الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ١٣
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

بسم الله الرحمن الرحيم
محمد بن يحيى بن حبان لمالك عنه أربعة أحاديث (مسندة 1) صحاح وهو محمد بن يحيى بن حبان بن منقذ وقد ذكرنا (جده هذا) (2) في الصحابة بما يغني عن ذكره ها هنا ويكنى محمد بن يحيى بن حبان أبا عبد الله وكان ثقة مأمونا على ما جاء به حجة فيما نقل سكن المدينة ومات بها سنة إحدى وعشرين ومائة وهو ابن اربع وسبعين سنة قال محمد بن عمر الواقدي كانت لمحمد بن يحيى بن حبان حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يفتي وكان مالك يثني عليه ويصفه بالعلم والعبادة قال يحيى بن معين وقد سمع (ابن) (3) عمر
7

حديث أول لمحمد بن يحيى بن حبان مالك عن محمد بن يحيى بن حبان وعن أبي الزناد عن الآعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة (1) (قال أبو عمر هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته (1) بهذا الإسناد وقد روى فيه مسلم بن خالد (2) عن مالك إسنادا آخر (محفوظا أيضا) (2) من حديث ابن شهاب وان كان غير معروف لمالك حدثنا (3) خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرازي حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح بن صفوان السهمي حدثنا أبي حدثنا مسلم بن خالد الزنجي أخبرنا مالك بن أنس وزياد عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول نهى (4) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة والملامسة لمس الرجل الثوب (5)
8

لا (1) ينظر إليه ولا يخبر عنه والمنابذة أن يطرح الرجل الثوب إلى الرجل قبل أن يقلبه وينظر إليه هكذا جاء هذا التفسير في درج هذا (2) الحديث وقد فسره مالك في الموطأ بمثل ذلك المعنى وذكر الدارقطني هذا الخبر عن أبي العباس أحمد بن الحسن الرازي بإسناده (3) مثله الا أنه قال في موضع وزياد وابن زياد وقال هو عبد الله بن زياد بن سمعان المزني متروك الحديث وهذا وهم وغلط وظن لا يغني من الحق شيئا وليس ذكر ابن زياد في هذا الحديث له وجه (4) وإنما هو زياد لا ابن زياد وهو زياد بن سعد الخراساني والله أعلم وقال مالك بأثر هذا الحديث والملامسة ان يلمس الرجل الثوب ولا ينشره ولا يتبين ما فيه أو يبتاعه ليلا وهو لا يعلم ما فيه قال (5) والمنابذة ان ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الرجل الآخر (إليه) (6) ثوبه على غير تأمل منهما ويقول كل واحد منهما لصاحبه هذا بهذا فهذا الذي نهى عنه من الملامسة والمنابذة) (7) قال أبو عمر في هذا الحديث على المعنى الذي فسره مالك دليل على أن بيع من باع ما لا يقف على عينه ولا يعرف مبلغه من كيل أو وزن أو فرع أو عدد أو شراء من اشترى
9

ما لا يعرف قدره ولا عينه ولا وقف عليه فتأمله ولا اشتراه على صفة باطل وهو عندي داخل تحت جملة ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيع الغرر والملامسة وقد جاء نحو هذا التفسير مرفوعا في الحديث من حديث أبي سعيد الخدري أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا المطلب (1) بن شعيب (1) قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عامر بن سعد أن أبا سعيد الخدري قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين نهى عن ا لملامسة والمنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل والنهار ولا يقلبه الا بذلك والمنابذة ان ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر إليه ثوبه ويكون ذلك بيعهما على غير نظر ولا تراض هكذا روى هذا الحديث يونس عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبي سعيد الخدري
10

حدث به عنه ابن وهب وعنبسة والليث ولم يذكر بعضهم فيه هذا التفسير وقد يمكمن أن يكون التفسير قول الليث أو لابن شهاب فالله أعلم وروى (1) هذا الحديث معمر وابن عيينة عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيدالخدري وليس في حديثهما التفسير الذي في حديث الليث عن يونس وهو تفسير مجتمع عليه لا تدافع ولا تنازع فيه والملامسة والمنابذة بيوع كان أهل الجاهلية يتبايعونها وهي ما تقدم وصفه فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وهي كلها داخلة تحت الغرر (والقمار) (2) فلا يجوز شيء منها بحال وقد روى هذا الحديث جعفر بن برقان (1) عن الزهري عن سالم عن أبيه فأخطأ في إسناده عند أهل العلم بالحديث وفسره أيضا تفسيرا حسنا بمعنى ما تقدم حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم ابن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا كثير
11

ابن هشام قال نا جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين عن الملامسة والمنابذة وهي بيوع كانوا يتبايعون بها في الجاهلية قال كثير فقلت لجعفر ما المنابذة وما الملامسة قال المنابذة أن يقول الرجل للرجل إذا نبذته إليك فهو لك بكذا وكذا والملامسة أن يعطى للرجل الشيء ثم يلمسه المشتري وهو مغطى لا يراه قال أبو عمر الأصل في هذا الباب كله النهي عن القمار والمخاطرة وذلك الميسر المنهى عنه مع نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وعن بيع الحصاة ومعنى بيع الحصاة أنهم (كانوا) (1) يقولون إذا تبايعوا بيع الحصاة في أشياء حاضرة العين أي شيء منها وقعت عليه حصاتي هذه فهو لك بكذا ثم يرمي الحصاة هذا كله (كان) (2) من بيوع أهل الجاهلية فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال مالك في الساج المدرج في جرابه والثوب القبطي المدرج إنه لا يجوز بيعهما حتى ينشر أو ينظر إلى ما في أجوافهما (3) وذلك أن بيعهما من بيع الغرر وهو من الملامسة قال وفرق (4) بين ذلك وبين بيع البز وغيره في الأعدال على البرنامج الامر المعمول به من عمل الماضين
12

(وعند مالك وأصحابه من الملامسة البيع من الأعمى على اللمس بيده وبيع البز وسائر السلع ليلا دون صفة قال الشافعي في تفسير الملامسة والمنابذة نحو قول مالك) (1) قال الشافعي معنى الملامسة ان يأتيه بالثوب مطويا فيلمسه المشتري أو يأتيه به في ظلمة فيقول رب الثوب أبيعك هذا على أنه إذا وجب البيع فنظرت إليه فلا خيار لك والمنابذة ان يقول انبذ إليك ثوبي هذا وتنبذ (2) إلي ثوبك على أن كل واحد منهما بالآخر ولا خيار إذا عرفنا الطول والعرض فهذا يدل من قوله على أن الملامسة والمنابذة لو كان فيهما (3) خيار الرؤية (4) والنظر لم يبطل والله أعلم وقال أبو حنيفة وأصحابه الملامسة والمنابذة بيعان لأهل الجاهلية كان إذا وضع يده على ما ساوم به ملكه بذلك صاحبه وإذا نبذه إليه ملكه أيضا ووجب ثمنه عليه وإن لم تطب نفسه فكان ذلك يجري مجرى القمار لا على جهة التبايع وقال الزهري الملامسة ان
القوم كانوا يتبايعون السلع ولا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها والمنابذة أن يتنابذ القوم السلع ولا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها فهذا من أبواب القمار
13

قال أبو عمر في قول الزهري هذا إجازة للبيع على الصفة ألا ترى إلى قوله ولا يخبرون (عنها) (1) وقال ربيعة الملامسة والمنابذة من أبواب القمار قال أبو عمر أبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان عليه أهل الجاهلية من أخذ الشيء على وجه القمار وإباحه بالتراضي وبذلك نطق القرآن في قوله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) * وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع كثيرة وان تراضى بها المتبايعان كلها أو أكثرها مذكورة في كتابنا هذا في مواضعها (2) والحمد لله (والحكم في بيع الملامسة والمنابذة كله وما كان مثله ان أدرك فسخ وأن فات رد إلى قيمته يوم قبض بالغا ما بلغ (3)) واختلف الفقهاء من هذا الباب في البيع على البرنامج وهو بيع ثياب أو سلع غيرها على صفة موصوفة والثياب حاضرة لا يوقف على عينها لغيبتها في عدلها ولا ينظر إليها فأجاز (4) ذلك مالك وأكثر أهل المدينة إذا كان فيه الذرع والصفة فإن وافقت الثياب الصفة لزمت (5) المبتاع على ما أحب أو كره وهذا (عنده) (6) من باب بيع الغائب على الصفة لمغيب الثياب
14

والمتاع (1) في الاعدال وقال أبو حنيفة والشافعي وجماعة لا يجوز البيع على البرنامج البتة لأنه بيع عين حاضرة غير مرئية (والوصول إلى رؤيتها ممكن) (2) فدخل بيعها في باب الملامسة والغرر والقمار عندهم وأما مالك فالصفة عنده تقوم مقام المعاينة (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها فأقام هنا الصفة مقام المعاينة) (3) وقال مالك يجوز بيع السلع كلها وان لم يرها المشتري إذا وصفها له ولم يشترط النقد قال فإن لم يصفها لم يجز ولا يجوز بيع الغائب عنده البتة الا بالصفة أو على رؤية تقدمت واختلفوا أيضا في بيع الغائب على الصفة فقال مالك لا بأس ببيع الأعيان الغائبة على الصفة وإن لم يرها البائع ولا المشتري إذا وصفوها فإذا جاءت على الصفة لزمهما البيع ولا يكون لواحد منهما خيار الرؤية إلا أن يشترطه فإن اشترطه كان ذلك (له) (4) وبقول مالك في ذلك قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وأبو ثور وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي جائز بيع الغائب على الصفة وعلى غيرالصفة وصف أو لم يوصف وللمشتري خيار الرؤية إذا رآه وروى محمد بن كثير عن الأوزاعي في بيع الغائب على الصفة أنه جائز ويلزم البائع والمشتري إذا وافق
15

الصفة ولا خيار في ذلك كقول مالك سواء وان لم يوافق الصفة فله الخيار ألا أن الأوزاعي فيما روى عنه محمد بن كثير يجعل المصيبة من المشتري إذا كان على الصفة وإن لم يقبضه المشتري على مذهب ابن عمر واختلف قول مالك في هذا الموضع فمرة قال المصيبة من المشتري إذا خرج البيع على الصفة وأدركته الصفقة على ذلك حيا سالما قبضه أو لم يقبضه وهو قول ابن عمر وسليمان بن يسار ومرة قال المصيبة من البائع أبدا حتى يقبضه المبتاع وهو قول سعيد ابن المسيب وإليه ذهب ابن القاسم جعل النماء والنقصان والموت في ذلك من البائع (أبدا) (1) حتى يقبضه المبتاع (2) وتحصيل قول مالك في هذه المسألة (في بيع الغائب) (3) خاصة على الصفة أو على رؤية كانت ان البيع إذا انعقد في ذلك أو في شيء منه فهلك المبيع بعد الصفقة وقبل القبض ان مصيبته من البائع الا أن يكون المشتري قد اشترط عليه البائع أن المصيبة منك أن أدركته حيا وهو أحد قولي مالك وقد كان مالك يقول أن المصيبة من المبتاع الا أن يشترط أنها من البائع حتى يقبضها مبتاعها والشرط عنده في ذلك لمن اشترطه نافع لازم
16

وذكر إسماعيل ابن إسحاق (1) عن عبد الملك بن الماجشون ان بيع الصفة ما يحدث فيه بعد الصفقة ليس فيه عهدة وأنه كبيع البراءة ومصيبته أبدا قبل القبض من المبتاع ولا يجوز عند مالك النقد في بيع الغائب من العروض كلها حيوانا أو غيره إذا كانت غيبته بعيدة فإذا كانت غيبته قريبة مثل اليوم واليومين جاز النقد فيه وقد اختلف أصحابه (2) عنه واختلفت أقوالهم في حد المغيب الذي يجوز فيه النقد في الطعام والحيوان مما (3) يطول ذكره ولا خلاف عنهم أن النقد في العقار المأمون كله جائز إذا لم يكن بيع خيار وللشافعي في بيع الغائب ثلاثة أقوال أحدهما كقول مالك والثاني كقول أبي حنيفة والثالث الذي حكاه عنه الربيع والبويطي أنه لا يجوز بيع (4) الأعيان الغائبة بحال فلا يجوز عنده على القول الثالث وهو الذي حكاه البويطي عنه الا بيع عين مرئية قد أحاط البائع والمبتاع علما بها أو بيع مضمون في الذمة موصوف وهو السلم وقال المزني الصحيح من قول الشافعي أن شراء الغائب لا يجوز وصف أو لم يوصف ذكر أبو القاسم القزويني (5) القاضي قال الصحيح عن الشافعي إجازة بيع الغائب على خيار الرؤية
17

إذا نظر إليه وافق الصفة أو لم يوافقها مثل قول أبي حنيفة والثوري سواء قال هذا في كتبه المصرية وقال بالعراق في بيع الغائب مثل قول مالك سواء أنه لا خيار له إذا وافق الصفة حكاه عنه أبو ثور وبه قال أبو ثور وقال أبو حنيفة وأصحابه في المشتري يرى الدار من خارجها ويرى الثياب مطوية من ظهورها فيرى مواضع طيها ثم يشتريها انه لا يكون له خيار الرؤية في شيء من ذلك وأما هلاك المبيع قبل القبض غائبا كان أو حاضرا عند الشافعي وأبي حنيفة فمن البائع أبدا ومن الدليل على جواز بيع الغائب مع ما تقدم في هذا الباب أن السلف كانوا يتبايعونه ويجيزون بيعه فمن ذلك ان عثمان وعبد الرحمن بن عوف تبايعا فرسا غائبا عنهما وتبايع عثمان أيضا وطلحة دارا لعثمان بالكوفة ولم يعينها (1) عثمان ولا طلحة وقضى جبير بن مطعم لطلحة فيها بالخيار وهو المبتاع فحمله العراقيون على خيار الرؤية وحمله أصحاب مالك على أنه كان اشترط الخيار فكأن (2) بيع الخيار اجماع من الصحابة إذ لا يعلم لهؤلاء مخالف منهم ودخل في معنى الملامسة والغرر أشياء بالاستدلال يطول ذكرها ان ذكرناها خرجنا عن شرطنا وعماله قصدنا وبالله عصمتنا وتوفيقنا
18

حديث ثان لمحمد بن يحيى بن حبان مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه (1) قال أبو عمر هذا حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن أبي هريرة من وجوه ورواه أيضا ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى فيه عند أهل العلم بالحديث أن الخاطب إذا ركن إليه وقرب أمره ومالت النفوس بعضها إلى بعض في ذلك وذكر الصداق ونحو ذلك لم يجز لأحد حينئذ الخطبة
على رجل قد تناهت حاله وبلغت ما وصفنا والدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خطب لأسامة بن زيد فاطمة بنت قيس إذ (1) أخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباها ولم ينكر أيضا خطبة واحد منهما وخطبها على خطبتهما إذ لم يكن من فاطمة ركون وميل والله أعلم وهذا الباب يجري مجرى قوله صلى الله عليه وسلم لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يسوم (2) أحدكم على سوم
19

أخيه الا ترى أنه لو ترك البائع مع أول مساوم لأخذ السلعة بما شاء ولكان في ذلك ضرر بين داخل على الناس وقد فسر مالك والشافعي وأبو عبيد هذا الحديث بمعنى ما ذكرناه ومعلوم أن الحال التي أجاز فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطبة لأسامة في الحديث المذكور غير الحال التي نهى ان يخطب فيها الرجل على خطبة أخيه وإذا كان ذلك كذلك فالوجه فيه ما وصفنا إن شاء الله تعالى حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن شاذان (1) قال حدثنا المعلى بن منصور قال حدثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير قال سألت عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو بن حفص عن طلاق جده فاطمة بنت قيس فقال عبد الحميد طلقها البتة ثم خرج إلى اليمن وذكر الحديث وفيه فانتقلت إلى ابن أم مكتوم حتى خلت فخطبها معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم بن حذيفة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما معاوية فغلام من غلمان قريش لا يملك شيئا وإما أبو جهم بن حذيفة فإني أخاف عليك عصاه ولكن إن شئت دللتك على رجل أسامة بن زيد قالت نعم يا رسول الله فزوجها أسامة بن زيد ففي (2) هذا الحديث أوضح الدلالة على معنى النهي ان يخطب الرجل على خطبة أخيه وأن (3) الوجه فيه ما ذكرنا والله أعلم
20

وذكر ابن وهب قال أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن عبيد الله بن سعد عن الحارث بن أبي ذياب أن جريرا البجلي أمره عمر بن الخطاب أن يخطب امرأة من دوس (1) ثم أمره (2) مروان بن الحكم من بعد ذلك أن يخطبها (عليه) (3) ثم أمره عبد الله بن عمر بعد ذلك (4) فدخل عليها فأخبرها بهم الأول فالأول ثم خطبها لنفسه (5) فقالت والله ما أدري أتلعب (6) أم أنت جاد قال بل جاد فنكحته وولدت (7) له ولدين وهذا يبين لك معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه إنه كما قال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء أن ذلك ان تركن إليه ويتراضيا ويتفقا على صداق معلوم وهي تشترط لنفسها ونحو ذلك مما تعلم به الموافقة والركون والله أعلم وذكر إسماعيل (بن) (8) أبي أويس قال سئل مالك عن رجل خطب امرأة وركنت إليه واتفقا على صداق معروف حتى صارت من (اللواتي) (9)
21

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطب الرجل على خطبة أخيه قال قال (1) مالك إذا كان (هكذا) (2) فملكها (3) رجل آخر ولم يدخل بها فإنه يفرق بينهما وان دخل بها مضى (النكاح) (4) وبينما صنع حين خطب امرأة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تخطب على (تلك) (5) الحال قال وسمعت مالكا يقول أكره إذا بعث الرجل رجلا يخطب له امرأة أن يخطب الرسول لنفسه وأراها خيانة قال (6) ولم أسمع أحدا أرخص في ذلك قال أبو عمر ذلك (7) عندي على أنه لم يذكر الرجل المرسل له ولو ذكره وذكر نفسه لم يكن بذلك بأس على حديث عمر المذكور والله أعلم ولم يختلف العلماء في أنه إذا لم يكن ركون ولا رضى أن النكاح جائز واختلفوا إذا وقع النكاح مع الثاني بعد الركون إلى الأول والرضى به فقول مالك ما ذكرنا وقد روى عنه أنه يفسخ على كل حال وروى عنه أنه لا يفسخ أصلا وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وقول الشافعي أنه لا يفسخ واختلف عنه هل هو عاص بفعله ذلك أم لا
22

وقال داود يفسخ النكاح على كل حال (1) وقال ابن القاسم إذا تزوج الرجل المرأة بعد أن ركنت إلى غيره فدخل بها (فإنه) (2) يتحلل الذي خطبها (3) عليه ويعرفه بما صنع فإن حلله والا فليستغفر (4) الله من ذلك وليس يلزمه طلاقها وقد أثم فيما فعل وقال ابن وهب أن لم يجعله الأول في حل مما صنع فليطلقها فإن رغب فيها الأول وتزوجها فقد برئ هذا من الإثم وإن كره تزويجها (5) فليراجعها (6) الذي فارقها بنكاح جديد وليس يقضي عليه بالفراق وقال ابن القاسم إنما معنى النهي في أن يخطب الرجل على خطبة أخيه في رجلين صالحين وأما إذا كان الذي خطبها أولا فركنت إليه رجل سوء فإنه ينبغي للولي أن يحضها على تزويج الرجل الصالح الذي يعلمها الخير ويعينها عليه (قال أبو عمر تحصيل مذهب مالك في نكاح من خطب على خطبة أخيه في الحال الذي لا يجوز له أن يخطب فيها أنه ان لم يكن دخل (بها) (7) فرق بينهما وإن كان دخل مضى النكاح وبئس ما صنع) (8)
23

وقال الشافعي هي مصيبة ويستغفر الله منها والنكاح ثابت دخل أو لم يدخل وهو مع هذا مكروه لا ينبغي لأحد أن يفعله وبمثل ما قال الشافعي بقول أبو حنيفة وأصحابه وجماعة وهو القياس لأن النكاح لو كان فاسدا محرما غير منعقد لم يصح بالدخول وعلى أصل مالك إنما يصح بالدخول من النكاح ما كان فساده في الصداق وأما ما كان فساده في العقد فمحال أن يصح بالدخول والنكاح مفتقر إلى صحة العقد وقد ينعقد مع السكوت عن الصداق فافهم (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة هذا في النهي عن (1) ان يخطب الرجل على خطبة أخيه ألفاظ زائدة وهي في معنى ما ذكرنا لا تخالفه إن شاء الله حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا المعلى بن منصور قال حدثنا المغيرة ابن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك
24

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم (1) الدمشقي قال حدثنا الوليد قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني أبو كثير أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستام الرجل على سوم أخيه حتى يشتري أو يترك ولا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك وقد رويت أيضا في حديث ابن عمر في ذلك ألفاظ سنذكرها في باب نافع من كتابنا هذا إن شاء الله (2)
25

حديث ثالث لمحمد بن يحيى بن حبان مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين يوم الفقر ويوم الأضحى (1) (قال أبو عمر) (1) قد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب ابن شهاب عن أبي عبيد وصيام هذين اليومين لا خلاف بين العلماء انه لا
يجوز على حال من الأحوال لا لمتطوع ولا لناذر ولا لقاض فرضا ولا لمتمتع لا يجد هديا ولا لأحد من الناس كلهم أن يصومهما (وهو) (2) إجماع لا تنازع فيه فارتفع القول في ذلك وهما يومان حرام صيامهما فمن نذر صيام واحد منهما فقد نذر معصية وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ولو نذر ناذر صيام يوم بعينه أو (صياما بعينه) (3) مثل صيام سته بعينها وما كان مثل ذلك فوافق
26

ذلك يوم فطر أو أضحى فأجمعوا أن لا يصومهما واختلفوا في قضائهما ففي (أحد) (1) قولي الشافعي وزفر بن الهذيل وجماعة ليس عليه قضاؤهما (وهو قول ابن كنانة صاحب مالك) (2) وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يقضيهما وهو قول الحسن بن حيي والأوزاعي وآخر قولي الشافعي (4) وقد روى عن الأوزاعي أنه يقضيهما إلا أن ينوي أن لا يقضيهما ولا يصومهما واختلف قول مالك في ذلك على ثلاثة أوجه (5) أحدها أنه يقضيهما والآخر أنه يقضيهما إلا أن يكون نوى أن لا يقضيهما والثالث أنه لا يقضيهما إلا أن يكون نوى أن يصومهما روى الرواية الأولى عنه ابن وهب والروايتين الأخريين (6) ابن القاسم قال ابن وهب قال مالك فيمن نذر أن يصوم ذا الحجة فإنه يفطر يوم النحر ويومين بعده ويقضي وأما آخر أيام التشريق فإنه يصومه وروى ابن القاسم عن مالك فيمن نذر صيام سنة بعينها أنه يفطر يوم الفطر وأيام النحر ولا قضاء عليه إلا أن يكون نوى أن يصومها قال ثم سئل بعد ذلك عمن أوجب صيام ذي الحجة فقال يقضي أيام الذبح إلا أن يكون نوى أن لا قضاء لها قال ابن القاسم قوله الأول حب إلي أن لا قضاء عليه إلا أن ينوي أن يقضيه فاما آخر
27

أيام التشريق الذي ليس فيه دم فإنه يصومه ولا يدعه وقال الليث بن سعد فيمن جعل على نفسه صيام سنة أنه يصوم ثلاثة عشر شهرا لمكان رمضان ويومين لمكان الفطر والأضحى ويصوم أيام التشريق وقال المرأة في ذلك مثل الرجل وتقضي أيام الحيض وروي عنه فيمن نذر صيام الاثنين والخميس يوافق ذلك الفطر والأضحى إنه يفطر ولا قضاء عليه وهذا خلاف الأول إلا إني أحسب إنه جعل الاثنين والخميس كمن نذر صيام (1) سنة بعينها والجواب الأول في سنة بعينها والقياس أن لا قضاء (2) في ذلك لأن من نذر صوم يوم بعينه أبدا لا يخلو أن يدخل يوم الفطر والأضحى في نذره أو لا يدخل فإن دخل في نذره فلا يلزمه لأن من قصد إلى نذر صومه لم يلزمه (3) ونذر ذلك باطل فإن (4) لم يدخل في نذره فهو أبعد من أن يجب عليه قضاؤه وعلى ما ذكرنا يسقط الاعتكاف عمن نذر يوم الفطر ويوم النحر عند من يقول لا اعتكاف إلا بصوم وقد اختلف عن مالك في هذه المسألة فروي عنه أنه إن اعتكف يجزئه له وروي عنه أنه لا يعتكف (5) ولا شيء عليه لأنه لا اعتكاف إلا بصوم وهو الصحيح على أصله وقال الشافعي من
28

نذر اعتكاف يوم الفطر ويوم النحر اعتكف (1) ولم يصم وأجزأه وهو قول كل من يرى الاعتكاف جائزا بغير صوم وقال محمد ابن الحسن يعتكف يوما مكانه إذا جعل ذلك على نفسه ويكفر (مكانه) (2) عن يمينه إن أراد يمينا وقد مضى القول في صيام أيام التشريق في باب مرسل ابن شهاب في هذا الكتاب والحمد لله
29

((حديث رابع لمحمد بن يحيى بن حبان))
مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس (1) قال أبو عمر هذا حديث لا يختلف في ثبوته وصحة (1) إسناده وقد روي من وجوه كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد اختلف العلماء في هذا الباب اختلافا كثيرا لاختلاف الآثار فيه فقال منهم قائلون لا بأس بالتطوع بعد الصبح وبعد العصر لأن النهي إنما قصد به إلى ترك الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها واحتجوا من الآثار برواية من روى النهي عن الصلاة في هذه الأوقات وروى ذلك جماعة من الصحابة وقد ذكرنا ذلك في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا عند ذكر حديث الصنابحي واحتجوا أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة
30

وبقوله صلى الله عليه وسلم لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها وبإجماع المسلمين على الصلاة على الجنائز بعد الصبح وبعد العصر إذا لم يكن عند الطلوع وعند الغروب قالوا فالنهي (1) عن الصلاة بعد العصر والصبح هذا معناه وحقيقته قالوا ومخرجه (2) على قطع الذريعة لأنه لو أبيحت الصلاة بعد الصبح والعصر لم يؤمن التمادي فيها إلى الأوقات المنهى عنها وهي حين طلوع الشمس وغروبها (3) هذا مذهب ابن عمر وقال به جماعة ذكر عبد الرزاق أخبرنا (4) ابن جريج عن نافع سمع ابن عمر يقول أما أنا فلا أنهى أحدا يصلي من ليل أو نهار غير أن لا يتحرى طلوع الشمس ولا غروبها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وروى مالك عن ابن دينار عن عبد الله بن عمر معناه وهو قول عطاء وطاووس وعمر وابن جريج وروي عن ابن مسعود نحوه قال أبو عمر مذهب ابن عمر في هذا الباب خلاف مذهب أبيه لأن عمر رضي الله عنه حمل الحديث في هذا الباب على العموم فكان يضرب بالدرة من رآه يصلي نافلة بعد الصبح أو بعد العصر وحديثه في ذلك ما رواه ابن عباس قال حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم
31

ابن أصبغ حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة قال سمعت أبا العالية يحدث عن ابن عباس قال حدثني ناس أعجبهم إلي عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ومذهب عائشة في هذا الباب كمذهب ابن عمر حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا عفان بن مسلم الصفار ومحمد بن أبي نعيم قالا حدثنا وهيب (1) عن ابن طاووس عن أبيه عن عائشة قالت أوهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة أن يتحرى بها طلوع الشمس أو غروبها وذكر عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال تكره الصلاة في ثلاث ساعات وتحرم في ساعتين تكره بعد العصر وبعد الصبح ونصف النهار في شدة الحر وتحرم حين يطلع قرن الشمس حتى يستوي طلوعها وحين تصفر حتى يستوي غروبها قال وأخبرنا ابن جريج قال سمعت أبا سعيد الأعمى يخبر عن رجل يقال له السائب مولى الفارسيين
عن زيد بن خالد الجهني أنه رآه عمر بن الخطاب وهو خليفة ركع بعد العصر (2) ركعتين فمشى إليه وضربه بالدرة وهو يصلي فقال له زيد يا أمير المؤمنين أضرب فوالله لا أدعهما إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما قال
32

فقال له عمر يا زيد بن خالد لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما وقال آخرون أما الصلاة بعد الصبح إذا كانت تطوعا أو صلاة سنة (1) ولم تكن قضاء فرض فلا تجوز البتة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس نهيا مطلقا ومعنى نهيه في ذلك عن غير الفرض (المعين والذي يجب منه على الكفاية كالصلاة على الجنائز) (2) بدليل قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر وقد مضى القول في هذا المعنى مجودا (3) في باب زيد بن اسلم من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته ها هنا (وممن ذهب إلى هذا ابن عمر فيما أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا (4) أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن الحسن قال الزبير بن بكار قال حدثنا عمي مصعب بن عبد الله وإبراهيم بن حمزة عن جدي عبد الله بن مصعب عن قدامة بن إبراهيم بن محمد بن حاطب قال ماتت عمتي وقد أوصت أن يصلي عليها (5) عبد الله بن عمر فجئته حين صلينا الصبح فأعلمته فقال إجلس فجلست حتى طلعت الشمس وصفت قال إبراهيم بن حمزة في
33

حديثه وبلغت الكباش (1) الذي في غربي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام يصلي عليها قالوا فبلوغ الشمس الكباش الذي في غربي المسجد (2) علم عند أهل المدينة لصلاة السبحة قالوا فهذا ابن عمر وهو يبيح الصلاة بعد العصر قد كرهها بعد الصبح قال أبو عمر قد ذكرنا مذاهب العلماء في وقت الصلاة على الجنائز في باب زيد بن اسلم من حديث الصنابحي (3) قالوا فالصلاة (4) بعد العصر لا بأس بها ما دامت الشمس مرتفعة بيضاء لم تدن للغروب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه كان يصلي النافلة بعد العصر ولم يرو عنه أحد أنه صلى بعد الصبح نافلة ولا تطوعا ولا صلاة سنة بحال واحتجوا بقول عائشة ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر في بيتي قط وبنحو ذلك من الآثار التي أباحت الصلاة بعد العصر (ولم يأت شيء منها في الصلاة بعد الصبح) (5) حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قالا حدثنا
34

جرير عن منصور عن هلال بن يساف (1) عن وهب بن الأجدع عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلى بعد العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة زاد إسحاق في حديثه بيضاء نقية وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر في بيتي ورواه ابن عيينة (وجماعة) (2) عن هشام وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس قاضي الكوفة قال حدثنا جعفر بن عون قال حدثنا (3) مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الضحى عن مسروق قال حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين بعد العصر فلم أكذبها حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قالا (4) حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أم موسى قالت (5)
35

بعثتني فاختة ابنة فرظة إلى عائشة تسألها عن الركعتين بعد العصر فأتيتها (وما أبالي) (1) ما قالت بعد الذي رأيت من علي فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر ركعتين وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترميذي قال حدثنا أبو تميم (2) قال حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال حدثني أبي عن عائشة أنه دخل عليها يسألها عن الركعتين بعد العصر فقالت والذي هو ذهب بنفسه تعني النبي عليه السلام ما تركهما حتى لقي الله وروى هذا عن عائشة من وجوه كثيرة رواه الأسود وغيره عنها قالوا والآثار (3) قد تعارضت في الصلاة بعد العصر والصلاة فعل خير وقد قال الله عز وجل وافعلوا الخير فلا يجوز أن يمتنع من فعل الخير إلا بدليل لا معارض له وممن رخص في التطوع بعد العصر علي بن أبي طالب والزبير وابنه عبد الله وتميم الداري والنعمان بن بشير وأبو أيوب الأنصاري وعائشة وأم سلمة أما (4) المؤمنين والأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون ومسروق وشريح وعبد الله بن أبي الهذيل وأبو بردة وعبد الرحمان بن الأسود وعبد الرحمان بن إسحاق (5)
36

والأحنف بن قيس وهو قول داود بن علي وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر فلما استخلف عمر تركهما فلما توفي عمر ركعهما فقيل له ما هذا فقال إن عمر كان يضرب الناس عليهما وقال أحمد بن حنبل لا نفعله ولا نعيب من فعله وقال آخرون إنما المعنى في نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح والعصر على التطوع المبتدأ والنافلة وأما الصلوات المفروضات (1) أو الصلوات المسنونات أو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليه من النوافل فلا واحتجوا بالإجماع في الصلاة على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح إذا لم يكن عند الطلوع ولا عند الغروب وبقوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس الحديث وبقوله من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها وبما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قالا حدثنا عبد الله بن نمير قال أبو بكر حدثنا سعد بن سعيد وقال عثمان عن سعد بن سعيد قال حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث عن قيس بن عمرو قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي بعد الصبح ركعتين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم
37

صلاة الصبح مرتين فقال الرجل لم أكن صليت الركعتين قبلها فصليتهما الآن فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) قال أبو عمر رواه ابن عيينة (1) عن سعيد (
2) بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن قيس بن عاصم فغلط فيه ابن عيينة وإنما هو قيس بن عمرو وقد ذكرناه في الصحابة ونسبناه هناك وهو جد سعيد وعبد ربه ويحيى بني (3) سعيد الأنصاري قال أبو داود (وروى) (4) هذا الحديث عبد ربه ويحيى ابنا سعيد مرسلا أن جدهم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال سفيان بن عيينة كان عطاء بن أبي رباح يروي هذا الحديث عن سعيد (2) بن سعيد قال أبو عمر وقد رواه (5) عمر بن بن قيس عن سعيد (2) بن سعيد فخالف في إسناده حدثنا (6) عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا عبد الرحمان بن سلام قال حدثنا عمر بن قيس عن سعيد (2) بن سعيد أخي يحيى بن سعيد قال سمعت جعفر بن
38

عاصم بن عمر قال سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ولم أكن صليت الركعتين فدخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فصليت معه وقمت أصلي (الركعتين) (1) فقال ألم تكن صليت معنا قلت بلى ولم أكن صليت الركعتين فصليت الآن فسكت وكان إذا (2) رضي شيئا سكت وذلك في صلاة الصبح قال أبو عمر عمر بن قيس هذا هو المعروف بسند وهو أخو حميد بن قيس وهو ضعيف لا يحتج بمثله (1) ومن حجة القائلين بهذا القول ما ذكره عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن أم سلمة قالت لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر صلاة قط إلا مرة جاءه ناس بعد الظهر فشغلوه في شيء فلم يصل بعد الظهر شيئا حتى صلى العصر فلما صلى العصر دخل بيتي فصلى ركعتين هذا أصح من حديث ابن أبي لبيد لذكر عائشة فيه والله أعلم وإنما قلنا هذا لما ثبت عن عائشة في الركعتين بعد العصر وحديث ابن أبي لبيد حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا
39

قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل (الترمذي) (1) قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عبد الله بن أبي لبيد وكان من عباد (أهل) (2) المدينة أنه سمع أبا سلمة بن عبد الرحمان يقول قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة فبينما هو على المنبر إذ قال يا كثير بن الصلت إذهب إلى عائشة أم المؤمنين فسلها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر قال أبو سلمة فذهبت معه وأرسل عبد الله بن عباس عبد الله بن الحارث بن نوفل معنا فقال إذهب فاسمع ما تقول أم المؤمنين قال أبو سلمة فجاءها فسألها فقالت لا علم لي ولكن إذهب إلى أم سلمة فدخل وسألها فقالت أم سلمة دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما فقلت يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها فقال إني كنت أصلي بعد الظهر ركعتين وأنه قدم علي وفد بني تميم فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان قالوا ففي قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر بعد الصبح وقضائه (الركعتين) (3) بعد الظهر وهما من سننه صلى الله عليه وسلم شغل عنهما فقضاهما بعد العصر دليل على أن نهيه عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو (عن) (4) غير الصلاة المسنونات والمفترضات لأنه معلوم أن نهيه إنما
40

يصح (عن) (1) غير ما أباحه ولا سبيل إلى استعمال الأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم إلا بما ذكرنا قال وفي صلاة الناس بكل مصر على الجنائز بعد الصبح والعصر دليل على ما ذكرت هذا قول الشافعي وأصحابه في هذا الباب وكذلك روى المزني عنه فيمن لم يركع ركعتي الفجر حتى صلى الصبح أنه يركعهما بعد طلوع الشمس وقد مضى ذكر ما للعلماء في الصلاة على الجنائز في باب زيد بن أسلم عن عطاء عن الصنابحي وقال آخرون لا يجوز أن يصلي أحد بعد العصر ولا بعد الصبح شيئا من الصلوات المسنونات ولا التطوع كله المعهود منه وغير المعهود إلا أنه يصلي على الجنائز بعد الصبح و (بعد) (2) العصر ما لم يكن الطلوع والغروب فإن خشي عليها التغير صلى عليها عند الطلوع والغروب وما عدا ذلك فلا لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس وهو نهي صحيح ثابت لا يجب أن يعارض بمثل الآثار التي تقدمت (3) وهو على عمومه فيما عدا الفرائض والصلاة على الجنائز لقيام الدليل على ذلك مما لا معارض له وممن قال بهذا القول مالك بن أنس وأصحابه ونحو قول مالك في هذا الباب مذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه قال أحمد وإسحاق لا يصلى بعد العصر إلا صلاة فائتة أو على جنازة إلى أن تطفل (1) الشمس للغيبوبة
41

قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس من حديث عمر (1) وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن عفراء وغيرهم وهي أحاديث صحاح لا مدفع فيها وإنما اختلف العلماء في تأويلها وخصوصها وعمومها لا غير والقول بعموم هذه الأخبار الصحاح على حسب ما ذهب إليه مالك أولى ما قيل في هذا الباب وهو مذهب عمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وسعد ومعاذ بن عفراء (2) وابن عباس وحسبك بضرب عمر على ذلك بالدرة لأنه لا يستجيز ذلك من أصحابه إلا بصحة ذلك عنده روى الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر ضرب المنكدر في الصلاة (3) بعد العصر وروى الثوري عن عاصم عن زر بن حبيش (4) قال رأيت عمر يضرب الناس على الصلاة بعد العصر وروى عبد المالك بن عمير عن أبي غادية (1) مثله وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني عامر بن مصعب أن طاوسا أخبره أنه سأل ابن عباس عن ركعتين بعد العصر فنهاه عنهما قال فقلت لا أدعهما فقال ابن عباس وما كان لمؤمن ولا مؤمنة
42

إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخبرة من أمرهم إلى مبينا فهذا ابن عباس مع سعة علمه قد حمل (1) النهي الذي رواه في ذلك على عمومه وقال آخرون لا يصلى بعد الصبح إلى أن تطلع الشمس وترتفع ولا بعد العصر إلى أن تغيب الشمس ولا عند استواء الشمس صلاة فريضة نام عنها صاحبها أو نسيها ولا صلاة تطوع ولا صلاة من الصلوات على حال لعموم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذه الأوقات وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه قال أبو عمر قد مضى القول في باب زيد بن أسلم عن (2) من قال هذا القول وفي قوله صلى الله عليه وسلم من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وفي قوله عليه السلام من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر دليل على أن نهيه عن الصلاة بعد الصبح والعصر
ليس عن (3) الفرائض والفوائت والله أعلم ومن تدبر ما أوردنا في ذلك (4) الباب أكتفي وبالله التوفيق والهدى وقال أبو ثور لا يصلي أحد تطوعا بعد الفجر إلى أن تطلع الشمس ولا إذا قامت الشمس إلى أن تزول الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا صلاة فائتة
43

أو على جنازة أو على أثر طواف (1) أو صلاة لبعض الآيات أو ما يلزم من الصلوات قال أبو عمر من حجة من ذهب هذا المذهب حديث عمرو بن عنبسة وحديث كعب بن مرة وحديث الصنابحي عن النبي عليه السلام بمثل هذا المعنى ويخصها ببعض ما ذكرنا من الآثار وقد ذكرنا أحاديث (2) عمرو بن عنبسة وما كان مثلها في باب حديث زيد بن أسلم من كتابنا هذا في حديث الصنابحي فأغنى عن ذكرها (3) هنا ومما يخص به أيضا هذه الآثار وما كان مثلها على مذهب أبي ثور ومن قال بقوله قوله صلى الله عليه وسلم يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى لي ساعة شاء حدثناه (4) محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمان قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان قال سمعت (5) أبا الزبير قال سمعت عبد الله (1) بن باباه (6) يحدث عن جبير بن مطعم أن النبي صلى
44

الله عليه وسلم قال يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار وذكر الشافعي عن عبد الله بن المؤمل عن حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد عن أبي ذر أنه أخذ بحلقة باب الكعبة فقال أتعرفونني من عرفني فأنا الذي عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت أذناي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة (1) وهذا حديث وإن لم يكن بالقوي لضعف حميد مولى عفراء ولأن مجاهدا لم يسمع من أبي ذر ففي حديث جبير بن مطعم ما يقويه مع قول جمهور علماء المسلمين به وذلك أن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير والحسن والحسين وعطاء وطاوس ومجاهدا والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير كانوا يطوفون بعد العصر وبعضهم بعد الصبح أيضا ويصلون بأثر فراغهم (2) من طوافهم ركعتين في ذلك الوقت وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق (3) وأبو ثور وداود بن علي وقال مالك بن أنس من طاف بالبيت بعد العصر أخر ركعتي الطواف حتى تغرب الشمس وكذلك من طاف بعد الصبح لم يركعهما حتى تطلع الشمس وترتفع وقال أبو حنيفة يركعهما إلا عند غروب الشمس وطلوعها واستوائها وبعض أصحاب مالك يرى الركوع للطواف بعد الصبح ولا يراه بعد العصر وهذا
45

لا وجه له في النظر لأن الفرق بين ذلك لا دليل عليه من خبر ثابت ولا قياس (صحيح) (1) والله أعلم وحكم سجود التلاوة بعد الصبح والعصر كحكم الصلاة عند العلماء على أصولهم التي ذكرنا وبالله توفيقنا قال أبو عمر روى الوليد بن مسلم (1) عن مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عبد الرحمان الأعرج عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد كاشفا عن فرجه وهذا حديث غريب من حديث مالك ولم يروه عنه بهذا الإسناد إلا الوليد بن مسلم فيما علمت والله أعلم مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي حديثان أحدهما موقوف يسند (2) من غير رواية مالك (3) وهو محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي (4) من أنفسهم يكنى أبا عبد الله وكان من ساكني المدينة وبها كانت وفاته في سنة أربع وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر وكان
46

كثير الحديث روى عنه مالك وابن عيينة والثوري وجماعة من الأئمة إلا أنه يخالف في أحاديث فإذا خالفه في أبي سلمة الزهري أو يحيى بن كثير فالقول قولهما (1) عن أبي سلمة عند أهل العلم بالحديث وقال يحيى بن معين محمد بن عمرو بن علقمة أعلى من سهيل بن أبي صالح وقال يحيى القطان محمد بن عمرو أحب إلي من ابن حرملة وقال يحيى بن معين أيضا محمد بن عجلان (2) أوثق من محمد بن عمرو قال لم يكونوا يكتبون حديث محمد بن عمرو حتى اشتهاها أصحاب الإسناد فكتبوها قال أبو عمر محمد بن عمرو ثقة محدث روى عنه الأئمة ووثقوه ولا مقال فيه إلا كما ذكرنا إنه يخالف في أحاديث وأنه لا يجري مجرى الزهري وشبهه وكان شعبة مع تعسفه وانتقاده الرجال يثنى عليه ذكر العقيلي قال حدثني محمد بن سعد الشاشي قال حدثنا محمد بن موسى الواسطي قال سمعت يزيد بن هارون يقول قال شعبة محمد بن عمرو أحب إلي من يحيى بن سعيد الأنصاري في الحديث قال أبو عمر حسبك بهذا ويحيى بن سعيد أحد الأئمة الجلة وقد روى ابن أبي مريم عن خاله موسى بن سلمة (3)
47

قال أتيت عبد الله بن يزيد بن هرمز فسألته أن يحدثني فقال ليس ذلك عندي ولكن إن أردت الحديث فعليك بمحمد بن عمرو بن علقمة (وقال أبو مسهر سمعت مالك بن أنس يقول أكثر محمد بن عمرو وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال سمعت يحيى بن معين يقول محمد بن عمرو بن علقمة ثقة) (1) قال أبو عمر لم يخرج مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة في موطئه حكما واستغنى عنه في الأحكام بالزهري ومثله ولم يكن عنده إلا في عداد الشيوخ الثقات وإنما ذكر عنه في موطئه من المسند حديثا واحدا وهو
48

مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن بلال بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه (1) (قال أبو عمر) (1) هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة للموطأ وغير مالك يقول في هذا الحديث عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده عن بلال بن الحارث فهو في رواية مالك غير متصل وفي رواية من قال عن أبيه عن جده متصل مسند وقد تابع مالكا (2) على مثل روايته عن محمد بن عمرو عن أبيه (الليث بن سعيد وابن لهيعة روياه عن ابن عجلان عن محمد بن عمر عن أبيه) (3) عن بلال بن الحارث لم يقولا (4) عن جده ورواه الداروردي وسفيان بن عيينة ومعاذ بن (معاذ) (5) وأبو معاوية الضرير وسعيد بن عامر ويزيد بن هارون ومحمد بن بشر وعبد الرحمان المحاربي
49

ومحمد ويعلى ابنا عبيد عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده عن بلال بن الحارث (وتابعهم حيوية بن شريح عن ابن عجلان عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده) (1
) وتابعهم أيضا شيخ يكنى أبا سفيان عبد الرحمان بن عبد ربه اليشكري (1) عن مالك عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده ورواه الثوري وموسى بن عقبة عن محمد بن عمرو عن جده علقمة بن وقاص لم (2) يقولا عن أبيه وقال حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص والقول عندي فيه والله أعلم قول من قال عن أبيه عن جده وإليه مال الدارقطني رحمه الله) (3) حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثني أبي عن أبيه علقمة بن وقاص قال مر به رجل له شرف فقال له علقمة إن لك رحما وإن لك لحقا وإني رأيتك تدخل على هؤلاء الأمراء وتكلم عندهم بما شاء الله أن تكلم وإني سمعت بلال بن الحارث صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليتكلم
50

بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه قال علقمة فانظر ويحك ماذا تقول وماذا تكلم فرب كلام قد منعني (أن) (1) أتكلم به ما سمعت من بلال بن الحارث قال أبو عمر لا أعلم خلافا في قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إن الرجل ليتكلم بالكلمة أنها الكلمة عند السلطان الجائر الظالم ليرضيه بها فيما يسخط الله عز وجل ويزين له باطلا يريده من إراقة دم أو ظلم مسلم ونحو ذلك مما ينحط به في حبل هواه فيبعد من الله وينال سخطه وكذلك الكلمة التي يرضي بها الله عز وجل عند السلطان ليصرفه عن هواه وبكفه عن معصية يريدها يبلغ بها أيضا من الله رضوانا لا يحسبه (2) (3) والله أعلم وهكذا فسره ابن عيينة وغيره وذلك بين في هذه الرواية وغيرها وجدت في سماع أبي بخطه أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال حدثهم قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا نصر بن مرزوق قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه
51

عن جده عن بلال بن الحارث قال إنكم تدخلون على هؤلاء الأمراء وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب (1) الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب (1) الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه وبه عن أسد قال حدثنا حماد بن سملة عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص (2) قال كان علقمة يدخل على الأمراء ثم جلس عنهم فقيل له ما يجلسك عنهم قال حدثني بلال بن الحارث قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان (3) يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه هكذا قال حماد بن سلمة في هذا الحديث عن محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم التيمي (4) وهو عندي وهم والله أعلم والصحيح ما قالته الجماعة عن محمد بن عمرو عن أبيه حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا محمد بن يحيى بن الحسين قال حدثنا
52

عبيد الله بن محمد العيشي (1) قال حدثنا حماد بن سلمة عن أبي غالب عن أبي أمامة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الجمرة اي الجهاد أفضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الجهاد من قال كلمة حق عند ذي سلطان جائر (2) حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعيد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن قاسم قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني قال حدثني أبي قال حدثنا عروة بن رؤيم اللخمي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان وصلة لأخيه (1) المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر أو قال كلمة معناها أو إقالة عثرة أعانه الله على جواز الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام وبه عن بقي بن مخلد قال حدثنا محمد بن المثنى أبو موسى قال حدثنا سهل بن حماد قال حدثنا المختار بن نافع عن أبي حيان
53

عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله عمر تركه الحق ليس له صديق حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا صالح بن عبيد قال سمعت ابن مهدي يقول عن حماد بن زيد قال ابن عون كان الرجل يفر بما عنده من الأمراء جهده فإذا أخذ لم يجد بدا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي نضرة (1) عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه وأخبرنا (1) عبد الرحمان بن مروان قال حدثنا الحسن (بن) (2) محمد بن يحيى القلزمي قال حدثنا أبو سعيد حاتم بن الحسن الشاشي بمكة قال حدثنا أبو حاتم أحمد بن زرعة قال حدثنا الحسن بن رشيد قال حدثنا أبو مقاتل عن أبي حنيفة عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله
54

صلى الله عليه وسلم أكرم الشهداء يوم القيامة حمزة بن عبد المطلب ثم رجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه (1) فقتله (وروي من حديث إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر مثله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره أو نهاه فقتله) (2) (وروى ابن أبي نعيم قال سمعت عبد الله بن عمر يقول وفد الشيطان قوم يأتون هؤلاء الأمراء فيمشون إليهم بالنميمة والكذب فيعطون على ذلك العطايا ويجازون الجوائز) (3) قرأت على قاسم بن محمد أن خالد بن سعيد حدثهم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عبيد الله بن الوليد الرصافي قال قلت لعطاء أخ له صاحب سلطان يكتب ما يدخل (ويخرج) (4) أمين على ذلك إن ترك قلمه صار عليه دين وإن أخذ بقلمه كان له غنى ولعياله قال الرأس من قلت خالد بن عبد الله قال أو ما (5) تقرأ هذه الآية رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين صاحب القلم (6) عون لهم ومن أقل من صاحب قلم (عون لهم) (7) ليرم بقلمه فإن الله آتيه
55

بغنى أو رزق وروينا عن رجاء (1) بن حيوة قال كنت واقفا بباب سليمان بن عبد المالك فأتاني آت لم أره قبل ولا بعد فقال يا رجاء إنك قد بليت بهذا (أو بلي) (2)
بك وفي دنوك منه فساد دينك يا رجاء فعليك بالمعروف وعون الضعيف يا رجاء إنه من رفع حاجة لضعيف إلى سلطان لا يقدر على رفعها ثبت الله قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام وهذا فيه حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا أبو القاسم خلف بن القاسم بن سهل قال حدثنا أبو بكر أحمد بن صالح بن عمر المقرئ قال حدثنا عبد الله بن سليمان أبو بكر الخراساني قال حدثنا عبد الله بن صالح المصري قال حدثنا يحيى بن حسان قال حدثنا الوليد بن رباح الذماري (1) قال حدثني عمي نمران بن عبيد (3) الذماري عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
56

من رفع حاجة ضعيف إلى سلطان لا يستطيع رفعها (إليه) (1) ثبت الله قدميه أو قال قدمه على الصراط حدثنا (2) خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال (حدثنا (3) عبد الرزاق (4) قال حدثنا (5) معمر عن أبي إسحاق عمارة بن عبد الله عن حذيفة قال إياكم ومواقف الفتن قيل وما مواقف الفتن يا أبا عبد الله قال أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه قال وأخبرنا معمر عن قتادة أن ابن مسعود (قال) (6) إن على أبواب السلطان فتنا كمبارك الإبل والذي نفسي بيده لا تصيبون من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينكم مثله حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا حمزة بن محمد قالا حدثنا علي بن معبد (7) بن بشر الرازي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمان بن خلف العنبري قال حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن العيزار قال كان مطرف بن عبد الله بن الشخير يقول اللهم إني أعوذ بك من
57

أن أقول شيئا من الحق أريد به سواك وأعوذ بك من ضر ينزل بي يضطرني إلى معصيتك وأعوذ بك أن تزين لي شيئا من شأني يشينني عندك وأعوذ بك أن يكون غيري أسعد بما أعطيتني مني وأعوذ بك أن أكون عبرة للناس
58

حديث ثان لمحمد بن عمرو (1) مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن مليح بن عبد الله السعدي عن أبي هريرة أنه قال الذي يرفع رأسه ويخفضه قبل الإمام فإنما ناصيته بيد شيطان (1) (قال أبو عمر) (2) هكذا رواه مالك موقوفا (3) لم يختلف عليه فيه ورواه الدراوردي عن محمد بن عمرو عن مليح عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام مرفوعا ولا يصح إلا موقوفا (4) بهذا الإسناد والله أعلم (ورواه حفص بن عمر العدني عن مالك عن محمد بن عمرو عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء ولم يتابع عليه عن مالك) (5) وأما حديث محمد بن زياد
59

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار فحديث صحيح مرفوع رواه شعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ويونس بن عبيد عن محمد بن زياد (فالقول فيه كالقول في حديث محمد بن عمرو ولا خلاف في معناهما عند الفقهاء وأما أهل الظاهر فيجب على أصولهم إيجاب الإعادة على من فعل ذلك لأنه فعل ما نهي عنه (وكان عمل عندهم بطالقه النهي سهل) (1) وحجتهم عندي في هذه المسألة قوله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا)
60

((مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي حديثان))
حديث أول لمحمد بن عمرو بن حلحلة مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي عن معبد (1) بن كعب بن مالك عن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال مستريح ومستراح منه فقالوا يا رسول الله ما المستريح وما المستراح منه قال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب (1) (قال أبو عمر) (2) هكذا هو في جميع الموطآت بهذا الإسناد ولا خلاف فيه عن مالك (وأخطأ فيه على مالك سويد بن سعيد فرواه عن محمد بن عمرو بن حلحلة
61

عن معبد (1) (بن كعب عن أبيه وليس بشيء) (2) ورواه وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن مليح الديلي (3) قال كنا في جنازة رجل من جهينة (4) ومعنا معبد بن كعب السلمي قال معبد (1) بن كعب سمعت أبا قتادة يقول مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فذكر الحديث سواء إلى آخره وذكره (5) ابن أبي شيبة عن عبيد الله بن موسى عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن وهب بن كيسان ورواه محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب فلا أدري سمعه منه أم لا حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن معاوية عن محمد بن إسحاق عن معبد (1) بن كعب عن أبي قتادة وحدثنا عبيد (6) (1) بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا أحمد بن خالد الوهبي قال
62

حدثنا محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب بن مالك عن أبي قتادة الأنصاري قال بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوسا أتاه آت فقال يا رسول الله مات فلان بن فلان فقال عبد الله دعي فأجاب مستريح ومستراح منه فقلنا يا رسول الله مستريح مماذا قال عبد الله الرجل المؤمن استراح من الدنيا ونصبها وهمومها وأحزانها وأفضى إلى رحمة الله قلنا ومستراح منه ماذا قال الرجل السوء في حديث ابن أبي شيبة قال عبد الله (1) الرجل السوء يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب وهذا حديث (2) ليس فيه معنى يشكل والحمد لله
63

حديث ثان لمحمد بن عمرو بن حلحلة مالك عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمران الأنصاري عن أبيه أنه قال عدل إلي عبد الله بن عمر وأنا نازل تحت سرحة بطريق مكة فقال ما أنزلك تحت هذه السرحة فقلت أردت ظلها فقال هل غير ذلك فقلت لا ما أنزلني إلا ذلك فقال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنت بين الأخشبين من منى ونفخ بيده نحو المشرق فإن هناك واديا يقال له السرر به شجرة سر تحتها سبعون نبيا (1) (قال أبو عمر (1)) لا أعرف محمد بن عمران هذا إلا بهذا الحديث وإن لم يكن أبوه عمران بن حبان الأنصاري أو عمران بن سوادة فلا أدري من هو وحديثه هذا مدني وحسبك بذكر مالك له في كتابه أما قوله وأنا نازل تحت سرحة فالسرحة الشجرة قال الخليل السرح الشجر الطوال (2) الذي له شعب وظل (3) واحدتها (4) سرحة (قال حميد بن ثور
64

أبى الله إلا أن سرحة مالك على كل أفنان العضاه تروق وقد ذكره أبو ذؤيب الهذلي في شعره فقال
* الكني إليها وخيرا لرسو
* ل أعلمهم بنواحي الخبر
* بآية ما وقفت والركا
* ب بين الحجون وبين السرر (1
*
* فقال تبررت في أمرنا
* وما كنت فينا حديثا ببر
* قال الأصمعي السرر على أربعة أميال من مكة عن يمين الجبل كان عبد الصمد بن علي (2) قد بني عليه مسجدا) (1) وأما قوله نفخ (2) بيده فالنفخ ها هنا الإشارة بيده كأنه يقول رمي بيده نحو المشرق أي مدها وأشار بها والسرر اسم الوادي والأخشبان الجبلان قال ابن وهب في (3) قوله إذا كنت بين الأخشبين من منى قال يعني الجبلين اللذين تحت العقبة بمنى فوق المسجد
65

قال أبو عمر الأخاشب الجبال أنشد ابن هشام لأبي قيسر بن الأسلت (1
* فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا
* بأركان هذا البيت بين الأخاشب
* ويقال إن الأخاشب اسم لجبال مكة ومنى خاصة) (قال الخليل) (1) قال إسماعيل بن يسار النسائي (2
* ولعمر من حبس الهدي له
* بالأخشبين صبيحة النحر
* وقال العامري في بيعة ابن الزبير
* يبايع بين الأخشبين وإنما
* يد الله بين الأخشبين تبايع) (2
* وأما قوله سر تحتها سبعون نبيا ففيه قولان أحدهما أنهم (3) بشروا تحتها بما سرهم واحدا بعد واحد أو مجتمعين أو نبئوا تحتها فسروا من السرور والقول الآخر أنها (4) قطعت
66

تحتها سررهم يعني ولدوا (1) تحتها يقال قد سر الطفل إذا قطعت سرته وفي (هذا) (2) الحديث دليل على التبرك بمواضع الأنبياء والصالحين ومقاماتهم ومساكنهم وإلى هذا قصد عبد الله بن عمر بحديثه هذا والله أعلم وليس في هذا الحديث حكم من الأحكام وفيه الحديث عن بني إسرائيل والخبر عن الماضين وإباحة الخوض في أخبارهم والتحدث بها
67

مالك عن محمد بن أبي أمامة حديث واحد وهو محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف بن وهب (1) الأنصاري ولد أبوه أبو أمامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد باسم جده (أبي أمه) (2) أبي أمامة أسعد بن زرارة الأنصاري وكان أحد النقباء وأبو سهل بن حنيف جد محمد هذا من كبار الصحابة أيضا وقد ذكرنا أبا أمامة بن سهل (وأباه سهل) (3) بن حنيف وذكرنا أبا أمامة أسعد بن زرارة جد أبي أمامة بن سهل لأمه (4) كل هؤلاء في كتابنا في الصحابة وذكرنا هناك من أخبارهم ما يوقف به على مواضعهم ومنازلهم وأحوالهم ومحمد بن أبي أمامة هذا من ثقات شيوخ أهل المدينة روى عنه مالك وغيره
68

مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول اغتسل أبي سهل بن حنيف بالخرار فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر قال وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد قال فقال له عامر بن ربيعة ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء قال فوعك سهل مكانه واشتد وعكه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلا وعك وإنه غير رائح معك يا رسول الله فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره سهل بالذي كان من أمر عامر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على م يقتل أحدكم أخاه ألا بركت أن العين حق توضأ له فتوضأ عامر فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس (1) قال أبو عمر (1) في هذا الحديث إن العين حق وفيه أن العين إنما تكون مع الإعجاب وربما مع الحسد وفيه أن الرجل الصالح قد يكون عائنا وأن هذا ليس من باب الصلاح ولا من باب الفسق في شيء وفيه أن العائن لا ينفي كما زعم بعض الناس وفيه أن التبريك (2) لا تضر معه عين العائن والتبريك قول القائل اللهم بارك فيه ونحو هذا وقد قيل إن التبريك
69

(أن يقول) (1) تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه وفيه جواز الاغتسال بالعراء والخرار موضع بالمدينة وقيل واد من أوديتها وفيه دليل على أن العائن يجبر على الاغتسال للمعين وفيه أن النشرة وشبهها لا بأس بها وقد ينتفع بها وقد ذكرنا ما في هذا الحديث من المعاني مستوعبة وذكرنا حكم الاغتسال وهيأته وما في ذلك كله مهذبا في باب ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل من كتابنا هذا فأغنى عن الإعادة ها هنا (ومما يدلك على أن صاحب العين إذا أعجبه شيء كان منه بقدر الله ما قضاه وأن العين ربما قتلت كما قال صلى الله عليه وسلم على م يقتل أحدكم أخاه ما رويناه (2) عن الأصمعي أنه قال رأيت رجلا عيونا سمع بقرة تحلب فأعجبه صوت شخبها
فقال أيتهن هذه قالوا الفلانية لبقرة أخرى يورون عنها فهلكتا جميعا الموري بها والمورى عنها قال الأصمعي وسمعته يقول إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني
70

قال الأصمعي وكان عندنا رجلان يعينان الناس فمر أحدهما بحوض من حجارة فقال تالله ما رأيت كاليوم قط فتطاير الحوض فرقتين فأخذه أهله فضببوه (1) بالحديد فمر عليه ثانية فقال وأبيك لعل ما أضررت (2) أهلك فيك فتطاير أربع فرق قال وأما الآخر فسع صوت بول من وراء حائط فقال إنه لبن الشخب (3) فقالوا إنه فلان ابنك فقال وانقطاع ظهراه قالوا إنه لا بأس عليه قال لا يبول بعدها أبدا قال فما بال حتى مات ويقال من هذا عنت فلانا أعينه إذا أصبته بعين ورجل معين ومعيون إذا أصيب بالعين قال عباس بن مرداس
* قد كان قومك يحسبونك سيدا
* وأخال أنك سيد معيون (4
*
71

((مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي حديث واحد))
وهو محمد بن أبي بكر بن عوف بن الرباح الثقفي مدني تابعي (1) ثقة روى عنه مالك بن أنس وغيره مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه (1)
72

قال أبو عمر (1) هذا حديث صحيح وفيه أن الحاج جائز له قطع التلبية قبل الوقوف بعرفة وقبل رمي جمرة العقبة وهو موضع اختلف فيه السلف والخلف فروى أنس بن مالك ما ذكرنا (2) وعن ابن عمر مثله مرفوعا وهو فعل ابن عمر وقوله في ذلك أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر (3) قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا يحيى بن سعيد عن (4) عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله (5) بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات فمنا (6) الملبي ومنا المكبر (1) أخبرنا خلف بن سعيد قراءة مني عليه أن عبد الله بن محمد حدثهم قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا القعنبي قال حدثنا يحيى بن
73

عمير (1) (1) أن عمر بن عبد العزيز قال لعبيد الله بن عبد الله بن عمر سألت أباك عن اختلاف الناس في التلبية فقال أخبرني أبي إنه غدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى غداة عرفة حين صلى الصبح قال فلم تكن لي همة إلا أن أرمق الذي أراه يصنع فسمعته (2) يهلل ويكبر والناس كهيأته يهللون ويكبرون ويلبون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع ذلك كله فلم أره ينهى عن شيء من ذلك كله ولزم التهليل والتكبير وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا أبو الأحوص عن أشعث (3) عن أبيه وعلاج (2) جميعا عن ابن عمر أنه لم يفتر من التهليل والتكبير حين دفع من عرفة حتى أتى المزدلفة فأذن وأقام وذكر الحديث
74

وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن ابن عمر قال غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفة فمنا الملبي ومنا المكبر قال إسماعيل وحدثنا به علي قال حدثنا جرير بن عبد الحميد عن يحيى بن سعيد فذكره قال إسماعيل وحدثنا مسدد قال حدثنا يوسف الماجشون عن أبيه أن عبد الله بن عمر قال غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عرفة فمنا الملبي ومنا المكبر فلا يعاب على الملبي تلبيته ولا على المكبر تكبيره قال وكان عبد الله بن عمر يكبر قال أبو عمر فقال قوم من العلماء بهذه الأحاديث قالوا جائز قطع التلبية للحاج إذا راح من منى إلى عرفة فيهلل ويكبر ولا يلبي واستحبوا ذلك قالوا وإن أخر قطع التلبية إلى زوال الشمس بعرفة فحسن ليس به بأس وأما (1) عبد الله بن عمر فكان يقطع التلبية في رواحه من منى إلى عرفة وروى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا غدا من منى إلى عرفة قطع التلبية وروى حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يلبي حين يغدو من منى إلى عرفة وروى ابن علية عن أيوب عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر قال إذا أصبحت غاديا من منى إلى عرفة فأمسك عن التلبية فإنما هو التكبير وذكر إسماعيل القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا جرير بن
75

حازم قال غدونا من منى إلى عرفة مع نافع فكان يكبر أحيانا ويلبي أحيانا قال أبو عمر كان ابن عمر إذا قدم حاجا أو معتمرا فرأى الحرم ترك التلبية حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يعود في التلبية إلى صبيحة يوم عرفة فإذا غدا من منى إلى عرفة قطع التلبية وأخذ في التهليل والتكبير (ذكر مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقطع التلبية في الحج إذا انتهى إلى الحرم (1) حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يلبي حين يغدو من منى إلى عرفة فإذا غدا ترك التلبية وكان يترك التلبية في العمرة إذا دخل الحرم ((2) وبما روي عن ابن عمر في هذا الباب كان الحسن البصري وغيره يقولون ذكر إسماعيل (القاضي) (3) قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا هشام عن الحسن في الذي يهل بالحج من مكة قال يلبي حتى يغدو الناس من منى إلى عرفات (4)
76

وحدثنا نصر قال حدثنا عبد الأعلى قال حدثنا هشام عن عطاء قال أحسبه مثل ذلك (وحدثنا نصر) قال حدثنا إسماعيل (1) بن أبي أويس قال قال محمد بن هلال رأيت عمر بن عبد العزيز يصيح بالناس بعد ما صلى الصبح يوم عرفة بمنى أيها الناس أنه التهليل والتكبير (2) وقد انقطعت التلبية قال وحدثنا علي قال حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا معمر بن يحيى بن سلم سمعت أبا جعفر يقول إذا رجعت إلى عرفة فاقطع التلبية وهلل وكبر فهذا كله وجه واحد وقول واحد وكانت جماعة آخرون (3) لا يقطعون التلبية إلا عند زوال الشمس بعرفة روي ذلك عن جماعة من السلف وهو قول مالك بن أنس وأصحابه وأكثر أهل المدينة ذكر إسماعيل قال حدثنا يعقوب بن حميد
بن كاسب قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال كانت الأئمة يقطعون التلبية إذا زالت الشمس يوم عرفة وسمى ابن شهاب أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة وسعيد بن المسيب قال أبو عمر أما عثمان وعائشة فقد روي عنهما غير ذلك وكذلك سعيد بن المسيب وسنذكره في هذا الباب وهو قريب مما حكى عنهم ابن شهاب
77

وأما علي بن أبي طالب فلم يختلف عنه في ذلك فيما علمت روى مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب كان يلبي في الحج حتى إذا زاغت الشمس من يوم عرفة قطع التلبية قال مالك وذلك الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا وكذلك أم سلمة كانت تقطع التلبية إذا زاغت الشمس من عرفة روى ذلك ابن أبي فديك عن موسى بن يعقوب الزمعي (1) (1) عن عمته عنها وقد روي عن ابن عمر مثل ذلك والرواية الأولى عنه أثبت روى علي بن المديني عن الفضل بن العلاء عن ابن خثيم عن يوسف بن ماهك قال حججت مع عبد الله بن عمر ثلاث حجج فخرجنا معه من مكة حتى صلى بنا الصلوات كلها بمنى ثم غدا إلى عرفة وغدونا معه حتى أتى نمرة فلما زاغت الشمس أمسك عن التلبية وهو قول السائب بن يزيد وسليمان بن يسار وابن شهاب ذكر إسماعيل عن إبراهيم بن حمزة حدثنا (2) الدراوردي عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه أنه كان يقطع التلبية يوم عرفة إذا زاغت الشمس وفي هذه المسألة قول ثالث وهو أن التلبية لا يقطعها الحاج حتى يروح من عرفة إلى الموقف وذلك بعد جمعه بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر وهذا القول قريب من
78

القول الذي قبله روي أيضا عن جماعة من السلف منهم عثمان وعائشة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن المسيب وغيرهم وروى الدراوردي وابن أبي حازم عن ابن حرملة (1) أنه سأل سعيد بن المسيب حتى متى ألبي في الحج قال حتى تروح من عرفة إلى الموقف والدراوردي أيضا عن علقمة عن ابن أبي علقمة عن أمه (2) عن عائشة أنها كانت تنزل عرفة في الحج وكانت تهل في المنزل ويهل من كان معها وتصلي الصلاتين كلتيهما الظهر والعصر في منزلها ثم تروح إلى الموقف فإذا استوت على دابتها قطعت التلبية ذكره إسماعيل بن إسحاق حدثنا إبراهيم بن حمزة وحدثنا الدراوردي وروى مالك عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها كانت تترك التلبية إذا راحت إلى الموقف ومالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة مثله بمعناه وحماد بن زيد وغيره (3) عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة مثله وروى ابن وهب وعبد الله بن نافع والمغيرة بن عبد الرحمان كلهم عن عبد الله (1) بن عمر عن نافع أن عثمان كان يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف
79

وروى علي بن المديني عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو قال صليت مع عمر بن عبد العزيز الصبح بمنى ثم غدا وغدونا معه فرأى الناس مكبرين لا يلبي أحد فأمر صاحب شرطته عبد الله بن سعد فركب بغله (1) فأمره أن يطوف في الناس فينادي أخبر الناس أن الأمير يأمركم أن تلبوا فإنما هي التلبية حتى تروحوا إلى الموقف قال أبو عمر هذه الرواية عن عمر بن عبد العزيز أصح من التي تقدمت عنه في هذا الباب من حديث ابن أبي أويس وروي عن سالم ومحمد بن المنكدر ما يدخل في معنى هذا القول وروى حماد بن زيد عن أيوب قال كنا بعرفة فجعل سالم بن عبد الله يكبر وصلى ابن المنكدر الظهر بعرفة فلما سلم لبى ابنه فحصبه وفيها قول رابع أن المحرم بالحج يلبي أبدا حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول عمر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وميمونة وبه قال عطاء بن أبي رباح وطاوس وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وهو قول جمهور فقهاء الأمصار وأهل الحديث وممن قال بذلك (2) منهم سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى والحسن بن حي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وداود بن
80

علي والطبري وأبو عبيد إلا أن هؤلاء اختلفوا في شيء من ذلك فقال الثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وأبو ثور يقطعها في أول حصاة يرمي بها من جمرة العقبة وقال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل النظر والأثر لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة بأسرها قالوا وهو ظاهر الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ولم يقل أحد من رواة (هذا) (1) الحديث حتى رمى بعضها حتى إنه قال بعضهم في حديث عائشة ثم قطع التلبية في آخر حصاة حدثنا (2) عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس أنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم لبى حتى (رمى) (3) جمرة العقبة وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا بكر حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل من جمع وأن الفضل حدثه فذكر الحديث مثله وحدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الترمذي حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا محمد بن أبي
81

حرملة أخبرنا كريب (عن) (1) ابن عباس عن الفضل بن عباس وكان ردف النبي صلى الله عليه وسلم في المزدلفة حتى رمى الجمرة قال لم أزل أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى الجمرة جمرة العقبة وروى سفيان بن عيينة عن يزيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس سمعت عمر يهل بالمزدلفة فقلت يا أمير المؤمنين فيم الإهلال قال هل قضينا نسكنا بعد ذكره ابن المقري عبد الرحمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري عن جده عن سفيان (2) قال أبو عمر من اعتبر الآثار المرفوعة في هذا الباب مثل حديث محمد بن أبي بكر الثقفي عن أنس وحديث عمر وحديث ابن عباس وغيرها استدل على الإباحة في ذلك ولهذا ما اختلف السلف فيه هذا الاختلاف ولم ينكر بعضهم على بعض ولما كان ذلك مباحا استحب كل واحد منهم ما ذكرنا عنه ومال إليه استحبابا لا إيجابا والله أعلم أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن حمير (3) قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا إسماعيل بن
82

خليل قال حدثنا علي بن مسهر قال أخبرنا الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب قال أفاض عبد الله من عرفات وهو يلبي فسمعه رجل فقال من هذا الملبي وليس بحين التلبية فقيل له إنه ابن أم عبد فاندس بين الناس وذهب فذكر لعبد الله فجعل يلبي لبيك عدد التراب أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن خالد قال حدثني وبرة (1) قال سألت ابن عمر عن التلبية يوم عرفة فقال
التكبير أحب إلي وذكر ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن جابر قال يهل ما دون عرفة ويكبر يوم عرفة وذكر حماد بن زيد عن سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين قال حججت زمن ابن الزبير فسمعته يوم عرفة يقول ألا وإن أفضل الدعاء اليوم التكبير وهذا على الأفضل عنده والله أعلم ومن حجة من اختار التلبية حتى يرمي في جمرة (1) العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك فعل وقال خذوا عني مناسككم (2) وهو المبين عن الله مراده وهي زيادة في الرواية يجب قبولها
83

ومن جهة النظر (1) أن المحرم لا يحل من شيء من إحرامه ولا يلقي عنه شيئا من شعثه (2) حتى يرمي جمرة العقبة فإذا رماها فقد حلت له أشياء كانت محظورة عليه وذلك أول إحلاله فينبغي أن تكون تلبيته بالحج على حسب ما كانت عليه من حين أحرم إلى ذلك الوقت والله أعلم ومعنى التلبية إجابة إبراهيم فيما ذكروا قال مجاهد وغيره لما أمر إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن يؤذن في الناس بالحج قام على المقام فقال يا عباد الله أجيبوا الله فقالوا ربنا لبيك ربنا لبيك فمن حج البيت فهو ممن أجاب دعوته أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا وكيع عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن الفضل بن عباس أن لنبي صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة واختلف الفقهاء في قطع التلبية في العمرة فقال الشافعي يقطع التلبية في العمرة إذا افتتح الطواف وقال مالك لا يقطع المحرم التلبية في العمرة إذا أحرم من التنعيم حتى يرى البيت وأما من أحرم من المواقيت بعمرة فإنه يقطع التلبية إذا دخل الحرم وانتهى إليه قال وبلغني ذلك عن ابن عمر وعروة بن الزبير (واختلف العلماء في الطواف (في التلبية (3)) للحاج
84

فكان ربيعة بن أبي عبد الرحمان يلبي إذا طاف بالبيت ولا يرى به بأسا وبه قال الشافعي وأحمد بن حنبل أنه لا بأس بذلك وأنكر ذلك سالم قال (1) ابن عيينة ما رأيت أحدا يقتدى به يلبي حول البيت إلا عطاء بن السائب وقال إسماعيل لا يزال الرجل ملبيا حتى يبلغ الغاية التي إليها يكون استجابته وهو الموقف بعرفة وقد تقدم قول علي وابن عمر واختار مالك لذلك والحمد لله) (2)
85

محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أمه فاطمة بنت (1) عمارة بن عمرو بن محزوم ويكنى (2) أبا عبد الملك وكان قاضيا بالمدينة قال الواقدي توفي محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم سنة اثنتين وثلاثين ومائة في دولة بني العباس وهو ابن اثنتين وسبعين سنة وتوفي أبوه أبو بكر سنة عشرين ومائة وكان أبو بكر أيضا قاضيا على المدينة ثم صار أميرا عليها (3) لعمر بن عبد العزيز لمالك عنه في الموطأ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث واحد مقطوع عندهم ليس يتصل من وجهه هذا ولكنه يتصل معناه من وجوه مالك عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبي النضر السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من
86

الولد فيحتسبهم إلا كانوا له جنة من النار فقالت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أو اثنان قال أو اثنان (1) (أبو النضر هذا مجهول في الصحابة والتابعين (1) واختلف الرواة للموطأ فيه (2) فبعضهم يقول عن أبي النضر السلمي هكذا قال القعنبي وابن بكير وغيرهما (3) وبعضهم يقول عن أبي النضر وهو الأكثر والأشهر وكذلك روى يحيى بن معين وإن كانت النسخ أيضا قد اختلفت عنه في ذلك وهو مجهول (4) لا يعرف إلا بهذا الخبر (وقد (5) قيل فيه عبد الله بن النضر) (6) وقال بعضهم فيه محمد بن النضر ولا يصح (وقال بعض المتأخرين فيه إنه أنس بن مالك بن النضر نسب إلى جده وهذا جهل لأن أنس بن مالك ليس بسلمي من بني سلمة وإنما هو من بني عدي بن النجار وزعم قائل هذا أن أنس بن مالك يكنى أبا النضر وهذا مما لا يعلم ولا يعرف وكنية أنس بن مالك أبو حمزة بالإجماع) (7)
87

وأما ما في هذا الحديث من المعاني فقد مضى القول فيها مستوعبا في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب والحمد لله (والذي له جاء هذا الحديث وله أورده مالك في موطئه الاحتساب في المصيبة والصبر لها وأحسن ما قيل في ذلك قول فضيل بن عياض الصبر على المصيبات أن لا تبث) (1)
88

((محمد بن عبد الرحمان أبو الأسود لمالك عنه أربعة أحاديث مسندة وواحد مرسل))
(1) وهو محمد بن عبد الرحمان بن نوفل بن الأسود بن نوفل (2) بن خويلد بن أسد القرشي (الأسدي) (3) يكنى أبا الأسود يعرف بيتيم عروة لأنه كان يتيما في حجره سكن المدينة (ثم سكن مصر في آخر أيام بني أمية) (4) وهو من جلة المحدثين بها ثقة حجة فيما نقل قال يحيى بن معين (هو أحب إلي من هشام بن عروة قال مالك كان أبو الأسود محمد بن عبد الرحمان صاحب عزلة وحج وغزو قال وكان الناس أصحاب عزلة
89

حديث أول لأبي الأسود مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمان بن نوفل أنه قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين عن جذامة بنت وهب الأسدية أنها أخبرتها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم (1) (قال أبو عمر) (1) (هكذا هو في الموطأ عند جميع الرواة إلا أبا عامر العقدي فإنه جعله عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر جذامة وكذلك رواه القعنبي في سماعه من مالك في غير الموطأ ورواه في الموطأ كما رواه سائر الرواة عن عائشة عن جذامة) (2)
90

وهذا حديث صحيح ثابت وفيه رواية الصاحب عن الصاحب ورواية المرء عمن هو دونه في العلم وجذامة هذه هي أم قيس بنت وهب بن محصن أخي عكاشة بن محصن الأسدي وقد ذكرناها في كتابنا في الصحابة بما فيه كفاية (حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق حدثنا محمد بن جعفر الإمام حدثنا خلف به هشام البزار وحدثنا خلف (حدثنا أحمد) (1) بن الحسن بن إسحاق حدثنا جعفر بن محمد بن بكر البالسي حدثنا أبو جعفر عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي الحراني قالا جميعا حدثنا مالك بن أنس عن محمد بن عبد الرحمان بن نوفل عن عروة عن عائشة عن جذامة الأسدية قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لقد) (2) هممت أن أنهى عن
الغيلة حتى بلغني أن الروم وفارس تفعله قال النفيلي فلا يضرهم وقال خلف فلا يضر أولادهم) (3) ذلك (4) وأما الغيلة فقد فسرها مالك في موطأه إثر هذا الحديث ذكره القعنبي وغيره عن مالك قال والغيلة أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع حملت أو تحمل قال أبو عمر اختلف العلماء وأهل اللغة في معنى الغيلة فقال منهم قائلون كما قال مالك معناها أن يطأ الرجل امرأته
91

وهي ترضع وقال الأخفش الغيلة والغيل سواء وهو أن تلد المرأة فيغشاها زوجها وهي ترضع فتحمل فإذا حملت فسد اللبن على الصبي ويفسد به جسده وتضعف قوته حتى ربما كان ذلك في عقله قال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (فيه) (1) إنه ليدرك الفارس فيدعثره عن سرجه أي يضعف فيسقط عن السرج قال الشاعر
* فوارس لم يغالوا في رضاع
* فتنبو في أكفهم السيوف
* يقال قد أغال الرجل ولده وأغيل الصبي (2) وصبي مغال ومغيل إذا وطئ أبوه أمه في رضاعه (3) قال امرؤ القيس (4
* فألهيتها عن ذي تمائم مغيل
* وقال أبو كبير (5) الهذلي
* ومبرا من كل غير حيضة
* وفساد مرضعة وداء مغيل
* وأما الحديث الذي ذكره الأخفش فهو حديث أسماء بنت يزيد بن السكن (والغيل لبن الفحل قال الأصمعي) (6)
92

ذكره ابن
أبي شيبة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا ابن أبي غنية (1) عن محمد بن مهاجر عن أبيه عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن ظهر فرسه ورواه حماد بن خالد الخياط قال حدثنا معاوية بن صالح عن مهاجر (2) مولى أسماء بنت يزيد قال سمعت أسماء تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتقتلوا أولادكم سرا فذكر نحوه إلا أنه قال والذي نفسي بيده إن الغيل ربما أدرك الفارس أو إنه ليدرك الفارس فيدعثره وقال بعض أهل العلم وأهل اللغة الغيل أن ترضع المرأة ولدها وهي حامل وقال بعض أهل العلم (3) أيضا الغيل نفسه (4) الرضاع وجمعه مغايل (وقال الأصمعي الغيل لبن الحامل ويقال الغيل الماء الجاري على وجه الأرض ويقال الغيل نيل مصر الذي تنبت عليه زروعهم) (5) وفي هذا الحديث إباحة الحديث عن الأمم الماضية بما يفعلون وفيه دليل على أن من نهيه عليه السلام ما يكون أدبا ورفقا وإحسانا إلى أمته (6) ليس من باب الديانة ولو نهى عن الغيلة كان ذلك وجه نهيه عنها والله أعلم وقال ابن القاسم
93

وابن الماجشون وحكاه ابن القاسم عن مالك ولم يسمعه منه في الرجل يتزوج المرأة وهي ترضع فيصيبها وهي ترضع إن ذلك اللبن له وللزوج قبله لأن الماء يغير اللبن ويكون منه الغذاء واحتج بهذا الحديث لقد هممت أن أنهى عن الغيلة قال ابن القاسم وبلغني عن مالك إذا ولدت المرأة من الرجل فاللبن منه بعد الفصال وقبله ولو طلقها وتزوجت وحملت من الثاني فاللبن منهما جميعا أبدا حتى يتبين انقطاعه من الأول وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي اللبن من الأول في هذه المسألة حتى تضع فيكون من الآخر وهو قول ابن شهاب وقد روي عن الشافعي أنه منهما حتى تضع فيكون من الثاني وقد مضى القول في لبن الفحل في باب ابن شهاب عن عروة والحمد لله (1)
94

حديث ثان لأبي الأسود مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمان عن عروة بن الزبير أنه أخبره عن عائشة أم المؤمنين قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بالحج وحده وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر (1) قال أبو عمر هذا حديث ثابت صحيح وقد روي عن مالك عن محمد بن عبد الرحمان عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع خرج إلى الحج فمن أصحابه من أهل بحج ومنهم من جمع الحج والعمرة ومنهم من أهل بعمرة فأما (1) من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحل وأما من كان أهل بعمرة فحل
95

وهذا الحديث المرسل داخل في مسند أبي الأسود عن عروة عن عائشة هذا وفيه خروج النساء في سفر الحج مع أزواجهن وهذا لا خلاف فيه بين العلماء واختلفوا في المرأة لا يكون لها زوج ولا ذو محرم منها هل تخرج إلى الحج دون ذلك مع النساء أم لا وهل المحرم من الاستطاعة أم لا وسنذكر الاختلاف في ذلك (إن شاء الله) (1) في باب سعيد (بن أبي سعيد) (1) المقبري من كتابنا هذا عند قوله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها رواه (2) مالك عن أبي سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث أيضا أعني الحديث المذكور في هذا الباب عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة إباحة التمتع بالعمرة إلى الحج وإباحة القران وهو جمع الحج والعمرة وهذا ما لا خلاف (3) بين العلماء فيه وإنما اختلفوا في الأفضل في ذلك وكذلك اختلفوا فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم به محرما (في خاصته) (4) عام حجة الوداع وقد ذكرنا ذلك كله وذكرنا الآثار الموجبة لاختلافهم فيه وأوضحنا ذلك بما فيه كفاية في باب حديث ابن شهاب
96

عن عروة من كتابنا هذا وفي باب ابن شهاب عن محمد بن الحارث بن نوفل والحمد لله وفيه أن من كان قارنا أو مفردا لا يحل دون يوم النحر وهذا معناه بطواف الإفاضة فهو الحل كله لمن رمى جمرة العقبة قبل ذلك يوم النحر ضحى ثم طاف الطواف المذكور وهذا أيضا لا خلاف فيه
97

حديث ثالث لأبي الأسود مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمان عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج (1) وهذا الحديث مستخرج من الحديث الذي قبله أخرجه مالك رحمه الله حجة له في مذهبه لأنه يذهب إلى أن الإفراد أفضل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حجه مفردا وقد مضى القول في هذا في باب ابن شهاب عن عروة من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته هاهنا
98

حديث رابع لأبي الأسود مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمان عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أنها قالت شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي فقال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة قالت فطفت راكبة بعيري ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جانب البيت وهو يقرأ بالطور وكتاب مسطور (1) (قال أبو عمر) (1) هذا (ما) (2) لا خلاف فيه بين أهل العلم كلهم يقول إن من كان له عذر أو اشتكى (3) مرضا أنه جائز له الركوب في طوافه بالبيت وفي سعيه بين الصفا والمروة واختلفوا في جواز الطواف راكبا لمن لم يكن له عذر أو مرض على ما ذكرنا عنهم في باب جعفر بن محمد من
99

كتابنا هذا فلا حاجة لإعادته هاهنا وكلهم يكره الطواف راكبا للصحيح الذي لا عذر له وفي ذلك ما يبين أن طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبا في حجته إن صح ذلك عنه كان لعذر والله أعلم وقد أوضحنا ذلك ومضى القول فيه هناك وبالله العصمة والتوفيق وفي هذا الحديث أيضا من الفقه أن النساء في الطواف يكن خلف الرجال كهيأة الصلاة وفيه الجهر بالقراءة في التطوع بالنهار (1) وقد قيل إن طواف أم سلمة كان سحرا وقد ذكرنا الاختلاف في رميها ذلك اليوم وطوافها بعده فيما سلف من كتابنا هذا في باب ابن شهاب عن عيسى بن طلحة والحمد لله وفيه إباحة دخول البعير المسجد وذلك والله أعلم لأن بوله طاهر ولو كان بوله نجسا لم يكن ذلك لأنه لا يؤمن منه أن يبول وقيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صلى إلى جانب البيت يومئذ من أجل أن المقام كان حينئذ ملصقا بالبيت قبل أن ينقله عمر بن الخطاب من ذلك المكان إلى الموضع الذي هو به اليوم (2) من صحن المسجد
100

قال أبو عمر ما أدري (ما) (1) وجه هذا القول لأن جعفر بن محمد روى عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طاف في حجته أتى المقام فصلى عنده ركعتين ثم أتى الحجر فاستسلمه ثم خرج إلى الصفا فبدأ منها بالسعي وقد ذكرنا هذا الحديث من طرق في باب بلاغات مالك من هذا الكتاب والوجه عندي في صلاته إلى جانب البيت لأن البيت كله قبلة وحيثما صلى المصلي منه إذا جعله أمامه كان حسنا جائزا والله أعلم
101

محمد بن عمارة الحزمي الأنصاري (1) لمالك عنه حديث واحد من المسند وهو محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم الأنصاري مالك عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت أم سلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطهره ما بعده (2) (قال أبو عمر) (1) (هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت وقد رواه الحسين (2) بن الوليد عن
103

مالك فأخطأ فيه حدثناه خلف بن القاسم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا أحمد بن شعيب أخبرنا أحمد بن نصر حدثنا الحسين ابن الوليد حدثنا مالك عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن حميدة أنها سألت عائشة فقالت إني امرأة أطيل ذيلي وأمر بالمكان القذر فقالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال يطهره ما بعده هذا خطأ وإنما هو لأم سلمة لا لعائشة وكذلك رواه الحفاظ في الموطأ وغير الموطأ عن مالك ورواه إسحاق بن سليمان الرازي عن مالك (عن محمد بن عمارة) (1) عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لهود بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وهذا خطأ والصواب ما في الموطأ والله أعلم) (2) حدثنا (3) أحمد بن قاسم بن عيسى المقري قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة ببغداد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا خلف بن هشام البزار سنة ست وعشرين ومائتين قال قيل لمالك بن أنس وأنا أسمع أحدثك (4) محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في القذر فقالت قال رسول
104

الله صلى الله عليه وسلم يطهره ما بعده قال خلف قال مالك نعم (في هذا الحديث أن من سنة المرأة في لبستها (1) أن تطيل ذيلها فلا تنكشف قدماها لأنهن كن لا يلبسن الخفين والله أعلم لأن المرأة أخبرت بأنها تطيل ذيلها فلم ينكر ذلك عليها وفي حديث مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن صفية عن أم سلمة أن المقدار الذي لا تزيد عليه في ذلك ذراع وقد مضى القول في قدم المرأة هل هي عورة أم لا في باب ابن شهاب وجر المرأة ذيلها معروف مشهور قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في أبيات له
* كتب القتل والقتال علينا
* وعلى الغانيات جر الذيول)
* 2) اختلف الفقهاء في طهارة الذيل على المعنى المذكور في هذا الحديث فقال مالك معناه في القشب اليابس والقذر الجاف الذي لا يتعلق منه بالثوب شيء فإذا كان هكذا كان ما بعده من المواضع الطاهرة حينئذ تطهيرا له وهذا عنده ليس تطهيرا من نجاسة لأن النجاسة عنده لا يطهرها إلا الماء وإنما هو تنظيف لأن القشب اليابس ليس ينجس ما مسه ألا ترى أن المسلمين مجمعون على أن ما سفت الريح من يابس القشب والعذرات التي قد صارت غبارا على ثياب الناس ووجوههم لا يراعون ذلك ولا يأمرون بغسله ولا يغسلونه لأنه يابس وإنما النجاسة الواجب غسلها ما لصق منها وتعلق بالثوب وبالبدن
105

فعلى هذا المحمل حمل مالك وأصحابه حديث طهارة ذيل المرأة وأصلهم أن النجاسة لا يزيلها إلا الماء وهو قول زفر بن الهذيل والشافعي وأصحابه وأحمد وغيره أن النجاسة لا يطهرها إلا الماء لأن الله تعالى سماه طهورا ولم يقل ذلك في غيره قال أبو بكر الأثرم سمعت أبا عبد الله يعلي أحمد بن حنبل سئل عن حديث أم سلمة يطهره ما
بعده قال ليس هذا عندي على أنه أصابه بول فمر بعده على الأرض أنها تطهره ولكنه يمر بالمكان يتقذره (1) فيمر بمكان أطيب منه فيطهره هذا ذلك (2) ليس على أنه يصيبه شيء وقال أبو حنيفة يجوز غسل النجاسة بغير الماء وكل ما زال به عينها فقد طهرها وهو قول داود وبه قال جماعة من التابعين ومن حجتهم الحديث المذكور في هذا الباب في ذيل المرأة ومن حجتهم أيضا ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عبد الله اللفيلي وأحمد بن يونس قالا حدثنا زهير قال حدثنا عبد الله بن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت قلت يا رسول الله ان لنا طريقا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا أو تطهرنا قال أليس بعدها طريق أطيب منها قالت قلت بلى قال فهذه بهذه
106

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن امرأة من بني عبد الأشهل أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن بيني وبين المسجد طريقا قذرا قال فبعدها طريق أنظف منها قالت نعم قال فهذه بهذه ومن حجتهم أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وطئ أحدكم بخفيه أو قال بنعليه في الأذى فطهورهما التراب أو قال التراب (1) لهما طهور وهو حديث مضطرب الإسناد لا يثبت اختلف في إسناده على الأوزاعي وعلى سعيد بن أبي سعيد اختلافا يسقط الاحتجاج به (1) ومن حجتهم أيضا قول عبد الله بن مسعود كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نتوضأ من موطىء وهذا أيضا محتمل للتأويل ليس فيه حجة ويلزم داود على أصله أن النجاسة المجتمع عليها لا يحكم بزوالها ولا بطهارة موضعها إلا بإجماع ولا إجماع في هذه المسألة إلا بما قاله مالك والشافعي من الماء الذي جعله الله طهورا وخصه بذلك
107

فهذا وجه النظر عندي في هذه المسألة وبالله التوفيق والعصمة ومن هذا الباب أيضا الأرض تصيبها النجاسة هل يتيمم عليها أو يصلي إذا ذهب أثر النجاسة من غير أن تطهر بالماء فإن العلماء اختلفوا في ذلك فقال مالك والشافعي وأصحابهما وهو قول زفر لا يطهرها إلا الماء إذا علم بنجاستها وهي عندهم محمولة على الطهارة حتى يستيقن (1) بنجاستها فإذا استوقفت النجاسة فيها لن يطهرها إلا الماء ولا تجوز (2) الصلاة عليها ولا التيمم إلا أن مالكا قال من تيمم عليها أو صلى أعاد في الوقت وقد قال بعيد أبدا (3) وكذلك اختلف أصحابه (4) فمنهم من قال يعيد أبدا من تيمم على موضع نجس ومنهم من قال يعيد في الوقت لا غير (هذا إنما هو في نجاسة لم تظهر في التراب وفيما لم تغيره النجاسة وإما من تيمم على نجاسة يراها أو توضأ بماء تغيرت أوصافه أو بعضها بنجاسة فإنه يعيد أبدا وكذلك عند جمهور أصحاب مالك من تعمد الصلاة بالثوب النجس أبدا) (5) ولم يختلف قول مالك وأصحابه فيمن صلى بثوب نجس أو على موضع نجس ساهيا أنه يعيد صلاته ما دام في الوقت واختلفوا فيمن صلى عامدا على ثوب نجس فقال ابن القاسم يعيد أبدا وقال أشهب
108

لا يعيد إلا في الوقت لأن وجوب غسل النجاسة عندهم بالسنة لحديث (أسماء) (1) ومثله في غسل النجاسة لقول الله تبارك وتعالى * (وثيابك فطهر) * ليستدرك فضل السنة في الوقت واختلف قولهم فيمن تيمم على موضع نجس فقال أكثرهم يعيد في الوقت وبعده لقول الله عز وجل * (فتيمموا صعيدا طيبا) * يعني طاهرا وقال بعضهم الا في الوقت وهو قول أشهب قياسا على من صلى بثوب نجس) (2) ليستدرك فضل السنة في الوقت فإذا خرج الوقت لم يستدرك (بذلك) (3) ألا ترى أن إعادة الصلاة في جماعة سنة لمن صلى وحده فلو أن رجلا صلى وحده في الوقت ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة بعد خروج الوقت لم يؤمر بالدخول معهم ولو كانوا يجمعون في وقت تلك الصلاة وأقيمت عليه لأمر بالدخول معهم ليستدرك فضل السنة في الوقت ولا يؤمر بذلك بعد خروج الوقت وقال الشافعي وزفر والطبري (4) وأحمد بن حنبل يعيد في الوقت وبعده من تيمم على نجس أو صلى عليه أو بثوب نجس وأكثر علماء التابعين بالمدينة وغيرها لا يرون أعادة على من صلى بثوب نجس في وقت ولا غيره (5) وقد
109

ذكرناهم في باب هشام بن عروة (1)) وقول ربيعة في ذلك كقول مالك يعيد في الوقت وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد (2) إذا يبست الأرض وذهب منها أثر النجاسة جازت الصلاة عليها وأما التيمم فلا يتيمم عليها البتة وقال الثوري إذا جف فلا بأس بالصلاة عليه وقال الحسن ابن حيي لا يصلي عليه حتى يغسله وإن صلى قبل ذلك لم يجزه وقال الشافعي إذا بال الرجل في موضع من الأرض صب عليه ذنوب من الماء وأن بال اثنان لم يطهره إلا ذنوبان قال ولو أشكل عليه الموضع النجس من الأرض تيمم وليس عليه أن يتحرى قال أبو عمر اختلافهم في قدر النجاسة الذي يجب غسله من الأرض أو الثوب وفي الخف يصيبه الروث أو البول وفي إعادة الصلاة لمن صلى بثوب نجس أو على موضع نجس وفي الثوب تصيبه النجاسة يخفى مكانها (3) يطول ذكره وسنذكر ذلك في مواضع من كتابنا هذا إن شاء الله ومن حجة من رأى الأرض تطهر إذا يبست ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قا حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال قال ابن عمر كنت أبيت في المسجد
110

على (1) عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت فتى شابا عزبا (2) وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك قال أبو عمر روى عبيد الله بن عمر وغيره عن نافع عن ابن عمر مبيته في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر إقبال الكلاب ولا إدبارها وبولها في المسجد ولم يذكر إلا مبيته خاصة ومن حجة من قال أن الأرض لا يطهرها إلا الماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي ولو طهرها يبسها لتركها والله أعلم حتى تيبس ومما يدل على أن الثوب (ينجس) (3) إذا باشر النجاسة الرطبة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بغسل دم المحيض من ثوبها وسيأتي حديثها في موضعه من كتابنا هذا وذلك في باب هشام بن عروة ونذكر هناك ما للعلماء في ذلك من المذاهب والأقوال (4) والآثار والاعتلال (إن شاء الله تعالى) (5)
111

محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري المازني مدني ثقة توفي سنة تسع وثلاثين ومائة (1) لمالك عنه حديثان
112

حديث أول لمحمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة الأنصاري ثم المازني عن أبي سعيد الخدري
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمسة أوسق في التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود (1) من الإبل صدقة (2) (قال أبو عمر) (1) هكذا هذا الحديث عند جميع الرواة عن مالك في الموطأ وفي الموطأ أيضا لمالك عن عمرو بن
113

يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء (1) وهذا الإسناد عند أهل العلم بالحديث أصح من الأول لأنه اختلف على محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة في حديثه ولم يختلف على عمرو بن يحيى (ابن عمارة) (1) الحديث ليحيى بن عمارة والد عمرو بن يحيى عن أبي سعيد الخدري محفوظ ولم يرو هذا الحديث أحد من الصحابة بإسناد صحيح غير أبي سعيد الخدري وحديثه الصحيح عنه ما رواه يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري وأما محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة وأبوه وأخوه عبد الرحمان فليسوا بالمشاهير ولم يخرج أبو داود ولا البخاري حديث مالك عن محمد بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة هذا في الزكاة للاختلاف عليه فيه وخرجا حديث عمرو بن يحيى (2) عن أبيه عن أبي سعيد من رواية مالك وغيره
114

ومن اضطراب هذا الحديث واختلاف إسناده ما أخبرناه عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن منصور الطوسي قال حدثنا يعقوب قال حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني محمد بن يحيى بن حبان ومحمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة وكانا ثقة عن يحيى بن عمارة بن أبي حسن وعباد بن تميم وكانا ثقة عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس (ذود) (1) من الإبل صدقة وليس فيما دون خمسة أوسق (من التمر) (2) صدقة وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا هارون بن عبد الله قال حدثنا أبو اسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة عن يحيى بن عمارة وعباد بن تميم عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا صدقة فيما دون خمسة أوسق (1) من التمر ولا فيما دون خمس أواق من الورق ولا فيما دون خمس من الإبل قال أبو عمر اتفق أبو إسحاق والوليد بن كثير على مخالفة مالك في هذا الحديث فجعله عن محمد هذا عن يحيى بن عمارة وعباد بن تميم عن أبي سعيد وجعله مالك عن محمد
115

عن أبيه عن أبي سعيد وهو عند أكثر أهل العلم بالحديث وهم من مالك والله أعلم وفي (هذا) (1) الحديث معان من الفقه جليلة اختلف الفقهاء فيها وسنذكرها على ما يجب من ذكرها إن شاء الله تعالى في باب عمرو بن يحيى من كتابنا هذا وبالله توفيقنا (ونذكر هناك أيضا ما فيه من شرح غريب أو معنى مستغلق إن شاء الله) (2) أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أسد قال سمعت حمزة بن محمد الحافظ يقول لا تصح هذه السنة عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن أبي سعيد الخدري قال وقد روى هذا الحديث (3) محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة وليسا بصحيحين قال أبو عمر أما حديث محمد بن مسلم فحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي (1) عن عمرو بن دينار
116

قال كان جابر بن عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صدقة في شيء من الزرع أو النخل أو الكرم حتى يكون خمسة أوسق وفي الرقة (1) حتى تبلغ مائتي درهم انفرد به محمد بن مسلم من بين أصحاب عمرو بن دينار وما انفرد به فليس بالقوي وأما حديث معمر فذكره عبد الرزاق عن معمر (1)
117

حديث ثان لمحمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة قال سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول سعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يصب منه (1) قال أبو عمر هذا حديث صحيح ومعناه والحمد لله واضح وذلك أن من أراد الله به خيرا وخير الله في هذا الموضع رحمته ابتلاه بمرض في جسمه وبموت ولد يحزنه أو بذهاب مال يشق عليه فيأجره على ذلك كله ويكتب له إذا صبر واحتسب بكل شيء منه حسنات يجدها في ميزانه لم يعملها أو يجدها كفارة لذنوب قد عملها فذلك الخير المراد به في هذا الحديث والله أعلم روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه من وجوه شتى أنه لما نزلت * (من يعمل سوءا يجز به) * بكى وحزن لذلك وقال يا رسول الله أنجازى بكل ما نعمل فقال له رسول الله صلى
119

الله عليه وسلم يا أبا بكر ألست تمرض ألست تنصب ألست تصيبك اللاواء قال بلى قال فذلك ما تجزون به في الدنيا وروينا من حديث معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أراد الله بعبد خيرا صرف المصيبة عن نفسه إلى ماله ليأجره فسبحان المتفضل المنعم لا شريك له والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا لأوجه لاجتلابها ومن طلب العلم لله فالقليل يكفيه ومن طلبه للناس فحوائج الناس كثيرة
120

((محمد بن عبد الرحمان أبو الرجال))
(1) يكنى أبا عبد الرحمان وإنما قيل له أبو الرجال وغلب ذلك عليه لولده كانوا عشرة رجالا ذكورا فكني أبا الرجال (1) وهو محمد بن عبد الرحمان بن عبد الله بن حارثة بن النعمان الأنصاري من بني مالك بن النجار وقد ذكرنا حارثة بن النعمان في كتابنا في الصحابة بما يغني عن ذكره ها هنا وأم محمد هذا عمرة بنت عبد الرحمان بن سعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار أنصارية أيضا تابعية ثقة وابنها أبو الرجال هذا مدني ثقة روى عنه مالك وابن عيينة ومحمد بن إسحاق وغيرهم (وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري) (2) ولأبي الرجال ابن محدث أيضا يسمى حارثة
121

ابن أبي الرجال وهو ضعيف فما نقل عن أبيه وعن غيره (1) وأما أبو الرجال فثقة لمالك عنه في الموطأ أربعة أحاديث مراسيل كلها من تتصل من وجوه
122

حديث أول لمالك عن أبي الرجال مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمان عن أمه عمرة بنت عبد الرحمان أنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمنع نقع بئر (1) (قال أبو عمر) (1) زاد بعضهم عن مالك في هذا الحديث بهذا الإسناد يعني فضل مائها وهو تفسير لم يختلف في جملته واختلف في تفسيره ولا أعلم
أحدا من رواة الموطأ عن مالك أسند عنه هذا الحديث وهو مرسل عند جميعهم فيما علمت هكذا (وذكره الدارقطني عن أبي صاعد عن أبي علي الجرمي عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث بن سعد عن سعيد بن عبد الرحمان الجمحي (3) عن مالك بن أنس عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمان بن حارثة عن أمه عمرة بنت عبد الرحمان عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يمنع نقع بئر وهذا الإسناد وإن كان قريبا عن مالك فقد رواه أبو قرة موسى بن طارق عن مالك أيضا
123

كذلك إلا أنه في الموطأ مرسل عند جميع رواته والله أعلم) (1) وقد أسنده عن أبي الرجال محمد بن إسحاق وغيره (وقال ابن وهب في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع نقع بئر هو ما تبقى فيها من الماء بعد منفعة صاحبها) (2) وأخبرنا (3) قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمر وحدثنا (4) عبيد بن عمرو (5) ومحمد بن عبد الملك قالا حدثنا عبد الله بن مسرور (6) قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر الجرجاني قال حدثنا أحمد بن خالد الوهبي قال حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمان عن أمه عمرة عن عائشة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع نقع بئر يعني فضل مائها هكذا جاء هذا التفسير في نسق الحديث مسندا وهو كما جاء فيه لا خلاف في ذلك بين العلماء فيما علمت على ما قال ابن وهب وغيره وفيما أذن لنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن العباس الأخميمي أن نرويه عنه وأجاز لنا ذلك وأخبرنا به بعض أصحابنا عنه قال حدثنا أبو الحسن محمد بن موسى
124

ابن أبي مالك المعافري قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود البرنسي (1) قال حدثنا أحمد بن خالد الوهبي قال حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمان عن أمه عمرة عن عائشة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع نقع (بئر) (2) يعني فضل مائها (3) أخبرنا عبد العزيز بن عبد الرحمان قال حدثنا أحمد بن مطرف وحدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان (قال حدثنا سعيد بن عثمان قال) (4) حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمان عن أمه عمرة عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يمنع نقع بئر يعني فضل الماء وحدثنا سعيد بن نصر قال (حدثنا قاسم بن أصبغ قال) (5) حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان عن أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يمنع نقع ماء بئر
125

(قال أبو عمر كان ابن عيينة يقول في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع نقع بئر هو أن (1) لا يمنع الماء قبل أن يسقى وقال ابن وهب تفسير قوله لا يمنع نقع بئر هو ما بقي فيها من الماء بعد منفعة صاحبها (2) قال أبو عمر وقد (3) روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع فضل الماء في وجوه أيضا صحاح والمعنى فيها كلها متقارب فمن ذلك حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء يمنع به الكلأ ومنها حديث جابر حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن أبي جريج عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء ومنها حديث داود العطار عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال عن إياس بن عبد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء هكذا قال داود العطار وخالفه سفيان بن عيينة عن عمرو بإسناده فقال عن بيع الماء
126

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا داود العطار قال حدثنا عمرو بن المنهال عن إياس بن عبد قال لرجل لا تبع الماء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو أخبره أبو المنهال أن إياس بن عبد قال لرجل لا تبع الماء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء (وأخبرنا خالد بن قاسم حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن العسكري أنبأنا الربيع بن سليمان أنبأنا الشافعي أنبأنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال عن إياس بن عبد أنه قال لا تبيعوا الماء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء) (1) قال سفيان لا يدري عمرو أي ماء هو (2) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا سعيد بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا (3) البخاري قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا عبد الواحد بن زياد عن
127

الأعمش سمعت أبا صالح يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل كان له فضل ماء فمنعه ابن السبيل وذكر الحديث أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن إسحاق القاضي قال حدثنا أحمد بن مسعود الزبيري (1) قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم (2) وحدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قالا جميعا أخبرنا (3) الشافعي بمعنى واحد قال معنى (4) حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الماء وعن بيع فضل الماء وأنه نهى عن منع فضل الماء هو والله أعلم أن يباع الماء في المواضع التي جعله الله فيها وذلك أن يأتي الرجل الرجل (5) له البئر أو العين أو النهر ليشرب من مائه ذلك وليسقي (6) دابته وما أشبه هذا فيمنعه ذلك فهذا هو المنهي عنه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يمنع فضل الماء (وأما قول رسول الله صلى الله
128

عليه وسلم لا يمنع فضل الماء) (1) ليمنع به الكلأ فمعنى ذلك أن يأتي الرجل بدابته وماشيته إلى الرجل له البئر وفيها فضل عن سقي ماشيته فيمنعه صاحب البئر السقي يريد بيع فضل مائه منه فذلك الذي نهي عنه من (بيع) (2) فضل الماء وعليه أن يبيح غيره فضل مائه ليسقي ماشيته لأن صاحب الماشية إذا منع أن يسقي ماشيته لم يقدر على المقام ببلد لا يسقي فيه ماشيته فيكون منعه (3) الماء الذي يملك منعا للكلأ الذي لا يملك ودلت السنة على أن مالك الماء أحق بالتقدم في السقي من غيره لأنه أمر بأن لا يمنع الفضل والفضل هو الفضل عن الكفاف والكفاية ودلت السنة على أن المنع الذي ورد في فضل الماء هو منع شفاه الناس والمواشي أن يشربوا فضلا عن حاجة صاحب الملك من الماء وأن ليس (4) لصاحب الماء منعهم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك متفقة تفسرها ألسنة المجتمع عليها وإن كانت الأحاديث بألفاظ شتى قال وإن كان هذا في ماء البئر كان فيما هو أكثر من ماء البئر أولى أن لا يمنع من الشفة قال ولو أن رجلا أراد من رجل له بئر فضل مائه من
تلك البئر ليسقي بذلك زرعه لم يكن له ذلك وكان لمالك البئر منعه من ذلك لأن النبي
129

صلى الله عليه وسلم إنما أباحه في الشفاه التي يخاف مع منع الماء منها التلف عليها ولا تلف على الأرض لأنها ليست بروح فليس لصاحبها أن يسقي إلا بإذن رب الماء قال وإذا حمل الرجل الماء على ظهره فلا بأس أن يبيعه من غيره لأنه مالك لما حمل منه وإنما يبيع تصرفه بحمله (1) قال وكذلك لو جاء رجل على شفير بئر فلم يستطع أن ينزع بنفسه لم يكن بأسا أن يعطي رجلا أجرا وينزع له (2) لأن نزعه إنما هو إجارة ليست عليه هذا كله قول الشافعي وأما جملة قول مالك وأصحابه في هذا الباب فذلك أن كل من حفر في أرضه أو داره بئرا فله بيعها وبيع مائها كله وله منع المارة من مائها إلا بثمن إلا قوم لا ثمن معهم وإن تركوا إلى أن يردوا ماء غيره هلكوا فإنهم لا يمنعون ولهم جهاده إن منعهم ذلك وأما من حفر من الآبار في غير ملك معين (3) لماشية أو شفة وما حفر في الصحاري كمواجل المغرب وأنطابلس وأشباه ذلك فلا يمنع أحد فضلها وإن منعوه حل له (4) قتالهم فإن لم يقدر المسافرون على دفعهم حتى ماتوا عطشا فدياتهم (5) على عواقل المانعين والكفارة من كل نفس على كل رجل (6) من أهل (7) الماء المانعين مع وجيع الأدب
130

وكره مالك بيع فضل ماء مثل هذه الآبار من غير تحريم قال ولا بأس ببيع فضل ماء الزرع من بئر أو عين وبيع رقابهما (1) قال ولا يباع أصل بئر الماشية ولا ماؤها ولا فضله يعني الآبار التي تحفر في الفلاة للماشية والشفاه وأهلها أحق بريهم ثم الناس سواء في فضلها إلا المارة أو الشفة أو الدواب (2) فإنهم لا يمنعون قال أبو عمر أما البئر تنهار للرجل وله عليها زرع أو نحوه من النبات الذي يهلك بعدم الماء الذي اعتاده ولا بد له منه وإلى جنبه بئر لجاره يمكن أن يسقي منها زرعه فقد قال مالك وأصحابه إن صاحب تلك البئر يجبر على أن يسقي جاره بفضل مائه زرعه الذي يخاف هلاكه إذا لم يكن على صاحب الماء فيه ضرر بين وعلى هذا المعنى تأول مالك قوله صلى الله عليه وسلم لا يمنع نقع بئر يعني بئر الزرع واختلف أصحابه هل يكون ذلك بثمن أو بغير ثمن فقال بضعهم يجبر ويعطى الثمن وقال بعضهم يجبر ولا ثمن له وجعلوه كالشفاه من الآدميين والمواشي فتدبر ما أوردته عن الشافعي ومالك تقف على المعنى الذي اختلفا فيه من ذلك وقال أبو حنيفة وأصحابه في هذا الباب كقول الشافعي سواء وقالوا (3) لكل من له بئر في أرضه المنع من الدخول
131

إليها إلا أن يكون للشفاه والحيوان إذا لم يكن لهم ماء فيسقيهم قالوا وليس عليه سقي (زرع) (1) جاره (وقال سفيان الثوري إنما جاء الحديث في منع الماء لشفاه الحيوان وأما الأرضون فليس يجب ذلك على الجار في فضل مائه) (2) وذكر ابن حبيب قال ومما يدخل في معنى لا يمنع نقع بئر ولا يمنع وهو (3) بئر البئر تكون بين الشريكين يسقي منها هذا يوما وهذا يوما وأقل وأكثر فيسقي (4) أحدهما يومه فيروي نخله أو زرعه في بعض يومه ويستغني عن السقي في بقية اليوم أو يستغني في يومه كله عن السقي فيريد صاحبه أن يسقي في يومه ذلك قال ذلك له وليس لصاحب اليوم أن يمنعه من ذلك لأنه ليس له منعه مما لا ينفعه حبسه ولا يضره تركه قال أبو عمر قول ابن حبيب هذا حسن ولكنه ليس على أصل مالك وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه وقد مضى القول في هذا المعنى وما للعلماء فيه من التنازع في باب ابن شهاب عن الأعرج من كتابنا هذا والحمد لله قال ابن حبيب ومن ذلك أيضا أن تكون البئر لأحد الرجلين في حائطه فيحتاج جاره وهو لا شركة له في البئر
132

إلى أن يسقي حائطه بفضل مائها فذلك ليس له إلا أن تكون بئره تهورت (1) فيكون له أن يسقي بفضل ماء جاره إلى أن يصلح بئره ويقضي له بذلك وتدخل حينئذ في تأويل الحديث لا يمنع نقع البئر قال وليس للذي (2) تهورت بئره أن يؤخر إصلاح بئره ولا يترك والتأخير وذلك في الزرع الذي يخاف عليه الهلاك إن منع السقي إلى أن يصلح البئر قال فأما إن يحدث على البئر عملا من غرس أو زرع ليسقيه بفضل ماء جاره إلى أن يصلح بئره فليس ذلك له قال وهكذا فسره لي مطرف وابن الماجشون عن مالك وفسره لي أيضا ابن عبد الحكم وأصبغ بن الفرج وأخبرني أن ذلك قول ابن وهب وابن القاسم وأشهب وروايتهم عن مالك واختلفوا أيضا في التفاضل في الماء فقال مالك لا بأس ببيع الماء متفاضلا وإلى أجل وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد بن الحسن هو مما يكال ويوزن فعلى (3) هذا القول لا يجوز عنده فيه التفاضل ولا النسا (4) وذلك عنده فيه ربا لأن علته في الربا الكيل والوزن وقال الشافعي لا يجوز بيع الماء متفاضلا ولا يجوز فيه الأجل وعلته في الربا (5) أن يكون مأكولا جنسا وقد مضى القول في أصولهم في علل الربا في غير موضع من كتابنا هذا فلا وجه لإعادته ها هنا
133

حديث ثان لأبي الرجال مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمان بن حارثة بن النعمان عن أمه عمرة بنت عبد الرحمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة (1) قال أبو عمر لا خلاف عن مالك فيما علمت في إرسال هذا الحديث وقد روي مسندا من هذا الوجه وغيره حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت عن أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة قالت (1) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى ينجو من العاهة حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن أحمد بن منير قال حدثنا هاشم (2) بن
134

يونس (1) قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا الليث قال حدثنا ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تنجو من العاهة قال (1) ابن سراقة فسألت عبد الله بن عمر متى ذلك قال طلوع الثريا وقد روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا اللفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تذهب عاهتها من حديث ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة كلها صحاح ثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وحتى تزهي وحتى تحمر وحتى تطعم وحتى تخرج من العاهة ألفاظ كلها محفوظة ومعناها واحد والمعنى فيها أن تنجو من العاهة وهي الحائجة في الأغلب لأن (2) الثمار إذا بدا صلاحها نجت من العاهة جملة واحدة
135

ولكنها إذا بدا طيبها كان أقرب إلى سلامتها وقلما يكون سقوط ما يسقط منها إلا قبل ذلك ثم ما اعتراها من جائحة من السماء أو غيرها فقد مضى القول في ذلك كله واختلاف العلماء فيه في باب حميد الطويل من كتابنا هذا فلا حاجة إلى إعادته ها هنا وقد روى وهيب (1) بن خالد (1) عن عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول صلى الله عليه وسلم إذا طلعت الثريا صباحا رفعت العاهة عن أهل البلد وقد ذكرنا هذا الخبر ومضى القول فيه في باب حميد الطويل والحمد لله وطلوع الثريا صباحا لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار وهو شهر مايه وفي هذا الحديث مع قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حميد عن أنس أرأيت إن منع الله الثمرة فيم يأخذ أحدكم مال أخيه دليل واضح على جواز بيع الثمار كلها قبل بدو صلاحها على القطع في الوقت لأنها إذا قطعت في الوقت أمنت فيها العاهة ولم يمنع الله المشتري شيئا أراده ومن هذا جواز بيع القصيل وشبهه على القطع وهذا أمر لم يختلف فيه قال مالك لا يجوز بيع الثمار قبل بدو صلاحها إلا
136

على القطع وكذلك القصيل وهو قول ابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي والليث والشافعي فقال مالك والشافعي فإذا اشترى الثمرة بعد بدو صلاحها فسواء اشترط تبقيتها أو لم يشترط البيع صحيح وقال أبو حنيفة وأصحابه يجوز بيع الثمار قبل بدو الصلاح وبعد بدو الصلاح إذا (1) لم يشترط التبقية والقطع ولكن باعها وسكت وإن (2) اشترط تبقيتها فسد العقد سواء باعها قبل بدو الصلاح أو بعده وقال محمد بن الحسن إذا تناهى عظمه فشرط تركه جاز استحسانا قال أبو عمر جعل أبو حنيفة قوله صلى الله عليه وسلم حتى تنجو من العاهة ردا لقوله حتى يبدو صلاحها فقال ما ذكرنا واحتج أيضا بالنهي عن بيع الغرر وجعل مالك وجمهور الفقهاء ذلك كله معنى واحدا وحملوه على الأغلب في أنها تسلم حينئذ (في الأغلب) (3) والله أعلم والحجة لمالك والشافعي ومن قال بقولهما (4) عموم قوله عز وجل * (وأحل الله البيع وحرم الربا) * مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يبدو صلاحها وحتى غاية يقتضي هذا القول أنه (5) إذا بدا صلاحها جاز بيعها جوازا مطلقا سواء شرط التبقية أو لم يشترط والله أعلم وقد سئل عثمان البتي عن بيع الثمر قبل أن يزهي فقال لولا ما قال الناس فيه ما رأيت به بأسا
137

حديث ثالث لأبي الرجال مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمان أنه سمعها تقول لعن رسول الله المختفي والمختفية يعني نباش القبور (1) قال أبو عمر هذا التفسير في هذا الحديث هو من قول مالك ولا أعلم أحدا خالفه في ذلك وأصل الكلمة الظهور والكشف لأن النباش يكشف الميت عن ثيابه ويظهره ويقلعها عنه ومن هذا قول الله عز وجل في الساعة أكاد أخفيها على قراءة من قرأ بفتح الهمزة قال أبو عبيدة (1) يقال خفيت خبزتي (2) أخرجتها (3) من النار وأنشد لامرئ القيس بن عابس الكندي
* فإن تكتموا الداء لا نخفه
* وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
* قال وقال امرؤ القيس بن حجر
* خفاهن من انفاقهن كأنما
* خفاهن ودق من عشي مجلب
*
138

وقال الأصمعي مجلب بالجيم يعني صوت الرعد قال أبو عبيدة والغالب على هذا النحو أن يكون خفيت بغير ألف وقد يكون أيضا بالألف بمعنى واحد أخفاها (1) أظهرها ويكون من الأضداد (ويقال خفيت الشيء أظهرته وأخفيته سترته (وممن قرأ أخفيها بفتح الهمزة سعيد بن جبير لم يختلف عنه ومجاهد على اختلاف عنه) (2) وقد روي هذا الحديث مسندا من حديث مالك وغيره رواه عن مالك يحيى الوحاظي وغيره حدثنا أحمد بن عبد الله ابن محمد قال أخبرنا الميمون بن حمزة قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا إبراهيم بن أبي داود البرلسي قال حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي قال حدثنا مالك عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة قالت لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المختفي والمختفية (رواية (3) الوحاظي مشهورة عنه في توصيل هذا الحديث وكذلك رواه عبد الله بن عبد الوهاب عن مالك عن مالك حدثناه (4) خلف بن قاسم حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا هشام بن إسحاق حدثنا جعفر بن محمد القلانسي حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال سمعت مالك بن أنس قيل له حدثك أبو الرجال محمد بن عبد الرحمان عن
139

أمه عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المختفي والمختفية (1) قال أبو عمر لا أعلم اختلافا بين أهل العلم أن المقصود باللعن في هذا الحديث هو النباش الذي يحفر على الميت فيتبشه (2) ويخرجه ويجرده من ثيابه ويأخذها وأما من فعل ذلك بوليه من الموتى لعذر ما ووجه غير الوجه الذي ذكرنا فلا بأس بذلك وقد أخرج جابر بن عبد الله أباه من قبره الذي دفن فيه ودفنه في غير ذلك الموضع وفعل ذلك معاوية بشهداء أحد حين أراد أن يجري العين وذلك بمحضر من الصحابة ولم يبلغني أن أحدا أنكره يومئذ واختلف الفقهاء في النباش هل عليه القطع إذا نزع من الميت من الثياب ما يحق فيه القطع أم لا فقال الكوفيون لا قطع عليه لأن القبر ليس بحرز ولأن الميت لا يملك وقال مالك عليه القطع لأن القبر كالبيت وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار بندار (3) قال حدثنا عبد الرحمان قال سمعت مالكا يقول القبر حرز الميت كما أن البيت حرز للحي
140

قال أبو عمر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ذر أنه سمى القبر بيتا في حديث ذكره وقال الله عز وجل * (ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا) * وقد استدل ابن القاسم في قطع النباش بهذه الآية وأما نبش الموتى وإخراجهم لمعنى غير هذا المعنى فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا خالد بن خداش قال حدثنا غسان (1) بن مضر قال حدثنا سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله قال دعاني أبي وقد حضر قتال أحد
فقال لي يا جابر لا أراني إلا أول مقتول يقتل غدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإني لن أدع أحدا أعز منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لك أخوات فاستوص بهن خيرا وإن علي دينا فاقض عني فكان أول قتيل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال فدفنته هو وآخر في قبر واحد فكان في نفسي منه شيء فاستخرجته بعد ستة أشهر كيوم دفنته وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثني سعيد بن عامر قال حدثنا شعبة عن أبي نجيح عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال دفن مع أبي رجل في قبر (2) فلم تطب نفسي حتى حولته وحدثنا
141

عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا بندار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أبي مسلمة عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله أن أباه قال إني معرض نفسي للقتل ولا أراني إلا مقتولا وإني لا أدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي منك وأوصاه ببناته ودين عليه فقتل يوم أحد فدفنوا بأحد قال فلم تطب نفسنا فاستخرجناهم بعد ستة أو سبعة أشهر فوجدناهم لم يتغيروا غير أن طرف أذن أحدهم قد تغير وأخبرنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف (1) وأخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قالا (2) حدثنا ابن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان عن أبي الزبير سمع جابرا يقول لما أراد معاوية أن يجري العين التي في أسفل أحد عند قبور الشهداء الذين بالمدينة أمر مناديا فنادى من كان له ميت فليأته فليخرجه قال جابر فذهبت إلى أبي فأخرجناهم رطابا يتثنون قال أبو سعيد لا أنكر بعد هذا منكرا أبدا قال جابر (3) فأصابت المسحات أصبغ رجل منهم فقطر الدم قال أبو عمر وقد روينا أن طلحة بن عبيد الله رآه بعد قتله ودفنه مولى له في النوم فشكا إليه أن الماء يؤذيه فنبشه وأخرجه من جنب ساقية كان دفن إليها ووجد جنبه قد اخضر فدفنه في غير ذلك الموضع وقد ذكرنا هذا الخبر في كتاب
142

الصحابة في باب طلحة على وجهه والحمد لله وقد روى مالك عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة موقوفا من قولها كسر عظم المؤمن ميتا ككسره وهو حي (1) وأكثر الرواة للموطأ (2) يقولون فيه عن مالك أنه بلغه أن عائشة كانت تقول كسر عظم المؤمن ميتا ككسره وهو حي تعني في الإثم وهو حديث يدخل في هذا (3) الباب من جهة المعنى ومن جهة الإسناد ولا أعلم أحدا رفعه عن مالك وقد روي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسندا من حديث عائشة من رواية عمرة وغيرها فرأيت ذكره ها هنا لأن أصله من رواية مالك وهو من هذا الباب أيضا لأنه يدل على كراهة حفر قبور المسلمين حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن سعد (4) بن سعيد قال سمعت عمرة تقول سمعت عائشة تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن شعبة عن محمد بن عبد الرحمان قال قالت عمرة أعطني قطعة من
143

أرضك أدفن فيها فإن عائشة قالت كسر عظم الميت ككسره وهو حي قال محمد وكان مولى بالمدينة يحدث عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الحسن (1) الكوفي قال حدثنا حذيفة (2) قال حدثنا زهير يعني بن محمد عن إسماعيل بن أبي حكيم عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا قال أبو عمر هذا كلام عام يراد به الخصوص لإجماعهم على أن كسر عظم الميت لا دية فيه ولا قود فعلمنا أن المعنى ككسره حيا في الإثم لا في القود ولا الدية لإجماع العلماء على ما ذكرت لك (وفي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النباش دليل على أن كل من أتى المحرمات وارتكب الكبائر المحظورات في أذى المسلمين وظلمهم جائز لعنه والله أعلم وقد تكلمنا على هذا المعنى في غير هذا الموضع وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله والواصلة والمستوصلة والخمر وشاربها الحديث وكثيرا ممن يطول الكتاب بذكرهم وتفرد حبيب عن مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن خالد بن عبد الله بن حرملة عن الحارث بن خفاف بن أسلم قال ركع رسول الله صلى الله
144

عليه وسلم ثم رفع رأسه فقال غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله وعصية عصت الله ورسوله اللهم العن بني لحيان ورعنا وذكوان قال خفاف فجعل لعن الكفر من أجل ذلك قال الدارقطني تفرد به حبيب عن مالك وهو صحيح عن محمد بن عمرو) (1) وفي قول من قال في هذا الحديث كسر عظم المؤمن دليل على أن غير المؤمن بخلافه والله أعلم وقد اختلف الفقهاء في نبش قبور المشركين طلبا للمال فقال مالك أكرهه وليس بحرام وقال أبو حنيفة والشافعي لا بأس بنبش قبور المشركين طلبا للمال وقال الأوزاعي لا يفعل (2) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر سجى ثوبه على رأسه واستحث على راحلته ثم قال لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا أن تدخلوها وأنتم باكون مخافة أن يصيبكم مثل ما أصابهم قال أبو عمر هذا حديث يرويه ابن شهاب مرسلا ورواه مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث القعنبي وروي من غير هذا الوجه أيضا أنه لما أتى ذلك الوادي أمر الناس فأسرعوا وقال إن هذا واد ملعون وروي عنه أنه أمر بالعجين فطرح وقد روى محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن يحيى بن أبي يحيى قال سمعت عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله
145

عليه وسلم حين خرجنا إلى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قبر أبي رغال وهو أبو الطائف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج أصابته النقمة بهذا المكان ودفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه فابتدره الناس فاستخرجوا معه الغصن (1) وفي هذا الحديث إباحة نبش قبور المشركين لأخذ المال حدثنا (1) عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا يونس بن بكير وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب حدثنا إبراهيم بن سعيد قالا جميعا حدثنا محمد بن إسحاق فذكره بإسناده (قال أبو عمر أبو رغال هذا هو الذي يرجم قبره أبدا كل من مر به واختلف في قصته فقيل إنه كان من ثمود واستحق من العقوبة ما استحقت ثمود فصرف الله عنه لكونه في الحرم فلما خرج منه أخذته الصيحة فمات فدفن هناك وقيل إنه كان وجهه صالح النبي عليه السلام على
146

نفقات الأموال فخالف أمره وأساء السيرة فوثب عليه ثقيف وهو قسي بن منبه فقتله وإنما فعل ذلك لسوء سيرته في أهل الحرم فقال غيلان بن سلمة الثقفي وذكر قسوة الله
على أبي رغال
* نحن قسي وقسي أبونا
* وقال أمية بن أبي الصلت
* نفوا عن أرضهم عدنان طرا
* وكانوا للقبائل قاهرينا
* وهم قتلوا الرئيس أبا رغال
* بنخلة إذ يسوق بها الوضينا
* وقال عمرو بن دارك العبدي يذكر فجور أبي رغال وخبثه فقال
* وإني إن قطعت حبال قيس
* وحالفت الحرون على تميم
* لأعظم فجرة من أبي رغال
* وأجور في الحكومة من سدوم
* وقال مسكين الدارمي
* وأرجم قبره في كل عام
* كرجم الناس قبر أبي رغال) (1
* وقد روي عن أنس قال كان موضع مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبور المشركين وكان فيه حرث ونخل فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت وبالنخل فقطع وبالحرث فسوي حدثنا (2) أحمد بن قاسم بن عبد
147

الرحمان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا العباس بن الفضل حدثنا عبد الوارث بن أبي التياح (1) عن أنس وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قراءة مني عليه أن أحمد بن محمد المكي حدثهم قال حدثنا علي بن عبد العزيز وقرأت عليه أيضا أن بكر بن العلاء حدثهم قال حدثنا أحمد بن موسى الشامي قالا جميعا حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحاب الحجر لا تدخلوا على هؤلاء المعتدين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم قال أبو عمر وقد أجاز الدخول عليهم في حال البكاء وحدثنا يعيش بن سعيد وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو جعفر محمد بن غالب قال حدثنا عبد الوهاب الرياحي قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا روح وهو ابن القاسم عن إسماعيل وهو ابن أمية عن يحيى وهو ابن أبي يحيى عن عبد الله بن عمر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمررنا بقبر فقال هذا قبر أبي رغال وهو امرؤ من ثمود وكان مسكنه الحرم فلما أهلك الله قومه بما أهلكهم به منعه لمكانه من الحرم فخرج حتى إذا بلغ هاهنا مات فدفن ودفن معه غصن من ذهب فابتدرناه فاستخرجناه
148

حديث رابع لأبي الرجال مالك عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمان عن أمه عمرة بنت عبد الرحمان أنه سمعها تقول ابتاع رجل ثمر حائط في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعالجه وقام فيه حتى تبين له النقصان فسأل رب الحائط أن يضع له أو أن يقيله فحلف أن لا يفعل فذهبت أم المشتري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تألى أن لا يفعل خيرا فسمع ذلك رب الحائط فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هو له (1) (قال أبو عمر (1) لا أعلم هذا الحديث بهذا اللفظ يسند عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه متصل (ألا من رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة وكان مالك يرضى سليمان بن بلال
149

ويثني عليه ذكره البخاري (1) قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أخي عن سليمان عن يحيى بن سعيد عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمان عن أمه عمرة بنت عبد الرحمان قالت سمعت عائشة تقول سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما وإذا أحدهما يستوضع الاخر ويسترفقه في شيء وهو يقول والله لا أفعل فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين المتألي على الله أن لا يفعل المعروف فقال أنا يا رسول الله فليفعل لي ذلك أحب) (2) وفيه دليل على أن لا جائحة يقام بها ويحكم بإلزامها البائع في الثمار إذا بيعت قلت الجائحة أو كثرت لأنه لم يذكر فيه مقدار النقصان كثيرا (3) كان أم قليلا ولو لزمت الجائحة (4) في شيء من الثمار البائع بعد بيعه لبين ذلك
150

رسول الله صلى الله عليه وسلم ولبين (1) المقدار وهذا معنى اختلف فيه العلماء وقد ذكرنا ما لهم في ذلك من الأقوال وما احتجوا به من الآثار في باب حميد الطويل من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته هاهنا وفي الحديث أيضا (2) الندب إلى حط ما أجيح (به) (3) المبتاع في الثمار إذا ابتاعها ندب البائع لذلك (4) وحض عليه ولم يلزمه ولا قضى عليه به ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث تألى (على الله) (5) أن لا يفعل خيرا ومن قال بوضع الجوائح على المبتاع في الثمار وإلزامها البائع احتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه وبحديثه أيضا عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح وقد مضى ما للعلماء في هذه الآثر من التأويل والتحريج والوجوه والمعاني في باب حميد على ما ذكرنا وبالله توفيقنا وقد روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم معنى حديث عمرة هذا دون لفظه من حديث أبي سعيد الخدري وهو حديث صحيح
151

أخبرنا عبد الرحمان بن عبد الله بن خالد قال حدثنا عيسى قال حدثنا سحنون قال أخبرنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال أصيب رجل في ثمار ابتاعها وكثر دينه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) (1) تصدقوا (2) عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك وكان أبو عبد الرحمان النسائي يقول هذا الحديث أصح من حديث سليمان بن عتيق في وضع الجوائح وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي قال حدثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى (ح) (3) وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة قالا جميعا حدثنا الليث بن سعد عن بكر بن عبد الله بن الأشج عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها بدين فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه
152

خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ليس في حديث عبد العزيز بن يحيى تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه وهذا الحديث وحديث عمرة يدلان على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقض بوضع الجائحة (في قليل ولا كثير والذين) (1) قالوا معنى هذا الحديث في قوله ليس لكم إلا ذلك يعني في ذلك الوقت حتى الميسرة (2) (لأنه كان مفلسا ويحتمل (3) أن يكون الذي بقي عليه كان دون الثلث فقال ليس لكم غير ذلك) (4) وخالفهم غيرهم فقالوا لو كان ذلك لبين في الحديث وهذه دعوى وقد قال قوم أن معنى الأمر بوضع الجوائح إنما هو في وضع خراج الأرض وكرائها عمن أصاب زرعه أو ثمره آفة ومنهم من قال إنما هذا قبل القبض فإذا قبض المبتاع ما ابتاعه فلا جائحة فيه ومنهم من قال الأمر بوضع الجوائح إنما كان على الندب إلى الخير بدليل حديث عمرة هذا (وقوله فيه تألى ألا يفعل خيرا) (5) لا أنه شيء يجب القضاء به لأن العلماء مجمعون على أن من قبض ما يبتاع بما يجب
153

به قبضه من كيل أو وزن أو تسليم وصار في يد المبتاع كما كان في يد البائع أن المصيبة والجائحة فيه من المبتاع إلا الثمار إذا بيعت بعد بدو صلاحها فإنهم اختلفوا في ذلك فواجب رد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه من نظير وفي هذه المسألة نظر وقد ذكرنا مذهب مالك وأهل المدينة فيها ومذهب غيرهم أيضا وحجة كل فريق منهم في باب حميد الطويل من كتابنا هذا فلا وجه لإعادة (1) ذلك هاهنا وبالله التوفيق
154

مالك عن موسى بن عقبة تابعي مدني ثقة وهو موسى بن عقبة بن أبي عياش يكنى أبا محمد مولى الزبير بن العوام كان الزبير قد أعتق جده أبا عياش هكذا قال الواقدي وغيره وقال يحيى بن معين موسى بن عقبة مولى أم خالد بنت (خالد بن) (1) سعيد بن العاص وقد ذكرنا في باب إبراهيم بن عقبة في صدر كتابنا هذا في نسبه وولائه ما هو أكثر من هذا وسمع موسى بن عقبة من أم خالد بنت (خالد بن) (1) سعيد بن العاص ورأى ابن عمر وسهل بن سعد قال حججت وابن عمر بمكة عام حج نجدة الحروري ورأيت سهل بن سعد يتخطا حتى توكأ على المنبر فسار الإمام بشيء وكان موسى بن عقبة من ساكني المدينة وبها توفي سنة إحدى وأربعين ومائة قبل خروج محمد بن عبد الله بن حسن وكان مالك يثني على موسى بن عقبة وكان لموسى علم بالمغازي والسيرة وهو ثقة فيما نقل عن أثر في الدين وكان رجلا صالحا رحمه الله لمالك عنه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموطأ حديثان مسندان
155

حديث أول لموسى بن عقبة مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى عبد الله بن عباس عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال فتوضأ فلم يسبغ الوضوء فقلت له الصلاة يا رسول الله فقال الصلاة أمامك فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل أناس بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئا (1) (قال أبو عمر هكذا رواه جماعة الحفاظ الأثبات من رواة الموطأ عن مالك فيما علمت إلا أشهب وابن الماجشون فإنهما روياه عن مالك عن موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس عن أسامة بن زيد ذكره النسائي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أشهب وكذلك حدث به المعافي عن ابن الماجشون والصحيح في هذا الحديث طرح
156

ابن عباس من إسناده وإنما هو لكريب عن أسامة بن زيد) (1) وكذلك رواه يحيى بن سعيد الأنصاري وحماد بن زيد عن موسى بن عقبة عن كريب عن أسامة مثل رواية مالك سواء ولم يخالف فيه على موسى بن عقبة فيما علمت ورواه إبراهيم بن عقبة واختلف (2) عليه فيه فرواه سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة ومحمد بن أبي حرملة جميعا عن كريب عن ابن عباس عن أسامة بن زيد مثله بمعناه أدخلا بين كريب وبين أسامة عبد الله بن عباس ورواه حماد بن زيد عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن أسامة ورواه إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن كريب عن أسامة لم يذكر ابن عباس وكذلك رواه ابن المبارك عن إبراهيم بن عقبة مثل رواية حماد بن زيد فدل ذلك كله على ضعف رواية ابن عيينة وصحة رواية مالك ومن تابعه وأن ليس لابن عباس ذكر صحيح (في هذا الحديث (3) والله أعلم وفي هذا الحديث من الفقه الوقوف بعرفة يوم عرفة ثم الدفع منها بعد غروب الشمس على يقين (4) من مغيبها ليلة النحر إلى المزدلفة وهذا ما لا خلاف فيه والوقوف المعروف بعرفة بعد صلاة الظهر والعصر في مسجد عرفة جميعا في أول وقت الظهر
157

إلى غروب الشمس والمسجد معروف وموضع الوقوف بجبال الرحمة معروف وليس المسجد موضع وقوف لأنه فيما (1) أحسب من بطن عرنة (1) الذي أمر الواقف بعرفة أن يرتفع عنه وهذا كله أمر (2) مجتمع عليه لا موضع للقول فيه وأما قوله في هذا الحديث نزل فبال فتوضأ فلم (3) يسبغ الوضوء فهذا (4) عندي والله أعلم أنه استنجى بالماء أو اغتسل به من بوله وذلك يسمى وضوءا في كلام العرب لأنه من الوضاءة التي هي النظافة ومعنى قوله لم يسبغ الوضوء أي لم يكمل وضوء الصلاة لم يتوضأ للصلاة والإسباغ الإكمال فكأنه قال لم يتوضأ وضوءه للصلاة ولكنه توضأ من البول هذا وجه هذا الحديث عندي والله أعلم وقد قيل إنه توضأ وضوءا
خفيفا ليس بالبالغ وضوءا بين وضوءين لصلاة واحدة وليس هذا اللفظ في حديث مالك ومالك أثبت من رواه فلا وجه للاحتجاج برواية غيره عليه وقد قيل في ذلك أنه توضأ على (بعض) (5) أعضاء الوضوء (ولم) (6) يكمل الوضوء
158

للصلاة على ما روي عن ابن عمر أنه كان إذا أجنب ليلا وأراد النوم غسل وجهه ويديه إلى المرفقين وربما مسح برأسه ونام وهو لم يكمل وضوءه للصلاة وهذا عندي وجه ضعيف لا معنى له ولا يجب أن يضاف مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل الذي حكاه عن ابن عمر لم يضبط والوضوء على الجنب عند النوم غير واجب وإنما هو ندب (لأنه) (1) لا يرفع فيه حدثه وفعله سنة وخير وليس من دفع من عرفة إلى المزدلفة (2) يجد من الفراغ ما يتوضأ به وضوءا يشتغل به عن النهوض إلى المزدلفة والنهوض إليها من أفضل أعمال البر فكيف يشتغل عنها بما لا معنى له إلا ترى أنه لما حانت (3) تلك الصلاة في موضعها نزل فأسبغ الوضوء لها أي توضأ لها كما يجب فالوضوء (4) الأول عندي الاستنجاء بالماء لا غير (لأنه لم يحفظ عنه قط أنه توضأ لصلاة واحدة مرتين وإن كان يتوضأ لكل صلاة ويحتمل قوله الصلاة أي توضأ لها إذ رآه اقتصر على الاستنجاء ويحتمل غير ذلك) (5) والله أعلم وقد روى عبد الله بن أبي مليكة عن أمه عن عائشة قالت بال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتبعه عمر بكوز من ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لم أومر أن
159

أتوضأ كلما بلت ولو فعلت لكانت سنة وهذا على ما قلنا وبالله توفيقنا ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستنجي بالماء على (حسب) (1) ما ذكرناه (2) (ومن بين ما يروى في استنجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء ما رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن معاذ عن عائشة أنها قالت لنسوة عندها مرن أزواجكن (3) أن يغسلوا عنهم أثر الغائط والبول فإني أستحيهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله ذكره يعقوب بن شيبة (4) عن يزيد بن هارون عن سعيد وحدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن عمرو قال سمعت ابن الحويرث يقول سمعت ابن عباس يقول كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج من الغائط (فأتى بطعامه) (5) فقيل له ألا تتوضأ فقال ما أصلي فأتوضأ وهذا بين أنه كان عليه السلام لا يتوضأ وضوء الصلاة إلا للصلاة وأنه لا يتوضأ كلما بال وضوء الصلاة) (6)
160

وفي هذا الحديث أيضا من الفقه أن الإمام إذا دفع بالحاج والناس معه لا يصلون المغرب في تلك الليلة إلا مع العشاء في وقت واحد بالمزدلفة وهذا أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه واختلف العلماء فيمن لم يدفع مع الإمام لعلة وعذر ودفع وحده بعد دفع الإمام بالناس هل له أن يصلي تلك (الصلاتين) (1) في المزدلفة أم لا فقال مالك لا يصليهما أحد قبل جمع إلا من عذر فإن صلاهما من عذر لم يجمع بينهما حتى يغيب الشفق وقال الثوري لا يصليهما حتى يأتي جمعا وله السعة في ذلك إلى نصف الليل فإن صلاهما دون جمع أعاد وقال أبو حنيفة إن صلاهما قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الإعادة وسواء صلاهما قبل مغيب الشفق أو بعده عليه أن يعيدهما إذا أتى المزدلفة وحجة هؤلاء كلهم قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لأسامة أمامك يعني بالمزدلفة واختلف عن أبي يوسف ومحمد فروي عنهما مثل قول أبي حنيفة وروي عنهما إن صلى (2) بعرفات أجزأه وعلى مذهب الشافعي لا ينبغي أن يصليهما قبل جمع فإن فعل أجزأه وبه قال أبو ثور وأحمد وإسحاق وروي ذلك عن عطاء وعروة وسالم والقاسم (3) وسعيد بن جبير وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال لا صلاة إلا بجمع ولا مخالف له من الصحابة فيما علمت
161

قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصلاة أمامك يدل على أنه لا يجوز لأحد أن يصليهما إلا هناك وقد قال صلى الله عليه وسلم (خذوا عني مناسككم) (1) ولم يصلهما إلا بالمزدلفة فإن كان له عذر فعسى الله أن يعذره وأما من لا عذر له فواجب (1) أن لا تجزئه صلاته قبل ذلك الموضع على ظاهر هذا الحديث ومن أجاز الجمع بينهما قبل المزدلفة أو بعدها في غيرهما فإنه ذهب إلى أنه سفر وللمسافر الجمع بين الصلاتين على ما ذكرنا من أحكامهم (2) وأقوالهم في كيفية الجمع بينهما للمسافر فيما سلف من كتابنا هذا وله أن لا يجمع بينهما لا يختلفون في ذلك للمسافر بغير عرفة والمزدلفة قال مالك يجمع الرجل بين الظهر والعصر يوم عرفة إذا فاته ذلك مع الإمام قال وكذلك المغرب والعشاء يجمع أيضا بينهما بالمزدلفة من فاته ذلك مع الإمام قال وإن احتبس إنسان دون المزدلفة لموضع عذر جمع بينهما أيضا قبل أن يأتي المزدلفة ولا يجمع بينهما حتى يغيب الشفق قال أبو حنيفة لا يجمع بينهما إلا من صلاهما مع الإمام يعني صلاتي عرفة وصلاتي المزدلفة قال وأما من صلى وحده
162

فلا يصلي كل صلاة منهما إلا لوقتها وكذلك قال الثوري قال إن صليت في رحلك فصل كل صلاة لوقتها وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن حنبل وأبو ثور وإسحاق جائز أن يجمع بينهما من المسافرين من صلى مع الإمام ومن صلى وحده إذا كان مسافرا وعلتهم في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جمع بينهما من أجل السفر فلكل مسافر الجمع بينهما وكان عبد الله بن عمر يجمع بينهما وحده وهو قول عطاء وقد ذكرنا حكم الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة وحكم الأذان بينهما (1) والإقامة ومن أجاز أن تناخ الإبل وغير ذلك بينهما ومن لم يجز ذلك وما للعلماء في ذلك كله من الأقوال والاعتلال من جهة الأثر والنظر في باب ابن شهاب عن سالم من كتابنا هذا فلذلك لم نذكره هاهنا وبالله توفيقنا وفي هذا الحديث أيضا دلالة واضحة على أن الجمع (2) في ذلك توقيف منه صلى الله عليه وسلم
163

ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم لأمامة حين قال له الصلاة يا رسول الله فقال له الصلاة أمامك يريد موضع الصلاة أمامك وهذا بين لا إشكال فيه وهو أمر مجتمع عليه وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن من السنة لمن جمع بين الصلاتين أن لا يتنفل بينهما (روى سفيان بن عيينة عن أبي نجيح عن عكرمة قال اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخذتموه مصلى يعني الشعب (1)
164

حديث ثان لموسى بن عقبة مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحجة (1) قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة للموطأ (عن مالك رحمه الله) (1
) وكذلك رواه ابن عيينة كما رواه مالك سواء بلفظ واحد وبإسناده (2) قال فيه سمعت موسى سمع سالما سمعت ابن عمر فذكره ورواه شعبة عن موسى بن عقبة فخالفهما في معناه (وسنذكر ذلك في هذا الباب إن شاء الله) (3) وأما قوله في هذا الحديث بيداؤكم فإنه (4) أراد موضعكم الذي
165

تزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهل إلا منه قال ذلك ابن عمر منكرا لقول من قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أهل في حجته حين أشرف على البيداء والبيداء الصحراء (1) يريد بيداء ذي الحليفة وأما قوله ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فالإهلال في الشريعة هو الإحرام بالحج وهو التلبية بالحج أو العمرة (2) وهو قول لبيك اللهم لبيك وينوي ما شاء من حج أو عمرة وأكثر الفقهاء يقولون أن الإحرام فرض من فرائض الحج وركن من أركانه إما بالقول والنية جميعا وإما بالنية على حسب اختلافهم في ذلك مما سنذكره في باب نافع عند ذكر (حديث) (3) التلبية في كتابنا هذا إن شاء الله (واتفق مالك بن أنس والشافعي) على أن النية في الإحرام تجزئ عن الكلام) (4) وناقض (في هذه المسألة) (5) أبو حنيفة فقال إن الإحرام عنده (6) من شرط التلبية ولا يصح إلا بالنية كما لا يصح الدخول في الصلاة إلا بالنية والتكبير ثم قال
166

فيمن أغمي عليه فأحرم عنه أصحابه ولم يفق حتى (فاته) (1) الوقوف بعرفة أنه يجزيه إحرام أصحابه عنه وبه قال الأوزاعي وقال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد من عرض له هذا فقد فاته الحج ولا ينفعه إحرام أصحابه عنه قالوا (2) وناقض مالك فقال من أغمي عليه فلم يحرم فلا حج له ومن وقف بعرفة مغمى عليه أجزأه وقال بعض أصحابنا ليس بتناقض لأن الإحرام لا يفوت إلا بفوت عرفة وحسب المغمى عليه أن يحرم إذا أفاق قبل عرفة فإذا أحرم ثم أغمي عليه فوقف به مغمى عليه أجزأه من أجل أنه على إحرامه قال أبو عمر الذي يدخل علينا في هذا أن الوقوف بعرفة فرض فيستحيل أن يتأدى من غير قصد إلى أدائه (3) كالإحرام سواء وكسائر الفروض لا تسقط إلا بالقصد إلى أدائها بالنية والعمل هذا هو الصحيح في هذا الباب والله الموفق للصواب ووافق أبو حنيفة مالكا فيمن شهد عرفة مغمى عليه ولم ينو حتى انصدع الفجر وخالفهما الشافعي فلم يجز للمغمى عليه وقوفه بعرفة حتى يصح ويفيق عالما بذلك قاصدا إليه وبقول الشافعي قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأكثر الناس وسنذكر التلبية وحكمها في باب نافع من كتابنا هذا إن شاء
167

الله وأصل الإهلال في اللغة رفع الصوت وكل رافع صوته فهو مهل ومنه قيل للطفل إذا سقط من بطن أمه فصاح قد استهل صارخا والاستهلال والإهلال سواء ومنه قول الله عز وجل * (وما أهل به لغير الله) * 1 لأن الذابح منهم كان إذا ذبح لآلهة (2) سماها ورفع صوته بذكرها وقال النابغة
* أو درة صدفية غواصها
* بهج متى يرها يهل ويسجد
* يعني بإهلاله رفعه صوته بالحمد والدعاء إذا رآها وقال ابن أحمر
* يهل بالغرقد ركبانها
* كما يهل الراكب المعتمر
* واختلفت الآثار في الموضع الذي أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لحجته من أقطار ذي الحليفة ولا خلاف أن ميقات أهل المدينة ذو الحليفة وسنذكر المواقيت وما للعلماء في حكمها في باب نافع من كتابنا هذا إن شاء الله فقال قوم أحرم من مسجد ذي الحليفة بعد أن صلى فيه وقال آخرون لم يحرم إلا من بعد أن استوت به راحلته بعد خروجه من المسجد وقال آخرون إنما أحرم حين أظل على البيداء فأشرف (3) عليها
168

وقد أوضح ابن عباس المعنى في اختلافهم رضي الله عنه فأما الآثار التي ذكر فيها أنه أهل حين أشرف على البيداء فأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا النضر قال أخبرنا أشعث بن عبد الملك عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالبيداء ثم ركب وصعد جبل البيداء وأهل بالحج والعمرة حين صلى الظهر وأخبرنا (1) عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال أخبرنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا روح قال حدثنا أشعث عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على البيداء أهل وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا أبو قلابة (2) قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا شعبة عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من البيداء وربما قال من المسجد حين استوت به راحلته ورواية شعبة لهذا الحديث عن موسى بن عقبة مخالفة (3) لرواية مالك عنه بإسناد واحد
169

وروى مالك عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج (1) أنه سمع عبد الله بن عمر يقول لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى (1) تنبعث به راحلته وابن جريج وغيره عن محمد بن المنكدر عن أنس مثله بمعناه ومحمد بن إسحاق عن أبي الزناد عن عائشة بنت سعد عن أبيها قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استقلت به راحلته وإذا أخذ طريق أحد أهل إذا أشرف على البيداء ففي هذه الآثار كلها الإهلال بالبيداء وهي مخالفة لحديث مالك في هذا الباب وقد ذكر هذه الآثار كلها أبو داود وهي آثار ثابتة صحاح من جهة النقل وحديث ابن عباس يفسر ما أوهم الاختلاف منها (2) أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق قال حدثنا سليمان بن الأشعث قال حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن ابن إسحاق قال حدثني خصيف بن عبد الرحمان الجزري عن سعيد بن جبير قال
170

قلت لعبد الله بن عباس يا أبا عباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوجب فقال إني لأعلم الناس
بذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا فلما صلى بمسجده بذي الحليفة ركعتين أوجبه (1) مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من الركعتين (2) فسمع منه أقوام فحفظ عنه ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وأدرك ذلك منه أقوام وذلك أن الناس كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به راحلته يهل فقالوا إنما أهل حين استقلت به ناقته ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وقف على شرف البيداء أهل (بها وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا إنما أهل حين علا على شرف البيداء) (3) فمن أخذ بقول عبد الله بن عباس أهل في مصلاه إذا فرغ من ركعتيه قال أبو عمر قد بان بهذا الحديث معنى اختلاف الآثار في هذا الباب وفيه تهذيب لها وتلخيص وتفسير لما كان ظاهره الاختلاف منها والأمر في هذا الباب واسع عند جميع العلماء وبالله التوفيق
171

((مالك عن موسى بن ميسرة))
حديثان متصلان وكان موسى بن ميسرة من فضلاء أهل المدينة وكان مالك يثني عليه ويصفه بالفضل وتوفي موسى بن ميسرة سنة ثلاث وثلاثين ومائة (1)
172

حديث أول لموسى بن ميسرة مالك عن موسى بن ميسرة عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله (1) (قال أبو عمر لم يختلف الرواة للموطأ في إسناد هذا الحديث عن مالك) (1) (ورواه إسحاق بن سليمان الرازي عن مالك بإسناده فقال من لعب بالنردشير ذكره الدارقطني) (2) (وقد روى فيه حديث منكر عن مالك عن نافع عن أبي عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعب بالشطرنج فقد عصى الله ورسوله وهذا إسناد عن مالك مظلم وهو حديث موضوع باطل وأما حديث الموطأ حديث أبي موسى) هذا (3) فحديث صحيح وليس يأتي إلا من طريق سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري
173

وسعيد هذا من ثقات التابعين مولى لفزارة وابنه عبد الله بن سعيد بن أبي هند محدث ثقة ورواه الليث بن سعد عن ابن الهادي عن موسى بن ميسرة عن عبد الله (بن سعيد) (1) عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده النرد فقال عصى الله ورسوله عصى الله ورسوله من ضرب بكعابها يلعب بها حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثنا يحيى بن يحيى قال حدثنا الليث بن سعد فذكره بإسناده ورواه ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد أن سعيد بن أبي هند حدثه عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله قرأته على عبد الرحمان بن يحيى أن علي بن محمد حدثهم قال حدثنا أحمد بن سليمان قال حدثنا سحنون قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد ثم ذكر حديث مالك (عن مالك) (2) والضحاك بن عثمان عن موسى بن ميسرة عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وروى هذا الحديث حماد بن زيد عن نافع عن سعيد بن أبي هند أن أبا موسى قال من
174

لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله يوقفه (1) على أبي موسى والذين رفعوه ثقات يجب قبول زيادتهم وفي قول أبي موسى فقد عصى الله ورسوله ما يدل على رفعه ورواه ابن المبارك قال أنبأنا (2) أسامة بن زيد يعني الليثي قال حدثني سعيد بن أبي هند عن أبي مرة مولى عقيل فيما أعلم عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله (وذكره أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق قال سمعت عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن رجل عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لعب بالكعاب فقد عصى الله ورسوله) (3) وهذا الحديث يحرم اللعب بالنرد جملة واحدة لم يستثن وقتا من الأوقات ولا حالا من حال فسواء شغل النرد عن الصلاة أو لم يشغل أو ألهى عن ذلك ومثله أو لم يفعل شيئا من ذلك على ظاهر هذا الحديث والنرد قطع ملونة تكون من خشب البقس ومن عظم الفيل ومن غير ذلك وهو الذي يعرف بالطبل ويعرف بالكعاب ويعرف أيضا بالأرن ويعرف أيضا بالنردشير
175

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه رفعه قال من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه وذكر ابن وهب قال حدثني مالك بن أنس وعبد الله بن عمر ويونس بن يزيد وغيرهم أن نافعا حدثهم أن عبد الله بن عمر كان إذا وجد أحدا يلعب بالنرد ضربه وكسرها زاد يونس وغيره وأمر بها فأحرقت بالنار قال وحدثني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال دخل عبد الله بن عمر داره فإذا أناس يلعبون فيها بالنرد قال فصاح ابن عمر وقال ما لداري يلعب فيها بالأرن قال وكانت النرد تدعى في الجاهلية بالأرن قال وحدثنا جرير بن حازم عن الحسين بن عمارة عن علي بن الأقمر (1) (1) عن مسروق
176

ابن الأجدع قال قال ابن مسعود إياكم وهذه الكعاب الموشومات اللاتي يزحزحن فإنهن من الميسر قال ابن وهب وسمعت مالك بن أنس يكره ما يلعب به من الطبل والأربعة عشر قال وحدثني عبد الله بن عمر عن مسعود بن عبد الله بن يسار أن عبد الله بن عمر مر بصبيان يلعبون (بالكجة) (1) وهي حفر فيها حصا يلعبون بها قال فسدها ابن عمر ونهاهم عنها قال وحدثني يونس عن ابن شهاب أن أبا موسى الأشعري قال لا يلعب بالشطرنج إلا خاطئ وذكر (أبو زيد (2) عمر بن شبة (3) قال حدثنا محمد بن يحيى وإبراهيم بن المنذر قالا (4) حدثنا عبد العزيز بن عمران قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمان بن المسور (5) بن محزمة قال حدثنا ابن أبي عون الأزدي قال سمعت عثمان بن أبي سليمان يقول أول من قدم بالنرد إلى مكة أبو قيس (6) بن عبد مناف بن زهرة فوضعها بفناء الكعبة (7) فلعب (8) بها وعلمها (وذكر عمر بن شبة في
177

في كتابه في سير عثمان قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا سليمان بن بلال عن الجعيد (1) بن عبد الرحمان عن موسى بن أبي سهل عن زبيد (2) بن الصلت أنه سمع
عثمان وهو على المنبر يقول أيها الناس إياكم والميسر يريد النرد فإنه ذكر لي أنها في بيوت أناس منكم فمن كانت في بيته فليخرجها وليكسرها ثم قال وهو على المنبر مرة أخرى أيها الناس إني قد كلمتكم في هذه النرد فلم أركم أخرجتموها ولقد هممت بحزم الحطب ثم أرسل إلى الذين هي في بيوتهم فأحرقها عليهم وذكر ابن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه بلغها أن أهل بيت في دارها عندهم نرد فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري وأنكرت ذلك عليهم) (1) قال أبو عمر اختلف العلماء في اللعب بالنرد فكره ذلك مالك على ما ذكرنا عنه ولم يختلف أصحابه في كراهة اللعب بها وذكر ابن وهب كراهية اللعب بالنرد والشطرنج عن ابن عمر وعائشة وأبي موسى الأشعري والقاسم بن محمد وسعيد
178

ابن المسيب وتبيع وأكثرهم فيما تدل ألفاظ الآثار عنهم إنما كرهوا المقامرة بها وقال الشافعي أكره اللعب بالنرد للخبر واللاعب بالشطرنج والحمام بغير قمار وإن كرهناه أيضا أخف حالا وقال أبو حنيفة وأصحابه يكره اللعب بالشطرنج والنرد والأربعة عشر وكل اللهو (فإن لم يظهر من اللاعب بها (1) كبيرة وكانت محاسنه أكثر من مساويه قبلت شهادته عندهم) (2) وقول مالك وأصحابه مثل ذلك إلا أن مذهبهم في شهادته أنه لا تجوز شهادة اللاعب بالنرد ولا شهادة المدمن على لعب الشطرنج (وقال بعضهم النرد والشطرنج سواء لا يكره إلا الإدمان عليهما وقال بعضهم الشطرنج شر من النرد فلا تجوز شهادة اللاعب بها وإن لم يكن مدمنا وممن قال ذلك الليث بن سعد ذكره ابن وهب عنه قال اللعب بالشطرنج لا خير فيه وهي شر من النرد وقال ابن شهاب هي من الباطل ولا أحبها ذكره ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن عقيل عنه وأما الشافعي فلا تسقط عند أصحابه في مذهبه شهادة اللاعب بالنرد ولا بالشطرنج إذا كان عدلا في جميع أحواله ولم
179

يظهر منه سفه ولا ريبة (ولا كبيرة) (1) إلا أن يلعب بها قمارا فإن لعب بها قمارا أو كان بذلك معروفا سقطت عدالته وسفه نفسه لأكله (2) المال بالباطل ولم (3) يختلف العلماء أن القمار من الميسر المحرم وأكثرهم (4) على كراهة اللعب بالنرد على كل حال قمارا أو غير قمار للخبر الوارد فيها وما أعلم أحدا أرخص في اللعب بها إلا ما جاء عن عبد الله بن مغفل (وعكرمة والشعبي وسعيد بن المسيب) (5) فإن شعبة روى (6) عن يزيد بن أبي خالد قال دخلت على عبد الله بن المغفل وهو يلاعب امرأته الخضيراء بالقصاب يعني النردشير وروي عن عكرمة والشعبي أنهما كانا يلعبان بالنرد وذكر ابن قتيبة عن إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل عن شعبة عن عبد ربه قال سمعت سعيد بن المسيب وسئل عن اللعب بالنرد فقال إذا لم يكن قمارا فلا بأس به قال إسحاق إذا لعبه على غير معنى القمار يريد به التعليم والمكايدة فهو مكروه ولا يبلغ ذلك إسقاط شهادته
180

قال أبو عمر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن اللعب بالنرد فأخبر أن فاعل ذلك عاص لله ورسوله فلا معنى لما (1) خالف ذلك وكل من خالف السنة فمحجوج بها والحق في اتباعها والضلال فيما خالفها إلا أنه يحتمل اللعب بالنرد المنهي عنه على وجه القمار وحمل ذلك على العموم قمارا أو غير قمار أولى وأحوط إن شاء الله (2) (أخبرنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا موسى بن معاوية حدثنا وكيع عن الفضل بن دلهم قال كان الحسن يقول النرد ميسر العجم) (3) وأما الشطرنج فاختلاف أهل العلم في اللعب بها على غير اختلافهم في اللعب بالنرد لأن كثيرا منهم أجاز اللعب بالشطرنج ما لم يكن قمارا سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين ومحمد بن المنكدر وعروة بن الزبير وابنه هشام وسليمان بن يسار وأبو وائل والشعبي والحسن البصري وعلي بن الحسن بن علي وجعفر بن محمد وابن شهاب وربيعة وعطاء كل هؤلاء يجيز اللعب بها على غير قمار وقد روي عن سعيد بن المسيب في الشطرنج أنها ميسر وهذا محمول
181

عندنا على القمار لئلا تتعارض الروايات (1) عنه ولا يختلف العلماء (2) في أن المقامرة عليها وأكل الخطر بها لا يحل وإنه من الميسر المحرم وفاعل ذلك المشهور به سفيه لا تجوز شهادته وروى الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمان بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق قال الوليد سمعت الأوزاعي يقول إذا تقامرا بمالين فهو حرام عليهما (3) فليتصدقا به فإن كان في قمارهما عتق مملوك نفذ ذلك حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا علي بن سعيد (قال) (4) حدثنا الصلت بن مسعود قال حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن محمد بن سيرين أنه لم يكن يرى بأسا بلعب الشطرنج إذا لم يكن قمارا أخبرنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن هارون الجوهري قال حدثنا ابن رشدين قال حدثنا ابن بكير قال حدثنا ابن لهيعة (5) عن عقيل عن ابن شهاب قال لا بأس بلعب الشطرنج ما لم يكن فيه قمار وروى وكيع عن سفيان عن ليث عن مجاهد وطاوس وعطاء قالوا
182

كل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز ووكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم مثله (وتحصيل مذهب مالك وجمهور الفقهاء في الشطرنج إن من لم يقامر بها ولعب مع أهله في بيته مستترا به مرة في الشهر أو العام لا يطلع عليه ولا يعلم (به) (1) أنه معفو عنه غير محرم عليه ولا مكروه له وأنه إن تخلع به واستهتر فيه سقطت مروءته وعدالته وردت شهادته وهو (2) يدلك على أنه ليس بمحرم لنفسه (3) وعينه لأنه لو كان كذلك لاستوى قليله وكثيره في تحريمه وليس بمضطر إليه ولا مما لا (4) ينفك عنه فيعفي عن اليسير منه) (5)
183

حديثان لموسى بن ميسرة مالك عن موسى بن ميسرة عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أن أم هانئ بنت أبي طالب أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عام الفتح ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد (1) قال أبو عمر أبو مرة هذا قيل اسمه يزيد ويقال هو مولى أم هانئ والصحيح أنه مولى عقيل بن أبي طالب كما قال مالك عن أبي النضر وموسى بن ميسرة (2) وأما أم هانئ فقد ذكرناها في الصحابة بما يغني عن ذكرها هاهنا وذكر بعض من ذهب مذهب العراقيين في أن صلاة النهار جائز أن تكون أربعا وستا وثمانيا وأكثر لا يسلم إلا في آخرهن إن حديث أم هانئ هذا في صلاته عليه السلام صلاة
184

الضحى يشهد له لأنه ليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم في شيء منها إلا في آخرها قال أبو عمر وليس له فيما ذكر من ذلك حجة لأنه حديث مجمل يفسره غيره وقد روى علي الأزدي البارقي (1) عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وبه كان يفتي ابن عمر ذكر مالك أنه بلغه
أن عبد الله بن عمر كان يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ومثنى ومثنى يقتضي الجلوس والسلام في كل ركعتين ومما يدل على أن صلاة النهار ركعتين ركعتين كصلاة الليل سواء قوله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليصل ركعتين وأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعده ركعتين وقبل الفجر ركعتين وأنه كان إذا قدم من سفر صلى ركعتين وعلى هذا القول جماعة فقهاء الحجاز وإليه ذهب مالك والشافعي وبه قال أحمد بن حنبل واحتج بنحو ما ذكرنا وكان يحيى بن معين يخالف أحمد في حديث علي الأزدي ويضعفه ولا يحتج به ويذهب مذهب الكوفيين في هذه المسألة
185

ويقول إن نافعا وعبد الله بن دينار وجماعة رووا هذا الحديث عن ابن عمر لم ذكروا فيه والنهار قال أبو عمر مذهب أحمد مع أنه مذهب الحجازيين أولى لأن ابن عمر روى هذا الحديث وفهم مخرجه وكان يقول بأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ولم يكن ابن عمر ليخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم لو فهم أن صلاة النهار بخلاف صلاة الليل في ذلك وبالله التوفيق وقد روى الليث عن عبد الله بن سعيد عن عمران بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث عن النضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الصلاة مثنى مثنى ولم يخص ليلا من نهار ولكنه إسناد مضطرب ضعيف لا يحتج بمثله (رواه شعبة على خلاف ما رواه الليث وقد ذكرناه في باب نافع والحمد لله) (1) وروى ابن وهب عن أم هانئ هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى ثماني (2) ركعات إنه كان يسلم في كل اثنتين منها وهذا إسناد احتج (3) به أحمد بن حنبل قال أبو بكر الأثرم قيل لأبي عبد الله بن حنبل
186

أليس قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل الظهر أربعا فقال وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثماني ركعات أفتراه أم لم يسلم فيها (قال أبو عبد الله) (1) هذا حديث أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى ثمان ركعات حديث ثبت (2) قال أبو بكر روي حديث أم هانئ من وجوه لم يذكر فيها التسليم ثم وجدته مفسرا على ما تأوله أبو عبد الله حدثنا علي بن أحمد بن القاسم الباهلي قال حدثنا عبد الله (3) بن وهب قال أخبرني عياض يعني ابن عبد الله الفهري عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس عن أم هانئ بنت أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى (4) ثماني ركعات سلم من كل ركعتين وهذا يدل على أن قوله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى خرج على جواب السائل عن صلاة الليل فقيل له مثنى مثنى ولو سأل عن صلاة النهار احتمل أن يقال له كذلك أيضا ويدل أيضا على أن زيادة علي الأزدي عن ابن عمر غير مرفوعة (5) وحسبك بفتوى ابن عمر الذي روى الحديث ومن روى شيئا سلم له في تأويله لأنه شهد مخرجه وفحواه
187

وأما صلاة الضحى واختلاف الآثار فيها وما للعلماء في ذلك كله فقد تقصيناه في باب ابن شهاب عن عروة من كتابنا هذا فلا وجه لإعادته ها هنا وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال أنبأنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى قال أبو عمر روى سالم ونافع وعبد الله بن دينار وأبو سلمة وطاوس وعبد الله بن شقيق ومحمد بن سيرين كلهم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى لم يذكروا النهار وروى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن وقد ذكرناه في باب نافع وهذا خلاف ما ذكر مالك أنه بلغه عنه ومالك لا يروي إلا عن ثقة وبلاغاته إذا تفقدت لم توجد إلا صحاحا (1) فحصل ابن عمر مختلفا عنه في فعله وفي حديثه المرفوع إلا أن حمل المرفوع من حديثه الذي فيه الحجة على أنه خرج على جواب السائل بدليل رواية الأزدي عنه كان مذهبا حسنا وعليه أكثر فقهاء الحجاز وأكثر أهل الحديث (2) وبالله التوفيق
188

مالك عن موسى بن أبي تميم (1) (1)
حديث واحد صحيح وموسى هذا مدني ثقة روى عنه مالك وغيره مالك عن أبي موسى بن أبي تميم عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما (2) قد مضى القول في معنى هذا الحديث وما كان مثله في باب حميد بن قيس من كتابنا هذا ولا خلاف بين فقهاء الأمصار وأهل العلم بالآثار في القول (به فلا يجوز عند جميعهم
189

بيع درهم بدرهمين ولا دينار بدينارين (يدا بيد (1)) وعلى ذلك جميع السلف إلا عبد الله بن عباس فإنه كان يجيز بيع الدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين يدا بيد ويقول حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما الربا في النسيئة وهذا الحديث وضعه أسامة وابن عباس غير موضعه لأنه حديث مخرج عند جماعة العلماء على الذهب بالفضة وعلى جنسين مختلفين من الطعام فهذا هو الذي لا ربا فيه إلا في النسيئة والشواهد في هذا تكثر جدا منها حديث مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا (1) بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض (2) ومنها حديث عبادة بن الصامت وقد ذكرنا كثيرا من طرقه في باب زيد بن أسلم قال عبادة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل من ازداد فقد أربى (3)
190

وحديث أبي هريرة في هذا الباب وغيره والأحاديث كثيرة في ذلك جدا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة أصحابه إلا ابن عباس ومنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وأبو الدرداء وأبو هريرة وغيرهم يطول ذكرهم وليس في خلاف السنة عذر لأحد (إلا لمن) (1) جهلها ومن جهلها مردود إليها محجوج بها على أنه قد روي عن ابن عباس أنه رجع عن قوله في ذلك في الصرف بما حدثه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف قوله (رواه) (2) معمر وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي سعيد (وابن عباس) (3) والثوري عن أبي هاشم الواسطي عن زياد قال كنت مع ابن عباس في الطائف فرجع عن الصرف قبل أن يموت بسبعين يوما وقد مضى في باب زيد بن أسلم أحاديث في هذا الباب والحمد لله) (4) فلا وجه لإعادة القول فيه هاهنا ومن تأمله في
باب حميد كفاه إن شاء الله
191

((مالك عن مسلم بن أبي مريم))
وهو مدني ثقة روى عنه مالك وابن عيينة ووهيب بن خالد ويحيى بن سعيد الأنصاري وكان مالك يثني عليه ويقول كان رجلا صالحا وكان يهاب أن يرفع الأحاديث لمالك عنه من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الموطأ ثلاثة أحاديث أحدهما لم يختلف الرواة عن مالك في رفعه والاثنان جمهور رواته على توقيفهما يحيى بن يحيى وغيره ورفع ابن وهب أحدهما ورفع ابن نافع الآخر وهما مرفوعان من غير رواية مالك من وجوه صحاح كلها
192

حديث أول لمسلم بن أبي مريم مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الله المعاوي أنه قال (رآني عبد الله بن عمر وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة فلما انصرفت نهاني وقال أصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فقلت كيف كان يصنع قال كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وقال هكذا كان يفعل (1) ولا تعبث بهما وسيأتي القول في وضع (1) اليمنى على اليسرى في قيام الصلاة في باب عبد الكريم إن شاء الله وما جاء في هذا الحديث من صفة الجلوس ورتبة اليدين على ما وصف ابن عمر رحمه الله هو قول مالك وسائر الفقهاء وعليه العمل وفيه الإشارة بالسباحة والسبابة وكلاهما (2) أم للأصبع التي تلي
193

الإبهام وروى مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث مالك بن نمير الخزاعي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يدعو ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بأصبعه السبابة ووضع إبهامه على أصبعه الوسطى ويلقم (1) كفه اليسرى ركبته وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال أنبأنا محمد بن بكر (2) قال أنبأنا أبو داود (3) قال حدثنا محمد بن عبد الرحيم البزار (4) قال حدثنا عفان قال حدثنا عبد الواحد (بن زياد) (5) قال حدثنا عثمان بن حكيم قال حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه (وساقه وفرق بين قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع
194

يده اليمنى على فخذه اليمنى) (1) وأشار بأصبعه ورواه ابن جريج عن زياد بن سعد عن محمد بن عجلان عن عامر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه ولا يحركها ورواه روح بن القاسم عن ابن عجلان (2) بإسناده وقال فيه ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وقال بأصبعه هكذا لم يمدها ولم يعقفها (3) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عصام أبو قدامة قال حدثنا مالك بن نمير الخزاعي من أهل البصرة أن أباه حدثه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا في الصلاة واضعا ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى رافعا أصبعه السبابة قد حناها شيئا وهو يدعو ورواه جماعة عن (4) عصام أبي قدامة (5) قال أبو عمر لم نذكر (6) في هذا الباب (7) الا وضع اليدين على الركبتين في الجلوس وهيأتها في ذلك والإشارة بالأصبع لا غير وسنذكر سنة (8) الجلوس في الصلاة ومن قال ينصب اليمنى ويثني اليسرى ويفضي بوركه إلى الأرض ومن قال غير ذلك ونذكر
195

الآثار وما للعلماء في ذلك من الأقوال في باب عبد الرحمان ابن القاسم من كتابنا هذا إن شاء الله حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان عن مسلم بن أبي مريم قال أخبرني علي بن عبد الرحمان المعاوي قال صليت إلى جنب ابن عمر فقلبت الحصا فلما انصرف ومرة قال فرغ من صلاته قال لا تقلب الحصا فإن تقليب الحصا من الشيطان وافعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (يفعل) (1) فوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وضم أصابعه الثلاثة ونصب السبابة ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وبسطها قال سفيان وكان يحيى بن سعيد قد حدثنا عنه أولا ثم لقيته فسمعته منه وزاد فيه مسلم وقال هي مدية الشيطان لا يسهو أحدكم ما دام يشير بأصبعه ويقول هكذا قال أبو عمر (2) علي المعاوي منسوب إلى بني معاوية فخذ من الأنصار وفي هذا الحديث من الفقه (3) إنه لا يجوز العبث في الصلاة بالحصباء (وهو أمر مجتمع عليه (وكذلك غير الحصباء) (4)
196

أنه لا يجوز العبث في الصلاة بالحصباء) (1) ولا غيرها (2) وأن ذلك على أي وجه كان إذا كثر وطال وشغل عن الصلاة أفسد الصلاة وإنما لم يأمر ابن عمر عليا هذا بالإعادة والله أعلم لأنه كان ذلك منه يسيرا وقد جاء في حديث أبي ذر أنه (3) كره مسح الحصباء في الصلاة إلا مرة واحدة كراهية العمل (4) في الصلاة فكيف العبث بها في الصلاة وقد روي عن الزهري عن أبي الأحوص شيخ من أهل المدينة عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعناه وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضا من حديث معيقيب وحذيفة بن اليمان وقد مضى القول فيما يجوز من العمل وما لا يجوز منه في الصلاة في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن على اليدين عملا في الصلاة تشتغلان به فيها وذلك ما وصف ابن عمر في الجلوس وهيأته وأما القيام فالسنة أن يضع كفه اليمنى على كوعه وقد قيل أن المقصد في وضعه اليمنى على كوعه الأيسر تسكين يديه لأن أرسالهما لا يؤمن معه العبث بهما وذلك أيضا سنة وقد قال ابن عمر اليدان تسجدان كما يسجد الوجه فكان (5) يخرج يديه في البرد فيباشر بهما ما يباشر بوجهه في سجوده فكأن ابن عمر قال له أشغل يدك بما في السنة من العمل بها في الصلاة
197

حديث ثان لمسلم بن أبي مريم مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة أنه قال تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اتركوا هذين حتى يفيآ أو اتركوا هذين يفيا (1) (قال أبو عمر) (1) هكذا روى يحيى بن يحيى هذا الحديث موقوفا على أبي هريرة وتابعه عامة رواة الموطأ وجمهورهم على ذلك ورواه ابن وهب عن مالك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسناده هذا
وذكرناه في كتابنا على شرطنا أن نذكر فيه كل ما يمكن إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله ومعلوم أن هذا ومثله لا يجوز أن يكون رأيا من أبي هريرة وإنما هو توقيف لا يشك في ذلك أحد له أقل فهم
198

وأدنى منزلة من العلم لأن مثل هذا لا يدرك بالرأي فكيف وقد رواه ابن وهب وهو من أجل أصحاب مالك عن مالك مرفوعا وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا من وجوه أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قراءة مني عليه قال أخبرنا (1) عبد الله بن محمد بن علي ومحمد (بن محمد) (2) ابن أبي دليم وأحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ومحمد بن يحيى بن عبد العزيز قالوا حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا يحيى بن عمر قال حدثنا الحارث بن مسكين قال أخبرنا ابن وهب قال حدثنا مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تعرض أعمال الناس فذكره حرفا بحرف قال أحمد بن خالد وحدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو الطاهر عن ابن وهب عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان (3) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وأخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قال حدثنا تميم بن محمد بن تميم (4) قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا سحلون قال حدثنا ابن وهب فذكره (5) بإسناده مثله مرفوعا
199

وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي حدثنا عمرو ابن سواد (1) حدثنا ابن وهب حدثنا مالك وحدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد حدثنا مكحول حدثنا أحمد بن عبد الرحمان ابن وهب حدثنا عمي عبد الله بن وهب حدثنا مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل مؤمن إلا عبد كانت بينه وبين أخيه شحناء يقول (2) اتركوا هذين حتى يفيآ) (3) (وهكذا رواه أحمد ابن صالح ويونس بن عبد الأعلى وسليمان بن داود كلهم عن ابن وهب مثله مسندا) (4) وقد روى معنى هذا الحديث مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم مالك وغيره عن سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله في هذا الحديث شحناء فالشحناء العداوة وأما قوله اتركوا هذين حتى يفيا فمعناه أخروا هذين حتى يرجعا ويتصرفا إلى الصحبة على ما كانا عليه تقول العرب أخر هذا وأرج هذا وأرك هذا كل ذلك معنى واحد أي اتركه
200

(قال ذلك الأصمعي وغيره) (1) وقوله حتى يفيآ أي يرجعا (2) ويتراجعان والفيء في لسان العرب الرجوع يقال فاء الطل أي رجع وفاء الرجل أي رجع ومثله قول الله عز وجل * (فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم) * أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من وطء أزواجهم وحنثوا أنفسهم وقال جل وعز * (فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) * أي تراجع أمر الله وترجع إلى أمر الله
201

حديث ثالث لمسلم بن أبي مريم مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة أنه قال نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة (1) قال أبو عمر هكذا روى هذا الحديث يحيى موقوفا من قول أبي هريرة وكذلك هو في الموطأ عند جميع رواته إلا ابن نافع فإنه رواه عن مالك بإسناده هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن هذا لا يمكن أن يكون من رأي أبي هريرة لأن مثل هذا لا يدرك بالرأي ومحال أن يقول أبو هريرة من رأيه لا يدخلن الجنة ويوجد ريح الجنة من مسيرة كذا ومثل هذا لا يعلم رأيا وإنما يكون توقيفا ممن لا يدفع عن علم الغيب صلى الله عليه وسلم
202

(وقد روي عن ابن بكير عن مالك مسندا وفي الموطأ عن مالك لابن بكير غير ذلك حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا مالك بن أنس عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة هذا أسناد لا مطعن فيه عن ابن بكير وكذلك رواية ابن نافع) (1) حدثنا خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم قالا حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا العباس بن محمد البصري قال حدثنا أحمد بن صالح المصري (2) قال قرأت على عبد الله بن نافع عن مالك عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره (وقد روي هذا المعنى مسندا عن أبي هريرة من وجوه حدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا الحسن بن الخضر قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا جرير عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة
203

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان من أهل النار قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسلمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) (1) وأما معنى قوله كاسيات عاريات فإنه أراد اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة مائلات عن الحق مميلات لأزواجهن عنه وأما قوله لا يدخلن الجنة فهذا عندي محمول على المشيئة وإن هذا جزاؤهن فإن عفا الله عنهن فهو أهل العفو والمغفرة لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء حدثنا سعيد بن نصر قال قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد عن محمد بن شهاب عن امرأة من قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة فنظر إلى أفق السماء فقال ماذا فتح من الخزائن وماذا وقع من الفتن رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة أيقظوا صواحب الحجر
204

(قوله ماذا فتح من الخزائن يعني الليلة يريد ما يفتح على أمته من كنوز كسرى وقيصر وغيرهما من الأمم وما تلقى أمته من الفتن بعده من قتل بعضهم بعضا إلى خروج الدجال والله أعلم) (1) حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال سبحان الله ماذا أنزل الله هذه الليلة من الفتنة ماذا فتح من الخزائن من يوقظ صواحب الحجرات يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة
205

مالك عن مخرمة بن سليمان
حديث واحد وهو مخرمة بن سليمان الوالبي قتل يوم قديد سنة ثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة وكان ثقة وروى عنه جماعة من الأئمة مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي خالته قال فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي قال ابن عباس فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح (1)
206

قال أبو عمر لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ومتنه وقد روى هذا الحديث عن مخرمة غير واحد ورواه عن كريب جماعة ورواه عن ابن عباس أيضا جماعة وفي ألفاظ الأحاديث عنهم من طرقهم اختلاف كثير وفي هذا الحديث من الفقه جواز مبيت الغلام عند ذي رحمه المحرم منه وهذا ما لا خلاف فيه وفيه مراعاة التحري في الألفاظ والمعاني والوسادة هنا الفراش وشبهه وكأن ابن عباس (كان) (1) والله أعلم مضطجعا عند رجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رأسه وفيه قراءة القرآن على غير وضوء لأنه نام النوم الكثير الذي لا يختلف في مثله ثم استيقظ فقرأ قبل أن يتوضأ ثم توضأ بعد وصلى ومن هذا المعنى والله أعلم أخذ عمر قوله الذي قال (له) (2) أتقرأ وأنت على غير وضوء فقال له عمر أفتاك بهذا مسيلمة (3) وكان الرجل فيما زعموا من بني حنيفة قد صحب مسيلمة الحنفي الكذاب ثم هداه الله للإسلام بعد وأظنه كان يتهم بأنه (4) قاتل زيد بن الخطاب باليمامة شهيدا وقد ذكرنا خبره (5) في كتاب الصحابة (حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن
207

إسماعيل قال أنبأنا أبو هلال (1) قال حدثنا عبد الله بن بريدة قال أحدث عمر بن الخطاب بولا أو غائطا فذكر الله أو تلا (2) آيات من كتاب الله فقال له أبو مريم الحنفي يا أمير المؤمنين تقرأ القرآن (3) وقد أحدثت فقال له عمر إنه ليس بدين ابن عمك (مسيلمة) (4) أو قال من علمك هذا مسيلمة وذكر مالك عن أيوب السختياني عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب كان في قوم وهو يقرأ فقام لحاجته ثم رجع وهو يقرأ فقال له رجل لم تتوضأ يا أمير المؤمنين وأنت تقرأ فقال عمر من أنبأك بهذا أمسيلمة) (5) وفيه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التواضع والنوم كيف أمكنه (وأما قوله قام إلى شن معلق فالشن القربة الخلق والأداوة الخلق يقال لكل واحد (6) شنة وشن وجمعها شنان ومنه الحديث فدسوا (7) له الماء في الشنان يعني الأداوى
208

والقراب وفيه) (1) قيامه (2) بالليل بالقرآن في الصلاة صلى الله عليه وسلم وقيام الليل سنة مسنونة لا ينبغي تركها فطوبى لمن يسر لها وأعين عليها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عمل بها وندب إليها روى عوف بن أبي جميلة الأعرابي عن زرارة بن أوفى عن عبد الله بن سلام قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل إليه الناس فكنت فيمن خرج ينظر إليه فلما تبينت وجهه علمت أنه ليس بوجه كذاب فكان (3) أول ما سمعته يقول أيها الناس افشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس (4) نيام تدخلوا الجنة بسلام وقد روي عن بعض التابعين ان قيام الليل فرض ولو كقدر حلب شاة وهو قول متروك والعلماء على خلافه والذي عليه العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين أن ذلك فضيلة لا فريضة ولو كان قيام الليل فرضا لكان مقدارا (5) مؤقتا معلوما كسائر الفرائض وقد روى قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعيد بن هشام عن عائشة أنه قال لها حدثيني عن قيام الليل فقالت ألست تقرأ يا أيها المزمل قال فقلت بلى قالت (6) فإن أول هذه السورة
209

نزلت فقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتفخت أقدامهم وحبس خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا ثم أنزل آخرها فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا (1) محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمان بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة الليل ورواه شعبة عن أبي بشر عن حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وفيه رد على من لم يجز للمصلي أن يؤم أحدا إلا أن ينوي الإمامة مع الإحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينو إمامة ابن عباس وقد قام إلى جنبه فأتم به وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيه) (2) سنة الإمامة إذ نقله عن شماله إلى يمينه وفي هذه المسألة أقوال أحدها هذا وقد ذكرنا فساده وقال آخرون أما المؤذن والإمام إذا أذن فدعا الناس إلى الصلاة ثم انتظر فلم يأته أحد فتقدم وحده وصلى فدخل رجل فجائز له أن يدخل معه في صلاته ويكون إمامه لأنه قد دعا الناس إلى الصلاة ونوى الإمامة وقال آخرون جائز لكل من افتتح الصلاة وحده أن يكون إماما لمن ائتم به
210

في تلك الصلاة لأنه فعل خير لم يمنع الله منه ولا رسوله ولا اتفق الجميع على المنع منه وأما قوله في هذا الحديث فصلى ركعتين ثم ركعتين (1) الحديث فإن ذلك محمول عندنا على أنه كان يجلس في كل اثنتين ويسلم منهما بدليل قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى ومحال أن يأمر بما لا يفعل صلى الله عليه وسلم وقد روي في هذا الخبر أنه كان يسلم من (2) كل اثنتين من صلاته تلك وروي عنه غير ذلك وقوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى يقضي على كل ما اختلف فيه من ذلك وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثم أوتر ثم اضطجع حتى أتاه المؤذن فصلى ركعتين خفيفتين فإن الآثار اختلفت في اضطجاعه المذكور في هذا الحديث فروى أن ذلك كان بعد وتره قبل ركعتي الفجر وروي أن ذلك كان بعد ركوعه ركعتي الفجر ورواية مالك لذلك (3) في هذا الحديث كروايته لذلك أيضا في حديثه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وقد مضى القول في ذلك وفي الاضطجاع ومن عده سنة ومن أبى من ذلك (4) وما روي فيه من الآثار في باب ابن شهاب عن عروة من كتابنا هذا فلا معنى لإعادة ذلك هاهنا
211

وأما قوله في هذا الحديث أعني قول ابن عباس ثم قمت إلى جنبه يعني رسول الله فوضع يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فمعناه أنه قام عن يساره فأخذه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله عن يمينه وهذا المعنى لم يقمه مالك في حديثه هذا وقد ذكره أكثر الرواة لهذا الحديث عن كريب من حديث مخرمة وغيره (1) وذكره جماعة عن ابن عباس أيضا في هذا الحديث وهي سنة مسنونة مجتمع عليها لأن الإمام إذا قام معه واحد (2) لم يقم إلا عن يمينه أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن عمر بن يحيى (3) قال حدثنا علي بن حرب الطائي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن كريب عن ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فتوضأ من شن معلق فذكر وضوءا خفيفا يخففه ثم قام يصلي فقمت وتوضأت (4) وجئت فقمت عن يساره فحولني فجعلني عن يمينه فصلى ما شاء الله ثم اضطجع حتى جاءه المنادي فقام إلى الصلاة وقد روى هذا الحديث الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن هلال عن مخرمة بن سليمان فذكر ذلك
212

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا (1) محمد بن بكر بن عبد الرزاق قال حدثنا (2) سليمان بن الأشعث قال حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال حدثني أبي عن جدي عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن مخرمة بن سليمان وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال (حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب) (3) حدثنا الليث قال حدثنا خالد بن أبي هلال عن مخرمة بن سليمان أن كريبا مولى ابن عباس أخبره قال سألت ابن عباس قلت كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل قال بت عنده ليلة وهو عند ميمونة فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة على وسادة من أدم محشوة ليفا فنام حتى إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه استيقظ فقام إلى شن فيه ماء فتوضأ وتوضأت معه ثم قام فقمت إلى جنبه على يساره فجعلني على يمينه ووضع يده على رأسي فجعل يمسح أذني كأنه يوقظني فصلى ركعتين خفيفتين قلت قرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة ثم سلم ثم صلى إحدى عشرة ركعة بالوتر ثم نام حتى استثقل فرأيته ينفخ ولم يذكر أبو داود حتى استثقل فرأيته ينفخ ثم اتفقا فأتاه بلال فقال الصلاة يا رسول الله فقام فصلى
213

ركعتين ثم (1) صلى للناس زاد ابن عبد الحكم ولم يتوضأ وليس ذلك في حديث عبد الملك بن شعيب وفي حديث ابن عبد الحكم أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في بعض حجره فيسمع (2) قراءته من كان خلفه وليس ذلك في حديث عبد الملك بن شعيب فيما ذكره أبو داود قال أبو عمر أكثر ما روي عنه من ركوعه في صلاته بالليل صلى الله عليه وسلم ما روي في هذا الخبر عن ابن عباس من حديث كريب هذا وما كان مثله وليس في عدد الركعات من صلاة الليل حد محدود عند أحد من أهل العلم لا يتعدى وإنما الصلاة خير موضوع وفعل بر وقربة فمن شاء استكثر ومن شاء استقل والله يوفق ويعين من يشاء برحمته لا شريك له حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن محمد بن الخصيب (3) قال حدثنا إبراهيم بن هاشم قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس أنه قال بت عند خالتي ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وقمت أصلي معه فقمت عن شماله فقال هكذا وأخذ برأسي فأقامني عن يمينه
214

وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن أسامة قال حدثنا أحمد بن محمد بن رشدين قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا سفيان (1) الثوري عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس قال بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام ثم قام فقضى حاجته ثم أخذ كفا من ماء فمسح به وجهه وكفيه ثم قام قال أحمد بن صالح روى هذا الحديث عن كريب نحو من (2) ثمانية لم يقولوا ما قاله سلمة بن كهيل قال أبو عمر أفسده سلمة بن كهيل وقلب معناه وقد روى هذا الحديث عن كريب حبيب بن أبي ثابت فذكر أن اضطجاعه كان قبل ركعتي الفجر كما حكى مالك أخبرنا محمد (3) بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا (4) محمد بن معاوية بن عبد الرحمان قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا (5) محمد بن إسماعيل بن سمرة أحمسي (1) كوفي
215

قال حدثنا ابن فضيل عن الأعمش عن حبيب عن كريب عن ابن عباس قال بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاه إياها من إبل الصدقة فلما أتاه وكانت ليلة ميمونة وكانت ميمونة خالة ابن عباس فأتى المسجد فصلى العشاء ثم جاء فطرح ثوبه ودخل مع امرأته في ثيابها فأخذت ثوبه فجعلت أطويه تحتي ثم اضطجعت عليه ثم قلت لا أنام الليلة حتى أنظر إلى ما يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام حتى نفخ حتى ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب ثم قام فخرج فبال ثم أتى سقاء موكى فحل (1) وكاءه ثم صب على يده من الماء ثم وطئ على فم السقاء فجعل يغسل يديه ثم توضأ حتى فرغ وأردت أن أقوم فأصب عليه فخشيت (2) أن يدع الليلة من أجلي ثم قام يصلي فقمت ففعلت مثل الذي فعل ثم أتيته فقمت عن يساره فتناولني بيده فأقامني عن يمينه وصلى ثلاث عشرة ركعة ثم اضطجع حتى جاء (3) بلال فأذن بالصلاة فقام فصلى ركعتين قبل الفجر وذكر أبو داود هذا الحديث عن عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن حصين عن حبيب بن أبي ثابت وعن محمد بن عيسى عن هشام عن حصين عن حبيب بن
216

أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس فساق الحديث في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بخلاف ما تقدم من رتبة الألفاظ ومعانيها وفي آخره دعاء كثير ولم يذكر أبو داود حديث ابن فضيل عن الأعمش عن حبيب ابن أبي ثابت عن كريب عن ابن عباس وفي هذا الحديث عن ابن عباس اختلاف في ألفاظه كثير يوجب أحكاما كثيرة لو نحن تقصيناها لخرجنا عما قصدنا له في كتابنا هذا (1) وإنما شرطنا أن نتكلم على ألفاظ حديث مالك ونقصد إلى ما يوجب فيها الحكم والغرض وما من أجله جاء الحديث في الأغلب وإلى معان منه بينة ليس فيها تكلف وادعاء ما لا (2) يثبت وبالله التوفيق وقد روى الداروردي هذا الحديث عن عبد الحميد (3) عن يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير عن أبي عباس بألفاظ خلاف مذهب أهل المدينة وذكر فيه أنه أوتر بخمس لم يجلس بينهن ورواه الحكم بن عتيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ولم يذكر ذلك وروايته أولى حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن
217

المثنى قال حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن الحكم بن عيينة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (1) قال بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث فصلى (رسول الله
صلى الله عليه وسلم العشاء ثم جاء فصلى أربعا ثم نام ثم قام فصلى) (2) فقمت عن يساره فأدارني فأقامني عن يمينه فصلى خمسا ثم نام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه ثم قام فصلى ركعتين ثم خرج فصلى الغداة
218

مالك عن المسور بن رفاعة بن أبي مالك القرظي حديث واحد توفي (1) المسور بن رفاعة هذا سنة ثمان وثلاثين ومائة مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمان بن الزبير أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحت عبد الرحمان بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول الذي كان طلقها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزوجها وقال لا تحل لك حتى تذوق العسيلة (1)
219

قال أبو عمر (1) هكذا روى (يحيى) (2) هذا الحديث عن مالك عن المسور عن الزبير وهو مرسل في روايته وتابعه على ذلك أكثر الرواة (للموطأ) (3) إلا ابن وهب فإنه قال فيه (عن مالك) (4) عن المسور عن الزبير بن عبد الرحمان عن أبيه فزاد في الإسناد عن أبيه فوصل الحديث وابن وهب من أجل من روى عن مالك هذا الشأن وأثبتهم فيه وعبد الرحمان بن الزبير هو الذي كان تزوج تميمة هذه واعترض عنها فالحديث مسند متصل صحيح وقد روي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه شتى ثابتة أيضا كلها (وقد تابع ابن وهب على توصيل هذا الحديث وإسناده إبراهيم بن طهمان وعبيد الله (5) بن عبد المجيد الحنفي قالوا فيه عن الزبير بن عبد الرحمان بن الزبير (عن أبيه) (6) ذكر حديث ابن طهمان النسائي في مسنده من حديث مالك وذكره ابن الجارود أخبرنا عبد الله قال حدثنا تميم بن محمد قال حدثنا عيسى بن مسكين) (7) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال
220

حدثنا قاسم (بن أصبغ) (1) قال حدثنا ابن وضاح قالا جميعا حدثنا سحنون قال أخبرنا ابن وهب قال أخبرني مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمان بن الزبير عن أبيه أن رفاعة بن سموال طلق امرأته تميمة بنت وهب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا فنكحت (2) عبد الرحمان بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها فطلقها ولم يمسها فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الذي كان طلقها قال عبد الرحمان فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها وقال لا تحل لك حتى تذوق العسيلة وقد ذكر هذا الحديث أيضا (3) سحنون عن ابن وهب وابن القاسم وعلي بن زياد كلهم عن مالك عن المسور بن رفاعة القرظي عن الزبير بن عبد الرحمان بن الزبير عن أبيه أن رفاعة بن سموال طلق امرأته وذكر الحديث وقال (4) فيه عن هؤلاء الثلاثة عن مالك في هذا الإسناد عن أبيه والحديث صحيح مسند والزبير بن عبد الرحمان بن الزبير بفتح الزاي فيهما جميعا كذلك روى يحيى وابن وهب وابن القاسم والقعنبي وغيرهم وقد روي عن ابن بكير أن الأول
221

مضموم (1) وروي عنه الفتح فيهما كسائر الرواة عن مالك في ذلك وهو الصحيح (1) فيهما جميعا بفتح الزاي وهم زبيريون بالفتح في بني قريظة معروفون (2) (وهم بنو الزبير بن باطيا القرظي قتل يوم قريظة وله يومئذ قصة عجيبة محفوظة) (3) (2) أخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليهما أن قاسم بن أصبغ حدثهما قال (4) أنبأنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته فنكحها عبد الرحمان بن الزبير فاعترض عنها فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت
222

زوجها فقالت والذي أكرمك بالحق (1) ما معه إلا مثل هذه الهدبة فقال (2) فلا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك هكذا قال عبد الرحمان بن الزبير بالفتح وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا الزهري قال أخبرني عروة عن عائشة أنه سمعها تقول جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إني كنت عند رفاعة فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمان بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك قال وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد (1) بالباب (3) فنادى يا أبا بكر فقال ألا تسمع إلى ما تجهر به هذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا أصح حديث يروى في هذا الباب وأثبته من جهة الإسناد) (4)
223

قال أبو عمر حديث عروة عن عائشة في هذا الباب من رواية هشام بن عروة وابن شهاب عن عروة وإن كان إسنادا ثابتا فإنه ناقص سقط منه ذكر طلاق ابن الزبير لتميمة بنت وهب وقد شبه به على قوم منهم ابن علية وداود لما فيه من قوله فاعترض عنها فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت زوجها وقالت إنما معه مثل هدبة الثوب فظنوا أنها (أتت) (1) شاكية بزوجها (2) فلم يسأله (3) عن ذلك ولا ضرب له أجلا وخلاها (4) معه قالوا فلا يضرب للعنين أجل ولا يفرق بينه وبين امرأته وهو كمرض من الأمراض فخالفوا جمهور سلف المسلمين من الصحابة والتابعين (في تأجيل العنين) (5) لما توهموه في حديث هذا الباب وليس فيه موضع شبهة لأن مالكا وغيره قد ذكروا طلاق عبد الرحمان بن الزبير للمرأة فكيف يضرب أجل لمن قد فارق امرأته وطلقها قبل أن يمسها حدثني قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا بشر بن ثابت قال حدثنا شعبة قال (حدثنا) (6) يحيى
224

ابن أبي إسحاق أخبرني أبي (1) قال سمعت سليمان بن يسار يحدث عن عائشة أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجها رجل فطلقها قبل أن يدخل بها فأراد الأول أن يتزوجها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا حتى تذوقي عسيلته (2) فقد بان بهذا الحديث أنه طلقها قبل أن يدخل بها وهو حديث لا مطعن (3) لأحد في ناقليه وكذلك حديث مالك في ذلك فيه فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها وإذا صحت مفارقته لها وطلاقه إياها بطلت النكتة التي بها نزع من أبطل تأجيل العنين من هذا الحديث وقد قضى بتأجيل العنين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود والمغيرة بن شعبة ولا مخالف لهم من الصحابة إلا شيء يروى عن علي بن أبي طالب
مختلف فيه ذكره ابن عيينة عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ قال أتت امرأة إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالت هل لك في امرأة لا أيم ولا ذات زوج فقال أين زوجها فذكر الحديث وفيه فقال لها علي (ابن أبي طالب) (4) اصبري فلو شاء الله أن يبتليك بأشد من ذلك لابتلاك ورواه محمد بن جابر عن أبي إسحاق عن عمارة بن عبد (5) عن علي وليس هذا الإسناد مع اضطرابه مما يحتج به
225

وذكر عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن يحيى بن الجزار (1) عن علي قال يؤجل العنين سنة فإن أصابها وإلا فهي أحق بنفسها وروى يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن خالد بن كثير الهمداني عن الضحاك بن مزاحم أن عليا أجل العنين سنة وهذان الإسنادان إن لم يكونا مثل (2) إسناد هانئ وعمارة لم يكونا أضعف والأسانيد عن سائر الصحابة ثابتة (من قبل الأئمة) (3) وعليها العمل وفتوى فقهاء الأمصار مثل مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم (4) والثوري والأوزاعي وجماعة فقهاء الحجاز والعراق إلا طائفة من المتأخرين ذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال قضى عمر بن الخطاب في الذي لا يستطيع النساء أن يؤجل سنة قال معمر يؤجل سنة من يوم ترافعه كذلك (5) بلغني قال أبو عمر على هذا جماعة القائلين بتأجيل العنين من يوم ترافعه بخلاف أجل المولى وذلك والله أعلم لأن المولى مضار قادر على الفيء ورفع الضرر والعنين غير عالم بشكوى زوجته إياه حتى تشكوه فجعل له أجل سنة لما في السنة من اختلاف الزمن بالحر والبرد ليعالج نفسه فيها والله أعلم
226

وأصل المسألة اتباع السلف وليس في حديثنا في هذا الباب ما يوجب للعنين حكما فلذلك تركنا اختلاف أحكامه وفيه من الفقه إباحة إيقاع الطلاق البات (1) طلاق الثلاث ولزومه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على رفاعة أيقاعه له كما أنكر على ابن عمر طلاقه في الحيض وظاهر هذا الحديث من رواية مالك ومن تابعه في قوله إن رفاعة طلق امرأته ثلاثا إنها كانت مجتمعات فعلى هذا الظاهر جرى قولنا وقد يحتمل أن يكون طلاقه ذلك أخر (2) ثلاث تطليقات ولكن الظاهر لا يخرج عنه إلا ببيان وقد نزع بهذا (3) الحديث من أباح وقوع الثلاث مجتمعات وجعل وقوعها في الطهر سنة لازمة (4) وهذا موضع اختلاف بين الفقهاء وقد (5) أوضحناه في باب عبد الله بن يزيد وفي باب نافع أيضا والحمد لله وفي قوله صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة أتريدين (6) أن ترجعي إلى رفاعة دليل على أن إرادة المرأة الرجوع إلى زوجها لا يضر العاقد عليها وأنها ليست بذلك في معنى التحليل المستحق صاحبه اللعنة
227

(وقد اختلف الفقهاء في هذا المعنى على ما نذكره بعد إن شاء الله) (1) وفي هذا الحديث دليل على أن المطلقة ثلاثا لا يحلها لزوجها المطلق لها إلا طلاق زوج قد وطئها وإنه إن لم يطأها وطلقها فلا تحل لزوجها (أي الأول) (2) وفي هذا الحديث تفسير لقول الله عز وجل * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * وهو يخرج في التفسير المسند (3) وذلك (4) أن لفظ النكاح في جميع القرآن إنما أريد به العقد لا الوطء إلا في قوله عز وجل * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) * فإنه أريد بلفظ النكاح هاهنا العقد والوطء جميعا بدليل السنة الواردة في هذا الحديث وذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا تحل له حتى تذوق العسيلة والعسيلة هاهنا الوط لا يختلفون في ذلك وفي هذا حجة واضحة لما ذهب إليه مالك في الايمان أنه لا يقع التحليل منها والبر إلا بأكمل الأشياء وأن التحريم يقع بأقل شيء ألا ترى أن الله عز وجل لما حرم على الرجل (نكاح) (6) حليلة ابنه وامرأة أبيه وكان الرجل إذا عقد
228

على امرأة نكاحا ولم يدخل بها ثم طلقها أنها حرام على ابنه وعلى أبيه وكذلك لو كانت له أمة فلمسها بشهوة أو قبلها حرمت على ابنه وعلى أبيه فهذا يبين لك (1) أن التحريم يقع ويدخل على المرء (2) بأقل شيء وكذلك لو طلق بعض امرأة طلقت كلها وكذلك لو ظاهر من بعضها لزمه الظهار الكامل ولو عقد على امرأة بعض نكاح أو على بعض امرأة نكاحا لم يصح وكذلك المبتوتة لا يحلها عقد النكاح عليها حتى يدخل بها زوجها (3) ويطأها وطأ صحيحا ولهذا قال مالك في نكاح المحلل إنه يحتاج أن يكون نكاح رغبة لا يقصد به التحليل ويكون وطؤه لها وطأ مباحا لا تكون صائمة ولا محرمة ولا في حيضتها ويكون الزوج بالغا مسلما (وقد يعترض على هذا الأصل في البر والحنث (بأن) (4) التحريم لا يصح في الربيبة بالعقد حتى ينضم إلى ذلك الدخول بالأم وهذا أجماع وإنما الخلاف في الأم ولهذا نظائر وقال الشافعي إذا أصابها بنكاح صحيح وغيب الحشفة في فرجها فقد ذاق العسيلة وسواء في ذلك قوي النكاح وضعيفه وسواء أدخله بيده أو بيدها وكان ذلك من صبي أو مراهق أو مجبوب بقي له ما (يغيبه) (5) كما يغيب غير الخصي
229

قال وإن أصاب الذمية وقد طلقها مسلم أو زوج ذمي بنكاح صحيح أحلها قال ولو أصابها الزوج محرمة أو صائمة أحلها وهذا كله ما وصف الشافعي قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وقول بعض أصحاب مالك وانفرد الحسن البصري بقوله لا يحل المطلقة ثلاثا (1) إلا وطئ يكون فيه إنزال وذلك معنى ذوق العسيلة عنده ولا يحلها عنده التقاء الختانين ولم يتابعه على ذلك غيره وانفرد سعيد بن المسيب رحمه الله من بين سائر أهل العلم بقوله إن من تزوج المطلقة ثلاثا ثم طلقها قبل أن يمسها فقد حلت بذلك النكاح وهو العقد لا غير لزوجها الأول على ظاهر قول الله عز وجل * (حتى تنكح زوجا غيره) * قال فقد نكحت زوجا (يلحقه) (2) ولدها ويجب الميراث بينهما قال أبو عمر أظنه والله أعلم لم يبلغه حديث العسيلة هذا ولم يصح عنده وأما سائر العلماء متقدمهم ومتأخرهم فيما علمت فعلى القول بهذا الحديث على ما وصفنا أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر (قال) (3) حدثنا أبو داود حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن
230

الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجت زوجا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول قال لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها (1) وقد روى هذا الحديث أبو هريرة عن عائشة حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبد العزيز بن المختار قال حدثنا عبد الله
231

الداناج (1) (1) عن أبي رافع عن أبي هريرة قال حدثتني أم المؤمنين ولا أراها إلا عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحل للأول حتى يذوق الآخر عسيلتها
(2) (واختلف العلماء أيضا في نكاح المحلل وهو من هذا الباب فقال مالك المحلل لا يقيم على نكاحه حتى يستكمل نكاحا جديدا فإن أصابها فلها مهر مثلها ولا تحلها إصابته لزوجها الأول وسواء علما أو لم يعلما إذا تزوجها ليحلها ولا يقر على نكاحه ويفسخ وقول الثوري والأوزاعي والليث مثل (3) قول مالك (وروي عن الليث في نكاح الخيار والمحلل أن النكاح جائز والشرط باطل وهو قول ابن أبي ليلى في ذلك وفي نكاح المتعة وروي عن الأوزاعي أنه قال في نكاح المحلل بيسما صنع والنكاح جائز وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد النكاح جائز إذا دخل بها وله (4) أن يمسكها إن شاء) (5) وقال أبو حنيفة وأصحابه مرة لا تحل للأول إذا تزوجها الآخر ليحلها ومرة قالوا (6) تحل (له) (7) بهذا النكاح إذا جامعها
232

وطلقها ولم يختلفوا أن نكاح هذا الزوج صحيح وله أن يقيم عليه وقال الشافعي إذا قال أتزوجك لأحلك ثم لا نكاح بيننا بعد ذلك فهذا ضرب من نكاح المتعة وهو فاسد لا يقر عليه ويفسخ ولا يطأ إن دخل بها ولو وطئ على هذا لم يكن وطؤه تحليلا فإن تزوجها تزويجا مطلقا لم يشترط هو ولا اشترط عليه التحليل فللشافعي في كتابه القديم قولان في ذلك أحدهما مثل قول مالك والآخر مثل قول أبي حنيفة ولم يختلف قوله في كتابه الجديد المصري أن النكاح صحيح إذا لم يشترط (وهو قول داود) (1) وروى الحسن بن زياد عن زفر (2) إذا شرط تحليلها للأول فالنكاح جائز والشرط باطل ويكونا محصنين بهذا التزويج مع الجماع وتحل للأول قال وهو قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف النكاح على هذا الشرط فاسد ولها مهر المثل بالدخول ولا يحصنها هذا ولا يحلها لزوجها الأول ولمحمد بن الحسن عن نفسه وعن أصحابه اضطراب كثير في هذا الباب (وقال الحسن وإبراهيم إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح وقال سالم والقاسم (3)
233

لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان قالا وهو مأجور وقال ربيعة ويحيى بن سعيد إن تزوجها ليحلها فهو مأجور وقال داود بن علي لا أبعد أن يكون مريد نكاح المطلقة ليحلها لزوجها مأجورا إذا لم يظهر ذلك في اشتراطه في حين العقد لأنه قصد إرفاق أخيه المسلم وإدخال السرور عليه إذا كان نادما مشغوفا فيكون فاعل ذلك مأجورا إن شاء الله وقال أبو الزناد إن لم يعلم واحد (1) منهما فلا بأس بالنكاح وترجع إلى زوجها الأول وقال عطاء لا بأس أن يقيم المحلل على نكاحه) (2) قال أبو عمر روى علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وعقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعن الله المحلل والمحلل له وقال عقبة في حديثه ألا أخبركم بالتيس المستعار هو المحلل ولفظ التحليل في هذه الأحاديث يحتمل أن يكون مع الشرط كما قال الشافعي (وهو الأظهر فيه لأن إرادة المرأة إذا لم يقدح في العقد ولها فيه حظ فالنكاح كذلك والمطلق أحرى أن لا يراعي فلم يبق (إلا) (3) أن يكون معنى الحديث إظهار الشرط فيكون كنكاح المتعة ويبطل هذا هو الصحيح والله أعلم) (4) ويحتمل
234

أن يكون إذا نوى أن يحلها لزوجها كان محللا (لقوله الأعمال بالنية) (1) وقد روي عن عمر بن الخطاب في هذا تغليظ شديد قوله لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما وقال ابن عمر التحليل سفاح (وقال الحسن وإبراهيم إذا هم أحد الثلاثة فسد النكاح وقال سالم والقاسم لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوج وإلا فهو مأجور وهذا يحتمل أن يكون المحلل الملعون عندهما من شرط ذلك عليه والله أعلم وإلا فظاهر الحديث يرد قولهما وقال عطاء لا بأس أن يقيم المحلل على نكاحه) (2) (ولا يحتمل قول ابن عمر (3) إلا التغليظ لأنه قد صح عنه أنه وضع الحد عن الواطئ فرجا حراما جهل تحريمه وعذره بالجهالة فالمتأول أولى بذلك ولا خلاف أنه لا رجم عليه) (4) حدثني محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمان قال (حدثنا) (5) إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال حدثا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد بن حبيب كاتب الأوزاعي قال حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عبد الملك بن المغيرة أن رجلا سأل ابن عمر فقال كيف ترى في التحليل فقال عبد الله بن عمر لا أعلم ذلك إلا السفاح
235

باب النون
((مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر))
(هو نافع بن جرجس) (1) (قال أبو عمر) (2) يكنى نافع أبا عبد الله قال ابن معين كان ديلميا وقال غيره كان من (أهل) (3) أبر شهر (1) وقيل كان أصله من المغرب أصابه عبد الله بن عمر في غزاته وكان ثقة حافظا ثبتا فيما نقل وكانت فيه لكنة وكان يلحن أيضا مع ذلك لحنا كثيرا ذكر معاذ بن معاذ عن ابن عون قال كانت في نافع لكنة وذكر الواقدي قال حدثني نافع بن أبي نعيم
236

وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وأبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي فروة قالوا كان كتاب نافع الذي سمع من عبد الله بن عمر في صحيفة فكنا نقرؤها عليه فنقول يا أبا عبد الله إنا قد قرأنا عليك فنقول حدثنا نافع فيقول نعم قال وسمعت نافع بن أبي نعيم يقول من أخبرك أن أحدا من أهل الدنيا قرأ عليه نافع فلا تصدقه كان ألحن من ذلك قال أبو عمر قد روينا عن سليمان بن موسى قال رأيت نافعا مولى ابن عمر يملي عليه ويكتب بين يديه وذكر حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر أن عمر بن عبد العزيز بعث نافعا إلى أهل مصر يعلمهم السنن وكان مالك يقول نشر نافع عن ابن عمر علما جما وقال ابن عيينة أي حديث أوثق من حديث نافع وقال يحيى بن معين أثبت أصحاب نافع (فيه) (1) مالك بن أنس وهو عندي أثبت من عبيد الله بن عمر وأيوب وقال يحيى بن سعيد القطان أثبت أصحاب نافع أيوب وعبيد (2) الله وابن جريج ومالك قال وابن جريج أثبت في نافع من مالك قال أبو عمر هؤلاء الثلاثة عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب أثبت الناس في نافع عند الناس وابن جريج رابعهم
237

إلا أن القطان يفضله وليس يلحق بهؤلاء الثلاثة (في نافع عندهم) (1) إذا خالفوه حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الميمون حدثنا أبو زرعة قال سمعت سليمان بن حرب يقول قال يحيى وعبد الرحمان بن مهدي عبيد الله ومالك أثبت من أيوب في نافع ثم تعجب حدثنا خلف بن القاسم قال (2) حدثنا أبو الميمون حدثنا أبو زرعة قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل من أثبت في نافع عبيد الله أو مالك أو أيوب (3) فقدم عبيد الله بن عمر وفضله بلقاء سالم (والقاسم) (4) قلت له فمالك بعده قال إن مالكا
أثبت قلت فإذا اختلف مالك وأيوب فتوقف وقال ما نجتري على أيوب ثم عاد في ذكر عبيد الله ففضله (5) وقال شيخ من أهل البلد جليل فقلت له إنهم يحدثون عن شعبة قال قدمت المدينة بعد موت نافع بسنة ولمالك يومئذ حلقة أثبت (6) ذلك قال نعم وقال الواقدي مات نافع بالمدينة سنة سبع عشر ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك (وذكر الحسن بن علي الحلواني قال
238

حدثنا أحمد بن صالح المصري قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع قال شهدت القاسم وسالما وحضرت الصلاة فقال كل واحد منهما لصاحبه تقدم أنت أسن فتدافعا حتى قدما نافعا قال وحدثنا بشر بن عمر قال سمعت مالك بن أنس يقول كنت إذا سمعت نافعا يحدث حديثا عن ابن عمر لم أبال ألا أسمعه من غيره) (1) لمالك عنه في موطئه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانون حديثا
239

حديث أول لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح على ركعة واحدة توتر له ما قد صلى (1) لم يختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث وكل من رواه عنه فيما علمت من رواة الموطأ وغيرهم هكذا قالوا فيه عنه صلاة الليل مثنى مثنى إلا الحنيني وحده فإنه روى هذا الحديث عن مالك والعمري جميعا عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فزاد فيه ذكر النهار وذلك خطأ عن مالك لم يتابعه أحد عنه على ذلك والحنيني ضعيف كثير الوهم والخطأ والعمري هذا هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب
240

أخو عبيد الله بن عمر ضعيف أيضا ليس بحجة (عندهم لتخليطه في حفظه) (1) فأما (2) أخوه عبيد الله بن عمر فثقة أحد الجلة من أصحاب نافع ورواية عبيد الله بن عمر لهذا الحديث عن نافع كرواية مالك صلاة الليل مثنى (مثنى) (3) ولم يذكر النهار وكذلك رواية أيوب السختياني له أيضا عن نافع لم يذكر النهار هؤلاء هم الحجة في نافع فأما رواية عبيد الله فحدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا أحمد بن عمر بن منصور قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر عن صلاة الليل فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى (4) وأما رواية أيوب فحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن يزيد المعلم حدثنا يزيد بن محمد عن إسماعيل ويزيد بن زريع جميعا عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء لم يذكر النهار ولا يصح عن نافع في هذا
241

الحديث غير ذلك وكذلك عبد الله بن دينار ولا يصح عنه غير ذلك أيضا كما قال مالك (عنه) (1) حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا الحميدي حدثنا سفيان قال حدثنا عبد الله بن دينار قال سمعت ابن عمر يقول سمعت رجلا يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر كيف يصلي أحدنا بالليل فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر (ه) (2) بواحدة توتر لك ما مضى من صلاتك قال سفيان وهذا أجودها قال أبو عمر عند سفيان بن عيينة في هذا الحديث أسانيد منها عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عمر وعبد الله بن أبي لبيد عن أبي سلمة عن ابن عمر والزهري عن سالم عن ابن عمر وقال في حديثه هذا عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه أجودها وذلك لأن فيه سمعت وحدثنا ولأنه فيه أعلى من غيره والله أعلم (وليس لمالك هذا الحديث عن الزهري إلا من رواية الوليد بن مسلم خاصة) (3) وقد روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة منهم نافع وعبد الله بن دينار وسالم وطاوس وأبو سلمة
242

ابن عبد الرحمان ومحمد بن سيرين وحبيب بن أبي ثابت وحميد بن عبد الرحمان وعبد الله بن شقيق كلهم قال فيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى لم يذكروا النهار ورواه علي بن عبد الله الأزدي البارقي (1) عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فزاد فيه ذكر النهار ولم يقله أحد عن ابن عمر غيره وأنكروه (1) عليه واختلف الفقهاء في صلاة التطوع بالليل والنهار فقال مالك والليث بن سعد والشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد بن الحسن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وهو قول أبي ثور وأحمد بن حنبل (2) وقال أبو حنيفة والثوري صل بالليل والنهار إن شئت ركعتين وإن شئت أربعا أو ستا أو ثمانيا وقال الثوري صل ما شئت بعد أن تقعد في كل ركعتين وهو قول الحسن بن حي وقال الأوزاعي صلاة الليل مثنى مثنى وصلاة النهار أربعا وهو قول إبراهيم النخعي ذكر ابن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم قال صلاة الليل مثنى مثنى والنهار أربع أربع ركعات إن شاء لا يسلم
243

إلا في آخرهن وقال أبو بكر الأثرم سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسأل عن صلاة الليل والنهار في النافلة فقال أما الذي اختار فمثنى مثنى وإن صلى أربعا فلا بأس وأرجو أن لا يضيق عليه فذكر له حديث يعلى بن عطاء عن علي الأزدي فقال لو كان ذلك الحديث يثبت ومع هذا حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين في تطوعه بالنهار ركعتين (1) قبل الظهر وركعتين بعدها والفجر والأضحى وإذا دخل المسجد صلى ركعتين فهذا أحب إلي وإن صلى أربعا فقد روي عن ابن عمر أنه كان يصلي أربعا بالنهار وقال ابن عون قال لي نافع أما نحن فنصلي بالنهار أربعا قال فذكرته لمحمد فقال لو صلى مثنى كان أجدر أن يحفظ وحدثنا (2) خلف بن قاسم قال حدثنا أبو طالب محمد بن زكرياء المقدسي ببيت المقدس قال حدثنا أبو محمد مضر بن محمد قال سألت يحيى بن معين عن صلاة الليل والنهار فقال صلاة النهار أربعا لا يفصل بينهن وصلاة الليل ركعتين فقلت له أن أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال بأي حديث فقلت بحديث شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي الأزدي عن ابن عمر أن النبي
244

صلى الله عليه وسلم قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال ومن علي الأزدي حتى أقبل منه هذا أدع يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن وآخذ بحديث علي الأزدي لو كان حديث علي الأزدي صحيحا لم يخالفه ابن عمر قال يحيى وقد كان شعبة ينفي هذا الحديث وربما لم يرفعه (
1) قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى (كلام) (2) خرج على جواب السائل كأنه (3) قال له يا رسول الله كيف نصلي بالليل فقال مثنى مثنى ولو قال له وبالنهار (4) جاز أن يقول كذلك أيضا مثنى مثنى وما خرج على جواب السائل فليس فيه دليل على ما عداه وسكت عنه لأنه جائز أن يكون مثله وجائز أن يكون بخلافه وهذا أصل عظيم من أصول الفقه فصلاة (5) النهار موقوفة على دلائلها فمن الدليل على أنها وصلاة الليل مثنى مثنى جميعا إنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين لم يخص ليلا من نهار (6)
245

حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ حدثنا شعبة عن عبد ربه بن سعد عن أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع عن عبد الله بن الحارث عن المطلب (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الصلاة مثنى مثنى يتشهد في كل ركعتين وذكر الحديث ورواه الليث عن عبد ربه فخالف شعبة في إسناده وقد ذكرنا حديث الليث في باب موسى بن ميسرة ودليل آخر وهو ما رواه (1) علي بن عبد الله الأزدي البارقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فزاد زيادة لا تدفعها الأصول ويعضدها فتيا ابن عمر الذي روى الحديث وعلم مخرجه فإنه كان يفتي بأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع وغندر عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي الأزدي عن ابن عمر
246

قال (1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل والنهار ركعتان ركعتان (2) وقال غندر مثنى مثنى وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا محمد بن بشار بندار حدثنا محمد وعبد الرحمان قالا حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء أنه سمع عليا الأزدي أنه سمع ابن عمر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يسلم في كل ركعتين وذكر مالك في الموطأ أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يسلم في كل ركعتين فهذه فتوى ابن عمر وهو روى عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى وعلم مخرجه وفهم مراده وحديث مالك هذا وإن كان من بلاغاته فإنه متصل عن ابن عمر رواه ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن بكر بن عبد الله بن الأشج أن محمد بن عبد الرحمان بن ثوبان حدثه أنه سمع ابن عمر يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يعني التطوع ومن الدليل أيضا على أن صلاة النهار مثنى مثنى كصلاة الليل سواء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي
247

قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد الجمعة ركعتين وبعد المغرب ركعتين وركعتي الفجر وكان إذا قدم (من سفر) (1) صلى في المسجد ركعتين قبل أن يدخل بيته وصلاة الفطر والأضحى والاستسقاء وقال إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين ومثل هذا كثير ودليل آخر أن العلماء لما اختلفوا في صلاة النافلة بالنهار وقام الدليل على حكم صلاة النافلة بالليل وجب رد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه قياسا واختلف العلماء القائلون بأن صلاة الليل يجلس في كل ركعتين منها في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى هل يقتضي مع الجلوس تسليما أم لا فقال منهم قائلون لا يقتضي قوله هذا إلا الجلوس دون التسليم فمن شاء أوتر بثلاث ومن شاء أوتر بخمس ومن شاء أوتر بسبع ومن شاء أوتر بتسع ومن شاء أوتر بإحدى عشر ركعة لا يسلم إلا في آخرهن وروي ذلك عن جماعة من السلف من الصحابة والتابعين وهو قول الثوري وكان إسحاق بن راهويه يقول أما من أوتر بثلاث أو خمس أو سبع أو تسع فإن شاء سلم بينهن وإن شاء لم يسلم إلا في آخرهن وأما من أوتر بإحدى عشرة ركعة فإنه يسلم في كل ركعتين ويفرد الوتر بركعة
248

وحجة الثوري وأبي حنيفة وإسحاق ومن تابعهم في هذا الباب ما روي عن عائشة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل منها حديث سعيد بن أبي سعيد عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة لا يسلم إلا في آخرهن وألفاظ الأحاديث عن عائشة في ذلك مضطربة (جدا) (1) وقد ذكرناها في باب ابن شهاب عن عروة وسيأتي منها ذكر في باب سعيد بن أبي سعيد وباب هشام بن عروة إن شاء الله وحديث ابن عمر هذا يقضي على ما اختلف فيه من حديث عائشة في هذا الباب لأن حديث ابن عمر لم يختلف فيه أن صلاة الليل مثنى مثنى وإنما اختلف في ذكر صلاة النهار (فيه) (2) وقوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى يقتضي التسليم والجلوس في كل ركعتين منها وهذا هو الصواب إن شاء الله الذي لا يدل لفظ مثنى إلا عليه ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال صلاة الظهر مثنى مثنى وإن كان يجلس في الركعتين منها وأجاز جماعة العلماء أن يكون الوتر ثلاث ركعات لا زيادة واختلفوا هل يفصل بين الركعتين والركعة بتسليم أم لا فقال
249

منهم قائلون الوتر ثلاث لا يفصل بينهن تسليم ولا يسلم إلا في آخرهن روي ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأنس بن مالك وأبي أمامة وعمر بن عبد العزيز وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وقال الثوري أحب إلي أن يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن قال وإن شئت أوترت بركعة وإن شئت بثلاث وإن شئت أوترت بخمس وإن شئت أوترت بسبع وإن شئت بتسع وإن شئت بإحدى عشرة لا تسلم إلا في آخرهن قال والذي أجمع عليه من الوتر أنه بثلاث وقال آخرون يفصل بين الشفع والوتر بتسليم روي عن ابن عمر رحمه الله أنه كان يسلم بين الركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته وروي مثل قول ابن عمر في الفصل بين الشفع والوتر بالتسليم عن عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس وسعد بن مالك وزيد بن ثابت أيضا وأبي موسى الأشعري ومعاوية وعائشة وابن الزبير وفعله معاذ القاري مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وقال الأوزاعي إن فصل فحسن (وإن لم يفصل فحسن) (1) وكل هؤلاء يجيزون الوتر بركعة
250

غير أن مالكا والشافعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق يستحبون أن يصلي ركعتين قبلها ثم يسلم ثم يوتر بركعة وكان مالك من بينهم يكره أن يكون الوتر ركعة واحدة منفردة لا يكون قبلها شيء وكان يجب على أصله في (إجازته) (1) التسليم بين الشفع والوتر أن لا يكره الوتر بركعة مفردة وقد حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أحمد بن عبد الله (بن محمد) (2) بن عبد المؤمن قال حدثنا الفضل بن محمد الجندي قال حدثنا علي بن زياد قال حدثنا أبو قرة قال سألت مالكا عن الرجل ينام حتى يصبح فقال لي إن كان صلى من الليل شيئا فليوتره بركعة واحدة وإن كان لم يصل في ليلته تلك شيئا فليوتر بثلاث يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يوتر بواحدة لقول النبي صلى الله عليه وسلم
صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى قال أبو عمر وممن روى عنه أيضا أنه أجاز الوتر بركعة ليس قبلها شيء كأنه صلى العشاء ثم أوتر بركعة عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وأبو موسى الأشعري وابن عباس ومعاوية وقد روي عن ابن عباس أنه قيل له أوتر معاوية بركعة ليس قبلها صلاة
251

فقال أصاب وروي (1) عنه أيضا في ذلك أنه قال أصاب السنة وبه قال سعيد بن المسيب والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وداود بن علي وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال الوتر ثلاث يسلم في الركعتين قال قال مالك في الإمام يوتر بالناس في رمضان فلا يسلم بين الشفع والوتر أرى أن يصلى خلفه فلا يخالف قال مالك وكنت مرة أصلي خلفهم فإذا كان الوتر انصرفت ولم أوتر معهم وقد رد هذا على مالك بعض المتأخرين قال الوتر معهم أفضل على كل حال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتبت له بقية ليلته (1) وقال الشافعي الذي أختار للمصلي أن يصلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة فإن صلى دون ذلك ركعتين ركعتين وأوتر بواحدة وسلم من كل ركعتين وسلم بين الركعتين وركعة الوتر فحسن وإن أوتر بواحدة ليس قبلها شيء فلا حرج قال وأحب الوتر إلي إحدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة ويسلم في كل ركعتين منها ويفصل بين الوتر وبين ما قبله بسلام
252

قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى يوجب أن يجلس المصلي في كل ركعتين منها ويسلم لا يجوز غير ذلك لأنه لا يجوز أن يقال صلاة الظهر مثنى (مثنى) (1) ولا صلاة العصر مثنى (مثنى) (2) وقوله فإذا خفت الصبح (أوترت) (2) بواحدة توتر به ما صليت يوجب أن يكون الوتر واحدة منفردة وإذا جازت الركعة بعد صلاة جازت دونها لأنها منفصلة بالسلام منها وقد ذكرنا من أجاز ذلك وفعله من الصحابة رضي الله عنهم وسائر العلماء وأما كراهية مالك وأصحابه الوتر بركعة ليس قبلها شيء فلقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث توتر له ما قد صلى ومن لم يصل قبل الركعة شيئا فأي شيء توتر له والوتر عندهم إنما يكون لصلاة تقدمته ألا ترى إلى قول (ابن) (4) عمر رحمه الله صلاة المغرب توتر (صلاة) (5) النهار وقد روي عن ابن مسعود في هذا المعنى ما أجزت ركعة قط سماها البتراء (6) وأما الشافعي فقال لو تنفل أحد بركعة لم أعنفه ولو دخل المسجد فحياه بركعة لم أعب عليه ذلك وركعة أحب
253

إلي من أن لا يصلي شيئا ولست آمر أحدا ابتداء أن يصلي ركعة واحدة يتنفل بها في غير الوتر فإن فعل أعنفه لأن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أوتروا بركعة ليس قبلها شيء والوتر نافلة فكذلك التنفل (1) وقال مالك وأصحابه أقل النافلة ركعتان ولا يتنفل أحد بركعة لا في تحية المسجد ولا في الوتر أيضا حتى يكون قبل ذلك شفع أقله ركعتان وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري (أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل بن الفرج قال حدثنا أبي قال حدثنا الحسن بن سليمان قبيطة (1) حدثنا عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمان حدثنا عبد العزيز بن محمد الداروردي عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن البتيراء (2) أن يصلي الرجل ركعة واحدة يوتر بها هو عثمان (3) بن محمد بن أبي ربيعة بن عبد الرحمان قال العقيلي الغالب على حديثه الوهم) (4)
254

واختلف العلماء أيضا في الوتر بعد الفجر ما لم يصل الصبح فقال منهم القائلون إذا انفجر الصبح فقد خرج وقت الوتر ولا يصلي الوتر بعد انفجار الصبح روي ذلك عن ابن عمر وعطاء والنخعي وسعيد بن جبير وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه إلا أن أبا حنيفة كان يقول إذا طلع الفجر فقد خرج وقت الوتر وعليه قضاؤه لأنه واجب عنده ومن حجة من جعل وقت الوتر آخر طلوع الفجر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر هذا فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة وحجتهم أيضا ما ذكره عبد الرزاق وغيره عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول من صلى الليل فليجعل آخر صلاته وترا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فإذا كان الفجر فقد ذهبت صلاة الليل والوتر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أوتروا قبل الفجر (1) وقال آخرون وقت الوتر ما بين صلاة العشاء إلى أن تصلي الصبح وممن أوتر بعد الفجر عبادة وابن عباس وأبو الدرداء وحذيفة وابن مسعود وعائشة وقد روي ذلك عن ابن عمر أيضا وبه قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور كلهم يقول يوتر ما لم يصل الصبح
255

واختلف في هذه المسألة عن الأوزاعي وأبي ثور وكذلك (1) اختلف فيها عن الشعبي والحسن والنخعي فروي عنهم القولان جميعا وقال أيوب السختياني وحميد إن أكثر وترنا لبعد الفجر ومن أهل العلم طائفة رأت الوتر بعد طلوع الشمس وبعد صلاة الصبح وهو قول ليس عليه العمل عند الفقهاء إلا ما ذكرنا عن أبي حنيفة ومن قال بقوله في إيجاب الوتر وقد أوضحنا خطأه في ذلك في غير موضع من كتابنا هذا وبالله توفيقنا (2) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا (3) حدثنا قاسم (4) بن أصبغ (5) قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قالا جميعا حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا (6) حامد عن الزهري عن سالم عن أبيه وقال الحميدي سمعت الزهري عن سالم (7) عن أبيه ثم اتفقا قال سمعت رسول الله
256

صلى الله عليه وسلم يقول الليل مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة وربما قال بركعة حدثني خلف بن قاسم قراءة مني عليه إن أبا طالب محمد بن زكرياء المقدسي حدثه ببيت المقدس قال (حدثنا) (1) محمد بن أحمد بن برد قال حدثنا محمد بن (2) المبارك الصوري قال حدثنا معاوية بن سلام قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمان ونافع مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) (3) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صلاة الليل ركعتان (4) فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة ومما يحتج به أيضا لمالك في أن الركعة في الوتر لا تكون منفردة لا شي قبلها ما أخبرنا به محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا (5) قتيبة بن سعيد قال حدثنا الفضل بن عياض عن هشام عن ابن سيرين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
257

صلاة المغرب وتر (صلاة) (1) النهار أرسله أشعث عن ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم (ووقفه) (2) مالك عن نافع عن ابن عمر قوله ومن حجة من أجاز الوتر بواحدة (3) ليس قبلها شيء ما رواه همام عن قتادة عن عبد الله بن (شقيق) (4) عن ابن عمر أن رجلا من أهل البادية سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال بإصبعيه هكذا مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل وروى وهب بن جرير عن أبي التياح عن أبي مجلز عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الوتر ركعة من آخر الليل وروى (6) القطان عن شعبة عن قتادة عن أبي مجلز عن ابن عمر أن (7) النبي صلى الله عليه وسلم قال الوتر ركعة من آخر الليل وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الرحمن
258

ابن المبارك قال حدثنا قريش بن حيان العجلي قال حدثنا بكر بن وائل عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر حق على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل وتابعه الأوزاعي حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال (أنبأنا) (1) العباس بن الوليد بن يزيد قال حدثنا أبي قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني الزهري قال حدثني عطاء بن يزيد عن أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الوتر حق فمن شاء أوتر بخمس ومن شاء أوتر بثلاث ومن شاء أوتر بواحدة ورواه ابن عيينة عن الزهري عن عطاء بن يزيد موقوفا من قوله وزاد ومن غلب عليه فليومئ إيماء وذهب النسائي إلى أن الصحيح عنده موقوف وخرجه أبو داود مرفوعا كما ذكرنا عنه وهو أولى إن شاء الله وقد شبه على قوم من متقدمي الفقهاء مثل هذا الحديث وشبهه فقالوا الوتر واجب
259

وفي حديث الأعرابي (1) في حديث (طلحة) (2) بن عبيد الله في الخمس صلوات هل على غيرها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إلا أن تطوع دليل على أن لا فرض إلا الخمس وسنوضح هذا المعنى بما يجب من القول فيه بعد ذكر الاختلاف في ذلك وتبين الصحيح فيه عندنا في باب أبي سهيل (3) نافع من كتابنا هذا إن شاء الله وقد حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي قال ليس الوتر بحتم مثل المكتوبة ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حديث أبي إسحاق أيضا عن عاصم بن ضمرة عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أوتروا يا أهل القرآن فإن الله وتر يحب الوتر والذين أوجبوه لم يخصوا بوجوبه صاحب القرآن من غيره وقد يحتمل أن يكون أهل القرآن هاهنا أهل الإسلام ولكن الظاهر غير ذلك وفي حديث طلحة وعبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم خمس صلوات مع قول الله عز وجل * (والصلاة الوسطى) * ما يغني عن قول كل قائل وبالله التوفيق
260

حديث ثان لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء راكبا وماشيا (1) هكذا قال يحيى عن مالك عن نافع وتابعه القعنبي وإسحاق بن عيسى الطباع وعبد الله بن وهب وعبد الله بن نافع (1) ورواه جل رواة الموطأ عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر والحديث صحيح لمالك عن نافع وعبد الله بن دينار جميعا عن ابن عمر على ما روى القعنبي ومن تابعه فهو عند مالك عنهما جميعا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأتي قباء راكبا وماشيا والدليل على أن هذا الحديث لمالك عن نافع وأنه من حديث نافع كما هو من حديث عبد الله بن دينار أن أيوب (2) السختياني وعبيد الله بن عمر روياه عن نافع عن ابن عمر
261

إلا أن أيوب قال فيه مسجد قباء ولم يقل مالك ولا عبيد الله مسجد قباء (وإنما قالا قباء) وقباء موضع معروف وهو مذكر ممدود قال عمرو بن الوليد بن عقبة أبو قطيفة
* ألا ليت شعري هل تغير بعدنا
* قباء وهل زال العتيق وحاضره
* وقال ابن الزبعري
* ليت أشياخي ببدر شهدوا
* جزع الخزرج من وقع الأسل
* حين ألقت بقباء رحلها
* واستحر القتل في عبد الأشل
* ساعة ثم استخفوا رقصا
* رقص الخيفان في سفح الجبل
* الخيفان اسم الجراد أبدانا) (1) واختلف في معنى هذا الحديث فقيل كان يأتي قباء زائرا للأنصار (2) وهم بنو عمرو وقيل كان يأتي قباء يتفرج في حيطانها ويستريح عندهم وقيل كان يأتي قباء للصلاة في مسجدها تبركا به لما نزل فيه أنه أسس على التقوى وقال أبو عمر ليس على شيء (3) من هذه الأقاويل دليل لا مدفع له وممكن أن تكون كلها أو بعضها والله أعلم
262

والأولى في ذلك حمل الحديث مجمله على مفسره فيكون قول من قال مسجد قباء مفسرا لما أجمل غيره (1) وقد جاءت آثار تصحح ذلك والحمد لله وقد قال صلى الله عليه وسلم لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام ومسجد (2) بيت المقدس ولم يذكر مسجد قباء وجائز أن يكون إعمال المطي إلى الثلاثة مساجد أعمال مشقة وكلفة فلا يلزم ذلك في غيرها والرحلة غير أعمال المطي والله أعلم وقال أبو عمر وأشبه ما قيل في ذلك بأصول سنته صلى الله عليه وسلم أنه كان
يأتي مسجد قباء للصلاة فيه والله أعلم (وهو أكثر (3) ما روي في ذلك وأعلى ما قيل فيه) (4) وقد اختلف العلماء في المسجد الذي أسس على التقوى فقيل مسجد قباء وقيل مسجد االنبي صلى الله عليه وسلم وقد استدل من قال أن مسجد قباء هو المسجد الذي أسس على التقوى بقول من قال من أهل العلم إن (هذه) (5) الآية نزلت في أهل مسجد قباء * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) * ذكر وكيع عن طلحة بن عمرو (1) وعن
263

عطاء قال أحدث قوم من أهل قباء الوضوء وضوء الاستنجاء فأنزل الله فيهم * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) * وروى أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي (مسجد) (1) قباء وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز (وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد حدثنا أبي حدثنا عمر بن حفص بن أبي تمام حدثنا إبراهيم بن أبي مرزوق) (2) قالا (3) حدثنا عارم أبو النعمان (4) قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب (عن نافع) (5) قال كان عبد الله بن عمر يأتي مسجد قباء في كل سبت إذا صلى الغداة وكان يكره أن يخرج منه حتى (6) يصلي فيه وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه راكبا وماشيا ففي هذا الحديث أنه كان يأتي قباء يصلي في مسجدها وهو أصح ما روي في ذلك وأوضحه فعلى هذا يكون إعمال المطي إلى الثلاثة مساجد يعني به الرحلة والكلفة والمؤونة والمشقة لئلا تتعارض الأحاديث وقد روي عن النبي صلى الله عليه
264

وسلم إن قصد مسجد قباء والصلاة فيه يعدل عمرة بإسناد فيه لين من حديث أهل المدينة حدثنا عبد الوارث بن سفيان (1) قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن أبي مسرة قال حدثني مطرف قال حدثني ابن أبي الموالي عن شيخ قديم من الأنصار عن أبي أمامة بن سهيل بن حنيف قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى مسجد قباء لا يخرجه إلا الصلاة فيه كان بمنزلة عمرة قال أبو عمر الشيخ من الأنصار المذكور في هذا الإسناد هو محمد بن سليمان الكرماني سمعه من أبي أمامة حدثنا عبد الوارث بن سفيان (2) قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو بكر بن أبي الأسود قال (3) حدثنا أحمد بن الأسود قال حدثنا محمد بن سليمان الكرماني قال سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تطهر في بيته ثم جاء مسجد قباء فصلى فيه فله أجر عمرة وقد روي من حديث أسيد بن ظهير صلاة في مسجد قباء تعدل عمرة من حديث عبد الحميد بن جعفر عن أبي الأبردة مولى بني
265

خطمة عن أسيد بن ظهير وروي من حديث أهل المدينة وهو حديث لا تقوم به حجة عن المسور بن مخرمة سمع عمر بن الخطاب يقول الحمد لله الذي قرب منا مسجد قباء ولو كان بأفق من الآفاق لضربنا إليه أكباد الإبل وروى ابن نافع عن مالك أنه سئل عن إتيان مسجد قباء راكبا أحب إليك أو ماشيا وفي أي يوم ترى ذلك (1) قال مالك لا أبالي في اي يوم جئت ولا أبالي مشيت إليه أو ركبت وليس إتيانه بواجب ولا أرى به بأسا قال أبو عمر وقد جاء عن طائفة من العلماء أنهم كانوا يستحبون إتيانه وقصده في سبت للصلاة فيه على ما جاء في ذلك قال أبو عمر اختلف في الفئة الذين بنوا مسجد الضرار (بقباء) (2) وفي الذين بنوا المسجد الذي أسس على التقوى (فيه) (3) إن كان هو ذلك فذكر معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير في قوله * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا) * الآية قال هم حي من الأنصار يقال لهم بنو غنم قال والذين بنوا المسجد الذي أسس على التقوى بنو عمرو بن عوف وقال ابن جريج بنو عمرو بن عوف استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في بنيانه فأذن لهم ففرغوا منه يوم الجمعة فصلوا فيه يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد وانهار يوم الاثنين في نار جهنم
266

قال أبو عمر كلام ابن جريج لا أدري ما هو والذي انهار في نار جهنم مسجد المنافقين لا يختلف العلماء في ذلك ولست أدري أبنو عمرو بن عوف هم أم بنو غنم (1) وقول سعيد بن جبير في هذا مخالف لما قال ابن جريج وسعيد بن جبير أجل ومعلوم أن المسجد الذي كان يأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيا ليس المسجد الذي انهار في نار جهنم وأما قوله عز وجل في نار جهنم فإن أهل التفسير قالوا إنه كان يحفر ذلك الموضع الذي انهار فيخرج منه دخان وقال بعضهم كان الرجل يدخل فيه سعفة من سعف النخل فيخرجها سوداء محترقة وورى عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه قال جهنم في الأرض ثم تلا * (فانهار به في نار جهنم) * قال أبو عمر لا يختلفون أن مسجد الضرار بقباء واختلفوا في المسجد الذي أسس على التقوى وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوي أنه مسجده صلى الله عليه وسلم وهو أثبت من جهة الإسناد عنه من قول من
267

قال إنه مسجد قباء وجائز أن يكونا جميعا أسسا على تقوى (1) الله ورضوانه (2) بل معلوم أن ذلك كان كذلك إن شاء الله (روى أبو كريب قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا صالح بن حسان (3) قال حدثنا عبد الله بن بريدة (4) في قول الله عز وجل * (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) * إنما هي أربعة مساجد لم يبنهن إلا نبي الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل وبيت أريحا ببيت المقدس بناه داود وسليمان ومسجد المدينة ومسجد قباء الذي أسس على التقوى بناهما رسول الله صلى الله عليه وسلم) (5) حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا الحسن بن سلمة بن المعلي وحدثنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا (6) حمزة بن محمد قالا حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا (7) قتيبة بن سعيد قال أخبرنا (8) الليث عن عمر بن أبي أنس عن ابن أبي سعيد الخدري عن أبي سعيد الخدري أنه قال تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم فقال رجل هو مسجد قباء وقال الآخر هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
268

رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مسجدي وأخبرنا عبد الله قال حدثنا (1) حمزة قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني زكرياء بن يحيى قال حدثنا ابن أبي عمر قال حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد عن أبيه قال المسجد الذي أسس على التقوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
269

حديث ثالث لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح فقال ألا صلوا في الرحال ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول ألا صلوا في الرحال (1) قال أبو عمر (1) (لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ولا في لفظه وقد حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن العسكري حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا (2) مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أذن بالصلاة في ليلة قرة وريح فقال (3
) ألا صلوا في الرحال ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول ألا صلوا في الرحال) (4)
270

وفي هذا الحديث من الفقه الرخصة في التخلف عن الجماعة في ليلة المطر والريح الشديدة وقيل إن هذا إنما كان في السفر وعلى ذلك تدل ترجمة مالك للباب الذي ذكر فيه هذا الحديث وقيل إن ذلك كان يوم جمعة (وإذا كان في السفر فلا معنى لذكر يوم الجمعة) (1) وجائز أن يكونوا ذلك الوقت كانوا يصلون بصلاة الإمام في رحال لهم (2) وجائز أن تكون لهم رخصة في سفرهم يتخلفون عن الجماعة لشدة المضرة في السفر وفي ذكر (3) الرحال دليل على أنه كان في سفر والله أعلم وقيل إن ذلك جائز في الحضر والسفر ولا فرق بين الحضر والسفر لأن العلة المطر والأذى والحضر والسفر (4) في ذلك سواء فيدخل السفر بالنص والحضر بالمعنى لأن العلة فيه المطر وقد رخصت جماعة من أهل العلم في وقت المطر الشديد في التخلف عن الجمعة لمن وجبت عليه فكيف بالجماعة في غير الجمعة وقد مضى القول فيمن ذهب إلى أن الجماعة شهودها لمن سمع النداء فريضة ومن قال إن ذلك سنة وليس بفرض فيما سلف من كتابنا هذا وسيتكرر القول في ذلك في مواضع من كتابنا هذا إن شاء الله
271

واستدل قوم على أن الكلام في الأذان (1) جائز بهذا الحديث) (2) إذا كان الكلام مما لا بد منه وزعم أن قوله ألا صلوا في الرحال كان في نفس الأذان بأثر حي على الفلاح واستدلوا بما حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا (3) قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس قال أخبرنا رجل من ثقيف أنه سمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في ليلة المطر في السفر يقول حي على الصلاة حي على الفلاح صلوا في رحالكم ففي هذا الحديث أن ذلك كان في السفر وإن قوله كان في نفس الأذان وإن ذلك كان في مطر حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد عن أيوب وعامر الأحوال وعبد الحميد صاحب الزيادي عن عبد الله بن الحارث قال خطبنا ابن عباس في يوم ذي ريح فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة أمره أن ينادي الصلاة في الرحال قال فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقال كأنكم أنكرتم هذا قد فعل هذا من هو خير مني
272

(وذكره أبو داود عن مسدد عن حماد عن عبد الحميد عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس وزاد فيه أن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والمطر) (1) وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا نصر بن علي قال حدثنا سفيان بن حبيب أخبرنا عن خالد (2) الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح عن أبيه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم جمعة (3) فذكر الحديث قال أبو داود وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى عن صاحب له عن أبي المليح أن ذلك كان يوم جمعة ووجدت في أصل سماع أبي بخطه رحمه الله أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال حدثهم قال حدثنا سعيد بن عثمان الأعنافي قال حدثنا نصر بن مرزوق قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع عمرو بن أوس حدثه رجل من ثقيف سمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة مطر يقول حي على الصلاة حي على الفلاح صلوا في رحالكم
273

فقد بان بهذا الحديث أن ذلك منه صلى الله عليه وسلم إنما كان في السفر مع المطر وهذه رخصة تخص (1) قوله صلى الله عليه وسلم هل تسمع النداء قال نعم قال فلا رخصة لك وفي هذا الحديث دليل على جواز التأخر في حين المطر الدائم عن شهود الجماعة والجمعة لما في ذلك من أذى المطر والله أعلم لهذه الحال وإذا جاز للمطر الدائم والماء أن يصلي المسافر فيومئ من الركوع والسجود من أجل الماء والمطر والطين ولولا المطر الدائم والطين لم يجز ذلك له كان المختلف عن شهود (2) الجمعة والجماعة أولى بذلك وقد ذكرنا الحكم في صلاة الطين والمطر وحكم الجمع بين الصلاتين في المطر كل ذلك في موضعه من كتابنا هذا فلا وجه لإعادة شيء منه هاهنا وأما الكلام في الأذان فإن أهل العلم اختلفوا في إجازته وكراهيته فقال منهم قائلون إذا كان الكلام في شأن الصلاة والأذان فلا بأس بذلك كما روي عن ابن عباس أنه أمر مؤذنه في يوم المطر أن يقول بعد قوله حي على الفلاح ألا صلوا في الرحال قالوا فإن تكلم بما ليس من شأن الصلاة فقد أساء ولا إعادة عليه للأذان هذا قول طائفة من أهل الحديث وهو يشبه مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك فيمن تكلم في شأن الصلاة وإصلاحها
274

أنه لا شيء عليه فكذلك الأذان قياسا ونظرا إلا أن مالكا لم يختلف قوله ومذهبه في كراهية الكلام في الأذان على كل حال قال أبو عمر رضي الله عنه احتج من أجاز نحو هذا من الكلام في الأذان بأن قال قد ثبت التثويب في الفجر وهو قول المؤذن الصلاة خير من النوم فكل ما كان حضا على الصلاة أو من شأنها فلا بأس بالكلام به في الأذان قياسا على ذلك واستدلالا بالحديث المذكور في هذا الباب وبالله التوفيق وكان مالك رحمه الله فيما روى عنه غير واحد يكره الكلام في الأذان وقال لم أعلم أحدا يقتدى به فعل ذلك وكره رد السلام في الأذان لئلا يشتغل المؤذن (1) بغير ما هو فيه من الأذان وكذلك لا يشمت عاطسا ولكنه إن فعل شيئا من ذلك وتكلم (2) في أذانه يبقى (3) ولا شيء عليه ونحو هذا كله قول الشافعي يستحب للإنسان أن لا يتكلم في أذانه ولا في إقامته وإن تكلم أجزأه وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه لا يتكلم المؤذن (4) في الأذان ولا في الإقامة فإن تكلم مضى ويجزيه وهو قول الثوري وإسحاق وروي عن ابن شهاب أنه قال إن تكلم الرجل في الأذان وفي (5) الإقامة
275

أعادهما وروي عنه أنه أمر مؤذنا تكلم في أذانه أن يعيد وليس ذلك منه بصحيح والإسناد (فيه عنه ضعيف) (1) وكره الكلام في الأذان النخعي وابن سيرين والأوزاعي ولم يجئ عن واحد منهم أن عليه إعادة الأذان ولا ابتداؤه ورخصت طائفة من العلماء في (الكلام في) (2) الأذان منهم الحسن وعروة وعطاء وقتادة وإليه ذهب أحمد بن حنبل وروي ذلك عن سليمان بن صرد رضي الله عنه وروى الوليد بن مزيد (3) عن الأوزاعي لا بأس أن يرد السلام في أذانه ولا يرد في إقامته قال وقال الأوزاعي ما سمعت قط أن مؤذنا أعاد الأذان (4) قال أبو عمر رضي الله عنه هذا (5) الحديث دليل على أن الأذان من شأن الصلاة لا يدعه مسافر ولا حاضر وهذا موضع اختلف فيه العلماء مع إجماعهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في حياته كلها لكل صلاة في سفر وحضر وأنه ندب المسلمين لذلك (6) وسنه لهم (7) وكان صلى الله عليه وسلم في غزواته إذا سمع أذانا كف وعلم أنها دار إيمان وإذا لم يسمعه أغار وكان يأمر سراياه بذلك وقال الله
276

عز وجل * (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا) * 1 وقال إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة الآية وقال صلى الله عليه وسلم إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان الحديث (2) واختلف العلماء في وجوب الأذان فالمشهور من مذهب مالك عنه وعن أصحابه (3) أن الأذان إنما هو للجماعات حيث يجتمع الناس للأئمة فأما (ما) (4) سوى ذلك من أهل الحضر والسفر (5) فإن الإقامة تجزيهم واختلف المتأخرون من أصحاب مالك على قولين في وجوب الأذان فقال بعضهم الأذان سنة مؤكدة واجبة على الكفاية وليس بفرض وقال بعضهم هو فرض على الكفاية في المصر خاصة وقول أبي حنيفة وأصحابه أنه سنة مؤكدة على الكفاية وقال الشافعي لا أحب (لأحد) (6) أن يصلي إلا بأذان وإقامة والإقامة (7) عنده أوكد وهو قول الثوري واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال هو سنة على الكفاية (8) ومنهم من قال هو فرض على الكفاية
277

وذكر الطبري عن مالك أنه قال إن ترك أهل مصر الأذان عامدين أعادوا الصلاة وقال عطاء ومجاهد والأوزاعي وداود بن علي الأذان فرض ولم يقولوا على الكفاية وقال الأوزاعي وعطاء من ترك الإقامة أعاد الصلاة وقال الطبري الأذان (1) سنة وليس بواجب وقال الشافعي ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين حين جمع بين الصلاتين بمزدلفة ويوم الخندق دليل على أن التأذين ليس بواجب فرضا ولو لم تجزئ (2) الصلاة إلا بأذان لم يدع ذلك وهو يمكنه قال وإذا كان هكذا في الأذان كانت الإقامة كذلك لأنهما جميعا غير الصلاة واختلف أيضا في الأذان للمسافرين (3) فروى ابن القاسم عن مالك أن الأذان إنما هو في المصر للجماعات في المساجد وروى أشهب عن مالك قال إن ترك الأذان مسافر عامدا فعليه إعادة الصلاة ذكره (4) الطبري وقال أخبرني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا أشهب عن مالك فذكره وقال أبو حنيفة وأصحابه أما المسافر فيصلي بأذان وإقامة قالوا ويكره أن يصلي بغير أذان ولا إقامة وأما في المصر فيستحب للرجل إذا صلى وحده أن يؤذن ويقيم فإن استجزأ بأذان الناس وإقامتهم أجزأه
278

وقال (1) الثوري لا يستجزئ بإقامة أهل المصر وقال الأوزاعي لا يجزئ المسافر ولا الحاضر صلاة إذا ترك الإقامة وقال داود بن علي الأذان واجب على كل مسافر في خاصته والإقامة كذلك واحتج بحديث مالك بن الحويرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ولصاحبه إذا كنتما في سفركما فأذنا وأقيما وليؤمكما أحدكما وهو قول أهل (2) الظاهر ولا أعلم أحدا قال بقوله من فقهاء الأمصار إلا ما روى (3) أشهب عن مالك وما روي عن الأوزاعي فيمن ترك الإقامة دون الأذان وهو قول عطاء ومجاهد وقال الثوري تجزئك الإقامة في السفر عن الأذان وإن شئت أذنت وأقمت وتكفيك الإقامة وإن صليت (4) بغير أذان ولا إقامة أجزتك (صلاتك) (5) وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما وهو قول أبي ثور وأحمد وإسحاق والطبري إذا ترك المسافر الأذان عامدا أو ناسيا أجزأته صلاته وكذلك لو ترك الإقامة عندهم لم تكن عليه إعادة صلاته وقد أساء إن تركها عامدا وهو تحصيل مذهب مالك أيضا وقد روى أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان في السفر يصلي بإقامة إقامة إلا الغداة فإنه كان يؤذن لها ويقيم يعني صلاة الصبح
279

قال أبو عمر قد أجمع العلماء على أن المسجد إذا أذن فيه واحد وأقام أنه يجزي أذانه وإقامته جميع أهل (1) المسجد وأن من أدرك الإمام في سفر أو حضر وقد دخل في صلاته أنه يدخل معه ولا يؤذن ولا يقيم فدل إجماعهم في ذلك كله على بطلان قول من أوجب الأذان على كل إنسان في خاصة نفسه مسافرا كان أو غير مسافر ودل على أن الأذان والإقامة غير واجبين (2) ومن جهة القياس والنظر ليستا من الصلاة فتفسد الصلاة بتركهما والذي يصح عندي في هذه المسألة أن الأذان واجب فرضا على الدار أعني المصر أو القرية فإذا قام فيها قائم واحد أو أكثر بالأذان سقط فرضه عن سائرهم ومن الفرق بين دار الكفر ودار الإسلام لمن لم يعرفها الأذان الدال على الدار وكل قرية أو مصر لا يؤذن فيه بالصلاة (3) فأهله لله عز وجل عصاة ومن صلى منهم فلا إعادة عليه لأن الأذان غير الصلاة ووجوبه على الكفاية فمن قام به سقط عن غيره كسائر الفروض الواجبة على الكفاية وأما الأذان للمنفرد في سفر أو حضر فسنة (4) عندي مسنونة مندوب إليها مأجور فاعلها عليها (وبالله التوفيق) (5)
280

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا زائدة حدثنا السائب بن حبيش (1) عن سعدان بن أبي طلحة اليعمري قال قال لي أبو الدرداء أين مسكنك قال قلت بقرية دون حمص فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من ثلاثة في قرية ولا بد ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية قال زائدة يعني الصلاة في جماعة وذكره أبو داود عن أحمد بن يونس بإسناده وقال قال زائدة قال السائب يعني الجماعة وبالله التوفيق (3)
281

حديث رابع لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع (1) قال أبو عمر (لم يختلف عن نافع في رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم واختلف نافع وسالم في رفع من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع وهو) (1) (أحد الأحاديث الثلاثة (2) التي رفعها سالم وخالفه فيها نافع عن ابن عمر قال علي بن المديني والقول فيها قول سالم وقد توبع سالم على ذلك (3))
282

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن عثمان بن ثابت الصيدلاني ببغداد قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا علي بن المديني قال خالف سالما نافع (1) في ثلاثة أحاديث رفعها سالم وروى نافع منها اثنين عن ابن عمر عن عمر والثالث عن ابن عمر عن كعب أحدها من باع عبدا وله مال الحديث رواه (2) سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه نافع عن ابن عمر عن عمر قوله كذلك (3) رواه مالك وعبيد الله بن عمر ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر لم يتجاوزه وقد روي عن أيوب كما رواه مالك سواء والثاني والناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة رواه سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك روى الزهري هذا الحديث والذي قبله عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه ابن عجلان وغيره عن نافع عن ابن عمر قال قال عمر الناس كإبل مائة لا
توجد فيها راحلة والثالث حديث يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو قلابة عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة النار أنها تخرج فتحشر الناس ورواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر (4) عن كعب قال تخرج نار الحديث
283

قال أبو عمر قد روي حديث من باع عبدا وله مال فماله للبائع الحديث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح ذلك عند أهل العلم بالحديث وإنما هو لنافع عن ابن عمر عن عمر قوله كذلك رواه الحفاظ من أصحاب نافع منهم مالك وعبيد الله بن عمر حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من باع نخلا قد أبرها فإن ثمرها للذي باعها إلا أن يشترط المشتري قال وقال عمر من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المشتري وكذلك رواه ابن غير وعبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر الحديثين قصة النخل مرفوعة وقصة العبد من قول عمر (1) حدثنا خلف بن القاسم (2) قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد والحسين بن جعفر (3) قالا حدثنا يوسف بن يزيد قال حدثنا عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
284

قال أيما امرئ أبر نخلا ثم باع أصلها فللذي أبر ثمر النخل إلا أن يشترط المبتاع وحدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى (1) قال حدثنا محمد بن بكر (بن عبد الرزاق) (2) قال حدثنا أبو داود (قال) (3) حدثنا أحمد بن حنبل عن (4) سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع وكذلك رواية عبد الله بن دينار عن أبي عمر في قصة النخل وقصة العبد جميعا مرفوعان كما روى ذلك سالم سواء وهو الصواب والله أعلم وقرأت على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها (5) للبائع إلا أن يشترط المبتاع ومن باع عبدا وله مال فالمال للبائع إلا أن يشترط المبتاع
285

وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب قال سئل سعيد عن الرجل يبيع النخل أو المملوك فأخبرنا عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع (1) قال أبو عمر هكذا يقول جماعة الحفاظ في حديث ابن عمر هذا في قصة النخل وفي قصة العبد أيضا (يشترط) بلا هاء لا يقولون يشترطها في النخل ولا يشترطه في العبد ومعلوم أن الهاء لو وردت في هذين الحديثين لكانت ضميرا في يشترطها عائدا على ثمرة النخل وفي يشترطه ضميرا عائدا على مال العبد فكأنه قال إلا أن يشترط المبتاع شيئا من ذلك وفي سقوط الهاء من ذلك دليل على صحة ما ذهب إليه أشهب في قوله جائز لمن ابتاع نخلا قد أبرت أن يشترط من الثمرة نصفها أو جزءا منها وكذلك في مال العبد جائز أن يشترط نصفه أو يشترط منه ما شاء لأن ما جاز اشتراط جميعه جاز اشتراط بعضه وما لم يدخل الربا في جميعه فأحرى أن لا يدخل في بعضه هذا قول جمهور الفقهاء في ذلك وكل على أصله ما سنوضحه إن شاء الله
286

وقال (1) ابن القاسم لا يجوز لمبتاع النخل المؤبر أن يشترط منها جزءا وإنما له أن يشترط جميعها أو لا يشترط شيئا منها وجملة قول مالك ومذهب ابن القاسم فيمن باع حائطا من أصله وفيه ثمرة تؤبر فثمره للمشتري وإن لم يشترطه وإن كانت الثمرة قد أبرت فثمره للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فإن لم يشترطه المبتاع ثم أراد شراء الثمر قبل بدو صلاحه من بعد شراء الأصل بلا ثمره فجائز له ذلك خاصة لأنه كان يجوز شراؤها مع الأصل قبل بدو صلاحها ولا يجوز ذلك لغيره وقال ابن المواز اختلف قول مالك في شراء الثمرة بعد شراء الأصول (2) وقد أبرت الثمرة فقال لا يجوز قرب ذلك أو بعد وكذلك مال (3) العبد وقد قال فيهما أيضا (4) إن ذلك جائز قال والذي أخذ به ابن عبد الحكم والمغيرة وابن دينار أنه لا يجوز فيهما إلا أن تكون مع الأصول (5) ومع العبد في صفقة واحدة وقد روى أشهب عن مالك القولين جميعا ولا خلاف عن مالك وأصحابه في مشهور المذهب أن الثمرة إذا اشترطها مشتري الأصل أو اشتراها بعد أنها لا حصة لها من الثمن ولو أجيحت كلها كانت من المشتري ولا يكون شيء من جائحتها على
287

البائع وكذلك كل ما جاز استثناؤه في الشراء والكراء من الثمار لا جائحة فيه وإنما تكون الجائحة فيما بيع منفردا من الثمار دون أصل هذا تحصيل المذهب (وكل رهن فيه ثمرة قد أبرت فهي رهن عند مالك وأصحابه مع الرقاب وإن كانت لم تؤبر فهي للراهن) (1) وأما الشافعي رحمه الله فقوله في بيع النخل بعد الأبار وقبله كقول مالك سواء إلا أنه لا يجيز للمبتاع أن يشتري الثمرة قبل بدو صلاحها إذا لم يشترطها في حين شرائه النخل ولم يفرق بينه وبين غيره لعموم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم ردوا ظاهر هذه السنة ودليلها بتأويلهم وردها ابن أبي ليلى ردا مجردا جهلا بها (2) والله أعلم وسنذكر أقوالهم وظاهر مذهب مالك وأصحابه القول بهذا الحديث جملة ولا يردونه ويستعملونه فيمن باع نخلا قد أبرت أن ثمرها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع قالوا وإذا لم تؤبر الثمرة فقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم للمبتاع فإن اشترطها البائع لم تجز وكأن المبتاع باعها قبل بدو صلاحها ومن باع عندهم أرضا فيها زرع لم يبد
288

صلاحه فهو للبائع حتى يشترطه المبتاع كمأبور النخل وما لم يظهر من الزرع في الأرض فهو للمتباع بغير شرط كما لم يؤبر من الثمر ولا بأس عندهم ببيع الأرض بزرعها وهو أخضر كبيع الأصول بثمرها قبل بدو صلاحها لأن الثمر والزرع تبع لأصله وإذا أبر أكثر الحائط عندهم فهو للبائع حتى يشترطه المبتاع وإن كان المؤبر أقله فهو كله للمبتاع واضطربوا إذا أبر نصفه وإلا ظهر من المذهب أنه للمبتاع إلا أن يكون النصف مفرزا (1) فيكون للبائع حينئذ وإلا فهو للمبتاع ومن ابتاع أرضا عندهم (2) ولم يذكر شجرها فهي داخلة في البيع كبناء الدار وكذلك في صدقتها وأما الزرع فهو للبائع حتى يشترطه المبتاع هذا (3) كله تحصيل مذهب مالك وأصحابه وأما الشافعي فأخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال أخبرنا الربيع بن سليمان عن الشافعي قال في حديث النبي صلى الله عليه وسلم من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرها للبائع إلا أن يشترطها (4) المبتاع فائدتان إحداهما (5) لا يشكل لأن (6) الحائط إذا بيع
289

وقد أبر نخله إن الثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع فتكون مما وقعت عليه صفقة البيع ويكون له حصة من الثمن والثانية أن الحائط إذا بيع ولم تؤبر نخله فثمره للمشتري لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حد فقال إذا أبر فثمره للبائع فقد أخبر أن حكمه إذا لم يؤبر غير حكمه إذا أبر فمن باع حائطا لم يؤبر فالثمرة للمشتري بغير شرط استدلالا بالسنة وهو قول الليث بن سعد وداود بن علي وأحمد بن حنبل والطبري وقال الشافعي وكل حائط فله حكم نفسه لا حكم غيره فمن باع حائطا (1) لم يؤبر فثمره للمشتري وإن أبر غيره ومن باع ثمرة لم يبد صلاحها في حائط بعنيه لم يجز وإن بدا الصلاح في مثلها في غيره لأن كل حائط حكمه بنفسه لا بغيره (2) وقال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي من باع نخلا فثمرها للبائع إلا أن يشترط المبتاع وسواء أبرت أو لم تؤبر هي للبائع أبدا (3) إلا أن يشترطها المبتاع وقال ابن أبي ليلى الثمرة للمشتري اشترطها أو لم يشترطها كعسف النخل قال أبو عمر أما الكوفيون والأوزاعي فلا يفرقون بين المؤبر وغيره ويجعلون الثمرة للبائع إذا كانت قد ظهرت قبل
290

البيع ومن حجتهم أنه لم يختلف قول من شرط التأبير أنها لو (1) لم تؤبر حتى تناهت وصارت بلحا أو بسرا ثم بيع النخل إن الثمرة لا تدخل فيه قالوا فعلمنا أن المعنى في ذكر التأبير ظهور الثمرة قال أبو عمر الأبار عند أهل العلم في النخل التلقيح وهو أن يؤخذ شيء من طلع النخل فيدخل بين ظهراني طلع الإناث ومعنى ذلك في سائر الثمار ظهور الثمرة من التين وغيره حتى تكون الثمرة مرئية منظورا إليها والمعتبر به عند مالك وأصحابه فيما يذكر من الثمار التذكير وفيما (2) لا يذكر أن يثبت من نواره ما يثبت ويسقط ما يسقط وحد ذلك في الزرع ظهوره من الأرض قاله مالك وقد روي عنه أن أباره أن يتحبب قال أبو عمر لم يختلف العلماء أن الحائط إذا نشق (3) طلع إناثه فأخر أباره وقد ابر غيره ممن حاله مثل حاله أن حكمه حكم ما أبر لأنه قد جاء عليه وقت الأبار وظهرت ثمرته بعد تغيبها في الجف (1) فإن أبر بعض الحائط كان ما لم يؤبر
291

تبعا له كما أن الحائط إذا بدا صلاحه كان سائر الحائط تبعا لذلك الصلاح في جواز بيعه وأصل الأبار أن يكون في شيء منه الأبار فيقع عليه اسم أنه قد أبر كما لو بدا صلاح شيء منه وهذا كله قول الشافعي وغيره من الفقهاء قال الشافعي والكرسف إذا بيع أصله كالنخل إذا خرج جوزه ولم يتشقق (1) فهو للمشتري وإذا شقق (2) فهو للبائع مثل الطلع قبل الأبار وبعده قال ومن باع أرضا فها زرع وقد (3) خرج من الأرض فالزرع للبائع إلا أن يشترطه المبتاع قال أبو عمر وهو قول مالك وأصحابه إذا ظهر الزرع واستقل فإن لم يظهر الزرع ولم يخرج ولم يستقل لم يجز لمبتاع الأرض استثناؤه واشتراطه قول الشافعي ومالك في ذلك سواء قال الشافعي فإن لم يشترط المبتاع الزرع كان للبائع فإن كان الزرع مما يبقى له أصول في الأرض يفسدها فعلى صاحب الزرع نزعها عن رب الأرض إن شاء رب الأرض قال وهذا إذا باعه أرضا فيها زرع يحصد (4) مرة واحدة وأما القصب فمن باع أرضا فيها قصب قد خرج من الأرض فليس له منه
292

إلا جزة واحدة وليس له قلعه من أصله لأنه أصل قال وكلما يجز مرارا من الزرع فمثل القصب في الأصل والثمرة لا يخالفه قال أبو عمر أما أصحاب مالك فإنهم يجيزون بيع القصب والموز من عام إلى عام إذا بدا صلاح أوله وأما القرط فيباع عندهم إذا بدا صلاح أوله على آخره وكذلك قصب السكر ويكون للمشتري من القرط أعلاه وأسفله ولا يجوز أن يشترط إبقاء خلفته برسما (وتحصيل مذهب مالك فيمن حبس حائطا له بعد موته أو تصدق به أو أوصى ثم مات وقد أبرت ثمرة الحائط فإن الثمرة المورثة لأنها كالولادة فإن مات قبل أن تؤبر فالثمرة تبع للحبس والصدقة والوصية وكذلك الشفعة فيما قد أبر الثمرة للمستشفع منه لأنه كبيع حادث وإن لم تؤبر فالثمرة للآخذ (1) بالشفعة وفي هذه المسائل اختلاف بين أصحاب مالك يطول اجتلاب ذلك) (2) قال أبو عمر قد ذكرنا ما للفقهاء في بيع النخل المؤبر وغير المؤبر واختلافهم في معنى هذا الحديث والقول به وتصريف وجوهه وأما مال العبد فليس اختلافهم فيه من جنس اختلافهم في اشتراط ثمرة النخل يباع أصله ولكنا نذكر ما لهم في ذلك من القول هاهنا فهو أولى المواضع به من كتابنا هذا (لأن
293

نافعا جعل الحديث في مال العبد من قول عمر فلذلك لا مدخل له في مسند هذا الباب) (1) وبالله توفيقنا قال مالك رحمه الله الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إذا اشترط مال العبد فهو له نقدا كان أو دينا أو عرضا يعلم أو لا يعلم وإن (2) كان للعبد من المال أكثر مما اشترى به كان ثمنه نقدا أو دينا أو عرضا وذلك أن مال العبد لا تجب فيه الزكاة قال ابن القاسم ويجوز لمبتاع العبد أن يشترط ماله وإن كان مجهولا من عين أو عرض بما شاء من ثمن نقدا أو إلى أجل قال أبو عمر هذا ما لا أعلم فيه خلافا عن مالك وأصحابه أنه يجوز أن يشتري العبد وماله بدراهم إلى أجل وإن كان ماله دراهم أو دنانير أو عروضا وأن ماله كله تبع كاللغو (3) لا يعتبر إذا (4) اشترط ما يعتبر في الصفقة المفردة وكان الشافعي يقول ببغداد نحو قول مالك هذا وذكر الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي في الكتاب البغدادي أنه قال اشتراط مال العبد جائز بالخبر عن رسول الله
294

صلى الله عليه وسلم وقال حكمه حكم طرق الدار ومسائل مائها فيجوز البيع إذا كان إنما قصد به قصد البيع للعبد خاصة ويكون المال تبعا في المعنى ليس معناه معنى عبدين قصد قصدهما بالبيع وهو قول أبي ثور أيضا قال الشافعي فإن قيل كيف يجوز أن يملك بالعقد ما لو قصد قصده على الانفراد لم يجز فقد أجازوا بيع الطرق والمسابل والآبار وما سمينا مع الدار ولو قصد قصدهما على الانفراد لم يجزه وقول عثمان البتي مثل ذلك أيضا قال إذا باع عبدا وله مال ألف درهم فباعه بألف درهم فالبيع جائز إن كانت رغبة المبتاع في العبد لا في الدراهم التي له وقال الشافعي بمصر في كتابه المصري ذكره عنه الربيع والمزني والبويطي وغيرهم (1) لا يجوز اشتراط مال العبد إذا كان له (2) مال فضة فاشتراه بفضة أو ذهب (3) فاشتراه بذهب إلا أن يكون ماله خلاف الثمن أو يكون عروضا كما يكون في سائر البيوع الصرف وغيره والمال والعبد بشيئا بيعا صفقة واحدة وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه وبيع العبد وماله كمن باع شيئا لا يجوز في ذلك إلا ما يجوز في سائر البيوع ولا يجوز عند أبي حنيفة وأصحابه بيع العبد بألف درهم وله ألف درهم حتى يكون مع الألف زيادة ويكون الألف بالألف وتكون
295

الزيادة ثمنا للعبد (1) على أصلهم في الصرف وبيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة إذا كان مع أحدهما عرض وحجة من قال هذا القول وذهب هذا المذهب أن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يجعل مال العبد للمبتاع إلا بالشرط فكان ذلك عندهم كبيع دابة ومال غيرها والعبد عند الشافعي في قوله بمصر وعند أبي حنيفة وأصحابه (2) ولا يملك شيئا ولا يجوز له التسري فيما بيده أذن له مولاه أو لم يأذن لأنه لا يصح له ملك يمين ما دام مملوكا لأنه يستحيل أن يكون مالكا مملوكا في حال وقال مالك وأصحابه يملك ماله كما يملك عصمة نكاحه وجائز له التسري فيما ملك وحجتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من باع عبدا وله مال فأضاف المال إليه وقال الله عز وجل * (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف) * فأضاف أجورهن إليهن إضافة تمليك وهذا كله قول داود أيضا وأصحابه إلا أن داود يجعله مالكا ملكا صحيحا ويوجب عليه زكاة الفطر والزكاة في ماله ومن الحجة لمالك أيضا أن عبد الله بن عمر كان يأذن لعبيده في التسري فيما بأيديهم ولا مخالف له من الصحابة ومحال أن يتسرى فيما لا يملك لأن الله لم يبح الوطء إلا في
296

نكاح أو ملك يمين وجعل الشافعي والعراقيون ومن قال بقولهم إضافة رسول الله صلى الله عليه وسلم مال العبد إلى العبد كإضافة ثمر النخل إلى النخل وكإضافة باب الدار إلى الدار بدليل قوله فماله للبائع أي فماله للبائع حقيقة قالوا والعرب تقول هذا سرج الدابة وغنم (1) الراعي ولا توجبه هذه الإضافة تمليكا فكذلك إضافة مال العبد إليه عندهم ومن الحجة أيضا الإجماع على أن للسيد انتزاع مال عبده من يده فلو كان ملكا صحيحا لم ينتزع منه وإجماعهم على أن ماله لا يورث عنه وأنه لسيده والحجة لكلي القولين تكثر وتطول وقد أكثر القوم فيها وطولوا وفيما ذكرنا ولوحنا وأشرنا إليه كفاية ولا يجيز هؤلاء للعبد أن يتسرى ولا يحل له عندهم وطء فرج إلا بنكاح صحيح وقال الحسن والشعبي مال العبد تبع له أبدا في البيع والعتق جميعا لا يحتاج مشتريه فيه إلى اشتراط وهذا قول مردود بالسنة لا يعرج عليه وقال مالك وابن شهاب وأكثر أهل المدينة إذا أعتق العبد تبعه ماله وفي البيع لا يتبعه ماله وهو لبائعه وروي (بنحو) (2) هذا القول في العتق أيضا خبر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر ولكنه خطأ عند أهل العلم بالنقل
297

(وروى أصبغ عن ابن القاسم قال إذا وهب الرجل عبده لرجل أو تصدق به عليه فمال العبد للواهب والمتصدق قال وإذا أوصى بعبده لرجل فماله للموصى له قال أصبغ بل كل ذلك واحد وهو للموهوب له والمتصدق به عليه ولا يكون المال للسيد إلا في البيع وحده لأن الصدقات تشبه العتق لأن في (1) ذلك كله قربان ولم يختلف قول مالك وأصحابه في العبد يعتق بأي وجه عتق أن ماله تبع له ليس لسيده منه شيء إلا أن ينتزعه منه قبل ذلك وسواء كان العتق بتلا أو إلى أجل أو من وصية أو عتق بالحنث أو بالنسب ممن يعتق على مالكه أو عتق بالمثلة كل ذلك يتبع العبد فيه ماله وكذلك المدبر واتفق ابن القاسم وابن وهب في العبد يمثل به مولاه وهو محجور عليه سفيه أنه يعتق عليه واختلفا (2) في مال ذلك العبد فقال ابن القاسم لا يتبعه ماله وقال ابن وهب يتبعه ماله وبه قال أصبغ) (3) وقال الشافعي بمصر والكوفيون إذا عتق العبد أو بيع لم يتبعه ماله ولا مال له ولا ملك إلا مجازا واتساعا لا حقيقة
298

حديث خامس لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشتري (1) قد مضى (1) القول في فقه (2) هذا الحديث في باب حميد الطويل من كتابنا هذا ورواه أيوب عن نافع فزاد فيه ألفاظا (3) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الوارث عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى تزهي وعن السنبل حتى يبيض نهى البائع والمشتري
299

وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال حدثنا ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى تزهو وعن السنبل حتى يبيض وتأمن العاهة نهى البائع والمشتري وقد روى حماد بن سلمة عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد وقد كان الشافعي مرة يقول لا يجوز بيع الحب في سنبله وإن اشتد واستغنى عن الماء ثم بلغه هذا الحديث فرجع إلى القول به وأجاز بيع الحنطة زرعا في سنبله قائما على ساقه إذا يبس واستغنى عن الماء كقول سائر العلماء وهو ما لا خلاف فيه عن جماعة فقهاء الأمصار وأهل الحديث وقد روي عن ابن شهاب أنه أجاز بيعه فريكا قبل أن يشتد وخالفه مالك وغيره ومالوا إلى ظاهر الحديث حتى يبيض ويشتد ويستغني عن الماء ومن قول الشافعي أن كل ثمرة وزرع دونها حائل من قشر أو أكمام وكانت إذا صارت إلى مالكيها أخرجوها من قشرها وأكمامها ولم تفسد بإخراجهم لها قال فالذي أختار فيها أن لا يجوز بيعها في شجرها ولا موضوعة بالأرض للحائل دونها وحجته في ذلك الإجماع على لحم الشاة المذبوحة غير المسلوخة (1)
300

أنه لا يجوز بيعه حتى تسلخ ويخرج من الجلد قال ولم أجد أحدا من أهل العلم يجيز أخذ عشر الحنطة في أكمامها ولا عشر الحبوب ذوات الأكمام ولا بيعها محصودة مدروسة في التبن غير (1) منقاة قال أبو عمر لم يجمعوا على كراهية بيع الشاة المذبوحة قبل السلخ لأن أبا يوسف يجيز بيعها كذلك ويرى السلخ على البائع وأجاز بيع الطعام في سنبله وجعل على البائع تخليصه من تبنه وتمييزه والذي حكى الشافعي عليه الجمهور وذكر ابن وهب في موطئه عن مالك أنه سئل عن الدالية تكون على ساق واحدة فيطيب منها العنقود والعنقودان فقال مالك إذا كان طيبه متتابعا فاشيا فلا بأس بذلك قال وربما أزهى بعض الثمر واستأخر بعضه جدا فهو الذي يكره قال وسئل مالك عن الرجل يبتاع الحائط فيه أصناف من الثمر قد طاب بعضه وبعضه لم يطب فقال (2) ما يعجبني قال وسئل مالك عن بيع الأعناب والفواكه من الثمار فقال إذا طاب أولها وأمن عليها (3) العاهة فلا بأس ببيعها قال وسئل عن الحائط الذي تزهى فيه أربع نخلات أو خمس وقد تعجل زهوه قبل الحوائط أترى أن تباع ثمرته (4) قال نعم لا بأس به وإن
301

تعجل قبل الحوائط قال وسئل عن الحائط ليس فيه زهو وما حوله قد أزهى أترى أن تباع ثمره وليس (1) فيه زهو قال نعم لا أرى به بأسا إذا كان الزمن قد أمنت فيه
العاهات فأزهت (2) الحوائط حوله وإن لم يزه هذا لأن منها ما يتأخر قال وسئل عن الرجل يبيع الثمار من النخيل والأعناب بعد أن تطيب على من سقيها فقال سقيها (3) على البائع قال ولولا أن السقي على البائع ما اشتراه المشتري قال وقال مالك توضع الجائحة في الثمرة إذا كانت من قبل الماء قليلة كانت أو كثيرة (4) وإن كانت أقل من الثلث قال وليس الماء كغيره لأن ما جاء من قبل الماء فكأنه جاء من قبل البائع وقال الشافعي لو كان لرجل حائط آخر فأزهى حائط جاره إلى جنبه وبدا صلاحه حل بيعه ولم يحل بيع هذا الحائط الذي لم يبد صلاح أوله قال وأقل ذلك أن تزهى في شيء منه الحمرة أو الصفرة ويوكل شيء منه قال أبو عمر قد مضى القول في هذا الباب مستوعبا وفي الجائحة فيه وفي أكثر معانيه في باب حميد الطويل من كتابنا هذا وجرى منه ذكر صالح في باب أبي الرجال منه أيضا وذكرنا منه هاهنا ما لم يقع ذكره في ذينك البابين
302

وأما الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب فمختلفة الألفاظ متفقة المعاني (1) متقاربة الحكم بعضها فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وفي بعضها حتى تطعم وفي بعضها حتى تزهي وفي بعضها حتى تحمر وتصفر وفي بعضها حتى تشقح ومعنى تشقح عندهم تحمر أو تصفر (2) ويوكل منها وفي بعضها طلوع الثريا وهي كلها آثار ثابتة محفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وأبي هريرة وجابر وابن عباس وأبي سعيد الخدري وغيرهم ولا خلاف بين العلماء أن جميع الثمار داخل في معنى تمر النخل وأنه إذا بدا صلاحه وطاب أوله حل بيعه وإنما اختلف مالك والشافعي في الحائط إذا أزهى غيره قربه ولم يزه هو هل يحل بيعه على ما ذكرنا عنهما وقد روي عن مالك مثل قول الشافعي والأول عنه أشهر وتحصيل مذهب مالك في ذلك أن الزمن إذا جاء منه ما يؤمن معه على الثمار العاهة وبدا صلاح جنس ونوع منها جاز بيع ذلك الجنس والنوع حيث كان من تلك البلدة وكان يلزم الشافعي أن يقول مثل قول مالك هذا قياسا على قوله في الحائط إذا تأخر أباره وأبر غيره فإنه راعى الوقت في ذلك دون الحائط وراعى في بيع الثمار الحائط بنفسه وهو أمر متقارب ولكل واحد (3) منهما وجه تدل عليه ألفاظ الأحاديث لمن تدبرها وذلك واضح يغني عن القول فيه
303

حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا روح قال حدثنا زكرياء بن إسحاق قال حدثنا عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن محمد الخصيبي (1) قال حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي قال حدثنا حامد بن يحيى البلخي بطرطوس سنة ثلاث وثلاثين (ومائتين) (2) قال أنبأنا (3) عبد الله بن الحارث المخزومي قال حدثنا شبل بن عباد المكي عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله وابن عباس وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وحدثنا عبد الله بن محمد (قال) (4) حدثنا محمد بن بكر (قال) (4) حدثنا سليمان بن الأشعث (قال) (4) حدثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سليمان (5) بن حبان عن سعيد (بن) مينا (6) قال
304

سمعت جابر بن عبد الله يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع الثمرة حتى تشقح قيل وما تشقح قال تحمار وتصفار ويوكل منها وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام الدستوائي قال حدثنا أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى تطعم ويجوز عند مالك وأصحابه بيع المغيب في الأرض نحو (1) الفجل والجزر واللفت حين يبدو صلاحه ويوكل منه ويكون ما قام منه ليس بفساد وكذلك البقول يجوز فيها بيعها إذا بدا صلاحها وأكل منها وكان ما قلع منها ليس بفساد ولا يجوز عند الشافعي بيع شيء مغيب في الأرض حتى يقلع وينظر إليه وجائز عند أبي حنيفة بيع الفجل والجزر والبصل ونحوه مغيبا في الأرض وله الخيار إذا قلعه ورآه
305

هذا إذا قلعه البائع فإن خلى (1) بينه وبين المشتري فقلعه المشتري فلم يرضه فإن كان القلع لم ينقصه فله الخيار وإن كان نقصه القلع بطل خيار الرؤية ولا خلاف بين العلماء في بيع الثمار والبقول والزرع على القلع وإن لم يبد صلاحه إذا نظر إلى المبيع منه وعرف قدره
306

حديث سادس لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا (1) (قال أبو عمر) (1) هكذا روى يحيى وجمهور رواة الموطأ هذا الحديث عن مالك إلا ابن بكير فإنه قال فيه عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة والمحاقلة فزاد ذكر المحاقلة في هذا الحديث بهذا الإسناد ثم ذكر تفسير المزابنة وحدها كما ذكر يحيى وغيره إلا أنه قال والمزابنة بيع الرطب بالثمر كيلا والمعنى واحد لأن الثمر هو ما دام رطبا في رؤوس الأشجار فإذا يبس وجذ فهو تمر وروى (هذا الحديث) (2)
307

أيوب عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المزابنة ولم يذكر المحاقلة وقال المزابنة أن يبيع الرجل ثمرته (1) بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي وهذا تفسير معنى (2) المزابنة كله وقد مضى تمهيده (3) في باب داود وروى عبد الله بن عمر (عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) (4) نهى عن بيع التمر بالتمر وعن بيع العنب بالزبيب كيلا وعن بيع الزرع بالحنطة كيلا هكذا ذكره (5) أبو داود عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن أبي زائدة عن عبيد الله (6) بن عمر ورواه يحيى القطان عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة (7) والمزابنة اشتراء التمر بالثمر (8) كيلا واشتراء (9) الحنطة بالزرع كيلا حدثنا عبد الوارث بن سفيان (10) قال حدثنا
308

قاسم قال حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى فذكره ولا خلاف بين العلماء أن المزابنة ما ذكر في هذه الأحاديث تفسيره عن ابن عمر من قوله أو مرفوعا وأقل ذلك أن يكون من قوله وهو راوي الحديث فيسلم له فكيف ولا مخالف في ذلك وكذلك كل ما كان في معنى ما جرى ذكره في هذه الأحاديث من الجزاف بالكيل (1) في الجنس الواحد المطعوم أو الرطب باليابس من جنسه وكل ما لا يجوز فيه التفاضل لم يجز بيع (2) بعضه ببعضه جزافا بكيل ولا جزافا بجزاف لعدم المماثلة المأمور
بها في ذلك ولمواقعة القمار وهو الزبن على ما تقدم شرحه في باب داود بن الحصين (1) ألا ترى أن كل ما ورد الشرع أن لا يباع إلا مثلا بمثل إذا بيع منه مجهول بمجهول أو معلوما بمجهول أو رطب بيابس (3) فقد دخل في ذلك التفاضل وجهل (4) المماثلة وما جهلت حقيقة المماثلة فيه لم يؤمن فيه التفاضل فدخل في ذلك الربا لأن الحديث ورد في مثل ذلك إن من زاد أو
309

ازداد فقد أربى وفي ذلك قمار وخطر (1) أيضا وهذا كله تقتضيه معنى المزابنة (فإن وقع البيع في شيء من المزابنة فسخ إن أدرك قبل القبض وبعده فإن قبض وفات رجع صاحب الثمرة (2) بمكيلة ثمره على صاحب الرطب ورجع صاحب الرطب بقيمة رطبه على صاحب الثمر (3) يوم قبضه بالغا ما بلغ وما كان منه قبل قبضه فمصيبته من صاحبه) (4) وأما قوله الثمر بالتمر فإن الرواية فيه الكلمة الأولى بالثاء المنقوطة بثلاث مع تحريك الميم وهو ما في رؤوس النخل رطبا فإذا جذ ويبس قيل له تمرا بالتاء المنقوطة باثنتين مع تسكين الميم ويدخل في هذا المعنى بيع الرطب باليابس من جنسه وبيع الجزاف بالمكيل (5) وبيع ما جهل (6) بمعلوم أو مجهول فقف على هذه الأصول وسيأتي تمهيد معنى بيع الرطب بالتمر وما للعلماء في ذلك من المذاهب في باب عبد الله بن يزيد عند قوله صلى الله عليه وسلم أينقص الرطب إذا يبس إن شاء الله
310

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث (بن سفيان) (1) قالا حدثنا قاسم (بن أصبغ) (2) قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضل عن أبيه عرابي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح يد بيد كيل بكيل وزن بوزن فمن زاد شيئا أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت أنواعه (3) قال أبو عمر هذا أصل هذا الباب وهو يقتضي المماثلة في الجنس الواحد ويحرم (4) الازدياد فيه وأما النسيئة في بيع الطعام بالطعام جملة فذلك غير جائز عند جمهور العلماء لقوله عليه السلام البر بالبر ربا إلا ها وها فالجنس الواحد من المأكولات يدخله الربا من وجهين الزيادة والنسيئة والجنسان يدخلهما الربا من وجه (5) واحد وهو النسيئة وقد أوضحنا هذا الأصل في مواضع من كتابنا هذا والحمد لله حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا أبو ثابت قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن
311

ابن شهاب قال حدثني ابن المسيب وأبو سلمة أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبايعوا التمر بالتمر قال ابن شهاب وحدثني سالم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله وروى ابن وهب أيضا في موطئه قال أخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع (1) الصبرة من التمر لا يعلم كيلها بالكيل المسمى من التمر وروى سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع التمر (2) بالرطب نسيئة ويدا بيد وهذه الأحاديث كلها تفسير للمزابنة وفي معناها وهي أصل وسنة مجتمع عليها (والحمد لله) (3)
312

حديث سابع لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة وكان بيعا يتبايعه أهل الجاهلية كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها (1) قد (1) جاء تفسير هذا الحديث كما ترى في سياقه (2) وإن لم يكن تفسيره مرفوعا فهو من قبل ابن عمر وحسبك وبهذا (3) التأويل قال مالك والشافعي وأصحابهما وهو الأجل المجهول ولا خلاف بين العلماء أن البيع إلى مثل هذا من الأجل لا يجوز وقد جعل الله الأهلة مواقيت للناس ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع إلى مثل هذا من الأجل وأجمع المسلمون على ذلك وكفى بهذا علما وقال
313

آخرون في تأويل هذا الحديث معناه بيع ولد الجنين الذي في بطن الناقة هذا قول أبي عبيد قال أبو عبيد عن ابن علية هو نتاج النتاج وبهذا التأويل قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وقد فسر بعض أصحاب مالك هذا الحديث بمثل ذلك أيضا وهو بيع أيضا مجتمع على أنه لا يجوز ولا يحل (1) لأنه بيع غرر ومجهول وبيع ما لم يخلق وقد أجمع العلماء على أن ذلك لا يجوز في بيوع المسلمين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع المجر (2) وهو بيع ما في بطون الإناث ونهى عن المضامين والملاقيح وأجمعوا أنه بيع لا يجوز قال أبو عبيد المضامين ما في البطون وهي الأجنة والملاقيح ما في أصلاب الفحول وهو تفسير ابن المسيب وابن شهاب ذكر مالك في موطئه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه (3) كان يقول لا ربا في الحيوان وإنما نهى من الحيوان عن ثلاث عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة والمضامين ما في بطون الإناث والملاقيح ما في ظهور الجمال وقال غيره المضامين ما في أصلاب الفحول والملاقيح ما في بطون الإناث وكذلك قال أبو عبيد واحتج بقول الشاعر
314

* ملقوحة في بطن ناب (1) حائل
* وذكر المزني عن ابن شهاب شاهدا بأن الملاقيح ما في البطون لبعض الأعراب
* منيتني ملاقحا في الأبطن
* تنتج ما تنتج بعد أزمن
* وكيف كان فإن بيع هذا كله باطل لا يجوز عند جماعة علماء المسلمين وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الملامسة والمنابذة فكيف بمثل هذا من بيع ما لم يخلق (وهذا كله) (2) يدخله المجهول والغرر وأكل المال بالباطل وفي حكم الله ورسوله تحريم هذا كله فإن وقع شيء من هذا البيع فسخ إن أدرك فإن (3) قبض وفات رد إلى قيمته يوم قبض لا يوم تبايعا بالغا ما بلغ كانت القيمة أكثر من الثمن أو أقل وإن أصيب قبل القبض فمصيبته من البائع أبدا وقد مضى تفسير الملامسة وغيرها فيما سلف من كتابنا هذا والحمد لله
315

حديث ثامن لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبع بعضكم على بيع بعض (1) هكذا (1) روى يحيى هذا الحديث
دون زيادة شيء وتابعه ابن بكير وابن القاسم وجماعة ورواه قوم عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق وهذه الزيادة صحيحة لابن وهب والقعنبي وعبد الله بن يوسف وسليمان بن برد عن مالك وليست لغيرهم وهي صحيحة وأما سائر أصحاب مالك فإنما (2) هذا المعنى وهذه الزيادة عندهم في حديث أبي الزناد وهي صحيحة محفوظة من حديث مالك وغيره عن نافع عن ابن عمر في النهي عن تلقي السلع حتى يهبط بها الأسواق
316

قال أبو عمر ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وغيره لا يبع بعضكم على بيع بعض ولا يبع الرجل (1) على بيع أخيه ولا يسم على سومه عند مالك وأصحابه معنى واحد كله وهو أن يستحسن المشتري السلعة ويهواها ويركن إلى البائع ويميل إليه ويتذاكران الثمن ولم يبق إلا العقد والرضى الذي يتم به البيع فإذا كان البائع والمشتري على مثل (2) هذه الحال لم يجز لأحد أن يعترضه فيعرض على أحدهما ما به يفسد به ما هما عليه من التبايع فإن فعل أحد ذلك فقد أساء وبيسما فعل فإن (3) كان عالما بالنهي عن ذلك فهو عاص لله ولا أقول أن من فعل هذا حرم بيعه الثاني ولا أعلم أحدا من أهل العلم قاله إلا رواية جاءت عن مالك بذلك قال لا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه ومن فعل ذلك فسخ البيع ما لم يفت وفسخ النكاح قبل الدخول وقد أنكر بعض (4) أصحاب مالك هذه الرواية عن مالك في البيع دون الخطبة وقالوا هو مكروه لا ينبغي وقال الثوري في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبع بعضكم على بيع بعض (أن يقول عندي (ما هو) (5) خير منه وأما الشافعي فقوله صلى الله عليه وسلم لا يبع بعضكم على بيع بعض) (6)
317

معناه عنده أن يبتاع الرجل السلعة فيقبضها ولم يفترقا وهو مغتبط بها غير نادم عليها فيأتيه قبل الافتراق من يعرض عليه مثل سلعته أو خيرا منها بأقل من ذلك الثمن فيفسخ بيع صاحبه لأن له (1) الخيار قبل التفرق فيكون هذا فسادا قال أبو عمر وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا يسوم (2) الرجل على سوم أخيه فيشبه أن يكون مذهب الشافعي في تأويل هذا اللفظ كمذهب مالك وأصحابه في قوله صلى الله عليه وسلم لا يبع أحدكم على بيع أخيه ولا يسوم (3) على سومه والله أعلم ولا خلاف عن (4) الشافعي وأبي حنيفة في أن هذا العقد صحيح وإن كره له ما فعل وعليه جمهور العلماء ولا خلاف بينهم في كراهية بيع الرجل على بيع أخيه المسلم (5) وسومه على سوم أخيه المسلم ولم أعلم أحدا منهم فسخ بيع من فعل ذلك إلا ما ذكرت لك عن بعض أصحاب مالك بن أنس ورواه أيضا عن مالك وأما غيره فلا يفسخ البيع عنده لأنه أمر لم يتم أولا وقد كان لصاحبه أن لا يتمه إن شاء وكذلك لا أعلم خلافا في أن الذمي لا يجوز لأحد أن يبيع على بيعه ولا يسوم على سومه وأنه والمسلم في ذلك سواء إلا الأوزاعي فإنه قال
318

لا بأس بدخول المسلم على الذمي في سومه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خاطب المسلمين في أن لا يبيع بعضهم على بيع بعض وخاطب المسلم أن لا يبيع على بيع أخيه المسلم فليس الذمي كذلك وقال سائر العلماء لا يجوز ذلك والحجة لهم أنه كما دخل الذمي في النهي عن النجش وفي ربح ما لم يضمن ونحوه كلذلك يدخل (في) (1) هذا وقد يقال هذا طريق المسلمين ولا يمنع ذلك أن يدخل فيه ويسلكه أهل الذمة وقد أجمعوا على كراهية سوم الذمي على الذمي فدل على أنهم مرادون والله أعلم وأما تلقي السلع فإن مالكا قال أكره أن يشتري أحد من الجلب في نواحي المصر حتى يهبط بها إلى الأسواق فقيل له فإن كان على ستة أميال فقال لا بأس به ذكره ابن القاسم عن مالك وقال ابن وهب سمعنا مالكا وسئل عن الرجل يخرج في الأضحى إلى مثل الإسطبل وهو نحو من ميل يشتري ضحايا وهو موضع فيه الغنم والناس يخرجون إليهم يشترون منهم هناك فقال مالك لا (2) يعجبني ذلك وقد نهى عن تلقي السلع فلا أرى أن يشتري شيء منها حتى يهبط بها (إلى) (3) الأسواق قال مالك والضحايا أفضل ما احتيط فيه لأنها نسك يتقرب به إلى الله تعالى فلا أرى ذلك قال وسمعته
319

وسئل عن الذي يتلقى السلعة فيشتريها فتوجد معه أترى أن تؤخذ منه فتباع للناس فقال مالك أرى أن ينهى عن ذلك (فإن نهي عن ذلك) (1) ثم وجد قد عاد نكل قال أبو عمر لم نر في هذه الرواية لأهل الأسواق شيئا في السلعة المتلقاة وتحصيل المذهب عند أصحابه أنه لا يجوز تلقي السلع والركبان ومن تلقاهم فاشترى منهم سلعة شركه فيها أهل سوقها إن شاءوا وكان (2) واحدا منهم وسواء كانت السلعة طعاما أو بزا أو غيره وقد روى ابن وهب عن مالك أنه سئل عن الرجل يأتيه الطعام والبز والغنم وغير ذلك من السلع فإذا كان مسيرة اليوم واليومين جاءه خبر ذلك وصفته فيخبر بذلك فيقول له رجل بعني ما جاءك أتفرى ذلك جائزا قال لا أراه جائزا وأرى هذا من التلقي فقيل (3) له والبز من هذا قال نعم البز مثل الطعام ولا ينبغي أن يعمل في أمر واحد بأمرين مختلفين وأكره ذلك وأراه من تلقي السلع وقال الشافعي يكره تلقي سلع أهل البادية فمن تلقاها (4) فقد أساء وصاحب السلعة بالخيار إذ قدم بها السوق في إنفاذ البيع أورده وذلك أنهم يتلقونهم فيخبرونهم بانكسار سلعتهم (5) وكساد سوقها وهم أهل غرة فيبيعونهم على
320

ذلك وهذا ضرب في الخديعة حكي هذا عن الشافعي الزعفراني والربيع والمزني وغيرهم وتفسير قول الشافعي عند أصحابه أن يخرج أهل الأسواق فيخدعون أهل القافلة ويشترون منهم شراء رخيصا فلهم الخيار لأنهم غروهم وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان التلقي في أرض لا يضر بأهلها فلا بأس به وإذا كان يضر بأهلها فهو مكروه وقال الأوزاعي إذا كان الناس من ذلك شباعا فلا بأس به وإن كانوا محتاجين فلا يقربونه حتى يهبط بها الأسواق (1) ولم يجعل الأوزاعي القاعد على بابه فتمر به سلعة لم يقصد إليها فيشتريها متلقيا والمتلقي عنده التاجر القاصد إلى ذلك الخارج إليه وقال الحسن بن حي لا يجوز تلقي السلع ولا شراؤها في الطريق حق يهبط بها الأسواق (2) وقالت طائفة من المتأخرين من أهل الفقه والحديث (3) لا بأس بتلقي السلع في أول الأسواق ولا يجوز ذلك خارج السوق على ظاهر هذا الحديث وقال الليث بن سعد أكره تلقي السلع في الطريق وعلى بابك إذا قصدت إلى ذلك وأما من قعد على بابه وفي طريقه فمرت به سلعة يريد صاحبها السوق فاشتراها فليس هذا بالتلقي وإنما (4) التلقي أن تعمد إلى ذلك (5) قال ومن تعمد ذلك (6)
321

وتلقى سلعة فاشتراها ثم علم به فإن كان بائعها لم يذهب ردت إليه حتى تباع في السوق وإن كان قد فات ارتجعت من المشتري وبيعت في السوق ودفع إليه ثمنها وقال ابن خواز بنداد البيع في تلقي السلع صحيح عند الجميع وإنما الخلاف في أن المشتري لا يفوز بالسلعة ويشركه (1) أهل السوق ولا خيار للبائع أو في أن البائع بالخيار إذا هبط السوق قال أبو عمر أولى ما قيل به في هذا الباب أن صاحب السلعة بالخيار لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح المدائني (2) قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تلقوا الجلب فمن تلقى منه شيئا فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق وذكره أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن هشام بن حسان بإسناده مثله سواء (3) وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو
322

توبة الربيع بن نافع قال حدثنا عبيد الله بن عمر (1) الرقي عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن (2) النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تلقي الجلب فإن تلقاه متلق فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا وردت السوق
323

حديث تاسع لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه (1) قال أبو عمر (1) هكذا هو في الموطأ عند جميع الرواة ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يبع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه إلا أن يأذن له وروى صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه إلا أن يترك أويأذن له وقد مضى القول في معنى هذا الحديث بما يجب في ذلك مجودا في باب محمد بن يحيى بن حبان من كتابنا هذا (2) فلا وجه لإعادة ذلك هاهنا وخطبة النكاح بالكسر والخطبة في الجمعة وما كان مثلها بالضم
324

حديث عاشر لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه (1) هذا حديث صحيح الإسناد مجتمع على القول بجملته إلا أنهم اختلفوا في بعض معانيه ونحن نذكر ما اجتمع عليه من ذلك وما اختلف فيه هاهنا إن شاء الله تعالى وقد روي عن ابن عمر هذا الحديث من وجوه فأما عبد الله بن دينار فلفظه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه وكذلك لفظ حديث ابن عباس وحكيم بن حزام حتى يقبضه عند أكثر الرواة والقبض والاستيفاء سواء ولا يكون ما بيع من الطعام على الكيل والوزن مقبوضا إلا كيلا أو وزنا وهذا ما لا خلاف بين جماعة العلماء فيه فإن وقع البيع في الطعام على
325

الجزاف (1) فقد اختلف في بيعه قبل قبضه وانتقاله على ما نذكره ونوضحه في الباب الذي يلي هذا الباب إن شاء الله وظاهر هذا الحديث يحظر ما وقع عليه اسم طعام إذا اشترى حتى يستوفي واستيفاؤه قبضه على حسب ما جرت العادة فيه (2) من كيل أو وزن قال الله عز وجل * (أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين) * وقال أوف لنا الكيل وتصدق علينا وقال * (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) * وأما اختلاف العلماء في معنى هذا الحديث فإن مالكا قال من ابتاع طعاما أو شيئا من جميع المأكول أو المشروب (3) مما يدخر ومما لا يذخر ما كان منه أصل معاش أو لم يكن حاشا الماء وحده فلا يجوز بيعه قبل القبض لا من البائع ولا من غيره سواء كان بعينه أو بغير عينه إلا أن يكون الطعام ابتاعه جزافا صبرة أو ما أشبه ذلك فلا بأس ببيعه قبل القبض لأنه إذا ابتيع جزافا كان (4) كالعروض التي يجوز بيعها قبل القبض هذا هو المشهور من مذهب مالك وبه قال الأوزاعي والملح والكزبر (5) والشونيز (6) والتوابل
326

وزريعة الفجل التي يؤكل زيتها وكل ما يؤكل ويشرب ويؤتدم به فلا يجوز بيعه ولا بيع شيء منه قبل القبض إذا ابتيع على الكيل أو الوزن ولم يبع جزافا هذه جملة مذهب مالك المشهور عنه في هذا الباب قال وأما زريعة السلق وزريعة الجزر (1) والكراث والجرجير والبصل وما أشبه ذلك فلا بأس أن يبيعه الذي اشتراه قبل أن يستوفيه لأن هذا ليس بطعام ويجوز فيه التفاضل وليس كزريعة الفجل الذي منه الزيت لأن هذا طعام وما لا يجوز أن يباع قبل القبض عند مالك وأصحابه فلا يجوز أن يمهر ولا يستأجر به ولا يؤخذ عليه بدل وهذا فيما اشتري من الطعام وأما من كان عنده طعام لم يشتره ولكنه أقرضه أو نحو ذلك فلا بأس ببيعه قبل أن يستوفيه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ولم يقل من كان عنده طعام أو كان له طعام فلا يبعه حتى يستوفيه ولا خلاف عن مالك أن ما عدا المأكول والمشروب من الثياب والعروض والعقار وكل ما يكال ويوزن (2) إذا لم يكن مأكولا ولا مشروبا من جميع الأشياء كلها غير المأكول والمشروب أنه لا بأس لمن ابتاعه إن يبيعه قبل قبضه واستيفائه وحجته في ما ذهب إليه مما
327

وصفنا عنه (1) قوله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ولا يبعه حتى يستوفيه حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر (2) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ففي هذا الحديث خصوص الطعام بالذكر فوجب أن يكون ما عداه بخلافه وفيه من ابتاع طعاما فوجب أن يكون المقروض (3) وغير المشتري بخلافه استدلالا ونظرا وحديث مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله في قوله من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه وحدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو يعني ابن الحارث
328

عن المنذر (1) بن عبيد المدني (1) أن القاسم بن محمد حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه ففي هذا الحديث اشتراه (2) بكيل على أن الجزاف بخلافه فهذه حجة مالك مع دليل القرآن في قوله * (فأوف لنا الكيل) * و * (كالوهم أو وزنوهم) * أن (3) الاستيفاء والقبض لا يكون إلا بذلك وقال آخرون كلما وقع عليه اسم طعام مما يؤكل أو يشرب فلا يجوز أن يباع حتى يقبض وسواء اشترى جزافا أو كيلا أو وزنا
وما سوى الطعام فلا بأس ببيعه قبل القبض وممن قال هذا أحمد بن حنبل وأبو ثور وحجتهم عموم قوله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما لم يقل جزافا ولا كيلا بل قد ثبت عنه أنه قال (4) من ابتاع طعاما جزافا أن لا يبيعه حتى ينقله ويقبضه على ما سنذكره في هذا الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى وضعفوا زيادة المنذر بن عبيد في قوله طعاما بكيل وقد (6) ذهب هذا المذهب بعض المالكيين وحكاه عن مالك وهذا اختيار أبي بكر الوقار
329

وقال آخرون كلما بيع على الكيل أو الوزن (1) من جميع الأشياء كلها طعاما كان أو غيره فلا يباع شيء منه قبل القبض وما ليس بمكيل ولا موزون فلا بأس (2) ببيعه قبل قبضه من جميع الأشياء كلها روي هذا القول عن عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب والحسن البصري والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وبه قال إسحاق بن راهويه وروي مثل ذلك أيضا عن أحمد بن حنبل والأول أصح عنه (3) وحجة من ذهب هذا المذهب أن الطعام المنصوص عليه أصله الكيل والوزن فكل مكيل أو موزون فذلك حكمه (4) قياسا عندهم ونظرا وقال آخرون كل ما ملك بالشراء فلا يجوز بيعه قبل القبض إلا العقار وحده وهو قول أبي حنيفة وإليه رجع أبو يوسف وجملة (5) قول أصحاب أبي حنيفة أن المهر والجعل وما يؤخذ في الخلع جائز أن يباع ما ملك من هذه الوجوه قبل القبض والذي لا يباع قبل القبض (6) ما اشتري أو استؤجر به
330

وقال آخرون كل ما ملك بالشراء أو بعوض من جميع الأشياء كلها عقارا كان أو غيره مأكولا كان أو مشروبا مكيلا كان أو موزونا أو غير مكيل ولا موزون ولا مأكول ولا مشروب من كل ما يجري عليه البيع لا يجوز بيع شيء منه قبل القبض وممن قال بهذا سفيان الثوري وابن عيينة والشافعي وبه قال محمد بن الحسن وهو قول عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما ومن حجة من ذهب هذاالمذهب أن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يقبضه وأفتيا جميعا بأن لا يباع بيع (1) حتى يقبض وقال ابن عباس كل شيء عندي مثل الطعام فدل على أنهما فهما عن النبي صلى الله عليه وسلم المراد والمعنى حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي (2) قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو قال أخبرني طاووس قال سمعت ابن عباس يقول أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يستوفى وربما قال سفيان حتى يكال وقال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شيء إلا مثله وحدثنا عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا عبد الله محمد بن
331

يوسف قال أخبرنا ابن وضاح قال حدثنا حامد (1) بن يحيى البخلي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس قال أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع حتى يقبض فهو الطعام قال ابن عباس برأيه وأحسب كل شيء مثله حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن يوسف بن ماهك أن عبد الله بن عصمة حدثه أن حكيم بن حزام حدثه قال قلت يا رسول الله إني أشتري (2) بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم فقال يا ابن أخي إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه وهذا الإسناد وإن كان فيه مقال ففيه لهذا المذهب استظهار ومن حجة من ذهب مذهب الشافعي والثوري في هذا المذهب نهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وبيع ما لم يضمن وما لم يقبضه المشتري عندهم من جميع الأشياء كلها وضاع وهلك فمصيبته عندهم من البائع وضمانه منه وكان ضمانه من البائع فلا يجوز لمشتريه عندهم بيعه قبل قبضه بدليل نهيه صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم
332

يضمن وبنص قوله من ابتاع بيعا فلا يبعه حتى يقبضه واستدلالا بالسنة الثابتة في الطعام أن لا يباع حتى يقبض أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا زهير بن حرب قال حدثنا إسماعيل عن أيوب قال حدثني عمرو بن شعيب قال حدثني أبي عن أبيه حتى ذكر عبد الله بن عمرو (1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل بيع وسلف ولا بيع ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك واحتجوا أيضا بعموم بيع ما ليس عندك على ظاهره واحتجوا أيضا بحديث سعيد الطائي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسلف في شيء فلا يعرفه في غيره أو إلى غيره وقالوا هذا كله على العموم في الطعام وغيره وذهب مالك وأصحابه ومن تابعه في هذا الباب إلى أن نهيه عليه السلام عن ربح ما لم يضمن إنما هو في الطعام وحده لأنه خص بالذكر في مثل (2) هذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحاح ولا (3) بأس عندهم بربح ما لم يضمن ما عدا الطعام من البيوع والكراء وغيره وكذلك حملوا النهي عن بيع ما ليس عندك على الطعام وحده إلا ما كان من العينة
333

وأصحابنا في أصولهم في الشرائع ولتفسير العينة على مذهبهم موضع غير هذا قالوا وكل حديث ذكر فيه النهي عن بيع ما ابتعته حتى تقبضه فالمراد به الطعام لأنه الثابت في الأحاديث الصحاح من جهة النقل وتخصيصه الطعام بالذكر دليل على أن ما عداه وخالفه فحكمه بخلاف حكمه كما أن قوله عند الجميع من ابتاع طعاما تخصيص منه للابتياع دون ما عده من القرض (1) وغيره ولكل طائفة في هذا الباب حجج من جهة النظر تركت ذكرها لأن أكثرها تشغيب ومدار الباب على ما ذكرنا وبالله توفيقنا وقال عثمان البيتي لا بأس أن تبيع كل شيء قبل أن تقبضه كان مكيلا أو مأكولا أو غير ذلك من جميع الأشياء قال أبو عمر هذا قول مردود بالسنة والحجة المجمعة (2) على الطعام فقد وأظنه لم يبلغه الحديث ومثل هذا لا يلتفت إليه وبالله التوفيق
334

حديث حادي عشر لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه (1) هكذا روى مالك هذا الحديث لم يختلف عليه فيه ولم يقل جزافا وروى غيره عن نافع عن ابن عمر فقال فيه كنا نبتاع الطعام جزافا وقد ذكرنا مذهب مالك في الفرق بين الطعام المبيع على الكيل والطعام المبيع على الجزاف وأن ما بيع عنده (1) وعند أكثر أصحابه من الطعام جزافا فلا بأس أن يبيعه مشتريه قبل أن يقبضه وقبل أن ينقله ومعنى نقله في هذا الحديث قبضه ومعنى قبضه عند مالك استيفاؤه وذلك عنده في المكيل والموزون دون (2
) الجزاف وجعل
335

مالك رحمه الله قوله حتى يستوفيه تفسيرا لقوله حتى يقبضه والاستيفاء عنده وعند أصحابه لا يكون إلا بالكيل أو الوزن وذلك عندهم فيما يحتاج إلى الكيل أو الوزن مما بيع على ذلك قالوا وهو المعروف من كلام العرب في معنى الاستيفاء بدليل قول الله عز وجل * (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) * وقوله * (فأوف لنا الكيل) * وتصدق علينا 1 * (وأوفوا الكيل إذا كلتم) * قالوا فما بيع من الطعام جزافا لا يحتاج إلى كيله فلم يبق فيه إلا التسليم وبالتسليم يستوفى فأشبه العقار والعروض فلم يكن ببيعه بأس قبل القبض بعموم قول الله عز وجل * (وأحل الله البيع) * هذا جملة ما احتج به أصحاب مالك لقوله في ذلك (وجعل بعضهم هذا الحديث من باب تلقي السلع وقال إنما جاء النهي في ذلك لئلا يترابحوا فيه بينهم فيغلو السعر على أهل السوق فلذلك قيل لهم حولوا عن مكانه وانقلوه يعني إلى (2) أهل السوق وهذا تأويل بعيد فاسد لا يعضده أصل ولا يقوم عليه دليل) (3) ولا أعلم أحدا تابع مالكا من جماعة فقهاء الأمصار على تفرقته بين ما اشترى جزافا من الطعام وبين ما اشترى منه كيلا إلا الأوزاعي فإنه قال من اشترى طعاما جزافا فهلك
336

قبل القبض فهو من مال المشتري وإن اشتراه مكايلة فهو من مال البائع وهو (1) نص قول مالك وقد قال الأوزاعي من اشترى ثمرة لم يجز له بيعها قبل القبض وهذا تناقض وأحسن ما يحتح به لمالك في قوله هذا ما حدثنا عبد الرحمان بن عبد الله قال حدثنا تميم (2) بن محمد قال حدثنا عيسى بن مسكين وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قالا جميعا حدثنا سحنون عن ابن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث وغيره عن المنذر بن عبيد المدني عن القاسم بن محمد عن ابن عمر أن رسول الله نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه قال أبو عمر فقوله بكيل دليل على أن ما خالفه بخلافه والله أعلم ولم يفرق سائر الفقهاء بين الطعام المبيع جزافا والطعام المبيع كيلا أنه لا يجوز لمبتاعه أن يبيع شيئا منه قبل القبض فقبض ما بيع كيلا أو وزنا أن يكال على مبتاعه أو يوزن عليه وقبض ما اشترى جزافا أن ينقله مبتاعه ويحوله من موضعه ويبين به إلى نفسه فيكون ذلك قبضا له كسائر العروض والمصيبة عند جميعهم فيه إن هلك قبل القبض من بائعه ولا يجوز بيعه قبل قبضه وممن قال بهذا سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومن اتبعه وأحمد
337

ابن حنبل وإسحاق وداود بن علي والطبري وأبو عبيد وروي ذلك عن سعيد بن المسيب والحكم وحماد والحسن البصري وحجة من ذهب هذا المذهب عموم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وقوله لحكيم بن حزام إذا ابتعت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه ولما قدمنا ذكره في الباب قبل هذا عن ابن عباس وجابر وغيرهما ولأن الصحابة كانوا يؤمرون إذا ابتاعوا الطعام جزافا أن لا يبيعوه حتى يقبضوه وينقلوه من موضعه وقد ذكر أمر الجزاف في هذا الحديث عن نافع حفاظ متقنون ورواه أيضا سالم عن ابن عمر قالوا فلا وجه للفرق بين شيء من ذلك قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن القاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا عبد الرحمان بن إبراهيم دحيم قال حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن سالم عن أبيه قال رأيت (1) الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤدوه إلى رحالهم قال أبو عمر أخطأ محمد بن كثير في هذا الحديث فرواه عن الأوزاعي عن الزهري عن حمزة عن ابن عمر والحديث محفوظ لسالم عن ابن عمر ليس لحمزة فيه طريق
338

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا (1) محمد بن بكر قال أنبأنا (2) أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا (3) معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال رأيت الناس يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا الطعام جزافا أن يبيعه المشتري حتى ينقله إلى رحله وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا مطلب قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا الليث قال حدثني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سالم عن ابن عمر أنه قال رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا طعاما جزافا يضربون في أن يبيعوه مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال حدثنا نافع عن ابن عمر قال كانوا يتبايعون الطعام جزافا في السوق فيبيعونه في مكانهم فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه
339

وحدثنا عبد الوارث أيضا (1) قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثنا عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر قال كانوا يتبايعون (2) الطعام جزافا في أعلى السوق فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه وقال أبو عمر إذا آواه إلى رحله ونقله فقد قبضه وإنما كانوا يضربون على ذلك لئلا يبيعوه (3) قبل قبضه وبيع الطعام جزافا في الصبرة ونحوها أمر مجتمع على إجازته وفي السنة الثابتة في هذا الحديث دليل على إجازة ذلك ولا أعلم فيه اختلافا فسقط القول فيه إلا أن مالكا لم يجز لمن علم مقدار صبرته وكدسه كيلا أن يبيعه جزافا حتى يعرف المشتري مبلغه فإن فعل فهو غاش ومبتاع (4) ذلك منه بالخيار إذا علم كالعيب سواء وهذا موضع اختلف العلماء فيه فقال منهم قائلون لا يضره علمه بكيله وجائز له بيعه جزافا وإن علم كيله وكتم ذلك على عموم قوله تعالى * (وأحل الله البيع) * فكل بيع حلال على ظاهر هذه الآية إلا أن تمنه منه سنة ولم
340

ترد سنة في المنع من هذا بل قد وردت السنة في إجازة بيع الطعام جزافا ولم تختلف العلماء في ذلك ولم يفرق أكثرهم بين العالم بذلك والجاهل قالوا فلا وجه للفرق بين علم كيل (1) طعامه وبين من جهله في ذلك قالوا وإنما الغش في بيع الطعام جزافا أن لا يكون الموضع الذي هو عليه مستويا ونحو ذلك من الغش المعروف فأما علم البائع بمقدار كيله فليس بغش وممن قال لا بأس أن يبيع الإنسان طعاما قد علم مقداره مجازفة ممن لم يعلم مقداره الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وداو وأحمد بن حنبل والطبري وروي ذلك عن الحسن البصري على اختلاف عنه ولم يختلف قول مالك في هذه المسألة إن البائع إذا علم بكيل طعامه وكتم المشتري كان ذلك عيبا وكان المشتري بالخيار بين التمسك والرد وجميع الطعام والأدام في ذلك سواء وعلم الكيل والوزن في ذلك سواء لم يختلف قول مالك في شيء من ذلك واختلف
قول مالك في المسألة الأولى من هذا الباب فالمشهور عنه ما قدمنا ذكره وقد حكى أبو بكر بن أبي (2)
341

يحيى الوقار (1) عن مالك أنه قال لا بيع (1) ما اشتري من الطعام والأدام جزافا قبل قبضه ونقله واختاره الوقار وهو الصحيح عندي في هذه المسألة لثبوت الخبر بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعمل أصحابه وعليه جمهور أهل العلم وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عوف الطائي قال حدثنا أحمد بن خالد الوهبي قال حدثنا محمد بن إسحاق عن أبي الزناد عن عبيد بن حنين عن ابن عمر قال ابتعت زيتا في السوق فلما استوفيته لقيني رجل (2) فأعطاني به ربحا حسنا فأردت أن أضرب على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت فإذا أنا بزيد بن ثابت فقال لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع حيث تبتاع السلع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم عم في هذا الحديث السلع فظاهره حجة لمن جعل الطعام وغيره سواء على ما ذكرنا عنهم في الباب (3) قبل هذا ولكنه
342

يحتمل أن يكون أراد السلع المأكولة والمؤتدم بها لأن على الزيت خرج الخبر وجاء في هذا الحديث فلما اشتريته لقيني رجل فأعطاني به ربحا الحديث وهذا يحتمل أن يكون اشتراه جزافا بظرفه فحازه إلى نفسه كما كان في ذلك الظرف قبل أن يكيله أو ينقله والدليل على ذلك إجماع العلماء على أنه لو استوفاه (1) بالكيل أو الوزن إلى آخره لجاز له بيعه في موضعه وفي إجماعهم على ذلك ما يوضح لك (2) أن قوله فلما استوفيته على ما ذكرنا أو يكون لفظا غير محفوظ في هذا الحديث والله أعلم أو يكون زيد بن ثابت رآه قد باعه في الموضوع الذي ابتاعه فيه ولم يعلم باستيفائه له فنقل الحديث من أجل ما ذكره زيد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولما أجمعوا على أنه لو قبضه وقد ابتاعه جزافا وجازه إلى رحله وبان به وهما جميعا في مكان واحد إنه جائز له حينئذ بيعه علم أن العلة في انتقاله من مكان إلى مكان سواه قبضه على ما يعرف الناس من ذلك وأن الغرض منه القبض وقلما يمكن قبضه إلا بانتقاله والأمر في ذلك بين لمن فهم ولم يعاند وأما مسألة المجازفة فقد تابع مالكا (3) على القول بكراهة ما كره من ذلك الليث بن سعد وقد روي ذلك عن (جماعة من التابعين)
343

أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال قرأت على محمود (1) بن خالد قال حدثنا عمرو (2) بن عبد الواحد قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني ابن أبي جميل قال سألت مجاهدا وطاووس وعطاء بن أبي رباح والحسن بن أبي الحسن (3) عن الرجل يأتي الطعام فيشتريه في البيت من صاحبه مجازفة لا يعلم كيله ورب الطعام يعلم كيله فكرهوه كلهم وقال مالك (4) في الجوز إذا علم صاحبه عدده ولم يعلمه المشتري لم يبعه مجازفة قال وأما القثاء ونحوه فله أن يبيعه مجازفة وإن علم البائع عدده ولم يعلمه المشتري لأن ذلك يختلف وتابعه على ذلك الليث وقال الأوزاعي إذا اشترى شيئا مما يكال ثم حمله إلى بلد يوزن فيه (5) فهو لم يبعه جزافا وإن كان حيث حمله لا يكال ولا يوزن فلا بأس أن يباع جزافا (6) بذلك
344

ولا يجوز عند مالك وأصحابه بيع شيء له بال جزافا نحو الرقيق والدواب والمواشي (1) والبز وغير ذلك لما له قدر وبال لأن ذلك يدخله الخطر والقمار وهذا عندهم خلاف ما يعد ويكال ويوزن من الطعام والأدام وغيره لأن ذلك تحويه العين ويتقارب فيه النظر بالزيادة اليسيرة والنقصان اليسير وكان إسماعيل بن إسحاق يحتج لمالك في كراهيته لمن علم كيل طعامه أو وزنه ومقداره أن يبيعه مجازفة ممن لا يعلم ذلك ويكتم عليه (2) فيه بأن قال المجازفة مفاعلة وهي من اثنين ولا تكون من واحد فلا يصح حتى يستوي علم البائع والمبتاع فيما يبتاعه (3) مجازفة وهذا قول لا يلزم وحجة تحتاج إلى حجة تعضدها وليس هذا سبيل الاحتجاج والذي (4) كرهه له مالك لأنه داخل عنده في باب القمار والمخاطرة والغش والله أعلم وروى العلاء بن عبد الرحمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا (1)
345

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى حدثنا محمد بن بكير حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن عيينة عن العلاء بن عبد الرحمان عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يبيع طعاما فسأله كيف تبيع فأخبره (1) فأومأ بيده أن أدخل يدك فيه فأدخل يده فيه فإذا هو مبلول فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غش فليس منا وحدثنا عبد الوارث وسعيد قالا حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا
346

حديث ثاني عشر لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التجشر (1) قال أبو عمر (1) هكذا روى هذا الحديث جماعة أصحاب مالك عن مالك وزاد فيه القعنبي وقال وأحسبه قال وأن (2) تتلقى السلع حتى يهبط بها إلى (3) الأسواق ولم يذكر غيره هذه الزيادة (ورواه أبو يعقوب إسماعيل بن محمد قاضي المدائن قال أنبأنا (4) يحيى بن موسى البلخي قال أنبأنا (5) عبد الله بن نافع قال حدثني مالك ابن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التحبير والتحبير أن يمدح الرجل سلعته بما ليس فيها هكذا قال التحبير وفسره ولم يتابع على هذا اللفظ وإنما المعروف النجش) (6) وقد مضى القول فيها بما للعلماء في ذلك فيما تقدم من كتابنا هذا
347

وأما (1) النجش فلا أعلم بين أهل العلم اختلافا في (2) أن معناه أن يعطي الرجل (3) الذي قد دسه البائع وأمره في السلعة عطاء لا يريد شراءها به فوق ثمنها ليغتر المشتري فيرغب فيها أو يمدحها بما ليس فيها فيغتر المشتري حتى يزيد فيها أو يفعل ذلك بنفسه ليغر الناس في سلعته وهو لا يعرف أنه ربها وهذا معنى النجش عند أهل العلم وإن كان لفظي ربما خالف شيئا من ألفاظهم فإن كان ذلك فإنه غير مخالف لشيء من معانيهم وهذا من فعل فاعله مكر وخداع لا يجوز عند أحد من أهل العلم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش وقوله لا تناجشوا وأجمعوا أن فاعله عاص لله إذا كان بالنهي عالما واختلف الفقهاء في البيع على هذا إذا صح وعلم به فقال مالك لا يجوز النجش في البيع فمن اشترى سلعة منجوشة فهو بالخيار إذا علم وهو عيب من العيوب قال أبو عمر الحجة لمالك في قوله هذا عندي أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم جعل لمشتري المصراة الخيار إذا علم بعيب التصرية ولم يقض بفساد البيع ومعلوم أن التصرية نجش (4) ومكر وخديعة فكذلك النجش يصح فيه البيع ويكون المبتاع بالخيار من أجل ذلك قياسا ونظرا والله أعلم
348

وقال الشافعي وأبو حنيفة ذلك مكروه والبيع لازم ولا خيار للمبتاع في ذلك قال أبو عمر لأن هذا ليس بعيب في نفس المبيع كالمصراة المدلس بها وإنما هو كالمدح وشبهه وقد كان يجب على المشتري التحفظ وأن يستعين بمن يميز ونحو هذا وقالت طائفة من أهل الحديث وأهل الظاهر البيع على هذا باطل مردود على بائعه إذا ثبت ذلك عليه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص قال حدثنا أبو يعقوب الحنيني عن مالك والعمري (1) عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح (2) قال حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تناجشوا
349