الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ٦
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

حديث واحد عن زيد بن أبي أنيسة الجزري مسند لا يتصل من وجهه هذا وهو زيد بن أبي أنيسة يكنى أبا سعيد اختلف في ولائه فقيل أنه مولى زيد بن الخطاب أو لبني عدي وقيل مولى لبني كلاب وقيل غير ذلك مما يطول ذكره ولم يختلف أنه مولى وقيل اسم أبي أنيسة زيد أيضا والله أعلم فهو زيد بن زيد وكان زيد بن أبي أنيسة من سكان الرها من عمل الجزيرة ومات بالرها سنة خمس وعشرين ومائة فيما ذكر الواقدي والطبري وكان كثير الحديث رواية للعلم ثقة صاحب سنة روى عنه مالك والثوري وجماعة من الجلة وكان الثوري يثني عليه ويدعو له كثيرا بعد موته بالرحمة وقال البخاري عن عمرو ابن محمد الناقد عن عمرو بن عثمان الكلابي قال مات زيد بن أبي أنيسة سنة أربع وعشرين ومائة وهو ابن ست وثلاثين سنة وقيل ولد زيد بن أبي أنيسة سنة إحدى وتسعين
1

وتوفي سنة أربع وعشرين وقيل سنة خمس وقيل سنة ست وقيل سنة سبع وقيل سنة ثمان وعشرين ومائة وقيل توفي وهو ابن بضع وأربعين وقال محمد بن سعد سمعت رجلا من أهل حران يقول مات سنة تسع عشرة ومائة (1) قال أبو عمر هو معدود في أهل الجزيرة وهو رهاوي (2) وحديثه المذكور مالك عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه أخبره عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) * 3 الآية فقال عمر بن الخطاب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح على ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت
2

هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل (قال) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار (1) قال أبو عمر هذا الحديث منقطع بهذا الإسناد لأن مسلم بن يسار هذا لم يلق عمر بن الخطاب وبينهما في هذا الحديث نعيم ابن ربيعة (2) وهو أيضا مع هذا الإسناد لا تقوم به حجة
3

ومسلم بن يسار هذا مجهول وقيل أنه مدني وليس بمسلم ابن يسار البصري (1) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال قرأت على يحيى بن معين حديث مالك هذا عن زيد بن أبي أنيسة فكتب بيده على مسلم بن يسار لا يعرف أخبرنا أبو عبد الله عبيد بن محمد ومحمد بن عبد الملك قالا حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين وأخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قالا جميعا حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال حدثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد قال حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد يعني ابن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة الأزدي وأخبرني عبد الرحمن بن يحيى وأحمد بن فتح وخلف ابن القاسم قالوا حدثنا حمزة بن محمد حدثنا أحمد بن
4

شعيب قال أخبرنا محمد بن وهب قال حدثنا محمد بن سلمة قال حدثني أبو عبد الرحيم قال حدثني زيد وهو ابن أبي أنيسة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مسلم بن يسار عن نعيم بن ربيعة (1) قال كنت عند عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل فسأله عن هذه الآية * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم) * قال فقال عمر كنت النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فسأله عنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلق الله آدم ثم استخرج منه ذرية من هو كائن منهم إلى يوم القيامة فقال لطائفة منهم هؤلاء للجنة خلقتهم وقال لطائفة هؤلاء للنار خلقتهم فمن خلقه الله للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يميته على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة ومن خلقه للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يميته على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار قال أبو عمر زيادة من زاد في هذا الحديث نعيم بن ربيعة ليست حجة
5

لأن الذي لم يذكره أحفظ وإنما تقبل الزيادة من الحافظ المتقن (1) وجملة القول في هذا الحديث أنه حديث ليس إسناده بالقائم لأن مسلم بن يسار ونعيم بن ربيعة جميعا غير معروفين بحمل العلم (2) ولكن معنى هذا الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة ثابتة يطول ذكرها من حديث عمر بن الخطاب وغيره جماعة يطول ذكرهم حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عثمان بن غياث قال حدثني عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن لقيا عبد الله بن عمر فذكرا له القدر وما يقولون فيه فذكر الحديث عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بطوله وقال في آخره وسأله رجل من مزينة أو جهينة فقال يا رسول الله ففيم نعمل في شيء قد خلا ومضى أو في شيء مستأنف الآن
6

فقال في شيء قد خلا ومضى فقال الرجل أو بعض القوم) ففيم العمل فقال إن أهل الجنة ييسرون لعمل أهل الجنة وإن أهل النار ييسرون لعمل أهل النار (1) وروى هذا المعنى عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق وممن روى هذا المعنى في القدر عن النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو سريحة (2) الغفاري وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وذو اللحية الكلابي وعمران بن حصين وعائشة وأنس بن مالك وسراقة بن جعثم وأبو موسى الأشعري وعبادة بن الصامت وأكثر أحاديث هؤلاء لها طرق شتى حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب قال كنا في جنازة في بقيع الغرقد قال
7

صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس رأسه وجعل ينكت بمخصرته ثم قال ما منكم من أحد من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة والنار وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة فقال رجل يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاء فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل
الشقاوة ثم قرأ * (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى) * 1 حدثنا عبد الرحمن بن يحيى وأحمد بن فتح قالا حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا سليمان بن الحسن البصري بالبصرة قال حدثنا عبيد الله بن معاذ قال حدثنا أبي قال حدثنا سليمان بن حيان عن يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين قال قال رجل يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار قال نعم
8

قال فلم يعمل العاملون قال كل ميسر لما خلق له (1) قال حمزة وهذا حديث صحيح رواه جماعة عن يزيد الرشك منهم شعبة بن الحجاج وعبد الوارث بن سعيد قال أبو عمر وقد رواه حماد بن زيد أيضا عن يزيد الرشك حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن يزيد الرشك عن مطرف عن عمران بن حصين قال قاسم وحدثنا مضر بن محمد الأسدي (2) قال حدثنا شيبان بن فروخ الأيلي قال حدثنا عبد الوارث عن يزيد قال حدثنا مطرف عن عمران بن حصين قال قلت يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار قال نعم قال ففيم يعمل العاملون قال كل ميسر لما خلق له ورواه حجاج بن منهال عن حماد بن يزيد عن يزيد الضبعي وهو يريد الرشك حدثناه خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حماد بن خالد قال
9

حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا يزيد الضبعي عن مطرف يعني ابن عبد الله بن الشخير عن عمران بن حصين قال (قيل يا رسول الله أعلم أهل الجنة من أهل النار قال نعم قال ففيم العمل إذا قال كل ميسر لما خلق له وقد روى من حديث يحيى بن يعمر أيضا عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم قال حدثنا عبد الله بن روح قال حدثنا شبابة بن سوار قال حدثنا المغيرة بن مسلم عن أبي عمر عن يحيى بن يعمر أنه كان مع عمران بن حصين وأبي الأسود الدئلي في مسجد البصرة فقال عمران يا أبا الأسود أرأيت ما يعمل العباد يعملون فيما سبق في علم الله السابق أو يستأنفون العمل قال لا بل يعملون فيما سبق في علم الله قال أخشى أن يكون ذلك جورا قال ((لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)) فقال عمران ثبتك الله إنما أردت أن
10

أحزرك أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما سألتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قلت حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير (1) قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا عثمان بن عمر قال أخبرنا عزرة (2) بن ثابت عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الدئلي قال قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم ومضى عليهم أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم واتخذت به عليهم الحجة قلت لا بل شيء قضى عليهم ومضى عليهم قال فهل يكون شيء من ذلك ظلما قال ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت إنه ليس شيء إلا خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون فقال سددك الله إني والله ما سألتك إلا لأحزر عقلك أن رجلا من مزينة أتى النبي صلى الله عليه
11

وسلم فقال يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس ويكدحون أشي قضى عليهم ومضى عليهم أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم واتخذت عليهم به الحجة قال لا بل شيء قضى عليهم ومضى عليهم قال فلم نعمل إذا قال من خلقه الله لواحدة من المنزلتين فهو يستعمل لها وتصديق ذلك في كتاب الله * (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) * 1 قال أبو عمر قد أكثر الناس من تخريج الآثار في هذا الباب وأكثر المتكلمون من الكلام فيه وأهل السنة مجتمعون على الإيمان بهذه الآثار واعتقادها وترك المجادلة فيها وبالله العصمة والتوفيق حدثنا محمد بن زكرياء قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا مروان بن عبد الملك قال حدثنا محمد بن بشار حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان عن محمد بن جحادة عن قتادة عن
12

أبي السوار العدوي (1) عن الحسن بن علي قال رفع الكتاب وجف القلم وأمور تقضي في كتاب قد خلا قال وحدثنا مروان بن عبد الملك قال حدثنا أبو حاتم قال حدثنا الأصمعي قال حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه قال أما والله لو كشف الغطاء لعلمت القدرية أن الله ليس بظلام للعبيد قال وحدثنا محمد بن بشار قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا حبيب بن الشهيد عن محمد بن سيرين قال ما ينكر هؤلاء أن يكون الله عز وجل قد علم علما فجعله كتابا قال أبو عمر قال الله عز وجل * (إنا كل شيء خلقناه بقدر) * 2 وقال * (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) * 3 فليس لأحد مشيئة تنفذ إلا أن تنفذ منها مشيئة الله تعالى وإنما يجري الخلق فيما سبق من علم الله والقدر سر الله
13

لا يدرك بجدال ولا يشفى منه مقال والحجاج فيه مرتجة لا يفتح شيء منها إلا بكسر شيء وغلقه وقد تظاهرت الآثار وتواترت الأخبار فيه عن السلف الأخيار الطيبين الأبرار وبالاستسلام والانقياد والإقرار بأن علم الله سابق ولا يكون في ملكه إلا ما يريد * (وما ربك بظلام للعبيد) * 1 حدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن خمير قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا محمد بن زرعة الرعيني قال حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال من الله تعالى التنزيل وعلى رسوله التبليغ وعلينا التسليم (وبالله التوفيق)
14

حديث واحد عن زيد بن رباح مسند (لا يتصل من وجهه هذا) وهو زيد بن رباح مولى أدرم بن غالب بن فهر هكذا قال البخاري وقال ابن شيبة (1) قتل زيد بن رباح سنة إحدى وثلاثين ومائة (2) قال أبو عمر هو ثقة مأمون على ما حمل وروى روى عنه مالك بن أنس وغيره (3)
15

وحديثه مالك عن زيد بن رباح وعبيد الله بن أبي عبد الله الأغر عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام (1) لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث في الموطأ ورواه محمد بن مسلمة المخزومي (2) عن مالك عن ابن شهاب عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي فذكره وهو غلط فاحش وإسناد مقلوب ولا يصح فيه عن مالك إلا حديثه في الموطأ عن زيد بن رباح وعبيد الله بن أبي عبد الله الأغر (عن أبي عبد الله الأغر) عن أبي هريرة حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد وعبد الله بن عمر بن
إسحاق بن معمر قالا حدثنا
16

إسحاق بن إبراهيم بن جابر القطان قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا مالك عن زيد بن رباح وعبيد الله بن سلمان الأغر عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وقد روى عن أبي هريرة من طرق ثابتة صحاح متواترة (1) والحمد لله وأبو عبد الله الأغر اسمه سلمان مولى جهينة من تابعي المدينة وأصله من أصبهان وهو ثقة كبير حجة فيما نقل (2) روى عنه ابن شهاب وابنه عبيد الله وعبيد الله أيضا ثقة (3) وحديثه هذا صحيح مجتمع على صحته إلا أنهم اختلفوا في تأويله ومعناه فتأوله قوم منهم أبو بكر عبد الله بن نافع الزبيري صاحب مالك على أن الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف درجة وأفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة
17

وقال بذلك جماعة من المالكيين رواه بعضهم عن مالك وذكر أبو يحيى الساجي قال اختلف العلماء في تفضيل مكة على المدينة فقال الشافعي مكة خير البقاع كلها وهو قول عطاء والمكيين والكوفيين وقال مالك والمدنيون المدينة أفضل من مكة واختلف البغداديون وأهل البصرة في ذلك فطائفة تقول مكة وطائفة تقول المدينة وقال عامة أهل الأثر والفقه أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بمائة صلاة وروى يحيى بن يحيى عن ابن نافع أنه سأله عن معنى هذاالحديث فقال معناه أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف صلاة وفي سائر المساجد بألف صلاة (1) قال أبو عمر أما القول في فضل مكة والمدينة فقد مضى منه في كتابنا (2) هذا ما فيه كفاية وأما تأويل ابن نافع فبعيد عند أهل المعرفة باللسان ويلزمه أن يقول أن الصلاة في مسجد
18

الرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بتسعمائة ضعف وتسعة وتسعين ضعفا وإذا كان هكذا لم يكن للمسجد الحرام فضل على سائر المساجد إلا بالجزء اللطيف على تأويل ابن نافع وحسبك ضعفا بقول يؤول إلى هذا (فإن حد حدا في ذلك لم يكن لقوله دليل ولا حجة وكل قول لا تعضده حجة ساقط حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال سمعت ابن الزبير قال سمعت عمر يقول صلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه يعني من المساجد إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير ولا مخالف لهما من الصحابة يقولان بفضل الصلاة في المسجد الحرام على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم) وتأول بعضهم هذا الحديث عن عمر أيضا على أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خير من تسعمائة صلاة في المسجد الحرام وهذا كله تأويل لا يعضده أصل ولا يقوم عليه دليل وقد زعم بعض المتأخرين من أصحابنا أن الصلاة
19

في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بمائة صلاة وفي غيره بألف صلاة واحتج لذلك بما رواه سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال سمعت عمر (1) يقول صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه (2) وحديث سليمان بن عتيق هذا لا حجة فيه لأنه مختلف في إسناده وفي لفظه وقد خالفه فيه من هو أثبت منه فمن الاختلاف عليه في ذلك ما حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا ابن أبي دليم وقاسم بن أصبغ قالا حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد الخراساني أبي عبد الرحمن قال حدثنا سليمان بن عتيق قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول صلاة
20

في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا أحمد بن دحيم وكتبته من أصله قال حدثنا أبو جعفر الديبلي محمد (1) بن إبراهيم قال حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال سمعت ابن الزبير على المنبر يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما فضله عليه بمائة صلاة فهذا خلاف ما ذكروه في حديث ابن عتيق عن ابن الزبير عن عمر فكيف بحديث قد روى فيه ضد ما ذكروه نصا من رواية الثقات إلى ما في إسناده من الاختلاف أيضا وقد ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرنا سليمان بن عتيق وعطاء عن ابن الزبير أنهما سمعاه يقول صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيه ويشير إلى مسجد المدينة
21

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى (1) بن أبي مسرة ومحمد بن عبد السلام الخشني قالا حدثنا محمد بن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن سليمان بن عتيق قال سمعت ابن الزبير يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن فضله عليه بمائة صلاة فهذا حديث سليمان بن عتيق محتمل للتأويل لأن قوله فضله عليه يحتمل الوجهين إلا أنه قد جاء عن عبد الله بن الزبير نصا من نقل الثقات خلاف ما تأولوه عليه على أنه لم يتابع فيه سليمان بن عتيق على ذكر عمر وهو مما أخطأ فيه عندهم سليمان بن عتيق وانفرد به وماانفرد به فلا حجة فيه وإنماالحديث محفوظ عن ابن الزبير على وجهين طائفة توقفه عليه فتجعله من قوله وطائفة ترفعه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى واحد أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بمائة ضعف
22

هكذا رواه عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير واختلف في رفعه عن عطاء على حسبما نذكره ومن رفعه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحفظ وأثبت من جهة النقل وهو أيضا صحيح في النظر لأن مثله لا يدرك بالرأي ولا بد فيه من التوقيف فلهذا قلناأن من رفعه أولى مع شهادة أئمة الحديث للذي رفعه بالحفظ والثقة فممن رقفه علي بن الزبير من رواية عطاء الحجاج بن أرطاه وابن جريج على أن ابن جريج رواه عن سليمان بن عتيق أيضا مثل روايته عن عطاء سواء فحديث الحجاج حدثناه عبد
الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا أبي حدثنا هشيم قال أخبرنا الحجاج عن عطاء عن عبد الله بن الزبير قال الصلاة في المسجد الحرام تفضل على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بمائة ضعف قال عطاء فنظرنا في ذلك فإذا هي تفضل على سائر المساجد بمائة ألف ضعف وذكر عبد الرزاق وغيره عن ابن جريج قال أخبرني عطاء أنه سمع ابن الزبير يقول على المنبر صلاة في المسجد
23

الحرام خير من ألف (1) صلاة فيما سواه من المساجد قال قلت لم يسم مسجد المدينة قال يخيل إلي أنه إنما أراد مسجد المدينة (2) قال ابن جريج وأخبرني سليمان بن عتيق بمثل خبر عطاء هذا ثم يشير ابن الزبير إلى المدينة (3) هكذا قال ابن جريج بألف وعلى ما أشار إليه وتأوله ابن جريج في حديثه هذا تكون الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة في كل المساجد غير مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف ألف وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما يقطع الخلاف ويحسم التنازع ولكن الحديث لم يقمه ولا جوده إلا حبيب المعلم عن عطاء أقام إسناده وجود لفظه فأتى بالمعروف في الصلاة في المسجد (الحرام بأنها مائة ألف صلاة وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة) حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ
24

قال حدثنا أبو يحيى عبد الله بن أبي مسرة فقيه مكة قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي (وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة) فأسند حبيب المعلم هذا الحديث وجوده ولم يخلط في لفظه ولا في معناه وكان ثقة وليس في هذا الباب عن ابن الزبير ما يحتج به عند أهل العلم بالحديث إلا حديث حبيب هذا قال ابن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول حبيب المعلم بصري ثقة وذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل قال
25

سمعت أبي يقول حبيب المعلم ثقة ما أصح حديثه وسئل أبو زرعة الرازي عن حبيب المعلم فقال بصري ثقة وقد روى في هذا الباب عن عطاء عن جابر حديث نقلته ثقات كلهم بمثل حديث حبيب المعلم سواء وجائز أن يكون عند عطاء في ذلك عن جابر وعبد الله بن الزبير فيكونان حديثين وعلى ذلك يحمله أهل الفقه في الحديث قال أبو عمر ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه قوي ولا ضعيف ما يعارض هذا الحديث ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم وهو حديث ثابت لا مطعن فيه لأحد إلا لمتعسف لا يعرج على قوله في حبيب المعلم وقد كان أحمد ابن حنبل يمدحه ويوثقه ويثني عليه وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه ولم يرو عنه القطان وروي عنه يزيد بن زريع وحماد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي وعندهم عنه كثير (1) وسائر الإسناد أئمة ثقات أثبات وقد رواه الحجاج بن أرطاة عن عطاء مثل رواية حبيب المعلم سواء وقد روي من حديث (جابر (2)) عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن الزبير سواء
26

حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثني حكيم بن سيف حدثنا عبيد الله (1) بن عمرو عن عبد الكريم (الجزري) عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف (2) صلاة فيما سواه (3) وحكيم بن سيف هذا شيخ من أهل الرقة وقد روى عنه أبو زرعة الرازي وغيره وأخذ عنه ابن وضاح وهو عندهم شيخ صدوق لا بأس به (4) فإن كان حفظ فهما حديثان وإلا فالقول قول حبيب المعلم على ما ذكرنا
27

وقد روي في هذا الباب أيضا (حديث بهذا المعنى عن عطاء عن ابن عمر مسندا وهو عندهم) حديث آخر لا شك فيه لأنه روي عن ابن عمر من وجوه حدثنا عبد الرحمن ابن يحيى حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن محمد ابن بدر الباهلي (1) حدثنا محمد بن إسماعيل بن علية حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال أخبرنا عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فهو أفضل (2) حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ وابن أبي دليم قالا حدثنا محمد بن وضاح حدثنا يوسف ابن عدي (عن عبيد الله بن عمرو (3)) عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل
28

وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد (ابن علي) قال حدثنا أحمد بن خالد حدثنا علي بن عبد العزيز وأجازه لنا أيضا أبو محمد (عبد الله) بن عبد المومن عن ابن جامع عن علي بن عبد العزيز حدثنا محمد بن عمار حدثنا أبو معاوية عن موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإنه أفضل منه بمائة صلاة (1) قال علي بن عبد العزيز وحدثنا عازم قال حدثنا حماد ابن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (قال أبو عمر) موسى الجهني (2) كوفي (ثقة) أثنى عليه القطان
29

وأحمد ويحيى وجماعتهم (وروى عنه شعبة والثوري ويحيى بن سعيد) وقد روى عن أبي الدرداء وجابر بمثل هذا المعنى سواء (حدثنا إبراهيم بن شاكر حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب الرسي قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا إبراهيم بن حميد بن يزيد بن شداد قال حدثنا سعيد بن سالم القداح قال حدثنا سعيد بن بشر) عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة (1) (قال البزار هذا إسناد حسن وقد روي) من حديث عثمان بن الأسود عن مجاهد عن جابر مثله سواء
30

وروى الحميدي عن ابن عيينة قال حدثني عمر بن سعيد عن أبيه عن أبي عمرو الشيباني قال قال عبد الله بن مسعود ما لامرأة أفضل من صلاتها في بيتها إلا المسجد
الحرام وهذا تفضيل منه للصلاة فيه على الصلاة في مسجد النبي عليه السلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في مسجدي إلا المكتوبة وقد اتفق مالك وسائر العلماء على أن صلاة العيدين يبرز لها في كل بلد إلا بمكة فإنها تصلى في المسجد الحرام وذكر ابن وهب في جامعه عن مالك أن آدم لما اهبط إلى الأرض قال يا رب هذه أحب الأرض إليك أن تعبد فيها قال بل مكة وقد ذكرنا هذا الخبر بتمامه في باب حبيب بن عبد الرحمن من هذا الكتاب (1) وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى وأحمد بن سلمة بن الضحاك قالا حدثنا سفيان قال حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال
31

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام قال سفيان فيرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر (1) قال حدثنا ابن أبي دليم قال (حدثنا) ابن وضاح قال حدثنا أحمد بن عمرو ابن السرح قال سمعت ابن وهب يقول ما رأيت أعلم بالتفسير للحديث من ابن عيينة (وحسبك في هذا بقوله صلى الله عليه وسلم بمكة والله إني لأعلم أنك خير أرض الله وأحبها إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت) (2) وهذا من أصح الآثار عن النبي عليه السلام حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا
32

أحمد بن زهير حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي ابن الحمراء قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بالحزورة يقول والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا إني أخرجت منك ما خرجت وهذا قاطع في موضع الخلاف والله المستعان ورواه ابن وهب عن يونس بن زيد عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء وأخبرنا قاسم بن محمد حدثنا خالد بن سعد حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور حدثنا ابن سنجر حدثنا محمد ابن عبيد قال حدثنا طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال أما والله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأكرمه على الله ولولا أهلك أخرجوني منك ما خرجت) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف
33

ابن مهران (1) عن ابن عباس قال قال علي بن أبي طالب إني لأعلم أحب بقعة إلى الله في الأرض وأفضل بئر في الأرض وأطيب أرض في الأرض ريحا فأما أحب بقعة إلى الله في الأرض فالبيت الحرام (وما حوله) وأفضل بئر في الأرض زمزم وأطيب أرض في الأرض ريحا الهند هبط بها آدم عليه السلام من الجنة فعلق شجرها من ريح الجنة فهذا عمر وعلي وابن مسعود وأبو الدرداء (وابن عمر وجابر) يفضلون مكة ومسجدها وهم أولى بالتقليد ممن بعدهم (وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة في مسجد المدينة قال معمر وسمعت أيوب يحدث عن أبي العالية عن عبد الله بن الزبير مثل قول قتادة) (2) وذكر عبد الملك بن حبيب عن مطرف وعن أصبغ عن ابن وهب أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على ما في أحاديث هذا الباب والله الموفق للصواب
34

(قال أبو عمر) أصحابنا يقولون أن قول ابن عيينة حجة حين حدث بحديث أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة قال ابن عيينة كانوا يرونه مالك بن أنس (1) قالوا قول ابن عيينة حجة لأنه إذا قال كان يرون إنما حكى عن التابعين فيلزمهم مثل ذلك في قول ابن عيينة في تفسير حديث هذا الباب لأنه قال أنه حدث به فكانوا يرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل بمائة ألف فيما سواه ولا يشك عالم منصف في أن ابن عيينة فوق ابن نافع في الفهم والفضل والعلم وأنه إذا لم يكن بد من التقليد فتقليده أولى من تقليد ابن نافع وفيما ذكرنا في هذا الباب عن النبي عليه السلام وأصحابه رضي الله عنهم غني عما سواهم والحمد لله)
35

(قال أبو عمر) طعن قوم في حديث عطاء في هذا الباب للاختلاف عليه فيه لأن قوما يرونه عنه عن ابن الزبير وآخرون يروونه عنه عن ابن عمر وآخرون يروونه عنه عن جابر ومن العلماء من لم يجعل مثل هذا علة في هذا الحديث لأنه يمكن أن يكون عند عطاء عنهم كلهم والواجب أن لا يدفع خبر نقله العدول إلا بحجة لا تحتمل التأويل ولا المخرج ولا يجد منكرها لها مدفعا وهو مشتهر بصحة حديث عطاء وبالله التوفيق وفي هذا الباب حديث موسى الجهني عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختلف عليه فيه وهو يشهد لصحة حديث عطاء وبالله توفيقنا)
36

زياد بن أبي زياد (1) وهو زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي يكنى أبا جعفر واسم أبي زياد ميسرة فيما ذكر البخاري وكان زياد هذا أحد الفضلاء العباد الثقات من أهل المدينة يقال أنه لم يكن في عصره بالمدينة مولى أفضل منه ومن أبي جعفر القاري وولاؤهما جميعا واحد قال ابن وهب سمعت مالكا يقول كان زيد بن أبي زياد عابدا وكان يلبس الصوف وكان يكون وحده ولا يجالس أحدا وكانت فيه لكنة وذكر العقيلي في تاريخه الكبير قال أخبرنا يحيى بن عثمان حدثنا حامد بن يحيى حدثنا بكر ابن صدقة قال وزياد بن أبي زياد هو الذي يقول فيه جرير ابن الخطفي إذ اجتمعوا عند باب عمر بن عبد العزيز فخرج الرسول فقال أين زياد بن أبي زياد فأذن له فقال جرير (2)
37

* يا أيها القارئ المرخي عمامته
* هذا زمانك أنى قد مضى زمني
*
* أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه
* أنا لدى الباب محبوسون في قرن (1
* قال أبو عمر قد روى من وجوه أن هذا القول إنما قاله جرير لعون بن عبد الله بن عتبة والله أعلم لمالك عن زياد بن أبي زياد هذا من مرفوعات الموطأ حديث واحد مرسل وآخر موقوف مسند مالك عن زياد بن أبي زياد عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله (وحده لا شريك له) ذكر مالك هذا الحديث في موضعين من موطئه أحدهما آخر كتاب الصلاة ذكره فيه كما ذكرناه هاهنا عنه وذكره
38

في كتاب الحج فنسبه قال مالك عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي عن طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي وذكر الحديث (1) وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن طلحة بن عبيد الله بن كريز (2) فقال ثقة قال أبو عمر لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما رأيت ولا أحفظه بهذا الإسناد مسندا من وجه يحتج بمثله وقد جاء مسندا من حديث علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص فأما حديث علي فإنه يدور على دينار أبي عمرو عن ابن الحنفية وليس دينار ممن يحتج به وحديث عبد الله بن عمرو من حديث عمرو بن شعيب وليس دون عمور من يحتج به فيه (3) (وأحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به)
39

حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن نضر بن عربي عن ابن أبي حسين (1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير قال أبو بكر وحدثنا وكيع عن موسى بن عبيدة (2) عن أخيه (3) عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري أعوذ بك من وسواس الصدر وفتنة القبر وشتات الأمر وأعوذ بك من شر ما يأتي في الليل والنهار
40

وما تهب (1) به الرياح (2) ومرسل مالك أثبت من تلك المسانيد والله أعلم وقد روى معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق شتى وسنذكر منها ما حضرنا إن شاء الله تعالى وفيه من الفقه إن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره وفي فضل يوم عرفة دليل أن للأيام بعضها فضلا على بعض إلا أن ذلك لا يدرك إلا بالتوقيف والذي أدركنا من ذلك بالتوقيف الصحيح فضل يوم الجمعة ويوم عاشوراء ويوم عرفة وجاء في يوم الاثنين ويوم الخميس ما جاء وليس شيء من هذا يدرك بقياس ولا فيه للنظر مدخل وفي الحديث أيضا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب وفيه أيضا أن أفضل الذكر لا إله إلا الله
41

وقد اختلف العلماء في أفضل الذكر فقال منهم قوم أفضل الكلام لا إله إلا الله واحتجوا بهذا الحديث وإنها كلمة الإسلام وكلمة التقوى (1) وقال آخرون أفضل الذكر الحمد لله رب العالمين ففيه معنى الشكر والثناء وفيه من الإخلاص ما في لا إله إلا الله وإنه افتتح الله به كلامه وختم به وهو آخر دعوى أهل الجنة (2) ولكل واحد من القولين وجه وآثار تدل على ما ذهب إليه من قال به نذكر منها ما حضرنا حفظه مما فيه كفاية إن شاء الله حدثنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي (3) قال حدثنا موسى بن إبراهيم بن كثير الأنصاري المدني قال سمعت طلحة بن خراش يقول سمعت جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
42

يقول أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله (1) قال أبو عمر ربما وقفه على جابر وقد روى من غير هذا الوجه عن جابر مرفوعا أيضا أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الشكر الحمد لله وفي حديث جابر هذا مع حديث مالك حجة لمن ذهب إلى أن أفضل الذكر لا إله إلا الله وأما قوله في حديث جابر أفضل الدعاء الحمد لله فإن الذكر كله دعاء عند العلماء ومما يبين ذلك ما حدثنا به عبد الله بن محمد بن يوسف وأحمد بن عمر بن عبد الله قالا حدثنا عبد الله بن محمد بن علي حدثنا محمد بن فطيس حدثنا علي بن إسماعيل بن زريق أبو زيد الموصلي قال حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال سألت ابن عيينة يوما ما كان أكثر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
43

بعرفة قال لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولله الحمد ثم قال سفيان إنما هو ذكر وليس فيه دعاء ثم قال أما علمت قوله الله عز وجل حيث يقول (إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) (1) قال قلت نعم حدثتني أنت يا أبا محمد عن منصور عن مالك بن الحارث (وحدثني عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن منصور عن مالك بن الحارث) قال هذا تفسيره ثم قال أما علمت قول أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان يطلب نائله وفضله قلت لا قال قال أمية حين أتى ابن جدعان
* أأطلب حاجتي أم قد كفاني
* حياؤك إن شيمتك الحياء
* كفاه من تعرضك الثناء
* إذا أثنى عليك المرء يوما
* قال سفيان رحمه الله هذا مخلوق حين ينسب إلى أن يكتفي بالثناء عليه دون مسئلته فكيف بالخالق تبارك وتعالى
44

قال الحسين لما سألت سفيان رحمه الله عن هذا فكأني إنما سألته عن آية من كتاب الله وذلك أنني لم أدع كبير أحد بالعراق إلا وقد سألته عنه فما فسره لي كما فسره ابن عيينة رحمه الله قال أبو عمر هي أبيات كثيرة قد أنشدها المبرد وحبيب فذكر بعد البيتين اللذين في الخبر المذكور
* وعلمك بالحقوق وأنت فرع
* لك الحسب المهذب والسناء
*
* كريم ما يغيره صباح
* عن الخلق الجميل ولا ماء
*
* يباري الريح مكرمة وجودا
* إذا ما الكلب أجحره الشاء
* وأرضك كل مكرمة بناها
* بنو تيم وأنت لها ساء
* وحديث مالك بن الحرث قوله هذا قد روى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه صفوان بن أبي الصهباء عن بكير بن عتيق عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبي عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
45

يقول الله عز وجل (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين (1)) ليس يجيء هذا الحديث فيما علمت مرفوعا إلا بهذا الإسناد وصفوان بن أبي الصهباء (2) وبكير بن عتيق (3) رجلان صالحان وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا ابن أبي عمر العدني (4) حدثنا سفيان بن عيينة قال قال لي عبد العزيز بن عمر كنت أتمنى أن ألقى الزهري فرأيته في النوم بعد موته عند الحدادين فقلت يا أبا بكر هل من دعوة قال نعم لا إله إلا الله وحده لا شريك له توكلت على الحي الذي
46

لا يموت اللهم إني أسألك أن تعيذني وذريتي من الشيطان الرجيم قال أبو عمر فهذا كله يدل على أن الثناء دعاء ويفسر معنى حديث هذا الباب والله الموفق للصواب قال أبو عمر من فضل الحمد لله فحجته ما أخبرناه عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن ضرار بن مرة عن أبي صالح الحنفي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله اصطفى من الكلام أربعا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فمن قال سبحان الله كتبت له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة ومن قال الحمد لله فذلك ثناء الله وثناؤه لا إله إلا الله فمثل ذلك ومن قال الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة وحطت عنه ثلاثون سيئة (1)
47

وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا جرير عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن السلولي عن كعب قال اختار الله عز وجل الكلام فأحب الكلام إلى الله عز وجل لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله فمن قال لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص كتب الله له بها عشرين حسنة وكفر عنه عشرين سيئة ومن قال الله أكبر فذلك جلال الله كتب الله له بها عشرين حسنة وكفر عنه عشرين سيئة ومن قال سبحان الله كتب له بها عشرون حسنة وكفر عنه عشرون سيئة ومن قال الحمد لله فذلك ثناء الله وثناؤه الحمد لله كتب له بها ثلاثين حسنة وكفر عنه ثلاثين سيئة قال حمزة يشبه أن يكون السلولي عبد الله بن ضمرة (1) قال أبو عمر من قال إن هذه الأربع سواء احتج بما رواه حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الكلام أربع
48

لا تبالي بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وخالفه ابن فضيل فرواه عن الأعمش عن أبي صالح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه حجة واضحة وما تقدم في الحمد لله واضح وقد جاء عن ابن عباس تفضيل سبحان الله على الحمد لله وتقديم لا إله إلا الله على الذكر كله وذكر أبو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخ قال حدثنا عبد الله بن مطيع قال حدثنا هشيم عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال كتب صاحب الروم إلى معاوية يسأله عن أفضل الكلام ما هو والثاني والثالث والرابع وكتب إليه يسأله عن أكرم الخلق على الله وأكرم الإماء على الله وعن أربعة من الخلق لم يركضوا في رحم ويسأله عن قبر سار بصاحبه وعن المجرة وعن القوس وعن مكان طلعت فيه الشمس لم تطلع قبل ذلك ولا بعده فلما قرأ معاوية الكتاب قال أخزاه الله وما علمي بما هاهنا فقيل له أكتب إلى ابن عباس فسله فكتب إليه يسأله فكتب إليه ابن عباس (ان) أفضل الكلام
49

لا إله إلا الله كلمة الإخلاص لا يقبل عمل إلا بها والتي تليها سبحان الله وبحمده أحب الكلام إلى الله والتي تليها الحمد لله كلمة الشكر والتي تليها الله أكبر فاتحة الصلوات والركوع والسجود وأكرم الخلق على الله آدم عليه السلام وأكرم الإماء على الله مريم وأما الأربعة التي لم يركضوا في رحم فآدم وحواء والكبش الذي فدي به إسماعيل وعصا موسى حيث ألقاها فصارت ثعبانا مبينا وأما القبر الذي سار بصاحبه فالحوت حين التقم يونس وأما المجرة فباب السماء وأما القوس فإنها أمان لأهل الأرض من الغرق بعد قوم نوح وأما المكان الذي طلعت فيه الشمس ولم تطلع قبله ولا بعده فالمكان الذي انفرج من البحر لبني إسرائيل فلما قدم عليه الكتاب أرسل به إلى صاحب الروم فقال لقد علمت أن معاوية لم يكن له بهذا علم وما أصاب هذا إلا رجل من أهل بيت النبوة ومن الحجة لقول ابن عباس في تفضيل سبحان الله ما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ
50

قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن أبي بكر عن شعبة عن الجريري عن أبي عبد الله الحميدي عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال قال (لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله قلت بلى يا رسول الله قال أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده (1) ومن قال لا إله إلا الله أفضل الكلام فمن حجته حديث جابر الذي قدمنا ذكره وحديث مالك المذكور في هذا الباب وما حدثنا أحمد بن فتح وعبد الرحمن بن يحيى قالا أخبرنا حمزة بن محمد بن علي الحافظ قال أخبرنا عمران بن موسى بن حميد الطبيب قال حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا عيسى بن يونس عن سفيان الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله أنجته يوما من الدهر أصاب قبلها ما أصابه) (2)
51

وحدثني خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا أحمد بن أسامة قال حدثنا أحمد بن محمد بن رشدين قال حدثنا عمرو بن خالد إملاء قال حدثنا عيسى بن يونس عن سفيان الثوري فذكر بإسناده مثله وذكر أبو الحسن علي بن محمد الأزرق في كتابه في الصحابة قال حدثنا محمد بن الحسن الكوفي قال حدثنا عباد بن أحمد العزرمي قال حدثني عمي عن أبيه عن أبي المجالد عن زيد بن وهب عن أبي المنذر الجهني قال قلت يا رسول الله ما أفضل الكلام قال يا أبا المنذر قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير مائة مرة في يوم فإنك إذا قلت ذلك في يوم فأنت أفضل الناس عملا إلا من قال مثل مقالتك وأكثر من سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا تنس الاستغفار في صلاتك فإنها ممحاة للخطايا رحمة من الله (1) وحدثني عبد الرحمن بن يحيى وأحمد بن فتح قالا حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن داود بن عثمان بن سعيد بن سالم الصدفي قال حدثنا
52

يحيى بن يزيد أبو شريك قال حدثنا ضمضام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها ولقنوها موتاكم (1) حدثني قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا عبد الله بن نعمة البصري قال كتب إلى أحمد بن محمد بن مالك بن أنس يذكر حدثني إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله أبدا غفر له أبدا وروى ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال موسى يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به قال يا موسى قل لا إله إلا الله قال موسى يا رب كل عبادك يقول هذا قال قل لا إله إلا الله قال لا إله إلا أنت إنما أريد شيئا تخصني به قال يا موسى لو أن السماوات
53

السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله (1) وروى يزيد بن بشير عن سليمان بن المغيرة عن مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قال كل يوم مائة مرة لا إله إلا الله الحق المبين كان له أمانا من الفقر وأنسا من وحشة القبر واستجلب به الغنى واستقرع به باب الجنة وهذا حديث غريب من حديث مالك لا يصح عنه والله أعلم وقد حدثناه خلف بن قاسم حدثنا يوسف بن القاسم بن يوسف بن فارس وأبو الطيب محمد بن جعفر غندر قالا حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخزومي قال حدثنا الفضل بن غانم عن مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال في يوم مائة مرة لا إله إلا الله الحق المبين فذكره سواء ورواه محمد بن عثمان النشيطي قال أخبرنا أبو الحجاج النضر بن محمد
54

(بصري) ثقة من ولد زائدة بن قدامة عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال في يوم مائة مرة لا إله إلا الله الحق المبين استقرع أبواب الجنة وأمن من وحشة القبر واستجلب بها الرزق وأمن من الفقر وهذا لا يرويه عن مالك من يوثق به ولا هو معروف من حديثه وهو حديث حسن ترجى بركته إن شاء الله تعالى حدثنا علي بن إبراهيم بن أحمد بن حموية قراءة عليه قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن حفص بن عمر البصري قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن فقال يا معاذ اتق الله وخالق الناس بخلق حسن وإذا عملت سيئة فأتبعها حسنة قال قلت يا رسول الله لا إله إلا الله من الحسنات قال هي أكبر الحسنات (1) حدثني خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا ابن رشدين قال
55

قال حدثني محمد بن يحيى بن إسماعيل الصدفي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال قال رجل للأوزاعي يا أبا عمرو أيهما أحب إليك لا إله إلا الله مائة مرة أو سبحان الله مائتي مرة قال لا إله إلا الله وأخبرني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا أسلم بن عبد العزيز قال حدثني المزني عن الشافعي قال أفضل الدعاء يوم عرفة حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثنا محمد بن جرير بن يزيد قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان عن داود بن أبي هند عن محمد بن سيرين قال كانوا يرجون في ذلك الموطن يعني بعرفة حتى للجنين في بطن أمه قال أبو عمر لمالك عن زياد بن أبي زياد هذا مما يدخل في حكم هذا الباب لأنه توقيف في الأغلب مالك عن زياد بن أبي زياد قال قال أبو الدرداء ألا أخبركم بخير أعمالكم وأرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا
56

أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله قال زياد بن أبي زياد وقال أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله (1) وهذا يروى مسندا من طرق جيدة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر قال حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي الزبير عن طاوس عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن تضرب بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب
بسيفك حتى ينقطع ثم تضرب بسيفك حتى ينقطع (2)
57

حدثنا يحيى بن يوسف حدثنا يوسف بن أحمد حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا أبو عيسى الترمذي حدثنا الحسن بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن زياد مولى ابن عياش عن أبي بحرية عن أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم (1) فذكر الحديث في الموطأ سواء قال وقال معاذ بن جبل ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب النار من ذكر الله (2) وذكر ابن أبي شيبة قال حدثنا يحيى بن واضح عن موسى بن عبيدة عن أبي عبد الله القراظ عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله قال وحدثنا وكيع عن مسعر عن علقمة بن مرثد عن ابن سابط عن معاذ بن جبل قال لأن أذكر الله من غدوة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أحمل على الجهاد في سبيل الله
58

من غدوة إلى أن تطلع الشمس قال وحدثنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن بشر بن عاصم عن عبد الله بن عمر قال ذكر الله بالغداة والعشي أعظم من حطم السيوف في سبيل الله وإعطاء المال سحا (1)
59

زياد بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني أبو عبد الرحمن أصله من خراسان ونشأته بها ثم سكن مكة زمانا ثم تحول منها إلى اليمن فسكن عك (1) قال ابن عيينة هو من العرب وصحب الزهري إلى أرضه حين كتب عنه قال ابن عيينة وكان زياد بن سعد ثقة قال وكان لا يكتب إلا شيئا يحفظه إذا كان قصيرا وإن كان طويلا لم يرض إلا الإملاء قال وقال لي زياد بن سعد أنا لا أحفظ حفظك أنت أحفظ مني أنا بطيء الحفظ فإذا حفظت شيئا كنت أحفظ منك قال ابن عيينة وقال أيوب لزياد بن سعد متى سمعت من هلال بن أبي ميمونة ويحيى بن أبي كثير فقال سمعت منهما بالمدينة قال وكان زياد بن سعد خراسانيا
60

وذكر ابن أبي حازم عن مالك قال حدثني زياد بن سعد وكان ثقة من أهل خراسان سكن مكة وقدم علينا المدينة وله هيبة وصلاح وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن زياد بن سعد فقال ثقة وكذلك قال يحيى ابن معين زياد بن سعد خراساني ثقة قال أبو عمر أروى الناس عنه ابن جريج وكان شريكه ويقال ان زياد بن سعد كان أميا لا يكتب وفي خبر ابن عيينة ما يدل على أنه كان يكتب إلا إن أراد أنه كان يكتب له (1) فالله أعلم ولمالك عنه في الموطأ من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث أحدها متصل مسند والثاني مرسل عند أكثر الرواة والثالث موقوف
61

حديث أول لزياد بن سعد مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاوس اليماني أنه قال أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل شيء بقدر قال طاوس وسمعت عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز (1) هكذا رواه يحيى على الشك في تقديم إحدى اللفظتين وتابعه ابن بكير وأبو المصعب ورواه القعنبي وابن وهب موقوفا لم يزيدوا على قوله عن طاوس أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل شيء بقدر وأكثر الرواة ذكروا الزيادة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روى يحيى إلا أن منهم من لم يشك ورواه على القطع وهو حديث ثابت لا يجئ إلا من هذا الوجه فإن صح أن الشك من ابن عمر أو ممن هو دونه
62

ففيه دليل على مراعاة الإتيان بألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم على رتبتها وأظن هذا من ورع ابن عمر رحمه الله والذي عليه العلماء استجازة الإتيان بالمعاني دون الألفاظ لمن يعرف المعنى روى ذلك عن جماعة (1) (منهم) منصوصا ومن تأمل حديث ابن شهاب ومثله واختلاف أصحابهم عليهم في متون الأحاديث بأن له ما قلنا (2) وبالله توفيقنا وفي هذا الحديث أدل الدلائل وأوضحها على أن الشر والخير كل من عند الله وهو خالفهما لا شريك له ولا إله غيره لأن العجز شر ولو كان خيرا ما استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعاذ من الكسل والعجز والجبن والدين ومحال أن يستعيذ من الخير وفي قول الله عز وجل * (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) * 3 كفاية لمن وفق وقال عز وجل * (يضل من يشاء ويهدي من يشاء) * 4
63

وروى مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن دينار أنه قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول في خطبته أن الله هو الهادي والفاتن (1) وفيما أجاز لنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي (2) قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن بن وهب السقطي بالبصرة قال حدثنا أبو زيد خالد بن النصر قال حدثنا علي بن حرب أبو الحسن الموصلي قال حدثنا خالد بن يزيد العدوي قال حدثني عبد العزيز بن أبي رواد قال سمعت عطاء بن أبي رباح يقول كنت عند ابن عباس فأتاه رجل فقال أرأيت من حرمني الهدى وأورثني الضلالة والردى أتراه أحسن إلي أو ظلمني فقال ابن عباس إن كان الهدى شيئا كان لك عنده فمنعكه فقد ظلمك وإن كان الهدى له يؤتيه من يشاء فما ظلمك شيئا ولا تجالسني بعده وقد روى أن غيلان القدري وقف بربيعة بن أبي عبد الرحمن فقال له يا أبا عثمان أرأيت الذي منعني الهدى ومنحني الردى أأحسن إلي أم أساء فقال ربيعة إن كان
64

منعك شيئا هو لك فقد ظلمك وإن كان فضله يؤتيه من يشاء فما ظلمك شيئا وإنما أخذه ربيعة من قول ابن عباس هذا والله أعلم * (وما ربك بظلام للعبيد) * * (لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) * 2 و * (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) * 3 ذكر عبد الرزاق (4) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه قال له رجل يا أبا العباس أن ناسا يقولون إن الشر ليس بقدر فقال بيننا وبين أهل القدر هذه الآية * (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا) * الآية كلها حتى بلغ * (فلو شاء لهداكم أجمعين) * 5 وقال غيلان القدري لربيعة أنت الذي تزعم أن الله يحب أن يعصى قال وأنت تزعم أن الله يعصى قسرا أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا حمزة بن محمد حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا عمرو بن علي (6)
65

حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أنس أن نبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن (والهرم) (1) وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات (2) قال وأخبرنا أحمد بن شعيب أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا محاضر قال حدثنا عاصم الأحول عن عبد الله بن الحارث عن زيد بن أرقم قال
ألا أعلمكم ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن والهرم وعذاب القبر اللهم آت أنفسنا (3) تقواها (وزكها) أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع وعلم لا ينفع ودعوة لا يستجاب لها (4)
66

وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا أبو بكر بن عياش قال حدثنا إدريس ابن وهب بن منبه عن أبيه قال نظرت في القدر فتحيرت ثم نظرت فيه فتحيرت ووجدت أعلم الناس بالقدر أكفهم عنه وأجهل الناس به أنطقهم فيه وروى إسماعيل القاضي قال حدثنا نصر بن علي قال حدثنا الأصمعي قال سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول أشهد أن الله يضل ويهدي فإن قيل لي فسر قلت أغن عني نفسك قال الحسن بن علي الحلواني أملى علي علي بن المديني قال سألت عبد الرحمن بن مهدي عن القدر فقال لي كل شيء بقدر والطاعة بقدر والمعصية بقدر قال وقد أعظم الفرية من قال أن المعاصي ليست بقدر قال وقال لي عبد الرحمن بن مهدي العلم والقدر والكتاب سواء ثم عرضت كلام عبد الرحمن هذا على يحيى بن سعيد فقال لم يبق بعد هذا قليل ولا كثير
67

قال أبو عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود رواه أبو وائل وغيره عنه أنه قال إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا (1)
68

حديث ثان لزياد بن سعد مرسل مالك عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أنه سمعه يقول سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله ثم فرق بعد (1) هكذا رواه الرواة كلهم عن مالك مرسلا إلا حماد بن خالد الخياط فإنه وصله وأسنده وجعله عن مالك عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس فأخطأ فيه والصواب فيه من رواية مالك الإرسال كما في الموطأ لا من حديث أنس وهو الذي يصححه أهل الحديث فأما رواية حماد بن خالد عن مالك فحدثني خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران
69

السراج حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي حدثنا حماد بن خالد الخياط حدثنا مالك عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس قال سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ما شاء الله أن يسدل ثم فرق بعد وهكذا رواه صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه كما رواه أخوه عبد الله عن أبيه عن حماد بن خالد عن مالك عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس ورواه إسحاق بن داود عن أحمد بن حنبل عن حماد بن خالد عن مالك عن الزهري عن أنس لم يذكر زياد بن سعد فأخطأ فيه أيضا حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا حماد بن خالد قال حدثنا مالك بن أنس قال حدثنا زياد بن سعد
70

عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سدل ناصيته ما شاء الله أن يسدلها ثم فرق بعد قال أحمد بن حنبل وهذا خطأ وإنما هو عن ابن عباس قال أبو عمر ما قاله أحمد فهو الصواب كذلك رواه يونس بن يزيد وإبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري قال حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الضحاك قال حدثنا أبو مروان العثماني قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال سدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال أخبرنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله
71

عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه وإن أهل الكتاب يسدلون شعورهم وكان المشركون يفرقون شعورهم فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد (1) وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا محمد بن جعفر الوركاني قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال كان أهل الكتاب يسدلون شعورهم وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد (2) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا المطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله
72

ابن صالح قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس فذكره وكذلك رواه ابن وهب عن يونس عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس مثله مرفوعا حدثناه عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا علي بن محمد ابن مسرور قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا سحنون ابن سعيد قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه (1) ورواه معمر وابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله مرسلا لم يذكرا ابن عباس قال محمد بن يحيى النيسابوري والصحيح المحفوظ
73

ما رواه يونس وإبراهيم بن سعد قال وما أظن ابن عيينة سمعه من الزهري قال أبو عمر في هذا الحديث من الفقه ترك حلق شعر الرأس وحبس الجمم وفيه دليل على أن حبس الجمة أفضل من الحلق لأن ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصته أفضل مما أقر الناس عليه ولم ينههم عنه لأنه في كل أحواله في خاصة نفسه على أفضل الأمور وأكملها وأرفعها صلى الله عليه وسلم وفيه أيضا من الفقه أن الفرق في الشعر سنة وأنه أولى من السدل لأنه آخر ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الفرق لا يكون إلا مع كثرة الشعر وطوله والناصية شعر مقدم الرأس كله وسدله تركه منسدلا سائلا على هيئته والتفريق أن يقسم شعر ناصيته يمينا وشمالا فتظهر جبهته وجبينه من الجانبين والفرق سنة مسنونة
74

وقد قيل أنها من ملة إبراهيم وسنته صلى الله عليه وسلم ذكر الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله عز وجل * (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) * 1
قال الكلمات عشر خصال خمس منها في الرأس وخمس في الجسد فأما التي في الرأس ففرق الشعر وقص الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق وأما التي في البدن فالختان وحلق العانة والاستنجاء ونتف الإبط وتقليم الأظافر (2) وقوله (فأتمهن) أي عمل بهن قال أبو عمر يؤكد هذا قول الله عز وجل * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) * 3 الآية وقوله تبارك وتعالى * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) * 4 حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو منصور محمد بن سعد الماوردي قال حدثنا محمد بن جعفر بن سلام
75

ويحيى بن محمد بن صاعد قالا حدثنا الجراح بن مخلد قال حدثنا قريش بن إسماعيل بن زكرياء الكوفي قال حدثنا الحارث بن عمران عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اختضبوا وفرقوا (1) وخالفوا اليهود (2) وهذا إسناد حسن ثقات كلهم (3) وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد حدثنا أبي حدثنا محمد بن فطيس حدثنا يحيى بن إبراهيم حدثنا عيسى ابن دينار عن ابن القاسم عن مالك قال رأيت عامر بن عبد الله بن الزبير وربيعة بن أبي عبد الرحمن وهشام بن عروة يفرقون شعورهم وكانت لهم شعور وكانت لهشام جمة إلى كتفيه حدثنا عبد الرحمن حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد الليثي أن عمر بن عبد العزيز كان إذا انصرف من الجمعة
76

أقام على باب المسجد حرسا يجزون كل شين الهيئة في شعره لم يفرقه أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر يعني الأثرم قال سألت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل عن صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلم فقال جاء في الحديث أنه كان إلى شحمة أذنيه (1) وفي بعض الحديث إلى منكبيه (2) وفي بعض الحديث أنه فرق قال وإنما يكون الفرق إذا كان له شعر قال وأحصيت عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كان لهم شعر فذكر منهم أبا عبيدة ابن الجراح وعمار بن ياسر والحسن والحسين وعن ابن مسعود أن شعره كان يبلغ ترقوته وأنه كان إذا صلى جعله وراء أذنيه قال أبو عمر فيما حكاه أحمد بن حنبل رحمه الله أنه أحصى من
77

الصحابة ثلاثة عشر رجلا لهم شعر دليل على أن غيرهم وهم الأكثر لم يكن لهم شعر على تلك الهيئة والشعر الذي يشير إليه هي الجمة والوفرة وفي هذا دليل على إباحة الحلق وعلى حبس الشعر لأن الهيئتين جميعا قد أقر عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ولم ينه عن شيء منهما فصار كل ذلك مباحا بالسنة وبالله التوفيق وأما الحلق المعروف عندهم فبالجلمين (1) لأن الحلق بالموسى لم يكن معروفا عندهم في غير الحج والله أعلم هذا قول طائفة من أصحابنا وأما غيرهم فيقول أن الحلق بالموسى لما كان سنة ونسكا في موضع وجب أن يتبرك به ويستحب على كل حال ولا يقضى بوجوبه سنة ولا نسكا إلا في ذلك الموضع ولا وجه لكراهية من كرهه ولا حجة معه من كتاب ولا سنة ولا إجماع وإنما هو رأي واستحسان جائز خلافه إلى مثله ذكر الحلواني قال حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه كان يستحب أن يوفر شعر رأسه إذا أراد الحج قال وحدثنا عمرو بن عون
78

عن هشيم عن يونس عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ شعره عند الإحرام وذكر موسى بن هارون الحمال قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن محمد البخاري (1) قال أخبرنا عبد الرحمن بن زيد أنه رأى أباه وأبا حازم وصفوان بن سليم وابن عجلان إذا دخل الصيف حلقوا رؤوسهم قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وكان أبي إذا تخلف عن الحج حلق يوم الأضحى قال أبو عمر قد كان مالك رحمه الله يكره حلق القفا وما أدري إن كان كرهه مع حلق الرأس أو مفردا وهذا ليس من شرائع الأحكام ولا من الحلال والحرام والقول في حلق الرأس يغني عن القول في حلق القفا والقول في ذلك واحد عند العلماء والله أعلم وقد يجوز أن تكون كراهية مالك لحلق القفا هو أن يرفع في حلقه حتى يحلق بعض مؤخر الرأس على ما تصنعه الروم وهذا تشبه لأنا قد روينا عن مالك أنه قال أول من حلق قفاه عندنا دراقس النصراني
79

قال أبو عمر قد حلق الناس رؤوسهم وتقصصوا وعرفوا كيف ذلك قرنا بعد قرن من غير نكير والحمد لله قال أبو عمر صار أهل عصرنا لا يحبس الشعر منهم إلا الجند عندنا لهم الجمم والوفرات وأضرب عنها أهل الصلاح والستر والعلم حتى صار ذلك علامة من علاماتهم وصارت الجمم اليوم عندنا تكاد تكون علامة السفهاء وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من تشبه بقوم فهو منهم أو حشر معهم (1) فقيل من تشبه بهم في أفعالهم وقيل من تشبه بهم في هيئاتهم وحسبك بهذا فهو مجمل في الاقتداء بهدى من الصالحين على أي حال كانوا والشعر والحلق لا يغنيان يوم القيامة شيئا وإنما المجازاة على النيات والأعمال فرب محلوق خير من ذي شعر ورب ذي شعر رجلا صالحا وقد كان التختم في اليمين مباحا حسنا لأنه قد تختم به جماعة من السلف في اليمين كما تختم منهم جماعة في الشمال وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
80

الوجهان جميعا فلما غلبت الروافض على التختم في اليمين ولم يخلطوا به غيره كرهه العلماء منابذة لهم وكراهية للتشبه بهم لا أنه حرام ولا أنه مكروه وبالله التوفيق حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا أبو عاصم النبيل قال حدثنا ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة أن رجلا سأله كيف أصب على رأسي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب على رأسه ثلاث حثيات قال إن شعري كثير قال كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من شعرك وأطيب (1) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد ابن أحمد قال حدثنا الخضر قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو جعفر النفيلي قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة دون الجمة (2) وقال أبو بكر الأثرم حدثنا عفان قال
81

حدثنا همام قال حدثنا قتادة عن أنس قال كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب منكبيه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا شعبة قال أخبرنا أبو إسحاق قال سمعت البراء يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيد ما بين منكبيه يبلغ
شعره شحمة أذنيه (1) وروى حميد عن أنس مثل حديث البراء سواء
82

حديث ثالث لزياد بن سعد مالك عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أنه قال لا يؤخذ في صدقة النخل الجعرور ولا مصران الفارة ولا عذق ابن حبيق قال وهو يعد على صاحب المال ولا يؤخذ منه في الصدقة (1) وهذا مروي عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا يرويه سفيان بن حسين وسليمان بن كثير عن ابن شهاب أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور
83

ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة (1) قال الزهري لونين من تمر المدينة قال أبو داود أسنده أيضا سليمان بن كثير عن الزهري حدثنا أبو الوليد عنه (2) حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا سليمان بن كثير قال حدثنا الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لونين من التمر الجعرور ولون الحبيق قال ونزلت * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * 3 قال الأصمعي الجعرور ضرب من الدقل يحمل شيئا صغارا لا خير فيه قال وعذق ابن حبيق ضرب من الدقل رديء والعذق النخلة بفتح العين والعذق بالكسر الكباسة كأن التمر سمي باسم النخلة إذ كان منها
84

قال الأصمعي وعذق ابن حبيق أو لون الحبيق نحو ذلك لأن الدقل يقال له الألوان وأحدها لون والمعنى أن لا يؤخذ هذان الضربان من التمر في الصدقة لردائتهما وكان الناس يخرجون شرار ثمارهم في الصدقة فنهوا عن ذلك وأنزل الله عز وجل * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * وأخبرنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن وهب قال حدثني عبد الجليل بن حميد اليحصبي أن ابن شهاب حدثه قال حدثنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف في هذه الآية التي قال الله عز وجل * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * قال هو الجعرور ولون حبيق فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذا (1) في الصدقة (2) وفي هذا الباب أيضا حديث عوف بن مالك حدثناه عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا نصر بن عاصم (3) وحدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قالا حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد
85

الحميد بن حعفر قال حدثني صالح مولى ابن أبي عريب عن كثير بن مرة عن عوف بن مالك قال دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وبيده عصا وقد علق رجل قنا حشفا فطعن بالعصا في ذلك التمر (1) وقال لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها إن رب هذه الصدقة يأكل حشفا يوم القيامة (2) وذكر وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن قال كان الرجل يتصدق برذالة (3) ماله فنزلت هذه الآية * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * قال وحدثنا عمران بن حدير (4) عن الحسن في قوله ((ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه)) قال لو وجدتموه يباع في السوق ما أخذتموه حتى يهضم لكم من الثمن
86

وذكر الفريابي عن قيس بن الربيع عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن معقل (1) قال نزلت في قوم أخرجوا في زكاة أموالهم الحشف والدرهم الرديء قال ((ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه)) قال ولو أن لك حقا على رجل لم تأخذ ذلك منه (2) قال وحدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانوا يتصدقون بالحشف فنهوا عن ذلك وأمروا أن يتصدقوا بطيب قال وفي ذلك نزلت * (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) * الآية قال أبو عمر هذا باب مجتمع عليه لا اختلاف فيه أنه لا يؤخذ هذان اللونان من التمر في الصدقة إذا كان معهما غيرهما فإن لم يكن معهما غيرهما أخذ منهما وكذلك الرديء كله لا يؤخذ منه إذا كان معه غيره لأنه حينئذ تيمم للخبيث إذا أخرج عن غيره
87

قال مالك لا يأخذ المصدق الجعرور ولا مصران الفارة ولا عذق ابن حبيق ولا يأخذ البردى والبردى من أجود التمر فأراد مالك أن لا يأخذ الرديء جدا ولا الجيد جدا ولكن يأخذ الوسط (1) قال مالك ومثل ذلك السخال (من الغنم) تعد مع الغنم على صاحبها ولا تؤخذ (2)
88

باب الطاء (1) طلحة بن عبد الملك الأيلي روى عنه مالك حديثا واحدا مسندا صحيحا وليس عند يحيى عن مالك وقد رواه القعنبي وأبو المصعب وابن بكير والتنيسي وابن وهب وابن القاسم وجماعة الرواة للموطأ فكرهنا أن نخلي كتابنا من ذكره لأنه أصل من أصول الفقه وما أظنه سقط عن أحد من الرواة إلا عن يحيى ابن يحيى فإني رأيته لأكثرهم والله أعلم وقد رواه من غير رواة الموطأ قوم جلة عن مالك منهم يحيى بن سعيد القطان وأبو نعيم وعبد الله بن إدريس وغيرهم
89

وهو حديث يدور على طلحة بن عبد الملك الأيلي هذا وهو ثقة مرضي حجة فيما نقل (1) روى عنه مالك وعبيد الله بن عمر (بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب) على أن عبيد الله بن عمر قد لقي القاسم بن محمد وروى عنه حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن المسور قال حدثنا مطلب بن شعيب حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن مالك بن أنس عن طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (2) حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن ابن أحمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب الرقي قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا
90

عمرو بن علي (وعمر بن علي) المقدمي (1) قال حدثنا عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس عن طلحة بن عبد الملك عن قاسم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه وحدثنا خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا الحسن ابن أبي هلال قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن مالك قال حدثنا طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (2) وحدثنا خلف بن القاسم حدثنا عبد الله بن جعفر
91

حدثنا يوسف بن يزيد (1) حدثنا عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره سواء وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى ابن سعيد عن مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال أخبرنا يوسف بن أحمد أبو يعقوب الصيدلاني بمكة قال حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا أبو نعيم قال أخبرنا مالك بن أنس عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (2) قال العقيلي وحدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن فضيل قال حدثنا ابن نمير قال حدثنا عبيد
92

الله بن عمر عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (1) وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا ابن منيع قال حدثنا خلف بن هشام البزار سنة ست وعشرين ومائتين قال قيل لمالك بن أنس وأنا أسمع حدثك طلحة بن عبد الملك عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه فقال مالك نعم وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي قال حدثنا محمد بن يحيى قال سمعت خلف بن هشام البزار يقول قيل لمالك ابن أنس وأنا أسمع حدثك طلحة بن عبد الملك الأيلي عن القاسم (بن محمد) عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه فقال مالك نعم وحدثني محمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا خلف بن هشام
93

البزار قال قيل لمالك بن أنس وأنا أسمع حدثك طلحة ابن عبد الملك الأيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه قال مالك نعم حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا الحسن بن الخضر الأسيوطي وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن محمد بن عثمان بن أبي التمام وأحمد ابن محمد بن موسى بن عيسى الحضرمي قالوا حدثنا أحمد بن شعيب النسائي قال أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه (1) قال أبو عمر زعم قوم أن هذا الحديث لم يروه عن القاسم بن محمد إلا طلحة بن عبد الملك هذا وقد وجدناه لمحمد بن أبان عن القاسم بن محمد مثله حدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا أبان بن يزيد
94

قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن أبان عن القاسم بن محمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من نذر أن يعصي الله فلا يعصه وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن أحمد ابن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا هدبة ابن خالد قال حدثنا أبان بن يزيد قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن أبان عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء ليس فيه ذكر الطاعة ومحمد بن أبان هذا هو محمد بن أبان المزني اليمامي (1) ليس هو محمد بن أبان بن صالح الكوفي ذاك ضعيف عندهم (2) وقيل أن محمد بن أبان هذا لم يرو عنه إلا يحيى بن أبي كثير وهو مجهول وقال آخرون هو مدني معروف روى عنه الأوزاعي أيضا وله عن القاسم وعروة وعون بن عبد الله رواية وهذا هو الصحيح
95

وهو شيخ يمامي ثقة وحسبك برواية يحيى بن أبي كثير والأوزاعي عنه وفي هذا الحديث من الفقه ما يرد قول العراقيين فيمن نذر معصية أن عليه كفارة يمين مع تركها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر في هذا الحديث بكفارة لمن نذر المعصية وإنما أمر بترك المعصية لا غير وأما حديث ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين (1) فحديث منكر عند جماعة أهل العلم بالحديث وإنما انفرد به عن الزهري سليمان ابن أرقم (2) وسليمان بن أرقم متروك الحديث عند جميعهم وكذلك أيضا حديث عمران بن حصين في ذلك لا يصح (3) لأنه يدور على محمد بن الزبير الحنظلي وهو ضعيف في حديثه مناكير لا يختلفون في ذلك (4)
96

وعلى ما ذكرت لك أن لا كفارة على من نذر معصية إلا تركها فقهاء الحجازيين منهم مالك والشافعي ومن تابعهم وفي هذا الحديث من الفقه أن كل من جعل على نفسه نذرا أن يعصي الله كالجاعل عليه إن الله شفى مريضه أو رد غائبه أو نحو ذلك أن يشرب الخمر أو يقتل أو يزني أو يظلم أحدا ونحو ذلك من المعاصي صغائرها وكبائرها وكالقائل مبتدئا لله علي أن أقتل فلانا أو أشهد عليه بزور أو أبغي عليه وأشفي غيظي بأذاه وما أشبه ذلك من قليل المعاصي وكثيرها فلا يلزمه شيء في ذلك كله لأنه من خطوات الشيطان وعليه تركه فرضا واجبا ولا كفارة عليه غير ذلك بظاهر هذا الحديث لأنه لم يأمره فيه النبي صلى الله عليه وسلم بكفارة وكذلك من نذر ما ليس بطاعة فليس عليه الوفاء به عند مالك ولا كفارة عليه وقال مالك في تأويل هذا الحديث إن حلف أن يمشي إلى الشام أو إلى مصر وأشباه ذلك مما ليس فيه طاعة فليس عليه في ذلك شيء لأنه ليس لله تعالى فيه طاعة (1) وأما قول مالك فيمن قال أنا أحمل هذا العمود أو غيره
97

إلى مكة طلب المشقة فليحج غير حامل شيئا ويهدي (1) فقد أنكروا عليه إيجاب الهدي في هذا ومثله وقد مضى القول في هذه المسألة في باب ثور بن زيد (2) والحمد لله وقد اختلف الصحابة والتابعون وسائر الفقهاء في مسائل من هذا الباب نحو قول الإنسان علي نذر أن أنحر ابني عند مقام إبراهيم وما أشبه ذلك واختلف أيضا فيه قول مالك (3) والذي يوجبه ظاهر هذا الحديث أن لا شيء عليه وهو الصواب من القول في ذلك والله أعلم (وسنذكر اختلاف العلماء في هذا الباب وحجة كل فرقة منهم إن شاء الله في غير هذا الموضع) وأما من نذر شيئا لله فيه طاعة فواجب عليه الإتيان به كالصلاة والصيام والصدقة والعتق وما أشبه ذلك من طاعة الله وهذا ما لا خلاف بين علماء المسلمين فيه ويشد ذلك قول الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * 4 وتأويل ذلك العقود التي لا معصية فيها لبيان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذلك
98

فمن قال لله علي نذر إن لم أشرب الخمر ولم أقتل فلانا فإنما هو رجل نذر نذرا لم يجعل له مخرجا إن سلمه الله من قتل فلان أو من شرب الخمر فعليه أن يفي بنذره وكل نذر لا مخرج له ولا نية لصاحبه فكفارته كفارة يمين ثبتت بذلك السنة وعلى ذلك جمهور علماء الأمة فأغنى عن الإكثار فيه وقد ذكرناه مجودا في باب ابن شهاب (1) عن عبيد الله بن عبد الله والحمد لله وقد أثنى الله تعالى على قوم كانوا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا (2) ومن نذر ما لا معصية فيه ولا طاعة فقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال قوم واجب عليه الإتيان بذلك لأنه مباح وقال آخرون لا يجب عليه من النذر إلا ما كان لله فيه طاعة وقصة أبي إسرائيل من حديث جابر وابن عباس (3) تدل على صحة هذا القول وقد ذكرنا ذلك في باب ثور (4) بن زيد من كتابنا هذا وبالله تعالى التوفيق
99

قال أبو عمر لم يفت يحيى بن يحيى في الموطأ حديث من أحاديث الأحكام مما رواه غيره في الموطأ إلا حديث طلحة بن عبد الملك هذا وسائر ما رواه غيره من الأحاديث في الموطأ إنما هي أحاديث من أحاديث الجامع ونحوه ليست في أحكام وأكثرها أو كلها معلولة مختلف فيها عن مالك وقد توبع يحيى تابعه جماعة من رواة الموطأ على سقوط كل ما أسقط من تلك الأحاديث من الموطأ إلا حديث طلحة هذا وحده وما عداه فقد تابعه على سقوطه من الموطأ قوم وخالفه آخرون وقد ذكرنا ذلك في آخر هذا الباب ويحيى آخرهم عرضا وما سقط من روايته فعن اختيار مالك وتمحيصه والله أعلم 1
100

باب الميم (1) محمد بن شهاب الزهري (2) وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله ابن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي هكذا نسبه مصعب الزبيري وغيره ليس في ذلك اختلاف قال مصعب وأمه من بني الدئل بن عبد مناة بن كنانة (3) قال أبو عمر كنيته أبو بكر وكان من علماء التابعين وفقهائهم مقدم في الحفظ والإتقان والرواية والاتساع إمام جليل من أئمة
101

الدين أدرك جماعة من الصحابة وروى عنهم منهم أنس بن مالك وسهل بن سعد وعبد الرحمن بن أزهر الزهري وسنين أبو جميلة السلمي ومنهم عبد الله بن عمر فيما ذكره معمر عن ابن شهاب أنه سمع منه حديثه في الحج مع الحجاج (1) وقيل أنه سمع منه حديثين وقيل ثلاثة وقد ذكرنا من صحح ذلك ومن نفاه في باب ابن شهاب عن سالم من هذا الكتاب (2) وسمع ابن شهاب من جامعة أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وهم صغار مثل محمود بن الربيع (وعبد الله بن عامر بن ربيعة) وأبي الطفيل والسائب بن يزيد ونظرائهم وقد روى عن عمرو بن دينار أنه ذكر عنده الزهري فقال وأي شيء عنده أنا لقيت جابرا ولم يلقه ولقيت ابن عمر ولم يلقه ولقيت ابن عباس ولم يلقه فقدم الزهري مكة فقيل لعمرو قد جاء الزهري فقال احملوني إليه وكان قد أقعد فحمل إليه فلم يأت أصحابه إلا بعد هوى (3) من الليل فقيل له كيف رأيت فقال والله ما رأيت مثل هذا القرشي قط أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد
102

ابن يونس قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون قال قلت لابن شهاب يا أبا بكر في حديث ذكره وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال جالست جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وابن الزبير فلم أر أحدا أنسق للحديث من الزهري حدثني خلف بن القاسم بن سهل الحافظ قال حدثنا أبو الميمون عبد الرحمن (1) بن عمر البجلي بدمشق قال حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم قال حدثنا أيوب بن سويد عن الأوزاعي قال ما داهن ابن شهاب ملكا من الملوك قط إذ دخل عليه ولا أدركت خلافة هشام أحدا من التابعين أفقه منه وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الرحمن بن عمر قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا هشام بن خالد قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال سمعت مكحولا يقول ابن شهاب أعلم بالناس
103

قال الوليد وسمعت سعيد بن عبد العزيز يقول ما ابن شهاب الا بحر وحدثني خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الميمون قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمن قال حدثنا ابن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم قال قلت لمكحول من أعلم الناس قال ابن شهاب قلت ثم من قال ابن شهاب (1) أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا ابن البرقي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول عن مكحول قال ما بقي على ظهرها أعلم بسنة ماضية من الزهري (2) وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا ابن البرقي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت سعيد بن بشير
104

يذكر (1) عن قتادة قال ما بقي على ظهرها (2) إلا اثنان الزهري وآخر فظننا أنه يعني نفسه وحدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثت عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال حدثني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال ما جمع أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جمع الزهري وذكر الحسن بن علي الحلواني (في كتاب المعرفة) قال حدثنا محمد بن عيسى (قال حدثنا إسحاق بن عيسى) الطباع قال حدثني إبراهيم بن سعد عن أبيه قال ما وعى أحد من العلم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وعى ابن شهاب وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو مسلم قال حدثنا سفيان قال قال الهذلي جالست الحسن وابن سيرين فما رأيت مثله يعني الزهري
105

قال سفيان كانوا يقولون ما بقي من الناس أحد أعلم بالسنة منه حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الرحمن بن عمر قال حدثنا أبو زرعة قال حدثني معن بن الوليد قال حدثنا جنادة بن محمد المري (1) قال حدثنا مخلد بن حسين عن الأوزاعي عن سليمان بن حبيب المحاربي قال قال لي عمر بن عبد العزيز ما أتاك به الزهري بسنده فاشدد به يديك وأخبرنا عبد الرحمن بن مروان قال حدثنا الحسن بن يحيى القلزمي (2) قال حدثنا حاتم بن سهل قال حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا ابن مهدي قال حدثنا وهيب قال سمعت أيوب يقول ما رأيت أحدا أعلم من الزهري فقيل له ولا الحسن قال ما رأيت أعلم من الزهري وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن
أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن وهيب
106

قال سمعت أيوب يقول ما رأيت (أحدا) أعلم من الزهري فقال له صخر بن جويرية ولا الحسن فقال ما رأيت أعلم من الزهري (1) وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الرحمن بن عمر قال حدثنا أبو زرعة قال حدثني أحمد قال حدثنا مروان بن محمد قال سمعت مالك بن أنس يقول أخذت بلجام بغلة الزهري فسألته أن يعيد على حديثا فقال ما استعدت حديثا قط حدثنا عبد الله حدثنا أحمد حدثنا محمد حدثنا الزبير بن أبي بكر حدثنا إسماعيل بن أبي أويس (حدثنا مالك) قال حدثنا ابن شهاب أربعين حديثا فتوهمت في حديث منها فانتظرته حتى خرج ثم سألته وأخذت بلجام بغلته عن الحديث الذي شككت فيه فقال أو لم أحدثكه قلت بلى ولكني توهمت فيه فقال لقد فسدت الرواية خل لجام البغلة فخليته ومضى أخبرنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا أبو صالح عن الليث بن سعد قال ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب ولا أكثر علما
107

ولو سمعت ابن شهاب يحدث بالترغيب لقلت ما يحسن إلا هذا وإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب قلت لا يحسن إلا هذا وإن حدث عن العرب والأنساب قلت لا يحسن إلا هذا وإن حدث عن القرآن والسنة كان حديثه (1) وذكر الحلواني قال حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة قال قلت لعراك بن مالك من أفقه أهل المدينة فقال أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وأفقههم فقها وأعلمهم بما مضى من أمر الناس فسعيد بن المسيب وأما أعزرهم حديثا فعروة بن الزبير ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بن عبد الله بحرا إلا فجرته قال عراك وأعلمهم عندي ابن شهاب لأنه جمع علمهم جميعا إلى علمه حدثنا خلف بن أحمد حدثنا أحمد بن سعيد حدثنا أحمد بن خالد حدثنا مروان حدثنا أبو حاتم حدثنا الأصمعي حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون قال سمعت ابن شهاب يقول ما كتبت شيئا قط ولقد وليت الصدقة فأتيت سالم بن عبد الله فأخرج إلى كتاب
108

الصدقة فقرأه علي فحفظته وأتيت إلى (أبي بكر (1)) ابن حزم فقرأ على كتاب العقول فحفظته أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا الزبير بن أبي بكر قال حدثني إبراهيم بن المنذر عن عبد العزيز بن عمران (2) أن عبد الملك كتب إلى أهل المدينة يعاتيهم فوصل كتابه في طومار (3) فقرىء (الكتاب) على الناس على المنبر فلما فرغوا وافترق الناس اجتمع إلى سعيد بن المسيب جلساؤه فقال لهم سعيد ما كان في كتابكم فإنا نود أن نعرف ما فيه فجعل الرجل منهم يقول فيه كذا (وكذا) والآخر يقول فيه كذا وكذا (أيضا) فلم يشتف سعيد فيما سأل عنه فقال لابن شهاب فقال أتحب (يا أبا محمد) أن تسمع كل ما فيه (كاملا) قال نعم
109

قال فأمسك فهذه والله هذا (1) كأنما هو في يده فقرأه حتى أتى على آخره قال وقال ابن شهاب ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته أخبرنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا دحيم حدثنا عبد الأعلى أبو مسهر قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال كان سليمان بن موسى يقول إذا جاءنا العلم من الحجاز عن الزهري قبلناه وإن جاءنا من العراق عن الحسن قبلناه وإن جاءنا من الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه وإن جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه قال سعيد كان هؤلاء الأربعة علماء الناس في خلافة هشام حدثنا خلف بن أحمد حدثنا أحمد بن سعيد قال سمعت عبد الله بن جعفر (أبا) القاسم القزويني (2) يقول سمعت طاهر بن خالد بن نزار يقول سمعت أبي يقول سمعت القاسم بن مبرور يقول سمعت يونس بن يزيد
110

يقول كان ابن شهاب إذا دخل رمضان فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام وكان ابن شهاب أكرم الناس وأخباره في الجود كثيرة (جدا) نذكر منها لمحة دالة أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا (أحمد بن محمد) بن إسماعيل حدثنا محمد بن الحسن حدثنا الزبير بن أبي بكر القاضي حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال ما رأيت أنص للحديث من ابن شهاب ولا رأيت أجود منه ما كانت الدنانير والدراهم عنده إلا بمنزلة البعر قال الزبير وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري عن عمه موسى بن عبد العزيز قال كان ابن شهاب إذا أبى أحد من أصحاب الحديث (أن) (1) يأكل طعامه حلف أن لا يحدثه عشرة أيام وذكر ابن وهب عن مالك قال قيل لابن شهاب لو جلست إلى سارية تفتي الناس قال إنما يجلس هذا المجلس من زهد في الدنيا وذكر الحلواني حدثنا أبو صالح عن الليث عن ابن شهاب أنه قال ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته
111

قال (الحلواني) وحدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا مطرف قال سمعت مالكا يقول ما رأيت محدثا فقيها إلا واحدا قلت من هو قال ابن شهاب وقال عبيد الله بن سعيد أبو قدامة (1) سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول ما أحد أعلم بحديث المدنيين من الزهري وبعد الزهري يحيى بن أبي كثير وليس مرسل أصح من مرسل الزهري لأنه حافظ وقال ابن المبارك حديث الزهري عندنا كأخذ باليد قال ورأى الزهري أحب إلى من حديث أبي حنيفة قال أبو عمر أخبار الزهري أكثر من أن تحوى في كتاب فضلا عن أن تجمع في باب وإنما ذكرت منها هاهنا طرفا دالا على موضعه ومكانه من العلم وإمامته وحفظه وكان نقش خاتم الزهري محمد يسأل الله العافية ومما ينشد لابن شهاب يخاطب أخاه عبد الله
* أقول لعبد الله يوم لقيته
* وقد شد أحلاس المطى مشرقا
* تتبع خبايا الأرض وادع مليكها
* لعلك يوما أن تجاب فترزقا
*
112

وقد روى أنه قالها لعبد الله بن عبد الملك بن مروان وهي أبيات وولد رحمه الله سنة إحدى وخمسين وقبل سنة ثمان وخمسين في آخر خلافة معاوية وهي السنة التي توفيت فيها عائشة أم المؤمنين وأبو هريرة ومات رضي الله عنه سنة أربع وعشرين ومائة في شهر رمضان ليلة سبع عشرة منه وهو ابن ست وستين (سنة) (وذلك قبل موت هشام بعام) وقيل أنه مات وهو ابن اثنتين وسبعين سنة ودفن على قارعة الطريق ليدعى له وكانت وفاته بضيعة له (1) بناحية شغب وبدا (2) مرض (3) هنالك وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق فدفن بموضع يقال له ادامى (4) وهي خلف شغب وبدا وهي أول عمل فلسطين وآخر عمل الحجاز
113

هذا كله قول الواقدي ومصعب الزبيري والزبير بن بكار والطبري وغيرهم دخل كلام بعضهم في بعض والله المستعان ولابن شهاب في الموطأ رواية يحيى بن يحيى عن مالك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأحد (1) وثلاثون حديثا منها متصلة مسندة اثنان وتسعون حديثا وسائرها منقطعة مرسلة فأول المسند ما رواه عن أنس بن مالك وذلك خمسة أحاديث
114

حديث أول لابن شهاب عن أنس قد ذكرنا أنس بن مالك في كتابنا (1) في الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهاجر أخاه فوق ثلاث ليال (2) هكذا قال يحيى يهاجر وسائر الرواة للموطأ يقول يهجر واختصر هذا الحديث (أبو نعيم) الفضل بن دكين فخالف في لفظه جماعة الرواة عن مالك فقال فيه حدثنا مالك عن ابن شهاب الزهري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام يلقاه هذا فيعرض عنه وأيهما بدأ بالسلام سبق إلى الجنة
115

حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين فذكره وقد زاد سعيد بن أبي مريم في هذا الحديث عن مالك ولا تنافسوا أخبرنا أحمد بن فتح وعبد الرحمن بن يحيى قالا حدثنا حمزة بن محمد الكناني قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر قال حدثنا سعيد بن أبي مريم (قال حدثنا مالك) عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال قال حمزة لا أعلم أحدا قال في هذا الحديث عن مالك ولا تنافسوا غير سعيد بن أبي مريم وقد روى هذه اللفظة ولا تنافسوا عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أنس (1) وفي هذا الحديث من الفقه أنه لا يحل التباغض لأن التباغض مفسدة للدين حالقة له ولهذا أمر صلى الله عليه وسلم بالتواد والتحاب حتى قال تهادوا تحابوا (2)
116

وروى مالك عن يحيى بن سعيد قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة قالوا بلى قال صلاح (1) ذات البين وإياكم والبغضة فإنها (هي) الحالقة (2) وكذلك لا يحل التدابر والتدابر الإعراض وترك الكلام والسلام (ونحو هذا) وإنما قيل للأعراض تدابر لأن من أبغضته أعرضت عنه ومن أعرضت عنه وليته دبرك وكذلك يصنع هو بك ومن أحببته أقبلت عليه وواجهته لتسره ويسرك فمعنى تدابروا وتقاطعوا وتباغضوا معنى متداخل متقارب كالمعنى الواحد في الندب إلى التواخي والتحاب فبذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى هذا الحديث وغيره وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوجوب حتى يأتي دليل يخرجه إلى معنى الندب وهذا الحديث وإن كان ظاهره العموم فهو عندي مخصوص بحديث كعب بن مالك حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يهجروه ولا يكلموه هو وهلال بن أمية ومرارة بن ربيعة لتخلفهم عن غزوة تبوك حتى أنزل الله عز وجل توبتهم (3)
117

وعذرهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصحابه) أن يراجعوهم الكلام (1) وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت (له) منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديبا له وزجرا عنها والله أعلم وكذلك قوله أيضا في هذا الحديث لا تحاسدوا يقتضي النهي عن التحاسد وعن الحسد في كل شيء على ظاهره وعمومه إلا أنه أيضا عندي مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار هكذا رواه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به ليله ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها فكأنه صلى الله عليه وسلم على ترتيب الأحاديث وتهذيبها قال لا حسد ولكن الحسد ينبغي أن يكون في قيام الليل والنهار بالقرآن وفي نفقة المال في حقه وتعليم العلم أهله
118

ولا هجرة إلا لمن ترجو تأديبه (بها) أو تخاف (من) شره في بدعة أو غيرها (والله أعلم) أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو جعفر محمد بن يحيى بن عمر الطائي قال حدثنا علي بن حرب الطائي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين (رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار) ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار (1) وقد روى هذا الحديث عن مالك عن الزهري عن سالم عن أبيه ولكنه غريب لمالك (وهو لا يصلح له) وهو صحيح من حديث الزهري وروى يزيد بن الأخنس (2) وكانت له صحبة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ابن عمر هذا سواء وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن
119

يوسف قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل قال حدثنا قيس عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها (1) وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون عن شيبان وهشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش ين الوليد بن هشام زاد شيبان عن مولى الزبير عن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء حالقتا الدين لا حالقتا الشعر قال أبو معاوية يعني شيبان في حديثه والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم (2)
120

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني يعيش بن الوليد أن مولى الزبير بن العوام حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء وذكر الحديث حدثني عبد الرحمن بن مروان قال حدثنا أحمد بن سليمان بن عمرو البغدادي (بمصر) قال حدثنا أبو عبد الله الحسن بن محمد بن عفير الأنصاري قال حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات الأصبهاني قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن أنس قال كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة قال فطلع رجل من الأنصار وقد توضأ ولحيته تنطف (ماء) من وضوئه وقد علق نعليه بيده الشمال فسلم فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته الأولى فطلع ذلك الرجل على مثل هيئته فأما قام
121

تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص وقال أنه لاحيت (1) أبي وأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت إن آوى عندك حتى تمضي الثلاث فعلت فبات معه ثلاثا فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعار (2) من الليل أو تقلب على فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الصبح قال فلما مضت الثلاث ليال وكدت أحتقر عمله قلت يا عبد الله إنه لم يكن بيني وبين أبي هجرة ولا غضب غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت ثلاث مرات فأردت أن آوي إليك ليلا لأنظر عملك فأقتدي بك فلم أرك تعمل كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما هو إلا ما رأيت غير أني لم أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه فقلت هو الذي بلغ بك وهو الذي لا نطيق (3) قال أبو عمر قد ذم الله عز وجل قوما على حسدهم آخرين آتاهم الله من فضله فقال
122

* (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) * 1 وقال * (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) * إلى قوله * (واسألوا الله من فضله) * 2 أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي أن أباه أخبره قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال لما رفع (الله) موسى نجيا رأى رجلا متعلقا بالعرش فقال يا رب من هذا قال هذا عبد من عبادي صالح إن شئت أخبرتك بعمله قال يا رب أخبرني قال كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله قال وحدثنا أبو بكر قال حدثنا غندر عن شعبة عن أبي رجاء عن الحسن في قوله * (ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا) * 3 قال الحسد (4) وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة
123

قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد الرقاشي (1) عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب (2) وحدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا سليمان بن بلال عن إبراهيم بن أبي أسيد عن جده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب (3) وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا أبو أحمد بن المفسر قال حدثنا محمد بن يزيد عن عبد الصمد (4) قال حدثنا موسى بن أيوب قال حدثنا مخلد بن الحسين قال حدثنا هشام عن الحسن قال ليس أحد من ولد آدم إلا وقد خلق معه الحسد فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم
124

لم يتبعه منه شيء (1) وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا أحفظه في وقتي هذا أنه قال إذا حسدتم فلا تبغوا وإذا ظننتم فلا تحققوا وإذا تطيرتم فامضوا وعلى الله فتوكلوا (وذكر عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث لا يسلم منهن أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منهن يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ (2)) وذكر (الحسن بن علي) الحلواني قال حدثنا سليمان بن حرب وعارم بن الفضل (3) قالا حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال كذب على الحسن ضربان من الناس قوم رأيهم القدر فيزيدون عليه لينفقوه في الناس
125

وقوم في صدورهم حدس وشنآن (وبغض) للحسن فيقولون أليس يقول كذا أليس يقول كذا قال وحدثنا عفان قال حدثنا حماد بن زيد عن هشام قال سمعت محمد بن سيرين يقول ما حسدت أحدا شيئا قط برا ولا فاجرا قال أبو عمر تضمن حديث الزهري عن أنس في هذا الباب أنه لا يجوز أن يبغض المسلم أخاه المسلم ولا يدبر عنه بوجهه إذا رآه فإن ذلك من العداوة والبغضاء ولا يقطعه بعد صحبته له في غير جرم أو في جرم يحمد له العفو (عنه) ولا يحسده على نعمة الله عنده حسدا يؤذيه به ولا ينافسه في دنياه وحسبه أن يسأل الله من فضله وهذا كله لا ينال شيء منه إلا بتوفيق الله تعالى قيل للحسن البصري أيحسد المؤمن أخاه فقال لا أبا لك أنسيت إخوة يوسف وأصل التحاب والتواد المذكور في السنن معناه الحب في الله وحده تبارك اسمه فهكذا المحبة بين أهل الإيمان فإذا كان هكذا فهو من أوثق عرى الدين وإن لم يكن فلا تكن العداوة ولا المنافسة ولا الحسد لأن ذلك كله منهي عنه
126

ولما كانت موالاة أولياء الله من أفضل أعمال البر كانت معاداة أعدائه كذلك أيضا وسيأتي هذا المعنى في باب أبي طوالة من هذا الكتاب إن شاء الله وأجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد (به) على نفسه مضرة في دينه أو دنياه فإن كان ذلك فقد رخص له في مجانبته وبعده ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية (قال الشاعر
* إذا ما تقضي الود إلا تكاشرا
* فهجر جميل للفريقين صالح
*) واختلفوا في المتهاجرين يسلم أحدهما على صاحبه أيخرجه ذلك من الهجرة أم لا فروى ابن وهب عن مالك أنه قال إذا سلم عليه فقد قطع الهجرة وكأنه والله أعلم أخذ هذا من قوله صلى الله عليه وسلم وخيرهما الذي يبدأ بالسلام (1) أو من قول من قال يجزئ من الصرم السلام وقال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل إذا سلم عليه
هل يجزيه ذلك من كلامه إياه فقال ينظر في ذلك إلى ما كان عليه قبل أن يهجره فإن كان قد علم (منه)
127

مكالمته والإقبال عليه فلا يخرجه من الهجرة إلا سلام ليس معه إعراض ولا إدبار وقد روى هذا المعنى عن مالك قيل لمالك الرجل يهجر أخاه ثم يبدوا له فيسلم عليه من غير أن يكلمه فقال إن لم يكن مؤذيا له لم يخرج من الشحناء حتى يكلمه ويسقط ما كان من هجرانه إياه وقد ذكرنا في باب ابن شهاب عن عطاء بن يزيد في كتابنا هذا زيادة من الأثر المرفوع في (معنى) هذا الباب وذكرنا في هذا الباب قوله ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم (1) وفي ذلك دليل على فضل السلام لما فيه من رفع التباغض وتوريث الود ولقد أحسن القائل
* قد يمكث الناس دهرا ليس بينهم
* ود فيزرعه التسليم واللطف
128

حديث ثان للزهري عن أنس (مالك عن ابن شهاب) عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع (1) فجحش (2) شقه الأيمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون (3)
129

لم يختلف رواة الموطأ في إسناد هذا الحديث عن مالك عن الزهري عن أنس ورواه (سويد بن سعيد (1)) عن مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون فأخطأ سويد في هذا الحديث خطأ لم يتابعه أحد عليه فيما علمت وزاد فيه إذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا ولم يقل إذا رفع فارفعوا حدثنا خلف بن القاسم حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس حدثنا كثير بن عبيد حدثنا سويد بن عبد العزيز حدثنا مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول
130

الله صلى الله عليه وسلم (قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فذكره ورواه ابن وهب عن مالك عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم) وقال فيه إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وتابعه على ذلك عن مالك أبو علي الحنفي وابنه يحيى بن مالك وهذه الزيادة ليست في الموطأ إلا في بلاغات مالك أعني قوله (فلا تختلفوا (1) عليه) وقد رواها معن بن عيسى وأبو قرة موسى بن طارق عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وذكر الحديث وسنذكر بتمامه في (باب) بلاغات مالك إن شاء الله وزاد عبد الله بن وهب أيضا في هذا الحديث وإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا وتابعه على ذلك عبد الرحمن بن مهدي وجويرية بن أسماء (2) وذكر فيه إبراهيم بن بشير عن مالك التكبير ولم يذكر السجود وليس في الموطأ قوله إذا كبر فكبروا ولا قوله إذا سجد فاسجدوا
131

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح ويونس بن عبد الأعلى قالا حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد ومالك بن أنس والليث بن سعد وابن سمعان أن ابن شهاب أخبرهم قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى (لنا) صلاة من الصلوات وهو جالس وصلينا معه جلوسا فلما انصرف قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون فقوله في هذا الحديث فلا تختلفوا عليه ليس في الموطأ ولا رواه بهذا الإسناد عن مالك غير ابن وهب وابنه يحيى بن مالك وأبي علي الحنفي والله أعلم (وقوله وإذا كبر فكبروا وإذا سجد فاسجدوا ليس في الموطأ ولا رواه عن مالك غير ابن وهب وابن مهدي وجويرية والله أعلم) ورواه أبو حنيفة
132

قحزم بن عبد الله بن قحزم الأسواني (1) عن الشافعي عن مالك عن الزهري عن أنس فزاد فيه في بيته وقال فيه أيضا فأشار إليهم أن أجلسوا ولم يقل ذلك في هذا الحديث عن مالك أحد غير الشافعي في رواية قحزم عنه خاصة وإنما قال مالك فأشار إليهم أن اجلسوا في حديثه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال الدارقطني ليس يحفظ في هذا الحديث أنه صلى في بيته إلا من رواية أبي حنيفة قحزم عن الشافعي عن مالك عن الزهري عن أنس وهو محفوظ من رواية أيوب عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صرع عن فرسه فجحش جنبه فدخلوا عليه يعودونه فصلى بهم قاعدا وأومأ إليهم أن اقعدوا فلما قضى صلاته قال إنما جعل الإمام ليؤتم به وذكر الحديث قال أبو عمر وأما حديث قحزم عن الشافعي فأخبرناه علي بن إبراهيم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا أبو الحسن فقير
133

ابن موسى بن عيسى الأسواني (1) حدثنا أبو حنيفة قحزم بن عبد الله بن قحزم الأسواني حدثنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس (بن مالك) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا فصرع عنه فجحش شقه الأيمن فصلى في بيته قاعدا وصلى خلفه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا ثم قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون فخلط فيه قحزم وزاد ونقص (ولم يتمه) والصحيح عن مالك فيه ما في الموطأ والله أعلم وفي هذا الحديث من الفقه ركوب الخيل (وحركتها) والتقلب عليها وهو يرد ما روى عن عمر من كراهيته ركوب الخيل لما فيه من الخيلاء وأما السقوط من ظهورها فإنه لا يكون في الأغلب لمن يحسن ركوبها إلا مع حركتها ودفعها (وإجرائها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس تقلبا عليها)
134

وفي حديث قتادة وثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا عريا (1) لأبي طلحة قال بعض أهل السير كان ذلك منه (في) حين أغار عيينة بن حصن على لقاح المدينة (فخرج (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث أنس أن خيل المشركين أغارت على لقاح بالمدينة فوقعت الصيحة فخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عرى ثم انصرف قال إن وجدناه لبحرا (3)) وذكر ابن المبارك وغندر وابن أبي عدي عن شعبة عن قتادة قال سمعت أنس بن مالك يقول كان بالمدينة فزع فاستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة يقال له مندوب فركبه فلما انصرف قال إن وجدناه لبحرا (4) حدثنا أحمد بن محمد بن هشام حدثنا أحمد بن إبراهيم بن فراس حدثنا محمد بن إبراهيم الديبلي (5) قال حدثنا محمد بن زنبور حدثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني
135

عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل الناس وجها (وأجود الناس كفا) وأشجع الناس قلبا خرج وقد فزع الناس فركب فرسا لأبي طلحة (عريا) ثم رجع وهو يقول لن تراعوا لن تراعوا ثم قال إن وجدناه لبحرا (1) (قال أبو جعفر الديبلي) قال (لنا) ابن زنبور لم أسمع من حماد بن زيد غير هذا الحديث لقيته عند زمزم فحدثني بهذا الحديث وأما قوله (فجحش شقه) فإن ذلك كما لو زاحم إنسان جدارا فانخدش خدشا بينا (كما نقول نحن انسلخ وانجرح) فالجحش فوق الخدش وحسبك أنه لم يقدر على الصلاة قائما فصلى قاعدا وأما قوله إنما جعل الإمام ليؤتم به فقد أجمع العلماء على أن الائتمام واجب على كل مأموم بإمامه في ظاهر أفعاله وأنه لا يجوز له خلافه لغير عذر (2) (وفيه حجة لمالك وأبي حنيفة وأصحابهما في أبطال صلاة من خالفت نيته نية إمامه فصلى ظهرا خلف إمام يصلي عصرا أو صلى فريضة خلف
136

إمام يصلي نافلة لأنه لم يأتم به في صلاته فوجب أن لا يجزيه (1)) وأما اختلاف نية الإمام والمأموم فقد أرجأنا القول في هذه المسألة إلى بلاغات مالك ومرسلاته عن نفسه حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه (فهناك أولى المواضع به) وقد ذكرنا (هذه اللفظة مسندة من غير حديث مالك في هذا الباب بإسناد صحيح وذكرنا) هنالك ما للعلماء في جواز اختلاف نية المأموم والإمام من المذاهب والأقوال والتنازع والاعتدال إن شاء الله وأما قوله فإذا صلى قائما (فصلوا قياما) فهذا كلام خرج على صلاة الفريضة لأنه صلى بهم صلاة من الصلوات الخمس حين ذكر ذلك لهم (وأمرهم بما في هذا الحديث) وهذا ما لا خلاف فيه وقد أجمعوا على جواز صلاة الجالس خلف القائم في النافلة فدل (ذلك) على ما ذكرنا إلا أن المصلى في النافلة جالسا وهو قادر على
137

القيام له نصف أجر صلاة القائم وقد مضى القول في حكم صلاة القاعد في النافلة وحكم صلاة المريض في باب إسماعيل (1) بن محمد بن سعد بن أبي وقاص وفي قوله فإذا صلى قائما فصلوا قياما بيان لقوله عز وجل وقوموا لله قانتين (2) وأجمع العلماء على أن القيام في صلاة الفريضة فرض واجب على كل صحيح قادر عليه لا يجزيه غير ذلك إن كان منفردا (أو إماما) واختلفوا في المأموم الصحيح يصلي قاعدا خلف (إمام) مريض لا يستطيع القيام فأجازت (ذلك) طائفة من أهل العلم اتباعا لهذا الحديث وما كان مثله من قوله صلى الله عليه وسلم في الإمام (وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون (3)) روى هذا (الحديث) عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق (كثيرة) متواترة من حديث أنس وحديث أبي هريرة وحديث عائشة وحديث ابن عمر وحديث جابر كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحاح وممن ذهب إلى هذا حماد بن زيد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه (وإليه ذهب داود في رواية عنه) قال أحمد بن حنبل
138

وفعله أربعة من الصحابة بعده أسيد بن حضير وقيس بن قهد (1) وجابر وأبو هريرة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو الطاهر قال حدثنا أنس بن عياض قال حدثني يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير بن يسار أن أسيد بن حضير كان يؤم قومه بني عبد الأشهل فاشتكى فخرج عليهم بعد شكواه فأمروه أن يتقدم لهم فقال لا أستطيع فقالوا لا يصلي بنا ما كنت فينا غيرك فقال إني لا أستطيع أن أصلي قائما فاقعدوا فصلي قاعدا وصلوا قعودا (2) أخبرنا إبراهيم بن شاكر قراءة منى عليه قال حدثنا عبد الله بن عثمان قال حدثنا (سعيد بن عثمان) قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا إسماعيل عن قيس بن أبي حازم عن قيس الأنصاري قال اشتكى إمامنا أياما فكنا نصلي بصلاته جلوسا (3)
139

وروى أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة قال إنما الإمام أمير فإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا (1) وروى الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن أبي الزبير أنهم شيعوا جابر بن عبد الله وهو مريض فصلى بهم قاعدا وصلوا معه قعودا وقال جمهور أهل العلم لا يجوز لأحد أن يصلي في شيء من الصلوات المكتوبات جالسا وهو صحيح قادر على القيام لا إماما ولا منفردا ولا خلف امال ثم اختلفوا فمنهم من أجاز صلاة القائم خلف القاعد المريض لأن كلا يؤدي فرضه على قدر طاقته اقتداء وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صلى في مرضه الذي توفي فيه قاعدا وأبو بكر إلى جنبه قائما يصلي بصلاته والناس قيام خلفه يصلون بصلاته فلم يشر إلى أبي بكر ولا إليهم بالجلوس وأكمل صلاته بهم جالسا وهم خلفه قيام ومعلوم أن ذلك كان منه بعد سقوطه عن فرسه وصلاته حينئذ قاعدا وقوله فإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا فعلم أن الآخر من فعله ناسخ للأول
140

(فإنهم ما قاموا خلفه وهو جالس إلا لعلمهم بأنه قد نسخ ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم) والدليل على أن حديث هذا الباب منسوخ بما كان منه في مرضه صلى الله عليه وسلم إجماع العلماء على أن حكم القيام في الصلاة على الإيجاب لا على التخيير ولما أجمعوا على أن القيام في الصلاة لم يكن فرضه قط على التخيير وجب طلب الدليل على النسخ في ذلك وقد صح أن صلاة أبي بكر والناس (خلفه) قياما وهو قاعد في مرضه الذي توفي فيه متأخر عن صلاته في حين سقوطه عن فرسه فبان بذلك أنه ناسخ لذلك وممن ذهب هذا المذهب واحتج بنحو هذه الحجة الشافعي وداود بن علي وأصحابهما وقد أوضحنا معاني الآثار في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه وآتينا على حكاية قول من قال كان أبو بكر المقدم في تلك الصلاة ومن قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها المقدم في باب هشام بن عروة بما يغني عن ذكره هاهنا (وقد) روى الوليد بن مسلم عن مالك أنه أجاز للإمام المريض أن يصلي بالناس جالسا وهم قيام قال وأحب إلى أن يقوم إلى جنبه من يعلم الناس بصلاته
141

وهذه الرواية غريبة عن مالك ومذهبه عند أصحابه على خلاف ذلك ذكر أبو المصعب عن مالك في مختصره قال لا يؤم الناس أحد قاعدا فإن أمهم قاعدا فسدت صلاته وصلاتهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن أحد بعدي قاعدا (1) قال فإن كان الإمام عليلا تمت صلاة الإمام وفسدت صلاة من خلفه قال ومن صلى قاعدا
من غير علة أعاد الصلاة قال أبو عمر فعلى رواية أبي المصعب هذه عن مالك في قوله في الإمام المريض يصلي جالسا بقوم قيام أن صلاة من خلفه فاسدة تجب الإعادة عليهم في الوقت وغيره وقد روى عن مالك في هذه أنهم يعيدون في الوقت خاصة وذلك عندي والله أعلم لما ذكره في موطئه عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر كان يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم (وهو جالس وأبو بكر إلى جنبه قائم والناس قيام خلف أبي بكر (2) ولما رواه في غير الموطأ عن ربيعة أن أبا بكر كان المقدم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي)
142

بصلاته فلما رأى الاختلاف في ذلك احتاط فرأى الإعادة (في الوقت لأن كلا قد أدى فرضه على حسب حاله وكثير من مذهبه احتياطا) قال أبو عمر قد احتج محمد بن الحسن لقوله ومذهبه في هذا الباب بالحديث الذي (ذكره) أبو المصعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن أحد بعدي قاعدا وهو حديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث إنما يرويه جابر الجعفي عن الشعبي مرسلا وجابر الجعفي لا يحتج بشيء يرويه مسندا فكيف بما يرويه مرسلا (1) وأما قول محمد بن الحسن في هذا الباب فإنه قال إذا صلى الرجل لمرض به قاعدا يركع ويسجد ولا يطيق إلا ذلك بقوم قيام يركعون ويسجدون فإن صلاته جائزة وصلاة من خلفه ممن لا يستطيع القيام حكمه كحكمه جائزة أيضا وصلاة من صلى خلفه ممن حكمه القيام باطلة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف صلاته وصلاتهم جائزة وقالوا لو صلى
143

وهو يوميء بقوم يركعون ويسجدون لم يجزهم في قولهم جميعا وأجزأت الامام صلاته وكان نفر يقول تجزيهم صلاتهم لأنهم صلوا على فرضهم وصلى إمامهم على فرضه وأما ابن قاسم فإنه قال لا يأتم القائم بالجالس في فريضة ولا نافلة ولا بأس أن يأتم الجالس بالقائم قال ولا ينبغي أن يؤم أحد في نافلة ولا في فريضة قاعدا قال وان عرض الإمام ما يمنعه من القيام استخلف واختلف أصحاب مالك في إمامة المريض بالمرضى جلوسا فأجازها بعضهم وكرهها أكثرهم ولم يختلفوا فيمن صلى شيئا من فرضه جالسا وهو قادر على القيام أن عليه الإعادة أبدا وذكر سحنون عن ابن قاسم عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وهو مريض وأبو بكر يصلي بالناس فجلس إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر الإمام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بصلاة أبي بكر وقال ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته قال ابن القاسم قال مالك والعمل عندنا على حديث ربيعة هذا وهو أحب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم
144

صلى بصلاة أبي بكر قال سحنون بهذا الحديث أخذ ابن القاسم وليس في الموطأ قال أبو عمر أكثر الآثار الصحاح = المسندة في هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المقدم وإن أبا بكر كان يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما والناس يصلون بصلاة أبي بكر وهو الذي أقره مالك رحمه الله في الموطأ وقرئ عليه إلى أن مات وسنبينه في باب هشام بن عروة إن شاء الله وأجمع العلماء مع اختلاف مذاهبهم في هذا الباب على استحباب الاستخلاف للمريض من الأئمة من يصلي بالناس كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرض فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فإن صلى بهم وهو مريض فللعلماء في ذلك ما ذكرنا وبالله توفيقنا وأما قوله في الحديث وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا فإنه يدل على أن عمل المأموم يكون بعقب عمل الإمام وبعده بلا فصل لأن الفاء توجب التعقيب والاستعجال وليست مثل ثم التي توجب التعقيب والتراخي واختلف قول مالك في ذلك فروى عنه أن عمل المأموم كله مع
145

عمل الإمام ركوعه وسجوده وخفضه ورفعه ما خلا الإحرام والتسليم فإنه لا يكون إلا بعد عمل الإمام وبعقبه وروى عنه مثل ذلك أيضا ما خلا الإحرام والقيام من اثنتين والسلام وكان شيخنا أبو عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم (1) رحمه الله يذهب إلى الرواية الأولى ورأيته مرارا لا أحصيها كثرة يقوم مع الإمام في حين قيامه من اثنتين ولا يراعي اعتداله ولا تكبيره وكان يقول هي أصح عن مالك وقد روى عن مالك أيضا أن الأحب إليه في هذه المسألة أن يكون عمل المأموم (بعد عمل الإمام) وبعقبه في كل شيء قال أبو عمر هذا أحسن لما حدثناه عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام وعبد الله بن أبي مسرة قالا حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدي عن
146

سعيد عن قتادة عن يونس بن جبير (1) عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال قال خطبنا أبو موسى فعلمنا صلاتنا وبين لنا سنتنا فقال إذا صليتم فأقيموا صفوفكم وليؤمكم أحدكم فإذا كبر الإمام فكبروا وإذا قال ((غير المغضوب عليهم ولا الضالين)) فقولوا آمين يحيكم الله فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم (ويرفع قبلكم) قال نبي صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع الله لكم فإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم فتلك بتلك وذكر تمام الحديث (2) قال أبو عمر ففي هذا الحديث بيان أن عمل المأموم بعقب عمل الإمام دون فصل ولا تراخ وهو الذي يوجبه حكم الفاء في قوله فكبروا واركعوا وقد ثبت من جهة الأثر والنظر
147

أن حكم قوله فإذا كبر فكبروا في تكبيرة الإحرام أن يكون فراغ المأموم منها بعد فراغ الإمام منها وابتداؤه بها بعد ابتداء الإمام بها وإن كان ذلك معا فالقياس أن يكون الركوع والسجود وسائر العمل كذلك وسيأتي ذكر التكبير والحكم فيه عند الخفض والرفع والإحرام في باب ابن شهاب عن أبي سلمة وعن علي بن حسين من هذا الكتاب إن شاء الله قال أبو بكر الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يسأل متى يكبر خلف الإمام ومتى يركع فذكر الحديث إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا ثم قال يتبعه في كل شيء يصنعه كلما فعل شيئا فعله بعده وأما قوله (وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) فإنه يقتضي ما قاله مالك ومن قال بقوله في ذلك أن الإمام يقتصر على قول سمع الله لمن حمده وهو حجة على من قال أن الإمام يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد كما يفعل المنفرد وإن المأموم كذلك يقول أيضا ولا أعلم خلافا أن المنفرد يقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد أو ولك الحمد وإنما اختلفوا في الإمام والمأموم فقالت طائفة
148

من أهل العلم الإمام (إنما) يقول سمع الله لمن حمده فقط ولا يقول ربنا ولك الحمد وممن قال بذلك أبو حنيفة (ومالك) والليث ومن تابعهم وحجتهم ظاهر حديث أنس هذا وما كان مثله وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد بن حنبل يقول الإمام سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد وحجتهم حديث أبي هريرة وأبي سعيد وعبد
الله بن أبي أوفى (1) كلهم حكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد وذكر الدارقطني حديثا غريبا من طريق ابن أخي ابن وهب عن عمه عن مالك والليث عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ولو كان هذا صحيحا عند مالك والليث لم يخالفاه في الفتوى والله أعلم وقال الشافعي ويقول المأموم أيضا سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد كما يقول الإمام المنفرد لأن الإمام
149

إنما جعل ليؤتم به وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري وأحمد بن حنبل لا يقول المأموم سمع الله لمن حمده وإنما يقول ربنا ولك الحمد فقط وحجتهم حديث أنس هذا وحديث أبي موسى المذكور في هذا الباب وما كان مثلهما وسيأتي هذا المعنى في هذه المسألة في باب ابن شهاب عن سالم إن شاء الله وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن ما اختاره مالك رحمه الله من قول ربنا ولك الحمد بالواو وذكره ابن القاسم وغيره عنه وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا (أبو بكر) الأثرم قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله يثبت أمر الواو في ربنا ولك الحمد وقال روى الزهري فيه ثلاثة أحاديث عن أنس بن مالك وعن سعيد عن أبي هريرة وعن سالم عن أبيه قال وفي حديث علي الطويل ولك الحمد (والله الموفق)
150

حديث ثالث لابن شهاب عن أنس مالك عن ابن شهاب عن أنس (بن مالك) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن (1) حدثنا خلف بن قاسم حدثنا العباس بن مطروح حدثنا (محمد بن جعفر الوكيعي وحدثنا خلف حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن محمد الحلبي حدثنا محمد بن عبد الله بن سعيد) وحدثنا خلف حدثنا عباس بن محمد بن سليمان بن يحيى الضبي البغدادي حدثنا محمد بن جعفر بن زريق قالوا حدثنا هشام بن عمار حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن لم يختلف الرواة عن مالك
151

في إسناد هذا الحديث ولا في ألفاظه فيما علمت وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب فأحسن سياقته وذكر فيه ألفاظ لم يذكرها مالك أخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي قال حدثنا سعدان بن نصر (1) والحسن بن محمد قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري سمع أنس بن مالك يقول قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين ومات وأنا ابن عشرين سنة فكن أمهاتي يحدثني على خدمته فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم دارنا فحلبنا له من شاة لنا داجن فشيب له من ماء بير في الدار وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه فشرب النبي صلى الله عليه وسلم وعمر ناحية فقال عمر أعط أبا بكر فناول الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن وقد روى هذا الحديث محمد بن الوليد البسري (2) عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن الزهري عن أنس مثل رواية ابن عيينة عن الزهري سواء وزاد فيه (وقال) الأيمن فالأيمن فمضت سنة
152

قال الدارقطني ولم يرو (أحد) هذا الحديث عن مالك بهذه الألفاظ إلا البسرى عن ابن مهدي عنه وإن كان أحفظ فقد أغرب بألفاظ عدة ليست في الموطأ منها (قوله) قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم (المدينة) وأنا ابن عشر سنين ومات وأنا ابن عشرين سنة وكن أمهاتي يحثثنني على خدمته فدخل النبي صلى الله عليه وسلم دارنا فحلبنا له من شاة لنا داجن فكل هذه الألفاظ ليست في الموطأ وقوله أيضا وعمر ناحية فقال عمر أعط أبا بكر ليست في الموطأ وقوله فمضت سنة ليس في الموطأ ولا في حديث ابن عيينة أيضا وسائر الألفاظ كلها محفوظة عن ابن عيينة عن الزهري عن أنس وقد بلغني عن بعض من تكلف الكلام في هذا الشأن أنه قال الأعرابي في هذا الحديث هو خالد ابن الوليد وهذا منه إغفال شديد وإقدام على القول بالظن الذي هو أكذب الحديث أو تقليد لمن سلك في ذلك سبيله ووهم بين وغلط واضح من وجهين أحدهما أن الأعرابي كان عن يمينه صلى الله عليه وسلم في حديث أنس هذا وخالد بن الوليد كان في قصة ابن عباس عن يساره عليه السلام وابن عباس عن يمينه والآخر أنه اشتبه (عليه)
153

حديث سهل بن سعد في الأشياخ مع الغلام مع حديث أنس في أبي بكر والأعرابي وإنما دخلت عليه الشبهة في ذلك والله أعلم لأن في حديث سهل وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ والأشياخ (أحدهم خالد بن الوليد وقصة ابن عباس وخالد غير قصة أبي بكر والأعرابي وحديث أنس غير حديث سهل بن سعد فقف على ذلك ولا تلتفت إلى سواه وسنذكر حديث سهل في باب أبي حازم إن شاء الله) (وقد روى مفسرا عن يمينه ابن عباس وعن يساره خالد بن الوليد وسيأتي ذكر ذلك الحديث في باب أبي حازم إن شاء الله تعالى والله المستعان) في هذا الحديث من رواية مالك من الفقه إباحة شرب اللبن وإن ذلك ليس من الإسراف لأنه مستحيل أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكله أو شربه سرفا وفيه دليل على أن من قدم إليه شيء يأكله أو يشربه حلالا فليس عليه أن يسأل وأين هو وما أصله إذا علم طيب مكسب صاحبه في الأغلب من أمره ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسأل الذي أتاه باللبن من أين لك هذا وفيه إجازة خلط اللبن بالماء لمن أراد شربه ولم يرد به البيع لأن قوله قد شيب بماء أي (قد) خلط بماء (ومعنى) الشوب الخلط وجمعه أشواب وإنما قلنا إذا
154

لم يرد به البيع لأن خلط الماء باللبن غش وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا (1) وقد بلغني أن عمر بن الخطاب أهراق لبنا قد شيب بماء على مريد بيعه والغش به وفيه مجالسة أهل البادية وتقريبهم إذا كان لذلك وجه وفيه أن المجلس عن يمين الرجل وعن يساره سواء إذ لو كان الفضل عن يمين الرجل لما آثر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابيا على أبي بكر ويحتمل أن يكون ذلك (أيضا) دليلا على أن من سبق (من) مجلس العلم إلى مكان كان أولى به من غيره كائنا من كان ودليلا على أنه لا يقام أحد من مجلسه لأحد وإن كان أفضل منه وفيه من أدب المواكلة والمجالسة إن الرجل إذا أكل أو شرب ناول فضله الذي على يمينه كائنا من كان وإن كان مفضولا وكان الذي على يساره فاضلا وفي القياس على هذاالنص في هذا الحديث إن لو كان كافرا كان الأدب والسنة أن يؤثر من على اليمين أبدا على
من كان على اليسار بفضل الشراب والله أعلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في أمره كله كذلك ثبت (2) عنه صلى الله عليه وسلم
155

وفيه مواساة الجلساء فيما يأتي صاحب المجلس من الهدايا وقد روى مرفوعا جلساؤكم شركاؤكم في الهدية وهذا إن صح فعلى الندب إلى التحاب وبر الجليس وإكرام الصديق وهذا كله من محاسن الأخلاق وقد حكى بعض الناس عن مالك في هذا الحديث شيئا خلاف ما يوجبه ظاهره ولا يصح وبالله (العصمة) والتوفيق وروى مندل بن علي (1) عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتته هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها (2)
156

حديث رابع لابن شهاب عن أنس مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال (رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)) اقتلوه قال مالك قال ابن شهاب ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرما (2) اختلف في اسم ابن خطل (هذا فقيل هلال بن خطل (3) وقيل عبد العزى بن خطل وقيل عبد الله بن خطل) هذا قول ابن إسحاق وجماعة وقال الزبير بن بكار ابن خطل الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة وإن كان متعلقا بأستار الكعبة فقتل على تلك الحال هو هلال بن عبد الله بن عبد مناف بن أسعد بن جابر بن كبير (بن تيم) بن غالب
157

ابن فهر (1) قال وعبد الله هو الذي يقال له خطل ولأخيه عبد العزى بن عبد مناف أيضا (خطل) هما جميعا الخطلان (2) قال فبنو تيم بن غالب بن فهر يقال لهم بنو الأدرم (3) وتيم هو الأدرم بن غالب قال أبو عمر المغفر ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة وشبهها من حديد كان أو من غيره وقد روى بشر بن عمر الزهراني عن مالك هذا الحديث بإسناده وقال فيه مغفر من حديد وليس في الموطأ من حديد (ولا أعلم أحدا ذكر ذلك عن مالك غير بشر بن عمر في هذا الحديث (4)
158

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أبو قلابة الرقاشي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه مغفر من حديد فلما نزعه قيل له ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه وروى هذا الحديث روح بن عبادة عن مالك بإسناده هذا وفيه زيادة وطاف وعليه المغفر ولم يقله غيره عنه والله أعلم ورواه عبد الله بن جعفر المدني عن مالك عن الزهري عن أنس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح مكة وعلى رأسه المغفر واستلم الحجر بمحجن وهذا أيضا لم يقله عن مالك والله أعلم غير عبد الله بن جعفر وهذا حديث انفرد به مالك رحمه الله لا يحفظ عن غيره ولم يروه أحد عن الزهري سواه من طريق صحيح (1) وقد روى عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن أنس ولا يكاد يصح وروى (أيضا) من غير هذاالوجه ولا يثبت أهل العلم بالنقل فيه إسنادا غير حديث مالك
159

وقد رواه عن مالك واحتاج إليه فيه جماعة (من الأئمة) يطول ذكرهم وقد ذكرهم شيخنا أبو القاسم خلف بن القاسم الحافظ رحمه الله في كتاب (جمعه) (1) في ذلك ومن أجل من رواه عن مالك ابن جريج حدثنا أبو محمد مسلمة بن محمد قال حدثنا أبو القاسم عبد السلام بن محمد بن أبي موسى قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن أبي داود قال حدثنا محمد بن مصفى قال حدثنا محمد بن حرب قال حدثنا ابن جريج عن مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة (وعلى رأسه مغفر (2) وفي هذا الحديث من الفقه دخول مكة) بغير إحرام وبالسلاح وإظهار السلاح فبها ولكن هذا عند جميع العلماء منسوخ ومخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار يعني يوم الفتح وقد تكلمنا على معنى هذا الحديث في كتاب الأجوبة عن المسائل المتسغربة في كتاب البخاري بما يغني عن إعادته هاهنا
160

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا سعيد بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله حرم مكة فلا تحل (1) (لأحد قبلي ولا تحل) لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وذكر الحديث (2) ورواه منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس مثله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة إن هذا بلد حرام لم يحل لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي وإنما أحل لي ساعة من نهار ثم هو حرام إلى يوم القيامة (3) وروى أبو شريح الكعبي وأبو هريرة وجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (4) وكان ابن شهاب رحمه الله يقول لا بأس أن تدخل مكة بغير إحرام وخالفه في ذلك أكثر العلماء وما أعلم أحدا تابعه على ذلك إلا الحسن البصري روى خالد بن عبد الله عن أشعث عن الحسن أنه لم يكن يرى بأسا أن يدخل الرجل مكة بغير إحرام وإلى هذا ذهب داود بن علي وأصحابه وذكروا قول ابن شهاب والحسن وأن ابن عمر
161

رجع من طريقه فدخلها بغير إحرام واحتجوا بأن موجب الإحرام موجب حج أو عمرة لم يوجبها (1) الله ولا رسوله ولا اتفق المسلمون على ذلك وقال الشافعي من دخل مكة خائفا لحرب أو خائفا من سلطان أو ممن لا يقدر على دفعه جاز له دخول مكة بغير إحرام لأنه في معنى المحصر وقد روى عن الشافعي مثل قول ابن شهاب وداود (في هذا الباب) والمشهور عنه إنها لا تدخل إلا بإحرام (إلا ما ذكرت عنه) وقال ابن وهب عن مالك لست آخذ بقول ابن شهاب في دخول الإنسان مكة بغير إحرام وكره ذلك وقال إنما يكون ذلك على مثل ما عمل عبد الله بن عمر من القرب إلا رجلا يأتي بالفاكهة من الطائف أو ينقل الحطب يبيعه فلا أرى بذلك بأسا قيل له ورجوع ابن عمر من قديد (2) إلى مكة بغير إحرام فقال ذلك أنه جاءه خبر من جيوش المدينة (3) وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي كره أكثر أهل العلم أن يدخل أحد مكة إلا محرما
162

ورخصوا للحطابين ومن أشبههم ممن يكثر اختلافه إلى مكة ورخص أيضا لمن خرج من مكة يريد بلدة ثم بدا له أن يرجع كما صنع عبد الله بن عمر قال وأما من نزع من موضعه إلى مكة في تجارة أو غيرها فلا ينبغي أن يدخلها إلا محرما لأنه يأتي الحرم فينبغي له أن يحرم لدخوله إياه (قال) ومما يؤكد ذلك أن رجلا لو جعل على نفسه مشيا إلى مكة لوجب عليه أن يدخلها محرما بحج أو عمرة قال وأما حديث الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح (مكة) وعلى رأسه
المغفر فإن هذه والله أعلم حال خصوص لأنه أحلت له مكة بعض ذلك اليوم فلم يكن لإحرامه وجه لأنها كانت حلالا (له) ساعة وإنما يستحب أن لا يدخلها (إلا) محرما من أجل أنها حرم وذكر حديث طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل قط مكة إلا محرما إلا يوم الفتح قال أبو عمر قد اختلف العلماء فيمن دخل مكة بغير إحرام فقال مالك والليث لا يدخل أحد مكة من أهل الآفاق إلا محرما فإن لم يفعل أساء ولا شيء عليه وهو قول الشافعي
163

وأبي ثور وقال الشافعي من دخل مكة غير محرم فقد أساء ولا شيء عليه لأن الحج والعمرة لا يجبان إلا على من نواهما وأحرم بهما قال الشافعي وسنة الله في عباده أن لا يدخلواالحرم إلا حرما قال ومكة مبابنة لسائر البلاد فلا يدخلها أحد إلا بإحرام إلا أن من أصحابنا من رخص للحطابين وشبههم ممن يدخل لمنافع أهله ونفسه قال أبو ثور ليس على العراقي يدخل مكة بغير إحرام لحاجة شيء وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يدخل أحد مكة بغير إحرام فإن دخلها أحد غير محرم فعليه حجة أو عمرة وهو قول الثوري إلا أنه قال فإن لم يحج ولم يعتمر قيل له استغفر الله وهو قول عطاء والحسن بن حي قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين فقهاء الأمصار في الحطابين ومن يدمن الاختلاف إلى مكة ويكثره في اليوم والليلة أنهم لا يؤمرون بذلك لما عليهم فيه من المشقة ولو ألزموا الإحرام لكان عليهم في اليوم الواحد ربما عمر كثيرة وقد دخل عبد الله بن عمر مكة بغير إحرام وذلك أنه خرج عنها ثم خوف فانصرف بغير إحرام فمثل هذا وشبهه رخص له
164

وذكر عبد الرزاق أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال خرج ابن عمر من مكة يريد المدينة فأخبر بالفتنة فرجع فدخل مكة بغير إحرام وقد كان ابن عباس وأصحابه يشددون في ذلك ذكر عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال أخبرنا عطاء أنه سمع ابن عباس يقول لا عمرة على أهل مكة من أجل الطواف إلا أن يخرج أحدهم من الحرم فلا يدخله إلا حراما قال فقيل له فإن خرج قريبا لحاجته قال يقضي حاجته ويجمع مع قضائها عمرة قال وأخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال لا يحل لأحد من خلق الله أن يدخل لحاجة ولا لغيرها إلا حراما فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخلها قط إلا حراما إلا عام الفتح قال وأخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح (1) عن عطاء أنه كان يرخص للحطابين من أهل مكة أن يدخلوها بغير إهلال قال أبو عمر أما قتل عبد الله بن خطل (2) فلان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان عهد فيه أن يقتل وإن وجد متعلقا
165

بأستار الكعبة لأنه ارتد بعد إسلامه وكفر بعد إيمانه وبعد قراءته القرآن وقتل النفس التي حرم الله ثم لحق بدار الكفر بمكة واتخذ قينتين (1) يغنيانه بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم فعهد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عهد في ستة نفر معه (2) قد ذكرهم ابن إسحاق وغيره وامرأتين فيما قاله ابن إسحاق وقال الواقدي أربع نسوة (3) روى زيد بن الحباب وإبراهيم بن علي الغزي القرشي (4) عن مالك عن الزهري عن أنس أن ابن خطل كان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشعر (5) وروى شبابة (ابن سوار) (6) عن مالك عن الزهري
166

عن أنس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ثم قال من رأى منكم ابن خطل فليقتله وزعم بعض أصحابنا المتأخرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قتل ابن خطل لأنه كان يسبه (صلى الله عليه وسلم) والذي ذكر ابن إسحاق في المغازي غير هذا مما نذكره بعد عنه في هذا الباب إن شاء الله ولو كانت العلة في قتله ما ذكره هذا القائل ما ترك منهم من كان يسبه وما أظن أحدا منهم امتنع في حين كفره ومحاربته (له) من سبه وجعل القائل هذا حجة لقتل الذمي إذا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا يجوز عند أحد علمته من العلماء أن يقيس الذمي على الحربي لأن ابن خطل في دار حرب كان ولا ذمة له وقد حكم الله عز وجل في الحربي إذا قدر عليه بتخير الإمام فيه إن شاء قتله وإن شاء من عليه وإن شاء فدى به فلهذا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن خطل وغيره ممن أراد منهم قتله على أن ابن خطل كان قد قتل رجلا من الأنصار مسلما ثم ارتد كذلك ذكر أهل السير (1) وهذا يبيح دمه عند الجميع وقد اختلف الفقهاء في الذي يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم
167

فقال مالك من شتم النبي صلى الله عليه وسلم (من أهل الذمة) قتل إلا أن يسلم وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري يعزر ولا يقتل وقال الليث يقتل مكانه وقال الشافعي يؤخذ على من صولح من الكفار فذكر أشياء منها ومتى ذكر أحد منهم كتاب الله أو محمدا صلى الله عليه وسلم بما لا ينبغي فقد أحل دمه (قال الطحاوي فهذا يدل على أنه إن لم يشترط ذلك عليه فلا يستحل ماله) واحتج الطحاوي لقول أصحابه بمالا حجة فيه والقول عندي في ذلك قول مالك والليث وقد روى عن ابن عمر أنه قيل له في راهب سب النبي صلى الله عليه وسلم قال لو سمعته لقتلته ولا مخالف له من الصحابة علمته ولا يخلو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل من أحد وجهين أما أن ذلك كان في الوقت الذي أحلت له مكة وهي دار حرب وكفر وكان له أن يريق دم من شاء من أهلها في الساعة التي أحل له فيها القتال أو يكون على مذهب جماعة من العلماء في أن الحرم لا يجير من وجب عليه القتل وكان هؤلاء ممن وجب قتله لما ذكرنا
168

فلم يجرهم (الحرم (1)) وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا فأما مالك فقال من وجب عليه القصاص في الحرم اقتص منه ومن قتل ودخل الحرم لم يجره ولم يمنع الحرم حدا وجب وهو قول الشافعي ورواه ابن سماعة عن أبي يوسف وقال أبو حنيفة إذا وجب عليه قصاص أو حد (فدخل الحرم) لم يقتص منه في النفس ولا يحد فيما يأتي على النفس وتقام الحدود عليه فيما دون النفس مما سوى ذلك حتى يخرج من الحرم وكذلك قال زفر قال وإن قتل في الحرم (أو زنى في الحرم) رجم وقتل في الحرم وروى محمد بن شجاع عن الحسن بن زياد عن أبي يوسف قال يخرج من الحرم فيقتل وكذلك في الرجم وقد ذكرنا هذه المسألة وبيناها وأوضحنا وجه الصواب فيها في كتاب الأجوبة عن المسائل المستغربة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك قال حدثنا
169

أحمد بن محمد بن قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال وأما عبد الله بن خطل فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي اشتركا في دمه وهو رجل من بني تيم بن غالب قال وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه بعثه مصدقا وكان مسلما وبعث معه رجلا من الأنصار وكان معه مولى له يخدمه وكان مسلما فنزل ابن خطل منزلا وأمر المولى أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما فنام واستيقظ ولم يصنع له شيئا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا (1) وأخبرني عبد الله بن محمد بن
أسد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن اشته (الأصبهاني المقرئ) قال حدثنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري أبو بكر قال حدثنا أبو زيد عمر بن شبة قال أخبرنا محمد بن حاتم قال أخبرنا يونس بن محمد قال حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال لما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة أخذ أبو برزة الأسلمي هو وسعيد بن حريث عبد الله بن خطل وهو الذي كانت تسميه قريش ذا القلبين فأنزل الله عز وجل * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * 2 فقدمه فضرب عنقه وهو متعلق بأستار الكعبة
170

فأنزل الله عز وجل * (لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد) * 1 وذكر تمام الخبر قال أبو عمر قد قيل في ذي القلبين أنه جميل بن معمر الجمحي (2) وقيل ذلك في رجل من بني فهر وروى محمد بن سليم بن الوليد العسقلاني عن محمد بن أبي السرى عن عبد الرزاق عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعليه عمامة سوداء وعنده بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه المغفر ومحمد بن سليم هذا وإن لم يكن ممن يعتمد عليه فإنه قد تابعه على ذلك بهذا الإسناد الوليد بن مسلم ويحيى الوحاظي ومع هذا كله فإنه لا يحفظ عن مالك في هذا (الإسناد) إلا المغفر لا عمامة سوداء على ما في الموطأ وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل عام الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء من حديث جابر من رواية مالك وغيره فأما حديث مالك
171

فأخبرناه أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت (1) إجازة كتب إلي بخطه وحدثنيه بعض أصحابنا (عنه) قال حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي القاضي (2) قال حدثنا أحمد بن إسماعيل قال حدثنا مالك بن أنس عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه عمامة سوداء وهذا حديث غريب من حديث مالك ولم يقل فيه مالك عام الفتح وهو محفوظ من حديث جابر هذا أخبرنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن أحمد (ابن المسور قال حدثنا أبو الطاهر) محمد بن أحمد بن عثمان المدني قال حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا يحيى بن آدم قال أخبرنا شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء ولواؤه أبيض وحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا عفان
172

قال حدثنا حماد (بن سلمة) عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء قال أبو عمر ليس هذا (عندي) بمعارض لحديث ابن شهاب لأنه قد يمكن أن يكون على رأسه عمامة سوداء وعليها المغفر فلا يتعارض الحديثان وقد روى عن داود بن الزبرقان عن معمر بن راشد ومالك بن أنس جميعا عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح مكة في رمضان وليس بصائم وهذا اللفظ ليس بمحفوظ بهذا الإسناد لمالك إلا من هذا الوجه وقد روى سويد بن سعيد عن مالك عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح غير محرم وتابعه على ذلك عن مالك إبراهيم بن علي المغنزلي وهذا لا يعرف هكذا إلا بهما وإنما هو في الموطأ عند جماعة الرواة من قول ابن شهاب قال قال مالك (قال ابن شهاب) ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم
173

يومئذ محرما لم يرفعه إلى أنس وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال أخبرني أنس (بن مالك) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وهو محرم وابن رواحة بين يديه وهو يقول
* خلوا بني الكفار عن سبيله (1
* قدأنزل الرحمان في تنزيله
* بأن خير القتل في سبيله
* ومما يدل على أن دخلوه (مكة) عام فتح مكة وعلى رأسه المغفر خصوص له وأنها أحلت له ساعة من نهار ثم عادت إلى حالها ما أخبرناه أبو الحسن محمد بن أحمد ابن العباس الأخميمي فيما كتب بإجازته إلي وأذن لي أن أرويه عنه قال حدثنا علي بن أحمد علان قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا الحسن بن محمد بن أعين الحراني قال حدثنا معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لأحد أن يحمل بمكة سلاحا وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أحمد
174

ابن مفضل قال حدثنا أسباط بن نصر (1) قال زعم السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم (متعلقين) بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن حبابة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاسنبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا وكان أشد الرجلين فقتله وأما مقيس بن حبابة فأدركه الناس وهو في السوق فقتلوه وأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا فقال عكرمة والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص ما ينجيني في البر غيره اللهم إن لك علي عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما قال فجاء فأسلم وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح
175

فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله بايع عبد الله فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك يأبى (فبايعه بعد ثلاث) ثم أقبل على أصحابه فقال أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله فقالوا ما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك فقال إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة أعين وأخبرنا قاسم بن محمد (قال) حدثنا خالد بن سعد حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور حدثنا محمد بن سنجر حدثنا أحمد بن مفضل حدثنا أسباط بن نصر قال زعم السدي عن مصعب بن سعد (1) عن أبيه قال لما كان يوم فتح مكة فذكره
سواء إلى آخره
176

حديث خامس لابن شهاب عن أنس مالك (عن ابن شهاب) عن أنس بن مالك قال كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء (1) فيأتيهم والشمس مرتفعة (2) هكذا (هو) في الموطأ ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عبد الله بن نافع وابن وهب في رواية يونس بن عبد الأعلى عنه وخالد بن مخلد وأبو عامر العقدي (3) كلهم (عن مالك) عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة وكذلك رواه عبد الله بن المبارك عن مالك عن الزهري وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة جميعا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر ثم
177

يذهب الذاهب إلى قباء (قال أحدهم) فيأتيهم والشمس مرتفعة فهؤلاء رووا هذاالحديث عن مالك على خلاف لفظ الموطأ وهو حديث مرفوع عند أهل العلم بالحديث لأن معمرا وغيره من الحفاظ قالوا فيه عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر ويذهب الذاهب إلى العوالي (فيأتيهم) والشمس مرتفعة هكذا قال فيه جماعة أصحاب ابن شهاب عنه يذهب الذاهب إلى العوالي وهو الصواب عند أهل الحديث وقول مالك (عندهم) إلى قباء وهم لا شك فيه (1) ولم يتابعه أحد عليه في حديث ابن شهاب هذا إلا أن المعنى في ذلك متقارب على سعة الوقت لأن العوالي مختلفة المسافة وأقربها إلى المدينة ما كان على ميلين أو ثلاثة ومنها ما يكون (على) ثمانية أميال وعشرة ومثل هذا هي المسافة بين قباء وبين المدينة وقباء موضع بني عمرو بن عوف وقد نص على بني عمرو بن عوف في حديث أنس هذا إسحاق بن أبي طلحة وقد مضى ذكر حديثه
178

ذلك في بابه (1) من هذا الكتاب والحمد لله حدثني أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال سمعت أبا عبد الرحمن النسائي يقول لم يتابع مالكا أحد على قوله في حديث الزهري عن أنس إلى قباء والمعروف (فيه) إلى العوالي وكذلك قال الدارقطني وغيره وقد رواه خالد بن مخلد عن مالك فقال فيه إلى العوالي كما قال سائر أصحاب ابن شهاب حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا مالك بن عيسى قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب الزهري عن أنس قال كنا نصلي العصر فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة هكذا رواة خالد بن مخلد عن مالك وسائر رواة الموطأ قالوا قباء حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبونا هشام بن عروة عن أبيه أن المغيرة بن شعبة كان يؤخر الصلاة فقال له رجل من الأنصار أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال جبريل صل صلاة كذا (في ساعة كذا) حتى عد الصلوات قال
179

بلى قال وأشهد أنا كنا نصلي العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم والشمس بيضاء نقية ثم نأتي بني عمرو بن عوف وإنها لمرتفعة وهي على (رأس) ثلثي فرسخ من المدينة وفي هذا الحديث من الفقه تعجيل العصر وعلى هذا كان الأمر الأول ألا ترى إلى حديث مالك عن العلاء قال صلينا الظهر ثم دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر وذلك أنهم كانوا صلوا الظهر مع بعض بني أمية بالبصرة ثم دخلوا على أنس فوجدوه يصلي العصر وسنذكر هذا الخبر في باب العلاء إن شاء الله تعالى وفيه ما يدل على أن مراعاة القامة في الظهر والقامتين في العصر استحباب وأن وقت العصر ممدود ما كانت الشمس بيضاء نقية وكذلك حد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت العصر مثل هذا الحد وكتب به إلى عماله (1) وقد روى نحو هذا عن جماعة من الصحابة منهم عائشة في قولها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر (2) وروى الأوزاعي قال حدثني أبو النجاشي قال حدثني رافع بن خديج قال كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ثم ننحر جزورا فنقسمه عشر قسم ثم نطبخ
180

فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغيب الشمس وفي حديث أبي أروى الدوسي كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمشي إلى ذي الحليفة فآتيهم قبل أن تغيب الشمس وأبو أروى اسمه ربيعة وحدثني خلف بن قاسم قال حدثنا الحسين بن جعفر بن إبراهيم أبو أحمد الزيات بمصر قال حدثنا يوسف بن يزيد القراطيسي أبو يزيد قال حدثنا النضر بن عبد الجبار قال حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن أنس قال كنا نصلي العصر والشمس مرتفعة فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة وكذلك (رواه أسد بن موسى قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثني ابن شهاب قال حدثني أنس بن مالك فذكره وكذلك) ذكره ابن أبي ذئب في موطئه عن ابن شهاب وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسين بن علي أبو محمد الأشناني ببغداد قدم علينا بها من الشام قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن زبريق (1) قال حدثنا محمد بن حمير قال حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس مرتفعة حية
181

فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة قال والعوالي من المدينة على عشرة أميال ومن حديث ابن شيبان قال قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر العصر ما كانت الشمس بيضاء نقية وقد مضى ذكر هذا الحديث وما كان مثله في باب (1) إسحاق من هذا الكتاب والحمد لله (ومضى في باب زيد بن أسلم مذاهب الفقهاء في وقت العصر (2) خاصة وسيأتي تلخيص مذاهبهم في جميع أوقات الصلوات مستوعبة مجملة ومفسرة في باب ابن شهاب عن عروة إن شاء الله تعالى)
182

ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي حديث واحد متصل أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أبو الحسين عبد الباقي بن قانع (1) القاضي ببغداد قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال كان لفظ الزهري إذا حدثنا عن أنس وسهل بن سعد سمعت سمعت قد ذكرنا سهل بن سعد في كتابنا في الصحابة فأغنى عن ذكره هاهنا مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي أنه أخبره أن عويمر بن أشقر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي (الأنصاري) فقال له يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل
183

عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم (المسائل) وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلما
جاء عاصم إلى أهله جاء عويمر) فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم (المسألة) التي سألته عنها فقال عويمر والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها فتلاعنا وأنا مع (الناس) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا (من تلاعنهما) قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها (عويمر) ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال مالك) قال ابن شهاب فكانت تلك
184

(بعد (1)) سنة المتلاعنين (2) هكذا هو في الموطأ عند جماعة الرواة قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين ورواه جويرة عن مالك بإسناده عن ابن شهاب عن سهل وساقه بنحو ما في الموطأ إلى آخره وقال فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فراقه إياها سنة هكذا قال في نسق الحديث جعله من قول سهل بن سعد لا من قول ابن شهاب وكذلك رواه إبراهيم بن طهمان عن مالك بإسناده ومعناه وقال في آخره فلما فرغا من تلاعنهما طلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكانت فرقته إياها سنة بعد ومن رواة إبراهيم بن طهمان من يقول عنه فيه فكان طلاقه إياها سنة كل ذلك مدرج في كلام سهل لا من قول ابن شهاب وهو عند جماعة رواة الموطأ من قول ابن شهاب كذلك هو عند القعنبي ومطرف ومعن بن عيسى وابن بكير وابن القاسم وابن وهب والشافعي وأبي مصعب والتنيسي ويحيى بن يحيى النيسابوري وأحمد بن إسماعيل المدني وعبد الله بن نافع
185

الزبير وغيرهم واختلف أصحاب ابن شهاب في ذلك أيضا قال الدارقطني وقد روى حديث اللعان عن الزهري عن سهل بن سعد جماعة من الثقات فاختلفوا عنه في قوله فكان فراقه إياها سنة المتلاعنين فأدرجة جماعة منهم في نفس الحديث وجعلوه من قول سهل بن سعد منهم ابن جريج وابن أبي ذئب والأوزاعي وعياض بن عبد الله الفهري وفليح بن سليمان (1) وإبراهيم بن إسماعيل ابن مجمع وفصله عقيل بن خالد وإبراهيم بن سعد ومحمد بن إسحاق ويزيد بن أبي حبيب فيما كتب (به) إليه الزهري قالوا في آخره قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين كما في الموطأ وقد حدثنا محمد بن عمروس (2) (إجازة) عن أبي الحسن علي بن عمر الحافظ أنه أخبره ببغداد قال حدثنا البغوي
186

قال قرىء على سويد بن سعيد عن مالك عن الزهري عن سهل بن سعد أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فيقتله فيقتلونه أم كيف يفعل قال فأنزل الله فيهما ما ذكر في القرآن من التلاعن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضى فيك وفي امرأتك قال فتلاعنا وأنا شاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمسكتها فقد كذبت عليها ففارقها فكانت السنة فيهما أن يفرق بين المتلاعنين وكانت حاملا فأنكر حملها وكان ابنها يدعى إليها ثم جرت السنة أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها وهذه الألفاظ لم يروها عن مالك فيما علمت غير سويد بن سعيد (1) والله أعلم وروى عبد الله بن إدريس هذا الحديث عن مالك ومحمد بن إسحاق جميعا عن ابن شهاب عن سهل بن سعد فذكره بطوله وزاد فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله فيكما قرآنا وتلا ما أنزل الله في ذلك ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما بعد العصر فلما تلاعنا قال يا رسول الله ظلمتها إن أمسكتها فهي الطلاق
187

فهي الطلاق فهي الطلاق (1) ولم يذكر أحد فيما علمت في هذا الحديث أنه لاعن بينهما بعد (صلاة) العصر إلا ابن إدريس وأظنه حمل لفظ ابن إسحاق على لفظ مالك وقال الدارقطني لم يقل في هذا الحديث عن ابن شهاب أحد من أصحابه أنه لاعن بينهما بعد صلاة العصر غير محمد بن إسحاق وفي هذا الحديث من الفقه السؤال عن الإشكال وفيه أن الاستفهام بأرأيت (عن المسائل) كان قديما في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه أن من قتل رجلا وادعى أنه إنما قتله لأنه وجده مع امرأته أنه يقتل به وقد بينا هذه المسألة في سهيل بن أبي صالح من هذا الكتاب وفيه أن يتولى السؤال عن مسألتك غيرك وإن كانت مهمة وفيه قبول خبر الواحد لأنه لو لم يجب قبول خبره عنده ما أرسله يسأل له وفيه كراهية سماع الكلام إذا كان فيه تعريض بقبيح قذفا كان أو غيره وقد زعم بعض الناس أن في هذا الحديث دليلا على أن الحد لا يجب في التعريض بالقذف وهذا لا حجة فيه لأن المعرض (به) غير معين وإنما يجب الحد على من عرض بقذف رجل يشير إليه أو يسميه في مشاتمته وبطلبه المعرض به فحينئذ يجب في
188

التعريض (بالقذف) (الحد إذا كان يعلم من المعرض أنه قصد به قصد القذف وقد صح عن عمر أنه كان يحد في التعريض بالقذف) وهو قول مالك إذا كان مفهوما من ذلك التعريض مراد القاذف وللكلام في هذه المسألة موضع غير هذا واختلف الفقهاء في حكم من قذف امرأته برجل سماه فقال مالك ليس على الإمام أن يعلم المقذوف وهو أحد قولي الشافعي والحجة لمن ذهب هذا المذهب قول الله عز وجل * (ولا تجسسوا) * 1 ولان العجلاني رمى امرأته بشريك ابن سحماء (2) فلم يبعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلمه وقالت طائفة عليه أن يعلمه لأنه من حقوق الآدميين وقد روى ذلك عن الشافعي واحتج من قال بهذا القول بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها وقال مالك أن ذكر المرمى به في التعانه حد له وهو قول أبي حنيفة لأنه قاذف لمن لم يكن به ضرورة إلى قذفه وقال الشافعي لا حد عليه لأن الله لم يجعل على من رمى زوجته بالزنا إلا حدا واحدا بقوله * (والذين يرمون أزواجهم) *
189

1 ولم يفرق بين من ذكر رجلا بعينه (وبين) من لم يذكره وقد رمى العجلاني زوجته بشريك بن سحماء وكذلك هلال بن أمية فلم يحد واحد منهما وفيه أن طباع البشر أن تكون الغيرة تحمل على سفك الدماء إلا أن يعصم الله عن ذلك بالعلم والتثبت والتقى وفيه أن العالم إذا كره السؤال (له) أن يعيبه وينجه (2) صاحبه وفيه أن من لقى شيئا من المكروه بسبب غيره كان له أن يؤنب ذلك الذي لقي المكروه بسببه ويعاتبه لقول عاصم لعويمر لم تأتني بخير وفيه أن المحتاج إلى المسألة من مسائل العلم لا يردعه عن تفهمها غضب العالم وكراهيته لها حتى يقف على الثلج منها وفيه أن السؤال عما يلزم علمه من أمر الدين واجب في المحافل وغير المحافل وأنه لا حياء يلزم
فيه ألا ترى إلى قوله فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل وفيه أن الملاعنة لا تكون إلا عند السلطان
190

وأنها ليست كالطلاق الذي للرجل أن يوقعه حيث أحب وهذا ما لا خلاف فيه وكذلك لا يختلفون أن اللعان لا يكون إلا في المسجد الذي تجمع فيه الجمعة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين المتلاعنين المذكورين في المسجد ذكر ذلك ابن مسعود وغيره في حديث اللعان (1) وقد ذكرنا حديث ابن مسعود وغيره في باب نافع عن ابن عمر من كتابنا هذا واستحب جماعة من أهل العلم أن يكون اللعان في الجامع بعد العصر وفي أي وقت كان في المسجد الجامع أجزأ عندهم وفيه دليل على أن للعالم أن يؤخر الجواب إذا لم يحضره ورجاه فيما بعد وفيه أن القرآن لم ينزل جملة واحدة إلى الأرض وإنما كان ينزل به جبريل عليه السلام سورة سورة وآية آية على حسب حاجة النبي صلى الله عليه وسلم إليه وأما نزول القرآن إلى سماء الدنيا فنزل كله جملة واحدة على ما روي عن ابن عباس وغيره (2) في تفسير قول الله عز وجل * (إنا أنزلناه في ليلة مباركة) * 3 قالوا ليلة القدر ونزل فيها القرآن جملة (واحدة) إلى السماء الدنيا وفيه أن المتلاعنين يتلاعنان بحضرة الحاكم خليفة كان أو غيره وفي قوله
191

أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا دليل على أن الملاعنة تجب بين كل زوجين لأنه لم يخص رجلا من رجل ولا امرأة من امرأة ونزلت آية اللعان على هذا السؤال بهذا العموم فقال * (والذين يرمون أزواجهم) * ولم يخص زوجا من زوج وهذا موضع اختلف فيه العلماء فقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا لعان بين الحر والمملوكة ولا بين المملوك والحرة ولا بين المسلم والذمية الكتابية ولهم في ذلك حجج (لا تقوم على ساق) منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا لعان بين مملوكين ولا كافرين وهذا حديث ليس دون عمرو بن شعيب من يحتج به واحتجوا من جهة النظر أن الأزواج لما استثنوا من جملة الشهداء بقوله * (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) * 1 وجب أن لا يلاعن إلا من تجوز شهادته لا عبد ولا كافر ولا يلاعن عندهم إلا الحر المسلم وقال مالك وأهل المدينة اللعان بين كل زوجين وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وداود والحجة لهم أن اللعان
192

يوجب فسخ النكاح فأشبه الطلاق وكل من يجوز طلاقه يجوز لعانه واللعان إيمان ليس بشهادة ولو كان شهادة (ما) سوى فيه بين (الرجل) والمرأة ولكانت المرأة على النصف من الرجل ولا يشهد أحد لنفسه وقد سمى الله إيمان المنافقين شهادة بقوله * (نشهد إنك لرسول الله) * 1 وقال * (اتخذوا أيمانهم جنة) * 2 ومن جهة القياس والنظر محال أن ينتفي عنه ولد الحرة المسلمة باللعان ولا ينتفي عنه ولد الأمة والكتابية باللعان وفيه أن الحاكم يحضر مع نفسه للتلاعن قوما يشهدون ذلك ألا ترى إلى قول (سهل بن سعد فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي شهود) سهل بن سعد لذلك دليل على جواز شهود الغلمان والشبان التلاعن مع الكهول والشيوخ بين يدي الحاكم لأن سهلا كان يومئذ غلاما قال أبو عمر ما أدرك سهل بن سعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو غلام صغير
193

وأخبرنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري قال قلت لسهل بن سعد ابن كم أنت يؤمئذ يعني يوم المتلاعنين قال ابن خمس عشرة سنة (1) وقد احتج بهذا الحديث من قال أن الطلاق ثلاثا بكلمة واحدة مباح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على العجلاني ان طلق امرأته ثلاثا بكلمة واحدة بعد الملاعنة واختلفوا هل تقع الثلاث مجتمعات في الطهر للسنة أم لا وسنذكر ذلك في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر إن شاء الله واختلف الفقهاء في فرقة المتلاعنين هل تحتاج إلى طلاق أم لا فقال مالك وأصحابه والليث بن سعد وهو قول زفر بن الهذيل إذا فرغا جميعا من اللعان وقعت الفرقة وإن لم يفرق الحاكم ثم لا يجتمعان أبدا ومن حجتهم في أن للفرقة تأثيرا في التعان المرأة وجوبه عليها وقياسا على أن تفاسخ البيع لا يكون إلا بتمام تجالفهما جميعا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن لا تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما وهو قول الثوري لقول ابن عمر فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين فأضاف
194

الفرقة إليه لا إلى اللعان ولقوله عليه السلام لا سبيل لك عليها (1) وحجة مالك أن تفريقه صلى الله عليه وسلم إنما كان إعلاما منه أن ذلك شأن اللعان ومثله قوله لا سبيل لك عليها ومن حجته أيضا أنه لما افتقر اللعان إلى حضور الحاكم افتقر إلى تفريقه كفرقة العنين وقال الأوزاعي نحو قول مالك وقال الشافعي إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته التعنت أو لم تلتعن (قال) وإنما التعان المرأة لدرء الحد لا غير وليس لالتعانها في زوال الفراش معنى ولما كان لعان الزوج ينفي الولد ويسقط الحد رفع الفراش (وقد ذكرنا حجته في باب نافع عن ابن عمر من كتابنا هذا والحمد لله) وكل الفقهاء من أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الشام وأهل الكوفة يقولون أن اللعان مستغن عن الطلاق
195

وإن حكمه وسنته الفرقة بين المتلاعنين وإنما اختلافهم الذي قدمنا في أن الحاكم يلزمه أن يفرق بينهما إلا عثمان البتي في أهل البصرة فإنه لم ير التلاعن بنقض شيئا من عصمة الزوجين حتى يطلق وهو قول لم يتقدمه إليه أحد من الصحابة (1) على أن البتي قد استحب للملاعن أن يطلق بعد اللعان ولم يستحبه قبل ذلك فدل على أن اللعان عنده قد أحدث حكما (قال أبو عمر (2)) معنى قول ابن شهاب في آخر حديث مالك فكانت سنة المتلاعنين يعني الفرقة بينهما إذا تلاعنا لا أنه أراد الطلاق وذلك موجود منصوص عليه في حديث ابن شهاب مع ما يعضده من الأصول التي ذكرنا في هذا الكتاب وروى ابن وهب في موطئه قال أخبرني عياض بن عبد الله الفهري عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أن عويمر ابن أشقر الأنصاري أحد بني العجلان جاء إلى عاصم فذكر مثل حديث مالك عن ابن شهاب عن سهل وزاد فيه
196

وكانت امرأة عويمر حبلى فأنكر حملها وكان الغلام يدعى إلى أمه قال وجرت السنة في الميراث أنه يرثها وترث عنه ما فرض الله للأم (1) قال ابن شهاب قال عويمر عن ذلك ليس بهذا حقا إن أنا رميت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذب قال فمضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا فهذا نص عن ابن شهاب
في ذلك) وجمهور الفقهاء على أنه لا يجوز للملاعن أن يمسكها ويفرق بينهما وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فرق بين المتلاعنين (2) وحدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا حجاج قال حدثنا همام قال حدثنا أيوب أن سعيد بن جبير حدثه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق (3) بين أخوي (4) بني العجلان
197

وروى ابن عيينة عن الزهري عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين (1) وروى مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه (2) ولم يذكر أحد من أصحاب ابن شهاب عنه عن سهل بن سعد في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين غير ابن عيينة وحده (3) وهو محفوظ من حديث ابن عمر (4) ويقولون أنه لم يقل أحد في حديث ابن عمر وألحق الولد بأمه إلا مالك بن أنس (5) وسنذكر حديثه في باب نافع من كتابنا هذا إن شاء الله واختلفوا في الزوج إذا أبى من الالتعان فقال أبو حنيفة لا حد عليه لأن الله جعل على الأجنبي الحد وعلى الزوج اللعان فلما (لم) ينتقل اللعان إلى الأجنبي لم ينتقل الحد إلى الزوج ويسجن أبدا حتى
198

يلاعن لأن الحدود لا تؤخذ قياسا وقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء إن لم يلتعن الزوج حد لأن اللعان له براءة كما الشهود للأجنبي وإن لم يأت (الأجنبي) بأربعة شهداء حد فكذلك الزوج إن لم يلتعن حد وجائز عند من احتج بهذه الحجة القياس في الحدود وفي حديث العجلاني ما يدل على ذلك لقوله إن سكت سكت على غيظ وإن قتلت قتلت وإن نطقت جلدت (1) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة (2) ومن جهة القياس أيضا (أنه) لما لحق الزوجة من العار بقذف الزوج لها مثل ما لحق الأجنبية وجبت التسوية بينهما واختلفوا هل للزوج أن يلاعن مع شهوده فقال مالك والشافعي يلاعن كان له شهود أو لم يكن لأن الشهود ليس لهم عمل لا درء الحد وأما رفع الفراش ونفي الولد فلا بد فيه من اللعان وقال أبو حنيفة وأصحابه إنما جعل اللعان للزوج إذا لم يكن له شهداء غير نفسه
199

واختلفوا إذا أكذب نفسه الملاعن هل له أن يراجعها إذا جلد الحد فأجاز ذلك حماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن قالوا يكون خاطبا من الخطاب وقال مالك والثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد والشافعي وأبو يوسف وزفر وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد لا يجتمعان أبدا سواء أكذب نفسه أو لم يكذبها ولكنه إن أكذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد ولا يجتمعان أبدا وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وبه قال أكثر علماء التابعين بالمدينة وروى مثل قول أبي حنيفة في هذه المسألة عن سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وإبراهيم وابن شهاب على اختلاف عن إبراهيم وابن شهاب في ذلك لأنه قد روى عنهما أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا وكذلك قال الحسن البصري وقال الشعبي والضحاك إذا أكذب نفسه جلد الحد وردت إليه امرأته وهذا عندي قول ثالث خلاف من قال يكون خاطبا من الخطاب وخلاف من قال لا يجتمعان أبدا قال أبو عمر التلاعن يقتضي التباعد فإذا حصلا متباعدين لم يجز لهما أن يجتمعا أبدا وقد قال رسول الله صلى الله عليه
200

وسلم لا سبيل لك عليها وفي قوله هذا إعلام أن الفرقة تقع باللعان وأن السبيل عنها مرتفعة لأن قوله لا سبيل لك عليها مطلق غير مقيد (بشيء) حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين وقال حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله مالي قال (لا (1)) مال لك إن كنت صادقا (فهو) بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت فهو أبعد (2) لك وقال بعض أصحابنا وهو الأبهري ومن جهة المعنى فإنما عوقب الملاعن بمنع التراجع لما أدخل من الشبهة في النسب كما عوقب القاتل عمدا أن لا يرث واحتج أيضا لمذهب مالك في النكاح في العدة أنه يفرق بينهما ولا يتناكحان أبدا بمنع المتلاعنين من ذلك عقوبة لهما لما قطعا من نسب الولد ولم يتصادقا فيه قال فكذلك المتزوج في العدة
201

لما أدخل الشبهة في النسب عوقب بالمنع من الاجتماع ورفع فراشهما لأنه أفرش غير فراشه قال أبو عمر الأصول عند أهل العلم مستغنية عن الإحتجاج لهما والزاني قد افترش غير فراشه ولم يمنع من النكاح بعد الاستبراء ولأهل العلم في هذه المسألة أقوال وأغلال ليس هذا موضع ذكر ذلك (وقول مالك في مسألة الناكح في العدة هو مذهب عمر بن الخطاب) وقد روي عن علي وابن مسعود (في المتلاعنين) مثل ذلك (ولا مخالف لهم من الصحابة) ومن حجة أبي حنيفة ومن ذهب مذهبه في هذه المسألة عموم قول الله عز وجل * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * 1 فلما لم يجمعوا على تحريمها دخلت تحت عموم الآية ومن جهة النظر لما لحق الولد وجب أن يعود الفراش لأن كل واحد منهما يقتضيه عقد النكاح ويوجبه قال أبو عمر ذكر إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب في هذا الحديث عن سهل بن سعد أن المرأة كانت حاملا وأنها جاءت بعد
202

ذلك بولد (1) وتابعه على ذلك ابن جريج فقال في درج حديثه عن ابن شهاب عن سهل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة (2) فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين فلا أراها إلا (قد) صدق عليها فجاءت به على المكروه من ذلك (3) فقال ابن جريج قال ابن شهاب فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين وكانت حاملا وكان ابنها يدعى لأمه قال ثم جرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها (4) وسنذكر هذا المعنى بما فيه للعلماء من التنازع في باب نافع عن ابن عمر لأنه أولى به لقول ابن عمر في حديثه وانتفى من ولدها وليس للحمل ولا للولد ذكر في حديث مالك عن ابن شهاب هذا فلذلك أخرناه إلى باب نافع إن شاء الله وأما كيفية اللعان فإن ابن القاسم ذكر عن مالك أنه يحلف أربع شهادات يريد أربع إيمان يقول أشهد بالله لرأيتها تزني
203

وإن نفى حملها زاد ولقد استبريتها وما الحمل مني يقول ذلك أربع مرات والخامسة لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين ثم تقوم هي فتقول أشهد بالله ما رآني أزني وإن حملي لمنه تقول ذلك أربع مرات والخامسة غضب الله عليها إن كان من الصادقين (1) وقد ذكرنا كيفية اللعان في نفي الحمل عن مالك وأصحابه في باب نافع من كتابنا هذا وكان مالك يقول لا يلاعن إلا أن يقول رأيتك تزني أوينفي حملا أو ولدا منها قال والأعمى يلاعن إذا قذف وقول أبي الزناد ويحيى بن سعيد والليث بن سعد والبتي
مثل قول مالك أن الملاعنة لا تجب بالقذف وإنما تجب بادعاء الرؤية أو نفي الحمل مع دعوى الاستبراء وعندهم أنه إذا قال لزوجته يا زانية جلد الحد والحجة لهذا القول قائمة من الآثار فمنها حديث مالك هذا عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قوله فيه أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا (2) وكذلك ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا (قاسم بن أصبغ) قال حدثنا إسماعيل ابن إسحاق قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني
204

سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد عن ابن عباس أنه ذكر المتلاعنان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ثم انصرف فأتاه رجل من قومه فذكر أنه وجد مع امرأته رجلا وذكر الحديث (1) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا يزيد ابن هارون قال أنبأنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله ما جاء به واشتد عليه فنزلت * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) * الآيتين كلتيهما فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابشر يا هلال (فقد جعل الله لك مخرجا وذكر الحديث بطوله (2) وروى جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال لما قذف هلال)
205

ابن أمية امرأته قيل له والله ليجلدنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانين فقال الله أعدل من أن يضربني وقد علم أني رأيت حتى استبنت وسمعت حتى استيقنت فنزلت آية الملاعنة (1) فهذه الآثار كلها تدل على أن الملاعنة التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانت بالرؤية فلا يجب أن تتعدى ذلك ومن قذف امرأته ولم يذكر رؤية حد بعموم قوله * (والذين يرمون المحصنات) * الآية (ومن جهة النظر فإن ذلك قياس على الشهود) ولأن المعنى في اللعان إنما هو من أجل النسب ولا يصح ارتفاعه إلا بالرؤية أو نفي الولد فلهذا قالوا أن القذف (المجرد) لا لعان فيه وفيه الحد لعموم قول الله عز وجل * (والذين يرمون المحصنات) * وقياسا على الشهادة التي لا تصح إلا برؤية والله أعلم وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأبو عبيد وأحمد بن حنبل وداود وأصحابهم إذا قال لها يا زانية وجب اللعان إن لم يأت بأربعة شهداء وسواء عندهم قال يا زانية أو رأيتك تزنين أو زنيت وهو قول جمهور العلماء وعامة الفقهاء وجماعة أصحاب الحديث وقد روى أيضا عن مالك مثل ذلك
206

وحجتهم أن الله عز وجل قال * (والذين يرمون أزواجهم) * كما قال * (والذين يرمون المحصنات) * 1 ولم يقل في واحدة منهما برؤية ولا بغير رؤية وسوى بين الرميين بلفظ واحد فمن قذف محصنة غير زوجته ولم يأت بأربعة شهداء جلد الحد ومن قذف زوجته ولم يأت بأربعة شهداء لاعن فإن لم يلاعن حد وقد أجمعوا أن الأعمى يلاعن إذا قذف امرأته ولو كانت الرؤية من شرط اللعان ما لاعن الأعمى ولهم في هذا حجج يطول ذكره واختلفوا في ملاعنة الأخرس فقال مالك والشافعي يلاعن لأنه ممن يصح طلاقه وظهاره وإيلاؤه إذا فهم ذلك عنه ويصح يمينه للمدعى عليه وقال أبو حنيفة لا يلاعن لأنه ليس من أهل الشهادة ولأنه قد ينطلق لسانه فينكر اللعان فلا يمكننا إقامة الحد عليه وقال الشافعي يقول الملاعن أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة بنت فلان ويشير إليها إن كانت حاضرة يقول ذلك أربع مرات ثم يقعده الإمام ويذكره الله ويقول له إني أخاف
207

إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله فإن رآه يريد أن يمضي على ذلك أمر من يضع يده على فيه ويقول إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبة (1) إن كنت كاذبا فإن أبى تركه يقول ولعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنا قال أبو عمر أخذ الشافعي هذا من حديث سفيان بن عيينة عن عاصم بن كليب (عن أبيه) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حيث أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده على فيه عند الخامسة يقول أنها موجبة (2)
208

ابن شهاب عن عبد الله بن عامر بن ربيعة (1) حديث واحد مسند وهو عبد الله بن عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبد الله بن الحرث بن رفيدة بن عتر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقصى بن دعمى بن جديلة ابن أسد بن ربيعة بن نزار (2) أدرك أبا بكر وعمر والخلفاء وحفظ عنهم ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه أيضا خبرا واحدا وهو ما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا يوسف ابن عمر قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم قال حدثنا أبو صالح عن الليث عن ابن عجلان عن مولى لعبد الله بن عامر (عن عبد الله بن عامر) قال دعتني أمي والنبي صلى الله عليه وسلم عندنا فأتيت فقالت تعال أعطيك (3) فقال النبي صلى الله عليه وسلم
209

ما أردت أن تعطيه قالت تمرا قال لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة (1) وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة (2) وذكرنا أباه (3) والحمد لله مالك عن ابن شهاب عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام فلما جاء سرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه فرجع عمر من سرغ (4) سرغ موضع بطريق الشام قيل أنه وادي تبوك وقيل بقرب تبوك وقوله في هذا الحديث وغيره أن عمر بلغه إذ بلغ سرغ متوجها إلى الشام أن الوباء قد وقع بالشام فإن المعنى عندهم أن الوباء وقع بدمشق وكانت أم الشام وإليها كان مقصده (وروي عن مالك أنه سئل عن قول عمر
210

لبيت بركبة (1) أحب إلي من عشرة أبيات بالشام (2) فقال إنما قال ذلك عمر حين وقع الوباء بالشام وقد روي عن عمر لأن أعمل عشر خطايا بركبة أحب إلي من (أن) أعمل واحدة بمكة وركبة واد من أودية الطائف) ذكر أهل السير أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام واستخلف على المدينة زيد بن ثابت وذلك سنة سبع عشرة (3) فلما بلغ سرغ أتاه الخبر عن الطاعون فانصرف من سرغ قال أبو عمر الوباء الطاعون وهو موت نازل (شامل) (4) لا يحل لأحد أن يفر من أرض نزل فيها إذا كان من ساكنيها ولا أن يقدم عليه إذا كان خارجا عن الأرض التي نزل بها
211

إيمانا بالقدر ودفعا لملامة النفس روينا من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فناء أمتي بالطعن والطاعون قالت الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال غدة كغدة البعير (1) تخرج في المراق والآباط (2) وقد ذكرنا هذا الخبر في باب عبد الله بن جابر بن عتيك (3) وروينا أن زيادا كتب إلى معاوية أني قد ضبطت العراق بيميني وشمالي فارغة فأخبر بذلك عبد الله بن عمر فقال مروا العجائز يدعون الله عليه ففعلن فخرج بأصبعه طاعون فمات منه وروي من حديث جابر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف (4) وقد روي عن عمر أنه ندم على انصرافه من سرغ على أنه انصرف عنه اتباعا للسنة في حديث ابن عوف خوفا أن يكون فارا من القدر أخبرنا أحمد بن سعيد قال حدثنا ابن أبي دليم (قال) حدثنا ابن وضاح حدثنا دحيم (قال) حدثنا ابن أبي
212

فديك عن هشام بن سعد عن عروة بن رويم عن القاسم عن عبد الله بن عمر قال جئت عمر (حين قدم من الشام) فوجدته نائما في خبائه فقعدت فسمعته حين يثور من نومه يقول اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ (1) قال عروة فبلغنا أنه كتب إلى عامله بالشام إذا سمعت بالطاعون قد وقع عندكم فاكتب إلي حتى أخرج قال وحدثنا ضمرة (2) عن ابن شوذب عن أبي التياح يزيد بن حميد الضبعي قال قلت لمطرف بن الشخير ما تقول رحمك الله في الفرار من الطاعون قال هو القدر يخافونه وليس منه بد حدثنا محمد بن عبد الملك حدثنا عبد الله بن مسرور حدثنا عيسى بن مسكين حدثنا محمد بن سنجر وأخبرنا إبراهيم بن شاكر حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا أبو الحسن أحمد بن عبد الرحيم حدثنا عمرو بن ثور قالا حدثنا الفريابي (محمد بن يوسف) قال حدثنا سفيان عن ميسرة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله * (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم) *
213

* (وهم ألوف حذر الموت) * 1 قال كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا فدعا الله نبي من الأنبياء أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم الله قال الفريابي وحدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عمرو بن دينار في هذه الآية قال وقع الطاعون في قريتهم فخرج أناس وبقي أناس ومن خرج أكثر ممن بقي قال فنجا الذين خرجوا وهلك الذين أقاموا فلما كانت الثانية خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم ثم أحياهم فرجعوا إلى بلدهم وقد توالدت ذريتهم ذكر أبو حاتم عن الأصمعي قال هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حمارا له ومضى بأهله نحو سفوان (2) فسمع حاديا يحدو خلفه
* لن يسبق الله على حمار
* ولا على ذي ميعة طيار
* أو يأتي الحتف على مقدار
* قد يصبح الله أمام السار
* وذكر ابن قتيبة في المعارف أن ذلك النبي حزقيل ابن بوذى (3) وقال (المدائني) يقال أنه قلما فر أحد من الطاعون فسلم من الموت قال أبو عمر لم يبلغني أن أحدا من حملة العلم
214

فر من الطاعون (1) إلا ما ذكر المدائني أن علي بن زيد بن جدعان هرب من الطاعون إلى السيالة (2) فكان يجمع كل جمعة ويرجع فكان إذا جمع صاحوا به فر من الطاعون فطعن فمات بالسيالة قال وهرب عمرو ابن عبيد ورباط بن محمد بن رباط (إلى) الرباطية فقال إبراهيم بن علي القعنبي
* ولما استفز الموت كل مكذب
* صبرت ولم يصبر رباط ولا عمرو
* أخبرنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا يموت بن المزرع قال حدثنا الرياشي قال حدثنا الأصمعي قال لما وقع الطاعون الجارف بالبصرة فني أهلها وامتنع الناس من دفن موتاهم فدخلت السباع البصرة على ريح الموت وخلت سكة بني جرير من الناس فلم يبق الله فيها سوى جارية فسمعت صوت الذئب في سكتهم ليلا فأنشأت تقول
* ألا أيها الذئب المنادي بسحرة
* إلي أنبئك الذي قد بدا ليا
* بدا لي أني قد نعيت وأني
* بقية قوم ورثوني البواكيا
* وأني بلا شك سأتبع من مضى
* ويتبعني من بعد من كان تاليا
215

وذكر المدائني قال وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان إياها فخرج هاربا منه فنزل قرية من قرى الصعيد يقال لها سكر (1) فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك فقال له عبد العزيز ما اسمك قال طالب بن مدرك فقال أوه ما أراني راجعا إلى الفسطاط (أبدا) فمات في تلك القرية (2) (وذكر ابن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا هشام بن سعد قال حدثني عروة بن أبي رويح عن القاسم عن عبد الله بن عمر قال جئت عمر حين قدم (من) الشام فوجدته قائلا في خبائه فانتظرته في فيء الخباء فسمعته حين تضور (3) من نومه وهو يقول اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ (4) يعني حين رجع من أجل الوباء وقد تقدم هذا الخبر من
غير هذا الطريق (5))
216

وقد ذكرنا الآثار المرفوعة في الطاعون في باب محمد بن منكدر من كتابنا هذا والحمد لله وهذا الحديث أبين من أن يحتاج إلى شرح وتفسير وفيه قبول خبر الواحد وفيه أيضا رواية الكبير عمن دونه في العلم والمنزلة إذا كان ثقة وفيه أنه قد يذهب عن العالم الحبر ما يوجد عند غيره من العلماء ممن ليس مثله وكان عمر رحمه الله من العلم بموضع لا يوازيه أحد قال عبد الله بن مسعود لو وضع علم عمر في كفة وعلم أهل الأرض في كفة رجح علم عمر (1) ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أنه دخل الجنة فسقى بها لبنا فناول فضله عمر فقيل له ما أولت ذلك يا رسول الله قال العلم (2) وأخباره في الفقه أكثر من أن تحصى وقد جلبنا الكثير منها في كتاب الصحابة (3) وفيه أيضا أن الحجة لازمة بخبر الواحد (العدل) وأن المرء يجب عليه الانقياد للسنة إذا ثبتت عنده من نقل الكافة كانت أو من نقل الآحاد العدول وفيه سرعة ما كانوا عليه من الانقياد للعلم والاستعمال له وبالله التوفيق
217

ابن شهاب عن السائب بن يزيد حديث واحد متصل وهو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة (الكندي (1)) يقال أنه مخزومي (ولا يصح) ويقال أنه كناني ويقال أنه ليثي ويقال هذلي ويقال أزدي وقال الزهري هو من الأزد وعداده في كنانة وقال مصعب الزبيري السائب بن يزيد بن أخت النمر وهو ينسب في كندة (2) قال أبو عمر يقال أنه من كندة وهو حليف لبني أمية أو بني عبد شمس يكنى أبا يزيد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغير وحفظ عنه أنه رأى خاتم النبوة بين كتفيه كزر الحجلة (3) وأنه مسح رأسه ودعا له بالبركة (4)
218

وأنه تلقاه في انصرافه من غزوة تبوك وقال أبو معشر عن يوسف بن يعقوب المدني سمعت السائب بن يزيد بن أخت النمر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استخرج يوم الفتح من تحت ستار الكعبة عبد الله بن خطل فضرب عنقه (صبرا) وأبوه يزيد له صحبة والسائب بن يزيد يقال هو ابن أخت النمر بن جبل والنمر بن جبل خاله وتوفي السائب بن يزيد سنة ثمانين وقيل سنة ست وثمانين وقد ذكر أحمد بن عبد الله بن صالح الكوفي قال حدثنا النضر بن محمد قال حدثنا عكرمة قال حدثنا عطاء مولى السائب بن يزيد أخي النمر بن قاسط قال كان وسط رأس السائب أسود وبقية رأسه ولحيته أبيض قال فقلت له يا سيدي والله ما رأيت مثل رأسك هذا قط هذا أبيض وهذا أسود قال أفلا أخبرك يا بني قلت بلى قال إني كنت مع الصبيان ألعب فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم فاعترضت له فسلمت عليه فقال وعليك من أنت قال قلت (أنا) السائب بن يزيد أخو النمر بن قاسط قال فمسح رأسي وقال بارك الله فيك فلا والله (لا) يبيض أبدا ولا يزال هكذا (أبدا) (هكذا) قال أحمد بن صالح
219

الكوفي وهو وهم وغلط منه أو ممن نقل عنه لم يتابع على قوله أخو النمر بن قاسط وذكر قاسط هاهنا خطأ وأظنه لما لم يعرف النمر خال السائب فإنه لا يكاد يوجد منسوبا توهمه النمر بن قاسط لشهرته في أنساب ربيعة فأخطأ والغلط لا يسلم منه أحد (وقد ذكرنا في كتابنا في الصحابة (1) وذكرنا طرفا من أخباره هناك فأغنى عن أخباره هاهنا) مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته قاعدا قط حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعدا ويقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها (2) هكذا رواه جماعة رواة الموطأ بهذا الإسناد عن مالك عن ابن شهاب عن السائب ورواه أبو حمة محمد بن يوسف (3) عن أبي قرة موسى
220

ابن طارق عن مالك عن الزهري عن عطاء بن يزيد الجندعي عن المطلب بن أبي وداعة فأخطأ فيه ورواه علي بن زياد (1) عن موسى بن طارق عن مالك (بن أنس) عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد كما رواه الناس وهو الصواب وفي هذا الحديث من الفقه إجازة صلاة النافلة جالسا لمن يطيق القيام والسبحة النافلة دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة (2) يعني نافلة قال الله عز وجل * (فلولا أنه كان من المسبحين) * 3 جاء في التفسير لولا أنه كان من المصلين (4) وقد يحتمل في اللغة أن تكون السبحة اسما لجنس الصلاة كلها نافلة وغيرها وفي اللغة أن الصلاة أصلها الدعاء لكن الأسماء الشرعية أولى لأنها قاضية على اللغوية وفي قول رسول
221

الله صلى الله عليه وسلم اجعلوا صلاتكم معهم سبحة وقد روى اجعلوا صلاتكم معهم نافلة وكذلك قوله للذين لم يصليا معه بمسجد الخيف إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما المسجد فصليا مع الناس تكون لكما سبحة (1) وروى تكون لكما نافلة وهذا كله دليل على أن السبحة حقيقتها في الاسم الشرعي النافلة دون الفريضة لأنه مرة يقول سبحة ومرة (يقول) نافلة وفيه ترتيل القرآن في الصلاة وهو الذي أمر الله به رسوله واختاره له ولسائر أمته قال الله عز وجل * (ورتل القرآن ترتيلا) * 2 والترتيل التمهل والترسل ليقع مع ذلك التدبر وكذلك كانت قراءته صلى الله عليه وسلم حرفا حرفا (3) فيما حكت أم سلمة وغيرها وقد ذكرنا فضل الترتيل على الهذ في كتاب جمعناه في (البيان عن تلاوة القرآن) وفي قول حفصة فيرتلها حتى تكون (أطول من أطول منها) دليل على إباحة الهذ لأنه محال أن تكون) أطول من أطول منها إذا رتلت التي هي أطول
222

منها مثل ترتيلها وإنما أرادت أطول (من أطول) منها إذا حدرت تلك وهذ بها قارئها (1) وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي في النافلة جالسا إلا في آخر عمره وذلك حين أسن وضعف عن القيام وبدن وأنه كان صابرا طول عمره على القيام والاجتهاد في العمل حتى كانت ترم (2) قدماه صلوات الله وسلامه عليه وفي هذا دليل على أن الفضل في النافلة قائما مثلما ذلك فيها جالسا دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (3) يعني في الأجر وقد تقدم القول في هذا الحديث (4) فأغنى عن إعادته حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا ابن عيينة عن زياد بن علاقة سمع المغيرة بن شعبة يقول قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ورمت قدماه فقالوا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من
223

ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا (1) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو قلابة الرقاشي قال حدثنا أبو زيد قال حدثنا شعبة عن الأعمش
عن أبي صالح عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه فقيل له تفعل هذا وقد غفر (الله) لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا (2) ورواه الثوري عن الأعمش بإسناده مثله وحدثنا سعيد بن نصر (قال حدثنا قاسم) بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا ابن عجلان قال حدثني محمد بن يحيى بن حبان (3) عن ابن محيريز (4) عن معاوية بن أبي سفيان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبادروني بركوع ولا بسجود فإني مهما أسبقكم به
224

إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت أني قد بدنت (1) كذا قال بدنت بالضم ومعناه عند أهل اللغة أنه حمل اللحم وثقل كذا فسره أبو عبيد قال وأما من قال إني قد بدنت بفتح الدال وتشديدها فيعني أنه أسن وضعف بأخذ السن منه حدثني عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله قال حدثني عيسى بن مسكين قال قال لي ابن أبي أويس قال إبراهيم بن سعد هذا الذي يروي قد بدنت فقلت ما الحجة فيه قال قول الشاعر (2
* قامت تريك بدنا مكنونا
* كعرقي البيض استمات لينا
* وخلت أن الشيب والتبدينا
* والنأى مما يذهل القرينا
225

ابن شهاب عن محمود بن الربيع حديث واحد متصل وهو محمود بن الربيع بن سراقة الأنصاري الخزرجي سمع من عتبان بن مالك وعبادة بن الصامت ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقل مجة مجها (1) من دلو في بئرهم (2) يكنى أبا نعيم (3) روى عنه أنس بن مالك وتوفي محمود بن الربيع سنة تسع وتسعين (4) وقد ذكرناه في كتاب الصحابة (5) مالك عن ابن شهاب عن محمود ابن الربيع أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أنها تكون الظلمة والسيل والمطر وأنا رجل ضرير البصر
226

فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين تحب أن أصلي فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) قال يحيى في هذا الحديث عن مالك عن ابن شهاب عن محمود بن لبيد (2) وهو غلط بين وخطأ غير مشكل ووهم صريح لا يعرج عليه ولهذا لم نشتغل بترجمة الباب عن محمود بن لبيد لأنه من الوهم الذي يدركه من لم يكن له بالعلم كبير عناية وهذا الحديث لم يروه أحد من أصحاب مالك ولا من أصحاب ابن شهاب إلا عن محمود بن الربيع ولا يحفظ إلا لمحمود بن الربيع وهو حديث لا يعرف إلا به وقد رواه عنه أنس بن مالك عن عتبان بن مالك ومحمود بن لبيد ذكره في هذا الحديث خطأ والكمال لله والعصمة به لا شريك له وفي هذا الحديث من الفقه أن إمامة الأعمى جائزة وفيه أنه كان يجمع في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ذلك لعذر ومن هذا الباب قوله ألا صلوا في الرحال (3) والله أعلم
227

وفيه التخلف عن الجماعة في المطر والظلمة لمن لم يطق المشي إليها أو تأذى به وفيه أن يخبر الإنسان عن نفسه بعاهة فيه وأن ذلك ليس من الشكوى وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووطئها وقام عليها وفي هذا دليل على صحة ما كان القوم عليه من صريح الإيمان وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق وجميل الأدب في إجابته كل من دعاه إلى ما دعاه إليه ما لم يكن إثما حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا علي بن عبد الحميد أبو الحسين المعنى (1) قال حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال حدثنا محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال أصابني في بصري بعض الشيء فقلت يا رسول الله إنه قد أصابني في بصري بعض الشيء وإني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فأتخذه مصلى ففعل (2) وأخبرني سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال أخبرني مصعب بن عبد الله أن
228

عتبان بن مالك شهد حنينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما وقال ابن البرقي هو عتبان بن مالك بن عمرو بن عجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج شهد بدرا فيما قاله عروة والزهري (1) ولم يذكره ابن إسحاق في أهل بدر (2) قال أبو عمر قد حدث ابن عيينة عن الزهري بحديث لعتبان بن مالك أنكره الشافعي وقال حدث مالك هذا يرده حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة إن شاء الله عن عتبة بن مالك أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التخلف عن الصلاة قال أتسمع النداء قال نعم فلم يرخص له (3) (وهذا عندنا على الجمعة فلا تتعارض الأحاديث وحديث مالك لعتبان في الظلمة والسيل والمطر
229

أثبت من حديث ابن عيينة (وهو كما قال الشافعي رحمه الله) وقد ذكرت طرق حديث عتبان بن مالك في باب حديث ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار في هذا الكتاب وسقت منها هناك ما يشفي الناظر فيه إن شاء الله
230

ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف واسم أبي أمامة أسعد بن سهل قال أحمد بن حنبل سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم جده أبي أمه أسعد بن زرارة أبي أمامة وأمه (1) ابنة أسعد بن زرارة ذكره أحمد بن زهير قال سمعت أحمد بن حنيل (يقول) ومن أراد أن يرى نسبه نظره عند ذكر أبيه من كتابنا في الصحابة (2) كان أبو أمامة هذا من جلة فقهاء التابعين وكبارهم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم بمولده وسمع أباه وأبا هريرة وابن عباس وجماعة من الصحابة وقد ذكرناه في كتاب الصحابة (3) وإن كان معدودا في كبار التابعين لأنه أدرك عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح رأسه (وسماه) وكناه (وكان) مولده
231

قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين ومات سنة مائة (1) لابن شهاب عنه في الموطأ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث الاثنان منها متصلان
والثالث مرسل
232

حديث أول لابن شهاب عن أبي أمامة متصل مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فلبط بسهل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف والله ما يرفع رأسه فقال هل تتهمون له أحدا قالوا نتهم عامر بن ربيعة قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر (بن ربيعة) فتغيظ عليه وقال علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت اغتسل له فغسل عامر وجهه (ويديه) ومرفقيه
233

وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه فراح سهل مع الناس ليس به بأس (1) قال أبو عمر ليس في حديث مالك هذا في غسل العائن عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من قوله اغتسل له وفيه كيفية الغسل من فعل عامر بن ربيعة ورواه معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف وهو يغتسل فتعجب منه فقال تالله إن رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة في خدرها أو قال جلد فتاة في خدرها قال فلبط حتى ما يرفع رأسه قال فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تتهمون أحدا قالوا لا يا رسول الله إلا أن عامر بن ربيعة قال له كذا وكذا فدعا عامرا فقال سبحان الله علام يقتل أحدكم أخاه إذا رأى منه شيئا يعجبه فليدع له بالبركة قال ثم أمره فغسل وجهه وظهر عقبيه ومرفقيه وغسل صدره وداخلة إزاره وركبتيه وأطراف قدميه ظاهرهما في الإناء ثم أمره فصب على رأسه وكفأ
234

الإناء من خلفه قال وأمره فحسا منه حسوات قال فقام فراح مع الركب قال جعفر بن برقان للزهري ما كنا نعد هذا حقا (1) قال بل هي السنة (2) قال أبو عمر أما غريب هذا الحديث فالمخبأة مهموز من خبأت الشيء إذا سترته وهي المخدرة المكنونة التي لا تراها العيون ولا تبرز للشمس فتغيرها يقول إن جلد سهل كجلد الجارية المخدرة إعجابا بحسنه (3) قال عبد الله (4) بن قيس الرقيات
* ذكرتني المخبآت (5) لدى الحجر
* ينازعنني سجوف الحجال
* وقال إبراهيم (6) بن هرمة
* يا لك من خلة مباعدة
* تكتم أسرارها وتخبؤها
* ولبط صرع وسقط تقول منه لبط به يلبط لبطا فهو
235

ملبوط وقال ابن وهب لبط وعك قال الأخفش يقال لبط به ولبج به إذا سقط إلى الأرض من خبل أو سكر أو اعياء أو غير ذلك وقال ابن وهب في قوله داخلة إزاره هو (1) الحقو يجعل من تحت الإزار في حقوه وهو طرف الإزار (الذي تعطفه إلى يمينك) ثم تشد عليه الازرة قال وهذا قول مالك وفسره ابن حبيب بنحو ذلك أيضا قال داخلة الإزار هو الطرف المتدلي الذي يضعه المؤتزر أولا على حقوه الأيمن وقال الأخفش داخلة إزاره الجانب الأيسر من الإزار الذي تعطفه إلى يمينك ثم تشد الإزار وقال أبو عبيد طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده وهو يلي الجانب الأيمن من الرجل لأن المؤتزر إنما يبدأ بجانبه الأيمن فذلك الطرف يباشر جسده فهو الذي يغسل قال أبو عمر الإزار هو المئزر عندنا فما التصق منه بخصره
236

وسرته فهو داخلة إزاره وأما ما في هذا الحديث من المعنى ففيه الاغتسال بالعراء في السفر وذلك بين في غير هذه الرواية في هذا الحديث وفيه أن النظر إلى المغتسل مباح إذا لم ينظر منه إلى عورة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لعامر لم نظرت إليه وإنما عاتبه على ترك التبريك لا غير وقد يستحب العلماء أن لا ينظر الإنسان إلى المغتسل خوفا أن تقع عين الناظر منه على عورة وليس بمحرم النظر منه إلى غير عورة وفيه ما يدل على أن في طباع البشر الإعجاب بالشيء الحسن والحسد عليه وهذا لا يملكه المرء من نفسه فلذلك لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وإنما عاتبه على ترك التبريك الذي كان في وسعه وطاقته وفيه أن العين حق وأنا تصرع وتودي وتقتل وقد روى في حديث سهل هذا أن العين حق من حديث مالك عن محمد بن أبي أمامة عن أبيه (1) وروى من غير حديث مالك أيضا حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا عبد الرحمن
237

ابن سليمان بن الغسيل (1) قال حدثنا مسلمة بن خالد الأنماري قال سمعت أبا امامة بن سهل بن حنيف يقول حدثني أبي سهل بن حنيف أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول علام يقتل أحدكم أخاه وهو عن قتله غني إن العين حق فإذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه أو من ماله فليبرك عليه فإن العين حق (2) وفي قوله صلى الله عليه وسلم علام يقتل أحدكم أخاه دليل (على) أن العين ربما قتلت وكانت سببا من أسباب المنية أخبرنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني حدثنا محمد بن بشار حدثنا مؤزر حدثنا سفيان حدثنا حصين عن هلال (3) بن يساف عن سحيم (4) بن نوفل قال كنا عن عبد الله نعرض المصاحف فجاءت جارية أعرابية إلى رجل منا فقالت
238

أن فلانا قد لقع مهرك (1) بعينه وهو يدور في فلك لا يأكل ولا يشرب ولا يبول ولا يروث فالتمس له راقيا فقال عبد الله لا نلتمس له راقيا ولكن ائته فانفخ في منخره الأيمن أربعا وفي الأيسر ثلاثا وقل لا بأس أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت فقام الرجل فانطلق فما برحنا حتى رجع فقال لعبد الله فعلت الذي أمرتني به فما برحت حتى أكل وشرب (وبال) وارث وحكى المدائني عن الأصمعي قال حج هشام بن عبد الملك فأتى المدينة فدخل عليه سالم بن عبد الله بن عمر فلما خرج من عنده قال هشام ما رأيت ابن سبعين أحسن كدنة منه فلما صار سالم في منزله حم فقال أترون الأحول لقعني بعينيه فما خرج هشام من المدينة حتى صلى
عليه وقد ذكرت في باب محمد بن أبي أمامة من هذا الكتاب زيادة في هذا المعنى وشرحا والحمد لله وفي تغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عامر بن ربيعة دليل على أن تأنيب كل من كان منه أو بسببه سوء وتوبيخه مباح وان كان الناس كلهم يجرون
239

تحت القدر ألا ترى أن القاتل يقتل وإن كان المقتول يموت بأجله وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا عبد الصمد قال حدثنا أبو هاشم صاحب الزعفراني (1) قال قلت للحسن رجل قتل رجلا أبأجله قتله قال قتله بأجله وعصى ربه قال أبو عمر وكذلك يوبخ كل من كان منه أو بسببه سوء وإن كان القدر قد سبق له بذلك وفي قوله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحديث لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له وإن العين لا تسبق القدر ولكنها من القدر وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا بركت دليل على أن العين لا تضر ولا تعدو إذا برك العائن وأنها إنما تعدو إذا لم يبرك فواجب على كل من أعجبه شيء أن يبرك فإنه إذا دعا بالبركة صرف
240

المحذور لا محالة والله أعلم والتبريك أن يقول تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه وفيه أن العائن يؤمر بالاغتسال الذي عانه ويجبر (عندي) على ذلك أن أباه لأن الأمر حقيقته الوجوب ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولا يضره هو لا سيما إذا كان بسببه وكان الجاني عليه فواجب على العائن الغسل عندي والله أعلم وفيه إباحة النشرة (1) وإباحة عملها وقد قال الزهري في ذلك أن هذا من العلم وإذا كانت مباحة فجائز أخذ البدل عليها وهذا إنما يكون إذا صح الانتفاع بها فكل ما لا ينتفع به بيقين فأكل المال عليه باطل (محرم) وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالنشرة للمعين وجاء ذلك عن جماعة من أصحابه منهم سعد بن أبي وقاص خرج يوما وهو أمير الكوفة فنظرت إليه امرأة فقالت إن أميركم هذا لأهضم الكشحين (فعانته) فرجع إلى منزله فوعك ثم أنه بلغه ما قالت فأرسل إليها فغسلت له أطرافها ثم اغتسل (به) فذهب (ذلك) عنه وأحسن شيء في تفسير الاغتسال
241

للمعين ما وصفه الزهري وهو راوي الحديث ذكر ذلك عنه ابن أبي ذئب وغيره حدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة عن ابن أبي ذئب (عن الزهري) عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه أن عامرا مر به وهو يغتسل فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة قال فلبط به حتى ما يعقل لشدة الوجع فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ عليه فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال قتلته علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال اغسلوه فاغتسل فخرج مع الركب قال وقال الزهري أن هذا من العلم يغتسل له الذي عانه يؤتى بقدح من ماء فيدخل يده في القدح فيمضمض ويمجه في القدح ويغسل وجهه في القدح ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمنى ثم بكفه اليمنى على كفه اليسرى ثم يدخل بيده اليسرى فيصب بها على مرفق يده اليمنى ثم بيده اليمنى ثم بيده اليمنى على مرفق
242

يده اليسرى ثم يغسل قدمه اليمنى ثم يدخل اليمنى فيغسل قدمه اليسرى ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين ثم يأخذ داخلة إزاره فيصب على رأسه صبة واحدة ولا يضع القدح حتى يفرغ وزاد ابن حبيب في قول الزهري هذا حكاه عن الحنفي (1) عن ابن أبي ذئب عن الزهري (2) يصب من خلفه صبة واحدة يجري على جسده ولا يوضع القدح في الأرض قال ويغسل أطرافه المذكورة (كلها) وداخلة إزاره في القدح حدثني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق ببغداد قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يسأل عن رجل يزعم أنه يحل السحر يؤتى بالمسحور فيحل عنه فقال قد رخص فيه بعض الناس وما أدري ما هذا
243

قال الأثرم حدثنا حفص بن عمر النمري قال حدثنا هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الرجل يؤخذ عن امرأته فيلتمس من يداويه قال إنما نهى الله عما يضر ولم ينه عما ينفع قوله يؤخذ عن امرأته أي النساء (قال) والأخذة (1) رقية تأخذ العين أخبرنا محمد بن إبراهيم حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا نصر بن مرزوق حدثنا يحيى بن حسان قال حدثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي الزبير المكي قال سألت جابر بن عبد الله عن الرجل يأبق له العبد أيؤخذ قال نعم أو قال لا بأس (به) قال وحدثنا يحيى بن حسان حدثنا محمد بن دينار عن محمد بن سيف أبي رجاء قال سمعت محمد بن سيرين يحدث عن ابن عمر قال الأخذة (هي) السحر قال حدثنا يحيى بن حسان قال حدثنا محمد بن دينار عن أبي رجاء محمد بن سيف قال سألت الحسن عن الأخذة ففزع وقال لعلك صنعت من ذلك شيئا قلت لا قال حدثنا يحيى بن حسان قال حدثنا محمد بن دينار عن عمرو بن عوف عن إبراهيم
244

عن الأسود قال سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النشرة (فقالت) ما تصنعون بالنشرة والفرات إلى جانبكم ينغمس فيه (أحدكم) سبع انغماسات إلى جانب الجرية قال حدثنا يحيى بن حسان قال حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه سئل عن الرجل يأبق له العبد أيؤخذه فقال سعيد بن المسيب قد وخذنا فما رد علينا شيء أو رد علينا شيئا وأخبرنا عبد الرحمن حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج قال سألت عطاء بن أبي رباح عن النشرة فكره نشرة الأطباء وقال لا أدري ما يصنعون فيها وأما شيء تصنعه أنت فلا بأس به قال ابن وهب وأخبرني يحيى بن أيوب أنه سمع يحيى بن سعيد يقول ليس بالنشرة التي يجمع فيها من الشجر والطيب ويغتسل به الإنسان باس وذكر سنيد (1)
245

قال حدثنا أبو سفيان (1) عن معمر وذكره عبد الرزاق عن معمر قال سمعت عبد الله بن طاوس يحدث عن أبيه قال العين حق ولو كان شيء سابق (2) القدر سبقته العين وإذا استغسل أحدكم فليغتسل (3) أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا وهيب قال حدثنا طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغتسلوا (4)
246

حديث ثان لابن شهاب عن أبي أمامة متصل مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عباس عن خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم بيت ميمونة (زوج (1) النبي صلى الله عليه وسلم) فأتى (رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)) بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (بيده (3)) فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة أخبروا رسول الله بما يريد أن يأكل منه فقالوا هو ضب (يا رسول (4) الله) فرفع (رسول (5) الله) يده فقلت أحرام هو يا رسول الله قال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر (6)
247

هكذا قال يحيى بن يحيى عن ابن عباس عن خالد بن الوليد وتابعه القعنبي وابن القاسم وجماعة من أصحاب مالك وقال ابن بكير عن ابن عباس وخالد بن الوليد أنهما دخلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة وتابعه قوم وكذلك رواه معمر عن الزهري أن ابن عباس وخالدا شهدا هذه القصة بنحو رواية ابن بكير ولم تختلف نسخ الموطأ في إسناد هذا الحديث عن مالك عن ابن شهاب (عن أبي أمامة عن ابن عباس ورواه عثمان بن عمر فأخطأ في إسناده جعله عن مالك عن ابن شهاب) عن عبيد الله عن ابن عباس حدثنا خلف بن قاسم حدثنا علي بن حسن بن علان (1) ومحمد بن عبد الله القاضي قالا حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا عباد بن زياد الساجي حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد بن عتبة عن ابن عباس قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة ومعه خالد بن الوليد فأتى بضب فأهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال بعض النسوة أنه ضب فرفع يده
248

فقيل (له) أحرام هو يا رسول الله قال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال فأما خالد فأكله ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر (وذكره الدارقطني عن محمد (1) بن سليمان المالكي القاضي بالبصرة عن بندار عن عثمان بن عمر) وذكره الدارقطني أيضا عن إسماعيل بن محمد الصفار (2) عن أبي داود السجستاني عن عباد بن زياد عن عثمان بن عمر (مثله) سواء والضب دويبة معروفة بأرض اليمن وليس موجودا بمكة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بأرض قومي وأظنه بالحجاز كله غير مأكول أيضا عندهم ولا موجودا ألا ترى إلى ما نقله جماعة أهل الأخبار أن مدنيا سأل أعرابيا فقال أتأكلون الضب فقال نعم قال واليربوع قال نعم قال والقنفذ قال نعم
249

قال والورل (1) قال نعم قال فتأكلون أم حبين (2) قال لا قال فليهنىء أم جبين العافية ومما يدلك على أن الضب لا يوجد إلا في بعض أرض العرب قول بعض (3) بني تميم
* لكسرى كان أعقل من تميم
* ليالي فر من أرض الضباب
* وقال غيره (4
* بلاد تكون الخيم أظلال أهلها
* إذا حضروا بالقيظ والضب نونها
* وقد ذكرنا صفته بما لا يشكل من كلام العرب وأشعارها في باب عبد الله بن دينار من هذا الكتاب وذكرنا هناك أيضا من الآثار المنقولة في مسخه ما فيه كفاية وبيان والحمد لله
250

والمحنوذ المشوى في الأرض وذلك أن العرب كانت تحفر حفرة وتوقد فيها النار فإذا حميت وضع ذلك الشيء الذي يشوي في الحفيرة ودفن فهو الحنيذ عندهم وقد قيل إنما يوضع في التنور إذا غطى وطين عليه حنيذ أيضا يقال حنيذ ومحنوذ مثل قتيل ومقتول وفي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يواكل أصحابه فجائز للرئيس أن يواكل أصحابه وحسن جميل به ذلك وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل اللحم وفيه أنه كان صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب وإنما كان يعلم منه ما يظهره الله عليه وفيه أن النفوس تعاف ما لم تعهد وفيه أن أكل الضب حلال وأن من الحلال ما تعافه النفوس وفيه دليل على أن التحليل والتحريم ليس مردودا إلى الطباع ولا إلى ما يقع في النفس وإنما الحرام ما حرمه الكتاب والسنة أو يكون في معنى ما حرمه أحدهما ونص عليه وفيه دليل على خطأ من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضب (لست بمحله ولا بمحرمه (5))
251

وهذا ليس بشيء وقد رده ابن عباس رضي الله عنه وقال لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا آمرا أو ناهيا أو محلا أو محرما ولو كان حراما لم يؤكل على مائدته (وأما دخول خالد (1) بن الوليد وعبد الله بن عباس بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه ميمونة مع النسوة اللاتي قال بعضهن أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه فإنما كان ذلك قبل نزول الحجاب والله أعلم) وليس الضب ذا ناب والله أعلم للفرق الذي ورد بين حكمه وحكم كل ذي ناب في الأكل وبالله التوفيق وقد سلف القول منا في أكل (كل) ذي ناب من السباع في باب إسماعيل بن أبي حكيم من كتابنا (2) هذا مستوعبا كاملا فأغنى عن إعادته هاهنا وسيأتي من ذكر الآثار في الضب بما فيه شفاء في باب عبد الله بن دينار عن ابن عمر من كتابنا هذا إن شاء الله
252

حديث ثالث لابن شهاب عن أبي أمامة (مرسل) وهو يتصل من وجوه كثيرة ثابتة من غير حديث مالك مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين ويسأل عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ماتت فآذنوني (بها) فخرج بجنازتها ليلا فكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان من شأنها فقال ألم آمركم أن تؤذنوني بها فقالوا يا رسول الله كرهنا أن نخرجك ليلا ونوقظك فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات (1)
253

لم يختلف على مالك في الموطأ في إرسال هذا الحديث وقد روى موسى (1) بن محمد بن إبراهيم القرشي عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن رجل من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة بعدما دفنت فكبر عليها أربعا وهذا لم يتابع عليه وموسى (2) بن محمد هذا متروك الحديث وقد روى سفيان بن حسين (هذا الحديث) عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث مسند متصل صحيح من غير حديث مالك من حديث الزهري (وغيره) وروى من وجوه كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها ثابتة وفيه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العالم إذا لم يكن في ذلك مكروه فيكون غيبة وفيه من الفقه أنه جائز أن يتحدث بأحوال الناس من التواضع وأنه كان يعود الفقراء فجائز للخليفة أن يعود
254

المرضى وإن تواضع وعاد المساكين وشهد جنائزهم كان أفضل وأسنى وكان جديرا أن يعد من الخلفاء وفيه إباحة عيادة النساء وإن لم يكن ذوات محرم ومحل هذا عندي أن تكون المرأة متجالة وإن كانت غير متجالة فلا إلا أن يسأل عنها ولا ينظر إليها وفيه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخلق الجميل في العفو وأنه أمر أصحابه فلم يفعلوا ما أمروا به ولم يعاتبهم وفيه إجازة الإذن بالجنازة وذلك رد على من قال لا تشعروا بي أحدا وقد كان جماعة يكرهون ذلك ورخص فيه آخرون ودلائل السنة تدل على جواز ذلك والحمد لله فأما الذين كرهوا ذلك فابن مسعود وأصحابه واختلف في ذلك عن ابن عمر وإبراهيم ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن أبي حمزة عن إبراهيم عن علقمة قال الإيذان بالجنازة من النعي والنعي من أمر الجاهلية (1) قال إبراهيم (2) إذا كان عندك من يحمل الجنازة فلا تؤذن أحدا مخافة أن يقال ما أكثر من اتبعه
255

قال وأخبرنا معمر عن أبي إسحاق (1) إن علقمة بن قيس حين حضرته الوفاة قال لا تؤذنوا بي أحدا كفعل الجاهلية (قال وأخبرنا الثوري عن عاصم بن محمد عن أبيه أن ابن عمر كان يتحين بجنائزه غفلة الناس) قال وأخبرني عمر بن راشد (2) عن يحيى بن أبي كثير عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال لا تؤذنوا بموتي أحدا حسبي من يحملني إلى حفرتي قال وأخبرنا هشام الدستوائي (3)
256

عن حماد (1) عن إبراهيم قال لا بأس إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه وأصحابه إنما كانوا يكرهون أن يطاف في المجالس أنعى فلانا كفعل الجاهلية (2) وروى حماد بن زيد عن عاصم عن أبي وائل قال قال عمرو بن شرحبيل حين حضرته الوفاة ما أدع مالا ولا أدع علي من دين وما أدع من عيال يهموني بعدي فإذا (أنا) مت فلا تنعوني إلى أحد وأسرعوا في المشي وذكر الحديث (3) وحماد بن زيد عن ابن عون قال سألت إبراهيم أكان النعي يكره قال نعم فذكرت ذلك لمحمد بن سيرين فقال يؤذن الرجل حميمه ويؤذن صديقه ورخص في ذلك جماعة منهم أبو هريرة وغيره والأصل في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم إذا ماتت فآذنوني بها ونعى النجاشي للناس وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أنس بن مالك قال نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم
257

أصحاب مؤتة على المنبر رجلا رجلا بدأ بزيد بن حارثة ثم جعفر بن أبي طالب ثم عبد الله بن رواحة قال فأخذ اللواء خالد بن الوليد وهو سيف من سيوف الله قال أبو عمر شهود الجنائز أجر وتقوى وبر والإذن بها تعاون على البر والتقوى وإدخال الأجر على الشاهد وعلى المتوفى ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا مائة يستغفرون له إلا شفعوا فيه (1) رواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد (2) وكان أخا عائشة في الرضاعة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن هذا العدد ومثله لا يجتمعون لشهود جنازة إلا أن يؤذنوا لها وبالله التوفيق
258

وفيه أن عصيان المرء من أمره إذا أراد بعصيانه بره وتعظيمه لا يعد عليه ذنبا وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعز عليه أن يعصى إذا لم تنتهك لله حرمة ولم يعص عز وجل ألا ترى لي قول عائشة رضي الله عنها ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها وفيه إباحة الدفن بالليل وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطلع على ما غاب عنه إلا أن يطلعه الله عليه وفيه الصلاة على القبر لمن لم يصل على الجنازة وهذا عند كل من أجازه ورآه إنما هو بحدثان ذلك على ما جاءت به الآثار المسندة وعن الصحابة أيضا رحمهم الله مثل ذلك وفيه الصف على الجنازة وفيه ان التكبير على الجنازة أربع تكبيرات وفيه أن سنة الصلاة على القبر كسنة الصلاة على الجنازة سواء في الصف عليها والدعاء والتكبير واختلف الفقهاء فيمن فاتته الصلاة على الجنازة فجاء وقد سلم من الصلاة عليها وقد دفنت فقال مالك وأبو حنيفة لا تعاد الصلاة على الجنازة ومن لم يدرك
259

الصلاة مع الناس عليها لم يصل عليها ولا يصل على القبر وهو قول الثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد وقال بن القاسم قلت لمالك فالحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر امرأة قال قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل وذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر قدم بعدما توفي عاصم أخوه فسأل عنه فقال أين قبر أخي فدلوه عليه فأتاه فدعا له قال عبد الرزاق وبه نأخذ (1) قال وأخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صلى عليها دعا وانصرف ولم يعد الصلاة (2) وذكر عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم قال لا تعاد على ميت صلاة (3) قال وقال معمر كان الحسن إذا فاتته صلاة على جنازة لم يصل عليها وكان قتادة يصلي عليها بعد إذا فاتته (4)
260

وقال الشافعي وأصحابه من فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر إن شاء الله وهو رأى عبد الله بن وهب ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وهو قول أحمد ابن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي وسائر أصحاب الحديث قال أحمد ابن حنبل رويت الصلاة على القبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه حسان كلها وفي كتاب عبد الرزاق عن ابن مسعود ومحمد بن قرظة (1) أن أحدهما صلى على جنازة بعدما دفنت وصلى الآخر عليها بعدما صلي عليها (2) قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال توفي عبد الرحمن بن أبي بكر على ستة أميال من مكة فحملناه حتى جئنا به إلى مكة فدفناه فقدمت عائشة علينا بعد ذلك فعابت علينا ذلك ثم قالت أين قبر أخي فدللناها عليه فوضعت في هودجها عند قبره وصلت عليه (3) وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن
داود قال حدثنا
261

أحمد بن محمد بن هانىء الطائي الأثرم الوراق قال حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا (أيوب عن) ابن أبي مليكة أن عبد الرحمن بن أبي بكر توفي في منزل له كان فيه فحمناه على رقابنا ستة أميال إلى مكة وعائشة غائبة فقدمت بعد ذلك فقالت أروني قبر أخي فأروها فصلت عليه وقال حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال قدمت عائشة بعد موت أخيها بشهر فصلت على قبره وقال عبد الرزاق حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن حنش (1) بن المعتمر قال جاء ناس من بعد أن صلى (علي) على سهل بن حنيف فأمر على قرظة الأنصاري أن يؤمهم (ويصلي) عليه بعد ما دفن (2) وعن ابن موسى أنه فعل ذلك وأما الستة وجوه التي ذكر أحمد بن حنبل أنه روى منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلى) على قبر فهي والله أعلم (حديث) سهل بن حنيف وحديث
262

سعد بن عبادة وحديث أبي هريرة روى من طرق وحديث عامر بن ربيعة وحديث (أنس) (وحديث ابن عباس) فأما حديث سهل بن حنيف فحدثناه أبو عثمان سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا سعيد ابن يحيى أبو سفيان الحميري عن سفيان ابن حسين (1) عن الزهري عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود فقراء أهل المدينة ويشهد جنائزهم إذا ماتوا قال فتوفيت (2) (امرأة) من أهل العوالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضت فآذنوني بها قال فأتوه ليؤذنوه فوجدوه نائما وقد ذهب الليل فكرهوا أن يوقظوه وتخوفوا عليه ظلمة الليل وهوام الأرض قال فدفناها فلما أصبح سأل عنها فقالوا يا رسول الله
263

أتيناك لنؤذنك فوجدناك نائما فكرهنا أن نوقظك وتخوفنا عليك ظلمة الليل وهوام الأرض قال فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبرها فصلى عليها وكبر أربعا (1) وأما حديث سعد بن عبادة فحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال (حدثنا نعيم بن حماد) قال حدثنا ابن المبارك قال أخبرنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن ابن المسيب أن سعد بن عبادة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أم سعد توفيت وأنا غائب فصل عليها يا رسول الله فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليها وقد دفنت قبل ذلك بشهر (2) وروى القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن أم سعد بن عبادة ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب فأتى قبرها وصلى عليها وقد مضى لذلك شهر حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا
264

الخشني محمد بن عبد السلام قال حدثنا بندار (1) محمد بن بشار قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان فذكره بإسناده (وذكره أبو بكر الأثرم قال حدثناأحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد فذكره بإسناده سواء) وأما حديث أبي هريرة فرويناه من وجوه أحسنها ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر وأخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا عثمان بن جرير قالا (حدثنا) أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة قال كانت امرأة تقم (2) المسجد فماتت فدفنت ليلا
265

ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فهلا أعلمتموني فقالوا ماتت ليلا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المقبرة فصلى على قبرها ثم قال إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن صلاتي عليها نور (1) قال حماد لا أدري الكلام الآخر عن أبي هريرة هو أم لا (وأخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر وأحمد بن عبد الله بن محمد قالا أخبرنا مسلمة بن قاسم بن إبراهيم قال حدثنا جعفر بن محمد بن محمد الأصبهاني قال حدثنا يونس بن حبيب بن عبد القاهر قال حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا حماد بن زيد وأبو عامر الجزار عن ثابت البناني عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كانت تنقي المسجد من الأذى ثم ماتت فدفنت ولم يؤذن النبي عليه السلام فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال دلوني على قبرها فانطلق إلى القبر فأتى على القبور فقال إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن الله ينورها بصلاتي عليها (2) ثم أتى القبر فصلى عليها فقال رجل من الأنصار يا رسول الله إن أبي أو أخي مات وقد دفن فصل عليه يا رسول الله فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأنصاري (3))
266

وأما حديث عامر بن ربيعة فحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا ابن أبي شيبة قال حدثنا داود بن عبد الله الجعفري (1) قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن زيد بن قنفذ عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر حديث فقال ما هذا القبر قالوا قبر فلانة قال فهلا آذنتموني قالوا كنت نائما فكرهنا أن نوقظك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تفعلوا ادعوني لجنائزكم ثم صف عليها فصلى (2) وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن (3) قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة
267

قال حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن زيد بن المهاجر (1) عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر حديث فسأل عنه فقيل قبر فلانة المسكينة قال فهلا آذنتموني أصلي عليها فقالوا يا رسول الله كنت نائما فكرهنا أن نوقظك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوني لجنائزكم أو قال اعلموني بجنائزكم فصف وصف الناس خلفه وصلى عليها وحدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال حدثنا الخضر ابن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا أبو ثابت محمد بن عبد الله (2) والقعنبي جميعا قالا حدثنا عبد العزيز بن محمد (عن محمد) بن زيد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة
268

عن أبيه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبر حديث فذكر مثله سواء وأما حديث ابن عباس فحدثناه خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا شعبة وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح المدائني قال حدثنا عثمان بن عمر قال حدثنا شعبة عن سليمان الشيباني قال سمعت الشعبي يقول أخبرني من مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ فكبر عليه قال فقلت للشعبي يا أبا عمرو من أخبرك بهذا قال أخبرني بذلك ابن عباس وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا خالد بن عبد الله قال حدثنا الشيباني عن عامر عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر حديث عهد بدفن فسأل عنه فقالوا
269

مات ليلا فكرهنا أن نوفظك فنشق عليك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفنا خلفه فصلينا عليه وأخبرنا عبد الرحمن بن أبان قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا الثوري عن سليمان الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة بعدما دفنت (1) وأما حديث أنس فحدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن زكرياء المقدسي قال حدثنا مضر بن محمد الأسدي قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا غندر عن شعبة عن حبيب بن الشهيد وعن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر امرأة بعدما دفنت وحدثناه أبو العباس أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال حدثنا عبيد الله (2) ابن محمد بن حبابة البغدادي
270

قال حدثنا البغوي قال حدثنا إبراهيم (بن هانىء قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن حبيب بن) الشهيد وعن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعد ما دفن وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر من ثلاثة أوجه سوى هذه الستة الأوجه المذكورة وكلها حسان منها (حديث) لزيد بن ثابت الأنصاري والحصين (1) بن وحوح وأبي أمامة بن ثعلبة (2) الأنصاري فالله أعلم أيها أراد أحمد بن حنبل أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا هشيم قال أخبرني عثمان بن حكيم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن عمه يزيد بن ثابت
271

قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد فسأل عنه فقيل فلانة فعرفها فقال أفلا آذنتموني قالوا يا رسول الله كنت قائلا نائما فكرهنا أن نؤذنك فقال لا تفعلوا لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به فإن صلاتي عليه له رحمة قال ثم أتى القبر فصفنا خلفه فكبر أربعا (1) وأخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا أحمد بن حباب قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا سعيد بن عثمان البلوي عن عروة بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده في الشتاء في برد وغيم فلما انصرف قال لأهله إني ما أرى طلحة إلا وقد حدث به الموت فآذنوني به حتى أشهده وأصلي عليه وعجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله فلم يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم
272

بني سالم حتى توفي وجن عليه الليل فكان مما قال طلحة ادفنوني (وألحقوني) بربي ولا تدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف عليه (اليهود) أن يصاب بشيء فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبح فجاء حتى وقف على قبره (في) قطاره (1) بالعصبة (2) فصف وصف الناس معه ثم رفع يديه وقال اللهم ألق طلحة تضحك (إليه) ويضحك إليك ثم انصرف (3) وذكر أبو جعفر العقيلي (قال) أخبرنا هارون بن العباس الهاشمي قال حدثنا موسى بن محمد بن حيان قال حدثنا ابن مهدي عن عبد الله بن المنبب (4)
273

عن جده عبد الله بن أبي أمامة الحارثي (عن أبي أمامة الحارثي) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعدما دفن قال وأخبرنا عبد الله (بن أحمد بن حنبل قال أخبرنا يحيى بن معين قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا عبد الله) بن المنيب (المدني) عن جده عبد الله بن أبي أمامة عن أبيه أبي أمامة بن ثعلبة قال رجع النبي صلى الله عليه وسلم من بدر وقد توفيت يعني أم أبي أمامة فصلى عليها وأما العمل من الصحابة بهذا فقد تقدم عن عائشة وعلي وابن مسعود وقرظة بن كعب وأبي موسى وغيرهم وذكر أبو بكر أحمد بن محمد بن هانىء الأثرم الطائي الوراق قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير أن أنس بن سيرين حدثه أن أنس بن ملك أتى جنازة وقد صلى عليها فصلى عليها (قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الله بن إدريس قال سمعت أبي عن الحكم قال جاء
274

سلمان (1) بن ربيعة وقد صلى على جنازة فصلى عليها) قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا الضحاك ابن مخلد قال حدثنا سفيان بن سعيد عن شبيب بن غرقدة (2) عن المستظل بن حصين أن عليا صلى على جنازة بعدما صلي عليها وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال أخبرنا محمد بن الحسين الأنصاري قال أخبرنا الزبير (3) بن أبي بكر القاضي قال حدثني يحيى بن محمد قال توفي الزبير بن هشام بن عروة بالعقيق في حياة أبيه فصلى عليه بالعقيق ودعا له وأرسل إلى المدينة يصلي عليه في موضع الجنائز ويدفن بالبقيع وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال أخبرنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال أخبرنا الخضر
275

ابن داود قال حدثنا أبو بكر قال أخبرنا الوليد قال حدثنا المثنى (1) بن سعيد الضبعي عن أبي جمرة (2) الضبعي قال انطلقت أنا ومعمر بن سمير اليشكري وكان من أصحاب الدرهمين في خلافة عمر فانطلقنا نطلب جنازة نصلي عليها فاستقبلنا أصحابنا وقد فرغوا ورجعوا قال أبو جمرة فذهبت أرجع فقال امض بنا فمضينا إلى القبر فصلينا عليه قال وأخبرنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا وهيب قال حدثنا أيوب عن محمد قال إذا فاتته الصلاة على الجنازة انطلق إلى القبر فصلى عليه قال وهيب ورأيت
أيوب يفعله (3) ومسلم أيضا قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا إسماعيل
276

ابن إبراهيم قال أخبرنا أيوب عن نافع قال توفي عاصم بن عمر وابن عمر غائب فقدم بعد ذلك قال أيوب أحسبه قال بثلاث فقال أروني قبر أخي فأروه فصلى عليه هكذا قال عن أحمد عن ابن علية عن أيوب وهو عندي وهم لا شك فيه لأن معمرا ذكر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر أتى قبر أخيه ودعا له وهذا هو الصحيح المعروف من مذهب ابن عمر من غير ما وجه عن نافع وقد يحتمل أن تكون رواية ابن علية عن أيوب فصلى عليه بمعنى فدعا (له) لأن الصلاة دعاء وهو أصلها في اللغة فإذا كان هذا فليس بمخالف لما روى معمر وكذلك روى عبيد الله بن عمر (عن نافع) قال كان ابن عمر إذا انتهى إلى جنازة قد صلى عليها دعا وانصرف ولم يعد الصلاة وقد يحتمل ما ذكرنا عن عائشة من صلاتها على قبر أخيها عبد الرحمن أنها دعت (له) فكنى القوم عن الدعاء بالصلاة لأنهم كانوا عربا وهذا سائغ في اللغة والشواهد عليه محفوظة مشهورة فأغنى ذلك عن ذكرها هاهنا وإذا احتمل هذا فغير نكير أن يقال فيما ذكرنا من الآثار المرفوعة وغيرها أنه أريد بذكر الصلاة على القبر
277

فيها الدعاء إلا أن يكون حديثا مفسرا يذكر فيه أنه صف بهم وكبر ورفع يديه ونحو هذا من وجه المعارضة ولكن الصحيح في النظر أن ذكر الصلاة على الجنائز إذا أتى مطلقا فالمراد به الصلاة المعهودة على الجنائز ومن ادعى غير ذلك كانت البينة عليه وليس ما ذكرنا من الآثار عن الصحابة والتابعين ما يرد قول مالك أن الصلاة على القبر جاء وليس عليه العمل لأنها كلها آثار بصرية وكوفية وليس منها شيء مدني أعني (عن الصحابة ومن بعدهم رضي الله عنهم) ومالك رحمه الله إنما حكى أنه ليس) عليه العمل عندهم بالمدينة في عصره وعصر شيوخه وهو كما قال ما وجدنا عن مدني ما يرد (حكايته هذه والله تعالى قد نزهه عن التهمة والكذب وحباه بالأمانة والصدق) قال أبو عمر من صلى على قبر أو على جنازة قد صلى عليها فمباح له ذلك لأنه قد فعل خيرا لم يحظره الله ولا رسوله ولا اتفق الجميع على المنع منه (وقد) قال
278

الله تعالى وافعلوا الخير (1) وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر ولم يأت عنه نسخه ولا اتفق الجميع على المنع منه فمن فعل فغير حرج ولا معنف بل هو في حل وسعة وأجر جزيل إن شاء الله إلا أنه ما قدم عهده فمكروه الصلاة عليه لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه أنهم صلوا على القبر إلا بحدثان ذلك وأكثر ما روى فيه شهر وقد أجمع العلماء أنه لا يصلى على ما قدم من القبور وما أجمعوا عليه فحجة ونحن نتبع ولا نبتدع والحمد لله وقد قال ابن حبيب فيمن نسي أن يصلي عليه حتى دفن (أو) فيمن دفنه يهودي أو نصراني دون أن يغسل ويصلى عليه ثم خشي عليه التغير أن يصلى على قبره وإن لم يخف عليه التغير نبش وغسل وصلى عليه إذا كان بحدثان ذلك وقال عيسى بن دينار من دفن ولم يصل عليه من قتيل أو ميت فإني أرى أن يصلي على قبره قال وقد بلغني ذلك عن عبد العزيز بن أبي سلمة وقال أبو حنيفة وأصحابه
279

لا يصلى على جنازة مرتين إلا أن يكون الذي صلى عليها غير وليها فيعيد وليها الصلاة (عليها) إن كانت لم تدفن وإن كانت قد دفنت أعادها على القبر وقال يحيى بن معين قلت ليحيى بن سعيد ترى الصلاة على القبر قال لا ولا أرى على من صلى عليه شيئا وليس الناس على هذا اليوم وأنا أكره أن أفعل شيئا أخالف الناس فيه
280

ابن شهاب عن مالك بن أوس حديث واحد متصل وهو مالك بن أوس بن الحدثان النصري من بني نصر بن معاوية أدرك أبا بكر وعمر ولأبيه أوس بن الحدثان صحبة ورواية ولمالك بن أوس أيضا رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ثقة حجة فيما نقل (1) وبالله التوفيق مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان النصري أنه أخبره أنه التمس صرفا بمائة دينار قال فدعاني طلحة بن عبيد له فتراوضنا حتى اصطرف مني وأخذ الذهب يقلبها في يده ثم قال حتى يأتيني خازني من الغابة (2) وعمر بن الخطاب يسمع فقال عمر لا (3)
281

والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ثم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق ربا الا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء (1) لم يختلف عن مالك في هذا الحديث حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا عبد الله بن محمد (2) بن عبد العزيز حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا معن بن عيسى وروح بن عبادة وعبد الله بن نافع (3) قالوا حدثنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء الحديث هكذا قال مالك ومعمر (والليث) وابن عيينة في هذا الحديث عن الزهري الذهب بالورق
282

ولم يقولوا الذهب بالذهب (1) والورق بالورق وهؤلاء هم الحجة الثابتة في ابن شهاب على (كل) من خالفهم وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال قال لنا أبو بكر بن أبي شيبة أشهد على ابن عيينة أنه قال لنا الذهب بالورق ولم يقل الذهب بالذهب يعني في حديث ابن شهاب هذا عن مالك بن أوس عن عمر ورواه محمد بن إسحاق عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر مثله إلا أنه قال فيه الذهب بالذهب مثلا بمثل هاء وهاء والفضة بالفضة مثلا بمثل هاء وهاء والبر بالبر مثلا بمثل هاء وهاء والشعير بالشعير مثلا بمثل هاء وهاء والتمر بالتمر مثلا بمثل هاء وهاء لا فضل بينهما هكذا رواه يزيد بن هارون وغيره عن ابن إسحاق ورواية أبي نعيم لهذا الحديث عن ابن عيينة في الذهب بالذهب مثل رواية ابن إسحاق ولم يقله أحد عن ابن عيينة غير أبي نعيم والله أعلم
283

وقد روى هذا الحديث بنحو ذلك همام بن يحيى عن يحيى بن أبي كثير عن الأوزاعي (1) (عن مالك بن أنس عن الزهري) عن مالك بن أوس قال سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء والفضة بالفضة ربا إلا هاء وهاء من زاد أو ازداد فقد أربى (وعلى ذا كان الناس يروي النظير عن النظير والكبير عن الصغير رغبة في الازدياد من العلم) وحدثنا عبد الوارث وسعيد (بن نصر) قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال (حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر قال حدثنا عفان قال حدثنا شعبة قال) أخبرني حبيب بن (أبي) ثابت (2) قال سمعت أبا المنهال قال سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف
284

فكلاهما يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا (1) وفي هذا الحديث أن الرجل الكبير الشريف العالم قد يلي البيع والشراء بنفسه وإن كان
له وكلاء وأعوان يكفونه وفيه المماكسة في البيع والمرواضة وفيه تقليب السلعة وأن يتناولها المشتري بيده ليقلبها وينظر فيها وهذا كله دليل على الاجتهاد في أن لا يغبن الانسان وفيه أن المهاجرين كانوا قد اكتسبوا الأرض بالمدينة وبواديها وفيه أن علم البيوع من علم الخواص لا من علم العوام لجهل طلحة به وموضعه من الجلالة موضعه وفيه أن الخليفة والسلطان من كان واجب عليه إذا سمع أو رأى ما لا يجوز في الدين أن ينهى عنه ويرشد إلى الحق فيه وفيه ما كان عليه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من تفقد أحوال رعيته في دينهم والاهتمام بهم
285

وفيه أنه كان من خلقهم وسيرهم أنهم كانوا إذا عزموا على أمر حلفوا عليه وأكدوه باليمين بالله عز وجل وفيه أن الحجة على من خالفك في حكم من الأحكام أو أمر من الأمور حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه من كتاب الله عز وجل وفيه أن الحجة بخبر الواحد لازمة وفيه أن النساء لا يجوز في بيع الذهب بالورق وإذا كان الذهب والورق وهما جنسان مختلفان يجوز فيهما التفاضل بإجماع ولا يجوز فيهما النساء فأحرى أن لا يجوز ذلك في الذهب بالذهب الذي هو جنس واحد (ولا في الورق بالورق لأنه جنس واحد) وهذا أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه والحمد لله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم والفضة بالفضة تبرها وعينها والذهب بالذهب تبرها وعينها مثلا بمثل وزنا بوزن يدا بيد من زاد أو ازداد فقد أربى وقد جاء في هذا الباب شيء مردود بالسنة عن ابن عباس ومعاوية وقد مضى رده وبيان فساده في باب
286

حميد (1) بن قيس وباب زيد بن أسلم (2) من هذا الكتاب والحمد لله فاستقر الأمر عند العلماء على أن الربا في الازدياد في الذهب بالذهب وفي الورق بالورق كما هو في النسيئة سواء في بيع أحدهما بالآخر وفي بيع بعض كل واحد منهما ببعض وهذا أمر مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه مع توتر الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ (قال حدثنا محمد بن وضاح) قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم (3) إذا كان يدا بيد
287

وكذلك رواه عبد الرزاق وعبد الملك بن الصباح عن الثوري عن خالد عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب وزنا بوزن (والفضة بالفضة) وزنا بوزن والبر بالبر مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلا بمثل والملح بالملح مثلا بمثل وبيعوا الذهب بالفضة يدا بيد كيف شئتم والبر بالشعير يدا بيد كيف شئتم والتمر بالملح يدا بيد كيف شئتم وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل (الترمذي) قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا ابن جدعان عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب مثلا بمثل والورق بالورق مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل
288

حتى خص الملح بالملح مثلا بمثل فمن زاد أو ازداد فقد أربى وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن أبي العوام حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن رجلين أحدهما مسلم بن يسار عن عبادة بن الصامت فذكر مثله قال أبو عمر فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هاء وهاء وقوله يدا بيد سواء واختلف العلماء في حد قبض الصرف وحقيقته فقال ابن القاسم عن مالك لا يصح الصرف إلا يدا بيد فإن لم ينتقده ومكث معه من غدوة إلى ضحوة قاعدا وقد تصارفا غدوة فتقابضا ضحوة لم يصح هذا ولا يكون الصرف إلا عند الإيجاب بالكلام ولو انتقلا من ذلك المكان إلى موضع غيره لم يصح تقابضهما هذا كله قول مالك وجملة مذهبه في ذلك أنه لا يجوز عنده تراخي القبض في الصرف سواء كانا في المجلس أو تفرقا ومحل قول عمر عنده (والله أعلم) والله لا نفارقه حتى تأخذ منه أن ذلك
289

على الفور لا على التراخي وهو المعقول من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم هاء وهاء عنده والله أعلم وقال أبو حنيفة والشافعي يجوز التقابض في الصرف مالم يفترقا وإن طالت المدة وانتقلا إلى موضع آخر واحتجوا بقول عمر والله لا تفارقه حتى تأخذ وجعلوه تفسيرا لما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء واحتجوا بقوله أيضا وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره قالوا فعلم من قوله هذا أن المراعى الافتراق واختلف الفقهاء أيضا من معنى هذا الحديث في الدينين يصارف عليهما فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إذا كان له عليه دراهم وله على الآخر دنانير جاز أن يشتري أحدهما ما عليه بما على الآخر لأن الذمة تقوم مقام العين الحاضرة وليس يحتاج ها هنا إلى قبض فجاز التطارح وقال الشافعي والليث بن سعد لا يجوز لأنه دين بدين واستدلوا بقول عمر لا تبيعوا منها غائبا بناجز قالوا فالغائب بالغائب أحرى أن لا يجوز
290

ومن حجة مالك عليهما أن الدين في الذمة كالمقبوض واختلفوا من معنى هذا الحديث أيضا في أخذ الدراهم عن الدنانير فقال مالك وأصحابه فيمن له على رجل دراهم حالة فإنه يأخذ دنانير (بها) وإن كانت مؤجلة لم يجز أن يبيعها بدنانير وليأخذ في ذلك عرضا إن شاء وإنما جاز هذا في الحال ومنعها في المؤجل فرارا من الدين بالدين وقال الشافعي إذا حل دينه أخذ به ما شاء منه من جنسه ومن غير جنسه من بيع كان أو قرض وإن لم يحل دينه لم يجز لأنه دين بدين وقال أبو حنيفة فيمن أقرض رجلا دراهم له أن يأخذ بها دنانير إن تراضيا وقبض الدنانير في المجلس وقال البتي يأخذها (1) بسعر يومه وقال الأوزاعي بقيمته يوم يأخذه وهو قول الحسن البصري وقال ابن شبرمة لا يجوز أن يأخذ عن دنانير دراهم ولا عن دراهم دنانير وإنما يأخذ ما أقرض وروي عن ابن مسعود وابن عباس مثله وروي عن ابن عمر
291

أنه لا بأس به وأجاز ابن شبرمة لمن باع طعاما بدين فجاء الأجل أن يأخذ بدراهمه (طعاما) واختلف قول الثوري في ذلك والأصل في هذا الباب حديث ابن عمر وهو ثابت صحيح حدثناه خلف بن القاسم الحافظ رحمه الله قال حدثنا أحمد بن محمد حدثنا عبيد (1) بن آدم بن أبي إياس قال حدثنا أبو معن ثابت بن نعيم (2) قال حدثنا آدم بن أبي إياس (3) قال حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن سعيد ابن جبير عن ابن عمر قال كنت أبيع الإبل بالبقيع فآخذ مكان الدنانير دراهم ومكان الدراهم
دنانير فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس به إذا افترقتما وليس بينكما شيء (4) واختلف الفقهاء في اعتبار المذكورات في هذا الحديث وفي المعنى المقصود إليه بذكرها فقال العراقيون
292

الذهب والورق المذكوران في هذا الحديث موزونان وهما أصل لكل موزون فكل موزون من جنس واحد لا يجوز فيه التفاضل ولا النساء بوجه من الوجوه قياسا على ما أجمعت (الأمة) عليه من أن الذهب والورق لا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منهما ولا النساء بعضه ببعض فإذا كان الموزون جنسين مختلفين فجائز التفاضل بينهما ولا يجوز النساء بوجه من الوجوه قياسا على الذهب بالورق المجتمع على إجازة التفاضل فيهما وتحريم النسا لأنهما جنسان مختلفان قالوا والعلة في البر والشعير والتمر الكيل فكل مكيل من جنس واحد فغير جائز فيه التفاضل ولا النسا قياسا على ما أجمعت الأمة عليه في أن البر (بالبر) بعضه ببعض والشعير والتمر لا يجوز في واحد منهما بعضه ببعض التفاضل ولا النسا بحال فإذا اختلف الجنسان جاز فيهما التفاضل ولم يجز النسا على حال وسواء كان المكيل أو الموزون مأكولا أو غير مأكول كما لا يجوز ذلك في الذهب والورق وقال الشافعي أما الذهب والورق فلا يقاس عليهما غيرهما لأن العلة (التي) فيهما ليست موجودة في شيء من الموزونات غيرهما فكيف ترد قياسا عليهما وذلك أن
293

العلة في الذهب والورق أنهما أثمان المبيعات وقيم المتلفات وليس كذلك شيء من الموزونات لأنه جائز أن تسلم ما شئت من الذهب والورق فيما عداهما من سائر الموزونات ولا يسلم بعضها في بعض فبطل قياسها عليهما وردها إليهما قال وأما البر والتمر والشعير فالعلة عندي فيهما الأكل لا الكيل فكل مأكول أخضر كان أو يابسا مما يدخر كان أو مما لا يدخر فغير جائز بيع الجنس منه بعضه ببعض متفاضلا ولا نساء وحرام فيه التفاضل والنساء جميعا قياسا على البر بعضه ببعض وعلى الشعير بعضه ببعض (وعلى التمر بعضه ببعض) لا يجوز ذلك في واحد منهما بالإجماع والسنة الثابتة قال وأما إذا اختلف الجنسان من المأكول فجائز حينئذ فيهما التفاضل وحرام فيهما النساء وحجته في ذلك نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطعام بالطعام إلا يدا بيد وأما أصحابنا من عصر إسماعيل بن إسحاق (إلى) هلم جرا ومن قبلهم من أصحاب مالك وأصحاب أصحابه فالذي حصل عندي من تعليلهم لهذه المذكورات
294

بعد اختلافهم في شيء من العبارات عن ذلك أن الذهب والورق القول فيهما (عندهم) كالقول عند الشافعي لا يرد إليهما شيء من الموزونات لأنهما قيم المتلفات وأثمان المبيعات ولا شئ غيرهما كذلك فارتفع القياس عنهما لارتفاع العلة إذ القياس لا يكون عند جماعة القياسيين إلا على العلل لا على الأسماء وعللوا البر والتمر والشعير بأنها مأكولات مدخرات أقوات فكل ما كان قوتا مدخرا حرم التفاضل والنساء في الجنس الواحد منه وحرم النساء في الجنسين المختلفين دون التفاضل وما لم يكن مدخرا قوتا من المأكولات لم يحرم فيه التفاضل وحرم فيه النساء سواء كان جنسا أو جنسين قال أبو عمر وهذا مجتمع عليه عند العلماء أن الطعام بالطعام لا يجوز إلا يدا بيد مدخرا كان أو غير مدخر إلا إسماعيل (1) بن علية فإنه شذ فأجاز التفاضل والنساء في الجنسين إذا اختلفا من المكيل ومن الموزون قياسا
295

على إجماعهم في إجازة بيع الذهب أو الفضة بالرصاص والنحاس والحديد والزعفران والمسك وسائر المزونات نساء وأجاز على هذاالقياس نصا في كتبه بيع البر بالشعير والشعير بالتمر والتمر بالأرز وسائر ما اختلف اسمه ونوعه بما يخالفه من المكيل والموزون متفاضلا نقدا ونسيئة سواء كان مأكولا أو غير مأكول ولم يجعل الكيل والوزن علة ولا الأكل والاقتيات وقاس ما اختلفوا فيه على ما أجمعوا عليه مما ذكرنا وذكر عن ابن جريج عن إسماعيل بن علية وأيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر أنه باع صاعي تمر بالغابة بصاع حنطة بالمدينة وإسماعيل بن علية هذا له شذوذ كثير ومذاهب عند أهل السنة مهجورة وليس قوله عندهم مما يعد خلافا ولا يعرج عليه لثبوت السنة بخلافه من حديث عبادة وغيره على ما قدمنا في هذاالباب ذكره من قوله صلى الله عليه وسلم فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالشعير
296

كيف شئتم يدا بيد وبيعوا التمر بالملح كيف شئتم يدا بيد وحدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها مثلا بمثل وزنا بوزن والبر بالبر مدى (1) بمدى والشعير بالشعير مدى بمدى (والتمر بالتمر مدى بمدى) والملح بالملح مدى بمدى فمن زاد أو ازداد فقد أربى ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد وأما نسيئة فلا ولا باس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد
297

وأما نسيئة فلا فهذه الأحاديث كلها ترد قول ابن علية في إجازته (1) بيع الطعام بعضه ببعض نسيئة وكان مالك رحمه الله يجعل البر والشعير والسلت صنفا واحدا فلا يجوز شيء (2) من هذه الثلاثة بعضها ببعض عنده إلا مثلا بمثل يدا بيد كالجنس الواحد وحجته في ذلك حديث زيد أبي عياش عن سعد في البيضاء بالسلت أيهما أكثر فنهاه وحديثه عن (سعد) أنه فنى علف حماره فأمر غلامه أن يأخذ من حنطة أهله فيبتاع بها شعيرا ولا يأخذ إلا مثلا بمثل ذكر ذلك كله في موطئه (3) وذكر عن معيقيب الدوسي وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وسليمان بن يسار مثل ذلك (4) وخالفه جمهور فقهاء الأمصار فجعلوا البر صنفا والشعير صنفا وأجازوا فيهما التفاضل يدا بيد للأحاديث المذكورة في هذا الباب عن عبادة وممن قال بذلك أبو حنيفة والثوري
298

والشافعي وأحمد وأبو ثور وكان داود بن علي لا يجعل للمسميات علة ولا يتعدى المذكورات إلى غيرها فقوله أن (الربا والتحريم غير جائز (1)) في شيء من المبيعات لقول الله عز وجل * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * إلا في الستة الأشياء المنصوصات وهي الذهب والورق والبر والشعير والتمر المذكورات في حديث عمر هذا والملح المذكور معها في حديث عبادة بن الصامت وهي زيادة يجب قبولها (قال) فهذه الستة الأشياء لا يجوز بيع الجنس الواحد منها بعضه ببعض متفاضلا ولا نساء الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وهو حديث عمر هذا وحديث عبادة ولاجماع الأمة أيضا على ذلك إلا من شذ ممن لا يعد خلافا ولا يجوز النسا
في الجنسين المختلفين منها لحديث عمر في الذهب ولحديث عبادة لان الأمة لا خلاف بينهما في ذلك ويجوز فيهما التفاضل وما عدا هذه الأصناف
299

الستة فجائز فيها الزيادة (عنده) والنسيئة وكيف شاء المتبايعان في الجنس وفي الجنسين فهذا اختلاف العلماء في أصل الربا الجاري في المأكول والمشروب والمكيل والموزون مختصرا وبالله التوفيق
300

ابن شهاب عن سعيد بن المسيب (القرشي) المخزومي (المدني) سبعة عشر حديثا منها سبعة متصلى وستة مرسلة ومنها ما شركه فيها أبو سلمة بن عبد الرحمن أربعة أحاديث حديثان متصلان مسندان وحديثان مرسلان وهو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم يكنى أبا محمد ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب وذلك سنة أربع عشرة هذا أشهر شيء في مولده وأصحه وقد قيل ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وعلى الأول أهل الأثر وأما الحسن البصري فولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وذكر ابن (1) البرقي عن ابن عبد الحكم عن ابن وهب عن مالك أن سعيد بن المسيب ولد لثلاث سنين بقيت من خلافة عمر قال وحدثنا ابن عبد الحكم قال سمعت مالكا يقول
301

كان يقال لسعيد بن المسيب راوية عمر قال وتوفي سعيد بن المسيب سنة أربع وتسعين هكذا قال (ابن) البرقي وخالفه غيره وسنذكر ذلك في آخر باب أخباره هاهنا إن شاء الله حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم قال حدثنا عبد الأعلى أبو مسهر قال حدثنا سعيد بن عبد العزيز (1) قال لما مات ابن عمر وابن عباس كان عالم المدينة سعيد بن المسيب قال وحدثنا دحيم قال حدثنا سهل بن هاشم (2) قال حدثنا الأوزاعي قال سئل الزهري ومكحول من أفقه من أدركتما فقالا سعيد بن المسيب وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا
302

أبو الميمون قال حدثنا أبو زرعة قال حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم فذكر الخبرين جميعا هذا والذي قبله أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال أنبأنا محمد بن الحسن قال أنبأنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عنبسة عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال رمقت سعيد بن المسيب بعد جلد هشام بن إسماعيل إياه فما رأيته يفوته معه سجود ولا ركوع ولا زال يصلي معه بصلاته قال الزبير وحدثني ذؤيب بن عمامة عن معن بن عيسى عن محمد بن هلال عن سعيد بن المسيب أنه قال ما لقيت (قط) المنصرفين من الصلاة منذ أربعين سنة وروى الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب كان يسمى راوية عمر بن الخطاب لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته قال يحيى بن سعيد وكان عبد الله بن عمر إذا سئل عن شيء يشكل عليه قال سلوا سعيد بن المسيب حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ
303

حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم (قال) حدثنا أحمد بن زهير (قال حدثنا إبراهيم) بن المنذر الحزامي (1) قال حدثنا معن بن عيسى عن مالك بن أنس أن سعيد بن المسيب ولد في زمن عمر بن الخطاب وكان احتلامه أيام مقتل عثمان وروى شعبة عن إياس بن معاوية قال قال لي سعيد بن المسيب ممن أنت قلت (من) مزينة قال إني لأذكر يوم نعى عمر بن الخطاب النعمان (2) بن مقرن على المنبر وسنذكر رواية سعيد عن عمر في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله وذكر الحسن بن علي الحلواني في كتاب المعرفة قال حدثنا يزيد بن هارون عن حماد
304

ابن سلمة عن علي بن زيد (1) قال كان الحسن لا يرجع عن فتيا يفتي بها إلا أن يبلغه أن سعيد بن المسيب أفتى بخلافها فإنه يترك قوله ويرجع إلى قول سعيد ويقول إن ذلك رجل طلب العلم في مظانه قال الحسن وسمعت يزيد بن هارون وعبد الرزاق يقولان كان سعيد بن المسيب سيد التابعين قال وحدثنا عفان حدثنا سليم بن أخضر (2) عن ابن عون عن محمد بن سيرين قال كان في سعيد بن المسيب كزازة (3) قال محمد ولو رفقوا به لاستخرجوا منه علما كبيرا حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال سمعت الزهري يقول أدركت أربعة بحور سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبا سلمة بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله قال وحدثنا عبد الرحمن بن مبارك
305

قال حدثنا قريش بن حيان العجلي قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت قتادة يقول ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد من العلماء إلا وجدت له فضلا عليه غير أنه كان إذا أشكل عليه شيء كتب إلى سعيد بن المسيب يسأله قال وحدثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال حدثنا أبو المليح (1) عن ميمون بن مهران قال قدمت المدينة فسألت عن أفقه أهلها فدفعت إلى سعيد بن المسيب قال وحدثنا يحيى بن معين قال حدثنا الأصمعي عن مالك بن أنس عن الزهري قال قال لي عبد الله بن ثعلبة بن صغير تريد هذا الأمر عليك بسعيد بن (المسيب) قال وحدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي وأبو سلمة موسى بن إسماعيل المنقري قالا حدثنا إبراهيم (2) بن سعد قال حدثني أبي عن سعيد قال سمعته يقول ما بقي أحد أعلم بكل قضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل قضاء قضاه أبو بكر وكل قضاء قضاه عمر قال وأحسبه قال وعثمان (منى) قال أبو بكر أحمد بن زهير سمعت
306

يحيى بن معين يقول مات سعيد بن المسيب سنة خمس ومائة وكذلك (قال) علي بن محمد المدائني أبو الحسن (1) وحدثنا أحمد بن حنبل قال سمعت يحيى بن سعيد قال وسعيد بن المسيب سنة إحدى أو اثنتين وتسعين يعني مات قال أبو نعيم مات سعيد بن المسيب سنة ثلاث وتسعين وكذلك ذكر البخاري عن علي بن المديني وزاد وهو ابن بضع وثمانين قال الواقدي مات سعيد بن المسيب سنة أربع وتسعين وهو ابن بضع وثمانين قال وفيها مات عروة وعلي بن حسين وكان يقال سنة الفقهاء وروى ابن وهب والأصمعي وابن أبي الوزير عن مالك عن ابن شهاب قال كنت أجالس عبد الله بن ثعلبة بن صعير أتعلم منه النسب فسألته يوما عن شيء (من الفقه) فقال إن كنت تريد هذا ولك به حاجة فعليك بذلك الشيخ وأشار إلى سعيد بن المسيب فتحولت إليه فجالسته تسع (سنين) لا أحسب أن عالما غيره زاد الأصمعي ثم تحولت إلى عروة ففجرت
منه بحرا
307

وروى عبد الرحمن بن مهدي هذا الخبر عن مالك فجعل موضع عبد الله بن ثعلبة بن صعير ثعلبة بن أبي مالك فوهم فيه وغلط والقول عندهم قول الأصمعي وابن وهب وابن أبي الوزير واسم ابن أبي الوزير (محمد) بن عمر (هاشمي) (1) وأخبار سعيد بن المسيب وفضائله في علمه (ودينه) وزهده وفهمه وورعه كثيرة جدا (2) وسنذكرها (إن شاء الله) في كتاب أخبار أئمة الأمصار أعان الله على ذلك بفضله ونعمته
308

حديث أول لابن شهاب عن سعيد بن المسيب متصل مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع (1) ما ذعرتها (2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها حرام (3) (لم يختلف رواة الموطأ في إسناده ولامتنه) وفي هذا الحديث من الفقه تحريم المدينة وإذا كانت حراما لم يجز فيها الاصطياد ولا قطع الشجر كهئة مكة إلا أنه لا جزاء فيه عند العلماء كذلك قال مالك والشافعي وأصحابهما وقال أبو حنيفة صيد المدينة غير محرم وكذلك قطع شجرها وهذا الحديث حجة عليه مع سائر ما في
309

(تحريم) المدينة من الآثار واحتج لأبي حنيفة بعض من ذهب مذهبه بحديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من وجدتموه يصيد في حدود المدينة أو يقطع من شجرها فخذوا سلبه (1) وأخذ سعد سلب من فعل ذلك قال وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يؤخذ سلب من صاد في المدينة فدل ذلك على أنه منسوخ قال وقد يحتمل أن يكون معنى النهي عن صيد المدينة وقطع شجرها لأن الهجرة كانت إليها فكان بقاء الصيد والشجر مما يزيد في زينتها ويدعو إلى ألفتها كما روى عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هدم آطام المدينة (2) فإنها من زينة المدينة قال أبو عمر ليس في هذا كله حجة لأن حديث سعد ليس بالقوي ولو صح لم يكن في نسخ أخذ السلب ما يسقط ما صح
310

من تحريم المدينة وما تأوله في زينة المدينة فليس بشيء لأن الصحابة تلقوا تحريم (المدينة) بغير هذا التأويل (وسعد قد عمل بما روى فأي نسخ هاهنا) وفي قول أبي هريرة ((ما ذعرتها)) دليل على أنه لا يجوز ترويع الصيد في حرم المدينة كما لا يجوز ترويعه في الحرم والله أعلم وكذلك نزع زيد بن ثابت من يد الرجل النهس (1) وهو طائر كان صاده بالمدينة (2) دليل على أن الصحابة فهموا مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه صيد المدينة فلم يجيزوا فيها الاصطياد ولا تملك ما يصطاد ولذلك نزع زيد النهس وسرحه من يد صائده يقال أن ذلك الرجل شرحبيل (3) بن سعيد وقال ابن مهدي (عن مالك) حرم المدينة بريد في بريد يعني (من الشجر) قال واللابتان هما الحرتان وقال ابن حبيب اللابة الحرة وهي الأرض التي ألبست الحجارة السود الجرد وجمع اللابة لابات فإذا كثرت جدا فهي لوب
311

قال وتحريم النبي صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي (المدينة) إنما يعني في الصيد فأما في قطع الشجر فبريد في بريد في دور المدينة كلها محرم كذلك أخبرني مطرف عن مالك وعمر بن عبد العزيز فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لا بتيها يعني حرتيها الشرقية والغربية وهي حرار أربع لكن القبلية والجوفية متصلتان بها وقد ردها حسان بن ثابت إلى حرة واحدة لاتصالها فقال
* لنا حرة مأطورة بجبالها
* بنى العز فيها بيته فتأثلا (1
* قال وقوله مأطورة بجبالها يعني معطوفة بجبالها لاستدارة الجبال بها وإنما جبالها تلك الحجارة السود التي تسمى الحرار قال أبو عمر وكذلك فسر ابن وهب ما بين لابتيها (قال) ما بين حرتيها قال وهو قول مالك قال ابن وهب وهذا الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها إنما هو في قتل الصيد قيل لابن وهب فما حرمه فيها في قطع الشجر
312

قال حد ذلك بريد في بريد بلغني ذلك عن عمر بن عبد العزيز (1) وقال ابن نافع اللابتان هما الحرتان إحداهما التي ينزل بها الحاج (2) إذا رجعوا من مكة وهي بغربي المدينة والأخرى مما يليها من شرقي المدينة قال فما بين هاتين الحرتن حرام أن يصاد فيها طير أو صيد قال ابن نافع وحرة أخرى مما يلي قبلة المدينة وحرة رابعة من جهة الجوف فما بين هذه الحرار كلها في الدور محرم أن يصاد فيها ومن فعل ذلك أثم ولم يكن عليه جزاء ما صاده كما يكون عليه في حرم مكة إذا صاد فيه وجملة مذهب مالك والشافعي في صيد المدينة وقطع شجرها أن ذلك مكروه لا جزاء فيه (وقال مالك لا يقتل الجراد في حرم المدينة) وكان يكره أكل ما قتل الحلال من الصيد في حرم المدينة) وقال أبو حنيفة وأصحابه صيد المدينة غير محرم وكذلك (قطع) شجرها واحتج الطحاوي لهم بحديث أنس يا أبا عمير ما فعل النغير قال فلم ينكر صيده وإمساكه
313

قال أبو عمر (هذا) قد يجوز أن يكون صيد في غير حرم المدينة فلا حجة فيه واحتج أيضا بحديث يونس بن أبي إسحاق عن مجاهد عن عائشة كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم ربض فلم يترمرم (1) كراهية أن يؤذيه والقول عندي في هذا الحديث كالقول في حديث النغير والله أعلم قال إسماعيل بن إسحاق بعد أن ذكر الآثار في تحريم ما بين لابتي المدينة إني لأعجب ممن رد هذه الأحاديث بحديث أنس يابا عمير ما فعل النغير قال أبو عمر قد زدنا هذا الباب بيانا عند ذكر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مالك عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها (2) وليس في سقوط الجزاء عمن اصطاد بالمدينة دليل على سقوط تحريم صيدها ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
314

إني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة قال إسماعيل وغيره لم يبلغنا أنه كان في شريعة إبراهيم جزاء صيد وظاهر الآية يدل على أنه أمر شرعه الله لهذه الأمة بقوله * (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم) * إلى قوله * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * 1 قال إسماعيل حدثنا محمد بن أبي بكر قال حدثنا
الفضيل (2) بن سليمان قال حدثنا محمد بن أبي يحيى عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة حرام كما حرم إبراهيم مكة اللهم اجعل البركة فيها بركتين وبارك لهم في صاعهم ومدهم
315

حديث ثان لابن شهاب عن سعيد بن المسيب متصل مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا (1) هكذا هو في الموطأ عند جميع الرواة ورواه جويرية بن أسماء عن مالك بإسناده فقال فضل صلاة الجماعة على صلاة أحدكم خمس وعشرون صلاة ورواه عبد الملك بن زياد النصيبي ويحيى بن محمد بن عباد (2) عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ورواه الشافعي وروح بن عبادة وعمار بن مطر (3) عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
316

في هذا الحديث من الفقه معرفة فضل الجماعة والترغيب في حضورها وفيه دليل على أن الجماعة كثرت أو قلت سواء لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخص جماعة من جماعة والقول على عمومه وقد قال صلى الله عليه وسلم اثنان (1) فما فوقهما جماعة وقال صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بكذا وكذا درجة لم يقصد جماعة من جماعة ولا موضعا من المسجد من موضع وأما حديث أبي بن كعب صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وصلاته مع الثلاثة أزكى من صلاته مع الرجلين وكلما كثر فهو أزكى وأطيب (2) فهو حديث ليس بالقوي لا يحتج بمثله وفي هذا الحديث أعني حديث مالك هذا دليل على جواز صلاة الفذ وحده وإن كانت الجماعة أفضل وإذا جازت صلاة الفذ وحده بطل أن يكون شهود صلاة الجماعة فرضا
317

لأنه لو كان فرضا لم تجز للفذ صلاته كما أن الفذ لا يجزئه يوم الجمعة أن يصلى قبل صلاة الإمام ظهرا (ولا غيرها) إذا كان ممن يجب عليه اتيان الجمعة قد احتج بهذا جماعة من العلماء وأكثر الفقهاء بالحجاز والعراق والشام يقولون إن حضور صلاة الجماعة فضيلة وفضل وسنة مؤكدة لا ينبغي تركها وليست بفرض ومنهم من قال أنها فرض على الكفاية واختلف أصحاب الشافعي في هذه المسألة فمنهم من قال شهود الجماعة فرض (على الكفاية) ومنهم من قال شهودها سنة مؤكدة لا رخصة في تركها للقادر عليها إلا من عذر ولهم في ذلك دلائل يطول ذكرها للقولين جميعا وقال أهل الظاهر منهم داود أن حضور (صلاة) الجماعة فرض متعين كالجماعة سواء وأنه لا يجزئ الفذ صلاة إلا بعد صلاة الناس في المسجد وإن صلاها قبلهم أعاد واستدل بظاهر آثار رويت في ذلك سنذكر ما روى منها مالك في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله قال أبو عمر لا يخلو قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة
318

تفضل صلاة الفد من أحد ثلاثة أوجه أما أن يكون المراد بذلك (صلاة النافلة أو يكون المراد بذلك) من تخلف من عذر عن الفريضة أو يكون المراد بذلك من تخلف عنها بغير عذر فإذا احتمل ما ذكرنا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي (هذا) إلا المكتوبة (1) علمنا أنه لم يرد صلاة النافلة بتفضيله صلاة الجماعة (1) علمنا أنه لم يرد صلاة النافلة بتفضيله صلاة الجماعة على الفذ وإنما أراد بذلك الفرض وكذلك لما قال صلى الله عليه وسلم من غلبه على صلاته نوم كتب له أجرها (2) وكذلك قوله إذا كان للعبد عمل يعمله فمنعه (منه) مرض أمر الله كاتبيه أن يكتبا له ما كان يعمل في صحته (3) وكذلك قوله في غزوة تبوك لأصحابه أن بالمدينة قوما ما سلكتم طريقا ولا قطعتم واديا ولا أنفقتم نفقة إلا وهم معكم حبسهم العذر (4)
319

علمنا بهذه الآثار وما كان في معناها أن المتخلف بعذر لم يقصد إلى تفضيل غيره عليه وإذا بطل هذان الوجهان صح أن المراد بذلك هو المتخلف عن الواجب عليه بغير عذر وعلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفاضل بينهما إلا وهما جائزان غير أن أحدهما أفضل من الآخر ومما يدل على ما ذكرنا حديث محجن (1) الديلي حين قال له (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ما منعك أن تصلي معنا ألست برجل مسلم قال بلى ولكني قد صليت في رحلي (2) فعلم أنه إنما صلى في رحله منفردا وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم ((إذا حضرت العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء (3))) وقد يكون من العذر المطر والظلمة لقوله ((ألا صلوا في الرحال (4))) ومن العذر أيضا مدافعة الأخبثين الغائط والبول وقد ذكرنا كثيرا من هذه الآثار في مواضعها من كتابنا ومضى القول هناك في معانيها والحمد لله (كثيرا)
320

حديث ثالث لابن شهاب عن سعيد بن المسيب متصل (مالك) عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب (1) هكذا هو في الموطأ عند جماعة رواته (فيما علمت) ورواه شيخ يسمى حاتم بن منصور عن مطرف عن مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة فأخطأ فيه على مالك وإنما رواية مالك فيه عن ابن شهاب عن سعيد بن (المسيب) عن أبي هريرة وكذلك رواه أبو أويس وعبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة وخالفهم (2) يونس وعقيل ومعمر
321

وشعيب بن أبي حمزة والزبيدي (1) فرووه عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وحدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أبو عبد الله أحمد بن الحسين الكرخي قال حدثنا إسحاق ابن موسى قال حدثنا معن بن عيسى قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب وفي هذا الحديث من الفقه فضل الحلم وفيه دليل على أن الحلم كتمان الغيظ وأن العاقل من ملك نفسه عند الغضب لأن العقل في اللغة ضبط الشيء وحبسه منه قيل عقال الناقة ومعناه في الشريعة ملك النفس وصرفها عن شهواتها المردية لها وحبسها عما حرم الله عليها والله أعلم وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي يملك نفسه ويغلبها من القوة ما ليس للذي يغلب غيره
322

وفي هذا دليل على أن مجاهدة النفس أصعب مراما وأفضل من مجاهدة على أن مجاهدة النفس أصعب مراما وأفضل من مجاهدة العدو والله أعلم وأما قوله ((الصرعة)) فإنه يعني الكثير القوة الذي يصرع كل من صارعه ومثله من قول العرب هذا رجل نومة يعني كثير النوم وحفظة يعني كثير الحفظ وقال ابن حبيب الصرعة تثقيل الكلمة بالحركات معناه الذي يصرع الناس قال والصرعة بالتخفيف (الرجل الضعيف النحيف) الذي يصرعه الناس حتى لا يكاد يثبت وكذلك الضحكة بالتثقيل الذي
يضحك بالناس والضحكة بالتخفيف الذي يضحك منه الناس (وبالله التوفيق)
323

حديث رابع لابن شهاب عن سعيد بن المسيب متصل مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه فخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات (1) هكذا (هو) في جميع الموطآت بهذا الإسناد وقد أخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر الشافعي (2) محمد بن عبد الله بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن شداد المسمعي حدثنا خالد (3) بن مخلد القطواني وابن قعنب قالا حدثنا مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب
324

وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي إلى الناس في اليوم الذي مات فيه وصف الناس في المصلى وكبر عليه أربع تكبيرات تفرد به محمد بن شداد بهذا الإسناد وروى هذا الحديث أيضا عن عبد الله بن نافع عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وليس في الموطأ إلا عن سعيد وحده (وهو محفوظ في حديث الزهري عن سعيد وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة رواه عقيل وصالح بن كيسان (1)) وقد روى مكي بن إبراهيم وحباب بن جبلة (2) في هذا الحديث إسنادا آخر عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعا وليس هذا الإسناد في الموطأ لهذا الحديث ولا أعلم أحدا حدث به هكذا عن مالك غيرهما والله أعلم حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو الحسن علي بن الحسن بن علان حدثنا ابن يعلى أحمد بن علي بن المثنى قال سمعت سهل بن زنجلة الرازي يسأل ابن أبي سمينة عن حديث بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي
325

قال هذا منكر وقال له ابن أبي سمينة من رواه عن نافع فقال ابن زنجلة مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فقال ابن أبي سمينة عمن حملته عن مالك قال حدثناه مكي بن إبراهيم قال أنبأنا مالك فسكت ابن أبي سمينة قال أبو عمر لا أعلم أحدا روى هذا الحديث (1) عن مالك غير مكي بن إبراهيم وحباب بن جبلة وإنما الصحيح فيه عن مالك ما في الموطأ النجاشي ملك الحبشة قال ابن إسحاق النجاشي اسم الملك كما يقال كسرى وقيصر قال واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة كبير وذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم بموته في اليوم الذي مات فيه على بعد ما بين الحجاز وأرض الحبشة ونعاه للناس في ذلك اليوم وكان نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي في رجب سنة تسع من الهجرة كذلك قال أهل السير الواقدي وغيره وفيه إباحة الأشعار بالجنازة والأعلام بها والاجتماع لها وهذا أقوى من
326

حديث حذيفة أنه كان إذا مات له ميت قال لا تؤذنوا به أحدا فإني أخاف أن يكون نعيا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي (1) وإلى هذا ذهب جماعة من السلف قد تقدم ذكر بعضهم في حديث (مالك عن) ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف وروى عن ابن عمر أنه كان إذا مات له ميت تحين غفلة الناس ثم خرج بجنازته وقد روى عنه خلاف هذا في جنازة رافع بن خديج لما نعى له قال وكيف تريدون أن تصنعوا (به) قالوا نحبسه حتى نرسل إلى قباء وإلى قريات حول المدينة ليشهدوا جنازته قال نعم ما رأيتم وجاء عن أبي هريرة أنه (كان) يمر بالمجالس فيقول أن أخاكم قد قبض فاشهدوا جنازته والأصل في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن شهاب عن أبي أمامة هلا آذنتموني بها وقوله في هذا الحديث نعى النجاشي للناس والنظر يشهد لهذا لأن (شهود) الجنائز أجر وخير ومن دعا إلى ذلك فقد دعا إلى خير وأعان عليه وفيه أن من السنة أن تخرج الجنازة إلى المصلى ليصلي عليها هناك وفي ذلك دليل على
327

أن صلاته على سهيل بن بيضاء في المسجد إباحة ليس بواجب وسيأتي القول في ذلك في باب أبي النضر إن شاء الله وفيه الصلاة على الميت الغائب وأكثر أهل العلم يقولون (إن) هذا خصوص للنبي صلى الله عليه وسلم وقد أجاز بعضهم الصلاة على الغائب إذا بلغه الخبر بقرب موته ودلائل الخصوص في هذه المسألة واضحة لا يجوز أن يشرك النبي صلى الله عليه وسلم فيها غيره لأنه (1) والله أعلم أحضر روح النجاشي بين يديه حيث شاهدها وصلى عليها أو رفعت له جنازته كما كشف له عن بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته وقد روى أن جبريل عليه السلام أتاه بروح جعفر أو جنازته وقال قم فصل عليه (2)
328

ومثل هذا كله يدل على أنه مخصوص به لا يشاركه فيه غيره وعلى هذا أكثر (1) العلماء في الصلاة على الغائب وفيه الصف في الصلاة على الجنائز وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب رواه حماد بن زيد عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن مالك بن هبيرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره (2) قال وكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف الحديث وفي هذا الحديث أيضا دليل على الاستكثار من الناس في شهود الجنائز وذلك لا يكون إلا بالأشعار والأعلام والله أعلم وفيه أن النجاشي ملك الحبشة أسلم ومات مسلما لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي إلا على مسلم وذكر سنيد عن حجاج عن ابن جريج قال لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي طعن في ذلك المنافقون (3) فنزلت (هذه الآية)
329

* (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) * إلى آخرها (1) قال ابن جريج وقال آخرون نزلت في عبد الله بن سلام ومن معه (2) وقال معمر عن قتادة في قوله * (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم) * الآية إلى قوله * (سريع الحساب) * قال هذه الآية نزلت في النجاشي وأصحابه ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم حدثني خلف بن قاسم قال حدثنا ابن الورد (عبد الله بن جعفر) قال حدثنا عبدوس بن دورويه الدمشقي قال حدثنا المسيب بن واضح قال حدثنا معتمر بن سليمان عن حميد عن أنس قال لما جاءت وفاة النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه صلوا عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا معه فصلى عليه فقالوا صلى على علج مات فنزلت * (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم) * 3 الآية وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسين بن جعفر الزيات قال حدثنا
330

يوسف بن يزيد قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن جابر قال لما مات النجاشي قال النبي صلى الله عليه وسلم قد مات اليوم عبد صالح فقوموا فصلوا على اصحمة (1) فكنت (في الصف) الأول أو الثاني (2) وفي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي وأمره أصحابه بالصلاة عليه وهو غائب أوضح الدلائل على تأكيد الصلاة على الجنائز وعلى أنه لا يجوز أن يترك جنازة مسلم دون صلاة ولا يحل لمن حضره أن يدفنه دون أن يصلي عليه وعلى هذا جمهور علماء المسلمين (من السلف والخالفين) إلا أنهم اختلفوا في تسمية وجوب ذلك فقال الأكثر هي فرض على الكفاية وقال بعضهم سنة واجبة على الكفاية يسقط وجوبها بمن حضرها عمن لم يحضرها وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على جنائز المسلمين من أهل الكبائر كانوا أو صالحين وراثة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم
331

قولا وعملا واتفق الفقهاء على ذلك إلا في الشهداء وأهل البدع والبغاة فإنهم اختلفوا في الصلاة على هؤلاء حسبما يأتي في مواضعه من هذا الكتاب إن شاء الله حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد بن أبي العشرين قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو قلابة قال حدثني أبو المهاجر (1) قال حدثني عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففنا خلفه فكبر (عليه) أربعا وما نحسب الجنازة إلا بين يديه (2) وفيه التكبير على الجنائز (أربع لا غير وهذا أصح ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير على الجنازة) وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كبر على قبر أربعا وأنه كبر على جنازة أربعا حدثنا خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا أحمد بن صالح المقرئ قال حدثنا
332

أبو بكر بن أبي داود السجستاني قال حدثنا العباس بن الوليد بن صبح الخلال قال حدثنا يحيى بن صالح قال حدثنا سلمة بن كلثوم قال حدثنا الأوزاعي قال أخبرني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فكبر عليها أربعا ثم أتى القبر من (قبل) رأسه فحثا فيه ثلاثا قال أبو بكر بن أبي داود ليس يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح أنه كبر على جنازة أربعا إلا هذا ولم يروه إلا سلمة بن كلثوم وهو ثقة من كبار أصحاب الأوزاعي قال وإنما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه ثابت أنه كبر على قبر أربعا وأنه كبر على النجاشي أربعا وأما على جنازة (أربعا) هكذا فلا إلا حديث سلمة بن كلثوم هذا قال أبو عمر أما صحيح فلا كما قال ابن أبي داود وقد جاءت أحاديث ضعاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة أربعا منها حديث رواه المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي الفقيه المدني المفتي بها وكان ثقة عن خالد بن
333

الياس وهو ضعيف عند جميعهم عن إسماعيل بن عمرو بن سعد بن العاص وكان ثقة عن عثمان بن عبد الله بن الحكم عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على عثمان بن مظعون فكبر عليه أربعا) (1) قال أبو عمر اختلف السلف في عدد التكبير على الجنازة ثم اتفقوا على أربع تكبيرات وما خالف ذلك شذوذ يشبه البدعة والحدث حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية عن وكيع عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل قال جمع عمر الناس فاستشارهم في التكبير على الجنازة وجمعهم على أربع تكبيرات (2) قال وحدثنا وكيع عن مسعر عن عبد الملك الشيباني عن إبراهيم قال اجتمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في بيت (أبي) مسعود فأجمعوا على أن التكبير أربع (3)
334

وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا عبد الملك بن حبيب المصيصي حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله قال أجمعوا على أربع قال المغيرة بلغني أن عمر جمعهم وسألهم عن أحدث جنازة كبر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا أنه صلى على أحدث جنازة وكبر عليها أربعا حدثنا سعيد بن نصر حدثنا ابن أبي دليم حدثنا ابن وضاح حدثنا يوسف بن عدي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال سئل عبد الله عن التكبير على الجنازة فقال كل ذلك قد صنع فرأيت الناس قد اجتمعوا على أربع قال أبو عمر يكبر خمسا احتج بحديث زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة خمسا (1) وهو حديث يرويه عمرو (2) بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن زيد بن أرقم رواه عن عمرو بن مرة جماعة منهم شعبة وقد قال يحيى القطان عن شعبة كان عمرو بن مرة يعرف وينكر وقد جاء عن زيد بن أرقم ما يعارض
335

حديث عمرو بن مرة هذا أخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا شريك عن عثمان بن أبي زرعة المؤذن قال توفي أبو سريحة الغفاري فصلى عليه زيد بن أرقم فكبر أربعا فهذا يدل على أن ذلك ليس مما يحتج به عن زيد بن أرقم لأنه لو لم يكن عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره ما خالفه وعلى أن حديث عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنما فيه أن زيد بن أرقم كان يكبر على جنائزهم أربعا وأنه (مرة) كبر خمسا فقيل له ما هذا فقال فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي هذا ما يدل على أن تكبيره على الجنائز كان أربعا وأنه إنما كبر خمسا مرة واحدة ولا يوجد هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه والله أعلم وليس مما يحتج به على ما ذكرنا من إجماع الصحابة واتفاقهم على الأربع دون ما سواها والتكبير على الجنائز أربع هو قول عامة الفقهاء إلا ابن أبي ليلى وحده فإنه قال خمسا ولا أعلم له في ذلك سلفا إلا زيد بن أرقم وقد اختلف عنه في ذلك وحذيفة وأبو ذر وفي الإسناد عنهما من لا يحتج به وقد ذكر أبو بكر الأثرم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر أربعا
336

من حديث سهل بن حنيف على قبر ومن حديث جابر ومن حديث ابن عباس قال ابن عباس آخر جنازة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر عليها أربعا (1) وعن أبي بكر الصديق أنه كبر أربعا وعن عمر أنه كبر على أبي بكر أربعا وعن علي أنه كبر على ابن المكفف أربعا (2) (وعن أبي هريرة والبراء بن عازب وحذيفة وابن مسعود وأبي مسعود أنهم كبروا أربعا) (3) وعن علي أيضا أنه كبر أربعا (4) وعن زيد بن ثابت أنه كبر على أمه أربعا (5) وذكر حديث إبراهيم النخعي قال
اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي مسعود واجتمع رأيهم على أن التكبير على الجنائز أربع قال الأثرم وحدثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى قال
337

كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا ثم كبر على جنازة خمسا فسألته فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها أو قال كبرها (1) قال وحدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد الواحد قال حدثنا الشيباني قال حدثنا عامر عن علقمة قال قيل لعبد الله أن أصحاب معاذ يكبرون على الجنائز خمسا فلو وقت لنا فقال عبد الله إذا تقدم أمامكم (فكبر) فكبروا ما كبر فإنه لا وقت ولا عدة (2) ومن حديث محمد بن إسماعيل (3) الصائغ قال حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال لم يرو شعبة عن عمرو بن دينار عن أبي معبد (4) عن ابن عباس إلا حديثين أحدهما أن ابن عباس قال يكبر (على) الجنائز ثلاثا والآخر أن ابن عباس قال ليس على أهل الكتاب حد قال وكيع حدثناه شعبة وذكر الفزاري عن حميد عن أنس
338

أنه صلى على جنازة فكبر ثلاثا ثم سلم فقيل له إنما كبرت ثلاثا فاستقبل القبلة فكبر الرابعة ثم سلم (1) (حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن إبراهيم بن علي أبو العباس الكندي حدثنا أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس أنه كبر على الجنازة ثلاثا) وقال مالك وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومن اتبعه والثوري والأوزاعي والحسن بن حي والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وداود والطبري وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة وابن سيرين والحسن وسائر أهل الحديث التكبير أربع قال إبراهيم النخعي قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس مختلفون فمنهم من يقول كبر النبي صلى الله عليه وسلم أربعا ومنهم من يقول خمسا وآخر يقول سبعا فلما كان عمر جمع الصحابة فقال لهم انظروا أمرا تجتمعون عليه فأجمع أمرهم على أربع تكبيرات وقال سعيد بن المسيب كل ذلك قد كان خمس وأربع فأمر عمر الناس بأربع
339

فإن احتج محتج بابن مسعود قيل له قد روى عنه أنه ليس في التكبير شيء معلوم وروى عنه أنه كبر أربعا وهو أولى وإن احتج محتج بعلي رضي الله عنه قيل له إنما كبر أكثر من أربع على قوم دون آخرين وذلك أنه (كان) يكبر على أهل بدر ستا أو سبعا وعلى سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعلى سائر الناس أربعا وقد روى أبو معاوية (1) عن الأعمش عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن معقل قال كبر علي في سلطانه أربعا أربعا على الجنازة إلا على سهل بن حنيف فإنه كبر عليه خمسا (ثم التفت) فقال إنه بدري والأحاديث عن علي في هذا مضطربة وما جمع عمر عليه الناس أصح وأثبت مع صحة السنن فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر أربعا وهو العمل المستفيض بالمدينة ومثل هذا يحتج فيه بالعمل لأنه قل يوم أو جمعة إلا وفيه جنازة وعليه الجمهور وهم الحجة وبالله التوفيق
340

واختلفوا إذا كبر الإمام خمسا فروى عن مالك والثوري أنهما قالا قف حيث وقفت السنة قال ابن القاسم وابن وهب عن مالك لا يكبر معه الخامسة ولكنه لا يسلم إلا بسلامه وعن الحسن بن حي وعبيد (1) الله بن الحسن نحو ذلك وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا كبر الإمام خمسا قطع المأموم بعد الأربع بسلام ولم ينتظروا تسليمه وقال زفر التكبير على الجنائز أربع فإن كبر الإمام خمسا كبر معه وهو قول الثوري في رواية وقد روى عن الثوري أنه لا يكبر ولكنه يسلم (كما) قال أبو حنيفة (سواء) وروى عن أبي يوسف أنه رجع إلى قول زفر وقال الشافعي لا يكبر إلا أربعا فإن كبر الإمام خمسا فالمأموم بالخيار إن شاء سلم وقطع وإن شاء انتظر تسليم الإمام فسلم بسلامه ولا يكبر خامسة البتة وقال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل فإن كبر الإمام خمسا أكبر معه قال نعم قال ابن مسعود كبر ما كبر إمامك قيل لأبي عبد الله أفلا ننصرف إذا كبر الخامسة فقال سبحان الله النبي صلى الله عليه وسلم كبر خمسا رواه زيد بن أرقم
341

ثم قال ما أعجب الكوفيين سفيان رحمنا الله وإياه يقول ينصرف إذا كبر الخامسة وابن مسعود (يقول) ما كبر إمامكم فكبروا وقال أبو عبد الله الذي نختاره يكبر أربعا فإن كبر (الإمام) خمسا كبرنا معه لما رواه زيد بن أرقم ولقول ابن مسعود قيل له فإن كبر ستا أو سبعا أو ثمانيا قال أما هذا فلا وأما خمس فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأجمع هؤلاء الفقهاء على أن من فاته بعض التكبير فإنه يكبر مع الإمام ما أدرك منه ويقضي ما فاته وهو قول ابن شهاب واختلفوا إذا وجد الإمام قد سبقه ببعض التكبير فروى أشهب عن مالك أنه يكبر (أولا) ولا ينتظر الإمام وهو قول الشافعي والليث والأوزاعي وأبي يوسف وقال أبو حنيفة ومحمد ينتظر الإمام حتى يكبر فإذا كبر كبر معه وإذا سلم قضى ما عليه ورواه ابن القاسم عن مالك وحجة من قال هذا قوله صلى الله عليه وسلم ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا (1) فلو كبر قبل أن يكبر إمامه في الجنازة (ثم) قضى ما فاته على عموم هذا الحديث صارت خمسا وحجة رواية أشهب ومن قال
342

بها أن التكبير الأول بمنزلة الإحرام فينبغي أن يفعله على كل حال ثم يقضي ما فاته بعد سلام إمامه وقال أحمد كل ذلك سهل لا بأس به روى وكيع عن سفيان عن مغيرة عن الحرث (1) العكلي قال إذا جئت وقد كبر الإمام على الجنازة فقم ولا تكبر حتى يكبر (2) واختلفوا إذا رفعت الجنازة فقال مالك والثوري يقضي ما فاته (من التكبير) نسقا متتابعا ولا يدع فيما بين ذلك بشيء رفع النعش أو لم يرفع وقال أبو حنيفة والشافعي يقضي ما بقي عليه (من التكبير ما لم يرفع ويدعو ما بين التكبير وقال الليث كان الزهري يقول يقضي ما فاته) وكان ربيعة يقول لا يقضي وقال الليث يقضي وقال الأوزاعي لا يقضي وقال أحمد (ابن حنبل) ان قضى قبل أن يرفع فحسن وإلا فلا شيء عليه وقد استدل بعض شيوخنا على أن الجنازة لا يصلى عليها في المسجد بهذا الحديث لخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى المصلى للصلاة على النجاشي
343

قال أبو عمر استدل بهذا وهو ممن يقول بأن عمل أهل المدينة أقوى من الخبر المنفرد وهو يروى من حديث مالك وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على سهيل بن بيضاء في المسجد وعلى أخيه سهل أيضا كذلك (1) وأن أبا بكر صلى عليه في المسجد وأن عمر صلى عليه في المسجد وهذه نصوص سنة وعمل وليس للدليل المحتمل للتأويل مدخل مع النصوص وقد قال قائل هذه المقالة أن أبا بكر وعمر إنما صلى عليهما في المسجد من أجل أنهما دفنا في المسجد فيلزمه أن يجيز الصلاة
في المسجد على من يدفن فيه وإذا جاز أن يصلي على الجنازة في المسجد ثم يدفن فيه لم يكن المنع من الدفن في المسجد بمانع من الصلاة لأن الدفن (فيه) ليس بعلة للصلاة (فيه) فافهم والأصل في الأشياء
344

الإباحة حتى يصح المنع بوجه لا معارض له ودليل غير محتمل للتأويل وستأتي هذه المسألة في موضعها من كتابنا هذا 0 إن شاء الله
345

حديث خامس لابن شهاب عن سعيد متصل مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يموت لأحد من المسلمين (ثلاثة من الولد) فتمسه النار إلا تحلة القسم (1) هكذا روي هذا الحديث مالك وغيره عن ابن شهاب وفيه أن المسلم تكفر خطاياه وتغفر له ذنوبه بالصبر على مصيبته ولذلك زحزح عن النار فلم تمسه لأن من لم تغفر له ذنوبه لم يزحزح عن النار والله أعلم أجارنا الله منها وإنما قلت ذلك بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (2) لا يزال المومن يصاب في ولده وحامته (3) حتى يلقى الله
346

وليست عليه خطيئة (1) وإنما قلت إن ذلك بالصبر والاحتساب والرضى لقوله صلى الله عليه وسلم من صبر على مصيبته واحتسب كان جزاؤه الجنة (2) وقد روى ابن سيرين وغيره هذا الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا فيه من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجابا من النار (3) وفي بعض ألفاظ (حديث) أبي هريرة هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من المسلمين من يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا ادخله الله الجنة بفضل رحمته (إياهم) يجاء بهم يوم القيامة فيقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون حتى يدخل آباؤنا فيقال لهم ادخلوا أنتم وآباؤكم بفضل رحمتي (4) وقد روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية قال حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله
347

عليه وسلم ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد (لم يبلغوا) الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم (1) ففي قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث لم يبلغوا الحنث ومعناه عند أهل العلم لم يبلغوا الحلم ولم يبلغوا أن يلزمهم حنث دليل على (أن) أطفال المسلمين في الجنة لا محالة والله أعلم لأن الرحمة إذا نزلت بآبائهم من أجلهم استحال أن يرحموا من أجل من ليس بمرحوم ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم بفضل رحمته إياهم فقد صار الأب مرحوما بفضل رحمتهم وهذا على عمومه لأن لفظه صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث لفظ عموم وقد أجمع العلماء على ما قلنا من أن أطفال المسلمين في الجنة فأغنى ذلك عن كثير من الإستدلال ولا أعلم عن جماعتهم في ذلك خلافا إلا فرقة شذت من المجبرة (2) فجعلتهم في المشيئة وهو قول شاذ (مهجور) مردود بإجماع الجماعة وهم الحجة الذين لا تجوز مخالفتهم ولا يجوز على مثلهم
348

الغلط في مثل هذا إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد الثقات العدول فمنها ما ذكرنا ومنها قوله صلى الله عليه وسلم إني مكاثر بكم الأمم حتى بالسقط يظل محبنطئا (1) يقال له ادخل الجنة فيقول لا حتى يدخلها أبواي فيقال له ادخل أنت وأبواك وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صغاركم دعاميص (2) الجنة (3) وقد روي شعبة عن معاوية بن قرة بن إياس المزني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا من الأنصار مات له ابن صغير فوجد عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما يسرك أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته يستفتح لك فقالوا يا رسول الله أله خاصة أم للمسلمين عامة قال بل للمسلمين عامة (4) وهذا حديث ثابت صحيح بمعنى ما ذكرناه وقد ذكرنا آثار هذا الباب وما قالته الفرق في ذلك واعتقدته في باب أبي الزناد والحمد لله وفي هذه الآثار مع إجماع الجمهور دليل على أن قوله صلى
349

الله عليه وسلم الشقي من شقى في بطن أمه وإن الملك ينزل فيكتب أجله ورزقه ويكتب شقيا أو سعيدا في بطن أمه مخصوص مجمل وإن من مات من أطفال المسلمين قبل الإكتساب فهو ممن سعد في بطن أمه ولم يشق بدليل ما ذكرنا من الأحاديث والإجماع وفي ذلك أيضا دليل واضح على سقوط حديث طلحة (1) بن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الأنصار ليصلى عليه فقلت طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءا قط ولم يدركه ذنب فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك يا عائشة إن الله عز وجل خلق الجنة وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها خلقا وهم في أصلاب آبائهم الله أعلم بما كانوا عاملين (2) وهذا حديث ساقط ضعيف مردود بما ذكرنا من الآثار
350

والإجماع وطلحة بن يحيى ضعيف لا يحتج به وهذا الحديث مما انفرد به فلا يعرج عليه (ومعنى قوله الله أعلم بما كانوا عاملين أخبار بأن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون وما لا يكون لو كان كيف يكون والمجازاة إنما تكون على الأعمال) وحديث شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه حديث ثابت صحيح وعليه الناس وهو يعارض حديث طلحة بن يحيى ويدفعه حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال أنبأنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلا جاء بابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحبه فقال أحبك الله كما أحبه يا رسول الله فتوفي الصبي ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين فلان فقالوا يا رسول الله توفي ابنه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا جاء حتى يفتحه لك فقالوا يا رسول الله أله وحده أم لكلنا فقال لا بل لكلكم وقد روينا عن علي بن أبي طالب ولا مخالف له في ذلك من الصحابة أنه قال
351

في قول الله عز وجل * (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) * 1 قال هم أطفال المسلمين حدثناه خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن سعيد وأحمد بن مطرف (قالا) حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا المؤمل بن إسماعيل عن سفيان عن الأعمش عن عثمان بن موهب عن زاذان عن علي في قوله * (كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين) * قال أصحاب اليمين أطفال المسلمين (1) ورواه وكيع عن سفيان بإسناده مثله بمعناه وقد اختلف العلماء في
أطفال المشركين وفي أطفال المسلمين أيضا على ما ذكرناه ومهدناه في باب أبي الزناد من هذا الكتاب وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديثنا المذكور في هذا الباب إلا تحلة القسم فهو يخرج في التفسير المسند لأن القسم المذكور في هذا الحديث معناه عند أهل العلم قول الله عز وجل * (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) * 2 قسما واجبا (3) وكذلك قال السدي ورواه عن مرة عن
352

عبد الله بن مسعود أنه قال ذلك من ظاهر قوله ((فتمسه النار)) يدل على أن الورود الدخول والله أعلم لأن المسيس حقيقته في اللغة المباشرة وقد يحتمل على الاتساع أن يكون القرب وقد اختلف العلماء في الورود فقال منهم قائلون الورود الدخول وممن قال ذلك ابن عباس وعبد الله بن رواحة وقد اختلف في ذلك عن ابن عباس ولم يختلف عن ابن رواحة وروى ابن المبارك وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن عبد الله بن رواحة بكى فقالت له امرأته ما يبكيك فقال قد علمت أني داخل النار ولا أدري أناج (أنا) منها أم لا (1) قال أبو عمر قال الله عز وجل * (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) *
353

وهذا يحتمل والله أعلم أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين وينجون منها سالمين وذكر ابن جرير عن عطاء عن ابن عباس قال إن الورود الذي ذكر الله عز وجل في القرآن الدخول ليردنها كل بر وفاجر ثم قال ابن عباس في القرآن أربعة أوراد قوله * (فأوردهم النار) * 1 وقوله * (حصب جهنم أنتم لها واردون) * 2 وقوله * (ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) * 3 وقوله * (وإن منكم إلا واردها) * قال ابن عباس والله لقد كان من دعاء من مضى اللهم أخرجني من (النار سالما وأدخلني) الجنة غانما (4) وروى مجاهد (5) عن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس عن قول الله عز وجل * (وإن منكم إلا واردها) * فقال ابن عباس واردها داخلها فقال نافع يرد القوم ولا يدخلون فاستوى ابن عباس جالسا وكان متكئا فقال له أما أنا وأنت فسنردها فانظر هل ننجو منها أم لا أما تقرأ قول الله * (وما أمر فرعون برشيد يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار) *
354

افتراه ويلك أوقفهم على شفيرها والله تعالى يقول * (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) * 1 وقد روى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر وابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن أم مبشر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل (النار) (1) أحد شهد بدرا وبايع تحت الشجرة فقالت له حفصة ألم تسمع الله يقول * (وإن منكم إلا واردها) * فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما تسمعين الله يقول * (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) * 2 وقال خالد بن معدان إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا ألم تقل ((إنا نرد النار)) فيقال قد وردتموها فألفيتموها رمادا) (3) وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ببغداد حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثنا أبي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا غالب ابن سليمان أبو صالح عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سمية أنه سأل جابر بن عبد الله عن الورود فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الورود الدخول
355

لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم * (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) * 1 وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى * (وإن منكم إلا واردها) * قال الممر على الصراط وممن قال أيضا أن الورود الممر على الصراط عبد الله بن مسعود وكعب الأحبار والسدي ورواه السدي عن مرة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم (2) وروى عن كعب أنه تلا * (وإن منكم إلا واردها) * فقال أتدرون ما ورودها قالوا الله أعلم قال ذلك أن يجاء بجهنم فتمسك للناس كأنها متن اهالة يعني الودك الذي يجمد على القدر من المرقة حتى إذا استقرت عليها أقدام الخلائق برهم وفاجرهم نادى مناد أن خذي أصحابك (وذري أصحابي فيخسف بكل ولي لها فهي أعلم بهم من الوالدة بولدها وينجو المؤمنون ندية ثيابهم) (3)) وروى هذين الحديثين عن أبي
356

نضرة وزاد وهو معنى قوله تعالى * (فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون) * 1 وروى وكيع عن شعبة عن عبد الله بن السائب عن رجل عن ابن عباس أنه قال في قول الله عز وجل * (وإن منكم إلا واردها) * قال هو خطاب للكفار وروى عنه أنه كان يقرأ (وإن منهم إلا واردها) ردا على الآيات التي قبلها في الكفار قوله * (فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا) * 2 و * (أيهم أشد على الرحمن عتيا) * 3 * (ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا) * 4 (وإن منهم إلا واردها) 5 وقال ابن الأنباري محتجا لمصحف عثمان وقراءة العامة جائز في اللغة يرجع من مخاطبة الغائب إلى لفظ المواجهة بالخطاب كما قال تعالى * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) * 6 فأبدل الكاف من الهاء
357

قال أبو عمر (وترجع العرب من مواجهة الخطاب إلى لفظ الغائب قال الله تعالى) * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) * (بريح طيبة) (1) وهذا (كثير) في القرآن وأشعارالعرب وأحسن ما قيل في ذلك قول الشاعر
* إذا لم يكن للقوم جد ولم يكن
* لهم رجل عند الإمام مكين
* فكونوا كأيد وهن الله بطشها
* ترى اشملا ليست لهن يمين
* وقد جاء عن مجاهد (أنه قال) في تأويل قول الله عز وجل * (وإن منكم إلا واردها) * قال الحمى من فيح جهنم وهي حظ المؤمن من النار حدثنا سعيد بن نصر (حدثنا) ابن أبي دليم حدثنا ابن وضاح حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا يحيى بن يمان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال الحمى حظ المؤمن من النار ثم قرأ *
(وإن منكم إلا واردها) * قال الحمى في الدنيا الورود فلا يردها في الآخرة (2)
358

قال أبو عمر ومن حجة من قال بهذا القول ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله الأشعري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضا ومعه أبو هريرة من وعك كان به فقال (له) النبي صلى الله عليه وسلم (أبشر فإن الله تبارك وتعالى يقول هي ناري اسلطها على عبدي (المؤمن) لتكون حظه من النار (في الآخرة) (1) (وحدثنا خلف بن أحمد قال حدثنا أحمد بن مطرف حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا علي بن معبد بن نوح حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف عن الحصين عن أبي صالح الأشعري عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحمى كير من جهنم فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار (2))
359

أبو الحصين هذا مروان بن رؤية الثعلبي وأبو صالح الأشعري مولى عثمان قاله ابن معين وغيره (وحدثنا خلف قال حدثنا أحمد قال حدثنا سعيد حدثنا علي بن معبد حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا عصمة بن سالم الهنابي وكان صدوقا عاقلا قال حدثنا الأشعث بن جابر الحراني عن شهر بن حوشب عن أبي ريحانة الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الحمى كير من جهنم وهي نصيب المؤمن من النار (1))) وقال قوم الورود للمؤمنين أن يروا النار ثم ينجي منها الفائز ويصلاها من قدر عليه دخولها ثم يخرج منها بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم أو بغيرها من رحمة الله واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مخاطبة أصحابه ومن جرى مجراهم من المؤمنين إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال (له) هذا مقعدك حتى يبعثك
360

(الله إليه يوم القيامة (1) هذا حديث ابن عمر وقد روى أبو هريرة وغيره إن المؤمن يعرض عليه مقعده من النار فيقال له انظر ما نجاك الله منه ثم يفتح (له) إلى الجنة فيقال انظر ما تصير إليه هذا معنى الحديث فهذه الأقاويل كلها (قد) جاءت في معنى الورود في قوله عز وجل * (وإن منكم إلا واردها) * وقد يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم ((الا تحلة القسم)) استثناء منقطعا بمعنى لكن تحلة القسم وهذا معروف في اللغة وإذا كان ذلك كذلك فقوله لن تمسه النار إلا تحلة القسم أي لا تمسه النار أصلا كلاما تاما ثم ابتدأ الا تحلة القسم أي لكن تحلة القسم لا بد منها في قول الله عز وجل * (وإن منكم إلا واردها) * وهي الجواز على الصراط أو الرؤية والدخول دخول سلامة فلا يكون في شيء من ذلك مسيس يؤذى وقال بعض أهل العلم في قول الله * (إلا ما ذكيتم) *
361

معناه لكن ما ذكيتم من غير ما ذكر في هذه الآية ذكاة تامة وقد ذكرنا ذلك فيما سلف من كتابنا (هذا) وذكرنا هناك تعارف ذلك في لسان العرب وذلك في باب زيد بن أسلم (1) ومما يدل على (أن) الاستثناء (هاهنا) منقطع وأنه غير عائد إلى النار ((لا تمس من مات له ثلاثة من الولد فاحتسبهم)) حديثه الآخر صلى الله عليه وسلم وهو قوله ((لا يموت لأحدكم ثلاثة من الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار فقالت امرأة يا رسول الله أو اثنان قال أو اثنان (2) والجنة الوقاية والستر ومن وقى النار وستر عنها فلن تمسه أصلا ولو مسته ما كان موقى وإذا وقيها وستر عنها فقد زحزح وبوعد بينه وبينها وهذا إنما يكون لمن صبر واحتسب ورضى وسلم والله أعلم وبهذا الحديث يفسر الأول لأن فيه ذكر الحسبة قوله فيحتسبهم ولذلك جعله مالك بأثره مفسرا له والوجه عندي في هذا الحديث وما أشبهه من الآثار إنها لمن حافظ على أداء فرائضه واجتنب الكبائر والدليل على ذلك أن الخطاب في ذلك العصر لم يتوجه إلا إلى قوم الأغلب من أعمالهم ما ذكرنا وهم الصحابة رضوان الله عليهم
362

حديث سادس لابن شهاب عن سعيد (بن المسيب) مسند مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكلكم ثوبان (1) (لم يختلف الرواة عن مالك في استناد هذا الحديث ولا متنه) رواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله سواء وكذلك رواه ابن جريج (ورواه يونس وعقيل عن ابن شهاب عن سعيد وابن سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ورواه ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء) وهذا الحديث حجة لإجازة الصلاة في ثوب
363

(واحد) وكل ثوب ستر العورة والفخدين من الرجل جازت الصلاة فيه على ظاهر الحديث لأنه يقع عليه اسم ثوب وقد أجمعوا أنه من صلى مستور العورة فلا إعادة عليه وإن كانت امرأة فكل ثوب يغيب ظهور قدميها ويستر جميع جسدها وشعرها فجائز لها الصلاة فيه لأنها كلها عورة إلا الوجه والكفين على هذا أكثر أهل العلم وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وهو قول الأوزاعي وأبي ثور على المرأة أن تغطي منها ما سوى وجهها وكفيها وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها حدثناه أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا الفضل بن الصباح قال حدثنا عبد الله بن رجاء عن ابن عجلان (1) عن سمي (2) مولى أبي بكر
364

ابن عبد الرحمن (عن أبي بكر بن عبد الرحمن) قال كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها قال أبو عمر قول (1) أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها تباشر الأرض به وأجمعوا (على) أنها لا تصلى متنقبة ولا عليها أن تلبس فقازين في الصلاة وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه وأما النظر للشهورة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة وقد روى نحو قول أبي بكر بن عبد الرحمن (عن أحمد) بن حنبل قال الأثرم سئل أحمد بن حنبل عن المرأة تصلي وبعض شعرها مكشوف وقدمها قال لا يعجبني إلا أن تغطي
365

شعرها وقدميها قال وسمعته يسأل عن أم الولد كيف تصلي فقال تغطي رأسها وقدميها لأنها لا تباع وهي تصلي كما تصلي الحرة قال وسمعته يسأل عن الرجل يصلي في قميص واحد غير مزرور فقال ينبغي أن يزره قيل فإن كانت لحيته تغطي ولم يكن القميص متسع الجيب أو نحو هذا فقال إن كان يسيرا فجائز قال ولا أحب لأحد أن
يصلي في ثوب واحد غير مزرور فقال ينبغي أن يزره قيل فإن كانت لحيته مالك إن صلت المرأة الحرة وشعرها مكشوف أو قدماها أو صدرها أعادت ما دامت في الوقت وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد تعيد أبدا أن انكشف شيء من شعرها أو صدرها أو صدور قدميها وقال أبو حنيفة وأصحابه قدم المرأة ليست بعورة فإن صلت وقدمها مكشوفة فلا شيء عليها وإن صلت وجل شعرها مكشوف فصلاتها فاسدة وإن كان الأقل من شعرها مكشوفا فلا شيء عليها وإن انكشف شيء منها غير ما ذكرنا فصلت بذلك فصلاتها فاسدة علمت أم لم تعلم وقال إسحاق ان علمت فسدت صلاتها وإن لم تعلم فلا إعادة عليها والأصل في هذا الباب ان أم سلمة سئلت ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب
366

فقالت تصلي في الدرع والخمار السابغ الذي يغيب ظهور قدميها وعن عائشة وميمونة مثل ذلك درع وخمار وهذه الآثار عن أم سلمة وعائشة وميمونة في الموطأ فحديث عائشة من بلاغات مالك (1) وحديث ميمونة عن الثقة عنده عن بكير بن الأشج عن بسر بن سعيد عن عبيد الله الخولاني عن ميمونة أنها كانت تصلي في درع وخمار دون إزار (2) وحديث أم سلمة رواه مالك عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه سألت أم سلمة ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب فقالت تصلي في درع وخمار سابغ إذا غيب ظهور قدميها (3) وقد روى حديث أم سلمة مرفوعا والذين وقفوه على أم سلمة أكثر وأحفظ منهم مالك وابن إسحاق وابن أبي ذئب وبكر بن مضر وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر كلهم رووه عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة موقوفا قال أبو داود ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد بن زيد (عن أمه)
367

عن أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم (فذكره (1)) (عبد الرحمن هذا ضعيف عندهم الا أنه قد خرج البخاري بعض حديثه) والاجماع في هذا الباب أقوى من الخبر (فيه) وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن ابن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار (2) قال أبو عمر اختلف العلماء في تأويل قول الله عز وجل * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * فروى عن ابن عباس وابن عمر إلا ما ظهر منها الوجه والكفان وروى عن ابن مسعود ((ما ظهر منها)) الثياب قال لا يبدين قرطا ولا قلادة ولا سوارا ولا خلخالا إلا ما ظهر من الثياب وقد روى عن أبي هريرة في قوله تعالى * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * قال القلب والفتحة (1) رواه ابن وهب عن جرير
368

ابن حازم قال حدثني قيس بن سعد أن أبا هريرة كان يقول فذكره قال جرير بن حازم القلب السوار والفقخة والخاتم (1) وقال جابر بن زيد هي كحل في عين (2) أو خاتم في خنصر وقال سعيد بن جبير الجلباب والرداء وعن عائشة مثل قول أبي هريرة وقد روى عن ابن مسعود ولا يصح البنان والقرط والدملج والخلخال والقلادة (يريد موضع ذلك) والله أعلم واختلف التابعون فيها أيضا على هذين القولين وعلى قول ابن عباس وابن عمر الفقهاء في هذا الباب فهذا ما جاء في المرأة وحكمها في الاستتار في صلاتها وغير صلاتها وأما الرجل فإن أهل العلم يستحبون أن يكون على عاتق الرجل ثوب إذا لم يكن متزرا لئلا تقع عينه على عورة نفسه ويستحبون للواحد المطيق على الثياب ان يتجمل في صلاته ما استطاع بثيابه وطيبه وسواكه قال معمر عن أيوب عن نافع رآني ابن عمر أصلي في ثوب واحد فقال ألم أكسك ثوبين قلت بلى فقال أرأيت لو أرسلتك إلى فلان كنت ذاهبا في هذا الثوب قلت لا فالله أحق
369

من تزين له أو من تزينت له وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا ومحمله عندنا على الأفضل ولا سيما ان كان اماما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عيسى بن السكن الواسطي قال حدثنا المثنى بن معاذ عن أبيه عن شعبة وأخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال أنبأنا عبيد الله (1) ابن معاذ قال حدثنا أبي قال حدثنا شعبة واللفظ لحديث المثنى عن أبيه عن شعبة عن توبة (2) العنبري عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أحدكم أن يصلي فليتزر وليرتد حدثنا عبد الوارث بن سفيان ويعيش بن سعيد قالا حدثنا قاسم بن
370

أصبغ حدثنا أحمد بن محمد البرتي (1) حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن نافع قال شغلني شيء فجاء ابن عمر وأنا أصلي في ثوب واحد قال فأمهلني حتى فرغت من الصلاة ثم قال ألم تكس ثوبين قلت بلى قال فلو أرسلت خارجا من الدار أكنت تذهب في ثوب واحد قلت لا قال فالله أحق أن تزين له أم الناس قلت بل الله قال ثم حدث بحديث أكثر ظني أنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا وجد أحدكم ثوبين فليصل فيهما وإن لم يجد إلا ثوبا واحدا فليتزر به اتزارا ولا يشتمل اشتمال اليهود (2) وفي قوله صلى الله عليه وسلم أو لكلكم ثوبان دليل على أن من كان معه ثوبان يتزر بالواحد ويلبس الآخر أنه حسن في الصلاة وإنما قلنا حسن ولم نقل واجب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
371

وأصحابه قد صلوا في ثوب واحد ومعهم ثياب وحسبك بأبي هريرة وهو راوي (هذا) الحديث ذكر مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال سئل أبو هريرة هل يصلي الرجل في ثوب واحد قال نعم فقيل له هل تفعل أنت ذلك قال نعم أني لأصلي في ثوب واحد وأن ثيابي لعلى المشجب (1) وقد حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي قال حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني (قال حدثنا سفيان) بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء (2) وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم السمري قال حدثنا جعفر بن عون قال أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم سلمة يصلي في ثوب واحد واضعا طرفيه على عاتقيه (3) وروى عكرمة عن أبي هريرة قال قال
372

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم في ثوب فليخالف بطرفيه على عاتقيه (1) من حديث يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال أبو عمر فهذه سنة الصلاة في الثوب الواحد إذا كان واسعا وإن كان ضيقا فحديث جابر وحديث ابن عمر أما حديث جابر فرواه أبو حزرة (2) يعقوب بن مجاهد عن عبادة بن الوليد قال أنبأني جابر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له إن كان واسعا فخالف بين طرفيه وإن كان ضيقا فاشدده عليك (3) وبعضهم يقول فيه فاشدده على حقوك وعند مالك حديث جابر هذا بلاغا عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره وإن كان قصيرا فليتزر به (4) وقد ذكرنا هذا الخبر في بلاغات مالك والحمد لله وأما حديث ابن عمر فرواه حماد بن زيد عن
373

أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال عمر إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما وإن لم يكن له إلا ثوب فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود (1) وروى أبو المنيب (2) (عبيد الله العتكي) عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى في سراويل ليس عليها رداء (3) وهذا خبر لا يحتج به لضعفه ولو صح كان معناه الندب لمن قدر وقد جاء ما يعارضه روى أبو حصين عن أبي صالح عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب بعضه عليها وهذا لا محالة دون السراويل ويرده أيضا حديث جابر وحديث ابن عمر قوله وإن كان ضيقا فليتزر به وقد روى سلمة بن الأكوع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له صل في قميص وبعضهم يقول في حديث سلمة هذا أنه قال قلت) يا رسول الله اني أتصيد
374

أفأصلي في القميص الواحد قال نعم وزره ولو بشوكة (1) وروى ابن عباس عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان إزارك واسعا فتوشح به وإن كان ضيقا فأتزر به (2) وهذه الآثار كلها تبين لك ما قلناه وفسرناه وبالله التوفيق وروى عن جابر وابن عمر وابن عباس ومعاوية وسلمة بن الأكوع وأبي أمامة وأبي هريرة وطاوس ومجاهد وإبراهيم وجماعة من التابعين أنهم أجازوا الصلاة في القميص الواحد إذا كان لا يصف وهو قول عامة فقهاء الأمصار في جميع الأقطار ومن العلماء من استحب الصلاة في ثوبين واستحبوا أن يكون المصلى مخمر العاتقين وكرهوا أن يصلي الرجل في ثوب واحد مؤتزرا به ليس على عاتقه منه شيء إذا قدر على غيره وأجمع جميعهم أن صلاة من صلى بثوب يستر عورته جائزة وكان الشافعي يقول إذا كان الثوب ضيقا يزره أو يخلله بشيء لئلا يتجافى القميص فيرى من الجيب العورة وان لم يفعل ورأى عورته أعاد الصلاة وهو قول أحمد وقد رخص مالك في الصلاة في القميص محلول الإزار ليس عليه سراويل ولا ازار وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور وكان سالم يصلي محلول الإزار وقال داود الطائي إذا كان عظيم
375

اللحية فلا بأس به وأجمعوا على أن ستر العورة فرض واجب بالجملة على الآدميين واختلفوا هل هي من فروض الصلاة أم لا فقال أكثر أهل العلم وجمهور فقهاء الأمصار أنها من فروض الصلاة وإلى هذا ذهب أبو الفرج (1) عمرو بن محمد المالكي واستدل بأن الله عز وجل قرن أخذ الزينة بذكر المساجد يعني الصلاة والزينة المأمور بها في قول الله عز وجل * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * 2 هي الثياب الساترة للعورة لأن الآية نزلت من أجل الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قال أنبأنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا محمد بن بشار قال حدثنا غندر (3) عن شعبة عن سلمة قال سمعت مسلما البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
376

قال كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة وتقول (1
* اليوم يبدو بعضه أو كله
* وما بدا منه فلا أحله
* فنزلت * (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) * 2 قال أبو عمر لا يختلف العلماء بتأويل القرآن أن قوله عز وجل خذوا زينتكم عند كل مسجد نزلت في القوم الذين كانوا يطوفون بالبيت عراة روينا عن مجاهد وطاوس وأبي صالح ومحمد بن كعب القرظي ومحمد بن شهاب الزهري في ذلك معنى ما نورده بدخول كلام بعضهم في بعض وأكثره على لفظ ابن شهاب قال كانت العرب تطوف بالبيت (عراة) إلا الحمس قريش وأحلافهم فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه فطاف في ثوبي أحمسي يستعيرهما منه فإن
377

لم يجد من يعيره استأجر من ثيابهم فإن لم يجد من يستأجر منه ثوبه من الحمس ولا من يعيره ذلك كان بين أحد أمرين اما أن يلقى عنه ثيابه ويطوف عريانا وإما أن يطوف في ثيابه فإن طاف في ثيابه ألقاها عن نفسه إذا قضى طوافه وحرمها عليه فلا يقربها (ولا يقربها) غيره فكان ذلك الثوب يسمى اللقى وفي ذلك يقول بعضهم
* كفى حزنا كرى (1) عليه كأنه
* لقى بين أيدي الطائفين حريم (2
* والمرأة في ذلك والرجل سواء إلا أن النساء كن يطفن بالليل والرجال بالنهار فقدمت امرأة لها هيئة وجمال فطافت عريانة وقال بعضهم بل كان عليها من ثيابها ما ينكشف عنها فجعلت تقول
* اليوم يبدو بعضه أو كله
* فما بدا منه فلا أحله
* فكانوا على ذلك حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم
378

وأنزل عليه * (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) * وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى أن لا يطوف بالبيت عريان وقال مجاهد كانت قريش تطوف عراة ولا يلبس أحدهم ثوبا طاف فيه وقال غيره ما ذكرناه قال أبو عمر استدل من جعل ستر العورة من فرائض الصلاة بالإجماع على إفساد من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا وقال آخرون ستر العورة فرض عن أعين المخلوقين لا من أجل الصلاة وستر العورة سنة مؤكدة من سنن الصلاة ومن ترك الاستتار وهو قادر
على ذلك وصلى عريانا فسدت صلاته كما تفسد صلاة من ترك الجلسة الوسطى عامدا وإن كانت مسنونة ولكلا الفريقين اعتلال يطول ذكره والقول الأول أصح في النظر وأصح أيضا من جهة الأثر وعليه الجمهور واختلفوا في العورة من الرجل ما هي فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والأوزاعي وأبو ثور ما دون السرة إلى الركبة عورة وقال أبو حنيفة الركبة عورة وقال الشافعي ليست السرة ولا الركبتان من
379

العورة وحكى أبو حامد الترمذي للشافعي في السرة قولين واختلف المتأخرون من أصحابه في ذلك أيضا على ذينك القولين فطائفة قالت السرة من العورة وطائفة قالت ليست السرة عورة وقال عطاء الركبة عورة وقال مالك السرة ليست بعورة وأكره للرجل أن يكشف فخذه بحضرة زوجته وقال ابن أبي ذئب العورة من الرجل الفرج نفسه القبل والدبر دون غيرهما وهو قول داود وأهل الظاهر وقول ابن علية والطبري فمن حجة من قال أن الفخذ ليست بعورة حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا في بيته كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر ثم عمر فأذن لهما وهو على تلك الحال ثم استأذن عثمان فسوى عليه ثيابه (ثم أذن له) فسئل عن ذلك فقال الا استحيى منه تستحي منه الملائكة (1) وهذا حديث في ألفاظه اضطراب
380

(واحتج البخاري في ذلك بحديث أنس بن مالك قال حسر النبي صلى الله عليه وسلم على فخذه حتى أني لأرى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم) (1) ومن حجة من قال ما بين السرة والركبة عروة قوله صلى الله عليه وسلم الفخذ عورة (2) رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس ومحمد بن جحش وجرهد الأسلمي وقبيصة بن مخارق كلهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قالوا والركبة ليست من الفخذ واحتجوا أيضا بأن أبا هريرة قبل سرة الحسن بن علي وقال اقبل منك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منك (3) فلو كانت السرة عورة ما قبلها أبو هريرة ولا مكنه منها الحسن ومحال أن يقبلها حتى ينظر إليها (أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الجعد (4)
381

(الوشاء) (1) قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد (2) (الرنسي) (3) قال حدثنا معمر بن سليمان قال حدثنا حميد عن أنس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر رحمه الله في ثوب واحد قال معتمر أظنه في مرضه) (4)
382

حديث سابع لابن شهاب عن سعيد متصل مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (1) في هذا الحديث إباحة الدعاء على أهل الكفر وتحريم السجود على قبور الأنبياء وفي معنى هذا أنه لا يحل السجود لغير الله عز وجل ويحتمل الحديث أن لا تجعل قبور الأنبياء قبلة يصلى إليها وكل ما أحتمله الحديث في اللسان العربي فممنوع منه لأنه إنما دعا على اليهود محذرا لأمته عليه السلام من أن يفعلوا فعلهم وقد زعم قوم أن في هذا الحديث ما يدل على كراهية الصلاة في المقبرة وإلى القبور وليس في ذلك عندي حجة وقد مضى القول في الصلاة إلى القبور في باب زيد ابن
383

أسلم (في مرسلاته (1) وأتينا بآثار هذا الباب في باب زيد بن أسلم وبالله العصمة والتوفيق لا شريك له
384

حديث ثامن لابن شهاب عن سعيد (بن المسيب) (مرسل) مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من خيبر أسرى حتى إذا كان من آخر الليل عرس وقال لبلال اكلأ لنا الصبح ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكلأ بلال ما قدر له ثم استند إلى راحلته وهو مقابل الفجر فغلبته عيناه فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من الركب حتى ضربتهم الشمس ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بلال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتادوا فبعثوا رواحلهم واقتادوا شيئا ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح (1) ثم قال حين قضى الصلاة
385

من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تبارك وتعالى يقول * (وأقم الصلاة لذكري) * 1 هكذا روى هذا الحديث عن مالك مرسلا جماعة رواة الموطأ عنه لا خلاف بينهم في ذلك وكذلك رواه سفيان بن عيينة ومعمر في رواية عبد الرزاق (2) عنه (عن الزهري) مرسلا كما رواه مالك وقد وصله أبان (العطار) عن معمر ووصله الأوزاعي أيضا ويونس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة وعبد الرزاق أثبت في معمر من أبان العطار وقد وصله محمد بن إسحاق عن الزهري فيما حدثنا به أحمد بن محمد (قال) حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا الحسن بن علي الرافقي (3) حدثنا أبو شعيب صالح ابن زياد السوسي بالرقة حدثنا يعلى عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر حتى إذا كان
386

ببعض الطريق أراد التعريس من آخر الليل فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسند بلال ظهره إلى بعيره فاستقبل الشرق فغلبته عينه فنام فلم يوقظه إلا الشمس فكان أولهم رفع رأسه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ماذا صنعت (بنا) يا بلال قال أخذ بنفسي يا رسول الله الذي أخذ بنفسك فقال صدقت فاقتاد غير كبير فتوضأ وتوضأ الناس ثم صلى الصبح ثم أقبل عليهم فقال إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فإن الله تعالى يقول * (وأقم الصلاة لذكري) * 1 * (وأما) * حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من خيبر سار ليله حتى إذا أدركه الكرى (3) عرس وقال لبلال اكلأ لنا الصبح وساق الحديث بتمامه (4) إلى آخره قال يونس وسمعت ابن شهاب يقرؤها للذكرى (5)
387

ووصل من هذا الحديث ابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول * (وأقم الصلاة لذكري) *) وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في نومه عن الصلاة في السفر آثار كثيرة من وجوه شتى رواها عنه جماعة من أصحابه منهم ابن مسعود وأبو مسعود وأبو قتادة وذو مخبر الحبشي (1) وعمران بن حصين وأبو هريرة وقد ذكرناها في باب (2) زيد بن أسلم وبعضهم ذكر أنه أذن وأقام ولم يذكر
ذلك بعضهم وبعضهم ذكر أنه ركع ركعتي الفجر وبعضهم لم يذكر ذلك والحجة في قول من ذكر لا في قول من قصر وقد ذكرنا ذلك كله وما للعلماء فيه في باب مرسل (3) زيد بن أسلم فلا معنى لإعادة شيء من ذلك ههنا وقول ابن شهاب في هذا الحديث عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفل من خيبر أصح من قول من قال أن ذلك (كان) مرجعه من حنين لان ابن شهاب أعلم (الناس) بالسير والمغازي وكذلك سعيد بن المسيب ولا يقاس بهما
388

المخالف (لهما) في ذلك وكذلك ذكر ابن إسحاق وأهل السير أن نومه عن الصلاة في سفره كان في (حين) قفوله من خيبر وقد اختلف عن مالك في ذلك فروى عنه في هذا الحديث حين قفل من خيبر والقفول الرجوع من السفر ولا يقال (قفل) إذا سافر مبتدئا قال صاحب العين قفل الجند قفولا وقفلا إذا رجعوا وقفلتهم أنا أيضا هكذا (على وزن ضربتهم) وهم القفل (1) وفيه أيضا خروج الإمام بنفسه في الغزوات وذلك سنة وكذلك إرساله السرايا كل ذلك سنة مسنونة وأما قوله أسرى ففيه لغتان سرى وأسرى قال الله عز وجل * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) * 2 * (من المسجد الحرام) * فهذا رباعي وقال امرؤ القيس
* سريت بهم حتى تكل مطيهم
* وحتى الجياد ما يقدن بأرسان (3)
389

وهذا ثلاثي وقرئ أن أسر بعبادي (1) بالوصل والقطع على الثلاثي والرباعي جميعا وقال النابغة
* أسرت) عليه من الجوزاء سارية
* تزجى الشمال عليه جامد البرد
* فجمع بين اللغتين والسري مشي الليل وسيره وهي لفظة مؤنثة قال الشاعر
* وليل وصلنا بين قطريه بالسرى
* وقد جد شوق مطمع في وصالك
* أربت علينا من دجاه حنادس
* أعدن الطريق النهج وعر المسالك
* وقال غيره
* يفوت الغنى من لا ينام عن السرى
* وآخر يأتي رزقه وهو نائم
* ولا يقال لمشي النهار سرى ومنه المثل السائر عند الصباح يحمد (القوم) السرى (2)
390

فأما قوله حتى إذا كان من آخر الليل عرس فالتعريس النزول في آخر الليل كما في الحديث ولا تسمى العرب نزول الليل تعريسا (1) كذلك قال أهل اللغة وكذلك في حديث عطاء بن أبي رباح الذي ذكرناه حتى إذا كان آخر (الليل) نزلوا للتعريس فكلهم قال آخر الليل وهو المعروف عند العرب وأما قوله اكلأ لنا الصبح فمعناه أرقب لنا الصبح واحفظ علينا وقت صلاتنا وأصل الكلاية الحفظ والرعاية والمنع وهي كلمة مهموزة منه قوله عز وجل * (قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن) * ومنها قول ابن هرمة
* إن سليمى والله يكلؤها
* ضنت بشيء ما كان يرزؤها
* وفي هذا الحديث أيضا إباحة الاستخدام بالصاحب في السفر وإن كان حرا لأن بلالا كان في ذلك الوقت حرا كان أبو بكر اشتراه بمكة فأعتقه وله ولاؤه وذلك قبل الهجرة وكانت خيبر في سنة ست (2) من الهجرة وفيه أن رسول الله
391

صلى الله عليه وسلم كان ينام أحيانا نوما يشبه (نوم) الآدميين وذلك إنما كان منه غبا لمعنى يريد الله أحداثه وليس لأمته سنة تبقى بعده يدلك على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم إني لأنسى أو أنسى لأسن (1) وقوله في حديث العلاء بن خباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو شاء الله لأيقظنا ولكن أراد أن تكون سنة (2)) لمن بعدكم وأما طبعه وجبلته وعادته المعروفة منه ومن الأنبياء قبله فما حكاه عن نفسه صلى الله عليه وسلم إن عيني تنامان ولا ينام قلبي (3) فأطلق ذلك عن نفسه اطلاقا غير مقيد بوقت وفي حديث آخر إنا معاشر الأنبياء تنام أعيينا ولا تنام قلوبنا (4) فأخبر أن كل الأنبياء كذلك ومما يصحح ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه تراصوا في الصف فإني أراكم من وراء ظهري (5) فهذه جبلته وخلقته وعادته صلى الله عليه وسلم فأما نومه في السفر عن الصلاة
392

فكان خرق عادته ليسن لأمته ويعرفهم بما يحب على من نام منهم عن صلاته حتى يخرج وقتها وكيف العمل في ذلك وجعل الله نومه سببا بما جرى له في ذلك النوم من تعليمه أمته وتبصيرهم وقد ذكرنا الآثار الواردة في هذا المعنى في باب زيد (1) بن أسلم من هذا الكتاب ولا سبيل إلى حملها على الائتلاف والاتفاق إلا على ما ذكرناه وغير جائز حمل أخباره إذا صحت عنه على التناقض عند أهل الإسلام لأنه لا يجوز فيها النسخ حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الحسيني (2) قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال سمعت الشافعي يقول رؤيا الأنبياء وحي وقد روينا عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال رؤيا الأنبياء وحي وتلا * (إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر) * 3 وهذا يدل على أن قلوبهم لا تنام ألا ترى إلى حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حنى نفخ ثم صلى
ولم يتوضأ ثم قال إن عيني تنامان ولا ينام قلبي والنوم إنما يحكم له بحكم الحدث إذا خمر القلب وخامره وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخامر النوم قلبه
393

وقوله صلى الله عليه وسلم إني لست كهيئتكم إني أبيت أطعم وأسقى (1) ومثل هذا كثير فإن قال قائل إن في قوله صلى الله عليه وسلم من يكلأ لنا الصبح دليلا على أن عادته النوم قيل له لم تمعن النظر ولو أمعنته لعلمت أن المعنى (من) يرقب لنا انفجار الصبح فيشعرنا به في أول طلوعه لأن من نامت عيناه لم ير هذا في أوله ونوم العين يمنع من مثل هذا لا نوم القلب وكان شأنه التغليس بالصبح صلى الله عليه وسلم وكان بلال من أعلم الناس بذلك فلذلك أمره بمراقبة الفجر لا أن عادته كانت النوم المعروف من سائر الناس والله أعلم ذكر ابن أبي شيبة (أبو بكر) عن محمد بن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن سلمة عن مسروق (قال) ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد طلوع الشمس وذكره أيضا عن عبيدة بن حميد عن يزيد بن أبي زياد عن تميم بن سلمة عن مسروق عن ابن عباس (2) وهذا
394

عندي والله أعلم لأنه أعلم أمته أن مراد الله تعالى من الصلاة أن تقضى في وقت آخر كما قال تعالى في الصيام * (فعدة من أيام أخر) * 1 وليس كالحج وعرفة والضحايا والجمار وقد أوضحنا هذا المعنى في كتاب الاستذكار (2) وليس في تخصيص النائم والناسي بالذكر في قضاء الصلاة ما يسقط قضاءها عن العامد لتركها حتى يخرج وقتها بل فيه أوضح الدلائل على أن العامد (المأثوم) أولى أن يؤمر بالقضاء من الناسي المتجاوز عنه و (النائم) المعذور وإنما ذكر النائم والناسي لئلا يتوهم متوهم أنهما لما رفع عنهما الاثم سقط القضاء عنهما فيما وجب عليهما فأبان صلى الله عليه وسلم أن ذلك غير مسقط عنهما قضاء الصلاة وأنها واجبة عليهما متى ما ذكراها والعامد لا محالة ذاكر لها فوحب عليه قضاؤها والاستغفار من تأخيرها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى يقول * (وأقم الصلاة لذكري) * وقد قضاها عليه السلام بعد خروج وقتها يوم الخندق من غير نسيان ولا نوم إلا أنه شغل عنها وأجاز
395

لمن أدرك ركعة من العصر أن يصلي تمامها بعد خروج وقتها وقد زدنا هذا بيانا وإيضاحا في كتاب الإستذكار (1) والحمد لله وفي فزع رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أن ذلك لم يكن من عادته منذ بعث والله أعلم ولا معنى لقول من قال إن فزع رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان) من أجل العدو الذي يتبعهم (2) لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتبعه عدو في انصرافه من خيبر ولا في انصرافه من حنين ولا ذكر ذلك أحد من أهل المغازي بل كان منصرفه في كلتا الغزوتين غانما ظافرا قد هزم عدوه وظفر به وقمعه والحمد لله وما فزع أصحابه في غير هذا الحديث فلما رأوا من فزعه وقد فزعوا حين قدموا عبد الرحمن بن عوف يصلي لهم في غزوة تبوك حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المغيرة بن شعبة فتوضأ ومسح على خفيه وانتظروه وخشوا فوات الوقت فقدموا عبد الرحمن بن عوف يؤمهم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى بهم عبد الرحمن ركعة ففزع الناس فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحسنتم (3) يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها
396

هكذا نقله جماعة من أصحاب ابن شهاب وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الكسوف فزعا يجر ثوبه ويحتمل أن يكون فزعهم شفقة وتأسفا على ما فاتهم من وقت الصلاة ولعلهم حسبوا أن الصلاة قد فاتتهم أصلا فلحقهم الفزع والحزن لفوت الأجر والفضل ولم يعرفوا أن خروج الوقت لا يسقط فرض الصلاة حتى قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها كما كان يصليها لوقتها فأخبرهم أنها غير ساقطة عنهم وإذا لم تسقط عنهم صلوها وإذا صلوها أدركوا أجرها إن شاء الله وأعلمهم صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة أن الإثم عنهم في ذلك ساقط بقوله ليس التفريط في النوم وإنما التفريط في اليقظة وفي بعض ألفاظ (حديث) أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الصلاة لا تفوت النائم إنما تفوت اليقظان ثم توضأ وصلى بهم وفي هذا (الحديث) تخصيص لقوله عليه السلام رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ وبيان (ذلك) أن رفع القلم (عنه) ههنا من جهة رفع المأثم لا من جهة رفع الفرض عنه وأن ذلك ليس من باب قوله وعن الصبي حتى يحتلم
397

وإن كان ذلك جاء في أثر واحد فقف على هذا الأصل وأما قول بلال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك يقول إذا كنت أنت في منزلتك من الله قد غلبتك عينك وقبضت نفسك فأنا أحرى بذلك وفي هذا دليل على أن طلب الحجة والادلاء بها ذكر (1) عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن علي بن حسين قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على علي وفاطمة وهما نائمان فقال ألا تصلوا (2) فقال علي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنفسنا بيد الله فإذا أراد أن يبعثها بعثها فانصرف عنهما وهو يقول * (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) * 3 ورواه الليث عن عقيل عن الزهري عن علي بن حسين أن الحسين بن علي حدثه عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة فذكر الحديث وفي آخره فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك فسمعته وهو مدبر يضرب فخذه وهو يقول * (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) * 4
398

وأما قول بلال في هذا الحديث أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فمعناه قبض نفسي الذي قبض نفسك والباء زائدة أي توفى نفسي متوفي نفسك والتوفي هو القبض نفسه يعني أن الله عز وجل قبض نفسه وهذا قول من جعل النفس الروح وجعلهما شيئا واحدا لأنه قد قال في غير هذا الحديث إن الله قبض أرواحنا (فنص) على أن المقبوض هو الروح وفي القرآن * (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) * 1 ومن قال إن النفس غير الروح تأول قول بلال أخذ بنفسي من النوم ما أخذ بنفسك منه وقد تقدم القول في النفس والروح مستوعبا في باب (2) زيد ابن أسلم من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته فأما قوله اقتادوا شيئا فمعناه عند أهل المدينة ما ذكره زيد بن أسلم في حديثه وهو قوله صلى الله عليه وسلم إن هذا واد به شيطان وقد تقدم القول في هذا في باب مرسل (3) زيد بن أسلم من كتابنا هذا فأغنى عن اعادته وقال أهل العراق معنى اقتياد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رواحلهم
399

حتى خرجوا من الوادي إنما كان تأخيرا للصلاة لأنهم انتبهوا في وقت لا تجوز فيه صلاة وذلك عند طلوع الشمس (وزعموا أن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس) وعند غروبها يقتضي الفريضة والنافلة وكل صلاة مفروضة ومسنونة واحتجوا من الآثار بنحو حديث مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب وتأولوا هذا على الفرائض وغيرها وقد مضى الرد عليهم في تأويلهم هذا في غير موضع من كتابنا هذا (1) فأغنى عن إعادته ومما يبين لك أن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخروج أصحابه من ذلك الوادي لم يكن كما ذكره العراقيون أنهم لم يستيقظوا حتى ضربهم حر الشمس والشمس لا تكون لها حرارة إلا وقد ارتفعت وحلت الصلاة وهذه اللفظة محفوظة في حديث للزهري وفي غير ما حديث من الأحاديث المروية في نوم النبي صلى الله عليه وسلم
400

عن الصلاة منها حديث جبير بن مطعن وحديث ابن مسعود وحديث أبي قتادة وقد ذكرناها في باب (1) زيد بن أسلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن سعيد وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قالا حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر أسرى ليلة حتى إذا كان من آخر الليل عدل عن الطريق ثم عرس وقال من يحفظ علينا الصبح فقال بلال أنا يا رسول الله فجلس يحفظ (2) عليهم فنام النبي صلى الله عليه وسلم (وأصحابه) فبينما بلال جالس غلبته عينه (3) فما أيقظهم إلا حر الشمس ففزعوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنمت يا بلال فقال يا رسول الله أخذ نفسي الذي أخذ نفسكم (4) قال فاقتادوا رواحلهم وارتحلوا (5) عن المكان الذي أصابتهم فيه الغفلة ثم صلى بهم الصبح فلما فرغ قال
401

من نسي الصلاة (1) فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول * (وأقم الصلاة لذكري) * قال معمر وكان الحسن يحدث نحو هذا الحديث ويذكر أنهم ركعوا ركعتي (الفجر) ثم صلى بهم الصبح (2) ففي قوله فما أيقظهم إلا حر الشمس وقوله ارتحلوا عن المكان الذي أصابتهم فيه الغفلة دليل على صحة ما ذهب إليه أهل المدينة ودليل آخر هو قوله عليه الصلاة والسلام من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح (3) وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا عبد الله بن مسرة ومحمد بن عبد السلام قالا حدثنا أبو موسى الزمن محمد بن المثنى قال حدثنا (محمد) بن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أدركت ركعة من صلاة (الفجر) قبل أن تطلع الشمس فصل إليها أخرى (4) ومعلوم أن الأخرى مع طلوع الشمس وأي شيء أبين من هذا ودليل آخر وهو ما ذكره عطاء أن النبي صلى الله
402

عليه وسلم ركع في ذلك الوادي ركعتي الفجر ثم سار ساعة ثم صلى الصبح ومعلوم أن كل وقت تجوز فيه النافلة يجوز فيه قضاء المنسية المفروضة وهذا ما لا خلاف فيه ودليل آخر لا مدفع له وهو قوله صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الحديث من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فهذا اطلاق أن يصلي المنتبه والذاكر في كل وقت على ظاهر الحديث صلاته التي انتبه إليها وذكرها وقد اختلف العلماء من هذا المعنى فيمن ذكر الصلاة فاتته وهو في آخر وقت صلاة أو ذكر صلاة وهو في صلاة فجملة مذهب مالك أنه من ذكر صلاة وقد حضر وقت صلاة أخرى بدأ بالتي نسي إذا كان ذلك خمس صلوات فأدنى وإن فات وقت هذه وإن كان أكثر من ذلك بدأ بالتي حضر وقتها وعلى هذا النحو مذهب أبي حنيفة والثوري والليث إلا أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا الترتيب عندنا واجب في اليوم والليلة إذا كان في الوقت سعة للفائتة ولصلاة الوقت فإن خشي فوات صلاة الوقت بدأ بها فإن زاد على صلاة يوم وليلة لم يجب الترتيب عندهم والنسيان عندهم يسقط الترتيب وقال أبو حنيفة وأصحابه من ذكر صلاة فائتة وهو في صلاة أخرى من الصلوات الخمس فإن كان بينهما أكثر من خمس صلوات مضى فيما هو فيه ثم قضى التي عليه وإن كان أقل من ذلك قطع ما هو فيه وصلى التي ذكر إلا أن يكون في آخر وقت التي دخل
403

* (فيها) * يخاف فوتها أن تشاغل بغيرها فإن كان كذلك أتمها ثم قضى التي ذكر وقال أبو حنيفة ومحمد أن ذكر الوتر في صلاة الصبح فسدت عليه وإن ذكر فيها ركعتي الفجر لم تفسد عليه وقال أبو يوسف لا تفسد عليه بذكر الوتر ولا بركعتي الفجر وبه أخذ الطحاوي وقد روى عن الثوري وجوب الترتيب ولم يفرق بين القليل والكثير واختلف في ذلك عن الأوزاعي وقال الشافعي الاختيار أن يبدأ بالفائتة ما لم يخف فوات هذه فإن لم يفعل وبدأ بصلاة الوقت أجزأه وذكر الأثرم أن الترتيب عند أحمد بن حنبل واجب في صلاة ستين سنة وأكثر وقال لا ينبغي لأحد أن يصلي (صلاة) وهو ذاكر لما قبلها لأنها تفسد عليه قال أبو عمر ثم نقض هذا الأصل فقال أنا آخذ بقول سعيد بن المسيب ويعجبني في الذي يذكر صلاة في وقت صلاة كرجل ذكر العشاء في آخر وقت الفجر قال يصلي الفجر ولا يضيع
404

صلاتين أو قال يضيع مرتين وقال إذا خاف طلوع الشمس فلا يضيع هذه لقول سعيد (بن المسيب) يضيع مرتين فهذا يصلي الصبح وهو ذاكر العشاء وفي ذلك نقض لأصله وقال داود والطبري الترتيب غير واجب وهو تحصيل مذهب الشافعي ذكر الأثرم قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد أنه سمع ربيعة يقول في الذي ينسى الظهر والعصر حتى لا يجد إلا موضع سجدة قبل الغروب (قال) يصلي العصر ثم يصلي الظهر إذا غابت الشمس قال وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا هشيم قال أنبأنا يونس ومنصور عن الحسن أنه كان يقول فيمن نام (1) عن صلاة العشاء فاستيقظ عند طلوع الشمس قال يصلي الفجر ثم يصلي العشاء (2) قال وسمعت أحمد بن حنبل يقول أما الحسن فيقول يصلي تلك وإن فاتت هذه قال أبو عمر وأما الذي يذكر صلاة وهو وراء امام فكل من قال
405

بوجوب الترتيب ومن لم يقل به فيما علمت يقول يتمادى مع الإمام حتى يكمل صلاته ثم اختلفوا فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل يصلي التي ذكر ثم يعيد التي صلى مع الإمام إلا أن يكون بينهما أكثر من خمس صلوات على ما قدمنا ذكره عن الكوفيين وهو مذهب جماعة من أصحاب مالك المدنيين وذكر الخرقي (1) عن أحمد بن حنبل أنه قال من ذكر صلاة وهو في أخرى أتمها وقضى المذكورة وأعاد الصلاة التي كان فيها إذا كان الوقت مبقي فإن (2) خشي خروج الوقت اعتقد وهو فيها أن لا
يعيدها وقد أجزأته ويقضي التي عليه (3) قال الأثرم قيل لأبي عبد الله أن بعض الناس يقول إذا دخلت في صلاة فأحرمت بها ثم ذكرت صلاة نسيتها لم تقطع التي دخلت فيها ولكنك إذا فرغت منها قضيت التي نسيت وليس عليك إعادة هذه فأنكره وقال ما أعلم
406

أحدا قال بهذا إنما أعرف أن من الناس من قال أنا أقطع وإن كنت خلف الإمام وأصلي التي ذكرت لقول النبي صلى الله عليه وسلم فليصلها إذا ذكرها قال وهذا شنيع أن يقطع وهو خلف الإمام قيل له فما تقول أنت قال يتمادى مع الإمام وإن كان وحده قطع وذكر الأثرم قال حدثنا الحكم بن موسى قال حدثنا هقل (1) قال حدثنا الأوزاعي قال سمعت الزهري يقول في الذي ينسى الظهر ولا يذكرها حتى يدخل في العصر قال يمضي في صلاة الإمام فإذا انصرف استقبل الظهر فصلاها ثم يصلي العصر قال أبو عمر هذا ابن شهاب يفتي بقول ابن عمر وهو الذي يروي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول * (وأقم الصلاة لذكري) * وقد رأى تماديه مع الإمام ثم رأى إعادتها (لا) أدري إن كان استحبابا أو إيجابا وقد يحتمل
407

* (هذا) * الحديث إيجاب الترتيب ويحتمل أن يكون معناه الإعلام بأنها غير ساقطة بالنوم والنسيان وقد أجمعوا على أن الترتيب فيما كثر غير واجب فدل ذلك على أنه مستحب في القليل والله أعلم ويدلك على أن ذلك عندهم استحباب لأنهم يأمرونه إذا ذكرها وهو وحده في صلاة أن يقطعها وإن ذكرها وراء إمام تمادى مع الإمام والأصل في التمادي مع الإمام عند أكثرهم اتباع ابن عمر (وحديثه في ذلك ما رواه مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر) كان يقول من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا سلم الإمام فليصل الصلاة التي نسي ثم ليصل (بعدها) الصلاة (1) الأخرى (2) ولا مخالف له في هذه المسألة من الصحابة مع دلالة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصلها إذا ذكرها وقد روى من حديث أبي جمعة واسمه حبيب بن سباع وله صحبة (3) قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب يوم الأحزاب فلما سلم قال هل علم أحد منكم
408

أنى صليت العصر قالوا لا يا رسول الله قال فصلي العصر ثم أعاد المغرب وهذا حديث منكر يرويه ابن لهيعة عن مجهولين وقال الشافعي والطبري وداود يتمادى مع الإمام ثم يصلي التي ذكر ولا يعيد هذه وليس الترتيب عند هؤلاء بواجب فيما قل ولا فيما كثر ومن حجتهم (أن) الترتيب إنما يجب في اليوم وأوقاته فإذا خرج الوقت سقط الترتيب استدلالا بالإجماع (على) أن شهر رمضان تجب الرتبة فيه والنسق لوقته فإذا انقضى سقطت الرتبة عمن كان عليه (منه شيء بسفر أو علة) وجائز أن يأتي به على غير نسق ولا رتبة متفرقا فكذلك الصلوات المذكورات الفوائت والله أعلم واحتج داود وأصحابه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتي الفجر ذاكرا للصبح في حين نومه في سفره قالوا فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاكر صلاة واجبة عليه ركعتي الفجر وهما غير واجبتين عليه وهذا عندي لا حجة فيه لأنه لم يذكر في ركعتي الفجر صلاة قبلها وإنما المراعاة أن يذكر في الصلاة (1) ما قبلها ولكل واحد منهم حجج من جهة
409

النظر في أكثرها تشعيب وتطويل وفيما ذكرت لك من أقاويلهم ما تقف به على المراد من معنى حديث هذا الباب إن شاء الله وأما قوله في حديث مالك ثم أمر بلالا فأقام الصلاة يحتمل أن يكون فأقام ولم يؤذن ويحتمل أن يكون أقام الصلاة بما تقام به من الأذان والإقامة والطهارة وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه أمر بلالا فأذن وأقام في حين نام عن الصلاة في السفر وقد ذكرناها وقد روى أبان العطار عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة هذا الحديث وذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين قبل صلاة الفجر ثم أمر بلالا فأقام فصلى الفجر وهذا ليس بمحفوظ في حديث الزهري إلا من رواية أبان العطار عن معمر وأبان ليس بحجة ولا تقبل زيادته على عبد الرزاق لأن عبد الرزاق أثبت الناس في معمر عندهم وقد ذكرنا اختلاف العلماء في الأذان لما فات من الصلوات والحجة لكل فريق منهم في باب زيد (1) بن أسلم من كتابنا هذا وذكر أبو قرة عن مالك فيمن نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس أنه لا يركع ركعتي الفجر ولا يبدأ بشيء قبل الفريضة
410

قال مالك لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتي الفجر حين نام عن الصبح حتى طلعت الشمس قال أبو عمر ليس في حديث ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركع ركعتي الفجر في ذلك اليوم من وجه يصح وقد روى ذلك من وجوه كثيرة صحيحة وقد تقدم ذكرنا لها ولجميع معاني هذا الباب مستوعبة مبسوطة في باب مرسل (1) زيد بن أسلم من كتابنا هذا فلذلك اختصرناها في هذا الباب والله الموفق للصواب
411

حديث تاسع لابن شهاب عن سعيد (بن المسيب) مرسل مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مساجدنا يؤذينا بريح الثوم (1) هكذا هو في الموطأ عند جميعهم مرسل إلا ما رواه محمد بن معمر عن روح بن عبادة عن صالح بن أبي الأخضر ومالك بن أنس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة (مرة) موصولا وقد وصله معمر ويونس وإبراهيم بن سعد عن ابن شهاب فأما رواية معمر فذكرها عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل (من) هذه الشجرة يعني الثوم فلا يؤذينا في مسجدنا (2) وذكره ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب كذلك (سواء) مسندا وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا مسلة بن القاسم قال حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي ببغداد قال حدثنا فضل الأعرج قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن ابن
412

شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أكل من هذه الشجرة فلا يؤذينا في مسجدنا يعني الثوم قال يعقوب وذكر أبي عن أبيه أنه ذكر معه الكراث (1) والبصل قال أبو عمر روى النهي عن أكل الثوم بألفاظ متقاربة المعاني عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وحذيفة وابن عمر وجابر وأنس وأبو سعيد والمغيرة بن شعبة ومعقل (2) بن يسار وأم أيوب فأما حديث ابن عمر فرواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مسجدنا ذكره البخاري عن مسدد عن يحيى عن عبيد الله (3) قال
البخاري وحدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث عن عبد العزيز قال سأل رجل أنس بن مالك ما سمعت (من) نبي الله صلى الله عليه وسلم في الثوم فقال قال النبي صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا (4) ولا يصلين معنا (5) وحدثنا عبد الله بن محمد
413

قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المساجد (1) قال أبو عمر اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فقال بعضهم إنما خرج النهي عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل جبريل عليه السلام ونزوله فيه على النبي عليه السلام وقال آخرون وهم الأكثرون مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وسائر المساجد غيره في ذلك سواء وملائكة الوحي في ذلك (وغيرها) سواء (لأنه) قد أخبر أنه يتأذى بنو آدم وقال إن الملائكة تتأذى بما يتأذى منه بنو آدم وقال يؤذينا بريح الثوم ولا يحل أذى الجليس المسلم حيث كان قال أبو عمر في هذا الحديث من الفقه معرفة كون البقول والخضر بالمدينة فلما (لم) ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ منها الزكاة دل على أن الزكاة ساقطة عن الخضر وعما أخرجت الأرض غير القوت المدخر وقد أوضحنا هذه المسألة وذكرنا وجوهها واختلاف العلماء فيها في أول بلاغات مالك وذلك قوله أنه بلغه عن سليمان بن يسار (وبسر بن سعيد) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
414

قال فيما سقت السماء العشر الحديث (1) وفي هذا الحديث (أيضا) من الفقه أن أكل الثوم ليس بمحرم لأن الحرام لا يقال فيه من فعله فلا يفعل كذا لشيء غيره لأن هذا لفظ إباحة لا لفظ منع وليس هذا من باب ما روي عنه صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فليشقص (2) الخنازير (3) في شيء لأن شرب الخمر وتشقيص الخنازير كلاهما محرم وقد اختلف العلماء في أكل الثوم فذهبت طائفة من أهل الظاهر القائلين بوجوب الصلاة في الجماعة فرضا إلى تحريم أكل الثوم (في وقت يوجد ريحه منه في المسجد) وقالوا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم نهى تحريم فلا يجوز لأحد أكله لأنه لا يجوز لأحد التأخر عن صلاة الجماعة إذا كان قادرا على شهودها ولا يحل له التخلف عنها إذا سمع النداء بها مع الاستطاعة على المشي إليها قالوا وكل منع من إتيان الفرض والقيام به فحرام عمله والتشاغل به كما أنه حرام على الإنسان فعل كل ما يمنعه من مشاهدة الجمعة واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
415

قد سماها خبيثة والله عز وجل قد وصف نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه يحرم الخبائث (1) وذكروا حديث يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا وقوله من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربن مساجدنا وذهب جماعة فقهاء الأمصار وجمهور علماء المسلمين من أهل الفقه والحديث إلى إباحة أكل الثوم لدلائل منها حدث علي بن أبي طالب أخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا إسرائيل عن مسلم الأعور عن حبة العرني عن علي رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأكل الثوم وقال لولا أن الملك ينزل على لاكلته فقد بان بهذا الحديث أنه ليس بمحرم وأنه مباح وأن النهي عنه إنما ورد من أجل أن الملك كان يتأذى به ومنها (أيضا) حديث أبي سعيد الخدري ذكره عبد الرزاق عن معمر عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مسجدنا ولا
416

يأتينا يمسح جبهته قال فقلت يا أبا سعيد أحرام هي قال (لا) إنما كرهها النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ريحها وهذا نص عن صاحب عرف مخرج النهي ومثله حديث جابر ذكره البخاري (قال) حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عاصم قال أنبأنا ابن جريج قال أخبرني عطاء قال سمعت جابر بن عبد الله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة يريد الثوم فلا يغشانا في مساجدنا قلت ما يعني به قال ما أراه يعني إلا نيئه قال وقال مخلد بن يزيد عن ابن جريج إلا نتنه (1) قال وحدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عطاء أن جابر بن عبد الله زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أكل ثوما (أو بصلا) فليعتزلنا أو فليعتزل مسجدنا وأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحا قال فأخبر ما فيها من البقول فقال قربوها إلى بعض أصحابه كان معه فلما رآه كره أكلها قال كل فاني أناجي من لا تناجي (2) قال أبو عمر هذا بين في الخصوص (له) والإباحة لمن سواه وهذا الحديث ذكره أبو داود (قال) حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن
417

شهاب قال حدثني (عطاء) بن أبي رباح أن جابر بن عبد الله قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أكل ثوما أو بصلا فذكره سواء إلى آخره (1) قال أبو داود حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو أن بكر بن سوادة حدثه أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل وقيل يا رسول الله وأشد ذلك كله الثوم أفتحرمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلوه ومن أكله منكم فلا يقرب هذاالمسجد حتى يذهب ريحه منه (2) ومثل هذا أيضا حديث أم أيوب الأنصارية حدثنا سعيد بن نصر (قال) حدثنا قاسم بن أصبغ (قال) حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي (قال) حدثنا الحميدي (قال) حدثنا سفيان قال حدثني عبيد الله بن أبي يزيد قال أخبرني أبي أن أم أيوب الأنصارية أخبرته قالت نزل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلفنا له طعاما فيه بعض هذه البقول فكرهه وقال لأصحابه إني لست كأحد منكم فإني أكره أن أوذي صاحبي (3) قال الحميدي قال سفيان رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت يا رسول الله هذا الحديث الذي تحدث به أم أيوب عنك أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم قال حق ومثل هذا حديث مالك عن ابن شهاب عن سليمان (4) بن يسار قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل الثوم ولا الكراث ولا
418

البصل من أجل أن الملائكة تأتيه ومن أجل أنه يكلم جبريل عليه السلام رواه عبد الله بن يوسف (والقعنبي) وطائفة عن مالك (في الموطأ هكذا ورواه محمد بن إسحاق البكري عن يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك) أنه قرأ عليه عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الثوم ولا الكراث ولا
البصل من أجل أن الملائكة تأتيه وأنه يكلم جبريل عليه السلام قال الدارقطني هذا مما انفرد به محمد بن إسحاق البكري بهذا الإسناد وهو ضعيف وما جاء به وهم لأنه في الموطأ عن الزهري عن سليمان بن يسار مرسل وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا إسحاق بن منصور قال أنبأنا يحيى عن ابن جريج قال حدثنا عطاء عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة قال أول يوم الثوم ثم قال الثوم والبصل والكراث فلا يقربنا في مساجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس (1) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سفيان بن فروخ قال حدثنا أبو الهلال قال حدثنا حميد بن هلال عن أبي بردة عن المغيرة بن شعبة قال أكلت ثوما فأتيت مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقت بركعة فلما دخلت المسجد وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريح الثوم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها فلما قضيت الصلاة
419

جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله والله لتعطيني يدك (قال) فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب (الصدر) فقال إن لك عذرا (1) قال أبو داود وحدثنا مسدد قال حدثنا الجراح أبو وكيع عن أبي إسحاق عن (شريك بن حنبل) عن علي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم إلا مطبوخا (2) وحدثنا عبد الوارث وسعيد قالا حدثنا قاسم بن (أصبغ) قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق وبكر قالا حدثنا مسدد قال حدثنا أبو وكيع عن أبي إسحاق عن شريك بن حنبل عن علي فذكره قال أبو عمر (ففي) هذه الأحاديث أوضح الدلائل على أن أكل الثوم ليس به بأس وأنه مباح وقد أكله جماعة من الصحابة والتابعين وأجاز أكله جمهور علماء المسلمين أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي أن أباه أخبره قال أنبأنا أحمد بن خالد قال أنبأنا الحسن بن أحمد قال حدثنا محمد ابن عبيد قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا سعيد بن أبي صدقة (3) وقد ذكره أيوب عن محمد أن ابن عمر سئل عن
420

الثوم والبصل فقال اذهبوا واقطعوا عنكم ريحها بالنضج وحدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا الحسن بن أحمد قال حدثنا محمد بن عبيد بن حساب (1) قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب عن نافع أن ابن عمر أصابه بهر (2) زمن أذربيجان فنعت له الثوم فكنا ننظمه فنجعله في حساء له وأخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد (بن) الفضل الدينوري قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أبي وشعيب بن الليث (عن الليث) بن سعد عن يزيد بن الهادي قال قلت لنافع هل كان ابن عمر يأكل الثوم في اللحم قال نعم فهذا ابن عمر قد روى الحديث في الثوم وكان يأكله فدل على أنه قد علم المراد وعرف المقصد أخبرنا خلف بن القاسم أنبأنا أحمد بن محمد بن أبي الموت حدثنا أبو صالح حدثنا أبو يوسف محمد بن أحمد ابن الحجاج حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأوزاعي عن أبي عبيد عن نعيم بن سلامة قال دخلت على عمر بن عبد العزيز فوجدته يأكل ثوما مسلوقا بماء وملح وزيت ولو ذكرنا الآثار عن العلماء في ذلك لطولنا وأمللنا والأمر الواضح لا
421

وجه للتطويل فيه وفي هذا الحديث من الفقه أيضا أن حضور الجماعة ليس بفرض لأنه لو كان فرضا ما كان أحد ليباح له ما يحبسه عن الفرض وقد أباحت السنة لآكل الثوم التأخر عن شهود الجماعة وقد بينا أن أكله مباح فدل ذلك على ما وصفنا وبالله عصمتنا ألا ترى أن الجمعة إذا نودي لها حرم على المسلمين كل ما يحبس عنها من بيع وقعود ورقاد وصلاة وكل ما يشتغل به المرء عنها وكذلك من كان (من أهل المصر) حاضرا فيه لا عذر له في التخلف عن الجمعة أنه لا يحل له أن يدخل على نفسه ما يحبسه عنها فلو كانت الجماعة فرضا لكان أكل الثوم في حين وقت الصلاة حراما وقد ثبتت إباحته فدل ذلك على أن حضور الجماعة ليس بفرض والله أعلم وإنما حضورها سنة وفضيلة وعمل بر ومما يدل على أن حضور الجماعة ليس بفرض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضر العشاء وسمعتم الإقامة بالصلاة فابدؤا بالعشاء (1) وفي الحديث المذكور أيضا من الفقه أن آكل الثوم يبعد من المسجد ويخرج عنه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقرب (مسجدنا أو) مساجدنا لأنه يؤذينا بريح الثوم وإذا كانت العلة في إخراجه من المسجد أنه يتأذى
422

به ففي القياس أن كل ما يتأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيها عليهم في المسجد مستطيلا أو كان ذا ريحة قبيحة لا تريمه لسوء صناعته أو عاهة مؤذية كالجذام (1) وشبهه وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنه كان ذلك لهم ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول فإذا زالت بإفاقة أو توبة أو أي وجه زالت كان له مراجعة المسجد وقد شاهدت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم (2) رحمه الله أفتى في رجل شكاه جيرانه وأثبتوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فشور فيه فأفتى بإخراجه عن المسجد وإبعاده عنه وأن لا يشاهد معهم الصلاة إذ لا سبيل مع جنونه واستطالته إلى السلامة منه فذاكرته يوما أمره وطالبته بالدليل فيما أفتى به من ذلك وراجعته فيه القول فاستدل بحديث الثوم وقال هو عندي أكثر أذى من آكل الثوم وصاحبه يمنع من شهود الجماعة في المسجد وذكر الحديث أنه كان إذا وجد من أحد ريح ثوم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عنه وربما أبعد حتى يبلغ به البقيع أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال حدثنا أحمد بن
423

شعيب قال أنبأنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا هشام قال حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب قال إنكم أيها الناس تأكلون من شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم ولقد رأيت نبي الله إذا وجد ريحها من الرجل أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلها فليمتهما طبخا (1) فهذا عمر بن الخطاب يجير أكل البصل والثوم مطبوخين على حسبما ذكرنا وهذا هو الصحيح في هذا الباب والله الموفق للصواب وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا همام بن يحيى قال حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة العمري أن عمر قام على المنبر يوم جمعة فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر الحديث بمعنى ما تقدم سواء إلى آخره وروى جرير بن عبد الحميد وزهير بن معاوية عن مطرف بن طريف عن أبي الجهم عن أبي القاسم مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال لما افتتحت خيبر أكلوا من الثوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه
البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا حتى يذهب ريحها من فيه (2)
424

حديث عاشر لابن شهاب عن سعيد مرسل مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن (1) هكذا رواه كل من روى الموطأ عن مالك فيما علمت إلا معن بن عيسى فإنه وصله (فجعله عن سعيد) عن أبي هريرة ومعن ثقة (2) إلا أني أخشى أن يكون الخطأ فيه من علي بن عبد الحميد الغضائري (3) حدثنا خلف بن قاسم حدثنا علي بن الحسن ابن علان وأحمد بن محمد بن يزيد الحلبي قالا حدثنا علي ابن عبد الحميد الغضائري حدثنا مجاهد بن موسى حدثنا معن بن عيسى عن مالك عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن وهو لصاحبه حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثنا محمد بن العباس بن يحيى الحلبي قال حدثنا
425

علي بن عبد الحميد وحدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال محمد بن العباس بن يحيى الحلبي قال حدثنا أبو بكر بن جعفر وعلي بن عبد الحميد قالا حدثنا مجاهد ابن موسى قال حدثنا معن بن عيسى قال حدثنا مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن وهو من صاحبه وزاد فيه أبو عبد الله بن عمروس عن الأبهري بإسناده له غنمه وعليه غرمه وهذه اللفظة قد اختلف الرواة في رفعها فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما في هذا الحديث لكنهم رووه مرسلا على اختلاف في ذلك عن ابن أبي ذئب نذكره إن شاء الله ورواية معن عن مالك موافقة لذلك وقد روى ابن وهب هذا الحديث فجوده وبين أن هذا اللفظ ليس مرفوعا روى سحنون ويونس بن عبد الأعلى ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن ابن وهب قال سمعت مالكا ويونس بن يزيد وابن أبي ذئب يحدثون عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن وقال يونس قال ابن شهاب وكان سعيد بن المسيب يقول الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه فتبين برواية ابن وهب عن يونس بن يزيد أن هذا من قول سعيد بن المسيب
426

فالله أعلم إلا أن معمرا (قد) ذكره عن ابن شهاب مرفوعا ومعمر من أثبته الناس في ابن شهاب وقد تابعه على ذلك يحيى بن أبي أنيسة (1) فرفع هذا اللفظ ووصل الحديث عن أبي هريرة ويحيى ليس بالقوي وقد روي من حديث محمد بن كثير ومن حديث زيد بن الحباب عن مالك عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغلق الرهن له غنمه وعليه غرمه ذكر ذلك شيخنا ابن قاسم (2) عن شيوخه عنهما وذكره الدارقطني وغيره وقد حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن قال حدثنا محمد بن العباس الحلبي قال حدثنا علي بن عبد الحميد قال حدثنا عبد الله بن عمران العابدي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعيد عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن له غنمه وعليه غرمه (3) وفيما أخبرني
427

أبو عبد الله إجازة عن علي بن عمر الحافظ قال حدثنا علي بن أحمد بن الفتح الوراق حدثنا محمد بن إبراهيم (بن يعقوب الأنطاكي حدثنا محمد بن المبارك الأنباري حدثنا أحمد بن إبراهيم) بن أبي سكينة الحبلي حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم (بن أصبغ) قال حدثنا محمد بن أحمد بن زهير قال حدثنا عبد الله بن عمران بن زريق المكي قال حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن وحدثنا إسماعيل بن عبد الرحمن قال حدثنا (محمد) ابن العباس قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الطائي بحمص قال حدثنا محمد بن خالد بن خلي (1) قال حدثنا بقية عن إسماعيل بن عياش عن عباد يعني ابن كثير عن محمد بن عبد الرحمن يعني ابن أبي ذئب عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
428

قال لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه (1) قال أبو عمر أما حديث إسماعيل بن عياش فهذا أصله وقد روى عن إسماعيل بن عياش عن ابن أبي ذئب ولم يسمعه إسماعيل من ابن أبي ذئب وإنما سمعه من عباد بن كثير عن ابن أبي ذئب وعباد بن كثير عندهم ضعيف (2) لا يحتج به وإسماعيل بن عياش (عندهم) أيضا غير مقبول الحديث إذا حدث عن غير أهل بلده فإذا حدث عن الشاميين فحديثه مستقيم وإذا حدث عن المدنيين وغيرهم ما عدا الشاميين ففي حديثه خطأ كثير واضطراب ولا أعلم بينهم خلافا أنه ليس بشيء فيما روى عن غير أهل بلده وقد اختلفوا فيه إذا روى عن أهل بلده والصواب ما ذكرت (3) لك إن شاء الله وقد روى هذا الحديث عن إسماعيل بن عياش عن الزبيدي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو صح عن إسماعيل لكان
429

حسنا لكن أهل العلم بالحديث يقولون أنه إنما رواه عن ابن أبي ذئب ولم يروه عن الزبيدي وقد أوضحت لك أصل روايته في هذا الحديث عن ابن أبي ذئب إلا أنه قد روى عن ابن أبي ذئب من وجه صالح حسن غير هذا الوجه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثني يحيى بن أبي طالب الأنطاكي وجماعة من أهل الثقة قالوا حدثنا عبد الله بن نصر الأصم الأنطاكي قال حدثنا شبابة قال حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه (1) ورواه عن شبابة هكذا جماعة وأما رواية ابن عيينة لهذا الحديث متصلا عن زياد بن سعد فإن الأثبات من أصحاب ابن عيينة يروونه عن ابن عيينة لا يذكرون فيه أبا هريرة ويجعلونه عن سعيد مرسلا وهذا الحديث عند أهل العلم بالنقل مرسل وإن كان قد وصل من جهات كثيرة فإنهم يعللونها وهو مع هذا حديث لا يرفعه أحد منهم وإن اختلفوا في تأويله ومعناه وبالله التوفيق قال أبو عمر الرواية في هذا الحديث لا يغلق الرهن برفع القاف على الخبر أي ليس يغلق الرهن ومعناه لا
430

يذهب ويتلف باطلا والأصل في ذلك الهلال والنحويون يقولون غلق الرهن إذا لم يوجد له تخلص (1) قال امرؤ القيس
* غلقن برهن من حبيب به أدعت
* سليمى وأمسى حبلها قد تبترا (2
*
* وقال زهير
* وفارقتك برهن لا فكاك له
* يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
* وقال آخر وهو قعنب بن أم صاحب وهو أحد المنسوبين إلى أمهاتهم وهو قعنب بن حمزة أحد بني عبد الله بن غفطان
* بانت سعاد وأمسى دونها عدن
* وغلقت عندها من قبلك الرهن
* وقال آخر (4
* كأن القلب ليلة قيل يغدى
* بليلى العامرية أو يراح
431

* قطاة غرها (1) شرك فباتت
* تجاذبه وقد غلق (2) الجناح
* وقال آخر (3
*
* أجارتنا من يجتمع يتفرق
* ومن يك رهنا للحوادث يغلق
* وقال أعشى تغلب
* لما رأى أهلها أنى علقت بها
* واستيقنوا أنني في حبلها غلق
*
* بانت (4) نواهم شطونا عن هواي لهم
* فما دلوفي (5) ميسورا ولا رفق)
432

قال أبو عبيد لا يجوز في كلام العرب أن يقال للرهن إذا ضاع قد غلق إنما يقال قد غلق إذا استحقه المرتهن فذهب به قال وهذا كان من فعل (أهل) الجاهلية فأبطله النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا يغلق الرهن ثم ذكر نحو قول مالك وسفيان في تفسير هذا الحديث وفسر مالك هذا الحديث بأن قال وتفسير ذلك فيما نرى والله أعلم أن يرهن الرجل الرهن عند الرجل بالشيء وفي الرهن فضل عما رهن (1) (به) فيقول الراهن للمرتهن إن جنتك بحمقك إلى أجل كذا (2) يسميه له وإلا فالرهن لك بما فيه قال مالك فهذا لا يصلح ولا يحل وهذا الذي نهى عنه وإن جاء صاحبه بالذي رهن فيه (3) بعد الأجل فهو له وأرى هذا الشرط متفسخا وعلى نحو هذا فسره الزهري وسفيان الثوري وطاوس وإبراهيم النخعي وشريح القاضي أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن طاوس قال إذا رهن الرجل الرهن فقال لصاحبه إن لم آتك إلى كذا وكذا فالرهن لك
433

قال ليس بشيء ولكن يباع فيأخذ حقه ويرد ما فضل (1) وذكر عبد الرزاق عن معمر (عن الزهري) (2) عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن ممن رهنه قال معمر قلت للزهري أرأيت قوله لا يغلق الرهن أهو الرجل يقول إن لم آتك بمالك فهذا الرهن لك قال نعم قال معمر ثم بلغني عنه أنه قال إن هلك لم يذهب حق هذا إنما هلك من رب (الرهن) (3) له غنمه وعليه غرمه (4) وروى عبد الرزاق وعبد الملك بن الصباح جميعا عن الثوري عن ابن أبي ذئب (عن الزهري) عن ابن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه (5) زاد عبد الملك عن الثوري قال إن لم يأته بماله فلا يغلق الرهن قال أبو عمر فعلى هذا تفسير أهل العلم في قوله لا يغلق الرهن أن ذلك إنما قصد به الرهن القائم أي لا يستغلقه المرتهن فيأخذه بشرطه المذكور إذ قد أبطلت (ذلك) الشرط السنة وليس ذلك في الرهن يتلف عند المرتهن لأن الذي تلف لا يغلق لأنه قد ذهب وإنما قيل فيما كان باقيا موجودا لا يغلق أي لا يأخذه المرتهن إذا حل الأجل بما له عليه ولا
434

يكون أولى به من صاحبه وروى هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال إذا أقرض الرجل قرضا ورهنه رهنا وقال إن آتيتك بحقك إلى كذا وكذا (وإلا) فهو لك بما فيه فقال ليس هذا بشيء هو رهن على حاله لا يغلق قال أبو عمر اختلف العلماء قديما وحديثا من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين في الرهن يهلك عند المرتهن ويتلف من غير جنايته (منه) ولا تضييع فقال مالك بن أنس والأوزاعي وعثمان البتي أن كان الرهن مما يخفي هلاكه نحو الذهب والفضة والحلي والمتاع والثياب والسيوف ونحو ذلك مما يغاب عليه ويخفى هلاكه فهو مضمون إذا خفي هلاكه ويتراد أن الفضل فيما بينهما إن كانت قيمة الرهن (أكثر من الدين ذهب الدين كله ورجع الراهن على
المرتهن بفضل قيمة الرهن وإن كانت قيمة الرهن) مثل الدين ذهب بما فيه وإن كانت قيمته أقل من الدين رجع المرتهن على الراهن بباقي دينه إلا أن مالكا وابن القاسم يقولان أن قامت البينة على هلاك ما يغاب عليه فليس بمضمون إلا أن يتعدى فيه المرتهن أو يضيعه فيضمن وقال أشهب كل ما يغاب عليه مضمون على المرتهن خفي هلاكه أو ظهر وهو قول الأوزاعي والبتي قال أبو عمر فإن اختلف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن فهو باب غير هذا ولا يجمل بنا ذكر مسائل الرهون كلها لخروجنا بذلك عن تأليفنا وإنما نذكر من المسائل في كتابنا ما كان في معنى الحديث المذكور لا غير وقد جود
435

مالك مذهبه في اختلاف الراهن والمرتهن في قيمة الرهن وفي مقدار الدين جميعا في كتابه الموطأ وقد ذكرنا ما للعلماء من خلافه وموافقته ووجه قول كل واحد منهم في كتاب الاستذكار والحمد لله فإن كان الرهن مما يظهر هلاكه نحو الدار والأرضين والحيوان فهو من مال الراهن ومصيبته منه والمرتهن فيه أمين ودين المرتهن (فيه) ثابت على حاله هذا كله قول مالك (1) وعثمان البتي والأوزاعي وروى هذا القول الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال ابن أبي ليلى وعبيد الله بن الحسن وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد يترادان الفضل بينهما مثل قول الأوزاعي ومالك والبتي سواء إلا أنه لا فرق عندهم بين ما يظهر هلاكه وبين ما يغاب عليه والرهن مضمون عندهم على كل حال حيوانا كان أو غيره هو عندهم مضمون بنفسه يترادان الفضل فيه أن نقصت قيمته عن الدين أو زادت والقول قول المرتهن في ذلك إن لم تقم بينه ويروي هذا القول أو معناه عن علي بن أبي طالب من حديث قتادة عن خلاس عن علي (2) ويروي أيضا عن ابن عمر من حديث إدريس الأودي عن إبراهيم بن عميرة وهو مجهول عن ابن عمر وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي إن كان الرهن مثل الدين أو أكثر منه فهو بما فيه وإن كان
436

أقل من الدين ذهب من الدين بقدره ورجع المرتهن على الراهن بما نقص والرهن عندهم مضمون بقيمة الدين فما دون وما زاد على الدين فهو أمانة وروى مثل هذا القول كله أيضا عن علي بن أبي طالب من حديث عبد الأعلى عن محمد بن الحنفية عن علي وهو أحسن الأسانيد في هذا الباب عن علي (1) وتأويل قوله له غنمه وعليه غرمه عند هؤلاء أبي حنيفة وأصحابه ومن قال بقولهم أنه لا يكون للمرتهن ويكون للراهن وغنمة عندهم ما فضل من الدين وعليه غرمه ما نقص من الدين وهذا كله عندهم في سلامة الرهن لا في عطبه على ما تقدم ذكرنا له فالرهن عند هؤلاء في الهلاك مضمون بالدين لا بنفسه وقيمته ومن حجتهم أن المرتهن لما كان أحق به من سائر الغرماء عند الفلس علم أنه ليس كالوديعة وأنه مضمون لأنه لو كان أمانة لم يكن (المرتهن) أحق به وقال شريح وعامر الشعبي وغير واحد من الكوفيين يذهب الرهن بما فيه كانت قيمته مثل الدين أو أكثر (منه) أو أقل ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين إلا أنهم إنما يجعلونه بما فيه إذا هلك وعميت قيمته ولم تقم بينه على ما فيه وإن قامت بينه على ما فيه ترادا الفضل وهكذا قال الليث بن سعد مذهبه في هذا ومذهب السبعة سواء قال الليث وبلغني ذلك
437

عن علي بن أبي طالب (1) والحيوان عند الليث لا يضمن إلا أن يتهم المرتهن في دعوى الموت والإباق وقال الليث يكون بالموت ظاهرا معلوما قال فإن أعلم المرتهن الراهن باباقه أو موته أو أعلم السلطان ان كان صاحبه غائبا حلف وبرىء وقالت طائفة من أهل الحجاز منهم سعيد بن المسيب والزهري وعمرو بن دينار ومسلم بن خالد والشافعي وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وعامة أصحاب الأثر وداود بن علي الرهن كله أمانة قليله وكثيره ما يغاب عليه منه وما يظهر إذا ذهب من غير جناية المرتهن فهو من مال الراهن ولا يضمن إلا بما يضمن به الودائع وسائر الأمانات ودين المرتهن ثابت على حاله قالوا والحيوان في ذلك والعقار والحلي والثياب وغير ذلك سواء وحجتهم في ذلك حديث سعيد (بن المسيب) عن أبي هريرة قالوا وهو مرفوع صحيح عن الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه وقد وصله قوم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قالوا وهو مرفوع صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ومراسيل سعيد عندهم صحاح (2) ومعنى قوله له غنمه أي له غلته ورقبته وفائدته كلها وعليه غرمه فكاكه ومصيبته فعلى هذا المعنى هذا القول عندهم غنمه لصاحبه وغرمه عليه قالوا والمرتهن
438

ليس بمعتد في حبسه فيضمن وإنما يضمن من تعدى والأمانة لا تضمن بغير التعدي فهو عند هؤلاء كله أمانة وعند أبي حنيفة وأصحابه ما زاد على قيمته فأمانة وعند مالك ما لا يعاب عليه أمانة لا تضمن إلا بما تضمن به الأمانات من التعدي والتضييع وكذلك ما يغاب عليه إذا ظهر هلاكل لم يجب على المرتهن ضمانه والفرق بين ما يغاب عليه وما لا يغاب عليه في المشهور من مذهب مالك وأصحابه أن ما لا يغاب عليه من الرهون كالحيوان وشبهه والعقار ومثله إذا ادعى المرتهن هلاكه ولم يتبين كذبه قبل قوله وإذا ادعى هلاك ما قد غاب عليه عند نفسه لم يقبل قوله فيه لأنه إنما أخذه وثيقة لنفسه ولم يأخذه وديعة ليحفظه على ربه فلا يقبل قوله في ضياعه إلا ببينة وأمر ظاهر وتلزمه قيمته يقاص بها من دينه والقول قوله مع يمينه في قيمته إن نزل فيها اختلاف بينهما وعميت ويترادان الفضل في ذلك ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم له غنمه عند مالك وأصحابه أي له غلته وخراج ظهره وأجرة عمله ومعنى قوله غرمه أي نفقته ليس الفكاك والمصيبة قالوا لأن الغنم إذا كان الخراج والغلة كان الغرم ما قابل ذلك من النقفة قالوا والأصل أن المرتهن غير مؤتمن ولا متعد فيضمن ما خفي هلاكه من حيث ضمنه المستعير سواء وفي معنى قوله له غنمه وعليه غرمه قوله الرهن مركوب ومحلوب (1) أي أجرة ظهره لربه وكسبه له ولا
439

يجوز أن يكون ذلك للمرتهن لأنه ربا من أجل الدين الذي له ولا يجوز أن يلي الراهن ذلك لأنه يصير غير مقبوض حينئذ والرهن لا بد أن يكون مقبوضا ولو ركبه لخرج من الرهن فقف على هذا كله فهو مذهب مالك وأصحابه وفرق مالك بين الولد وبين الغلة والخراج فجعل ولد الأمة وسخل الماشية رهنا مع الأمهات كما هي في الزكاة تبعا للأمهات وليس كذلك صوفها ولبنها ولا ثمر الأشجار لأنها ليست تبعا لأصولها في الزكاة ولا هي في صورتها (ولا معناها) ولا تقوم مقامها ولها حكم نفسها (لا حكم الأصل) وليس كذلك الولد والسخل والله أعلم بصواب ذلك)
440

حديث حادي عشر لابن شهاب عن سعيد مرسل يتصل من وجوه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر والمحاقلة اشتراء الزرع بالحنطة واستكراء الأرض بالحنطة (1) هكذا هذا الحديث مرسل في الموطأ (عند) جميع الرواة وكذلك رواه
أصحاب ابن شهاب عنه ورواه أحمد بن أبي طيبة عن مالك (عن الزهري) عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجاء فيه من تفسير المزابنة والمحاقلة ما فيه مقنع لمن فهم ولا خلاف علمته في هذا التأويل وهو أحسن تفسير في المزابنة والمحاقلة وأعمه وقد مضى في كتابنا هذا من تفسير المزابنة ههنا وقد تقدم في باب ربيعة منا القول في كراء (3) الأرض مستوعبا والحمد لله وقد روى النهي عن المزابنة والمحاقلة عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة منهم جابر وابن عمر وأبو هريرة ورافع بن خديج وكل هؤلاء
441

سمع منه سعيد بن المسيب والله أعلم وقد يكون العالم إذا اجتمع له جماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره في حديث واحد يرسله إلى المعزي إليه الحديث ويستثقل أن يسنده أحيانا عن الجماعة الكثيرة ألا ترى إلى ما ذكرنا في صدر هذا الديوان عن إبراهيم النخعي أنه قيل له مرة تقول قال عبد الله بن مسعود ومرة تسمى من حدثك عنه فقال إذا أسندت لك الحديث عنه فقد حدثني من سميت لك عنه وأن لم اسم لك أحدا فاعلم أنه حدثنيه جماعة هذا أو معناه كلام إبراهيم (1) حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن طارق عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له أرض فهو يزرعها ورجل منح أرضا فهو يزرع ما منح ورجل استكرى أرضا بذهب أو فضة (2) أخبرنا أحمد بن عبد الله قال أنبأنا الميمون بن حمزة حدثنا الطحاوي حدثنا المزني حدثنا الشافعي أنبأنا سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال لعطاء ما المحاقلة قال المحاقلة في الزرع كهيئة المزابنة في النخل سواء بيع الزرع بالقمح قال ابن
442

جريج فقلت لعطاء فسر لكم جابر في المحاقلة كما أخبرتني قال نعم وقد مضى ما للعلماء من المذاهب في المحاقلة والمزابنة في باب داود بن الحصين (1) والحمد لله والقضاء فيما وقع من المزابنة والمحاقلة أنه إن أدرك ذلك فسخ وإن قبض وفات رجع صاحب المكيلة على صاحب النخل والزرع بمثل صفة ما قبض منه في كيله ورجع صاحب النخل والزرع بقيمة ثمرة أو قيمة زرعه على صاحب المكيلة يوم قبضه بالغا ما بلغت
443

حديث ثاني عشر لابن شهاب عن سعيد مرسل مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر (1) أقركم ما أقركم الله على أن الثمر بيننا وبينكم قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي فكانوا يأخذونه (2) هكذا روي هذا الحديث بهذا الإسناد (عن مالك) عن ابن شهاب عن سعيد جماعة رواة الموطأ وكذلك رواه أكثر أصحاب الزهري وقد وصله منهم صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتح خيبر دعا اليهود فقال نعطيكم الثمر على أن تعملوها أقركم ما أقركم الله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة
444

فيخرصها عليهم ثم يخيرهم أيأخذون بخرصه أم يتركون (1) (وقال معمر عن الزهري في هذا الحديث خمس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ولم يكن له ولا لأصحابه عمال يعملونها ويزرعونها فدعا يهود خيبر وكانوا أخرجوا منها فدفع إليهم خيبر على أن يعملوها على النصف يؤدونه إلى النبي عليه السلام وأصحابه وقال لهم أقركم على ذلك ما أقركم الله فكان يبعث إليهم عبد الله بن رواحة فيخرص النخل حين يطيب ثم يخير يهود خيبر يأخذونها بذلك الخرص أم يدفعونها بذلك الخرص قال وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك لكي يحصى الزكاة قبل أن يؤكل التمر ويفرق فكانوا كذلك وذكر تمام الخبر (2) قال أبو عمر أجمع العلماء من أهل الفقه والأثر وجماعة أهل السير على أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمها فما كان منها صلحا أو أخذ بغير قتال كالذي جلا عنه أهله عمل في
445

ذلك كله بسنة الفيء وما كان منها عنوة عمل فيه بسنة الغنائم إلا أن ما فتحت الله عليه منها عنوة قسمه بين أهل الحديبية وبين من شهد الوقعة وقد رويت في فتح خيبر آثار كثيرة ظاهرها مختلف وليس باختلاف عند العلماء على ما ذكرت لك إلا أن فقهاء الأمصار اختلفوا في القياس على خيبر سائر الأرضين المفتتحة عنوة فمنهم من جعل خيبر أصلا في قسمة الأرضين ومنهم من أبى من ذلك وذهب إلى إيقافها وجعلها قياسا على ما فعل عمر بسواد الكوفة وسنين ذلك كله في هذا الباب إن شاء الله فأما الآثار عن أهل العلم والسير بأن بعض خيبر كان عنوة وبعضها بغير قتال فمن ذلك ما روى ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحا قال فالكتيبة (1) أكثرها عنوة وفيها صلح قلت لمالك وما الكتيبة قال من أرض خيبر وهي أربعون ألف عذق (2) قال مالك وكتب أمير المؤمنين يعني المهدي أن تقسم الكتيبة مع صدقات النبي صلى الله عليه وسلم فهم يقسمونها في الأغنياء والفقراء فقيل لمالك أفترى ذلك للأغنياء قال لا ولكن أرى أن يفرقوها على الفقراء قال إسماعيل بن إسحاق وكانت خيبر جماعة حصون فافتتح بعضها بقتال وبعضها سلمه أهله على أن نحقن دماؤهم وقال موسى بن عقبة كان من أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من خيبر نصفها كان النصف لله ورسوله
446

والنصف الآخر للمسلمين فكان الذي لله ولرسوله النصف وهي الكتيبة والوطيح وسلالم ووخدة (1) وكان الباقي للمسلمين نطاة والشوق (2) قال موسى بن عقبة (ولم يقسم من خيبر شيء إلا لمن شهد الحديبية (3) قال ابن عقبة (4) وقد ذكروا والله أعلم أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ناس كثير بخيبر فرأى أن لا يخيب مسيرهم وسأل أصحابه أن يشركوهم قال ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية مكث عشرين ليلة أو قريبا منها ثم خرج غازيا إلى خيبر وكان الله وعده إياها وهو بالحديبية (5) وقال ابن إسحاق كانت قسمته خيبر لأهل الحديبية (مع من شهدها من المسلمين ممن حضر خيبر أو غاب عنها من أهل الحديبية) (6) وذلك أن الله أعطاهم إياها في سفره ذلك قال ابن إسحاق وحدثني نافع مولى ابن عمر أن عمر قال أيها الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا
447

فمن كان له مال فليلحق به فانى مخرج يهود فأخرجهم (1) وروى ابن وهب عن أسامة بن زيد الليثي عن نافع عن ابن عمر قال لما افتتحت خيبر سألت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم على أن يعملوا على النصف مما يخرج منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقركم فيها ما شئنا فكانوا على ذلك وكان التمر يقسم على السهام (2) من نصف خيبر (3) يريد والله أعلم ما أفتتح عنوة منها بالغلبة والقتال قسم على السهام كما يقسم السبي وما كان فيئا كان له ولأهله ولنوائب المسلمين (4) وعلى هذا تأتلف معاني الآثار في ذلك عند أهل العلم حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود (5) حدثنا يعقوب بن إبراهيم وزياد بن أيوب أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
448

غزا خيبر فأصبناها عنوة (مجمع السبي (1)) وليس هذا بخلاف لما ذكرنا ألا ترى إلى ما ذكر ابن إسحاق عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر أن حصونا من خيبر لما رأى أهلها ما افتتح عنوة منها تحصنوا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسيرهم ففعل فسمع بذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم (خاصة) لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب (2) وخرج عنها أهلها للرعب فهذا قول ابن شهاب وهو القائل فيما حكاه عنه يونس ومعمر قال خمس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ثم قسم سائرها على من شهدها ومن غاب عنها من أهل الحديبية ومعلوم أنه لا يخمس ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ولا يجعل نصفها لنوائبه ونصفها للمسلمين على ما قال بشير بن يسار (وغيره) وهي عنوة فهذا كله يدل على أن ما كان منها مأخوذا بالغلبة قسم على أهل الحديبية ومن شهدها وخمس وما كان منها مما انجلى عنه أهله وأسلموه بلا قتال حكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الفيء واستخلص منه لنفسه كما فعل بفدك فقف على هذا وتدبر الآثار تجدها على ذلك إن شاء الله وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال
449

حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثنا إبراهيم بن حماد قال حدثني عمي إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة قال كانت خيبر لأهل الحديبة خاصة قال وحدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر على ستة وثلاثين سهما فجعل لنفسه النصف ثمانية عشر سهما وللناس النصف (1) قال أبو عمر روى هذا الحديث الثوري عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين نصفا لنوائبه وحاجته ونصفا بين المسلمين قسمها بينهم علي ثمانية عشر سهما (2) قال إسماعيل وحدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا حاتم (بن) إسماعيل عن أسامة بن يزيد عن الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثنان قال قال عمر بن الخطاب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث
450

صفايا بني النضير وخيبر وفدك (1) قال إسماعيل يعني خيبر ما كان بغير قتال فجرى مجرى بني النضير قال وكذلك فدك إنما صالح أهلها حين بلغهم ما كان من أمر خيبر فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حقن دماءهم قال ولم تختلف الرواية في أن خيبر قسمت على أهل الحديبية من حضر خيبر ومن لم يحضر وإنما اختلفت الرواية فيمن حضر (فتح) خيبر ولم يحضر الحديبية فقال بعضهم قد أدخلوا في قسمتها وقال بعضهم لم يدخلوا في ذلك قال إسماعيل فإذا كان أمر خيبر على هذه الصفة وعلى هذا الخصوص الذي وقع فيها فكيف يجوز أن يجعل أصلا يقاس عليه ما افتتح بعدها من السواد وغيره قال ويجب على من قاس أمر السواد وغيره على أمر خيبر أن يقسم السواد على من حضر الوقعة وعلى من لم يحضرها قسمت خيبر على من حضر الوقعة وعلى من لم يحضرها من أهل الحديبية وهذا الموضع الذي ذكرت أنه لم تختلف الرواية فيه قال وكيف يجوز أن يترك ظاهر ما أنزل الله على رسوله فيما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ويحتج في ذلك بأمر خيبر الذي هذه صفته قال أبو عمر وزعم أبو جفر الطحاوي أن خيبر لم تقسم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما قسمت في زمن عمر (بن الخطاب) قال وأما ما كان على
451

ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فإنما هو قسمة جمع لأنه جعل كل مائة سهم كسهم واحد ثم جزأ غلاتها على ذلك ولم يقسم الأرض أخبرنا بذلك أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة قال سمعت الطحاوي فذكره حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن فضيل عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر وصارت خيبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين ضعفوا عنها فدفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود على أن له النصف ولهم النصف فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نصفين فكان في ذلك النصف سهام المسلمين وسهم النبي صلى الله عليه وسلم معها وجعل النصف الآخر لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس (1) أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن مسكين اليمامي قال حدثنا يحيى بن حسان حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاء الله عليه خيبر قسمها ستة وثلاثين
452

سهما (1) جمع للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهما جمع كل سهم مائة سهم والنبي صلى الله عليه وسلم معهم كسهم أحدهم وعزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهما وهو الشطر لنوائبه وما ينزل من أمر الناس فكان ذلك الوطيح والكتيبة والسلالم وتوابعها فلما صارت الأموال بيد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم عمال يكفونهم عملها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود فعاملهم (2) وهذا الحديث أهذب ما روي في هذا الباب (معنى وأحسنه إسنادا وهو يوضح ما ذكرنا وبالله توفيقنا وقد روى بن هذا الحديث عن بشير عن سهل بن أبي حثمة رواه وكيع عن الثوري عن يحيى بن سعيد عن بشير عن سهل مختصرا (3)) وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم (ابن أصبغ) قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن مكتف أحد بني حارثة قال لما أخرج عمر يهود خيبر ركب في المهاجرين والأنصار وخرج معه بجبار بن صخر بن أمية بن كعب و كان خارص المدينة وحاسبهم وزيد بن ثابت فهما
453

قسما خيبر على أهلها على أصل جماعة السهمان التي كانت عليها (1) وقال إسماعيل وأما قول أبي عبيد أنه يجوز للإمام أن يقسم ما افتتح عنوة كما قسمت خيبر ويجوز أن لا يقسم ذلك ويفعل كما فعل عمر في أرض السواد فهو كلام من لا يحصل ما يقول لأن الذي يحصل كلامه لا يقول في رجل ملكه الله شيئا إن للإمام إن شاء أعطاه وإن شاء منعه هذا ما لا يجوز عند ذي نظر ولا فهم قال أبو عمر أراد إسماعيل بقوله هذا أن الأرض ليس للغانمين فيها شيء لأنه لو كان لهم فيها شيء ما أعطى (رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذلك الشيء أو بعضه لغيرهم ولما منعوه والذي ذهب إليه إسماعيل تخصيص آية الأنفال في قوله * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) * 2 الآية وإن هذا لفظ عموم بقوله (من شيء) يريد به الخصوص والمراد بذلك عنده الذهب والفضة وسائر الأمتعة (والسعي) وأما الأرض فغير داخلة في عموم هذا اللفظ واستدل على ما ذهب إليه من ذلك بأشياء منها ظاهر قوله عز وجل * (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) * 3 الآية إلى قوله * (للفقراء المهاجرين) * إلى قوله * (والذين جاؤوا من بعدهم) * 4 الآية ومنها فعل
454

عمر بن الخطاب في توقيفه أرض السواد (1) ومنها أن الغنائم التي أحلت للمسلمين هي التي كانت محرمة على الأمم قبلهم وهي التي كانت النار تأكلها قال ولم تختلف الرواية في أن هارون عليه السلام أمر بني إسرائيل أن يحرقوا ما كان بأيديهم من متاع فرعون فجمعوه وأحرقوه وألقى السامري (فيه) القبضة التي كانت بيده من أثر (الرسول) يقال من أثر جبريل فصارت عجلا له خوار ومعلوم أن الأرض لم تجر هذا المجرى لأن الله عز وجل يقول * (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها) * 2 الآية وقال * (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين) * 3 وهذا الذي ذهب إليه إسماعيل واحتج له وهو مذهب مالك وأصحابه وهو الصحيح في هذا الباب إن شاء الله لأن عمر بن الخطاب لم يقسم أرض السواد ومصر والشام وجعلها مادة للمسلمين ولمن يجيء بعد الغانمين (4) واحتج بالآية التي في سورة الحشر التي احتج بها إسماعيل ولا أعلم أحدا من الصحابة روى عنه بعد عمر إنكار لفعل عمر حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو علي محمد بن القاسم بن معروف قال حدثنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه
455

عن عمر بن الخطاب قال لولا آخر الناس ما افتتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر (1) (حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن (2) بن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا وقسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر (3) وكذلك رواه عبد الله بن إدريس عن مالك عن زيد عن أبيه عن عمر كما رواه ابن مهدي وغيرهما يرسله عن مالك عن زيد عن عمر) ومما يصحح هذا المذهب أيضا ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال منعت العراق قفيزها ودرهمها الحديث (4) بمعنى ستمنع فدل ذلك على أنها لا تكون للغانمين لأن ما ملكه الغانمون لا يكون فيه قفيز ولا درهم ولو كانت الأرض تقسم كما تقسم الأموال ما بقي لمن جاء بعد الغانمين شيء والله تعالى يقول * (والذين جاؤوا من بعدهم) * وذلك دليل على أن الأرض لا تقسم وإنما يقسم ما ينقل من موضع إلى موضع
456

(قال إسماعيل حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتأكلها وذكر تمام الخبر حدثنا عبد الوارث وسعيد قالا حدثنا قاسم حدثنا محمد حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتأكلها) (1) أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير يعني ابن معاوية قال أخبرني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة (قال) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منعت العراق قفيزها (2) ودرهمها ومنعت الشام مديها (3) و دينارها ومنعت مصر أردبها (4) ودينارها ثم عدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه (5) قال أبو جعفر الطحاوي منعت بمعنى ستمنع واحتج بهذا الحديث لمذهب
457

عمر قي إيقاف الأرض وضرب الخراج عليها على مذهب الكوفيين وكان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يذهبون إلى أن الإمام بالخيار إن شاء قسمها وأهلها بين الغانمين وإن شاء أقر أهلها عليها وجعل عليها وعليهم الخراج وتكون الأرض ملكا لهم يجوز بيعهم لها وشراؤهم وقال الشافعي ما كان عنوة فخمسها لأهلها (1) وأربعة أخماسها للغانمين فمن طاب نفسا عن حقه جاز لإمامه أن يجعلها وقفا على المسلمين ومن لم تطب نفسه بذلك فهو أحق بماله وكان الشافعي يذهب إلى أن الأرض العنوة غير مملوكة ولا يجوز بيعها ولا رهنها وهو قول ابن شبرمة وعبيد الله (في جملة بيعها ولا رهنها وهو قول ابن شبرمة وعبيد الله بن الحسن وقول مالك بن أنس أيضا (في جملة أرض العنوة) على ما ذكرنا من أقوالهم في قسمتها أو توقيفها فإذا قسمت ملك كل نصيبه في قول من أجاز قسمتها فإن وقفت على الوجوه التي ذكرنا عن طيب نفس من الغانمين أو على مذهب عمر في قول مالك وغيره فهي غير مملوكة وذهب أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى إلى أنها مملوكة لأهلها الذين أقرت في أيديهم على ما ذكرنا عنهم وأجاز مالك بيع أرض الصلح ورهنها وجعلها ملكا لأهلها الذين صالحوا عليها قال ومن أسلم منهم
458

كان أحق بأرضه وماله قال ومن أسلم من أهل العنوة أحرز نفسه وصارت أرضه للمسلمين لأن بلادهم صارت فيئا للمسلمين وحكم الأرض عندهم حكم الفيء وقال الشافعي كل ما حصل من الغنائم من أهل دار الحرب من شيء قل أو كثر من دار أو أرض أو متاع أو غير ذلك قسم إلا الرجال البالغون فإن الإمام فيهم مخير بين أن يمن أويقتل أو يفادي أو يسبي وسبيل ما سبى منهم أو أخذ من شيء على إطلاقهم سبيل الغنيمة ومن الحجة لمن قال تقسم الأرض كما تقسم سائر الغنائم عموم قول الله عز وجل * (واعلموا أنما غنمتم من شيء) * 1 الآية والأرض مغنومة لا محالة كسائر الغنيمة فوجب أن تقسم كما تقسم الغنائم كلها وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما افتتح عنوة من خيبر على قسمة الغنائم الأربعة أخماس لأهل الحديبية وهم الذين وعدهم الله بها وشهدوا فتحها قالوا وهذا أمر يستغنى فيه عن نقل الإسناد لشهرته
عند جميع أهل السير والأثر (2) ولم يستثن الله عز وجل أرضا من غيرها من الغنائم ولو جاز أن يدعي الخصوص في الأرض جاز أن يدعى في غير الأرض
459

فيبطل (حكم) الآية قالوا ولا معنى لما احتج به مخالفنا من آية سورة الحشر لأن ذلك إنما هو الفيء لا في الغنيمة وجملة الفيء ما رجع إلى المسلمين من المشركين بلا قتال مثل من يترك بلاده ويخرج عنها لما لحقه من الرعب الذي به نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال صلى الله عليه وسلم) نصرت بالرعب مسيرة شهر (1) ومثل ما صالح عليه أهل الكفر وما يؤخذ منهم من الجزية وما تأتي به الريح من مراكب العدو بغير أمان أويموت منهم ميت في بلاد المسلمين لا وارث له فكل هذا وما كان مثله مما يفيء الله على المسلمين بغير قتال ولا مؤونة حرب فهو الفيء الذي قصد بالآية التي في سورة الحشر فقسم على ما ذكر فيها نحو قسم خمس الغنيمة ولم يقصد بذلك إلى الأرض المغنومة قالوا ولا دليل في الآية على ما ذهب إليه مخالفنا لأن قوله عز وجل
460

* (والذين جاؤوا من بعدهم) * 1 إنما هو استئناف كلام للدعاء لهم بدعائهم لمن سبقهم بالإيمان لا لغير ذلك قالوا وليس يخلو فعل عمر رضي الله عنه في توقيفه الأرض من أحد وجهين (إما) أن تكون غنيمة استطاب أنفس أهلها فطابت بذلك فوقفها وكذلك روى جرير أن عمر استطاب نفوس أهلها وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبي هوازن استطاب أنفس الغانمين عما كان بأيديهم على ما نقله ثقات العلماء (وإما أن يكون ما وقفه عمر فيئا فلم يحتج في ذلك إلى مراضاة أحد) قال أبو عمر القول في هذه المسئلة طويل بين العلماء المختلفين فيها وفيما ذكرنا منها كفاية لمن فهم فهذا ما أوجبه العلم من القول في فتح خيبر وما جرى مجراها من أرض الغنائم حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر أنه قال أفاء الله على رسوله خيبر فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا وجعلها بينهم وبينه وبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم (2) حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا
461

عبيد بن عبد الواحد بن شريك قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال حدثني نافع عن ابن عمر قال خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعهدها فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا قال فعدي على تحت الليل وأنا نائم ففدعت يداي من مرفقي فلما أصبحت استصرخ على صاحباي فأتياني فسألاني من صنع هذا بك فقلت لا أدري قال فأصلحا من يدي (ثم قدما بي على عمر فقال هذا عمل يهود) ثم قام في الناس خطيبا فقال أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا وقد عدوا على عبد الله بن عمر ففدعوا يديه كما قد بلغكم مع عدوتهم على الأنصار قبله لا نشك أنهم أصحابه ليس لنا عدو غيرهم فمن كان (له) مال (بخيبر) فليلحق به فإني مخرج يهود فأخرجهم (1) وروى الحجاج بن أرطاة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى أهلها بالشطر فلم يزل معهم حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها وحياة أبي بكر كلها حتى بعثني إليهم عمر لأقاسمهم فسحروني فتكوعت يداي فانتزعها عمر منهم (2) وأما قوله في هذا الحديث أقركم ما أقركم الله فالمعنى في ذلك والله أعلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يكون
462

بأرض العرب غير المسلمين وكان يحب أن لا يكون فيها دينان كنحو محبته في استقبال الكعبة حتى نزلت * (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها) * 1 الآية وكان لا يتقدم في شيء إلا بوحي وكان يرجو أن يحقق الله رغبته ومحبته فذكر لليهود ما ذكر منتظرا للقضاء فيهم بإخراجهم عن أرض العرب فلم يوح إليه في ذلك شيء إلى أن حضرته الوفاة فأتاه في ذلك ما أتاه فذكر أن لا يبقى دينان بأرض العرب وأوصى بذلك (2) وقد ذكر معمر عن ابن شهاب في هذا الحديث ما يدل على (نحو) ما قلنا ذكر عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى اليهود على أن يعملوا فيها ولهم شطرها قال فمضى على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وصدرا من خلافة عمر ثم أخبر عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي مات فيه لا يجتمع دينان بأرض الحجاز أو قال بأرض العرب ففحص عنه حتى وجد (عليه) الثبت فقال من كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت به وإلا فإني مجليكم فأجلاهم عمر (3) قال عبد الرزاق وأنبأنا ابن جريج قال أنبأنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن عمر أجلى
463

اليهود والنصارى من أرض الحجاز وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد أن يخرج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين وأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ولهم نصف الثمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نقركم على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحا (1) قال عبد الرزاق وأخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال سمع عمر بن الخطاب رجلا من اليهود يقول قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني (بك) وقد وضعت كورك على بعيرك ثم سرت ليلة بعد ليلة فقال عمر إنه والله لا تمسون بها فقال اليهودي ما رأيت كلمة كانت أشد على من قالها ولا أهون على من قيلت له (منها) قال أبو عمر ليس في قوله في هذا الحديث أقركم ما أقركم الله دليل على جواز المساقاة إلى أجل غير معلوم ومدة غير معينة لأن السنة قد أحكمت معاني الإجارات وسائر المعاملات من الشركة والقسمة وأنواع أبواب الربا والعلة بينه في قصة اليهود وذلك انتظار حكم الله فيهم فدل على خصوصهم في هذا الموضع لأنه موضع خصوص لا سبيل إلى أن يشركهم فيه غيرهم والذي عليه العلماء بالمدينة أن المساقاة لا تجوز إلا إلى أجل معلوم وسنين معدودة إلا أنهم يكرهونها فيما طال من السنين مثل العشر فما فوقها وقد قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
464

(إنما) قال أقركم ما أقركم الله وكان يخرص عليهم لأن الله كان قد أفاءها عليه بغير قتال أو بعضها على ما تقدم وصفنا له وكان أهلها له ولمن استحق شيئا منها كالعبيد لأنه سباهم ومن عليهم وجائز بين السيد وعبده ما لا يجوز بينه وبين غيره لأن ماله له وله انتزاعه منه ألا ترى أنه ليس بين العبد وسيده ربا وإن كره ذلك لهما عندنا وأما الخرص في المساقاة فإن ذلك غير جائز عند أكثر العلماء في القسمة والبيوع إلا أن أصحابنا يجيزون ذلك عند اختلاف أغراض الشركاء ولهم في ذلك ما نورده بعد عنهم في هذا الباب إن شاء الله وأكثر العلماء يجيزون الخرص للزكاة) وإنما يجوز (ذلك) عندهم في الزكاة لأن المساكين ليسوا شركاء معينين وإنماالزكاة كالمعروف وأهلها
فيها أمناء وأما قسمة الثمار في رؤوس الأشجار (في المساقاة أو غيرها) فلا يصلح عند أكثر العلماء إلا أن لأصحابنا في إجازة قسمة ذلك اختلافا سنذكره عنهم وعمن سلك سبيلهم في ذلك بعد في هذا الباب إن شاء الله تعالى وإنما لم يجز أكثر العلماء القسمة في ذلك إلا كيلا فيما يكال أو وزنا فيما يوزن لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة وعن بيع التمر بالتمر إلا
465

مثلا بمثل (2) (وأما حكاية قول أصحابنا في ذلك) فكان ابن القاسم يقول ويرويه عن مالك لا يجوز من قسمة الثمار في رؤوس النخل إذا اختلفت حاجة الشريكين إلا التمر والعنب فقط وأما الخوخ والرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ وما أشبه ذلك من الفواكه التي يجوز فيها التفاضل يدا بيد فإنه لم يجز مالك اقتسامه على التحري وكان يقول المخاطرة تدخله حتى يبين فضل أحد النصيبين على صاحبه حكى ذلك ابن حبيب عن ابن القاسم قال ابن حبيب وقال مطرف وابن الماجشون وأشهب ولا بأس باقتسامه إذا تحرى وعدل أو كان على التجاوز والرضى بالتفاضل قال وهو قول أصبغ وبه أقول لأن ما جاز فيه التفاضل جازت قسمته بالتحري وذكر سحنون عن ابن القاسم عن مالك أنه سأله غير مرة عن قسمة الفواكه بالخرص فأبى أن يرخص في ذلك قال وذلك أن بعض أصحابنا ذكر أنه سأل مالكا عن قسمة الفواكه بالخرص فأرخص فيه فسألته عن ذلك فأبى أن يرخص (لي) فيه قال أشهب سألت مالكا مرات عن ثمرة النخل وغيرها من الثمار تقسم بالخرص فكل ذلك يقول لي إذا طابت الثمرة من النخل وغيرها قسمت بالخرص واختار هذه الرواية يحيى بن عمر قياسا عن جواز بيع العرايا في غير النخل والعنب كما يجوز في النخل والعنب ويجوز بيع ذلك كله بخرصه إلى
466

الجذاذ قال يحيى بن عمر أشهب لا يشترط في الثمار إلا طيبها ثم يقسمها بين أربابها بالخرص ولا يلتفت إلى اختلاف حاجاتهم ورواه عن مالك (قال) وابن القاسم يقول لا يجوز أن يقسم بينهم بالخرص إلا أن يختلف غرض كل واحد منهم فيريد أحدهم أن يبيع والآخر أن ييبس ويدخر والآخر أن يأكل فحينئذ يجوز لهم قسمتها بالخرص إذا وجد من أهل المعرفة من يعرف الخرص وإن لم تختلف حاجاتهم لم يجز ذلك لهم وإن اتفقوا على أن يبيعوا أو على أن يأكلوا رطبا أو تمرا أو على أن يجذوها تمرا لم يقسموها ولا بالخرص (وقال سائر أهل العلم لا تجوز القسمة في شيء من ذلك كله إلا على أصله مع (1) اختلافهم في ذلك أيضا) (وأما الشافعي فتحصيل مذهبه أن الشركاء في النخل والشجر المثمر إذا اقتسمت الأصول بما فيها من الثمرة جاز لأن الثمرة تبع للأصول وكان كل واحد منهم قد باع حصته من عراجين النخل وأغصان الشجر بحصة شريكه في الثمر وكذلك الأرض إذا قسمت عنده مزروعة (2) كان الزرع تبعا للأرض في القسمة والقسمة عنده مخالفة البيوع قال لأنها تجوز بالقرعة والبيع لو وقع على شرط لم يجز أيضا فإن الشريك يجبر على القسم ولا يجبر على البيع وأيضا فإن التحابي في قسمة الثمرة وغيرها جائز وذلك
467

معروف وتطوع ولا يجوز ذلك في البيع ولا يجوز عند الشافعي قسمة الثمرة قبل طيبها بالخرص على حال ويجوز عنده قسمتها مع الأصول على ما ذكرنا وقد قال في كتاب الصرف يجوز قسمتها بالخرص إذا طابت وحل بيعها والأول أشهر في مذهبه عند أصحابه) وقد قيل أن خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود كان من أجل الزكاة الواجبة في تلك الثمرة لا لغير ذلك والله أعلم (فكان يبعث من يخرص الثمار على أربابها توسعة عليهم ورفقا بهم لأنهم لو منعوا من أجل سهم المساكين من أكلها رطبا ومن التصرف فيها بالصلة والصدقة والأكل لاضر بهم ذلك وكانت عليهم فيه مشقة كبيرة ولو تركوا والتصرف فيها بالأكل وغيره لاضر ذلك بالمساكين وأتلف كثير مما تجب فيه الزكاة ولهذا ما كان (من) توجيه (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم للخارص وإرساله إياه لذلك والله أعلم والأصل أن أرباب الأموال أمناء والخرص لا يخرجهم عن ذلك لأنهم لم يخرص عليهم إلا رفقا بهم وإحسانا إليهم على حسب ما ذكرنا من إطلاقهم للتصرف في ثمارهم وحفظ ما يجب للمساكين فيها من حين طيبها فإن تبين لرب المال بعد الخرص زيادة على ما خرص الخارص أداها لأن الخرص حكم على الظاهر والاجتهاد فإذا جاءت الحقيقة بخلاف ذلك رجع إليها وفي هذا اختلاف بين السلف والخلف والصواب ما ذكرت والله أعلم ذكر عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول خرص ابن رواحة أربعين
468

ألف وسق وزعم أن اليهود لما خيرهم أخذوا الثمر وأدوا عشرين ألف وسق (1) قال ابن جريج قلت لعطاء فحق على الخارص إذا استكثر رب (2) المال الخرص أن يخيره كما خير ابن رواحة اليهود قال أي لعمري وأي سنة خير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقلت لعطاء متى يخرص النخل قال حين تطعم قال وأخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى اليهود فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه (ثم يخبر يهود أن يأخذوها بذلك الخرص أو يدفعوها إليه بذلك وإنما كان أمر النبي عليه السلام بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق) (3) واختلف الفقهاء في الخرص على صاحب النخل والعنب للزكاة بعد إجماعهم على أن الخرص لا يكون في غير النخل والعنب لحديث عتاب بن أسيد حدثناه خلف بن القاسم قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا خالد بن النضر بالبصرة قال حدثنا عمرو بن علي قال حدثنا يزيد بن زريع
469

وبشر بن المفضل قالا حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عتاب بن أسيد وأمره أن يخرص العنب وتؤدي زكاته زبيبا كما تؤدي زكاة النخل تمرا فتلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في النخل والعنب (1) وقال بشر بن منصور عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره واستدل بعضهم على أن الزيتون لا زكاة فيه لأنه مما اجتمع على أنه لا يخرص ولو كانت فيه الزكاة لخرص لأن ثمرته بادية وما عدا النخل والعنب مما اجتمع على زكاته فثمرته ليست ببادية وقد أجاز بعض المتأخرين الخرص في الزيتون ودفع الإجماع فيما ذكرنا ورواه عن الزهري والأوزاعي وممن أجاز الخرص في النخل والعنب للزكاة مالك والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي ومحمد بن الحسن قال الطحاوي وقال في الإملاء أنه قول أبي حنيفة وقال داود بن علي الخرص للزكاة جائز في النخل وغيره جائز في العنب ودفع حديث عتاب بن أسيد وكره الثوري الخرص
ولم يجزه بحال وقال الخرص غير مستعمل قال وإنما على رب الحائط أن يودي عشر ما يصير في يده للمساكين إذا بلغ خمسة أوسق (وروى الثوري وغيره عن الشيباني عن الشعبي قال الخرص اليوم بدعة
470

قال أبو عمر كأنه يرى أنه منسوخ بالنهي عن المزابنة والله أعلم هذا على أن الثوري مع قوله إنما على رب الحائط أن يؤدي عشر ما يصير في يده للمساكين إذا بلغ خمسة أوسق) يقول أن صاحب الثمرة والأرض يحسب عليه ما أكله وهو قول أبي حنيفة وزفر ومالك وأصحابه وقال أبو يوسف إذا أكل صاحب الأرض وأطعم جاره وصديقه أخذ منه عشر ما بقي إذا بلغ خرصه ما فيه الزكاة وأن أكل الجميع لم يكن عليه شيء فإن بقي منها قليل أو كثير فعليه عشره أو نصف عشره وقال مالك لا يترك الخراص لأرباب الثمار شيئا لمكان ما يأكلون ولا يترك لهم من الخرص شيء ذكره ابن القاسم (وغيره عنه) وقال الليث في زكاة الحبوب يبدأ بها قبل النفقة وما أكل من فريك (1) هو وأهله فإنه لا يحسب عليه بمنزلة الرطب الذي يترك لأهل الحوائط يأكلون ولا يخرص عليهم وقول الشافعي في ذلك (كله) كقول الليث سواء في خرص الثمار والترك لأهلها ما يأكلون رطبا ولا يحسب عليهم والحجة لمن ذهب هذا المذهب ظاهر قوله عز وجل * (وآتوا حقه يوم حصاده) * 3 وهذا يوجب مراعاة وقت الحصاد والجذاذ لا ما قبله وما رواه شعبة قال أخبرني حبيب بن عبد الرحمن قال سمعت عبد الرحمن بن مسعود بن دينار يقول جاء سهل بن أبي حثمة إلى مسجدنا فحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا خرصتم فخذوا
471

ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع (1) رواه عن شعبة جماعة من أصحابه وذكره أبو داود وغيره (2) وهذا الحديث حجة على من أنكر الخرص للزكاة ومثل حديث أبي حميد الساعدي في خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على المرأة للزكاة خرصوا عليها عام تبوك في حديقتها عشرة أوسق فقد ذكرنا الخبر في غير هذا الموضع وروى ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خففوا في الخرص فإن في المال العرية والواطية والأكلة والوصية والعامل والنوائب (3) وروى سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار قال كان عمر بن الخطاب يأمر الخراص أن يخرصوا ويرفعوا عنهم قدر ما يأكلون (4) وقال الحسن كان المسلمون يخرص عليهم ثم يؤخذ منهم على ذلك الخرص والآثار عن السلف في الخرص كثيرة جدا واختلف الفقهاء في المساقاة أيضا فممن أجازها من فقهاء الأمصار مالك والشافعي وأصحابهما وجماعة أهل الحديث والثوري والأوزاعي والليث بن سعد والحسن بن حي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وكرهها أبو
472

حنيفة (وزفر) والحجة عليهما ثابتة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع (1) قال حدثنا قتيبة بن سعيد عن الليث عن محمد بن عبد الرحمن بن غنم (2) عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شطر (3) ثمرها لم يذكر في هذا الخبر أنه أخذ من الأرض شيئا (وإنما أخذ من الثمرة) وهو حجة لمالك في الغابة البياض للعامل وقوله أن البياض كان بخيبر بين النخل تبعا لها والله أعلم والأحاديث في المساقاة متواترة والمساقاة عند مالك والشافعي جائزة سنين لأن المساقاة لما انعقدت فيما لم يخلق من الثمرة في عام كان كذلك ما بعده من الأعوام ما لم يطل على
473

حسبما ذكرناه فيما تقدم من هذا الباب وقد أجمعوا على أنه لا تجوز المساقاة في ثمر قد بدا صلاحه لأنه يجوز بيعه إلا قوله عن الشافعي وفرقة والمشهور عن الشافعي أن ذلك لا يجوز وأجمعوا على أنه لا تجوز المساقاة إلا على جزء معلوم قل أو كثر واختلفوا فيما تجوز فيه المساقاة فقال مالك تجوز المساقاة في كل أصل نحو النخل والرمان والتين والفرسك والعنب والورد والياسمين والزيتون وكل ما له أصل ثابت يبقى قال ولا تجوز المساقاة في كل ما يجنى ثم يخلف نحو القصب والبقول والموز لأن بيع ذلك جائز وبيع ما يجنى بعده وقال مالك كان بياض خيبر يسيرا بين أضعاف سوادها فإذا كان البياض قليلا فلا بأس أن يزرعه العامل من عنده قال ابن القاسم فما نبت منه كان بين المساقين على حسب شركتهما في المساقاة قال وأحل ذلك أن يلغي البياض اليسير في المساقاة للعامل فيزرعه لنفسه فما نبت من شيء كان له وهو قول مالك وقدر اليسير أن يكون قدر الثلث من السواد قال مالك وتجوز المساقاة في الزرع إذا استقل وعجز صاحبه عن سقيه ولا تجوز مساقاة إلا في هذه الحال بعد عجز صاحبه عن سقيه قال مالك ولا بأس بمساقاة القثاء والبطيخ إذا عجز عنه صاحبه ولا تجوز مساقاة الموز ولا القصب حكى هذا كله عنه ابن القاسم (وابن عبد الحكم) وابن وهب وقال محمد بن الحسن تجوز المساقاة في الطلع
474

ما لم يتناه (1) عظمه فإذا بلغ حالا لا يزيد بعد ذلك لم يجز وإن لم يرطب وقال في الزرع جائز مساقاته ما لم يستحصد فإن استحصد لم يجز وقال الشافعي لا تجوز المساقاة إلا في النخل والكرم لأن ثمرها بائن من شجره ولا حائل دونه يمنع لإحاطة النظر إليه وثمر غيرهما متفرق بين أضعاف ورق شجره لا يحاط بالنظر إليه وإذا ساقاه على نخل فيها بياض عند الشافعي فإنه قال إن كان لا يوصل إلى عمل البياض إلا بالدخول على النخل وكان لا يوصل إلى سقيه إلا بشرك النخل في الماء وكان غير مثمر جاز أن يساقي عليه في النخل لا منفردا وحده قال ولولا الخبر بقصة خيبر لم يجز ذلك قال وليس لمساقي النخل أن يزرع البياض إلا بإذن ربه فإن فعل كان كمن زرع أرض غيره واختلفوا في مساقاة البعل فأجازها مالك وأصحابه والشافعي ومحمد بن الحسن والحسن بن حي وذلك عندهم على التلقيح والزبر والحفر والحفظ وما يحتاج إليه من العمل وقال الليث لا تجوز المساقاة إلا فيما يسقي قال الليث ولا تجوز المساقاة في الزرع استقل أو لم يستقل قال وتجوز في القصب لأن القصب أصل وأجاز الليث وأحمد بن حنبل وجماعة المساقاة في النخل والأرض بجزء معلوم كان البياض يسيرا أو
475

كثيرا وقد بينا مذهب هؤلاء وغيرهم في كراء الأرض في باب داود وربيعة والحمد لله واختلفوا في الحين الذي لا تجوز فيه المساقاة في الثمار فقال مالك لا يساقى من
النخل شيء إذا كان فيها ثمر قد بدا صلاحه وطاب وحل بيعه ويجوز قبل أن يبدو صلاحه ويحل بيعه واختلف قول الشافعي فقال مرة يجوز وإن بدا صلاحه وقال مرة لا يجوز ولا يجوز عند الشافعي أن يشترط على العامل في المساقاة ما لا منفعة فيه في أصل الثمرة وفيما يخرجه
476

حديث ثالث عشر لابن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسل (متصل) من وجوه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة فقال الذي قضى عليه كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك بطل (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان (2) هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة عن مالك في موطئه مرسلا ولا أعلم أحدا وصله بهذا الإسناد إلا ما رواه أبو سبرة المدني عن مطرف عن مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة وما ذكره الدارقطني قال حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق وأحمد بن كامل القاضي قالا حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد حدثنا أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فألقت جنينا وقال ابن كامل أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فتعايرتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فألقت جنينا وقالا
477

فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو وليدة هكذا رواه أبو قلابة عن أبي عاصم عن مالك وإنما في الموطأ حديث سعيد مرسل وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وقد وصل حديث سعيد ثقات من أصحاب ابن شهاب وغيره وهو حديث اختصره مالك فذكر منه دية الجنين التي عليها الأمر المجتمع عليه (عنده) وترك قصة المرأة إذ ضربت فألقت الجنين المذكور لأن فيه من رواية ابن شهاب إثبات شبه العمد وإلزام العاقلة الدية وهذا شيء لا يقول به مالك لأنه وجد الفتوى والعمل بالمدينة على خلافه فكره أن يذكر في موطأه بمثل هذا الإسناد الصحيح ما لا يقول به (ويقول به) غيره وذكر قصة الجنين لا غير لأنه أمر مجتمع عليه في الغرة وهذا الحديث عند ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة جميعا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فطائفة من أصحابه يحدثون (به) عنه هكذا (وطائفة يحدثون به عنه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولا يذكرون أبا سلمة) وطائفة يحدثون به عنه عن أبي
478

سلمة عن أبي هريرة ولا يذكرون سعيدا ومالك أرسل عنه حديث سعيد هذا ووصل حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يذكر قصة المرأة لا في حديث سعيد (هذا) المرسل ولا في حديث أبي سلمة واقتصر منهما على ذكر قصة الجنين وديته لا غير لما ذكرنا من العلة ولما شاء الله مما هو أعلم به والحديث محفوظ لأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن شهاب (وغيره ولسعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن شهاب) وهو حديث صحيح رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وابن عباس وجابر والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة وحمل (1) بن مالك بن النابغة ومحمد بن مسلمة إلا أن محمد بن مسلمة حديثه في الجنين لا غير ولسنا نذكر ههنا إلا حديث أبي هريرة خاصة لأنه لم يرو مالك غيره أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا سعيد بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا
479

إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى أن دية المرأة على عاقلتها (1) قال البخاري وحدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها (2) أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا وهب بن بيان وأبي السرح قالا حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن دية جنينها غرة عبد أو وليدة أو قضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معه فقال حمل بن النابغة الهذيلي يا رسول الله كيف
480

أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع (1) قال أبو داود وحدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة في هذه القصة قال ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ميراثها لبنيها والعقل على عصبتها (2) قال أبو عمر فقد ذكرنا ما يجب من القول في قصة قتل المرأة والاختلاف في ذلك من جهة الأثر واختلاف العلماء في ديتها وقتلها وما لهم في شبه العمد من الأقاويل والوجوه في كتاب ((الأجوبة عن المسائل المستغربة)) فمن أراده نظر إليه وتأمله هناك ولم نذكر ههنا شيئا من ذلك لأنه ليس في حديث مالك ذكر قتل المرأة وإنما فيه قصة الجنين ونحن نذكر ما للعلماء في ذلك من الأقوال والوجوه ههنا وبالله عوننا وتوفيقنا فمن أحكام الجنين ما أجمع العلماء عليه ومنها ما اختلفوا فيه فمما أجمعوا عليه من ذلك أن الجنين إذا ضرب بطن أمه فألقته حيا ثم مات بقرب خروجه وعلم أن موته
481

كان من أجل الضربة وما فعل بأمه وبه في بطنها ففيه الدية كاملة وأنه يعتبر فيه الذكر والأنثى وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار وفي إجماعهم على ما ذكرنا دليل واضح على أن الجنين الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو أمة كانت قد ألقته (أمه) ميتا ومع هذا الدليل نصان أحدهما من جهة الإجماع أن الغرة واجبة في الجنين إذا رمته ميتا وهي حية والنص الثاني ما في حديث سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة والمقتول في بطن أمه لا تطرحه إلا ميتا لا محالة وإن لم تلقه وماتت وهو في جوفها لم يخرج فلا شيء فيه ولا حكم له وهذا أيضا إجماع لا خلاف فيه فإن ألقته ميتا وهي حية فالحكم (فيه) ما ثبتت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكر في هذا الحديث عبد أو أمة وقد كان للغرة أصل معروف في الجاهلية لمن لم يبلغ بشرفه أن يودي
دية كاملة قال مهلهل بن ربيعة واسمه عدي وإنما قيل له مهلهل لأنه أول من أرق الشعر وقصده فيما ذكروا قال في قتل أخيه كليب بن ربيعة
* كل قتيل في كليب غرة
* حتى ينال القتل آل مرة
* يعني مرة بن هذيل بن شيبان بن ثعلبة وكان جساس بن مرة قتل كليب بن ربيعة التغلبي واختلف العلماء في الغرة وقيمتها فقال مالك الغرة تقوم بخمسين دينارا أو ست مائة درهم نصف عشر دية
482

الحر المسلم الذكر وعشر دية أمه الحرة وهو قول ابن شهاب وربيعة وسائر أهل المدينة وقال أبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين قيمة الغرة خمسمائة درهم وهو قول إبراهيم والشعبي وقال مغيرة (1) خمسون دينارا وقال الشافعي سن الغرة سبع سنين أو ثماني سنين وليس عليه أن يقبلها معيبة وقال داود كل ما وقع عليه اسم غرة واختلفوا في صفة الجنين الذي تجب فيه الغرة ما هو فقال مالك ما طرحته من مضغة أو علقة أو ما يعلم أنه ولد ففيه الغرة وقال الشافعي لا شيء فيه حتى يتبين من خلقه شيء قال مالك إذا سقط الجنين فلم يستهل صارخا ففيه الغرة وسواء تحرك أو عطس ففيه الغرة أبدا حتى يستهل صارخا (فإن استهل صارخا) ففيه الدية كاملة وقال الشافعي وسائر الفقهاء إذا علمت حياته بحركة أو بعطاس أو باستهلال أو بغير ذلك مما تستيقن به حياته ثم مات ففيه الدية (كاملة) وجماعة فقهاء الأمصار يقولون في المرأة إذا ماتت من ضرب بطنها ثم خرج الجنين ميتا بعد موتها أنه لا يحكم فيه بشيء وأنه هدر إذا ألقته بعد موتها إلا الليث بن سعد وداود فإنهما قالا إذا ضرب بطن المرأة وهي
483

حية فألقت جنينا ميتا ففيه الغرة وسواء رمته بعد موتها أو قبل موتها اعتبرا حياة أمه في وقت ضربها لا غير وهو قول أهل الظاهر وأما سائر الفقهاء فإنهم اعتبروا حالها في وقت القائها للجنين لا غير فإن ألقته ميتا وهي ميتة فلا شيء فيه عندهم وإن ألقته ميتا وهي حية ففيه الغرة وأما إذا ألقته وهي حية فقد ذكرنا حكمه وأنه لا خلاف أن فيه الدية واحتج أبو جعفر الطحاوي علي الليث بن سعد لسائر الفقهاء بأن قال قد أجمعوا والليث معهم على أنه لو ضرب بطنها وهي حية فماتت والجنين في بطنها ولم يسقط أنه لا شيء فيه ما لم يسقط فكذلك إذا أسقطته بعد موتها قال أبو جعفر ولا يختلفون أيضا أنه لو ضرب بطن امرأة ميتة حامل فألقت جنينا ميتا أنه لا شيء فيه فكذلك إذا كان الضرب في حياتها ثم ماتت ثم ألقته ميتا قال فبطل بذلك قول الليث واختلفوا في الذي تجب عليه الغرة فقال مالك وأصحابه هي في مال الجاني وهو قول الحسن بن حي ومن حجتهم في ذلك رواية من روى هذا الحديث فقال الذي قضى عليه كيف أغرم وهذا يدل على أن الذي قضى عليه معين وأنه واحد وهو الجاني لا يعطي ظاهر هذا اللفظ غير هذا ولو أن دية الجنين قضى بها على العاقلة لقال في الحديث فقال (الذين) قضى عليهم وفي القياس إن كان جان جنايته عليه إلا ما قام بخلافه الدليل الذي لا معارض له مثل إجماع لا يجوز خلافه
484

أو نص أو سنة من جهة نقل الآحاد العدول لا معارض لها فيجب الحكم بها وقد قال الله عز وجل * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) * 1 وقال صلى الله عليه وسلم لأبي رمثة (2) في ابنه انك لا تجني عليه ولا يجني عليك وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما الغرة على العاقلة ومن حجتهم ما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحسن (3) بن سلام السواق قال حدثنا أبو عمر (4) الحوضي عن شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبيد (5) بن نضيلة عن المغيرة بن شعبة أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم
485

فقال (أحد الرجلين كيف) ندي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل فقال اسجع كسجع الأعراب فقضى فيه بغرة وجعله على عاقلة المرأة (1) وهذا نص ثابت صحيح في موضع الخلاف يوجب الحكم ولما كانت دية المضروبة على العاقلة كان الجنين أحرى بذلك في القياس والنظر وأجمع الفقهاء أن الجنين إذا خرج حيا ثم مات وكانت فيه الدية أن فيه الكفارة مع الدية واختلفوا في الكفارة إذا خرج ميتا فقال مالك فيه الغرة والكفارة إذا خرج ميتا وقال أبو حنيفة والشافعي ان خرج حيا ففيه الكفارة والدية وإن خرج ميتا ففيه الغرة ولا كفارة وهو قول داود بن علي وهذا على أصولهم التي قدمنا ذكرها أن نلقيه أمه وهي حية واختلفوا في كيفية ميراث الغرة في الجنين فقال مالك والشافعي وأصحابهما الغرة في الجنين موروثة عن الجنين
486

لأنها ديته على كتاب الله عز وجل واحتج الشافعي في ذلك بقوله في الحديث كيف أغرم من لا أكل ولا شرب ولا استهل قال فالمضمون الجنين لأن العضو لا يعترض فيه بهذا وكان ابن هرمز يقول ديته لأبويه خاصة لأبيه ثلثاها ولأمه ثلثها من كان منهما حيا كان ذلك له فإن كان أحدهما قد مات كانت للباقي منهما أبا كان أو أما لا يرث الإخوة منها شيئا وقال أبو حنيفة وأصحابه الغرة للأم ليس لأحد معها فيها شيء وليست دية وإنما هي بمنزلة جناية جنى عليها فقطع عضو من أعضائها (وهو قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن) ومن حجتهم في أنها ليست دية لأنه لم يعتبر فيها هل هو ذكر أو أنثى كما يلزم في الديات فدل على أن ذلك كالعضو (ولهذا كانت ذكاة الشاة ذكاة لما في بطنها من الأجنة ولولا ذلك كانت ميتة) وقول داود وأهل الظاهر في هذا كقول أبي حنيفة واحتج داود بأن الغرة لم يملكها الجنين فتورث عنه قال أبو عمر تدخل عليه دية المقتول خطأ هو لم يملكها وهي تورث عنه وقول مالك والشافعي في هذه المسألة (أولى) وبالله العصمة والهدى
487

وقد استدل قوم من أهل الحديث بأن الحياة فيه لا تعلم إلا بما ذكر من المعاني وهي الأكل والشرب والاستهلال والنطق لقوله كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل وقد يحتمل أن يكون نزع بهذه لأنها أسباب الحياة وعلاماتها فكل ما علمت به الحياة كان مثلها وقد اختلف الفقهاء في المولود لا يستهل صارخا إلا أنه تحرك حين سقط من بطن أمه وعطس ونحو ذلك ولم ينطق ولا صرخ مستهلا فقال بعضهم لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث إلا أن يستهل صارخا وممن قال ذلك مالك وأصحابه وقال آخرون كل ما عرفت به حياته فهو كالاستهلال والصراخ ويورث ويرث ويصلى عليه إذا استوقنت حياته بأي شيء صحت من ذلك كله وهو قول الشافعي والكوفي
وأصحابهم وفي هذا الحديث أيضا من المعاني إنكار الكلام إذا لم يكن في موضعه وكان جهلا من قائله وقد زعم قوم أن في هذا الحديث ما يدل على كراهية التسجيع إنما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم تسجيع الهذلي في هذا الحديث لأنه كلام اعترض به قائله على رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتراض منكر وهذا لا يحل لمسلم أن يفعله وإنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم التغليظ عليه في الإنكار لأنه كان أعرابيا لا علم له بأحكام الدين فقال له قولا لينا وتلك شيمته صلى الله عليه وسلم أن لا ينتقم لنفسه وأن يعرض عن الجاهلين
488

وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إنما هذا من إخوان الكهان دليل على أن الكهان كانوا كلهم يسجعون أو كان الأغلب منهم السجع وهذا معروف عن كهان العرب يغني عن الاستشهاد عليه وكل ما نقل عن شق وسطيح وغيرهما من كهان العرب في الجاهلية (1) فكلام مسجع (كله) وإنما ينكر على الإنسان الخطيب أو غيره في المتكلمين أن يكون كلامه (كله) تسجيعا أو أكثره وأما إذا كان السجع أقل كلامه فليس بمعيب بل هو مستحسن محمود وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه) قال في بعض جراحاته
* هل أنت إلا أصبع دميت
* وفي سبيل الله ما لقيت
* وقال النبي صلى الله عليه وسلم
* أنا النبي لا كذب
* أنا ابن عبد المطلب (2
* وقال صلى الله عليه وسلم
* اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة
* فاغفر للأنصار والمهاجرة (3)
489

ومثل هذا كثير عنه وعن أصحابه رضي الله عنهم وهذا دليل على أن السجع كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح وكذلك الشعر كلام منظوم فالحسن منه حسن وحكمة والقبيح منه ومن المنثور غير جائز النطق به عصمنا الله برحمته أخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا سعدان بن نصر (1) قال حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس عن جندب قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار (2) فنكبت أصبعه فقال
490

* هل أنت إلا أصبع دميت
* وفي سبيل الله ما لقيت
* وقال صلى الله عليه وسلم كتاب الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق (1) وقال صلى الله عليه وسلم اللهم أني أعوذ بك من علم لا ينفع ودعاء لا يسمع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع أعوذ بك يا رب من شر هذه الأربع (2) وقال صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها بيست البطانة (3) ومثل هذا كثير وفيه دليل على أن حسن السجع حسن وقبيحه قبيح كسائر الكلام المنظوم والمنثور وأما جنين الأمة فاختلاف العلماء فيه لا يشبه اختلافهم في جنين الحرة فأما مالك وأهل المدينة والشافعي ومن قال بقولهم فقالوا في جنين الأمة أن وقع ميتا من ضربة الضارب لأمه ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان الجنين أو أنثى وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه إن كان جنين الأمة غلاما ففيه نصف عشر قيمة نفسه لا قيمة أمه فإن كانت أنثى فعشر قيمتها (نفسها) لو كانت حية أو كان حيا وقال داود لا شيء في جنين الأمة وللتابعين في ذلك أقاويل
491

متقاربة سأذكرها إن شاء الله في غير هذا الكتاب وبالله التوفيق (حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن القاسم بن شعبان حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال أخبرنا علي بن سعيد بن مسروق قال حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن إسرائيل عن مغيرة عن إبراهيم في امرأة عالجت نفسها حتى أسقطت فقال تعطى أباه غرة) (1) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد
492