الكتاب: دلائل النبوة
المؤلف: إسماعيل الأصبهاني
الجزء: ٢
الوفاة: ٥٣٥
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: أبو عبد الرحمن مساعد بن سليمان الراشد الحميد
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع
ردمك:
ملاحظات:

دلائل النبوة
تأليف
الإمام الحافظ موفق الدين أبي القاسم
إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني
الملقب: قوام السنة
(457 ه‍ - 535 ه‍)
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه وقدم له
أبو عبد الرحمن
مساعد بن سليمان الراشد الحميد
عفا الله عنه
الجزء الثاني
دار العاصمة
للنشر والتوزيع
15 - فصل
34 - أخبرنا الشريف أبو نصر الزينبي رحمه الله،
قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص، قال: ثنا يحيى بن صاعد،
قال: حدثنا محمد بن عمر بن الوليد الكندي، قال: حدثنا
إسحاق بن منصور، عن عبد الله بن عمرو بن مرة، عن أبيه،
عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحوا فماج
الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ما لكم؟)
قالوا: ليس مع أحد من القوم ماء إلا الذي في تورك،
قال: فوضع يده في التور، فقال:
(توضئوا)،
فجعل الماء يفور من بين أصابعه حتى توضأنا وسقينا،
415

قلنا لجابر: كم أنتم؟ قال: لو كنا مئة ألف كفانا، قلنا: كم
أنتم؟ قال: أربع عشرة مئة أو خمس عشرة مئة).
416

35 - وأخبرنا أبو نصر، قال: أخبرنا أبو طاهر، قال:
حدثنا يحيى بن صاعد، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن
أبي صفوان الثقفي بالبصرة، قال: حدثنا إبراهيم بن حبيب بن
الشهيد، قال: حدثنا أبي، عن عمرو بن دينار المكي، عن
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، قال: أمر أبي بخزيرة
فصنعت / ثم أمرني فأتيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال:
(ما هذا يا جابر؟ ألحم ذا؟)
قال: فقلت: لا، يا رسول الله! ولكن أبي أمر بخزيرة
418

وأمرني أن آتيك بها، فأخذها، ثم أتيت أبي، فقال: هل رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم، قال: ما قال؟ قال
قلت: قال: (ألحم ذا يا جابر؟)
فقلت: لا، يا رسول الله! ولكن أبي أمر بخزيرة،
فصنعت، و أمرني فأتيتك بها، فقال أبي: عسى أن يكون
رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتهى اللحم، فقام إلى داجن
له، فأمر بها فذبحت، ثم أمر بها فشويت، ثم أمرني فحملتها
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وهو في مجلسه
فقال لي:
(ما هذا يا جابر؟)
فقلت: أتيت أبي فقال لي: هل رأيت رسول الله؟
فقلت: نعم، فقال: هل قال شيئا؟ قلت: نعم، قال:
(ما هذا يا جابر؟ ألحم ذا؟)
فقال أبي: عسى أن يكون رسول الله صلى الله عليه
وسلم اشتهى اللحم، فقام إلى داجن، فأمر بها فذبحت، ثم
أمر بها فشويت، ثم أمرني فأتيتك بها فقال:
(جزاكم الله معشر الأنصار خيرا، ولا سيما آل عمرو بن
419

حرام، وسعد بن عبادة).
420

قال الإمام - رحمه الله -.
* قوله: (ماج)، أي: اضطربوا ودخل بعضهم في
بعض.
* و (التور): شبه / الإجانة، أو الطست من الصفر.
421

* و (الخزيرة) - بالخاء المعجمة، وبعدها زاي معجمة،
وبعدها ياء، وبعد الياء راء مهملة -: لحم يقطع صغارا ويصب
عليه ماء كثير، فإذا نضج ذر عليه الدقيق.
* و (الحريرة) - بالحاء المهملة، وراءين مهملتين -: حساء
من دقيق ودسم.
* و (الداجن): الشاة التي تربى في البيت.
422

16 - فصل
في دلائل نبوته
صلى الله عليه وسلم
قبل بعثته
36 - أخبرنا عبد الرحمن بن إسماعيل الصابوني،
قال: حدثنا عبد الغافر الفارسي، قال: أخبرنا محمد بن عيسى:
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال: حدثنا مسلم بن
الحجاج، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا
يحيى بن أبي بكير، عن إبراهيم بن طهمان، قال: حدثني
سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن).
424

17 - فصل
37 - أخبرنا أحمد بن محمد بن مردويه، قال: أخبرنا
أبو سعيد بن حسنويه، قال: حدثنا شاكر بن جعفر المعدل،
قال: حدثنا عمير بن مرداس، قال: حدثنا محمد بن بكير،
قال: حدثنا أيوب بن جابر، عن صدقة بن سعيد، عن
مصعب بن شيبة، عن أبيه، قال: (خرجت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم / يوم حنين: والله! ما أخرجني الإسلام
ولا معرفة به، ولكني أنفت أن يظهر هوازن على قريش،
فقلت - وأنا واقف معه -: يا رسول الله! إني أرى خيلا بلقا،
قال:
(يا شيبة! إنه لا يراه إلا كافر)،
فضرب يده على صدري، ثم قال:
(اللهم! اهد شيبة)،
ثم ضرب بها الثانية، فقال:
(اللهم! اهد شيبة)،
427

ثم ضرب بها الثالثة، فقال:
(اللهم! اهد شيبة)،
فوالله! ما رفع يده من صدري في الثالثة حتى ما كان أحد
من خلق الله أحب إلي منه،
قال: فالتقى الناس والنبي صلى الله عليه وسلم على ناقة
- أو بغلة - وعمر آخذ بلجامه، والعباس آخذ بثفر دابته،
فانهزم المسلمون! فنادى العباس بصوت له جهير
- أو جهوري - فقال: أين المهاجرون الأولون؟ أين أصحاب
البقرة؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(قدما، ها: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)،
فعطف المسلمون فاصطكوا بالسيوف، فقال صلى الله
عليه وسلم:
(الآن حمي الوطيس)،
قال: وهزم الله المشركين).
428

قال الإمام رحمه الله:
* قال أهل التاريخ: (شيبة ابن عثمان بن طلحة بن
أبي طلحة بن عبد العزى ابن عثمان بن عبد الله بن عبد الدار بن
قصي الحجبي: أسلم يوم حنين).
* و (أيوب بن جابر) هو: الحنفي /.
* و (ثفر الدابة): حبل يشد تحت ذنبه.
434

* وقوله: (قدما)، أي: تقدموا.
* و (ها): تنبيه.
* (فعطف المسلمون)، أي: فأقبلوا.
* (فاصطكوا بالسيوف)، أي: تضاربوا بها بقوة.
* و (الوطيس): التنور، والمعنى، اشتد الحرب وحمي كما
435

يحمى التنور.
* و (البلق): جمع الأبلق، وهو الذي يخالط سواده
بياض.
436

18 - فصل
38 - ذكر الواقدي، عن الضحاك بن عثمان، عن
مخرمة بن سليمان، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، قال:
قال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: (حضرت سوق
بصرى، فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم:
أفيهم من أهل الحرم؟ قال طلحة: فقلت: نعم، فقال:
هل ظهر أحمد بعد؟ قلت: ومن أحمد؟ قال: ابن عبد الله بن
عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء،
ومخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ، فإياك
أن تسبق إليه!
قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعا حتى
قدمت مكة، فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم، محمد
الأمين تنبأ، وقد تبعه ابن أبي قحافة،
فخرجت حتى دخلت على أبي بكر، فقلت: اتبعت هذا
الرجل / قال: نعم، فانطلق فادخل عليه فاتبعه، فإنه يدعو إلى
الحق، فأخبره طلحة بما قال (الراهب)، فخرج أبو بكر بطلحة
فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم طلحة،
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال الراهب فسر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك،
437

فلما أسلم أبو بكر وطلحة رضي الله عنهما أخذهما
نوفل بن خويلد بن العدوية فشدهما في حبل واحد، فلم
يمنعهما بنو تيم، - وكان نوفل بن خويلد يدعي أشد
قريش - فلذلك سمي أبو بكر وطلحة القرينين).
438

قال الإمام:
* (بصرى): بلدة بالشام،
* و (الموسم): مجمع الناس للتجارة،
* و (الحرة): أرض فيها حجارة سود.
439

19 - فصل
39 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي السمسار، قال:
أخبرنا أبو إسحاق بن خورشيد قوله، قال: أخبرنا أحمد بن
440

محمد بن سليم، قال: حدثنا الزبير بن بكار، قال: حدثنا
يحيى بن المقدام، عن عمه: موسى بن يعقوب، عن يزيد بن
عبد الله، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن
حكيم بن حزام، قال: (سمعنا صوتا من السماء وقع إلى
441

الأرض، كأنه صوت حصاة في طست، ورمى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بتلك الحصيات يوم بدر فانهزمنا).
442

20 - فصل
40 - / أخبرنا أبو بكر السمسار، قال: أخبرنا
أبو إسحاق بن خورشيد قولة، قال: أخبرنا أحمد بن
محمد بن سليم، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثنا أبو ضمرة،
عن عبد الله بن عبد العزيز، عن عمرو بن مرداس بن
عبد الرحمن الجندعي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم):
(ابسط ثوبك)،
فبسطته، ثم حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة
444

النهار، ثم ضممت ثوبي إلى بطني، فما نسيت شيئا مما
حدثني).
445

21 - فصل
41 - أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين، قال: أخبرنا
هبة الله بن الحسن، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد، قال: أخبرنا
علي بن عبد الله بن مبشر، قال: أخبرنا أحمد بن سنان، قال:
حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي ظبيان، عن
ابن عباس رضي الله عنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم
رجل من بني عامر فقال: أرني هذا الخاتم الذي بين كتفيك،
فإن يك بك طب داويتك، فإني أطب العرب، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم:
(إني أريك آية)،
قال: نعم، قال:
(ادع ذاك العذق)،
فنظر إلى عذق في نخلة فدعاه، فجاء ينقز حتى قام بين
يديه، فقال:
(قل له يرجع)،
قال: فرجع إلى مكانه، فقال: يا بني عامر! ما رأيت
كاليوم أسحر).
449

قال الأمام - رحمه الله -:
* قال أهل اللغة: (الطب): السحر،
* و (الطبيب): المداوي.
* وقوله: (أطب العرب) /، أي: أعلمهم بالمداواة.
* و (العذق): غصن النخل.
455

* و (نقز): إذا وثب، ينقز.
456

22 - فصل
42 - أخبرنا عاصم بن الحسن ببغداد، قال: أخبرنا
أبو عمر بن مهدي، قال: حدثنا الحسين بن يحيى ابن عياش،
قال: حدثنا الحسن بن محمد - هو الزعفراني -، قال: حدثنا
محمد بن عبيد الطنافسي، قال: حدثنا مسعر، عن سعد بن
إبراهيم، عن أبيه، عن سعد بن مالك قال: (رأيت عن يمين
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن شماله يوم أحد رجلين
عليهما ثياب بياض، لم أرهما قبل، ولا بعد).
457

43 - قال وحدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا
سليمان بن داود، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه - يعني
عن جده - عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (لقد
رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن يساره يوم
أحد رجلين، عليهما ثياب بياض، يقاتلان عنه كأشد القتال،
ما رأيتهما قبل ولا بعد).
458

23 - فصل
44 - أخبرنا الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ
- رحمه الله -، قال: أخبرنا عبد الصمد بن نصر العاصمي،
قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عمران الشاشي، قال: حدثنا
عمر بن محمد البجيري، قال: حدثنا أبو نشيط: محمد بن
هارون بن نشيط، قال: حدثنا عمر بن الربيع بن طارق
الهلالي، قال: حدثنا يحيى - هو ابن أيوب - عن حميد،
قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه / يحدث أن رجلا
كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد قرأ البقرة
وآل عمران - وكان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران عد فينا -
قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يملي عليه: (غفورا
رحيما)، فيكتب: (عليما حكيما)، فيقول للنبي صلى الله عليه
وسلم: أكتب كذا وكذا؟ فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم:
(اكتب كيف شئت)،
ويملي عليه: (عليما حكيما)، فيقول: أكتب، (سميعا
461

بصيرا)؟ فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم:
(اكتب فهو كذلك)،
قال: فارتد عن الإسلام، ولحق بالمشركين، فقال: أنا
أعلمكم بمحمد إن كان ليقول: اكتب ما شئت، فمات فقال:
(إن الأرض لن تقبله)،
قال أنس: (فأخبرني أبو طلحة أنه أتى الأرض التي مات
فيها، فوجده منبوذا، فقال أبو طلحة: ما شأن هذا الرجل؟
قالوا: قد دفناه فلم تقبله الأرض).
462

قال الإمام - رحمه الله -:
* كذا في كتابي: (عد فينا)، والمحفوظ: جد فينا، أي:
عظم في نفوسنا وقلوبنا،
* وقوله: (منبوذا)، أي: مطروحا على وجه الأرض،
464

* وقوله: (اكتب كيف شئت)، يعني اكتب هذه الكلمة كيف
شئت: إن شئت (غفورا رحيما)، وإن شئت (عليما حكيما) فقد
465

نزل جبريل عليه السلام بهما جميعا.
466

24 / - فصل
45 - أخبرنا عبد الرحمن بن محمد السمسار، قال:
أخبرنا علي بن ما شاذة، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد،
قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا علي بن الحسن بن
سالم، قال: حدثنا الحسين بن سليمان، عن عبد الملك بن
عمير، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (كنت مع
النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك، فشد ذئب على غنم
فأخذ منها، فشدت الرعاء عليه، فقال الذئب: طعمة
أطعمنيها الله عز وجل تنزعونها مني؟ قال: فتعجب القوم،
فقال: ما تعجبون؟ من كلام ذئب؟ وقد نزل الوحي على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن مصدق و من
مكذب).
467

25 - فصل
في جريان الماء بين أصابعه
[صلى الله عليه و سلم]
46 - أخبرنا أحمد بن زاهر الطوسي، قال: أخبرنا
محمد بن إبراهيم الفارسي، قال: حدثنا محمد بن عيسى،
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال: حدثنا مسلم بن
الحجاج، قال: حدثنا هارون بن معروف ومحمد بن عباد
- وتقاربا في لفظ الحديث، والسياق لهارون - قالا: حدثنا
حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد: أبي حزرة، عن
عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: (خرجت أنا وأبي
نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا، و / كان
أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ومعه غلام له، معه ضمامة من صحف، وعلى أبي اليسر بردة
ومعافري، وعلى غلامه بردة ومعافري، فقال له أبي: يا عم! إني أرى
في وجهك سفعة من غضب، قال: أجل، كان لي على فلان بن
469

فلان الحرامي مال، فأتيت أهله، فسلمت عليه، فقلت:
ثم هو؟ قالوا: لا، فخرج علي ابن له جفر، فقلت: أين أبوك؟
قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي، فقلت: اخرج إلي فقد
علمت أين أنت، فخرج، فقلت: ما حملك على أن اختبأت
مني؟ قال: أنا والله! أحدثك ثم لا أكذبك، خشيت والله! أن
أحدثك فأكذبك وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وكنت والله! معسرا، قال: قلت: آلله!
قال: الله! قلت: آلله! قال: الله! قال: قلت: آلله!
قال: الله! فقال بصحيفته فمحاها بيده، فقال: فإن وجدت
470

قضاء فاقض، وإلا أنت في حل، فأشهد بصر عيني هاتين
ووضع أصبعيه على عينيه - وسمع أذني هاتين، ووعاه
قلبي - وأشار إلى مناط قلبه - رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو يقول /:
(من أنظر معسرا، أو وضع عنه أظله الله في ظله)،
قال: فقلت له أنا: يا عم! لو أنك أخذت بردة غلامك،
وأعطيته معافريك أو أخذت معافريه، و أعطيته بردتك، فكانت
عليك حلة، وعليه حلة، فمسح رأسي، وقال: اللهم! بارك
فيه، يا ابن أخي! بصر عيني هاتين، وسمع أذني هاتين، ووعاه
471

قلبي هذا - وأشار إلى مناط قلبه - رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو يقول:
(أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون)،
وكان أن أعطيه من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ
من حسناتي يوم القيامة،
ثم مضينا حتى أتينا جابر بن عبد الله في مسجده وهو
يصلي في ثوب واحد مشتملا به، فتخطيت القوم حتى جلست
بينه وبين القبلة، فقلت: يرحمك الله! تصلي في ثوب واحد،
ورداؤك إلى جنبك؟ فقال بيده في صدري هكذا - وفرق بين
أصابعه وقوسها -: أردت أن يدخل علي الأحمق مثلك
فيراني كيف أصنع، فيصنع مثله،
أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا،
وفي يده عرجون ابن طاب، فرأى في قبلة المسجد / نخامة،
فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا فقال:
(أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟!)
472

قال: فخشعنا، ثم قال:
(أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟!)
قال: فخشعنا، [ثم قال:
(أيكم] يحب أن يعرض الله عنه؟)
قلنا: لا أينا يا رسول الله! قال:
(فإن أحدكم إذا قام يصلي فإن الله تبارك وتعالى قبل
وجهه، فلا يبصقن قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره
تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا)،
ثم طوى ثوبه بعضه على بعض، و قال:
(أروني عبيرا)،
فقام فتى من الحي يشتد إلى أهله فجاء بخلوق في
راحته، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله على
رأس العرجون، ثم لطخ به على أثر النخامة،
قال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم،
473

سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بطن
بواط، وهو يطلب المجدي بن عمرو الجهني، وكان الناضح
يعقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عقبة رجل من
الأنصار على ناصح له، فأناخه فركبه، ثم بعثه فتلدن عليه
بعض التلدن، فقال: شاء لعنك الله، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
(من هذا اللاعن / بعيره /)
قال: أنا يا رسول الله! قال:
(انزل عنه، فلا تصحبنا بملعون، لا تدعوا على
أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم،
لا توافقوا من الله ساعة يسئل فيها عطاء فيستجيب لكم)،
سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان
عشيشية ودنونا من مياه العرب قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
(من رجل يتقدمنا فيمدر الحوض فيشرب ويسقينا؟)
قال جابر: فقمت، فقلت: هذا رجل يا رسول الله! فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
474

(أي رجل مع جابر؟)
فقام جبار بن صخر، فانطلقنا إلى البئر، فنزعنا في
الحوض سجلا أو سجلين، ثم مدرناه، ثم نزعنا فيه حتى
أفهقناه، فكان أول طالع علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال:
(أتأذنان؟)
قلنا: نعم يا رسول الله! فأشرع ناقته، فشربت
- يعني -، ثم شن لها ففشجت فبالت، ثم عدل بها فأناخها،
ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحوض، فتوضأ
منه، ثم قمت فتوضأت من متوضأ رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذهب جبار بن صخر يقضي حاجته فقام رسول الله /
صلى الله عليه وسلم ليصلي، وكانت علي بردة ذهبت أن
أخالف بين طرفيها فلم تبلغ بي، وكانت لها ذباذب فنكستها،
ثم خالفت بين طرفيها ثم تواقصت عليها، ثم جئت حتى قمت
عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي فأدارني
حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فتوضأ، ثم جاء
فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذنا بيديه
جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه، فجعل رسول الله صلى الله
475

عليه وسلم يرمقني وأنا لا أشعر، ثم فطنت به، فقال هكذا بيده
- يعني شد وسطك -، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال:
(يا جابر!)
قلت: لبيك يا رسول الله! قال:
(إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه وإذا كان ضيقا فاشدده
على حقوك)،
476

سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قوت
كل رجل منا كل يوم تمرة، فكان يمصها، ثم يصرها في ثوبه،
وكنا نتخبط أبو بقسينا ونأكل، حتى قرحت أشداقنا، فأقسم أخطئها
رجل يوما، فانطلقنا به ننعشه، فأشهدنا له أنه لم يعطها فأعطيها،
فقام فأخذها،
سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى / نزلنا
واديا أفيح، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي
حاجة، فاتبعته بإداوة من ماء، فنظر رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلم ير شيئا يستتر به، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي
فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ
بغصن من أغصانها، فقال:
(انقادي علي بإذن الله)،
فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده،
حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال:
(انقادي بإذن الله)،
فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لأم
بينهما - يعني جمعهما -، فقال:
(التئما علي بإذن الله)،
477

فالتأمتا،
قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس بقربي
فيبتعد رسول الله صلى الله عليه و سلم، فجلست أحدث
نفسي فحانت مني لفته، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه
وسلم مقبلا، وإذا الشجرتان قد افترقتا، فقامت كل واحدة منهما
على ساق، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف وقفة،
فقال برأسه هكذا - وأشار ابن إسماعيل برأسه يمينا
وشمالا - ثم أقبل، فلما انتهى إلي قال:
(يا جابر! هل رأيت مقامي؟)
قلت: نعم يا رسول الله! قال:
(فانطلق إلى الشجرتين / فاقطع من كل واحدة منهما
غصنا فأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن
يمينك وغصنا عن يسارك)،
قال جابر: فقمت، فأخذت حجرا، فكسرته وحسرته
478

فانذلق لي فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما
غصنا، ثم أقبلت أجرهما حتى قمت مقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم
لحقت، فقلت: قد فعلت يا رسول الله! فعم ذاك؟ قال:
(إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفه
عنهما ما دام الغصنان رطبين)،
قال: فأتينا العسكر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(يا جابر! ناد بوضوء)،
فقلت: ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ ألا وضوء؟ قال: قلت:
يا رسول الله! وجدت في الركب من قطرة،
و كان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه
وسلم الماء في أشجاب له على حمارة من جريد، قال: فقال
لي:
(انطلق إلى فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من
شيء؟)
قال: فانطلقت إليه، فنظرت فيها فلم أجد إلا قطرة في
479

عزلاء شجب منها، لو أني أفرغه شربه يابسه، فأتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقلت /: يا رسول الله! لم أجد فيها إلا
قطرة في عزلاء شجب منها لو أني أفرغه لشربه يابسه، قال:
(اذهب فأتني به)،
فأتيته به، فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو،
ويغمزه بيديه، ثم أعطانيه، فقال:
(يا جابر! ناد بجفنة)،
فقلت: يا جفنة الركب! فأتيت بها تحمل، فوضعتها بين
يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة
هكذا، فبسطها وفرق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة
وقال:
(خذ يا جابر! فصب علي وقل بسم الله)،
فصببت عليه وقلت بسم الله فرأيت الماء يتفور من
بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فارت الجفنة
ودارت، حتى امتلأت، فقال:
(يا جابر! ناد من كان له حاجة بماء)،
قال: فأتى الناس فاستقوا حتى رووا، قال: فقلت: هل
480

بقى أحد له حاجة بماء؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يديه من الجفنة، وهي ملأى!
وشكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه [وسلم]
الجوع، فقال:
(عسى الله أن يطعمكم)،
فأتينا سيف البحر فزخر البحر زخرة فألقى دابة، فأورينا
على شقها النار، فاطبخنا وشوينا، وأكلنا وشبعنا،
قال جابر: فدخلت / أنا وفلان وفلان - حتى عد
خمسة - في حجاج عينها ما يرانا أحد حتى خرجنا، فأخذنا
ضلعا من أضلاعه فقوسناه، ثم دعونا بأعظم رجل في الركب،
وأعظم جمل في الركب، وأعظم كفل في الركب، فدخل
تحته ما يطأطئ رأسه).
481

قال الإمام رحمه الله -:
في الحديث آيات من دلائل النبوة النبي صلى الله عليه و سلم،
482

* منها: انقلاع الشجرتين واجتماعهما، ثم افتراقهما.
* ومنها فوران الماء من بين أصابعه، وأخذ الناس الكثير
منه، ثم لم ينقص مع كثرة ما أخذ منه،
وغير ذلك من الآيات.
وأما شرح الألفاظ الغريبة فيه:
* فقوله: (ضمامة من صحف)، أي: صحف مضمومة،
أي: جماعة كتب، واللغة الفصيحة: إضمامة.
* و (المعافري): ثوب يمني.
* و (السفعة): تغير في الوجه وسواد.
483

* وفي كتابي: (الحزامي) - بالزاي المعجمة -.
* و (الجفر): الذي قوي وغلظ بعد ما يفطم.
* و (الأريكة): الحجلة.
484

* وفي كتابي: (بصر عيني وسمع أذني)، وحقه من
الإعراب: عيناي، وأذناي، فإما أن يكون وقع من الراوي، وإما أن
يكون لغة، وإما أن يكون كتب بالياء وتلفظ به الراوي بالألف فيكون
نوع اصطلاح في الكتابة /.
* و (مناط القلب): معلق القلب، وفي رواية: نياط
قلبه.
* وقوله: (رسول الله): - بالنصب - يتعلق بقوله:
485

(وسمع أذني).
* و (الحلة): إزار ورداء.
* و (المعافري): برد يمني.
* وقوله: (وأعطيته معافريك)، أي: لو كان الثوبان من
جنس واحد كان أحسن، وكان البردة كانت دون المعافري، فأراد
رضي الله عنه أن يسوي بينه وبين غلامه في اللباس.
* وقوله: (مشتملا به)، أي: ملتحفا به، أي: غطى به
بدنه.
486

* و (العرجون): جريد النخل.
* و (ابن طاب): نوع من النخل أو من ثمر النخل.
* وقوله: (فخشعنا)، أي: فخشينا.
و (العبير): نوع من الطيب.
وكذلك:
* (الخلوق).
487

* و (بطن بواط): موضع - بالباء المفتوحة المعجمة بواحدة
من تحتها -.
* و (الناضح): البعير يستقى عليه.
488

* و (يعقبه)، أي: يتعاقبه في الركوب إذا نزل واحد ركب
آخر، وقوله: فدارت عقبة رجل، أي: فجاءت نوبة ركوبه.
* و (تلدن عليه)، أي: تعسر ولم ينبعث.
* وقوله: (شاء): زجر للبعير إذا أراد صاحبه أن يقيمه.
* و (عشيشية): تصغير عشية.
* و (يمدر الحوض)، أي: يصلحه بالطين والمدر.
489

* و (السجل): الدلو العظيم.
* و (افهقناه)، أي: ملأناه.
* و (أشرع ناقته)، أي: أرسلها نحو الماء، يقال:
أشرعت الرمح / نحوه، والشريعة: مورد الماء.
* وقوله: (شنق لها)، أي: كف زمامها.
490

* وقوله: (فشجت)، أي: تفاجت لتبول، وروي:
(فشجت) - بتشديد الشين -.
* و (الذباذب): ما يتحرك من أهداب الثوب.
* وقوله: (ثم تواقصت عليها)، أي: رفع منكبيه حتى
ألزقهما بأصل عنقه، والوقص: قصر العنق.
* وقوله: (يرمقني)، أي: ينظر إلي.
491

* وقوله: (نخطتبط)، أي: نضرب الشجر بقسينا ليسقط
ورقها.
* وقوله: (فأقسم أخطئها رجل منا): لو كان أخطأها أي:
جاوزها، ولم تصل إليه - يعني إلى الرجل - تلك التمرة كان
أظهر.
492

* و (ننعشه): نرفعه.
* و (الأفيح): الواسع.
493

* و (المخشوش): أن الذي في أنفه الخشاش وهو
الزمام.
* (يصانع): يداري.
* (بالمنصف)، يقال: نصف ينصف أي: بلغ النصف،
والمنصف: الموضع.
494

أحضر أعدو
لفتة فعلة من الالتفات
فينبعد على أي يبعد وروي فيبعد بضم
الياء
وحسرته أي حددته
فانذلق بالذال المعجمة أي تحدد
495

وقوله فعم ذاك أي لم فعلت ذاك.
أن يرفه عنه يقال: رفهت عنه أي: نفست عنه
الكربة
أشجاب: جمع شجب وهو الشئ الخلق.
حمارة من جريد: ثلاثة أعواد يشد أطرافها
وتنصب ويخالف بين أرجلها ويعلق عليها القربة.
496

وعزلاء القربة فمها.
أفرغه أصبه.
يابسه أي: يابس الشجب أي: الذي ذهب منه
البلل ويبس.
وقوله: يا جفنة الله الركب أي: يا صاحب جفنة
الركب
يتفور: يتفعل من فار يفور.
497

سيف البحر شاطئه
زخر البحر أي مد وكثر ماؤه
فأورينا فأوقدنا
فاطبخنا لغة في طبخنا
حجاج عينها أي: غار عينها
498

بأعظم رحل: وروي الحاء: وهو القتب وروي: بأعظم رجل بالجيم والضم
والكفل كساء: يطرح على البعير
499

- 47 - أخبرنا عاصم بن الحسن ببغداد قال: أخبرنا
أبو عمر بن مهدي ح
48 - وأخبرنا أبو عبد الله ابن السيبري قال: أخبرنا
أبو محمد السكري ح
49 - وأخبرنا أبو عبد الله النعالي قال: أخبرنا
أبو الحسن بن رزقويه
قالوا أنا إسماعيل بن محمد الصفار قال: أخبرنا
الحسن بن عرفة قال: أبو بكر بن عياش عن
عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه قال: كنت أرعى غنما لعقبة بن
أبي معيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر،
فقال لي:
(يا غلام! هل من لبن؟)
قلت: نعم، ولكني مؤتمن، قال:
(فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟)
502

قال: فأتيته بشاة، فمسح ضرعها / فنزل لبن، فحلبه في
إناء، فشرب وسقى أبا بكر، قال: ثم قال للضرع:
اقلص،
فقلص.
قال: ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله! علمني من
هذا القول، قال: فمسح رأسي وقال:
(يرحمك الله فإنك غليم معلم).
503

50 - وأخبرنا أحمد بن علي بن الحسين، قال: أخبرنا
هبة الله بن الحسن، قال: أخبرنا جعفر بن عبد الله بن يعقوب،
قال: أخبرنا محمد بن هارون الروياني، قال: حدثنا أبو ربيع،
قال: حدثنا أبو عوانة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله
رضي الله عنه قال: كنت غلاما يافعا في غنم لعقبة بن
أبي معيط أرعاها، فأتى علي رسول الله [صلى الله عليه
505

و سلم] وأبو بكر معه، قال: فقال:
(يا غلام! هل عندك من لبن؟)
قال: فقلت: نعم، ولكني مؤتمن، قال: فقال:
(إئتني بشاة لم ينز عليها الفحل)،
قال: فأتيته بعناق جذعة فاعتقلها رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قال: ثم جعل يمسح ضرعها ويدعو، حتى نزلت،
قال: وأتاه أبو بكر رضي الله عنه بصحن - أو قال: بصخر -
فاحتلب فيه، ثم قال لأبي بكر:
(اشرب)،
فشرب أبو بكر، ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم،
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للضرع:
(اقلص)،
فقلص، فعاد كما كان،
قال: ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد، فقلت:
506

يا رسول الله! علمني من هذا الكلام - أو من هذا القرآن -
قال: فمسح رأسي ثم / قال:
(إنك غلام معلم)،
فأخذت منه سبعين سورة ما نزعنيها - وفي رواية:
ما نازعنيها - بشر).
قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (يافعا)، أي: بلغت حد الرجولية، واليفاع: المكان
المرتفع.
507

* و (عناق جذعة)، يعني: جديا لم يتم له سنة.
* وفي رواية: (بصخرة منقعرة)، أي: لها قعر.
* (اقلص)، أي: ارتفع.
508

* (معلم): أي: ملهم، أي: إنك غلام ألهمك الله الخير
والصواب.
* وقوله: (فاعتقلها)، أي: أمسك رجلها.
* وقوله: (ما نازعنيها بشر)، أي: ما شاركني فيها أحد،
أي: أخذت منه هذه السور قبل أن يأخذها منه أحد.
509

26 - فصل
51 - أخبرنا أبو بكر الصابوني، قال: أخبرنا
عبد الغافر بن محمد الفارسي، قال: أخبرنا إبراهيم بن
محمد ابن سفيان، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عمورية،
قال: حدثنا مسلم بن الحجاج، قال: حدثني زهير بن حرب،
قال: حدثنا هاشم - يعني ابن القاسم - عن سليمان، عن
ثابت، عن أنس رضي الله عنه، قال: دخل علينا النبي
صلى الله عليه وسلم فقال عندنا فعرق، وجاءت أمي بقارورة،
فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه
وسلم، فقال:
(يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟)
قالت: هذا عرقك، نجعله في طيبنا، وهو من أطيب
الطيب).
511

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (فقال عندنا): من / القيلولة.
* وقوله: (تسلت): تمسح، يقال: سلتت في المرأة خضابها
من يدها: إذا قشرته.
513

52 - أخبرنا أحمد بن علي بن خلف، قال: أخبرنا أبو يعلى
المهلبي، قال: أخبرنا أبو عبد الله الصفار، قال: حدثنا إبراهيم
السوطي، قال: حدثنا بشر بن سيحان، قال: حدثنا حلبس
الكوفي، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن أبي الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رجل:
يا رسول الله! إني زوجت ابنتي، وأني أحب أن تعينني، قال:
(ما عندي شيء ولكن القني غدا في وقت هجير، ودق
الباب، وجئ معك بقارورة واسعة الرأس، وعود شجرة)،
قال: فجعل يسلت العرق من ذراعيه حتى ملأ القارورة، قال:
(خذها، إذا أردت أن تطيب تغمس هذا العود في
القارورة فتطيب به)،
فكانت إذا تطيبت شم أهل المدينة ريح طيبهم، فسموا
المطيبين).
514

27 - فصل
53 - أخبرنا أحمد بن علي بن الحسين، قال: أخبرنا
هبة الله بن الحسن، قال: أخبرنا جعفر بن عبد الله بن يعقوب
بالري، قال: أخبرنا محمد بن هارون الروياني، قال: حدثنا
مكرم بن محرز بن مهدي، قال: أخبرني أبي، عن حزام بن
هشام بن حبيش، عن أبيه، عن جده صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج
مهاجرا من مكة خرج هو وأبو بكر رضي الله عنه ح،
54 - قال: وأخبرنا جعفر، قال: أخبرنا محمد، قال:
و حدثنا بذلك سليمان بن الحكم العلاف بقديد، قال:
حدثني / أخي أيوب بن الحكم، عن حزام بن هاشم، عن
أبيه هاشم بن حبيش بن خالد ح،
517

55 - قال محمد بن هارون: و حدثنا أبو هشام:
محمد بن سليمان بن الحكم، قال: حدثنا عمي أيوب، عن
حزام، عن أبيه هشام، عن جده حبيش ح،
56 - قال: وأخبرنا محمد بن عبد الله بن الحسين
الفقيه، قال: أخبرنا أبو محمد: الحسن ابن إبراهيم بن
إسحاق بن حبيب الحميري، قال: حدثنا محمد بن سليمان بن
الحكم بن أيوب بن سليمان، قال: حدثنا عمي أيوب بن
الحكم، عن حزام بن هشام عن أبيه هشام، عن جده
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج
مهاجرا هو وأبو بكر رضي الله عنه، ومولى أبي بكر: عامر بن
فهيرة، ودليلهم: الليثي: عبد الله بن الأريقط، فمروا على
خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء
الخيمة، ثم تسقي وتطعم، فنظر رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى شاة في تلك الخيمة فقال:
(ما هذه الشاة يا أم معبد؟!)
قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم، قال:
518

(هل بها من لبن؟)
قالت: هي أجهد من ذلك، قال:
(أتأذنين أن أحلبها؟)
قالت: نعم - بأبي أنت وأمي - إن رأيت بها حلبا
فحلبها، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده
ضرعها، وسمى الله عز وجل، ودعا لها في شاتها، فتفاجت
عليه، ودرت واجترت [و دعا بإناء يربض الرهط فحلب فيه
ثجا حتى علاه البهاء ثم سقاها حتى رويت و سقى أصحابه حتى
رووا ثم شرب صلى الله عليه و سلم آخرهم،
ثم أراضوا ثم حلب حلبة ثانيا بعد بدء حتى امتلأ الإناء
ثم غادره عندها ثم بايعها و ارتحلوا عنها،
فقل ما لبثت حتى جاء زوجها: أبو معبد يسوق أعنزا
عجافا يتساوكن هزلا ضحى مخهن قليل فلما رأى أبو معبد اللبن
عجب و قال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد! و الشاء عازب
حيال و لا حلوب في البيت؟
519

قالت: لا و الله! إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا
و كذا،
قال: صفيه لي يا أم معبد!
قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن
الخلق، لم تعبه نحلة - في حديث الروياني: ثجلة -، و لم
يزر به صقلة، و سيم قسيم، في عينيه دعج، و في أشفاره
غطف، و في صوته صهل، و في عنقه سطع، و في لحيته كثافة،
أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، و إن تكلم سما به و علاه
البهاء، أجمل الناس و أبهاه من بعيد، و أحسنه و أعلاه من
520

قريب، حلو المنطق: فصل لا نزر به و لا هذر، كأن منطقه
خرزات نظم يتحدرن، ربعة: لا يأس من طول، و لا تقتحمه
العين من قصر، غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا
و أحسنهم قدرا،
و له رفقاء يحفون به: إن قال أنصتوا لقوله، و إن أمر
بادروا إلى أمره: محفود محشود لا عابس و لا مفند!
قال أبو معبد: هذا و الله! صاحب قريش الذي ذكر لنا
من أمره ما ذكر بمكة، و لقد هممت أن أصحبه، و لأفعلن إن
وجدت إلى ذلك سبيلا،
فأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت، و لا يدرون
من صاحبه:
جزى الله رب الناس خير جزائه
رفيقين قالا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى، و اهتدت به
فقد فاز من أمسى رفيق محمد
521

فيا لقصي ما زوى الله عنكم
به من فعال لا يجازى و سؤدد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم
و مقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها و إنائها
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت
له بصريح ضرة الشاة مزبد
522

فغادرها رهنا لديها لحالب
يرددها في مصرد ثم مورد
ليهن أبا بكر سعادة جده
بصحبته، من يسعد الله يسعد
523

* في رواية الروياني: أملى علينا مكرم أن أم معبد
اسمها: عاتكة بنت خالد بن خليف.
- ثم عاد الحديث، ثم اتفقا من هنا في الحديث -، * فلما سمع بذلك حسان بن ثابت الأنصاري شاعر
رسول الله صلى الله عليه و سلم نشب يجاوب الهاتف]:
/ لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم
و قدس من يسري إليهم و يغتدي
524

ترحل عن قوم فزالت عقولهم
و حل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربه.
و أرشدهم، من يتبع الحق يرشد
و هل يستوي ضلال قوم تسفهوا
عمايتهم، هاد به كل مهتد
525

و قد نزلت منه على أهل يثرب
ركاب هدى، حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله
و يتلو كتاب الله في كل مشهد
و إن قال في يوم مقالة غائب
فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده
بصحبته، من يسعد الله يسعد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم
و مقعدها للمؤمنين بمرصد)
526

قال الإمام - رحمه الله -: تفسير الألفاظ الغريبة في
الحديث:
قوله: (برزة) قيل: كبيرة السن، تبرز للناس، ولا تستتر
منهم.
* وقوله: (جلدة)، أي: عاقلة.
* (تحتبي)، أي: تجلس وتضم يديها إحداهما إلى الأخرى
على ركبتيها، وتلك جلسة الأعراب.
534

* وقوله: (فتفاجت)، أي: فتحت ما بين رجليها.
* و (درت): أرسلت اللبن.
* و (اجترت): من الجرة، وهي ما تخرجها البهيمة من
كرشها تمضغها.
535

* و قوله: (يربض)، أي: يروي / والرهط حتى يربضوا،
[أ] ي: يقعوا على الأرض للنوم والاستراحة.
* وقوله: (ثجا)، الثج: السيلان، ومنه: (ماء ثجاجا)
[النبأ: 14].
و (البهاء): وبيص رغوة اللبن.
536

* و (أراضوا) قيل: رووا،
قال أهل اللغة: أراض الوادي: إذا استنقع فيه الماء.
* وقوله: (عجافا)، العجاف: ضد السمان.
* (تساوكن)، أي: تمايلن من الضعف.
537

* (عازب)، أي: بعيد في المرعى.
* (حيال)، أي: لم تحمل.
538

* (الوضاءة): الحسن والجمال.
* (أبلج الوجه): مشرق الوجه.
* (نحلة): من رواه بالنون والحاء قال: من نحل
جسمه نحولا، ومن رواه بالثاء والجيم قال: هو من قولهم:
539

رجل أثجل، أي: عظيم البطن.
* (قسيم وسيم): جميعا من الوسامة والقسامة
وهما: الحسن.
* و (صقلة)، الصقل: منقطع الأضلاع.
540

* و (الدعج): شدة سواد العين في شدة بياضها.
* و (الغطف): - بالغين المعجمة -: طول
الأشفار، وروي بالعين غير المعجمة، وهو: التثني.
541

* وفي رواية: (وطف)، وهو الطول أيضا.
* وفي رواية: (الصحل) - بالحاء - و هو كالبحة في
542

الصوت.
* و (السطع): طول العنق.
543

* وقوله: (سما به)، أي: علاء به وارتفع.
* و (الهذر من / الكلام): ما لا فائدة فيه.
* و (ربعة): ليس بالقصير ولا بالطويل.
544

* وقوله: (لا يأس)، أي: لا يؤيس مباريه من
مطاولته.
* وروي: (لا يأبن من طول)، أي: لا يجاوز
الناس طولا.
545

* (لا تقتحمه)، أي: لا تزدريه ولا تحتقره.
* (محفود)، أي: مخدوم.
* (محشود)، أي: يجتمع الناس حواليه.
* و (لا مفند)، أي: لا ينسب إلا الجهل.
546

وروي: (ولا معتد) أي: ظالم.
547

28 - فصل
57 - أخبرنا أبو محمد: الحسن بن أحمد السمرقندي
الحافظ، قال: أخبرنا عبد الصمد العاصمي، قال: حدثنا أبو
العباس البجيري، قال: حدثنا أبو حفص البجيري، قال:
حدثنا أبي، قال: حدثنا عبد الله بن رجاء، قال: حدثنا
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء رضي الله عنه، قال:
اشترى أبو بكر رضي الله عنه من عازب رحلا بثلاثة عشر
درهما، فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمل إلي رحلي،
فقال عازب: لا! حتى تحدثنا كيف صنعت أنت ورسول الله
صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة والمشركون
يطلبونكم؟ قال: (ارتحلنا من مكة فأحيينا - أو سرينا - ليلتنا
- أو يومنا - حتى أظهرنا، وقام قائم الظهر، فرميت ببصري:
هل أرى من ظل نأوي إليه / فإذا صخرة فأتيتها، فنظرت بقية
ظل لها فسويته، ثم فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم قلت له: اضطجع يا رسول الله!
فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انطلقت
أنفض ما حولي هل أرى من الطلب أحدا، فإذا أنا براعي غنم
يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أردنا، فسألته فقلت:
لمن أنت يا غلام! قال: لرجل من قريش، فسماه فعرفته،
فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم، فقلت: هل أنت
حالب لي؟ قال: نعم، فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته
548

أن ينفض عنها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فقال هكذا
- ضرب إحدى كفيه بالأخرى - فحلب لي كثبة من لبن، وقد
رويت معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة، فصببت على
اللبن، حتى برد أسفله، فانتهيت به إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله!
فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رضيت، ثم قلت:
قد نال الرحيل يا رسول الله! فارتحلنا، والقوم يطلبوننا فلم
يدركنا / أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس
له، فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله! فقال:
(لا تحزن، إن الله معنا)،
فلما دنا منا فكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة، قلت:
هذا الطلب يا رسول الله! قد لحقنا، وبكيت، قال:
(لم تبكي؟!)
قلت: أما والله! ما على نفسي أبكي يا رسول الله! ولكن
أبكي عليك، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(اللهم اكفناه بما شئت)،
فساخت فرسه في الأرض إلى بطنها فوثب عنها ثم قال:
يا محمد! قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما
549

أنا فيه، فوالله! لأعمين على من ورائي من الطلب، وهذه
كنانتي خذ سهما منها، فإنك ستمر على إبلي وغنمي بمكان
كذا وكذا، فخذ منها حاجتك، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
(لا حاجة لنا في إبلك)،
فانطلق راجعا إلى أصحابه).
550

قال الإمام - رحمه الله -:
* (الرحل) للناقة بمنزلة السرج للفرس.
* (أظهرنا): دخلنا في وقت الظهر، وقائم الظهر: وقت
الزوال.
* (أنفض ما حولي)، أي: أنظر هل أرى أحدا.
551

* (اعتقل شاة)، أي: أمسك رجلها.
* و (كثبة من لبن)، أي: كثرة.
* (رويت) ملأت.
552

* (هذا الطلب)، أي: الطالب، يقع على الواحد /
والجمع.
* (فساخت فرسه)، أي: دخل يداها ورجلاها في
الأرض.
* (لأعمين): لأخفين.
553

29 - فصل
في ذكر هلاك المستهزئين بمكة
58 - ذكر الطبراني في كتاب (دلائل النبوة)، قال: حدثنا
القاسم بن زكريا المقرئ المطرز، قال: حدثنا محمد بن
عبد الحليم النيسابوري، قال: حدثنا مبشر بن عبد الله، عن
سفيان بن حسين، عن جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير
جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله عز وجل: (إنا
كفيناك المستهزئين) [الحجر: 95]،
قال: (المستهزؤون: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد
يغوث الزهري، والأسود بن المطلب: أبو زمعة - من بني
أسد بن عبد العزى -، والحارث بن غيطل السهمي،
والعاص بن وائل، فأتاه جبريل عليه السلام فشكاهم إليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراه الوليد ابن المغيرة فأومأ
جبريل إلى إبجله، فقال:
(ما صنعت شيئا؟)
554

قال: كفيتكه، ثم أراه الحارث ابن غيطل السهمي
فأومأ إلى بطنه، فقال:
(ما صنعت شيئا؟)
قال: كفيتكه، ثم أراه العاص ابن وائل السهمي فأومأ إلى
أخمصه، فقال:
(ما صنعت شيئا؟)
فقال: كفيتكه،
فأما الوليد بن المغيرة فمر برجل من / خزاعة وهو
يريش نبلا له فأصاب إبجله فقطعها،
وأما أسود بن المطلب فعمي، وذلك أنه نزل تحت
555

شجرة فقال: يا بني! ألا تدفعون؟ إني قد قتلت، فجعلوا
يقولون: ما نرى شيئا، فجعل يقول: يا بني! ألا تدفعون عني؟
قد هلكت بالشوك في عيني، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئا،
فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه،
وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات
منها،
وأما الحارث بن غيطل فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى
خرج خرؤه من فيه فمات منه،
وأما العاص بن وائل، فبينما هو يمشي إذ دخلت في
رجله شبرقة، حتى امتلأت منها فمات).
556

قال الامام - رحمه الله -:
الأبجل: عرق في اليد
شبرقة: شوكة.
امتلأت: انتفخت وورمت.
558

30 - فصل
59 - أخبرنا قال: أخبرنا محمد بن أحمد السمسار قال: أخبرنا
أبو إسحاق بن خورشيذ قوله قال: حدثنا المحاملي قال: حدثنا علي بن مسلم قال: حدثنا عبيد الله بن عبد المجيد
قال: حدثنا إسرائيل قال حدثنا أبو إسحاق عن عمرو بن
ميمون عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: انطلق
سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان
وكان أمية إذا أتى الشام مر بالمدينة نزل على سعد فقال
أمية لسعد: انتظر حتى إذا انتصف النهار وخف الناس فطف
بالكعبة قال: فبينا سعد يطوف إذ جاءه أبو جهل قال: من
ذا يطوف بالكعبة قال: أنا سعد قال: تطوف بالكعبة آمنا وقد
آويت محمدا فتلاحيا بينهما فجعل أمية يقول لسعد:
لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي
فقال سعد لأبي جهل: والله لئن منعتني ان أطوف بالبيت
لأقطعن عليك متجرك من الشام فجعل أمية يمسك سعدا
559

فقال دعنا عنك فإني سمعت محمدا يزعم أنه قاتلك قال:
إياي قال نعم قال: فوالله ما يكذب محمد فلما انصرفوا
قال أمية لامرأته أم صفوان أما تعلمين ما قال لي أخي
اليثربي قالت: وما قال لك؟ قال: زعم إنه سمع محمدا يزعم
أنه قاتلي فقالت: ما يكذب محمد
فلما جاء الصريخ خرجوا لبدر قالت له امرأته: أما
تذكر ما قال لك أخوك اليثربي فأراد أن يقعد ولا يخرج
معهم فقال له أبو جهل إنك من أشراف أهل الوادي فسر
معنا يوما أو يومين فسار معهم فقتله الله
560

31 - فصل
أخبرنا محمد بن أحمد السمسار قال: أخبرنا
أبو إسحاق بن خورشيذ قوله قال: حدثنا المحاملي قال:
حدثنا يوسف بن موسى ثنا جعفر بن عون قال:
حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصلي في ظل الكعبة فقال أبو جهل
وناس من قومه قد نحرت جزور في ناحية مكة فبعثوا فجاءوا
من سلاها وطرحوه بين كتفيه فجاءت فاطمة رضي الله عنها
فطرحته عنه فلما انصرف قال:
اللهم عليك بقريش قالها ثلاثا بأبي جهل بن
هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد وبأمية بن
خلف وعقبة بن أبي معيط
قال: فقال عبد الله: فلقد رأيتهم في قليب بدر
562

61 - وفي رواية شعبة عن أبي إسحاق: فلما سجد
563

قالوا من يأخذ هذا السلا فيلقيه على ظهره فكأنهم
هابوه فقال عقبة بن أبي معيط أنا فأخذه فألقاه على ظهره
وهو ساجد
62 - وفي رواية إسرائيل عن أبي إسحاق وسمي
السابع عمارة بن الوليد.
564

قال الإمام رحمه الله -:
قوله فتلاحيا أي: فتخاصما.
565

ويثرب اسم المدينة
والصريخ المستغيث
وأهل الوادي أهل مكة.
وسلى الجزور ما فيه الفرث والسرقين.
566

32 - فصل
63 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الفقيه قال:
حدثنا أبو بكر بن مردويه قال: حدثنا دعلج قال حدثنا:
موسى بن هارون بن معروف قال حدثنا: محمد بن عبد الله بن
إبراهيم قال: حدثنا معاذ بن المثنى قال: حدثنا مسدد ح
64 - قال وحدثنا عمر بن جعفر بن محمد بن سلم
البزاز قال: حدثنا يعقوب بن يوسف المطوعي قال: حدثنا
أبو جعفر الرزي يعني محمد بن عبد الله
قالا: حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه قال: حدثني
نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال: قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين
أظهركم في التراب قال: فقيل: نعم قال فقال: واللات
والعزى لئن رأيته يفعل لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه
في التراب
567

فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي
ليطأ على رقبته فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه
ويتقي بيده فقيل له مالك قال فقال: إن بيني وبينه
لخندقا من نار وهولا وأجنحة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا
فأنزل الله عز وجل لا أدري في حديث أبي هريرة
أو شئ بلغه: كلا إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى
إن إلى ربك الرجعي إلى قوله: أن كذب وتولى يعني
أبا جهل فليدع ناديه: قومه سندع الزبانية العلق:
568

6 - 18) قال: الملائكة
569

33 - فصل
65 - أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن قال: أخبرنا
أحمد بن موسى قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم
قال: حدثنا أحمد بن عمرو قال: حدثنا يعقوب بن حميد
قال حدثنا يحيى بن سليم عن ابن خثيم عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجالا من قريش
اجتمعوا في الحجر ثم تعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة
الأخرى ونائلة ويساف أن لو قد رأوا محمدا لقد قمنا إليه
مقام رجل واحد فقتلناه قبل أن نفارقه
فأقبلت ابنته فاطمة تبكي حتى دخلت على النبي
صلى الله عليه وسلم فقالت: هؤلاء الملأ من قومك لقد
تعاهدوا: لو قد رأوك قاموا إليك فقتلوك فليس منهم رجل
واحد إلا قد عرف نصيبه من دمك فقال:
يا بنية أتيني بوضوء
فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد فلما رأوه قالوا ها هو
570

ذا وخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم
فلم يرفعوا إليه بصرا ولم يقم منهم إليه رجل فأقبل النبي
صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم وأخذ قبضة من
التراب ثم قال:
شاهت الوجوه
ثم حصبهم بها فما أصاب رجلا منهم من ذلك الحصى
حصاة إلا قتل يوم بدر كافرا
571

66 - وأخبرنا أحمد بن عبد الرحمن قال: أخبرنا
أحمد بن موسى قال: حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن
علي قال: حدثنا محمد بن أيوب قال: أخبرنا حفص بن
عمر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: أخبرني عثمان الجروي أن مقسما مولى ابن عباس أخبره عن
ابن عباس رضي الله عنه في قوله وإذ يمكر بك الذين
كفروا ليثبتوك (الأنفال: 30) قال: تشاورت قريش في ملأ
مكة فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بوثاق يريدون النبي
صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم بل اقتلوه
573

وقال بعضهم بل أخرجوه
فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فبات
علي رضي الله على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك
الليلة وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار
وبات المشركون يحرسون عليا يحسبون أنه نبي الله
صلى الله عليه وسلم
فلما أصبحوا ثاروا إليه فلما رأوا عليا رد الله مكرهم
فقالوا أين صاحبك قال لا أدري قال فاقتصوا أثره
فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا في الجبل
فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل
ههنا لم يكن نسج عنكبوت
فمكث فيه ثلاثا
574

34 - فصل
67 - أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن قال: أخبرنا
أحمد بن موسى قال: حدثنا محمد بن علي بن دحيم قال:
حدثنا أحمد بن أيوب بن بريع الهاشمي قال: حامد بن
يحيى البلخي قال: حدثنا سفيان عن مسعر عن عمرو بن
مرة عن أبي عبيدة قال: قال لي مسروق: أخبرني أبوك
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن شجرة أنذرت النبي
صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة الجن
583

68 - قال: وأخبرنا أحمد بن موسى قال: حدثنا
أحمد بن كامل قال: حدثنا محمد بن سعد قال: حدثني
أبي قال: عمي قال: حدثنا أبي عن أبيه عن ابن
عباس رضي الله عنه: قوله وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن
إلى آخر الآية (الأحقاف: 29) قال: لم تكن السماء الدنيا
تحرس بين الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وكانوا
يقعدون منها مقاعد للسمع فلما بعث الله محمدا حرست
السماء حرسا شديدا ورجمت الشياطين فأنكروا ذلك فقالوا:
لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا
(الجن: 10).
قال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث واجتمعت
إليه الجن فقال: تفرقوا في الأرض وأخبروني ما هذا الخبر
الذي حدث في السماء؟
وكان أول بعث ركب: من أهل نصيبين وهم أشراف
الجن وسادتهم فبعثهم إلى تهامة فاندفعوا حتى بلغوا
الوادي وادي نخلة فوجدوا نبي الله صلى الله عليه
585

وسلم يصلي صلاة الغداة فلما قضى يقول: فلما فرغ
من الصلاة ولوا إلى قومهم منذرين (الأحقاف: 29)
يقول مؤمنين.
586

35 - فصل
في قصة الجساسة وشهادة الدجال
بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم
69 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الفقيه قال:
أخبرنا أحمد بن موسى الحافظ قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن
زياد قال: حدثنا محمد بن غالب بن حرب قال: حدثنا
أبو معمر عبد الله بن عمرو قال: حدثنا عبد الوارث بن
سعيد عن الحسين بن ذكوان ثنا ابن بريدة قال:
حدثني عامر الشعبي قال سألت فاطمة بنت قيس أخت
ضحاك بن قيس وكانت من المهاجرات الأول قلت:
حدثيني حديثا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تسنديه إلى غيره قالت: لئن شئت لأفعلن فقال لها:
أجل حدثيني
قالت: نكحت حفص بن المغيرة، وهو من خيار شباب
قريش، فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فلما أيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخطبني رسول الله
صلى الله عليه وسلم على مولاه أسامة بن زيد، وكنت قد
حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من أحبني فليحب أسامة،
595

فلما كلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: أمري
بيدك، فزوجني ممن شئت، فقال:
(انتقلي إلى أم شريك)،
- امرأة من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل
عليها الضيفان -، فقلت: / سأفعل، فقال:
(لا تفعلي، أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، وإني أكره أن
يسقط عنك خمارك أو ينكشف
عن ساقيك، فيلقون منك
بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن
عمرو: ابن أم مكتوم)،
- وهو رجل من بني فهر، وهو من البطن الذي هي
منه -،
فلما انقضت العدة سمعت قول المنادي - منادي
رسول الله صلى الله عليه وسلم - ينادي: الصلاة جامعة،
فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فلبثت في صف النساء الذي ظهر القوم، فلما قضى
596

رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس رسول الله
صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يضحك، فقال:
(ليلزم كل إنسان مصلاه)،
ثم قال:
(هل تدرون لم جمعتكم؟)
قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:
(إني والله! ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم
أن تميم الداري كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم،
وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال،
حتى أنه ذكر سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام
فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم أرفوا إلى جزيرة في
البحر عند مغرب / الشمس، فجلسوا في قارب السفينة
فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة كثيرة الشعر، لا يعرفون قبله من
597

دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك؟ ما أنت؟ قالت: أنا
الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ فقالت: أيها القوم! إنطلقوا
إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق،
قال: فلما سمت لنا رجلا فرقنا أن تكون شيطانة، قال:
فانطلقنا سرعانا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه
قط، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى
كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك! ما أنت؟ فقال: قد قدرتم على
خبرني خبروني فأخبرني من أنتم؟ قالوا: نحن ناس من العرب ركبنا
في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا البحر
شهرا ثم أرفينا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها فدخلنا
الجزيرة فلقينا دابة أهلب كثيرة الشعر، وما ندري ما قبله من
دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا
الجساسة، فقلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا
598

الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سرعانا
وفرغنا منها، وما أمنا أن تكون / شيطانة، فقال: أخبروني عن
نخل بيسان، قلت: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها
ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أخبروني عن عين زغر
قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل
يزرع أهلها بماء العين، قلنا: نعم، وهي كثيرة الماء، وأهلها
يزرعون بمائها، قال: أخبروني عن النبي الأمي ما فعل؟
قالوا: خرج من مكة، ونزل بيثرب، قال: أفقاتلته العرب؟
قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من
يليه من العرب، وأطاعوه، قال: أقد كان ذاك؟ قلنا: نعم،
قال: أما إن ذاك خير لهم أن يصنعوه، وإني مخبركم عني:
إني أنا المسيح، وإنه يوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج
فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير
مكة وطيبة وهما محرمتان علي، كلما أردت أن أدخل واحدة
منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، و إن على
كل نقب منها ملائكة يحرسونها!)،
599

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وطعن بمخصرته
المنبر -:
(هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة) - يعني المدينة -،
(ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟
فقال الناس: نعم، قال:
(فإنما أعجبني حديث تميم الداري لأنه وافق الذي
كنت / حدثتكم عنه، وعن المدينة ومكة، إلا أنه في بحر
الشام أو بحر اليمن، لا! بل من قبل المشرق ما هو - وأومأ
بيده قبل المشرق -)،
600

قالت: حفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه
وسلم).
601

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (أئمت): كذا في كتابي، والصواب: إمت،
يقال: آمت المرأة تئيم، إذا مات زوجها، أو قتل،
آم يئيم ولم على وزن عام يعيم، إذا اشتهى اللبن، يقال:
عمت إلى اللبن أعيم.
* و (الأول): جمع الأولى.
603

* و قوله: (الذي ظهر القوم)، يعني: الصف الذي خلف
القوم، يعنى: خلف الرجال.
* و قوله: (حتى إنه ذكر سفينة): المحفوظ: (حدثني أنه
ركب سفينة بحرية).
* و قوله: (أرفوا)، يقال: أرفيت: السفينة: إذا أمسكتها عن
الجري، وألجأتها إلى شاطئ، البحر.
* و (قارب السفينة): سفينة صغيرة تشتد إلى السفينة الكبيرة
فيركبها الواحد والاثنان إذا انكسرت الكبيرة.
* و (الدابة): اسم يقع على الذكر والأنثى، وقد ذكر في
604

الحديث مرة على التأنيث، ومرة على التذكير.
* و (الأشواق): جمع شوق.
* و (فرقنا)، أي: خفنا.
* و (سرعانا): المحفوظ: (سراعا): جمع سريع.
* (اغتلم) /: هاج واضطرب.
* وقوله: (عن نخل بيسان): سقط من هذه الرواية كلمات،
يعني: (قلنا: عن أي شأنها تستخبر)؟ قال: أسئلكم عن نخلها هل
يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك أن لا يثمر، أخبروني عن
بحيرة الطبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟
قالوا: هي كثيرة الماء، قال: إن ماءها يوشك أن يذهب).
605

* وقوله: (صلتا): أي: مجردا شاهرا.
* و (الدجال): يسمى مسيحا، لأن إحدى عينه ممسوحة عن
أن يبصر بها، أكثر الروايات بفتح الميم وتخفيف السين، ويدل على
ذلك.
وأما مسيح الضلالة فلأن عيسى عليه السلام مسيح الهدى.
وقيل: سمي الدجال مسيحا لأنه يمسح الأرض، أي:
يقطعها.
فعلى هذا، مسيح: فعيل بمعنى فاعل،
وعلى الوجه الأول: فعيل بمعنى مفعول، واحتج
الخليل ببيت الشاعر:
606

* إذا المسيح يقتل المسيحا *
وأما من قال: مسيح - بكسر الميم وتشديد السين - فوزنه
فعيل من المسح، أي: يمسح الأرض بالسير والجري فيها،
وبالفتح والتخفيف أكثر.
* و (الجساسة): الذي يتجسس الأخبار يتتبعها ويكثر
البحث عنها، والهاء في الكلمة للمبالغة، ويمكن أن يكون
امرأة.
* وقوله: (من كثرة / الشعر)، يعني: شعر الرأس، غطى
جميع بدنه لكثرته.
* وأما صرف الدجال عن مكة والمدينة فلفضيلة النبي
صلى الله عليه وسلم، كان منشأه بمكة، ومدفنه بالمدينة.
608

* و (الدابة): كل ما يدب على وجه الأرض، أي: يمشي
مشيا متقاربا.
* وفي رواية غيلان بن جرير، عن الشعبي: (فلقي إنسانا
يجر شعره).
* وفي رواية: (ما فعل النبي الذي خرج فيكم،
قلنا: قد آمن به الناس واتبعوه وصدقوه، قال: ذاك خير لهم).
* وفي غير هذه الرواية: (فوثب وثبة كاد أن يخرج من
وراء الجدار).
* و في رواية أبي الزناد، عن الشعبي: (فإذا هم بشيخ
مربوط بسلاسل)، وفي هذه الرواية: (فإذا هم بامرأة شعثاء
سوداء لها شعر منكر).
609

(عين زغر)، و (بحيرة الطبرية)، و (نخل
بيسان): كلها بالشام.
* وفي رواية: (ركب البحر فتاهت به سفينته فسقط إلى
جزيرة، وخرج إليها يلتمس الماء، فلقى إنسانا يجر شعره).
610

36 - فصل
في قصة عتبة وعتيبة
ابني أبي لهب
70 - قال الواقدي: (كانت رقية / بنت رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل عثمان بن عفان عند عتبة بن
أبي لهب، وأم كلثوم عند عتيبة بن أبي لهب، زوجهما
رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهما في الجاهلية، فطلقاهما
جميعا، وكان سبب طلاقيهما أن قريشا قالوا فيما بينهم: قد
كفيتم محمدا أمر بناته فتفرغ لما ترون، فتعالوا نمشي إلى
أصهاره حتى يطلقوا بناته، فمشوا إليهم، فقال أبو العاص بن
الربيع: ما يسرني بها امرأة من قريش، فكان النبي
612

صلى الله عليه وسلم يقول:
(أحمد صهر أبي العاص)،
وأما عتبة فقال: أطلقها على أن تزوجوني ابنة أبان بن
سعيد، وإن شئتم تركتها أيما ولا ذات بعل، فزوجوها إياه،
وأما عتيبة فإنه طلقها وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
- وكان يريد الخروج إلى الشام - فقال:
(اللهم سلط عليه كلبا من كلابك)،
فنزلوا حوران، فطرقهم الأسد فتخطى إلى عتيبة من
بين أصحابه فقتله!
613

وإن أمهما أم جميلة بنت حرب ابن أمية لما أنزل الله
عز وجل: (تبت يدا أبي لهب) [المسد: 1] قالت هي
و أبو لهب لعتبة وعتيبة: وجهنا من وجهكما / حرام إن
لم تطلقاهما، فطلقاهما،
614

فتزوجهما جميعا عثمان بن عفان رضي الله عنه: تزوج
رقية فماتت عنده، ثم تزوج بعدها أم كلثوم).
71 - قال أهل التاريخ: (كان سبب تزوج عثمان رقية
رضي الله عنهما أنه غضب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
من فعل أبي لهب، فخطب إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فزوجها إياه، فجزعت لذلك قريش جزعا شديدا، فولدت
له عبد الله ابن عثمان فاكتنى به عثمان، فكانت له كنيتان
أبو عبد الله وأبو عمرو.
وماتت رقية في السنة الثانية من الهجرة، وتزوج عثمان
أم كلثوم سنة ثلاثة من الهجرة).
72 - وفي رواية محمد بن إسحاق: (أن قريشا مشوا
إلى عتبة بن أبي لهب فقالوا له: طلق بنت محمد ونحن
ننكحك أي امرأة من قريش شئت، فقال: إن زوجتموني بنت
أبان بن سعيد بن العاص طلقتها.
615

ففارق رقية، ولم يكن عدو الله دخل بها، وأخرجها الله
مزيدة كرامة لها وهوانا له، وخلف عليها عثمان بن عفان
رضي الله عنه).
616

37 - فصل
في قصة أم جميل: بت حرب
امرأة أبي لهب
73 - / ذكر الطبراني، قال: حدثنا بشر بن موسى، قال:
حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا
الوليد بن كثير، عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر
رضي الله عنها، قالت: (لما نزلت: (تبت يدا أبي لهب)
[المسد: 1] أقبلت العوراء أم جميل ابنة حرب، ولها ولولة،
وفي يدها فهر، وهي تقول:
مذمما أبينا
ودينه قلينا
وأمره عصينا
617

ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد،
ومعه أبو بكر رضي الله عنه، فلما رآها أبو بكر قال:
يا رسول الله! قد أقبلت هذه، وأنا أخاف أن تراك، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إنها لن تراني)،
وقرأ قرآنا اعتصم به، وقرأ: (وإذا قرأت القرآن جعلنا
بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا)
[الإسراء: 45] فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر - ولم تر
رسول الله صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا أبا بكر! إني
أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: ورب هذا البيت!
ما هجاك، فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت
سيدها).
618

38 - فصل
في ذكر ما كان يرى النبي صلى الله عليه وسلم
من خلفه كما يرى من بين يديه
74 - أخبرنا سليمان بن إبراهيم، قال: أخبرنا
أبو عبد الله الجرجاني /، قال: حدثنا محمد بن يعقوب
الأصم، قال: حدثنا أحمد بن عبد الحميد، قال: حدثنا
أبو أسامة، عن الوليد - هو ابن كثير -، قال حدثني سعيد بن
أبي سعيد المقبري، عن أبيه، [عن] أبي هريرة رضي الله
عنه، قال: صلى رسول الله يوما، ثم
انصرف، فقال:
(يا فلان! ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر
المصلي إذا صلى كيف يصلي؟! فإنما يصلي لنفسه،
إني والله! لأبصر من ورائي كما أبصر من بين
623

يدي).
624

75 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي، قال: أخبرنا
أبو عبد الله: محمد بن إبراهيم بن جعفر، قال: حدثنا
أبو جعفر: محمد بن محمد بن عبد الله البغدادي، قال: حدثنا
عبيد بن محمد الكشوري الصنعاني، قال: حدثني همام بن
مسلمة بن عقبة بن همام، قال: حدثنا يحيى بن مالك بن
أنس، قال: حدثني أبي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
(هل ترون قبلتي هاهنا؟ فوالله! ما يخفى علي خشوعكم
625

ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري).
626

39 - فصل
76 - أخبرنا سليمان بن إبراهيم، قال: أخبرنا أبو علي
بن شاذان، قال: أخبرنا عبد الصمد بن علي بن مكرم، قال:
حدثنا السري بن سهل الجنديسابوري، قال: حدثنا
عبد الله بن راشد، قال: حدثنا مجاعة بن الزبير، عن
علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام
أن جده أبا سلام حدثه أن رسول الله / صلى الله عليه وسلم
بينما هو بالبطحاء فإذا هو برجل عليه ثياب شعر، فقال: السلام
عليك، فقال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]:
(وعليك)،
فقال الراكب، سبحان الله! ما رأيت رجلا رد السلام
قبلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا إله إلا الله! ما رأيت رجلا سلم قبلك)،
فقال: يا فتى! من أهل مكة أنت؟ قال:
629

(نعم، ولدت بها ونشأت بها)،
قال: فهل فيها محمد أو أحمد؟ قال:
(ما فيها محمد ولا أحمد غيري)،
قال: فاكشف عن ظهرك، فكشف عن ظهره فإذا خاتم
النبوة بين كتفيه، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك
رسول الله، فقال:
(يا راكب! بما أمرت؟)
قال: أمرت أن تضرب أعناق قومك بالسيف حتى يشهدوا
أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
(يا راكب! ألا أزودك؟)
630

قال: إن شئت فعلت،
قال فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة
ووجهه يتهلل، فقالت: يا ابن عبد المطلب! ما رأيتك قط أحسن
تهلل وجه منك اليوم، قال:
(وما يمنعني، وقد أمرت أن أضرب أعناق قومك بالسيف
حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)،
قالت: إن هذا خليق أن لا يكون، - وكانت كلمة آذته
بها -، فقال:
(يا خديجة! هل / عندك ما يزود راكبا؟)
قالت: ما عندي إلا تمرات،
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم التمر في طرف
ردائه، فقال - يعني الراكب -: الحمد لله الذي لم يمتني
ولم يخرجني من الدنيا حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يحمل إلي الزاد في ثوبه، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
(يا راكب! هل لك من حاجة؟)
قال: نعم، أنت تدعو الله أن يعرف بيني وبينك يوم
631

القيامة؟ فذهب فلم ير).
632

40 - فصل
77 - أخبرنا أبو نصر بن صاعد، قال: أخبرنا
عبد الرحمن بن محمد السراج، قال: حدثنا أبو الحسن:
محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة، قال: حدثنا محمد بن
إبراهيم بن سعيد العبدي، قال: حدثنا أبو جعفر النفيلي، قال: حدثنا
خالد بن أبي بكر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن
سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنه (أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر حين أسلم
بيده ثلاث مرات وهو يقول:
(اللهم! أخرج ما في صدره من غل، وأبدله إيمانا)،
يقول ذلك ثلاثا).
633

41 - فصل
78 - أخبرنا الشريف أبو نصر الزينبي، قال: أخبرنا
أبو طاهر المخلص، قال: حدثنا يحيى بن محمد - إملاء -،
قال: حدثنا يحيى بن سليمان بن نضلة الخزاعي بالمدينة سنة
خمس وأربعين ومئتين، قال: حدثني عمي: / محمد بن
نضلة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن ميمونة
بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم بات عندها في ليلتها، ثم قام فتوضأ
للصلاة، فسمعته وهو يقول:
(لبيك، لبيك - ثلاثا - أو نصرت، نصرت - ثلاثا -)،
قالت: فلما خرج من متوضأه قلت: يا رسول الله! بأبي
أنت وأمي! سمعتك تكلم إنسانا، فهل كان معك أحد؟ قال:
(هذا راجز بني كعب يستصرخني، ويزعم أن قريشا
أعانت عليهم بني بكر)،
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر عائشة
رضي الله عنها أن تجهزه ولا تعلم به أحدا،
قالت: فدخل عليها أبوها أبو بكر رضي الله عنه، فقال:
يا بنية! ما هذا الجهاز؟ قالت: ما أدري، فقال: ما هذا زمان
غزو بني الأصفر! فأين يريد؟ قالت: لا علم لي،
635

قالت: فأقمنا ثلاثا، ثم صلى الصبح بالناس، فسمعت
الراجز ينشد:
[يا] رب إني ناشد محمدا
حلف أبينا وأبيه الأتلدا
إنا ولدناك فكنت الولدا
ثمت أسلما فلم ننزع يدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وزعموا أن لست تدعوا أحدا
فانصر هداك الله نصرا أيدا
/ وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا
أبيض كالبدر ينمي صعدا
إن سيم خسفا وجهه تربدا
636

فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(نصرت نصرت - ثلاثا - أو لبيك لبيك - ثلاثا -)،
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان بالروحاء
نظر إلى سحاب منصب، فقال:
(إن هذا السحاب لينصب بنصر بني كعب)،
فقام إليه رجل من بني عدي بن عمرو - إخوة بني
كعب بن عمرو -، فقال: يا رسول الله! ونصر بني عدي؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ترب نحرك، وهل عدي إلا كعب، وكعب إلا عدي)،
فاستشهد ذلك الرجل في ذلك السفر،
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(اللهم! عم عليهم خبرنا حتى نأخذهم بغته)،
ثم خرج حتى نزل مرا، فكان أبو سفيان وحكيم بن
حزام، وبديل ابن ورقاء خرجوا تلك الليلة، حتى أشرفوا على
مر، فنظر أبو سفيان إلى النيران فقال: يا بديل! لقد أمست نيران
بني كعب آهلة،
637

قال: حاشتها إليك الحرب،
ثم هبطوا فأخذتهم مزنية تلك الليلة، وكانت عليهم
الحراسة، فسألوهم أن يذهبوا بهم إلى العباس بن عبد المطلب
رضي الله عنه فذهبوا بهم، فسأله أبو سفيان أن يستأمن له،
فخرج بهم على النبي صلى الله عليه وسلم / فسأله أن يؤمن له
من آمن، فقال:
(قد آمنت من أمنت ما خلا أبا سفيان)،
فقال: يا رسول الله! لا تحجر علي، فقال:
(من أمنت فهو آمن)،
فذهب العباس بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم
خرج بهم فقال أبو سفيان: إنا نريد أن نذهب، فقال: أسفروا،
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فابتدر المسلمون
وضوءه ينصحونه في وجوههم، فقال أبو سفيان، يا أبا الفضل!
لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما! فقال: إنه ليس بملك،
ولكنها النبوة، في ذلك يرغبون).
638

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (يستصرخني)، أي: يستغيثني.
* و (الراجز): الشاعر.
641

* و (بنو الأصفر): الروم.
* و (الحلف) و (الحليف): الذي بينك وبينه عقد المودة
والإخاء والنصرة.
* و (الأتلدا): القديم.
* (ثمت): تاء التأنيث ألحقت بالكلمة.
642

* (فلم ننزع يدا): لم نخرج من الطاعة.
* (أيدا): قويا.
* (ينمي): يرتفع ويزداد.
* (صعدا): صعودا.
* (إن سيم خسفا)، أي: أن طلب
643

ذلة.
* (وجهه تربدا)، أي: تغير.
* وقوله: (ترب نحرك): دعا أن يقتل شهيدا.
644

* و (مر): موضع بقرب مكة.
* (آهلة): كثيرة الأهل والقوم.
* (حاشتها): جمعتها وساقتها.
* (و كانت عليهم الحراسة)، أي: كانوا يحرسون المسلمين
تلك الليلة، كانت النوبة لهم.
* (لا تحجر): لا تضيق.
645

42 - / فصل
في ذكر الكاهنة أن قدم النبي
صلى الله عليه وسلم شبيهة
بقدم إبراهيم عليه السلام
79 - ذكر أبو الشيخ في (دلائل النبوة)، قال: أخبرنا
إسحاق بن إبراهيم بن جميل، قال: حدثنا محمد بن سهل بن
عسكر، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا إسرائيل،
عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه قال:
(كانت امرأة بمكة كاهنة، فاجتمع إليها قريش، فقالوا لها:
أخبرينا بأشبهنا قدما بإبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه
وسلم، قالت: اجتمعوا وأجمعوا أبناءكم وصبيانكم، قال:
فاجتمعوا،
فقالت: مدوا الكساء على سهلة، ومروا عليها،
فبسطوا كساء ومروا عليها، فآخر من جاء النبي صلى الله عليه
647

وسلم فقالت: هذا أشبهكم قدما بإبراهيم خليل الرحمن).
648

80 - قال: وذكر أبو يحيى، قال: حدثنا سليمان بن معبد
المروزي، قال: حدثنا الأصمعي، قال: حدثنا أبو غرارة عن
رجل - كان من رؤوسهم بمكة -، قال: (لما توارى رسول الله
صلى الله عليه وسلم من قريش أخرجت قريش معقلا أبا كرز
القائف فرأوا أثرا فقالوا: انظر إلى هذا الأثر فقال: ما رأيت وجه
محمد قط و لكن إن شئتم ألحقت لكم نسب هذا الأثر، قالوا:
ألحق،
قال: هذا الذي في مقام إبراهيم - أو / هذا من الذي
في مقام إبراهيم -، فقال أبو سفيان: خرفت، حسدا للنبي
صلى الله عليه وسلم أن يكون يشبه بإبراهيم عليه السلام).
649

43 - فصل
81 - أخبرنا أبو عمرو: عبد الوهاب، قال: أخبرنا
والدي، قال: أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي،
قال: حدثنا أبو يحيى عبد الرحمن بن أحمد بن زكريا المكي،
قال: حدثنا سليمان بن محمد اليساري: ابن عم مطرف، قال:
حدثني عمر بن راشد، قال: حدثني عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر رضي الله عنه، قال:
اجتمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونفر من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فتماروا في شيء، فقال علي
رضي الله عنه: انطلقوا بنا إلى النبي صلى اله عليه وسلم
نسأله، فوقفوا عليه، فتبسم ضاحكا ثم قال:
(جئتموني تسألوني عن أمر، إن شئتم فسلوا، وإن شئتم
أخبرتكم)،
فقالوا: أخبرنا يا رسول الله! فقال:
(جئتم تسألوني عن الصنيعة لمن تحق؟ لا تحق الصنيعة
إلا لذي حسب أو دين،
وجئتم تسألوني عن الرزق ما يجلبه على العبد؟ الله
يجلبه، فاستنزلوه،
651

وجئتم تسألوني عن جهاد الضعفاء؟ جهاد الضعفاء
الحج والعمرة،
وجئتم تسألوني عن جهاد المرأة؟ جهاد المرأة حسن
التبعل لزوجها،
وجئتم تسألوني عن الرزق من أين يأتي؟ أبى الله أن
يرزق / عبده المؤمن إلا من حيث لا يعلم).
652

44 - فصل
82 - أخبرنا أبو عمرو، قال: أخبرنا والدي، قال:
أخبرنا محمد بن الحسين بن الحسن النيسابوري، قال: حدثنا
أحمد بن يوسف السلمي، قال: حدثنا عمر بن عبد الله بن
رزين، قال: حدثنا سفيان بن حسين، عن داود الوراق، - وهو
ابن أبي هند - عن سعيد بن حكيم بن معاوية، عن أبيه، عن
جده معاوية القشيري قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فلما دفعت إليه قال:
(أما إني قد سألت الله أن يعينني عليهم بالسنة يحفيهم
بها، وبالرعب أن يجعله في قلوبهم)،
قال - فقال بيديه جميعا -: أما إني قد حلقت هكذا
وهكذا إلا أو من بك ولا أتبعك، فما زالت السنة تحفيني، وما
زال الرعب يجعل في قلبي حتى قمت بين يديك،
فبالله الذي أرسلك أهو الذي أرسلك بما تقول؟ قال:
(نعم)،
قال: وهو أمرك بما تأمرنا؟ قال:
(نعم).
656

قال الإمام:
* قوله: (بالسنة تحفيهم)، أي: بالقحط يهلكهم بها،
و يتلف أموالهم.
658

45 - فصل
83 - أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا
أبو بكر بن مردويه، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال:
حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن مسعود ح،
84 - قال أبو بكر بن مردويه: وحدثنا أحمد بن
عيسى الخفاف، قال: حدثنا أحمد بن يونس الضبي،
قالا: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا عون بن
عمرو القيسي، قال: حدثنا أبو مصعب قال: أدركت أنس بن
مالك / وزيد بن أرقم والمغيرة، فسمعتهم يتحدثون أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال:
(أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه
وسلم فسترته، وأمر الله العنكبوت فنسجت في وجه النبي
صلى الله عليه وسلم فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين
659

فوقعنا بفم الغار،
وأقبل فتيان قريش - من كل بطن: رجل - بعصيهم
وسيوفهم وهراواهم، حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه
وسلم قدر أربعين ذراعا: فعجل بعضهم فنظر في الغار - يرى
فيه أحدا - فرأى حمامتين بفم الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا:
ما لك لم تنظر في الغار؟ قال: رأيت حمامتين بفم الغار فعرفت
أن ليس فيه أحد، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال،
فعرف أن الله قد درأ عنه بهما فسمت النبي صلى الله عليه
وسلم عليهن وفرض جزاءهن، وانحدرن في الحرم).
660

46 - فصل
85 - أخبرنا أبو بكر: محمد بن أحمد بن علي
السمسار، قال: أخبرنا إبراهيم بن عبد الله، قال: حدثنا
الحسين بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن العباس الباهلي،
قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن جعفر بن ميمون، عن
أبي تميمة، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود، رضي الله عنه
قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم
انصرف، فأخذ بيد عبد الله حتى خرج به إلى بطحاء مكة
فأجلسه، ثم خط عليه خطا ثم قال:
(لا تبرحن / الخط إنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم،
فإنهم لن يكلموك،
ثم مضى رسول الله صلى اله عليه وسلم حيث أراه،
فبينا أنا جالس في خطي أتاني رجال كأنهم الزط - أشعارهم
وأجسامهم - لا أرى عورة ولا أرى بشرا، ينتهون إلي
663

لا يجاوزون الخط، ثم يصدرون إلى رسول الله صلى اله عليه
وسلم حتى إذا كان من آخر الليل،
لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء، وأنا جالس،
فقال:
(لقد آذانا هؤلاء منذ الليلة)،
ثم دخل علي في خطي، فتوسد فخذي فرقد، وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هو رقد نفخ النوم نفخا،
فبينا أنا قاعد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوسد
فخذي إذا أنا برجال كأنهم الجمال، عليهم ثياب بيض،
الله يعلم بما بهم من الجمال، فانتهوا فجلس طائفة، وجاء
طائفة فجلسوا عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم
وطائفة عند رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قالوا
بينهم: ما رأينا عبدا قط أوتي مثل ما أوتي هذا النبي: إن عينيه
تنامان وقلبه يقظان، اضربوا له مثلا: مثل سيد بنى قصرا، ثم
جعل مأدبة، ودعا الناس إلى طعامه وشرابه، فمن أجابه أكل من
طعامه وشرب من شرابه، ومن لم يجبه عاقبه / أو عذبه، ثم
664

ارتفعوا، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك،
فقال لي:
(ما سمعت الذي قال هؤلاء؟ وهل تدري من هم؟)
قلت: الله ورسوله أعلم، قال:
(هم الملائكة، تدري ما المثل الذي ضربوا؟)
قلت: الله ورسوله أعلم، قال:
(المثل الذي ضربوا: الرحمن بنى الجنة، ودعا عباده،
فمن أجابه دخل الجنة، ومن لم يجبه عاقبه أو عذبه).
665

47 - فصل
86 - أخبرنا أبو عمرو: عبد الوهاب، قال: أخبرنا
والدي: أبو عبد الله، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا
محمد ابن الحسن، قال: حدثنا حرملة، قال: حدثنا ابن وهب،
عن يونس ح،
87 - قال أبو عبد الله: وأخبرنا أحمد بن عمرو:
أبو طاهر: قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا
ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك
رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين
زاغت الشمس، فصلى بهم صلاة الظهر، فلما فرغ قام على
المنبر، فذكر الساعة وذكر أن قبلها أمورا عظاما ثم قال:
(من أحب أن يسألني عن شيء فليسألني عنه، فوالله!
لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا)،
قال أنس، فأكثر الناس البكاء حين سمعوا ذلك من
رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر رسول الله صلى الله
عليه وسلم من أن يقول:
(سلوني)،
فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟
قال:
679

(أبوك حذافة)،
فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يقول:
(سلوني)،
برك عمر ابن الخطاب رضي الله عنه على ركبتيه / فقال:
يا رسول الله! رضينا بالله ربنا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا،
قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر
ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أولى، والذي نفس محمد بيده! لقد عرضت علي الجنة
والنار آنفا في عرض هذا الحائط، فلم أر كاليوم في الخير
والشر).
680

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (أولى) - بالياء -: من الولي، وهو القرب،
ومعناه: قرب منكم ما تكرهون، يعني: أهوال القيامة.
681

* وقوله: (فلم أر كاليوم في الخير والشر)، أي: لم أر مثل
جزاء أهل الخير وحسن ثوابهم، ومثل جزاء أهل الشر وسوء
عقابهم.
682

48 - فصل
88 - أخبرنا أبو عمرو: عبد الوهاب، قال: أخبرنا
والدي: أبو عبد الله، قال: أخبرنا الحسن بن منصور، قال:
حدثنا محمد بن العباس بن معاوية، قال: حدثنا أبو اليمان ح،
89 - قال أبو عبد الله: و أخبرنا أحمد بن القاسم بن
معروف وأحمد بن سليمان بن أيوب، قالا: حدثنا أبو زرعة،
قالا: حدثنا أبو اليمان، قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن
الزهري، عن سنان بن أبي سنان وأبي سلمة بن عبد الرحمن،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله
عليه وسلم غزا غزوة قبل نجد فأدركتهم القائلة فجئنا النبي
صلى الله عليه وسلم وبين يديه أعرابي جالس فقال:
(إن هذا اخترط سيفي فقال: من يمنعك مني /؟ فقلت:
الله - ثلاثا - فشامه)،
ولم يعاقبه النبي صلى الله عليه وسلم).
683

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (اخترط)، أي: سل.
* و قوله: (فشامه)، يعني: فشام الأعرابي السيف، أي:
جعله في غمده، منعه الله من أن يضرب به رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
* وقوله: (ولم يعاقبه)، أي: عفا عن الأعرابي.
684

49 - فصل
90 - أخبرنا أبو عمرو: عبد الوهاب، قال: أخبرنا
والدي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، قال: حدثنا
أبو مسعود: أحمد بن الفرات، قال: حدثنا أبو أسامة، عن
محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أسامة بن
زيد رضي الله عنه، عن أبيه زيد بن حارثة رضي الله عنه
قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو مردفي،
فذبحنا له شاة، ثم صنعناها له حتى إذا نضجت استخرجتها
فجعلناها في سفرتنا، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسير وهو مردفي في يوم حار من أيام مكة، حتى إذا كنا بأعلى
الوادي لقيه زيد بن عمرو بن نفيل فحيى أحدهما الآخر بتحية
الجاهلية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
686

(ما لي أرى قومك قد شنفوك؟)
قال: أما والله! إن ذلك مني بغير نائرة مني إليهم،
ولكني أراهم على ضلالة فخرجت أبتغي هذا الدين حتى قدمت
على أحبار يثرب فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به /، فقلت:
ما هذا بالدين الذي أبتغي،
فخرجت حتى أقدم على أحبار خيبر فوجدتهم يعبدون الله
ويشركون به، فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي،
فخرجت حتى أقدم على أحبار إيلة فوجدتهم يعبدون الله
ويشركون به، فقلت: ما هذا بالدين الذي أبتغي،
فقال لي حبر من أحبار الشام: إنك لتسأل عن دين
ما نعلم أحد يعبد الله به إلا شيخا بالجزيرة،
فخرجت حتى قدمت، فأخبرته بالذي خرجت له، فقال:
إن كل من رأيت في ضلال، إنك لتسأل عن دين هو دين الله
ودين ملائكته، وقد خرج في أرضك نبي - أو هو خارج -
687

يدعو إليه، فارجع إليه فصدقه واتبعه وآمن بما جاء به،
فرجعت).
688

91 - وروى أبو مسعود، عن عبد الله بن رجاء، عن
المسعودي، عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد، عن أبيه،
عن جده، قال: (خرج ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن
نفيل يطلبان الدين فمرا بالشام،
فأما ورقة فتنصر وأما زيد بن عمرو فقيل له: الذي تطلب
أمامك فأتى الموصل فإذا هو براهب، فقال: من أين أقبل
صاحب الراحلة؟ قال: من بيت إبراهيم، قال: ما تطلب؟ قال:
الدين، فعرض عليه النصرانية، فقال لا حاجة لي فيه وأبى أن
يقبل، فقال: إن الذي تطلب سيظهر بأرضك،
فأقبل وهو يقول /:
لبيك حقا حقا * تعبدا ورقا
البر أبغى لا الخال * وما مهاجر كمن قال، عذت
689

بما عاذ به إبراهيم، وقال:
[و إن] أنفي لك عان راغم
مهما تجشمني فإني جاشم
690

ثم يخر فيسجد للكعبة).
691

92 - وروى أبو بكر بن أبي عاصم، قال: حدثنا
وهب بن بقية، قال: حدثنا خالد، عن محمد بن عمرو، عن
أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أسامة بن
زيد بن حارثة، قال: قال زيد بن عمرو بن نفيل: (قال لي حبر
من أحبار الشام: إنك تسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به
إلا شيخا بالجزيرة، فخرجت فقدمت عليه، فأخبرته بالذي
خرجت له فقال: ممن أنت؟ فقلت: من أهل الله وأهل
الشوك والقرظ، قال: فإنه قد خرج في بلدك نبي - أو هو
خارج - قد خرج نجمه، فارجع فصدقه واتبعه وآمن به،
فرجعت، ولم أحس بشيء بعد).
692

93 - وروى أبو الشيخ، قال: حدثنا محمد بن
أحمد بن معدان، قال: حدثنا سعد بن محمد، قال: حدثنا
إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد،
عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر قالت:
قال: زيد بن عمرو بن نفيل:
عزلت الجن والجنان عني
كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا العزى أدين ولا ابنتيها
ولا صنمي بني طسم أدير
/ ولا صنما أدين وكان ربا
لنا في الدهر إذ حلمي قصير
693

أربا واحدا أم ألف رب
أدين إذا تقسمت الأمور
ألم تعلم بأن الله أفنى
رجالا كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين نذير قوم
فيربوا منهم الطفل الصغير)
وقالت: قال ورقة بن نوفل لزيد بن عمرو:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما
تجنبت تنورا من النار حاميا
بدينك ربا ليس رب كمثله
وتركك جنان الخبال كما هيا
تقول إذا جاورت أرضا مخوفة
حنانيك لا تظهر علي الأعاديا
694

حنانيك إن الجن كانت رجاءهم
وأنت إلهي ربنا ورجائيا
أدين لرب يستجيب لخلقه
ولا أدين لمن لا يسمع الدهر داعيا
أقول إذا صليت في كل بيعة
تباركت قد أكثرت باسمك داعيا)
695

94 - قال هشام: (بلغنا أن زيد بن عمرو كان بالشام
يسأل عن الدين، ويتبعه، فلقى عالما فسأله عن دينه، و قال:
لعلي أدين بدينكم فأخبرني عن دينكم، فقال اليهودي: إنك
697

لا تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله، قال:
وهل أفر إلا من غضب الله؟! ولا أحمل من غضب الله شيئا
أبدا / وأنا أستطيع، قال: تدلني على دين ليس هذا فيه، قال:
ما أعلم إلا أن تكون حنيفا، قال: وما الحنيف؟ قال: دين
إبراهيم، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، وكان لا يعبد إلا الله،
فخرج من عنده فلقى عالما من النصارى فسأل عن دينه،
وقال: لعلي أدين بدينكم، فقال: إنك لا تكون بديننا حتى تأخذ
بنصيبك من لعنة الله، فقال: لا أحتمل من لعنة الله ولا من
غضبه شيئا أبدا وأنا أستطيع، فهل تدلني على دين ليس فيه
هذا؟ فقال له نحوا مما قال اليهودي: لا أعلمه إلا أن تكون
حنيفا،
فخرج من عندهم وقد رضي بما أخبروه واتفقوا عليه من
دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم، فلما برز رفع يديه إلى الله
تبارك وتعالى فقال: اللهم! إني أشهدك أني على دين
إبراهيم).
698

95 - قال عبد الرحمن بن أبي الزناد: كان زيد بن
عمرو بن نفيل في الجاهلية يستقبل الكعبة، وكان يقول:
(يا معشر قريش! والله! ما على ظهر الأرض أحد على ملة
إبراهيم عليه السلام غيري: لا آكل شيئا ذبح لغير
699

الله)،
قال: وقيل له: (إن الذي تطلبه لا يكون إلا بالحجاز،
فأقبل من الشام يريد النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان
بالجحفة أدركه قومه فقتلوه بها).
700

96 - قال هشام بن عروة: استغفر له النبي صلى الله
عليه [وسلم] / و قال:
(أريت له جنة أو جنتين).
قال الإمام - رحمه الله -:
شرح الألفاظ الغريبة في الحديث:
* (شنفوك): كرهوك وأبغضوك.
* (النائرة): الشر والحقد.
* و (الإرداف): أن بردف الرجل غيره خلفه على بعيره.
701

* وقوله: (ثم صنعناها له)، أي: أصلحناها.
* و (تحية الجاهلية): أنعم صباحا.
* و (الخال): الكبر.
* و (المهاجر): الذي ترك أرضه من أذى الكفار، وروي:
(وما مهجر): والتهجير: السير وقت الحر نصف النهار.
702

* و (العاني): الأسير.
* و (الراغم): الذليل.
* و (القرظ) - بالظاء -: نبت يدبغ به.
* و (بنو طسم): قبيلة.
703

* و (جنان الخبال)، أي: الذين يأمرون بالفساد.
* و قوله: (حنانيك)، أي: ارحمنى رحمة بعد رحمة.
704

50 - فصل
97 - أنا أبو القاسم: الفضل بن محمد بن أحمد بن
سهلان، قال: أخبرنا أبو إسحاق بن خورشيذ قولة، قال:
أخبرنا عمر بن أحمد بن علي القطان، قال: حدثنا محمد بن
إسماعيل الحساني، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش،
عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: بينما رجل يحدث في
المسجد قال: إذا كان يوم القيامة نزل دخان من السماء، فأخذ
بأسماع المنافقين وأبصارهم، وأخذ المؤمنين كهيئة الزكام، قال
مسروق: فدخلت على عبد الله فذكرت ذلك له، وكان متكئا
فاستوى جالسا ثم قال: (أيها الناس! من كان منكم عنده علم
فليقل، ومن لم يكن عنده / علم فليقل: الله أعلم، فإن من
العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، إن الله عز وجل قال
لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا
من المتكلفين) [ص: 86].
ثم أنشأ يحدث أن قريشا لما عابوا النبي صلى الله
705

عليه وسلم، واستعصوا عليه قال:
(اللهم! أعني عليهم بسبع كسبع يوسف)،
فأخذتهم سنة: أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد،
فكان أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجهد،
قالوا: ربنا! اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، فقيل له: إنا إن
كشفنا عنهم عادوا،
قال: فدعا ربه عز وجل، فكشف عنهم، فعادوا
فانتقم الله منهم يوم بدر، فذلك قول عز وجل: (فارتقب
يوم تأتي السماء بدخان مبين) إلى قوله: (يوم نبطش البطشة
الكبرى إنا منتقمون) [الدخان: 10 - 16]).
706

98 - قال أبو العالية: (كنا نتحدث أن البطشة الكبرى:
يوم بدر، وأن الدخان لم يأت بعد).
709

99 - روي عن عبد الله أنه كان يقول: (ما ذكر من
الآيات فقد مضى إلا أربع: طلوع الشمس من مغربها،
والدخان، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج)،
* وكان يقول: (الآية التي يختم بها الأعمال: طلوع
الشمس من مغربها، ألم تر أن الله عز وجل قال: (يوم يأتي
بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل)
[الأنعام: 158]: هو طلوع الشمس من مغربها).
710

51 - / فصل
100 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي، قال: أخبرنا
أبو إسحاق بن خورشيد قولة، قال: أخبرنا عمر بن
أحمد بن علي القطان، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل
الحساني، قال: حدثنا يعلى، قال: حدثنا إسماعيل، عن
عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي بن
كعب رضي الله عنه،
101 - و قال مرة إسماعيل: عن محمد بن
عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبي بن
كعب رضي الله عنه قال: كنت في المسجد فقرأ رجلان،
أحدهما خلاف قراءة صاحبه، فأنكرت عليهما فأتيت النبي
صلى الله عليه وسلم وهما معي فذكرت ذلك له فقال:
(اقرأ)،
فقرأ، فقال:
714

(أصبتما - أو قال: أحسنتما -)،
فلما رأيت ما حسن من شأنهما سقط في نفسي شيئا،
وددت أني كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما غشيني ضرب في صدري، ففضت عرقا، فكأني
أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال:
(يا أبي! إن ربي تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ القرآن
على حرف واحد، فقلت: أي رب! زدني، فقال: اقرأ على
حرفين، فقلت: أي رب! زدني، فقال: اقرأ على سبعة أحرف
ولك بكل ردة رددتها مسألة تسألني يوم القيامة يرغب إليك فيها
الخلائق حتى الخليل إبراهيم عليه السلام، فقلت: أي رب!
أغفر لأمتي، أي رب! أغفر لأمتي، وأخرت الثالثة إلى يوم
القيامة يرغب إلي فيها الخلائق حتى الخليل إبراهيم عليه
السلام).
قال الإمام - رحمه الله -: رواه مسلم في (كتابه) من
715

حديث عبد الله بن عيسى، عن جده، وهو: عبد الرحمن بن
أبي ليلى.
716

52 - فصل
102 - أخبرنا أبو عمرو: عبد الوهاب، قال: أخبرنا
والدي: أبو عبد الله، / قال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن
إسماعيل: قال: حدثنا عبد الكريم بن الهيثم، قال: حدثنا
أبو توبة [ح]،
130 - قال أبو عبد الله: وأخبرنا محمد بن يعقوب
الشيباني، قال: حدثنا محمد بن نعيم النيسابوري، قال: حدثنا
عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، قال: حدثنا يحيى بن
حسان ح،
104 - قال أبو عبد الله: و أخبرنا محمد بن إبراهيم بن
عبد الملك، قال: حدثنا أحمد بن المعلي بن يزيد، قال:
حدثنا مروان بن محمد،
قالوا: حدثنا معاوية بن سلام، قال: أخبرني أخي:
زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام، يقول: حدثني أبو أسماء
الرحبي، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: كنت قاعدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه
721

حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد! قال:
فدفعته دفعة حتى صرعته، فقال: لم تدفعني؟! فقلت:
ألا تقول: يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إني سميته بالاسم
الذي سماه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أجل إن أهلي سموني محمدا)،
فقال: جئتك لأسألك عن واحدة لا يعلمها إلا نبي،
أو رجل، أو رجلان، قال:
(هل ينفعك إن أخبرتك؟).
فقال: أسمع بأذني، فقال:
(سل عما بدا لك)،
فقال: من أين يكون شبه الولد؟ فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم:
(أما ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة أصفر رقيق،
فإن علاء ماء الرجل ماء المرأة أذكر بإذن الله، وإن علاء ماء
المرأة ماء الرجل أنثى بإذن الله)، /
قال: فقال: صدقت! وأنت نبي،
722

قال: ثم ذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لقد سألني حين سألني وما عندي منه علم حتى أنبأني
الله تعالى).
قال الإمام - رحمه الله -:
أخرجه مسلم في (كتابه) من حديث معاوية بن سلام.
105 - أخبرنا أبو عمرو، قال: أخبرنا والدي، قال: أخبرنا
محمد بن الحسين بن الحسن، قال: حدثنا أحمد بن الأزهر بن
منيع، قال: حدثنا روح بن عبادة ح،
723

106 - قال أبو عبد الله: أنا أبو عبد الله: محمد بن
عبد الله بن معروف، قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي بن
بحر، قال: حدثنا هوذة بن خليفة،
قالا: أنبأ عوف بن أبي جميلة، عن زرارة بن أوفى، قال:
قال ابن عباس رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
(لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة عرفت أن الناس
مكذبي)،
فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم معتزلا حزينا، فمر به
أبو جهل فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزئ، هل كان من
شيء؟ قال:
(نعم)،
قال: ما هو؟ قال:
(أسري بي الليلة)،
فقال: إلى أين؟ قال:
(إلى بيت المقدس)،
724

قال: ثم أصبحت بين ظهرينا؟ قال:
(نعم)،
قال: فلم يره أنه يكذبه مخافة أن يجحد الحديث، فدعا
قومه إليه، فقال: له أتحدث قومك بما حدثتني إن دعوتهم إليك؟
قال:
(نعم)،
قال: هي معشر بني كعب بن لؤي هلموا، قال: فجاءوا
حتى جلسوا إليهما فقال له: حدث قومك ما حدثتني، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أسري بي الليلة)، /
قالوا: إلى أين؟ قال:
(إلى بيت المقدس)،
قالوا: ثم أصبحت بين ظهرينا؟ قال:
(نعم)،
قال: فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه
725

مستعجبا للكذب.. زعم! وقالوا: تستطيع أن تنعت لنا المسجد؟
- قال: وفي القوم من قد سافر إلى تلك البلدة ورأى المسجد -،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(فذهبت أنعت لهم، المسجد فما زلت أنعت وأنعت حتى التبس علي
بعض النعت)،
قال:
(فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع دون دار عقيل
- أو دار عقال -)،
قال:
(فنعت وأنا أنظر إليه)،
قال: فقال القوم: أما النعت فوالله! لقد أصاب).
726

53 - فصل
107 - أخبرنا عبد الرحمن الصابوني، قال: أخبرنا
عبد الغافر بن محمد، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن
عمرويه، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال:
حدثنا مسلم بن الحجاج، قال: حدثنا أبو معن الرقاشي، قال:
حدثنا عمر بن يونس، قال: حدثنا عكرمة، قال: حدثنا
إسحاق، قال: حدثني أنس رضي الله عنه، قال: جاءت بي
أمي أم أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أزرتني
بنصف خمارها وردتني بنصف، فقالت: يا رسول الله! هذا
728

أنيس ابني أتيتك به يخدمك، فادع الله له، فقال:
(اللهم! أكثر ماله وولده)،
قال أنس: (فوالله! أن مالي لكثير، وإن / ولدي وولد
ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم).
729

108 - وفي رواية قتادة عن أنس عن أم سليم: أنها
قالت: يا رسول الله! خادمك أنس، ادع الله له، فقال:
(اللهم! أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته).
109 - قال: وحدثنا مسلم، قال: حدثنا عمرو الناقد،
قال: حدثنا عمر بن يونس اليمامي، قال: حدثنا عكرمة بن
عمار، عن أبي كثير، قال: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه
قال: (كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فتأبى علي
فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله [صلى الله عليه
730

و سلم] ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا
أبكي، قلت: يا رسول الله! إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام
فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله
أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(اللهم! اهد أم أبي هريرة)،
فخرجت مستبشرا بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم،
فلما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف فسمعت أمي
حشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة! وسمعت
خضخضة الماء، فاغتسلت ولبست / درعها، وعجلت عن
731

خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن
لا إله الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فرجعت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح،
قال: قلت: يا رسول الله! أبشر، قد استجاب الله
دعوتك، وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وقال خيرا،
قال: قلت: يا رسول الله! ادع الله يحببني أنا وأمي
إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
(اللهم! حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى
عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين)،
732

فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني).
110 - قال: وحدثنا مسلم، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد
وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعا، عن سفيان، عن
الزهري عن الأعرج، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه
يقول: (إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد،
733

كنت رجلا مسكينا، أخدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق /
بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئا سمعه منى)،
فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه، ثم ضممته إلى فما
نسيت شيئا سمعته منه).
734

111 - وفي رواية سعيد بن المسيب أن أبا هريرة
رضي الله عنه قال: (تقولون: إن أبا هريرة قد أكثر، والله
الموعد، وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل
أحاديثه؟ وسأخبركم عن ذلك: إن إخواني من الأنصار كان
يشغلهم عمل أرضيهم، وأما إخواني من المهاجرين كان
يشغلهم الصفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه
وسلم على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا، ولقد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما:
(أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي هذا، ثم يجمعه إلى
صدره فإنه لا ينسى شيئا سمعه)،
فبسط بردة علي حتى فرغ من حديثه، ثم جمعتها إلى
صدري، فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثني به، ولولا آيتان
أنزلهما الله في كتابه ما / حدثت شيئا أبدا: (إن الذين يكتمون
ما أنزلنا من البينات والهدى) إلى آخر الآيتين. [البقرة:
735

158 - 159]).
112 - قال: وحدثنا مسلم، قال: حدثنا محمد بن
مهران الرازي، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال حدثنا
الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة أن
أبا هريرة رضي الله عنه حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم
قنت بعد الركعة في صلاته شهرا إذا قال:
(سمع الله لمن حمده)،
يقول في قنوته:
(اللهم! نج الوليد بن الوليد، اللهم! نج سلمة بن
هشام، اللهم! نج عياش بن أبي ربيعة، اللهم! نج
736

المستضعفين من المؤمنين، اللهم! اشدد وطأتك على مضر،
اللهم! اجعلها عليهم سنين كسني يوسف)،
قال أبو هريرة رضي الله عنه: (ثم رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد، فقلت: أرى رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء لهم، قال: فقيل: وما
تراهم قد قدموا؟).
737

54 - فصل
113 - قال: وحدثنا مسلم، قال: حدثنا شيبان بن
فروخ، قال: حدثنا سليمان - يعني ابن المغيرة -، قال: حدثنا
ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة رضي الله عنه
قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم، / وتأتون الماء إن
شاء الله غدا)،
فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد،
قال أبو قتادة: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير
حتى أبهار الليل وأنا إلى جنبه، قال: فنعس رسول الله
صلى الله عليه وسلم فمال عن راحلته، فأتيته، فدعمته من غير
أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته،
قال: ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته قال:
فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته،
قال: ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي
أشد من الميلتين [الأوليين] حتى كاد ينجفل، فأتيته فدعمته،
فرفع رأسه، فقال:
(من هذا)؟
743

قلت: أبو قتادة، قال:
(متى كان هذا مسيرك مني)؟
قلت: ما زال هذا مسيري مذ الليلة قال:
(حفظك الله بما حفظت به نبيه)،
ثم قال:
(هل ترانا نخفى على الناس)؟
ثم قال:
(هل ترى من أحد)؟
قلت: هذا راكب، ثم قلت: هذا راكب آخر، حتى
اجتمعنا وكنا سبعة ركب، قال: فمال رسول الله صلى الله عليه
و سلم عن الطريق، فوضع رأسه، ثم قال:
(احفظوا علينا صلاتنا)،
فكان بأول من استيقظ: رسول الله صلى الله عليه
وسلم والشمس في ظهره، قال: / فقمنا فزعين، ثم قال:
744

(اركبوا)،
فركبنا، فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزل فدعا بميضأة
كانت معي فيها شيء من ماء، قال: فتوضأ منها وضوءا دون
وضوء، قال: وبقى فيها شيء من ماء ثم قال لأبي قتادة:
(احفظ علينا ميضأتك، فسيكون لها نبأ)،
ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ركعتين، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم،
قال: وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبنا معه،
قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض: ما كفارة ما صنعنا
بتفريطنا في صلاتنا، ثم قال:
(أما لكم في إسوة)؟
ثم قال:
(إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من
لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل
ذلك فليصلها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها عند
وقتها)،
ثم قال:
(ما ترون الناس صنعوا)؟
745

قال: ثم قال:
(أصبح الناس فقدوا نبيهم، فقال أبو بكر وعمر:
رسول الله بعدكم لم يكن ليخلفكم، وقال الناس: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم، فإن يطيعوا
أبا بكر وعمر يرشدوا)،
قال: فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شيء
وهم / يقولون: يا رسول الله! هلكنا عطشا فقال:
(لا هلك عليكم)،
ثم قال:
746

(اطلقوا إلى غمري)،
قال: ودعا بالميضأة، فجعل رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصب وأبو قتادة يسقيهم، فلم يعد أن رأى الناس ما في
الميضأة تكابوا عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أحسنوا الملأ، كلكم سيروي)،
قال: ففعلوا، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
يصب وأسقيهم، حتى ما بقى غيري وغير رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قال: ثم صب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال لي:
(اشرب)،
فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله! قال:
747

(إن ساقي القوم آخرهم [شربا])،
قال: فشربت، و شرب رسول الله صلى الله عليه و سلم،
قال: فأتى الناس الماء جامين رواء،
قال: فقال عبد الله بن رباح: إني لأحدث الناس هذا
الحديث في المسجد الجامع إذ قال عمران بن حصين: انظر
أيها الفتى! كيف تحدث، فإني أحد الركب تلك الليلة، قال:
قلت: فأنت أعلم بالحديث، فقال: ممن أنت؟ قلت: من
الأنصار، قال: حدث فأنت أعلم بحديثكم، قال: فحدثت
القوم، فقال عمران رضي الله عنه: لقد شهدت تلك الليلة،
وما / شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته).
748

قال الإمام:
شرح الألفاظ الغريبة في الحديث:
* قوله: (أزرتني بنصف خمارها)، أي: جعلت نصف
خمارها إزاري.
* (وردتني بنصفه)، أي جعلت نصفه ردائي،
يقال: آزرته، أي: ألبسته الإزار فاتزر فلبس الإزار،
750

ورديته: ألبسته الرداء فارتدى، فلبس الرداء،
قال الشاعر:
ليس الجمال بميزر
فاعلم وإن رديت بردا
* وفي الخبر دليل: أنهم كانوا في ضيق من العيش،
لم يكن لهم وسع حتى إن أم سليم جعلت خمارها إزاره ورداءه
فغطته به: غطت ببعضه عورته وببعضه جسده.
* وقوله: (ليتعادون) - بتشديد الدال -: من العدد، أي:
يقرب عددهم مئة.
* و (الخشف): الصوت الخفي.
751

* و (الخضخضة): صوت الماء.
* و (مجاف): أي: مردود.
* و (الدرع): قميص المرأة.
* و (عجلت عن خمارها)، أي: تركت خمارها فلم
تلبسه استعجالا إلى فتح الباب.
* وقوله: (يشغلهم القيام على أموالهم)، يعني: على
بساتينهم - بساتين النخل -.
752

* و (الصفق): البيع والتجارة.
* و قوله: (ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء
بطني)، أي: أقنع بما آكل عنده، / فلا أغيب عنه، ولا أشتغل
بالتجارة والزراعة.
* وقوله: (اشدد وطأتك)، قال بعض العلماء، يعني:
عقوبتك، واستشهد بقول الشاعر:
ووطئتنا وطأ على حنق
وطأ المقيد نابت الهرم
قال أهل التاريخ: كان الذي دعا لهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بالنجاة كلهم من بني مخزوم: الوليد بن
753

الوليد بن المغيرة، وسلمة بن هشام بن المغيرة،
وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة، والمغيرة هو: ابن
عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكانوا قد حبسوا بمكة وعذبوا
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لهم، فلما
استجاب الله دعاءه فيهم وقدموا المدينة ترك الدعاء لهم،
قال بعض العلماء: يستحب الدعاء في القنوت على
الكفار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم.
وأما في حديث أبي قتادة:
* (لا يلوي أحد على أحد)، أي: لا يقيم عليه ويلتفت
إليه، قال الله عز وجل: (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد)
[آل عمران: 153].
754

* و قوله: (أبهار الليل)، أي: انتصف، وبهرة كل شيء:
وسطه.
* وقوله: (فدعمته): أي: جعلت يدي دعامة له لئلا يسقط
عن راحلته.
* و (تهور / الليل)، أي: أدبر أكثره، قال أهل اللغة:
تهور البناء، إذا سقط.
755

* وقوله: (ينجفل)، أي: ينقلب، وروي: أن البحر
جفل سمكا، أي: ألقاه ورمى به، قال ابن شميل: (جفلت المتاع
[بعضه على بعض]، أي: رميت بعضه على بعض).
* وقوله: (أحسنوا ملأ)، أي: خلقا.
قال الشاعر:
* فقلنا: أحسني ملا جهينا *
756

* و (ركب): جمع راكب، كصحب وصاحب.
* و قوله: (وضوءا دون وضوء)، أي: وضوءا خفيفا.
* و (الميضأة): ما يتوضأ منه كالإداوة ونحوها.
* و (التفريط): التقصير.
* (لا هلك عليكم)، أي: لا بأس عليكم من الهلاك.
* (الغمر): القدح الصغير.
757

* (جامين): بشديد الميم، وانتصابه على الحال من
الجمام، وهو: الراحة.
* (رواء): جمع ريان كغضبان وغضاب.
758

55 - فصل
114 - أخبرنا أبو عمرو: عبد الوهاب، قال: أخبرنا
والدي: أبو عبد الله، قال: أخبرنا علي بن العباس الغزي بها،
قال: حدثنا محمد بن حماد الطهراني، قال: حدثنا سهل بن
عبدوية الرازي، عن عبد الله بن عبد الله: أبي أويس، عن
عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي
لبابة بن عبد المنذر، قال: (استسقى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقال أبو لبابة: يا رسول الله! إن التمر في المربد /،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اللهم! اسقنا)،
فقال أبو لبابة: يا رسول الله! إن التمر في المربد، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اللهم! اسقنا، - في الثالثة أو الرابعة - حتى يقوم
أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره)،
قال: فاستحالت فمطرت، فطافت الأنصار بأبي لبابة
فقالت: إن السماء لن تقلع حتى تفعل ما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم،
760

فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره، فأقلعت
السماء).
761

قال الإمام - رحمه الله -:
قال أهل اللغة:
* (المربد): موضع التمر.
* و (ثعلبه): جحره الذي يسيل منه ماء المطر.
764

56 - فصل
في ذكر أشياء أخبر النبي صلى الله
عليه وسلم أنها تكون فكانت
115 - أخبرنا أحمد بن أبي الفتح الخرقي، قال:
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن أحمد، قال: حدثنا أبو بكر
القباب، قال: حدثنا ابن أبي عاصم، قال: حدثنا محمد بن
أبي بكر بن عطاء بن مقدم، قال: حدثنا عبد الله بن هشام
الدستوائي، قال: حدثنا أبي، عن قتادة، عن محمد بن
سيرين عن أبي عبيد - أو أبي عبيدة - بن حذيفة قال:
765

كنت أسأل عن عدي بن حاتم وهو إلى جنبي بالكوفة، فلقيته
فقلت: حديث بلغني عنك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
(أما إنه ما يمنعك أن تسلم! إلا أنك ترى بهم
خصاصة، وترى الناس علينا ألبا)،
ثم قال:
(هل أتيت الحيرة)؟
فقلت: لا، وقد علمت مكانها، فقال:
(يوشك الظعينة تخرج حتى تأتي البيت بغير جوار،
وأوشك أن يفتح عليكم كنوز كسرى)،
قال: قلت: كسرى بن هرمز؟ قال:
(كسرى بن هرمز، وأوشك أن يخرج الرجل بصدقته
فلا يجد من يقبلها)،
قال عدي: (فقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى
تأتي البيت بغير جوار، وكنت في أول خيل أغارت على
كسرى، وأيم الله! ليكونن الثالثة قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم).
766

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (ترى بهم)، يعني: بأصحابه.
* (خصاصة)، أي: فقرا.
* و (ترى الناس علينا ألبا)، أي: مجتمعين على العداوة،
يعني: الكفار.
777

* و (الظعينة): المرأة.
* و (البيت): الكعبة.
* وقوله: (قول رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: قوله
حق لا خلف فيه.
116 - أخبرنا الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، قال:
أخبرنا عبد الصمد العاصمي، قال: حدثنا محمد ابن أحمد بن
عمران الشاشي، قال: حدثنا عمر بن محمد البجيري، قال: حدثنا
محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان،
عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(هل لكم أنماط)؟
قلنا: أنى / تكون لنا أنماط؟ قال:
(إنها ستكون لكم أنماط)،
778

فأنا أقول لامرأتي: أخري عنك أنماطك، فتقول: ألم
يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إنها ستكون لكم أنماط)،
فأدعها).
779

قال الإمام - رحمه الله -:
* الأنماط): الفرش والبسط.
117 - قال: وحدثنا عمر بن محمد البجيري، قال:
780

حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال:
حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن حميد بن هلال، عن أنس بن
مالك رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى
جعفرا وزيدا قبل أن يجيء خبرهم، نعاهم وعيناه تذرفان).
781

* قال سليمان: (هذا يوم مؤتة، حيث بعثه إلى الشام).
118 - قال: وحدثنا عمر بن محمد البجيري، قال: حدثنا
عبدة بن عبد الله الخزاعي، قال: حدثنا معاوية بن هشام، قال:
حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا
قيصر بعده أبدا! وأيم الله! لتنفقن كنوزهما في سبيل الله).
783

116 - قال: وحدثنا عمر بن محمد البجيري، قال:
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا
خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده فقال:
(لا بأس عليك، طهور إن شاء الله)،
فقال: طهور! كلا، بل هي / حمى تفور في عظم شيخ
كبير كيما تزيره القبور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
784

(فنعم إذا) (*).
785

120 - قال: وحدثنا عمر بن محمد البجيري، قال:
حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا
إسماعيل، قال: حدثنا قيس، عن خباب بن الأرت رضي الله
عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو
لنا؟ فقال:
(قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في
الأرض فيجعل فيها ويجاء بالميشار فيوضع على رأسه
787

فيجعل شقتين ما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد
ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصده ذلك عن دينه،
والله! ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى
حضر موت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم
تستعجلون).
788