الكتاب: الدرر
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء:
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات:

الدرر في اختصار المغازي والسير تأليف ابن عبد البر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب
قال الفقيه الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري رضي الله عنه الحمد لله رب العالمين وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلي الله على محمد رسوله وعلى آله أجمعين هذا كتاب اختصرت فيه ذكر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وابتداء نبوته وأول أمره في رسالته ومغازيه وسيرته فيها لأني ذكرت مولده وحاله في نشأته وعيونا من أخباره في صدر كتابي في الصحابة وأفردت هذا الكتاب لسائر خبره في مبعثه وأوقاته صلى الله عليه وسلم اختصرت ذلك من كتاب موسى بن عقبة وكتاب بن إسحاق رواية ابن هشام وغيره وربما ذكرت فيه خبرا ليس منهما والنسق كله على ما رسمه ابن إسحاق فذكرت مغازيه وسيره على التقريب والاختصار والاقتصار على العيون من ذلك دون الحشو والتخليط وإلى الله أرغب في العون على الأمل فيه والتوفيق لما يرضيه وهو حسبي لا شريك له
27

باب من خبر مبعثه صلى الله عليه وسلم
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال أخبرنا أبو بكر محمد بن بكر بن محمد بن عبد الرزاق التمار قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني قال حدثنا محمود بن خالد الدمشقي قال حدثنا عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن أي القرآن أنزل أول فقال سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبل * (يا أيها المدثر) * أو * (اقرأ باسم ربك الذي خلق) * فقال جابر ألا أحدثكم بما حدثني به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستنبطت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي فلم أر شيئا ثم نظرت إلى السماء فإذا هو
28

على العرش في الهواء فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء فأنزل الله عز وجل * (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر) *
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثني إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال أتى نفر من قريش امرأة كاهنة فقالوا أخبرينا بأقربنا شبها بصاحب هذا المقام قالت إن جررتم على السهلة عباءة ومشيتم عليها أنبأتكم بأقربكم منه شبها فجروا عليها عباءة ثم مشوا عليها فرأت أثر قدم محمد صلى الله عليه وسلم فقالت هذا والله أقربكم شبها قال ابن عباس رضي اله عنهما فمكثوا بعد ذلك عشرين سنة ثم بعث محمد صلى الله عليه وسلم
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا سليمان بن معاذ الضبي عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال
29

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بمكة لحجرا كان يسلم علي ليالي بعثت إني لأعرفه الآن وسنفرد لأعلام نبوته كتابا إن شاء الله
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي قال حدثنا حجاج قال قال حدثنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يقول لما بنيت الكعبة ذهب عباس والنبي صلى الله عليه وسلم ينقلان الحجارة فقال عباس للنبي صلى الله عليه وسلم اجعل إزارك على رقبتك يقيك من الحجارة ففعل فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام وقال إزاري إزاري فشده عليه وفي حديث عكرمة عن ابن عباس في هذا الخبر قال خر محمد فانبطح قال العباس فجئت أسعى إليه وألقيت عني حجري قال وهو ينظر إلى السماء قلت ما شأنك قال فقام وأخذ إزاره وقال نهيت أن أمشي عريانا قال ابن عباس قال أبي فإني أكتمها الناس مخافة أن يقولوا مجنون
وحدثنا عبد الله قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن الأعمش عن منذر الثوري عن الربيع بن خثيم في قوله عز وجل * (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) * قال
30

أوحى الله إليه كما أوحى إلى جميع النبيين وفي حديث عائشة رضي الله عنها من رواية مالك رحمه الله وغيره أن الوحي كان يأتيه أحيانا مثل صلصلة الجرس وأحيانا يكلمه الملك وأحيانا يشد عليه فيتفصد جبينه في اليوم البارد عرقا وقال عروة بن الزبير كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها وفي حديث عمر رضي الله عنه قال كان ينزل عليه الوحي فيسمع له دوي كدوي النحل وقد أشبعنا هذا المعنى في كتاب التمهيد عند ذكر حديث عائشة رضي الله عنها المذكور والحمد لله
حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن داود بن سفيان قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قال أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فتزوده
31

لمثلها حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاء الملك فقال اقرأ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال * (اقرأ باسم ربك الذي خلق) * حتى بلغ * (علم الإنسان ما لم يعلم) * قال فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع
فقال يا خديجة ما لي وأخبرها الخبر وقال قد خشيت على نفسي فقالت له كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها وكان امرءا تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة أي ابن عمي اسمع من ابن أخيك فقال ورقة بن نوفل يا بن أخي ما ترى فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى فقال له ورقة هذا الناموس
32

الذي أنزل على موسى يا ليتني أكون حيا حتى يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم فقال ورقة بن نوفل نعم إنه لم يأت أحد بما جئت به إلا عودي وأوذي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا شديدا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة كي يلقي بنفسه منها تبدى له جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى ذروه تبدى له جبريل عليه السلام فقال مثل ذلك
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أبو داود وحدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا أبو عوانة عن أبي بشير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أبو داود وحدثنا نصر بن علي قال حدثنا أبو أحمد قال حدثنا إسرائيل عن ابن إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض قال
33

كان لكل قبيل من الجن مقعد من السماء يستمعون فيه فلما رموا بالشهب وحيل بينهم وبين خبر السماء قالوا ما هذا إلا لشيء حدث في الأرض وشكوت ذلك إلى إبليس فقال ما هذا إلا لشيء حدث في الأرض فائتوني من تربة كل أرض فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون علم ذلك فأتوه من تربة كل أرض فكان يشمها ويرمي بها حتى أتاه الذين توجهوا إلى تهامة بتربة من تربة مكة فشمها فقال من ههنا يحدث الحدث فنظر فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث فانطلقوا فوجدوا رسول الله وطائفة معه من أصحابه بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بهم صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال بيننا وبين خبر السماء فولوا إلى قومهم منذرين فقالوا يا قومنا * (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) * وذكر تمام الخبر قال أبو داود وحدثنا وهب بن بقية عن خالد قال أبو داود وحدثنا محمد بن العلاء عن ابن إدريس كلاهما عن حصين عن عامر الشعبي قال لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجمت الشياطين بنجوم لم تكن ترجم بها من قبل فأتوا عبد يا ليل ابن عمرو الثقفي فقالوا إن الناس قد فزعوا وأعتقوا رقيقهم وسيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم فقال لهم وكان رجلا أعمى لا تعجلوا وانظروا فإن كانت النجوم التي تعرف فهو عند فناء الناس وإن كانت لا تعرف فهو من حدث فنظروا
34

فإذا هي نجوم لا تعرف فقالوا هذا أمر حدث فلم يلبثوا حتى سمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم
أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال أخبرنا أبو عاصم خسيس بن أصرم قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة عن جبر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي قال بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه رعبا فرجعت فقلت زملوني دثروني فأنزل الله عز وجل * (يا أيها المدثر) * إلى قوله * (والرجز فاهجر) * وهي الأوثان وقال شعبة عن مغيرة عن إبراهيم النخعي نزلت عليه * (يا أيها المدثر) * وهو في قطيفة وقال شيبان عن الأعمش عن إبراهيم أول سورة أنزلت عليه * (اقرأ باسم ربك الذي خلق) * وهو قول عائشة وعبيد بن عمير ومحمد بن عباد بن جعفر والحسن البصري وعكرمة ومجاهد والزهري
35

باب ذكر دعاء الرسول الله صلى الله عليه وسلم قومه وغيرهم إلى دين الله والدخول في الإسلام وذكر بعض ما لقي منهم من الأذى وصبره في ذلك على البلوى صلى الله عليه وسلم
دعوة الرسول قومه وغيرهم إلى الإسلام قال الله عز وجل * (قم فأنذر) * وقال عز وجل * (فاصدع بما تؤمر) * أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال حدثني محمد بن كثير الصنعاني عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام سرا وجهرا وهجر الأوثان فاستجاب له من شاء الله من الأحداث والكهول وضعفة الناس حتى كثر من آمن به وصدقه وكفار قريش غير منكرين لما يقول يقولون إذا مر عليهم إن غلام بني هاشم هذا ويشيرون إليه ليكلم زعموا من السماء فكانوا على ذلك حتى عاب آلهتهم التي كانوا يعبدون وذكر هلاك آبائهم الذين ماتوا كفارا فغضبوا لذلك وعادوه فلما ظهر الإسلام وتحدث به المؤمنون أقبلوا عليهم يعذبونهم ويؤذونهم يريدون بذلك فتنتهم عن دينهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأرض فقالوا أين نذهب يا رسول الله
36

فقال ههنا وأشار بيده نحو أرض الحبشة فهاجر إليها ناس ذو عدد منهم من هاجر بنفسه ومنهم من هاجر بأهله أخبرنا
عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قال ابن المثنى حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري وقال ابن بشار أخبرنا عبد الوهاب قالا حدثنا محمد بن عمرو عن محمد بن المنكدر عن ربيعة بن عباد الدؤلي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي المجاز يطوف بالناس ويتبعهم في منازلهم يدعوهم إلى الله يقول إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ورجل خلفه يقول يا أيها الناس هذا ينهاكم أن تدينوا دين آبائكم فلا يصدنكم عن دينكم ودين آبائكم فقلت من هذا قالوا عمه أبو لهب دخل حديث بعضهم في بعض ورواه زيد بن أسلم عن محمد بن المنكدر مثله روي من وجوه كلها صحاح
أول الناس إيمانا بالله ورسوله قال الفقيه أبو عمر رضي الله عنه فكان أول من آمن بالله ورسوله فيما أتت به الآثار وذكره أهل السير والأخبار منهم ابن شهاب وغيره وهو
قول موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمر
37

الواقدي وسعيد بن يحيى بن سعيد الأموي وغيرهم خديجة بنت خويلد زوجته صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب واختلف في الأول منهما فروي عن حسان بن ثابت وإبراهيم النخعي وطائفة أبو بكر أول من أسلم والأكثر منهم يقولون علي وقد ذكرنا القائلين بذلك والآثار الواردة في بابه من كتاب الصحابة وروي عن ابن عباس القولان جميعا واختلفوا في سن علي يومئد فقيل ثماني سنين وقيل عشر سنين وقيل اثنتا عشرة سنة وقيل خمس عشرة سنة قاله الحسن البصري وغيره وقال ابن إسحاق كان أول ذكر ممن آمن بالله وصدق رسول الله فيما جاء به من عند الله علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وهو ابن عشر سنين يومئذ قال (أي ابن إسحاق) ثم أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب الكلبي قلت وقيل شراحيل قاله ابن هشام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم أسلم أبو بكر بن أبي قحافة واسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة قال أبو عمر ثم أسلم خالد بن سعيد بن العاصي وأسلمت معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد الخزاعية وبلال وعمار بن ياسر وأمه سمية وصهيب بن سنان النمري المعروف بالرومي وعمرو بن عبسة السلمي ورجع إلى بلاد قومه وعمرو بن سعيد بن العاصي ثم أسلم بدعاء أبي بكر الصديق عثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن
38

أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف ثم أسلم أبو عبيدة ابن الجراح وأبو سلمة بن عبد الأسد وعثمان بن مظعون ثم أخواه قدامة وعبد الله وابنه السائب بن عثمان بن مظعون وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأسماء بنت أبي بكر الصديق وعائشة بنت أبي بكر الصديق وهي صغيرة وفاطمة بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب زوج سعيد بن زيد وعمير بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وأخوه عتبة بن مسعود وسليط بن عمرو العامري وعياش بن أبي ربيعة المخزومي وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخربة التميمية ومسعود بن ربيعة بن عمرو القاري من بني الهون بن خزيمة وهم القارة وخنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي وعبد الله بن جحش الأسدي
تتمة السابقين إلى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب وامرأته أسماء بنت عميس وعامر بن ربيعة العنزي من عنز بن وائل قال ابن هشام عنز بن وائل من ربيعة حليف الخطاب بن نفيل وأبو أحمد بن جحش الأعمى وحاطب بن الحارث بن معمر
39

الجمحي وامرأته بنت المجلل العامرية وحطاب بن الحارث أخوه وامرأته فكيهة بنت يسار وأخوهما معمر بن الحارث بن معمر الجمحي والمطلب بن أزهر بن عبد عوف الزهري وامرأته رملة بنت أبي عوف السهمية والنحام واسمه نعيم بن عبد الله العدوي وعامر بن فهيرة أزدي من الأزد أمه فهيرة مولاة أبي بكر الصديق وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود العامري أخو سليط بن عمرو وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة واسمه مهشم بن عتبة فيما قال ابن هشام وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين فيما قال ابن هشام ابن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة الحنظلي التميمي حليف بني عدي بن كعب وأبو ذر جندب بن جنادة ولكنه رجع إلى بلاد قومه فتأخرت هجرته وإياس وخالد وعاقل وعامر بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب من بني سعد بن ليث حلفاء بني عدي والأرقم بن أبي الأرقم واسم أبي الأرقم عبد مناف بن أبي جندب واسم أبي جندب أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وأسلم حمزة بن عبد المطلب وكان سبب إسلامه أن أبا جهل شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناوله وحمزة غائب في صيد وكان راميا كثير الصيد فلما انصرف قالت له امرأة يا أبا عمارة ماذا لقي ابن أخيك من أبي جهل شتمه وتناوله وفعل وفعل قال فهل رآه أحد قالت نعم أهل ذلك المجلس عند الصفا فأتاهم وهم جلوس وأبو جهل فيهم فجمع على قوسه يديه فضرب بها رأس أبي جهل فدق سيتها
40

ثم قال خذها بالقوس ثم أخرى بالسيف أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ما جاء به حق من عند الله وسمي من يومئذ أسد الله ثم عمر بن الخطاب أسلم بعد أربعين رجلا واثنتي عشرة امرأة فعز الإسلام وظهر بإسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما
ذكر بعض ما لقي الرسول وأصحابه من أذى قومه وصبرهم على ذلك ولما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء إلى الله تعالى نابذته قريش ورموه بالبهتان وجاهروا في عداوته وأظهروا البغضاء له وآذوه وآذوا من اتبعه بكل ما أمكنهم من الأذى فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاره عمه أبو طالب ومنع منه وكذلك أجار أبا بكر قومه ثم أسلموه فأجاره ابن الدغنة وأجار العاصي بن وائل عمر بن الخطاب
أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى بن أبي بكير قال حدثنا زائدة بن قدامة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال كان أول من أظهر إسلامه سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب وأما أبو بكر فمنعه الله
41

بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم إلا من واتاهم فيما أرادوا وأوهمهم بذلك إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله عز وجل وهان على قومه فأخذوه وأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد وعن مجاهد مثله سواء وزاد في قصة بلال وجعلوا في عنقه حبلا ودفعوه إلى الصبيان يلعبون به حتى أثر الحبل في عنقه ثم ملوه فتركوه قال ابن عبد البر وقد ذكرنا خبره بأكثر من هذا في بابه من كتاب الصحابة ولم يذكر ابن مسعود ولا مجاهد في هذا الخبر خديجة ولا عليا وهما أول من أسلم عند أكثر أهل العلم لأنهما كانا في بيت رسول الله ومن كان في بيته كان في جوار عمه ومع ذلك فإنه لم يظهر إلى قريش منهما ذلك فلم يؤذيا وهؤلاء السبعة ظهر منهم ذلك فلقوا الأذى الشديد من قومهم فقصد بهذا الحديث إلى الخبر عنهم
حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا سليمان قال حدثنا عمرو بن عثمان ومحمود بن خالد وحسين بن عبد الرحمن قالوا حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عروة بن الزبير قال سألت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون
42

برسول الله قال نعم بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم فخنقه به خنقا
شديدا قال فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن رسول الله وقال * (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) * ورواه بشر بن بكر أيضا عن الأوزاعي بإسناده مثله وروى بشر بن بكر عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد شيء فذكر مثله وعند عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي عن هذا الإسناد أيضا في هذا الخبر وعن إسماعيل بن سماعة أيضا مثله عن الأوزاعي بهذا الإسناد في هذا الخبر وعند الوليد بن مزيد عن الأوزاعي في هذا الخبر الإسناد الأول وروى محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص هذا الخبر بمعناه وزاد فيه فقال يا معشر قريش والذي نفسي بيده لقد أرسلني ربي إليكم بالذبح ورواه هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص بمعنى حديث يحيى بن أبي كثير وحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو
حدثنا عبد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة أن محمد بن أبي عبيدة حدثهم عن أبيه عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غشي عليه فقام أبو بكر فقال ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم فقالوا هذا ابن أبي قحافة المجنون
43

المجاهرون بالظلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من آمن به قال الفقيه أبو عمر رضي الله عنه وكان المجاهرون بالظلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من آمن به من بني هاشم عمه أبا لهب وابن عمه أبا سفيان بن الحارث ومن بني عبد شمس عتبة وشيبة ابني ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأبا سفيان بن حرب وابنه حنظلة والحكم بن أبي العاص بن أمية ومعاوية بن العاص بن أمية ومن بني عبد الدار النضر بن الحارث ومن بني أسد بن عبد العزي الأسود بن المطلب وابنه زمعة وأبا البختري العاصي بن هشام ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث الزهري
44

ومن بني مخزوم أبا جعل بن هشام وأخاه العاصي بن هشام وعمهما الوليد بن المغيرة وابنه أبا قيس بن الوليد بن المغيرة وابن عمه قيس بن الفاكه بن المغيرة وزهير بن أبي أمية بن المغيرة أخا أم سلمة وأخاه عبد الله بن أبي أمية والأسود بن عبد الأسد أخا أبي سلمة وصيفي بن السائب ومن بني سهم العاص بن وائل وابنه عمرو بن العاص وابن عمه الحارث بن قيس بن عدي ومنبها ونبيها ابني الحجاج ومن بني جمح أمية وأبيا ابني خلف بن وهب بن حذافة بن جمح السهمي وأنيس بن معير أخا أبي محذورة والحارث بن الطلاطلة الخزاعي وعدي بن الحمراء الثقفي فهؤلاء كانوا أشد على المؤمنين مثابرة بالأذى ومعهم سائر قريش فمنهم من يعذبون من لا منعة له ولا جوار من قومه ومنهم من يؤذون ولقي المسلمون من كفار قريش وحلفائهم من العذاب والأذى والبلاء عظيما ورزقهم الله من الصبر على ذلك عظيما ليدخر لهم ذلك في الآخرة ويرفع به درجاتهم في الجنة والإسلام في كل ذلك يفشو ويظهر في الرجال والنساء وأسلم الوليد بن الوليد بن المغيرة وسلمة بن هشام أخو أبي جهل وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وجماعة أراد الله هداهم وأسرف بنو جمح على بلال بالأذى والعذاب فاشتراه أبو بكر الصديق منهم واشترى أمه حمامة فأعتقها وأعتق عامر بن فهيرة وأعتق خمسا من النساء
45

أم عبيس وزنيرة والنهدية وابنتها وجارية لبني عدي بن كعب كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعذبها على الإسلام قبل أن يسلم وروى أن أبا قحافة قال لابنه أبي بكر يا بني أراك تعتق قوما ضعفاء فلو أعتقت قوما جلداء يمنعونك فقال يا أبت إني أريد ما أريد فقيل إن فيه نزلت * (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى) * إلى آخر السورة
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يحيى بن خلف قال حدثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد * (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) * قال أبو جهل ينهى محمدا صلى الله عليه وسلم * (فليدع ناديه) * أهل مجلسه * (سندع الزبانية) * قال الملائكة
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا سليمان بن حبان عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم فداء أبو جهل فقال ألم أنهك عن هذا فانصرف إليه النبي صلى الله عليه وسلم فزجره فقال يهددني محمد وقد علم أن ما بها رجل أكثر ناديا مني فأنزل الله عز وجل * (فليدع ناديه سندع الزبانية) * قال ابن عباس والله لو دعا ناديه لأخذته الملائكة والعذاب
46

المستهئزون قال أبو عمر رضي الله عنه وكان المستهزئون الذين قال الله فيهم * (إنا كفيناك المستهزئين) * عمه أبا لهب وعقبة بن أبي معيط والحكم بن أبي العاصي والأسود بن المطلب بن أسد أبا زمعة والأسود بن عبد يغوث والعاصي بن وائل والوليد بن المغيرة والحارث بن غيطلة السهمي ويقال له ابن الغيطلة وكان جبريل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض وقفاته معه فمر بهما من المستهزئين الوليد بن المغيرة والأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث والحارث بن غيطلة والعاصي بن وائل واحدا بعد واحد فشكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل فأشار إليهم جبريل عليه السلام وقال كفيتكهم فهلكوا بضروب من البلاء والعمى قبل الهجرة وفيما لقي بلال وعمار والمقداد وخباب وسعد بن أبي وقاص وغيرهم ممن لم تكن له منعة من قومه من البلاء والأذى ما يجمل أن يفرد له كتاب ولكنا نقف في كتابنا عند شرطنا وبالله توفيقنا فلما اشتد بالمسلمين البلاء والأذى وخافوا أن يفتنوا عن دينهم أذن الله لهم في الهجة إلى أرض الحبشة وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سيروا إليها فإن بها ملكا لا تظلمون عنده
47

باب ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة
قال أبو عمر
أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن داود بن سفيان وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن
إبراهيم قالا حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة قال فلما كثر المسلمون وظهر الإيمان أقبل كفار قريش على من آمن من قبائلهم يعذبونهم ويؤذونهم ليردوهم عن دينهم قال فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمن آمن به تفرقوا في الأرض فإن الله تعالى سيجمعكم قالوا إلى أين نذهب قال ههنا وأشار بيده إلى أرض الحبشة فهاجر إليها ناس ذوو عدد منهم من هاجر بأهله ومنهم من هاجر بنفسه حتى قدموا أرض الحبشة قال الفقيه أبو عمر رضي الله عنه فكان أول من خرج من المسلمين فارا بدينه إلى أرض الحبشة عثمان بن عفان معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قيل إن أول من هاجر إلى الحبشة أبو حاطب بن
48

عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخو سهيل بن عمرو وقيل هو سليط بن عمرو وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة هاربا عن أبيه بدينه ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو مراغمة لأبيها فارة عنه بدينها فولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة صنو الزبير بن العوام ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية وعثمان بن مظغون وعامر بن ربيعة حليف آل الخطاب ومعه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم العدوية وأبو سبرة بن أبي رهم العامري وامرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو وسهيل بن بيضاء وهو سهيل بن وهب بن ربيعة الفهري ثم خرج بعدهم جعفر بن أبي طالب ومعه امرأته أسماء بنت عميس فولدت له هناك بنيه محمدا وعبد الله وعونا وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ومعه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث بن شق بن رقبة بن مخدج الكنانية وأخوه خالد بن سعيد بن العاص معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن يثيع الخزاعية فولدت له هناك ابنه سعيدا وابنته أم خالد واسمها آمنة بنت خالد وعبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي وأخوه عبيد الله بن جحش معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان فتنصر هناك ومات نصرانيا مرتدا عن دينه
49

وقيس بن عبد الله حليف لبني أمية بن عبد شمس معه امرأته بركة بنت يسار مولاة أبي سفيان بن حرب ومعيقيب بن أبي فاطمة الدوسي حليف لبني العاص بن أمية وعتبة بن غزوان بن جابر المازني من بني مازن بن منصور أخي سليم بن منصور حليف بني نوفل بن عبد مناف ويزيد بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد وعمرو بن أمية بن الحارث بن أسد والأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد وطليب بن عمير بن وهب بن أبي كبير بن عبد قصي وسويبط بن سعد بن حرملة ويقال حريملة بن مالك العبدري وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار العبدري معه امرأته أم حرملة بنت عبد الأسود بن جذيمة بن الأقيش بن عامر بن بياضة بن يثيع بن جعثمة بن سعيد بن مليح بن عمرو من خزاعة وابناه عمرو بن جهم وخزيمة بنت جهم وأبو الروم بن عمير أخو مصعب بن عمير وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار وعامر بن أبي وقاص أخو سعد بن أبي وقاص والمطلب بن أزهر بن عبد عوف معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة السهمية ولدت له هناك عبد الله بن المطلب وعبد الله بن مسعود الهذلي وأخوه عتبة بن مسعود والمقداد بن عمرو بن ثعلبة البهراني ويقال له المقداد بن الأسود لأن الأسود بن عبد يغوث الزهري تبناه وهو حليف له
50

والحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ومعه امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة فولدت له هناك موسى وزينب وعائشة وفاطمة وعمرو بن عثمان بن عمرو التيمي عم طلحة وشماس بن عثمان بن الشريد المخزومي واسمه عثمان بن عثمان وهبار بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال المخزومي وأخوه عبد الله بن سفيان وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي ومعتب بن عوف بن عامر الخزاعي يعرف بمعتب بن حمراء حليف بني مخزوم والسائب بن عثمان بن مظعون وعماه قدامة وعبد الله ابنا مظعون وحاطب وحطاب ابنا الحارث بن معمر الجمحي ومع حاطب زوجه فاطمة بنت المجلل العامرية ولدت له هناك محمدا والحارث ابني حاطب ومع حطاب زوجه فكيهة بنت يسار وسفيان بن معمر بن حبيب الجمحي ومعه ابناه جابر وجناده ابنا سفيان وأمهما حسنة وأخوهما لأمهما شرحبيل بن حسنة وهو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع الكندي وقيل إنه من بني الغوث بن مر أخي تميم بن مر وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح وخنيس بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي وأخواه قيس وعبد الله ابنا حذافة ورجل من تميم اسمه سعيد بن عمرو كان أخا بشر بن الحارث بن قيس بن عدي لأمه وهشام بن العاص بن وائل أخو عمرو بن العاص وعمير بن رئاب بن حذيفة السهمي وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي السهمي وإخوته الحارث بن الحارث ومعمر بن الحارث وسعيد بن الحارث والسائب بن الحارث وبشر بن الحارث ومحمية بن جزء الزبيدي حليف بني سهم ومعمر بن عبد الله بن نضلة العدوي من بني عدي بن كعب وعروة بن عبد العزي
51

ابن حرثان العدوي وعدي بن نضلة بن عبد العزي العدوي وابنه النعمان بن عدي ومالك بن ربيعة بن قيس العامري وامرأته عمرة بنت أسعد بن وقدان بن عبد شمس العامرية وسعد بن خولة من أهل اليمن حليف لبني عامر بن لؤي وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزي العامري وعبد الله بن سهيل بن عمرو العامري وعماه سليط بن عمرو والسكران بن عمرو ومع السكران بن عمرو امرأته سودة بنت زمعة وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري وعمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر وعياض بن زهير بن أبي شداد الفهري وعثمان بن عبد غنم بن زهير بن أبي شداد وسعد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر الفهري وقد جاء في بعض الأثر وقاله بعض أهل السير أن أبا موسى الأشعري كان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة وليس كذلك ولكنه خرج في طائفة من قومه مهاجرا من بلده باليمن يريد المدينة فركبوا البحر فرمتهم الريح بالسفينة التي كانوا فيها إلى أرض الحبشة فأقام هنالك حتى قدم مع جعفر بن أبي طالب ولما نزل هؤلاء بأرض الحبشة أمنوا على دينهم وأقاموا بخير دار عند خير جار وطالبتهم قريش عنده فكان ذلك سبب إسلامه على ما نورده بعد إن شاء الله وأقام بمكة من كان له من عشيرته منعة فلما رأت قريش أن الإسلام يفشوا وينتشر اجتمعوا فتعاقدوا على بني هاشم وأدخلوا معهم بني المطلب ألا يكلموهم ولا يجالسوهم ولا يناكحوهم ولا يبايعوهم واجتمع على ذلك ملؤهم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب كلهم كافرهم ومؤمنهم فصاروا في شعب أبي طالب محصورين مبعدين مجتنبين حاشا أبا لهب وولده فإنهم صاروا مع قريش على قومهم فبقوا كذلك ثلاث سنين إلى أن جمع الله قلوب قوم من قريش على نقض ما كانت قريش تعاقدت فيه على بني هاشم وبني المطلب
52

باب ذكر دخول بني هاشم بن عبد مناف وبني المطلب بن عبد مناف في الشعب وما لقوا من سائر قريش في ذلك
أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال أخبرنا محمد بن سلمة المرادي قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال أخبرنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطرف بن عبد الرحمن بن قيس قال حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب دخل حديث بعضهم في بعض قال ثم إن كفار قريش أجمعوا أمرهم واتفق رأيهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد أفسد أبناءنا ونساءنا فقالوا لقومه خذوا منا ديته مضاعفة ويقتله رجل غير قريش وتريحوننا وتريحون أنفسكم فأبى قومه بنو هاشم من ذلك وظاهرهم بنو المطلب بن عبد مناف فأجمع المشركون من قريش على منابذتهم وإخراجهم من مكة إلى الشعب فلما دخلوا الشعب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان بمكة من المؤمنين أن يخرجوا إلى
53

أرض الحبشة وكان متجرا لقريش وكان يثني على النجاشي بأنه لا يظلم عنده أحد فانطلق المسلمون إلى بلده وانطلق إليها عامة من آمن بالله ورسوله ودخل بنو هاشم وبنو المطلب شعبهم مؤمنهم وكافرهم فالمؤمن دينا والكافر حمية فلما عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد منعه قومه أجمعوا على ألا يبايعوهم ولا يدخلوا إليهم شيئا من الرفق وقطعوا عنهم الأسواق ولم يتركوا طعاما ولا إداما ولا بيعا إلا بادروا إليه واشتروه دونهم ولا يناكحوهم ولا يقبلوا منهم صلحا أبدا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة وتمادوا على العمل بما فيها من ذلك ثلاث سنين فاشتد البلاء على بني هاشم في شعبهم وعلى كل من معهم فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم قوم من بني قصي ممن ولدتهم بنو هاشم وممن سواهم فأجمعوا أمرهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فأكلت ولحست ما في الصحيفة من ميثاق وعهد وكان أبو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شرا أو غائلة فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر رسول الله أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليها فلم يزالوا في الشعب على ذلك إلى تمام ثلاث سنين فلما أكملوها تلاوم رجال من قريش وحلفائهم وأجمعوا أمرهم على نقض ما كانوا تظاهروا عليه من القطيعة والبراءة وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من عهد له وميثاق ولم تترك فيها اسما لله عز وجل إلا لحسته وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم فأطلع الله عز وجل رسوله
54

على ذلك فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب فقال أبو طالب لا والثواقب ما كذبتني فانطلق في عصابة من بني عبد المطلب حتى أتوا المسجد وهم خائفون لقريش فلما رأتهم قريش في جماعة أنكروا ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم برمته إلى قريش فتكلم أبو طالب فقال قد جرت أمور بيننا وبينكم لم نذكرها لكم فأتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح وإنما قال ذلك أبو طالب خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها فأتوا بصحيفتهم متعجبين لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدفع إليهم فوضعوها بينهم وقالوا لأبي طالب قد آن لكم أن ترجعوا عما أخذتم علينا وعلى أنفسكم فقال أبو طالب إنما أتيتكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أن هذه الصحيفة التي بين أيديكم قد بعث الله عليها دابة فلم تترك فيها اسما إلا لحسته وتركت فيها غدركم وتظاهركم علينا بالظلم فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا فلا والله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا وإن كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم فقالوا قد رضينا بالذي تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر بخبرها قبل أن تفتح فلما رأت قريش صدق ما جاء به أبو طالب عن النبي صبلى الله عليه وسلم قالوا هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغيا وعدوانا وأما ابن هشام فقال قد ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب يا عم إن ربي قد سلط الأرضة على صحيفة قريش فلم تدع فيها اسما لله
55

إلا أثبتته ونفت منها القطيعة والظلم والبهتان قال أربك أخبرك بهذا قال نعم قال فوالله ما يدخل عليك أحد ثم خرج إلى قريش فقال يا معشر قريش إن ابن أخي أخبرني وساق الخبر بمعنى ما ذكرنا وقال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما في تمام ذلك الخبر وندم منهم قوم فقالوا هذا بغي منا على إخواننا وظلم لهم فكان أول من مشى في نقض الصحيفة هشام بن عمرو بن الحارث من بني عامر بن لؤي وهو كان كاتب الصحيفة وأبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى والمطعم بن عدي إلى ههنا تم خبر ابن لهيعة عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن المعروف بيتيم عروة وموسى بن عقبة عن ابن شهاب وهو معنى ما ذكر ابن إسحاق إلا أن ابن إسحاق قال الذين مشوا في نقض الصحيفة هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن
56

مالك بن حسل بن عامر بن لؤي لقي زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي فعيره بإسلامه أخواله وكانت أم زهير عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه زهير إلى نقض الصحيفة ثم مضى هشام إلى المطعم بن عدي بن نوفل فذكره أرحام بني هاشم وبني المطلب بن عبد مناف فأجابه المطعم إلى نقضها ثم مضى إلى أبي البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فذكره أيضا بذلك فأجابه ثم مضى إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد فذكره ذلك فأجابه فقام هؤلاء في نقض الصحيفة
أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني الزهري أن أبا سلمة بن عبد الرحمن حدثه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمنى نحن نازلون عند خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر يعني بذلك المحصب قال وذلك أن قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر وأراد أبو بكر الصديق أن يهاجر إلى أرض الحبشة فلقيه ابن الدغنة فرده
ذكر من انصرف من أرض الحبشة إلى مكة ثم اتصل بمن كان في أرض الحبشة من المهاجرين أن قريشا قد أسلمت ودخل أكثرها في الإسلام خبرا كاذبا فانصرف منهم قوم من أرض الحبشة إلى مكة منهم عثمان بن
57

عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وامرأته سهلة بنت سهيل وعبد الله بن جحش وعتبة بن غزوان والزبير بن العوام ومصعب بن عمير وسويبط بن سعد بن حرملة وطليب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف والمقداد بن عمرو وعبد الله بن مسعود وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته أم سلمة بنت أبي أمية وشماس بن عثمان وهو عثمان بن عثمان وشماس لقبه وسلمة بن هشام بن المغيرة وعمار بن ياسر وعثمان وقدامة وعبد الله بنو مظعون والسائب بن عثمان بن مظعون وخنيس بن حذافة وهشام بن العاص بن وائل وعامر بن ربيعة وامرأته ليلى بنت أبي حثمة وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى من بني عامر بن لؤي وعبد الله بن سهيل بن عمرو وأبو سبرة بن أبي رهم وامرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو والسكران بن عمرو أخو سهيل بن عمرو رجع من أرض الحبشة إلى مكة ومات بها قبل الهجرة فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجه سودة بنت زمعة وسعد بن خولة وأبو عبيدة بن الجراح وعمرو بن الحارث بن زهير بن شداد وسهيل بن وهب الفهري وهو سهيل بن بيضاء وعمرو بن أبي سرح فوجدوا البلاء والأذى على المسلمين كالذي كان وأشد فبقوا صابرين على الظلم والأذى حتى أذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة فهاجروا إليها حاشا سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد بن المغيرة وعبد الله بن مخرمة فإنهم حبسوا بمكة ثم هاجروا بعد بدر وأحد والخندق إلا عبد الله بن مخرمة فإنه هرب من الكفار يوم بدر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد نقض الصحيفة ماتت خديجة رضي الله عنها ومات أبو طالب فأقدم سفهاء
58

قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأذى فخرج إلى الطائف يدعو إلى الإسلام فلم يجيبوه فانصرف إلى مكة في جوار المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف قال ابن شهاب بالإسناد المتقدم عن موسى بن عقبة فلما أفسد الله صحيفة مكرهم خرج النبي صلى الله عليه وسلم ورهطه فعاشروا وخالطوا الناس
ذكر إسلام الجن وأقبل وفد الجن يستمعون القرآن ثم ولوا إلى قومهم منذرين ثم أتته الجماعة منهم فآمنوا به وصدقوه قال
حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو بكر محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عنبسة قال حدثنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو عثمان بن سنة الخزاعي وكان من أهل الشام أن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهو بمكة من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجن فليفعل فلم يحضر أحد غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين حتى بقي منهم رهط وفرغ النبي صلى الله عليه وسلم منهم مع الفجر فانطلق فتبرز ثم أتاني فقال ما فعل الرهط قلت هم أولئك يا رسول الله فأخذ عظما وروثا فأعطاهم إياه ثم نهى أن يستطيب أحد بعظم أو روث قال أبو داود حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا يزيد قال أخبرنا
59

شريك عن أبي قرادة عن أبي زيد قال أنبأنا عبد الله بن مسعود قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أمرت أن أقرأ على إخوانكم من الجن فليقم معي رجل ليس في قلبه مثقال حبة خردل من غش قال فقمت ومعي إداوة وفيها نبيذ قال فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضيت حتى انتهينا إلى حيث أمره الله فخط علي خطة ثم قال إن خرجت منها لم ترني ولم أرك قال ومضى حتى توارى عني فلما طلع الفجر جاء فوجدني قائما فقال ما شأنك قائما قلت خشيت أن لا تراني ولا أراك أبدا قال ما ضرك لو قعدت وقال ما هذا معك قلت نبيذ قال هات ثمرة طيبة وماء طهور فتوضأ ثم قام يصلي وقمت معه وخلفه رجلان من الجن فلما قضى الصلاة أقبلا عليه يسألانه فقال ما شأنكما ألم أقض لكما ولقومكما حوائجكم قالا يا رسول الله أردنا أن يشهد معك الصلاة بعضنا فقال فمن أنتما قالا من أهل نصيبين قال أفلح هذان قومهما ثم سألا المباح فقال العظم مباح لكم والروث علف لدوابكم قال عبد الله بن مسعود وإنهما ليجدانهما أعظم ما كان وأطراه قال أبو عمر رضي الله عنه هذا الخبر عن ابن مسعود متواتر من طرق شتى حسان كلها إلا حديث أبي زيد عن ابن مسعود الذي فيه ذكر الوضوء بالنبيذ فإن أبا زيد مجهول لا يعرف في أصحاب ابن مسعود ويكفي من ذكر الجن ما في سورة الرحمن وسورة * (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن) * وما جاء في الأحقاف قوله * (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن) * الآيات وفي خبر علقمة عن ابن مسعود أنه قال وددت أن أكون معه ليلة
60

الجن وفي قول علقمة وددت أن صاحبنا معه ليلتئذ ما يدفع الأخبار الواردة بذلك لأن المعنى أنه لم يكن معه وما زال عن الخط الذي خط له
أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد قال أخبرنا سليمان قال أخبرنا محمد قال أخبرنا محمد بن المثنى قال أنبأنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال لما كانت ليلة الجن أتت النبي صلى الله عليه وسلم سمرة فآذنته بهم فخرج إليهم
حدثنا عبد الله قال أنبأنا محمد قال أنبأنا أبو داود قال حدثنا هارون بن معروف قال أنبأنا سفيان عن مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة أن مسروقا قال له أبوك أخبرنا أن شجرة أنذرت النبي عليه السلام بالجن قال أبو داود وحدثنا حجاج بن أبي يعقوب قال أنبأنا أبو أسامة قال أنبأنا مسعر عن معن قال سمعت أبي قال سألت مسروقا من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن قال حدثني أبوك يعني عبد الله بن مسعود أنه آذنته بهم سمرة
61

ذكر خروج الرسول إلى الطائف وعوده إلى مكة قال الفقيه أبو عمر رضي الله عنه قال ابن إسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في تلك السنين على القبائل ليمنعوه حتى يبلع رسالات ربه ولم يقبله أحد منهم وكلهم كان يقول له قومه أعلم به وكيف يصلحنا من أفسد قومه وكان ذلك مما ذخره الله عز وجل للأنصار وأكرمهم به فلما مات أبو طالب اشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمد لثقيف رجاء أن يؤووه فوجد ثلاثة نفر هم سادة ثقيف وهم إخوة عبد ياليل بن عمرو وحبيب بن عمرو ومسعود بن عمرو فعرض عليهم نفسه وأعلمهم بما لقي من قومه فقال أحدهم أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط وقال الآخر أعجز الله أن
يرسل غيرك وقال الثالث لا أكلمك بعد مجلسك هذا لئن كنت رسول الله لأنت أعظم حقا من أن أكلمك ولئن كنت تكذب على الله لأنت شر من أكلمك وهزئوا به وأفشوا في قومهم ما راجعوه به وأقعدوا له صفين فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما جعلوا لا يرفع رجلا ولا يضع رجلا إلا رضخوها بحجارة قد كانوا أعدوها حتى أدموا رجليه صلى الله عليه وسلم فخلص منهم وعمد إلى حائط من حوائطهم فاستظل في ظل نخلة منه وهو مكروب تسيل قدماه بالدماء وإذا في
62

الحائط عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ولرسوله فلما رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يقال له عداس وهو نصراني من أهل نينوى معه عنب فلما أتاه عداس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي أرض أنت يا عداس قال من أهل نينوى فقال النبي عليه السلام مدينة الرجل الصالح يونس بن متى فقال له عداس ما يدريك من يونس بن متى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه فقال أنا رسول الله فلما أخبره بما أوحى الله إليه من شأن يونس خر عداس ساجدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان دما فلما أبصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا فلما أتاهما قالا ما شأنك سجدت لمحمد وقبلت قدميه قال هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله عز وجل يدعى يونس بن متى فضحكا به وقالا له إياك أن يفتنك عن نصرانيتك فإنه رجل خداع فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة
حدثنا عبد الله بن محمد قال أنبأنا محمد بن بكر قال أنبأنا أبو داود قال أنبأنا أحمد بن صالح وابن السرح قالا حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال حدثني عروة أن عائشة حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد قال لقيت من قومي ما كان أشد قال وكان أشد ما لقيت منهم يوم ثقيف إذ عرضت نفسي على عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت على وجهي وأنا مغموم فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب
63

فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم فناداني ملك الجبال فسلم علي وقال يا محمد أنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بما شئت فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا
إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي قال الفقيه الحافظ أبو عمر رضي الله عنه وبعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعاء ثقيف قدم عليه الطفيل بن عمرو الدوسي فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وأمره بدعاء قومه فقال يا رسول الله اجعل لي آية تكون لي عونا فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الله في وجهه نورا فقال يا رسول الله إني أخاف أن يجعلوها مثلة فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار النور في سوطه فهو
64

معروف بذي النور ووصل إلى قومه بتلك الآية فأسلم أكثرهم وأقام الطفيل في بلاده إلى عام الخندق ثم قدم في سبعين أو ثمانين رجلا من قومه مسلمين وقد ذكرنا خبره بتمامه في بابه من كتاب الصحابة
حديث الإسراء والمعراج مختصرا ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم منه إلى السماء فرأى الأنبياء في السماوات على ما في الحديث بذلك وفرض الله تعالى عليه الصلوات الخمس ثم انصرف في ليلته تلك إلى مكة فأخبر بذلك فصدقه أبو بكر وكل من آمن به وكذبه الكفار واستوصفوه مسجد بيت المقدس فمثله الله له فجعل ينظر إليه ويصفه
65

عرض الرسول الإسلام على قبائل العرب وفي ذلك كله رسول الله لا يزال يدعو إلى دين الله ويأمر به كل من لقيه ورآه من العرب إلى أن قدم سويد بن الصامت أخو بني عمرو بن عوف من الأوس فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فلم يبعد ولم يجب ثم انصرف إلى يثرب فقتل في بعض حروبهم وقدم مكة أبو الحيسر أنس بن رافع في فتية من قومه من بني عبد الأشهل يطلبون الحلف فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال رجل منهم اسمه إياس بن معاذ وكان شابا يا قوم هذا والله خير مما قدمنا له فضربه أبو الحيسر وانتهره فسكت ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا إلى بلادهم ومات إياس بن معاذ فقيل إنه مات مسلما
66

العقبة الأولى ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي عند العقبة في الموسم ستة نفر من الأنصار كلهم من الخزرج وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن العجلان وقطبة بن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابي وجابر بن عبد الله بن رئاب ومن أهل العلم بالسير من يجعل فيهم عبادة بن الصامت ويسقط جابر بن عبد الله بن رئاب فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فكان من صنع الله لهم أنهم كانوا من جيران اليهود فكانوا يسمعونهم يذكرون أن الله تعالى يبعث نبيا قد أطل زمانه فقال بعضهم لبعض هذا والله الذي تهددكم به يهود فلا يسبقونا إليه فأسلموا به
67

وبايعوا وقالوا إنا قد تركنا قومنا بيننا وبينهم حروب فننصرف وندعوهم إلى ما دعوتنا إليه فعسى الله أن يجمعهم بك فإن اجتمعت كلمتهم عليك واتبعوك فلا أحد أعز منك وانصرفوا إلى المدينة فدعواإلى الإسلام حتى فشا فيهم ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم
العقبة الثانية حتى إذا كان العام المقبل قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلا منهم خمسة من الستة الذين ذكرنا وهم أبو أمامة وعوف بن عفراء ورافع بن مالك وقطبة بن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابي ولم يكن فيهم جابر بن عبد الله بن رئاب ولم يحضرها والسبعة الذين هم تتمة الإثنى عشر هم معاذ بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء أخو عوف المذكور وذكوان بن عبد قيس الزرقي وذكروا أنه رحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فسكنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مهاجري أنصاري قتل يوم أحد وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة البلوي حليف بني غصينة من بلي والعباس بن عبادة بن نضلة فهؤلاء من الخزرج ومن الأوس رجلان
68

أبو الهيثم بن التيهان من بني عبد الأشهل وعويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف حليف لهم من بلي فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء عند العقبة على بيعة
النساء ولم يكن أمر بالقتال بعد فلما انصرفوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ابن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلم من أسلم منهم القرآن وشرائع الإسلام ويدعو من لم يسلم إلى الإسلام فنزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة وكان مصعب بن عمير يدعى المقرئ القارئ وكان يؤمهم فجمع بهم أول جمعة جمعت في الإسلام في هزم حرة بني بياضة في بقيع يقال له بقيع الخضمات وهم أربعون رجلا فأسلم على يد مصعب بن عمير خلق كثير من الأنصار وأسلم في جماعتهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وأسلم بإسلامهما جميع بني عبد الأشهل في يوم واحد الرجال والنساء لم يبق منهم أحد إلا أسلم حاشا الأصيرم وهو عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم واستشهد ولم يسجد سجدة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة كانوا كلهم حنفاء مخلصين رضي الله عنهم أجمعين ولم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها مسلمون رجال ونساء حاشا بني أمية بن
69

زيد وخطمة وواقد ووائل وهم بطون من الأوس وكانوا سكانا في عوالي المدينة فأسلم منهم قوم وكان سيدهم أبو قيس بن صيفي بن الأصلت الشاعر فتأخر إسلامه وإسلام سائر قومه إلى أن مضت بدر وأحد والخندق ثم أسلموا كلهم ثم رجع مصعب بن عمير إلى مكة
العقبة الثالثة وخرج إلى الموسم جماعة كبير ممن أسلم من الأنصار يريدون لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة قوم كفار منهم لم يسلموا بعد فوافوا مكة وكان في جملتهم البراء بن معرور فرأى أن يستقبل الكعبة في الصلاة وكانت القبلة إلى بيت المقدس فصلى كذلك طول طريقه فلما قدم مكة ندم فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له قد كنت على قبلة لو صبرت عليها منكرا لفعله فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أواسط أيام التشريق فلما كانت تلك الليلة دعا كعب بن مالك ورجال من بني سلمة عبد الله بن عمرو بن حرام وكان سيدا فيهم إلى الإسلام ولم يكن أسلم فأسلم تلك الليلة وبايع وكان ذلك سرا ممن حضر من كفار قومهم فخرجوا في ثلث الليل الأول متسللين من رحالهم إلى العقبة فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم وأن يرحل إليهم هو وأصحابه وحضر العباس العقبة تلك الليلة متوثقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومؤكدا على أهل يثرب وكان يومئذ على دين قومه لم يسلم وكان للبراء بن معرور في تلك الليلة المقام المحمود في
70

التوثق لرسول الله صلى الله عليه وسلم والشد لعقد أمره وهو أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ليلة العقبة الثالثة وكذلك كان مقام أبي الهيثم بن التيهان والعباس بن نضلة يومئذ وكان المبايعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة سبعين رجلا وامرأتين واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم اثنى عشر نقيبا وهم أسعد بن زرارة بن عدس أبو أمامة وهو أحد الستة وأحد الإثنى عشر وأحد السبعين وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك بن العجلان وهو أيضا أحد الستة وأحد الإثنى عشر وأحد السبعين والبراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة بن دليم والمنذر بن عمرو بن خنيس وعبادة بن الصامت وهو أحد الستة في قول بعضهم وأحد الإثنى عشر وأحد السبعين فهؤلاء تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس أسيد بن حضير وسعد بن خيثمة بن الحارث ورفاعة بن عبد المنذر وهؤلاء هم النقباء وقد أسقط قوم رفاعة بن عبد المنذر منهم وعدوا مكانه أبا الهيثم بن التيهان والله أعلم
71

وهذه تسمية من شهد العقبة من الأنصار مع الإثنى عشر النقباء ظهير بن رافع بن عدي الحارثي وسلمة بن سلامة بن وقش الأشهلي ونهير بن الهيثم من بني نابي بن مجدعة وعبد الله بن جبير بن النعمان من بني عمرو بن عوف وأسيد بن حضير بن سماك وأبو الهيثم بن التيهان وسعد بن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر وأبو بردة هانىء بن نيار حليف لهم بن بلي وعويم بن ساعدة حليف لهم من بلي ومعن بن عدي بن الجد حليف لهم من بلي فهؤلاء من الأوس أحد عشر رجلا وشهدها من الخزرج أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد ومعاذ ومعوذ وعوف بنو الحارث بن رفاعة وهم بنو عفراء وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان وأبو رهم الحارث بن رفاعة بن الحارث هؤلاء الستة من بني غنم بن مالك بن النجار وسهل بن عتيك بن النعمان بن النجار من بني عامر بن مالك بن النجار وأوس بن ثابت بن المنذر بن حرام وأبو طلحة وهو زيد بن سهل النجاري وهذان من بني عمرو بن مالك بن النجار وقيس بن أبي صعصعة النجاري وعمرو بن غزية بن عمر وهذان من بني غنم بن مازن بن النجار وخارجة بن زيد بن أبي زهير وبشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس وخلاد بن سويد بن ثعلبة وهؤلاء من بني كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج
72

وعبد الله بن زيد بن ثعلبة من بني جشم بن الحارث بن الخزرج وعقبة بن عمرو بن يسيرة بن عسيرة أبو مسعود الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج وهو وجابر بن عبد الله أصغر من شهد العقبة وزياد بن لبيد بن ثعلبة وفروة بن عمرو بن ودفة وخالد بن قيس بن مالك وهؤلاء من بني بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق بن عامر أخي بياضة بن عامر وعباد بن قيس بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق بن عامر والحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن زريق بن عامر أخي بياضة بن عامر ومن بني سلمة بن سعد بن علي بشر بن البراء بن معرور وسنان بن صيفي بن صخر والطفيل بن النعمان بن خنساء ومعقل بن المنذر بن سرح ويزيد بن المنذر بن سرح ومسعود بن زيد بن سبيع ويزيد بن خدام بن سبيع والضحاك بن حارثة بن زيد وجبار بن صخر بن أمية والطفيل بن مالك بن الخنساء وهؤلاء كلهم من بني عدي بن غنم بن كعب بن سلمة ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة كعب بن مالك بن أبي كعب الشاعر وسليم بن عمرو بن حديدة وقطبة بن عامر بن حديدة وأخوه يزيد بن عامر وأبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد وابن عمه صيفي بن سواد بن عباد وثعلبة بن عنمة بن عدي وأخوه عمرو بن عنمة وعبس بن عامر بن عدي وخالد بن عمرو بن عدي وعبد الله بن أنيس بن أسعد حليف لهم من قضاعة
73

ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام كان من أحدثهم سنا ومعاذ بن عمرو بن الجموح وثابت بن الجذع واسم الجذع ثعلبة بن كعب بن حرام بن كعب وعمير بن الحارث بن لبدة وخديج بن سلامة بن أوس حليف لهم من بلي ومن إخوه بني سلمة وهم بنو أدي ويقال أدي بن سعد بن علي معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي وجميع من شهدها من بني سلمة وحلفائهم ثلاثون رجلا وقد ذكر بعض أهل السير فيهم أوس
بن عباد بن عدي ومن بني عوف بن الخزرج ثم من بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج العباس بن عبادة بن نضلة وهو مهاجري أنصاري هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فكان معه بها ثم هاجر معه إلى المدينة وقتل يوم أحد ويزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم حليف لهم من بني غصينة من بلي وعمرو بن الحارث بن لبدة من القواقل ومن بني الحبلى واسمه سالم بن عمرو بن عوف رفاعة بن عمرو بن زيد بن ثعلبة بن مالك بن سالم وعقبة بن وهب بن كلدة بن الجعد من بني عبد الله بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان حليف لهم هاجر أيضا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فهؤلاء خمسة رجال ومن بني كعب بن الخزرج سعد بن عبادة بن دليم والمنذر بن عمرو وهما من النقباء الذين ذكرنا وامرأتان نسيبة بنت كعب بن عمرو من بني مازن بن النجار وهي أم عمارة قتل مسيلمة ابنها حبيب بن زيد بن عاصم والثانية أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي من بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة وهي أم منيع وكانت البيعة ليلة العقبة الثالثة على حرب الأسود والأحمر وأخذ لنفسه واشترط عليهم لربه وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة
74

باب ذكر الهجرة إلى المدينة
فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وكانت سرا على كفار قومهم وكفار قريش أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة أرسالا فقيل أول من خرج أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وحبست عنه امرأته أم سلمة بنت
75

أبي أمية بمكة نحو سنة ثم أذن لها في اللحاق بزوجها فانطلقت مهاجرة وشيعها عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وهو كافر إلى المدينة ونزل أبو سلمة في قباء ثم عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم وهي أول ظعينة دخلت من المهاجرات إلى المدينة ثم عبد الله بن جحش وأخوه أبو أحمد بن جحش الشاعر الأعمى وأمها وأم إخوتهما أميمة بنت عبد المطلب وهاجر جميع بني جحش بنسائهم فغدا أبو سفيان على دارهم فتملكها إذ خلت منهم وكانت الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب تحت أبي أحمد بن جحش فنزل هؤلاء الأربعة أبو سلمة وعامر بن ربيعة وعبد الله وأبو أحمد ابنا جحش على مبشر بن عبد المنذر بن زنبر في بني عمرو بن عوف بقباء وهاجر مع بني جحش جماعة من بني أسد بن خزيمة بنسائهم منهم عكاشة بن محصن وعقبة وشجاع ابنا وهب وأربد بن حمير ومنقذ بن نباتة وسعيد بن رقيش وأخوه يزيد بن رقيش ومحرز بن نضلة وقيس بن جابر وعمرو بن محصن ومالك بن عمرو وصفوان بن عمرو وثقف بن عمرو وربيعة بن أكثم والزبير بن عبيدة وتمام بن عبيدة وسخبرة بن عبيدة ومحمد بن عبد الله بن جحش ومن نسائهم زينب بنت جحش وحمنة بنت جحش وأم حبيب بنت جحش
76

وجدامة بنت جندل وأم قيس بنت محصن وأم حبيبة بنت نباتة وأمامة بنت رقيش ثم خرج عمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة في عشرين راكبا فقدموا المدينة فنزلوا في العوالي في بني أمية بن زيد وكان يصلي بهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا وكان هشام بن العاص بن وائل قد أسلم وواعد عمر بن الخطاب أن يهاجر معه وقال تجدني أو أجدك عند أضاة بني غفار ففطن لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة ثم إن أبا جهل والحارث بن هشام أتيا المدينة فكلما عياش بن أبي ربيعة وكان أخاهما لأمهما وابن عمهما وأخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها ولا تستظل حتى تراه فرقت نفسه وصدقها وخرج راجعا معهما فكتفاه في الطريق وبلغاه مكة فحبساه بها مسجونا إلى أن خلصه بعد ذلك بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له في قنوت الصلاة اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ثم استنقذ الله عياش بن أبي ربيعة وسائرهم وهاجر إلى المدينة وكان من جملة القادمين مع عمر بن الخطاب أخوه زيد بن الخطاب وسعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل وعمرو وعبد الله ابنا سراقة بن المعتمر وكلهم من بني عدي بن كعب وواقد بن عبد الله التميمي وخولي ومالك ابنا أبي خولي من بني عجل بن لجيم حلفاء بني عدي بن كعب وإياس وعاقل وعامر وخالد بنو البكير الليثي حلفاء
77

بني عدي بن كعب وخنيس بن حذافة السهمي وزوجته حفصة بنت عمر بن الخطاب نزلوا بقباء على رفاعة بن عبد المنذر في بني عمرو بن عوف ثم قدم طلحة بن عبيد الله فنزل هو وصهيب بن سنان على خبيب بن إساف في بني الحارث بن الخزرج ويقال بل نزل طلحة على أبي أمامة أسعد بن زرارة وكان صهيب ذا مال فاتبعته قريش ليقتلوه ويأخذوا ماله فلما أشرفوا عليه ونظر منهم ونظروا إليه قال لهم قد تعلمون أني من أرماكم رجلا ووالله لا تصلون إلي أو يموت منكم من شاء الله أن يموت قالوا فاترك مالك وانهض قال ما لي خلفته بمكة وأنا أعطيكم أمارة فتأخذونه فعلموا صدقه وانصرفوا عنه إلى مكة بما أعطاهم من الأمارة فأخذوا ماله فنزلت فيه * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) * الآية ونزل حمزة بن عبد المطلب وحليفاه أبو مرثد الغنوي وابنه مرثد بن أبي مرثد وزيد بن حارثة وأنسة وأبو كبشة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن الهدم أخي بني عمرو بن عوف بقباء ويقال بل نزلوا على سعد بن خيثمة وقيل إن حمزة نزل على أبي أمامة أسعد بن زرارة ونزل عبيدة والطفيل والحصين بنو الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب وسويبط بن سعد بن حرملة العبدري وطليب بن عمير من بني عبد بن قصي وخباب بن الأرت مولى عتبة بن غزوان على عبد الله بن سلمة العجلاني بقباء
78

ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع في بني الحارث بن الخزرج ونزل الزبير بن العوام وأبو سبرة بن أبي رهم على المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح في بني جحجبي ونزل مصعب بن عمير بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار على سعد بن معاذ بن النعمان الأشهلي في بني عبد الأشهل ونزل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسالم مولى أبي حذيفة وعتبة بن غزوان المازني على عباد بن بشر بن وقش في بني عبد الأشهل ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخي حسان بن ثابت في بني النجار ونزل العزاب على سعد بن خيثمة وكان عزبا ولم يبق بمكة أحد من المسلمين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي أقاما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره وحبس قوم كرها حبسهم قومهم فكتب الله لهم أجر المجاهدين بما كانوا عليه من حرصهم على الهجرة فلما رأت قريش أن المسلمين قد صاروا إلى المدينة وقد دخل أهلها في الإسلام قالوا هذا شر شاغل لا يطاق فأجمعوا أمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبيتوه
ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه ودعا الله عز وجل أن يعمي عليهم أثره فطمس الله على أبصارهم فخرج وقد غشيهم النوم فوضع على رؤسهم ترابا ونهض فلما أصبحوا خرج عليهم علي
79

وأخبرهم أن ليس في الدار ديار فعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فات ونجا وتواعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصديق للهجرة فدفعا راحلتيهما إلى عبد الله بن أرقط ويقال ابن أريقط الديلي وكان كافرا لكنهما وثقا به وكان دليلا بالطرق فاستأجره ليدل بهما إلى المدينة
خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم للهجرة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خوخة في ظهر دار أبي بكر التي في بني جمح ونهضا نحو الغار في جبل ثور
80

وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يتسمع ما يقول الناس وأمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه ويريحها عليهما ليلا ليأخذا منها حاجتهما ثم نهضا فدخلا الغار وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام ويأتيهما عبد الله بن أبي بكر بالأخبار ثم يتلوهما عامر بن فهيرة بالغنم فيعفي آثارهما فلما فقدته قريش جعلت تطلبه بقائف معروف فقفا الأثر حتى وقف على الغار فقال هنا انقطع الأثر فنظروا فإذا بالعنكبوت قد نسج على فم الغار من ساعته فلما رأو نسج العنكبوت أيقنوا أن لا أحد فيه فرجعوا وجعلوا في النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة لمن رده عليهم وقد روي من حديث أبي الدرداء وثوبان أن الله عز وجل أمر حمامة فباضت على نسج العنكبوت وجعلت ترقد على بيضها فلما نظر الكفار إليها على فم الغار ردهم ذلك عن الغار
حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة وحدثنا سعيد بن نصر قال أنبأنا قاسم بن أصبغ قال أنبأنا محمد بن إسماعيل الترمذي قالا أنبأنا عفان قال أنبأنا همام قال أخبرنا ثابت عن أنس أن أبا بكر حدثه قال قلت للنبي عليه السلام ونحن في الغار لو كان أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما فلما مضت لبقائهما في الغار ثلاثة أيام أتاهما عبد الله بن أريقط براحلتيهما وأتتهما أسماء
81

بسفرتهما وكانت قد شقت نطاقها فربطت بنصفه السفرة وانتطقت النصف الآخر ومن هنا سميت ذات النطاقين فركبا الراحلتين وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة وحمل أبو بكر مع نفسه جميع ماله وذلك نحو ستة آلاف درهم فمروا في مسيرهم بناحية موضع سراقة بن مالك بن جعثم فنظر إليهم فعلم أنهم الذين جعلت فيهم قريش ما جعلت لمن أتى بهم فركب فرسه وتبعهم ليردهم بزعمه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليه فساخت يدا فرسه في الأرض ثم استقل فأتبع يديه دخان فعلم أنها آية فناداهم قفوا علي وأنتم آمنون فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحق بهم ثم هم به فساخت يدا فرسه في الأرض فقال له ادع الله لي فلن ترى مني ما تكره فدعا له فاستقلت فرسه ورغب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا فأمر أبا بكر فكتب له
82

ثم مروا على خيمة أم معبد فكان من حديثها في قصة شاتها ما هو منقول مشهور عن الثقاة ونهضوا قاصدين على غير الطريق المعهودة وقد وصف بعض أهل السير مراحله يوما فيوما ولم أر لذكرها وجها
83

وعبروا على عسفان وهو واد تعتسفه السيول وكان مأوى الجذماء قديما ويقال إنه عليه السلام أسرع في مشيه حين سلكه وقال إن كان من العلل شيء بعدي فهذه العلة نعوذ بالله من كل سوء ولما أتوا إلى موضع يسمى العرج على نحو ثمانين ميلا من المدينة وقف بهم بعض
84

ظهرهم إبلهم فألفوا رجلا من أسلم يقال له أوس بن حجر فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل له وبعث معه غلاما له يقال له مسعود بن هنيدة ليرده إليه من المدينة فاحتملوا إلى بطن رئم حتى نزلوا بقباء وذلك يوم الاثنين ضحى وقد قيل عند استواء الشمس وذلك لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وأول من رآه رجل من اليهود وكان أكثر أهل المدينة قد خرجوا ينظرون إليه فلما ارتفع النهار وقلصت الظلال واشتد الحر يئسوا منه فانصرفوا ورآه رجل من اليهود وكان في نخل له فصاح بأعلى صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء يعني حظكم فخرجوا وتلقوه ودخل معهم المدينة فقيل إنه نزل على سعد بن خيثمة وقيل إنه نزل على كلثوم بن الهدم ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف وقيل بل نزل على خارجة بن زيد بن أبي زهير وكلاهما من بني الحارث بن الخزرج وكان فيمن خرج لينظر إليه قوم من اليهود وكان فيهم عبد الله بن سلام قال عبد الله بن سلام فلما نظلت إليه علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب فكان أول ما سمعت منه أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام وأقام علي بمكة رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدى ودائع كانت عنده صلى الله عليه وسلم أمره بأدائها إلى أهلها ثم يلحق به ففعل علي ذلك ثم لحق بالمدينة فنزل مع النبي صلى الله عليه وسلم بقباء فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما وأسس مسجدها وهو
85

أول مسجد أسس على التقوى ثم خرج منها راكبا ناقته متوجها حيث أمره الله فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في بطن الوادي فخرج إليه رجال من بني سالم منهم العباس بن عبادة وعتبان بن مالك فسألوه أن ينزل عندهم ويقيم فقال خلوا الناقة فإنها مأمورة ونهض الأنصار حوله حتى أتى دور بني بياضة فتلقاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال منهم فدعوه إلى النزول والبقاء عندهم فقال عليه السلام دعوا الناقة فإنها مأمورة ومضى حتى أتى دور بني ساعدة فتلقاه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ورجال من بني ساعدة فدعوه إلى النزول والبقاء عندهم فقال صلى الله عليه وسلم دعوا الناقة فإنها مأمورة ومضى حتى أتى دور بني الحارث بن الخزرج فتلقاه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة فدعوه صلى الله عليه وسلم إلى البقاء عندهم فقال دعوا الناقة فإنها مأمورة ومضى صلى الله عليه وسلم حتى أتى دور بني عدي بن النجار وهم أخوال عبد المطلب فتلقاه سليط بن قيس وأبو سليط يسيرة بن أبي خارجة ورجال من بني عدي بن النجار فدعوه إلى النزول عندهم والبقاء فقال دعوها إنها مأمورة ومضى صلى الله عليه وسلم حتى أتى دور بني مالك بن النجار فبركت الناقة في موضع مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد تمر لغلامين يتيمين من بني مالك بن النجار وهما سهل وسهيل وكانا في حجر معاذ بن عفراء وكان فيه وحواليه نخل وخرب وقبور للمشركين فبركت الناقة فبقي عليه السلام على ظهرها لم ينزل فقامت ومشت قليلا
86

وهو لا يهيجها ثم التفتت خلفها فكرت إلى مكانها وبركت فيه واستقرت فنزل عنها صلى الله عليه وسلم وقد قيل إن جبار بن صخر من بني سلمة وكان من صالحي المسلمين جعل ينخسها منافسة على بني النجار في نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهم فانتهره أبو أيوب على ذلك وأوعده فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ناقته أخذ أبو أيوب رحله فحمله إلى داره ونزل صلى الله عليه وسلم دار أبي أيوب في بيت منها عليته مسكن أبي أيوب وكان أبو أيوب قد أراد أن ينزل له عن ذلك المسكن ويسكنه فيه فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان بعد أيام سقط شيء من ماء أو غبار على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك البيت فنزل أبو أيوب وأقسم على رسول الله وأبدى الرغبة له ليطلعن إلى منزله ويهبط أبو أيوب عنه ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكنا عند أبي أيوب حتى بنى مسجده وحجره ومنازل أزواجه ثم انتقل عنه إلى ما بنى في ذلك المربد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سأل عنه فقيل هو لغلامين فأراد شراءه فأبت بنو النجار من بيعه وبذلوه لله وعاوضوا اليتيمين بما هو أفضل وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي أن يأخذه إلا بثمن والله أعلم
87

بناء مسجد رسول الله فبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده وجعل عضادتيه الحجارة وسواريه جذوع النخل وسقفه جريدها بعد أن نبش قيور المشركين وسواها وسوى الخرب وقطع النخل وعمل فيه المسلمون حسبة ومات أبو أمامة أسعد بن زرارة في الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني فيها مسجده وبيوته فوجد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدا شديدا وقد كان كواه من ذبحة نزلت به وكان نقيبا في بني النجار فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده عليهم نقيبا
مؤاخاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بنائه المسجد بين الأنصار والمهاجرين وقد قيل إن المؤاخاة كانت والمسجد يبني بين المهاجرين والأنصار على المواساة والحق فكانوا يتوارثون
88

بذلك دون القرابات حتى نزلت * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) * روى أبو داود الطيالسي عن سليمان بن معاذ عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه المهاجرين والأنصار وورث بعضهم من بعض حتى نزلت * (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) * وذكر سعيد بن داود قال بلغنا وكتبنا عن شيوخنا أنه صلى الله عليه وسلم آخى يومئذ بين أبي بكر الصديق وخارجة بن زيد بن أبي زهير وبين عمر بن الخطاب وعويم بن ساعدة قال ويقال بين عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء قال وقيل أيضا بين عمر وعتبان بن مالك وبين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت وبين علي بن أبي طالب وسهل بن حنيف وبين زيد بن حارثة وأسيد بن الحضير وبين أبي مرثد الغنوي وعبادة بن الصامت وبين الزبير وكعب بن مالك وبين طلحة وأبي بن كعب وبين سعد بن أبي وقاص وسعد بن معاذ وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وبين عبد الله بن جحش وعاصم بن ثابت وبين أبي حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر وبين عتبة بن غزوان وأبي دجانة وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب وبين ابن مسعود ومعاذ بن جبل وبين أبي سلمة بن عبد الأسد وسعد بن خيثمة وبين عمار وحذيفة بن اليمان وبين أبي عبيدة ومحمد بن
89

مسلمة وبين عثمان بن مظعون وأبي الهيثم بن التيهان وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء قال الحافظ أبو عمر رضي الله عنه ذكر هذا سنيد ولم يسنده إلى أحد إلا أنه بلغه والصحيح عند أهل السير والعلم بالآثار والخبر في المؤاخاة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في حين قدومه إلى المدينة أنه آخى بين أبي بكر الصديق وخارجة بن زيد بن أبي زهير وبين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك وبين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر أخي حسان بن ثابت وآخى بين علي بن أبي طالب وبين نفسه صلى الله عليه وسلم فقال له أنت أخي في الدنيا والآخرة
حدثنا سعيد بن نصر قال أنبأنا قاسم بن أصبغ قال أنبأنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال أنبأنا عبد الله بن نمير عن حجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي أنت أخي وصاحبي
أخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري وأحمد بن عثمان بن حكيم قالا حدثنا عمرو بن طلحة قال أنبأنا أسباط عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن عليا كان يقول والله إني لأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليه
حدثنا سعيد قال حدثنا قاسم أخبرنا ابن وضاح قال أخبرنا أبو بكر
90

قال أنبأنا عبد الله بن نمير عن العلاء بن صالح عن المنهال عن عباد بن عبد الله قال سمعت عليا يقول أنا عبد الله وأخو رسوله ولا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر
وحدثنا سعيد قال أنبأنا قاسم قال أنبأنا محمد قال أنبأنا أبو بكر قال أنبأنا عبد الله بن نمير عن الحارث بن حضيرة قال حدثني أبو سليمان الجهني يعني زيد بن وهب قال سمعت عليا يقول على المنبر أنا عبد الله وأخو رسوله لم يقلها أحد قبلي ولا يقولها أحد بعدي إلا كذاب مفتر وآخى بين جعفر بن أبي طالب وهو بأرض الحبشة ومعاذ بن جبل وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وبين الزبير وسلمة بن سلامة بن وقش وبين طلحة وكعب بن مالك وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ وبين سعد ومحمد بن مسلمة وبين سعيد بن زيد وأبي بن كعب وبين مصعب بن عمير وأبي أيوب وبين عمار وحذيفة بن اليمان حليف بني عبد الأشهل وقد قيل بين عمار وثابت بن قيس وبين أبي حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر وبين أبي ذر والمنذر بن عمرو وبين ابن مسعود وسهل بن حنيف وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء وبين بلال وأبي رويحة الخثعمي حليف الأنصار وبين حاطب بين أبي بلتعة وعويم بن ساعدة وبين عبد الله بن جحش وعاصم بن ثابت وبين عبيدة بن الحارث وعمير بن الحمام وبين الطفيل بن الحارث أخيه وسفيان بن بشر بن زيد من بني جشم بن الحارث بن الخزرج وبين الحصين بن الحارث أخيهما وعبد الله بن جبير وبين عثمان بن مظعون والعباس بن
91

عبادة وبين عتبة بن غزوان ومعاذ بن ماعص وبين صفوان بن بيضاء ورافع بن المعلى وبين المقداد بن عمرو وعبد الله بن رواحة وبين ذي الشمالين ويزيد بن الحارث من بني حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج وبين أبي سلمة بن عبد الأسد وسعيد بن خيثمة وبين عمير بن أبي وقاص وخبيب بن عدي وبين عبد الله بن مظعون وقطبة بن
عامر بن حديدة وبين شماس بن عثمان وحنظلة بن أبي عامر وبين الأرقم بن أبي الأرقم وطلحة بن زيد الأنصاري وبين زيد بن الخطاب ومعن بن عدي وبين عمرو بن سراقة وسعيد بن زيد من بني عبد الأشهل وبين عاقل بن البكير ومبشر بن عبد المنذر وبين عبد الله بن مخرمة وفروة بن عمرو البياضي وبين خنيس بن حذافة والمنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح وبين أبي سبرة بن أبي رهم وعبادة بن الخشخاش وبين مسطح بن أثاثة وزيد بن المزين وبين أبي مرثد الغنوي وعبادة بن الصامت وبين عكاشة بن محصن والمجذر بن ذياد البلوي حليف الأنصار وبين عامر بن فهيرة والحارث بن الصمة وبين مهجع مولى عمر وسراقة بن عمرو بن عطية من بني غنم بن مالك بن النجار وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين بعضهم وبعض قبل الهجرة على الحق والمواساة أيضا فآخى بين أبي بكر وعمر وبين حمزة وزيد بن حارثة وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف وبين الزبير وعبد الله بن مسعود وبين عبيدة بن الحارث وبلال وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص وبين أبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة وبين سعيد بن زيد وطلحة بن عبيد الله فلما نزل المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار على ما تقدم ذكرنا له
92

فرض الزكاة ثم فرضت الزكاة وأسلم عبد الله بن سلام وطائفة من اليهود
كفار اليهود والمنافقون وكفر جمهوراليهود ونافق قوم من الأوس والخزرج فأظهروا الإسلام مداراة لقومهم من الأنصار وأبطنوا الكفر ففضحهم الله عز وجل بالقرآن وممن ذكر منهم من بني عمرو بن عوف أهل قباء الحارث بن سويد بن الصامت منافق وكان أخوه خلاد بن سويد من فضلاء الأنصار وكان أخوهما الخلاس بن سويد ممن اتهم بالنفاق لنزغة نزغ بها ثم لم يظهر بعد منه إلا النصح للمسلمين والخير والصلاح ونبتل بن الحارث وبجاد بن عثمان بن عامر وأبو حبيبة بن الأزعر وهو أحد الذين بنوا مسجد الضرار وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف وكان أخواه سهل وعثمان من فضلاء الأنصار وصالحيهم وجارية بن عامر بن العطاف وابناه زيد ومجمع وقد قيل إن مجمع بن جارية لم يصح عنه النفاق بل صح عنه الإسلام وحمل القرآن وإنما ذكر منهم لأن قومه الذين بنوا مسجد الضرار اتخذوه إماما فيه ومن بني أمية بن زيد وديعة بن ثابت وهو من أصحاب مسجد الضرار اتخذوه إماما وبشر بن زيد وأخوه رافع بن زيد
93

ومن النبيت من بني حارثة مربع بن قيظي وأخوه أوس بن قيظي وحاطب بن أمية بن رافع وكان ابنه يزيد بن حاطب من الفضلاء وقزمان حليف لهم قتل نفسه يوم أحد بعد أن أنكى في المشركين ولم يكن في بني عبد الأشهل منافق ولا منافقة رجل ولا امرأة إلا أن الضحاك بن ثابت اتهم بشيء لم يصح عليه ومن الخزرج من بني النجار رافع بن وديعة وزيد بن عمرو وعمرو بن قيس ومن بني جشم بن الخزرج الجد بن قيس ومن بني عوف بن الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول كان رئيس المنافقين وكهفا لهم يأوون إليه وكان ابنه عبد الله بن عبد الله من صلحاء المسلمين وفضلائهم ووديعة وسويد وداعس ومالك وهؤلاء من القواقل وقيس بن فهر ممن اتهم بالنفاق والله أعلم وكان قوم من اليهود نافقوا بعد أن أظهروا الإيمان بالله ورسوله واستبطنوا الكفر منهم سعد بن حنيف وزيد بن اللصيت ورافع بن حريملة ورفاعة بن زيد بن التابوت وكنانة بن صوريا
94

مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعوثه
غزوة ودان ويقال لها غزوة الأبواء وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم داعيا بالمدينة إلى الله ومعلما مما علمه الله باقي شهر ربيع الأول الشهر الذي قدم فيه المدينة وباقي العام كله إلى صفر من سنة اثنتين من الهجرة ثم خرج غازيا في صفر المؤرخ واستعمل على المدينة سعد بن عبادة حتى بلغ ودان فوادع بني ضمرة بن عبد مناة بن كنانة وعقد ذلك معه سيدهم مخشي بن عمرو ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا وهي أول غزوة غزاها بنفسه صلى الله عليه وسلم
95

باب بعث حمزة وبعث عبيدة
ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الأبواء أقام بالمدينة بقية صفر وربيع الأول وصدرا من ربيع الآخر وفي هذه المدة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب في ثلاثين راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد إلى سيف البحر من ناحية العيص فلقي أبا جهل في ثلاثمائة راكب من كفار أهل مكة فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وتوادع الفريقان على يديه فلم يكن بينهما قتال وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المدة أيضا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف في ستين راكبا من المهاجرين أو ثمانين ليس فيهم من الأنصار أحد فنهض حتى بلغ أحياء وهي ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة فتلقى بها جمعا من قريش عليهم عكرمة بن أبي جهل وقيل كان عليهم مكرز بن أبي حفص فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن أبي وفاص وكان في ذلك البعث رمى بسهم فكان أول سهم رمي به في سبيل الله وفر من الكفار يومئذ إلى المسلمين المقداد بن عمرو وعقبة بن غزوان وكان قديمي الإسلام إلا أنهما لم يجد السبيل إلى اللحاق بالنبي عليه السلام إلى يومئذ واختلف أهل السير في أي البعثين كان أول أبعث حمزة أو بعث عبيدة فقال ابن إسحاق أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأول سرية بعثها عبيدة بن الحارث قال ابن
96

إسحق وبعض الناس يزعمون أن راية حمزة أول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال المدائني أول سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب في ربيع الأول من سنة اثنتين إلى سيف البحر من أرض جهينة
فرض صوم رمضان ثم فرض صوم رمضان سنة إحدى قبل صرف القبلة بعام
غزوة بواط ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربيع الآخر إلى تمام عام من مقدمه المدينة واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا
غزوة العشيرة فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بقية ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى ثم خرج
97

غازيا واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد وأخذ على طريق إلى العشيرة فأقام هنالك بقية جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة ووادع فيها بني مدلج ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا
غزوة بدر الأولى ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من العشيرة لم يقم بالمدينة إلا عشر ليال أو نحوها حتى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه حتى بلغ واديا يقال له سفوان في ناحية بدر وفاته كرز فرجع إلى المدينة
بعث سعد بن أبي وقاص وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في حين خروجه لطلب كرز بن جابر سعد بن أبي وقاص في ثمانية رهط من المهاجرين فبلغ إلى الخرار ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا وقيل إنما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب كرز بن جابر الفهري
98

بعث عبد الله بن جحش وسريته ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلب كرز بن جابر وتعرف تلك الخرجة ببدر الأولى أقام بالمدينة بقية جمادى الآخرة ورجبا وبعث في رجب عبد الله بن جحش بن رئاب ومعه ثمانية رجال من المهاجرين وهم أبو حذيفة بن عتبة وعكاشة بن محصن وعتبة بن غزوان وسهيل بن بيضاء الفهري وسعد بن أبي وقاص وعامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله التميمي وخالد بن البكير الليثي وكتب لعبد الله بن جحش كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه ولا يستكره أحدا من أصحابه وكان أميرهم ففعل عبد الله بن جحش ما أمره به فلما فتح الكتاب وقرأه وجد فيه إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم
99

فلما قرأ الكتاب قال سمعا وطاعة ثم أخبر أصحابه بذلك وأنه لا يستكره أحدا منهم وأنها ناهض لوجهه مع من طاوعه وأنه إن لم يطعه أحد مضى وحده فمن أحب الشهادة فلينهض ومن كره الموت فليرجع فقالوا كلنا نرغب فيما ترغب وما منا أحد إلا وهو سامع مطيع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونهض ونهضوا معه فسلك على الحجاز وشرد لسعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان جمل كانا يعتقبانه فتخلفا في طلبه ونفذ عبد الله بن جحش مع سائرهم لوجهه حتى نزل بنخلة فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي واسم الحضرمي عبد الله بن عباد من الصدف والصدف بطن من حضرموت وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزوميان والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة فتشاور المسلمون وقالوا نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام فإن نحن قتلناهم هتكنا حرمة الشهر الحرام وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم ثم اتفقوا على لقائهم فرمى واقد بن عبد الله التميم عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله وأسروا عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان وأفلت نوفل بن عبد الله ثم قدموا بالعير والأسيرين وقال لهم عبد الله بن جحش اعزلوا مما غنمنا الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا فكان أول خمس في الإسلام ثم نزل القرآن * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) * فأقر الله ورسوله فعل عبد الله بن جحش في ذلك ورضيه وسنه للأمة إلى يوم القيامة وهي أول غنيمة غنمت في الإسلام وأول أسيرين وعمرو بن الحضرمي أول قتيل وأنكر رسول الله قتل عمرو بن الحضرمي في الشهر الحرام فسقط في أيدي القوم فأنزل الله عز وجل * (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) *
100

وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الفداء في الأسيرين فأما عثمان بن عبد الله فمات بمكة كافرا وأما الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استشهد ببئر معونة ورجع سعد وعتبة إلى المدينة سالمين
صرف القبلة وصرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة في السنة الثانية على رأس ستة عشر شهرا وقيل سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وذلك قبل بدر بشهرين وقد ذكرنا الاختلاف في الصلاة بمكة قبل الهجرة هل كانت إلى الكعبة أو إلى بيت المقدس والروايات بالوجهين في كتاب التمهيد في كتاب الاستذكار وروى أن أول من صلى إلى الكعبة حين صرفت القبلة عن بيت المقدس أبو سعيد بن المعلى وذلك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بتحويل القبلة فقام فصلى ركعتين إلى الكعبة
101

غزوة بدر الثانية وهي أعظم المشاهد فضلا لمن شهدها فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد بعث عبد الله بن جحش باقي رجب وشعبان ثم اتصل به في رمضان أن عيرا لقريش عظيمة فيها أموال لهم كثيرة مقبلة من الشام إلى مكة معها ثلاثون أو أربعون رجلا رئيسهم أبو سفيان بن حرب وفيهم عمرو بن العاص ومخرمة بن نوفل الزهري فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين إلى تلك العير وأمر من كان ظهره حاضرا بالخروج ولم يحتفل صلى الله عليه وسلم في الحشد لأنه أراد العير ولم يعلم أنه يلقى حربا فاتصل بأبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج في طلبهم فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة مستصرخا لهم إلى نصر عيرهم فنهض إلى مكة وهتف بها واستنفر فخرج أكثر أهل مكة في ذلك النفير ولم يتخلف من أشرافهم إلا أقلهم وكان فيمن تخلف من أشرافهم أبو لهب وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لثمان خلون من رمضان واستعمل على المدينة عمرو بن أم مكتوم العامري ليصلي بالمسلمين ثم رد أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير ودفع الراية الواحدة إلى علي والثانية إلى رجل من الأنصار وكانتا سوداوين وكانت راية الأنصار يومئذ مع سعد بن
102

معاذ وكان مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعون بعيرا يعتقبونها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ومرثد بن أبي مرثد يعتقبون بعيرا وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا وجعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم على الساقة قيس بن أبي صعصعة من بني النجار وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق العقيق إلى ذي الحليفة إلى ذات الجيش إلى فج الروحاء إلى مضيق الصفراء فلما قرب من الصفراء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبس بن عمرو الجهني حليف بني ساعدة وعدي بن أبي الزغباء الجهني حليف بني النجار إلى بدر يتجسسان أخبار أبي سفيان وعيره واستخبر النبي عليه السلام عن جبلي الصفراء هل لهما اسم يعرفان به فأخبر عنهما وعن سكانهما بأسماء كرهها بنو النار وبنو حراق بطنان من غفار فتركهما على يساره وأخذ على يمينه فلما خرج من ذلك الوادي وأتاه الخبر بخروج نفير قريش لنصر العير فأخبر أصحابه بذلك واستشارهم فيما يعملون فتكلم كثير من المهاجرين فتمادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشورته وهو يريد ما تقول الأنصار فبدر سعد بن معاذ وقال يا رسول الله والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك فسر بنا يا رسول الله على بركة الله حيث شئت فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله وقال سيروا وأبشروا فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريبا من بدر وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رجال من أصحابه مستخبرا ثم انصرف فلما أمسى بعث عليا والزبير وسعد بن أبي وقاص في نفر
103

إلى بدر يلتمسون الخبر فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج السهميين وأبو يسار عريض غلام بني سعيد بن العاص بن أمية فأتوا بهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فسألوهما من أنتما فقالا نحن سقاة قريش فكره أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخبر وكانوا يرجون أن يكونا من العير لما في العير من الغنيمة وقلة المئونة ولأن شوكة قريش شديدة فجعلوا يضربونهما فإذا آلمهما الضرب قالا نحن من عير أبي سفيان فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقال إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبراني أين قريش قالا هم وراء هذا الكثيب فسألهما كم ينحرون كل يوم من الإبل قالا عشرا من الإبل يوما وتسعا يوما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم ما بين التسعمائة إلى الألف وكان بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء اللذان بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخبرين قد وصلا إلى ماء بدر فأناخا بقرب الماء ثم استقيا في شنهما ومجدي بن عمرو بقربهما لم يفطنا به فسمع بسبس وعدي جاريتين من جواري الحي وإحداهما تقول للأخرى أعطيني ديني فقالت الأخرى إنما تأتي العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك فصدقهما مجدي وكان عينا لأبي سفيان ورجع بسبس وعدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبراه بما سمعا ولما قرب أبو سفيان من بدر تقدم وحده حتى أتى ماء بدر فقال لمجدي هل أحسست أحدا فقال إلا إر راكبين أناخا إلى هذا التل واستقيا الماء ونهضا فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته فإذا فيه النوى فقال هذه والله علائف يثرب فرجع سريعا حذرا فصرف العير عن طريقها وأخذ طريق الساحل فنجا وأوحى إلى قريش يخبرهم بأنه قد نجا هو والعير فارجعوا فأبى أبو جهل وقال والله لا نرجع حتى نرى ماء بدر ونقيم عليه ثلاثا فتهابنا العرب أبدا ورجع
104

الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة بجميع بني زهرة فلم يشهد بدرا أحد منهم وكان الأخنس مطاعا فيهم فقال لهم إنما خرجتم تمنعون أموالكم وقد نجت وكان قد نفر من جميع بطون قريش جماعة إلا عدي بن كعب فلم يكن نفر منهم أحد فلم يحضر بدرا من المشركين عدوي ولا زهري فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا إلى ماء بدر ومنع قريشا من السبق إليه مطر أنزله الله عليهم عظيم ولم يصب منه المسلمين إلا ما شد لهم دهس الوادي وأعانهم على السير فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة فأشار عليه الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح بغير ذلك وقال لرسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة فقال عليه السلام بل هو الرأي والحرب والمكيدة فقال يا رسول الله إن هذا ليس لك بمنزل فانهض بنا حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ونغور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء فنشرب ولا يشربون فاستحسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من رأيه وفعله وبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش يكون فيه ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم على مواضع الوقعة يعرض على أصحابه مصارع رؤوس الكفار من قريش مصرعا مصرعا يقول هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان فما عدا واحد منهم مصرعه ذلك الذي حده رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نزلت قريش فيما يليهم بعثوا عمير بن وهب الجمحي فحزر لهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا منهم فارسان المقداد والزبير ثم انصرف وأراد حكيم بن حزام وعتبة بن ربيعة قريشا على الرجوع وترك الحرب وراما بهم كل مرام فأبوا وكان أبو جهل هو الذي أبى ذلك وساعدوه على رأيه وبدأت الحرب فخرج عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة يطلبون البراز فخرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبد الله بن رواحة الأنصاري فقالوا لستم لنا بأكفاء وأبوا إلا قومهم فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعلي
105

ابن أبي طالب فقتل الله عتبة وشيبة والوليد وسلم حمزة وعبيدة وعلي إلا أن عبيدة ضربه عتبة فقطع رجله وارتث منها فمات بالصفراء وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش ومعه أبو بكر وسائر أصحابه بارزون للقتال إلا سعد ابن معاذ في قوم من الأنصار فإنهم كانوا وقوفا على باب العريش يحمون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أول قتيل قتل من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب أصابه سهم فقتله وسمع عمير بن الحمام رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على القتال ويرغب في الجهاد ويشوق إلى الجنة وفي يده تمرات يأكلهن فقال بخ بخ أما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم رمى بالتمرات وقاتل حتى قتل ثم منح الله عز وجل المسلمين النصر وهزم المشركين وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من حطب وقال له دونك هذا فصار في يده سيفا لم يكد الناس يرون مثله أبيض كالملح فلم يزل عنده يقاتل به حتى قتل في الردة رضي الله عنه وكانت وقعة بدر يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى المشركين فسحبوا إلى القليب ورموا فيه وضم عليهم التراب ثم وقف عليهم فناداهم هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا فقيل له يا رسول الله تنادي أقواما أمواتا قد جيفوا فقال ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الميت
إذا دفن وانصرف الناس عنه إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا عنه مدبرين وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنفال عبد الله بن كعب بن عمرو الأنصاري ثم
106

انصرف فلما نزل الصفراء قسم بها الغنائم كما أمر الله عز وجل وضرب بها عنق النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة العبدري وهو الذي جاءت ابنته قتيلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشدته
* يا راكبا إن الأثيل مظنة
* من صبح خامسة وأنت موفق
* أبلغ به ميتا بأن تحية
* ما إن تزال بها النجائب تخفق
* مني إليه وعبرة مسفوحة
* جادت بواكفها وأخرى تخنق
* ظلت سيوف بني أبيه تنوشه
* لله أرحام هناك تشقق
* أمحمد يا خير ضنء كريمة
* من قومها والفحل فحل معرق
* ما كان ضرك لو مننت وربما
* من الفتى وهو المغيط المحنق
* والنظر أقرب من قتلت قرابة
* وأحقهم إن كان عتق يعتق
* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إني لو سمعت هذا قبل قتله لم أقتله وهذا ليس معناه الندم لأنه عليه السلام لا يقول ولا يفعل إلا حقا لكن معناه لو شفعت عندي بهذا القول لقبلت شفاعتها وفيه تنبيه على حق الشفاعة والضراعة ولا سيما الاستعطاف بالشعر فإن مكارم الأخلاق تقتضي إجازة الشاعر وتبليغه قصده والله أعلم ثم لما نزل عرق الظبية ضرب عنق عقبة بن أبي معيط قال أبو عمر روى عن عبادة بن الصامت قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقوا العدو فلما هزمهم الله اتبعتهم طائفة من
107

المسلمين يقتلونهم وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم واستلوت طائفة على العسكر والنهب فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا لنا النفل نحن طلبنا العدو وبنا نفاهم الله وهزمهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم أحق به منا بل هو لنا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا ينال العدو منه غرة وقال الذين استلووا على العسكر والنهب ما أنتم أحق به منا هو لنا نحن حويناه واستلوينا عليه فأنزل الله عز وجل * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) * فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فواق بينهم قال أبو عمر قال أهل العلم بلسان العرب استلووا أطافوا وأحاطوا يقال الموت مستلو على العباد وقوله فقسمه عن فواق يعني عن سرعة قالوا والفواق ما بين حلبتي الناقة يقال انتظره فواق ناقة أي هذا المقدار ويقولونها بالفتح والضم فواق فواق وكان هذا قبل أن ينزل * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) * الآية وكان المعنى عند العلماء أي إلى الله وإلى الرسول الحكم فيها والعمل بها بما يقرب من الله وذكر محمد بن إسحاق قال حدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا عن سليمان بن موسى أبي الأشدق عن مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بواء يقول على السواء فكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله وإصلاح ذات البين
108

تسمية من استشهد ببدر من المسلمين فائدة هذه التسمية معرفة الحق لأهل الحق وفضيلة السبق لأهل السبق وحسن العهد وتجديد الذكر والمسارعة إلى الدعاء لهم بالرضوان والغفران على اليقين عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف وعمير بن أبي وقاص وكانت سنه فيما ذكروا يوم قتل ستة عشر أو سبعة عشر عاما وعمير بن الحمام من بني سلمة من الأنصار وسعد بن خيثمة بن بني عمرو بن عوف من الأوس وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضرة الخزاعي حليف بني زهرة وهو غير ذي اليدين ذاك سلمي اسمه خرباق وهو صاحب حديث السهو ووهم فيه الزهري على جلالة قدره لأنه بني على أنه لقب واحد واعتمد أبو العباس المبرد ذلك من كلام ابن شهاب فغلط ويحقق ذلك أن ذا اليدين روى حديثه أبو هريرة وكان إسلام أبي هريرة بعد قتل ذي الشمالين بسنين عدة ومبشر بن عبد المنذر الأنصاري من بني عمرو بن عوف وعاقل بن البكير الليثي حليف بني عدي بن كعب ومهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصفوان بن بيضاء الفهري ويزيد بن الحارث الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج ورافع بن المعلى الأنصاري وحارثة بن سراقة الأنصاري من بني النجار وعوف ومعوذ ابنا عفراء الجميع أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار ستة من الأوس واثنان من الخزرج
109

تسمية من قتل ببدر من كفار قرش وهم سبعون رجلا منهم حنظلة بن أبي سفيان بن صخر بن حرب قتله زيد بن حارثة وعبيدة بن سعيد بن العاص قتله الزبير وأخوه
العاص بن سعد بن العاص قتله علي وعتبة بن ربيعة قتله علي وشيبة بن ربيعة قتله حمزة والوليد بن عتبة بن ربيعة قتله عبيدة بن الحارث وقيل قتله علي وقيل اشترك علي وحمزة في قتل عتبة والوليد وشيبة وعقبة بن أبي معيط قتله عاصم بن ثابت صبرا وقيل بل قتله علي صبرا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم له بذلك والحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف قتله علي وطعيمة بن عدي بن نوفل قتله حمزة وقيل بل قتل صبرا والأول أصح وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد وابنه الحارث بن زمعة وأخوه عقيل بن الأسود وأبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن أسد ونوفل بن خويلد بن أسد قتله علي وقيل قتله الزبير والنضر بن الحارث قتل صبرا بالصفراء وعمير بن عثمان عم طلحة بن عبيد الله بن عثمان وأبو جهل بن هشام اشترك في قتله معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء وأجهز عليه عبد الله بن مسعود وجده وبه رمق فحز رأسه وأخوه العاص بن هشام قتله عمر بن الخطاب وهو خاله ومسعود بن أبي أمية المخزومي أخو أم سلمة وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة أخو خالد بن الوليد وقيس بن الفاكه بن المغيرة والسائب بن السائب بن أبي السائب المخزومي وقد قيل لم يقتل السائب يومئذ بل أسلم بعد ذلك
110

ومنبه ونبيه ابنا الحجاح بن عامر السهمي والعاصي والحارث ابنا منبه بن الحجاج وأمية بن خلف الجمحي وابنه علي بن أمية وسائر السبعين قد ذكرهم ابن إسحاق وغيره
تسمية من أسر ببدر من كفار قريش وأسر مالك بن عبيد الله أخو طلحة فمات أسيرا وأسر حذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة وأسر من بني مخزوم وحلفائهم يوم بدر أربعة وعشرون رجلا ومن بني عبد شمس وحلفائهم اثنا عشر رجلا منهم عمرو بن أبي سفيان بن صخر بن حرب والحارث بن أبي وجزة بن أبي عمرو بن أمية وأبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج ابنته زينب وأسر من بني هاشم يومئذ العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب ومن بني المطلب بن عبد مناف السائب بن عبيد بن عبد يزيد والنعمان بن عمرو وأسر من سائر قريش عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وأبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير والسائب بن أبي حبيش بن المطلب بن أسد والحارث بن عامر بن عثمان بن أسد وخالد بن هشام بن المغيرة المخزومي وصيفي بن أبي رفاعة المخزومي وأخوه أبو المنذر بن أبي رفاعة والمطلب بن حنطب المخزومي
111

وأسر خالد بن الأعلم الخزاعي وقيل إنه عقيلي حليف لهم وهو القائل
* ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
* ولكن على أقدامنا تقطر الدما
* وهو أول من فر يوم بدر فأدرك وأسر وعثمان بن عبد شمس بن جابر المازني حليف لهم وهو ابن عم عتبة بن غزوان وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وأبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأبو عطاء عبد الله بن أبي السائب بن عابد المخزومي وأبو وداعة بن صبيرة السهمي وهو أول أسير فدي منهم وعبد الله بن أبي بن خلف الجمحي وأخوه عمرو بن أبي وأبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن أهيب بن حذافة بن جمح الجمحي وسهيل بن عمرو العامري وعبد بن زمعة بن قيس العامري وعبد الله بن حميد بن زهير الأسدي فهؤلاء مشاهير من قتل ومشاهير من أسر ولا يختلفون في أن القتلى يومئذ سبعون والأسرى سبعون في الجملة وقد يختلفون في تفصيل ذلك
112

قال أبو عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط صبرا كما رواه حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن عامر الشعبي قال لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط عدو الله قال أتقتلني يا محمد من بين سائر قريش قال نعم ثم أقبل على أصحابه فقال أتدرون ما صنع هذا بي جاء وأنا ساجد خلف المقام فوضع رجله على عنقي وجعل يغمزها فما رفعها ظننت أن عيني تندران أو قال تسقطان ثم مرة أخرى جاء بسلا شاة فألقاه على رأسي وأنا ساجد خلف المقام فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي
تسمية من شهد بدرا من المهاجرين من بني هاشم بن عبد مناف رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة وعلي ومن مواليهم زيد بن حارثة الكلبي وأنسة حبشي أبو كبشة فارسي ومن حلفائهم أبو مرثد الغنوي حليف حمزة وابنه مرثد بن أبي مرثد ثمانية رجال ثلاثة من أنفسهم وثلاثة من مواليهم واثنان من حلفائهم ومن بني المطلب بن عبد مناف عبيدة بن الحارث وأخواه الطفيل والحصين ابنا الحارث بن المطلب ومسطح بن أثاثة أربعة رجال ومن بني عبد شمس بن عبد مناف عثمان بن عفان يعد فيهم لأنه تخلف على رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه قال له وأجري يا رسول الله قال وأجرك وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة قيل اسمه عامر
113

وقيل اسمه قيس وقيل مهشم وسالم مولاه وكان يدعى يومئذ ابنه ومن مواليهم صبيح مولى سعيد بن العاص بن أمية وقيل إن صبيحا تجهز للخروج إلى بدر فمرض فحمل على بعيره أبا سلمة بن عبد الأسد ثم شهد صبيح بعد ذلك سائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حلفائهم عبد الله بن جحش الأسدي وعكاشة بن محصن الأسدي وأخواه سنان بن محصن وأبو سنان بن محصن وابنه سنان بن أبي سنان وشجاع بن وهب الأسدي وأخوه عقبة بن وهب ويزيد بن رقيش بن رئاب الأسدي ومحرز بن نضلة الأسدي وربيعة بن أكثم بن سخبرة الأسدي ومن حلفاء بني أسد بن خزيمة ثقف بن عمرو ومدلج وقيل مدلاج بن عمرو وأخوهما مالك بن عمرو من بني سليم وأبو مخشي سويد بن مخشي الطائي ثمانية عشر أو سبعة عشر رجلا اثنان من أنفسهم واثنان من مواليهم وعشرة من حلفائهم من بني أسد بن خزيمة ومن حلفاء بني أسد بن خزيمة أربعة ومن بني نوفل بن عبد مناف شهدها من حلفائهم ولم يشهدها من أنفسهم أحد عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب المازني وخباب مولى عتبة بن غزوان وليس بخباب بن الأرت رجلان ومن بني أسد بن عبد العزى بن قصي الزبير بن العوام وحاطب بن أبي بلتعة حليف لهم وسعد مولى حاطب ثلاثة رجال اثنان منهم حليفان ومن بني عبد الدار بن قصي مصعب بن عمير وسويبط بن سعد بن حرملة رجلان من أنفسهم
114

ومن بني زهرة بن كلاب عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأخوه عمير بن أبي وقاص ثلاثة رجال ومن حلفائهم المقداد بن عمرو البهرائي يعرف بالمقداد بن الأسود لأن الأسود بن عبد يغوث الزهري كان قد تبناه قبل الإسلام وعبد الله بن مسعود الهذلي حليف لهم ومسعود بن ربيعة بن عمرو القاري من ولد الهون بن خزيمة بن مدركة وهم القارة حلفاء بني زهرة وذو الشمالين عمير بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي حليف لهم وخباب بن الأرت حليف لهم يقال إنه خزاعي ويقال إنه تميمي وقد ذكرنا الاختلاف في نسبه وولائه وحلفه في باب اسمه من كتاب الصحابة خمسة رجال تتمة ثمانية ومن بني تيم بن مرة أبو بكر الصديق وبلال بن رباح مولاه وعامر بن فهيرة مولاه وكان من مولدي الأزد وصهيب بن سنان النمري حليف عبد الله بن جدعان التيمي وطلحة بن عبيد الله بن عثمان كان بالشام في تجارة فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره فيعد لذلك في أهل بدر خمسة رجال اثنان من أنفسهم واثنان من مواليهم وواحد حليف لهم ومن بني مخزوم بن يقظة أبو سلمة بن عبد الأسد واسمه عبد الله وشماس بن عثمان بن الشريد واسمه عثمان بن عثمان والأرقم بن أبي الأرقم واسم أبي الأرقم عبد مناف وعمار بن ياسر العنسي مولى لهم ومعتب بن عوف السلولي ثم الخزاعي حليف لهم خمسة رجال ثلاثة من أنفسهم وواحد مولى لهم وواحد من حلفائهم ومن بني عدي بن كعب عمر بن الخطاب بن نفيل وأخوه زيد بن الخطاب وعمرو بن سراقة بن المعتمر وأخوه عبد الله بن سراقة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كان غائبا بالشام فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره فهو معدود في البدريين ومهجع مولى عمر بن الخطاب ومن حلفائهم واقد بن عبد الله اليربوعي التميمي وخولي
115

ومالك ابنا أبي خولي من بني عجل بن لجيم وعامر بن ربيعة العنزي وعامر وعاقل وخالد وإياس بنو البكير بن عبد يا ليل الليثيون من بني سعد بن ليث أربعة عشر رجلا خمسة من أنفسهم وواحد من مواليهم وثمانية من حلفائهم ومن بني جمح عثمان وقدامة وعبد الله بنو مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح والسائب بن عثمان بن مظعون ومعمر بن الحارث بن معمر بن حبيب خمسة رجال ومن بني سهم بن هصيص خنيس بن حذافة رجل واحد ومن بني عامر بن لؤي أبو سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى وعبد الله بن سهيل بن عمرو خرج مع المشركين فلما التقى الجمعان فر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووهب بن سعد بن أبي سرح وحاطب بن عمرو وعمير بن عوف وسعد بن خولة حليف لهم من اليمن سبعة رجال خمسة من أنفسهم ومولى لهم وحليف ومن بني الحارث بن فهر أبو عبيدة بن الجراح واسمه عامر بن عبد الله بن الجراح وعمرو بن الحارث بن زهير وسهيل بن وهب بن ربيعة وأخواه صفوان بن وهب وهما ابنا بيضاء وعمرو بن أبي سرح بن ربيعة وعياض بن زهير ستة رجال كلهم من أنفسهم فجميع من شهد بدرا من المهاجرين ستة وثمانون رجلا كلهم شهدها بنفسه إلا
116

ثلاثة رجال وهم عثمان وطلحة وسعيد بن زيد ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهامهم وأجورهم فهم كمن شهدها إن شاء الله ومنهم من صليبة قريش أحد وأربعون رجلا وسائرهم حلفاء لهم وموال وجميعهم مهاجري بدر رحمهم الله ورضي عنهم
تسمية من شهد بدرا من الأنصار ذكر من شهد بدرا من الأوس شهدها من الأوس حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ثم من بني عبد الأشهل سعد بن معاذ الأشهلي وأخوه عمرو بن معاذ وابن أخيه الحارث بن أوس بن معاذ ومن بني عبد الأشهل أيضا الحارث بن أنس بن رافع وسعد بن زيد بن مالك بن عبيد وسلمة بن سلامة بن وقش وعباد بن بشر بن وقش وسلمة بن ثابت بن وقش ورافع بن يزيد بن كرز من بني زعورا بن عبد الأشهل ومن حلفائهم الحارث
117

ابن خزمة بن عدي خرج عن قومه وحالف بني زعورا بن عبد الأشهل ومحمد بن سلمة من بني الحارث بن الخزرج خرج عن قومه وحالف بني زعورا وسلمة بن أسلم بن حريش خرج أيضا عن قومه بني الحارث بن الخزرج وحالف بني زعورا وأبو الهيثم بن التيهان وأخوه عبيد ويقال عتيك بن التيهان وعبد الله بن سهل ويقال إنه من نفس بني زعورا خمسة عشر رجلا ومن بني ظفر واسمه كعب بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس قتادة بن النعمان وعبيد بن أوس ويعرف بمقرن لأنه أسر أربعة من المشركين فقرنهم وساقهم ونصر بن الحارث بن عبيد ومعتب بن عبيد ومن حلفائهم عبد الله بن طارق البلوي خمسة رجال ومن بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس مسعود بن سعد بن عامر وأبو عبس بن جبر بن عمرو ومن حلفائهم أبو بردة بن نيار البلوي واسمه هانىء بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب من بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ثلاثة رجال ومن بني عوف بن مالك بن الأوس ثم من بني ضبيعة بن زيد عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح واسم أبي الأقلح قيس بن عصمة بن النعمان بن مالك بن أمية بن ضبيعة ومعتب بن قشير بن مليل وقد قيل إن معتب بن قشير من المنافقين والله أعلم
118

وأبو مليل ابن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة وعمير بن معبد بن الأزعر وسهل بن حنيف بن واهب خمسة رجال ومن بني أمية بن زيد بن مالك بن عوف أبو لبابة بشير وأخوه مبشر وأخوهما رفاعة بنو عبد المنذر بن زنبر بن أمية بن زيد وسعد بن عبيد بن النعمان وعويم بن ساعدة بن عائش بن قيس بن النعمان النعمان بن زيد بن أمية بن زيد ورافع بن عنجدة وهي أمه وعبيد بن أبي عبيد وثعلب بن حاطب وقد قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم رد أبا لبابة والحارث بن حاطب إلى المدينة وأمر أبا لبابة عليها وضرب لهما بسهميهما وأجرهما تسعة رجال وقيل إن ثعلبة بن حاطب هو الذي نزلت فيه * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن) * الآيات إذ منع الزكاة والله أعلم وما جاء فيمن شهد بدرا يعارضه قوله تعالى * (فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه) * الآية ولعل قول من قال في ثعلبة إنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح والله أعلم ومن بني عبيد بن زيد بن مالك بن عوف أنيس بن قتادة بن ربيعة بن خالد بن الحارث بن عبيد ومن حلفائهم من بلي معن بن عدي بن الجد بن عجلان بن ضبيعة وثابت بن أقرم بن ثعلبة وعبد الله بن سلمة بن مالك وزيد بن أسلم بن ثعلبة وربعي بن رافع بن زيد وخرج عاصم بن عدي بن الجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده وضرب له بسهمه وأجره سبعة رجال
119

ومن بني معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف جبر بن عتيك بن الحارث ومالك بن نميلة المزني حليف لهم والنعمان بن عصر البلوي حليف لهم ثلاثة رجال ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف عبد الله بن جبير بن النعمان وأخوه خوات بن جبير بن النعمان رده رسول الله صلى الله عليه سلم وضرب له بسهمه وأجره وعاصم بن قيس
بن ثابت بن النعمان وأخوه أبو ضياح بن ثابت بن النعمان وأخوه أبو حية بن ثابت بن النعمان وسالم بن عمير بن ثابت بن النعمان والحارث بن النعمان بن أمية بن البرك واسم البرك امرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف سبعة رجال ومن بني جحجبي بن كلفة بن عوف بن عمرو بن مالك بن الأوس منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بن الحريش بن جحجبي ومن حلفائهم أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة البلوي رجلان ومن بني غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس سعد بن خيثمة بن الحارث ومولاه تميم والحارث بن عرفجة ومنذر بن قدامة بن عرفجة ومالك بن قدامة بن عرفجة خمسة رجال وجميعهم واحد وستون رجلا على حسب ما ذكرنا ممن شهدها بنفسه ومن أسهم له فيها بسهم
120

ذكر من شهد بدرا من الخزرج وشهد بدرا من الخزرج بن حارثة ثم من بني كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج خارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير وعبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك وخلاد بن سويد بن ثعلبة وبشير بن سعد بن ثعلبة وأخوه سماك بن سعد وسبيع بن قيس بن عبسة ويقال عيشة وأخوه عباد بن قيس وعبد الله بن عبس ويزيد بن الحارث بن قيس يقال له ابن فسحم عشرة رجال ومن بني جشم وزيد ابني الحارث بن الخزرج وهما التوءمان خبيب بن إساف بن عتبة وعبد الله بن زيد بن ثعلبة صاحب الأذان وأخوه حريث بن زيد وسفيان بن نسر بن عمرو أربعة رجال ومن بني جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج تميم بن يعار بن قيس وعبد الله بن عمير وزيد بن المزين بن قيس وعبد الله بن عرفطة بن عدي بن أمية بن جدارة أربعة رجال
121

ومن بني الأبجر وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج أخو جدارة عبد الله بن ربيع بن قيس بن عمرو بن عباد بن الأبجر رجل واحد وأصل الخدرة الخمس الثاني من الليل والخمس الأول الهزيع والخمس الثالث اليعفور والرابع السدفة ذكره كراع ومن بني عوف بن الخزرج ثم من بني الحبلى عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول وسلول أم أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد وأوس بن خولى بن عبد الله بن الحارث بن عبيد رجلان ومن بني جزء بن عدي بن مالك بن سالم زيد بن وديعة بن عمرو بن قيس بن جزء وعقبة بن وهب بن كلدة حليف لهم من بني عبد الله بن غطفان رجلان ومن بني ثعلب بن مالك بن سالم رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة وعامر ويقال عمرو بن سلمة بن عامر حليف لهم من اليمن رجلان ومن بني المقدام بن سالم بن غنم أبو حميضة معبد بن عباد بن قشير بن المقدم بن سالم وعامر بن البكير حليف لهم ويقال عاصم بن العكير رجلان ومن بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان ونوفل بن عبد الله بن نضلة بن مالك بن العجلان رجلان ومن بني أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف وقد قيل إنه غنم بن عوف أخو سالم بن عوف بن الخزرج عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم وأخوه أوس بن الصامت رجلان
122

ومن بني دعد بن فهر بن ثعلبة بن غنم النعمان بن مالك بن ثعلبة وثعلبة هو قوقل رجل واحد ومن بني قريوش ويقال قريوس بن غنم بن أمية بن لوذان بن سالم بن عوف ثابت بن هزال بن ثابت بن عمرو بن قريوش رجل واحد ومن بني مرضخة وهو عمرو بن غنم بن أمية بن لوذان مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن مرضخة والربيع وورقة وعمرو بنو إياس بن عمرو بن غنم بن أمية بن لوذان وقد قيل إن عمرو بن إياس ليس بأخ لهما وإنه حليف لهم من اليمن ومن حلفائهم من قضاعة المجذر بن زياد بن عمرو البلوي واسم المجذر عبد الله وعبادة بن الخشخاش بن عمرو بن زمزمة ونحاث ويقال نحاب بن ثعلبة بن حزمة وعبد الله بن ثعلبة بن حزمة وعتبة بن ربيعة بن خالد البهرائي من قضاعة وقيل البهزي من بهز بن سليم حليف لهم ومن بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ثم من بني ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة أبو دجانة سماك بن خرشة ويقال سماك بن أوس بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة رجلان
123

ومن بني عمرو بن الخزرج بن ساعدة أبو أسيد مالك بن ربيعة بن البدن بن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة ومالك بن مسعود بن البدن رجلان ومن بني طريف بن الخزرج بن ساعدة عبد ربه بن حق بن أوس بن وقش بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة ومن حلفائهم كعب بن حمار بن ثعلبة الجهني وضمرة وزياد وبسبس بنو عمرو وعبد الله بن عامر من بلي ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج خراش بن الصمة بن عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة وأبوه الصمة بن عمرو والحباب بن المنذر بن الجموح وعمير بن الحمام وتميم مولى خراش بن الصمة وعبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب ومعاذ بن معوذ ابنا عمرو بن الجموح وأخوهما خلاد بن عمرو بن الجموح وعقبة بن عامر من بني نابي بن زيد بن حرام وحبيب بن أسود مولى لهم وعمير بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن حرام وبشر بن البراء بن معرور بن
124

صخر بن مالك بن خنساء والطفيل بن مالك بن خنساء والطفيل بن النعمان بن خنساء وسنان بن صيفي بن صخر بن خنساء وعبد الله بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء وعتبة بن عبد الله بن صخر بن خنساء وجبار بن أمية بن صخر بن خنساء وقد قيل إن جبار بن صخر بن أمية بن خناس وخناس وخنساء أخوان وخارجة بن حمير وأخوه عبد الله بن حمير حليفان لهم من أشجع ويزيد بن المنذر بن سرح بن خناس وأخوه معقل بن المنذر وعبد الله بن النعمان بن بلدمة والضحاك حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد بن غنم بن كعب بن سلمة وسواد بن رزق بن زيد بن ثعلبة بن عبيد بن غنم ومعبد بن قيس بن صخر بن حرام بن ربيعة بن عدي بن غنم وعبد الله بن قيس بن صخر بن حرام وعبد الله بن عبد مناف بن النعمان بن سنان بن عبيد وجابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد وخليدة بن قيس بن النعمان والنعمان بن يسار مولى لهم وأبو المنذر يزيد بن عامر بن حديدة بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة وقطبة بن عامر بن حديدة وسليم بن عمرو بن حديدة وعنترة مولاه ويقال إن عنترة هذا من بني سليم وعبس بن عامر بن عدي بن نابي بن عمرو بن سواد بن غنم وثعلبة بن عنمة بن عدي وأبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن سواد بن غنم وسهل بن سعد بن قيس بن أبي كعب بن القين بن كعب بن سواد بن غنم وعمرو بن طلق بن زيد بن أمية بن سنان بن كعب بن غنم ومن بني أدي بن سعد أخي سلمة بن سعد بن
علي معاذ بن جبل بن عمرو بن
125

أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد أخي سلمة بن سعد ومن بني زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج قيس بن محصن بن خالد بن مخلد بن عامر بن زريق وأبو خالد الحارث بن قيس بن خالد بن مخلد وجبير بن إياس بن خالد بن مخلد وأبو عبادة سعد بن عثمان بن خلدة بن مخلد وأخوه عقبة بن عثمان وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد ومسعود بن خلدة بن عامر بن مخلد وعباد بن قيس بن عامر بن خالد بن عامر بن زريق وأسعد بن يزيد بن الفاكه بن زيد بن خلدة بن عامر بن زريق والفاكه بن بشر بن الفاكه بن زيد بن خلدة ومعاذ بن ماعص بن قيس بن خلدة بن زريق وأخوه عائذ بن ماعص وعمهما مسعود بن سعد بن قيس ومن بني العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق رفاعة بن رافع بن العجلان وأخوه خلاد بن رافع وعبيد بن زيد بن عامر بن العجلان ومن بني بياضة بن عامر بن زريق زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي بن أمية بن بياضة وفروة بن عمرو بن ودفة بن عبيد بن عامر بن بياضة وخالد بن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة ورجيلة بن ثعلبة بن خالد بن ثعلبة بن عامر بن بياضة وعطية بن نويرة بن عامر بن عطية بن عامر بن بياضة وخليفة بن عدي بن عمرو بن مالك بن عامر بن بياضة ومن بني حبيب بن عبد حارثة أخي زريق رافع بن المعلى بن لوذان بن حارثة بن
126

عدي بن زيد بن ثعلبة بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ومن بني النجار وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخرزج ثم من بني غنم بن مالك ابن النجار أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار وثابت بن خالد بن النعمان بن خنساء بن عسيرة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار وسراقة بن كعب بن عبد العزي بن غزية بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم وحارثة بن النعمان بن نفع بن زيد بن عبيد بن ثعلبة بن غنم وسليم بن قيس بن قهد واسم قهد خالد بن قيس بن ثعلبة بن غنم وسهيل بن رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم وعدي بن أبي الزغباء حليف لهم من جهينة ومسعود بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار وأبو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم ورافع بن الحارث بن سواد بن زيد بن ثعلبة بن غنم وعوف ومعوذ ومعاذ بنو الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار وهم بنو عفراء ويقال إن أبا الحمراء مولى الحارث بن عفراء شهد بدرا والنعمان بن عمرو بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار وعامر بن مخلد بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار وعبد الله بن قيس بن خالد بن خلدة بن الحارث بن سواد بن مالك
127

ابن غنم بن مالك بن النجار وعصيمة حليف لهم من أشجع ووديعة بن عمرو حليف لهم من جهينة وثابت بن عمرو بن زيد بن عدي بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار ومن بني مبذول واسمه عامر بن مالك بن النجار ثم من بني عمرو بن عتيك بن عمرو بن مبذول ثعلبة بن عمرو بن محصن بن عمرو بن عتيك وسهل بن عتيك بن النعمان بن عمرو بن عتيك والحارث بن الصمة بن عمرو بن عتيك كسر به بالروحاء فضرب له رسول الله صلى الله عليه سلم بسهمه ومن بني معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار وهم بنو حديلة أبي بن كعب بن قس بن عبيد بن زيد بن معاوية وأنس بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية ابن عمرو بن مالك بن النجار ومن بني عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وهم بنو مغالة فنسبوا إلى أمهم امرأة من كنانة أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وأبو شيخ بن أبي بن ثابت وقيل أبو شيخ بن ثابت أخو حسان بن ثابت وأوس بن ثابت وأبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار انقضى بنو مالك بن النجار ومن بني عدي بن النجار حارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار وعمرو بن ثعلبة بن وهب بن عدي بن مالك بن عدي بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار وهو أبو حكيم وسليط بن قيس بن عمرو بن عتيك بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وأبو سليط أسيرة ابن عمرو وهو أبو خارجة بن قيس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن
128

النجار وثابت بن خنساء بن عمرو بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وعامر بن أمية بن زيد بن الحسحاس بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ومحرز بن عامر بن مالك بن عدي بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وسواد بن غزية بن أهيب حليف لهم من بلي وأبو زيد قيس بن سكن بن قيس بن زعوراء بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وأبو الأعور الحارث بن ظالم ويقال أبو الأعور بن الحارث بن ظالم بن عبس بن حرام بن جندب وسليم وحرام ابنا ملحان واسم ملحان مالك بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ومن بني مازن بن النجار قيس بن أبي صعصعة واسم أبي صعصعة عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار وعبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول وعصيمة حليف لهم من بني أسد بن خزيمة وأبو داود عمير بن عامر بن مالك بن خنساء بن مبذول وسارقة بن عمرو بن عطية بن خنساء بن مبذول وقيس بن مخلد بن ثعلبة بن صخر بن حبيب بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار ومن بني دينار بن النجار النعمان بن عبد عمرو بن مسعود بن عبد الأشهل بن حارثة ابن دينار بن النجار وأخوه الضحاك بن عبد عمرو وسليم بن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار وجابر بن خالد بن مسعود بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار وسعد بن سهيل بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار وكعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن حارثة بن دينار وبجير بن أبي بجير حليف لهم من بني عبس بن بغيض
129

فجميع من شهد بدرا على ما وصفنا من الخرزج بن حارثة مائة وسبعون رجلا وجميع أهل بدر على ما ذكرنا ثلاثمائة رجل وسبعة عشر رجلا وقد ذكرنا من غاب عنها وضرب به رسول الله صلى الله عليه سلم بسهمه وأجره فيها
130

فصل قال الفقيه أبو عمر رضي الله عنه فلما أوقع الله عز وجل بالمشركين يوم بدر واستأصل وجوههم قالوا إن ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى ملكها يدفع إلينا من عنده من أتباع محمد فنقتلهم بمن قتل منا ببدر
بعث مشركي قريش عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة إلى النجاشي وبالإسناد قال الفقيه أبو عمر
أخبرنا عبد الله بن محمد قال أنبأنا محمد بن بكر قال أنبأنا أبو داود قال أنبأنا ابن السرح قال أنبأنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال بلغني أن مخرج عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة إلى أرض الحبشة فيمن كان بأرضهم من المسلمين كان بعد وقعة بدر فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه سلم مخرجهما بعث عمرو بن أمية الضمري من المدينة إلى النجاشي بكتاب
أخبرنا عبد الله بن محمد قال أنبأنا محمد بن بكر قال أنبأنا أبو داود قال أنبأنا محمد بن سلمة المرادي قال أنبأنا ابن وهب قال أخبرني ابن يونس عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعن سعيد بن المسيب وعن عروة بن الزبير
131

أن الهجرة الأولى هجرة المسلمين إلى أرض الحبشة وأنه هاجر في تلك الهجرة جعفر ابن أبي طالب بامرأته أسماء بنت عميس وعثمان بن عفان بامرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه سلم وأبو سلمة بن عبد الأسد بامرأته أم سلمة بنت أبي أمية وخالد بن سعيد بن العاص بامرأته وهاجر فيها رجال من قريش ذوو عدد ليس معهم نساؤهم فلما أري رسول الله دار هجرتهم قال لأصحابه قد أريت دار هجرتكم سبخة ذات نخل بين لابتين وهي المدينة فهاجر إليها من كان معه ورجع رجال من أرض الحبشة حين سمعوا بذلك فهاجروا إلى المدينة منهم عثمان بابنة رسول الله صلى الله عليه سلم وأبو سلمة بامرأته أم سلمة وحبس مكث بأرض الحبشة جعفر بن أبي طالب وحاطب بن الحارث ومعمر بن عبد الله العدوي وعبد الله بن شهاب ورجال ذوو عدد من المهاجرين من قريش الذين هاجروا إلى أرض الحبشة حالت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه سلم الحرب فلما كانت وقعة بدر وقتل الله فيها صناديد الكفار قال كفار قريش إن ثأركم بأرض الحبشة فأهدوا إلى النجاشي وابعثوا إليه رجلين من ذوي رأيكم لعله يعطيكم من عنده من قريش فتقتلونهم بمن قتل منكم ببدر فبعث كفار قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة وأهدوا للنجاشي ولعظماء الحبشة هدايا فلما قدما على النجاشي قبل هداياهم وأجلس معه عمرو بن العاص على سريرة فكلم النجاشي فقال إن بأرضك رجالا منا ليسوا على دينك ولا على ديننا فادفعهم إلينا فقال عظماء الحبشة للنجاشي صدق فادفعهم إليه فقال النجاشي فلا والله لا أدفعهم حتى أكلمهم فأنظر على أي شيء هم فأرسل النجاشي فيهم وأجلس معه عمرو بن العاص على سريره فقال لهم النجاشي ما دينكم أنصارى أنتم قالوا لا قال فما دينكم قالوا ديننا الإسلام قال وما الإسلام قالوا نعبد الله ولا نشرك به شيئا قال ومن جاءكم
132

بهذا قالوا جاءنا به رجل من أنفسنا قد عرفنا وجهه ونسبه أنزل الله عليه كتابه فعرفنا كلام الله وصدقناه قال لهم النجاشي فبم يأمركم قالوا يأمرنا أن نعبد الله ولا نشرك به شيئا ويأمرنا أن نترك ما كان يعبد آباءنا ويأمرنا بالصلاة وبالوفاء وبأداء الأمانة وبالعفاف قال النجاشي فوالله إن خرج هذا إلا من المشكاة التي خرج منها أمر موسى عليه السلام فقال عمرو بن العاص حين سمع ذلك من النجاشي إن هؤلاء يزعمون أن ابن مريم إلهك الذي تعبد عبد فقال النجاشي لجعفر ومن معه من المهاجرين ماذا تقولون في عيسى بن مريم قالوا نقول هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وابن العذراء البتول فخفض النجاشي يده إلى الأرض فأخذ عودا وقال والله ما زاد على ذلك قدر هذا العود فقال عظماء الحبشة والله لئن سمعت الحبشة بهذا لتخلعنك فقال النجاشي والله لا أقول في ابن مريم غير هذا القول أبدا إن الله لم يطع في الناس حين رد إلي ملكي فأنا أطيع الناس في الله معاذ الله من ذلك ارجعوا إلى هذا هديته فوالله لو رشوني دبرا من ذهب ما قبلته والدبر الجبل قال الهروي لا أدري عربي أم لا ثم قال من نظر إلى هؤلاء الرهط نظرة يؤذيهم بها فقد غرم ومعنى غرم هلك في قوله تعالى * (إن عذابها كان غراما) * فخرج عمرو بن العاص وابن أبي ربيعة وسمع رسول الله صلى الله عليه سلم ببعث قريش عمرو بن العاص إلى النجاشي فبعث رسول الله صلى الله عليه سلم عمرو بن أمية الضمري وكتب معه إلى النجاشي فقدم
133

على النجاشي فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه سلم ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين وأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم ثم أمر جعفرا يقرأ عليهم القرآن فقرأ سورة مريم * (كهيعص) * وقاموا تفيض أعينهم من الدمع فهم الذين أنزل الله فيهم * (ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى) * وقرأ عليهم إلى الشاهدين
وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال أنبأنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عمرو المرادي قال أنبأنا سلمة بن الفضل قال حدثني محمد بن إسحاق عن محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي أمنا على ديننا وعبدنا الله عز وجل لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جلدين وأن يهدوا إلى النجاشي ما يستطرف من متاع مكة وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بن وائل وقالوا لهما ادفعا إلى كل بطريق هدية قبل أن تكلما النجاشي فيهم ثم قدما إلى النجاشي هداياه ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم قالت فخرجا حتى قدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار فلم يبق بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي وقالا لكل بطريق إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء خالفوا
134

دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم فإذا كلمنا الملك فيهم فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا يريد أقعد علما بهم العين العلم ههنا أي فوقهم في العلم بهم وأعلى من غيرهم فقالوا لهما نعم ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ثم كلماه فقالا أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك جاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم عليهم وهم أعلى عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه قالت ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي فقالت بطارقته حوله صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه فأسلمهم
إليهم ليرداهم إلى بلادهم وقومهم قال فغضب النجاشي ثم قال لا والله أبدا لا أسلمهم إليهما ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا ببلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني قالت ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم فدعاهم فلما جاءهم رسوله وقال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا نقول والله ما
135

علمنا الله وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن فلما جاءوه وقد دعا النجاشي أساقفته ونشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال لهم ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل قالت فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب فقال أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء إلى الجار ويأكل القوي منا الضعيف كنا على ذلك حتى بعث الله عز وجل إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام قالت فعدد عليه أمور الإسلام وقال فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء له عن الله عز وجل فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما حلل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك وآثرناك على من سواك ورغبنا في جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك قالت فقال هل معك مما جاء به عن الله شيء قال جعفر نعم فقال له النجاشي فاقرأه علي فقرأ عليه * (كهيعص) * قالت فبكى النجاشي حتى والله اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلت لحاهم حين سمعوا ما يتلى عليهم فقال النجاشي إن هذا والذي جاء به موسى
136

ليخرج من مشكاة واحدة انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما أبدا قالت فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص والله لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم قالت فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أبقى الرجلين فينا لا تفعل فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد قالت ثم غدا عليه من الغد فقال أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه قالت فأرسل إليهم ليسألهم عنه قالت ولم ينزل بنا مثلها فاجتمع القوم ثم قال بعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا نقول ما قال الله عز وجل وما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن قالت فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى بن مريم فقال جعفر بن أبي طالب نقول فيه الذي جاءنا به نبينا عليه السلام عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول قالت فضرب النجاشي بيده إلى الأرض وأخذ منها عودا وقال ما عدا عيسى بن مريم مما قلت هذا المقدار قال فتناخرت بطارقته حين قال ما قال فقال وإن نخرتم ثم قال لجعفر وأصحابه اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي والشيوم الآمنون من سبكم غرم ثم قال ما أحب أن لي دبر ذهب وأني آذيت واحدا منكم والدبر بلسان الحبشة الجبل ردوا عليهما هديتهما فلا حاجة لنا فيها فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد إلي ملكي فآخذ الرشوة فيه وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به فأقمنا عنده بخير دار وخير جار قالت فوالله إنا لعلى ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة بنازعه في ملكه قالت فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن
137

حزناه عند ذلك خوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي فيأتينا رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه وسار إليه النجاشي وبينهما عرض النيل قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم من يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر فقال الزبير بن العوام أنا أخرج قالت وكان من أحدث القوم سنا قالت فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم قالت فدعونا الله عز وجل للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير يسعى ويلوح بثوبه ويقول ألا أبشروا فقد ظهر النجاشي وأهلك الله عدوه ومكن له في بلاده قالت فوالله ما علتنا فرحة قط مثلها قالت ورجع النجاشي سالما وأهلك الله عدوه واستوسق له أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه سلم بمكة قال الفقيه الحافظ أبو عمر رضي الله عنه هؤلاء قدموا على رسول الله صلى الله عليه سلم بمكة ثم هاجروا إلى المدينة وجعفر وأصحابه بقوا بأرض الحبشة إلى عام خيبر وقد قيل إن إرسال قريش إلى النجاشي في أمر المسلمين المهاجرين إليها كان مرتين في زمانين المرة الواحدة كان الرسول مع عمرو بن العاص عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي والمرة الثانية كان مع عمرو بن العاص عمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي وقد ذكر الخبر بذلك كله ابن إسحاق وغيره وذكروا ما دار لعمرو مع عمارة بن الوليد من رميه إياه في البحر وسعى عمرو به إلى النجاشي في بعض وصوله إلى بعض حرمه أو خدمه وأنه ظهر ذلك في ظهور طيب الملك عليه وأن الملك دعا بسحرة فسحروه ونفخوا في إحليله فتشرد ولزم البرية وفارق الإنس وهام حتى وصل إلى موضع رام أهله أخذه فيه فلما قربوا منه فاضت نفسه ومات هذا معنى الخبر قال أبو عمرو ولم أر لإيراده على وجهه معنى اكتفاء بما كتبناه في الكتاب ولأن ابن إسحاق قد ذكر بتمامه والله الموفق للصواب
138

غزوة بني سليم ولم يقم رسول الله صلى الله عليه سلم بعد منصرفه عن بدر إلا سبعة أيام ثم خرج بنفسه الكريمة يريد بني سليم واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وقيل ابن أم مكتوم فبلغ ماء يقال له الكدر فأقام عليه ثلاث ليال ثم انصرف ولم يلق أحدا
غزوة السويق ثم إن أبا سفيان بن حرب لما انصرف فل بدر آلى أن يغزو رسول الله صلى الله عليه سلم فخرج في مائتي راكب حتى أتى العريض في طرف المدينة فحرق أصوارا من النخل وقتل رجلا من الأنصار وحليفا له وجدهما في حرث لهما ثم كر راجعا ثم نفر رسول الله صلى الله عليه سلم والمسلمون في أثره واستعمل على المدينة أبا لبابة بن عبد
139

المنذر وبلغ رسول الله صلى الله عليه سلم قرقرة الكدر وفاته أبو سفيان والمشركون وقد طرحوا سويقا كثيرا من أزوادهم يتخففون بذلك فأخذه المسلمون فسميت غزوة
السويق وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة بعد بدر بشهرين وأيام قال المصنف رضي الله عنه ولعمر رضي الله عنه حديث حسن في غزوة قرقرة الكدر يقال إن عمران بن سوادة قال له وهو خليفة إن رعيتك تشكو منك عنف السياف وقهر الرعية فدق على الدرة وجعل يمسح سيورها ثم قال قد كنت مع رسول الله صلى الله عليه سلم في قرقرة الكدر فكنت أرتع فأشبع وأسقي فأروى وأكثر الزجر وأقل الضرب وأرد العنود وأزجر العروض وأصم اللفوت وأسم بالعصا وأضرب باليد ولولا ذلك لأعذرت أي تركت فضيعت يذكر حسن سياسته حينئذ والعنود الحائد والعروض المستصعب من الرجال والدواب والقرقرة الأرض الواسعة الملساء والكدر طيور غبر كأنها القطا
غزوة ذي أمر وأقام رسول الله صلى الله عليه سلم بالمدينة بقية ذي الحجة ثم غزا نجدا يريد غطفان واستعمل على المدينة عثمان بن عفان فأقام صلى الله عليه وسلم بنجد صفرا كله ثم انصرف ولم يلق حربا
140

غزوة بحران فأقام رسول الله صلى الله عليه سلم بالمدينة ربيعا الأول ثم غزا يريد قريشا واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم فبلغ بحران معدنا بالحجاز ولم يلق حربا فأقام هنالك ربيعا الآخر وجمادى الأولى من السنة الثالثة ثم انصرف إلى المدينة
غزوة بني قينقاع ونقض بنو قينقاع من اليهود عقد رسول الله صلى الله عليه سلم فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه سلم وحاصرهم حتى نزلوا على حكمه فشفع فيهم عبد الله بن أبي بن سلول ورغب في حقن دمائهم وألح على رسول الله وتعلق به حتى أدخل يده في جيب درعه فقال أرسلني فقال والله لا أرسلك حتى تحسن إلي في موالي أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع تريد أن تحصدهم في غداة واحدة فشفعه رسول الله صلى الله عليه سلم فيهم وحقن دماءهم وهم قوم عبد الله بن سلام وكان حصاره صلى الله عليه وسلم لهم خمس عشرة ليلة واستخلف على المدينة في تلك المدة أبا لبابة بشير بن عبد المنذر
141

وذكر ابن إسحاق عن عاصم بن عمر وعبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه سلم لما قدم المدينة وادعته اليهود وكتب عنه وعنهم كتابا وألحق كل قوم بحلفائهم وشرط عليهم فيما شرط أن لا يظاهروا عليه أحدا فلما قدم رسول الله صلى الله عليه سلم من بدر أتاه بنو قينقاع فقالوا له يا محمد لا يغرك من نفسك أن نلت من قومك ما نلت فإنه لا علم لهم بالحرب أما والله لو حاربتنا لعلمت أن حربنا ليس كحربهم وأنا لنحن الناس قال ابن إسحاق وكان أول من نقض العهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه سلم وغدر من يهود بنو قينقاع فسار إليهم رسول الله وحاصرهم في حصونهم وقذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكمه صلى الله عليه وسلم
البعث إلى كعب بن الأشرف ولما اتصل بكعب بن الأشرف وهو رجل من نبهان من طيي وأمه من بني النضير قتل صناديد قريش ببدر قال بطن الأرض خير من ظهرها ونهض إلى مكة فجعل يرثي قتلى قريش ويحرض على قتال النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاعرا ثم انصرف إلى موضعه فلم يزل يؤذي رسول الله صلى الله عليه سلم ويدعو إلى خلافه ويسب المسلمين حتى آذاهم فقال رسول الله صلى الله عليه سلم من لي بابن الأشرف فإنه يؤذي الله ورسوله والمؤمنين فقال له محمد بن مسلمة أنا له يا رسول الله أنا أقتله إن شاء الله قال فافعل إن قدرت على
142

ذلك فمكث محمد بن مسلمة أياما مشغول النفس بما وعد رسول الله صلى الله عليه سلم من نفسه في قتل ابن الأشرف وأتى أبا نائلة سلكان بن سلامة بن وقش وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش والحارث بن أوس بن معاذ وأبا عبس بن جبر فأعلمهم بما وعد به رسول الله صلى الله عليه سلم من قتل ابن الأشرف فأجابوه إلى ذلك وقالوا كلنا يا رسول الله نقتله ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه سلم فقالوا يا رسول الله إنه لا بد لنا أن نقول فقال قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل ثم قدموا إلى كعب بن الأشرف أبا نائلة فجاءه وتحدث معه ساعة وتناشدا الشعر وكان أبو نائلة يقول الشعر أيضا فقال له أبو نائلة يا بن الأشرف إني جئت في حاجة أذكرها لك فاكتم علي قال أفعل قال إن قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا فقال كعب أنا ابن الأشرف أما والله لقد كنت أحدثك يا بن سلامة أن أمركم سيصير إلى هذا فقال له سلكان إني أريد أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك ونحسن في ذلك قال أترهنوني أبناءكم أو نساءكم قال لقد أردت أن تفضحنا أنت أجمل العرب فكيف نرهنك نساءنا وكيف نرهنك أبناءنا فيعير أحدهم فيقال رهن وسق ورهن وسقين إن معي أصحابا على
143

مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء وأراد أبو نائلة أن لا ينكر السلاح عليهم إذا أتوه قال إن في الحلقة لوفاء فرجع أبو نائلة إلى أصحابه فأخبرهم الخبر وأمرهم أن يأخذوا السلاح ويأتوا رسول الله صلى الله عليه سلم ففعلوا واجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه سلم فمشى بهم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ورجع عنهم فنهضوا وكانت ليلة مقمرة حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة وكان كعب حديث عهد بعرس فوثب في ملحفة فأخذت امرأته بناحيتها وقالت إنك امرؤ محارب وإن أهل الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة فقال إنه أبو نائلة لو وجدني نائما ما أيقظني فقالت والله إني لأعرف في صوته الشر فقال لها كعب لو دعي الفتى إلى طعنة أجاب فنزل فتحدث معهم ساعة ثم قالوا له يا ابن الأشرف لو رأيت أن نتماشى إلى شعب العجوز فنتحدث به بقية ليلتنا قال إن شئتم فخرجوا يتماشون ثم إن أبا نائلة مس فود رأسه بيده ثم شمها وقال ما رأيت كالليلة طيبا أعطر ثم مشى ساعة وعاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة وعاد لمثلها وأخذ بفودى رأسه وقال اضربوا عدو الله فضربوه بأسيافهم فصاح صيحة منكرة سمعها أهل الحصون فأوقدوا النيران واختلفت سيوفهم فلم تعمل شيئا قال محمد بن مسلمة فذكرت مغولا في سيفي حين رأيت أسيافهم لا تغني فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة أسمعت كل حصن حوله فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته فوقع عدو الله ميتا وأصاب الحارث بن أوس يومئذ جرح في رجله أو في رأسه ببعض سيوف أصحابه
144

فتأخر ونجا أصحابه وسلكوا على دور بني أمية بن زيد إلى بني قريظة إلى بعاث إلى حرة العريض وانتظروا هنالك صاحبهم حتى وافاهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه
سلم في آخر الليل وهو يصلي فأخبروه فتفل في جرح الحارث بن أوس فبرئ وأطلق رسول الله صلى الله عليه سلم المسلمين على قتل اليهود وحينئذ أسلم حويصة بن مسعود وقد كان أسلم أخوه محيصة قبله
غزوة أحد فأقام رسول الله صلى الله عليه سلم بالمدينة بعد قدومه من بحران جمادى الآخرة ورجبا وشعبان ورمضان فغزته كفار قريش في شوال سنة ثلاث وقد استمدوا بحلفائهم والأحابيش من بني كنانة وخرجوا بنسائهم لئلا يفروا عنهن وقصدوا المدينة فنزلوا قرب أحد على جبل على شفير الوادي بقناة مقابل المدينة فرأى رسول الله صلى الله عليه سلم في منامه أن في سيفه ثلمة وأن بقرا له تذبح وأنه أدخل يده في درع حصينة فتأولها أن نفرا من أصحابه يقتلون وأن رجلا من أهل بيته يصاب وأن الدرع الحصينة المدينة فأشار رسول الله صلى الله عليه سلم على أصحابه أن لا يخرجوا إليهم وأن يتحصنوا بالمدينة فإن قربوا منها قاتلوهم على أفواه الأزقة ووافق رسول الله صلى الله عليه سلم على هذا الرأي عبد الله بن أبي بن سلول وأبى أكثر الأنصار إلا الخروج إليهم ليكرم الله من شاء منهم بالشهادة فلما رأى رسول الله صلى الله عليه سلم عزيمتهم دخل بيته فلبس لأمته وخرج
145

وذلك يوم الجمعة فصلى على رجل من بني النجار مات ذلك اليوم يقال له مالك بن عمرو وقيل بل اسمه محرز بن عامر وندم قوم من الذين ألحوا في الخروج وقالوا يا رسول الله إن شئت فارجع فقال رسول الله صلى الله عليه سلم ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل فخرج رسول الله صلى الله عليه سلم في ألف من أصحابه واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة لمن بقي بالمدينة من المسلمين فلما سار رسول الله صلى الله عليه سلم نحو أحد انصرف عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس مغاضبا إذ خولف رأيه فاتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام فذكرهم الله والرجوع إلى رسول الله صلى الله عليه سلم فأبوا عليه فسبهم ورجع عنهم إلى رسول الله صلى الله عليه سلم ونهض رسول الله صلى الله عليه سلم بالمسلمين وذكر له قوم من الأنصار أن يستعينوا بحلفائهم من يهود فأبى عليهم وسلك على حرة بني حارثة وشق أموالهم حتى مشى على مال لمربع بن قيظي وكان ضرير البصر فقام يحثو التراب في وجوه المسلمين ويقول إن كنت رسول الله فلا يحل لك أن تدخل حائطي وأكثر من القول فابتدره أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم ليقتلوه فقال عليه السلام لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب أعمى البصر وضربه سعد بن زيد أخو بني عبد الأشهل بقوسه فشجه في رأسه ونفذ رسول الله صلى الله عليه سلم حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي إلى الجبل فجعل ظهره إلى أحد ونهى الناس عن القتال حتى يأمرهم وسرحت قريش الظهر والكراع في زروع المسلمين بقناة وتعبأ رسول الله صلى الله عليه سلم للقتال وهو في سبعمائة وقيل إن المشركين كانوا في ثلاثة آلاف فيهم مائتا فارس وقيل كان في المسلمين يومئذ خمسون فارسا وكان رماة المسلمين خمسين رجلا وأمر رسول الله صلى الله عليه سلم على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف وهو أخو خوات بن جبير وعبد الله يومئذ معلم
146

بثياب بيض فرتبهم رسول الله صلى الله عليه سلم خلف الجيش وأمره بأن ينضح المشركين بالنبل لئلا يأتوا المسلمين من ورائهم وظاهر رسول الله صلى الله عليه سلم يومئذ بين درعين ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أحد بني عبد الدار وأجاز رسول الله صلى الله عليه سلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ورافع بن خديج ولكل واحد منهما خمس عشرة سنة وكان رافع راميا ورد رسول الله صلى الله عليه سلم يومئذ عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وعرابة بن أوس وزيد بن أرقم وأبا سعيد الخدري ثم أجازهم كلهم عليه السلام يوم الخندق وقد قيل إن بعض هؤلاء إنما رده يوم بدر وأجازه يوم أحد وإنما رد من لم يبلغ خمس عشرة سنة وأجاز من بلغها وجعلت قريش على ميمنتهم في الخيل خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم في الخيل عكرمة بن أبي جهل ودفع رسول الله صلى الله عليه سلم سيفه إلى أبي دجانة الأنصاري سماك بن خرشة الساعدي وكان شجاعا يختال في الحرب وكان أبو عامر المعروف بالراهب وسماه رسول الله صلى الله عليه سلم الفاسق واسمه عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان أحد بني ضبيعة وهو والد حنظلة بن أبي عامر غسيل الملائكة قد ترهب وتنسك في الجاهلية فلما جاء الإسلام غلب عليه الشقاء ففر عن المدينة إذ نزلها رسول الله صلى الله عليه سلم مباعدا لرسول الله صلى الله عليه سلم ومبغضا فيه وخرج إلى مكة في جماعة من فتيان الأوس وشهد يوم أحد مع الكفار ووعد قريشا بانحراف قومه إليه فكان أول من خرج للقاء المسلمين في عبدان أهل مكة والأحابيش فلما
147

نادى قومه وعرفهم بنفسه قالوا لا أنعم الله بك عينا يا فاسق فقال لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتل المسلمين قتالا شديدا وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم يوم أحد أمت أمت وأبلى يومئذ علي وحمزة وأبو دجانة وطلحة بلاء حسنا وأبلى أنس بن النضر يومئذ بلاء حسنا وكذلك جماعة من الأنصار أبلوا وأصيبوا يومئذ مقبلين غير مدبرين وقاتل الناس قتالا شديدا ببصائر ثابتة فانهزمت قريش واستمرت الهزيمة عليهم فلما رأى ذلك الرماة قالوا قد هزم أعداء الله فما لقعودنا ههنا معنى فذكرهم أميرهم عبد الله بن جبير أمر رسول الله صلى الله عليه سلم إياهم بأن لا يزولوا فقالوا قد انهزموا ولم يلتفتوا إلى قوله وقاموا ثم كر المشركون وولى المسلمون وثبت من أكرمه الله منهم بالشهادة ووصل إلى رسول الله صلى الله عليه سلم فقاتل دونه مصعب بن عمير حتى قتل رضي الله عنه وجرح رسول الله صلى الله عليه سلم في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى بحجر وهشمت البيضة على رأسه صلى الله عليه وسلم وجزاه عن أمته بأفضل ما جزى به نبيا من أنبيائه عن صبره وكان الذي تولى ذلك من النبي عليه السلام عمرو بن قمئة الليثي وعتبة بن أبي وقاص وقد قيل إن عبد الله بن شهاب جد الفقيه محمد بن مسلم بن شهاب هو الذي شج رسول الله صلى الله عليه سلم في جبهته وأكبت الحجارة على رسول الله صلى الله عليه سلم حتى سقط في حفرة كان أبو عامر الراهب قد حفرها مكيدة للمسلمين فخر عليه السلام على جنبه فأخذ علي بيده واحتضنه طلحة حتى قام ومص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري من جرح
148

رسول الله صلى الله عليه سلم الدم ونشبت حلقتان من حلق المغفر في وجهه صلى الله عليه وسلم فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح وعض عليهما بثنيتيه فسقطتا وكان الهتم يزينه وأعطى رسول الله صلى الله عليه سلم الراية حين قتل مصعب بن عمير علي بن أبي طالب وصار رسول الله صلى الله عليه سلم تحت راية الأنصار وشد حنظلة
الغسيل بن أبي عامر على أبي سفيان بن حرب فلما تمكن منه حمل شداد بن الأسود الليثي وهو ابن شعوب على حنظلة فقتله وكان جنبا فغسلته الملائكة أخبر بذلك جبريل رسول الله صلى الله عليه سلم وأخبر رسول الله بذلك أصحابه وقال كان حنظلة قد قام من امرأته جنبا فغسلته الملائكة وقتل صاحب لواء المشركين فسقط لواؤهم فرفعته عمرة بنت علقمة الحارثية للمشركين فاجتمعوا إليه وحملوا على رسول الله صلى الله عليه سلم فكر دونه نفر من الأنصار قيل سبعة وقيل عشرة فقتلوا كلهم وكان آخرهم عمارة بن يزيد بن السكن أو زياد بن السكن وقاتل يومئذ طلحة قتالا شديدا وقاتلت أم عمارة الأنصارية وهي نسيبة بنت كعب قتالا شديدا وضربت عمرو بن قمئة بالسيف ضربات فوقاه درعان كانتا عليه وضربها عمرو بالسيف فجرحها جرحا عظيما على عاتقها وترس أبو دجانة بظهره عن رسول الله صلى الله عليه سلم والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك وحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه سلم لسعد بن أبي وقاص ارم فداك أبي وأمي وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان الظفري فأتى رسول الله صلى الله عليه سلم وعينه على وجنته فردها رسول الله صلى الله عليه سلم بيده وغمزها فكانت أجمل عينيه وأصحهما وانتهى أنس بن النضر وهو عم أنس بن مالك يومئذ إلى جماعة من الصحابة قد ألقوا بأيديهم فقال لهم ما يجلسكم قالوا قتل رسول الله صلى الله عليه سلم فقال لهم ما تصنعون بالحياة بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه سلم ثم استقبل
149

الناس ولقي سعد بن معاذ فقال له يا سعد والله إني لأجد ريح الجنة من قبل أحد فقاتل حتى قتل رضي الله عنه وجد به أزيد من سبعين جرحا من بين ضربة وطعنة ورمية فما عرفته إلى أخته ببنانه ميزته وجرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف نحو عشرين جراحة بعضها في رجله فعرج منها رحمه الله إلى أن مات وأول من ميز رسول الله صلى الله عليه سلم بعد الجولة كعب بن مالك الشاعر فنادى بأعلى صوته يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه سلم فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه سلم أن أنصت فلما عرفه المسلمون مالوا إليه وصاروا حوله ونهضوا معه نحو الشعب فيهم أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير والحارث بن الصمة الأنصاري وجماعة من الأنصار فلما أسند رسول الله صلى الله عليه سلم في الشعب أدركه أبي بن خلف الجمحي فتناول صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة ثم طعنه بها في عنقه فكر أبي منهزما فقال له المشركون والله ما بك من بأس فقال والله لو بزق علي لقتلني أليس قد قال بل أنا أقتله وكان قد أوعد رسول الله صلى الله عليه سلم القتل بمكة فقال له رسول الله صلى الله عليه سلم بل أنا أقتلك فمات عدو الله من ضربة رسول الله صلى الله عليه سلم في مرجعه إلى مكة بموضع يقال له سرف وملأ علي درقته من ماء المهراس وأتى به رسول الله ليشربه فوجد فيه رائحة فعافه وغسل به من الدم وجهه ونهض إلى صخرة من الجبل ليعلوها وكان عليه درعان وكان قد بدن فلم يقدر أن يعلوها فجلس له طلحة وصعد رسول الله صلى الله عليه سلم على ظهره ثم استقل به طلحة حتى استوى الصخرة وحانت الصلاة فصلى جالسا والمسلمون وراءه قعودا روى سفيان الثوري ومعمر بن كراع عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جده عن سعد بن أبي وقاص قالت رأيت عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن شماله رجلين عليهما ثياب بيض يوم أحد لم أرهما قبل ولا بعد
150

وانهزم قوم من المسلمين يومئذ منهم عثمان بن عفان فعفا الله عنهم ونزل فيهم * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم) * الآية وكان الحسيل بن جابر العبسي وهو اليمان والد حذيفة بن اليمان وثابت بن وقش شيخين كبيرين قد جعلا في الآطام مع النساء والصبيان فقال أحدهما لصاحبه ما بقي من أعمارنا فلو أخذنا سيوفنا ولحقنا برسول الله صلى الله عليه سلم لعل الله يرزقنا الشهادة وفعلا ذلك فدخلا في جملة المسلمين فأما ثابت بن وقش فقتله المشركون وأما الحسيل فظنه المسلمون من المشركين فقتلوه خطأ وقيل إن ا لذي قتله عتبة بن مسعود وكان حذيفة يصيح والمسلمون قد علوا أباه أبي أبي ثم تصدق بديته على المسلمين وكان مخيريق أحد بني ثعلبة بن الفطيون من اليهود قد دعا اليهود إلى نصر رسول الله صلى الله عليه سلم وقال لهم والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم حق فقالوا له إن اليوم السبت فقال لا سبت لكم وأخذ سلاحه ولحق برسول الله صلى الله عليه سلم فقاتل معه حتى قتل وأوصى أن ماله لرسول الله صلى الله عليه سلم فيقال إن بعض صدقات رسول الله صلى الله عليه سلم بالمدينة من مال مخيريق وكان الحارث بن سويد بن الصامت منافقا لم ينصرف مع عبد الله بن أبي في حين انصرافه عن رسول الله صلى الله عليه سلم في جماعته عن غزاة أحد ونهض مع المسلمين فلما اتلقى المسلمون والمشركون بأحد عدا علي المجذر بن ذياد البلوي وعلى قيس بن زيد أحد بني ضبيعة فقتلهما وفر إلى الكفار وكان المجذر قد قتل في الجاهلية سويد بن الصامت والد الحارث المذكور في بعض حروب الأوس والخزرج ثم لحق الحارث بن سويد مع الكفار بمكة فأقام هناك ما شاء الله ثم حينه الله فانصرف إلى المدينة إلى قومه وأتى رسول الله صلى الله عليه سلم الخبر من السماء نزل جبريل عليه السلام فأخبره أن الحارث بن سويد قد قدم فانهض إليه واقتص منه لمن قتله من المسلمين غدرا يوم أحد فنهض رسول الله
151

صلى الله عليه وسلم إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم فيه فخرج إليه الأنصار أهل قباء في جماعتهم وفي جملتهم الحارث بن سويد وعليه ثوب مورس فأمر رسول الله صلى الله عليه سلم عويم بن ساعدة فضرب عنقه وقال الحارث لم يا رسول الله فقال بقتلك المجذر بن زياد وقيس بن زيد فما راجعه بكلمة وقدمه عويمر فضرب عنقه ثم رجع رسول الله صلى الله عليه سلم ولم ينزل عندهم وكان عمرو بن ثابت بن وقش من بني عبد الأشهل يعرف بالأصيرم يأبى الإسلام فلما كان يوم أحد قذف الله الإسلام في قلبه للذي أراد من السعادة به فأسلم وأخذ سيفه ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم وقاتل حتى أثبت بالجراح ولم يعلم أحد بأمره ولما انجلت الحرب طاف بنو عبد الأشهل في القتلى يلتمسون قتلاهم فوجدوا الأصيرم وبه رمق لطيف فقالوا والله إن هذا الأصيرم ما جاء به لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الأمر ثم سألوه يا عمرو ما الذي جاء بك إلى هذا المشهد أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام فقال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله ورسوله ثم قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه سلم حتى أصابني ما ترون فمات من وقته فذكروه لرسول الله صلى الله عليه سلم فقال هو من أهل الجنة ولم يصل صلاة قط وكان في بني ظفر رجل لا يدرى ممن هو يقال له قزمان أبلى يوم أحد بلاء شديدا وقتل يومئذ سبعة من وجوه المشركين وأثبت جراحا فأخبر رسول الله صلى الله عليه سلم بأمره فقال هو من أهل النار وقيل لقزمان أبشر بالجنة فقال بماذا
وما قاتلت إلا عن أحساب قومي ثم لما اشتد عليه ألم الجراح أخرج سهما من كنانته فقطع به بعض عروقه فجرى دمه حتى مات ومثل بقتلى المسلمين وأخذ الناس ينقلون قتلاهم بعد انصراف قريش فأمر رسول الله صلى الله عليه سلم أن يدفنوا في مضاجعهم بدمائهم وثيابهم لا يغسلون
152

ذكر من استشهد من المهاجرين يوم أحد حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه سلم ورضي الله عن حمزة قتله وحشي بن حرب مولى طعيمة بن عدي بن نوفل وقيل مولى جبير بن مطعم بن عدي وأعتقه مولاه لقتله حمزة وكان وحشي حبشيا يرمي بالحربة رمى الحبشة ثم أسلم وقتل بتلك الحربة مسيلمة الكذاب يوم اليمامة وعبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي حليف بني عبد شمس وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه سلم دفن مع حمزة في قبر واحد وقد ذكرنا خبره عند ذكره في كتاب الصحابة ويعرف بالمجدع في الله لأنه تمنى ذلك قبل الدخول في القتال يوم أحد فقتل وجدع أنفه وأذنه وجعلا في خيط ومصعب بن عمير قتله ابن قمئة الليثي وشماس بن عثمان واسمه عثمان بن عثمان وشماس لقب أربعة من المهاجرين
تسمية من استشهد من الأنصار يوم أحد استشهد يومئذ من الأوس ثم من بني عبد الأشهل عمرو بن معاذ أخو سعد بن معاذ والحارث بن أوس بن معاذ ابن أخي سعد بن معاذ والحارث بن أنس بن رافع وعمارة بن زياد بن السكن وسلمة وعمرو ابنا ثابت بن وقش وأبوهما ثابت بن
153

وقش وأخوه رفاعة بن وقش وصيفي بن قيظي وخباب بن قيظي وعباد بن سهل واليمان بن جابر والد حذيفة بن اليمان واسمه حسيل حليف لهم من عبس وعبيد بن التيهان وحبيب بن زيد وإياس بن أوس بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن زعوراء بن جشم بن عبد الأشهل ومن بني ظفر زيد بن حاطب بن أمية بن رافع ومن بني عمرو بن عوف ثم من بني ضبيعة بن زيد أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن يزيد وحنظلة الغسيل بن أبي عامر الراهب بن صيفي بن النعمان ومن بني عبيد بن زيد أنيس بن قتادة ومن بني ثعلبة بن عمرو بن عوف أبو حبة بن عمرو بن ثابت وهو أخو سعد بن خيثمة لأمه وعبد الله بن جبير بن النعمان أمير الرماة ومن بني السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس خيثمة والد سعد بن خيثمة ومن حلفائهم من بني العجلان عبد الله بن سلمة ومن بني معاوية بن مالك سبيع بن حاطب بن الحارث ومالك بن أوس حليف لهم
154

ومن بني خطمة واسم خطمة عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس عمير بن عدي ولم يكن يومئذ في بني خطمة مسلم غيره في قول بعضهم وقد قيل إن الحارث بن عدي بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة ممن استشهد يومئذ واستشهد يوم أحد من الخزرج ثم من بني النجار عمرو بن قيس بن زيد بن سواد وابنه قيس بن عمرو وثابت بن عمرو بن زيد وعامر بن مخلد وأبو هبيرة بن الحارث بن علقمة وعمرو بن مطرف وإياس بن عدي وأوس بن ثابت أخو حسان بن ثابت وهو والد شداد بن أوس وأنس بن النضر بن ضمضم عم أنس بن مالك وقيس بن مخلد من بني مازن بن النجار وكيسان عبد لهم ومن بني الحارث بن الخزرج خارجة بن زيد أبي زهير وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير ودفنا في قبر واحد وأوس بن الأرقم بن زيد بن قيس أخو زيد بن أرقم ومن بني الأبجر وهم بنو خدرة مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري وسعيد بن سويد بن قيس بن عامر وعتبة بن ربيع بن رافع ومن بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ثعلبة بن سعد بن مالك وثقف بن فروة بن البدن وعبد الله بن عمرو بن وهب بن ثعلبة وضمرة حليف لهم من جهينة ومن بني عوف بن الخزرج ثم من بني سالم عمرو بن إياس ونوفل بن عبد الله وعبادة بن الخشخاش والعباس بن عبادة بن نضلة والنعمان بن مالك بن
155

ثعلبة والمجذر بن ذياد البلوي حليف لهم ودفن النعمان والمجذر وعبادة في قبر واحد ومن بني سواد بن مالك مالك بن إياس ومن بني سلمة عبد الله بن عمرو بن حرام اصطبح الخمر ذلك اليوم ثم قتل آخر النهار شهيدا ثم نزل تحريم الخمر بعد وعمرو بن الجموح بن زيد بن حرام دفنا في قبر واحد كانا صهرين وصديقين متآخيين وابنه خلاد بن عمرو بن الجموح وأبو أسيرة مولى عمرو بن الجموح ومن بني سواد بن غنم سليم بن عمرو بن حديدة ومولاه عنترة وسهل بن قيس بن أبي كعب ومن بني زريق بن عامر ذكوان بن عبد قيس وعبيد بن المعلى بن لوذان وجميعهم سبعون رجلا واختلف في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد ولم يختلف عنه في أنه أمر أن يدفنوا بثيابهم ودمائهم ولم يغسلوا
تسمية من قتل من كفار قريش يوم أحد وقتل من كفار قريش يوم أحد اثنان وعشرون رجلا منهم من بني عبد الدار أحد عشر رجلا طلحة وأبو سعيد وعثمان بنو أبي طلحة واسم أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار قتل طلحة بن أبي طلحة علي وقتل أبا سعيد بن أبي طلحة سعد بن أبي وقاص وقال ابن هشام بل قتله علي وعثمان بن أبي طلحة قتله حمزة ومسافع والحارث والجلاس وكلاب بنو طلحة المذكور قتل مسافعا والجلاس عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وقتل كلابا والحارث قزمان وقيل بل قتل كلابا
156

عبد الرحمن بن عوف وأرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله حمزة وأبو يزيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار أخو مصعب بن عمير قزمان والقاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار قتله قزمان وصؤاب أبي طلحة واختلف في قاتل صؤاب فقيل قزمان وقيل علي وقيل سعد وقيل أبو دجانة ومن بني أسد بن عبد العزى رجلان عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد قتله علي وسباع بن عبد العزى الخزاعي حليف بني أسد ومن بني مخزوم أربعة هشام بن أبي أمية بن المغيرة أخو أم سلمة أم المؤمنين والوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة وخالد بن الأعلم حليف لهم ومن بني زهرة أبو الحكم بن الأخنس بن شريق حليف لهم قتله علي ومن بني جمح رجلان أبي بن خلف قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو عزة واسمه عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقه صبرا وذلك أنه من عليه يوم بدر وأطلقه من الأسرى بلا فداء وأخذ عليه أن لا يعين عليه فنقض العهد وغزاه مع المشركين يوم أحد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول خدعت محمدا مرتين وأمر به فضرب عنقه ومن بني عامر بن لؤي رجلان عبيدة بن جابر قتله ابن مسعود وشيبة بن مالك
157

غزوة حمراء الأسد وكانت وقعة أحد يوم السبت للنصف من شوال من السنة الثالثة من الهجرة فلما كان من الغد يوم الأحد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في إثر العدو وعهد أن لا يخرج معه إلا من حضر المعركة فاستأذنه جابر بن عبد الله في أن يفسح له في الخروج معه ففعل وكان أبوه عبد الله بن عمرو بن حرام ممن استشهد يوم أحد في المعركة فخرج المسلمون على ما بهم من الجهد والقرح وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو حتى بلغ موضعا يدعى حمراء الأسد على رأس ثمانية أميال من المدينة فأقام به يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة قال ابن إسحاق وإنما خرج بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو وليظنوا أن بهم قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم وكان معبد بن أبي معبد الخزاعي قد رأى خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين إلى حمراء الأسد ولقي أبا سفيان وكفار قريش بالروحاء فأخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم ففت ذلك في أعضاد قريش وقد كانوا أرادوا الرجوع إلى المدينة فكسرهم خروجه صلى الله عليه وسلم فتمادوا إلى مكة وظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم في خروجه بمعاوية بن المغيرة بن العاص بن أمية فأمر بضرب عنقه صبرا وهو والد عائشة أم عبد الملك بن مروان
158

بعث الرجيع وقد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر صفر وهو آخر السنة الثالثة من الهجرة نفر من عضل والقارة وهم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة فذكروا له أنهم قد أسلموا ورغبوا أن يبعث معهم نفرا من المسلمين يعلمونهم القرآن ويفقهونهم في الدين فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ستة رجال مرثد بن أبي مرثد الغنوي وخالد بن البكير الليثي وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وخبيب بن عدي وهما من بني عمرو بن عوف وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق حليف بني ظفر وأمر عليهم مرثد بن أبي مرثد فنهضوا مع القوم حتى إذا صاروا بالرجيع وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز استصرخوا عليهم هذيلا وغدروا بهم فلم يرع القوم وهم في رحالهم إلا الرجال قد غشوهم وبأيديهم السيوف فأخذ المسلمون سيوفهم ليقاتلوهم فأمنوهم وأخبروهم أنهم لا أرب لهم في قتلهم وإنما يريدون أن يصيبوا بهم فداء من أهل مكة فأما مرثد بن أبي مرثد وعاصم بن ثابت وخالد بن البكير فأبوا أن يقبلوا منهم قولهم ذلك وقالوا والله لا قبلنا لمشرك عهد أبدا وقاتلوا حتى قتلوا رحمة الله عليهم وكان عاصم بن ثابت قد قتل يوم أحد فتيين من بني عبد الدار أخوين أمهما سلافة بنت
159

سعد بن شهيد فنذرت إن الله أمكنها من رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر فرامت بنو هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة فأرسل الله عز وجل دونه الدبر فحمته فقالوا إن الدبر سيذهب في الليل فإذا جاء الليل أخذناه فلما جاء الليل أرسل الله عز وجل سيلا لم ير مثله فحملة ولم يصلوا إلى جثته ولا إلى رأسه وكان قد نذر أن لا يمس مشركا أبدا فأبر الله عز وجل قسمه ولم يروه ولا وصلوا إلى شيء منه ولا عرفوا له مسقطا وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي وعبد الله بن طارق فأعطوا بأيديهم فأسروهم وخرجوا بهم إلى مكة فلما صاروا بمر الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران ثم أخذ سيفه واستأخر عنه القوم ورموه بالحجارة حتى قتلوه فقبره بمر الظهران وحملوا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فباعوهما بمكة وقد ذكرنا خبر خبيب وما لقي بمكة عند ذكر اسمه في كتاب الصحابة وصلب خبيب رحمه الله بالتنعيم وهو القائل حين قدم ليصلب
* ولست أبالي حين أقتل مسلما
* على أي جنب كان في الله مصرعي
* وذلك في ذات الإله وإن يشأ
* يبارك على أوصال شلو ممزع
* في أبيات قد ذكرتها عند ذكره في كتاب الصحابة وهو أول من سن الركعتين عند القتل وقال له أبو سفيان بن حرب أيسرك يا خبيب أن محمدا عندنا بمكة
160

تضرب عنقه وأنك سالم في أهلك فقال والله ما يسرني أني سالم في أهلي وأن يصيب محمدا شوكة تؤذيه وابتاع زيد بن الدثنة صفوان بن أمية فقتله بأبيه
بعث بئر معونة
أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي رحمه الله قال حدثنا الحسن بن إسماعيل قال حدثنا عبد الملك بن بجير قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا سنيد قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس قال كان شباب من الأنصار يسمعون القرآن ينتحون ناحية من المدينة يحسب أهلوهم أنهم في المسجد ويحسب أهل المسجد أنهم في أهليهم فيصلون من الليل حتى إذا قارب الصبح احتطبوا الحطب واستعذبوا الماء فوضعوه على أبواب حجر النبي صلى الله عليه وسلم قال فبعثهم جميعا إلى بئر معونة فاستشهدوا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على قتلهم أياما قال سنيد وحدثنا حجاج عن ابن جريج عن عكرمة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الأنصاري أحد بني النجار وهو أحد النقباء ليلة العقبة في ثلاثين راكبا من المهاجرين والأنصار فخرجوا فلقوا عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب على بئر معونة وهي من مياه بني عامر فاقتتلوا فقتل المنذر بن عمرو وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم فلم يرعهم إلا الطير تحوم في السماء يسقط من خراطيمها علق الدم فقال أحد النفر قتل أصحابنا والرحمن وذكر سنيد تمام الخبر في ذلك وفي بني النضير وسياق بن إسحاق لخبرهم
161

أحسن وأبين قال ابن إسحاق وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة والمحرم ثم بعث أصحاب بئر معونة في صفر في آخر تمام السنة الثالثة من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد وكان سبب ذلك أن أبا براء الكلابي من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ويعرف بملاعب الأسنة واسمه عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فلم يسلم ولم يبعد وقال يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك لرجوت أن يستجيبوا لك فقال عليه السلام إني أخشى عليهم أهل نجد فقال أبو براء أنا لهم جار فبعث رسول الله صلى
الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الساعدي وهو الذي يعرف بالمعنق ليموت لقب غلب عليه والأكثر يقولون أعنق ليموت في أربعين رجلا من المسلمين وقد قيل في سبعين رجلا من خيار المسلمين منهم الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان أخو أم سليم وأم حرام وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق وأمر على جميعهم المنذر بن عمرو فنهضوا حتى نزلوا بئر معونة بين أرض بني عامر وحرة بني سليم وهي إلى حرة بني سليم أقرب ثم بعثوا منها حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله ثم استصرخ عليهم بني عامر فأبوا أن يجيبوه وقالوا لن نخفر أبا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ قبائل من بني سليم عصية ورعلا وذكوان فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ثم قاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار فإنهم تركوه وبه رمق وارتث
162

من بين القتلى وعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا رحمه الله وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الأنصار من بني عمرو بن عوف وهو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح فنظرا الطير تحوم على العسكر فقالا والله إن لهذه الطير لشأنا فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة فقال المنذر بن محمد الأنصاري لعمرو بن أمية الضمري ما ترى فقال أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر فقال الأنصاري ما كنت لأرغب عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ثم قاتل القوم حتى قتل وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه وخرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بني عامر وقيل من بني سليم حتى نزلا معه في ظل هو فيه وكان معهما عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلم به عمرو بن أمية وكان قد سألهما حين نزلا ممن أنتما قالا من بني عامر فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما وهو يرى أنه قد أصاب منهما ثأره من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر قال لقد قتلت قتيلين كان لهما مني جوار لأدينهما هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا فبلغ أبا براء ما صنع عامر بن الطفيل فشق عليه إخفاره إياه وقال حسان بن ثابت يحرض أبا براء على عامر بن الطفيل
* بني أم البنين ألم يرعكم
* وأنتم من ذوائب أهل نجد
*
163

* تهكم عامر بأبي براء
* ليخفره وما خطأ كعمد
* ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي
* فما أحدثت في الحدثان بعدي
* أبوك أبو الحروب أبو براء
* وخالك ماجد حكم بن سعد
* أم البنين هي أم أبي براء من بني عامر بن صعصعة فحمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح فوقع في فخذه فأشواه ووقع عن فرسه فقال هذا عمل أبي براء إن أنا مت فدمي لعمي فلا يتبعن به وإن أعش فسأرى رأيي
غزوة بني النضير وكان سبب غزوة بني النضير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لعمرو بن أمية لقد قتلت قتيلين لأدينهما خرج إلى بني النضير مستعينا بهم في دية ذنيك القتيلين فلما كلمهم قالوا نعم يا أبا القاسم اجلس حتى تطعم وترجع بحاجتك فنقوم ونتشارو ونصلح أمرنا فيما جئتنا له فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر وعلي ونفر من الأنصار إلى جدار من جدرهم فاجتمع بنو النضير وقالوا من يصعد رجل يصعد على ظهر البيت فيلقي على محمد صخرة فيقتله فيريحنا منه فإنا لن نجده أقرب منه الآن فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فأوحى الله عز وجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ائتمروا به من ذلك فقام ولم يشعر أحدا ممن معه
164

ونهض إلى المدينة فلما استبطأه أصحابه وارث عليهم خبره أقبل رجل من المدينة فسألوه فقال لقيته وقد دخل أزقة المدينة وقالت اليهود لأصحابه لقد عجل أبو القاسم قبل أن نقيم له حاجته فقام أصحابه ولحقوه بالمدينة فأخبرهم بما أوحى الله عز وجل إليه مما أرادت اليهود فعله به وأمر صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتهيىء لقتالهم وحربهم وخرج إليهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وذلك في ربيع الأول أول السنة الرابعة من الهجرة فتحصنوا منه في الحصون فحاصرهم ست ليال وأمر بقطع النخل وإحراقها وحينئذ نزل تحريم الخمر ودس عبد الله بن أبي بن سلول ومن معه من المنافقين إلى بني النضير إنا معكم وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم فاغتروا بذلك فلما جاءت الحقيقة خذلوهم وأسلموهم فألقوا بأيديهم وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكف عن دمائهم ويجليهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح فاحتملوا كذلك إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام وكان ممن سار منهم إلى خيبر أكابرهم حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق فدانت لهم خيبر وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير بين المهاجرين خاصة إلا أنه أعطى منها أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف وكانا فقيرين وإنما قسمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
165

بين المهاجرين لأنهم إذ قدموا المدينة شاطرتهم الأنصار ثمارهم وعلى ذلك بايعوا ليلة العقبة على نصرته ومواساة أصحابه فرد المهاجرون على الأنصار ثمارهم ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمير بن كعب بن عمرو بن جحاش وأبو سعد بن وهب أسلما فأحرزا أموالهما وذكر أن يامين بن عمير جعل جعلا لمن قتل ابن عمه عمرو بن جحاش لما هم به في رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت سورة الحشر في بني النضير قال الله عز وجل * (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر) * إلى قوله * (لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم) * إلى قوله * (وذلك جزاء الظالمين) * فكان إجلاء بني النضير أول الحشر في الدنيا إلى الشام ولذلك قيل الشام أرض الحشر
غزوة ذات الرقاع ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إجلاء بني النضير بالمدينة شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى صدر السنة الرابعة بعد الهجرة ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان واستعمل على المدينة أبا ذر وقيل بل استعمل يومئذ عليها عثمان بن عفان والأول أكثر ونهض عليه السلام حتى نزل نخلا وإنا سميت هذه الغزوة ذات الرقاع لأن
166

أقدامهم نقبت فكانوا يلفون عليها الخرق وقيل بل قيل لها ذات الرقاع لأنهم رقعوا راياتهم فيها ويقال ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع تدعى ذات الرقاع وقيل بل الجبل الذي نزلوا عليه كانت أرضه ذات ألوان من حمرة وصفرة وسواد فسموا غزوتهم تلك ذات الرقاع والله أعلم ولقي النبي صلى الله عليه وسلم بنخل جمعان من غطفان فتواقفوا إلا إنه لم يكن بينهم قتال وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صلاة الخوف وقد أوضحنا اختلاف الروايات في التمهيد في هيئة صلاة الخوف يوم ذات الرقاع وفي انصرافهم من تلك الغزوة أبطأ جمل جابر بن عبد الله فنخسه النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق متقدما بين يدي الركاب ثم قال له أتبيعنيه فابتاعه منه وقال لك ظهره إلى المدينة فلما وصل إلى المدينة أعطاه الثمن ووهب له الجمل لم يأخذه منه وفي هذه الغزاة أتى رجل من بني محارب بن خصفة ليفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط ذلك لقومه وأخذ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلته بعد أن استأذنه في أن ينظر إلى السيف فلما أصلته هم به فصرفه الله عنه ولحقه بهت فقال من يمنعك مني يا محمد قال الله فرد السيف في غمده فقيل فيه نزلت * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم) * الآية وقيل نزلت هذه الآية فيما أراد بنو النضير أن يفعلوا به من رمى الحجر عليه وهو جالس إلى حائط حصنهم
167

غزوة بدر الثالثة وكان أبو سفيان يوم أحد قد نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم موعدنا معكم بدر في العام المقبل فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من ذات الرقاع بالمدينة بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا ثم خرج في شعبان من السنة الرابعة للميعاد المذكور واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول ثم نهض حتى أتى بدرا فأقام هناك ثماني ليال وخرج أبو سفيان بن حرب في أهل مكة حتى بلغ عسفان ثم انصرف واعتذر هو وأصحابه بأن العام عام جدب
غزوة دومة الجندل وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقام بها إلى أن انسلخ ذو الحجة من السنة الرابعة من الهجرة ثم غزا عليه السلام دومة الجندل في ربيع الأول وذلك أول السنة الخامسة من احتلاله المدينة واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة وانصرف عليه السلام من طريقه قبل أن يبلغ دومة الجندل ولم يلق حربا
168

غزوة الخندق ثم كانت غزوة الخندق في شوال من السنة الخامسة وكان سببها أن نفرا من اليهود منهم كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وحيي بن أخطب النضريون وهوذة بن قيس وأبو عمار من بني وائل وهم كلهم يهود وهم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا وجمعوا خرجوا في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل فأتوا مكة فدعوا قريشا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك فأجابهم أهل مكة إلى ذلك ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم فخرجت قريش يقودهم أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري على فزارة والحارث بن عوف المري على بني مرة ومسعود بن رخيلة على أشجع فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم وخروجهم إليه شاور أصحابه فأشار عليه سلمان بحفر الخندق فرضي رأيه وقال المهاجرون يومئذ
169

سلمان منا وقالت الأنصار سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت وعمل المسلمون في الخندق مجتهدين ونكص المنافقون وجعلوا يتسللون لواذا فنزلت فيهم آيات من القرآن ذكرها ابن إسحاق وغيره وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره فأعانه حتى كمل الخندق وكان فيه آيات بينات وعلامات للنبوات مذكورات عند أهل السير والآثار منها أن كدية اعتاصت على المسلمين فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها فضربها بالفأس ضربة طار منها الشرار وقطع منها الثلث وقال الله أكبر فتح قيصر والله إني لأرى القصور الحمر ثم ضرب الثانية فقطع منها الثلث الثاني وقال الله أكبر فتح كسرى والله إني لأرى القصور البيض ثم ضرب الثالثة فقطع الثلث الباقي وقال الله أكبر فتح اليمن والله إني لأرى باب صنعاء وقد نصر الله عبده وصدق وعده والحمد لله رب العالمين
170

فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلت قريش في نحو عشرة آلاف بمن معهم من كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان بمن معها من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى نزلوا بظهر سلع في ثلاثة آلاف وضربوا عسكرهم والخندق بينهم وبين المشركين واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وفي قول ابن شهاب وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري حتى أتى كعب بن أسد القرظي وكان صاحب عقد بني قريظة ورئيسهم وكان قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاقده وعاهده فلما سمع كعب بن أسد بحيي بن أخطب أغلق دونه باب حصنه وأبى أن يفتح له فقال له افتح لي يا كعب بن أسد فقال لا أفتح لك فإنك رجل مشئوم تدعوني إلى خلاف محمد وأنا عاقدته وعاهدته ولم أر فيه إلا وفاء وصدقا فلست بناقض ما بيني وبينه فقال حيي افتح لي حتى أكلمك فأنصرف عنك قال لا
أفعل قال إنما تخاف أن آكل معك جشيشتك فغضب كعب وفتح له فقال هل إنما جئتك بعز الدهر جئتك بقريش وسادتها وغطفان وقادتها قد تعاقدوا على أن يستأصلوا محمدا ومن معه فقال له كعب جئتني والله بذل الدهر وبجهام لا غيث فيه ويحك يا حيي دعني فلست بفاعل ما تدعوني إليه فلم يزل حيي بكعب يعده ويغره حتى رجع إليه وعاهده على خذلان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن يصير معهم وقال له حيي بن أخطب إن
171

انصرفت قريش وغطفان دخلت عندك بمن معي من يهود فلما انتهى خبر كعب وحيي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بعث سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وسيد الأوس سعد بن معاذ وبعث معهما عبد الله بن رواحة وخوات بن جبير وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا إلى بني قريظة فإن كان ما قيل لنا حقا فالحنوا لنا لحنا نعرفه ولا تفتوا في أعضاد المسلمين وإن كان كذبا فاجهروا به للناس فانطلقوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما قيل لهم عنهم ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا لا عهد له عندنا فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه وكانت فيه حدة فقال له سعد بن عبادة دع عنك مشاتمتهم فالذي بيننا وبينهم أكبر من المشاتمة ثم أقبل سعد وسعد حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة المسلمين فقالا عضل والقارة يعرضان بغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبشروا يا معشر المسلمين
172

وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتى المسلمين عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظنوا بالله الظنون وأظهر المنافقون كثيرا مما كانوا يسرون فمنهم من قال إن بيوتنا عورة فلننصرف إليها فإنا نخاف عليها ومن قال ذلك أوس بن قيظي إلا أنه مع ذلك ولد ولدا سيدا فاضلا وهو عرابة بن أوس الذي قال فيه الشاعر
* إذا ما راية رفعت لمجد
* تلقاها عرابة باليمين
* وقد قيل إن له صحبة بالنبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال يعدنا محمد أن نفتح كنز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط وممن قال ذلك معتب بن قشير أحد بني عمرو بن عوف وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصا فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اشتد على المسلمين البلاء بعث إلى عيينة بن حصن الفزاري وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة لينصرفا بمن معهما من غطفان وأهل نجد ويرجعا بقومهما عنهم وكانت هذه المقالة مراوضة ولم تكن عقدا فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما قد أنابا ورضيا أتى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فذكر ذلك لهما واستشارهما فقالا يا رسول الله هذا أمر تحبه فنصنعه لك أو شيء أمرك الله به فنسمع
173

له ونطيع أو أمر تصنعه لنا قال بل أمر أصنعه لكم والله ما أصنعه إلا لأنني قد رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله والله لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إلا بشراء أو قرى فحين أكرمنا الله بالإسلام وهداني له وأعزنا بك نعطيهم أموالنا والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال لهم أنتم وذاك وقال لعيينة والحارث انصرفا فليس لكم عندنا إلا السيف وتناول الصحيفة وليس فيها شهادة فمحاها فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على حالهم والمشركون يحاصرونهم ولا قتال منهم إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود العامري من بني عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب وضرار بن الخطاب الفهري وكانوا فرسان قريش وشجعانهم أقبلوا حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا إن هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فضربوا خيلهم فاقتحمت منه وصاروا بين الخندق وبين سلع وخرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها وأقبلت الفرسان نحوهم وكان عمرو بن عبد ود قد أثبتته الجراح يوم بدر فلم يشهد أحدا وأراد يوم الخندق أن يرى مكانه فلما وقف هو وخيله نادى هل من مبارز فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال له يا عمرو إنك عاهدت الله فيما بلغنا أنك لا تدعى إلى إحدى خلتين إلا أخذت إحداهما قال نعم وقال إني أدعوك لله عز وجل والإسلام قال لا حاجة لي بذلك قال وأدعوك إلى البراز قال يا بن أخي والله ما أحب أن أقتلك لما
174

كان بيني وبين أبيك فقال له علي أنا والله أحب أن أقتلك فحمى عمرو بن عبد ود العامري ونزل عن فرسه وسار نحو علي فتنازلا وتجاولا وثار النقع بينهما حتى حال دونهما فما انجلى النقع حتى رؤي علي على صدر عمرو يقطع رأسه فلما رأى أصحابه أنه قد قتله علي اقتحموا بخيلهم الثغرة منهزمين هاربين وقال علي رضي الله عنه في ذلك
* نصر الحجارة من سفاهة رأيه
* ونصرت دين محمد بضراب
* لا تحسبن الله خاذل دينه
* ونبيه يا معشر الأحزاب
* نازلته وتركته متجدلا
* الجذع بين دكاك وروابي
* ورمي يومئذ سعد بن معاذ بسهم فقطع منه الأكحل رماه حبان بن قيس بن العرقة أحد بني عامر بن لؤي فلما أصابه قال له خذها إليك وأنا ابن العرقة فقال له سعد عرق
الله وجهك في النار وقيل بل الذي رماه أبو أسامة الجشمي حليف بني مخزوم ولحسان بن ثابت مع صفية بنت عبد المطلب خبر طريف يومئذ وكان حسان قد تخلف عن الخروج مع الخوالف بالمدينة ذكره ابن إسحاق وطائفة من أهل السير وقد أنكره منهم آخرون فقالوا لو كان في حسان من الجبن ما وصفتم لهجاه بذلك من كان يهاجيه في الجاهلية والإسلام ولهجي بذلك ابنه عبد الرحمن فإنه كان كثيرا ما يهاجي الناس من شعراء العرب مثل النجاشي وغيره وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي فقال يا رسول الله إني قد أسلمت ولم يعلم قومي بإسلامي فمرني بما شئت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت
175

رجل واحد من غطفان فلو خرجت فخذلت عنا كان أحب إلينا من بقائك فأخرج فإن الحرب خدعة فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة وكان ينادمهم في الجاهلية فقال يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا قل فلست عندنا بمتهم فقال لهم إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم وفيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه فإن رأوا نهزة أصابوا وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ولا طاقة لكم به فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لهم قد عرفتم ودي بكم معشر قريش وفراقي محمدا وقد بلغني أمر أرى من الحق أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا علي قالوا نفعل قال أتعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما كان من خلافهم محمدا وأرسلوا إليه إنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ من قريش وغطفان رهنا رجالا ونسلمهم إليكم لتضربوا أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم ثم أتى غطفان فقال مثل ذلك فلما كانت ليلة السبت وكان ذلك من صنع الله عز وجل لرسوله وللمؤمنين أرسل أبو سفيان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يقول لهم إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا صبيحة غد للقتال حتى نفاجىء محمدا فأرسلوا إليهم إن اليوم السبت وقد علمتم ما نال منا من تعدي في السبت ومع ذلك فلا نقاتل معكم أحدا حتى تعطونا رهنا فلما رجع الرسول بذاك قالوا صدقنا والله نعيم بن مسعود فردوا إليهم الرسل وقالوا والله لا نعطيكم رهنا أبدا فأخرجوا معنا إن شئتم وإلا فلا عهد بيننا وبينكم فقال بنو قريظة صدق والله نعيم بن مسعود وخذل بينهم واختلفت كلمتهم وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال
176

شديدة البرد فجعلت الريح تقلب أبنيتهم وتكفأ قدورهم فلما اتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمرهم بعث حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم فأتاهم واستتر في غمارهم وسمع أبا سفيان يقول يا معشر قريش ليتعرف كل امرئ منكم جليسه قال حذيفة فأخذت بيد جليسي وقلت من أنت فقال أنا فلان ثم قال أبو سفيان يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ولقد هلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة ولقينا من هذه الريح ما ترون ما يستمسك لنا بناء ولا تثبت لنا قدر ولا تقوم لنا نار فارتحلوا فإني مرتحل ووثب على جمله فما حل عقال يده إلا وهو قائم قال حذيفة ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي إذ بعثني وقال لي مر إلى القوم فاعلم ما هم عليه ولا تحدث شيئا لقتلته بسهم ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند رحيلهم فوجدته قائما يصلي فأخبرته فحمد الله ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذهب الأحزاب رجع إلى المدينة ووضع المسلمون سلاحهم فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي على بغلة عليها قطيفة ديباج فقال له يا محمد إن كنتم قد وضعتم سلاحكم فما وضعت الملائكة سلاحها إن الله يأمرك أن تخرج إلى بني قريظة وإني متقدم إليهم فمزلزل بهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي في الناس لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة وكان سعد بن معاذ إذ أصابه السهم دعا ربه فقال اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة
177

غزوة بني قريظة فخرج المسلمون مبادرين إلى بني قريظة فطائفة خافوا فوات الوقت فصلوا وطائفة قالوا والله لا صلينا العصر إلا في بني قريظة فبذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم علم صلى الله عليه وسلم باجتهادهم فلم يعنف واحدا منهم وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية علي بن أبي طالب واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم ونهض علي وطائفة معه حتى أتوا بني قريظة ونازلوهم وسمعوا سب رسول الله فانصرف علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله لا تبلغ إليهم وعرض له فقال له أظنك سمعت منهم شتمي لو رأوني لكفوا عن ذلك ونهض إليهم فلما رأوه أمسكوا فقال لهم نقضتم العهد يا إخوة القرود أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته فقالوا ما كنت جاهلا يا محمد فلا تجهل علينا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم بضعا وعشرين ليلة وعرض عليهم سيدهم كعب بن أسد ثلاث خصال ليختاروا أيها شاءوا إما أن يسلموا ويتبعوا محمدا على ما جاء به فيسلموا قال وتحرزوا أموالكم ونساءكم وأبناءكم فوالله إنكم لتعلمون أنه الذي تجدونه في كتابكم وإما أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم ثم يتقدموا فيقاتلوا حتى يموتوا عن آخرهم وإما أن يبيتوا المسلمين ليلة السبت في حين طمأنينتهم فيقتلوهم قتلا فقالوا له أما الإسلام فلا نسلم ولا نخالف حكم التوراة وأما قتل أبنائنا ونسائنا فما جزاؤهم المساكين منا أن نقتلهم ونحن لا نتعدى في السبت
178

ثم بعثوا إلى أبي لبابة وكانوا حلفاء بني عمرو بن عوف وسائر الأوس فأتاهم فجمعوا إليه أبناءهم ورجالهم ونساءهم وقالوا له يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد فقال نعم وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح إن فعلتم ثم ندم أبو لبابة في الحين وعلم أنه خان الله ورسوله وأنه أمر لا يستره الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى المدينة ولم يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فربط نفسه في سارية وأقسم لا يبرح مكانه حتى يتوب الله عليه فكانت امرأته تحله لوقت كل صلاة قال ابن عيينة وغيره فيه نزلت * (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) * وأقسم أن لا يدخل أرض بني قريظة أبدا مكانا أصاب فيه الذم فلما بلغ ذلك النبي من فعل أبي لبابة قال أما إنه لو أتاني لاستغفرت له وأما إذ فعل فلست أطلقه حتى يطلقه الله فأنزل الله تعالى في أمر أبي لبابة * (وآخرون اعترفوا بذنوبهم) * الآية فلما نزل فيه القرآن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقه ونزل في تلك الليلة التي في صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثعلبة وأسيد ابنا سعية وأسد بن عبيد وهم نفر من هدل بني عم قريظة والنضير وليسوا من قريظة والنضير نزلوا مسلمين فأحرزوا أموالهم وأنفسهم وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي القرظي ومر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه محمد بن مسلمة
179

وكان قد أبي أن يدخل فيما دخل فيه بنو قريظة وقال لا أغدر بمحمد أبدا فقال له محمد بن مسلمة إذ عرفه اللهم لا تحرمني إقالة عثارت الكرام فخرج على وجهه حتى بات في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذهب فلم ير بعد ولم يعلم حيث سقط وذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمره فقال ذلك رجل نجاه الله بوفائه فلما أصبح بنو قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثب الأوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله قد علمت أنهم حلفاؤنا وقد شفعت عبد الله بن أبي بن سلول في بني قينقاع حلفاء الخزرج فلا يكن حظنا أوكس وأنقص عندك من حظ غيرنا فهم موالينا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك إلى سعد بن معاذ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب في مرضه من جرحه الذي أصابه في الخندق فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة أتاه قومه فاحتملوه على حمار وقد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحاطوا به في طريقهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإنما ولاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لتحسن إليهم فقال لهم قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من معه إلى ديار بني عبد الأشهل فنعى إليهم رجال بني قريظة فلما أطل سعد على النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار قوموا إلى سيدكم فقام المسلمون فقالوا يا أبا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم ما حكمت قالوا نعم قال وعلى من هنا من الناحية التي فيها
180

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله إجلالا له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال سعد فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال وتسبى الذراي والنساء وتقسم الأموال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة وأمر بهم رسول الله فأخرجوا إلى موضع سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم أمر بهم النبي عليه السلام فضربت أعناقهم في تلك الخنادق وقتل يومئذ حيي بن أخطب وكعب بن أسد وكانوا من الستمائة إلى السبعمائة وقتل من نسائهم امرأة وهي بنانة امرأة الحكم القرظي التي طرحت الرحى على خلاد بن سويد فقتلته وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل كل من أنبت منهم وترك كل من لم ينبت وكان عطية القرظي من جملة من لم ينبت فاستحياه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مذكور في الصحابة ووهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس ولد الزبير بن باطا فاستحياهم منهم عبد الرحمن بن الزبير أسلم وله صحبة ووهب أيضا عليه السلام رفاعة بن سموءل القرظي لأم المنذر سلمى بنت قيس أخت سليط بن قيس من بني
181

النجار وكانت قد صلت القبلتين فأسلم رفاعة وله صحبة ورواية وقسم عليه السلام أموال بني قريظة فأسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما وقد قيل للفارس سهمان وللراجل سهم وكانت الخيل للمسلمين يومئذ ستة وثلاثون فرسا ووقع للنبي من سبيهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة إحدى بني عمرو بن قريظة فلم تزل عنده إلى أن مات صلى الله عليه وسلم وقيل إن غنيمة قريظة هي أو غنيمة قسم فيها للفارس والراجل وأول غنيمة جعل فيها الخمس لله ورسوله وقد تقدم أن أول ذلك كان في بعث عبد الله بن جحش والله أعلم وتهذيب ذلك أن تكون غنيمة بني قريظة أول غنيمة فيها الخمس بعد نزول قوله تعالى * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) * وكان عبد الله قد خمس قبل ذلك في بعثه ثم نزل القرآن بمثل فعله وذلك من فضائله رحمة الله عليه وقد ذكرنا خبره في بابه من كتاب الصحابة وكان فتح بني قريظة في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة من الهجرة فلما تم أمر بني قريظة أجيبت دعوة الرجل الصالح سعد بن معاذ فانفجر جرحه وانفتح عرقه فجرى دمه ومات رضي الله عنه وهو الذي أتى الحديث فيه أنه اهتز لموته عرش الرحمن يعني سكان العرش من الملائكة فرحوا بقدوم روحه واهتزوا له
ذكر من استشهد من المسلمين يوم الخندق سعد بن معاذ أبو عمرو من بني عبد الأشهل وأنس بن أوس بن عتيك وعبد الله بن سهل وكلاهما أيضا من بني عبد الأشهل والطفيل بن النعمان وثعلبة بن عنمة وكلاهما من بني سلمة وكعب بن زيد من بني دينار بن النجار أصابه سهم غرب فقتله
182

ذكر من قتل من المشركين يوم الخندق وأصيب من المشركين يوم الخندق منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم مات منه بمكة وقد قيل إنما هو عثمان بن أمية بن منبه بن عبيد بن السباق ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي اقتحم الخندق فقتل فيه وعمرو بن عبد ود قتله علي مبارزة
شهداء يوم قريظة واستشهد من المسلمين يوم قريظة خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج طرحت عليه امرأة من بني قريظة رحى فقتلته ومات في الحصار أبو سنان بن محصن فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقبرة بني قريظة التي يتدافن المسلمون السكان بها اليوم ولم يصب غير هذين ولم يغز كفار قريش المسلمين بعد الخندق
بعث عبد الله بن عتيك إلى قتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق اليهودي وانقضى شأن الخندق وقريظة وكان أبو رافع سلام بن أبي الحقيق ممن حزب الأحزاب وألب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف
183

في عداوته رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأوس والخزرج يتصاولان تصاول الفحول لا تصنع الأوس شيئا فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غناء إلا قالت الخزرج والله لا يذهبون بذلك فضلا علينا ولا ينتهون حتى يوقعوا مثله وإذا فعلت الخزرج شيئا كفضل في الإسلام أو بر عند النبي صلى الله عليه وسلم قالت الأوس مثل ذلك فتذاكرت الخزرج من في العدواة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كابن الأشرف فذكروا ابن أبي الحقيق واستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله فأذن لهم فخرج إليه خمسة نفر من الخزرج كلهم من بني سلمة وهم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة بن ربعي ومسعود بن سنان وخزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك ونهاهم عن قتل النساء والصبيان فنهضوا حتى أتوا خيبر ليلا وكان سلام في حصنه ساكنا في دار مع جماعة وهو في علية منها فاستأذنوا عليه فقالت امرأته من أنتم فقالوا أناس من العرب يطلبون الميرة فقالت لهم هذاكم صاحبكم فأدخلوا فلما دخلوا أغلقوا الباب على أنفسهم
فأيقنت بالشر وصاحت فهموا بقتلها ثم ذكروا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان فأمسكوا عنها ثم تعاوروه بأسيافهم وهو راقد على فراشه أبيض في سواد الليل كأنه قبطية ووضع عبد الله بن عتيك سيفه في بطنه حتى أنفذه وهو يقول قطني قطني ثم نزلوا وكان عبد الله بن عتيك سيئي البصر فوقع فوثئت رجله وثئا شديدا فحمله أصحابه حتى أتوا منهرا من منهاهرهم فدخلوا فيه واستتروا وخرج أهل
184

الآطام لصياح امرأته وأوقدوا النيران في كل جهة فلما يئسوا رجعوا فقال أصحاب ابن عتيك كيف لنا أن نعلم أن عدو الله قد مات فرجع أحدهم فدخل بين الناس فسمع امرأة ابن أبي الحقيق تقول والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي وقلت أنى ابن عتيك بهذه البلاد قال ثم إنها نظرت في وجهه فقالت فاظ وإله يهود قال فسررت وانصرفت إلى أصحابي فأخبرتهم بذلك فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه وتداعوا في قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا أسيافكم فأروه إياها فقال عليه السلام عن سيف عبد الله بن أنيس هذا قتله أرى فيه أثر الطعام وحديث البراء بن عازب في قتل ابن أبي الحقيق بخلاف هذا المساق والمعنى واحد
غزوة بني لحيان وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد فتح بني قريظة بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا وربيعا الأول وربيعا الآخر وخرج عليه السلام في جمادى الأولى في الشهر السادس من فتح بني قريظة وهو الشهر الثالث من السنة السادسة من الهجرة قاصدا إلى بني لحيان مطالبا بأثر عاصم بن ثابت وخبيب بن عدي وأصحابهما المقتولين بالرجيع
185

فسلك عليه السلام على طريق الشام من المدينة على جبل يقال له غراب ثم أخذ ذات الشمال ثم سلك المحجة من طريق مكة فأغذ السير حتى أتى وادي غران بين أمج وعسفان وهي منازل بني لحيان فوجدوهم قد حذروا وتمنعوا في رؤوس الجبال فتمادى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مائتي راكب حتى نزل عسفان وبعث صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه فارسين حتى بلغا كراع الغميم ثم كرا ورجعا ورجع صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة وفي غزوة بني لحيان قالت الأنصار المدينة خالية منا وقد بعدنا عنها ولا نأمن عدوا يخالفنا إليها فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أنقاب المدينة ملائكة على كل نقب منها ملك يحميها بأمر الله عز وجل
غزوة ذي قرد ولما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بني لحيان لم يبق بالمدينة إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن في بني عبد الله بن غطفان فاكتسحوا لقاحا كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة وكان فيها رجل من بني غفار وامرأة له فقتلوا الغفاري وحملوا المرأة واللقاح
186

وكان أول من أنذرهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي كان ناهضا إلى الغابة فلما علا ثنية الوداع نظر إلى خيل الكفار وأنذر المسلمين ثم نهض في آثارهم فأبلى بلاء عظيما حتى استنقذ أكثر ما في أيديهم ووقعت الصيحة بالمدينة فكان أول من جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حين الصيحة المقداد بن الأسود ثم عباد بن بشر وسعد بن زيد الأشهليان وأسيد بن ظهير الأنصاري وعكاشة بن محصن الأسدي ومحرز بن نضلة الأسدي الأخرم وأبو قتادة الحارث بن ربعي وأبو عياش الزريقي واسمه عبيد بن زيد بن صامت فلما اجتمعوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم سعد بن زيد وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فرس أبي عياش الزريقي معاذ بن ماعص أو عائذ بن ماعص وكان أحكم للفروسية من أبي عياش فأول من لحق بهم محرز بن نضلة الأخرم فقتل رحمه الله قتله عبد الرحمن بن عيينة بن حصن وكان على فرس لمحمود بن مسلمة أخي محمد بن مسلمة أخذه وكان صاحبه غائبا فلما قتل رجع الفرس إلى آريه في بني عبد الأشهل وقيل بل أخذ الفرس عبد الرحمن بن عيينة إذ قتل محرز بن نضلة عليه وركبه ثم قتل سلمة بن الأكوع عبد الرحمن بن عيينة بالرمي في خرجته تلك واسترجع الفرس وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة وقال إن وجدته لبحرا وانهزم المشركون وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء يقال له ذو قرد ونحر ناقة من لقاحه المسترجعة وأقام على ذلك الماء يوما وليلة وكان الفضل في هذه الغزاة والفعل الكريم والظهور والبلاء الحسن لسلمة بن الأكوع وكلهم ما قصر رضي الله عنهم وكان المشركون قد أخذوا ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء في غارتهم تلك على
187

سرح المدينة نجوا بها وبتلك المرأة الغفارية الأسيرة امرأة الغفاري المقتول وقد قيل إنها لم تكن امرأة الغفاري المقتول وإنما كانت امرأة أبي ذر والأول قول ابن إسحاق وأهل السير قال فنام القوم ليلة وقامت المرأة فجعلت لا تضع شيئا على بعير إلا رغا حتى أتت العضباء فإذا ناقة ذلول فركبتها ونذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة عرفت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بذلك فأرسل إليها فجيء بها وبالمرأة فقالت يا رسول الله نذرت إن نجاني الله أن أنحرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس ما جزيتها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم وأخذ ناقته صلى الله عليه وسلم
غزوة بني المصطلق من خزاعة ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة باقي جمادى الأولى ورجبا ثم غزا بني المصطلق في شعبان من السنة السادسة من الهجرة واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل بل نميلة بن عبد الله الليثي وأغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون وهم على ماء يقال له المريسيع من ناحية قديد مما يلي الساحل فقتل من قتل منهم وسبي النساء والذرية وكان شعارهم يومئذ أمت وقد قيل إن بني المصطلق جمعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغه ذلك خرج إليهم فلقيهم على ماء يقال له المريسيع فاقتتلوا فهزمهم الله والقول الأول أصح أنه أغار عليهم وهم غارون ومن ذلك السبي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس فكابتها فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها
188

وتزوجها وشهدت عائشة رضي الله عنها تلك الغزاة قالت ما هو إلا أن وقفت جويرية بباب الخباء تستعين رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها فنظرت إليها فرأيت على وجهها ملاحة وحسنا فأيقنت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآها أعجبته فما هو إلا أن كلمته فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو خير من ذلك أن أودي كتابتك وأتزوجك قالت وما رأيت أعظم بركة على قومها منها فما هو إلا أن علم المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها فأعتقوا كل ما بأيديهم من سبي بني المصطلق وقالوا أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم سائر بني المصطلق وقد اختلف في وقت هذه الغزاة قيل كانت قبل الخندق وقريظة وقيل كانت بعد
ذلك وهو الصواب إن شاء الله وقتل في هذه الغزاة هشام بن صبابة الليثي خطأ أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة لم يعرفه وظنه من المشركين وفي هذه الغزاة قال عبد الله بن أبي بن سلول لئن رجعنا إلى الندينة ليخرجن الأعز منها الأذل وذلك لشر وقع بين جهجاه بن مسعود الغفاري وكان أجيرا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وبين سنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج فنادى جهجاه الغفاري يا للمهاجرين ونادى الجهني يا للأنصار وبلغ زيد بن أرقم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة عبد الله بن أبي بن سلول فأنكرها ابن أبي فأنزل الله عز وجل فيه سورة المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن أرقم وفت أذنك يا غلام وأخذ بأذنه وتبرأ عبد الله بن عبد الله بن أبي من فعل أبيه وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا رسول الله أنت والله العزيز وهو الذليل أو قال أنت الأعز وهو
189

الأذل وإن شئت والله لنخرجنه من المدينة وقال سعد بن عبادة يا رسول الله إن هذا رجل يحمله حسده على النفاق فدعه إلى عمله وقد كان قومه على أن يتوجوه بالخرز قبل قدومك المدينة ويقدموه على أنفسهم فهو يرى أنك نزعت ذلك منه وقد خاب وخسر إن كان يضمر خلاف ما يظهر وقد أظهر الإيمان فكله إلى ربه وقال عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل أبي فإن كنت تريد ذلك فمرني بقتله فوالله إن أمرتني بقتله لأقتلنه وإني أخشى يا رسول الله إن قتله غيري أن لا أصبر عن طلب الثأر فأقتل مسلما فأدخل النار وقد علمت الأنصار أني من أبر أبنائها بأبيه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له وقال له بر أباك ولا يرى منك إلا خيرا فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى المدينة من تلك الغزاة وقف عبد الله بن عبد الله بن أبي لأبيه بالطريق وقال والله لا تدخل المدينة حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدخول فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخوله وفي هذه الغزاة قال أهل الإفك في عائشة رضي الله عنها ما قالوا فبرأه الله مما قالوا ونزل القرآن ببراءتها ورواية من روى أن سعد بن معاذ راجع في ذلك سعد بن عبادة وهم وخطأ وإنما تراجع في ذلك سعد بن عبادة مع أسيد بن حضير كذلك ذكر ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله وغيره وهو الصحيح لأن سعد بن معاذ مات في منصرف
190

رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة لا يختلفون في ذلك ولم يدرك غزوة المريسيع ولا حضرها وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فقدم عليه مقيس بن صبابة مظهرا للإسلام وطالبا لديه أخيه هشام بن صبابة فأمر له عليه السلام بالدية فأخذها ثم عدا على قاتل أخيه فقتله وفر إلى مكة كافرا وهو أحد الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهم في حين دخوله مكة ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق بعد إسلامهم بأكثر من عامين الوليد بن عقبة بن أبي معيط مصدقا لهم فخرجوا ليتلقوه ففزع منهم وظن أنهم يريدونه بسوء فرجع عنهم وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم ارتدوا ومنعواالزكاة وهموا بقتله فتكلم المسلمون في غزوهم فبينما هم كذلك إذ قدم وافدهم منكرا لرجوع مصدقهم عنهم دون أن يأخذ صدقاتهم وأنهم إنما خرجوا إليه مكرمين له فأكذبه الوليد بن عقبة فأنزل الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) * يعني الوليد بن عقبة * (فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة) * الآية
عمرة الحديبية فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة منصرفه من غزوة بني المصطلق رمضان وشوالا وخرج في ذي القعدة معتمرا فاستنفر الأعراب الذين حول المدينة فأبطأ عنه أكثرهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن اتبعه من العرب
191

وجميعهم نحو ألف وأربعمائة وقيل ألف وخمسمائة وساق معه الهدي وأحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرة ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب فلما بلغ خروجه قريشا خرج جمعهم صادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام ودخول مكة وأنه إن قاتلهم قاتلوا دون ذلك وقدموا خالد بن الوليد في خيل إلى كراع الغميم فورد الخبر بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعسفان فسلك طريقا يخرج منه في ظهورهم وخرج إلى الحديبية من أسفل مكة وكان دليله فيه رجلا من أسلم فلما بلغ ذلك خيل قريش التي مع خالد جرت إلى قريش تعلمهم بذلك ولما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية بركت ناقته صلى الله عليه وسلم فقال الناس خلأت خلأت فقال النبي عليه السلام ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة رحم إلا أعطيتهم إياها ثم نزل صلى الله عليه وسلم هنالك فقيل يا رسول الله ليس بهذا الوادي ماء فأخرج عليه السلام سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش الماء الرواء حتى كف جميع أهل الجيش وقيل إن الذي نزل بالسهم في القليب ناجية بن جندب بن عمير الأسلمي وهو سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ وقيل نزل بالسهم في القليب البراء بن عازب
192

ثم جرت الرسل والسفراء بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش وطال التراجع والتنازع إلى أن جاءه سهيل بن عمرو العامري فقاضاه على أن ينصرف عليه السلام عامه ذلك فإذا كان من قابل أتى معتمرا ودخل هو وأصحابه مكة بلا سلاح حاشا السيوف في قربها فيقيم بها ثلاثا ويخرج وعلى أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا على أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلما من رجل أو امرأة رد إلى الكفار ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدا لم يردوه إلى المسلمين فعظم ذلك على المسلمين حتى كان لبعضهم فيه كلام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما علمه الله من أنه سيجعل للمسلمين فرجا فقال لأصحابه اصبروا فإن الله يجعل هذا الصلح سببا إلى ظهور دينه فأنس الناس إلى قوله بعد نفار منهم وأبي سهيل بن عمرو أن يكتب في صدر صحيفة الصلح من محمد رسول الله وقال له لو صدقناك بذلك ما دفعناك عما تريد ولا بد أن يكتب باسمك اللهم فقال لعلي وكان كاتب صحيفة الصلح امح يا علي واكتب باسمك اللهم وأبى علي أن يمحو بيده رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اعرضه علي فأشار إليه فمحاه صلى الله عليه وسلم بيده وأمره أن يكتب من محمد بن عبد الله وأتى أبو جندل بن سهيل يومئذ بأثر كتاب الصلح وهو يرسف في قيوده فرده صلى الله عليه وسلم على أبيه فعظم ذلك على المسلمين فأخبرهم صلى الله عليه وسلم وأخبر أبا جندل أن الله سيجعل له فرجا ومخرجا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث عثمان بن عفان إلى مكة رسولا فجاء خبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل مكة قتلوه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
193

حينئذ المسلمين للمبايعة على الحرب والقتال لأهل مكة وروي أنه بايعهم على أن لا يفروا وهي بيعة الرضوان تحت الشجرة التي أخبر الله عز وجل أنه رضي عن المبايعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يدخلون النار وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيمينه على شماله لعثمان وقال هذه عن عثمان فهو كمن شهدها ذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال أو من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أبو سنان الأسدي وذكر ابن هشام عن وكيع كانت قريش قد جاء منهم نحو سبعين أو ثمانين رجلا للإيقاع بالمسلمين وانتهاز الفرصة في أطرافهم ففطن المسلمون لهم فخرجوا فأخذوهم أسرى وكان ذلك والسفراء يمشون بينهم في الصلح فأطلقهم رسول الله فهم الذين يسمون العتقاء وإليهم ينسب العتقيون فيم يزعمون ومنهم معاوية وأبوه فيما ذكروا فلما تم الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة الذي تولى عقده لهم سهيل بن عمرو على ما ذكروا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن ينحروا ويحلوا ففعلوا بعد توقف كان بينهم أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام لو نحرت لنحروا فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه فنحروا بنحره وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة قيل إن الذي حلق رأسه صلى الله عليه وسلم يومئذ خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأتاه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي حليف لبني زهرة هاربا من مكة مسلما وكان ممن حبس بمكة مع المسلمين فبعث فيه الأزهر بن عبد عوف عم عبد الرحمن بن عوف والأخنس بن شريق الثقفي رجلا
194

من بني عامر بن لؤي ومولى لهم فأتيا النبي عليه السلام فأسلمه إليهما على ما عقد في الصلح فاحتملاه فلما صاروا بذي الحليفة قال أبو بصير لأحد الرجلين أرى سيفك هذا سيفا جيدا فأرنيه فلما أراه إياه ضرب به العامري فقتله وفر المولى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا رجل مذعور ولقد أصاب هذا ذعر فلما وصل إليه أخبره بما وقع وقال غدر بنا وبينما هو يكلمه إذ وصل أبو بصير فقال يا رسول الله قد وفت ذمتك وأطلقني الله عز وجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلمه مسعر حرب لو كان له رجال أو قال أصحاب فعلم أبو بصير أنه سيرده فخرج حتى أتى سيف البحر موضعا يقال له العيص من ناحية ذي المروة على طريق قريش إلى الشام فجعل يقطع على رفاقهم واستضاف إليه قوما من المسلمين الفارين عن قريش منهم أبو جندل بن سهيل فجعلوا لا يتركون لقريش عيرا ولا ميرة ولا مارا إلا قطعوا بهم فكتبت في ذلك قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا نرى أن تضمهم إليك إلى المدينة فقد آذونا وأنزل الله تعالى بعد ذلك القرآن بفسخ الشرط المذكور في رد النساء فمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ردهن ثم نزلت سورة براءة فنسخ ذلك كله ورد على كل ذي عهد عهده وأن يمهلوا أربعة أشهر ومن لم يستقم على عهده لا يستقام له وهاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط فأتى أخواها عمارة والوليد فيها ليؤدوها فمنع الله عز وجل من رد النساء المؤمنات إلى الكفار إذا امتحن فوجدن مؤمنات وأخبر أن ذلك
195

لا يحل وأمر المؤمنين أيضا أن لا يمسكوا بعصم الكوافر ولا ينكحوا المشركات يعني الوثنيات حتى يؤمن
غزوة خيبر وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم وخرج في بقية منه غازيا إلى خيبر ولم يبق من السنة السادسة من الهجرة إلا شهر وأيام واستخلف على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي وذكر موسى بن عقبة قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة منصرفه من الحديبية مكث عشرين يوما أو قريبا منها ثم خرج غازيا إلى خيبر وكان الله عز وجل وعده إياها وهو بالحديبية قال أبو عمر قال الله عز وجل في أهل الحديبية * (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما) * فلم يختلف العلماء في أنها البيعة بالحديبية قال ابن قتيبة وقتادة وعكرمة وغيرهم كانت الشجرة سمرة كانت بالحديبية وعلم ما في قلوبهم من الرضا بأمر البيعة على أن لا يفروا واطمأنت بذلك نفوسهم * (وأثابهم فتحا قريبا) * خيبر ووعدهم المغانم فيها * (ومغانم كثيرة يأخذونها) * وقد روي عن ابن عباس ومجاهد في قوله * (وعدكم الله مغانم كثيرة) * أنها المغانم التي تكون إلى يوم القيامة وقالوا في قوله
196

* (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها) * فارس والروم وما افتتحوا إلى اليوم وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى قال وقوله * (فتحا قريبا) * خيبر رجع الخبر إلى ابن إسحاق قال فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر دفع رايته وكانت بيضاء إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخذ طريق الصهباء إلى وادي الرجيع فنزل بين خيبر وغطفان لئلا يمدوهم لأنه بلغه أن غطفان تريد إمداد يهود خيبر ولما خرجوا لإمدادهم اختلفت كلمتهم وأسمعهم الله عز وجل حسا من ورائهم وهذا راعهم وأفزعهم فانصرفوا إلى ديارهم فأقاموا بها وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أشرف على خيبر مع الفجر وعمالهم غادون بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش نادوا محمد والخميس معه وأدبروا هرابا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين وتحصنت يهود في حصونهم وكانت حصونا كثيرة فكان أول حصن افتتحوه حصنا يسمى ناعما وعنده قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة ألقيت عليه رحى فشدخته رحمه الله ثم حصنا يدعى القموص وهو حصن بني أبي الحقيق ومن سبايا ذلك الحصن كانت صفية بنت حيي بن أخطب وكانت تحت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أصابها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنتي عم لها فوهب صفية لدحية بن خليفة الكلبي ثم ابتاعها منه بسبعة أرؤس ثم أردفها خلفه وألقى عليها رداءه فعلم أصحابه أنه اصطفاها لنفسه وجعلها عند أم سليم حتى اعتدت وأسلمت ثم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها وهذه مسألة اختلف الفقهاء فيها فمنهم من جعل ذلك خصوصا له كما خص بالموهوبة ومنهم من جعل ذلك سنة لمن شاء من أمته ثم فتح حصن الصعب بن معاذ ولم يكن في حصون خيبر أكثر طعام
197

وود كأمنه ووقف إلى بعض حصونهم فامتنع عليهم فتحه ولقوا فيه شدة فأعطى رايته أبا بكر الصديق فنهض بها وقاتل واجتهد ولم يفتح عليه ثم أعطى الراية عمر فقاتل ثم رجع ولم يفتح له وقد جهد فحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار يفتح الله عز وجل على
يديه فلما أصبح دعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال خذ الراية فامض بها حتى يفتح الله بها عليك ذكر هذا الخبر ابن إسحاق قال قال حدثني بريدة بن سفيان بن فروة عن أبيه سفيان عن سلمة بن الأكوع وذكر من حديث أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته إلى حصن من حصون خيبر فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله وقاتلهم فضربه رجل من يهود فألقى ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده فلقد رأيتني في نفر معي سيفه وأنا ثامنهم نجتهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه وذكر ابن إسحاق من رواية يونس بن بكير وزياد وإبراهيم بن سعد والأموي عنه عن عبد الله بن سهل قال أخو بني حارثة عن جابر بن عبد الله وبعضهم يرويه عن ابن إسحاق عن عبد الله بن سهل عن جابر ولم يشهد جابر خيبر أن محمد بن مسلمة هو الذي قتل مرحبا اليهودي بخيبر قال ابن إسحاق فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لهذا يعني مرحبا اليهودي فقال محمد بن مسلمة أنا له يا رسول الله أطلب الثأر قتل أخي بالأمس قال فقم إليه فنهض إليه محمد بن مسلمة فتقاتلا وكانا يستتران بشجرة فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه كلما لاذ بها منه اقتطع بسيفه ما دونه منها حتى ذهبت أغصانها وبرز كل واحد منهما
198

لصاحبه وحمل مرحب على محمد بن مسلمة فضربه فاتقاه بالدرقة فوقع سيفه فيها فعضت به وأمسكته وضربه محمد فقتله ثم انصرف ثم برز أخو مرحب واسمه ياسر فدعا إلى البراز فخرج إليه الزبير هذا ما ذكره ابن إسحاق في قتل مرحب اليهودي بخيبر وخالفه غيره فقال بل قتله علي بن أبي طالب وهو الصحيح عندنا
حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هارون بن عبد الله قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عن عبد الله بن أبي بريدة عن أبيه أبي بريدة الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزل بحصن خيبر لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه اللواء ونهض معه الناس فلقوا أهل خيبر فإذا مرحب بين أيديهم يرتجز
* قد علمت خيبر أني مرحب
* شاكي السلاح بطل مجرب
* إذا السيوف أقبلت تلهب
* أطعن أحيانا وحينا أضرب
* فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه علي على رأسه حتى عض السيف بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته قال فما تتام الناس حتى فتحوا لهم
حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا هاشم بن القاسم قال حدثنا عكرمة بن عمار قال حدثني إياس بن سلمة الأكوع قال أخبرني أبي قال لما خرج عمي عامر بن سنان إلى خيبر بارز يوما مرحبا اليهودي فقال مرحب
* قد علمت خيبر أني مرحب
* شاكي السلاح بطل مجرب
* إذا الحروب أقبلت تلهب
* أطعن أحيانا وحينا أضرب
*
199

وقال عمي
* قد علمت خيبر أني عامر
* شاكي السلاح بطل مغاور
* فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر ورجع سيف عامر على مسافة فقطع أكحله فكانت فيها نفسه قال سلمة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إلي علي بن أبي طالب وقال لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فجئت به أقوده أرمد فبصق النبي صلى الله عليه وسلم في عينيه ثم أعطاه الراية فخرج مرحب يخطر بسيفه وقال
* قد علمت خيبر أني مرحب
* شاكي السلاح بطل مجرب
* إذا الحروب أقبلت تلهب
* وقال علي رضي الله عنه
* أنا الذي سمتني أمي حيدرة
* كليث غابات كريه المنظره
* أوفيهم بالصاع كيل السندرة
* ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يد علي قال ابن إسحاق وآخر ما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم الوطيح والسلالم وقال موسى بن عقبة
حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حصون خيبر بضع عشرة ليلة وكان بعضها صلحا وأكثرها عنوة ذكر ذلك عن ابن شهاب وقال ابن إسحاق قسم رسول الله أرض خيبر كلها لأنه غلب على جميعها عنوة وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر في حصنهم الوطيح حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ففعل
200

مقاسم خيبر وأموالها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم إلا ما كان من ذينك الحصنين فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله يسألونه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ويحلوا له الأموال ففعل وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود أخو بني حارثة قال فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله أن يعاملهم في الأموال على النصف فعاملهم وقال لهم على أنا إذا شئئنا أن نخرجكم أخرجناكم فصالحه أهل فدك على مثل ذلك وكانت خيبر فيئا بين المسلمين وكانت فدك خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب قال أبو عمر هذا هو الصحيح في أرص خيبر أنها كانت عنوة كلها مغلوبا عليها بخلاف فدك وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم جميع أرضها على الغانمين لها الموجفين بالخيل والركاب وهم أهل الحديبية ولم يختلف العلماء في أن أرض خيبر مقسومة وإنما اختلفوا هل تقسم الأرض إذا غنمت البلاد أو توقف فقال الكوفيون الإمام مخير بين قسمتها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض خيبر وبين إيقافها كما فعل عمر بسواد العراق وقال
201

الشافعي تقسم الأرض كلها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار وذهب مالك إلى إيقافها اتباعا لعمر لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة بما فعل عمر في جماعة من الصحابة في إيقافها لمن يأتي بعده من المسلمين وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر يقول لولا أن يترك آخر الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها سهمانا كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر سهمانا وهذا يدل على أن أرض خيبر قسمت كلها سهمانا كما قال ابن إسحاق وأما قول من قال إن خيبر كان بعضها صلحا وبعضها عنوة فقد وهم وغلط وإنما دخلت عليه الشبهة بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظن أن ذلك صلح ولعمري إنه في الرجال والنساء والذرية لضرب من الصلح ولكنهم لم يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال فكان حكم أرض ذينك الحصنين كحكم سائر أرض خيبر كلها غنيمة مغلوبا عليها عنوة مقسومة بين أهلها وربما شبه على من قال إن نصف خيبر صلح ونصفها عنوة بحديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر نصفين نصفا له ونصفا للمسلمين وهذا لو صح لكان معناه أن النصف له مع سائر من وقع في ذلك النصف معه لأنها قسمت على ستة وثلاثين سهما فوقع سهم النبي صلى الله عليه وسلم وطائفة معه في ثمانية عشر سهما منها ووقع سائر الناس في باقيها وكلهم ممن شهد الحديبية ثم شهد خيبر وليست الحصون التي أسلمها أهلها بعد الحصار والقتال صلحا ولو كانت صلحا لملكها أهلها كما يملك أهل الصلح أراضيهم وسائر أموالهم فالحق في
202

هذا والصواب ما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى وغيره عن ابن شهاب والله أعلم قال أبو عمر قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وأخرج الخمس مما قسم ولم يقدر أهلها على عمارتها وعملها فأقر اليهود فيها على العمل في النخل والأرض وقال لهم أقركم ما أقركم الله ثم أذن الله له في مرضه الذي مات فيه بإخراجهم فقال لا يبقين دينان بأرض العرب وقال عليه السلام أخرجوا اليهود والنصارى من أرض الحجاز ولم يكن بقي يومئذ بها مشرك وثنى ولا بأرض اليمن أيضا إلا أسلم في ستة تسع وسنة عشر فلما بلغ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته قوله عليه السلام أخرجوا اليهود والنصارى من أرض العرب أجلاهم عنها فأخذ المسلمون سهامهم في خيبر فتصرفوا فيها تصرف المالكين قال ابن إسحاق وكان المتولي للقسمة بخيبر جبار بن صخر الأنصاري من بني سلمة وزيد بن ثابت من بني النجار كانا حاسبين قاسمين وكانت قسمة خيبر لأهل الحديبية من حضر الوقيعة بخيبر ومن لم يحضرها لأن الله أعطاهم ذلك في سفر الحديبية ولذلك قال موسى بن عقبة لم يقسم من خيبر شيء إلا لمن شهد الحديبية وروى ذلك عن جماعة من السلف
203

قال ابن إسحاق فوقع سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وعاصم بن عدي وسهام بني سلمة وسهام بني حارثة وبني ساعدة وبني النجار وغفار وأسلم وجهينة واللفيف كلها وقعت في الشق ووقع سهم أبي بكر والزبير وسهام بني بياضة وبني الحارث بن الخزرج ومزينة بالنطاة ولذكر سهامهم وأقسامهم موضع غير هذا وكان عبيد بن أوس من بني حارثة قد اشترى يومئذ من سهام الناس سهاما كثيرة فسمى يومئذ عبيد السهام واشترى عمر بن الخطاب مائة سهم من سهام المسلمين فهي صدقته الباقية إلى اليوم وأما فدك فلم يوجف عليها بخيل ولا ركاب فكانت كبني النضير خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن العجب قول من قال إن الكتيبة لم تفتح عنوة وإنها من صدقات النبي عليه السلام إلا أن ينزل سهم النبي عليه السلام فيها مع المؤمنين وإلا فلا وجه لقوله غير هذا وبالله التوفيق وفي غزوة خيبر حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية لم تختلف الآثار في ذلك واختلف في حين تحريم المتعة بعد إباحتها وقد ذكرنا الآثار بذلك في التمهيد وفيها أهدت اليهودية زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاة المصلية وسمت له منها الذراع وكان أحب اللحم إليه صلى الله عليه وسلم فلما تناول الذراع ولاكها لفظها ورمى بها وقال إن هذا العظيم يخبرني أنه مسموم ودعا باليهودية فقال ما حملك على هذا فقالت أردت أن أعلم إن كنت نبيا وعلمت أن الله إن أراد بقاءك أعلمك فلم يقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل من الشاة معه بشر بن البراء بن معرور فمات من أكلته تلك وكان المسلمون يوم خيبر ألفا وأربعمائة راجل ومائتي فارس
204

تسمية من استشهد من المسلمين يوم خيبر ربيعة بن أكثم بن سخبرة الأسدي من بني غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وثقف بن عمرو ورفاعة بن مسروح وكلهم من بني أسد حلفاء لبني عبد شمس ومسعود بن ربيعة القاري من القارة حليف لبني زهرة وعبد الله بن الهبيب ويقال ابن أهيب الليثي حليف لبني أسد بن عبد العزي بن قصي وابن
أختهم وبشر بن البراء بن معرور من بني سلمة مات من أكله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاة المسمومة وفضيل بن النعمان من بني سلمة أيضا ومسعود بن سعد بن قيس الأنصاري الزرقي ومحمود بن مسلمة بن خالد أخو محمد بن مسلمة من الأوس حليف لبني عبد الأشهل وأبو ضياح ثابت بن ثابت بن النعمان من بني عمرو بن عوف من أهل قباء ومبشر بن عبد المنذر بن دينار من بني مالك بن عمرو بن عوف والحارث بن حاطب وأوس بن قتادة وعروة بن مرة بن سراقة وأوس بن الفاكه وأنيف بن حبيب وثابت بن واثلة بن طلحة والأسود الراعي واسمه أسلم وكل هؤلاء من بني عمرو بن عوف ومن بني غفار عمارة بن عقبة بن حارثة أصابه سهم فقتله ومن أسلم عامر بن الأكوع
205

قدوم بقية المهاجرين إلى الحبشة وقد جعفر بن أبي طالب في جماعة من أرض الحبشة بإثر فتح خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما أدري أبقدوم جعفر أنا أسر وأفرح أم بفتح خيبر وقدم مع جعفر امرأته أسماء بنت عميس وابنها عبد الله بن جعفر وخالد بن سعد بن العاصي بن أمية معه امرأته أمينة بنت خلف وابناها سعيد وأمة وعمرو بن سعيد بن العاصي بن أمية وكانت امرأته فاطمة بنت صفوان الكنانية قد ماتت بأرض الحبشة ومعيقيب بن أبي فاطمة حليف آل سعيد بن العاصي وأبو موسى الأشعري قبل إنه حليف عتبة بن ربيعة والأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل العبدري وابناه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم وكانت امرأة جهم بن قيس أم حرملة بنت عبد الأسود قد هلكت بأرض الحبشة والحارث بن خالد بن صخر التيمي وكانت امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة قد هلكت بأرض الحبشة وعثمان بن ربيعة بن أهبان الجمحي ومحمية بن جزء الزبيدي حليف لبني سهم بن هصيص ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس ومعمر بن عبد الله بن نضلة العدوي وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس العامري ومالك بن رمعة بن قيس العامري ومعه امرأته عمرو بنت السعدي بن وقدان وطائفة معهم وقد أتى من مهاجرة قبل ذلك بسنتين سائرهم وكان هؤلاء آخر من بقي بها منهم
206

فتح فدك ولما اتصل بأهل فدك ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأهل خيبر بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤمنهم فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وكانت فدك مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب مما أفاء الله عليه بما نصره به عن الرعب فلم يقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعها حيث أمره الله عز وجل قال ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفايا بني النضير وخيبر وفدك
فتح وادي القرى وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى فافتتحها عنوة وقسمها وأصيب بها غلام له أسود يسمى مدعما أصابه سهم غرب فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال النبي عليه السلام كان والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم وإنها لتشتعل عليه الآن نارا
207

عمرة القضاء فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر أقام بها شهري ربيع وشهري جمادى ورجبا وشعبان ورمضان وشوالا وبعث في خلال ذلك السرايا ثم خرج عليه السلام في ذي القعدة من السنة السابعة من الهجرة قاصدا إلى مكة للعمرة على ما عاقد عليه قريشا في الحديبية فلما اتصل ذلك بقريش خرج أكابرهم عن مكة عداوة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يقدروا على الصبر في رؤيته يطوف بالبيت هو وأصحابه فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأتم الله عمرته وقعد بعض المشركين بقعيقعان ينظرون إلى المسلمين وهن يطوفون بالبيت فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرمل ليرى المشركين أن بهم قوة وكان المشركون قالوا في المهاجرين قد وهنتهم حمى يثرب وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته تلك ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية قيل تزوجها قبل أن يحرم بعمرة القضاء وقيل بل تزوجها وهو محرم وقد أوضحنا ذلك في كتاب التمهيد وفي كتاب الصحابة أيضا عند ذكرها رضي الله عنها فلما تمت الثلاثة أيام أوجبت عليه قريش أن يخرج عن مكة ولم يمهلوه أن يبني بها وبنى بها بسرف
إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وقيل أسلم قبل عمرة القضاء وقيل بعدها عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة
208

غزوة مؤتة فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرة القضاء أقام بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع ثم بعث عليه السلام في جمادى الآخرة من السنة الثامنة من الهجرة بعث الأمراء إلى الشام وأمر على الجيش زيد بن حارثة مولاه وقال إن قتل أو أصيب فعلى الناس جعفر بن أبي طالب فإن قتل فعبد الله بن رواحة وشيعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وودعهم ثم انصرف ونهضوا فلما بلغوا معان من أرض الشام أتاهم الخبر بأن هرقل ملك الروم في ناحية البلقاء وهو في مائة ألف من الروم ومائة ألف أخرى من نصارى العرب أهل البلقاء من لخم وجذام وقبائل قضاعة من بهراء وبلى وبلقين وعليهم رجل من بني إراشة من بلي يقال له مالك بن رافلة فأقام المسلمون في معان ليلتين وقالوا نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونخبره بعدد عدونا فيأمرنا بأمره أو يمدنا فقال لهم عبد الله بن رواحة يا قوم إن التي تطلبون قد أدركتموها يعني الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فهي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة فوافقه الجيش كله على هذا الرأي ونهضوا حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقوا الجموع التي ذكرناها كلها مع هرقل إلى
209

جنب قرية يقال لها مشارف وصار المسلمون في قرية يقال لها مؤتة فجعل المسلمون على ميمنتهم قطبة بن قتادة العذري وعلى الميسرة عباية بن مالك الأنصاري وقيل عبادة بن مالك واقتتلوا فقتل الأمير الأول زيد بن حارثة ملاقيا بصدره الرماح مقبلا غير مدبر والراية في يده فأخذها جعفر بن أبي طالب ونزل عن فرس له يقال لها شقراء وقيل إنه عرقيها وعقرها وقاتل حتى قطعت يمينه فأخذ الراية بيساره فقطعت فاحتضن الراية فقتل كذلك رضي الله عنه وسنة ثلاث وثلاثون أو أربع وثلاثون سنة فأخذ الراية عبد الله بن رواحة وتردد عن النزول بعض التردد ثم صمم فقاتل حتى قتل فأخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان وقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم قالوا أنت قال لا فدفع الراية إلى خالد بن الوليد وقال أنت أعلم بالقتال مني فأخذها خالد بن الوليد وانحاز بالمسلمين وأنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالمدينة يخبرهم بقتل الأمراء المذكورين في يوم قتلهم قبل ورود الخبر بأيام
تسمية من استشهد بمؤتة زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة ومسعود بن الأسود بن حارثة من بني عدي بن كعب من الأنصار ووهب بن سعد بن أبي سرح العامري وعباد بن قيس من بني الحارث بن الخزرج بن النعمان من بني مالك بن النجار وسراقة بن عمرو بن عطية من بني مازن بن النجار وأبو كليب وقيل أبو كلاب وأخوه جابر ابنا عمرو بن زيد من بني مازن من النجار وعمرو وعامر ابنا سعد بن الحارث من بني النجار هؤلاء من ذكر منهم وكان عدة المسلمين يوم مؤتة ثلاثة آلاف
210

غزوة فتح مكة فأقام صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد بعث مؤتة جمادى ورجبا ثم حدث الأمر الذي أوجب نقض عقد قريش المعقود يوم الحديبية وذلك أن خزاعة كانت في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنها وكافرها وكانت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة في عقد قريش فعدت بنو بكر بن عبد مناة على قوم من خزاعة على ماء لهم بأسفل مكة وكان سبب ذلك أن رجلا يقال له مالك بن عباد الحضرمي حليفا لآل الأسود بن رزن خرج تاجرا فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه وأخذوا ماله وذلك قبل الإسلام بمدة فعدت بنو بكر بن عبد مناة رهط الأسود بن رزن على رجل من خزاعة فقتلوه بمالك بن عباد فعدت خزاعة على سلمى وكلثوم وذؤيب بني الأسود بن رزن فقتلوهم وهؤلاء الإخوة أشراف بني كنانة كانوا يودون في الجاهلية ديتين ديتين ويودي سائرهم دية دية وذلك كله قبل الإسلام فلما جاء الإسلام حجز ما بين من ذكرنا لشغل الناس به فلما كانت الهدنة المنعقدة يوم الحديبية أمن الناس بعضهم بعضا فاغتنم بنو الديل من بني بكر بن عبد مناة تلك الفرصة وغفلة خزاعة وأردوا إدراك ثأر بني الأسود بن رزن فخرج نوفل بن معاوية الديلي بمن أطاعه من بني بكر بن عبد مناة حتى بيت خزاعة ونال منهم فاقتتلوا وأعانت قريش بني بكر بالسلاح وقوم من قريش أعانوهم بأنفسهم
211

مستخفين فانهزمت خزاعة إلى الحرم فقال قوم نوفل بن معاوية لنوفل يا نوفل اتق إلهك ولا تستحل الحرم ودع خزاعة فقال لا إله لي اليوم والله يا بني كنانة إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تدركون فيه ثأركم فقتلوا رجلا من خزاعة يقال له منبه ودخلت خزاعة دور مكة في دار بديل بن ورقاء الخزاعي ودار مولى لهم يسمى رافعا وكان ذلك نقضا للصلح الواقع يوم الحديبية فخرج عمرو بن سالم الخزاعي وبديل بن ورقاء الخزاعي وقوم من خزاعة فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مستغيثين به مما أصابهم به بنو بكر بن عبد مناة وقريش وأنشده عمرو بن سالم الشعر الذي ذكرته في بابه من كتاب الصحابة فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نصرهم وقال لا ينصرني الله إن لم أنصر بني كعب ثم نظر إلى سحابة فقال إنها لتستهل بنصرتي كعبا يعني خزاعة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبديل بن ورقاء ومن معه إن أبا سفيان سيأتي ليشد العقد ويزيد في مدة الصلح وسينصرف بغير حاجة وندمت قريش على ما فعلت فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليشد العقد ويزيد في المدة فلقي بديل بن ورقاء بعسفان فكتمه بديل مسيره إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه إنما سار بخزاعة على الساحل فنهض أبو سفيان حتى أتى المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها فذهب ليقعد على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فطوته عنه فقال يا بنية ما أدرى أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني قالت بل هو
212

فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس فلم أحب أن تجلس عليه فقال لها يا بنية لقد أصابك بعدي شر ثم أتى النبي عليه السلام في المسجد فكلمه فلم يجبه بكلمة ثم ذهب أبو سفيان إلى أبي بكر فكلمه في أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أتى له فأبى عليه أبو بكر من ذلك فلقي عمر فكلمه في ذلك فقال له عمر أنا أفعل هذا والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به فدخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوجده وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن وهو صبي فكلمه فيما أتى له فقال له علي والله ما أستطيع أن أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر قد عزم عليه فالتفت أبو سفيان إلى فاطمة فقال يا بنت محمد هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير على الناس فقالت له ما بلغ بنيي ذلك وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له علي يا أبا سفيان أنت سيد بني كنانة فقم فأجر على الناس والحق بأرضك وهزىء به فقال له يا أبا الحسن أترى ذلك نافعي ومغنيا عني شيئا قال ما أظن ذلك ولكن لا أجد لك سواه فقام أبو سفيان في المسجد فقال يا أيها الناس إني قد أجرت على الناس ثم ركب وانطلق راجعا إلى مكة فلما قدمها أخبر قريشا بما لقي وبما فعل فقالوا له ما جئت بشيء وما زاد علي بن أبي طالب على أن لعب بك ثم أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة وأمر الناس بالجهاز لذلك ودعا الله تعالى في أن يأخذ عن قريش الأخبار ويستر عنهم خروجه فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش كتابا يخبرهم بقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فنزل جبريل من عند الله تعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع حاطب بن أبي بلتعة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام والمقداد بن عمرو فقال لهم انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب إلى قريش فانطلقوا فلما أتوا روضة خاخ وجدوا المرأة فأناخوا بها وفتشوا رحلها كله فلم يجدوا شيئا فقالوا والله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها علي والله لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب
213

فحلت قرون رأسها فأخرجت الكتاب منها فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا حاطب فقال حاطب والله يا رسول الله ما شككت في الإسلام ولا رجعت عن ديني ولكني كنت ملصقا في قريش فأردت أن أتخذ عندهم بذلك يدا يحفظونني بها في شأفتي بمكة لأن أهلي وولدي بها فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري وكان خروجه لعشر خلت من رمضان فصام عليه السلام حتى بلغ الكديد بين عسفان وأمج ثم أفطر صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العصر وشرب على راحلته علانية ليراه الناس وقال تقووا لعدوكم وأمر الناس بالفطر فأفطر بعضهم وصام بعضهم فلم يعب على الصائم ولا على المفطر فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر
الظهران ومعه من بني سليم ألف رجل ومن بني مزينة ألف رجل وثلاثة رجال وقيل من بني سليم سبعمائة ومن بني غفار أربعمائة ومن أسلم أربعمائة وطوائف من قيس وأسد وتميم وغيرهم من سائر العرب وقد أخفى الله عز وجل خبره عن قريش إلا أنهم على وجل وارتقاب خرج أبو سفيان وبديل بن
214

ورقاء وحكيم بن حزام يتجسسون الأخبار وقد كان العباس بن عبد المطلب هاجر مسلما في تلك الأيام فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فبعث ثقله إلى المدينة وانصرف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا فالعباس من المهاجرين قبل الفتح وقيل بل لقيه بالجحفة مهاجرا وذكر أيضا أن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة أخا أم سلمة خرجا أيضا مهاجرين ولقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق قرب مكة فأعرض عنهما فلما نزل استأذنا عليه فلم يأذن لهما فكلمته أم سلمة فيهما وقالت لا يكون ابن عمك وأخي أشقى الناس بك فقد جاءا مسلمين فأذن لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلما وحسن إسلامهما فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيوش مر الظهران رقت نفس العباس لقريش وأسف على ذهابها وخاف أن تغشاهم الجيوش قبل أن يستأمنوا فركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم ونهض فلما أتى الأراك وهو يطمع أن يلقى حطابا أو صاحب لبن يأتي مكة فينذرهم فبينما هو يمشي إذ سمع صوت أبي سفيان صخر بن حرب وبديل بن ورقاء وهما يتساءلان وقد رأيا نيران عسكر النبي عليه السلام وبديل يريد أن يستر ذلك فيقول إنما هي نيران خزاعة ويقول له أبو سفيان خزاعة أقل وأذل من أن تكون لها هذه النيران فلما سمع العباس كلامه ناداه يا أبا حنظلة فميز أبو سفيان كلامه فناداه يا أبا الفضل فقال نعم فقال له فداك أبي وأمي فقال له العباس
215

ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس وأصباح قريش فقال أبو سفيان فما الحيلة فقال له العباس هذه والله لئن ظفر بك ليقتلنك فارتدف خلفي وانهض معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأردفه العباس ولقي به العسكر فلما رأى الناس العباس على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسكوا ومر على نار عمر ونظر عمر إلى أبي سفيان فميزه فقال أبو سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ثم خرج يشتد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسابقه العباس فسبقه العباس على البغلة وكان عمر بطيئا في الجري فدخل العباس ودخل عمر على أثره فقال يا رسول الله هذا عدو الله أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عقد ولا عهد فأذن لي أضرب عنقه فقال له العباس مهلا يا عمر فوالله لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا ولكنه من بني عبد مناف فقال عمر مهلا فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يحمله إلى رحله ويأتيه به صباحا ففعل العباس ذلك فلما أصبح أتى به النبي عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم يأن لك بأن تعلم أن لا إله إلا الله فقال أبو سفيان بأبي أنت وأمي ما أحلمك وما أكرمك وأوصلك والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره لقد أغناني قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه فإن في النفس منها شيئا حتى الآن فقال له العباس أسلم قبل أن تضرب عنقك فأسلم فقال العباس يا رسول الله إن أبا سفيان يحب الفخر فاجعل له شيئا فقال رسول الله
216

صلى الله عليه وسلم لعمه من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فكان هذا منه أمانا لكل من لم يقاتل من أهل مكة ولهذا قال جماعة من أهل العلم منهم الشافعي رحمه الله أن مكة مؤمنة وليست عنوة والأمان كالصلح وروى أن أهلها مالكون رباعهم ولذلك كان يجيز كراها لأربابها وبيعها وشراءها لأن من أمن فقد حرم ماله ودمه وذريته وعياله فمكة مؤمنة عند من قال بهذا القول إلا الذين استثناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بقتلهم وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة وأكثر أهل العلم يرون فتح مكة عنوة لأنها اخذت غلبة بالخيل والركاب إلا أنها مخصوصة بأن لم يجر فيها قسم غنيمة ولا سبي من أهلها أحد وخصت بذلك لما عظم الله من حرمتها ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم مكة حرام محرمة لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم هي حرام إلى يوم القيامة والأصح والله أعلم أنها بلدة مؤمنة أمن أهلها على أنفسهم وأمنت أموالهم تبعا لهم ولا خلاف في أنه لم يكن فيها غنيمة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم العباس أن يوقف أبا سفيان بخطم الوادي ليرى جيوش الله تعالى ففعل ذلك العباس وعرض عليه قبيلة قبيلة يقول هؤلاء سليم هؤلاء غفار هؤلاء تميم هؤلاء مزينة إلى أن جاء موكب النبي صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار خاصة كلهم في الدروع والبيض فقال أبو سفيان من هؤلاء فقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار فقال أبو سفيان والله ما لأحد بهؤلاء قبل والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقال العباس يا أبا سفيان إنها النبوة قال فنعم إذن ثم قال له العباس يا أبا سفيان النجاء إلى قومك فأسرع أبو سفيان فلما أتى مكة عرفهم بما أحاط بهم وأخبرهم بتأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من دخل داره أو المسجد أو دار أبي سفيان
217

وتأبش قوم ليقاتلوا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فرتب الجيوش وجعل الراية بيد سعد بن عبادة وكان من قول سعد بن عبادة اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة فقال العباس يا رسول الله هلكت قريش لا قريش بعد اليوم إن سعد بن عبادة قال كذا وكذا وإنه حنق على قريش ولا بد أن يستأصلهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنزع الراية من سعد بن عبادة وتدفع إلى علي وقيل بل إلى الزبير وقيل بل دفعها إلى ابنه قيس بن سعد لئلا يجد سعد في نفسه شيئا وكان الزبير على الميمنة وخالد بن الوليد على الميسرة وقد قيل إن الزبير كان على الميسرة وخالد بن الوليد على الميمنة وفيها أسلم وغفار ومزينة وجهينة وكان أبو عبيدة بن الجراح على مقدمة موكب النبي صلى الله عليه وسلم وسرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيوش من ذي طوى وأمر الزبير بالدخول من كداء في أعلى مكة وأمر خالد بن الوليد ليدخل من الليط أسفل مكة وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال من قاتلهم ولهذا كله يقول أكثر العلماء إنها افتتحت عنوة وأنها مخصوصة دون سائر البلدان بما خصت به دون غيرها وكان عكرمة بن أبي جهل وصوفوان بن أمية وسهيل بن عمر قد جمعوا جمعا بالخندمة ليقاتلوا فناوشهم أصحاب خالد القتال فأصيب من المسلمين رجلان وهما كرز بن جابر من بني محارب بن فهر بن مالك وخنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم الخزاعي حليف بني منقذ خرجا عن جيش خالد فقتلا رحمة الله عليهما وقتل
218

أيضا من المسلمين سلمة بن الميلاء الجهني وقتل من المشركين ثلاثة عشر رجلا ثم انهزموا وهذه سبيل العنوة في غير مكة وكان شعار المهاجرين يوم الفتح وحنين والطائف يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج يا بني عبد الله وشعار الأوس يا بني عبيد الله وكان الذين استثناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمن الناس عبد العزي بن خطل وهو من بني الأدرم بن غالب وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وعكرمة بن أبي جهل والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي ومقيس بن صبابة وقينتي بن خطل فرتنى وصاحبتها كانتا تغنيان بن خطل بهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم وسارة مولاة لبعض بن عبد المطلب أما ابن خطل فإنه كان أسلم وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا وبعث معه رجلا من المسلمين فعدا عليه فقتله وارتد ولحق بالمشركين بمكة فوجد يوم الفتح متعلقا بأستار الكعبة فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لحق بمكة مرتدا فلما كان يوم الفتح اختفى ثم أتى به عثمان بن عفان النبي صلى الله عليه وسلم وكان أخاه من الرضاعة فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت عنه صلى الله عليه وسلم ساعة ثم أمنه وبايعه فلما خرج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه هلا قام بعضكم فضرب عنقه فقال رجل من الأنصار هلا أو مأت إلي فقال عليه السلام ما كان لنبي أن يكون له خائنة الأعين ثم عاش عبد الله بن سعد حتى استعمله عمر ثم ولاه عثمان مصر وهو الذي غزا إفريقية وافتتحها أول مرة وحسن إسلامه ولم يظهر منه بعد في دينه شيء يكره وأما عكرمة بن أبي جهل ففر إلى اليمن فاتبعته امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام فردته فأسلم وحسن إسلامه وكان من فضلاء الصحابة
219

وأما الحويرث بن نقيذ فكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فقتله علي بن أبي طالب يوم الفتح وإما مقيس بن صبابة فكان قد أتى النبي عليه السلام قبل ذلك مسلما ثم عدا على رجل من الأنصار فقتله بعد أن أخذ الدية منه في قتيل له ثم لحق بمكة مرتدا فقتله يوم الفتح نميلة بن عبد الله الليثي وهو ابن عمه وفي سننه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا أعفى أحدا قتل بعد أخذ الدية هذا من المسلمين وأما مقيس بن صبابة فارتد وقتل بعد أخذ الدية وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما واستؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم للأخرى فأمنها فعاشت مدة ثم ماتت في حياة النبي عليه السلام وأما سارة فاستؤمن لها أيضا وأمنها عليه السلام وعاشت إلى أن أوطأها رجل فرسا بالأبطح في زمان عمر فماتت واستتر رجلان من بني مخزوم عند أم هانىء بنت أبي طالب فأجارتهما وأمنتهما فأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانها وقال قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء وأمنا من أمنت وكان علي أراد قتلهما قيل إنهما الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية أخو أم سلمة وأسلما وكانا من خيار المسلمين وقيل إن أحدهما جعدة بن هبيرة والأول أصح وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة ودعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة بعد أن مانعته أمه ذلك ثم أسلمته فدخل النبي الكعبة ومعه أسامة بن زيد وبلال بن رباح وعثمان بن طلحة ولا أحد معه غيرهم فأغلق الباب عليه وصلى داخلها ركعتين ثم خرج وخرجوا ورد المفتاح إلى عثمان بن طلحة وأبقى له حجابة البيت وقال خذوها خالدة تالدة إلى يوم القيامة فهي إلى الآن في ولد شيبة بن عثمان بن طلحة
220

وأمر عليه السلام بكسر الصور التي داخل الكعبة وحولها وكسر الأصنام التي حول الكعبة وبمكة كلها وكانت الأصنام التي في الكعبة مشدودة بالرصاص وكان يشير إليها بقضيب في يده فكلما أشار إلى واحد منها خر لوجهه وكان يقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وأذن له بلال على ظهر الكعبة وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني يوم الفتح خطبة مشهورة عند أهل الأثر والعلم بالخبر فوضع مآثر الجاهلية حاشا سدانة البيت وسقاية الحاج وأخبر صلى الله عليه وسلم أن مكة لم يحل فيها القتال لأحد قبله ولا يحل لأحد بعده وإنما حل له القتال فيها ساعة من نهار ثم عادت كحرمتها بالأمس لا يسفك فيها دم ومن أحسن ما روى من خطبته مختصرا ما روراه يحيى بن سعيد الأموي وغيره عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم ربيعة بن أمية بن خلف فوقف تحت صدر راحلة النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلا صيتا فقال يا ربيعة قل يا أيها الناس إن نبي الله يقول لكم أتدرون أي بلد هذا وأي شهر هذا وأي يوم هذا فنادى بذلك فقال الناس نعم هذا البلد الحرام والشهر الحرام فقال إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة بلدكم هذا وكحرمة شهركم هذا وكحرمة يومكم هذا ثم قال اللهم اشهد أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم ألا وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض و إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله منها أربعة حرم الثلاثة متوالية ورجب منفرد الذي بين جمادى وشعبان ألا هل بلغت فيقول الناس نعم قال اللهم اشهد
221

وتوقعت الأنصار أن يبقى النبي عليه السلام بمكة فأخبرهم أن المحيا محياهم وأن الممات مماتهم ومر عليه السلام بفضالة بن عمير بن الملوح الليثي وهوعازم على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما تحدث به نفسك قال لا شيء كنت أذكر الله عز وجل فضحك النبي عليه السلام وقال أستغفر الله لك ووضع يده عليه السلام على صدر فضالة فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما أجد على ظهر الأرض أحب إلي منه وهرب صفوان بن أمية إلى اليمن فاتبعه عمير بن وهب الجمحي بتأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه فرجع فأكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له انزل يا أبا وهب فقال إن هذا يخبرني عنك أنك تمهلني شهرين قال بل لك أربعة أشهر وهرب ابن الزبعري الشاعر إلى نجران ثم رجع فأسلم وهرب هبيرة بن أبي وهب المخزومي زوج أم هاني بنت أبي طالب إلى اليمن فمات هناك كافرا ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم السرايا حول مكة يدعو إلى الإسلام ولم يأمرهم بقتال وكان أحد أمراء تلك السرايا خالد بن الوليد خرج إلى بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة فقتل منهم وسبا وقد كانوا أسلموا ولم يقبل خالد قولهم وإقرارهم بالإسلام فوادهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمال إليهم فودى لهم جميع قتلاهم ورد إليهم ما أخذ منهم وقال لهم علي انظروا إن فقدتم عقالا لأدينه فبهذا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال اللهم إني أبرأ إليك من صنع خالد
222

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى وكان بيتا بنخلة تعظمه قريش وكنانة وجميع مضر وكان سدنته بنو شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم
فهدمه وكان فتح مكة لعشر بقين من رمضان سنة ثمان من الهجرة
غزوة حنين فلما بلغ هوازن فتح مكة جمعهم مالك بن عوف النصري من بني نصر بن معاوية فاجتمع إليه قومه بنو نصر وبنو جشم وبنو سعد بن بكر وثقيف وطائفة من بني هلال بن عامر ولم يشهدها من قيس غير هؤلاء وغابت عن ذلك عقيل وقشير ابنا كعب بن ربيعة بن عامر وبنو كلاب بن ربيعة بن عامر وسائر إخوتهم فلم يحضرهم من كعب وقشير وكلاب أحد يذكر وحملت بنو جشم مع أنفسهم شيخهم وكبيرهم دريد بن الصمة وهو يومئذ شيخ كبير لا ينتفع به في غير رأيه حملوه في هودج لضعف جسمه وكان في ثقيف سيدان لهم في الأحلاف أحدهما قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب والآخر ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك وكانت الرياسة في جميع العسكر إلى مالك بن عوف النصري فحشد من ذكرنا وساق مع الكفار أموالهم وماشيتهم ونساءهم وأولادهم وزعم أن ذلك لتحمى به نفوسهم وتشد في القتال عن ذلك شوكتهم ونزلوا بأوطاس فقال لهم دريد بن الصمة ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير
223

وبكاء الصغير ويعار الشاء قالوا ساق مالك مع الناس أموالهم وعيالهم قال أين مالك قيل هذا مالك فسأله لم فعلت ذلك فقال مالك ليقاتلوا عن أهليهم وأموالهم فقال دريد راعي ضأن والله وهل يرد المنهزم شيء إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسلاحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ثم قال ما فعلت كعب وكلاب قالوا لم يشهدها منهم أحد قال دريد غاب الحد والجد لو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب وكلاب ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كلاب وكعب فمن شهدها من بني عامر قالوا عمرو بن عامر وعوف بن عامر قال ذانك الجذعان من عامر لا ينفعان ولا يضران يا مالك إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعليا قومهم ثم الق الصباة على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك كنت قد أحرزت أهلك ومالك فأبى ذلك مالك وخالفت هوازن دريدا واتبعوه فقال دريد هذا يوم لم أشهده ولم يغب عني
* يا ليتني فيها جذع
* أخب فيها وأضع
* وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي عشاء فأتى بعد أن عرف مذاهبهم وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاهده منهم فعزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قصدهم واستعار من صفوان بن أمية بن خلف
224

الجمحي دروعا قيل مائة درع وقيل أربعمائة وخرج النبي عليه السلام في اثنى عشر ألفا من المسلمين منهم عشرة آلاف صحبوه من المدينة وألفان من مسلمة الفتح إلى ما انضاف إليه من الأعراب من سليم وبني كلاب وعبس وذبيان واستعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ونهض صلى الله عليه وسلم في مقدمته مزينة وفي الميمنة بنو أسد وفي الميسرة بنو سليم وعبس وذبيان وفي مخرجه هذا رأى جهال الأعراب شجرة خضراء وكان لهم في الجاهلية شجرة معروفة تسمى ذات أنواط يخرج إليها الكفار يوما معلوما في السنة يعظمونها فقالوا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال عليه السلام الله أكبر والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى وادي حنين وهو واد من أودية تهامة وكانت هوازن قد كمنت في جنبي الوادي وذلك في غبش الصبح فحملت على المسلمين حملة رجل واحد فانهزم جمهور المسلمين ولم يلو أحد على أحد وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر ومن أهل بيته علي والعباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه جعفر وأسامة بن زيد وأيمن بن عبيد وهو أيمن بن أم أيمن قتل يومئذ بحنين والفضل بن العباس وقيل في موضع جعفر بن أبي سفيان قثم بن العباس ولم ينهزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من هؤلاء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء واسمها دلدل والعباس آخذ بحكمتها و رسول الله صلى الله عليه وسلم
225

يقول أيها الناس إلى أين أيها الناس أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله وأمر العباس وكان جهير الصوت أن ينادي يا معشر الأنصار يا أصحاب الشجرة وبعضهم يرويه يا أصحاب السمرة وقد قيل إنه نادى يومئذ يا معشر المهاجرين كما نادى يا معشر الأنصار فلما سمعوا الصوت أجابوا لبيك لبيك وكانت الدعوة أولا يا للأنصار ثم خصصت بأخرة يا للخزرج قال ابن شهاب وكانوا أصبر عند الحروب فلما ذهبوا ليرجعوا كان الرجل منهم لا يستطيع أن ينفذ ببعيره لكثرة الأعراب المنهزمين فكان يأخذ درعه فيلبسها ويأخذ سيفه ومجنه ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله ويكر راجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا اجتمع حواليه صلى الله عليه وسلم مائة رجل أو نحوهم استقبلوا هوازن بالضرب واشتدت الحرب وكثر الطعن والجلاد فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه فنظر إلى مجتلد القوم فقال الآن حمي الوطيس وضرب علي بن أبي طالب عرقوب جمل صاحب الراية أو فرسه فصرعه ولحق به رجل من الأنصار فاشتركا في قتله وأخذ علي الراية وقذف الله عز وجل في قلوب هوازن الرعب حين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ واجههم وواجهوه صاح بهم صيحة ورمى في وجوههم بالحصا فلم يملكوا أنفسهم وفي ذلك يقول الله عز وجل * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * وروينا من وجوه عن بعض من أسلم من المشركين ممن شهد حنينا قال وقد سئل عن يوم حنين لقينا المسلمين فيما لبثنا أن هزمناهم وأتبعناهم حتى وصلنا إلى رجل راكب على بغلة بيضاء فلما رآنا زجرنا زجرة وانتهزنا وأخذ بكفه حصا أو ترابا فرمانا به وقال شاهت الوجوه شاهت الوجوه فلم تبق عين إلا دخلها من ذلك فما ملكنا أنفسنا أن رجعنا على أعقابنا
226

وما استوفى رجوع المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وأسرى هوازن بين يديه وثبتت أم سليم في جملة من ثبت أول الأمر محتزمة ممسكة بعيرا لأبي طلحة وفي يدها خنجر وانهزمت هوازن وملك العيال والأموال واستحر القتل في بني مالم من ثقيف فقتل منهم خاصة يومئذ سبعون رجلا منهم رئيساهم ذو الخمار وأخوه عثمان ابنا عبد الله بن ربيعة ولم يقتل من الأحلاف إلا رجلان لأن قارب بن الأسود وكان سيدهم يومئذ فر بهم حين اشتد أول القتال واستحر القتل في بني نصر بن معاوية
وهرب مالك بن عوف النصري في جماعة من قومه ودخل الطائف مع ثقيف وانحازت طوائف من هوازن إلى أوطاس وأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان السلمي من بني سليم دريد بن الصمة فقتله وقد قيل إن قاتل دريد هو عبد الله بن قنيع بن أهبان من بني سليم وقد قيل إن دريدا أسر يومئذ وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لمشاهدته الحرب وموضع رأيه فيها ولما انقضى الصدام نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا عليه بينة فله سلبه وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الأشعري واسمه عبيد وهو عم أبي موسى الأشعري في طائفة من المسلمين منهم أبو موسى إلى من اجتمع من هوازن بأوطاس فشد على أبي عامر أحد بني دريد بن الصمة فقتله قيل رماه سلمة بن دريد بن الصمة بسهم فقتله وأخذ أبو موسى الراية وشد على قاتل عمه فقتله وقيل بل رمى أبا عامر رجلان من بني جشم وهما العلاء وأوفي ابنا الحارث أصاب أحدهما قلبه والآخر ركبته ثم قتلهما أبو موسى وقيل بل قتل أبو عامر تسعة إخوة من المشركين مبارزة
227

يدعو كل واحد منهم إلى الإسلام ثم يحمل عليه فيقتله ثم حمل عليه عاشرهم فقتله ثم أسلم ذلك العاشر بعد ذلك
تسمية من استشهد من المسلمين يوم حنين واستشهد من المسلمين يوم حنين أربعة رجال أيمن بن عبيد وهو أيمن بن أم أيمن أخو أسامة بن زيد لأمه ويزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد جمح به فرسه فقتل وسراقة بن الحارث بن عدي من بني العجلان من الأنصار وأبو عامر الأشعري وكانت وقعة هوازن وهي يوم حنين في أول شوال من السنة الثامنة من الهجرة وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الغنائم من الأموال والنساء والذراري فلم يقسمها حتى أتى الطائف
غزوة الطائف وكان منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين إلى الطائف لم يرجع إلى مكة ولا عرج على شيء إلا غزو الطائف قبل أن يقسم غنائم حنين وقبل كل شيء فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجعرانة في طريقه إلى الطائف ثم أخذ على قرن وابتنى في طريقه ذلك مسجدا وصلى فيه وأقاد في ذلك المكان بدم وهو أول دم أقيد به في الإسلام من رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل فقتله به ووجد في طريقه ذلك حصنا لمالك بن عوف النضري فهدمه ووجد هنالك أطما قد تمنع فيه رجل من ثقيف في ماله فأمر بهدمه ولم يشهد غزوة حنين ولا الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن سلمة
228

الثقفيان كانا قد خرجا يتعلمان صناعة المنجنيق والدبابات ثم نزل عليه السلام بقرب الطائف بواد يقال له العقيق فتحصنت ثقيف وحاربهم المسلمون وحصن ثقيف لا حصن مثله في حصون العرب فأصيب من المسلمين رجال بالنبل فزال النبي عليه السلام من ذلك المنزل إلى موضع المسجد المعروف اليوم فحاصرهم عليه السلام بضعا وعشرين ليلة بل بضع عشرة ليلة وقيل عشرين يوما وكان معه عليه السلام امرأتان من نسائه أم سلمة إحداهما فموضع المسجد اليوم بين منزلهما يومئذ وتولى بنيان ذلك المسجد عمرو بن أمية بن وهب بن معتب الثقفي وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب الطائف إلا قطعة عنب كانت للأسود بن مسعود أو لابنه في ماله وكانت تبعد عن الطائف وسأله الكف عنها فكف عنها وكان يجير بن زهير بن أبي سلمى المزني الشاعر بن الشاعر شهد حنينا والطائف وكان حسن الإسلام
تسمية من استشهد من المسلمين في حصار الطائف واستشهد من المسلمين في حصار الطائف سعيد بن سعيد بن العاصي بن أمية وعرفطة بن جناب الأزدي حليف لبني أمية وعبد الله بن أبي بكر الصديق أصابه سهم فاستمر منه مريضا حتى مات منه في خلافة أبيه وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي أخو أم سلمة وعبد الله الأكبر بن عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب والسائب بن الحارث بن قيس السهمي وأخوه عبد الله بن الحارث بن قيس السهمي وجليحة بن عبد الله الليثي من بني سعد بن ليث وثابت بن الجذع الأنصاري من بني سلمة والحارث بن سهل بن أبي صعصعة الأنصاري من بني مازن بن النجار والمنذر بن عبد الله الأنصاري من بني ساعدة ومن الأوس رقيم بن ثابت بن ثعلبة
229

باب في قسمة غنائم حنين وما جرى فيها
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة موضع قريب من حنين وكان قد استأنى بقسمة الغنائم رجاء أن يسلموا ويرجعوا إليه فلما قسمت الغنائم هنالك أتاه وفد هوازن مسلمين راغبين في العطف عليهم والإحسان إليهم فقال لهم قد كنت استأنيت بكم وقد وقعت المقاسم وعندي ما ترون فاختاروا إما ذراريكم ونساءكم وإما أموالكم فاختاروا العيال والذرية وقالوا لا نعدل بالأنساب شيئا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صليت الظهر فتكلموا واطلبوا حتى أكلم الناس في أمركم فلما صلى الظهر تكلموا وقالوا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين فقال النبي عليه السلام أما ما كان لي ولبني عبد المطلب وبني هاشم فهو لكم وقال المهاجرون والأنصار أما ما كان لنا فهو لرسول الله عليه السلام وامتنع الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن في قومهما أن يردوا عليهم شيئا مما وقع لهم في سهامهم وامتنع العباس بن مرداس السلمي وطمع أن يساعده قومه كما ساعد الأقرع بن حابس وعيينة قومهما فأبت بنو سليم وقالوا بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله عليه السلام من ضن منكم بما في يديه فإنا نعوضه منه فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءهم وأبناءهم وعوض من لم تطب نفسه بترك نصيبه أعواضا رضوا بها وكان عدد سبي هوازن ستة آلاف إنسان فيهم الشيماء أخت
230

النبي عليه السلام من الرضاعة وهي بنت الحارث بن عبد العزي من بني سعد بن بكر بن هوازن بنت حليمة السعدية فأكرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاها ورجعت إلى بلادها مسرورة بدينها وبما أفاء الله عليها وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال بين المسلمين وأعطى المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس أو من جملة الغنيمة على مذهب من رأى أن ذلك إلى اجتهاد الإمام وأن له أن ينفل في البدأة والرجعة حسب ما رآه بظاهر قوله الله تعالى * (قل الأنفال لله والرسول) * يحكم فيها بما أراه الله وليس ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم بظاهر قوله عز وجل * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) * وللقول في تلخيص ذلك مواضع غير هذا
أعطيات المؤلفة قلوبهم ولم يختلف أهل السير وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة قلوبهم من قريش وغيرهم ولا ذكر للمؤلفة قلوبهم في غير آية قسم الصدقات قالوا أعطى قريشا مائة بعير مائة بعير وكذلك أعطى عيينة بن حصن والأقرع بن حابس قال ابن إسحاق أعطاهم يتألفهم ويتألف بهم قومهم وكانوا أشرافا فأعطى
أبا سفيان بن حرب مائة بعير وأعطى ابنه معاوية مائة بعير وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير وأعطى سهيل بن عمرو مائة بعير وأعطى حويطب بن عبد العزي مائة بعير وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير وكذلك أعطى مالك بن عوف والعلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة قال فهؤلاء
231

أصحاب المئين وأعطى رجالا من قريش دون المائة منهم مخرمة بن نوفل الزهري وعمير بن وهب الجمحي وهشام بن عمرو العامري لا أعرف ما أعطاهم وأعطى سعيد بن يربوع خمسين بعيرا وأعطى عباس بن مرداس السلمي أباعر قليلة فتسخطها وقال في ذلك
* وكانت نهابا تلافيتها
* بكرى على المهر في الأجرع
* وإيقاظي القوم أن يرقدوا
* إذا هجع الناس لم أهجع
* فأصبح نهبي ونهب العبيد
* بين عيينة والأقرع
* وقد كنت في الحرب ذا تدرإ
* فلم أعط شيئا ولم أمنع
* إلا أفائل أعطيتها
* عديد قوائمها الأربع
* وما كان حصن ولا حابس
* يفوقان شيخي في المجمع
* وما كنت دون امرئ منهما
* ومن تضع اليوم لا يرفع
* فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا فاقطعوا عني لسانه فأعطوه حتى رضي فكان ذلك قطع لسانه وقيل إن عباس بن مرداس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت القائل
* فأصبح نهبي ونهب العبيد بن الأقرع وعيينة
* فقال أبو بكر الصديق بين عيينة والأقرع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما واحد وقال أبو بكر أشهد أنك كما قال الله عز وجل * (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) * قال أبو عمر لو كان ما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين من خمس
232

الخمس كما زعم من زعم ذلك أو من الخمس الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم مالي من غنائمكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم ما شق ذلك والله أعلم على الأنصار حتى قالوا ما هو محفوظ عنهم وقد كتبت ذلك فيما بعد ولكنه صلى الله عليه وسلم علم من إيمانهم وكرمهم أنهم سيرضون بفعله لأن حرصهم على ظهور الدين من حرصه رضي الله عنهم
تسمية المؤلفة قلوبهم من بن أمية أبو سفيان بن حرب بن أمية وابنه معاوية وطليق بن سفيان بن أمية وخالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ومن بني عبد الدار بن قصي شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وأبو السنابل بن بعكك وعكرمة بن عامر بن هاشم ومن بني مخزوم زهير بن أبي أمية والحارث بن هشام وأخوه خالد بن هشام وهشام بن الوليد بن المغيرة وسفيان بن عبد الأسد والسائب بن أبي السائب ومن بني عدي بن كعب مطيع بن الأسود وأبو جهم بن حذيفة ومن بني جمح صفوان بن أمية بن خلف وأخوه أحيحة بن أمية وعمير بن وهب بن خلف ومن بني سهم عدي بن قيس بن حذافة ومن بني عامر بن لؤي حويطب بن عبد العزى وهشام بن عمرو بن ربيعة ومن سائر قبائل العرب من بني الديل بن بكر بن عبد مناة نوفل بن معاوية ومن بني قيس ثم من بني عامر بن صعصعة ثم من بني كلاب بن ربيعة بن عامر
233

علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب ومن بني عامر بن صعصعة خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر وأخوه حرملة بن هوذة ومن بني نصر بن معاوية مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع ومن بني سليم بن منصور عباس بن مرداس ومن غطفان ثم من فزارة عيينة بن حصن ومن بني تميم ثم من بني حنظلة الأقرع بن حابس وقد ذكر في المؤلفة حكيم بن حزام والنضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة أخو النضر بن الحارث المقتول ببدر صبر وذكر آخرون النضير بن الحارث فيمن هاجر إلى أرض الحبشة فإن كان منهم فمحال أن يكون من المؤلفة قلوبهم ومن هاجر إلى أرض الحبشة فهو من المهاجرين الأولين ممن رسخ الإيمان في قلبه وقاتل دونه ليس ممن يؤلف عليه وعند إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار ولا المهاجرين قال ذو الخويصرة التميمي قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم يا محمد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فكيف رأيت قال لم أرك عدلت فغضب النبي عليه السلام وقال ويحك إن لم يكن العدل مني فعند من يكون فقال عمر رضي الله عنه دعني أضرب عنقه يا رسول الله فقال لا دعوه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية
234

موقف بعض الأنصار قال ابن إسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت منهم القالة فدخل عليه سعد بن عبادة فقال يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم بما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت قوما من العرب عطايا عظاما ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء قال فأين أنت من ذلك يا سعد قال يا رسول الله ما أنا إلا من قومي قال فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة قال فخرج سعد فجمع من الأنصار في تلك الحظيرة وجاء رجل من المهاجرين فتركهم فدخلوا وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال يا رسول الله قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر الأنصار ما قاله بلغتني عنكم ووجدة وجدتموها في أنفسكم ألم آتكم ضلالا فهداكم الله وعالة فأغناكم الله وأعداء فألف الله بين قلوبكم قالوا بلى لله ورسوله المن والفضل ثم قال ألا تجيبونني يا معشر الأنصار قالوا بماذا نجيببك يا رسول الله لله ورسوله المن والفضل فقال أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم ولصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فآويناك وعائلا فواسيناك
235

أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إيمانكم ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم والذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا وروي أن قائلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وتركت جعيل بن سراقة الضمري فقال رسول الله والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض مثل الأقرع وعيينة ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جعيلا إلى إسلامه وكان هذا القسم بالجعرانة وروى أبو الزبير وغيره عن جابر قال بصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وفي ثوب بلال فضة و رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض ويعطي الناس
عمرة رسول الله من الجعرانة ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا من الجعرانة إلى مكة وأمر ببقايا الفيء فخمس بناحية مر الظهران فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف إلى المدينة واستخلف على مكة عتاب بن أسيد بن أبي العيص وهو ابن نيف وعشرين سنة
236

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لست بقين من ذي القعدة وكانت وقعة الطائف في ذي القعدة المؤرخ من السنة الثامنة من الهجرة وكانت غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ خرج من المدينة إلى مكة فافتتحها وأوقع بهوازن وحارب الطائف إلى أن رجع إلى المدينة شهرين وستة عشر يوما واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع النصري على من أسلم من قومه من قبائل قيس وأمره بمغاورة ثقيف ففعل وضيق عليهم وحسن إسلامه وإسلام المؤلفة قلوبهم حشا عيينة بن حصن فلم يزل مغموزا عليه وسائر المؤلفة قلوبهم منهم الخير الفاضل المجمع على خيره كالحارث بن هشام حكيم بن حزام وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ومنهم دون هؤلاء وقد فضل الله النبيين وسائر عباده المؤمنين بعضهم على بعض وهو أعلم بهم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا وأقام الحج للناس عتاب بن أسيد في تلك السنة وهو أول أمير أقام الحج في الإسلام وحج المشركون على مشاعرهم وكان عتاب بن أسيد خيرا فاضلا ورعا وقدم كعب بن زهير بن أبي سلمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما وامتدحه وقام على رأسه بقصيدته التي أولها بانت سعاد فقلبي اليوم متبول وأنشدها إلى آخرها وذكر فيها المهاجرين فأثنى عليهم وكان قبل ذلك حفظ له هجاء في النبي عليه السلام فعاب عليه الأنصار إذ لم يذكرهم فغدا على النبي عليه السلام بقصيدة يمدح فيها الأنصار وقبل النبي عليه السلام إسلامه وسمع شعره وأثابه
237

غزوة تبوك ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد انصرافه من حصار الطائف ذا الحجة والمحرم وصفرا وربيعا الأول وربيعا الآخر وجمادى الأولى وجمادى الآخرة وخرج في رجل من سنة تسع بالمسلمين إلى غزوة الروم وهي آخر غزاة غزاها صلى الله عليه وسلم بنفسه وكان خروجه إلى غزوته تلك في حر شديد وحين طاب أول الثمر وفي عام جدب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج غازيا إلا وري بغيره إلا غزوة تبوك فإنه بينها للناس لبعد المسافة ونفقة المال والشقة وقوة العدو المقصود إليه فتأخر الجد بن قيس من بني سلمة وكان متهما بالنفاق فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقاء وهو غني قوي فأذن له وأعرض عنه فنزلت فيه * (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * وكان نفر من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي عند جاسوم يثبطون الناس عن الغزو فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله في نفر وأمرهم أن يحرقوا عليهم البيت ففعل ذلك طلحة فاقتحم الضحاك بن خليفة وكان معهم في البيت جدار الدار فوقع فانكسرت رجله وفر ابن أبيرق وكان معهم وأنفق ناس من المسلمين واحتسبوا وأنفق عثمان بن عفان رضي الله عنه نفقة عظيمة جهز بها جماعة من المعسرين في تلك الغزوة وروي أنه حمل في تلك الغزاة على تسعمائة
238

بعير ومائة فرس وجهزهم حتى لم يفقدوا عقالا ولا شكالا وروي أنه أنفق فيها ألف دينار وفي هذه الغزوة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم البكاءون وهم سبعة سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف وعلبة بن زيد أخو بني حارثة وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب من بني مازن بن النجار وعمرو بن الحمام من بني سلمة وعبد الله بن المغفل المزني وقيل بل هو عبد الله بن عمرو المزني وهرمي بن عبد الله أخو بني واقف وعرباض بن سارية الفزاري فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجدوا عنده ما يحملهم عليه فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون فسموا البكائين وذكروا أن ابن يامين بن عمير النضري حمل أبا ليلى وعبد الله بن مغفل على ناضح له يعتقبانه وزودهما تمرا كثيرا واعتذر المخلفون من الأعراب فعذرهم رسول الله عليه السلام وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب عسكره على باب
المدينة واستعمل عليها محمد بن مسلمة وقيل بل سباع بن عرفطة وقيل بل خلف عليها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو الأثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف عليا في غزوة تبوك فقال المنافقون استثقله فذكر ذلك علي رضوان الله عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في خبر سعد فقال كذبوا إنما خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي والآثار بذلك متواترة صحاح قد ذكرت كثيرا منها في غير هذا الموضع وخرج عبد الله بن أبي بن سلول بعسكره فضربه على باب المدينة أيضا فكان عسكره فيما زعموا ليس بأقل العسكريين وهو يظهر الغزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
239

فلما نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عبد الله بن أبي بن سلول فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب وكانوا نيفا وثمانين رجلا خلفهم سوء نياتهم ونفاقهم وتخلف في هذه الغزاة من صالحي المسلمين ثلاثة رجال وهم كعب بن مالك الشاعر من بني سلمة ومرارة بن ربيعة ويقال ابن الربيع من بني عمرو بن عوف وهلال بن أمية الواقفي فافتقدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يوم أو يومين فقيل له تخلفوا فعجل من ذلك وعز عليه لأنه كان يعرف إيمانهم وفضلهم ونهض فخطر على حجر ثمود فأمر أصحابه أن لا يتوضئوا من بئر ثمود ولا يعجنوا خبزا بمائها ولا يستعملوا شيئا منه فقيل إن قوما عجنوا منه فأمر بالعجين فطرح للإبل علفا وأمرهم أن لا يستعملوا ماء بئر الناقة في كل ما يحتاجون إليه وأمر أصحابه عليه السلام بأن لا يدخلوا بيوت ثمود وقال لا تدخلوا بيوت هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم ونهاهم أن يخرج أحدهم منفردا فخرج رجلان من بني ساعدة كل واحد منهما منفرد عن صاحبه أحدهما يريد الغائط فخنق فأخبر النبي عليه السلام فدعا له فشفي والآخر خرج في طلب بعير له فأخذته الريح ورمته في جبل طيء فردته بعد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعطش الناس في تلك الغزاة عطشا شديدا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه فأرسل عليهم سحابة ارتووا منها ودوابهم وإبلهم وأخذوا حاجتهم من الماء وأضل صلى الله عليه وسلم ناقته وقال من في قلبه نفاق محمد يدعي أن خبر السماء يأتيه
240

ولا يدري أين ناقته فنزل الوحي بما قال هذا القائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا أصحابه فأخبرهم بقول القائل وأخبرهم أن الله عز وجل قد عرفه بموضع ناقته وأنها في موضع كذا قد تعلق خطامها بشجرة فابتدروا المكان الذي وصف عليه السلام فوجدوها هنالك وقيل إن قائل ذلك القول زيد بن اللصيت القينقاعي وكان منافقا وقيل إنه تاب بعد ذلك وقيل لم يتب والله أعلم وفي هذه الغزاة ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أبا ذر يمشي في ناحية العسكر وحده فقال يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده فكان كما قال صلى الله عليه وسلم مات بالربذة وحده وأخرج بعد أن كفن إلى الطريق يلتمس من يصلي عليه فصادف إقبال ابن مسعود من الكوفة فصلى عليه وكان ممن سمع هذا الحديث فحدث به يومئذ أيضا ونزل القرآن من سورة براءة وسورة الأحزاب بفضيحة المنافقين الذين كانوا يخذلون المسلمين وتاب من أولئك مخشن بن حمير ودعا الله أن يكفر عنه بشهادة يخفي بها مكانه فقتل يوم اليمامة ولم يوجد له أثر
بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة وقال له يا خالد إنك ستجده يصيد البقر فأتاه خالد ليلا وقرب من حصنه وأرسل الله تعالى بقر الوحش فأتت تحك حائط القصر بقرونها فنشط أكيدر ليصيدها وخرج في الليل فأخذه خالد وبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنه النبي
241

عليه السلام ورده إلى حصنه بعد أن صالحه على الجزية وصالح يحنة بن رؤبة صاحب أيلة على الجزية
العودة من تبوك وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ولم يتجاوزها ثم انصرف وكان في طريقه ماء قليل فنهى أن يسبق أحد إلى الماء فسبق إليه رجلان فاستنفدا ما فيه فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ما شاء الله أن يقول ثم وضع يده في الماء ودعا الله فيه بالبركة فجاشت العين بماء عظيم كفى الجيش كله وأخبر عليه السلام أن ذلك الموضع سيملأ جنانا فكان كذلك وبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين تبوك والمدينة مساجد كثيرة نحو ستة عشر مسجدا أولها مسجد بناه بتبوك وآخرها بذي خشب
مسجد الضرار وكان أهل مسجد الضرار قد أتوه وهو متجهز إلى تبوك فقالوا يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذي العيلة والحاجة والليلة المطيرة وإنا نحب أن تأتينا فتصلي فيه فقال لهم أنا في شغل السفر وإذا انصرفت فسيكون فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في منصرفه بهدم مسجد الضرار أمر بذلك مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعاصم بن عدي أخاه وأمر بإحراقه وقال لهم اخرجوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه فخرجوا مسرعين وأخرج مالك بن الدخشم من منزله شعلة نار ونهضوا فأحرقوا المسجد وهدموه وكان الذين بنوه خذام بن خالد بن عبيد بن زيد أحد بني
242

عمرو بن عمرو بن عوف ومن داره أخرج مسجد الضرار ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد وأبو حبيبة بن الأزعر من بني ضبيعة بن زيد وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف وجارية بن عامر وابناه مجمع وزيد ابنا جارية ونبتل بن الحارث من بني ضبيعة وبحزج وهو من بني ضبيعة وبجاد بن عثمان من بني ضبيعة ووديعة بن ثابت من بني أمية بن زيد وثعلبة بن حاطب مذكور فيهم وفيه نظر لأنه قد شهد بدرا ومات عبد الله ذو البجاد بن المزني في غزوة تبوك فتولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر غسله ودفنه ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبره وقال اللهم إني راض عنه فارض عنه
حديث كعب بن مالك وصاحبيه وأما اختصار حديث كعب بن مالك وصاحبيه الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك لغير ريبة في الدين ولا تهمة نفاق إلا ما كان من علم الله في إظهار حالهم والزيادة في فضلهم رويناه من طرق صحيحة لا أحصيها كثرة عن ابن شهاب وخرجه المصنفون وأصحاب المساند ذكره ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن أباه حدثه قال سمعت أبي بن كعب بن مالك قال فذكر الحديث وفيه قال كعب بن مالك فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك ثاب إلي لبي وعلمت أني قد فعلت ما لم يرض الله ورسوله في تخلفي عنه فقلت أكذبه وتذكرت ما يكون من الكذب الذي
أخرج به من ذلك فلم يتجه لي فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أطل
243

قادما زاح عني الباطل وعلمت أني لا أنجو منه إلا بالصدق فلما صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل بالمسجد فصلى ركعتين ثم جلس فجاء المتخلفون فجعلوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فقبل منهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله وجئت فسلمت عليه فتبسم تبسم المغضب وقال لي ما خلفك ألم أكن ابتعت ظهرك فقلت والله يا رسول الله لو جلست بين يدي غيرك لرجوت أن أقيم عنده عذري لأني أعطيت جدلا ولكني قد علمت أني إن كذبتك اليوم أطلعك الله عليه غدا ففضحت نفسي فوالله ما كان لي عذر في التخلف عنك وما كنت قط أقوى مني حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدقكم فقم حتى يقضي الله فيك فقمت ومعي رجال من قومي بني سلمة يقولون ما علمناك أتيت قط غير هذا الذنب أفلا اعتذرت إليه فيسعك ما وسع المتخلفين وكان يكفيك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هممت أن أنصرف إلى رسول الله فأكذب نفسي ثم قلت هل لقي مثل هذا أحد غيري قالوا نعم رجلان قالا مثل مقالك وقيل لهما مثل ما قيل لك قلت من هما قالوا مرارة بن ربيعة العمري وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين فيهما أسوة فصمت حين ذكروهما لي ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة خاصة فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت لي نفسي والأرض التي أنا فيها فأما صاحباي فقعدا في بيوتهما وأما أنا فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف بالأسواق لا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه ولا أسمعه يرد علي فأقول ليت شعري هل رد في نفسه وكنت أصلي قريبا منه وأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي فإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي
244

قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما زاد علي السلام فقلت يا أبا قتادة نشدتك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله فسكت فناشدته ثانية فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي فعدت فوثبت فتسورت الجدار وخرجت ثم غدوت إلى السوق فإذا رجل يسأل عني من نبط الشام القادمين بالطعام إلى المدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فجعل الناس يشيرون له إلي فجاءني فدفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه أما بعد فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان فالحق بنا نواسك فقلت حين قرأته وهذا من البلاء أيضا أن يطمع في رجل من أهل الشرك فعمدت إلى تنور فسجرت فيه الكتاب وأقمت حالي حتى إذا مضت أربعون ليلة إذا رسول رسول الله أتاني فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فكوني فيهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما هو قاض وجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع لا خادم له أفتكره أن أخدمه قال لا ولكن لا يقربنك قالت والله يا رسول الله ما به من حركة إلي وما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومي هذا حتى تخوفت على بصره وقال لي بعض أهلي لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة امرأتك فقد أذن لهلال بن أمية فقلت والله لا أفعل إني لا أدري ما يقول لي وأنا رجل شاب قال فلبثنا في ذلك عشر ليال فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الكلام معنا فلما صليت الصبح صبح خمسين ليلة وأنا قد ضاقت
245

علي الأرض بما رحبت وضاقت علي نفسي فأنا كذلك إذ سمعت صوت صارخ قد وافى على ظهر سلع ينادي بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر فخررت لله ساجدا وعلمت أن قد جاء الفرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر فذهب الناس يبشروننا وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم حتى وافى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت ثوبي فكسوتهما إياه والله ما أملك يومئذ غيرهما واستعرت ثوبين فلبستهما ثم انطلقت أتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاني الناس يبشرونني بالتوبة ويقولون لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله فحياني وهنأني ووالله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره قال فكان كعب لا ينساها لطلحة قال فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ووجهه يبرق من السرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال لا بل من عند الله قال وكان رسول الله إذا استبشر كأن وجهه قطعة قمر فلما جلست بين يديه قلت يا رسول الله إن من توبتي إلى الله أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت إني ممسك سهمي الذي بخيبر وقلت يا رسول الله إن الله قد أنجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت وكان ما نزل في شأني من القرآن قوله تعالى جل ذكره * (وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت) * إلى قوله * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) *
246

إسلام ثقيف ولما كان في رمضان سنة تسع من الهجرة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك أتاه وفد ثقيف وقد كان عروة بن مسعود الثقفي لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في حين انصرافه من حصار الطائف فأدركه قبل أن يدخل المدينة فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام وكان سيد قومه ثقيف فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم قاتلوك وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم امتناعهم ونخوتهم فقال يا رسول الله إني أحب إليهم من أبكارهم ووثق بمكانه منهم فانصرف إليهم ودعاهم إلى الإسلام وأخبرهم أنه قد أسلم فرموه بالنبل فأصابه سهم فقتله فزعمت بنو مالك أنه قتله رجل منهم فقيل له ما ترى في دمك فقال كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل إليكم وأوصى أن يدفن معهم فهو مدفون خارج الطائف مع الشهداء وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مثله في قومه مثل صاحب ياسين في قومه ثم إن ثقيفا رأوا أن لا طاقة لهم بما هم فيه من خلاف جميع العرب ومغاورتهم لهم والتضييق عليهم فاجتمعوا على أن يرسلوا من أنفسهم رسولا كما أرسلوا عروة فكلموا عبد يا ليل بن عمرو بن عمير وكان في سن عروة بن مسعود في ذلك فأبى أن يفعل وخشي أن يصنع به ما صنع بعروة بن مسعود وقال لست فاعلا إلا أن ترسلوا معي رجالا فأجمعوا على أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف وثلاثة من بني مالك
فيكونوا ستة فبعثوا مع عبد ياليل الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب وشرحبيل بن
247

غيلان بن سلمة من بني معتب ومن بني مالك عثمان بن أبي العاصي بن بشر بن عبد دهمان وأوس بن عوف أخا بني سالم وقد قيل إنه قاتل عروة ونمير بن خرشة بن ربيعة فخرجوا حتى قدموا المدينة فأول من رآهم بقناة المغيرة بن شعبة وكان يرعى ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في نوبته وكانت رعيتها نوبا عليهم فترك عندهم الركاب ونهض مسرعا ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم فلقي أبا بكر الصديق فاستخبره عن شأنه فأخبره بقدوم وفد قومه ثقيف للإسلام فأقسم عليه أبو بكر أن يؤثره بتبشير رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فأجابه المغيرة إلى ذلك فكان أبو بكر هو الذي بشر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ثم رجع إليهم المغيرة ورجع معهم وأخبرهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعلوا وحيوه بتحية الجاهلية فضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبة في ناحية المسجد وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يختلف بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي كتب الكتاب لهم وكان الطعام يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يأكلون حتى يأكل منه خالد بن سعيد وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يكتب كتابهم أن يترك لهم الطاغية وهي اللات لا يهدمها ثلاث سنين فأبى رسول الله إلا هدمها وسأوله أن لا يهدموا أوثانهم ولا يكسروها بأيديهم فأعفاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كسرها بأيديهم وأبي أن يدع لهم وثنا وقالوا إنما أردنا أن نسلم بتركها من سفهائنا ونسائنا وخفنا أن نروع قومنا بهدمها حتى ندخلهم الإسلام وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة فقال لهم لا خير في دين لا صلاة فيه
248

فلما كتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم أمر عليهم عثمان بن أبي العاصي وكان أحدثهم سنا ورآه أحرصهم على تعلم القرآن وشرائع الإسلام وأمر أن يصلي بهم وأن يقدرهم بأضعفهم ولا يطول عليهم وأمره أن يتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا وبعث معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدم الأوثان والطاغية وغيرها فأقام أبو سفيان في ماله بذي الهزم وقال للمغيرة ادخل أنت على قومك فدخل المغيرة وشرع في هدم الطاغية وهي اللات وقام دونه قومه بنو معتب خشية أن يرمى كما رمى عروة بن مسعود وخرج نساء ثقيف يبكين اللات حسرا وينحن عليها فهدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها وقد كان أبو مليح بن عروة بن مسعود وقارب بن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف حين قتل عروة بن مسعود يريدان فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شيء أبدا فأسلما وقال لهما توليا من شئتما فقالا نتولى الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالكما أبا سفيان بن حرب فقالا وخالنا أبا سفيان بن حرب فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان المغيرة إلى هدم الطاغية سأل أبو مليح بن عروة بن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي دين أبيه عروة من مال الطاغية وسأل قارب بن الأسود بن مسعود مثل ذلك والأسود وعروة أخوان لأب وأم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغيرة وأبي سفيان اقضيا دين عروة من مال الطاغية
249

فقال قارب يا رسول الله ودين الأسود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأسود مات مشركا فقال قارب يا رسول الله لكن تصل مسلما ذا قرابة يعني نفسه إنما الدين علي وأنا الذي أطلب به فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء دين الأسود بن مسعود من مال الطاغية فقضى أبو سفيان والمغيرة دين الأسود وعروة ابني مسعود من مال الطاغية
حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة تسع وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالخروج إلى الحج وإقامته للناس فخرج أبو بكر لذلك ونزل صدر سورة براءة بعده فقيل له يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر يقرؤها على الناس في الموسم فقال إنه لا يؤديها عني إلا رجل من أهل بيتي ثم دعا عليا فقال له اخرج بهذه القصة من صدر براءة وأذن بها في الناس يوم النحر إذا جتمعوا بمنى وأمره بما ينادي به في الموسم فخرج على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر بالطريق فقال له أبو بكر لما رآه أميرا أو مأمورا قال بل مأمورا ثم نهضا فأقام أبو بكر للناس الحج سنة تسع على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية وقد قيل إن حجة أبي بكر وقعت حينئذ في ذي القعدة على ما كانوا عليه من
250

النسييء في الجاهلية وروى معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى * (إنما النسيء زيادة في الكفر) * قال كانوا يحجون في كل شهر عامين حجوا في ذي الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين حتى وافت حجة أبي بكر في الآخر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي صلى الله عليه وسلم ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم من قابل في ذي الحجة فذلك قوله صلى الله عليه وسلم حيث يقول إن الزمن قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض قال معمر قال الزهري عن سعيد بن المسيب لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين اعتمر من الجعرانة وأمر أبا بكر على تلك الحجة وذكر ابن جريج عن مجاهد قال لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك أراد الحج ثم قال إنه يحضر البيت عراة مشركون يطوفون بالبيت ولا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك فأرسل أبا بكر ثم أردفه عليا قال أبو عمر بعث عليا ينبذ إلى كل ذي عهد عهده ويعهد إليهم أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان مع سائر ما أمره أن ينادي به في كل موطن من مواطن الحج فأقام الحج ذلك العام سنة تسع أبو بكر ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قابل حجته التي لم يحج من المدينة غيرها فوقعت حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام المقبل في ذي الحجة فقال إن الزمان قد استدار الحديث وثبت الحج في ذي الحجة إلى يوم القيامة فلما كان يوم النحر في حجة أبي بكر قام علي فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس إنه لا يدخل الجنة كافر روي في حديثه هذا لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله
251

عهد فهو إلى مدته وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة لأحد كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف بالبيت عريان
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد بن العوام قال حدثنا سفيان بن حصين قال حدثني أبو بشر عن مجاهد أن أبا بكر حج في ذي القعدة قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد بن عباد قال قال سفيان بن حصين قال وأخبرني إياس بن معاوية عن عكرمة بن خالد المخزومي أن أبا بكر حج في ذي القعدة فلما كان العام المقبل حج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة فخطب الناس وذكر الحديث
حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا إسماعيل بن علية قال حدثنا أيوب عن محمد عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهر منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مفرد الذي بين جمادى وشعبان
252

باب وفود العرب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلادها للدخول في الإسلام
وذلك في سنة تسع وسنة عشر وحجته صلى الله عليه وسلم في سنة عشر لما فتح الله عز وجل على رسوله عليه السلام مكة وأظهره يوم حنين وانصرف من تبوك وأسلمت ثقيف أقبلت إليه وفود العرب من كل وجه يدخلون في دين الله أفواجا وأكثرهم كان ينتظر ما يكون من قريش لأنهم كانوا أئمة الناس من أجل البيت والحرم وأنهم صريح ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم فلما فتح الله مكة عليه أهل الناس إليه وكل من قدم عليه قدم راغبا في الإسلام إلا عامر بن الطفيل وأربد بن قيس في وفد بني عامر وإلا مسيلمة في وفد بني حنيفة فأما عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب وأربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر بن كلاب فإنهما قدما عليه في وفد بني عامر بن صعصعة وقد أضمر عامر بن الطفيل الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم والغدر به وأربد بن قيس هو أخو لبيد لأمه وكان عامر بن الطفيل قد قال له إني شاغله عنك بالكلام فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف ثم جعل يسأله سؤال الأحمق ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أجيبك في شيء مما سألت عنه حتى تؤمن بالله ورسوله وأنزل الله على أربد البهت والرعب فلم يرفع يدا فلما يئس منه عامر قال يا محمد والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا فلما وليا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اكفني عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وقال عامر لأربد ما منعك أن تفعل ما تعاقدنا
253

عليه والله لا أخافك بعدها وما كنت أخاف غيرك وخرجا جميعا في وفدهم راجعين إلى بلادهم فلما كانا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول فجعل يقول أغدة كغدة البكر أو غدة البعير وموتا في بيت سلولية ووصل إربد إلى بلده فقال له قومه ما وراءك قال والله لقد دعاني إلى عبادة شيء لو أنه عندي اليوم لرميته بالنبل حتى أقتله فلم يلبث بعد قوله هذا إلا يوما أو يومين وأنزل الله عليه صاعقة وكان على جمل قد ركبه في حاجة فأحرقه الله عز وجل هو وجمله بالصاعقة وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة فيهم مسيلمة بن حبيب يكنى أبا هارون وقيل بل هو مسيلمة بن ثمامة يكنى أبا ثمامة واختلف في دخوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم فروي أنه دخل مع قومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب فكلمه وسأله فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لو سألتني هذا العسيب لعسيب كان معه من سعف النخل ما أعطيتكه وقد روي أن بني حنيفة لما نزلوا بالمدينة خلفوا مسيلمة في رحالهم وأنهم أسلموا وذكروا مكان مسيلمة وقالوا إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا يحفظها لنا فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سألوه وأمر له بمثل ما أمر لقومه وقال أما إنه ليس بشركم مكانا أي لحفظه ضيعة أصحابه ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله مسيلمة وادعى النبوة وقال قد أشركني الله في أمره واتبعه أكثر قومه وجعل لهم أسجاعا يضاهى بها القرآن وأحل لهم الخمر والزنا وأسقط عنهم الصلاة فمن سجعه قوله لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشى ومثل هذا من سجعه لعنه الله
254

واتبعته بنو حنيفة إلا ثمامة بن أثال الحنفي بقي على الإيمان بالله ورسوله ولم يرتد مع قومه وقدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد بني تميم منهم عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس الدارمي وقيس بن عاصم المنقري وعمرو بن الأهتم من بني منقر بن عبيد أيضا والزبرقان بن بدر من بني بهدلة ونعيم بن يزيد وقيس بن الحارث والحتات بن يزيد المجاشعي وهو الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية وقد ذكرنا خبره في بابه من كتاب الصحابة وهؤلاء وجوه وفد تميم وقدم معهم الأقرع بن حابس الدارمي وعيينة بن حصن الفزاري وقد كانا قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلما وشهدا معه فتح مكة وحنينا وحصار الطائف ثم جاءا مع وفد تميم ونادوه من رواء الحجرات وخبرهم في السير والتفسير وأسلموا ولم يظهر منهم بعد الإسلام إلا الخير والصلاح إلا أن عيينة كان أعرابيا جافيا جلفا مجنونا أحمق مطاعا في قومه وقدم عليه صلى الله عليه وسلم ضمام بن ثعلبة وافد قومه بني سعد بن بكر وأسلم وحسن إسلامه ورجع إلى قومه فأسلموا وقدم عليه صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو وقيل ابن بشر العبدي في طائفة من قومه عبد القيس وكان الجارود نصرانيا فأسلم ومن معه وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحملهم فقال والله ما عندي ما أحملكم عليه فقالوا إنا نمر فنجد من ضوال الإبل في طريقنا فنأخذها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضالة المؤمن حرق النار وحسن إسلام عبد القيس وكان الجراود فاضلا صليبا في ذات الله ولما ارتدت العرب وارتد من ارتد من عبد قيس قام في رهطه فأعلن بالإسلام ودعا إليه وتبرأ ممن ارتد من قومه وثبت هو ورهطه على الإسلام وقد كان قدم الأشج العصري من عبد القيس في وفد منهم قبل فتح مكة فأسلموا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث
255

العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدي فأسلم وحسن إسلامه ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ردة أهل البحرين والعلاء عنده أمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيىء فيهم زيد الخيل وهو سيدهم فعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الإسلام فأسلموا وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما وصف لي رجل من العرب إلا وجدته دون ما وصف إلا زيد الخيل فإن وصفه لم يبلغ ما وصف به وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم الطائي في قومه من طيىء وكان نصرانيا فمضى به رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأدخله إلى بيته وتناول وسادة من أدم حشوها ليف فطرحها وقال له اجلس عليها فقال بل أنت فاجلس عليها يا رسول الله فجلس رسول الله في الأرض وأجلسه على الوسادة ثم لم يزل يكلمه ويعرض عليه ما في دينه النصرانية مما أحدثوه فيه من الشرك ويعرض عليه الإسلام ويخبره أنه دين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار وأنه لا يبقى عربي إلا دخل في طوعا أو كرها فقبل عدي الإسلام وأسلم وحسن إسلامه وتبعه قومه فأسلموا وحسن إسلامهم وقدم عليه فروة بن مسيك الغطيفي وعداده في مراد مفارقا لملوك كندة ومباعدا لهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه ولم يريد فورة حين ارتدت العرب وقدم عليه صلى الله عليه وسلم عمرو بن معد يكرب وكان قد قال لقيس بن المكشوح إنك سيد قومك وإن محمدا قد خرج بالحجاز نبيا فاقدم بنا عليه فإنا إن قدمنا عليه لم يخف علينا أمره فأبى قيس بن المكشوح فقدم عمرو هو ناس معه من
256

زبيد وهجرة قيس بن المكشوح وهدد كل واحد منهما صاحبه ثم أسلم قيس بن المكشوح سنة عشر وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى فيروز الديلمي في قتال الأسود العنسي المتنبىء وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس في وفد كندة قال ابن شهاب في ثمانين رجلا من كندة فأسلم وأسلموا وقالوا يا رسول الله نحن بنو آكل المرار وأنت من بني آكل المرار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نحن من بني النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم وقال لهم ائتوا العباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث فناسبوهما بهذا النسب وذلك أن العباس وربيعة كانا تاجرين يضربان في البلاد فكانا إذا نزلا بقوم قالا نحن بنو آكل المرار يتعززان بذلك فكان الأشعث يقول والله لا أسمع أحدا يقول إن قريشا بنو آكل المرار إلا ضربته ثمانين ولآكل المرار هو الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن كندي ويقال كندة قال ابن هشام والأشعث بن قيس من ولد آكل المرار من قبل النساء وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبد الله الأزدي فأسلم وحسن إسلامه في وفد من الأزد وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وأمره أن يجاهد بمن أسلم من يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك بدخلوهم في الإسلام وإسلام همدان ومعافر وذي رعين فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا محفوظا عند الرواة وبعث إليه زرعة ذو يزن بن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامه وإسلام قومه ومفارقتهم الشرك فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا وبعث فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي ثم النفاثي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا
257

بإسلامه وأهدى له بغلة بيضاء وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب بأرض الشام فلما بلغ الروم إسلامه طلبوه حتى أخذوه فحبسوه فمات في حبسهم وقد كان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية قبل خيبر رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبيبي من بني ضبيب فأهدى له غلاما وأسلم وحسن إسلامه وقال أبو إسحق السبيعي وغيره كانت همدان قد قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك فآمنوا وأسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر ابن هشام خبرهم ورجزهم وشعرهم وما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وذكر أنهم قدموا في الحبرات والعمائم العدينة وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم وإسلامهم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران يدعوهم إلى الإسلام فأسلموا ودخلوا فيما دعاهم خالد إليه من الإسلام فأقام عندهم خالد يعلمهم كتاب الله وشريعة الإسلام وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليه من أهل نجران ومن انضاف إليهم فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كتابه وأمره بالقدوم عليه فقدم ومعه وفد بني الحارث بن كعب فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث معهم عمرو بن حزم يفقههم في الدين ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام ويأخذ منهم صدقاتهم وكتب له بذلك كتابا فيه الصدقات والديات وكثير من سنن الإسلام ورجع وفد بني الحارث بن كعب إلى قومهم في بقية شوال أو صدر ذي القعدة فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
258

حجة الوداع قال ابن إسحاق فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو القعدة من سنة عشر تجهز للحج وأمر الناس الجهاز له وخرج لخمس ليال بقين من ذي القعدة فيما حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد عن عائشة قال ابن هشام واستعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي وقيل سباع بن عرفطة الغفاري قال أبو عمر ما كان في كتابنا هذا عن ابن إسحاق فروايتنا فيه عن عبد الوارث بن سفيان عن قاسم بن أصبغ عن محمد بن عبد السلام الخشني عن محمد بن البرقي عن ابن هشام عن زياد البكائي عن محمد بن إسحاق وقراءة مني أيضا على عبد الله بن محمد بن يوسف عن ابن مفرج عن ابن الأعرابي عن العطاردي عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق وقراءة مني أيضا على عبد الوارث بن سفيان عن قاسم بن أصبغ عن عبيد بن عبد الواحد البزار عن أحمد بن محمد بن أيوب عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق وما كان فيه عن موسى بن عقبة فقرأته على عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن محمد بن أحمد عن قاسم عن مطرف بن عبد الرحمن بن قيس عن يعقوب عن ابن فليح عن موسى بن عقبة ولي في ذلك روايات
259

وأسانيد مذكورة في صدر كتاب الصحابة وفي الفهرسة روايتنا لكتاب الواقدي وغيره تركنا ذلك ههنا خشية الإطالة بذكره وفي كتاب أبي بكر بن أبي خيثمة روايتي له عن عبد الوارث عن قاسم عنه من ذلك أطراف والله المحمود على عونه وفضله كثيرا كما هو أهله قال الفقيه أبو عمر رضي الله عنه قال جماعة من أهل العلم بالسير والأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحج في الإسلام إلا ثلاث حجات اثنتين بمكة وواحدة بعد فرض الحج عليه من المدينة
حديث جابر في حجة الوداع وأحسن حديث في الحج وأتمه حديث جابر
حدثناه أحمد بن سعيد بن بشر وأحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قالا حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا محمد بن مسعود قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن جعفر بن محمد قال حدثني أبي قال أتينا جابر بن عبد الله وهو في بني سلمة فسألناه عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثنا أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مكث بالمدينة تسع سنين ثم أذن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج العام فنزل بالمدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله ويفعل ما يفعل فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة وخرجنا معه حتى أتى ذا
260

الحليفة ونفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اغتسلي واستثفري بثوب ثم أهلي فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال ولبى الناس والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ولا يقول لهم شيئا فنظرت مد بصري بين يدي رسول الله من راكب وماش ومن خلفه مثل ذلك وعن يمينه مثل ذلك وعن شماله مثل ذلك قال جابر ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ينزل عليه القرآن وهو يعلم تأويله وما عمل به من شيء عملنا فخرجنا لا ننوي إلا الحج حتى أتينا الكعبة فاستلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود ثم رمل ثلاثا ومشى أربعا حتى إذا فرغ عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأ * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * قال جعفر قال أبي فقرأ فيهما بالتوحيد * (قل هو الله أحد) * و * (قل يا أيها الكافرون) * ثم استلم الحجر الأسود ثم خرج إلى الصفا فقال نبدا بما بدأ الله به وقرأ * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * ورقى على الصفا حتى إذا نظر إلى البيت كبر ثم قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا اله وحده أنجز وعده وصدق عبده وغلب أو قال هزم الأحزاب وحده ثم دعا ثم رجع إلى هذا الكلام ثم
261

دعا ثم رجع إلى هذا الكلام ثم نزل حتى إذا انصبت قدماه في الوادي سعى حتى صعد مشيا حتى أتى المروة فرقى عليها حتى إذا نظر إلى البيت قال عليها كما قال على الصفا فلما كان السابع بالمروة قال يا أيها الناس إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فحل الناس كلهم وقال سارقة بن جعثم وهو في أسفل المروة يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ثم قال للأبد بل لأبد الأبد ثلاث مرات وقال دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وقدم علي رضي الله عنه من اليمن وقدم معه بهدي وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه هديا من المدينة فإذا فاطمة قد حلت ولبست ثيابا صابغة واكتحلت فأنكر ذلك عليها قالت أمرني أبي قال علي بالكوفة لم يذكره جابر فانطلقت محرشا أستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي ذكرت فاطمة قال قلت إن فاطمة لبست ثيابا صابغة واكتحلت وقالت أمرني أبي قال صدقت صدقت أنا أمرتها قال جابر فقال لعلي بم أهللت قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسولك قال عليه السلام فإن معي الهدي فلا تحل بحال وكان جماعة الهدي الذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة والذي أتى به علي مائة فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثلاثا وستين وأعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل
262

بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكلا من لحمها وشربا من مرقها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحرت ههنا ومني كلها منحر ووقف بعرفة وقال وقفت ههنا وعرفة كلها موقف ثم أتى المزدلفة فقال وقفت ههنا ومزدلفة كلها موقف
أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثنا سليمان بن الأشعث أبو داود قال حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وعثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن وربما زاد بعضهم على بعض الكلمة قالوا حدثنا حاتم بن إسماعيل وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا حاتم بن إسماعيل وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا محمد بن سعيد الأصفهاني وهارون بن معروف قالا حدثنا حاتم بن إسماعيل وبعضهم يزيد على بعض الكلمة والكلمتين والمعنى واحد قال حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال دخلنا على جابر بن عبد الله وهو يومئذ قد ذهب بصره فسأل عن القوم حتى انتهى إلي فقلت أنا محمد بن علي بن حسين بن علي وأنا يومئذ غلام شاب فرحب وسهل ودعا لي فقالوا جئنا نسألك فقال لي سل عما شئت يا ابن أخي فقلت أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد تسعا ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل بمثل عمله فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع قال اغتسلي
263

واستثفري بثوب وأحرمي وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه ويساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعلم تأويله فما عمل به من شيء عملنا به فأهل بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهل الناس بهذا الذي يهلون به فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا منه ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته قال جابر لسنا ننووي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * فجعل المقام بينه وبين البيت قال جعفر فكان أبي يقول ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان يقرأ في الركعتين * (قل هو الله أحد) * و * (قل يا أيها الكافرون) * ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) * نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاسقبل القبلة ووحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات
264

ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا حتى إذا كان في آخر طواف على المروة قال لو أني اسقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فحل الناس كلهم إلا النبي عليه السلام ومن كان معه هدي فقال سراقة بن جعثم يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ثم قال دخلت العمرة في الحج مرتين لا
بل لأبد الأبد قال وقدم علي من اليمن ببدن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت أبي أمرني بهذا فكان علي يقول بالعراق فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة للذي صنعت مستفتيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه وأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقال صدقت صدقت ثم قال ماذا قلت حين فرضت الحج قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسوله قال فإن معي الهدي فلا تحل قال فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة قال فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي عليه السلام ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
265

تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس فقال إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلا كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي ودماء الجاهلية موضوعة وإن أول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم مالن تضلوا بعده أبدا إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم مسؤولون عني فما أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء ويشير إلى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى
266

العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حين غاب القرص وأردف أسامة بن زيد خلفه ودفع وقد شنق القصواء حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة السكينة كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده ولم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وكان رجلا أبيض حسن العشر وسيما فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به الظعن يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر حتى أتى محسرا فحرك قليلا ثم سلك الطريق
267

الوسطى التي تخرج إلى ما يلي الجمرة الكبرى حتى أتى الجرمة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصا مثل حصا الحذف رماها من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت فأفاض وصلى بمكة الظهر وأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال انزعوا يا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم وناولوه دلوا فشرب منه صلى الله عليه وسلم
268

باب ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
روى وكيع عن سفيان عن عاصم عن ابن أبي رزين عن ابن عباس قال لما نزلت * (إذا جاء نصر الله والفتح) * السوة كلها علم النبي عليه السلام أنه قد نعيت إليه نفسه وسأل عمر بن عباس عن هذه السورة فقال يقول له اعلم أنك ستموت عند ذلك فقال عمر لله درك يا ابن عباس إعجابا بقوله وقد كان سأل عنها غيره من كبار الصحابة فلم يقولوا ذلك ثم لما دنت وفاته أخذه وجعه في بيت ميمونة فخرج إلى أهل أحد فصلى عليهم صلاته على الميت وكان أول ما يشكو في علته الصداع فيقول وا رأساه ثم لما اشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له في ذلك فمرض في بيت عائشة إلى أن مات فيه صلى الله عليه وسلم وكان يقول في مرضه ذلك لعائشة ما زلت أجد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر ما زالت تلك الأكلة تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري وأغمي عليه
269

فظنوا أن به ذات الجنب فلدوه وكان العباس الذي أشار بذلك فلما أفاق أنكر ذلك عليهم وأمر بالقصاص في ذلك منهم واستثنى العباس برأيه فلد كل من حضر في البيت إلا العباس وأوصاهم في مرضه بثلاث أن يجيزوا الوفد بنحو مما كان يجيزهم به وأن لا يتركوا في جزيرة العرب دينين قال أخرجوا منها المشركين والله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم فأحسنوا إليهم وقال لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وقال لهم هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا فاختلفوا وتنازعوا واختصموا فقال قوموا عني فإنه لا ينبغي عندي تنازع وكان عمر القائل حينئذ قد غلب عليه وجعه وربما صح وعندكم القرآن فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم وسار فاطمة رضي الله عنها في مرضه ذلك فقال لها إن جبريل كان يعرض علي القرآن كل عام مرة وإنه عرضه علي العام مرتين وما أظن إلا أني ميت من مرضى هذا فبكت فقال لها ما يسرك أنك سيدة نساء أهل الجنة ما عدا مريم بنت عمران فضحكت وكان يقول في صحته ما يموت نبي حتى يخير ويرى مقعده روته عائشة
270

قالت فلما اشتد مرضه جعل يقول مع الرفيق الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وقال حين عجز عن الخروج إلى المسجد مروا أبا بكر فليصل بالناس وخرج يوما من أيام مرضه إلى المسجد تخط رجلاه في الأرض يحمله رجلان أحدهما علي والآخر العباس وقيل الفضل بن عباس وقال في مرضه هريقوا
علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس فأجلس في مخضب لحفصة ثم صب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير بيده أن حسبكم ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وقد أوضحنا معاني صلاته في مرضه بالناس مع أبي بكر ومكان المقدم منهما وما يصح في ذلك عندنا في كتاب التمهيد وبالله توفيقنا وأصبح الناس يوما يسألون عليا والعباس عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اشتدت به الحال فقال علي أصبح بخير فقال العباس ما الذي تقول والله لقد رأيت في وجهه من الموت ما لم أزل أعرفه في وجوه بني عبد المطلب ثم قال له يا علي اذهب بنا نسأله فيمن يكون هذا الأمر بعده فكره علي ذلك فلم يسألاه واشتد به المرض فجعل يقول لا إله إلا الله إن للموت لسكرات الرفيق الأعلى فلم يزل يقولها حتى مات ومات صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين بلا اختلاف قيل في وقت دخوله المدينة في هجرته حين اشتد الضحى في صدر ربيع الأول سنة إحدى عشرة لتمام عشر سنين من الهجرة ودفن يوم الثلاثاء وقيل بل دفن ليلة الأربعاء ولم يحضر غسله ولا تكفينه إلا أهل بيته غسله علي وكان الفضل بن عباس يصب عليه الماء والعباس يعينهم وحضرهم
271

شقران مولاه وقد ذكرنا في صدر كتاب الصحابة سؤاله في هذا المعنى ولم يصدق عمر بموته وأنكر على من قال مات وخرج إلى المسجد فخطب وقال في خطبته إن المنافقين يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى عليه السلام فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم والله ليرجعن رسول الله كما رجع موسى فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله مات وأتى أبو بكر بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف له عن وجهه صلى الله عليه وسلم فقبله وأيقن بموته ثم خرج فوجد عمر رضي الله عنه يقول تلك المقالة فقال له اجلس فأبى عمر فقال له اجلس فأبى فتنحى عنه وقام خطيبا فانصرف الناس إليه وتركوا عمر فقال أبو بكر رضي الله عنه أما بعد فمن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ثم تلا * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) * الآية قال عمر رضي الله عنه فلما سمعتها من أبي بكر عرفت ما وقعت فيه وكأني لم أسمعها قبل ثم اجتمع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعدة فبايعوا أبا بكر رضي الله عنهم أجمعين ثم بايعوه بيعة أخرى من الغد على ملإ منهم ورضا فكشف الله به الكربة من أهل الردة وقام به الدين والحمد لله رب العالمين كمل كتاب الدرر بحمد الله وعونه وحسن
272