الكتاب: دلائل النبوة
المؤلف: إسماعيل الأصبهاني
الجزء: ٣
الوفاة: ٥٣٥
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: أبو عبد الرحمن مساعد بن سليمان الراشد الحميد
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع
ردمك:
ملاحظات:

دلائل النبوة
تأليف
الإمام الحافظ موفق الدين أبي القاسم
إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني
الملقب: قوام السنة
(457 ه‍ - 535 ه‍)
حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه وقدم له
أبو عبد الرحمن
مساعد بن سليمان الراشد الحميد
عفا الله عنه
الجزء الثالث
دار العاصمة
للنشر والتوزيع
796

57 - فصل
في ذكر حديث الصور الذي فيه أن آدم عليه السلام
سأل الله تعالى أن يريه الأنبياء صلوات الله عليهم
من ولده، وفي جملتهم محمد صلى الله عليه و سلم
121 - قال أبو بكر القفال الشاشي: حدثنا بذلك
الحسن بن صاحب الشاشي، قال: حدثنا إبراهيم ابن الهيثم
البلدي، قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس، / قال:
حدثني عبيد الله بن إدريس بن عبد الرحمن، عن
شرحبيل بن مسلم الخولاني، عن أبي أمامة الباهلي، عن
هشام بن العاص، قال: (بعثني أبو بكر الصديق رضي الله
عنه ورجلا آخر من قريش إلى هرقل صاحب الروم يدعوه إلى
الإسلام، فخرجنا حتى قدمنا الغوطة، فنزلنا على جبلة بن
797

الأيهم الغساني، ودخلنا عليه فإذا هو على سرير له، فأرسل
إلينا برسول نكلمه فقلنا: والله! لن نكلم رسولا، وإنما بعثنا
إلى الملك، فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلمه،
فرجع إليه رسوله فأخبره بذلك، فأذن لنا، فقال:
تكلموا،
فكلمه هشام ودعاه إلى الإسلام، وإذا عليه ثياب سواد
فقال له هشام: ما هذه التي عليك؟
فقال: لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من
الشام كله!
قلنا: مجلسك هذا فوالله! لنأخذنه منك، وملك الملك
الأعظم إن شاء الله: أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم،
قال: لستم منهم، بل هم قوم يصومون بالنهار ويفطرون
بالليل فكيف صومكم؟.
فأخبرناه، فعلا وجهه سواد،
وقال: قوموا، وبعث معنا رسولا إلى الملك، فخرجنا
حتى إذا كنا قريبا من المدينة / قال الذي معنا: إن دوابكم هذه
لا تدخل مدينة الملك، فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال،
قلنا: والله! لا ندخل إلا عليها،
فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون، فدخلنا على رواحلنا
متقلدين سيوفنا حتى إذا انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها، وهو
798

ينظر إلينا، قلنا: (لا إله إلا الله، والله أكبر)، والله يعلم! لقد
تنقضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح، فأرسل
إلينا أن ليس لكم أن تجهروا بدينكم، فأرسل أن ادخلوا
فدخلنا، وهو على فراش له وعنده بطارقة من الروم، وكل
شيء في عليته أحمر، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من
الحمرة، فدنونا منه فضحك، وقال: ما كان عليكم لو جئتموني
بتحيتكم فيما بينكم؟ وإذا عنده رجل فصيح بالعربية كثير
الكلام،
قلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك، وتحيتك التي
تحيي لا يحل لنا أن نحييك بها،
799

قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟
قلنا: السلام عليك،
قال: وكيف تحيون ملككم؟
قلنا: بها،
قال: فكيف يرد عليكم؟
قلنا: بها،
قال: فما أعظم كلامكم؟
قلنا: لا إله إلا الله، والله أكبر، قال: فلما تكلمنا بها
- والله يعلم! - / لقد تنقضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها،
قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث تنقضت الغرفة كلما
قلتموها في بيوتكم تتنقض يقول بيوتكم عليكم؟
قلنا: لا، ما رأينا فعلت هذا قط إلا عندك،
قال: لوددت أنكم كلما قلتموها تنقض كل شيء عليكم
وأني خرجت من نصف ملكي،
قلنا: لم؟
قال: لأنه كان أيسر لشأنها، وأجدر أن لا يكون من أمر
النبوة،
ثم سألنا عما أراد فأخبرناه، ثم قال: كيف صلاتكم
وصومكم فأخبرناه، قال: قوموا فقمنا، فأمر لنا بمنزل حسن
800

ونزل كثير وأقمنا ثلاثا، فأرسل إلينا ليلا فدخلنا عليه واستعاد
قولنا فأعدناه، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها
بيوت صغار عليه أبواب، ففتح بيتا وقفلا، فاستخرج حريرة
سوداء فنشرها فإذا فيها صورة حمراء، فإذا فيها رجل ضخم
العينين، عظيم الأليتين، لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليس عليه
لحية، وإذا له ضفيرتان، أحسن ما خلق الله، قال: أتعرفون
هذا؟
قلنا: لا،
قال: هذا آدم، وإذا هو أكثر الناس شعرا / ثم فتح
بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة بيضاء،
وإذا رجل له شعر - كشعر القطط -، أحمر العينين، ضخم
801

الهامة، حسن اللحية، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال:
هذا نوح،
ثم فتح بابا آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا
فيها رجل شديد البياض، حسن العينين، صلت الجبين طويل
الخد، شارع الأنف، أبيض اللحية كأنه يبتسم، قال: هل
تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إبراهيم،
ثم فتح بابا آخر، وإذا فيه صورة بيضاء، وإذا والله!
رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا:
نعم، محمد رسول الله!!
قال: وبكينا، قال: - فالله يعلم! - أنه قام قائما، ثم
جلس وقال: الله بدينكم! إنه لهو؟ قلنا: نعم، والله! إنه لهو،
كما تنظر إليه، فأمسك ساعة ينظر إلينا، ثم قال: أما إنه كان
آخر البيوت، ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم،
ثم عاد ففتح بابا آخر، واستخرج منه حريرة سوداء، فإذا
فيها صورة أدماء سحماء، وإذا رجل جعد قطط، غائر العينين،
حديد النظر، عابس متراكب الأسنان، مقلص الشفة كأنه
غضبان، قال: هل / تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا
موسى بن عمران،
802

وإلى جانبه صورة تشبهه، إلا إنه مدهان الرأس،
عريض الجبين، في عينه قبل، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا:
لا، قال: هذا هارون بن عمران،
ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء فإذا فيها صورة
رجل آدم، سبط، ربعة كأنه غضبان، حسن الوجه، فقال:
هل تعرفون هذا، قلنا: لا، قال: هذا لوط،
ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة رجل
أبيض، مشرب حمرة أجنأ، خفيف العارضين، حسن الوجه،
قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إسحاق،
هذا؟ قلنا: لا، قال، هذا يعقوب،
ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة رجل
أبيض حسن الوجه، أقنى الانف، حسن القامة يعلو وجهه
النور، يعرف في وجهه الخشوع يضرب إلى الحمرة فقال:
هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال هذا إسماعيل جد نبيكم،
803

ثم فتح باب آخر، فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة
كأنها صورة آدم كأنه وجهه الشمس، قال: هل تعرفون هذا؟
قلنا: لا، قال: هذا يوسف،
ثم فتح بابا آخر فاستخرج حريرة بيضاء فيها صورة رجل
أحمر حمش الساقين، أخفش العينين ضخم البطن،
ربعة متقلد سيفا، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا
داود، ثم طواها، فاستخرج حريرة راكب على فرس، قال: هل
تعرفون هذا؟ قلنا: لا قال: هذا سليمان بن داود،
ثم فتح بابا آخر، فاستخرج حريرة سوداء فيها صورة
بيضاء، وإذا رجل شاب شديد سواد اللحية، كثير الشعر، حسن
العينين، حسن الوجه، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال:
هذا عيسى بن مريم.
قلنا: من أين لك هذه الصور؟ لأنا نعلم أنها على
ما صورت عليه الأنبياء لأنا رأينا صورة نبينا صلى الله عليه
وسلم مثله!
804

قال: إن آدم سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده، فأنزل
عليه صورهم، و كان في خزانة آدم عند مغرب الشمس،
فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس، فدفعت إلى دانيال،
فصورها دانيال في خرق من حرير، فهذه بأعيانها الصور التي
صورها دانيال،
ثم قال لنا: أما والله! لوددت / أن نفسي طابت
بالخروج من ملكي، وأني كنت عبدا لشركم ملكة حتى
أموت!
ثم أجازنا، فأحسن إجازتنا وسرحنا، فلما قدمنا على
أبي بكر رضي الله عنه حدثناه بما رأينا، وما قال لنا، وما أدنانا،
فبكى أبو بكر رضي الله عنه، قال: مسكين، لو أراد الله به خيرا
لفعل،
805

ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أنهم
واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الله:
(يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل)
[الأعراف: 157]
806

* قال أبو بكر: (و في هذه القصة - سوى ما أردنا
تعريفه من تقدم علم أهل الكتاب من اليهود والنصارى
807

بنبينا صلى الله عليه وسلم باسمه ونعته -: ذكر تنقض الغرفة
عند ذكر (لا إله إلا الله)!
وهذا من المعجزات التي توجد بعد موت الأنبياء، كما
توجد نظائرها قبل مبعثهم إيذانا بقرب زمان مجيئهم، وحديث
الصور معروف، قد ذكره أهل النظر في دلائل النبوة، وقد روى
بغير هذا الإسناد).
122 - ذكر محمد بن إسماعيل البخاري:
أبو عبد الله، قال: حدثني محمد بن عمر بن إبراهيم - من
آل جبير بن مطعم -، قال: حدثتنا أم عثمان بنت سعيد، عن
أبيها سعيد، عن أبيه محمد بن جبير بن مطعم، عن جبير بن
مطعم، قال: (خرجت تاجرا / إلى الشام فلقيت رجلا من أهل
الكتاب، فقال: هل عندكم رجل يتنبأ؟ فقلت: نعم، فجاء
رجل من أهل الكتاب فقال: فيم أنتم؟ فأخبره وأدخلني منزلا
له، فإذا فيه صور، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
هل هو ذا؟ قلت: نعم، قال: إنه لم يكن نبي إلا كان بعده
نبي، يعني غير هذا).
808

قال الإمام - رحمه الله -:
شرح ألفاظ مشكلة في الحديث:
* (الغوطة): موضع بالشام.
810

* (تنقضت الغرفة)، أي: تشققت.
* و (العذق): غصن النخلة.
* (تصفقه)، أي: تضرب بعضه على بعض.
* (البطارقة): جمع البطريق، و البطريق: الحاذق بالحرب
وأمور الحرب.
811

* و (العلية): مكان مرتفع.
* وفي بعض النسخ: (وأجدر أن لا يكون من أمر النبوة وأن
يكون من حيل الناس).
* و (النزل): ما يقدم إلى الضيف.
* و (الربعة): الجونة.
812

* وقوله: (صخم العينين): يريد بذلك سعتهما وحسنهما.
* و (عظم الأليتين): تمامهما وكثرة لحمهما.
* و قوله: (أحمر العينين) - في حق نوح عليه السلام -:
يريد بذلك العروق الحمر التي تعرض في بياض العين، وذلك
أزيد للحسن،
وروى في صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أشكل
العينين، والشكلة: حمرة كالخط الدقيق في بياض العين.
* وقوله: (ضخم الهامة) / أي: لم يكن صغير الرأس
813

بحيث تحتقره العين.
* و (شارع الأنف)، أي: ممتد الأنف، حسن الأنف.
* وفي نسخة: (كأنه حي يتبسم...).
* وقوله: (أداء سحماء): السحمة
814

كالأدمة.
* وقوله: (غائر العينين)، أي: ليس بناتئ لأن الحدقة،
وذلك أحسن،
815

روي في التفسير: (وألقيت عليك محبة مني)
[طه: 39] أي: وضعت ملاحة في عينيك، فكل من رآك
أحبك.
* وقوله: (عابس)، أي: مهيب، كان صلوات الله عليه كثير
الإنكار [لما] يرى من المنكر، فكان في أكثر أحواله كأنه عابس
816

غضبان.
* و (تراكب الأسنان): قرب بعضها من بعض، أي:
لم يكن رقيق الشفة، والشفة إذا رقت وتناهت رقته فليست
بمحمودة.
* و (القبل في العين): إقبال إحدى العينين على الأخرى،
817

واستدارة مليحة، وذلك محمود مستملح.
* وأما (الجنأ) - في صفة إسحاق عليه السلام - فهو:
ميل في العنق، وذلك من التواضع.
* وفي نسخة: (هذا إسماعيل جد نبيكم الوحشي)، يعني:
الساكن في البدو.
* وقوله: (حمش الساقين)، أي: كان فيهما دقة، وكثرة
818

اللحم في ساق الرجال غير محمودة.
* وقوله: (أخفش العينين)، قال صاحب (المجمل):
(الخفش: ضعف البصر)،
و (الأخفش): الضعيف البصر، قيل: كان عليه السلام
ضعف بصره من كثرة بكائه!
* وقوله: (ضخم البطن)، أي: لم يكن / بطنه لاصقا
بظهره، بل كان تاما حسنا.
وفي الجملة: كل ما خلق الله عز وجل الأنبياء عليهم
السلام من الصور: حسن مليح، لأنه ابتعثهم لتميل إليهم النفوس،
وتقبلهم القلوب.
819

58 - فصل
123 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الفقيه، قال:
أخبرنا أبو بكر بن مردويه، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر،
قال: حدثنا هارون بن سليمان، قال: حدثنا أبو عاصم، قال:
حدثنا سعدان بن بشر، قال: حدثنا أبو مجاهد، عن محل بن
خليفة، عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أتى النبي
صلى الله عليه و سلم رجلان أحدهما يشكو العالة، والآخر يشكو
قطع السبل، قال:
(أما قطع السبل فإنه لا يأتي عليه إلا قليل حتى تخرج
العير من الحيرة إلى مكة بغير خفير، وأما العالة فإنه لا تقوم
الساعة حتى يأتي عليك من يخرج صدقة فلا يقدر على من
يقبلها، ثم ليقومن أحدكم بين يدي الله عز وجل ليس بينه
وبينه حجاب ولا ترجمان - قال أبو عاصم: أظنه قال:
يترجم له - يقول: يا ابن آدم! ألم آتك مالا؟ ألم أرسل إليك
رسولا؟ فيقول: بلى،
821

فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، وينظر عن شماله فلا
يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة).
822

124 - قال: وأخبرنا أبو بكر بن مردويه /، قال:
حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن علي، قال: حدثنا
أبو عوانة: موسى بن يوسف القطان، قال: حدثنا محمد بن
مروان، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا إسرائيل ح،
125 - قال أبو بكر بن مردويه: و حدثنا إبراهيم بن
محمد، قال: حدثنا أبو عيسى: جبير بن محمد بن جبير
الواسطي، قال: حدثنا أحمد بن منصور الخراساني، قال:
حدثنا النظر بن شميل: قال: حدثنا إسرائيل: قال: أخبرنا
823

سعد الطائي، قال: أخبرنا محمد بن خليفة، قال: أخبرنا
محل بن خليفة، عن عدي بن حاتم قال: بينما أنا عند النبي
صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل، فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر،
فشكا إليه قطع السبيل، فقال:
(عدي! هل رأيت الحيرة؟)
قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها، قال:
(فإن طال بك حياة فلترين علي الظعينة ترتحل من الحيرة
حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله عز وجل)،
قال: قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار طيئ الذين
قد سعروا في البلاد؟ قال:
(لئن طالت بك حياة ليفتحن كنوز كسرى)،
824

قال: قلت: يا رسول الله! لكسرى بن هرمز؟ قال:
(كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل
يخرج ملء كفه من ذهب أو فضه يطلب من يقبله: فلا يجد
أحدا يقبله، وليلقين الله عز وجل أحدكم يوم القيامة وليس بينه
وبينه ترجمان يترجم له، فيقول: ألم أبعث إليك رسولا
فبلغك؟ / فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالا ففضل عنك؟
فيقول: بلى،
فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا
يرى إلا جهنم)،
قال عدي: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول:
(اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد شق التمرة
فبكلمة طيبة)،
قال عدي: (قد رأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى
تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز
كسرى، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم).
825

قال الإمام - رحمه الله -:
* كذا في كتابي: (العالة): والمحفوظ العيلة،
والعيلة: الفقر، قال الله عز وجل (وإن خفتم عيلة)
[التوبة: 28].
وأما العالة: فجمع العائل، والعائل: الفقير.
826

* و (العير): القافلة.
* و (الحيرة): بلدة بقرب الكوفة.
* و (الخفير): الذي يجير الناس.
827

* و (الدعار): اللصوص، جمع داعر، أي: فأين لصوص
قبيلة طيء الذين قد سعروا في البلاد، أي: أوقدوا الشر في
البلاد،
قال أهل اللغة: (سعرت النار، أي: أوقدتها، فاستعرت،
أي: اتقدت).
* و (شق التمرة): نصفها.
828

59 - فصل /
126 - أخبرنا محمد بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن
موسى، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن زياد،
قال: حدثنا عبد [الكريم بن] الهيثم، قال: حدثنا أبو اليمان،
قال: حدثنا شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين، قال: حدثنا
نافع بن جبير بن مطعم، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال:
قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها
في بشر كثير من قومه،
فأقبل إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومع رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد
النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريدة، حتى وقف على
829

مسيلمة في أصحابه، فقال له:
(لو سألتني مثل هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن نعدو
أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله عز وجل، وإني
لأراك الذي رأيت فيك ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني)،
ثم انصرف عنه،
* قال عبد الله بن عباس: فسألت عن قول النبي
صلى الله عليه وسلم: (إنك أري الذي أريت فيه ما رأيت،
فأخبرنا أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
830

(بينا أنا نائم أريت في يدي سوار من ذهب فأهمني
شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن / انفخهما، فنفختهما
فطارا، فأولتهما كذا بين بعدي: فكان أحدهما العنسي صاحب
صنعاء، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة).
831

127 - قال: وأخبرنا أحمد بن موسى، قال: حدثنا
عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا
يعقوب بن إبراهيم بن سعد، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، أن
عروة حدثه أن عائشة رضي الله عنها حدثته: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم دعا ابنته فاطمة في مرضه الذي توفي فيه،
فسارها فبكت، ثم سارها فضحكت،
قالت عائشة: (فقلت لفاطمة: ما هذا الذي سارك به
رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت، ثم سارك فضحكت)؟
قالت: (سارني فأخبرني بموته فبكيت لذلك، ثم سارني
فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت).
832

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (ولن نعدوا أمر الله فيك)، أي: لن نتجاوز.
* وقوله: (ليعقرنك الله)، أي: ليقتلنك الله ويهلكنك.
* وقوله: (وإني لأراك الذي رأيت فيك ما رأيت)، أي:
رأيت في المنام فيك ما رأيت، يعني ما ذكر من أمر السوارين
ونفخهما.
* فأما مسيلمة: فقتل في خلافة أبي بكر رضي الله عنه،
وكان / يدعي النبوة.
833

* وأما العنسي: فهو الأسود الكذاب، تنبأ أيضا، فقتل بعد
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
834

60 - فصل
128 - أخبرنا عاصم بن الحسن ببغداد، قال: أخبرنا
أبو عمر ابن مهدي، قال: حدثنا المحاملي، قال: حدثنا
علي بن أحمد الجواربي، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال:
أخبرنا محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن
سلام رضي الله عنه قال: (صفة رسول الله صلى الله عليه
وسلم في التوراة: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وحرزا
للأميين، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب بالأسواق، ولا
يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن أتوفاه حتى
أقيم به الملة المعوجة، فأفتح به آذانا صما، وأعينا عميا، وقلوبا
غلفا أن يقولوا: لا إله إلا الله).
835

129 - أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن أحمد
السمسار، قال: أخبرنا علي بن محمد: ابن ماشاذة، قال:
حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن عصام، قال:
حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت
محمد بن أبي يعقوب، يحدث عن بشر بن شغاف، عن
عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: (شهدت فتح نهاوند،
فجاءني رأس الجالوت، فجعل يشتري من كان يهوديا، فمرت
به جارية صبيحة مع / رجل، فقال لها: هل أتيك هذا؟
قال: فظننت أ [نه غار] حين رأى صباحتها، فقلت: لقد
أثمت بمسألتك إياها بما [في] كتابك؟ قال: وما يدريك
ما في كتابي؟ قلت: أنا أعلم بكتابك منك، سل عني
فأخبرك،
فلما أتى منزله دعا بدابة وسألني أن آتيه، فرجوت أن
ينفعه الله بي ويهديه للإسلام، فأتيته فذاكرته كتابه، وأخبرته
838

بصفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه، فقال: إني
لأعرف ما تقول، قلت: فما يمنعك من الإسلام؟ فإذا رجل
مستكبر راغب في منزلته، فلم يسلم).
839

61 - فصل
130 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الفقيه، قال:
أخبرنا إبراهيم بن عبد الله بن خورشيذ قولة، قال: حدثنا
محمد بن عبيد الله بن العلاء الكاتب، قال: حدثنا علي بن
داود: أبو الحسن القنطري، قال: حدثني عبد المنعم بن بشير
الأنصاري، قال: حدثنا أبو مودود: عبد العزيز بن أبي سليمان
الهذلي، قال: حدثنا رافع بن أبي رافع - مولى النبي
صلى الله عليه وسلم -، عن أبيه أبي رافع رضي الله عنه،
قال: دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم البقيع، فسمعته
يقول:
(لا دريت ولا أفلحت)،
فقلت: بأبي وأمي! ما لي لا أدري ولا أفلح؟ قال:
(ليس لك)،
قلت: بأبي وأمي! ليس معك غيري!! قال:
(سمعت صاحب هذا القبر يسأل عني فقال: لا أدري /
فقلت: لا دريت ولا أفلحت).
843

131 - قال: وأخبرنا إبراهيم بن عبد الله بن خورشيذ
قولة، قال: حدثنا أحمد بن عيسى الخواص، قال: حدثنا
850

الحسن بن مكرم بن حسان، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا
سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال:
سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يوما حتى أحفوه بالمسألة،
فخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال:
(لا تسألوني اليوم عن شيء إلا أنبأتكم به)،
حتى أشفق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون
بين يدي أمر قد حدث، فجعلت لا ألتفت يمينا ولا شمالا إلا
وجدت كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي! وقام رجل كان
يلاحي عمر فيدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله! من أبي؟
قال:
(أبوك حذافة)،
ثم قام عمر رضي الله عنه فقال: رضينا بالله ربا
وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، عائذ بالله من شر الفتن
- أو قال: أعوذ بالله من شر الفتن -.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لم أر كاليوم في الخير والشر)،
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط).
851

قال الإمام - رحمه الله -:
* قال أهل اللغة: (الملاحاة): المخاصمة.
852

* و (الإحفاء): الاستقصاء في المسألة، والمبالغة
فيها.
853

62 - فصل
في ذكر شهادة النجاشي والقسيسين
والرهبان بنبوة النبي صلى الله
عليه وسلم في الإنجيل
132 - ذكر الطبراني في (دلائل النبوة)، قال: حدثنا
محمد بن عمرو بن خالد الحراني، قال: حدثنا أبي، قال:
حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، قال:
(لما خرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
النجاشي بعثت قريش في آثارهم عمارة بن الوليد بن المغيرة
المخزومي وعمرو بن العاص السهمي، وأمروهما أن يسرعا
السير حتى يسبقاهم النبي إلى النجاشي ففعلا،
فقدما على النجاشي فدخلا عليه فقالا له: إن هذا الرجل
الذي خرج بين أظهرنا وأفسد فينا قد تناولك ليفسد عليك
ملكك ودينك وأهل سلطانك، ونحن لك ناصحون، وأنت لنا
غاية صدق: تأتي إلى عشيرتنا المعروف ويأمن تاجرنا
854

عندك، فبعثنا قومنا إليك لننذرك فساد ملكك، وهؤلاء نفر من
أصحاب الرجل الذي خرج فينا، ونخبرك بما نعرف من
خلافهم الحق: إنهم لا يشهدون أن عيسى إلهك،
ولا يسجدون لك / إذا دخلوا عليك، فادفعهم إلينا فلنكفكهم،
وإن فلما قدم جعفر وأصحابه وهم على ذلك من الحديث،
وعمرو وعمارة عند النجاشي، وجعفر وأصحابه على تلك
الحال، فلما رأوا الرجلين قد سبقا ودخلا صاح جعفر بن
أبي طالب على الباب فقال: يستأذن حزب الله،
فسمعها النجاشي فأذن لهم، فدخلوا عليه، فلما دخلوا
عليه وعمرو وعمارة عند النجاشي، قال النجاشي: أيكم صاح
عند الباب؟ قال جعفر: أنا هو، فأمره فعاد لها، فلما دخلوا
على النجاشي سلموا تسليم أهل الإيمان، ولم يسجدوا له،
فقال عمرو وعمارة: ألم نبين لك خبر القوم والذي يراد بك!
فلما سمع النجاشي أقبل عليهم فقال: أخبروني أيها
الرهط! ما جاء بكم وما شأنكم ولم جئتموني ولستم بتجار
ولا سؤال؟ وما نبيكم هذا الذي خرج؟ وأخبروني مالكم
لم تحيوني كما يحييني من جاءني من أهل بلدكم؟ وأخبروني
ما تقولون في عيسى بن مريم عليه السلام؟
855

فقام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه - وكان خطيب
القوم - فقال: إنما كلامي ثلاث كلمات، إن صدقت /
فصدقني، وإن كذبت فكذبني، ومر أحد هذين الرجلين أن
يتكلم، وليصمت الآخر،
فقال عمرو: أنا أتكلم قبله، قال النجاشي: أنت
يا جعفر! فتكلم قبله، فقال جعفر: إنما كلامي ثلاث كلمات:
سل هذا الرجل: عبيد نحن أبقنا من أربابنا؟ فارددنا إلى
أربابنا! فقال النجاشي: عبيد هم يا عمرو! فقال عمرو: بل
أحرار كرام،
فقال جعفر: سل هذا الرجل: أهرقنا دما بغير حقه؟
فادفعنا إلى أهل الدم! فقال النجاشي: أهراقوا دما بغير حقه؟
فقال عمرو: لا، ولا قطرة واحدة من دم،
قال جعفر: سل هذا الرجل: أخذنا أموال الناس
بالباطل؟ فعندنا قضاء واحتساب! قال النجاشي: يا عمرو! إن
كان على هؤلاء قنطار من ذهب فهو علي، فقال عمرو: لا،
و لا قيراط،
قال النجاشي: فما تطلبونهم به؟!! قال عمرو: كنا نحن
وهم على دين واحد وأمر واحد فتركوه ولزمناه، فقال النجاشي:
856

ما هذا الذي كنتم عليه فتركتموه وتبعتم غيره؟
فقال جعفر: أما الذي كنا عليه فدين الشيطان وأمر
الشيطان: كنا نكفر بالله، ونعبد الحجارة! وأما الذي نحن
عليه: فدين الله عز وجل، نخبرك: أن الله عز وجل بعث إلينا
رسولا كما بعث / إلى الذين من قبلنا، فأتانا بالصدق والبر،
ونهانا عن عبادة الأوثان فصدقناه وآمنا به واتبعناه، فلما فعلنا
ذلك عادانا قومنا وأرادوا قتل النبي الصادق صلى الله عليه
وسلم وردنا في عبادة الأوثان، ففررنا إليك بديننا ودمائنا
ولو أقرنا قومنا لاستقررنا، فذلك خبرنا وأمرنا!
وأما شأن التحية فقد حييناك بتحية رسول الله صلى الله
عليه وسلم والذي يحيي به بعضنا إلى بعض، خبرنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحية أهل الجنة: السلام،
فحييناك بالسلام،
وأما السجود فمعاذ الله أن نسجد إلا لله عز وجل وأن
نعدلك بالله،
وأما شأن عيسى عليه السلام: فإن الله أنزل في كتابه
على نبينا صلى الله عليه وسلم: أنه رسول قد خلت من قبله
الرسل، وولدته مريم الصديقة العذراء البتول الحصان
857

عليها السلام، وهو روح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، فهذا
شأن عيسى عليه السلام،
فلما سمع النجاشي قول جعفر أخذ بيده عودا، ثم قال
لمن حوله /: صدق هؤلاء النفر، وصدق نبيهم، والله! ما يزيد
عيسى على ما يقول هذا الرجل وزن هذا العود!! وقال لهم:
امكثوا فأنتم سيوم - والسيوم: الآمنون - فقد منعكم الله
عز وجل، وأمر لهم بما يصلحهم،
ثم قال النجاشي: أيكم أدرس للكتاب الذي أنزل
على نبيكم؟ فقرأ جعفر سورة مريم، فلما سمعها عرف
أنه الحق، وقال: زدنا من هذا الكتاب الطيب، فقرأ عليهم
سورة أخرى،
قال جعفر: قد سمعت النصارى يقرؤنها فتفيض أعينهم
من الدمع، فلما سمعها عرف أنه الحق، وقال: صدقتم
وصدق نبيكم، أنتم والله! الصديقون، امكثوا باسم الله وبركته
858

آمنين ممنوعين، وألقي عليهم المحبة من النجاشي).
859

133 - قال: وحدثنا خالد بن النضر القرشي، قال:
حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا معتمر بن
سليمان، عن أبيه، نحو حديث عروة بن الزبير، وزاد فيه،
قال:
860

(وقال النجاشي لجعفر بن أبي طالب وأصحابه: مرحبا
بكم وأهلا، لكم عندي الذي يسركم ويصلحكم من النزل
والرزق،
ورد عمرا وصاحبه، وقال: لا حاجة لي في نصيحتكما، فإن
هؤلاء قوم مظلومون / و أنا لهم جار ما داموا في بلادي،
وأمر مناديه في أهل أرضه: والله! لا أعلم أحدا من
الناس كلمهم إلا بما يشتهون إلا غرمته عشرة دنانير،
فاجتمع إليه ناس من علماء القسيسين ورهبان، فقالوا
للنجاشي: أجمع بيننا وبين هؤلاء القوم فيقولون ونقول، فإنه
بلغنا أنهم يزعمون أن عيسى كان عبد الله،
ففعل النجاشي ذلك: فجمع بينهم واختصموا، فقال
القسيسون والرهبان لجعفر وأصحابه: ما كان دين إبراهيم؟
فقالوا: كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين، فقال
القسيسون، نحن أعلم بإبراهيم منكم،
ونزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره
بخصوص أصحابه عن النجاشي، وأنزل عليه: (إن أولى الناس
بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي
المؤمنين) [آل عمران: 68]،
861

فلما فرغ القوم من خصومتهم في إبراهيم عليه السلام
قال القسيسون لجعفر وأصحابه: فما تقولون في عيسى؟ قال:
جعفر: نقول فيه ما قال الله عز وجل وأتى به رسول الله
صلى الله عليه وسلم، قالوا: وما هو؟ قال: كلمة / من الله
وروحه ألقاها إلى مريم، وروح منه، عبد أكرمه الله عز وجل
وعلمه، فكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون
طائرا بإذن الله، ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويحيى
الموتى بإذن الله، فقال القسيسون: قد نعرف من نعت عيسى
الذي تقولون غير أنه لم يكن بعبد،
فقال النجاشي: والله! ما يزيد عيسى بن مريم على
ما يقول هذا الرجل وأصحابه مثل هذه النفاثة من سواكي
هذا، وإن كان عيسى لكما يقولون، وإني لا أدل على رجل
خاصمهم فيه إلا غرمته مئة دينار، ونفيته من أرض
862

الحبشة).
863

134 - قال: وحدثنا جعفر بن سليمان النوفلي
المدني، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال: حدثنا
محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب الزهري،
قال: (لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه إلى الذي
بعثه الله من النور والهدى الذي أنزل عليه لم يتغادر منهم
أول ما دعاهم، فاستمعوا له حتى ذكر طواغيتهم، فأنكروا
ذلك عليه، وقدم ناس من قريش من كبرائهم وأشرافهم من
أموال لهم من الطائف فكرهوا ما قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم /، وأغروا به من أطاعهم، فانصفق عنه عامة
الناس إلا من حفظ الله عز وجل منهم، وهم قليل!
فمكث بذلك ما قدر الله عز وجل أن يمكث، ثم إن
قريشا ائتمرت بينهم، واشتد مكرهم، وهموا بقتل رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو إخراجه حين رأوا أصحابه يزدادون
ويكثرون، فعرضوا على قومه أن يعطوهم ديته ويقتلونه،
فحمي قومه من ذلك، وقالت لهم قريش: إن كان إنما بكم
الحمية من أن تقتله قريش فنحن نعطيكم الدية ويقتله رجل من
864

غير قريش، فإنكم تعلمون أنه قد أفسد أبناءكم ونساءكم
و عبيدكم، فيأبى قومه ذلك، فمنع الله رسوله صلى الله عليه
وسلم، ودفع كيد من كاده،
فقالت قريش: اقتلوا محمدا بزحمة،
واجتمع من قبائل قريش كلها نفر فأحاطوا برسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت حتى كادت أيديهم أن
تحيط به أو تلتقي عليه، فصاح أبو بكر رضي الله عنه: أتقتلون
رجلا أن يقول: ربي الله! وقد جاءكم بالبينات من ربكم!!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(دعهم يا أبا بكر! فإني بعثت إليهم بالذبح، فكبر ذلك
عليهم وقالوا: ما كذبنا / بشيء قط)،
وقال زهير بن أبي أمية: مهلا يا أبا القاسم! ما كنت
جهولا فتفرقوا عنه واشتدوا على من اتبعه على دين الله من
أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنة شديدة وزلزال شديد،
فمنهم من عصمه الله، ومنهم من افتتن!
فلما فعل ذاك بالمسلمين أمرهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين دخل في الشعب مع بني عبد المطلب
بالخروج إلى أرض الحبشة،
وكان بأرض الحبشة ملك يقال له: (النجاشي) لا يظلم
865

أحد بأرضه! وكان يثني عليه، وكان أرض الحبشة متجرا
لقريش ومسكنا لتجارهم، يجدون فيها رفقا من الرزق، وأمانا
ومتجرا حسنا،
فلما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق إليها
عامتهم حين قهروا وتخوفوا الفتنة، وخرج جعفر بن أبي طالب
في رهط من المسلمين فرارا بدينهم إلى أرض الحبشة،
وبعثت قريش عمرو بن العاص و عمارة بن الوليد بن
المغيرة وأمرهما أن يسرعا السير ففعلا، وأهدوا للنجاشي فرسا
وجبة ديباج، وأهدوا لعظماء الحبشة هدايا!
فلما قدما على النجاشي قبل هداياهم وأجلس عمرو بن
العاص على سريره، فقال: إن هذا الرجل / الذي خرج بين
أظهرنا وأفسد فينا قد تناولك ليفسد عليك دينك وملتك، ونحن
ناصحون لك وأنت لنا عامة صاحب صدق: تأتي إلى عشيرتنا
المعروف، ويأمن تاجرنا عندك، فبعثنا قومنا إليك لننذرك فساد
أمتك، وهؤلاء أصحاب الرجل قادمون عليك فادفعهم إلينا،
فقال عظماء الحبشة: أجل، فادفعهم إليه، فقال
النجاشي، والله! لا أدفعهم إليه حتى أكلمهم، وأعلم على أي
شيء هم، فقال عمرو بن العاص: هم أصحاب الرجل الذي
خرج فينا، وسنخبرك بما نعرف من سفههم وخلافهم الحق:
إنهم لا يشهدون أن عيسى بن مريم ابن الله، ولا يسجدون لك
866

إذا دخلوا عليك، ولا يحيونك كما يحييك من دخل عليك في
سلطانك،
فأرسل النجاشي إلى جعفر وأصحابه، فأجلس عمرا على
سريره فلم يسجد جعفر ولا أصحابه، وحيوه بالسلام، فقال
عمرو وعمارة: ألم نخبرك خبر القوم والذي يراد بك،
فقال النجاشي: ألا تخبروني أيها الرهط! ما لكم لا
تحيوني كما يحييني من أتاني من قومكم وأهل بلادكم؟
وأخبروني ما تقولون في عيسى بن مريم؟ وما دينكم: أنصاري
أنتم؟ قالوا: لا، قال: أفيهود أنتم / قالوا: لا، قال: فعلى
دين قومكم أنتم؟ قالوا: لا، قال: فما دينكم؟ قالوا: الإسلام،
قال: وما الإسلام؟ قالوا: نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا،
قال: ومن جاءكم بهذا؟ قالوا: جاء به رجل من أنفسنا، قد
عرفنا وجهه ونسبه، بعثه الله إلينا كما بعث الرسل من قبله،
فأمرنا بالصدق والوفاء وأداء الأمانة، ونهانا أن نعبد الأوثان،
867

وأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك له، فصدقناه وعرفنا كلام الله
عز وجل وعلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء به من
عند الله عز وجل، فلما فعلنا ذلك عادانا قومنا وعادوا النبي
صلى الله عليه وسلم الصادق وكذبوه وأرادوا قتله، وأرادونا على
عبادة الأوثان، ففررنا إليك بديننا ودمائنا من قومنا، ولو أقرونا
استقررنا،
فقال النجاشي: والله! إن خرج هذا الأمر إلا من المشكاة
التي خرج منها أمر موسى!!
فقال جعفر: أما التحية فإن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أخبرنا أن تحية أهل الجنة: السلام، وأمر بذلك
فحييناك بالذي يحيى بعضنا بعضا،
وأما عيسى بن مريم فهو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها
إلى مريم وروح منه، وابن / العذراء البتول،
فخفض النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منه عودا، فقال:
والله! ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود؟ فقال عظماء
الحبشة: والله! لئن سمع الحبشة هذا لتخلعنك، فقال
النجاشي: والله! لا أقول في عيسى غير هذا أبدا، والله!
ما أطاع لله الناس في حين رد إلى ملكي، فأنا أطيع الناس
في الله! معاذ الله! من ذلك!!
868

وكان أبو النجاشي ملك الحبشة فمات والنجاشي غلام
صغير، فأومأ إلى أخيه أن إليك ملك قومي حتى يبلغ ابني، فإذا
بلغ فله الملك، فرغب أخوه في الملك فباع النجاشي من
بعض التجار، وقال للتاجر: دعه حتى إذا أردت الخروج فآذني
ادفعه إليك، فآذنه التاجر بخروجه فأرسل بالنجاشي حتى وقفه
عند السفينة، ولا يدري النجاشي ما يراد به، فأخذ الله عمه
الذي باعه فمات قعصا! فجاءت الحبشة بالتاج فوضعوه على
869

رأس النجاشي وملكوه، فلذلك قال النجاشي: ما أطاع الله
الناس في حين رد إلي ملكي،
وزعموا أن التاجر الذي كان ابتاعه قال: ما لي بد من
غلامي الذي ابتعته - أو مالي - فقال النجاشي: صدق، ادفعوا
إليه ما له،
فقال / النجاشي حين كلمه جعفر بما كلمه، وحين أبى
أن يدفعهم إلى عمرو: ارجعوا إلى هذا هديته - يريد عمرا -
والله! لو رشوني في هذا دبرا من ذهب ما قبلته - والدبر بكلام
الحبشة: الجبل -،
وقال لجعفر وأصحابه: امضوا فإنكم سيوم، - والسيوم:
الآمنون - قد منعكم الله!
وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق، وقال: من نظر إلى
هؤلاء الرهط نظرة تؤذيهم غرم!!
وكان الله عز وجل قد ألقى بين عمرو وعمارة في
مسيرهما ذلك: العداوة والبغضاء قبل أن يقدما على النجاشي،
ثم اصطلحا حين قدما على النجاشي ليدركا حاجتهما التي
خرجا لها من طلب المسلمين، فلما فاتهما ذلك رجعا إلى شيء
مما كان عليه من العداوة وسوء ذات البين،
فمكر عمرو بعمارة فقال: يا عمارة! إنك رجل جميل
فاذهب إلى امرأة النجاشي فتحدث عندها إذا خرج زوجها، فإن
870

ذلك عون لنا في حاجتنا، فراسلها عمارة حتى دخل عليها، فلما
دخل عليها انطلق عمرو إلى النجاشي فقال له: إن صاحبي
هذا صاحب نساء، وإنه يريد أهلك فاعلم ذلك،
فبعث النجاشي إلى بيته فإذا عمارة عند أهله / فأمر به
فنفخ في إحليله [ثم أم به] فألقي في جزيرة من البحر،
فاستوحش مع الوحش فرجع عمرو إلى مكة، وقد أهلك الله
صاحبه، وخيب مسيره ومنعه حاجته).
871

قال الإمام - رحمه الله -:
تفسير الألفاظ الغريبة في الحديث:
* قوله: (تناولك)، أي: قصدك و قصد دينك.
* و (أبقنا): هربنا.
* و (البتول): المنقطعة عن الأزواج.
873

* و (الحصان المحصنة): المحصنة.
* و (ألقى عليهم المحبة)، أي: وقع محبتهم في قلبه.
* و (النفاثة): إذا ما يرميه المتسوك من فمه مما يتشعث من
طرف السواك، قال أهل اللغة: يقال: نفث الراقي، إذا رمى بريقه
عند الرقية، و يقال للسواحر: النفاثات، لأنهن ينفثن إذا سحرن،
وفي المثل: (لا بد للمصدور من أن ينفث)، المصدور: الذي
يشتكي صدره من سعال أو غيره، فهو يستروح إلى النفث، أي:
إلى ما من جوفه من الريق.
* وقوله: (لم يتغادر منهم أحد)، أي: لم يتخلف ولم يبق،
874

يقال: غادرته، أي: تركته، وتغادر، أي: تخلف.
* وقوله: (مهلا)، أي: أمهل وارفق، أي: أمسك عن
هذا الكلام.
* و (الشعب): ما اتسع بين الجبلين، وهو الشعب
الذي / بمكة، نزله النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته حين
تحالفت قريش على معاداته.
875

* و (المتجر): موضع التجارة.
* و (الرفق): المنفعة.
876

* وقوله: (فحمى قومه): أي: غضبوا، والحمية: الأنف من
الشيء و الغضب.
* و قوله: (و أنت لنا غاية صدق): كذا في (كتابي)، فإن كان
محفوظا فمعناه: أنت حسن الجد في أمرنا، والإحسان إلينا،
والمعروف: (وأنت لنا عامة - أي جميعا - صاحب صدق)،
أي: صاحب إحسان.
* (من المشكاة التي خرج منها أمر موسى عليه السلام)،
أي: من الموضع الذي خرج منه أمر موسى، يعني من
عند الله.
877

* و (الجار): المجير.
* و (سوء ذات البين): قلة الموافقة والصلاح بين القوم.
* و قوله: (فمات قعصا)، القعص: الموت الوحي، أي:
مات في الحال، قال أهل اللغة: قتله فأقعصه: إذا قتله مكانه.
878

* وقوله: (لتخلعنك)، أي: لتعزلنك عن الملك.
* و (حزب الله): جند الله.
* (أدرس)، أي: أقرأ.
* و قوله: (فنفخوا في إحليله)، أي: فعلوا به سحرا
حتى جن واستوحش، فكان يعدو مع الوحش في الفلوات حتى
مات.
879

63 - فصل
135 - أخبرنا أبو طالب البيع، قال: حدثنا أبو
الحسن بن ماشاذة، قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا
إبراهيم بن فهد /، قال: حدثني عبد الجليل بن الحارث:
أبو صالح الصفار، قال: حدثتني شيبة بنت الأسود - وكانت
ابنة عمة أبي - قالت: حدثتني روضة، قالت: (كنت
وصيفة لامرأة من أهل المدينة فلما هاجر النبي صلى الله عليه
وسلم من مكة إلى المدينة قالت لي مولاتي: يا روضة! قومي
على باب الدار فإذا مر هذا الرجل فأعلميني،
قالت: فمر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه،
فأخذت بطرف ثوبه فتبسم في وجهي - قالت شيبة: وأظنها
قالت: ومسح يده على رأسي -، فقلت لمولاتي: قد جاء هذا
الرجل،
فخرجت إليه مولاتي ومن كان معها في الدار فعرض
عليهن الإسلام فأسلمن،
881

قالت شيبة: وكانت روضة معي في الدار في بني سليم،
فإذا اشتروا مملوكا أو خادما أو ثوبا أو طعاما، قالوا: يا روضة!
ضعي يدك عليه،
قالت: فكان كل شيء مسته فيه البركة).
882

64 - فصل
136 - أخبرنا أبو طالب البيع، قال: حدثنا
أبو الحسن بن ماشاذة، قال: حدثنا غياث بن محمد، قال:
حدثنا الحسن بن المثنى، قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا أبان،
قال: حدثنا قتادة، عن شهر بن حوشب، عن أبي عبيد
رضي الله عنه: أنه طبخ لرسول الله / صلى الله عليه وسلم
قدرا فيها لحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ناولني ذراعها)،
فناولته، فقال:
(ناولني ذراعها)،
فناولته، فقال:
(ناولني ذراعها)،
فقلت: يا رسول الله! كم للشاة من ذراع؟! قال:
(والذي نفسي بيده! لو سكت لأعطتك أذرعا
883

65 - فصل
137 - أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن أحمد
السمسار، قال: حدثنا علي بن محمد بن ميلة، قال: حدثنا
عبد الله بن جعفر، قال: حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا
يعلى بن عبيد، بن إسماعيل بن أبي خالد، عن
قيس، عن دكين بن سعيد رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم أربعين راكبا - أو أربع مئة - نسأله
الطعام، فقال لعمر:
(اذهب فأعطهم)،
فقال: يا رسول الله! ما هي إلا آصع من تمر، ما أرى
يقيظن بني، فقال:
(اذهب فأعطهم)،
فقال: سمعا وطاعة،
قال: فأخرج عمر المفتاح من حزته ففتح الباب، فإذا شبه
الفصيل الرابض من تمر، فقال لنا: خذوا، فأخذ كل رجل منا
ما أحب ثم التفت - وكنت من آخر القوم - وكأنا لم نرزه
تمرة).
889

قال الإمام:
* قوله: (آصع): جمع صاع.
* (يقيظن بني)، أي: ما يكفيهم لقيظهم،
قال الشاعر:
891

/ من يك ذا بت فهذا بتي
مقيظ مصيف مشتي
البت: الكساء، مقيظ، أي: يكفيني في قيظي، يعني في
شدة الحر، مصيف: يكفيني في صيفي، مشتى: يكفيني في
الشتاء.
* و (الحزة): لغة في الحجزة، يعني: حجزة
السراويل، كأنه أدعم الجيم في الزاء.
* و (الفصيل): ولد الناقة إذا فصل عن أمه.
892

* و (الرابض): البارك.
* (لم نرزه)، أي: لم ننقصه ولم نأخذ منه.
893

66 - فصل
138 - أخبرنا
عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق، قال:
أخبرنا والدي: أبو عبد الله، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد،
قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، قال: حدثنا عبد الله بن
يوسف، قال: حدثنا عبد الله بن وهب ح،
139 - قال أبو عبد الله: وأخبرنا حمزة بن محمد
الكناني، قال: حدثنا أحمد بن شعيب بن بحر، قال: حدثنا
أحمد بن عمرو: أبو طاهر، قال: حدثنا عبد الله بن وهب،
قال: أخبرنا يونس بن يزيد ح،
140 - قال أبو عبد الله: أخبرنا أبو عمرو: أحمد بن
محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا موسى بن سعيد بن النعمان،
قال: حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد، قال: أخبرني أبي، عن
يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله
عنها أنها حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل
أتى عليك يوم كان / أشد عليك من يوم أحد، فقال:
(لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم
894

العقبة: إني عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم
يجبني إلى ما أردت، وانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم
استفق إلا أنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد
أظلتني، فإذا فيها جبرائل فناداني: أن الله قد سمع قول
قومك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما
شئت فيهم:
فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد!
إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد
بعثني ربك إليك لتأمرني أمرك بما شئت: إن شئت أن أطبق
عليهم الأخشبين)،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم
من يعبد الله لا شريك له - وقال ابن يوسف:
895

لا يشرك به شيئا -).
قال الإمام - رحمه الله -:
* (الأخشبان): جبلان بمكة.
896

وأخبرنا أبو عمرو، قال: أخبرنا والدي، قال: أخبرنا
أبو الحسن: علي بن العباس بن الأشعث الغزي، قال: حدثنا
محمد بن حماد، قال: أخبرنا عبد الرزاق ح،
142 - قال أبو عبد الله: و أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى،
قال: حدثنا أبو مسعود، قال: حدثنا أبو داود الحفري وعبد الرزاق
897

جميعا، عن سفيان بن سعيد، عن / الأعمش، عن عمارة بن
عمير، عن وهب بن ربيعة، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
(إني لمستتر بأستار الكعبة إذا أقبل ثلاثة نفر: ثقفي ختناه قرشيان
- أو قرشي ختناه ثقفيان - فتكلموا بينهم، فقال أحدهم:
أترى الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: أراه يسمع إذا رفعنا ولا يسمع
إذا خفضنا، فقال الآخر: إن كان يسمع منه شيئا إنه يسمع كله)!
* قال عبد الرزاق في حديثه: (قال ابن مسعود رضي الله
898

عنه: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله: (وما
كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم) الآية
[فصلت: 22].
899

* وليس في رواية أبي معمر عن عبد الله: (فذكرت ذلك
للنبي صلى الله عليه وسلم).
900

67 - فصل
143 - أخبرنا أحمد بن علي بن خلف، قال: أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا محمد بن محمد بن
إسماعيل الفامي، قال: حدثنا الحسين بن زياد القباني، قال:
حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا يزيد بن هارون ح،
144 - قال أبو عبد الرحمن السلمي: وأخبرنا
إسماعيل بن عبد الله قال: حدثنا علي بن سعيد العسكري،
قال: حدثنا أبو أمية: عبد الله بن محمد بن خلاد الواسطي،
قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا المستلم بن سعيد،
قال: حدثنا خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب، عن أبيه، عن
جده / رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم
أنا ورجل من قومي في بعض مغازيه، فقلنا: إنا نشتهي أن
نشهد معك مشهدا، قال:
(أسلمتم)؟
قلنا: لا، قال:
903

(فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين)،
قال: فأسلمنا وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأصابتني ضربة على عاتقي فجافتني فتعلقت يدي،
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفل عليها وألزقها،
فالتأمت وبرأت! وقتلت الذي ضربني،
ثم تزوجت ابنة الذي قتلته وضربني، فكانت تقول:
لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح، فأقول: لا عدمت رجلا
عجل أباك إلى النار).
904

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (جافتني)، أي: بلغت جوفي، يقال: طعنة جائفة
إذا وصلت إلى الجوف.
* و (التفل): فوق النفث، وهو أن يرمي بريقه، أي:
رمى بريقه على الجراحة.
* (فالتأمت)، أي انضم بعضها إلى بعض.
911

* و (لا عدمت): دعاء.
* وقولها: (وشحك)، أي: أثر بجسدك هذا الأثر، يعني:
أثر الضربة على عاتقه.
145 - وأخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا أبو
عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا أبو محمد: عبد الله بن
محمد بن علي بن زياد، قال: حدثنا علي بن سعيد العسكري،
قال: حدثنا إسحاق بن الصيف الباهلي، قال: حدثنا
عبد الرزاق، قال: أخبرنا / معمر، عن الزهري، قال: أخبرني
912

عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن حارثة بن النعمان قال: مررت
بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس على المقاعد مع
جبريل عليه السلام فسلمت عليه، ثم مررت، فلما رجعت
وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال لي:
(هل رأيت الذي كان معي)؟
قلت: نعم، قال:
(إنه جبريل وقد رد عليك السلام).
913

146 - وأخبرنا أحمد بن علي، قال، أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا الإمام أبو زيد:
محمد بن أحمد الفقيه المروزي بها، قال: حدثنا إبراهيم
بن شيبان الزاهد، قال: حدثنا علي بن الحسن بن
أبي العنبر، قال: حدثنا منصور بن أبي مزاحم، قال: حدثنا
أبو شيبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله
عنه قال: (نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
حنظلة [بن] الراهب وحمزة بن عبد المطلب يغسلهما
914

الملائكة).
915

147 - وأخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا جدي، قال: حدثنا
محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا محمد بن يحيى،
قال: حدثنا النفيلي، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن
محمد بن إسحاق، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن
916

محمود بن لبيد، عن حنظلة بن أبي عامر: أنه التقى هو
وأبو سفيان بن حرب، فلما استعلاه حنظلة رآه شداد بن
الأسود - وكان يقال له: ابن شعوب - قد علاء أبا سفيان
فضربه شداد / فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن صاحبكم - يعني حنظلة - لتغسله الملائكة! فسلوا
أهله ما شأنه)؟
فسئلت صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب حين سمع
الهائعة، فقال: رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(لذلك غسلته الملائكة).
917

قال الإمام:
* قال أهل اللغة: (الهائعة والهيعة): صوت القتال.
920

68 - فصل
148 - أخبرنا أحمد بن أبي الفتح الخرقي، قال:
أخبرنا أبو القاسم بن أبي أبي بكر بن أبي علي، قال: أخبرنا
عبد الله بن محمد القباب، قال: حدثنا ابن أبي عاصم، قال:
حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال:
حدثني رافع بن سلمة بن زياد بن أبي الجعد الأشجعي، قال:
حدثني عبد الله بن أبي الجعد الأشجعي، قال: حدثني
جعيل الأشجعي رضي الله عنه قال: (خرجت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته على فرس عجفاء
مهزولة، قال: فدنا مني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(سر)،
فقلت: يا رسول الله! إنها عجفاء ضعيفة، فدنا مني
فضربها بمخفقة معه فقال:
(اللهم! بارك له فيها)،
وكنت في أخريات القوم فما ملكت رأسها قدام القوم،
قال: وبعت من بطنها باثني عشر ألفا، أو قال: اثنى عشر
ألفا).
922

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (بمخفقة)، أي: بسوط.
* وقوله: (من بطنها)، أي: من نسلها.
149 - قال وأخبرنا أبو بكر بن / أبي عاصم، قال: حدثنا
أبو يحيى: محمد بن عبد الرحيم، قال: حدثنا حسين بن محمد
المروزي، قال: حدثنا جرير بن حازم، عن ابن سيرين، عن
أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (فزع الناس فركب رسول الله
926

صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة يبطأ، ثم خرج يركض
وحده، فركب الناس يركضون، فقال:
(لن تراعوا، إنه لبحر)،
قال: والله! ما سبق بعد ذلك اليوم).
927

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (إنه لبحر): شبهه بالبحر في سرعة سيره وكثرة
جريه. * و (لن تراعوا): لن تخافوا (*).
929

150 - قال: وأخبرنا أبو بكر بن أبي عاصم، قال: حدثنا
عبد الوهاب بن الضحاك، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن
عبد الله بن عامر، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن يحيي بن
هند بن جارية عن هند بن جارية - أو حارثة -، قال: (مر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أسلم يتناضلون، فقال:
(ارموا يا بني إسماعيل! فإن أباكم كان راميا، ارموا وأنا مع
ابن الأدرع)،
930

قال: فطرحوا نبالهم وقالوا: يا رسول الله! من كنت معه
غلب، فقال:
(ارموا وأنا معكم كلكم)،
قال: فانقلبوا على السواء).
931

قال الإمام - رحمه الله -:
* (يتناضلون)، أي: يترامون، والنضال والمناضلة:
المراماة.
934

* و (أسلم) قبيلة.
* و (انقلبوا على السواء)، أي: لم يغلب واحد منهم
آخر /، بل كانوا كلهم مستوين في الرمي وعدد الإصابة.
935

69 - فصل
151 - أخبرنا الشريف أبو نصر الزينبي ببغداد، قال:
أخبرنا محمد بن عمر بن علي الوراق، قال: أخبرنا أبو بكر:
عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني، قال: حدثنا
عيسى بن حماد، قال: أخبرنا الليث ابن سعد، عن يحيي بن
سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن أنس بن مالك
رضي الله عنه، عن خالته أم حرام ابنة ملحان، أنها قالت: نام
رسول الله صلى الله عليه وسلم نوما قريبا، ثم استيقظ فتبسم،
فقلت: يا رسول الله! ما أضحكك؟ قال:
(ناس من أمتي عرضوا علي يركبون ظهر هذا البحر
الأخضر كالملوك على الأسرة)،
قالت: فأدع الله عز وجل أن يجعلني منهم، فدعا لها،
ثم نام الثانية ففعل مثلها فقالت مثل قولها، وأجابها مثل
جوابه الأول، قالت: فادع الله تعالى أن يجعلني منهم، قال:
(أنت من الأولين)،
قال: (فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت رضي الله
936

عنه غازية أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية بن
أبي سفيان رضي الله عنه، فلما انصرفوا من غزاتهم قافلين
فنزلوا الشام قربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت).
937

70 - فصل
152 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي /، قال: أخبرنا أبو بكر بن مرودوية، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد، قال:
أخبرنا أحمد بن علي، قال: حدثنا أبو خيثمة، قال: حدثنا
ابن عيينة، عن أبي موسى، عن الحسن، عن أبي بكرة
رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(إن ابني هذا سيد، و لعل الله أن يصلح به بين فئتين من
المسلمين).
941

* قال أبو خيثمة: يعني الحسن رضي الله عنه.
قال الإمام - رحمه الله -:
(في هذا الحديث من دلالة النبوة إنه كان الأمر كما ذكر
صلى الله عليه وسلم: أصلح الله به بين جند العراق وجند الشام)
153 - أخبرنا محمد بن أحمد، قال: أخبرنا أبو بكر بن
مردويه، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، قال: حدثنا
946

بشر بن موسى، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال:
حدثنا أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك رضي الله
عنه، قال: صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر يوم
الخميس بكرة، فجاء وقد فتحوا الحصن وخرجوا منه معهم
المساحي، فلما رأوه جالوا إلى الحصن فقالوا: محمد
والخميس! محمد والخميس! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(الله أكبر! خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح
المنذرين).
947

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (المساحي): جمع المسحاة، وهي: المر الذي
يحفر به الأرض.
950

و (جالوا إلى الحصن)، أي: هربوا إليه ولجأوا.
* و (الخميس): الجيش، أي: جاء محمد / والجيش
951

معه.
وفيه من دلالة النبوة أنه كان كما قال: خربت خيبر بعد
نزوله صلى الله عليه وسلم بساحتهم.
952

71 - فصل
154 - أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن الذكواني، قال:
أخبرنا أحمد بن موسى الحافظ، قال: حدثنا محمد بن علي بن
دحيم، قال: حدثنا أحمد بن حازم بن محمد الغفاري، قال:
أخبرنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا القاسم بن الفضل
الحداني، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه قال: بينما راع يرعى بالحرة إذ عرض ذيب لشاة، فحال
الراعي بين الذئب والشاة، فأقعى الذئب على ذنبه، ثم قال
للراعي: ألا تتقي الله! تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي؟!
فقال الراعي: العجب من ذئب مقع على ذنبه يتكلم بكلام
الإنس! فقال الذئب: ألا أحدثك بأعجب مني: رسول الله بين
الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق!
فساق الأعرابي شاءه حتى أتى المدينة فزواها إلى زاوية،
ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم: فحدثه بحديث
الذئب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال
للراعي:
(قم فأخبرهم)،
قال: فأخبر الناس بما قال الذئب، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
(صدق الراعي، ألا أنه من أشراط الساعة: كلام السباع
953

الإنس، والذي نفسي بيده! لا تقوم الساعة حتى يكلم / السباع
الإنس، ويكلم الرجل شراك نعله وعذبة سوطه، ويخبره بما
أحدث أهله بعده).
954

155 - أخبرنا أبو محمد: الحسن بن أحمد السمرقندي
الحافظ بنيسابور، قال: أخبرنا أبو إبراهيم: إسماعيل بن
عيسى بن عبد الله التاجر السمرقندي بها، قال: حدثنا
أبو الحسن: علي بن محمد بن يحيى بن الفضل بن عبد الله
الفارسي، قال: حدثنا أبو الحسن: محمد بن علي بن الحسين
الجرجاني الحافظ بسمرقند، قال: حدثنا مسعدة بن بكر
الفرغاني بمرو - وأنا سألته فأملي علي بعد جهد -، قال:
حدثنا محمد بن أحمد بن أبي عون، قال: حدثنا عمار بن
961

الحسن، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن
إسحاق بن يسار، عن يزيد بن رومان وصالح بن كيسان، عن
عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها قالت: استعرت من
حفصة بنت رواحة إبرة كنت أخيط بها ثوب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فسقطت عني الإبرة فطلبتها فلم أقدر
عليها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبينت الإبرة
لشعاع نور وجهه فضحكت، فقال:
(يا حميراء! بم ضحكت)؟
قلت: كان كيت وكيت، فنادى بأعلى صوته:
(يا عائشة! الويل ثم الويل - ثلاثا - لمن حرم النظر إلى
هذا الوجه).
962

72 - فصل
156 - ذكر أبو الشيخ رحمه الله في (دلائل النبوة)،
قال: حدثنا أبو الفضل: / محمد بن عبد الرحمن بن
موسى بن أبي حرب الصفار، قال: حدثنا العباس بن الفرج
الرياشي، قال: حدثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت، عن
عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن عبد الله بن
عباس رضي الله عنه عن سعد بن عبادة الساعدي رضي الله عنه
قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حضر موت في
حاجة قبل الهجرة حتى إذا كنت في بعض الطريق عرست ساعة
من الليل، فسمعت هاتفا يقول:
أبا عمر تأوبني السهود * وزاح النوم وامتنع الهجود
لذكر عصابة سلفوا وبادوا * وكل الخلق قصرهم يبيد
965

تولوا واردين إلى المنايا * حياضا ليس ينهضها الورود
مضوا لسبيلهم وبقيت خلفا * وحيدا ليس يشفعني وحيد
سدى رسول لا أستطيع علاج أمر * إذا ما عالج الطفل الوليد
فلأيا ما بقيت إلى إزاء * وقد بانت بمهلكها ثمود
وعاد والقرون بذي شعوم * سواء كلهم إرم حصيد
قال: ثم صاح به آخر:
966

يا جرعب! ذهب بك اللعب * إن أعجب العجب
بين زهرة ويثرب * /
قال: وما ذاك يا شاصب؟!
قال: نبي السلام * بعث بخير الكلام * إلى جميع
الأنام * فأخرج من البلد الحرام * إلى نخيل وآطام *
قال: ما هذا النبي المرسل * والكتاب المنزل *
والآي المفصل *
قال: هذا رجل من ولد لؤي بن غالب بن فهر بن
مالك بن النضر بن كنانة،
قال: هيهات! فات عن هذا سني، وذهب عنه زمني، لقد
رأيتني والنضر بن كنانة نرمي غرضا واحدا ونشرب حلبا باردا،
ولقد خرجت به من دومة * في غداة شبمه * وطلع
967

من الشمس وغرب معها، نروي ما نسمع، ونثبت ما نبصر!
فلئن كان من ولده: لقد سل السيف * و ذهب
الخوف * ودحض الزنا * وهلك الربا *
قال: فأخبرني ما يكون؟
قال: ذهبت الضراء والمجاعة * والشدة والشجاعة *
إلا بقية في خزاعة * وذهب الضراء والبؤس * والخلق
المتعوس * إلا بقية الخزرج والأوس * وذهبت الخيلاء
والفخر * والنميمة والغدر * إلا بقية في بني بكر - يعني بكر بن
هوازن - * وذهب الفعال المندم * والعمل المؤثم * إلا بقية
في خثعم *
قال: أخبرني ما يكون؟ /
قال: إذا غلت البره، وكظمت الجره * فاخرج من
بلاد الهجرة * وإذا كف السلام * و قطعت الأرحام * فاخرج من
968

بلد التهام *
قال: أخبرني ما يكون؟
قال: لولا أذن تسمع * وعين تلمع * لأخبرتك بما
يفزع *
ثم قال:
لا منام هدأته بنعيم
يا بن غوط، ولا صباح أتانا
قال: ثم صرصرة كأنها صرة حبلى، فأضاء الفجر،
فذهبت لأنظر فإذا عظاية وثعبان ميتان، قال: فما علمت أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة إلا بهذا
الحديث).
969

قال الإمام - رحمه الله -:
تفسير الألفاظ الغريبة في الحديث:
* (الحرة): حرة المدينة، وهي: أرض فيها حجارة سود
971

حول المدينة.
* (فأقعى)، أي: استوى قاعدا على ذنبه.
* وقوله: (شاءه): جمع شاة.
* (و عذبة السوط): طرفه، وعذبة اللسان: طرفه.
* وقولها: (كيت وكيت)، أي: كذا وكذا، وهو كناية عما
جرى.
972

* (تأوبني): رجع إلي، وهو تفعل من آب يؤوب.
* (السهود): الأرق وترك النوم.
* (زاح): ذهب وبطل.
* (بادوا)، أي: هلكوا.
973

* (قصرهم)، أي: غايتهم.
* (ينهضها): كذا في (الكتاب) - بالنون والضاد -،
ولعله: (يبهظها) - / بالباء الظاء -، ومعناه: يثقل عليها
ويشق.
974

* (يشفعني): يصير شفعا لي، أي: ثانيا.
* (سدى)، أي: مهملين.
975

* (فلأيا)، أي: بعد زمان.
* (إلى إزاء)، أي: حال، والإزاء: الحذاء و المقابلة.
* و (ذي شعوم): موضع.
976

* و (حصيد): هالك.
* و (جرعب): اسم الجني، وكذا (شاصب).
* و (يثرب): اسم المدينة.
* و (الآطام): الحصون.
977

* و (الغرض): الهدف.
* و (شبمة:) باردة.
* و (الخلق المتعوس)، أي: العادة القبيحة.
* (كظمت): حبست.
978

* و (الجرة): ما يخرجها البعير من جوفه فيمضغه.
* و (صر)، أي: صاح.
* و (العظاية): هذه الدابة التي تسمى سام أبرص.
979

73 - فصل
157 - أخبرنا أحمد بن علي بن خلف، قال: أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا أبو بكر الريونجي، قال:
أخبرنا، الحسن بن سفيان، قال: حدثنا حرملة، قال: أخبرنا
ابن وهب، قال: حدثني معاوية، عن أبي عبد الله محمد
الأسدي، أنه سمع وابصة الأسدي قال: جئت لأسأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال من قبل أن أسأله:
(جئت يا وابصة! تسألني عن البر والإثم)،
قلت: أي والذي بعثك بالحق! إنه للذي جئت أسألك
عنه، فقال:
(البر ما انشرح له صدرك /، والإثم ما حاك في نفسك
وإن أفتاك عنه الناس).
980

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (حاك) - بتخفيف الكاف -، أي: أثر الوسوسة
فيه.
158 - أخبرنا أحمد بن علي، قال: أخبرنا
أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا أبو العباس: محمد بن
يعقوب الأصم، قال: أخبرنا محمد بن عبد الحكم الرملي،
قال: حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا سليمان بن حيان،
عن داود بن أبي هند ح،
990

159 - قال أبو عبد الرحمن: و أخبرنا أبو الحسن:
محمد بن أحمد بن زكريا، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن
زياد القباني، قال: حدثنا إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا
خالد بن عبد الله ح،
160 - قال أبو عبد الرحمن السلمي، و أخبرنا
عبيد الله بن محمد بن حمدان الحنبلي، قال: أخبرنا
ابن منيع، قال: حدثنا وهب بن بقية ح،
161 - قال أبو عبد الرحمن السلمي: و أخبرنا
محمد بن عبد الله بن قريش - واللفظ له -، قال: أخبرنا
الحسن بن سفيان، قال: حدثنا وهب بن بقية، قال: حدثنا
خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن أبي حرب بن
أبي الأسود، عن طلحة، قال: كان الرجل إذا قدم المدينة
991

فكان له بها عريف نزل على عريفه، فإن لم يكن له بها عريف
نزل الصفة، فكنت فيمن نزل الصفة فرافقت رجلا، وكان
يجري علينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم مد
من تمر بين رجلين، فسلم ذات يوم من الصلاة فناداه رجل منا
فقال: يا رسول الله! فقد أحرق / التمر بطوننا، وتخرقت عنا
الخنف - والخنف: ثياب برود شبه اليمانية - قال: فمال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منبره فصعده، فحمد الله
وأثنى عليه ثم ذكر ما لقي من قومه، قال:
(حتى مكثت أنا وصاحبي بضعة عشر يوما ما لنا طعام إلا)
البرير - والبرير: ثمر الأراك - فقدمنا على إخواننا من الأنصار
وعظم طعامهم التمر فواسونا فيه، فوالله! لو أجد لكم الخبز
واللحم لأطعمتكم، ولكن لعلكم تدركون زمانا - أو من أدركه
منكم - تلبسون مثل أستار الكعبة، ويغدي ويراح عليكم
992

بالجفان).
993

162 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الفقيه، قال:
أخبرنا أبو بكر بن مردويه، قال: قرئ على أبي عمرو:
أحمد بن محمد بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو الحسن: أحمد بن
مسعود المقدسي، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب،
عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن
أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما: أتاه ذو
الخويصرة - و هو رجل من بني تميم -، فقال: يا رسول الله!
اعدل، فقال:
(ويحك، ومن يعدل إذا لم أعدل، فقد خبت
وخسرت إن لم أكن / أعدل)،
995

فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! أئذن لي فيه
أضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم،
وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم،
يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية: ينظر إلى
نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه - وهو قدحه - فلا
يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق
الفرث والدم،
آيتهم: رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة
- أو مثل البضعة - تدردر، يخرجون على خير فرقة من
الناس)،
قال أبو سعيد: (فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله
996

صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله
عنه قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فأتي به حتى
نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي
نعته).
997

قال الإمام - رحمه الله -:
هذا حديث مخرج في (صحيح البخاري).
* و (المروق): خروج الشيء من الشيء بسرعة.
998

* وقوله: (تدردر): أصله تتدردر، حذفت إحدى التاءين
تخفيفا، ومعناه: تتحرك / وتضطرب.
999

74 - فصل
163 / - حدثنا أبو رجاء: بندار بن محمد، قال: أخبرنا
أبو أحمد: محمد بن علي المكفوف، قال: حدثنا أبو بكر:
عبد الله بن محمد القباب، قال: حدثنا أبو بكر بن
أبي عاصم، قال: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، قال:
حدثنا عمر بن علي، عن أبي جناب، عن عبد الله بن
عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب
رضي الله عنه، قال: (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: إن لي أخا وبه وجع، قال:
(وما وجعه)؟
قال: به لمم، قال:
(فأتني به)،
فوضعه بين يديه فعوذه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ب (فاتحة الكتاب)، وأربع آيات من أول سورة البقرة، وهاتين
الآيتين: (و إلهكم إله واحد) [البقرة: 163]، وآية الكرسي،
وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من آل عمران:
(شهد الله) [آل عمران: 18] و آية من الأعراف: (إن
1013

ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض) [الأعراف: 54]،
وآخر سورة المؤمنين: (فتعالى الله الملك الحق)
[المؤمنون: 116]، وآية من سورة الجن: (وإنه تعالى جد
ربنا) [الجن: 3]، وعشر آيات من أول: (و الصافات)، وثلاث
آيات من آخر سورة الحشر، و (قل هو الله أحد)، والمعوذتين،
فقام الرجل كأنه لم يشتك شيئا قط).
1014

قال الإمام - رحمه الله -:
* قال أهل اللغة: (اللمم): الجنون.
1017

75 - فصل
164 / - أخبرنا أحمد بن أبي الفتح الخرقي، قال:
أخبرنا أبو القاسم بن أبي بكر بن أبي علي، قال: أخبرنا
أبو بكر القباب، قال: حدثنا ابن أبي عاصم، قال: حدثنا
يعقوب بن حميد، قال: حدثنا سفيان بن حمزة، عن كثير بن
زيد، عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، عن أبيه، قال:
(نفرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة في ليلة
ظلماء حندس، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها
ظهورهم وما هلك منهم، وإن أصابعي لتنير).
1018

165 - قال: وحدثنا ابن أبي عاصم، قال: حدثنا
أبو موسى، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثنا أبي، عن
قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلين من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند نبي الله
صلى الله عليه وسلم ذات ليلة مظلمة ومعهما مثل المصباحين
1019

يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا كان مع كل واحد منهما
[واحد] حتى أتى أهله).
1020

166 - قال: وحدثنا ابن أبي عاصم، قال: حدثنا
الحسن بن علي، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا
محمد بن جعفر بن أبي كثير، عن سعد بن إسحاق، عن
عاصم بن عمر بن قتادة، عن جده قتادة بن النعمان أنه قال:
(كانت ليلة شديدة الظلمة والمطر، فقلت: لو أني اغتنمت
1022

الليلة العتمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعلت،
فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أبصرني ومعه عرجون
يمشي عليه، فقال /:
(مالك يا قتادة! هذه الساعة هاهنا)؟
فقلت: اغتنمت شهود الصلاة معك،
فأعطاني العرجون بمثل الشمعة نورا فاستضاءت به، فأتيت
أهلي فوجدتهم رقدوا، فنظرت في الزاوية فإذا فيها - يعني
سنورا أسود - فلم أزل أضربه بالعرجون حتى خرج).
1023

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (ظلماء حندس): الحندس: الشديدة
الظلمة.
* وإنما أضاءت أصابعه: دلالة على نبوة النبي صلى الله
عليه وسلم.
* وفي (الكتاب): (ظهورهم):
والمحفوظ: ظهرهم، والظهر: الدواب، وهي
1028

جمع.
* و (العرجون): غصن النخلة.
1029

76 - فصل
167 - أخبرنا أبو نصر: سهل بن محمد النيسابوري،
قال: أخبرنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي، قال: أخبرنا
أبو بكر الجوزقي، قال: حدثنا أبو العباس الدغولي، قال:
أخبرنا أبو بكر - هو ابن أبي خيثمة -، قال: حدثنا مالك بن
إسماعيل، قال: حدثنا ابن الغسيل، قال: حدثنا عاصم بن
عمر بن قتادة بن النعمان، عن جده قتادة أنه أصيب عينه يوم بدر
فسالت حدقته على وجنته فأراد القوم أن يقطعوها فقالوا: (تأتي
رسول الله صلى الله عليه وسلم تستشيره في ذلك، فجاء
نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأدناه رسول الله
صلى الله عليه وسلم منه فرفع حدقته حتى وضعها / موضعها،
ثم غمزها براحته وقال:
(اللهم! اكسه جمالا)،
فمات وما يدري من لقيه أي عينيه أصيبت).
1031

168 - أخبرنا أحمد بن زاهر الطوسي، قال: أخبرنا
محمد بن إبراهيم الفارسي، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن
عمروية، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال:
1044

حدثنا مسلم بن الحجاج، قال: حدثنا هناد بن السري، قال:
حدثنا ابن المبارك، عن عكرمة بن عمار، قال: حدثني سماك
الحنفي، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: حدثني
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر،
169 - قال مسلم: وحدثني زهير بن حرب - واللفظ
له -، قال: حدثنا عمر بن يونس الحنفي، قال: حدثنا
عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو زميل - هو سماك الحنفي -
قال: حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: حدثني
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لما كان يوم بدر نظر
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف
وأصحابه ثلاث مائة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله
صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يده فجعل يهتف بربه:
(اللهم! أنجز لي ما وعدتني، اللهم! آتني ما وعدتني،
اللهم! إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في
الأرض)،
فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط
رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر / رضي الله عنه فأخذ رداءه
فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله!
1045

كذاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك،
فأنزل الله عز وجل: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم
أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) [الأنفال: 9] فأمده الله
بالملائكة)،
* قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس قال: (بينما رجل
من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع
ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم!
إذ نظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا، فنظر إليه فإذا هو قد
خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع، فجاء
الأنصاري فحدث ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
1046

(صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة)،
قتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين)،
* قال أبو زميل: قال ابن عباس رضي الله عنه: (فلما
أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر
وعمر:
(ما ترون في هؤلاء الأسارى)؟
فقال أبو بكر: يا نبي الله! هم بنو العم والعشيرة وأرى
أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله / أن
يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ما ترى يا ابن الخطاب)!
قلت: لا، والله! ما أرى الذي رأى
أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم: فتمكن عليا
من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان نسيب لعمر -
فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها،
فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر
ولم يهو ما قلت،
فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه
وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان!!
فقلت: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت
1047

وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت
لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء!
لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة
من نبي الله صلى الله عليه وسلم -)،
وأنزل الله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن
في الأرض) إلى قوله: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) [الأنفال: 67 - 69])،
فأحل الله الغنيمة لهم).
1048

170 - أخبرنا محمد بن أحمد بن علي الفقيه، قال:
أخبرنا أبو بكر بن مردويه، قال: حدثنا عبد الله ابن إسحاق بن
إبراهيم، قال: حدثنا الحسن بن سلام / السواق، قال: حدثنا
عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن
إبراهيم، عن علقمة قال: سمع عبد الله رضي الله عنه بخسف
فقال: (كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نعد الآيات
1051

بركة وأنتم تعدونها تخويفا، بينما نحن مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وليس معنا ماء فقال لنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
(اطلبوا من معه فضل ماء)،
فأتى بماء فصبه في إناء ثم وضع كفه فيه فجعل الماء
يخرج من بين أصابعه ثم قال:
حي على الطهور المبارك والبركة من الله عز وجل
فشربنا منه فقال عبد الله قد كنا نسمع تسبيح الطعام
وهو يؤكل
1052

171 - قال: وأخبرنا أبو بكر بن مردويه قال: حدثنا محمد بن علي بن دحيم ثنا أحمد بن حازم
قال أخبرنا أبو غسان قال: إسرائيل عن
أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال كنا يوم الحديبية
أربع عشرة مئة والحديبية بئر فنزحناها حتى لم نترك فيها
قطرة فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير البئر
فدعا بماء فتمضمض ومج في البئر
قال فمكثنا غير بعيد ثم استقينا حتى روينا ورويت
أو صدرت ركابنا الشك من أبي غسان
1053

172 - قال: وأخبرنا أبو بكر بن مردويه قال: حدثنا
محمد بن عبد الله بن إبراهيم ثنا محمد ابن بشر بن
مطر قال: حدثنا شيبان قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم
1056

عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر رضي الله عنه
قال عطش الناس يوم الحديبية وسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ منها إذ جهش الناس نحوه فقال
ما لكم
قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نشرب ولا نتوضأ إلا
ما بين يديك
قال فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه في الركوة
فجعل الماء يفور بين أصابعه مثل العيون فشربوا وتوضأوا قال:
قلت كم كنتم قال لو كنا مئة ألف كفانا كنا خمس عشرة
مئة
1057

173 - قال: وأخبرنا أبو بكر بن مردويه قال: حدثنا
إبراهيم بن علي البصري قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق
قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا محمد بن جعفر
قال حدثنا: سعيد بن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال:
أتى النبي صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء قدر
1058

ما لا يغمر أصابعه أو هو قدر ما يواري أصابعه فأمر
أصحابه أن يتوضؤا ووضع كفه في الماء فجعلنا نرى الماء
ينبع من بين أصابعه أو أطراف أصابعه حتى توضأ القوم
قلنا لأنس: كم كنتم قال: ثلاث مائة أو زهاء ثلاث
مئة
1059

174 - وفي رواية: أتى بماء في قدح فوضع يده
فيه وجعل ينبع الماء من بين أصابعه
1060

175 - وفي رواية: عن أنس رضي الله عنه أيضا
قال: حضرت صلاة مكتوبة فقام كل قريب الدار إلى طهوره
ومكث أناس فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب فيه
ماء فصغر أن يبسط فيه كفه فتوضأ القوم كلهم قلت: كم كانوا
يا أبا حمزة قال: قد زادوا على ثمانين
1064

77 - فصل
176 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي عمرو قال وجدت في
كتاب جدي أبي عبد الله أنا أبو عبد الله محمد بن
الحسين الهمذاني ثنا محمد بن عبد السلام البيروتي ثنا عبد الله بن داود بن الدلهاث قال:
حدثني أبي أن أباه حدثه عن إسماعيل بن عبد الله بن
مسرع بن ياسر عن أبيه عبد الله عن أبيه مسرع بن ياسر
أن أباه ياسرا حدثه عن عمرو بن مرة الجهني ح
177 - قال عبد الله بن داود وحدثني به الوليد بن
عبد الرحمن بن محمد عن جده: محمد بن حماد أن أباه
حماد بن عبد الله حدثه عن أبيه عبد الله أنه حدثه عن
أبيه: مسرع بن ياسر أن ياسر بن سويد حدثه عن عمرو بن
مرة الجهني أنه كان يحدث قال: خرجت حاجا في جماعة
من قومي في الجاهلية فرأيت وأنا بمكة نورا
1068

ساطعا من الكعبة حتى أضاء لي جبل يثرب وأشعر وجهينة
فسمعت صوتا في النور وهو يقول:
انقشعت الظلماء وسطع الضياء وبعث خاتم
الأنبياء
ثم أضاء إضاءة أخرى حتى نظرت إلى قصور الحيرة
وأبيض المدائن فسمعت صوتا في النور وهو يقول:
ظهر الإسلام وكسرت الأصنام ووصلت الأرحام
1069

فانتبهت فزعا فقلت لقومي والله ليحدثن في هذا الحي
من قريش حدث وأخبرتهم بما رأيت فلما انتهينا إلى بلادنا
قيل: إن رجلا يقال له احمد قد بعث فخرجت حتى أتيته
فأخبرته بما رأيت فقال لي:
يا عمرو بن مرة أنا النبي المرسل إلى العباد كافة
أدعوهم إلى الإسلام وآمرهم بحقن الدماء وصلة الأرحام
وعبادة الله عز وجل ورفض الأصنام وحج البيت وصيام
شهر رمضان شهر من اثني عشر شهرا من أجاب فله
الجنة ومن عصى فله النار فآمن بالله يا عمرو بن مرة
يؤمنك الله من هول جهنم
فقلت: يا رسول الله أشهد أن لا إله إلا الله وأنك
رسول الله آمنت بما جئت به من حلال وحرام وإن أرغم
ذلك كثيرا من الأقوام
وأنشدته أبياتا قلتها حين سمعت به وكان لنا صنم وكان
أبي سادنه فقمت إليه فكسرته حتى لحقت بالنبي صلى الله
عليه وسلم وأنا أقول
شهدت بأن الله حق، وأنني
لآلهة الأحجار أول تارك
وشمرت عن ساقي الإزار مهاجرا
أجوب إليه الوعث بعد الدكادك
1070

لأصحب خير الناس نفسا ووالدا
رسول مليك الناس فوق الحبائك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(مرحبا بك يا عمرو)!
فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي ابعثني إلى قومي
لعل الله أن يمن عليهم بي كما من علي بك، فبعثني إليهم
فقال:
(عليك بالرفق، والقول السديد، ولا تك فظا، ولا
متكبرا، ولا حسودا)،
فأتيت قومي فقلت: يا بني رفاعة! بل يا معشر جهينة!
إني رسول رسول الله إليكم، أدعوكم إلى الجنة، وأحذركم
النار، وآمركم بحقن الدماء وصلة الأرحام، وعبادة الله ورفض
الأصنام، وحج البيت وصيام شهر رمضان - شهر من اثني
عشر شهرا - من أجاب فله الجنة / من عصى فله النار،
يا معشر جهينة! إن الله - وله الحمد - جعلكم خيار من أنتم
منه، وبغض إليكم في جاهليتكم ما حبب إلى غيركم من
العرب: كانوا يجمعون بين الأختين، ويخلف الرجل على امرأة
أبيه، والغزاة في الشهر الحرام، فأجيبوا هذا النبي المرسل من
بني لؤي بن غالب تنالوا شرف الدنيا وكرامة الآخرة، وسارعوا
في ذلك يكن لكم فضيلة عند الله،
1071

فأجابوا إلا رجلا منهم، فقال: يا عمرو! أمر الله عيشك!
أتأمرنا أن نرفض آلهتنا، ونفارق جماعتنا، ونخالف دين آبائنا
إلى ما يدعونا إليه هذا القرشي من أهل تهامة؟ لا، ولا حبا ولا
كرامة، ثم أنشأ يقول:
إن ابن مرة قد أتى بمقالة
ليست مقالة من يريد صلاحا
إني أرى من قوله وفعاله
يوما وإن طال الزمان ذباحا
أتسفه الأشياخ ممن قد مضى
من رام ذاك فلا أصاب فلاحا
فقال عمرو بن مرة: الكاذب مني ومنك أمر الله عيشه
وأبكم لسانه وأكمه أسنانه، قال عمرو: والله! ما مات حتى
سقط فوه وكان لا يجد طعم الطعام وخرس، فخرج عمرو بن
مرة ومن أسلم من قومه / حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم
فكتب لهم كتابا، هذه نسخته:
1072

(بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب أمان من الله على لسان رسول الله صلى الله
عليه وسلم بكتاب صادق، ولسان ناطق مع عمرو بن مرة
لجهينة بن زيد: إن لكم بطون الأرض وسهولها، وتلاع
الأودية وظهورها، ترعون نباته، وتشربون ما فيه على أن
تقروا بالخمس، وتصلوا صلاة الخمس، وفي التيعة
والصريمة شاتان إذا اجتمعتا، وإن فرقتا شاة شاة، ليس على
أهل الميرة صدقة، وليس للوارد التيعة، والله يشهد على
ما بيننا ومن حضر من المسلمين بكتاب قيس بن شماس).
فهذا حين يقول عمرو بن مرة:
ألم تر أن الله أظهر دينه
وبين برهان القران لعامر
كتاب من الرحمن نور لجمعنا
وأحلافنا في كل باد وحاضر
1073

إلى خير من يمشي على الأرض كلها
وأفضلها عند اعتكال الضرائر
أطعنا رسول الله لما تقطعت
بطون الأعادي بالظماء الخواطر
فنحن قبيل قد بنى المجد حولنا
إذا اختليت بالحرب هام الأكابر
1074

بنو الحرب نفريها [بيض كأنها]
وميض (سيوفنا) * تلألأ في أكف المغاور
/ ترى حوله الأنصار يحمون سربهم
بسمر العوالي والصفيح البواتر)
1075

قال الإمام - رحمه الله -:
تفسير الألفاظ الغريبة في الحديث:
* قوله: (ساطعا)، يقال: سطع الغبار: إذا ارتفع.
1078

* و (أشعر وجهينة): قبيلتان.
* و (انقشعت)، أي: انجلت.
* و (أبيض المدائن): حضر المدائن.
* و (حقن الدماء): حبسها وترك إراقتها.
1079

* و (السادن): الذي يخدم الأصنام.
* و (آلهة الأحجار): أصنام من حجارة.
* (أجوب): أقطع.
* و (الوعث): الأرض السهلة.
* و (الدكداك): الأرض الصلبة.
1080

* و (الحبائك): السماوات، واحدتها: حبيكة.
* (لعل الله أن يمن عليهم بي)، أي: يرزقهم الإسلام
بسببي.
* و (الفظ): الغليظ السئ الخلق.
* و (رفض الأصنام): تركها.
1081

* وقوله: (جعلكم خيار من أنتم منه)، يعني: قبائل من
قبائل العرب تركوا في جاهليتهم كثيرا مما كان يفعله غيرهم من
العرب من الفواحش.
* وقوله: (أمر الله عيشك): دعاء عليه، لما كان اسمه
عمرو بن مرة دعا عليه بهذا الدعاء، أخذه من اسم أبيه: مرة.
* و (الذباح): الذبح.
* (أتسفه): أتنسب إلى السفه.
* (رام): طلب.
* و (أكمه أسنانه): كذا في (الكتاب)، ولو (أكمه
إنسانه): لكان أظهر /، والإنسان: إنسان العين.
* و (سقط فوه)، أي: سنه، وفي رواية: فواه.
1082

* وفي رواية: (فحيى وكتب لهم كتابا): أي: حياهم
ورحب بهم.
* (بكتاب صادق)، أي: أرسله بكتاب صادق.
* و (تلاع الأودية): أعاليها.
* وقوله: (و تشربون ما فيه): كذا في (الكتاب)،
والصواب: (ماءه).
* و (التيعة والصريمة): أربعون، وهذا إذا كان الثمانون
لشريكين، فأما إذا كان لواحد ففي الثمانين: شاة.
1083

* وقوله: (ليس للوارد التيعة - أو التيعة -): لست
1086

أقف على معناه.
* و (الأخلاف): الذين تحالفوا وتعاقدوا.
* وقوله: (عند اعتكال): كذا في (الكتاب)
- باللام - ولعله بالراء، يقال: اعتكر
الظلام: إذا اختلط، وإن كان باللام فمعناه:
1087

اشتبه، وقيل: اعتكل الثوران: تناطحا.
* و (الظماء): جمع ظمآن.
* و (الخواطر): المتحركة.
* و (اختليت)، أي: قطعت.
1088

* و قوله: (بنو الحرب نفريها): أي: نقطعها.
* وسقط من (الكتاب) كلمة، والصواب:
... نفريها ببيض كأنها
وميض تلألأ في أكف المغاور
1089

* و (المغاور): جمع مغوار، وهو: الكثير الغارة.
* و (يحمون سربهم)، يعني: أهلهم.
* (بسمر العوالي)، يعني: بالرماح.
/ * و (الصفيح)، يعني: السيوف.
1090

* (البواتر): القواطع.
1091

78 - فصل
178 - أخبرنا أبو محمد: الحسن بن أحمد السمرقندي
الحافظ، قال: أخبرنا عبد الصمد العاصمي، قال: حدثنا
أبو العباس البجيري، قال: حدثنا أبو حفص البجيري، قال:
حدثني أبي، قال: حدثنا أبو رجاء، قال: أخبرنا يعقوب بن
عبد الرحمن، عن أبي حازم، قال: أخبرني سهل بن سعد أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر:
(لأعطين هذه الراية غدا: رجلا يفتح الله على يديه،
يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)،
فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح
الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا
أن يعطاها، فقال:
(أين علي بن أبي طالب)؟
فقالوا: يا رسول الله! يشتكي عينه قال:
(فأرسلوا إليه)،
فأتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه سلم في عينه
ودعا له فبرأ حتى لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، وقال:
1092

(انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى
الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله!
لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر
النعم).
1093

قال الإمام - رحمه الله -:
* قوله: (يدوكون)، أي: يتفكرون، / والدوك في
اللغة: الاختلاط، والمدوك حجر يدق
1094

به، والمداك عبد حجر العطار.
* (على رسلك)، أي: سكونك، والرسل: الرفق.
* و (حمر النعم)، الإبل الحمر، وهي عزيزة عند
العرب.
179 - وأخبرنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الصمد،
قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا أبو حفص، قال: وقال
عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن
البراء قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
1095

أبي رافع، اليهودي رجالا من الأنصار، وأمر عليهم:
عبد الله بن عتيك،
وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويعين عليه، وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنوا منه
- وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم - قال عبد الله
لأصحابه: اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب، لعلي
أن أدخل،
فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي
حاجة وقد دخل الناس، فهتف به البواب يا عبد الله! إن كنت
تريد أن تدخل فادخل، فإني أريد أن أغلق الباب، فدخلت
فكمنت، فلما دخل الناس أغلق الباب، ثم علق الأغاليق على
ود، /
فقال: فقمت إلى الأقاليد فأخذتها ففتحت الباب، وكان
أبو رافع يسمر عنده وكان في علالي له، فلما ذهب عنه أهل
سمره صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت علي من
داخل، قلت: إن القوم نذروا لم يخلصوا إلي حتى أقتله،
وانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله لا أدري أين
هو من البيت؟ قلت أبا رافع! قال: من هذا؟ فأهويت نحو
الصوت فأضربه ضربة بالسيف وأنا دهش فما أغنيت شيئا
وصاح، فخرجت من البيت فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه،
1096

فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع! قال: لأمك الويل، إن رجلا
في البيت ضربني قبل بالسيف، قال: فأضربه ضربة أثخنته
ولم أقتله، ثم وضعت صبيب السيف في بطنه حتى أخذ في
ظهره فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب بابا بابا حتى
انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت
إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة وانكسرت ساقي
فعصبتها بعمامة، ثم انطلقت حتى جلست على الباب، فقلت:
لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته؟ فلما صاح الديك / قام الناعي
على السور فقال: أنعى أبا رافع تاجر أهل الحجاز،
فانطلقت إلى أصحابي فقلت: النجاء، فقد قتل الله
أبا رافع، فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته
فقال:
(ابسط رجلك)،
فبسطت رجلي فمسحها، فكأنما لم أشتكها قط).
1097

قال الإمام - رحمه الله -:
قوله: (راح الناس
1098

بسرحهم)، أي: انصرفوا بالإبل والغنم عشيا من مراعيها
إلى الحصن.
* و (كمنت)، أي: استترت.
* و (الأغاليق): المفاتيح، وكذلك الأقاليد.
1099

* و (الود): الوتد.
* (يسمر عنده) أي: يتحدث عنده بالليل.
* (علالي): جمع علية، وهي: الغرفة.
* (نذروا): علموا.
* (قلت: أبا رافع): منادى مضاف.
1100

* (فأهويت): قصدت.
* (صبيب السيف): ذبابه، وهو طرفه.
* و (الناعي): الذي يخبر بالموت.
* و (النجاء): السرعة، وانتصابه على المصدر، أي:
1101

انجوا النجاء.
1102

79 - فصل
180 - أخبرنا أحمد بن الحسن بن خيرون العدل
ببغداد رحمه الله، قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان، قال: أخبرنا
أبو بكر الشافعي، قال: حدثنا الحسين بن شاكر، قال: حدثنا
محمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو قرة، قال: ذكر زمعة بن
صالح، عن زياد بن سعد، قال: حدثني أبو الزبير، أنه سمع
يونس بن خباب الكوفي يحدث، أنه سمع أبا عبيدة بن /
عبد الله يحدث، عن عبد الله بن معسود رضي الله عنه أنه قال:
(جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مقبلون
إلى مكة في عمرة، فقالت: يا رسول الله! إن ابني قد أفسده
الشيطان، والله! ما يدعه ساعة، قال:
1103

(ارفعيه إلي)،
فجعل رأسه بين فخذيه وواسطة الرحل، ثم فتح فمه
فبزق فيه وقال:
(أنا رسول الله فاخرج عدو الله)
ودفعه إليها وقال:
(قد برأ ابنك فجيئينا عليه إذا رجعنا إلى هذا المنزل إن
شاء الله)،
فلما رجع أقبلت إليه بثلاثة أكبش يسوقهن الغلام، فقال
لها:
(كيف فعل ابنك)؟
قالت: هو هذا يا رسول الله! قد برأ وقد أهدى لك ثلاثة
أكبش، قال:
(يا بلال! خذ منها واحدا واترك لها اثنين)،
قال: ثم ذهب إلى الغائط وكان يبعد حتى لا يراه أحد،
فلم يجد شيئا يتوارى وراءه، فبصر بشجرتين متباعدتين، فقال:
1104

(اذهب إلى هاتين الشجرتين فقل لهما: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا فيتوارى وراءكما)،
فمشت إحداهما إلى الأخرى حتى قضى حاجته، ثم
عادت كل واحدة منهما إلى مكانها،
ثم أقبلنا حتى إذا دخلنا / أزقة المدينة جاء جمل يشتد
إليه حتى سجد له ثم قام بين يديه فذرفت عيناه، فقال:
(من صاحب هذا الجمل)،
قالوا: فلان، قال:
(ادعوه إلي)،
فأتاه، فقال:
(ما شأنك وهذا الجمل يشكوك)؟
قال: هذا جمل كنا نسنوا عليه من عشرين سنة، ثم سمناه
فأردنا أن ننحره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(بئسما جزيته قد اشتكى ذلك، أعملت عليه عشرين
سنة حتى إذا كبرت سنه وضعف عظمه أردت أن تنحره؟!
بعنيه أو هبه لي)،
1105

فقال: هو لك يا رسول الله! فقال:
(أرسلوا به إلى الظهر)،
فأرسل إلى الظهر مع ظهره، فقال الناس حينئذ:
يا رسول الله! نحن أحق أن نسجد لك من هذا الجمل، فقال:
(معاذ الله! أن يسجد لي أحد، و لو قلت لأحد أن يسجد
لأحد لقلت للمرأة أن تسجد لزوجها).
1106

قال الإمام - رحمه الله -:
قوله: (وكان يبعد) - بضم الياء -، أي: يذهب
بعيدا.
* وقوله: (نسنوا عليه)، أي: نسقي عليه الماء للحرث
والزرع.
* و (الظهر): الركاب، وهي الإبل التي تركب.
1128

80 - فصل
181 - أخبرنا أحمد بن زاهر الطوسي، قال: أخبرنا
محمد بن إبراهيم الفارسي، قال: حدثنا أبو أحمد الجلودي،
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال: حدثنا
مسلم بن / الحجاج، قال: حدثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا
عمر بن يونس الحنفي، قال: حدثنا عكرمة، قال: حدثنا
إياس بن سلمة، قال: حدثني أبي قال: (غزونا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم حنينا، فلما واجهنا العدو تقدمت، فأعلوا
ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني فما
دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية
أخرى فالتقوا هم وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فولى
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأرجع منهزما وعلي
بردتان، متزر بإحداهما مرتد بالأخرى، فاستطلق إزاري
فجمعتهما جميعا، ومررت على رسول الله صلى الله عليه
وسلم - منهزما - وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
1129

(لقد رأى ابن الأكوع فزعا)،
فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزا عن
البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به
وجوههم، فقال:
(شاهت الوجوه)،
فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك
القبضة، فولوا مدبرين! فهزمهم الله، فقسم رسول الله صلى الله
عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين).
قال الإمام - رحمه الله -:
(غشوا) - بتخفيف الشين - أي: / قربوا منه.
1130

* و (نزا): أي: وثب، وفي غير هذه الرواية:
(نزل).
* وقوله: (شاهت الوجوه)، أي: قبحت.
182 - قال: وحدثنا مسلم بن الحجاج، قال: حدثنا
أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الله بن نمير ح،
1131

183 - قال: وحدثنا ابن نمير - وتقاربا في
اللفظ -، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبد العزيز بن سياه،
قال: حدثنا حبيب ابن أبي ثابت، عن أبي وائل، قال: قام
سهل بن حنيف يوم صفين فقال: (يا أيها الناس! اتهموا
أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا - وذلك في الصلح الذي كان بين
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين -، فجاء
عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: يا رسول الله! ألسنا على حق وهم على باطل؟
قال:
(بلى)،
قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال:
(بلى)،
قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله
بيننا وبينهم؟ فقال:
(يا ابن الخطاب! إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا)،
قال: فانطلق عمر فلم يصبر متغيظا، فأتى أبا بكر فقال:
1132

يا أبا بكر! ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى، قال:
أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، / قال:
فعلام نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا
وبينهم؟ قال: يا ابن الخطاب! إنه رسول الله ولن يضيعه الله
أبدا، قال: فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالفتح، فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه، فقال: يا رسول الله!
أو فتح هو؟ قال:
(نعم)،
فطابت نفسه ورجع).
1133

قال الإمام:
* قوله: (نعطي الدنية)، أي: نقبل الذل ونحتمل منهم
ما يحكمون به علينا.
* و قوله: (فعلام)، أصله: فعلى ما، حذفت منه الألف
تخفيفا - وكذلك في قوله إلام وعم -، ومعناه: فعلى أي
شيء.
1134