر غائب في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كبر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فقال وأين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون يأبى الله ذلك والمسلمون مرتين فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا ابن المفسر حدثنا أحمد بن علي القاضي قال حدثنا عبيد الله بن عمر القوارري حدثنا عبد الله بن داود عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر قال لما طعن عمر رحمه الله قالوا له ألا تستخلف قال احتملكم حيا وميتا حظي منكم الكفاف لا علي ولا لي إن أترككم فقد ترككم من هو خير مني ومنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر قال وحدثنا أحمد بن علي قال حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا حدثنا حسين بن علي عن زائدة ابن قدامة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير قال فأتاهم عمر بن الخطاب فقال يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مروا أبا بكر يؤم
128

الناس فأيكم تطيب نفسه يتقدم أبا بكر قال فقالت الأنصار نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر قال أحمد (بن علي) (73) وحدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب حدثنا معاوية ابن عمرو عن زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله مثله أخبرنا عبد الله ابن محمد حدثنا محمد بن بكر بن داسة حدثنا حسان بن الحسين الإمام حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة عن حميد وثابت عن الحسن عن قيس بن عباد قال قال لي علي بن أبي طالب إن نبيكم صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة لم يقتل قتلا ولم يمت فجأة مرض ليالي وأياما يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة وهو يرى مكاني فيقول ائت أبا بكر فليصل بالناس فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت في أمري فإذا الصلاة عظم الإسلام وقوام الدين فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فبايعنا أبا بكر وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسين (74) بن علي الأشناني قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثني عمرو بن الحرث قال حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال قال عبد الرحمان بن القاسم أخبرني القاسم ان عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر فأعهد إليه فإنه رب متمن وقائل أنا أنا وسيدفع الله ويأبى ذلك والمؤمنون وقد استدل قوم من أهل العلم على خلافة أبي بكر بقول الله عز وجل * (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون) * 75 الآية ومعلوم أن الداعي
لأولئك القوم غير النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله قد منع المخلفين
129

من الأعراب من الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله * (فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة) * 76 الآية وقد أرادوا الخروج معه إلى بعض ما رجوا فيه الغنيمة فأنزل الله * (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله) * 77 يعني قوله * (لن تخرجوا معي أبدا) * ولا تبديل لكلمات الله وفي قوله عز وجل * (فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما) * 78 أوضح الدلائل على وجوب طاعة أبي بكر وإمامته وعد الله المخلفين عن رسوله إذا أطاعوا الذي يدعوهم بعده بالأجر الحسن وأوعدهم بالعذاب الأليم إن تولوا عنه وللعلماء في قول الله عز وجل * (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم) * قولان لا ثالث لهما أحدهما أنهم قالوا أراد بقوله إلى قوم أولي بأس شديد أهل اليمامة مع مسيلمة وقال آخرون أراد فارس فإن كان كما قالوا أهل اليمامة فأبو بكر هو الذي دعاهم إلى قتالهم وإن كانوا فارس فعمر دعا إلى قتالهم وعمر إنما استخلفه أبو بكر فعلى أي الوجهين كان فالقرآن يقتضي بما وصفنا إمامة أبي بكر وخلافته وإن كان أراد فارس فهو دليل إمامة عمر وخلافته وقد قال من لا علم له بتأويل القرآن إنهم هوازن وحنين وهذا ليس بشيء لقول الله * (فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا) * وقوله * (ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله) *
130

* (من قبل) * 79 الآية ومعلوم أن من واسى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه أخيرا لا يلحق في الفضل بمن واساه ونصره وصحبه أولا قال الله عز وجل * (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا) * (80) وكان أبو بكر أول الناس عزر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصره وآمن به وصدقه وصابر على الأذى فيه فاستحق بذلك الفضل العظيم لأن كل ما صنعه غيره بعده قد شاركه فيه وفاتهم وسبقهم بما تقدم إليه فلفضله ذلك استحق الإمامة إذ شأنها أن تكون في الفاضل أبدا ما وجد إليه السبيل والآثار في فضائله ليس هذا موضع ذكرها (81) وإنما ذكرنا استحقاقه للخلافة بدليل الكتاب والسنة وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن إبراهيم النخعي عن عبد الرحمان ابن يزيد قال قال عبد الله بن مسعود اجعلوا إمامكم خيركم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل إمامنا خيرنا بعده حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمان (82) بن أبي بكرة عن أبيه أن رجلا قال يا رسول الله رأيت كأن ميزانا دلي من السماء فوزنت أنت فيه وأبو بكر فرجحت بأبي بكر ثم وزن فيه أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر بعمر ثم رفع الميزان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نبوة وخلافة ثم يؤتي الله الملك من يشاء (83) وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
131

لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى (84) واحتجاج أهل الزيغ به على أنه أراد بذلك استخلافه فقد أجابه عن ذلك أبو إسحاق المروزي رحمه الله بجواب على وجهين مجملين أحدهما أن هارون كان خليفة موسى في حياته ولم يكن علي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وإذا جاز أن يتأخر علي عن خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته على حسبما كان هارون خليفة موسى في حياته جاز أن يتأخر بعد موته زمانا ويكون غيره مقدما عليه ويكون معنى الحديث القصد إلى إثبات الخلافة له كما ثبتت لهارون لا أنه استحق تعجيلها في الوقت الذي تعجلها هارون من موسى عليه السلام والوجه الاخر أن هذا الكلام إنما خرج من النبي عليه السلام في تفضيل علي ومعرفة حقه لا في الإمامة لأنه ليس كل من وجب حقه وصار مفضلا استحق الإمامة لأن هارون مات قبل موسى بزمان فاستخلف (85) موسى بعده يوشع بن نون فهارون إنما كان خليفة لموسى في حياته وقد علم أن عليا لم يكن خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ولم يكن هارون خليفة لموسى بعد موته فيكون ذلك دليلا على أن عليا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته قال أبو عمر كان هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم لعلي حين استخلفه على المدينة في وقت خروجه غازيا غزوة تبوك وهذا استخلاف منه في حياته وقد شركه في مثل هذا الاستخلاف غيره من لا يدعي له أحد خلافة جماعة قد ذكرهم أهل السنة وقد ذكرناهم في كتاب الصحابة وليس في استخلافه حين قال له ذلك القول دليل على أنه خليفة بعد موته والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم من كنت
132

مولاه فعلي مولاه (86) فيحتمل للتأويل لأن المولى يحتمل وجوها في اللغة أصحها أنه الولي والناصر وليس في شيء منها ما يدل على أنه استخلفه بعده ولا ينكر فضل علي مؤمن ولا يجهل سابقته وموضعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن دين الله عالم وقد ثبت عنه رضي الله عنه أنه فضل أبا بكر على نفسه من طرق صحاح وقال خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر وحسبك بهذا منه رضي الله عنه وأما قول عائشة إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل للناس فإنها كرهت فيما زعموا أن يتشاءم الناس بأبيها فيقولون إنه لم ير إماما إلا في حين مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وحين موته فقالت ما قالت فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليها وعلى حفصة وقال إنكن صواحب يوسف يريد إنكن فتنة قد فتنتن يوسف وغيره وصددتنه عن الحق قديما يريد النساء ويعيبهن بذلك كلاما خرج على غضب لاعتراضهن له وهن أمهات المؤمنين (87) وخير (88) نساء العالمين رضي الله عنهن وكذلك قول حفصة لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا خرج على جهة الغضب عليها لأنها عرضتها لما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها من القول فلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يسرها من إنكاره عليها وانتهارها فرجعت تلوم عائشة إذ كانت سبب ذلك وهذا كله موجود في طباع بني آدم وإذا كان ذلك في أولئك فغيرهم أحرى بأن يسامح في ذلك وشبهه وبالله التوفيق حدثنا خلف بن القاسم وسلمة بن سعيد بن سلمة قالا حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا العباس بن محمد البصري قال حدثنا خشيش بن أصرم (89)
133

قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن عائشة أنها قالت والله ما كانت مراجعتي النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال مروا أبا بكر أن يصلي للناس إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول رجل يقوم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك الرجل أبي وأما قوله إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء ففيه دليل على أن البكاء في الصلاة لا يقطعها ولا يضرها إذا كان من خوف الله أو على مصيبة في دين الله ذكر ابن المبارك عن حماد بن سلمة عن ثابت
البناني عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل (90) يعني من البكاء واختلف الفقهاء في الأنين في الصلاة فقال مالك الأنين لا يقطع الصلاة للمريض وأكرهه للصحيح وروى ابن عبد الحكم عن مالك النشيج والأنين والنفخ لا يقطع الصلاة وقال ابن القاسم يقطع وقال الثوري أكره الأنين للصحيح وقال الشافعي إن كان له حروف تسمع وتفهم قطع الصلاة وقال أبو حنيفة إن كان من خوف الله لم يقطع وإن كان من وجع قطع وروي أبي يوسف أن صلاته تامة في ذلك كله لأنه لا يخلو مريض ولا ضعيف من الأنين قال أبو عمر في حديث هذا الباب مع حديث ابن الشخير دليل على أن البكاء لا يقطع الصلاة وهذا ما لم يكن كلاما تفهم حروفه ولم يكن ضعفا وعبثا وكان من خشية الله أو فيما أباحه الله تعالى وجل وبه التوفيق
134

حديث حادي عشر لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي فبال على ثوبه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فأتبعه إياه (91) وقد مضى القول في معنى هذا الحديث وما للعلماء فيه من المذاهب في باب ابن شهاب عن عبد الله من هذا الكتاب حدثنا أحمد بن القاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال قال حدثنا البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال أخبرني المبارك بن فضالة عن الحسن بن عبد الله عن أم سلمة قالت بول الغلام يصب عليه الماء وبول الجارية يغسل طعمت أو لم تطعم قال أبو عمر وهو قول ابن وهب رحمه الله وروى حميد عن الحسن أنه قال في بول الجارية يغسل غسلا وبول الغلام يتبع بالماء وعلى هذا القول تكون الآثار المرفوعة في هذا الكتاب كلها غير متدافعة ولا متضادة وقد ذكرنا كثيرا من آثار هذا الباب ومعانيه في باب ابن شهاب عن عبيد الله من هذا الكتاب
135

حديث ثاني عشر لهشام بن عروة مالك عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة بصاقا أو مخاطا أو نخامة فحكه (92) قال أبو عمر يقال إن البصاق ما خرج من = الفم وفيه لغتان بصاق وبزاق والمخاط ما خرج من الأنف والنخامة ما خرج من الحلق وليس شيء من ذلك بنجس ولكن القبلة يجب أن تنزه عن ذلك وقد تقدم القول في معنى هذا الحديث في باب نافع من هذا الكتاب والحمد لله
حديث ثالث عشر لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض (93) هكذا روى هذا الحديث أكثر الرواة ومنهم من يقول فيه وهو معتكف وأنا في حجرتي حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق السراج حدثنا محمد بن الحسن حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن
136

هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلي رأسه من المسجد وهو مجاور وإنا في حجرتي فارجل رأسه وأنا حائض وقد مضى القول في معنى العمل في الاعتكاف وما يجتنبه المعتكف وما لا بأس عليه في عمله مجودا في باب ابن شهاب وفي هذا الحديث تفسير لقول الله عز وجل * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * 94 وفيه بيان أن مباشرة المرأة للرجل ليست كمباشرة الرجل لها وأن المعنى المراد بالمباشرة ههنا الجماع وما كان في معناه وقد تقدم القول في ذلك كله والحمد لله وفي هذا الحديث دليل على أن الحائض ليست بنجس وهو أمر مجتمع عليه وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة ناوليني الخمرة فقالت إني حائض فقال إن حيضتك ليست بيدك وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب ربيعة وفي ترجيل عائشة شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض تفسير لقول الله عز وجل * (فاعتزلوا النساء في المحيض) * لأن اعتزالهن كان يحتمل أن لا يقربن في البيوت ولا يجتمع معهن في مواكلة ولا مشاربة ويحتمل أن يكون اعتزال الوطء لا غير ويحتمل أن يكون مباشرتهن مؤتزرات فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مراد الله من ذلك على ما قد أوضحناه وذكرنا اختلاف العلماء فيه وما جاء في ذلك من الآثار عن النبي عليه السلام في باب ربيعة وقد ذكرنا كثيرا من حكم طهارة الحائض في باب ابن شهاب عن عروة في حديث الاعتكاف وذكرنا في باب نافع الحكم في الضوء بسؤر المراة وفضل وضوئها والاغتسال معها في إناء واحد وهو أمر صحت به الآثار واتفق عليه فقهاء الأمصار وفيه دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذا شعر وقد مضى في باب زيد بن سعد من هذا الكتاب أنه كان يسدل ناصيته ثم فرق بعد (95)
137

ومضى القول هناك في شعره صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث دليل على إباحة ترجيل الشعر وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل رآه ثائر شعر الرأس وأمره بتسكين شعره وترجيله إلا أنه قد روي عنه عليه السلام أنه نهى عن الترجل إلا غبا حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو مسلم الكشي قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا هشام عن الحسن عن عبد الله بن معقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجل إلا غبا (96) وفي هذا الحديث دليل على إباحة حبس الشعر والجمم والوفرات والحلق أيضا مباح لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حلق رؤوس بني جعفر بن أبي طالب بعد أن أتاه خبر قتله بثلاثة أيام ولو لم يجز الحلق ما حلقهم والحلق في الحج نسك ولو كان مثله كان كما قال من قال ذلك ما جاز في الحج ولا في غيره لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة وقد أجمع العلماء في جميع الآفاق على إباحة حبس الشعر وعلى إباحة الحلاق وكفى بهذا حجة وبالله التوفيق حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عفان بن مسلم وموسى بن إسماعيل عن مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى آل جعفر بعد ثلاث يعني من موت جعفر فقال لا تبكوا على أخي بعد اليوم ادعوا لي بني أخي قال فجيء فأغيلمة كأنهم أفرخ محمد وعون وعبد الله فقال ادعوا لي الحلاق قال فجاء الحلاق فحلق رؤوسهم ثم
138

أخذ بيد عبد الله فأشالها فقال اللهم اخلف جعفرا في أهله وبارك لعبد الله في صفقة يمينه فجاءت أمهم فقال تخافين عليهم العيلة وأنا وليهم في الدنيا والآخرة (97)
حديث رابع عشر لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم (98) تضحك (99) قد مضى القول في القبلة للصائم في باب زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار من هذا الكتاب وقد روى هذا الحديث ابن سلمة عن عروة عن عائشة وسماع
أبي سلمة من عائشة صحيح وهو أسن من عروة حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن محمد الحمصي القاضي قال حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم
139

حديث خامس عشر لهشام بن عروة ملاك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة (100) هذا أثبت حديث يروى في كفن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الأصل في كفن الرجل الميت وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثوب حبرة وقد روي أنه كفن في ريطتين وبرد نجراني وهذا غير صحيح لأن عائشة قالت أخر عنه البرد حدثنا عبد الله بن محمد قال قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا الزهري عن القسم بن محمد عن عائشة قالت أدرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب حبرة ثم أخر عنه (101) وقد روي من حديث أهل اليمن عن وهب بن منبه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا توفي أحدكم فوجد شيئا فليكفن في برد حبرة (102) واما قوله في هذا الحديث بيض سحولية فالسحولية ثياب = قطن تصنع باليمن وقيل السحولية البيض قال المسيب بن علس (103
* في الآل يخفضها ويرفعها
* ريع يلوح كأنه سحل
*
140

والسحل الثوب الأبيض يشبه الطريق به ويقال سحول قرية باليمن حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال أخبرتني عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض (104) ليس فيها قميص ولا عمامة (105) ورواه حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وزاد من كرسف قال فذكر لعائشة قولهم في ثوبين وبرد حبرة فقالت (106) أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه (107) وكذلك روى الثوري عن هشام في هذا الحديث أنها من كرسف والكرسف القطن حدثنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو نعيم (108) قال حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحول كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد ابن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم
141

صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب سحولية (109) بيض يمانية ليس فيها قميص ولا وكان عبد الله بن أبي بكر قد أعطاهم حلة حبرة فأدرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ثم استخرجوه منها قال إسماعيل وحدثنا هدبة بن خالد قال حدثنا ابن المبارك عن هشام ابن عروة عن أبيه قال ذكر لعائشة فقالت نحن أعلم إنما تلك الحلة كانت لعبد الله بن أبي بكر أرادوا أن يكفنوه فيها فلم يفعلوا كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية قال أبو عمر هذه الآثار الصحاح ترد حديث يزيد بن أبي زياد عن مقسم (110) عن ابن عباس قال كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب في قميصه الذي مات فيه وحلة له نجرانية (111) وكيف يكفن في قميصه وعائشة تقول ليس فيها قميص وحديثها من جهة الاسناد أثبت وقد بانت فيه حلة البرد وأنه لم يتم تكفينه فيه فهذه زيادة يجب قبولها والمصير إليها أولى والله أعلم وأما الفقهاء فأكثرهم يستحبون في الكفن ما في هذا الحديث وكلهم لا يرون في الكفن شيئا واجبا لا يجوز غيره وما كفن فيه الميت منها يواري عورته ويستره أجزأ قال مالك رحمه الله ليس في كفن الميت حد ويستحب الوتر وفي رواية أخرى عنه أحب إلي أن يكفن الرجل في ثلاثة أثواب ويعمم ولا أحب أن يكفن في أقل من ثلاثة أثواب
142

وقال أبو حنيفة وأصحابه أدنى ما تكفن فيه المرأة ثلاثة أثواب والسنة فيها خمسة والرجل في ثوبين والسنة فيه ثلاثة وقال الأوزاعي والثوري يكفن الرجل في ثلاثة أثواب والمرأة في خمسة وهو أحد قولي الشافعي وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور وروي عن الشافعي أيضا أنه قال أحب إلي أن لا يجاوز خمسة أثواب في كفن المرأة والثوب يجزئ واستحب ابن علية القميص في الكفن قال أبو عمر قولهم في هذا الباب كله استحسان (112) والأصل ما ذكرت لك وقد كفن أبو بكر في ثوبين وثوب كان يلبسه باليا رواه عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه وهشام بن عروة عن أبيه وكان ابن عمر يعمم الميت ويسدل طرف العمامة على وجهه رواه معمر عن أيوب عن نافع ورواه ابن جريج وعبد الله عن نافع عن ابن عمر وروى مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمان عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال الميت يقمص ويؤزر ويلف في الثياب فإن لم يكن إلا ثوب واحد لف فيه وروى أيوب عن نافع أن ابن عمر كفن ابنه واحدا في خمسة أثواب قميص وثلاث لفائف وعمامة وعممه من تحت لحيته وأجمعوا أن حمزة كفن في ثوب واحد وأن مصعب بن عمير كفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد وهذا كله يوضح لك أن ما حد من العدد في الكفن استحسان واستحباب فمن وجد فليستعمل ما استحبوا ومن لم يجد أجزأه ما ستره
143

وقيل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ألا تشتري لك ثوبا جديدا فقال الحي أحوج إلى الجديد من الميت إنما هو للمهلة كفنوني في ثوبي هذا واغسلوه وكان به مشق (113) مع ثوبين آخرين (114) قال ابن حبيب المهلة بكسر الميم صديد الجسد والمهلة بضم الميم عكر الزيت ومنه قوله عز وجل * (بماء كالمهل) * (115) والمهلة بضم الميم التمهل وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال حدثنا عمرو بن هشام أبو مالك الجنبي عن إسماعيل بن خالد عن عامر عن علي بن أبي طالب قال لا تغالوا في كفن فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب (116) سلبا سريعا (117) قال أبو عمر استحب مالك أن يعمم الميت وزعم أصحابه أن العمامة عندهم معروفة بالمدينة في كفن الرجل قالوا وكذلك الخمار للمراة وكذلك
استحب مالك أيضا أن يقمص الميت وأما الشافعي فقال أحب الكفن إلي ثلاثة أثواب لفائف بيض ليس فيها قميص ولا عمامة فإن ذلك الذي اختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم واختاره له أصحابه رحمهم الله وقال عيسى بن دينار لا ينبغي لمن (لم) (118) يجد أن ينقص الميت من ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجا لا يجعل له إزار ولا عمامة ولكن يدرج كما
144

أدرج النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي أن يزاد الرجل على ثلاثة أثواب وينبغي لمن يجد أن لا ينقص المرأة من خمسة أثواب درع وخمار وثلاث لفائف أما الخمار فيخمر به رأسها وأما الدرع فيفتح في وسطه ثم تلبسه ولا يخاط في جوانبه وأحد اللفائف يلف على حجزتها وفخذيها حتى يستوي ذلك منها بسائر جسدها ثم تدرج في اللفافتين الباقيتين كما يدرج الرجل قال أبو عمر أما اللفافة التي تلف على حجزتها فهو المئزر الذي تشعر به يلي جلدها وهو النطاق عند أهل العلم (119) وقد ذكرناه عند قوله صلى الله عليه وسلم اشعرنها إياه في حديث أيوب وجمهور الفقهاء على أن الكفن من رأس المال قال عيسى بن دينار يجبر الغرماء والورثة على ثلاثة أثواب من مال الميت تكون من أوسط ثيابه التي كانت تترك عليه لو أفلس قال أبو عمر خير ما كفن فيه الموتى البياض من الثياب ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قال خير ثيابكم البياض فكفنوا فيها أمواتكم وليلبسها أحياؤكم (120) والحبرة محمود أيضا في الكفن لمن قدر عليه = ويكره الخز والحرير والثوب الرقيق الذي يصف والمصبوغ كله غيره أفضل منه وما كفن فيه الميت مما ستر العورة ووارى أجزأ وبالله التوفيق
145

حديث سادس عشر لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني رجل أصوم أفأصوم في السفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فصم وإن شئت فأفطر (121) هكذا قال يحيى عن مالك عن هشام عن أبيه أن حمزة بن عمرو وقال سائر أصحاب مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال يا رسول الله أصوم في السفر وكان كثير الصيام والحديث محفوظ عن هشام عن أبيه عن عائشة كذلك رواه جماعة عن هشام منهم ابن عيينة وحماد بن سلمة ومحمد بن عجلان وعبد الرحيم بن سليمان ويحيى القطان ويحيى بن هاشم ويحيى بن عبد الله بن سالم وعمرو بن هاشم وابن نمير وأبو أسامة ووكيع وأبو معاوية والليث بن سعد وأبو ضمرة وأبو إسحاق الفزاري كلهم رووه عن هشام عن أبيه عن عائشة كما رواه جمهور أصحاب مالك عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة
ورواه أبو معشر المدني وجرير بن عبد الحميد والمفضل بن فضالة كلهم عن هشام عن أبيه أن حمزة بن عمرو كما رواه يحيى عن مالك سواء حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب قال أخبرنا أبو معشر المدني عن هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فقلت يا رسول الله إني رجل أصوم أفأصوم في السفر قال إن شئت فصم وإن شئت فأفطر
146

وروى ابن وهب في موطئه قال أخبرني عمرو بن الحرث عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن أبي مراوح (122) عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي من جناح فقال رسول الله = صلى الله عليه وسلم هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه فهذا أبو الأسود (123) وهو ثبت في عروة وغيره قد خالف هشاما فجعل الحديث عن عروة عن أبي مراوح عن حمزة وهشام يجعله عن عروة عن عائشة وفي رواية أبي الأسود ما يدل على أن رواية يحيى ليست بخطأ وقد روى سليمان بن يسار هذا الحديث عن حمزة بن عمرو الأسلمي وسنه قريب من سن عروة والحديث صحيح لعروة وقد يجوز أن يكون عروة سمعه من عائشة ومن أبي مراوح جميعا عن حمزة فحدث به عن كل واحد منهما وأرسله أحيانا والله أعلم وفي هذا الحديث التخيير للصائم في رمضان إن شاء أن يصوم في سفره وإن شاء أن يفطر وهو أمر مجتمع عليه من جماعة فقهاء الأمصار وهو الصحيح في هذا الباب وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب قال دعا عمر بن عبد العزيز سالم بن عبد الله وعروة بن الزبير فسألهما عن الصيام في السفر فقال عروة يصوم وقال سالم لا يصوم فقال عروة إنما أحدث عن عائشة وقال سالم
147

(124) إنما أحدث عن عبد الله بن عمر قال فلما امتريا قال عمر اللهم غفرا صمه في اليسر وأفطره في العسر وقد بينا ما في هذه المسألة من التنازع بين السلف وما فيها بين الخلف من الاختلاف في الأفضل من الصوم أو الفطر في السفر في رمضان وأوضحنا المعاني في ذلك وبسطناها في غير موضع من كتابنا هذا منها باب حميد الطويل وباب ابن شهاب عن عبيد الله وباب سمي والله الموفق للصواب لا شريك له
حديث سابع عشر لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه (125) اختلف في ألفاظ هذا الحديث عن عائشة وغيرها وقد ذكرنا ما يجب من القول في ذلك كله في باب ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمان من هذا الكتاب (126) فلا معنى لإعادة ذلك ههنا وأجمع العلماء على أن لا فرض في الصوم غير شهر رمضان وعلى أن يوم عاشوراء مندوب إلى صومه وأن له فضلا
148

على غيره على ما قد بيناه في باب ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمان بن عوف ومعنى قول عائشة وترك يوم عاشوراء أي ترك صومه على الإيجاب إذ لا فرض غير رمضان ومثل حديث عائشة هذا حديث ابن عمر روى ابن القاسم عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر يوم عاشوراء فقال كان يوما يصومه أهل (127) الجاهلية فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره وهذا إسناد غريب لمالك في هذا الحديث لا أعلمه لغير ابن القاسم عن مالك حدثناه عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا الحسن بن الخضر قال حدثنا أحمد بن شعيب عن الحرث بن مسكين عن ابن القاسم عن مالك عن نافع عن ابن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وهو محفوظ لنافع عن ابن عمر وقد ذكرنا في باب ابن شهاب عن عروة أن فرض صيام رمضان كان بالمدينة قبل بدر وقد صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم تعظيما
له إلى أن مات روى الحميدي وغيره عن ابن عيينة قال سمعت عبد الله بن أبي لبيد قال سمعت ابن عباس يقول ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما تحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم يعني يوم عاشوراء (128) ومن حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان العام المقبل صمنا التاسع فلم يأت العام المقبل حتى مات صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا هذا الخبر وغيره مما يدل عل فضله وذكرنا مذاهب العلماء في صومه واهتبالهم به في باب ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمان (129) والحمد لله
149

حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد ابن يونس قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو إسحاق (130) عن الأسود قال ما رأيت أحدا أمر بصوم عاشوراء من علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبي موسى يعني الأشعري
حديث ثامن عشر لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال قلت لعائشة أم المؤمنين وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله عز وجل * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * 131 فما على الرجل شيء الا يطوف بهما قالت عائشة كلا لو كان كما تقول لكانت فلا جناح عليه ألا يطوف بهما إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل عز وجل * (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) * 132
150

قال ابن وهب مناة (133) حجر كان أهل الجاهلية يعبدونه وكان في المشلل (134) الجبل الذي تصدر منه إلى قديد (135) قال أبو عمر في هذا الحديث من قول عائشة دليل على وجوب السعي بين الصفا والمروة في الحج وقد بينت عائشة معنى نزول الآية ومخرجها وجاءت بالعلم الصحيح في ذلك وعلى قولها على وجوب السعي بين الصفا والمروة مالك والشافعي وأصحابهما وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وكل هؤلاء يقول إن السعي بين الصفا والمروة واجب فرضا وعلى من نسيه أو نسي شوطا واحدا منه أن ينصرف إليه حيث ذكره في بلده أو غير بلده حتى يأتي به كاملا كمن نسي الطواف الواجب طواف الإفاضة سواء أو نسي شيئا منه ولا خلاف بين علماء المسلمين في وجوب طواف الإفاضة وهو الذي يسميه العراقيون طواف الزيارة يوم النحر بعد رمي جمرة العقبة إلا أن منهم من يقول إن عمل الحج ينوب فيه التطوع عن الفرض على ما بيناه عنهم في غير هذا الموضع واختلفوا في وجوب السعي بين الصفا والمروة فذهب مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد وإسحاق وأبو ثور إلى ما ذكرنا وهو مذهب عائشة رضي الله عنها ومذهب عروة وغيره وكان أنس بن مالك وعبد الله بن الزبير ومحمد بن سيرين يقولون هو تطوع وليس ذلك بواجب وروي ذلك عن ابن عباس ويشبه أن يكون مذهب أبي بن كعب وابن مسعود لأن في مصحف أبي (ومصحف) (136) ابن مسعود * (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) *
151

وقال أبو حنيفة والثوري من ترك السعي بين الصفا والمروة فعليه دم وهو قول الحسن البصري إلا أن تلخيص أبي حنيفة في ذلك إن طاف أربعة أشواط وترك ثلاثة فعليه إطعام ثلاثة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة وإن ترك شوطين أطعم مسكينين كذلك نصف صاع لكل واحد منهما وإن ترك شوطا واحدا أطعم مسكينا واحدا نصف صاع من حنطة إلا أن يكون طعامه هذا يبلغ دما فإن بلغ دما أطعم من ذلك ما شاء فأجزى عنه وإن ترك السعي كله بين الصفا والمروة في الحج ناسيا أو في العمرة فعليه دم وروي عن طاوس في هذا المسألة أنه قال على من ترك السعي بين الصفا والمروة عمرة واختلف عن عطاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال أحدها أنه لا شيء على من ترك السعي بين الصفا والمروة والآخر أنه عليه (137) دم والثالث أنه إن شاء أطعم مساكين وإن شاء ذبح شاة فأطعمها المساكين قال أبو عمر قد مضت هذه المسألة مجودة ممهدة مبسوطة بما فيها من الحجة لمن قال بقولنا من جهة الأثر إذ لا مدخل فيها للنظر في باب جعفر بن محمد من كتابنا هذا فكرهنا إعادة ذلك ههنا
تاسع عشر لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حيي فقيل إنها قد حاضت فقال رسول الله
152

الله صلى الله عليه وسلم لعلها حابستنا فقالوا يا رسول الله إنها قد طافت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا إذا (138) هذا حديث لا خلاف بين فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام في القول به وأن المرأة إذا حاضت بعد طوافها بالبيت طوافها للإفاضة أنها تنفر ولا تنتظر طهرها لطواف الوداع وأن طواف الوداع ساقط عنها ولا شيء في ذلك عليها ولا يحبس عليها كري ولا غيره اتباعا لهذا الحديث وهو أمر مجتمع عليه عندهم وقد ذكرنا هذه المسألة وما فيها عن السلف وما يجب (139) في المرأة لو كان حيضها قبل طواف الإفاضة وما في ذلك كله ووجوهه ممهدا في باب عبد الله بن أبي بكر من هذا الكتاب والحمد لله
حديث موفي عشرين لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت أفأتصدق عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم (140) وهذا الحديث أيضا مجتمع على القول بمعناه ولا خلاف بين العلماء أن صدقة الحي عن الميت جائزة مرجو نفعها وقبولها إذا كانت من طيب فإن
153

الله لا يقبل إلا الطيب وليس الصدقة عندهم من باب عمل البدن في شيء فلا يجوز لأحد أن يصلي عن أحد وجائز له أن يتصدق عن وليه وعن غيره وهذا مما ثبتت به السنة ولم تختلف فيه الأمة ويقولون إن الرجل المذكور في هذا الحديث هو سعد بن عبادة وقد مضى القول في قصة سعد بن عبادة وصدقته عن أمه في غير موضع من كتابنا هذا والحمد لله وأما قوله افتلتت نفسها فإنه أراد اختلست نفسها وماتت فجأة قال الشاعر
* من يأمن الأيام بعد صبيرة القرشي ماتا
* سبقت منيته المشيب وكان ميتته افتلاتا
* وقال خالد بن يزيد
* فإن تفتلتها فالخلافة (141) تنفلت
* بأكرم علقي منبر وسرير
* وقال أبو بكر بن شاذان سألت أبا زيد النحوي عن قول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة فقال أراد فجأة وأنشد قول الشاعر وكان ميتته افتلاتا قال وتقول العرب إذا رأت الهلال بغير قصد إلى ذلك رأيت الهلال فلتة
حديث حاد وعشرون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت جاء عمي من الرضاعة يستأذن علي فأبيت أن آذن له علي حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن
154

ذلك فقال إنه عمك فأذني له فقلت يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل فقال إنه عمك فليلج عليك قالت عائشة وذلك بعدما ضرب الحجاب وقالت عائشة يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة (142) هذا أبين حديث في تحريم لبن الفحل ألا ترى إلى قول عائشة فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل والرجل هو أبو القعيس والمستأذن (143) على عائشة هو أخوه أفلح وكذلك قال مالك في حديثه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها أخبرته أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن ضرب الحجاب وذكر الحديث (144) على حسبما مضى ذكره في باب ابن شهاب فأبو القعيس هو الذي أرضعت امرأته عائشة فصارت أما لها من الرضاعة وصار هو أباها لأن اللبن منه تولد وجاء اخوه يستأذن عليها وهو أخو أبيها من الرضاعة فظنت عائشة أن اللبن ليس من الفحل فقالت إنما أرضعتني المرأة تريد وليس هذا أخا المراة فيكون عمي أو خالي وإنما هو أخو زوجها فأخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عمها لأن أخاه أبوها بإرضاع زوجته إياها وهذا بين وهو مذهب ابن عباس وإليه ذهب فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام منهم مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والليث والأوزاعي وأحمد بن حنبل وعليه جماعة أهل الحديث
155

قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن الحكم عن عراك بن مالك عن عروة بن الزبير قال استأذن أفلح بن قعيس أو ابن أبي قعيس على عائشة فقال إني عمك أرضعتك امرأة أخي فأبت أن تأذن له فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال أئذني له فإنه عمك أخبرنا خلف بن قاسم قال أخبرنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله ابن نصر بن بحير بن عبد الله بن صالح بن أسامة الذهلي القاضي قال حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت دخل علي أفلح بن أبي القعيس قالت فاستترت منه فقال أتستترين مني وأنا عمك قال من أين قال أرضعتك امرأة أخي قالت إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال إنه عمك فليلج عليك وأخبرنا خلف حدثنا أبو الطاهر حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد ابن كثير حدثنا سفيان عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن عراك عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تربت يداك في هذا الحديث أو ما علمت أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب فإلى هذا ذهب = من ذكرنا من فقهاء الأمصار وذهب جماعة من التابعين بالمدينة وغيرها إلى أن لبن الفحل لا يحرم شيئا وقد ذكرنا من قال بالقولين جميعا من العلماء وذكرنا الحجة لكل فريق منهم وما نزعوا به لمذاهبهم وذكرنا الوجه المختار عندنا في ذلك وهو ما وافق هذا الحديث وشبهه من السنن وأوضحنا ذلك كله ومهدناه في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب فلم نر لتكرير ذلك ههنا وجها وبالله التوفيق
156

حديث ثان وعشرون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرقاب أيها أفضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها (145) هكذا روى يحيى هذا الحديث في الموطأ عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة وكذلك رواه أبو المصعب ومطرف وابن أبي أويس وروح بن عبادة وحدث به إسماعيل بن إسحاق عن أبي مصعب عن مالك عن هشام عن أبيه مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرقاب وهو عندنا في موطأ أبي المصعب عن عائشة ورواه قوم عن مالك عن هشام عن أبيه مرسلا لم يذكروا عائشة ورواه أصحاب هشام بن عروة غير مالك عن هشام عن أبيه عن أبي مراوح عن أبي ذر وزعم قوم أن هذا الحديث كان أصله عند مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة فلما بلغه أن غيره من أصحاب هشام يخالفونه في الإسناد جعله عن هشام عن أبيه مرسلا هكذا قالت طائفة من أهل العلم بالحديث فالله أعلم وعند ابن وهب وحده عن مالك عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن عروة أنه سمعه يقول جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال إيمان بالله قال فأي العتاقة أفضل قال أنفسها عند أهلها قال أرأيت إن لم أجد يا رسول الله قال
157

فتعين الضائع (146) أو (147) تصنع لأخرق (148) قال أفرأيت إن لم أستطع قال تدع الناس من شرك فإنها صدقة تصدق بها عن نفسك هكذا رواه يونس بن عبد الأعلى والحرث بن مسكين وجماعة أصحاب ابن وهب عن ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب وتابعه البرمكي عن معن عن مالك ورواه معمر عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن عروة عن أبي مراوح عن أبي ذر مثل رواية هشام بن عروة سواء في غير رواية مالك أخبرنا أحمد بن عمر قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد ابن فطيس قال حدثنا يحيى بن إبراهيم قال حدثنا مطرف قال حدثنا مالك ابن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الرقاب أفضل فقال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد ابن قاسم والحسن بن عبد الله قالا حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال حدثنا محمد بن النعمان بن بشير المقدسي قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله قال ابن الجارود وحدثنا مسرور بن نوح قال حدثنا ابن نمير قال حدثنا روح قال حدثنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله
158

قال ابن الجارود وحدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا مطرف قال حدثنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الرقاب أيها أفضل فقال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها قال ابن الجارود لا (149) أعلم أحدا قال عن عائشة غير مالك قال ورواه الثوري ويحيى القطان وابن عيينة ووكيع وغير واحد عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي مراوح عن أبي ذر قال أبو عمر أما حديث الثوري فحدثناه عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبي مراوح عن أبي ذر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبته قال أي الرقاب أفضل أنا أشك قال أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا وأما حديث القطان فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا يحيى قال حدثنا هشام بن عروة قال حدثني أبي أن أبا مراوح الغفاري أخبره أن أبا ذر أخبره قال قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل وأحب إلى الله قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قال فأي الرقاب أفضل قال أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا وأما حديث ابن عيينة فحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني
159

أبي عن أبي مراوح الغفاري عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي العمل أفضل قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قلت فأي الرقاب أفضل قال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها (150) وذكره البزار حدثنا محمد بن أبان القرشي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام عن أبيه عن أبي مراوح عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا رواه حبيب كاتب مالك وسعيد بن داود الزبيدي عن مالك عن هشام عن أبيه عن أبي مرواح عن أبي ذر وليس (151) في هذا الحديث معنى يشكل ولا يحتاج إلى القول فيه والحمد لله وبه التوفيق
حديث ثالث وعشرون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت جاءت (152) بريرة فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواقي (153) في كل عام أوقية فأعينيني فقالت عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم (154) ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا عليها فجاءت من عند أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت لعائشة إني قد عرضت عليهم ذلك فأبوا إلا أن
160

يكون الولاء لهم فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها فأخبرته عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق (155) قال أبو عمر الكلام في حديث بريرة قد سبق كثير من الناس إليه وأكثروا فيه من الاستنباط فمنهم من جود ومنهم من خلط وأتى بما ليس له معنى كقول بعضهم فيه إباحة البكاء في المحبة لبكاء زوج بريرة وفيه قبول الهدية بعد الغضب وفيه إباحة أكل المرأة ما تحب دون بعلها وفيه إباحة سؤال الرجل عما يراه في بيته من طعام إلى كثير من مثل هذا القول الذي لا معنى له في الفقه والعلم عند أحد من العلماء ونحن بحمد الله وعونه نذكر ههنا ما في حديثها من الأحكام التي توجبه ألفاظه ونبين ما روي مما يعارضه ويوافقه ونوضح (156) القول فيه بمبلغ علمنا على مذاهب أهل العلم مختصرا كافيا إلى ما قدمنا من القول في كثير من أحكام حديث بريرة في باب ربيعة (157) وبالله عوننا لا شريك له
161

في هذا الحديث من الفقه استعمال عموم الخطاب في قوله * (فكاتبوهم) * لأنه دخل في ذلك الأمة ذات الزوج وغيرها لأن بريرة كانت ذات زوج خيرت تحته إذ أعتقت وفيه جواز كتابة الأمة دون زوجها وفي ذلك دليل على أن زوجها ليس له منعها من البيع في كتابتها ولو استدل مستدل من هذا المعنى بأن الزوجة ليس عليها خدمة زوجها كان حسنا وفيه دليل على أن العبد زوج الأمة ليس له منعها من الكتابة التي تؤول إلى عتقها وفراقها له كما أن لسيد الأمة عتق أمته تحت العبد وإن أدى ذلك إلى إبطال نكاحه وكذلك له أن يبيع أمته من زوجها الحر وإن كان في ذلك بطلان نكاحه وفيه دليل على جواز نكاح العبد الحرة لأنها إذا خيرت فاختارته بقيت معه وهي حرة وهو عبد وفيه أن المكاتب جائز له السؤال والسعي في كتابته والتكسب بذلك وجائز لسيده أن يكاتبه وهو لا شيء معه ألا ترى أن بريرة جاءت عائشة تخبرها بأنها كاتبت أهلها وسألتها أن تعينها وذلك كان في أول كتابتها قبل ان تؤدي منها شيئا كذلك ذكر ابن شهاب عن عروة في هذا الحديث روى ابن وهب عن يونس والليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت جاءت بريرة إلي فقالت يا عائشة إني كاتبت أهلي على تسع أواقي في كل عام أوقية فأعينيني ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا ويكون ولاؤك لي فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فعرضت ذلك عليهم فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك منها ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله ثم قال أما بعد فما بال
162

رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق ففي حديث ابن شهاب هذا عن عروة أن بريرة لم تكن قضت من كتابتها شيئا حتى جاءت تستعين عائشة وفي هذا دليل على إجازة كتابة الأمة وهي غير ذات صنعة ولا حرفة ولا مال إذ ظاهر هذا الخبر أنها ابتدأت بالسؤال من حين كوتبت ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع أنها كوتبت هل لها كسب يعلم أو عمل واجب أو مال ولو كان هذا واجبا لسأل عنه ليقع حكمه عليه لأنه بعث مبينا ومعلما صلى الله عليه وسلم وهذا يبين ما رواه ابن وهب عن مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمان عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الأمة إلا أن يكون لها عمل واجب أو كسب يعرف وجهه (158) وقد روى شعبة عن محمد بن جحادة عن أبي حازم عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب الإماء (159) وهذا وما كان مثله يكون خوفا عليهن أن يكتسبن بفروجهن وروى أحمد بن
حنبل عن هاشم بن القاسم عن عكرمة بن عمار عن طارق بن عبد الرحمان القرشي قال جاء رفاعة بن رافع (160) إلى مجلس الأنصار فقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها
163

وقال هكذا بأصابعه نحو الخبز والغزل والنفش (161) وهذا نحو ما جاء عن عثمان رضي الله عنه من النهي عن ذلك لئلا يكتسبن (162) بفروجهن على ما كن يصنعن بإذن مواليهن وبغير إذنهم في الجاهلية من البغاء (163) وأما المكاتبة فليست من ذلك في شيء لأنها قد أبيح لها السؤال لانفرادها بكسبها دون مواليها وندب الناس إلى عون المكاتبين لما في ذلك من فك الرقاب من الرق وسنبين هذا (164) ونوضحه إن شاء الله وفي هذا رد على من قال لا تجوز كتابة المكاتب حتى يكون له ما واحتج بقول الله تعالى * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * 165 روي عن جماعة منهم ابن عباس وعطاء في قول الله عز وجل * (إن علمتم فيهم خيرا) * قال المال وعن عمرو بن دينار المال والصلاح وقال مجاهد الغنى والأداء وكان ابن عمر يكره أن يكاتب عبده إذا لم تكن له حرفة وقال إبراهيم النخعي في قوله * (إن علمتم فيهم خيرا) * قال صدقا ووفاء وقال عكرمة قوة وقال الثوري دينا وأمانة وقال الشافعي إذا جمع القوة على الاكتساب والأمانة قال الشافعي وليس الخير ههنا المال في الظاهر لمعنيين أحدهما أن المال يكون عنده لا
164

فيه والثاني أن المال الذي في يده لسيده فكيف يكاتبه بماله ولكن يكون فيه الاكتساب الذي يفيده المال قال وسواء ذو الصنعة وغيرها من عبد أو أمة ذكر ذلك كله المزني عن الشافعي في المختصر الكبير وذكر الربيع عن الشافعي قال قد يكون قويا على الأداء بما فرض الله له في الصدقات فإن الله فرض فيها للرقاب وهم عندنا المكاتبون قال ولهذا لم أكره كتابة الأمة غير ذات الصنعة مع رغبة الناس في الصدقة على المكاتبين تطوعا قال ولا تشبه الكتابة أن تكلف الأمة الكسب لأنها لا حق لها حينئذ في الصدقات ولا رغبة للناس في الصدقة عليها كرغبتهم في الصدقة على المكاتبة وذكر سعيد بن منصور عن هشيم (166) عن يونس بن عبيد قال كنا جلوسا عند الحسن وعنده أخوه سعيد بن أبي الحسن فتذاكرنا هذه الآية * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * فقال سعيد إن كان عنده مال فكاتبه وإن لم يكن عنده مال فلا تعلقه صحيفة يغدو بها على الناس ويروح فيسألهم فيحرجهم فيؤثمهم فقال الحسن * (إن علمتم فيهم خيرا) * صدقا وأمانة من أعطاه كان مأجورا ومن سئل فرد خيرا كان مأجورا قال أبو عمر قد رخص مالك وأبو حنيفة والشافعي في مكاتبه من لا حرفة له وإن كان قد اختلف قول مالك في ذلك وكره الأوزاعي وأحمد وإسحاق مكاتبه من لا حرفة له وروي نحو ذلك عن عمر وابن عمر ومسروق والحجة في السنة لا فيما خالفها وفي حديث بريرة هذا دلالة على أن قول الله عز وجل * (إن علمتم فيهم خيرا) * أنه الكسب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل
165

بريرة أمعك مال أم لا ولم ينهها عن السؤال وقد يكون الكسب بالمسألة وقد قيل المسألة آخر كسب المؤمن وقد كوتبت بريرة ولم يعلم لها كسب واجب والله أعلم ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث دليل على إجازة أخذ السيد نجوم المكاتب من مسألة الناس لترك النبي صلى الله عليه وسلم وجوها عن مسألة عائشة إذ كانت تستعينها في آداء نجمها وهذا يرد قول من كره كتابة المكاتب الذي يسأل الناس وقال تطعمني أوساخ الناس وليس كما قال ولا كما ظن لأن ما طاب لبريرة أخذه كان لسيدها قبضه عنها في الكتابة لأنه داخل عليه من غير الجهة التي دخل عليها وقد بينا هذا المعنى في باب ربيعة (167) عند ذكر اللحم الذي تصدق به على بريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عليها صدقة ولنا هدية وكيف لا يبدر الناس إلى إعطاء المكاتب ويطيب له ما أعطي فيصير ماله ويؤديه عن نفسه والنبي صلى الله عليه وسلم قد حض على إعطائه وندب إلى ذلك روى سهل بن حنيف وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أعان غازيا في سبيل الله أو غارما في عسرته أو مكاتبا في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (168) وقد روى عبد الرحمان بن عوسجة عن البراء بن عازب قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة قال لئن كنت أقصرت في الخطبة لقد أعرضت في المسألة أعتق النسمة وفك الرقبة قال أو ليسا واحدا قال لا عتق النسمة أن تفرد (169) عتقها وفك الرقبة أن تعتق في ثمنها وذكر تمام الحديث
166

ولو كان غير جائز للسيد أن يأخذ من مكاتبه ما تصدق به عليه لكان محظورا أيضا على كل غني أن يأخذ من الفقير ما تصدق به عليه ولو كان ذلك كذلك ما انتفع الفقير بشيء يأخذه من المال ولضاق عليه التصرف فيه والانتفاع به وهذا ما لا يخفى فساده على أحد وحسبك برسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد حرم الله عليه الصدقة ولم يمتنع لذلك من قبول هدية بريرة مما تصدق به عليها حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام بن ثعلبة قال حدثنا محمد بن بشار بندار قال حدثنا محمد بن جعفر غندر قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتي بلحم قالوا إنه تصدق به على بريرة فقال هو لها صدقة ولنا هدية (170) واختلف العلماء في الكتابة هل تجب فرضا على السيد إذا ابتغاها العبد وعلم فيه خيرا فقال عطاء وعمرو بن دينار ما نرى ذلك إلا واجبا وهو قول الضحاك بن مزاحم قال هي عزمة وإلى هذا ذهب داود واحتج بظاهر القرآن في الأمر بالكتابة واحتج أيضا بأن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل أنس بن مالك وهو مولاه الكتابة فأبى أنس فرفع عليه عمر الدرة وتلا * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * فكاتبه أنس وقال داود ما كان عمر ليرفع الدرة على أنس فيما له مباح ألا يفعله وحجة قائلي هذه المقالة ظاهر قول الله عز وجل * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * وهذا أمر حقيقته الوجوب إذا لم يتفق على أنه أريد به الندب
167

وقال مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي والأوزاعي وأصحابهم ليست الكتابة بواجبة ومن شاء كاتب ومن شاء لم يكاتب وهو قول الشعبي والحسن البصري وجماعة ومن حجتهم أنه لما لم يكن عليه واجب أن يبيعه ولا يهبه بإجماع وفي الكتابة إخراج ملكه عن يده بغير تراض ولا طيب نفس منه كانت الكتابة أحرى ألا تجب عليه وكان ذلك دليلا على أن الآية على الندب لا على الإيجاب ويحتمل أن يكون فعل عمر لأنس على الاختيار والاستحسان لا على الوجوب وقال إسحاق بن راهويه لا يسع السيد إلا أن يكاتبه إذا اجتمع فيه الأمانة والخير من غير أن يجبره الحاكم عليه وأخشى أن يأتم إن لم يفعل وأما قولها إني كاتبت أهلي على تسع أواقي في كل عام أوقية ففيه دليل على
أن الكتابة تكون بقليل المال وكثيره وتكون على أنجم وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء كلهم يقول فيما علمت إن الكتابة حكمها أن تكون على أنجم معلومة قال الشافعي أقلها ثلاثة واختلفوا في الكتابة إذا وقعت على نجم واحد أو وقعت حالة فأكثر أهل العلم يجيزونها على نجم واحد وقال الشافعي لا تجوز على نجم واحد ولا تجوز حالة البتة قال أبو عمر ليست كتابة إذا كانت حالة وإنما هو عتق على صفة كأنه قال إذا أديت إلي كذا وكذا فأنت حر وقد احتج بهذا الحديث أعني بقوله فيه في كل عام أوقية من أجاز النجوم في الديون كلها على مثل هذا في كل شهر كذا وفي كل عام كذا ولا يقول في أول الشهر أو وسطه أو آخره وأبى من ذلك آخرون حتى
168

يسمي الوقت من الشهر والعام ويكون محدودا معروفا والحجة في هذا الحديث لمن نزع به صحيحة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لها إنها (171) كتابة فاسدة إذ (172) لم يعرف متى يأخذ النجم أو الأوقية من العام وحسبهم في ذلك أن العام إذا انقضى أو انسلخ الشهر وجب النجم ومن أداه قبل ذلك قبل منه وليست الكتابة كالبيوع في كل شيء عند العلماء لأن العبد مع سيده أكثرهم لا يرى بينهما ربا ألا ترى أن المكاتب لو عجز (حل) (173) لسيده ما أخذ منه وليس ذلك كبيع العربان وللكلام في هذه المسألة موضع غير هذا وأما قوله تسع أواقي فالأوقية مؤنثة في اللفظ مقدارها أربعون درهما كيلا لا اختلاف في ذلك والدرهم الكيل درهم وخمسان بدراهمنا على ما قد مضى ذكره في باب عمرو بن يحيى ويجمع الأوقية أواقي بالتشديد كذلك قال أبو زيد الأنصاري وغيره من أهل اللغة قال أبو زيد وقد يتجاوز في الجمع فيقال أواق وقال أبو حاتم يقال أوقية وأواقي وبختية وبخاتي وأمنية وأماني وسرية وسراري قال وبعضهم يقول بخات وأمان وسرار وأواق وأما قول عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم عددتها لهم ففيه دليل على أن العد في الدراهم الصحاح تقوم مقام الوزن وأن الشراء بها جائز من غير ذكر الوزن لأنها لم تقل أزنها لهم ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم عدد الأواقي غير جائز ولو كان غير جائز لقال لهم إن العد في مثل هذا لا يجوز وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن التبايع كان بين الناس في ذلك الزمان بالأواقي وبالنواة وبالنش وهي أوزان (174) معروفة فالأوقية أربعون
169

درهما والنش نصفها والنواة زنة خمسة دراهم فقد (175) ذكرنا ذلك كله في باب حميد (176) من هذا الكتاب ذكر الواقدي قال وفيها يعني سنة ست وسبعين أمر عبد الملك بن مروان أن تنقش الدنانير والدراهم حدثني بذلك سعد بن راشد عن صالح بن كيسان قال وحدثني ابن أبي الزناد عن أبيه أن عبد الملك بن مروان ضرب الدنانير والدراهم وهو أول من أحدث ضربها قال وحدثني عبد الرحمان بن حزم الليثي عن هلال بن أمية قال سألت ابن المسيب في كم تجب الزكاة من الدنانير قال في كل عشرين مثقالا بالشامي نصف مثقال قلت ما بال الشامي من البصري قال هو الذي يضرب عليه الدنانير وكان ذلك وزن الدنانير قبل أن تضرب كانت (177) اثنين وعشرين قيراطا إلا حبة وكانت العشرة وزن سبعة وقال غير الواقدي كانت الدنانير في الجاهلية وأول الإسلام بالشام وعند عرب الحجاز كلها رومية تضرب ببلاد الروم عليها صورة الملك واسم الذي ضربت في أيامه مكتوب بالرومية ووزن كل دينار منها مثقال كمثقالنا هذا وهو وزن درهم ودانقين ونصف وخمسة أسباع حبة وكانت الدراهم بالعراق وأرض المشرق كلها كسروية عليها وصورة كسرى واسمه فيها مكتوب بالفارسية ووزن كل درهم منها مثقال فكتب ملك الروم واسمه لاوي بن فلفظ إلى عبد الملك أنه قد أعد له سككا ليوجه بها إليه فيضرب عليها الدنانير فقال عبد الملك لرسوله لا حاجة لنا فيها قد علمنا سككا نقشنا عليها توحيد الله واسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عبد الملك قد جعل الدنانير مثاقيل من زجاج لئلا تغير
170

أو تحول إلى زيادة أو نقصان وكانت قبل ذلك من حجارة وأمر فنودي ألا يتبايع أحد بعد ثلاثة أيام من ندائه بدينار رومي فكثرت الدنانير العربية وبطلت الرومية وذكر أبو عبيد في كتاب الأموال وذكر ذلك جماعة من أهل العلم بالسير والخبر أن الدراهم كانت غير معلومة إلى أيام عبد الملك بن مروان فجمعها وجعل كل عشرة من الدراهم وزن سبعة مثاقيل قال وكانت الدراهم يومئذ درهم من ثمانية دوانق زيف ودرهم من أربعة دوانق جيد قال فاجتمع رأي علماء ذلك الوقت لعبد الملك على أن جمعوا الأربعة الدوانق إلى الثمانية فصارت اثني عشر داقا فجعلوا الدرهم ستة دوانق وسموه كيلا فاجتمع لهم في ذلك أن في كل مائتي درهم زكاة وأن أربعين درهما أوقية وأن في الخمس الأواق التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دونها صدقة مائتي درهم لا زيادة وهي نصاب الصدقة وأما قولها إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت وفي حديث ابن شهاب عن عروة إن أحبوا أن أعطيهم لك جميعا ويكون ولاؤك لي فعلت فظاهر هذا الخطاب أنها أرادت أن تشتري منهم الولاء بعد عقد الكتابة وأن تؤدي في ذلك جميع الكتابة فأبى القوم من ذلك وطلبوا أن يكون الولاء لهم عند أداء عائشة لجميع الكتابة كأنها تبرعت بذلك وأرادت الولاء أو قصدت إلى ابتياع الولاء وهذا لا يصح عندنا والله أعلم لأنه لا خلاف بين علماء المسلمين أن الولاء لا يباع وأن من أدى عن مكاتب كتابته لم يكن له الولاء ولو صح هذا كان يكون النكير حينئذ على عائشة رحمها الله في إرادتها أن يكون الولاء لها بأذائها الكتابة عنها ولكن في حديث هشام بن عروة خذيها واشترطي الولاء لهم فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة
171

وقد قال وهيب وكان من الحفاظ في هذا الحديث عن هشام بن عروة إن أحب أهلك أن أعدها عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت فقولها وأعتقك دليل على شرائها لها شراء صحيحا لأنها لاتعتقها إلا بعد شرائها لها وهذا هو الظاهر في قولها أعتقك والله أعلم وفي حديث ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة لا يمنعك ذلك ابتاعي وأعتقي وقوله ابتاعي واعتقي في حديث ابن شهاب يفسر قوله في حديث هشام خذيها لأن قوله ابتاعيها وأعتقيها أمر منه صلى الله عليه وسلم لعائشة بالشراء ابتداء وعتقها لها بعد ملكها ليكون الولاء لها وهذا هو الصحيح في الأصول وإياه يعضد سائر الآثار عن عائشة في هذه القصة ألا ترى إلى ما روى مالك عن نافع عن ابن عمر أن عائشة أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها فقال أهلها نبيعكها على أن الولاء لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق وقد ذكرنا هذا الخبر في باب نافع من كتابنا هذا (178) وليس في شيء من أخبار بريرة أصح من هذا الإسناد عن ابن عمر وليس فيه اختلاف كما في حديث هشام من اختلاف ألفاظه وقد بان في حديث ابن عمر أن عائشة أرادت شراء بريرة وعتقها فأراد أهلها اشتراط الولاء لهم وفي مثل هذا يصح الإنكار المذكور في حديث
هشام بن عروة على أهل بريرة لأن الولاء يثبت للمشتري المعتق ثبوت النسب فلا يجوز لأحد تحويله عنه ببيع ولا اشتراط وكذلك في سياقه أكثر الأحاديث ما يدل على أن بريرة بيعت من عائشة لا أنها أدت عنها كتابتها إلا أن في هذا الحديث شرط الولاء مع البيع وإباحة النبي صلى الله عليه وسلم شراءها على ذلك دون إعمال الشرط وفي ذلك صحة البيع وإبطال الشرط
172

وروى الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن أهل بريرة أرادوا أن يبيعوها ويشترطوا الولاء فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق فبان بحديث الأسود عن عائشة وبحديث ابن شهاب أيضا المتقدم ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بالشراء ابتداء وبعتقها بعد ملكها ليكون الولاء لها وهذه الرواية عن عائشة موافقة لما رواه ابن عمر وهو الصحيح في ذلك على ما قدمنا ذكره وفي رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة أيضا ما يبين رواية هشام عن أبيه عن عائشة في قوله عليه السلام خذيها ولا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق وفيه دليل بل نص على صحة شرائها وصحة ملكها وصحة عتقها بعد ذلك واستحقاق ولائها والله أعلم واشتراط أهل بريرة ولاءها مع فضل بيعها على العتق فهو الذي خطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنكاره لتقدمه إليهم وإلى غيرهم في النهي عن بين الولاء وهبته وفي هذا الحديث على ما ذكرنا إجازة البيع على شرط العتق وهذه مسألة أختلف الفقهاء فيها وقد ذكرناها في باب نافع عن ابن عمر من هذا الكتاب فلا معنى لتكرير ذلك ها هنا وفيه دليل على أن المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء لأنه لو لم يكن عبدا ما جاز بيعه وفي كونه عبدا رد لقول من قال إذا عقدت كتابته فهو غريم من الغرباء ورد لقول من قال إذا أدى قيمته فهو غريم ورد لقول من قال إذا أدى الثلث فهو غريم ورد لقول من قال إذا أدى الشطر فهو غريم ورد لقول من قال يعتق منه بقدر ما أدى وروى الحكم بن عتيبة عن علي قال تجرى العتاقة فيه من أول نجم وروى إبراهيم عن علي قال تجرى الحدود عليه بقدر ما أدى وقال عنه عامر يعتق منه بقدر ما أدى وكان الحرث العكلي يقول كان علي رضي الله عنه أفقه من يقول يعتق من المكاتب بقدر ما أدى منكرا لذلك عنه
173

وهذه أقاويل اختلف فيها عن علي وابن مسعود وما أعلم أحدا من الفقهاء تعلق بها وروى عن شريح أنه قال إذا أدى الثلث فهو غريم وعن النخعي إذا أد الشطر فهو غريم وروى ذلك عن عمر وعلي وهو غير صحيح والله أعلم وقال جابر بن عبد الله من كاتب مكاتبا فإن شرط عليه أن يعود في الرق إن عجز كان كذلك وإن شرط أن يعتق منه بقدر ما أدى فهو كذلك وقد ذكرنا حكم ولاء المكاتب (179) ومن أجاز بيع ولائه ومن كرهه ومن قال لا بد من شرطه العتق عند الأداء وإلا فهو على الرق أبدا ومن أجاز للمكاتب أن يشترط ولاء (180) نفسه في باب عبد الله بن دينار من هذا الكتاب (181) فأغنى ذلك عن ذكره ههنا وفي حديث بريرة هذا مع صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم دليل واضح على أن المكاتب عبد ولولا ذلك ما بيعت بريرة وقد روى عن عمر وابن عمر وزيد ابن ثابت وعائشة وأم سلمة المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وهو قول سعيد ابن المسيب والقاسم وسليمان بن يسار والزهري وقتادة وعطاء وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري وابن شبرمة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المكاتب عبد ما بقي عليه درهم (182) واختلف القائلون هو عبد ما بقي عليه درهم إذا مات قبل أن يؤدي وترك مالا
174

فقالت طائفة كل ما ترك فهو لسيده قليلا كان أو كثيرا وإن عجز عاد رقيقا وممن قال بهذا مجاهد وعمر بن عبد العزيز والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وروي عن ابن المسيب وشريح والزهري نحوه قال الزهري حكمه حكم العبد وجنايته في عتقه (183) وهو قول الثوري وروى الحكم عن علي وابن مسعود وشريح يعطي سيده من تركته ما بقي من كتابته فإن فضل شيء كان لورثة المكاتب وروى عطاء وإبراهيم وأبو البختري عن علي نحوه وقد روي عن الزهري نحوه وبه قال ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمان والنخعي والشعبي والحسن وأبو حنيفة وأصحابه ومالك بن أنس جعلوه كغريم حل دينه غير أن مالكا جعل من كان معه في كتابته أحق ممن لم يكن معه من ورثته وقد روى الشعبي عن علي إذا مات المكاتب وترك مالا قسم ما ترك على ما أدى وعلى ما بقي فما أصاب ما أدى فهو لورثته وما أصاب ما بقي فلمواليه وهذا خلاف ما روى الحكم وعطاء وإبراهيم وأبو البختري عن علي رضي الله عنه وقد احتج من قال في المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى برواية ابن شهاب في هذا الحديث وذلك قوله ولم تكن أدت من كتابتها شيئا واحتج من قال يعتق منه بقدر ما أدى بحديث يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يؤدي المكاتب بقدر ما أدى دية الحر وبقدر ما رق منه دية عبد رواه حجاج الصواف وهشام الدستوائي وغيرهما عن يحيى ابن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس مسندا
175

وقد روي عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس مثله مسندا وقد ارسله بعضهم عن عكرمة قال يحيى بن أبي كثير وكان علي بن أبي طالب ومروان ابن الحكم يقولان ذلك وبه كان عكرمة يفتي وكان يقول المكاتب يؤدي بقدر ما أعتق منه وإن جنى جناية أو أصاب حدا فبقدر ما أعتق منه وقد ناظر علي بن أبي طالب زيد بن ثابت في المكاتب فقال لعلي أكنت راجمه لوزني أو مجيز شهادته إن شهد فقال علي لا فقال زيد فهو عبد ما بقي عليه شيء وفيه إجازة بيع المكاتب إذا رضي بالبيع وإن لم يكن عاجزا عن أداء نجم قد حل عليه خلاف قول من زعم أن بيع المكاتب غير جائز إلا بالعجز لأن بريرة لم تذكر أنها عجزت عن أداء نجم ولا أخبرت بأن النجم قد حل عليها ولا قال لها النبي صلى الله عليه وسلم أعاجزة أنت أم هل حل عليك نجم فلم تؤديه ولو لم يجز بيع المكاتب والمكاتبة إلا بالعجز عن أداء نجم قد حل لكان النبي صلى الله عليه وسلم قد سألها أعاجزة هي أم لا وما كان ليأذن في شرائها إلا بعد علمه صلى الله عليه وسلم أنها عاجزة ولو عن أداء نجم واحد قد حل عليها وفي خبر الزهري أنها لم تكن قضت من كتابتها شيئا ولا أعلم في هذا الباب (184) حجة أصح من حديث بريرة هذا ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعارضه ولا في شيء من الأخبار دليل على عجزها وأما اختلاف الفقهاء في بيع المكاتب فإن ابن شهاب وأبا الزناد وربيعة كانوا يقولون لا يجوز بيعه إلا برضى منه فإن رضي بالبيع فهو عجز منه وجاز بيعه
176

وقال مالك لا يجوز بيع المكاتب إلا أن يعجز عن الآداء فإن لم يعجز فليس له ولا لسيده بيعه قال وإذا كان المكاتب ذا مال ظاهر فليس له تعجيز نفسه وإن لم يظهر له مال
فذلك إليه وله تعجيزه دون السلطان ويمضي ذلك وكذلك (185) إن عجز نفسه قبل حل النجم بالأيام والشهر وإنما الذي لا يعجزه إلا السلطان فهو الذي يريد سيده تعجيزه بعدما حل عليه ما عليه وهو يأبى العجز ويقول يؤدي إلا أنه يمطل سيده فالسلطان يتلوم له فإن رأى له وجه أداء تركه وإن لم ير ذلك له عجزه بعد التلوم ولا يعجزه السيد وهو آب ولو أخر نجما أو أنجما إلا بالسلطان قال ولو شرط ذلك عليه لم يكن عاجزا إلا بقضية سلطان قال ولو غاب المكاتب فحلت نجومه فليس إشهاد السيد بتعجيزه تعجيزا إلا بنظر السلطان وهو إذا قدم على كتابته إن أدى وإلا نظر في ذلك السلطان وقال مالك الذي يقع بنفسي في قصة بريرة أنها كانت قد عجزت ولذلك اشترتها عائشة وقال إبراهيم النخعي وعطاء والليث بن سعد وأحمد وأبو ثور جائز بيع المكاتب على أن يمضي في كتابته فإن أدى عتق وكان ولاؤه للذي ابتاعه وإن عجز فهو عبد له وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجوز بيع المكاتب ما دام كاتبا حتى يعجز ولا يجوز بيع كتابته بحال وهو قول الشافعي بمصر لا يجوز بيع المكاتب وكان بالعراق يقول بيعه جائز وأما بيع كتابته فغير جائزة عنده وقال أبو حنيفة) (186) والشافعي جائز تعجيز المكاتب بغير حضرة السلطان وفعل ذلك ابن عمر وهو قول شريح والنخعي
177

وقال ابن أبي ليلى لا يجوز إلا عند قاض وكان الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم يقولون للسيد أن يعجزه إذا حل نجم من نجومه قال أبو حنيفة فإن قال أخروني وكان له مال حاضر أو غائب يرجو قدومه أخرته يومين أو ثلاثة لا أزيده على ذلك شيئا وبه قال محمد بن الحسن وقال الحكم وابن أبي ليلى والحسن بن صالح أقل ما يعجز به حلول نجمين وهو قول أبي يوسف وقال الثوري منهم من يقول نجم ومنهم من يقول نجمان (قال) (187) والاستيناء به أحب إلي وقال أحمد نجمان أحب إلينا وقال الأوزاعي يستأنى به شهرين ونحو ذلك وروي عن الحسن البصري في هذه المسألة قول شاذ أن المكاتب إذا عجز استسعى بعد العجز سنتين وهذا ليس بشيء وأجمع العلماء على أن المكاتب إذا حل عليه نجم من نجومه أو نجمان أو نجومه كلها فوقف السيد عن مطالبته وتركه (188) بحاله أن الكتابة لا تنفسخ ما داما على ذلك ثابتين واختلفوا إذا كان قويا على الأداء أو كان له مال فعجز نفسه فقال مالك ما قدمنا ذكره أنه ليس ذلك له إلا أن لم يعلم له مال وقال الأوزاعي لا يمكن من تعجيز نفسه إذا كان قويا على الأداء وقال الشافعي له أن يعجز نفسه علم له مال أو قوة على الكتابة أو (189) لم يعلم وإذا قال قد عجزت وأبطلت الكتابة فذلك إليه
178

قال أبو عمر يحتمل حديث بريرة أن ينزع منه مالك لمذهبه والشافعي لمذهبه هذا وبالله التوفيق واختلفوا في المكاتب يعجز وبيده مال من الصدقات تصدق به عليه فقال أكثر أهل العلم إن كل ما قبضه السيد منه من كتابته وما فضل بيده بعد عجزه من صدقة وغيرها فهو لسيده يطيب أخذ ذلك كله له هذا قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما وأحمد بن حنبل ورواية عن شريح وقال بعض أصحاب الشافعي إذا كان ما أخذه السيد من المكاتب قبل عجزه هو من كسب العبد لم يرده وإن كان استقرضه العبد أو أخذه من زكاة رجل فعلى السيد رده وعن الشعبي عن مسروق في مكاتب عجز كيف يصنع سيده بما أخذ منه قال يجعله في مثله من الرقاب قال وقال شريح إن عجز رد في الرق ولم يأخذ من مولاه ما أخذ منه وقال مالك إذا عجز المكاتب فكل ما قبضه منه السيد قبل العجز حل له كان من كسبه أو من صدقة عليه قال وأما (ما) (190) أعين به على فكاك رقبته فلم يف ذلك بكتابته كان لكل من أعانه الرجوع بما أعطى أو يحلل منه المكاتب ولو أعانوه صدقة لا على فكاك رقبته فذلك إن عجز حل لسيده ولو تم به فكاكه وبقيت فضله فإن كان بمعنى الفكاك ردها إليهم بالحصص أو يحللونه منها هذا كله مذهب مالك فيما ذكر ابن القاسم وقال الثوري يجعل السيد ما أعطاه في الرقاب وهو قول مسروق والنخعي ورواية عن شريح
179

وقالت طائفة ما قبض منه السيد فهو له وما فضل بيده بعد العجز فهو له دون سيده وهذا قول بعض من ذهب إلى أن العبد يملك وقال إسحاق ما أعطى لحال الكتابة رد على أربابه وهذه المسائل كلها في معنى الحديث المذكور في هذا الباب في قصة بريرة فلذلك ذكرناها وأما فروع مسائل المكاتب فكثيرة جدا لا سبيل في مثل تأليفنا هذا إلى إيرادها على شرطنا وبالله توفيقنا وفيه أيضا أن عقد الكتابة من غير أداء لا يوجب شيئا من العتق خلاف قول من جعله غريما من الغرماء وقد مضى ذكر ذلك عند ذكر قول من قال يعتق منه بقدر ما أدى والدليل على أن عقد الكتابة لا يوجب عتقها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز بيعها ولو كان فيها شيء من العتق ما أجاز بيع ذلك إذ من سنته المجتمع عليها أن لا = يباع الحر وأما قول هشام بن عروة في حديثه هذا خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق فكذلك رواه جمهور الرواة (191) عن مالك واشترطي الولاء ورواه الشافعي عن مالك عن هشام بإسناده ولفظه إلا أنه قال اشرطي لهم الولاء ذكر ذلك عنهم الطحاوي فلم يدخل التاء قال الطحاوي ومعنى أشرطي لهم الولاء أي أظهري لهم حكم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق أي أظهري لهم ذلك وعرفيهم أن الولاء لمن أعتق لأن الاشراط هو الإظهار في كلام العرب قال أوس بن حجر
* فاشرط فيها نفسه وهو معصم
* وألقى بأسباب له وتوكلا
* يعني أظهر نفسه لما حاول أن يفعل
180

قال وأما رواية سائر الرواة عن مالك في ذلك واشترطي لهم الولاء فيحتمل أن يكون اشترطي لهم الولاء أي اشترطي عليهم الولاء أنه لك أي اشتريت وأعتقت كقوله عز وجل * (وإن أسأتم فلها) * 192 بمعنى عليها وكقوله * (ولهم اللعنة) * 193 يعني عليهم اللعنة قال ويجوز أن يكون معناه الوعيد كقوله تعالى * (واستفزز من استطعت منهم بصوتك) * 194 قال أبو عمر ليس في حديث الشافعي عندنا من رواية المزني إلا اشترطي بالتاء فالله أعلم وقال أبو بكر بن داود قول رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق معلوم أنه لم يكن إلا بعد تحريم اشتراط الولاء لأنه لا يجوز في صفته صلى الله عليه وسلم أن يأمر بترك شيء ثم يخبر أنه لمن تركه بغير سبب حادث من المتروك له قال وإنما معناه اشترطي لهم الولاء فإن اشتراطهم إياه بعد علمهم بأن اشتراطه لا يجوز غير ضائر لك ولا نافع لهم لا
أنه صلى الله عليه وسلم أمر باشتراط الولاء لهم ليقع البيع بينها وبينهم فيبطل الشرط ويصح البيع وهم غير عالمين بأن اشتراطهم ذلك لأنفسهم غير جائز لهم لأن هذا مكر وخديعة لهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس من أن يفعل ما ينهى عن فعله أو يرضى لنفسه ما لا يرضاه لغيره وإنما كان هذا القول منه تهددا لمن رغب عن حكمه وخالف عن أمره وأقدم (195) على فعل ما قد نهى عن فعله وتهاونا بالشرط إذ كان غير
181

نافع لمشترطه قال الله عز وجل * (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا) * 196 والله عز وجل لم يجز للمشركين كيد الأنبياء والمرسلين ولا أباح لهم أن يكونوا بدعاء الأصنام معتصمين وإنما أعلمهم أن ذلك غير ضائر للمؤمنين ولا نافع للمشركين قال ومثله قوله تعالى ذكه * (قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب) * 197 الآية وكذلك قول هود * (فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم) * (198) الآية وهذا ليس بأمر ولا إغراء ولكنه تهاون بكيدهم واستخاف بتوعدهم وإظهار لعجزهم وذكر آيات كثيرة من هذا الباب وقال هذا الباب مشهور في كلام العرب يستعمله منهم من فلج بحجته وأمن من كيد خصمه قال المتلمس يهجو عمرو بن هند حين قتل طرفة بن العبد يخبر أنه غير خائف من توعده ولا جازع من تهدده
* 199) فإذا حللت ودون بيتي غارة
* فأبرق بأرضك ما بدا لك وأرعد
* قال فليس هذا القول أمرا منه له بالدوام على تهدده ولا نهيا له عن الإقامة على تخويفه وتوعده وإنما هو إعلام أن إيعاده غير ضائر له وأن مكائده غير لاحقة به قال وكذلك قوله * (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم) * ثم قال * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * 200 فهذا كله داخل
182

في باب التهاون وللتحذير خارج من باب الإباحة والتفويض ومن معنى الأغوار والتحريض لأنه قد أخبر عز وجل أن فعله ذلك غير ضائر لمن تولاه من عباده وأحب هدايته وأنه لا سلطان له عليهم وكفى بربك وكيلا أخبرنا محمد حدثنا علي حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد وأبو سهل بن زياد وعثمان بن أحمد الرقاق قالوا حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثني أبو ثابت قال حدثني عبد الله بن وهب قال أخبرني مالك أنه سأل ابن شهاب عن رجل خطب على عبده وليدة قوم واشترط أن ما ولدت الأمة من ولد فلي شطره وقد أعطاها العبد مهرها قال ابن شهاب هذا من الشرط الذي لا نرى له جوازا قال وقال ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس فقال يا معشر المسلمين ما بال قوم يشترطون شروطا ليست في كتاب الله من اشترط شرطا ليس في كتاب الله وإن كان شرط مائة شرط فليس له شرطه شرط الله أحق وأوثق قال أبو الحسن هذا حديث صحيح غريب من حديث مالك تفرد به إسماعيل بن إسحاق عن أبي ثابت قال أبو عمر وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن بيع الأمة ذات الزوج ليس بطلاق لها لأن العلماء قد اجمعوا ولم تختلف في ذلك الآثار أيضا أن بريرة كانت إذ اشترتها عائشة ذات زوج وإنما اختلفوا في زوجها هل كان حرا أو عبدا وقد أجمع علماء المسلمين على أن الأمة إذا أعتقت وزوجها عبد أنها تخير واختلفوا إذا كان زوجها حرا هل تخير أم لا وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك كله وفي حكمها إذا خيرت وحكم فرقتها وعدتها وسائر
183

معانيها وحجة كل فرقة منهم في باب ربيعة من هذا الكتاب (201) والحمد لله وفي إجماعهم على أن بريرة قد خيرت تحت زوجها بعد أن اشترتها عائشة فأعتقتها خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين أن تقر عند زوجها وبين أن يفسخ نكاحها وفي تخييره لها في ذلك دليل على أن بيع الأمة ليس بطلاقها لأن بيعها لو كان طلاقا ما خيرت وهي مطلقة وعلى القول بأن بيع الأمة ليس بطلاقها جماعة فقهاء الأمصار من أهل الرأي والحديث وجمهور السلف وقد روي عن بعضهم أن بيع الأمة طلاقها وممن روي ذلك عنه ابن مسعود وابن عباس وقال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله في فتوى ابن عباس رضي الله عنه إن بيع الأمة طلاقها مع رواياته لقصة بريرة وتخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها بعد البيع والعتق وشهادته أنه رأى زوجها يتبعها في سكك المدينة دليل على أن المخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر وإن كان فقيها عالما مبرزا قد يعزب عنه بعض دلائل الخبر الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن ابن عباس قد عزب عنه مع علمه وفهمه وفقهه موضع الاستدلال بذلك إذ كان يقول بيع الأمة طلاقها قال ومن هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم نضر الله أمرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها لمن لم يسمعها فرب مبلغ أوعى له من سامع (202) وروى ابن سيرين هذا الخبر وقال قد والله كان ذلك رب مبلغ كان أوعى للخبر من سامعه
184

وفيه أيضا دليل على أن من شأن الخطبة أن يقال فيها أما بعد وقد اختلف في قول الله عز وجل * (وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) * 203 فقال قوم فصل الخطاب أما بعد وقال آخرون فصل الخطاب البينات والشهود ومعرفة القضاء وفيه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز بيع بريرة على ذلك الشرط الفاسد وهو اشتراط موالي بريرة لأنفسهم الولاء دون عائشة وهي المعتقة وهذا خلاف قول من زعم أن البيع يفسد إذا كان فيه شرط فاسد وفي إجازة النبي صلى الله عليه وسلم البيع وشرط العتق معا وإبطاله شرط الولاء لغير المعتقة دليل على أن من الشروط ما يبطل ولا يلزم ولا يضر البيع والشروط في البيع على وجوه ثلاثة أحدها مثل هذا فاسد ولا يبطل البيع لبطلانه بل يصح البيع ويبطل الشرط والآخر يجوز اشتراطه فيجوز البيع والشرط معا والثالث قد يكون في البيع شروط يكون البيع معها فاسدا ولبيان ذلك وبسطه وتلخيصه موضع غير هذا أخبرنا خلف بن القاسم وعبد الله بن محمد بن أسد قالا حدثنا محمد ابن عبد الله بن أشته الأصبهاني المقرئ قال أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد الصحاف قال حدثنا عبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير قال حدثنا محمد بن سليمان الذهلي قال حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة فقلت ما تقول في رجل باع بيعا وشرط شرطا فقال البيع باطل والشرط باطل ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال البيع جائز والشرط باطل ثم أتيت ابن شبرمة فسألته فقال البيع جائز والشرط جائز فقلت يا سبحان الله ثلاثة من فقهاء العراق اختلفتم في مسألة واحدة فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال لا أدري ما قالا
185

حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط البيع باطل والشرط باطل ثم أتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال لا أدري ما قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة فأعتقها وإن أشترط أهلها الولاء فإنما الولاء لمن أعتق البيع جائز والشرط باطل ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال ما أدري ما قالا حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال بعت من النبي صلى الله عليه وسلم ناقة وشرط لي حلابها أو ظهرها إلى المدينة البيع جائز والشرط جائز قال أبو عمر كان ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جابر في غزوة ذات الرقاع وذلك سنة أربع من الهجرة كذلك ذكر ابن إسحاق عن وهب بن كيسان عن جابر قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة ذات الرقاع وذكر الحديث في شرائه منه جمله ولم يذكر أنه اشترط عليه فيه شيئا واضطراب ألفاظ الناقلين لخبر جابر في ذلك كثير وأما قوله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل فمعناه كل شرط ليس في حكم الله وقضائه في كتابه أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله قد قرن طاعة رسوله بطاعته في آيات كثيرة من كتابه وقال الله عز وجل * (كتاب الله عليكم) * 204 يريد حكم الله عليكم وقضاؤه فيكم أن حرم عليكم ما ذكر في تلك الآية وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن قضاء الله وشرطه أن يكون الولاء لمن أعتق ولا يعلم في نص كتاب الله ولا في دلالة منه أن الولاء للمعتق وإنما ذلك في سنة رسول الله المأثورة عنه بنقل أهل العدالة من جهة الخبر الخاص
186

وأما أمر الله عز وجل باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم جاز أن يقال لكل حكم حكم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم الله وقضاؤه ألا ترى إلى حديث الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة وزاد ابن خالد الجهني في الرجلين اللذين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما المائة شاة والخادم فرد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام فقد أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي بينهما بكتاب الله وهو صادق في قوله صلى الله عليه وسلم وليس في كتاب الله أن على الزاني والزانية نفي سنة مع الجلد ولا فيه أن على الثيب الرجم وهذه الأحكام كلها إنما هي في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه أيضا دليل على أن الشروط وإن كثرت حتى تبلغ مائة شرط أو أكثر أنها جائز اشتراطها إذا كانت جائزة لا يردها كتاب ولا سنة ولا ما كان في معناهما ألا ترى إلى قوله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرطه أوثق وإنما الولاء لمن أعتق وفي قوله إنما الولاء لمن أعتق نفي ان يكون الولاء إلا لمعتق وذلك ينفي أن يكون لمن أسلم على يديه ولاء أو للملتقط ولاء وأن يوالي أحد أحدا بغير عتاقة وقوله لمن أعتق يدخل فيه الذكر والأنثى والواحد والجميع لأن من يصلح لذلك كله إلا أن النساء ليس لهن من الولاء إلا ولاء من أعتقن أو عتيقه وقد ذكرنا كثيرا من أحكام الولاء مستوعبة ممهدة في باب ربيعة من هذا الكتاب فلا وجه لتكرير ذلك ههنا وفيه أيضا دلالة على أن المكاتب إذا بيع للعتق برضى منه بعد الكتابة وقبض بائعه لم يجب عليه أن يعطيه من ثمنه شيئا وسواء باعه لعتق أو لغير عتق وليس ذلك كالسيد يؤدي مكاتبه إليه كتابته فيؤتيه منها أو يضع عنه من آخرها نجما أو ما شاء على ما أمر الله عز وجل به في قوله * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) *
187

205 لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر موالي بريرة بإعطائها مما قبضوا شيئا وإن كانوا قد باعوها للعتق واختلف أهل العلم في معنى قول الله عز وجل * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * فذهبت طائفة من أهل العلم وهو قول بعض أهل النظر من متأخري أصحاب الشافعي إلى أن قوله عز وجل * (وآتوهم من مال الله) * لم يرد به سيدي المكاتبين وإنما هو خطاب عام للناس مقصود به إلى من آتاه الله مالا تجب فيه زكاة فأعلم الله عباده أن وضع الزكاة في العبد المكاتب جائز وإن كان لا يؤمن عليه العجز وخصه من بين سائر العبيد بذلك فجعل للمكاتبين حقا في الزكوات بقوله * (وفي الرقاب) * 206 قالوا وهذا هو الوجه الذي يجب الاعتماد عليه في الإيتاء المذكور في الآية لأن وضع بعض الكتابة لا تسميه العرب إيتاء والإيتاء هو إعطاء ما تتناوله الأيدي بالدفع والقبض هذا هو المعروف عند أهل اللسان قالوا (207) ولو أراد الوضع عن المكاتب لقال ضعوا عنهم أو فأعينوهم (208) به بل هو من مال غير الكتابة ومعروف في نظام (209) القرآن أن يسبق بضمير على غيره كما قال * (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن) * 210 والمأمور بترك العضل الأولياء لا المطلقون ومثله قوله * (أولئك مبرؤون مما يقولون) * 211 والمبرؤون غير القائلين وهذا كثير في القرآن
188

وقال مالك والشافعي هو أن يوضع عن المكاتب من آخر كتابته شيء قال مالك وقد وضع ابن عمر خمسة آلاف درهم من خمسة وثلاثين ألفا وكان مالك يرى هذا ندبا واستحسانا (212) ويستحبه ولا يجبر عليه ولا يوجبه وكان الشافعي يوجبه ولا يجد فيه حدا وكانا جميعا يستحبان أن يوضع عنه من آخر الكتابة ربعها وهو قول الثوري وإسحاق بن راهويه في استحباب الوضع من الكتابة وكان الشافعي يرى أن يجبر السيد على أن يضع من آخرها لا يجد وقال قتادة يوضع عنه عشر الكتابة وروى عن علي بن أبي طالب وابن عباس في قوله عز وجل * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * قال الربع من كتابته وقال أبو حنيفة وأصحابه ليس على السيد أن يضع عن مكاتبه شيئا من كتابته وتأويل قول الله عز وجل عندهم * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * على الندب والحض على الخير لا على الإيجاب وممن روي عنه أن الأمر بالإيتاء ندب وحض بريدة الأسلمي والحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وكان داود بن علي يرى الكتابة فرضا إذا ابتغاها العبد وعلم فيه الخير وكان يرى الإيتاء أيضا فرضا من غير حد ولا يرى وضع آخرها من هذا المعنى وفي هذا الحديث أيضا دليل على إباحة تسجيع الكلام فيما يجوز وينبغي من القول وذلك بيان لقوله في تسجيع الأعرابي إنما هو من إخوان الكهان وقد مضى هذا المعنى مجودا في باب ابن شهاب من هذا الكتاب ومضى ذكر الولاء واختلاف العلماء في أحكامه في باب (213) ربيعة والحمد لله
189

حديث رابع وعشرون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال قالت فدخلت عليهما فقلت يا أبت (214) كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك قالت فكان = أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول
* كل امرئ مصبح في أهله
* والموت أدنى من شراك نعله
* وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول
* ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
* بواد وحولي إذخر وجليل
*
* وهل أدرن يوما مياه مجنة (215
* وهل يبدون لي شامة وطفيل
* قالت عائشة فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها واجعلها في = الجحفة (216) وأما قوله إذخر وجليل فهما نبتان من الكلأ طيبا الرائحة يكونان بمكة وأوديتها لا يكادان يوجدان بغيرها وشامة وطفيل جبلان بمكة وقيل أحدهما بجدة وقيل بوادي فخ
190

ولم يختلف رواة الموطأ فيما علمت عن مالك في إسناد هذا الحديث ولا في متنه ولم يذكر مالك فيه قول عامر بن فهيرة وسائر رواة هشام يذكرونه عنه فيه بهذا الإسناد وذكره مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد قال قالت عائشة وكان عامر بن فهيرة يقول
* قد رأيت الموت قبل ذوقه
* إن الجبان حتفه من فوقه
* ورواه ابن عيينة ومحمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فجعل الداخل على أبي بكر وبلال وعامر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عائشة وقد تابع مالكا على روايته في ذلك سعيد بن عبد الرحمان التحرومي أخبرنا عبد الرحمان بن يى قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا سحنون قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني سعيد بن عبد الرحمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال وعامر بن فهيرة قالت فدخلت عليهم وهم في بيت فقلت يا أبت كيف تجدك يا بلال كيف تجدك يا عامر كيف تجدك فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول
* كل امرئ مصبح في أهله
* والموت أدنى من شراك نعله
* ويقول عامر بن فهيرة
* قد ذقت طعم الموت قبل ذوقه
* إن الجبان حتفه من فوقه
* وكان بلال إذا اقلع (217) عنه يرفع عقيرته فيقول ألا ليت شعري فذكر البيتين والحديث إلى آخره كرواية مالك سواء إلا أنه ذكر فيه قول عامر بن فهيرة كما ترى وجعل الداخل عليهم عائشة
191

وأما حديث ابن عيينة فحدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة حم أصحابه قالت فدخل رسول الله على أبي بكر يعوده فقال كيف تجدك يا أبا بكر فقال أبو بكر =
* كل امرئ مصبح في أهله
* والموت أدنى من شراك نعله
* قالت ودخل على عامر بن فهيرة فقال كيف تجدك فقال (218
* وجدت طعم الموت قبل ذوقه
* إن الجبان حتفه من فوقه
* كالثور يحمي جلده بروقه (219
* قالت ودخل علي بلال فقال كيف تجدك فقال
* ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
* بفخ وحولي إذخر وجليل
* وربما قال سفيان بواد
* وهل أردن يوما مياه مجنة
* وهل يبدون لي شامة وطفيل
* 220) فقال رسول الله اللهم إن إبراهيم عبد وخليلك دعاك لأهل مكة وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة بمثل ما دعاك إبراهيم لأهل مكة الله بارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا وبارك لنا في مدينتنا قال سفيان وأراه قال وفي فرقنا (221) اللهم حببها إلينا ضعفي ما حببت إلينا مكة أو أشد وصححها وانقل وباءها إلى خم (222) أو الجحفة (223)
192

هكذا قال ابن عيينة في هذا الحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو كان الداخل على أبي بكر وعلى بلال وعامر بن فهيرة يعودهم وهو كان المخاطب لهم وشك في قول بلال في البيت الذي أنشده بفخ أو بواد وروى ابن إسحاق هذا الحديث عن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة بمثل رواية ابن عيينة سواء في المعنى إلا أنه قال بفخ من غير شك ولم يقل بواد قال الفاكهي وفخ الوادي الذي بأصل الثنية البيضاء إلى بلدح قال أبو عمر وهو قرب ذي طوى وإياه عنى الشاعر النميري حيث قال
* تضوع مسكا بطن نعمان أن مشت
* به زينب في نسوة خفرات
* مررن بفخ رائحات عشية
* يلبين للرحمان معتمرات
* ونعمان وادي عرفات وقال آخر
* ماذا بفخ من الإشراق والطيب
* ومن حوار تقيات رعابيب
* وأما قول ابن عيينة وانقل وباءها إلى خم أو الجحفة شك فإن خم أيضا من الجحفة قريب وقال ابن إسحاق في حديثه وانقل وباءها إلى مهيعة وهي الجحفة وقد روى ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول رأيت في المنام امرأة سوداء ثائرة الشعر تفلة أخرجت من المدينة فأسكنت مهيعة (224) فأولتها وباء المدينة ينقلها الله
193

إلى مهيعة (225) وفي هذا الحديث بيان ما هو متعارف حتى الآن من تنكر البلدان على من لم يعرف هواها ولم يغذ بمائها وفيه عيادة الجلة السادة لإخوانهم ومواليهم الصالحين وفي فضل العيادة آثار كثيرة قد وقعت في مواضعها من هذا الكتاب وفيه سؤال العليل عن حاله بكيف تجدك وكيف أنت ونحو ذلك وفيه أن إشارة المريض إلى ذكر ما يجد ليس بشكوى وإذا جاز استخبار العليل جاز إخباره عما به ومن رضي فله الأجر والرضى ومن سخط فله السخط والبلوى وفيه إجازة إنشاد الشعر والتمثل به واستماعه وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعه وأبو بكر ينشده فهل للتقليد والاقتداء موضع أرفع من هذا وما استنشده رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشد بين يديه أكثر من أن يحصى ولا ينكر الشعر الحسن أحد من أولي العلم ولا من أولي النهى قال آخر (226
* ماذا بفخ من الإشراق والطيب
* ومن حوار تقيات رعابيب
* وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر وتمثل به أو سمعه فرضيه وذلك ما كان حكمه أو مباحا من القول ولم يكن فيه فحش ولا خنى ولا لمسلم أذى فإن كان ذلك فهو والمنشور من الكلام سواء لا يحل سماعه ولا قوله حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا الزعفراني حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن
194

أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول أصدق أو أشعر كلمة قالتها العرب (227) لبيد
* ألا كل شيء ما خلا الله باطل
* = وروينا من وجوه عن ابن سيرين وكان من الورع بمنزلة ذهبت مثلا أنه أنشد شعرا فقال له بعض جلسائه مثلك ينشد الشعر يا أبا بكر فقال ويلك يا لكع وهل الشعر إلا كلام لا يخالف سائر الكلام إلا في القوافي فحسنه حسن وقبيحه قبيح قال وقد كانوا يتذاكرون الشعر قال وسمعت (228) ابن عمر ينشد
* يحب الخمر من مال الندامى
* ويكره أن تفارقه الفلوس
* حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سعيد بن السكن حدثنا محمد بن يوسف حدثنا البخاري أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمان أن مروان بن الحكم أخبره أن عبد الرحمان ابن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أبي بن كعب أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من الشعر حكمة (229) وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم شعراء يناضلون عنه ويردون عنه الأذى وهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وفيهم نزلت * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * لأنه لما نزلت * (والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون) * 231 جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول
195

الله قد أنزل الله هذا (في) (232) الشعراء فنزلت * (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا) * فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم هم * (
وانتصروا من بعد ما ظلموا) * (233) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم هم وفي هذا دليل على أن الشعر لا يضر من آمن وعمل صالحا وقال حقا وأنه كالكلام المنثور يؤجر منه المرء على ما يؤجر منه ويكره له منه ما يكره منه والله أعلم قال أبو عمر وأما قوله صلى الله عليه وسلم لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا (234) فأحسن ما قيل في تأويله والله أعلم أنه الذي قد غلب الشعر عليه فامتلأ صدره منه دون علم سواه ولا شيء من الذكر غيره ممن يخوض به في الباطل ويسلك به مسالك لا تحمد له كالمكثر من الهذر واللغط والغيبة وقبيح القول ولا يذكر الله كثيرا وهذا كله مما اجتمع العلماء على معنى ما قلت منه ولهذا قلنا فيما روي عن ابن سيرين والشعبي ومن قال بقولهما من العلماء الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح أنه قول صحيح وبالله التوفيق وأما قوله في حديث مالك فرفع بلال عقيرته فمعناه رفع بالشعر صوته كالمتغني به ترنما وأكثر ما تقول العرب رفع عقيرته لمن رفع بالغناء صوته وفي هذا الحديث دليل على أن رفع الصوت بإنشاد الشعر مباح ألا ترى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على بلال رفع عقيرته بالشعر وكان بلال قد حمله على ذلك شدة تشوقه إلى وطنه فجرى في ذلك على عادته فلم ينكر رسول
196

الله صلى الله عليه وسلم (عليه) (235) وهذا الباب من الغناء قد أجازه العلماء ووردت الآثار عن السلف بإجازته وهو يسمى غناء الركبان وغناء النصب والحذاء هذه الأوجه من الغناء لا خلاف في جوازها بين العلماء روى ابن وهب عن أسامة وعبد الله ابني زيد بن أسلم عن أبيهما زيد ابن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال الغناء من زاد الراكب أو قال زاد المسافر أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال عمر نعم زاد الراكب الغناء نصبا وأخبرنا احمد حدثنا محمد بن بشار حدثنا وهب بن جرير حدثني أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن صالح بن كيسان عن عبيد (236) الله بن عبد الله قال رأيت أسامة بن زيد مضطجعا على باب حجرته رافعا عقيرته يتغنى قال وحدثنا ابن بشار أخبرنا أبو عاصم أخبرنا ابن جريج قال قال ابن شهاب عن عمر بن عبد العزيز أن محمد بن نوفل أخبره أنه رأى أسامة بن زيد واضعا إحدى رجليه على الأخرى يتغنى النصب وروى شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه أخبره أنه سمع عبد الله بن الأرقم رافعا عقيرته يتغنى قال عبد الله بن عتيبة لا والله ما رأيت رجلا أخشى لله من عبد الله بن الأرقم وقد ذكر أهل الأخبار أن عمر بن الخطاب أتى دار عبد الرحمان بن عوف فسمعه يتغنى بالركبانية
* وكيف توائي بالمدينة بعدما
* قضى وطرا منها جميل بن معمر
*
197

هكذا ذكر هذا الخبر الزبير بن بكار وذكره المبرد مقلوبا أن عبد الرحمان سمع ذلك من عمر والصواب ما قاله الزبير والله أعلم حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير حدثني أبو السائب حدثنا ابن إدريس عن ابن جريج قال سألت عطاء عن الحداء والشعر والغناء قال ابن إدريس يغني غناء الركبان فقال لا بأس به ما لم يكن فحشا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدأ له في السفر روي ذلك من حديث ابن مسعود وابن عباس وروى شعبة عن ثابت البناني عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير ومعهم حاد وسائق حدثنا أحمد بن محمد قراءة مني عليه أن أحمد بن الفضل بن العباس حدثهم قال حدثنا محمد بن جرير بن يزيد قال حدثنا مجاهد بن موسى قال أخبرنا يزيد قال أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال كان البراء جيد الحداء وكان حادي الرجال وكان الجثمة يحدو بالنساء فحدا ذات ليلة فأعنقت الإبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك يانجشة رويدا سوقك بالقوارير وقد حدا به صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وعامر ابن سنان وجماعة فهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء إذا كان الشعر سالما من الفحش والخنى وأما الغناء الذي كرهه العلماء فهذا الغناء بتقطيع حروف الهجاء وإفساد وزن الشعر والتمطيط به طلبا للهو والطرب وخروجا عن مذاهب العرب والدليل على صحة ما ذكرنا أن الذين أجازوا ما وصفنا من النصب والحداء هم كرهوا هذا النوع من الغناء وليس منهم يأتي شيئا وهو ينهى عنه
198

روى (237) شعبة وسفيان عن الحكم وحماد عن إبراهيم قال قال عبد الله بن مسعود الغناء ينبت النفاق في القلب وروى ابن وهب عن سليمان بن بلال عن كثير بن زيد أنه سمع عبيد الله بن عبد الله بن عمر يقول للقاسم بن محمد كيف ترى في الغناء فقال القاسم هو باطل قال قد عرفت أنه باطل فكيف ترى فيه قال القاسم أرأيت الباطل أين هو قال في النار قال فهو ذاك وروي من حديث أنس وحديث عبد الرحمان بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال معنى ما أقول لك صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما صوت مزمار ورنة شيطان عند نغمة ونوح ورنة عند مصيبة ولطم وجوه وشق جيوب فهذا ما اتى في كراهية الغناء وقد أتى ما هو أثبت من هذا من جهة الإسناد في خصوص الرخصة في ذلك في الأعياد والإملاك خاصة روى ابن شهاب وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان في يوم عيد أو في أيام منى ويضربان بالدف ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ذلك ولا ينهاهما فانتهرهما أبو بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وفي كلا الوجهين آثار عن السلف كثيرة تركت ذكرها لأن مدار الباب كله على ما أوردنا فيه والله أسأله العصمة والتوفيق وقد رويت الرخصة في الألحان التي تعرفها العرب ورفع العقيرة بها دون ألحان الأعاجم المكروهة عن جماعة من علماء السلف لو ذكرناهم لطال الكتاب بذكرهم وحسبك منهم بسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وهما ممن يضرب المثل بهما ذكر وكيع محمد بن خلف قال حدثني عبد الله بن سعد قال حدثني الحسن بن علي بن منصور قال أخبرني أبو عتاب عن
199

إبراهيم بن محمد بن العباس المطلبي أن سعيد بن المسيب مر في بعض أزقة مكة فسمع الأخضر الحدي يتغنى في دار العاصي بن وائل (238
* تضوع مسكا بطن نعمان إن مشت
* به زينب في نسوة خفرات
* فضرب سعيد برجله وقال هذا والله ما يلذ استماعه ثم قال
* وليست كأخرى أوسعت جيب درعها وأبدت بنان الكف بالجمرات
*
* وعلت بنان المسك وحفا مرجلا
* على مثل بدر لاح في ظلمات
* وقامت ترائي يوم جمع فأفتنت
* برؤيتها من راح من عرفات
* قال فكانوا يرون أن هذا الشعر لسعيد بن المسيب قال أبو عمر يحفظ لسعيد أبيات كثيرة وتمثل أيضا بأبيات لغيره كثيرة وليس هذا في شعر النميري والذي حفظناه من شعر النميري ورويناه ليس فيه هذه الأبيات فهي لسعيد والله أعلم والنميري هذا ليس هو من بني نمير إنما هو ثقفي وهو محمد بن عبد الله نسب إلى جده وروى قتيبة بن سعيد عن أبي بكر بن شعيب بن الحجاب المعولي عن أبيه قال كنت عند ابن سيرين فجاءه إنسان يسأله عن شيء من الشعر قبل صلاة العصر فأنشده ابن سيرين
* كأن المدامة والزنجبيل
* وريح الخزامى وذوب العسل
*
* يعل به برد أنيابها
* إذا النجم وسط المساء اعتدل
*
200

وقال الله أكبر ودخل في الصلاة وهذا الشعر أيضا للنميري المذكور في زينب أخت الحجاج التي له فيها الشعر الثاني أوله
* ألا من لقلب معنى غزل
* يحب المحلة أخت المحل
* تراءت لنا يوم فرع الأراك
* بين العشاء وبين الأصل
* كأن القرنفل والزنجبيل
* وريح الخزامى وذوب العسل
* يعل به برد أنيابها
* إذا ما صغا الكوكب المعتدل
* وقد مضى في مواضع من هذا الكتاب في أمر استتار النساء والحجاب وفضائل المدينة ما يغني عن تكريره في هذا الباب والحمد لله
حديث خامس وعشرون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال سئل أسامة بن زيد وأنا جالس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع من عرفة فقال كان يسير العنق (239) فإذا وجد فرجة (240) نص قال هشام والنص فوق العنق (241) هكذا قال يحيى فرجة وتابعه جماعة منهم أبو المصعب وابن بكير وسعيد بن عفير وقالت طائفة منهم ابن وهب وابن القاسم والقعنبي فإذا وجد فجوة والفجوة والفرجة سواء في اللغة وليس في هذا الحديث أكثر من
201

معرفة كيفية السير في الدفع من عرفة وهو شيء يجب الوقوف عليه وامتثاله على أئمة الحاج فمن دونهم لأن في استعجال السير إلى مزدلفة استعجال الصلاة بها ومعلوم أن المغرب لا تصلى تلك الليلة إلا مع العشاء وتلك (242) سنتهما فيجب أن يكون ذلك على حسب ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قصر عن ذلك أو زاد فقد أساء إذا كان عالما بما جاء في ذلك وأما حكم الجمع بين (243) الصلاتين في المزدلفة فقد ذكرناها في باب ابن شهاب من هذا الكتاب والحمد لله والعنق مشي معروف للدواب لا يجهل وقد يستعمل مجازا في غير الدواب قال الشاعر
* يا جارتي يا طويلة العنق
* أخرجتني بالصدود عن عنق
* والنص ههنا كالخبب وهو فوق العنق وأرفع في الحركة وأصل النص في اللغة الرفع يقال منه نصصت الدابة في سيرها قال الشاعر
* ألست التي كلفتها سير ليلة
* من أهل منى نصا إلى أهل يثرب
* وقال اللهبي
* يا رب بيداء وليل داج
* قطعته بالنص والإدلاج
* وقال آخر
* ونص الحديث إلى أهله
* فإن الوثيقة في نصه
* أي ارفعه إلى أهله وانسبه إليهم
202

وقال أبو عبيد النص التحريك الذي يستخرج به من الدابة أقصى سيرها وأنشد قول الراجز تقطع الخرق بسير نص وأما النص في الشريعة فما استوى من خطاب القرآن وغيره ظاهره مع باطنه وفهم مراده من ظاهره ومنهم من قال النص ما لا يصح أن يرد عليه التخصيص ويسلم من العلل ولهم في حدوده كلام كثير ليس هذا موضع ذكره وبالله التوفيق
حديث سادس وعشرون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن الأرقم كان يؤم أصحابه فحضرت الصلاة يوما فذهب لحاجته ثم رجع فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة (244) قد ذكرنا عبد الله بن الأرقم في كتابنا في الصحابة بما يغني عن ذكره ههنا ولم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ولفظه واختلف فيه عن هشام بن عروة فرواه مالك كما ترى وتابعه زهير بن معاوية وسفيان بن عيينة وحفص بن غياث ومحمد بن إسحاق وشجاع بن الوليد وحماد بن زيد ووكيع وأبو معاوية والمفضل بن فضالة ومحمد بن كناسة كلهم رواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم كما رواه مالك ورواه
203

وهيب بن خالد وأنس بن عياض وشعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل حدثه عن عبد الله بن الأرقم فأدخل هؤلاء بين عروة وبين عبد الله بن الأرقم رجلا ذكر ذلك أبو داود ورواه أيوب بن موسى عن هشام عن أبيه أنه سمعه من عبد الله بن الأرقم فالله أعلم ذكر (245) عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج عن أيوب بن موسى عن هشام بن عروة عن عروة قال خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله بن الأرقم الزهري فأقام الصلاة ثم قال صلوا وذهب لحاجته فلما رجع قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط (246) فهذا الإسناد يشهد بأن رواية مالك ومن تابعه في هذا الحديث متصلة وابن جريج وأيوب بن موسى ثقتان حافظان حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد ابن سعيد الجمال قال حدثنا محمد بن عبد الله بن كناسة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا حضرت الرجل الصلاة وأراد الخلاء بدأ بالخلاء وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله ابن الأرقم أنه كان يسافر فكان يؤذن لأصحابه ويؤمهم فثوب بالصلاة يوما فقال ليؤمكم أحدكم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أراد أحدكم أن يأتي الخلاء وأقيمت الصلاة فليبدأ بالخلاء (247)
204

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله ابن الأرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه ورواه أبو الأسود عن عروة عن عبد الله بن الأرقم ذكره ابن وهب عن ابن لهيعة عن أبي الأسود في هذا الحديث من الفقه أن لا يصلي أحد وهو حاقن واختلف الفقهاء فيمن صلى وهو حاقن فقال ابن القاسم عن مالك إذا شغله ذلك فصلى كذلك فإني أحب أن يعيد في الوقت وبعده وقال الشافعي وأبو حنيفة وعبيد الله بن الحسن يكره أن يصلي وهو حاقن وصلاته جائزة مع ذلك إن لم يترك شيئا من فرضها وقال الثوري إذا خاف أن يسبقه البول قدم رجلا وانصرف وقال الطحاوي لا يختلفون أنه لو شغل قلبه بشيء من أمر الدنيا لم تستحب له الإعادة كذلك إذا شغله البول قال أبو عمر أحسن شيء روي مسندا في هذا الباب حديث عبد الله بن الأرقم وحديث عائشة فأما حديث عبد الله بن الأرقم فقد مضى وأما حديث عائشة فأحسن أسانيده ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل ومحمد بن عيسى ومسدد (248) المعنى (249) قالوا حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن أبي حرزة قال حدثنا عبد الله بن محمد يعني ابن أبي بكر أخو القاسم بن محمد قال كنا عند عائشة فجيء بطعامها فقام القاسم يصلي فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
205

يقول لا يصلي أحد بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان (250) وهذا حديث ثابت صحيح وأما ما روي عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يصلي أحدكم وهو يدافع الأخبثين الغائط والبول فلا أصل له في حديث مالك وهو موضوع الإسناد قال أبو عمر قد أجمعوا أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته ولم يترك من فرائضها شيئا أن صلاته مجزية عنه فكذلك إذا صلاها (251) حاقنا فأكمل صلاته وفي هذا دليل على أن النهي عن الصلاة بحضرة الطعام من أجل خوف اشتغال بال المصلي بالطعام عن الصلاة وتركه إقامتها على حدودها فإذا أقامها على حدودها (252) خرج من المعنى المخوف عليه وأجزته صلاته لذلك وقد روى يزيد بن شريح الحضرمي عن أبي حي المؤذن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل لمؤمن أن يصلي وهو حاقن جدا رواه ثور ابن يزيد الشامي عن يزيد بن شريح ورواه حبيب بن صالح عن يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم ومثل هذا الخبر لا تقوم به حجة عند أهل العلم بالحديث ولو صح كان معناه أنه إذا كان حاقنا جدا = لم يتهيأ له إكمال الصلاة على وجهها والله أعلم
206

وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال من استطاع منكم فلا يصلي وهو موجع من خلاء أو بول وهذا والله أعلم يدل على الاستحباب وروى عنه أيضا أنه قال لا يدافعن
أحدكم الخبث في الصلاة ذكره ابن المبارك أخبرنا عمران بن حدير عن نصر بن عاصم عن عمر بن الخطاب والخبر الأول عن عمر ذكره أيضا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن جعفر بن ربيعة عن عبد الله بن رافع الحضرمي المصري عن عمرو بن معدي كرب سمع عمر (يقول) (253) وذكر مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا نعيم قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس قال لأن أصلي وهو في ناحية من ثوبي أحب إلي من أن أصلي وأنا أدافعه فهؤلاء كرهوا الصلاة للحاقن وجاءت فيه رخصة عن إبراهيم النخعي وطاوس اليماني (254) ذكر ابن المبارك عن الثوري عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم قال لا بأس به مالم يعجلك وعن سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال إنا لنصره ضما وإنا لنضغطه قال أبو عمر الذي نقول به أنه لا ينبغي لأحد أن يفعله فإن فعل وسلمت له صلاته أجزأت عنه وبئسما صنع وفي قوله في هذا الحديث وغيره إذا أراد أحدكم الغائط ما يدلك على هروب العرب من الفحش والقذع ودناءة القول وفسولته
207

ومجانبتهم للخنا كله فلهذا قالوا لموضع الغائط الخلاء والمذهب والمخرج والكنيف والحش والمرحاض (255) وكل ذلك كناية وفرار عن التصريح في ذلك
حديث سابع وعشرون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أنه أخبره أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حللت فانكحي من شئت (256) قد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب عبد ربه بن سعيد فلا = معنى لتكريره ها هنا وأكثر رواة الموطأ ليس هذا الحديث عندهم بهذا الإسناد وفقه هذا الحديث أن المتوفى عنها الحامل عدتها تضع ما في بطنها خلاف قول من قال عدتها آخر الأجلين وقد بينا ذلك كله وأوضحنا القول فيه والحجة والحمد لله
208

حديث ثامن وعشرون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملا به في بيت أم سلمة واضعا طرفيه على عاتقه (257) لم يختلف عن مالك في إسناد الحديث ولفظه وكذلك رواه جماعة أصحاب هشام كما رواه مالك بإسناده وقد روى ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة أنه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في بيت أم سلمة ملتحفا في ثوب ذكره ابن أبي فديك عن ابن أبي الزناد وهذا عندي والله أعلم خطأ والقول قول مالك وكذلك رواه الناس عن هشام كما رواه مالك ورواية هشام أولى من رواية ابن أبي الزناد عندهم وابن أبي الزناد (عبد الرحمان) (258) ضعيف لا يحتج به وبما خولف فيه أو انفرد به ولو انفرد بروايته هذه لكان الحديث مرسلا لأن عروة لم يدرك عبد الله بن أبي أمية أخا أم سلمة لأنه استشهد يوم الطائف شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهد ورمي بسهم يومئذ فمات منه بعد ذلك
209

وقال الأخفش الاشتمال أن يلتف الرجل بردائه وبكسائه من رأسه إلى قدميه يرد طرف الثوب الأيمن على منكبه الأيسر فهذا هو الاشتمال قال وقد حدثنا عبيد الله بن موسى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد قد (259) خالف بين طرفيه (260) قال وهذا هو التوشح وهو أن يأخذ طرف الثوب الأيسر من تحت يده اليسرى فيلقيه على منكبه الأيمن ويلقي طرف الثوب الأيمن من تحت يده اليمنى على منكبه الأيسر قال فهذا (هو) (261) التوشح الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به وقد مضى القول في معنى هذا الحديث مستوعبا ممهدا في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب من هذا الكتاب
حديث تاسع وعشرون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران (262) مولى عثمان بن عفان أن عثمان بن عفان جلس على المقاعد فجاء المؤذن فآذنه بصلاة العصر فدعا بماء فتوضأ ثم قال والله لأحدثنكم حديثا لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من امرئ يتوضأ فيحسن
210

وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها (263) قال مالك أراه يريد هذه الآية * (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) * 264 وحمران مولى عثمان هو حمران بن أعين بن خالد بن عبد عمرو بن عقيل بن كعب بن سعد بن جندلة بن مسلم بن أوس بن زيد مناة بن النمر بن قاسط وهو ابن عم صهيب بن سنان يلتقي هو وصهيب في خالد بن عبد (265) عمرو وكان حمران من سبي عين النمر وهو أول سبي دخل المدينة في خلافة أبي بكر الصديق سباه خالد بن الوليد فرآه غلاما أحمر مختونا كيسا فتوجه به إلى عثمان رضي الله عنه فأعتقه ودار حمران بالبصرة مشرفة على رحبة المسجد الجامع وكان عثمان أقطعه إياها وأقطعه أيضا أرضا على فراسخ من الأيلة فيما يلي البحر ذكر ذلك أهل السير والعلم بالخبر قالوا وكان حمران أحد العلماء الجلة (266) أهل الوداعة (267) والرأي والشرف بولائه ونسبه وهو أحد الشاهدين على الوليد بن عقبة بشرب الخمر فجلده بشهادته علي جعل ذلك إليه عثمان وتولى ضرب الوليد بيده عبد الله بن جعفر بأمر علي له بذلك وكان جلده له أربعين جلده وهكذا روى هذا الحديث عن مالك جماعة رواة الموطأ وغيره وليس فيه صفة الوضوء ثلاثا ولا اثنتين وقد رواه جماعة عن هشام بن عروة بإسناده عن
211

عروة عن حمران عن عثمان فذكروا فيه صفة الوضوء المضمضمة والاستنشاق وغسل الوجه واليدين ثلاثا ثلاثا واختلفوا في ألفاظه منهم شعبة وأبو أسامة وابن عيينة وجماعة ورواه عن عروة جماعة أيضا منهم أبو الزناد وأبو الأسود وعبد الله بن أبي بكر وفي حديثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن حمدان قال توضأ عثمان بن عفان على المقاعد ثلاثا ثلاثا وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من رجل يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يصلي إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها (268) ففي هذا الحديث والحمد لله أن الصلاة تكفر الذنوب وهو تأويل قول الله عز وجل * (إن الحسنات
يذهبن السيئات) * على حسبما نزع به مالك رحمه الله والقول في هذا عندي كالقول في حديثه صلى الله عليه وسلم الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما فسبحان المتفضل المنعم المحسن هو الله وحده لا شريك له وقد روى هذا الحديث أعني حديث الوضوء عن حمران جماعة كثيرة من الجلة ومن دونهم منهم عروة وعطاء بن يزيد الليثي وجامع بن شداد أبو صخرة ومعبد الجهني وشقيق (269) بن سلمة أبو وائل وأبو سلمة بن عبد الرحمان ومسلم بن يسار ومحمد بن كعب القرظي وموسى بن طلحة وزيد
212

بن أسلم ومحمد بن المنكدر ومجاهد بن جبير ومعاذ بن عبد الرحمن وعبد الملك بن عمير وغيرهم كلهم عن حمران عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ألفاظهم عن حمران مختلفة ولكنها متقاربة المعنى وأما قوله لولا أن في كتاب الله فاختلف في هذه اللفظة فطائفة روت لولا أنه في كتاب الله بالنون وهاء الضمير وطائفة روت لولا آية في كتاب الله بالياء وتاء التأنيث وقد روي عن عروة أن الآية قوله * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) * 270 الآية وروى آخرون كما قال مالك * (إن الحسنات يذهبن السيئات) * الآية وعلى هذا المعنى ينبغي أن تكون الرواية لولا أنه بالنون وهاء الضمير والله أعلم وقول مالك أراه يريد هذه الآية يحتمل الوجهين جميعا أيضا وأما قوله على المقاعد فقيل هي الدكاكين كانت عند باب دار عثمان كانوا يجلسون عليها فسميت المقاعد والله أعلم وقوله آذنه بصلاة العصر يريد أعلمه بحضورها ومن هذا قول الحرث ابن حلزة آذنتنا ببينها أسماء حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن يونس قال حدثنا أحمد بن سليمان بن نوفل المعمري قال حدثنا مالك بن يحيى بن عمرو بن مالك البكري عن أبيه عن جده عن أبي الجوزاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لم أر شيئا أحسن طلبا ولا أحسن إدراكا من حسنة حديثة لذنب قديم ثم قرأ (271) * (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) *
213

حديث موفي ثلاثين لهشام بن عروة عروة عن زينب بنت أبي سلمة حديثان ذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا عارم قال حدثنا معتمر عن أبيه قال حدثنا بكر قال أخبرني أبو رافع قال كنت إذا ذكرت امرأة بالمدينة فقيهة ذكرت (272) زينب بنت أبي سلمة (273) مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أنها قالت جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم = إذا رأت الماء (274) هكذا روى هذا الحديث مالك عن هشام بن عروة عن أبي عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة عند جماعة رواة الموطأ الا القعنبي فإنه أرسله عن مالك عن هشام عن أبيه وأما ابن شهاب فرواه عن عروة فمرة أرسله ومرة جعله عن عروة عن عائشة وقد ذكرنا ذلك كله في باب ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب وفي هذا الحديث دليل واضح على أن النساء يحتلمن وينزلن الماء وذلك عندي في الأغلب لا على العموم وذلك بين إنكار عائشة لقول أم سليم والله أعلم وقد يوجد في الرجال من لا يحتلم فكيف في النساء وقد
214

قيل إن عائشة إنما قالت (275) ذلك لصغر سنها وكونها مع زوجها والاحتلام إنما يجده النساء عند عدم الأزواج إذا فقدوا وبعدوا عنهن وقيل إنه قد يكون في النساء من لا يحتلم (276) فجائز أن تكون عائشة رضي الله عنها من أولئك فالله أعلم وكيف كان فإن عائشة لم تنكره إلا لأنها لم تعرفه وقد جاء عن أم سلمة في ذلك نحو ما جاء عن عائشة فيه وقد ذكرنا هذا المعنى وما جاء فيه وفي سائر معاني هذا الخبر ممهدا (مبسوطا) (277) في باب ابن شهاب من كتابنا هذا والحمد لله
حديث حاد وثلاثون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما أنا بشر (278) وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ (منه شيئا) (279) فإنما أقطع له قطعة من النار (280)
215

هذا حديث لم يختلف عن مالك في إسناده فيما علمت ورواه كما رواه مالك سواء عن هشام بإسناده هذا جماعة من الأئمة الحفاظ منهم الثوري وابن عيينة والقطان وغيرهم وقد رواه معمر عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث هشام سواء وقد روى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو هريرة كما روته أم سلمة وفي هذا الحديث من الفقه أن البشر لا يعلمون ما غيب عنهم وستر من الضمائر وغيرها لأنه قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إنما أنا بشر أي إني من البشر ولا أدري باطن ما تتحاكمون فيه عندي وتختصمون فيه إلي وإنما أقضي بينكم على ظاهر ما تقولون وتدلون به من الحجاج فإذا كان الأنبياء لا يعلمون ذلك فغير جائز أن يصح دعوى ذلك لأحد غيرهم من كاهن أو منجم وإنما يعلم الأنبياء من الغيب ما أعلموا به بوجه من وجوه الوحي وفيه أن بعض الناس أدرى بموقع الحجة وتصرف القول من بعض قال أبو عبيد معنى قوله ألحن بحجته يعني أفطن لها وأحدى بها قال أبو عبيدة اللحن بفتح الحاء الفطنة واللحن بالجزم الخطأ في القول وفيه أن بعض الناس أدرى بموقع الحجة وتصرف القول من بعض قال أبو بينات على حسبما أحكمته السنة في ذلك وفي ذلك رد وإبطال للحكم بالهوى قال الله عز وجل * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) * 281 الآية وقد احتج بعض أصحابنا بهذا الحديث في رد حكم القاضي بعلمه لقوله فأقضي له على نحو ما أسمع منه ولم يقل على نحو ما علمت منه قال وإنما تعبدنا بالبينة والإقرار وهو المسموع الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أقضي على نحو ما أسمع قال والعلة في القضاء بالبينة دون
216

العلم التهمة لأنه يدعي ما لا يعلم إلا من جهته وقد أجمعوا أن القاضي لو قتل أخاه لعلمه بأنه قتل من لم يجب قتله من المسلمين لم يرثه وهذا لموضع التهمة وأجمعوا على أنه لا يقضي بعلمه في الحدود قال أبو عمر من أفضل ما يحتج به في أن القاضي لا يقضي بعلمه حديث معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم على صدقة فلاجه رجل في فريضة فوقع بينهم شجاج فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وخبروه فأعطاهم لأرش ثم قال (282) إني خاطب الناس ومخبرهم أنكم قد رضيتم أرضيتم قالوا نعم فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (المنبر) (283) فخطب (2849 وذكر القصة وقال أرضيتم قالوا لا فهم بهم
المهاجرون فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم صعد فخطب فقال (285) أرضيتم فقالوا (286) نعم وهذا بين لأنه لم يؤاخذهم بعلمه فيهم ولا قضى بذلك عليهم وقد علم رضاهم ومن حجة من ذهب إلى أن القاضي له أن يقضي بما علمه لأن (287) البينة إنما تعلمه بما ليس عنده ليعلمه فيقضي به وقد تكون كاذبة وواهمة وعلمه بالشيء أوكد وقد أجمعوا على أن له أن يعدل ويسقط العدول بعلمه فكذلك ما علم صحته وأجمعوا أيضا على أنه إذا علم أن ما شهد به الشهود على غير ما شهدوا به أنه ينفذ علمه في ذلك دون شهادتهم ولا يقضي
217

واحتج بعضهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة زوجة أن تحتجب من ابن وليدة زمعة لما علمه ورآه من شبهه بعتبة وقالوا إنما يقضي بما يسمع فيما طريقه السمع من الإقرار أو البينة وفيما طريقه علمه (288) قضى بعلمه ولهم في هذا الباب منازعات أكثرها تشغيب والسلف من الصحابة والتابعين مختلفون في قضاء القاضي بعلمه على حسب اختلاف فقهاء الأمصار في ذلك ومما احتج به من ذهب إلى أن القاضي يقضي بعلمه مع ما قدمنا ذكره ما رويناه من طرق عن عروة عن مجاهد جميعا بمعنى واحد أن رجلا من بني مخزوم استعدى عمر بن الخطاب على أبي سفيان بن حرب أنه ظلمه حدا في موضع كذا وكذا من مكة فقال عمر إني لأعلم الناس بذلك وربما لعبت أنا وأنت فيه ونحن غلمان فإذا قدمت مكة فائتني بأبي سفيان فلما قدم مكة أتاه المخزومي بأبي سفيان فقال له عمر يا أبا سفيان أنهض إلى موضع كذا فنهض ونظر عمر فقال يا أبا سفيان خذ هذا الحجر من ههنا فضعه ههنا فقال والله لا أفعل فقال والله لتفعلن فقال لا أفعل فعلاه عمر بالدرة وقال خذه لا أم لك وضعه ههنا فإنك ما علمت قديم الظلم فأخذ الحجر أبو سفيان ووضعه حيث قال عمر ثم إن عمر استقبل القبلة فقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى غلبت أبا سفيان على رأيه وأذللته لي بالإسلام قال فاستقبل أبو سفيان القبلة وقال اللهم لك الحمد إذ لم تمتني حتى جعلت في قلبي من الإسلام ما ذللت به لعمر ففي هذا الخبر قضى عمر بعلمه فيما قد علمه قبل ولايته وإلى هذا ذهب أبو يوسف ومحمد والشافعي وأبو ثور سواء عندهم علمه قبل أن يلي القضاء أو بعد ذلك في مصره كان أو في غير مصره له أن يقضي في ذلك
218

كله عندهم بعلمه لأن يقينه في ذلك أكثر من شهادة الشهود الذين لا يقطع على غيب ما شهدوا به كما يقطع على صحة ما علموا وقال أبو حنيفة ما علمه قبل أن يلي القضاء أو رآه في غير مصره لم يقض فيه بعلمه وما علمه بعد أن (289) استقضى أو رآه بمصره قضى في ذلك بعلمه ولم يحتج في ذلك إلى غيره واتفق أبو حنيفة وأصحابه أنه لا يقضي القاضي بعلمه في شيء من الحدود لا فيما علمه قبل ولا بعد ولا فيما رآه بمصره ولا بغير مصره وقال الشافعي وأبو ثور حقوق الناس وحقوق الله سواء في ذلك والحدود وغيرها سواء في ذلك وجائز أن يقضي القاضي في ذلك كله بما علمه وقال مالك وأصحابه لا يقضي القاضي في شيء من ذلك كله بما علمه حدا كان أو غير حد لا قبل ولايته ولا بعدها ولا يقضي إلا بالبينات والإقرار وبه قال أحمد بن حنبل وأبو عبيد وهو قول شريح والشعبي وفي قوله عليه السلام فأقضي له على نحو ما أسمع منه دليل على إبطال القضاء بالظن والاستحسان وإيجاب القضاء بالظاهر ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في المتلاعنين بظاهر أمرهما وما ادعاه كل واحد منهما ونفاه فأحلفهما بأيمان اللعان ولم يلتفت إلى غير ذلك بل قال إن جاءت به على كذا وكذا فهو للزوج وإن جاءت به على نعت كذا وكذا فهو للذي رميت به فجاءت به على النعت المكروه فلم يلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بل أمضى حكم الله فيهما بعد أن سمع منهما ولم يعرج على الممكن ولا أوجب بالشبهة حكما فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم إنما أقضي على نحو ما أسمع
219

وأما قوله عليه السلام فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار فإنه بيان واضح في أن قضاء القاضي بالظاهر الذي تعبد به لا يحل في الباطن حراما قد علمه الذي قضى له به وأن حكمه بالظاهر بينهم لا يحل لهم ما حرم الله عليهم مثال ذلك رجل ادعى على رجل بدعوى وأقام عليه بنية زور كاذبة فقضى القاضي بشهادتهم بظاهر عدالتهم عنده وألزم المدعى عليه ما شهدوا به فإنه لا يحل ذلك للمدعي إذا علم أنه لا شيء له عنده وأن بينته كاذبة إما من جهة تعمد الكذب أو من جهة الغلط ومما احتج به الشافعي وغيره لقضاء القاضي بعلمه حديث عبادة وأن تقوم بالحق حيث ما كنا لا تخاف في الله لومة لائم (290) وقوله * (كونوا قوامين بالقسط) * 291 وحديث عائشة في قصة هند بنت أبي سفيان قوله خذي ما يكفيك وولدك (292) وكذلك لو ثبت على رجل لرجل حق بإقرار أو بينة فادعى دفعه إليه والبراءة منه وهو صادق في دعواه ولم يكن له بينة وجحده المدعي الدفع إليه وحلف له عليه وقبض منه ذلك الحق مرة أخرى بقضاء قاض فإن ذلك ممن قطع له أيضا قطعة من النار ولا يحل له قضاء القاضي بالظاهر ما حرم الله عليه في الباطن ومثل هذا كثير قال الله عز وجل * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) * 293 وهذه الآية في معنى هذا الحديث سواء
220

قال معمر عن قتادة في قوله * (وتدلوا بها إلى الحكام) * قال لا تدلي بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك له ظالم فإن قضاءه لا يحل لك شيئا كان حراما عليك قال أبو عمر وعلى هذه المعاني كلها المذكورة في هذا الحديث المستنبطة منه جرى مذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وداود وسائر الفقهاء كلهم قد جعل هذا الحديث أصلا في هذا الباب وجاء عن أبي حنيفة وأبي يوسف وروى ذلك عن الشعبي قبلهما في رجلين تعمدا الشهادة بالزور على رجل أنه طلق امرأة فقبل القاضي شهادتهما لظاهر عدالتهما عنده وهما قد تعمدا الكذب في ذلك أو غلطا أو وهما ففرق القاضي بين الرجل وامرأته بشهادتهما ثم اعتدت المراة أنه جائز لأحدهما أن يتزوجها وهو عالم أنه كاذب في شهادته وعالم بأن زوجها لم يطلقها لأن حكم الحاكم لما أحلها للأزواج كان الشهود وغيرهم في ذلك سواء وهذا إجماع أنها تحل للأزواج غير الشهود مع الاستدلال بفرقة المتلاعنين من غير طلاق يوقعه وقال من خالفهم من الفقهاء هذا خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار ومن حق هذا الرجل عصمة زوجته التي لم يطلقها وقال مالك والشافعي وسائر من سميناه من الفقهاء في هذا الباب لا يحل لواحد من الشاهدين أن يتزوجها إذا علم أن زوجها لم يطلقها وأنه كاذب أو غالط في شهادته وهذا هو الصحيح من القول في هذه المسألة وبالله
التوفيق
221

أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما فلم تكن لهما بينة إلا دعواهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر (294) وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون الحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما لصاحبه حقي لك فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم أما إذ فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم (295) تحللا (296) وفي هذا الحديث أيضا من الفقه مع الأحكام التي قدمنا في حديث مالك الصلح على الإنكار خلاف قول الشافعي وفيه أن للشريكين أن يقتسما من غير حكم حاكم وأن الهبة تصح بالقول ولا يحتاج إلى قبض في الوقت لقوله حقي لك ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصح لك حتى تقبضه ومن ههنا قال مالك تصح المطالبة بالهبة قبل القبض لتقبض وفيه جواز البراءة من المجهول والصلح منه وهبته وفيه جواز الاجتهاد للحاكم فيما لم يكن فيه نص وفيه جواز التحري في أداء المظالم وفيه استعمال القرعة عند استواء الحق وفيه جواز ترديد الخصوم حتى يصطلحوا وقد جاء ذلك عن عمر رحمه الله نصا وذلك فيما أشكل لا فيما بان والله المستعان
222

حديث ثان وثلاثون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تفتح (297) اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح (297) الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وتفتح (297) العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون (298) قد ذكرنا سفيان بن أبي زهير في الصحابة (299) بما يغني عن ذكره ههنا وأما قوله تفتح اليمن فاليمن افتتحت في أيامة صلى الله عليه وسلم وافتتح بعضها في أيام أبي بكر بمقاتلة الأسود العنسي (300) المتنبي الكذاب بصنعاء قتله أبو بكر في خلافته كما قتل مسيلمة في بني حنيفة وقد قيل إن الأسود العنسي (300) قتل والنبي صلى الله عليه وسلم مريض مرضه الذي مات منه سنة إحدى عشرة وهو الأكثر عند أهل السير
223

وأما الشام والعراق فكان افتتاحهما في زمن عمر رضي الله عنه وفي هذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم لأنه غيب كان بعده قد أخبر به وهو لا يعلم من الغيب إلا ما أظهره الله عليه وأوحى به إليه فقد افتتحت بعده الشام والعراق واليمن بعضها وقد خرج الناس من المدينة إلى الشام وإلى اليمن وإلى العراق وكان ما قاله صلى الله عليه وسلم وكذلك لو صبروا بالمدينة لكان (301) خيرا لهم قال صلى الله عليه وسلم لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة (302) وفي هذا الحديث فضل المدينة على اليمن وعلى الشام وعلى العراق وهو أمر مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه وفي ذلك دليل على أن بعض البقاع أفضل من بعض ولا يوصل إلى شيء من ذلك إلا بتوقيف من جهة الخبر وأما القياس والنظر فلا مدخل له في شيء من ذلك وقد صحت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بفضل المدينة وأجمع علماء الأمة على أنها لها فضلا معروفا لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقبره فيها وإنما اختلفوا في الأفضل منها ومن مكة لا غير وقد بينا ذلك كله في مواضع من هذا الكتاب والحمد لله والله الموفق للصواب وأما قوله يبسون فمن رواه يبسون برفع الياء وكسر الباء من أبس يبس على الرباعي فقال معناه يزينون لهم البلد الذي جاءوا منه ويحببونه إليهم ويدعونهم إلى الرحيل إليه من المدينة قالوا والإبساس مأخوذ من إبساس الحلوبة عند حلابها كي تدر باللبن وهو أن تجري يدك على وجهها وصفحة عنقها كأنك تزين ذلك عندها وتحسنه لها
224

ومنه قول عمران بن حطان
* والدهر دو درة من غير إبساس
* وإلى هذا ذهب ابن وهب قال معناه يزينون لهم الخروج من المدينة وكذلك رواية أبن وهب يبسون بالرفع من الرباعي وكذلك رواية ابن حبيب عن مطرف عن مالك يبسون من الرباعي وفسر ابن حبيب الكلمة بنحو هذا النفسير وأنكر قول من قال إنها من السير كل الإنكار وقال ابن بكير يبسون بفتح الياء وكذلك روايته وفسره يسيرون قال من قوله * (وبست الجبال بسا) * 303 يعني سارت ويقال سالت وذكر حبيب عن مالك مثل تفسير ابن بكير وقال ابن القاسم عن مالك يبسون يدعون وأظن رواية ابن القاسم بفتح الياء وضم الباء ورواية ابن بكير بكسرها وكل ذلك من الثلاثي وقال ابن هشام والبس أيضا المبالغة في فت الشيء ومنه قيل في الدقيق المصنوع بالزيت ونحوه البسيس قال الراجز
* أخبزا خبزا وبسا بسا
* يريد عملا بسيسا قال أبو عمر وقال غيره يبسون يسرعون السير وقيل يزجرون دوابهم وقال غيره يبسون يسألون عن البلدان ويتشفون من أخبارها ليتحملوا إليها وهذا
225

لا يكاد يعرفه أهل اللغة وأهل الرباعي فلا خلاف فيه وفي معناه وليس له إلا وجه واحد وأما الثلاثي ففيه لغتان بس يبس بكسر الباء ويبس بضمها ومثل هذه الكلمة عندي قتر وأقتر فيه لغتان قتر على الثلاثي وأقتر على الرباعي وفي الثلاثي لغتان في المستقبل منه يقتر بكسر التاء ويقتر بضمها وقد قرئ قوله عز وجل * (لم يسرفوا ولم يقتروا) * (304) على الثلاثة الأوجه يقتروا من الرباعي ويقتروا من الثلاثي ويقتروا منه أيضا وأما رواية يحيى بن يحيى في يبسون عند أكثر شيوخنا الذين اعتمدنا عليهم في التقييد فعلى فتح الياء وكسر الباء من الثلاثي وفسروه يسيرون على نحو رواية ابن بكير وتفسيره ولا يصح في رواية يحيى بن يحيى غير هذا الضبط ومن روى في موطأ يحيى غير ذلك (305) فقد روى ما لم يرو يحيى والله أعلم وكان ابن حبيب ينكر رواية يحيى ويحمل عليه في ذلك وقد رواه ابن بكير وابن نافع وحبيب وغيرهم كذلك ويقال إن ابن القاسم رواه يبسون بفتح الياء وضم الباء فالله أعلم وأما قوله في هذا الحديث والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون فقيل فيه خير لهم من أجل أنها
لا يدخلها الطاعون ولا الدجال وقد قيل إن الفتن فيها دونها في غيرها وقيل من أجل فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه ومجاورة قبره صلى الله عليه وسلم ولم يقل في هذا الحديث ينفي خبثها كما قال ذلك في حياته للفار عن صحبته وجواره وقد علمنا أن جملة (306) من خرج بعده من أصحابه لم يكونوا خبثا بل كانوا دررا رضي الله عنهم أجمعين
226

هشام عن زوجه فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام وهي بنت عمه ثلاثة أحاديث
حديث ثالث وثلاثون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة ابنة المنذر أن أسماء بنت أبي بكر كانت إذا أتيت بالمرأة وقد حمت تدعو لها أخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها (307) وقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر (308) أن يبردها بالماء (309) (310) في هذا الحديث التبرك بدعاء الإنسان الصالح رجاء الشفاء في دعائه وفي ذلك دليل على أن الدعاء يصرف البلاء وهذا إن شاء الله ما لا يشك فيه مسلم وفيه تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء (311) لأن أسماء حكت في فعلها ذلك ما يدل على أن التبريد بالماء والله أعلم هو الصب بين المحموم وبين جيبه وذلك أن يصب الماء بين طوقه وعنقه حتى يصل إلى جسده فمن فعل كذلك وكان معه يقين صحيح رجوت له الشفاء من الحمى إن شاء الله
227

ذكر ابن وهب عن مالك وابن سمعان عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء قال نافع وكان عبد الله بن عمر يقول اللهم اكشف عنا الرجز وهذا حديث ليس في الموطأ عند أكثر الرواة وهو فيه عند ابن القاسم وابن وهب وابن عفير (312) وذكر ابن وهب في صفة الغسل للحمى حديثا مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل شكا إليه الحمى اغتسل ثلاثة أيام قبل طلوع الشمس كل يوم وقل بسم الله وبالله اذهبي يا أم ملدم وإن لم تذهب فاغتسل سبعا وقد حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا همام عن أبي حمزة قال كنت أدفع الناس عن ابن عباس فاحتبست أياما فقال ما حبسك قلت الحمى قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن (313) الحمى من فيح جهنم فأبردوها بماء زمزم وحدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا أبي حدثنا عبد الله = بن يونس حدثنا بقي بن مخلد حدثنا أبو بكر قال حدثنا ابن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس أنه كان إذا حم بل ثوبه ثم لبسه ثم قال إنها من فيح جهنم فأبردوها بالماء
حديث رابع وثلاثون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت
228

أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع (314) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم لتصل فيه (315) وقع في كتاب يحيى ونسخته في رواية أبيه وغيره عنه في هذا الحديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة وهذا خطأ بين وغلط لا شك فيه (وهو من خطأ اليد وجهل يحيى بالإسناد) (316) لأن عروة لم يرو (317) قط عن فاطمة هذه وهي فاطمة بنت المنذر بن الزبير زوج هشام بن عروة وإنما الحديث في الموطأ لهشام عن فاطمة امرأته وكذلك رواه كل من رواه عن هشام بن عروة مالك وغيره وقد روى (318) ابن وضاح من روايته عن أبيه قال أبو عمر وروي فتلقرصه بفتح التاء وضم الراء وكسرها أيضا ويروى على التكثير فتلقرصه بضم التاء وكسر الراء وتشديدها قال أبو عبيد فلتقرصه يقول فلتقطعه بالماء وكل مقطع فهو مقرص يقال منه المرأة قد قرصت العجين إذا قطعته
229

قال أبو عمر قول أبي عبيد عندي في هذا بعيد وخير منه قول الأخفش سئل عن هذه الكلمة فأراهم كيف (ذلك) (319) القرص فضم أصبعيه الإبهام والسبابة وأخذ بهما شيئا من ثوبه فقال هكذا يفعل بالماء في موضع الدم ثم كما يقرص الرجل جاريته هو كذلك القرص قال وأما القرس بالسين فهو قرس البرد قال أبو عمر هؤلاء إنما فسروا اللفظة في اللغة وأما المعنى المقصود إليه بهذا الحديث في الشريعة فهو غسل دم الحيض من الثوب إذا أصابه والخبر بأنه (320) يجب غسله لنجاسته وحكم كل دم كدم الحيض إلا أن قليل الدم متجاوز عنه لشرط الله عز وجل في نجاسة الدم أن يكون مسفوحا فحينئذ هو رجس والرجس النجاسة وهذا إجماع من المسلمين أن الدم المسفوح رجس نجس إلا أن المسفوح وإن كان أصله الجاري في اللغة فإن المعنى فيه في الشريعة الكثير إذ القليل لا يكون جاريا مسفوحا فإذا سقطت من الدم الجاري نقطة في ثوب أو بدن لم يكن حكمها حكم المسفوح الكثير وكان حكمها حكم القليل ولم يلتفت إلى أصلها في اللغة ذكر نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن (مبارك) (321) بن فضالة عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقتل القمل في الصلاة أو قتل القمل في الصلاة قال نعيم هذا (322) أول حديث سمعته من ابن المبارك ومعلوم أن في قتل القمل سيل يسير من الدم
230

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عبدا لحميد بن أحمد بن عيسى قال حدثنا الخضر بن داود قال أخبرنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا عقبة بن مكرم قال أخبرنا يونس بن بكير قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن عبد الله (323) بن عبد الرحمان بن معمر الأنصاري قال أدركت فقهاءنا يقولون ما أذهبه الحك من الدم فلا يضر وما أذهبه الفتل فيما يخرج من الأنف فلا يضر قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شريك عن عمران بن مسلم عن مجاهد عن أبي هريرة أنه لم يكن يرى بالقطرة والقطرتين من الدم في الصلاة بأسا قال أبو بكر الأثرم وقيل لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل إلى أي شيء (324) تذهب في الدم فقال إذا كان فاحشا قيل له في الثوب فقال في الثوب وإذا خرج من الجرح قيل له السائل أو القاطر فقال إذا فحش أذهب إلى الفاحش على حديث ابن عباس قال وقال أبو عبد الله عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تكلموا فيه أبو هريرة كان يدخل أصابعه (325) في أنفه وابن عمر عصر بثرة وابن أبي أوفى تنخم دما وجابر أدخل أصابعه في أنفه وابن عباس (326) قال إذا كان فاحشا قال أبو بكر الأثرم أخبرنا معاوية بن عمرو عن سفيان عن عطاء بن السائب أنه رأى عبد الله بن أبي أوفى يتنخم دما عبيطا وهو يصلي قال وحدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد قال أخبرنا حميد عن بكر بن عبد الله المزني أن ابن عمر عصر بثرة في وجهه فخرج منها شيء من دم وقيح فمسحه بيده وصلى ولم
يتوضأ
231

قال أبو بكر سمعت أبا عبد الله يقول البول والغائط غير الدم لأن البول والغائط تعاد منهما الصلاة ويغسل قليلهما وكثيرهما قال والدم إذا فحش تعاد منه الصلاة في الوقت وغيره كما يعاد من قليل البول والعذرة قال أبو عمر قد أجمع العلماء على التجاوز والعفو عن دم البراغيث ما لم يتفاحش وهذا أصل في هذا الباب وهذا الحديث أصل في غسل النجاسات من الثياب ولا أعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في غسل النجاسات أبين من هذا الحديث وعليه اعتمد الفقهاء في غسل النجاسات وجعلوه أصل هذا الباب إلا أنهم اختلفوا في وجوب غسل النجاسات كالدماء والعذرات والأبوال وسائر النجاسات المعروفات من الثياب والأبدان فقال منهم قائلون غسلها فرض واجب ولا تجزئ صلاة من صلى بثوب نجس عالما كان بذلك أو ساهيا عنه واحتجوا بقول الله عز وجل * (وثيابك فطهر) * 327 وظاهره تطهير الثياب المعروفة عند العرب التي نزل القرآن بذكرها في قوله * (فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن) * 328 * (واستغشوا ثيابهم) * 329 وهذا كثير في القرآن وفي أشعار العرب وكلامها وإن كانت قد تكنى عن القلب وطهارته وطهارة الجيب بطهارة الثوب فهذه استعارة والأصل في الثوب ما قلنا وقد روي عن ابن عباس والحسن وابن سيرين في قوله * (وثيابك فطهر) * قالوا اغسلها بالماء وأنقها (330) من الدرن ومن القذر واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل النجاسات من الثياب والأرض والبدن فمن ذلك
232

حديث أسماء هذا في غسل الثوب من دم الحيض ليس فيه خصوص مقدار درهم ولا غيره فهذا الأصل في تطهير الثياب بالماء من النجاسات ومنها حديث الصب على بول الأعرابي وهو الأصل في تطهير الأرض ومنها الصب والنضح على الثوب الذي بال عليه الصبي وقد قلنا إن النضح المراد (331) به الغسل وقد قال صلى الله عليه وسلم أكثر عذاب القبر في البول قال في الذي كان لا يتنزه ولا يستتر من بوله (332) والآثار في مثل هذا كله كثيرة جدا وقال بعض من يرى غسل النجاسة فرضا لما أجمعوا على أن الكثير من النجاسة واجب غسله من الثوب والبدن وجب أن يكون القليل منها في حكم الكثير كالحدث قياسا ونظرا لإجماعهم على أن قليل الحدث مثل كثيره في نقض الطهارة وإيجاب الوضوء فيما عدا النوم وكذلك دم البرغوث ومثله خارج عن الدماء بشرط الله في الدم أن يكون مسفوحا وهو الكثير الذي يجري وهذا كله أصل وإجماع قالوا فلهذا قلنا إن من صلى وفي ثوبه أو موضع سجوده وركوعه أو في بدنه نجاسة بطلت صلاته لأن القليل والكثير في ذلك سواء قياسا على الحديث قالوا ولما أجمعوا إلا من شذ ممن لا يعد خلافا على الجميع لخروجه عنهم على أن من تعمد الصلاة بالثوب النجس تفسد صلاته ويصليها (333) أبدا متى ما ذكرها كان من سها عن غسل النجاسة ونسيها في حكم من تعمدها لأن الفرائض لا تسقط بالنسيان في الوضوء والصلاة قالوا ألا ترى أن من نسي مسح رأسه أو غسل وجهه وصلى في حكم من تعمد ترك ذلك في إعادة الصلاة سواء وكذلك من نسي سجدة أو ركعة في حكم من تعمد تركها سواء وكذلك من نسي الماء في رحله ولم
233

يطلبه ونسي الثوب وهو معهإ وصلى عريانا ونظائر هذا كثيرة جدا إلا أن الناسي غير آثم والمتعمد آثم فهذا الفرق بينهما من جهة الإثم وأ من جهة الحكم فلا قالوا ولما كان من تعمد ترك سنة من السنن لم تجب عليه بذلك إعادة صلاته كمن ترك رفع اليدين أو قراءة سورة مع أم القرآن أو التسبيح أو الذكر في الركوع والسجود ونحو ذلك من سنن الصلاة وسنن الوضوء علمنا أن من ترك غسل النجاسات فقد ترك فرضا لإجماعهم على أن من ترك ذلك عامدا وصلى بثوب نجس أن صلاته فاسدة قالوا وبان بها كله أن غسل الثياب فرض لا سنة والله أعلم فإن قيل لم ادعيت الإجماع فيمن صلى بثوب نجس عامدا أنه يعيد في الوقت وغير الوقت وأشهب يقول لا يعيد العامد وغير العامد إلا في الوقت ومنهم من يرويه عنه عن مالك قيل له ليس أشهب ولا روايته الشاذة عن مالك مما يعد خلافا فالصحابة وسائر العلماء يمنع من ادعاء إجماعهم لأن من شذ عنهم مأمور باتباعهم وهو محجوج بهم (334) وقال المغيرة وابن دينار وابن القاسم وعبد الملك يعيد العامد في الوقت وغير الوقت وهو الصحيح عن مالك قالوا وقد قال الله عز وجل * (وثيابك فطهر) * فجمعت الآية تطهير الثياب وما قاله أهل التفسير من تطهير القلب وأفادت المعنين جميعا قالوا ومن حمل الآية على أكمل الفوائد كان أولى على أن القرآن ليس فيه آية تنص أن الثياب القلوب وقد سمى الله عز وجل في كتابه الثياب ثيابا ولم يسم القلوب ثيابا فهذه جملة ما احتج به من ذهب إلى إيجاب غسل النجاسات وإزالتها من الثوب والأرض والبدن فرضا وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور وإليه مال أبو الفرج المالكي ولا يلتفت الشافعي إلى تفسير يخالف الظاهر إلا أن يجمعوا عليه
234

وقال آخرون غسل النجاسات سنة مسنونة من الثياب والأبدان والأرض سن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا قول سعيد بن جبير أنه قال لمن خالفه في ذلك إقرأ علي آية تأمر بغسل الثياب قالوا وأما قول الله عز وجل * (وثيابك فطهر) * فهذه كناية عن الكفر وتطهير القلب منه ألا ترى أنه عطف على ذلك قوله عز وجل * (والرجز فاهجر) * 335 يعني الأوثان فكيف يأمره بتطهير الثياب قبل ترك عبادة الأوثان قالوا والعرب تقول فلان نقي الثوب وطاهر الجيب إذا كان مسلما عفيفا يكنون بذلك عن سلامته ويريدون بذلك غسل ثوبه من النجاسة قالوا ويبعد أن يكون الله عز وجل يعطف النهي عن عبادة الأوثان على تطهير الثياب من النجاسات قالوا ودليل ذلك أن هذه السورة نزلت قبل نزول الشرائع من وضوء وصلاة وغير ذلك وإنما أريد بها الطهارة من أوثان الجاهلية وشركها ومن الأعمال الخبيثة حدثنا عبد الوارث حدثنا أحمد بن دحيم حدثنا إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن عبد الله ومحمود بن خداش قالوا حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن أبي رزين في قوله * (وثيابك فطهر) * قال عملك أصلحه قال كان الرجل إذا كان حسن العمل قيل فلان طاهر الثياب قال وحدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال حدثنا عطاء عن ابن عباس قوله * (وثيابك فطهر) * قال في كلام العرب فلان نقي الثياب
235

ورواه بندار عن يحيى القطان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله * (وثيابك فطهر) * قال في كلام العرب أنقها وهذا خلاف حديث مسدد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم * (وثيابك فطهر) *
قال من الإثم قال وأخبرنا وكيع عن سفيان عن الأجلح عن عكرمة لا تلبسها على معصية وذكر معمر عن قتادة في قوله * (وثيابك فطهر) * قال كلمة تقولها العرب طهر ثيابك أي من الذنب وذكر حجاج عن ابن جريج عن مجاهد * (وثيابك فطهر) * قال لست بساحر ولا كاهن فأعرض عما قالوا قال ابن جريج وأخبرني عطاء عن ابن عباس انه سمعه يقول في * (وثيابك فطهر) * قال من الإثم يقول في كلام العرب وذكر إسماعيل قال حدثنا نصر بن علي قال حدثنا أبو أسامة عن الأجلح قال سمعت عكرمة سئل عن قول الله عز وجل * (وثيابك فطهر) * قال أمر أن لا يلبس ثوبه على غدرة أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي
* وإني (336) بحمد الله لا ثوب فاجر
* لبست ولا من غدرة أتقنع
* قال أبو عمر معروف عند العرب أنها تكني بطهارة الثوب عن العفاف وبفضلة الثوب وسعته عن العطاء
236

أخبرنا خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا موسى بن عبيد الله بن خاقان قال حدثنا عبد الله بن أبي سعيد الوراق قال حدثني أحمد بن معاوية قال سمعت الأصمعي قال سمعت طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب يحدث عن أعرابي قال بنو سيار فلان فارسهم وفلان لسانهم وفلان أوسعهم عليهم ثوبا يعني أكثرهم عليهم فضلا وهو قول رؤية لابنه وهو عليك واسع العطاف وقال عنترة
* نفى الدم عن أثوابه مثل ما نفى
* أذى درنا (337) عن جلده الماء غاسل (338
* أراد نفي الماء إذا غسل درنا قالوا وأما ما احتج به من خالفنا من اجماعهم على أن من تعمد الصلاة بثوب نجس فيه نجاسة كثيرة أنه عليه إعادتها في ثوب طاهر فإنما ذلك لأنه استخف وعاند قالوا وقد وجدنا من السنن ما تفسد الصلاة بتركها عمدا من ذلك الجلسة الوسطى هي عندنا سنة وعندكم (339) ومن تعمد تركها فسدت صلاته فغير نكير أن يكون مثل ذلك من تعمد الصلاة في الثوب النجس قال أبو عمر الفرق بين غسل النجاسة عندنا وبين الجلسة الوسطى أن الصلاة تفسد بالسهو عن الجلسة الوسطى إذا لم يذكر ذلك إلا بعد خروج الوقت ولا تفسد صلاة من سها فصلى بثوب نجس إذا خرج الوقت فلهذا لا يصح الانفصال بما ذكر هذا القائل على مذهب مالك
237

قال أبو عمر أما حكاية أقوال الفقهاء في هذا جملة فجملة مذهب مالك وأصحابه إلا أبا الفرج أن إزالة النجاسة من الثياب والأبدان واجب بالسنة وجوب سنة وليس بفرض قالوا ومن صلى بثوب نجس أعاد في الوقت فإن خرج الوقت فلا شيء عليه وقال مالك في يسير الدم لا تعاد منه الصلاة في وقت ولا بعده وتعاد من يسير البول والغائط ونحو هذا كله من مذهب مالك قول الليث بن سعد ومن حجتهم على استحباب الإعادة في الوقت لأن فاعل ذلك مع بقاء الوقت مستدرك فضل السنة في الوقت ألا ترى أن من صلى وحده ثم أدرك الجماعة يصلي تلك الصلاة في وقتها يندب إلى إعادة تلك الصلاة معهم إذا كانت ظهرا أو عشاء بإجماع وفي غيرهما اختلاف ولو وجدهم بجمعون تلك الصلاة بعد خروج الوقت لم يأمره أحد بالدخول معهم وفي هذا دليل على أن استدراك فضل السنة في مثل هذا إنما ينبغي أن يكون في الوقت لا في بعده ومما استدل به من لم يبطل صلاة من صلى وفي ثوبه نجاسة وجعل غسل النجاسة سنة لا فرطا (340) ما رواه حماد بن سلمة عن أبي نعامة قيس بن عبابة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري ان النبي صلى الله عليه وسلم دخل الصلاة ونعلاه في رجليه ثم خلعهما فخلع الناس نعالهم فلما انصرف قال لهم لم خلعتم نعالكم قالوا لما رأيناك خلعت خلعنا فقال إنما خلعتهما لأن جبريل أخبرني أن فيهما قذرا ففي هذا الحديث ما يدل على أن غسل القذر ليس بواجب فرضا ولا كون في الثوب يفسد الصلاة لأنه لم يذكر إعادة
238

وقال الشافعي قليل الدم والبول والعذرة وكثير (341) ذلك كله سواء تعاد منه الصلاة أبدا إلا ما كان نحو دم البراغيث وما يتعافاه الناس فإنه لا يفسد الثوب ولا تعاد منه الصلاة وبنحو قول الشافعي في هذا كله قال أبو ثور وأحمد بن حنبل إلا أنهما لا يوجبان غسل الدم حتى يتفاحش وهو قول الطبري إلا أن الطبري قال إن كانت النجاسة قدر الدرهم أعاد الصلاة أبدا ولم يجد أولئك شيئا وكلهم يرى غسل النجاسة فرضا وقول أبي حنيفة وأبي يوسف في هذا الباب كقول الطبري في مراعاة قدر الدرهم من النجاسة وقال محمد بن الحسن إن كانت النجاسة ربع الثوب فبما دون جازت الصلاة وأما قولهم مفسرا في هذا الباب فقال مالك في الدم اليسير إن رآه في ثوبه وهو في الصلاة مضى فيها وفي الكثير ينزعه ويستأنف الصلاة وإن رآه بعد فراغه أعاد ما دام في الوقت وقال في البول والرجيع والمني والمذي وخرو الطير التي تأكل الجيف إن ذكره وهو في الصلاة في ثوبه قطعها واستقبلها وإن صلى أعاد ما دام في الوقت فإذا ذهب الوقت لم يعد قال ابن القاسم والقيء عند مالك ليس بنجس إلا أن يكون القيء قد تغير في جوفه فإن كان كذلك فهو نجس وقال الشافعي في الدم والقيح إذا كان قليلا كدم البراغيث وما يتعافاه الناس لم يعد ويعيد في الكثير من ذلك قال وأما البول والعذرة والخمر فإنه يعيد في القليل من ذلك والكثير والإعادة عنده واجبة لا يسقطها خروج الوقت
239

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد في الدم والعذرة والبول ونحوه إن صلى وفي ثوبه من ذلك مقدار الدرهم جازت صلاته وكذلك قال أبو حنيفة في الروث حتى يكون كثيرا فاحشا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف في بول ما يؤكل لحمه حتى يكون كثيرا فاحشا وذهب محمد بن الحسن إلى أبن بول كل ما يؤكل لحمه طاهر كقول مالك وقال الشافعي بول ما يؤكل لحمه نجس قال أبو عمر اختلاف العلماء في أبوال ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل من البهائم ليس هذا موضع ذكره ولا موضع اختلاف الحجة فيه وقال زفر في البول قليله وكثيره يفسد الصلاة وفي الدم حتى يكون أكثر من قدر الدرهم وقال الحسن بن حي في الدم في الثوب يعيد إذا كان مقدار الدرهم وإن (342) كان أقل من ذلك لم يعد وكان يقول إن كان في الجسد أعاد وإن كان أقل من قدر الدرهم وقال في البول والغائط يفسد الصلاة في القليل والكثير إن كان في الثوب وقال الثوري يغسل الروث والدم ولم يعرف قدر الدرهم وقال الأوزاعي في البول في الثوب إذا لم يجد الماء تيمم وصلى ولا إعادة عليه إن وجد الماء وروي عن الأوزاعي أنه إن وجد
الماء في الوقت أعاد وقال في القيء يصيب الثوب ولا يعلم به حتى يصلي مضت صلاته وقال إنما جاءت
240

الإعادة في الرجيع قال وكذلك في دم الحيض لا يعيد وقال في البول يعيد في الوقت فإذا مضى الوقت فلا إعادة عليه قال أبو عمر أقاويل الأوزاعي في هذا الباب مضطربة لا يضبطها أصل وقال الليث في البول والروث والدم وبول الدابة ودم الحيض والمني يعيد فات الوقت أو لم يفت وقال في يسير الدم في الثوب لا يعيد في الوقت ولا بعده قال وسمعت الناس لا يرون في يسير الدم يصلى به وهو في الثوب بأسا ويرون أن تعاد الصلاة في الوقت من الدم الكثير قال والقيح مثل الدم قال أبو عمر هذا أصح عن الليث مما قدمنا عنه وقد أوردنا في هذا الباب أقاويل الفقهاء وأهل الفتيا مجملة ومفسرة بعد إيراد الأصل الذي منه تفرعت أقوالهم من الكتاب والسنة والإجماع والذي أقول به أن الاحتياط للصلاة واجب وليس المرء على يقين من أدائها إلا في ثوب طاهر وبدن طاهر من النجاسة وموضع طاهر على حدودها فلينظر المؤمن لنفسه ويجتهد وأما الفتوى بالإعادة لمن صلى وحده وجاء مستفتيا فلا إذا كان ساهيا ناسيا لأن إيجاب الإعادة فرضا يحتاج إلى دليل لا تنازع فيه وليس ذلك موجودا في هذه المسألة وقد روي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وسالم وعطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري في الذي يصلي بالثوب النجس وهو لا يعلم ثم علم بعد الصلاة أنه لا إعادة عليه وبهذا قال إسحاق واحتج بحديث أبي سعيد المذكور في هذا الباب
241

قال أبو عمر والحديث حدثناه عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال ما حملكم على إلقاء نعالكم قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا وقال إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسح وليصل فيهما (343) وهكذا رواه أبو الوليد الطيالسي ويزيد بن هارون وعفان بن مسلم عن حماد بن سلمة بإسناده مثله ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي نضرة مرسلا ورواه أبان عن قتادة عن بكر المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (344) ففي هذا الحديث ما يدل على جواز صلاة من صلى وفي ثوبه نجاسة إذا كان ساهيا عنها غير عالم بها على ما ذهب إليه هؤلاء من التابعين وغيرهم وفي ذلك دليل على أن غسل النجاسات ليس بفرض والله أعلم وقد احتج بعض أصحابنا بحديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وضع عقبة بن أبي معيط سلا الجزور على ظهره وهو يصلي فلم يقطع لذلك صلاته كان ذلك دليلا على أن النجاسة ليس بفرض غسلها ولو سلم له ظاهر هذا الحديث بأن يكون السلا من جزور غير مذكى لما كان غسل النجاسات سنة ولا فرضا وقد أجمعوا أن من شرط الصلاة طهارة الثياب والماء والبدن فدل على نسخ هذا الخبر
242

وقد روي عن ابن مسعود في ذلك نحو حديث أبي سعيد الخدري حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو غسان خالد بن إسماعيل النمري عن زهير بن معاوية قال أخبرنا أبو ضمرة عن إبراهيم بن يزيد عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وهو يصلي فخلع من خلفه فقال ما حملكم على خلع نعالكم قالوا يا رسول الله رأيناك خلعت فخلعنا قال = إن جبريل أخبرني أن في إحداهما قذرا فإنما خلعتهما لذلك فلا تخلعوا نعالكم وأما قول من قال بالإعادة في الوقت لمن صلى بثوب نجس فإنما ذلك استحباب واستحسان لتدرك فضل السنة والكمال في الوقت على ما تقدم ذكرنا له (345) وروى حماد بن زيد عن هشام بن حسان والأشعث الحمراني أن الحسن كان يقول إذا رأى في ثوبه دما بعد ما صلى أنه يعيد ما كان في الوقت وإن كان في جلده أعاد وإن ذهب الوقت قال حماد وقال هشام إذا رأى دما أو جنابة أو نجسا أعاد وإن ذهب الوقت وقاله أبو قلابة وهو قول أبي حنفة والشافعي وأحمد وأبي ثور والطبري لأن الإعادة إذا وجبت لم يسقطها خروج الوقت ولا فرق في القياس بين البدن والثوب وقد تقدمت الحجة في هذا الباب لكلا القولين وأما قول من راعى (346) في النجاسات قدر الدرهم فقول لا أصل له ولا معنى يصح لأن التحديد لا يثبت إلا من جهة التوقيف لا من جهة الرأي (347) والذي يصح عندي في مذهب مالك بما أقطع على صحته عنه فيما دل عليه عظم مذهبه في أجوبته أنه من صلى بثوب
243

نجس فيه نجاسة ظاهرة لا تخفى فإنه يعيد أبدا كمن صلى بماء قد ظهرت فيه النجاسة فغيرته أو تيمم على موضع النجاسة فيه ظاهرة غالبة ومن صلى بثوب قد استيقن فيه نجاسة إلا أنها غير ظاهرة فيه أعاد في الوقت وعليه أن يغسله كله لما يستقبل كمن توضأ بماء لم تغيره النجاسة أو تيمم على موضع لم تظهر فيه نجاسة هذا عندي أصح ما يجيء على مذهب مالك وما استوحش ممن خالفني عنه في ذلك وبالله العصمة والتوفيق لا شريك له وقياسهم ذلك على حلقة الدبر في الاستنجاء مع إقرارهم أن ذلك موضع مخصوص بالأحجار لأنها لا تزيل النجاسة إزالة صحيحة كالماء وإن ما عدا المخرج لا يطهره إلا الماء أو ما يعمل عمل الماء عندهم في إزالة عين النجاسة قياسا على غير نظير ولا علة معلولة وبالله التوفيق وأما قوله ثم تنضحه بالماء ثم لتصل فيه فيحتمل أن يكون النضح ههنا الغسل على ما بينا في غير موضع من كتابنا هذا ويحتمل أن يكون النضح الرش لما شك فيه ولا يرى فيقطع بذلك الوسوسة إذ الأصل في الثوب الطهارة حتى تستيقن النجاسة فإذا استوقنت لزم الغسل والتطهير وأما الرش فلا يزيل نجاسة في النظر وقد بينا أيضا هذا المعنى في مواضع من هذا الكتاب ولولا أن السلف جاء عنهم النضح ما قلنا بشيء منه ولكن قد جاء عن عمر حين أجنب في ثوبه أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أره وعن أبي هريرة وغيره مثل ذلك وذلك عندي والله أعلم قطع لحزازات النفوس ووساوس الشيطان روى الأوزاعي عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت (348) إذا حاضت المرأة في الثوب ثم طهرت فلتتبع ما أصاب ثوبها من الدم فلتغسله وتنضح باقيه ثم تصلي فيه
244

وفي هذا الحديث وحديث أسماء المذكور في هذا الباب دليل على أن قليل الماء يطهر النجاسة إذا غلب عليها واستهلكها ومعلوم أن دم الحيض في ذلك الثوب قد طهره ما دون القلتين وقد بينا الصحيح عندنا في الماء من مذاهب العلماء في باب إسحاق بن أبي طلحة والحمد لله
حديث خامس وثلاثون لهشام مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت أتيت عائشة حين خسفت الشمس فإذا الناس قيام يصلون
وإذا هي قائمة تصلي فقلت ما للناس فأشارت (349) (بيدها) نحو السماء وقالت سبحان الله فقلت آية فأشارت برأسها أن نعم قالت فقمت حتى تجلاني الغشي وجعلت أصب فوق رأسي الماء فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه ثم قال ما من شيء كنت لم أره إلا وقد (350) رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة الدجال لا أدري أيتهما قالت أسماء يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن أو الموقن لا أدري أي ذلك قال أسماء فيقول هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا فيقال له نم صالحا قد علمنا إن كنت
245

لمؤمنا وأما المنافق أو المرتاب لا أدري أيهما قالت أسماء فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته (351) قد مضى معنى الكسوف والخسوف في اللغة فيما تقدم من حديث هشام ومضت معاني صلاة الكسوف في باب زيد بن أسلم وفي هذا الحديث من الفقه أن الشمس إذا كسفت بأقل شيء منها وجبت الصلاة لذلك على سنتها ألا ترى إلى قول أسماء ما للناس فأشارت لها عائشة إلى السماء فلو كان كسوفا بينا ما خفي على أسماء ولا غيرها حتى تحتاج ان يشار إلى السماء وقالت طائفة من أصحابنا وغيرهم (352) إن الشمس لا يصلى لها حتى تسود بالكسوف أو يسود أكثرها لما روى في حديث الكسوف إن الشمس كسف بها وصارت كأنها تنومة أي ذهب ضوؤها واسودت والتنوم نبات أسود وهذا القول ليس بشيء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لا يصلى لكسوفها حتى تسود بل صلى (353) لها في كلتا الحالتين وليس في إحداهما ما يدفع الأخرى وليس ما ذكر في الصحة كحديث أسماء وفيه أيضا من الفقه دليل على أن خسوف الشمس يصلي لها في جماعة وهذا المعنى وإن قام دليله من هذا الحديث فقد جاء منصوصا في غيره والحمد لله وهو أمر لا خلاف (354) فيه وإنما الاختلاف في كيفية تلك الصلاة وفيه دليل على أن صلاة خسوف الشمس لا يجهر فيها بالقراءة وقد ذكرنا الحجة في أن القراءة في الكسوف سرا واختلاف العلماء في ذلك ووجوه أقوالهم في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب
246

وفيه أن المصلي إذا كلم أشار ولم يتكلم لأن الكلام ممنوع منه في الصلاة وفيه أن النساء يسبحن إذا نابهن شيء في الصلاة لقول عائشة حين سألتها أسماء ما للناس فقالت سبحان الله وأشارت بيدها ولم تصفق وفي هذا (355) حجة لمالك في قوله إن النساء والرجال في هذا المعنى سواء من نابه منهم شيء في صلاته سبح ولم يصفق رجلا كان أو امرأة وقد ذكرنا ما في هذه المسألة من الآثار واختلافها وما للعلماء من المذاهب فيها في باب أبي حازم من كتابنا هذا والحمد لله وفيه أن الإشارة باليد وبالرأس لا تضر المصلي ولا بأس بها وأما قولها فقمت حتى تجلاني الغشي فمعناه أنها قامت حتى غشي عليها أو كاد أن يغشى عليها من طول القيام وفي هذا دليل على طول القيام في صلاة الكسوف وأما قوله فحمد الله وأثنى عليه فذلك كان بعد الفراغ من الصلاة وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في الخطبة بعد الكسوف فيما تقدم من حديث هشام بن عروة في هذا الكتاب وأما رؤيته صلى الله عليه وسلم للجنة والنار فذلك ثابت عنه في كثير من الآثار ونحن لا نكيف ذلك ولا نجده وأما قوله أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم فإنه أراد فتنة الملكين منكر ونكير حين يسألان العبد من ربك وما دينك ومن نبيك والآثار في هذا متواترة وأهل السنة والجماعة كلهم على الإيمان بذلك ولا ينكره إلا أهل البدع وفي قوله مثل أو قريب من فتنة الدجال دليل على أنهم كانوا يراعون الألفاظ في الحديث المسند وهذا في طائفة من أهل العلم وطائفة
247

يجيزون الحديث بالمعاني وهذا إنما يصح لمن يعرف المعاني ومذاهب العرب وهو مذهب ابن شهاب وعطاء والحسن وجماعة غيرهم وكان مالك لا يجيز الإخبار بالمعاني في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قدر على الإتيان بألفاظه حدثنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا يحيى بن عمر قال حدثنا الحرث بن مسكين أخبرنا يوسف ابن عمرو عن ابن وهب قال سمعت مالكا وسئل عن المسائل إذا كان المعنى واحدا والكلام مختلف فقال لا بأس به إلا الأحاديث التي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا زيد بن البشر قال سمعت ابن وهب يقول سأل مالكا رجل فقال الكتاب يعرض عليك فينقلب به صاحبه فيبيت عنده أيجوز أن أحدث به قال نعم قال أبو عمر هذا خلاف رواية اشهب لأن أشهب روى في مثل هذا المعنى أخشى أن يزاد في كتبه بالليل ومحمل الروايتين عندي على أن الثقة جائز أن يعار الكتب ثم يحدث بما استعار من ذلك وأما غير الثقة المأمون عليها فلا وأما الفتنة فلها في كلام العرب وجوه كثيرة منها أن يفتن الرجل في دينه ببلوى من سلطان غالب أو بهوى يصرفه عن الصواب في الدين أو بحب يشغل قلبه حتى يركب ما لا يحل له فهذه فتنة تشربها القلوب كما أشرب بنو إسرائيل حب العجل وفتنوا به والفتنة الحرق بالنار وللفتنة وجوه كثيرة وأما قوله صلى الله عليه وسلم إنكم تفتنون في قبوركم كفتنة الدجال أو قريب منها فالفتنة ههنا معناها الابتلاء والامتحان والاختبار ومن ذلك قول الله
248

عز وجل لموسى * (وفتناك فتونا) * 359 أي ابتليناك ابتلاء واختبرناك اختبارا وفي عذاب القبر نزلت * (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * 357 حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال أخبرنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن محارب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال * (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * قال في القبر إذا سئل من ربك وما دينك ومن نبيك ورواه غندر وغيره هكذا عن شعبة بإسناده مثله وروى أبو معاوية عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن البراء مثله موقوفا وذكر بقي قال حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال حدثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج * (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا) * لا إله إلا الله وفي الآخرة المسألة في القبر أخبرنيه ابن طاوس عن أبيه وروى الأعمش ويونس بن خباب عن المنهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فذكر الحديث الطويل أمامه وفيه في صفة المؤمن ثم يعاد روحه إلى جسده وأنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ويدخل عليه ملكان فيقولان له من ربك فيقول الله فيقولان له ما دينك فيقول الإسلام فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول وأي رجل فيقولان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول أشهد أن رسول الله قال فينتهرانه ويقولان له وما
249

يدريك فيقول إني قرأت كتاب الله فصدقت به وآمنت قال فهي آخر فتنة تعرض على المؤمن وذلك قول الله عز وجل * (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا
وفي الآخرة) * قال وينادي مناد من السماء أن صدق عبيد فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وأروه مقعده من الجنة فيأتيه من طيبها وساق الحديث إلى صفة المنافق والمرتاب قال فيدخل عليه ملكان فيقولان له اجلس قال وإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذ ولوا عنه قال فيجلس فيقولان له من ربك وما (358) دينك ومن نبيك ففي رواية يونس بن خباب فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم فينتهرانه انتهارا شديدا ويقولان من ربك وما دينك ومن نبيك فقول لا أدري فيقولان لا دريت ولا تليت (359) وقال الأعمش في حديثه فيقولان من ربك وما دينك فيقول لا أدري فيقولان ما (360) تقول في هذا الرجل فيقول وأي رجل فيقولان محمد فيقول لا أدري سمعت الناس قالوا قولا فقلت كما يقول الناس قال فينادي مناد من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وأروه مقعده من النار ويضيق عليه قبره (361) حتى تختلف أضلاعه وساقا الحديث إلى آخره (362) وروينا عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أصحابه وعن معمر عن عمرو ابن دينار وعن سعد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار دخل حديث بعضهم في بعض والمعنى واحد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر كيف بك يا عمر إذا
250

جاءك منكر ونكير إذا مت وانطلق بك قومك فقاسوا ثلاثة أذرع وشبرا في ذراع وشبر ثم غسلوك وكفنوك وحنطوك واحتملوك فوضعوك فيه ثم أهالوا عليك التراب فإذا انصرفوا عنك أتاك فتانا القبر منكر ونكير أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف يجران شعورهما معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل الأرض لم يقلوها (363) فقال عمر إن فرقنا فنحن أحق أن نفرق أنبعث على ما نحن عليه قال نعم إن شاء الله قال إذن أكفيكهما وذكر سنيد عن إسماعيل بن عليه عن عباد بن إسحاق عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات المسلم أو المؤمن أتاه ملكان أزرقان أسودان يقال لأحدهما منكر والآخر نكير فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول ما كان يقول في الدنيا هو عبد الله ورسوله جاء بالحق فيقال له قد كنت تقول هذا ثم يفتح له في قبره سبعين ذراعا في سبعين (364) وينور له عنده نور ويقال له نم صالحا فيقول أرجع إلي أهلي فأخبرهم فيقال له نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب الناس إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك وإن كان منافقا قال (365) سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فيقال قد كنت تقول ذلك قال ثم تؤمر الأرض فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه فلا يزال كذلك معذبا حتى يبعثه الله (366) والآثار في عذاب القبر لا يحوط بها كتاب وإنما ذكرنا منها ههنا ما في معنى حديثنا وما رجونا أن يكون تفسيرا له والآثار المرفوعة كلها في هذا المعنى تدل على أن الفتنة والله أعلم مرة واحدة
251

وكان عبيد بن عمير فيما ذكر ابن جريج عن الحرث بن أبي الحرث عنه يقول يفتن رجلان مؤمن ومنافق فأما المؤمن فيفتن سبعا وأما المنافق فيفتن أربعين صباحا قال أبو عمر الآثار الثابتة في هذا الباب إنما تدل على أن الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق ممن كان في الدنيا منسوبا إلى أهل القبلة ودين الإسلام ممن حقن دمه بظاهر الشهادة وأما الكافر الجاحد المبطل فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيه وإنما يسأل عن هذا أهل الإسلام والله أعلم * (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) * الآية وأما ما جاء من الآثار في أن اليهود تعذب في قبورها ففي حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر مع بلال على البقيع فقال ألا تسمع ما أسمع يا بلال قال لا والله يا رسول الله ما أسمع قال أما تسمع أهل القبور يعذبون يعني قبور الجاهلية فهذا والله أعلم عذاب غير الفتنة والابتلاء الذي يعرض المؤمن وإنما هذا عذاب واصب للكفار إلى أن تقوم الساعة فيصيرون إلى النار ألا ترى إلى قول الله عز وجل * (وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) * 367 وجائز أن يكون عذاب القبر غير فتنة القبر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ من فتنة القبر وعذاب القبر وعذاب النار في حديث واحد وذلك دليل على أن عذاب القبر غير فتنة القبر والله أعلم لأن الفتنة قد تكون فيه النجاة وقد يعذب الكافر في قبره على كفره دون أن يسأل والله أعلم
252

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يدعو بهؤلاء الكلمات اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب القبر وشر فتنة المسيح الدجال ومن شر فتنة القبر ومن شر فتنة الغنى اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد وأنق قلبي من الخطايا كما أنقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم أني أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم (368) أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار وعذاب القبر وفتنة القبر ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن شر الغنى وشر فتنة الفقر اللهم اغسل خطاياي وذكر تمام الحديث بمعنى ما تقدم سواء (369) فهذا الحديث يدل على أن فتنة القبر غير عذاب القبر لأن الواو تفصل بين ذلك هذا ما توجبه اللغة وهو الظاهر في الخطاب والله أعلم وقد تقدم عن عبيد بن عمير أنه قال إنما يفتن رجلان مؤمن ومنافق وهو معنى ما قلنا وفي حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ومنهم من يرويه تسأل في قبورها وهذا اللفظ يحتمل أن تكون هذه الأمة خصت بذلك وهو أمر لا يقطع عليه والله أعلم
253

وحديث زيد بن ثابت هذا رواه عنه أبو سعيد الخدري ذكره سنيد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا إسماعيل بن علية عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال حدثنا زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذه الأمة تبتلى في قبورها وقال ابن أبي شيبة تسأل في قبروها فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله = أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع (370) وقد يجوز أن يتأول متأول في هذا الحديث وسياقته على ما ذكره ابن أبي شيبة فيه أن فتنة القبر والسؤال فيه هو عذاب القبر ولكن ما ذكرنا أظهر في المعنى وأحكام الآخرة لا مدخل فيها للقياس والاجتهاد ولا للنظر والاحتجاج والله يفعل ما يشاء لا شريك له وقد ذكر سنيد عن إسماعيل بن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال ذكر لنا أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث ثلث من البول وثلث من الغيبة وثلث من النميمة وهذا لا حجة فيه لأنه ليس بمسند ولا متصل ولا يحتج
بمثله على أنه يحتمل أن يكون عذاب القبر ههنا للمرتاب بعد السؤال الذي هو الفتنة وسببها والله أعلم ويحتمل أن يكون قوله عذاب القبر بمعنى فتنة القبر فإنها تؤول إلى العذاب وفيها عذاب والله أعلم بحقيقة (371) (ذلك) لا شريك له
حديث سادس وثلاثون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
254

قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها وأصغت إليه يقول اللهم أغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق (الأعلى) (372) قال أبو عمر إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يدعو بالرحمة والمغفرة فغيره أولى أن لا يفتر من الاستغفار وسؤال = الرحمة من العزيز الغفار ألهمنا الله لدعائه وسؤاله والله لا يخيب من دعاه ولا يحرم سائله ولقد أحسن القائل وهو عبيد
* من يسأل الناس يحرموه
* وسائل الله لا يخيب
* وأما قوله في هذا الحديث وألحقني بالرفيق فقيل الرفيق أعلى الجنة وقيل الرفيق الملائكة والأنبياء والصالحون من قوله عز وجل * (وحسن أولئك رفيقا) * (373) قال أهل اللغة رفيقا ههنا بمعنى رفقاء كما يقال صديق بمعنى أصدقاء وعدو بمعنى أعداء
حديث سابع وثلاثون لهشام وهو أول المراسيل مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت للركن الأسود إنما أنت حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ثم قبلة (374)
255

هذا الحديث مرسل في الموطأ هكذا لم يختلف فيه وهو يستند من وجوه صحاح ثابتة ذكر ابن وهب في موطئه قال أخبرني يونس وعمرو بن الحرث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه حدثه قال قبل عمر الحجر ثم قال أما والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك قال عمرو بن الحرث وحدثني بمثلها زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال أبو عمر زعم أبو بكر البزار أن هذا الحديث رواه عن عمر مسندا أربعة عشر رجلا قال أبو عمر أفضلها وأثبتها وإن كانت كلها ثابتة حديث الزهري عن سالم عن أبيه وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا وجيه بن الحسن قال حدثنا بكار بن قتيبة قال حدثنا مؤمل قال حدثنا سفيان عن عاصم عن عبد الله بن سرجس قال رأيت عمر بن الخطاب يقبل الحجر ويقول إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك فأنا أقبلك وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد قالا حدثنا عاصم الأحول قال سمعت عبد الله بن سرجس قال رأيت الأصلع عمر بن الخطاب رحمة الله عليه أتى
256

الركن الأسود فقبله ثم قال والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك (375) أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن كثير قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عائش بن ربيعة عن عمر أنه جاء إلى الحجر فقبله فقال إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك (376) وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال رأيت عمر بن الخطاب يقبل الحجر ويقول (377) إني لأعلم أنك حجر ولكني رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم بك حفيا قال أبو عمر لا يختلفون أن تقبيل الحجر الأسود في الطواف من سنن الحج لمن قدر على ذلك ومن لم يقدر على تقبيله وضع يده عليه ورفعها إلى فيه فإن لم يقدر على ذلك أيضا للزحام كبر إذا قابله فمن لم يفعل فلا حرج عليه ولا ينبغي لمن قدرعلى ذلك أن يتركه تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده أخبرنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن نافع المكي قال حدثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا أبو عوانة عن عامر بن أبي سلمة عن أبيه أن عبد الرحمان ابن عوف كان إذا أتى الركن فوجدهم يزدحمون عليه استقبله وكبر ودعا ثم طاف فإذا رأى خلوة استلمه
257

حديث ثامن وثلاثون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمان بن عوف كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن فقال عبد الرحمان استلمت وتركت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت (378) قال أبو عمر كان ابن وضاح يقول في موطأ يحيى (379) إنما الحديث كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن الأسود وزعم أن يحيى (380) سقط له من كتابه الأسود وأمر ابن وضاح بإلحاق الأسود في كتاب يحيى ولم يرو يحيى الأسود ولكنه رواه ابن القاسم وابن وهب والقعنبي وجماعة وقد روى أبو مصعب وغيره كما روى يحيى لم يذكروا الأسود وكذلك رواه ابن عيينة وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه لم يذكروا الأسود كما روى يحيى وهو أمر محتمل جائز في الوجهين جميعا ورواه الثوري عن هشام عن أبيه فقال فيه كيف صنعت في استلامك الحجر وسنذكر في آخر هذا الباب بعض ما ذكرنا من أسانيد هذا الحديث إن شاء الله
258

وقد صنع ابن واضح مثل هذا أيضا في موطأ يحيى في قول مالك سمعت بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن اليماني أن يضعها على فيه فأمر ابن وضاح بطرح اليماني من رواية يحيى وهذا مما تسور فيه على رواية يحيى وهي (381) أصوب (382) من رواية يحيى ومن تابعه في هذا الموضع وكذلك روى ابن وهب وابن القاسم وابن بكير وأبو المصعب وجماعة في هذا الموضع عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن
اليماني أن يضعها على فيه زاد ابن وهب من غير تقبيل وقالوا كلهم الركن اليماني والعجب من ابن وضاح وقد روى موطأ ابن القاسم وفيه اليماني كيف أنكره وقد روى القعنبي عن مالك في ذلك قال سمعت بعض أهل العلم يستحبون إذا رفع الذي يطوف بالبيت يده عن الركن الأسود أن يضعها على فيه هكذا قال القعنبي الركن الأسود وأظن ابن وضاح إنما أنكر اليماني في رواية يحيى لأنه رأى رواية القعنبي أو من تابع القعنبي على قوله الأسود فمن هناك أنكر اليماني على أن ابن وضاح لم يرو موطأ القعنبي وروى موطأ ابن القاسم وموطأ ابن وهب وفيهما جميعا اليماني كما روى يحيى وهي بأيدي أهل بلدنا في الشهرة كرواية يحيى ولكن الغلط لا يسلم منه أحد وأما إدخاله في حديث عبد الرحمان بن عوف الأسود فكذلك رواه أكثر رواة الموطأ فابن وضاح في هذا معذور ولكنه (383) لم يكن بنبغي له أن يزيد في رواية الرجل ولا يردها إلى رواية غيره ففي ذلك من الإحالة ما لا يرضاه أهل الحديث وهذا المعنى في الفقه كله جائز عند أهل العلم لا نكير فيه فجائز عندهم أن يستلم الركن اليماني والركن الأسود لا يختلفون في شيء من ذلك
259

وإنما الذي فرقوا بينهما فيه التقبيل لا غير فرأوا تقبيل الركن الأسود والحجر ولم يروا تقبيل اليماني وأما استلامهما جميعا فأمر مجتمع عليه وإنما اختلفوا في استلام الركنين الآخرين وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك في مواضع من كتابنا والحمد لله وقد كان عروة بن الزبير وهو راوية هذا الحديث يستلم الأركان كلها ذكر مالك في الموطأ عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها وكان لا يدع الركن اليماني إلا أن يغلب عليه (384) وذكر ابن وهب في موطأ مالك عن مالك قال سمعت بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف يده على الركن اليماني أن يضعها على فيه من غير تقبيل ولا يقبل إلا الركن الأسود يقبل ويستلم باليد وتوضع على الفم ولا يقبل اليد فيهما جميعا قال أبو عمر فهذا كله من قول مالك في موطئه من رواية ابن وهب وغيره يبين ما بينا وبالله توفيقنا وفي استلام الركنين الأسود واليماني آثار ثابتة مسندة أحسنها حديث ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمح من البيت إلا الركنين اليمانيين قال وأخبر ابن عمر بقول عائشة أن الحجر من البيت فقال إن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأظن (385) رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك استلامهما إلا أنهما ليسا على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك (386)
260

قال أبو عمر قوله الركنين اليمانيين يريد الركن الأسود واليماني ولقد ذكرنا مراتبهما والأحاديث فيهما واختلاف السلف في كيفية استلامهما وأخبرنا بأن الفقهاء على استلام الركنين خاصة على حديث ابن عمر وعائشة وبسطنا ذلك كله في حديث ابن شهاب وغيره من هذا الكتاب حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني والحجر في كل طوفة قال وكان عبد الله بن عمر يفعله (387) قال أبو عمر هذا أفضل ما روي في هذا الباب وأولاه وأصحه وقد روي عن مجاهد وطاوس أنهما كانا يستحبان استلام الركنين الأسود واليماني في كل وتر من الطواف روي ذلك عنهما من طرق وأما إنكار ابن وضاح لاستلام الركن اليماني فلا وجه له اللهم إلا أن يكون أنكر اللفظة في حديث مالك عن هشام عن أبيه في قصة عبد الرحمان بن عوف دون أن ينكر استلام الركن اليماني فإن استلامه لا خلاف بين العلماء فيه روينا (388) عن مجاهد وعطاء من وضع يده على الركن اليماني ثم دعا استجيب له وعن الزبير (389) الركن اليماني باب من أبواب الجنة وفي الترغيب في استلامه آثار كثيرة ذكره الخزاعي في كتاب فضائل مكة الكتاب الكبير وقد روى عبد الله بن مسلم بن
261

هرمز عن مجاهد عن بن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله ووضع خده الأيمن عليه قال أبو عمر هذا لا يصح وإنما المعروف قبل يده وإنما يعرف تقبيل الحجر الأسود ووضع الوجه عليه وقد جاء هذا الحديث كما ترى وليس يعرف بالمدينة العمل به فالله أعلم حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن نافع المكي قال حدثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه أن عبد الرحمان ابن عوف كان إذا أتى الركن فوجدهم يزدحمون عليه استقبله وكبر ودعا ثم طاف فإذا وجد خلوة استلمه أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن أبي مسرة قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال أخبرنا القاسم بن محمد بن عبد الرحمان الأنصاري من ولد أحيحة بن الجلاح عن أبي نجيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا محمد كيف صنعت حين طفت قال استلمت وتركت قال أصبت أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن محمد بن جامع السكري قراءة عليه من كتابه سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وأنا أسمع قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن عروة عن عبد الرحمان بن عوف قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف صنعت في استلامك الحجر قال استلمت وتركت قال أصبت
262

وعند هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف في حجة الوداع حول الكعبة يستلم الركن بمحجن كراهية أن يصرف عنه الناس وليس هذا عند مالك عن هشام = قال أبو عمر الاستلام للرجال دون النساء عن عائشة وعطاء وغيرهما وعليه جماعة الفقهاء
حديث تاسع وثلاثون لهشام مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن صاحب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها ثم ألق قلائدها في دمها ثم خل بين الناس وبينها يأكلونها (390) هذا حديث مرسل في الموطأ وهو في غير الموطأ مسند لأن جماعة من الحفاظ رووه عن هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية الأسلمي صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير نكير أن يسمع عنه عروة حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمان قال حدثنا الفضل بن الحباب القاضي بالبصرة أبو خليفة قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معه بهدي قال إن عطب فانحره ثم اصبغ نعله في دمه ثم خل بينه
وبين الناس
263

حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المدني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدي قال انحره ثم اغمس قلائده في دمه ثم أضرب بها صفحة عنقه ثم خل بينه وبين الناس أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهب بن خالد قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية صاحب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصنع بما عطب من الهدي فأمره أن ينحر كل بدنة عطبت ثم يلقي حبلها في دمها ويخلي بينها وبين الناس يأكلونها كذا وقع عنده حبلها في دمها وإنما هو نعلها في دمها وناجية هذا هو ناجية بن جندب الأسلمي وقد ذكرناه ورفعنا في نسبه في كتاب الصحابة (391) وروى ابن عباس هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد فيه ولا تأكل منها أنت ولا أحد من رفقتك (392) وسنذكره ههنا إن شاء الله وفي هذا الحديث من الفقه أن الهدي يقلد وأن التقليد من شأنه وسنته والتقليد أن يعلق في عنق البدن نعل علامة ليعرف أنها هدي وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلد هديه نعلين وكذلك كان ابن عمر يفعل وبه قال الشافعي واستحسنه والنعل عندي تجزئ وهو قول مالك والزهري وجماعة العلماء كلهم لا يختلفون في تقليد الهدي ويجزئ عند جميعهم نعل واحدة والذي أجمعوا عليه من تقليد الهدي الإبل والبقر واختلفوا في
264

تقليد الغنم فكان مالك وأبو حنيفة وأصحابهم ينكرون تقليد الغنم وأجاز تقليده الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور لقول عائشة كنت أقلد الغنم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول عطاء وجماعة وقد مضى في هذا الكتاب في باب عبد الله بن أبي بكر القول في تقليد الهدي هل يوجب على صاحبه أن يكون محرما لذلك أم لا والصحيح في ذلك حديث عائشة على ما ذكرناه هناك من أحسن طرقه ما أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يزيد بن خالد وقتيبة بن سعيد أن الليث حدثهم عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمان أن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم (393) وأما قوله كيف أصنع بما عطب من الهدي فجاوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكر في حديث هشام هذا فإن هذا محمله عند العلماء على الهدي التطوع وكذلك كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تطوعا لأنه كان في حجته مفردا والله أعلم وقد ذكرنا الاختلاف عنه في ذلك في باب ابن شهاب وغيره والهدي التطوع لا يجوز لأحد ساقه أكل شيء منه إذا عطب قبل أن يبلغ محله لئلا يكون ذلك ذريعة إلى أكل الهدي قبل محله من أجل أنه تطوع فينصرف من الناس من لم تصح نيته فيما أخرجوه لله ويعتلون بأنه عطب ذكر أبو ثابت وأسد وسحنون وابن أبي الغمر عن ابن القاسم قلت لابن القاسم أرأيت هدي التطوع إذا عطب كيف يصنع به صاحبه في قول مالك قال قال مالك يرمي بقلائده في دمه إذا نحره ويخلي بن الناس وبينه ولا يأمر أحدا أن يأكل منه فقيرا ولا غنيا فإن أكل هو أو أمر أحدا من الناس
265

بأكله أو حز شيئا من لحمه كان عليه البدل قال ابن القاسم وقال مالك كل هدي مضمون إذا عطب فليأكل منه صاحبه وليطعم منه الأغنياء والفقراء ومن أحب ولا يبيع من لحمه ولا من جلده ولا من قلائده شيئا قال مالك ومن الهدي المضمون ما إن عطب قبل أن يبلغ محله جاز له أن يأكل منه وهو أن بلغ محله لم يأكل منه وهو جزاء الصيد وفدية الأذى ونذر المساكين فهذا إن عطب قبل محله جاز له أن يأكل منه لأن عليه بدله وإذا بلغ محله أجزأه عن الذي ساقه ولا يجزيه أن يأكل منه قال إسماعيل بن إسحاق لأن الهدي المضمون إذا عطب قبل أن يبلغ محله كان عليه بدنة وبذلك جاز له أن يأكل منه ولا يطعم لأنه لما لم يكن عليه بدله خيف أن يفعل ذلك بالهدي وينحر من غير أن يعطب فاحتيط على الناس وبذلك مضى العمل في هدي التطوع إذا عطب في الطريق نحره صاحبه وخلى بينه وبين الناس وذكر إسماعيل بن إسحاق حديث هشام هذا عن أبيه عن ناجية وحديث ابن عباس عن ذؤيب الخزاعي قال أبو عمر أما حديث ناجية فقد تقدم ذكره وأما حديث ابن عباس فاختلف فيه عنه فطائفة روت عنه ما يدل على أن ناجية الأسلمي حدثه وطائفة روت عنه أن ذؤيبا الخزاعي حدثه وذؤيب هذا هو والد قبيصة بن ذؤيب وربما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا معه هديا فسأله كما سأله ناجية فالله اعلم حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم يعني ابن عليه قال حدثنا أبو التياح عن موسى بن سلمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بثمان عشرة بدنة مع رجل فأمره فيها
266

بأمر (394) فانطلق ثم رجع إليه فقال أرأيت إن عطب منه شيء قال فانحرها ثم أصبغ نعلها في دمها ثم اجعلها على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك أخبرنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أبو النياح عن موسى بن سلمة قال خرجت أنا وسنان بن سلمة ومعنا بدنتان فأزحفتا علينا بالطريق فلما قدمنا مكة أتينا ابن عباس فسألناه فقال على الخبير سقطت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانا الأسلمي وبعث معه بثمان عشرة بدنة فقال يا رسول الله أرأيت إن أزحف علي منها شيء بالطريق قال تنحرها وتصبغ نعلها أو قال تغمس نعلها في دمها فتضرب بها على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك وروى شعبة وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سنان بن سلمة عن ابن عباس أن ذؤيبا الخزاعي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول إذا عطب شيء منها فخشيت عليه موتا فانحره ثم أغمس نعله في دمه ثم اضرب صفحته ولا تطعم منها ولا أحد من أهل رفقتك قال أبو عمر (قوله) (395) ولا أحد من أهل رفقتك لا يوجد إلا في حديث ابن عباس هذا بهذا الآسناد عن موسى بن سلمة وسنان بن سلمة وليس ذلك في حديث هشام بن عروة عن أبي عن ناجية وهذا عندنا أصح من حديث ابن عباس عن ذؤيب وعليه العمل عند الفقهاء ومن جهة النظر أهل رفقته وغيرهم في ذلك
267

سواء ويدخل في قوله عليه السلام وخل بين الناس وبينه يأكلونه أهل رفقته وغيرهم وإنما الضمان على من أكل من هديه التطوع وإن لم يكن موجدا في الحديث المسند فإن ذلك عن الصحابة والتابعين وعليه جماعة فقهاء الأمصار وروي عن عمر وعلي وابن مسعود إن أكل من الهدي التطوع غرم وعن ابن عباس إن أكلت أو أمرت بأكله
غرمت وعن ابن المسيب مثله سواء من رواية مالك عن ابن شهاب وروى ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن ابن المسيب قال مضت السنة إذا أصيبت البدنة تطوعا في الطريق أن ينحرها ويغمس قلائدها (في دمها) 396) ثم لا يأكل منها ولا يطعم ولا يقسم فإن فعل شيئا من ذلك ضمن وعن ابن عمر وابن عباس وعطاء والنخعي في الهدي الواجب يعطب قالوا كل إن شئت إذا نحرته وعليك البدل وأما اختلاف الفقهاء في هذه المسألة فقال مالك ما عطب من الهدي قبل أن يبلغ محله فإن كان واجبا أكل منه إن شاء وأبدله وإن كان (397) تطوعا نحره ثم صبغ قلائده في دمه وخلى بين الناس وبينه ولم يأكل ولم يطعم ولم يتصدق فإن أكل أو أطعم أو تصدق ضمن وهو قول الشافعي والأوزاعي والثوري إلا أنهم قالوا يضمن ما أكل أو أطعم أو تصدق وليس عليه البدل إلا لما أتلف فإن أتلفه كله ضمنه كله وكذلك قال أبو حنيفة أيضا إلا أنه قال يتصدق بالهدي التطوع إذا عطب أفضل من أن يتركه فتأكله السباع قال ولو أطعم منه غنيا ضمن وقال في الهدي الواجب لا بأس أن
268

يبيع لحمه وهو قول عطاء يستعين به في ثمن هدي وهؤلاء لا يرون (398) بيعه واختلفوا فيما يؤكل من الهدي إذا بلغ محله فقال مالك يؤكل من الهدي كله إذا بلغ محله إلا جزاء الصيد ونسك الأذى وما نذر للمساكين وقال الشافعي لا يؤكل من الهدي كله شيء إذا بلغ محله إلا بالتطوع وحده فأما الهدي الواجب فلا يأكل شيئا منه وقال أبو حنيفة يؤكل من هدي المتعة والقرآن والتطوع ولا يؤكل مما سواه وقال الثوري يؤكل من هدي المتعة والإحصار والوصية والتطوع
حديث موفي أربعين لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن مخنثا كان عند أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعبد الله بن أبي أمية ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع يا عبد الله إن فتح الله عليكم الطائف غدا فإني أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم (399) هكذا روى هذا الحديث جمهور الرواة عن مالك مرسلا ورواه سعيد بن أبي مريم عن مالك عن هشام عن أبيه عن أم سلمة والصواب عن مالك ما في الموطأ ولم يسمعه عروة من أم سلمة وإنما رواه عن زينب ابنتها عنها كذلك قال ابن عيينة وأبو معاوية عن هشام فأما حديث ابن أبي مريم عن
269

مالك فحدثناه أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا مالك قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وكان مخنث عندهم جالسا فقال المخنث لعبد الله ابن أبي أمية أخي أم سلمة إن فتح الله عليكم الطائف غدا فأنا أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلن هؤلاء عليكم وأما حديث ابن عيينة فحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعه يقول لعبد الله بن أبي أمية يا عبد الله أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلن هؤلاء عليكم قال سفيان قال ابن جريج اسمه هيت يعني المخنث (400) وأخبرنا محمد بن إبراهيم وإبراهيم بن شاكر قالا حدثنا محمد بن أحمد ابن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب الرقي قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو معاوية عن هشام ابن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة فذكرا الحديث بتمامه قال أبو عمر ذكر عبد الملك بن حبيب عن حبيب كاتب مالك قلت لمالك إن سفيان زاد في حديث ابنة غيلان أن مخنثا يقال له هيت وليس في كتابك
270

هيت فقال مالك صدق (401) وهو كذلك وكان النبي صلى الله عليه وسلم غربه إلى الحمى وهو موضع من ذي الحليفة ذات الشمال من مسجدها قال حبيب وقلت لمالك وقال سفيان في الحديث إذا قعدت تثنت وإذا تكلمت تغنت قال مالك صدق كذلك هو في الحديث قال وقلت لمالك قال سفيان في تفسير تقبل بأربع وتدبر بثمان يعني مظلة الأعراب مقدمها أربع ومدبرها ثمان فقال مالك لم تصنع شيئا إنا هي عكن أربع إذا أقبلت وثمان إذا أدبرت وذلك أن الظهر لا تنكسر (402) فيه العكن قال أبو عمر كل ما ذكره حبيب كاتب مالك عن سفيان بن عيينة أنه قال في الحديث يعني حديث هشام بن عروة هذا فغير معروف فيه عند أحد من رواته عن هشام لا ابن عيينة ولا غيره ولم يقل سفيان في نسق الحديث أن مخنثا يدعى هيت وإنما ذكره عن ابن جريج بعد تمام الحديث على ما ذكرناه عن الحميدي عنه وهو أثبت الناس في ابن عيينة وكذلك قوله عن سفيان أنه كان يقول في الحديث إذا فعدت تثنت وإذا تكلمت تغنت هذا ما لم يقله سفيان ولا غيره فيما علمت في حديث هشام بن عروة وهذا اللفظ لا يحفظ إلا من رواية الواقدي والعجب أنه يحكيه عن سفيان ويحكي عن مالك أنه كذلك فصارت رواية عن مالك ولم يرو ذلك عن مالك (أحد) (403) غير حبيب ولا ذكره عن سفيان غيره أيضا والله أعلم وحبيب كاتب مالك
271

متروك الحديث ضعيف عند جميعهم لا يكتب حديثه ولا يلتفت إلى ما يجيء (404) به أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة قالت كان عندي مخنث فقال لعبد الله أخي إن فتح الله عليكم الطائف غدا فإن أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فسمع رسول الله قوله فقال لا يدخلن هؤلاء عليكم قال وحدثنا يونس بن بكير عن أبي إسحاق قال وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته فاخته ابنة عمرو بن عائذ مخنث يقال له ماثع يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون في بيته ولا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يفطن لشيء من أمر النساء مما يفطن إليه الرجال ولا يرى أن له في ذلك أربا فسمعه وهو يقول لخالد بن الوليد يا خالد إن فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلا تنفلتن منك بادية ابنة غيلان بن سلمة فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع هذا منه ألا أرى الخبيث يفطن لما أسمع ثم قال لنسائه لا يدخل عليكم (405) فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث من الفقه إباحة دخول المخنثين من الرجال على النساء وإن لم يكونوا منهن بمحرم والمخنث الذي لا بأس بدخوله على النساء هو المعروف عندنا اليوم بالمؤنث وهو الذي لا أرب له في النساء ولا يهتدي إلى
272

شيء من أمورهن فهذا هو المؤنث المخنث الذي لا بأس بدخوله على النساء (406) فأما إذا فهم معاني النساء والرجال كما فهم هذا المخنث وهو المذكور في هذا الحديث لم يجز للنساء أن يدخل عليهن ولا جاز له الدخول عليهن بوجه من الوجوه لأنه حينئذ ليس من الذين قال الله عز وجل فيهم * (غير أولي الإربة من الرجال) * وليس المخنث الذي تعرف فيه الفاحشة خاصة وتنسب إليه وإنما المخنث شدة التأنيث في الخلقة حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والنغمة وفي العقل والفعل وسواء كانت فيه عاهة الفاحشة أم لم (407) تكن وأصل التخنث التكسر واللين فإذا كان كما وصفنا لك ولم يكن له في النساء ارب وكان ضعيف العقل لا يفطن لأمور الناس أبله فحينئذ يكون من غير أولي الإربة الدين أبيح لهم الدخول على النساء ألا ترى أن ذلك المخنث لما فهم من أمور النساء قصة بنت غيلان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ عن دخوله على النساء ونفاه إلى الحمى فيما روي واختلف العلماء في معنى قوله عز وجل * (أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) * اختلافا متقارب المعنى لمن تدبر ذكر أبن أبي شيبة قال حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن * (أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال) * قال هم قوم طبعوا على التخنيث فكان الرجل منهم يتبع الرجل يخدمه ليطعمه وينفق عليه لا يستطيعون غشيان النساء ولا يشتهونه قال وحدثنا ابن إريس عن ليث عن مجاهد في قوله * (غير أولي الإربة من الرجال) * قال هو الأبله الذي لا يعرف أمر النساء
273

قال وأخبرنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال هو الذي لم يبلغ أربه أن يطلع على عورات النساء وذكر محمد بن ثور وعبد الرزاق جميعا عن معمر عن قتادة أو التابعين غير أولي الإربة قال هو التابع الذي يتبعك فيصيب من طعامك غير أولي الإربة يقول لا أرب له ليس له في النساء حاجة وعن علقمة قال هو الأحمق الذي لا يريد النساء ولا يردنه وعن طاوس وعكرمة مثله وعن سعيد بن جبير هو الأحمق الضعيف العقل وعن عكرمة أيضا هو العنين ووكيع عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هو الذي يريد الطعام ولا يريد النساء ليس له هم إلا بطنه وعن الشعبي أيضا وعطاء مثله وعن الضحاك هو الأبله وقال الزهري هو الأحمق الذي لا همة له في النساء ولا أرب وقيل كل من لا حاجة له في النساء من الأتباع نحو الشيخ والهرم والمجبوب والطفل والمعتوه والعنين قال أبو عمر هذه أقاويل متقاربة المعنى ويجتمع في أنه لا فهم له ولاهمة ينتبه بها إلى أمر النساء وبهذه الصفة كان ذلك المخنث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع منه ما سمع من وصف محاسن النساء (408) أمر بالاحتجاب منه
274

وذكر معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال لأرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن هذا عليكم فحجبوه وأما قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان فالذي ذكر حبيب عن مالك هو كذلك أو قريب منه وإنما وصف امرأة لها في بطنها أربع عكن فإذا بلغت خصريها صارت أطراف العكن ثمانيا أربع من ههنا وأربعا ههنا فإذا أقبلت إليك واستقبلتك ببطنها رأيت لها أربعا فإذا أدبرت عنك صارت تلك الأربع ثمانيا من جهة الأطراف المجتمعة وهكذا فسره كل من تكلم في هذا الحديث واستشهد عليه بعضهم بقول النابغة في قوائم ناقته
* على هضبات بينما هن أربع
* أنخن لتعريس فعدن ثمانيا
* يعني أن هذه الناقة إذا رفعت قوائمها أربع فإذا انحنت قوائها وانطوت صارت ثمانيا وقد روي هذا الخبر عن سعد بن أبي وقاص بخلاف هذا اللفظ حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن واضح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا بكر بن عبد الرحمان قال حدثنا عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن مجاهد عن عامر بن سعد عن سعد بن مالك أنه خطب امرأة وهو بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ليت عندي من رآها ومن يخبرني عنها فقال رجل مخنث يدعى هيت أنا أنعتها لك إذا أقبلت قلت تمشي على ست وإذا أدبرت قلت تمشي على أربع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى هذا إلامنكرا ما أراه إلا يعرف أمر النساء وكان يدخل على سودة فنهاه أن يدخل عليها فلما قدم المدينة نفاه
275

فكان كذلك حتى أمر عمر فجلد فكان يرخص له يدخل المدينة يوم الجمعة فيتصدق يعني يسأل الناس قاله ابن وضاح وأما الواقدي وابن الكلبي فإنهما قد ذكرا أن هيتا المخنث قال لعبد الله ابن أبي أمية المخزومي وهو أخو أم سلمة لأبيها وأمه عاتكة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وهو في بيت أخت أم سلمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع إن افتتحتم الطائف فعليك ببادية ابنة غيلان بن سلمة الثقي فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان إن جلست تثنت وأن تكلمت تغنت بين رجليها مثل الإناء المكفو وهي (409) كما قال قيس بن الحطيم
* تغترق الطرف وهي لاهية
* كأنما شف وجهها نزف
* بين شكول النساء خلقتها
* قصدا فلا جبلة ولا قصف
* تنام عن كبر شأنها فإذا
* قامت رويدا تكاد تنقصف
* فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لقد غلغلت (410) النظر إليها يا عبد الله ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى قال فلما افتتحت الطائف تزوجها عبد الرحمان بن عوف
فولدت له بريهة في قول ابن الكلبي قال ولم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما ولي أبو بكر كلم فيه فأبى أن يرده فلما ولي عمر كلم فيه فأبى ثم كلم فيه بعد وقيل له إنه قد كبر وضعف فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل (411) ويرجع إلى مكانه قال وكان هيت مولى لعبد الله بن أبي أمية المخزومي وكان مونا له أيضا فمن ثم قيل الخنث
276

قال أبو عمر يقال بادية (412) ابنة غيلان بالياء وبادنه بالنون والصواب عندهم بالياء نادية وهو قول أكثرهم وكذلك ذكره الزبير بالياء فالله أعلم وأما قوله تغنت فقالوا إنه من العنة لا من الغناء أي كانت تتغنن في كلامها من لينها ورخامة صوتها يقال من هذه الكلمة تغنن الرجل وتغنى مثل تظنن وتظني قال ابن إسحاق وممن استشهد يوم الطائف عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة أخو سلمة من زمعة
حديث حاد وأربعون لهشام مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق يقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والغراب والحدأة والكلب العقور (413) هذا حديث يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم ويستند من حديث ابن عمر وعائشة وكلاهما قد سمع منه عروة وقد روى هذا الحديث وكيع عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ولم يذكر فيه عائشة من رواة الموطأ أحد فيما علمت والله أعلم وهو محفوظ عن عائشة وعن ابن عمر فأما حديث ابن عمر فقد ذكرناه في
277

باب نافع من هذا الكتاب وذكرنا هناك ما فيه من الأحكام والمعاني وما (للعلماء) (414) في ذلك من المذاهب والحمد لله ويشبه أن يكون عروة أخذ هذا الحديث عن عائشة لأنه راويتها وابن أختها وروايته عنها أكثر من روايته عن ابن عمر فكيف وقد رواه الثقات عن هشام عن أبيه عن عائشة حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الكلب العقور والفأرة والحدأة والعقرب والغراب (415) قال وسئل عروة عن لحم الغراب فكرهه وقال سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقا وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال كره رجال من أهل العلم أكل الحدأة والغراب حيث سماهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فواسق الدواب التي تقتل في الحرم قال أبو عمر قد ذكرنا الاختلاف في أكلها وأوضحنا الوجوه التي منها نزعوا في = باب نافع وبالله التوفيق
278

حديث ثان وأربعون لهشام مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيرا منه (416) وهذا الحديث قد وصله معن بن عيسى وأسنده عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة في الموطأ ولم يسنده غيره في الموطأ والله أعلم وقد روي من حديث أبي هريرة أيضا وحديث جابر حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن نمير عن هاشم بن هاشم قال حدثني أبو صالح مولى الساعدي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رجالا يستنفرون (417) عشائرهم فيقولون الخير الخير والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون والذي نفس محمد بيده لا يصبر على وائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة والذي نفس محمد بيده إنها لتنفي خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد والذي نفس محمد بيده لا يخرج منها أحد رغبة عنها إلا أبدلها الله خيرا منه أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا محمد بن أيوب حدثنا أحمد بن عمرو البزار حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي قالا حدثنا عبد الوهاب عن الجريري عن أبي نضرة عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله به خيرا منه والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون
279

معنى هذا عندي والله أعلم في حايته صلى الله عليه وسلم وهذا في مثل الأعرابي الذي قال أقلني بيعتي ومعلوم من رغب عن جوار النبي صلى الله عليه وسلم أبدله الله خيرا منه وأما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فقد خرج منها جماعة من أصحابه ولم تعوض المدينة بخير منهم وروى شعبة قال حدثني يحيى بن هانئ بن عروة المرادي قال سمعت نعيم بن دجاجة قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لا هجرة بعد النبي = صلى الله عليه وسلم
حديث ثالث وأربعون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحيى أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق (418) وهذا الحديث مرسل عند جماعة الرواة عن مالك لا يختلفون في ذلك واختلف فيه على هشام فروته عند طائفة عن أبيه مرسلا كما رواه مالك وهو أصح ما قيل فيه إن شاء الله وروته طائفة عن هشام عن أبيه عن سعيد بن زيد وروته طائفة عن هشام عن وهب بن كيسان عن جابر وروته طائفة عن هشام عن عبيد الله بن عبد الرحمان بن رافع عن جابر وبعضهم يقول فيه عن هشام عن عبيد الله بن أبي رافع عن جابر وفيه اختلاف كثير ذكر عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة قال خاصم رجل إلى عمر بن عبد العزيز في أرض حازها فقال عمر من أحيا من ميت الأرض شيئا فهو له فقال له عروة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا شيئا من ميت الأرض فهو له وليس لعرق ظالم حق
280

والعرق الظالم أن ينطلق الرجل إلى أرض غيره فيغرسها وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق (419) ولعروة عن سعيد بن زيد حديث آخر أيضا في أبيه زيد بن عمرو بن نفيل أنه يبعث أمة وحده حدثنا محمد بن إبراهيم وأحمد بن قاسم قالا حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا محمد بن يحيى بن سلمان المروزي قال حدثنا خلف بن هشام عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحيى أرضا ميتة فهي له وما أكلت العافية (420) فهو له صدقة (421) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن محمد (422) العثماني بالمدينة قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري عن عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن عبيد الله بن أبي رافع
الأنصاري أنه أخبره عن جابر ابن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العافية منها فهو له صدقة
281

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي رافع عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العافية كان له فيها صدقة قال أبو عمر ليس في حديث جابر هذا فهي له وإنما فيه فله فيها أجر وهما عندي حديثان عند هشام أحدهما عن أبيه والآخر عن عبيد الله بن أبي رافع ولفظهما مختلف فهما حديثان والله أعلم وأما لفظ حديث سعيد بن زيد فعلى لفظ حديث مالك وهو لهشام عن أبيه وقد روى هذا الخبر يحيى بن عروة عن أبيه مثله عن رجل لم يسمه من الصحابة فصار الحديث مسندا من هذه الرواية أيضا وفيه زيادة هي تفسير لمعنى الحديث إن شاء الله أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هناد بن السري قال حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن يحيى ابن عروة بن الزبير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق (423) قال عروة ولقد حدثني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها قال فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس وإنها لنخل عم حتى أخرجت منها
282

قال أبو داود وحدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال حدثنا وهب بن جرير عن أبيه عن ابن إسحاق بإسناده ومعناه إلا أنه قال فكان الذي حدثني هذا الحديث فقال الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن عبدة الآملي قال حدثنا عبد الله بن عثمان قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال أخبرنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة عن عروة قال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الأرض أرض الله والعباد عباد الله ومن أحيا مواتا فهو أحق به جاءنا بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم الذين جاءوا بالصلوات عنه (424) وأخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر قال أخبرنا مسلمة بن قاسم حدثنا جعفر ابن محمد بن الحسن بن سعيد الأصبهاني حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا زمعة بن صالح عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العباد عباد الله والبلاد بلاد الله فمن أحيا من موات الأرض شيئا فهو له وليس لعرق ظالم حق (425) قال أبو عمر هذا الاختلاف عن عروة يدل على أن الصحيح في إسناد هذا الحديث عنه الإرسال كما روى مالك ومن تابعه وهو أيضا صحيح مسند على ما
283

أوردنا والحمد لله وهو حديث متلقى بالقبول عند فقهاء الأمصار وغيرهم وإن اختلفوا في بعض معانيه وقد روي هذا الحديث بمثل لفظ حديث مالك من حديث عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا ابن سنجر قالا حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا كثير بن عبد الله وهو ابن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له وليس لعرق ظالم حق حدثنا خلف بن القاسم حدثنا أحمد بن إبراهيم بن الحداد حدثنا بهلول ابن إسحاق بن بهلول الأنباري بالأنبار قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثنا كثير عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحيا مواتا من الأرض في غير حق مسلم فهو له وليس لعرق ظالم حق وأما قوله وليس لعرق ظالم حق فقد فسره هشام بن عروة ومالك بن أنس بما لا أعلم فيه لغيرهما خلافا أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن السرح قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني مالك قال قال هشام العرق الظالم أن يغرس الرجل في أرض غيره (426) ليستحقها بذلك قال مالك العرق الظالم كلما أخذ واحتفر وغرس في غير حق (427)
284

قال أبو عمر لم يختلف فيما ذكره مالك من الأعيان المغصوبات وكذلك عند مالك من غصب أرضا فزرعها أو اكتراها أو غصب دارا فسكنها أو أكراها ثم استحقها ربها أن على الغاصب كراء ما سكن ورد ما أخذ في الكراء واختلف قوله إذا غضبها فلم يسكنها ولم يزرع الأرض وعطلها فالمشهور من مذهبه أنه ليس عليه فيما لم يسكن ولم يكر ولم يزرع شيء وقد روي عنه أن عليه كراء ذلك كله واختاره الوقار وهو مذهب الشافعي ومن حجته قوله صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق وأما العروض والحيوان والثياب فليس هذا الباب موضع ذكر شيء من ذلك قال أبو عمر أجمع العلماء على أن ما عرف ملكا لمالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه وملكه لأحد غير أربابه إلا أنهم اختلفوا في إحياء الأرض الموات بغير أمر السلطان فذهب الكوفيون إلى أنها إنما تحيى بأمر الإمام وسواء عندهم في ذلك ما قرب من العمران وما بعد وهذا قول أبي حنيفة وقال مالك أما ما كان قريبا من العمران وإن لم يكن مملوكا فلا يحاز ولا يعمر إلا بإذن الإمام وأماما كان في فيافي الأرض فلك أن تحييه بغير إذن الإمام قال والإحياء في ميت الأرض شق الأنهار وحفر الآبار والبناء وغرس الشجر والحرث فما فعل من هذا كله فهو إحياء هذا قول مالك وابن القاسم وقال أشهب ولو نزل قوم أرضا من أرض البرية فجعلوا يرعون ما حولها فذلك إيحاء وهم أحق بها من غيرهم ما أقاموا عليها قال ابن القاسم ولا يعرف مالك التحجير إحياء ولا ما قيل من حجر أرضا وتركها ثلاث سنين فإن أحياها وإلا فهي لمن أحياها لا يعرف ذلك
285

مالك قال مالك ومن أحيا أرضا ثم تركها حتى دثرت وطال الزمان وهلكت الأشجار وتهدمت الآبار وعادت كأول مرة ثم أحياها غيره فهي لمحييها آخرا بخلاف ما ملك بخطة أو شراء وقال المزني عن الشافعي بلاد المسلمين شيئان عامر وموات فالعامر لأهله وكل (428) ما أصلح به العامرون من طريق وفناء ومسيل ماء وغيره فهو كالعامر في أن لا يملك على أهله إلا بإذنهم والموات شيئان موات قد كان عامرا لأهله معروفا في الإسلام ثم ذهبت عمارته فصار مواتا فذلك كالعامر لأهله لا يملك إلا بإذنهم والموات الثاني ما لم يملكه أحد في الإسلام يعرف ولا عمارة ملك في الجاهلية إذا لم يملك فذلك الموات الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له ومن أحيا مواتا فهو له قال والإحياء ما عرفه الناس إحياء لمثل المحيي (429) إن كان مسكنا فبان يبنى بناء مثله أو ما يقرب قال وأقل عمارة الأرض
الزرع فيها والبئر يحفر ونحو ذلك قال ومن اقتطع أرضا وتحجرها فلم يعمرها رأيت للسلطان أن يقول له إن أحييتها وإلا خلينا بينها وبين من يحييها فإن تأجله رأيت أن يفعل قال أبو عمر من رأى التحجيز إحياء فحجته ما رواه شعبة وغيره من أصحاب قتادة عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحاط حائطا على أرض فهي له والحسن عندهم لم يسمع من سمرة وإنما هي فيما زعموا صحيحة إلا أنهم لم يختلفوا أن الحسن سمع من سمرة حديث العقيقة لأنه وقف على ذلك فقال سمعته من سمرة
286

وقد روى الترمذي عن البخاري أن سماع الحسن من سمرة صحيح وقد ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر وابن عيينة عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال كان الناس يتحجرون على عهد عمر في الأرض التي ليست لأحد فقال عمر من أحيا أرضا فهي له وأما قوله في حديث جابر وما أكلت العافية فهو له صدقة فالعافية والعوافي سباع الوحش والطير والدواب وأما قوله في حديث عروة وإنها لنخل عم فالعم التامة الكاملة
حديث رابع وأربعون لهشام بن عروة مالك عن هاشم بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين فإذا استوت به راحلته أهل (430) لم يختلف الرواة عن مالك في إرسال هذا الحديث بهذا الإسناد وقد روي معناه مسندا من حديث ابن عمر وأنس من وجوه ثابتة أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر قال حدثنا علي بن حرب الطائي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم ابن ميسرة ومحمد بن المنكدر سمعا أنس بن مالك يقول صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال أخبرنا عيسى بن إبراهيم عن ابن وهب قال أخبرني يونس عن
287

ابن شهاب أن سالم بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب راحلته بذي الحليفة ثم يصلي حين تستوي به قائمة (431) أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال أخبرنا ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن أنس قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح فلما ركب راحلته واستوت به أهل (432) قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا روح قال حدثنا أشعث عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا جبل البيداء أهل (433) قال وحدثنا ابن بشار قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبي الزناد عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت قال سعد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استقلت به راحلته وإذا أخذ طريق أحد أهل إذا أشرف على البيداء في حديث مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن ابن عمر قال لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى انبعثت به راحلته (434) وقد ذكرنا هذا الخبر بتمامه وما فيه من المعاني في باب سعيد المقبري وذكرنا الاختلاف في موضع إهلاله صلى الله عليه وسلم وما جاء في ذلك في معنى الإهلال من جهة اللغة والشريعة ومهدنا كله في باب موسى بن عقبة وغير ما باب من هذا الكتاب والحمد لله
288

حديث خامس وأربعون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر إلا ثلاثا إحداهن في شوال واثنتين في ذي القعدة (435) وهذا حديث مرسل أيضا عند جميع الرواة عن مالك وقد روي مسندا عن عائشة حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا داود بن عبد الرحمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرتين عن عائشة يريد بن سنان الزهاوي ومسلم بن خالد الزنجي وليس هؤلاء ممن يذكر مع مالك في صحة النقل وحدثنا عمر بن حسين قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد وإذا ابن عمر جالس إلى حجرة عائشة فسألناه كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال أربعا إحداهن في رجب فكرهنا أن نرد عليه فقال عروة يا أم المؤمنين أما تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمان قالت ما (436) يقول قال يقول اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر
289

إحداهن في رجب قالت يرحم الله أبا عبد الرحمان ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (عمرة) (437) إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط قال أبو عمر روي عن جماعة من السلف منهم ابن عباس وعائشة وإليه ذهب ابن عيينة والزهري وجماعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر ثلاث مفترقات وواحدة مع حجته وهذا على مذهب من جعله قارنا أو متمتعا وأما من جعله مفردا في ججته فهو ينفي أن تكون عمره إلا ثلاثا وقد ذكرنا الآثار في القرآن والتمتع والإفراد في باب ابن شهاب من هذا الكتاب وأما ابن شهاب وهو أعلم الناس بالسير عندهم فكان يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثا كلهن في ذي القعدة حدثنا عمر بن حسين قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الخزامي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر اعتمر من الجحفة عام الحديبية فصده الذين كفروا في ذي القعدة سنة ست واعتمر من العام المقبل في ذي القعدة من سنة سبع آمنا هو وأصحابه ثم اعتمر الثالثة في ذي القعدة سنة ثمان حين أقبل من الطائف من الجعرانة حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا محمد بن معمر قال حدثنا أشهل بن بكار قال حدثنا وهيب عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير وطلق بن حبيب وأبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم
290

اعتمر ثلاث عمر كلها في ذي القعدة إحداهن زمن الحديبية والأخرى في صلح قريش والأخرى مرجع من الطائف زمن حنين من الجعرانة حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن زكرياء (438) عن أبي إسحاق عن البراء قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي
صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر في ذي القعدة كل ذلك يلبي حتى يستلم الحجر قال أبو عمر قد ذكرنا في باب عبد الرحمان بن حرملة من هذا الكتاب ما للعلماء من المذاهب في العمرة ووجوبها وهل يعتمر في السنة أكثر من مرة فلا معنى لذكر شيء من ذلك ههنا وسيأتي زيادة في باب عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكر بلاغات مالك إن شاء الله وفي اعتمار رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وذي القعدة أوضح الدلائل على رد قول من كره العمرة في اشهر الحج على أني لا أعرف أحدا كره ذلك إلا من لا يعد خلافا فيه لشذوذه في ذلك وقد شبه عليه بقول عمر رضي الله عنه افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإن ذلك أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج وهذا إنما أراد به عمر ندب
291

الناس إلى افراد الحج وكراهية التمتع فإذا أفرد الإنسان الحج وأتم عليه خرج من شهوره وجازت له العمرة عند عمر وغيره وقد بينا هذا المعنى في باب عبد الرحمان بن حرملة ولم يختلف العلماء في جواز العمرة في شهور الحج في شوال وذي القعدة وذي الحجة لمن تمتع وإن لم يتمتع وفي إجماعهم على ما وصفنا دليل على أن معنى قول عمر عندهم ما ذكرنا أو على أنهم تركوه ونبذوه ولم يلتفتوا إليه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عمره في شهور الحج وقد صح عن عمر أنه أذن لعمر بن أبي سلمة أن يعتمر في شوال فصار ما وصفنا إجماعا صحيحا والحمد لله وقال أهل العلم إن عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (في شوال وذي القعدة إنما كانت ليقطع بذلك ما كان عليه المشركون من إنكار العمرة في شهور الحج) (439) ولهذا ما فسخ أصحابه حجتهم بأمره في عمرة ولهذا ما أعمرت عائشة من التنعيم في ذي الحجة كل ذلك دفع لما كان المشركون عليه من كراهيتهم العمرة في أشهر الحج ألا ترى إلى ما روى من قولهم إذا دخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر وقد ذكرنا هذا الخبر بتمامه في باب ابن شهاب والحمد لله
حديث سادس وأربعون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء (440) هذا الحديث غير حديث هشام عن فاطمة عن أسماء المتقدم ذكره في هذا الخبر ولفظهما مختلف وإن كان المعنى متقاربا وهكذا هذا الحديث في
292

الموطأ مرسلا إلا عند معن بن عيسى فإنه رواه مسندا في الموطأ عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة وزعم الجوهري أنه لم يسنده في الموطأ غير معن وقد اسنده عن مالك عبد الله بن وهب في غير الموطأ وقد رواه جماعة من أصحاب هشام عن هشام عن أبيه عن عائشة مسندا كما رواه ابن وهب عن مالك فأما رواية ابن وهب فحدثنا عبد الرحمان بن يحيى حدثنا علي بن محمد حدثنا أحمد بن داود حدثنا سحنون وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا سحنون وأبو الطاهر قالا حدثنا ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء قال ابن وهب وسمعت مالكا يحدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله هكذا عطفه ابن وهب على حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ولفظ حديث ابن عمر فأطفئوها ولفظ حديث هشام فأبردوها وهذا يدلك على ما قدمنا ذكره (في هذا الكتاب (441) أن جماعة من العلماء يجيزون الحديث بالمعاني وبالله التوفيق ومن رواية من أسنده عن هشام ما حدثناه أحمد بن قاسم بن عيسى المقري قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال حدثنا البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا زهير بن معاوية وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان البزار قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا عاصم بن علي قال حدثنا أبو خيثمة يعني زهير بن معاوية قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء
293

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا أحمد بن الحسن الصباحي قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمان الطفاوي قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء وقد تقدم القول في معنى هذا الحديث في حديث هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر من هذا الكتاب والحمد لله كثيرا
حديث سابع وأربعون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان (442) لم يختلف عن مالك فيما علمت في إرسال هذا الحديث وقد رواه أنس بن عياض أبو ضمرة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وهذا المعنى يتصل أيضا من حديث نافع وعبد الله (443) بن دينار عن ابن عمر
294

ومن حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت ليلة القدر ليلة كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى رؤياكم قد تواطأت فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر منها وعروة قد أدرك ابن عمر وقد روي هذا المعنى أيضا من حديث الفلتان الجرمي وأبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس إني أبينت لي ليلة القدر فخرجت أحدثكم بها فجاء رجلان يختصمان ومعهما الشيطان فنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان التمسوها في التاسعة والتمسوها في السابعة والتمسوها في الخامسة (444) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر ابن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه مختصرا وحدثنا عبد الوارث وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن الفلتان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان منكم ملتمسا ليلة القدر فليلتمسها في العشر الأواخر قال أبو عمر الفلتان هذا هو الفلتان بن عاصم الجرمي خال كليب (الجرمي) (445) وهو راويته وقد مضى القول في معنى هذا الحديث مبسوطا ممهدا في
باب حميد الطويل والحمد لله
295

حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق الجوهري قال حدثنا محمد بن جعفر بن أعين قال حدثنا علي بن (446) الجعد قال حدثنا المسعودي عن محارب بن دثار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان قال فقال رجل لمحارب بن دثار إن هذا الحديث ثبت قال وما يمنعه أن يكون ثبتا وهو عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي يعفور (447) عن مسلم عن مسروق قال سمعت عائشة تقول كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شد المئزر وأحيا الليل وأيقظ أهله
حديث ثامن وأربعون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر لا يلحد فقال أيهما جاء أول عمل عمله فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (448) لم يختلف عن مالك في إرسال هذا الحديث وقد رواه حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
296

أخبرني أحمد بن عبد الله حدثنا أبي حدثنا أحمد بن خالد حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة قالت لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أين ندفنه قال أبو بكر في المكان الذي مات فيه قالت وكان في المدينة قباران أحدهما يلحد والآخر يشق ويضرح فبعثوا إليهما وقالوا اللهم خر لرسولك فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال (449) إن الذي يلحد أبو طلحة والذي كان يشق أبو عبيدة فالله اعلم وفي هذا الحديث من المعاني أن اللحد إن شاء الله أفضل من الشق لأنه الذي أختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وفيه على أن الشق واللحد مباح ذلك كله ومما يدل على فضل اللحد قوله صلى الله عليه وسلم اللحد لنا والشق لغيرنا حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال حدثنا حكام ابن سلم الرازي قال سمعت علي بن عبد الأعلى يذكر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللحد لنا والشق لغيرنا (450) وذكره أبو داود عن إسحاق بن إسماعيل عن حكام بن سلم بإسناده مثله (451) حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي اليقظان عن زاذان عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم قل اللحد لنا والشق لغيرنا
297

وقد روي من حديث عائشة وابن عمر وسعد وجابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحدا وأنه قال اللحد لنا والشق لغيرنا وروى عثمان بن زفر قال سمعت جعفر بن محمد يحدث عن أبيه أنه قال الذي ألحد قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو طلحة الأنصاري والذي ألقى المنطقة تحته شقران مولاه قال جعفر وأخبرني ابن أبي رافع قال سمعت شقران يقول أنا والله طرحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر
حديث تاسع وأربعون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له يا رسول الله إن ناسا من أهل البادية يأتوننا بلحمان ولا ندري هل سموا الله عليها أم لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سموا الله عليها ثم كلوا (452) لم يختلف عن مالك فيما علمت في إرسال هذا الحديث وقد أسنده جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا محمد بن عبيد الله قال حدثنا أسامة بن حفص المدني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا فقال سموا الله ثم كلوا قال وكانوا حديثي العهد بالكفر قال البخاري تابعه علي عن الدراوردي وتابعه أبو خالد والطفاوي (453)
298

قال أبو عمر روى هذا الحديث مرسلا كما رواه مالك جماعة منهم ابن عيينة ويحيى بن سعيد القطان ورواه مسندا جماعة منهم هؤلاء الذين ذكر البخاري وغيرهم حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح (454) قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن قوما قالوا يا رسول الله إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا قال سموا أنتم عليه وكلوا وكانوا حديث عهد بالكفر وحدثنا محمد بن إبراهيم وإبراهيم بن شاكر قالا حدثنا محمد بن أحمد ابن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا حوثرة بن محمد قال حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكره في هذا الحديث من الفقه أن ما ذبحه المسلم ولم يعرف هل سمى الله عليه أم لا أنه لا بأس بأكله وهو محمول على أنه قد سمى والمؤمن لا يظن به إلا الخير وذبيحته وصيده أبدا محمول على السلامة حتى يصح فيه غير ذلك من تعمد ترك التسمية ونحوه وقد قيل في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بأكلها في أول الإسلام قبل أن ينزل عليه ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه (455) وهذا قول ضعيف لا دليل على صحته ولا يعرف وجه ما قال قائله وفي الحديث نفسه ما يرده لأنه أمرهم فيه بتسمية الله على الأكل فدل على أن الآية قد كانت نزلت عليه ومما يدل
299

أيضا على بطلان ذلك القول أن هذا الحديث كان بالمدينة وأن أهل باديتها إليهم أشير بالذكر في ذلك الحديث ولا يختلف العلماء أنه قوله عز وجل * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * نزل في سورة الأنعام بمكة وأن الأنعام مكية فهذا يوضح لك أن الآية قد كانت نزلت عليه بخلاف ظن من ظن ذلك والله أعلم وقد أجمع العلماء على أن التسمية على الأكل إنما معناها التبرك لا مدخل فيه للذكاة بوجه من الوجوه لأن الميت لا تدركه ذكاة وقد استدل جماعة من أهل العلم على أن التسمية على الذبيحة ليست بواجبة بهذا الحديث وقالوا لو كانت التسمية واجبة فرضا على الذبيحة لما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل لحم ذبحته الأعراب بالبادية إذ ممكن أن يسموا وممكن أن لا يسموا الله لجهلهم ولو كان الأصل ألا يؤكل من ذبائح المسلمين إلا ما صحت التسمية عليه لم يجز استباحة شيء من ذلك إلا بيقين من التسمية إذ الفرائض لا تؤدي إلا بيقين وإذ الشك والإمكان لا يستباح به المحرمات قالوا وأما قول الله عز وجل * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * فإنما خرج على تحريم الميتة وتحريم ما ذبح للنصب وأهل به لغير الله وفي ذلك نزلت الآية حين خاصم (456) المشركون النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال
حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن غالب التمتام قال حدثنا أمية بن بسطام العيشي (457) وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان ابن أبي شيبة قال حدثنا عمران بن عيينة قال حدثنا عطاء بن السائب عن
300

سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خاصمت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم قالوا نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله فأنزل الله تعالى * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * 458 هكذا في هذا الحديث خاصمته اليهود وإنما هو خاصمه المشركون لأن اليهود لا يأكلون الميتة أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان قال حدثني هارون بن أبي وكيع عن أبيه عن ابن عباس في قوله * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * قال خاصمهم المشركون فقالوا ما ذبح الله لا تأكلوه (459) وما ذبحتم أنتم أكلتموه قال أبو عمر المخاصمة التي ذكر ابن عباس هي التي قال الله تعالى * (وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم) * 460 يريد قولهم ما قتل الله لستم تأكلونه واختلف العلماء فيمن ترك التسمية على الذبيحة والصيد ناسيا أو عامدا فقال مالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي إن تركها عمدا لم تؤكل الذبيحة ولا الصيد فإن نسي التسمية عند الذبيحة وعند الإرسال على الصيد أكلت وهو قول إسحاق ورواية عن أحمد بن حنبل ومن حجة من ذهب إلى ذلك أن تارك التسمية عمدا متلاعب بإخراج النفس على غير شريطتها وقد أجمعوا أن من شرائط الذبيحة والصيد التسمية فمن استباح ذلك على غير شريطته عامدا دخل في الفسق الذي قال الله * (وإنه لفسق) * 461
301

هذا معنى ما احتجوا به وقال الشافعي وأصحابه تؤكل الذبيحة والصيد في الوجهين جميعا تعمد ذلك أو نسيه وهو قول ابن عباس وأبي هريرة وروي عن ابن عباس وأبي وائل قالا إنما ذبحت بدينك واحتج من ذهب هذا المذهب بأن قال لما كان المجوسي لا ينتفع بتسميته إن سمى وتعمد ذلك وقصد إليه فكذلك لا يضر المسلم ترك التسمية لأنه إنما ذبح بدينه وقال أبو ثور وداود بن علي من ترك التسمية عامدا أو ناسيا لم تؤكل ذبيحته ولا صيده قال أبو عمر ما أعلم أحدا من السلف روي عنه هذا المذهب إلا محمد بن سيرين والشعبي ونافعا مولى ابن عمر وأما جمهور العلماء فعلى قول مالك والثوري وأبي حنيفة وعلى قول الشافعي على هذين القولين الناس وقد روي عن الشعبي خلاف ما حكيناه عنه ذكر بقي قال حدثنا يحيى ابن عبد الحميد قال حدثنا خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عامر في رجل ذبح ونسي أن يسمي قال يأكل وعن يحيى بن عبد الحميد الجماني عن ابن المبارك عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن في رجل ذبح ونسي أن يسمي الله قالا يأكل وروى إسماعيل بن علية عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن قالا إذا نسي الرجل أن يسمي عن ذبح فليأكل وليذكر اسم الله في قلبه وهذا هو الصحيح عن الحسن وسعيد بن المسيب وروى أشعث بن سوار وعمرو بن عبيد عن الحسن قال من نسي التسمية إذا ذبح فليأكل من تركها متعمدا فلا يأكل وسفيان عن مغيرة عن إبراهيم مثله
302

وروى ابن أبي غنية ومسعد عن الحكم بن عتبة عن عبد الرحمان بن أبي ليلى قال إذا ذبح ونسي أن يسمي فكل فإما ذبح بملته وإنا هي الملة ذكاة كل قوم ملتهم ألا ترى أن المجوسي لو ذبح فسمى الله لم يأكل وذكر وكيع عن سفيان عن سلمة بن كميل عن أبي مالك في الرجل يذبح وينسى أن يسمي قال لا بأس به قلت فأين قول الله * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * قال إنما ذبحت بدينك وإنما هذا في ذبائح المشركين وعن ابن عباس من طرق شتى مثل ذلك
(462) حديث موفي (463) خمسين (464) لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصلاة بمنى ركعتين وأن أبا بكر صلاها بمنى ركعتين وأن عمر صلاها بمنى ركعتين وأن عثمان صلاها بمنى ركعتين شطر إمارته ثم أتمها بعد (465) وهذا لم يختلف في إرساله في الموطأ وهو مسند صحيح من حديث ابن عمر وابن مسعود ومعاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمنى ركعتين فحديث ابن عمر رواه سالم ونافع وحديث ابن مسعود رواه أبو إسحاق السبيعي وإبراهيم النخعي عن عبد الرحمان بن يزيد عن ابن مسعود وحديث معاوية رواه ابن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن معاوية
303

وفي حديث مالك هذا من الفقه قصر الصلاة في السفر وفيه أن الإمام المسافر لا يتم بمنى وهذا إذا لم ينو إقامة فإن نوى إقامة لزمه الإتمام وهذا عندنا إذا نوى إقامة أربع فما عدا وفيه أن عثمان أتم بعد تقصيره وعلمه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قصروا في مثل ما أتم هو فيه فدل ذلك على إباحة القصر والتمام عنده وقد تأول قوم على عثمان في إتمامه ذلك تأويلات منها أنه نوى الإقامة واتخذ دارا بمكة وأهلا وهذا لا يعرف بل المعروف بأنه لم يكن له فيها أهل ولا مال وقيل كان قد اتخذ أهلا بالطائف وقيل لأنه كان أمير المؤمنين فكانت أعماله كأنها داره وهذا عله لا يصح في نظر ولا يثبت في خبر وقد كان المقام بمكة بعد تمام الحج عند عثمان مكروها على ذلك جماعة من أهل العلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقم فيما بعد تمام حجته ولا أبو بكر ولا عمر ولهذا قال (من قال) (466) من السلف ا لجوار بمكة بدعة وقد ذكر مالك في الموطأ أنه بلغه أن عثمان بن عفان كان إذا اعتمر ربما لم يحطط عن راحلته حتى يرجع وهذا يدلك على أنه لم يتخذ بمكة أهلا قط والله أعلم ومنها أنه إنما فعل ذلك من أجل أعرابي صلى معه فقصر العام كله في أهله ثم أخبره من قابل بما صنع فعز على عثمان فعله ذلك فأتم وهذا أيضا ضعيف من التأويل ومنها أنه أخذ بالإباحة في ذلك وهذا أصح ما فيه والله أعلم وقد مضى القول في قصر الصلاة في السفر وفي أحكامها واختلاف العلماء فيها بمنى وغيرها ممهدا مبسوطا بعلل كل فرقة ووجوه قولها في باب ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد من هذا الكتاب وفي باب صالح بن كيسان أيضا فلا معنى لتكرير ذلك ههنا
304

حدثنا عبد الرحمان بن مروان قال حدثنا الحسن بن يحيى بالقلزم قال حدثنا عبد الله بن الجارود قال حدثنا عبد الله بن هاشم قال حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ومع عثمان ركعتين صدرا من إمارته ثم أتمها عثمان وأخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى حدثنا عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين ومع أبي بكر وعمر ومع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها (467) قال البخاري وقد روى حفص بن عاصم عن ابن عمر صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك (468) قال أبو عمر حديث حفص بن
عاصم هذا عن ابن عمر حدثناه عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا عمر بن محمد الجمحي بمكة قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا القعنبي قال حدثنا عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال صحبت ابن عمر بطريق مكة فصلى بها الظهر ركعتين ثم أقبل وأقبلنا معه حتى جاء رحله فجلس وجلسنا معه فحانت منه التفاته نحو الموضع حيث صلى فرأى ناسا قياما فقال ما يصنع هؤلاء
305

فقلت يتمون فقال يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ثم صحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وصحبت عمر بن الخطاب فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله وقد قال الله عز وجل * (لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة) * (469) في هذا الحديث أن عثمان لم يتم في سفره حتى مات وهذا يعارض رواية من روى أنه أتم شطر إمارته وتلك الرواية أولى من جهة الأثر ومن جهة النظر لأنها زيادة وفيه دليل على أن القصر سنة مسنونة ولو كان فرضا ما تركهم ابن عمر والإتمام ولغير ذلك عليهم وأمرهم بالإعادة لإفسادهم صلاتهم ولو كان كذلك ما وسعه السكوت عليه ولكن لما عرف أن القصر أفضل وأن الأخذ بالسنة أولى ندبهم إلى التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم لما في ذلك من الفضل وسواء كان القصر رخصة أو لم يكن هو أفضل لأنه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وروينا عن ابن مسعود نحو هذا المعنى الذي جاء عن ابن عمر فيما ذكرنا حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا بشر بن عمر قال شعبة قال أخبرني سليمان عن عمارة بن عمير وإبراهيم عن عبد الرحمان بن يزيد عن عبد الله قال صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر ومع عمر ركعتين فليت حظنا من أربع ركعتين متقبلتين (470) وهذا يدل على الإباحة أيضا
306

حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا إسماعيل ابن إبراهيم قال حدثنا علي بن زيد بن جذعان عن أبي نضرة قال مر عمران بن حصين فجلسنا فقام إليه فتى من القوم وسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو والحج والعمرة فجاء فوقف علينا فقال إن هذا سألني عن أمر فأردت أن تسمعوه أو كما قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وحججت معه فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل البلد صلوا أربعا فإنا على سفر واعتمرت معه ثلاث عمر لا يصلي إلا ركعتين وحججت مع أبي بكر الصديق وغزوت فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وحججت مع عمر بن الخطاب حجات فلم يصل إلا ركعتين حتى رجع إلى المدينة وحج عثمان سبع سنين من إمارته لا يصلي إلا ركعتين ثم صلاها بمنى أربعا قال الطحاوي في هذا الحديث معنى لا يوجد في غيره وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل البلد (471) الذين صلى بهم فيه هذه الصلاة صلوا أربعا فإنا على سفر وهي سنة يتفق أهل العلم عليها ولم نجدها في غير هذا الحديث وهذه السنة مما تفرد به أهل البصرة دون من سواهم
حديث حاد وخمسون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستطابة فقال أولا يجد أحدكم ثلاثة أحجار (472)
307

هكذا روى هذا الحديث عن مالك جماعة الرواة مرسلا إلا ما ذكره سحنون في رواية بعض الشيوخ عنه عن ابن القاسم عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة وقد روي عن (473) ابن بكير أيضا في الموطأ هكذا عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة وهذا غلط فاحش ولم يروه أحد كذلك لا من أصحاب هشام ولا من أصحاب مالك ولا رواه أحد عن عروة عن أبي هريرة وإنما رواه بعض أصحاب عروة عن عروة عن عائشة وهو مسلم بن قرط وأما هشام بن عروة فاختلف عليه فيه فطائفة ترويه عنه عن أبيه مرسلا كما رواه مالك وطائفة ترويه عنه عن عمرو بن خزيمة المدني عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن خزيمة بن ثابت وطائفة ترويه عنه عن أبي وجرة عن عمارة بن خزيمة عن أبيه خزيمة بن ثابت حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمان ومحمد بن إبراهيم قالا حدثنا أحمد ابن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا أحمد بن عبد الله بن حدثنا حسين بن علي الجعفي حدثنا زائدة عن هشام بن عروة عن عمرو بن صالح خزيمة المدني عن عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة أحجار ليس (فيهن) (474) رجيع يعني الاستطابة وفي إسناد هذا ا لحديث اضطراب (كثير) (475) حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن عمرو بن خزيمة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن خزيمة بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستطابة ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع
308

وكذلك رواه أبو معاوية وابن نمير وأبو أسامة عن هشام بن عروة بمثل هذا الإسناد ورواه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبي وجرة عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ورواه إبراهيم بن المنذر الخزامي عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبي وجرة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ورواه الحميدي عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا (476) مثل (477) رواية مالك وكذلك رواه ابن جريج عن هشام عن أبيه مرسلا مثل رواية مالك ورواه معمر عن هشام بن عروة عن رجل من مزينة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الاستطابة ثلاثة أحجار عند الخلاء ليس منهن رجيع والرجيع الذي ينتن ورواه الفضل بن فضالة عن هشام بن عروة عن عمرو بن خزيمة عن عمارة بن خزيمة أخبرنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن زبان قال حدثنا زكرياء بن يحيى بن صالح قال حدثنا المفضل بن فضالة عن هشام بن عروة أن عمرو بن خزيمة المزني أخبره أن عمارة بن خزيمة الأنصاري أخبره عن أبيه خزيمة بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع يعني في الاستطابة وروى ابن المبارك عن هشام بن عروة الحديثين جميعا فدل على أنهما حديثان وبان به ذلك والحمد لله قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا ابن المبارك
309

قال أخبرنا هشام بن عروة يعني الحجر مرتين قال ابن المبارك وأخبرنا هشام بن عروة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار قال أبو عمر جود ابن المبارك هذا الحديث بالإسنادين وما زال مجودا رضي الله عنه وقد ذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة الحديثين جميعا عن هشام عن أبيه مرسلا وعن هشام عن أبي وجرة عن خزيمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم ليس فيها رجيع يرد قول الطبري حيث قال كل طاهر وكل نجس أزال النجو أجزأ ويرده أيضا حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ رمى بالروثة وقال هي رجس أو ركس والذي عليه جمهور الفقهاء أنه لا يجوز الاستنجاء بغير الطاهر من الأحجار وما قام مقامها وقد مضى في باب ابن شهاب ما للعلماء في هذا الباب كله من التنازع واختلاف المذاهب والحمد لله وأما رواية مسلم بن قرط عن عروة في هذا الحديث فأخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان عن أبي حازم عن مسلم بن قرط عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بها فإنها تجزئ عنه (478)
310

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني قتيبة بن سعيد قال حدثنا يعقوب بن عبد الرحمان وعبد العزيز بن أبي حازم عن أبي حازم عن مسلم بن قرط عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (479) قال أبو عمر روى في هذا الباب جماعة من الصحابة فيهم أبو أيوب وسليمان وأبو هريرة وأثبتها حديث أبي هريرة وسلمان وكلها حسان قال الأخفش الاستطابة الاستنجاء بالأحجار يقال منه استطاب الرجل وأطاب إذا استنجى ويقال رجل مطيب إذا فعل ذلك قال الشاعر وهو الأعشى
* يا رخما قاظ على مصلوب
* يعجل كف الخاري المطيب
* وأما قوله قاظ فإنه أراد قام عليه في القيظ في اليوم الصائف) (480) قال أبو عمر الاستطابة والاستنجاء والاستجمار معنى هذه الثلاثة ألفاظ واحد وقد فسرنا معنى الاستجمار في اللغة والفقه وما للعلماء في الاستنجاء من المذاهب في أصول مسائله وفروعها مبسوطا ممهدا في باب ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني فلا وجه لتكرير ذلك ها هنا حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد السندي قال حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا بشر بن بكر قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني عثمان بن أبي سودة قال حدثني أبو شعيب الحضرمي
311

قال سمعت أبا أيوب الأنصاري الذي نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تغوط أحدكم فليستنج بثلاثة أحجار فإن ذلك طهوره (481) وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا بكير بن الحسن الرازي قال حدثنا بكار بن قتيبة القاضي قال حدثنا صفوان بن عيسى قال حدثنا محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها وإذا استطاب فلا يستطيب بيمينه وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا هدبة بن خالد قال حدثنا حماد بن الجعد حدثنا قتادة حدثني خالد بن السائب الجهني عن أبيه السائب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أحدكم الخلاء فليتمسح بثلاثة أحجار قال أبو عمر هذه الآثار كلها المرسل منها والمسند وهي صحاح كلها يوجب الاقتصار على ثلاثة أحجار في الاستنجاء دون تقصير عن هذا العدد وهذا موضع اختلف فيه العلماء فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أنه جائز الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار إذا ذهب النجو هذا هو المشهور من مذهب مالك لقوله صلى الله عليه وسلم من استجمر فليوتر (482) والوتر قد يكون واحدا وثلاثة وخمسة وأكثر من ذلك
312

وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وجماعة لا يجوز أن يقتصر على أقل من ثلاثة أحجار في الاستنجاء وذكر أبو الفرج أنه مذهب مالك واحتج له بحديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب وحديث سلمان حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن بزيد عن سلمان قال له رجل إن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة قال أجل نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو نستنجي بأيماننا أو نكتفي بأقل ثلاثة أحجار (483) قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك عند أصحابه أن الاستنجاء بثلاثة أحجار حسن والوتر فيها حسن لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أوتر يعني في ذلك فقد أحسن ومن لا فلا حرج وجائز عندهم الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بحجرين وروثه فأخذ الحجرين ورمى الروثة ولم يدع بالبدل منها ومذهب أبي حنيفة في الاستنجاء نحو مذهب مالك سواء قال أصحابه يستنجي بثلاثة أحجار فإن لم ينق زاد حتى ينقي وأن أنقى حجر واحد اجزى وكذلك غسله بالماء (إن أنقى بغسلة واحدة أجزأه في المخرج وما عدا المخرج فإنما يغسل بالماء) (484) وهو قول مالك والشافعي وأصحابهما فيما عدا المخرج من النجو أنه لا يطهره إلا الماء وقد ذكرنا أحكام الاستنجاء وكثيرا من مسائله مستوعبة مجودة في باب ابن شهاب عن أبي إدريس من هذا الكتاب والحمد لله
313

حديث ثان وخمسون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خميصة لها علم ثم أعطاها أبا جهم وأخذ من أبي جهم أنبجانية له فقال يا رسول الله ولم فقال إني نظرت إلى علمها في الصلاة (485) وهذا أيضا مرسل عند جميع الرواة عن مالك إلا معن بن عيسى فإنه رواه عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة مسندا وكذلك يرويه جماعة أصحاب هشام عن هشام مسندا عن أبيه عن عائشة وقد يستند من رواية مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة وقد ذكرناه في باب علقمة من هذا الكتاب وقد رواه الزهري عن عروة عن عائشة فأما حديث هشام فحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد
بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خميصة لها علم فكان يتشاغل بها في الصلاة فأعطاها أبا جهم وأخذ كساءله انبجانيا وأما حديث الزهري فحدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثنا عبد الحميد بن صبيح وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قالا (486) حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها علم فلما قضى صلاته قال شغلتني أعلام هذه اذهبوا بها إلى أبي جهم وتوني
314

بانبجانية والخميصة كساء رقيق يصبغ بالحمرة أو بالسواد أو الصفرة وكانت الخمائص من لباس أشراف الناس والانبجاني كساء غليظ كاللبد ومنهم من يقول لا تكون الخميصة إلا معلمة ومنهم من يقول تكون بعلم وبغير علم وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب علقمة من هذا الكتاب والحمد لله
حديث ثالث وخمسون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه فأتى (487) فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس فاستأخر أبو بكر فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كما أنت فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر (488) لم يختلف عن مالك فيما علمت في إرسال هذا الحديث وقد اسنده جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة منهم حماد بن سلمة وابن نمير وأبو أسامة وفي هذا الحديث نسخ لقوله صلى الله عليه وسلم في الإمام إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا (489) لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة صلى جالسا وأبو بكر إلى جنبه قائما يصلي بصلاته ويقتدى به والناس يصلون ويقتدون بأبي بكر قياما ومعلوم أن صلاته هذه في مرضه الذي توفي منه وأن قوله إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا كان في حين سقط من فرسه فجحش شقه
315

قبل هذا الوقت والآخر من فعله ينسخ الأول لأنه كان جالسا في هذه الصلاة وأبو بكر قائم خلفه والنسا فلم يأمر أبا بكر بالجلوس ولا أحد وهذا بين غير مشكل والحمد لله ومع هذا فإن النظر يعضد هذا الحديث لأن القيام فرض في الصلاة بإجماع المسلمين على كل من قدر على القيام وأظن ذلك أيضا لقول الله عز وجل * (وقوموا لله قانتين) * (490) وإذا كان القيام فرضا في الصلاة على كل أحد في خاصته فمحال أن يسقط عنه فرض قد وجب عليه لضعف غيره عنه وهو قوي عليه إلا أن يسقط بكتاب أو سنة أو إجماع وذلك معدوم في هذه المسألة ألا ترى أنه لا يحمل عنه ركوعا ولا سجودا فإن احتج محتج بأن الآثار متواترة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في الإمام إذا صلى جالسا فصلوا جلوسا رواها أنس وعائشة وأبو هريرة وجابر وابن عمر قيل له لسنا ندفع ثبوت تلك الآثار ولكنا نقول إن الآخر من فعله صلى الله عليه وسلم ينسخ ذلك فإن قيل له إنه قد اختلف عن عائشة في صلاته تلك فروي عنها أن أبا بكر كان المقدم قيل له ليس هذا باختلاف لأنه قد يجوز أن يكون أبو بكر هو المقدم في وقت ورسول الله صلى الله عليه وسلم المقدم في وقت آخر وقد روى الثقات الحفاظ أن أبا بكر كان خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بصلاته والناس قيام يصلون بصلاة أبي بكر فهذه زيادة حافظ وصف الحال وأتى بالحديث على وجهه حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس في مرضه وكان يصلي بهم
316

قال عروة فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج وإذا أبو بكر يؤم الناس فلما رآه أبو بكر استأخر فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كما أنت فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حذاء أبي بكر إلى جنبه فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فلما دخل أبو بكر في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض حتى أتى المسجد (قالت) (491) فلما دخل المسجد وجد أبو بكر حسه فذهب يتأخر فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قم كما أنت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر فإن قيل إن شعبة روى عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم (صلى) (492) خلف أبي بكر قيل له ليس هذا بخلاف لأنه يمكن أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في غير تلك الصلاة في مرضه ذلك وليس بين المسلمين تنازع في جواز صلاة الجالس المريض خلف الإمام القائم الصحيح لأن كلا يؤدي فرضه على قدر طاقته وإنما التنازع بينهم في الصحيح القادر على القيام هل يجوز له أن يصلي جالسا خلف إمام مريض جالس في صلاته أم لا فقال قوم ذلك جائز
317

لقوله صلى الله عليه وسلم فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا وممن ذهب إلى هذا أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه قالا جائز أن يصلي الإمام بالناس جالسا من علة ويصلون رواءه قعودا وهم قادرون على القيام واحتجوا (493) بقوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا (494) قال أحمد بن حنبل وفعله أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جابر وأبو هريرة وأسيد بن حضير وقيس بن فهد قال أبو بكر الأثرم قيل (495) لأحمد فمن احتج بحديث عائشة آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وأبو بكر قائم يأتم به والناس قائمون يأتمون بأبي بكر فقال قد كان الشافعي يحتج بهذا وليس في هذا حجة لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائما بقيام قال أبو عمر فهذا قول وقال آخرون منهم ا لشافعي وأبو ثور وأبو حنيفة وأبو يوسف وزفر والأوزاعي جائز أن يقتدي القائم بالقاعد في صلاة الفريضة وغيرها وهو قول داود وقالوا لا يجوز لأحد أن يصلي جالسا وهو قادر على القيام إماما كان أو مأموما قالوا وجائز أن يصلي الإمام لعلة تمنعه من القيام وهو جالس بقوم قيام لأن كلا يؤدي فرضه على قدر طاقته
318

وحجة قائلي هذه المقالة أن أبا بكر كان واقفا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس يقتدي به والناس قيام يصلون بصلاة أبي بكر في صلاة واحدة وروى الوليد بن مسلم عن مالك أنه أجاز للإمام المريض أن يصلي بالناس جالسا وهم قيام قال وأحب إلي أن يكون إلى جنبه من يعلم بصلاته ونحو هذا مذهب الشافعي (496 وروى جماعة أصحاب مالك عن مالك وهو المشهور من مذهبه أن ليس لأحد أن يؤم جالسا وهو مريض بقوم أصحاء ومن قعل ذلك فصلاته فاسدة وعليهم الإعادة منهم من قال في الوقت ومنهم من قال أبدا وبعضهم قال لا يعيد الإمام المريض وبعضهم قال يعيد كما ذكرنا كل ذلك قاله أصحاب مالك وقد ذكرنا الحجة لمالك ومن قال بقوله في هذه المسألة مستوعبة في باب ابن شهاب عن أنس من هذا الكتاب والحمد لله وقال أبو حنيفة وأكثر أصحابه في مريض صلى قاعدا يركع ويسجد فائتم به قوم فصلوا خلفه قياما قال يجزيه ويجزيهم قالوا وإن كان الإمام يومئ إيماء أو كان (497) مضطجعا والقوم يصلون خلفه قياما لم يجزهم ويجزيه هو وقال محمد بن الحسن ومالك والحسن بن حي والثوري في قائم اقتدى بجالس أو جماعة صلوا قياما خلف إمام جالس مريض أنه يجزيه ولا يجزيهم
319

وذكر ابن خواز بنداد عن مالك قال لا يؤم قاعد قياما فإن فعلوا أعادوا في الوقت وقال عبد الملك بن عبد العزيز ومطرف يعيدون أبدا وقال سحنون اختلف في ذلك قول مالك واتفق أبو حنيفة وأبو يوسف (ومحمد أنه لا يقتدي من يركع ويسجد قائما أو قاعدا بالمومئ وقال زفر يقتدي به إذا زال العذر في الصلاة واتفق الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف (498) وزفر والأوزاعي وأبو ثور على جواز اقتداء القائم الصحيح بالقاعد المريض وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يقتدي القائم بالمضطجع ولا يالمومئ قال أبو حنيفة وأبو يوسف وإنما يقتدي بالقاعد وقال محمد بن الحسن ولا بالقاعد وهو قول مالك في غير رواية الوليد بن مسلم واحتج محمد بن الحسن لمذهبه في هذا الباب بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن أحد بعدي جالسا وهذا حديث مرسل ضعيف لا يرى أحد من أهل العلم كتابه ولا روايته وهو حديث انفرد به جابر الجعفي فرواه عن الشعبي عن النبي عليه السلام وجابر قد تكلم فيه ابن عيينة ومراسل الشعبي ليست عندهم بشيء فإن قيل قد روى شعبة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه فالجواب في ذلك كالجواب في حديث شعبة عن الأعمش وقد مضى في هذا الباب وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا شعبة عن سليمان الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت من الناس من يقول كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف ومنهم من يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم المقدم بين يدي أبي بكر
320

قال أبو عمر فأكثر أحوال حديث عائشة هذا عند المخالف أن يجعل متعارضا فلا يوجب حكما وإذا كان ذلك كذلك كانت رواية ابن عباس تقضي على ذلك فكيف ورواية من روى أن أبا بكر كان يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر فيها بيان وزيادة يجب قبولها وهي مفسرة ورواية من روى أن أبا بكر كان المقدم مجملة محتملة للتأويل لأنه جائز أن تكون صلاة أخرى ولو صح أنها كانت صلاة واحدة كان في رواية من روى عن عائشة وغيرها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المقدم زيادة بيان لأنه قد أثبت ما قال غيره من تقدم أبي بكر وزاد تأخره وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن روى أن أبا بكر كان المقدم لم يحفظ قصة تأخره وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدير ذلك أن تكون جماعتهم رأوا أبا بكر في حال دخوله في الصلاة فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهى إلى الصف الأول والصفوف كثيرة علم من قرب تغير حال أبي بكر وانتقال الإمامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعلم ذلك من بعد فلهذا قلنا إن من نقل انتقال الإمامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ما خفي على من قال إن الإمام كان أبا بكر وقد يحتمل وجها آخر وذلك أن يكون أراد القائل أن أبا بكر كان الإمام يعني كان إماما في أول الصلاة وزاد القائل بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماما يعني أنه كان إماما في آخر تلك الصلاة هذا لو صح أنها كانت صلاة واحدة ولو جاز أن يكون رواية عائشة متعارضة لكانت رواية ابن عباس التي لم يختلف فيها قاضية في هذا الباب على حديث عائشة المختلف فيه وذلك أن ابن عباس قال إن أبا بكر كان يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتدي به والناس يصلون بصلاة أبي بكر كما قال هشام بن عروة عن أبيه في حديث عائشة فبان برواية ابن عباس أن الصحيح في حديث عائشة الوجه الموافق لقوله وبالله التوفيق لأنه يعضده ويشهد له
321

وأما حديث ربيعة بن أبي عبد الرحمان فمنقطع لا حجة فيه وقد تكلمنا على معناه في تقديم أبي بكر وقول ربيعة فيه ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته فليس فيه ما يدل على أن أبا بكر المقدم لأنه قد صلى صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمان بن عوف (499) في السفر وقول ربيعة لا يتصل ولا يحتج (500) به أحد له أدنى فهم بالحديث اليوم وكذلك ليس في قول من قال لعله نسخ لأنه لم يفعله أبو بكر ولا من بعده ما يشتغل به أخرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا عبد الله بن رجاء قال أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أرقم بن شرحبيل قال سافرت مع ابن عباس من المدينة إلى الشام فسألته أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مرض مرضه الذي مات فيه فذكر حديثا طويلا وفيه قال ليصل للناس أبو بكر فتقدم أبو بكر فصلى بالناس ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين فلما أحس به الناس سبحوا فذهب أبو بكر يتأخر فأشار إليه بيده مكانك فاستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث انتهى أبو بكر من القراءة وأبو بكر قائم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فائتم أبو بكر برسول الله صلى الله عليه وسلم وائتم الناس بأبي بكر فهذا حديث صحيح عن ابن عباس يعضد ما رواه عروة وغيره عن عائشة ولو انفرد لكان فيه كفاية وغنى عن غيره والحمد لله وأرقم بن شرحبيل (هذا) (501) هو أخو هذيل بن شرحبيل وأخو عمرو بن شرحبيل أبي ميسرة ثقة جليل ذكر العقيلي عن محمد بن إسماعيل الصائغ عن
322

الحسن بن علي الحلواني عن أبي أسامة عن إسرائيل عن أبي إسحاق قال كان أرقم بن شرحبيل أخو أبي ميسرة من اشراف الناس وخيارهم قال العقيلي وحدثنا محمد بن
إسماعيل قال أخبرنا الفضل بن زياد الواسطي قال حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى أبي بكر وهو يؤم الناس فجلس إلى جنب أبي بكر عن يمينه وأخذ من الآية التي انتهى إليها أبو بكر فجعل أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس يأتمون بأبي بكر قال أبو عمر قد قال أبو إسحاق المروزي من جعل أبا بكر المقدم وأنكر تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الصلاة زعم أن تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف سنته صلى الله عليه وسلم وأن (502) قيام أبي بكر إلى جنبه كذلك أيضا ليس معروفا من سنته ولا معنى له قال أبو إسحاق وهذا خطأ من قائله لأن قيام أبي بكر إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم له معنى حسن وهو أن الإمام يحتاج إلى أن يسمع الناس تكبيرة ويحتاج إلى أن تظهر لهم أفعاله ويرى قيامه وركوعه ليقتدوا به فلما ضعف النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أقام أبا بكر إلى جنبه لينوب عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسماعهم تكبيره ورؤيتهم لخفضه ورفعه ليعلموا أنه يفعل ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما يفعل في مساجد الجماعات أن يقام فيها من يرفع صوته بالتكبير لعجز الإمام عن اسماع جماعتهم فهذا المعنى في قيام أبي بكر خلف النبي صلى الله عليه وسلم وقد مضى القول في خلافة أبي بكر فيما تقدم من حديث هشام بن عروة في هذا الكتاب والحمد لله
323

حديث رابع وخمسون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال نزلت * (عبس وتولى) * 503 في عبد الله بن أم مكثوم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول يا محمد استدنني وعند النبي صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل النبي عليه السلام يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول يا فلان (504) هل ترى بما أقول بأسا فيقول لا والدمى ما أرى بما تقول بأسا فأنزلت * (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) * 505 وهذا الحديث لم يختلف الرواة عن مالك في إرساله وهو يستند من حديث عائشة من رواية يحيى بن سعيد الأموي ويزيد بن سنان الزهاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ومالك أثبت من هؤلاء ورواه ابن جريج عن هشام بن عروة (بمثل حديث مالك وروى وكيع عن هشام عن أبيه) (506) عن أبيه عروة في قوله عز وجل * (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) * قال نزلت في ابن أم مكتوم وقال معمر عن قتادة قال جاء ابن أم مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلم يومئذ أبي بن خلف فأعرض عنه فنزلت الآية * (عبس وتولى) * فكان بعد ذلك يكرمه
324

وأخبرنا يحيى بن يوسف حدثنا يوسف بن أحمد حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن عيسى الترمذي حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد قال حدثنا أبي قال مما عرضنا على هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أنزلت * (عبس وتولى) * في ابن أم مكتوم الأعمى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول يا رسول الله استدنني وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول أترى بما أقول بأسا فيقول لا ففي هذا أنزلت * (عبس وتولى) * وأخبرنا عثمان بن أحمد قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا الحسن ابن إبراهيم قال حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى فذكره وأخبرنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد (507) الخصيب القاضي بمصر قال حدثنا أبو محمد الهيثم بن خلف ابن عبد الرحمان بن مجاهد الغطوطي الدوري قال حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال حدثنا أحمد بن بشير حدثنا أبو البلاد عن مسلم بن صحيح عن مسروق قال دخلت على عائشة وعندها رجل مكفوف تقطع له الأترج وتطعمه إياه بالعسل فقلت من هذا يا أم المؤمنين فقالت ابن أم مكتوم الذي عاتب الله فيه نبيه صلى الله عليه وسلم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عقبة وشيبة فأقبل عليهم فنزلت * (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) * وذكر حجاج عن ابن جريج قال قال ابن عباس جاءه ابن أم مكتوم وعنده رجال من قريش فقال له علمني مما علمك الله فأعرض عنه وعبس في وجهه وأقبل على القوم يدعوهم إلى الإسلام فأنزلت * (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) * فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر إليه بعد ذلك مقبلا بسط رداءه حتى يجلسه عليه وكان إذا خرج من المدينة استخلفه يصلي بالناس حتى
325

يرجع وقال ابن جريج عن مجاهد في قوله * (أما من استغنى) * قال عتبة وشيبة ابنا ربيعة * (فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى) * 508 قال ابن جريج ابن أم مكتوم * (كلا إنها تذكرة) * 509 قال ابن جريج قال ابن عباس تذكرة الغني والفقير قال سنيد وقال غير ابن جريج * (أما من استغنى فأنت له تصدى) * قال تقبل عليه بوجهك * (وما عليك ألا يزكى) * 510 قال ألا يصلح * (وأما من جاءك يسعى) * 511 بعمل من الخير وهو يخشى الله * (فأنت عنه تلهى) * قال تعرض ثم وعظه فقال * (كلا) * لا تقبل على من استغنى وتعرض عن من يخشى * (إنها تذكرة) * قال موعظة * (فمن شاء ذكره) * قال القرآن من شاء فهم القرآن وتدبره واتعظ به قال أبو عمر فيما أوردنا في (512) هذا الباب عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم ما يفسر معنى هذا الحديث ويغنينا عن القول فيه وأما قوله لا والدمى بضم الدال فالمعنى الأصنام التي كانوا يعبدون ويعظمون واحدتها الدمية وطائفة روت عنه لا والدماء بكسر الدال والمعنى دماء الهدايا التي كانوا يذبحون بمنى لآلهتهم
326

قال الشاعر وهو توبة بن الحمير
* علي دماء البدن إن كان بعلها
* يرى لي ذنبا غير أني أزورها
* وقال آخر
* أما ودماء المزجيات إلى منى
* لقد كفرت أسماء غير كفور
*
حديث خامس وخمسون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب (513) وهذا أيضا لم يختلف عن مالك في إرساله وقد رواه أيوب بن صالح عن مالك عن هشام عن أبيه ولم يتابع عليه عن مالك وأيوب بن صالح هذا ليس بالمشهور بحمل العلم ولا ممن يحتج به وحديثه هذا حدثناه خلف بن القاسم حدثنا عبد المطلب بن العباس بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم حدثنا أبو المنذر سفيان ابن المنذر القرشي حدثنا أيوب بن صالح حدثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان حتى تبرز فإذا برز حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغرب (514)
327

وقد رواه جماعة من الحفاظ عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر وهو حديث محفوظ عن ابن عمر من وجوه منها حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتحر أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها (515) وهو مذهب ابن عمر المشهور عنه كان لا يكره الصلاة بعد العصر ولا بعد الصبح إلا عند طلوع الشمس وعند غروبها فقط وقد ذكرنا مذهبه ومذهب سائر العلماء في هذا الباب في مواضع من هذا الكتاب ومنها حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي (516) ومنها حديث محمد بن يحيى بن حبان (517) وحديث نافع حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال سمعت عبيد الله بن عمر غير مرة قال سمعت نافعا يقول سمعت ابن عمر يقول لست أنهى أحدا صلى أي ساعة من ليل ولا من نهار ولكني أفعل كما رأيت أصحابي يفعلون وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها قيل لسفيان هذا يروى عن هشام قال ما سمعت هشاما ذكر هذا قط (518) قال أبو عمر إن كان لم يسمعه فقد سمعه غيره ذكر البزار قال حدثنا عبيد بن إسماعيل الهباري قال حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن
328

عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا عروبها حدث محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد ابن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال أخبرني ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع على قرني شيطان (519) قال وأخبرنا (520) عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال أخبرني ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تشرق وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغرب (521) وهذا أثبت ما = (522) يكون من
329

الأسانيد وأصحها مسندا وهما حديثان ومعناهما واحد وقد مضى ما في حديث هذا الباب من المعاني في غير موضع من هذا الكتاب والحمد لله وبه التوفيق
حديث سادس وخمسون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه (523) وهذا مرسل في الموطأ عند جماعة الرواة وهو مسند عن (524) مالك من حديثه عن عمرو بن أبي عمرو بن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو محفوظ من حديث أنس ومن حديث سويد بن النعمان الأنصاري حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا عبيد الله بن محمد العيشي قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن جميل بن عبد الله عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحد جبل يحبنا ونحبه وأنه لعلى ترعة من ترع الجنة (525) وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله بن عمر بن راشد بدمشق قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال أخبرني عقبة بن سويد الأنصاري
330

أن أباه أخبره أنهم قفلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فلما قدمنا المدينة بدا لنا أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا جبل يحبنا ونحبه (526) قال أبو عمر ذهب جماعة من أهل العلم إلى حمل هذا القول على الحقيقة وقالوا جائز أن يحبهم الجبل كما يحبونه وعلى هذا حملوا كل ما جاء في القرآن وفي الحديث من مثل هذا نحو قوله عز وجل * (فما بكت عليهم السماء والأرض) * 527 و * (قالتا أتينا طائعين) * 528 و * (يا جبال أوبي معه والطير) * 529 أي سبحي معه و * (جدارا يريد أن ينقض) * 530 ومثله في القرآن كثير وأما الحديث ففيه ما لا يحصى من مثل هذا نحو ما روي أن البقاع لتتزين للمصلي وأن البقاع لينادي بعضها بعضا هل مر بك اليوم ذاكرا لله وقال آخرون هذا مجاز يريد أنه جبل يحبنا أهله ونحبهم وأضيف الحب إلى الجبل لمعرفة المراد في ذلك عند المخاطبين مثل (531) قوله * (واسأل القرية) * (532) يريد أهلها وقد ذكرنا هذا المعنى بدلائل المجاز فيه وما للعلماء من المذاهب في ذلك عند قوله صلى الله عليه وسلم اشتكت النار إلى ربها في باب عبد الله بن يزيد وباب زيد ين أسلم والحمد لله
331

حديث سابع وخمسون لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إجعلوا من صلاتكم في بيوتكم (533) وهذا مرسل في الموطأ عند جميعهم وقد رواه عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم واختلف في معنى هذا الحديث فقيل من صلاتكم يريد المكتوبة وقيل النافلة ومن قال إنها المكتوبة فلقوله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة (534) فكيف يأمرهم بما قد أخبرهم أن غيره أفضل منه ومعروف أن حرف من حقيقته التبعيض لما في ذلك من تعليم الأهل حدود الصلاة معاينة وهو أثبت أحيانا من التعليم بالقول وقيل أراد بقول هذا النافلة على أن معنى قوله اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم أي اجعلوا صلاتكم في بيوتكم يعني النافلة وتكون من زائدة كقولهم ما جاءني من أحد وأما ما جاء في الموطأ من حديث هشام بن عروة موقوفا وهو مرفوع مسند في غير الموطأ عند جماعة من العلماء فمن ذلك حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل من المهاجرين لم ير به بأسا أنه قال سألت عبد الله بن عمرو بن العاصي أأصلي في أعطان الإبل قال لا ولكن صل في مراح الغنم (535) ومثل هذا من الفرق بين الغنم والإبل لا يدرك بالرأي والعطن موضع
بروك الإبل بين الشربتين لأنها في سقيها ترد الماء مرتين طائفة بعد أخرى
332

وقد روى هذا الحديث يونس بن بكير عن هشام بن عرنة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلوا في مراح الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل ويونس بن بكير ليس ممن يحتج به عن هشام بن عروة فيما خالفه فيه مالك لأنه ليس ممن يقاس بمالك وليس بالحافظ عندهم والصحيح في إسناد هشام ما قاله مالك وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى من حديث أبي هريرة والبراء وجابر بن سمرة وعبد الله بن مغفل وكلها بأسانيد حسان وأكثرها تواترا وأحسنها حديث البراء وحديث عبد الله بن مغفل رواه نحو خمسة عشر رجلا عن الحسن وسماع الحسن من عبد الله بن مغفل صحيح وفي هذا الحديث دليل على أن ما يخرج من مخرجي الحيوان المأكول لحمه ليس بنجس وأصح ما قيل في الفرق بين مراح الغنم وعطن الإبل أن الإبل لا تكاد تهدأ ولا تقر في العطن بل تثور فربما قطعت على المصلي صلاته وجاء في الحديث الثابت أنها جن خلقت من جن فبين العلة في ذلك وقد قيل إنما كان يستتر بها عند الخلاء وهذا لا يعرف في الأحاديث المسندة وفي الأحاديث المسندة غير ذلك حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمان بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل فقال لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين وسئل عن الصلاة في مراح الغنم فقال صلوا فيها فإنها بركة (536)
333

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة أخبرنا يونس عن الحسن عن عبد الله بن مغفل المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين (537) وفي بعض هذه الآثار فإنها جن خلقت من جن وهذا كله يشهد لما اخترناه من التأويل في ذلك والحمد لله وأما حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت ما أبالي في الحجر صليت أم في البيت فهذا يستند من حديث علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة ذكره أحمد بن شعيب النسائي قال حدثنا إسحاق ابن إبراهيم حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة قالت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر وقال إذا أردت دخول البيت فصلي ههنا فإنه قطعة من البيت (538) وقد ذكرنا بنيان الكعبة فيما تقدم من حديث ابن شهاب والحمد لله التمهيد
23
334