الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ١٤
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

حديث ثالث عشر لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار (1) لا خلاف عن مالك في لفظ هذا الحديث بهذا الإسناد ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر (2) هكذا قال حماد بن زيد عن أيوب ورواه شعبة وسعيد بن أبي عروبة عن أيوب بإسناده بلفظ حديث مالك ومعناه ورواه ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله البيعان بالخيار حتى يتفرقا أو يكون بيع خيار قال وربما قال نافع أو يقول أحدهما لصاحبه اختر ورواه
7

عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام فقال فيه ما لم يتفرقا أو يكون خيار ولفظ عبد الله ابن دينار عن ابن عمر عن النبي عليه السلام كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا قال إلا بيع الخيار (1) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا من وجوه كثيرة من حديث سمرة بن جندب وأبي برزة الأسلمي وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وحكيم بن حزام وغيرهم وأجمع العلماء على أن هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من أثبت ما نقل الآحاد العدول (أ) واختلفوا في القول به والعمل بما دل عليه فطائفة استعملته وجعلته أصلا من أصول الدين في البيوع وطائفة ردته فاختلف الذين ردوه في تأويل ما ردوه به وفي الوجوه (ب) التي بها دفعوا (ج) العمل به فأما الذين ردوه فمالك وأبو حنيفة وأصحابهما لا أعلم أحدا رده غير هؤلاء إلا شيء روي عن إبراهيم النخعي
8

فأما مالك رحمه الله (فإنه) (أ) قال في موطئه لما ذكر هذا الحديث وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به (1) واختلف المتأخرون من المالكيين في تخريج وجوه قول مالك هذا فقال بعضهم دفعه مالك رحمه الله بإجماع أهل المدينة على ترك العمل به وإجماعهم حجة فيما أجمعوا عليه ومثل هذا يصح فيه العمل لأنه مما يقع متواترا ولا يقع نادرا فيجهل فإذا (ب) أجمع (ج) أهل المدينة على ترك العمل به وراثة بعضهم عن بعض فمعلوم أن هذا توقيف أقوى من خبر الواحد والأقوى أولى أن يتبع وقال بعضهم لا يصح دعوى إجماع أهل المدينة في هذه المسألة لأن سعيد بن المسيب وابن شهاب وهما أجل فقهاء أهل (د) المدينة روي عنهما منصوصا (العمل به) ولم يرو عن أحد من أهل المدينة نصا ترك العمل به إلا عن مالك وربيعة وقد اختلف فيه عن ربيعة وقد كان ابن أبي ذئب وهو من فقهاء أهل المدينة في عصر مالك
9

ينكر على مالك اختباره ترك العمل به حتى جرى منه لذلك في مالك قول خشن حمله عليه الغضب ولم (أ) يستحسن مثله منه فكيف يصح لأحد أن يدعي إجماع أهل المدينة في هذه المسألة هذا ما لا يصح القول به وقال هذا القائل في معنى قول مالك وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به إنما أراد الخيار لأنه قال ذلك فأثر قوله إلا بيع الخيار وأراد مالك بقوله هذا ليس عندنا في المدينة في الخيار حد معروف ولا أمر معمول به فيه إنكارا لقول أهل العراق وغيرهم القائلين بأن الخيار لا يكون في جميع السلع إلا ثلاثة أيام والخيار عند مالك وأهل المدينة يكون ثلاثا وأكثر وأقل على حسب اختلاف حال المبيع وليس الخيار عنده في الحيوان كهو في الثياب ولا هو في الثياب كهو في العقار وليس لشيء من ذلك حد بالمدينة لا يتجاوز كما (ب) زعم المخالف قال فهذا معنى ما أراد مالك رحمه الله بقوله وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به أي ليس للخيار واشتراطه عندنا حد لا يتجاوز في العمل به سنة كما زعم من خالفنا قال وأما حديث البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (ج) فإنما رده اعتبارا ونظرا واختيارا (د) مال فيه إلى بعض أهل بلده كما صنع في سائر مذهبه
10

قال أبو عمر قد أكثر المتأخرون من المالكيين والحنفيين من الاحتجاج لمذهبهما في رد هذا الحديث بما يطول ذكره وأكثره تشغيب لا يحصل منه على شيء لازم لا مدفع له ومن جملة ذلك أنهم نزعوا بالظواهر وليس ذلك من أصل مذهبهم فاحتجوا (أ) بعموم قول الله عز وجل * (أوفوا بالعقود) * 1 قالوا وهذان قد تعاقدا وفي هذا الحديث إبطال الوفاء بالعقد وبعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه (2) قالوا فقد أطلق بيعه إذا استوفاه قبل التفريق وبعده وبأحاديث (ب) كثيرة مثل هذا فيها (ج) إطلاق البيع دون ذكر التفرق وهذه ظواهر وعموم لا يعترض بمثلها على الخصوص والنصوص وبالله التوفيق واحتجوا أيضا بلقطة رواها عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقبله (3)
11

قالوا فهذا يدل على أنه قد تم البيع بينهما قبل الافتراق لأن (أ) الإقالة لا تصح إلا فيما قد تم من البيوع وقالوا قد يكون التفرق بالكلام كعقد النكاح وشبهه وكوقوع الطلاق الذي قد سماه الله فراقا والتفرق والكلام في لسان العرب معروف أيضا كما هو بالأبدان واعتلوا بقول الله عز وجل * (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) * 1 وقوله * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا) * 2 ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم تفترق أمتي (3) لم (ب) برد بأبدانهم (ج) قالوا ولما كان الاجتماع بالأبدان لا يؤثر في البيع كذلك الافتراق (د) لا يؤثر في البيع وقالوا إنما أراد بقوله صلى الله عليه وسلم المتبايعان بالخيار المتساومين قال ولا يقال لهما متبايعان إلا ما داما في حال فعل التبايع فإذا وجب البيع لم يسميا متبايعين وإنما يقال كانا (ه) متبايعين مثل ذلك المصلي
12

والآكل والشارب والصائم فإذا انقضى فعله ذلك قيل كان صائما وكان آكلا ومصليا وشاربا ولم يقل إنه صائم أو مصل أو آكل (أ) أو شارب إلا مجازا أو تقريبا واتساعا وهذا لا وجه له في الأحكام قالوا فهذا يدل على أنه أراد بقوله البيعان بالخيار ما لم يفترقا والمتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا المتساومين وعن أبي يوسف القاضي نصا أنه قال هما المتساومان (ب) قال فإذا قال بعتك بعشرة فللمشتري الخيار في القبول في المجلس قبل الافتراق والبائع خيار الرجوع في قوله قبل قبول المشتري وعن عيسى بن أبان نحوه أيضا وقال محمد بن الحسن معنى قوله في الحديث البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أن البائع إذا قال قد بعتك فله أن يرجع ما لم يقل المشتري قد قبلت وهو قول أبي حنيفة وقد روي عن أبي حنيفة أنه كان يرد هذا الخبر باعتباره إياه على أصوله كسائر فعله في أخبار الآحاد كان يعرضها على الأصول المجتمع عليها عنده ويجتهد في قبولها أو ردها فهذا (ج) أصله في أخبار الآحاد وروي عنه أنه كان يقول في رد هذا الحديث أرأيت إن كانا في سفينة أرأيت إن كانا في سجن أو قيد كيف يفترقان
إذن (د) فلا يصح بين هؤلاء بيع أبدا وهذا مما عيب به أبو حنيفة وهو أكبر عيوبه وأشد ذنوبه عند أهل الحديث الناقلين لمثالبه
13

باعتراضه الآثار الصحاح ورده لها برأيه وأما الإرجاء المنسوب إليه فقد كان غيره فيه أدخل وبه أقول (1) لم يشتغل أهل الحديث من نقل مثالبه ورواية سقطاته مثل ما اشتغلوا به من مثالب أبي حنيفة والعلة في ذلك ما ذكرت لك لا غير وذلك ما وجدوا له من ترك السنن وردها برأيه أعني السنن المنقولة بأخبار العدول الآحاد الثقات والله المستعان وقال مالك لا خيار للمتبايعين إذا عقد البيع بكلام وإن لم يفترقا (أ) وذكر ابن خواز منداد عن مالك في معنى البائعين بالخيار ما لم يفترقا (ب) نص ما ذكرناه عن محمد بن الحسن وأبي حنيفة كان إبراهيم النخعي يرى البيع جائزا وإن لم يفترقا وقال سفيان الثوري وسفيان بن عيينة وابن أبي ذئب والليث بن سعد وعبد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة وسوار القاضي والشافعي وأصحابه وعبد الله بن المبارك إذا عقد المتبايعان بيعهما (ج) فهما جميعا بالخيار في إتمامه وفسخه ما داما في مجلسهما ولم يفترقا (د) بأبدانهما والتفرق في ذلك كالتفرق في الصرف سواء
14

وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي ثور وأبي عبيد وداود بن علي والطبري وروي ذلك عن عبد الله بن عمر وأبي برزة الأسلمي وسعيد بن المسيب وشريح القاضي والشعبي والحسن البصري وعطاء وطاوس والزهري وابن جريج ومعمر ومسلم بن خالد الزنجي والأوزاعي ويحيى القطان وعبد الرحمان بن مهنى وقال الأوزاعي هما بالخيار ما لم يفترقا إلا بيوع ثلاثة بيع السلطان للغنائم والشركة في الميراث والشركة في التجارة فإذا صافقه في هذه الثلاثة فقد وجب البيع وليسا فيه (أ) بالخيار قال وحد الفرقة أن يتوارى كل واحد منهما عن صاحبه وهو قول أهل الشام وقال الليث التفرق أن يقوم أحدهما قال أبو عمر قد أكثر الشافعيون في بطلان ما اعتل به المالكيون والحنفيون في هذه المسألة فمن جملة ذلك أنهم قالوا لا حجة فيما نزع به المخالف من قول الله عز وجل * (أوفوا بالعقود) * لأن هذا عموم تعترضه (ب) ضروب من التخصيص وإن ما (ج) يجب أن توفى به من العقود ما كان عقدا صحيحا في الكتاب والسنة أو في أحدهما وما لم يكن كذلك فليس يجب الوفاء به ألا ترى أنهما لو عقدا بيعا في الطعام قبل أن يستوفى أو عقدا بيعا على شيء من الربا أو على شيء
15

من البيوع المنهي عنها المكروهة التي وردت السنة بإبطالها هل كان يجب الوفاء بشيء من ذلك قال صلى الله عليه وسلم كل عمل ليس عليه (أ) أمرنا فهو رد (1) ولا طاعة إلا في المعروف وأما ما اعتلوا به من طواهر الآثار فغير لازم لأن البيع لا يتم إلا بالافتراق فلا وجه لما قالوه وأما اعتلالهم بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله (ب) فإن هذا معناه إن صح على الندب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم من أقال مسلما أقال الله عثرته (2) وبإجماع المسلمين على أن ذلك يحل لفاعله على ظاهر الحديث وقد كان ابن عمر وهو الذي روى حديث البيعان (ج) بالخيار ما لم يفترقا إذا بايع أحدا وأحب أن ينفذ البيع مشى قليلا ثم رجع وفي حديث عمرو بن شعيب أيضا ما يدل على أنه لا بيع بينهما وأن كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا
16

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا أبو صالح وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلا أن تكون صفقة خيار ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله وأخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إسحاق بن محمد القروي قال حدثنا مالك عن سمي بن أبي صالح عن أبي هريرة أن (أ) رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أقال نادما في بيع أو قال بيعته أقاله الله (ب) يوم القيامة (1) وروى (ج) عبد الرزاق عن معمر عن محمد (د)
17

بن واسع (1) عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (بمثله) (أ) فهذا يدل على أن ذلك ندب وقوله لا يحل لفظة منكرة فإن (ب) صحت فليست على ظاهرها لإجماع المسلمين أنه جائز له أن يفارقه لينفذ بيعه ولا يقيله إلا أن يشاء وفيما أجمعوا عليه من ذلك رد لرواية من روى ولا (ج) يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله فإن لم يكن وجه هذا الخبر الندب وإلا فهو باطل بإجماع وأما ما اعتلوا به من أن الافتراق قد يكون بالكلام وأنه جائز أن يكون أري بذكر الافتراق في هذا الحديث الافتراق بالكلام فيقال لهم خبرونا (د) عن الكلام الذي وقع به الاجتماع وتم به البيع أهو الكلام الذي أريد به الافتراق أم غيره فإن قالوا هو غيره فقد أحالوا وجاءوا بما لا يعقل لأنه ليس ثم كلام غير ذلك وإن قالوا هو ذلك الكلام (ه) بعينه قيل لهم كيف يجوز أن يكون الكلام الذي به اجتمعا وتم بيعهما به افترقا وبه انفسخ بيعهما هذا ما لا يفهم ولا يعقل والاجتماع ضد
18

الافتراق فكيف يجوز أن يكون الكلام الذي اجتمعا به افتراقا به نفسه هذا عين المحال والفاسد من (أ) المقال وأما قولهم المتساومان في معنى المتبايعين فلا وجه له لأنه لا تكون حينئذ في الكلام فائدة ومعلوم أن المتساومين بالخيار كل واحد منهما على صاحبه ما لم يقع الإيجاب بالبيع والعقد (ب) والتراضي فكيف يرد الخبر بما لا يفيد فائدة (ج) وهذا ما لا يظنه ذو لب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما اعتلالهم بتسمية الفاعل بفعله الدائم ما دام يفعله كالمصلي والآكل وشبه ذلك فيدخل عليهم أن هذا لا يصح إلا في الأفعال المتعلقة بواحد كالصوم والصلاة والأكل والشرب وما أشبه ذلك أما الأفعال التي لا تتم إلا من اثنين كالمبايعة والمقاتلة والمبارزة وما أشبه ذلك فلا يجوز أن يتم الاسم إلا وهو موجود منهما جميعا ويدخل عليهم أيضا أن السارق والزاني وما أشبههما لا يقع عليهما (د) الاسم إلا بعد تمام الفعل الموجب للحد وما دام الاسم موجودا فالحد واجب إن لم يقم حتى يقام وأما قولهم لما لم يكن لاجتماع الأبدان تأثير في البيع فكذلك الافتراق بالأبدان لا يؤثر في البيع فيدخل عليهم أن
19

التبايع لما لم يكن فيه بد من الكلام ثم ذكر عقبه التفريق علم أنه أريد به غير الكلام ويدل على ذلك فعل ابن عمر الذي روى الحديث وعلم مخرجه والمراد من معناه ومثل هذا قول عمر بن الخطاب لطلحة بن عبيد الله في الصرف لا تفارقه ولا إلى أن يلج بيته (1) وهو المفهوم من لسان العرب والمعروف من مرادها (أ) في مخاطباتها بالافتراق افتراق الأبدان وغير ذلك مجاز وتقريب واتساع وبالله التوفيق حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال
حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم (ب) يتفرقا (ج) أو يكون بيع خيار قال وربما قال نافع أو يقول (د) أحدهما اختر (2) وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار وحدثنا عبد الوارث أيضا قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا
20

مسدد قال حميد حدثنا يحيى بن عبيد (أ) الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بيعين أحدهما على صاحبه بالخيار ما لم يتفرقا (ب) أو يكون خيارا (1) وقرأت على عبد الوارث أيضا أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا ابن عيينة عن ابن جريج قال أملى علي نافع سمع عبد الله بن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبايع المتبايعان فكل واحد منهما (ج) بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا (د) أو يكون بيعهما عن خيار (فإن كان بيعهما عن خيار) (ه) فقد وجب (2) وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن داود حدثنا الليث (و) بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا تبايع
21

الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا (أ) وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع (1) وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا (ب) إلا بيع الخيار (6) وأما (ج) حديث حكيم بن حزام فرواه شعبة (عن قتادة أنه سمعه من أبي الخليل عن عبيد (د) الله بن الحارث عنه أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن عبيد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإن
22

صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت البركة من بيعهما (1) وأما حديث سمرة فرواه شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة وهمام وحماد بن سلمة وغيرهم عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (أ) وبعضهم يزيد فيه أو يكون بيعهما على خيار واختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلا بيع الخيار وقوله أو يكون بيعهما عن (ب) خيار فقال قائلون هذا الخيار المشترط من كل واحد منهما على حسب ما يجوز من ذلك كالرجل يشترط الخيار ثلاثة أيام أو نحوها (فإن المسلمين على شروطهم) (ج) وهذا قول الشافعي وأبي ثور وجماعة وقال آخرون معنى قوله إلا بيع الخيار وقوله إلا أن يكون بيعهما عن خيار ونحو هذا هو أن يقول أحدهما بعد تمام البيع لصاحبه اختر إنفاذ البيع أو فسخه فإن اختار إمضاء البيع تم البيع بينهما وإن لم يتفرقا (د) هذا قول الثوري والليث بن سعد والأوزاعي وابن عيينة
23

وعبيد الله (1) بن الحسن (أ) وإسحاق بن راهويه وروي ذلك أيضا عن الشافعي وكان أحمد بن حنبل يقول هما بالخيار أبدا قالا هذا القول أو لم يقولاه حتى يفترقا بأبدانهما من مكانهما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد عن جميل بن مرة عن أبي الوضي قال غزونا غزوة (2) منزلنا منزلا فباع صاحب لنا فرسا بغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما فلما أصبحا (ب) من الغد وحضر الرجل (ج) قام (3) إلى فرسه ليسرجه (د) فندم فأتى (ه) صاحبه (4) فقال بيني وبينك أبو برزة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقصا (5) عليه القصة فقال أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم
24

يفترقا (1) قال (أ) هشام بن حسان (ب) وحدث جميل أنه قال ما أراكما افترقتما قال أبو عمر جميل بن مرة يكنى أبا (ج) الوسمي بصري ثقة عند أحمد بن حنبل وغيره روى عنه حماد بن زيد وجماعة (2) وأبو الوضي (د) السحتني قال أحمد بن صالح تابعي بصري ثقة سمع أبا برزة والحسن بن علي وغيرهما روى عنه هشام بن حسان وجميل بن مرة (3) وقال الطحاوي حديث أبي برزة هذا قال فيه جميل بن مرة عن أبي الوضي باع صاحب لنا فرسا وقال فيه أقمنا يومنا وليلتنا فلما كان من الغد قال هشام بن حسان عن أبي الوضى أنهم اختصموا إلى أبي برزة في جارية وفيه فبات المشتري مع
25

البائع فلما أصبح قال لا أرضاها وبعضهم يقول فيه فقام معها قال (أ) أبو جعفر ولا شك إذا كانا قد أقاما بعد تبايعهما يوما وليلة أنهما قد قاما إلى غائط أو بول أو صلاة أو (ب) قام إلى أسراج الفرس وقد قام معها في قصة الجارية وهذا عند الجميع تفرق قال (ج) فمعنى (د) قول أبي برزة في التفرق ههنا التفرق بالبيع لأن أحدهما أدى البيع والآخر جحده قال أبو عمر الصحيح في حديث أبي برزة (عن) (ه) النبي صلى الله عليه وسلم (أنه) (و) قال البيعان بالخيار مالم يتفرقا (ز) وغير ذلك تأويل أبي برزة والمراد من الحديث قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء عن ابن عمر في تأويله غير ما ذهب إليه أبو برزة وابن عمر أفقه من أبي برزة وروايته أصح وحديثه أثبت وهو الذي عول عليه أكثر الفقهاء في هذا الباب قرأت على عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قراءة عليه قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يونس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله (ح) قال قال ابن عمر كنا إذا تبايعنا كان
26

كل واحد منا بالخيار ما لم يفترق المتبايعان قال فتبايعت أنا وعثمان مالا لي بالوادي بمال كثير (بخيبر) قال فلما بايعته طفقت على عقبي القهقرى خشية أن يرادني عثمان البيع قبل أن أفارقه (1) وأما قوله في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر المذكور (أ) إلا بيع الخيار فقد مضى ما للعلماء في تأويل هذه اللفظة واختلفوا في شرط الخيار ومدته فقال مالك يجوز شرط الخيار شهرا أو أكثر هكذا (ب) حكى ابن خواز منداد عنه وهو قول (ج) ابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والأوزاعي كلهم يقول بجواز اشتراط الخيار شهرا أو أكثر والشرط لازم إلى الوقت الذي يشترط فيه الخيار وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وإسحاق ولم يفرقوا بين أجناس
المبيعات وذكر (د) ابن القاسم وغيره عن مالك قال يجوز شرط الخيار في بيع الثوب اليوم واليومين وما أشبه ذلك (ه) وما كان أكثر من ذلك فلا خير فيه وفي الجارية يكون أبعد من ذلك قليلا الخمسة أيام والجمعة ونحو ذلك وفي الدابة اليوم وما أشبهه يركبها ليعرف ويختبر ويستشير
27

فيها وما بعد من أجل الخيار فلا خير فيه ولا فرق بين شرط الخيار للبائع والمشتري وقال الليث بن سعد يجوز الخيار اليوم واليومين والثلاثة قال وما بلغنا فيه وقت إلا أنا نحب أن يكون ذلك قريبا إلى ثلاثة أيام قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما يجوز البيع في الأشياء بشرط الخيار للبائع والمشتري ثلاثة أيام إلا فيما يجب تعجيله في المجلس نحو الصرف والسلم وقال أبو حنيفة وزفر والشافعي لا يجوز اشتراط الخيار أكثر من ثلاث في شيء من الأشياء فإن فعل فسد البيع قال الشافعي ولولا الخبر ما جازت الثلاثة ولا غيرها في الخيار وقال ابن شبرمة والثوري لا يجوز اشتراط الخيار للبائع بحال قال (أ) الثوري إن اشترط البائع الخيار فالبيع فاسد قال ويجوز شرط الخيار للمشتري عشرة أيام وأكثر وقال الحسن بن حي إذا اشترى الرجل الشيء فقال له البائع اذهب فأنت فيه بالخيار فهو فيه بالخيار أبدا حتى يقول قد رضيت وقال ما أدري ما الثلاث إذا باعه فقد رضي وإن كانت جارية بكر فوطئها فقد رضي وقال عبيد الله (ب) بن الحسن
28

لا يعجبني طول (أ) الخيار وكان يقول للمشتري الخيار ما رضي البائع ولا يجوز عند مالك النقد في بيع الخيار فإن اشترط النقد في بيع الخيار فالبيع فاسد وفي مذهب أبي حنيفة أيضا لا يجب نقد الثمن مع بقاء الخيار فإن اشترط نقد الثمن مع بقاء الخيار فالشرط فاسد والبيع صحيح قال أبو عمر أما الخبر الذي يزعم الشافعي أنه لولاه ما جاز اشترط الخيار للبائع (ب) أصلا ولا للمشتري وإنما أجازه ثلاثا من أجله فحديث سفيان بن عيينة رواه الشافعي والناس عنه عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن منقذا شج في رأسه مأمونة في الجاهلية فحبلت لسانه فكان مخدعا في البيع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بع وقل ولا خلابة ثم أنت بالخيار ثلاثا من بيعك وحديث أيوب وهشام بن حسان عن محمد بن (ج) سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ابتاع مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام وروى عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
29

مثله وسنذكر المصراة والحكم فيها وما للعلماء في ذلك في باب أبي الزناد من كتابنا هذا إن شاء الله وجماعة الفقهاء بالحجاز والعراق يقولون إن مدة الخيار إذا انقضت قبل أن يفسخ من له الخيار البيع تم البيع ولزم وبه قال المتأخرون من الفقهاء أيضا أبو ثور وغيره إلا أن مالكا قال إذا اشترط المشتري (أ) الخيار لنفسه ثلاثا فأتى به بعد مغيب الشمس من آخر أيام الخيار أو من الغد أو قرب ذلك فله أن يرد وإن تباع ذلك لم يرد وهو رأي ابن القاسم قال مالك إن اشترط (ب) أنه إن غابت الشمس من آخر أيام الخيار فلم يأت بالثوب لزم البيع فلا خبر في هذا البيع وهذا مما انفرد به أيضا رحمه الله وحجة من أجاز الخيار واشترطه أكثر من ثلاث قوله صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم قال أبو عمر ومن هذا الباب أيضا اختلافهم في لفظ الإيجاب والقبول فقال مالك إذا قال بعني سلعتك بعشرة فقال بعتك صح البيع ولا يحتاج الأول أن يقول قد قبلت وهو قول الشافعي في البيوع إلا أنه قال في النكاح إذا
30

قال له قد زوجتك وقال قد قبلت (أ) لم يصح حتى يقول المتزوج زوجني ابنتك ويقول الآخر قد زوجتكها ويقول المتزوج قد قبلت نكاحها وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا قال بعني سلعتك بكذا فقال الآخر (ب) قد بعتك لم يصح إلا أن يقول الأول قد قبلت وهو قول ابن القاسم وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه إذا قال زوجني فقال قد زوجتكها كان تزويجا ولا يحتاج إلى قبول الزواج بعد ذلك قال فرقوا بين البيع والنكاح وحكي عن الشافعي أن قوله في البيوع أيضا مثل قوله في النكاح ولم يختلف قوله في النكاح وقال الحسن بن حي إذا قال أبيعك هذا الثوب بثمن ذكره فقال المشتري قد قبلت فالبائع بالخيار إن شاء ألزمه (ج) وإن شاء لم يلزمه وعن مالك في هذا الباب مسألة يخالفه فيها الجماعة الفقهاء فيما ذكر الطحاوي قال مالك فيما ذكر ابن القاسم عنه إذا قال بكم سلعتك فيقول مائة دينار فيقول الرجل أخذتها فيقول
31

لا أبيعك وقد كان أوقفها للبيع فإنه يحلف بالله ما ساومه على الإيجاب في البيع ولا على الركون وإنما ساومه وهو (أ) يريد غير الركون فإن حلف كان القول قوله وإن لم يحلف لزمه قال أبو جعفر الطحاوي ما ذكر ابن القاسم عن مالك بأنه يصدق أنه لم يرد به عقد بيع في الخطاب الذي ظاهره البيع فإنا لم نعلم أحدا من أهل العلم قاله غيره (ب) وجاز الخيار عند مالك وأصحابه (إلى غير مدة معلومة) إذا جعل الخيار بغير مدة معلومة (ج) ويجعل السلطان له في ذلك من الخيار ما يكون في مثل تلك السلعة وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا جعل الخيار بغير مدة معلومة فسد البيع كالأجل الفاسد سواء فإن أجازه في الثلاث جاز عند أبي حنيفة وإن لم يجزه حتى مضت الثلاث (د) لم يكن له أن يجيز وقال أبو يوسف ومحمد له أن يختار بعد الثلاث (د) وقياس قول الشافعي عندي في هذه المسألة أن يكون البيع فاسدا ولا يجوز وإن (ه) أجازه في الثلاث
32

وقال طائفة منهم الحسن بن حي وغيره جائز اشتراط الخيار بغير مدة ويكون الخيار أبدا وقال الطبري إذا لم يضرب للخيار وقتا معلوما كان البيع صحيحا والثمن حالا وكان له الخيار في الوقت إن شاء أمضى وإن شاء رد وعند مالك والشافعي وعبيد الله بن الحسن يورث الخيار ويقوم ورثة الذي له الخيار مقامه إن مات في أيام الخيار وقال الثوري وأبو حنيفة يبطل الخيار بموت من له الخيار ويتم البيع وعند مالك والليث بن سعد والأوزاعي هلاك المبيع في أيام الخيار من البائع منه مصيبة والمشتري أمين وهو قول ابن أبي ليلى إذا كان الخيار للبائع خاصة وقال الثوري إذا كان الخيار للمشتري فعليه الثمن وقال أبو حنيفة إن الخيار للبائع فالمشتري ضامن للقيمة وإن كان الخيار للمشتري فعليه الثمن وقد تم البيع (أ) على كل حال بالهلاك وحكى الربيع مثل ذلك عن الشافعي وقال الشافعي فيما حكى المازني عنه لأيهما كان الخيار فالمشتري ضامن للقيمة إذا هلك في يده بعد قبضه (ب)
33

له وهذا كله على أصولهم (أ) في هلاك المبيع بعد القبض عند المشتري على ما تقدم (ب) عنهم ذكره في الباب قبل هذا فهذه (ج) أمهات مسائل الخيار وأصوله وأما الفروع في ذلك فلا تكاد تحصى وليس في مثل كتابنا تتقصى
34

حديث رابع عشر لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد فيها عبد الله بن عمر فغنموا إبلا كثيرة (أ) وكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا (1) هكذا رواه يحيى عن مالك على شك في أحد عشر بعيرا أو اثني عشر بعيرا وتابعه على ذلك جماعة رواة الموطأ منهم القعنبي وابن القاسم وابن وهب وابن بكير ومطرف وغيرهم إلا الوليد بن مسلم فإنه رواه عن مالك عن نافع عن ابن عمر وقال فيه فكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا دون شك وأظنه حمله على رواية شعيب بن أبي حمزة لهذا الحديث فإنه عند الوليد عن شعيب عن نافع
35

عن ابن عمر اثني عشر بعيرا بلا شك فحمل حديث مالك على ذلك وهو غلط (أ) منه والله أعلم وأما أصحاب نافع منهم (ب) أيوب وعبد الله والليث وغيرهم فإنهم قالوا اثني عشر بعيرا بغير شك لم يشك واحد منهم في ذلك غير مالك وحده وذكر أبو داود حديث مالك عن القعنبي عن مالك فجمعه مع حديث الليث ذكره عن يزيد بن موهب عن الليث وعن القعنبي عن مالك والليث جميعا عن نافع عن ابن عمر اثني عشر بعيرا (1) (دون شك) (ج) وهذا أيضا مما حمل فيه حديث مالك على حديث الليث لأن القعنبي رواه في الموطأ عن مالك على الشك في اثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا كما رواه يحيى وغيره فلا أدري أمن القعنبي جاء هذا حين خلط حديث الليث بحديث مالك أم من أبي داود
36

حدثنا خلف بن سعيد بن أحمد وعبد الله بن محمد بن يوسف قالا حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا أحمد بن عبد الرحمان قال حدثنا الوليد بن مسلم قال كان مالك بن أنس حدثنا عن نافع عن ابن عمر عن بعث (أ) رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم في سرية قبل نجد قال ابن عمر فغنمنا غنائم كثيرة فكانت سهماننا (1) من الجيش اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ونفلوا (2) بعيرا بعيرا وحدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا شعيب بن أبي حمزة أنه سمع نافعا يحدث عن ابن عمر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد أربعة آلاف قال عبد الله فاتبعت تلك السرية فكنت فيمن خرج فيها فبلغت سهمان
37

الجيش اثني عشر بعيرا ونفل (أ) أهل السرية بعيرا بعيرا (1) قال الوليد بن مسلم وحدثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال بلغت سهمان السرية اثني عشر بعيرا ونفلنا بعيرا بعيرا فلم يغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الوهاب بن نجدة قال حدثنا الوليد بن مسلم وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن عبد الرحمان الأنطاكي حدثنا مبشر (ب) وأخبرنا عبد الله (ج) بن محمد قال حدثنا محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عوف الطائي حدثنا
38

الحكم بن نافع كلهم عن شعيب بن أبي حمزة عن نافع عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد وانبعثت سرية من الجيش فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ونفل (أ) أهل السرية بعيرا بعيرا فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا (1) قال أبو داود وحدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي قال قال الوليد يعني ابن مسلم حدثت ابن المبارك بهذا الحديث قلت وكذا حدثنا ابن أبي فروة عن نافع فقال لا يعدل من سميت بمالك (ب) هكذا أو نحوه (2) قال أبو عمر إنما قال ابن المبارك هذا القول لأن شعيب بن أبي حمزة خالف مالكا في معنى هذا الحديث لأن مالكا جعل الاثني عشر بعيرا من سهمان السرية وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثها وأن القسمة والنفل كان كل ذلك لها لا يشركها فيه جيش ولا غيره وجعل شعيب بن أبي حمزة السرية منبعثة من جيش وأن قسمة ما غنموا كان
39

بين أهل العسكر وأهل السرية (أ) وأن أهل السرية فضلوا على الجيش بعيرا بعيرا لموضع شخصهم ونصبهم وهذا حكم آخر عند جماعة الفقهاء إلا أنهم لا يختلفون أن كل ما (ب) أصابته السرية شركهم فيه أهل الجيش وكذلك ما صار لأهل العسكر شركهم فيه أهل السرية لأن كل واحد منهم رده لصاحبه إلا ما كان من النفل الجائز لأهل العسكر وللسرايا على حسبما بين (من ذلك) (ج) في هذا الباب إن شاء الله وحديث الليث ومالك وعبيد الله بن عمر وأيوب عن نافع يدل على أن الاثني عشر بعيرا كان سهمان السرية وأنهم هم (د) الذين نفلوا مع ذلك بعيرا بعيرا إلا أن في حديث الليث دليلا على أن الأمير نفلهم لقوله فلم يغير ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وفي حديث عبيد الله بن عمر فنفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا
40

بعيرا (1) وقد يحتمل أن يكون قوله نفلنا بمعنى أجاز ذلك لنا وذكر محمد بن إسحاق في هذا الحديث أن الأمير نفلهم قبل القسم وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم ذلك بينهم فأصابهم اثني عشر بعيرا لكل واحد منهم سوى البعير الذي نفلوه قبل (2) وهذا نفل من رأس الغنيمة وهو خلاف قول مالك فأما (أ) رواية الليث فأخبرنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي اسامة قال حدثنا علي بن عاصم قال حدثنا الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد فيها عبد الله بن عمر وأن سهمانهم بلغت اثني عشر بعيرا ونفلوا سوى ذلك بعيرا بعيرا فلم يغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي ويزيد بن موهب (ب)
41

قالا حدثنا الليث قال أبو داود وحدثنا القعنبي عن مالك المعنى عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة فكانت سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا زاد ابن موهب فلم يغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وأما رواية أيوب فأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وكنت فيهم فبلغ سهماننا اثني عشر بعيرا ونفلنا بعيرا بعيرا (2) وأما رواية عبيد الله بن عمر فأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وأخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قالا (أ) حدثنا مسدد وحدثنا عبد الله بن محمد وعبد الرحمان بن
42

خالد قالا حدثنا أحمد بن حمدان قال (أ) حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قالا جميعا حدثنا يحيى وهو ابن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر قال أخبرني
نافع عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا (1) قال أبو داود وكذا رواه برد بن سنان عن نافع كما قال عبيد الله ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا (ب) وقال أيوب نفلنا ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم (2) قال أبو عمر قد مضى القول في هذا وقد روينا (ج) من حديث إسماعيل بن أمية عن نافع كما قال عبيد الله إلا أنه لفظ اختلف فيه على إسماعيل أيضا (د) فرواه أبو إسحاق الفزاري عن إسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر جميعا (عن نافع) (ه) عن ابن عمر بلفظ واحد ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
43

حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا عبيد بن عبد الواحد حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى الفراء حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن إسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا (أ) وحدثنا يعيش بن سعيد وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي (ب) (1) عن إسماعيل بن أمية قال قال نافع قال عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد فيهم عبد الله بن عمر فحدث (ج) عبد الله بن عمر أن سهمانهم كانت اثني عشر بعيرا
44

اثني عشر بعيرا ونفلوا سوى ذلك بعيرا بعيرا وأبو إسحاق مع فضله (1) وأبو حذيفة (2) يخطئان كثيرا في الحديث فأما (أ) محمد بن إسحاق فأوضح هذا المعنى إلا أنه جعل القاسم لهذه القسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تنفيل أميرهم إياهم البعير أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا يعلى بن عبيد الطنافسي قال حدثنا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فأصبنا نعما كثيرة فنفلنا بعيرا بعيرا فلما قدمنا أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم سهماننا فأصاب كل واحد منا اثني عشر بعيرا سوى البعير الذي نفل فما عاب (علينا) (ب) رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنعنا ولا على الذي أعطانا
45

وأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال حدثنا أبو بكر محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هناد بن السري (أ) حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى نجد فخرجت معها فأصبنا نعما كثيرة فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا لك إنسان قال ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا فأصابت كل إنسان منا اثنا عشر بعيرا بعد الخمس وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع فكان لكل واحد منا ثلاثة عشر بعيرا بنفله (ب) قال أبو عمر ظاهر هذه الروايات كلها عن نافع عن عبد الله بن عمر أن سهمانهم وقسمتهم ونفلهم كان من أميرهم وأنه نفلهم بعد القسمة وهذا يوجب أن يكون النفل من الخمس على هذا يتفق ظاهر معنى الحديث في رواية مالك والليث وشعيب بن أبي حمزة وإسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر وأيوب السختياني وخالفهم محمد بن إسحاق فجعل النفل من رأس الغنيمة ثم جعل القسمة بعد وقول هؤلاء أولى من قول
46

محمد بن إسحاق لأنهم (أ) جماعة حفاظ وتفق هؤلاء كلهم على أن الذي حصل في السهمان لأهل السرية سوى البعير الذي نفلوا اثنا عشر بعيرا لم يشك في ذلك أحد من الرواة عن نافع غير مالك وحده وكذلك اتفقوا كلهم عن نافع في هذا الحديث على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث السرية وأن سهمان أهل السرية هي السهمان المذكورة في هذا الحديث (ب) وأنهم نفلوا بعيرا بعيرا مع ذلك حاشا شعيب بن أبي حمزة وحده فإنه انفرد بأن قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا قبل نجد فانبعثت منه هذه السرية (1) فجعل السرية خارجة من العسكر وليس ذلك في حديث غيره وإنما قال غيره إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية وبين الوليد بن مسلم هذا المعنى عن شعيب فقال في حديثه هذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد أربعة آلاف فانبعثت منه هذه (ج) السرية وقال شعيب أيضا أن سهمان ذلك الجيش كان اثني عشر بعيرا اثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية خاصة (د) بعيرا بعيرا (2)
47

وهذا لم يقله (أ) غيره وإن كان المعنى فيه صحيحا إلا أنه لا يختلف العلماء أن السرية إذا أخرجت من العسكر فغنمت أن أهل العسكر (ب) شركاؤهم فيها إلا أن هذه مسألة وحكم لم يذكره في هذا الحديث غير شعيب بن أبي حمزة عن نافع إلى ما انفرد به شعيب أيضا من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا فانبعثت منه تلك السرية ولم (ج) يذكر الإذن لها ولهذا والله أعلم قال ابن المبارك للوليد بن مسلم أن شعيبا هذا ومن ذكر معه يعني ابن فروة (د) لا يعدل بمالك بن أنس (1) وصدق ابن المبارك قال أبو عمر فهذا تمهيد نقل هذا الحديث (ه) وتهذيب إسناده وألفاظه وأما معانيه فإن فيه من الفقه بإرسال السرايا إلى أرض العدو وذلك عند أهل العلم مردود إلى إذن الإمام واجتهاده على قدر ما يعلم من قوة العدو وضعفه
48

وفيه أن ما يحصل عليه المسلمون ويفيدونه (أ) من أموال العدو يسمى غنيمة وفي هذا ومثله قال الله عز وجل * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) * 1 الآية وفيه أن ما غنمه المسلمون من أموال المشركين يقسم بينهم بعد إخراج خمسه سهمانا وما حصل من ذلك بأيديهم فهو مال من أموالهم من أطيب كسبهم إذا سلم من الغلول (وإخراج خمسه) (ب) وفي قول الله عز وجل * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) * دليل على أن أربعة أخماس الغنائم لأهلها الغانمين لها والموجفين (ج) عليها الخيل والركاب والرجل لأن الله عز وجل لما أضاف الغنيمة إليهم بقوله * (غنمتم) * د وأخبر أن الخمس خارج عنهم لمن سمى في الآية علم العلماء استدلالا ونظرا صحيحا أن الأربعة الأخماس (ه) المسكوت عنها لهم مقسومة بينهم وهذا مالا خلاف فيه ألا (و) ترى إلى قول الله عز وجل * (وورثه أبواه فلأمه الثلث) * 2 فلما جعل الأبوين الوارثين وأخبر أن للأم الثلث استغنى عن (ز) أن يقول وللأب الثلثان وفيه
49

أن للإمام وللأمير على الجيش (أ) أن ينفل من (ب) الغنائم ما شاء على قدر اجتهاده وفي رواية مالك وغيره ممن تابعه على هذا الحديث ما يدل على أن النفل لم يكن من رأس الغنيمة وإنما كان من الخمس وفي رواية محمد بن إسحاق ما يدل على أن ذلك كان من رأس الغنيمة (ج) والله أعلم أي ذلك كان وهذا موضع اختلف فيه
العلماء وتنازعوا قديما وحديثا والنفل يكون على ثلاثة أوجه أحدها أن يريد الإمام تفضيل بعض الجيش لشيء يراه من غنائه وبأسه وبلائه أو لمكروه تحمله دون سائر الجيش فينفله من الخمس لا من رأس الغنيمة أو يجعل له سلب قتيله وسيأتي القول في سلب القتيل في باب يحيى بن سعيد من كتابنا هذا إن شاء الله والوجه الآخر أن الإمام إذا بعث سرية من العسكر (ه) فأراد أن ينفلها مما غنمت دون أهل العسكر فحقه أن يخمس ما غنمت ثم يعطي السرية مما بقي (و) بعد الخمس ما شاء ربعا أو ثلثا ولا يزيد على الثلث لأنه أقصى ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله ويقسم الباقي بين جميع
50

أهل العسكر وبين (أ) السرية على السوية للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم واحد (ب) والوجه الثالث أن يحرض الإمام أو أمير الجيش أهل العسكر على القتال قبل لقاء العدو وينفل جميعهم مما يصير بأيديهم ويفتحه الله عليهم الربع أو الثلث قبل القسم تحريضا منه على القتال وهذا الوجه كان مالك يكرهه ولا يراه وكان يقول قتالهم على هذا الوجه إنما يكون للدنيا وكان يكره ذلك ولا يجيزه وأجازه جماعة من أهل العلم وأما اختلافهم في هذا الباب فإن جملة قول مالك وأصحابه أن لا نفل إلا بعد إحراز الغنيمة (ج) ولا نفل إلا من الخمس والنفل عندهم أن يقول الإمام من قتل قتيلا فله سلبه قال مالك ولم يقلها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد برد القتال وكره مالك أن يقاتل أحد على أن له كذا (د) ومن (ه) الحجة لمالك في ذلك ما رواه علي بن المديني وابن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن رجاء بن أبي سلمة قال سمعت عمرو بن شعيب يحدث عن أبيه عن جده قال لا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد قوي المسلمين
51

على ضعيفهم (1) قال رجاء (أ) (2) سمعت سليمان بن موسى الدمشقي وهو معنا جالس يقول سمعت (ب) مكحولا يقول عن زياد (ج) بن جارية (3) عن حبيب بن مسلمة (د) (4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في البداءة الربع وحين قفل الثلث (5) فقال ععمرو بن شعيب تراني (ه) أحدثك عن أبي عن جدي وتحدثني عن مكحول ففي حديث عمرو بن شعيب هذا أن لا نفل ليرد قوي المسلمين على ضعيفهم وهو
52

حجة لمالك وأما السلب بعد أن يبرد القتال فخصوص (أ) ومعمول به لما فيه من حديث أبي قتادة وغيره والله أعلم ورأي مالك رحمه الله تنفيل السلب من الخمس (ب) لأن الخمس مردود (ج) قسمته عنده إلى اجتهاد الإمام وأهله غير معينين ولم ير النفل من رأس الغنيمة لأن أهلها معينون وهم (د) الموجفون وقال الشافعي جائز للإمام أن ينفل قبل إحراز الغنيمة وبعدها على وجه الاجتهاد قال الشافعي وليس في النفل حد قال وقد روى بعض الشاميين (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في البداءة والرجعة الثلث في واحدة والربع في الأخرى (2) وقال في رواية ابن عمر ما يدل على أنه نفل نصف السدس قال فهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يتجاوزه الإمام وأكثر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها إنفال قال فينبغي أن يكون ذلك على الاجتهاد من الإمام غير محدود
53

قال الشافعي وحديث ابن عمر يدل على أنهم أعطوا في سهمانهم ما يجب لهم مما أصابوا ثم نفلوا بعيرا بعيرا (1) والنفل هو شيء زيدوه على (أ) الذي كان لهم قال وقول سعيد بن المسيب كان الناس يعطون النفل من الخمس كما قال وذلك من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم قال وأما السلب (ب) فيخرج من رأس الغنيمة قبل أن يخمس وكان أبو عبيد القاسم بن سلام يقول في حديث ابن عمر هذا النفل (ج) الذي ذكره بعد السهام ليس له وجه إلا أن يكون من الخمس وقال غيره النفل الذي في خبر (د) ابن عمر إنما هو تنفيل السرايا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفل في البداءة الثلث والربع الذي كان ينفل في القفول قال أبو عمر هذا يخرج على رواية محمد بن إسحاق نصا دون غيره من رواة نافع وقد يخرج تأويلا من رواية شعيب والحديث الذي ذكر هذا القائل قد زعم علي بن المديني أن الصحيح فيه أنه نفل في البداءة الربع وفي القفلة الثلث وضعف رواية
54

من روى في هذا الحديث عن مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة (أ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الثلث في بدايته وقال أبو ثور وذكر نفل النبي صلى الله عليه وسلم في البداءة والرجوع وحديث ابن عمر هذا ثم قال وإنما النفل قبل الخمس وقال الأوزاعي وأحمد بن حنبل جائز للإمام أن ينفل في البداءة الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعد الخمس وهو قول الحسن البصري وجماعة وقال النخعي (ب) كان الإمام ينفل السرية الثلث والربع يغريهم أو قال يحرضهم بذلك على القتال وقال مكحول والأوزاعي لا ينفل بأكثر من الثلث وهو قول الجمهور من العلماء لا نفل أكثر (د) من الثلث وقال الأوزاعي فإن زادهم على ذلك فليف لهم به ويجعل ذلك من الخمس وقال الثوري في أمير أغار فقال من أخذ شيئا فهو له كما قال (ه) ولا بأس أن يقول الإمام من جاء برأس فله كذا ومن جاء باليد فله كذا يغريهم قال الحسن البصري رحمه الله ما نفل الإمام فهو جائز
55

وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال لجرير بن عبد الله (أ) البجلي لما قدم عليه في قومه وهو يريد الشام هل لك أن تأتي الكوفة ولك الثلث بعد الخمس من كل أرض وشئ (1) وقال جماعة فقهاء الشام منهم رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي ومكحول والقاسم بن عبد الرحمن ويزيد بن أبي مالك ويحيى بن جابر والأوزاعي قالوا الخمس من جملة الغنيمة والنفل من بعد الخمس ثم الغنيمة بين أهل العسكر بعد ذلك وهو قول إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وأبي عبيد قال أبو عبيد والناس اليوم على أن لا نفل من جملة الغنيمة حتى يخمس وقال إبراهيم النخعي وطائفة إن شاء الإمام نفلهم قبل الخمس وإن شاء بعد الخمس وكان سعيد بن المسيب يقول لا تكون الأنفال إلا في الخمس وقد روي عنه أن ذلك في (ب) خمس الخمس وقال مالك عنه إن النفل (ج) من الخمس وقال محمد بن جرير لا نفل إلا بعد إخراج الخمس منه على حديث حبيب بن سلمة قال وكل ما وقع عليه اسم غنيمة خمس إلا
56

السلب فإنه خرج بما يجب التسليم له وهو قول الشافعي واحتجوا أيضا مع حديث ابن مسلمة بحديث معن بن يزيد السلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نفل إلا بعد الخمس (1) قال محمد بن جرير ولا نفل بعد (أ) إحراز الغنيمة إلا من سهم النبي عليه السلام لأنه محال أن ينفل من أموال الموجفين أو من سهم ذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل قال وإنما النفل قبل الغنيمة وذلك أن يرى الإمام من المسلمين ضعفا ومن المشركين نشاطا وهو محاصر حصنا فيحرض من معه
على عدوهم فيقول من طلع إلى الحصن أو يهدم هذا السور أو دخل هذا النقب أو فعل كذا فله كذا وكذا (ب) على ما كان من قوله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وغير بدر إغراء منه بالعدو وقال والسلب غير النفل قال أبو عمر سيأتي القول في السلب وحكمه وهل يخمس أم لا في موضعه من كتابنا هذا عند ذكر حديث أبي قتادة في ذلك في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله
57

واختلف العلماء أيضا في النفل في أول مغنم وفي النفل في العين من الذهب فذهب الشاميون إلى أن لا نفل في أول مغنم وروي ذلك عن رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي الكندي ومكحول وسليمان بن موسى ويزيد بن يزيد بن جابر ويحيى بن جابر والقاسم بن عبد الرحمان ويزيد بن أبي مالك والمتوكل بن الليث وأبي عيينة المحاربي وقال الأوزاعي السنة عندنا أن لا نفل في ذهب ولا فضة ولا لؤلؤ ولا في سلب ولا في يوم هزيمة ولا في وقت فتح وممن قال لا نفل في العين المعلومة (أ) الذهب والفضة سليمان بن موسى والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وعبد الرحمان بن يزيد بن جابر وقال سليمان بن موسى لا نفل في أول شيء يصاب من المغنم وأذكر أحمد بن حنبل هذا وقال النفل يكون من كل شيء وبه قال إسحاق قال أبو عمر لا فرق عند جماعة فقهاء الأمصار (ب) وأهل النظر والأثر (ج) بين أول مغنم وغيره وجائز للإمام أن ينفل من العين وغيرها على قدر اجتهاده ولا حجة لمن جعل ذلك في أول مغنم أو نفاه عن أول مغنم إلا التحكم وليس قوله في ذلك بشيء وأما قوله عز وجل * (واعلموا أنما غنمتم من) *
58

* (شيء فأن لله خمسه) * الآية فجعل الخمس لمن سمى فيها وجعل الأربعة أخماس للموجفين فإن العلماء وإن اختلفوا في تفصيل معاني هذه الآية وقسم الخمس فيها وحكم الأنفال على حسبما ذكرنا فإنهم لم يختلفوا في أن الآية ليست على ظاهرها وأنها يدخلها الخصوص فمما خصوها به بإجماع أن قالوا سلب المقتول لقاتله إذا نادى الإمام بذلك ومنهم من يجعل السلب للقاتل على كل حال نادى الإمام به (أ) أو لم يناد لا يشركه فيه غيره من الموجفين ولا يختص السلب عند أكثرهم وسنبين ذلك ووجوهه في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله ومعلوم أن السلب من الغنيمة فدل ما ذكرنا عنهم أنه مخصوص (ب) عندهم من جملة ما غنموا ومن ذلك أيضا النفل قد أجمعوا أن الآية مخصوصة بما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من الأنفال في غزواته إلا أنهم اختلفوا فقال قائلون الأنفال من الخمس لأن الموجفين قد استحقوا الأربعة أخماس وهذا قول مالك وغيره قالوا لا يكون النفل من رأس الغنيمة ولا قبل القتال لأنه قتال على
59

الدنيا قالوا (أ) وإذا كان من رأس الغنيمة كان من مال الموجفين (ب) وأهل الخمس جميعا (ج) وقال آخرون لا يكون النفل إلا من خمس الخمس سهم النبي عليه السلام وهذا (د) مذهب الشافعي وجماعة ذهبوا إلى أن الخمس مقسوم على خمسة أسهم أحدها خمس النبي صلى الله عليه وسلم وقال آخرون لا نفل إلا من رأس الغنيمة قبل أن تحرز الغنيمة (ه) فإذا أحرزت استحقها أهلها الموجفون (و) وأهل الخمس وهو (ز) قول الكوفيين وجماعة قد ذكرناهم وقال آخرون النفل جائز قبل إحراز الغنيمة وبعدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك كله وأجازه (ح) لمن فعله وثبت ذلك عنه وممن قال بهذا الأوزاعي والشافعي وجماعة من الشاميين والعراقيين ومن ذلك أيضا الأرض واختلافهم فيها وفي قسمتها وتوقيفها وقد ذكرنا ذلك في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب من كتابنا هذا فلا
60

وجه لإعادته ههنا وهذا كله من اختلافهم فيما ذكرنا إجماع منهم على أن الآية مخصوصة فيها ضمير الأنفال وأنها مردودة إلى الإمام على اجتهاده فإن شاء نفل قبل وإن شاء بعد على قدر (أ) ما يراه من الاجتهاد للمسلمين والسلب من النفل عند جميعهم كما قال ابن عباس قال الله عز وجل * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) * 1 وفي هذه الآية دليل على أن النفل يجتهد فيه الإمام على حسبما ثبت من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك والله أعلم وروى الثوي وعبيد الله بن جعفر بن نجيح وجماعة عن عبد الرحمان بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن سليمان بن موسى الأشدق عن مكحول عن أبي سلام الباهلي عن أبي أمامة الباهلي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عن عبادة بن الصامت قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقي العدو فلما هزمهم الله تبعتهم طائفة من المسلمين تقاتلهم وأحدقت طائفة برسول الله
61

صلى الله عليه وسلم واستولت طائفة على العسكر والنهب (أ) فلما نفى (ب) الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا لنا النفل (1) نحن طلبنا العدو وبنا نفاهم الله وهزمهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأحق منا بل هو لنا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينال العدو منه (ج) غرة وقال الذين (د) استولوا على العسكر والنهب والله ما أنتم بأحق به (ه) منا بل هو لنا نحن أخذناه واستولينا (و) عليه فأنزل الله عز وجل * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) * فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم (2) قال أبو عمر لا يختلف العلماء أن بعد هذا نزلت واعلموا أنما غنمتم من شيء (3) الآية
62

فأحكم الله أمر الغنيمة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم المراد بما نص (أ) به في السلب وغيره وإنما جاء اختلاف العلماء في هذا الباب على حسبما رووا فيه والله أعلم وأما حديث ابن عمرالمذكور في هذا الباب فلا يحتمل تأويلا ولا له إلا وجه واحد وذلك أنهم نفلوا بعيرا بعيرا بعد سهمانهم فدل على أن ذلك (ب) من غير سهمانهم ولا موضع لغير السهمان إلا الخمس على رواية أكثر أصحاب نافع لهذا الحديث لا على رواية ابن إسحاق ومما احتج به من رأى النفل من الخمس لا من (ج) رأس الغنيمة حديث معاوية مع عبادة بن الصامت وذلك أن معاوية لما غزا عام المضيف فغنم أرسل إلى عبادة بن الصامت يردون من المغنم فرده عبادة فقال له معاوية ما أنت وذاك (د) قال عبادة إنك لم تكن معنا في غزوة كذا وكذا إذ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أعطني عقالا فقال له (ه) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا طاقة لك بعقال
63

من نار ولكن إذا خمسنا فتعال أعطك (1) قالوا فهذا نص على أن النفل لا يكون من رأس الغنيمة وقال غيرهم يحتمل أن يكون من سهمان الموجفين ويحتمل أن يكون من
الخمس يكون من أحدهما أو أيهما كان فمعلوم أهله وإذا جاز أن يكون من الخمس والخمس لأهله جاز أن يكون من سهام الموجفين وإن لم يكن رأس الغنيمة واحتجوا أيضا بحديث محمد بن سيرين أن أنس بن مالك كان مع عبيد الله بن أبي بكرة في غزاة فأصابوا شيئا فأراد عبيد الله أن يعطي أنسا من الشيء قبل أن يقسم قال أنس لا ولكن إقسم ثم أعطني من الخمس فقال عبيد الله لا إلا من جميع الغنائم فأبى أنس أن يقبل وأبى عبيد الله أن يعطيه من الخمس (2) وهذا (أ) من (ب) أنس بحضرة جلة من العلماء وربما كان هناك غيره من الصحابة ولم يرو عن واحد منهم نكير لذلك فهذا الاختلاف قديم في هذا الباب
64

وبالله التوفيق وحسبك بقول سعيد بن المسيب كان الناس يعطون النفل من الخمس وأما حديث حبيب بن مسلمة الذي احتج به من جعل النفل من غير الخمس وجعله من رأس الغنيمة قبل إحرازها فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء عن مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس في البداية ونفل الثلث بعد الخمس في الرجعة (1) ففي هذا الحديث أن النفل كان من غير الخمس والله أعلم قال أبو عمر كان أعدل الأقاويل عندي والله أعلم في هذا الباب أن يكون النفل من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن في حديث ابن عمر هذا ما يدل على أنه لم يكن ذلك من خمس الخمس وذلك (أ) أن تنزل تلك السرية على أنهم كانوا عشرة مثالا ومعلوم أنك إذا عرفت ما للعشرة عرفت ما للمائة وما للألف وأزيد فمثال ذلك أن
65

تكون السرية عشرة أصابوا في غنيمتهم مائة وخمسين بعيرا خرج منها خمسها ثلاثون (أ) بعيرا (ب) وصار لهم مائة وعشرون قسمت على عشرة وجب لكل واحد اثنا عشر اثنا عشر بعيرا ثم أعطي (ج) القوم من الخمس بعيرا بعيرا فهذا على مذهب من قال النفل من جملة الخمس لأن خمس (د) الثلاثين لا يكون فيه عشرة أبعرة وقد يحتج من قال أن ذلك يحتمل أن يكون من خمس الخمس بأن يقول جائز أن يكون هناك ثياب (ه) ومتاع غير الإبل فأعطى من لم يبلغه البعير قيمة البعير من غير ذلك من العروض (و) ومن حجة الشافعي ومن قال بقوله أن النفل لا يكون إلا من خمس الخمس سهم النبي عليه السلام ما ذكره أبو عبد الله المروزي رحمه الله قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثني أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يقول حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم قال لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم سهم
66

ذي القربى (أ) بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ينكر (ب) فضلهم لما وضعك الله منهم أفرأيت بني المطلب أعطيتهم ومنعتنا ونحن وهم منك بمنزلة فقال إن بني المطلب لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه (1) قال فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم خمس الخمس وكان مالك رحمه الله لا يرى قسمة الخمس أخماسا وقال الخمس من الغنيمة (ج) حكمه حكم الفيء الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب مما أفاء الله على المسلمين قال ويجعل الخمس والفيء جميعا في بيت المال قال ويعطى أقرباء رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى الإمام ويجتهد في ذلك فإن تكافأ أهل البلدان في الحاجة بدئ بالذين فيهم المال وإن كان بعض البلدان أشد حاجة نقل إليهم أكثر المال وكان مالك يرى التفضيل في العطاء على قدر الحاجة ولا يخرج عنده (د)
67

مال من بلد إلى غيره حتى يعطي أهله ما يغنيهم على وجه النظر والاجتهاد قال ويجوز أن يجيز الوالي على وجه الدين أو لأمر قد استحق به الجائزة قال والفيء حلال للأغنياء وقال الشافعي يقسم الخمس على خمسة أسهم وهو قول الثوري وجماعة قالوا سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس خمس الخمس وما بقي للطبقات الذين سماهم الله وسهم ذي القربى عندهم باق لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة وأصحابه يقسم الخمس على ثلاثة أسهم للفقراء والمساكين وابن السبيل وأسقطوا سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى بعده وزعموا أن سهم ذي القربى كان لإدخال السرور على النبي عليه السلام في حياته وقرابته (أ) لأنه مضمن فيه (ب) فلما مات ارتفع سهمه وسهم قرابته واحتجوا باتفاق الخلفاء الراشدين الأربعة على منع قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ذكروا قالوا وما كانوا مع فضلهم وتقاهم ليمنعوا أحدا حظا وجب له فكيف وقد قاتلوا العرب فيما وجب للمساكين من الزكوات
68

إلى أشياء من فضائلهم وقيامهم بالحق لا يحصى فكيف يمنعون ذوي القربى قال أبو عمر أما ما ذكروا من فضلهم وقيامهم بالحق (أ) فصدق وأما منعهم سهم ذي القربى فباطل وقد بينا ذلك في حديث ابن شهاب عن عروة من هذا الكتاب وقال محمد بن جرير يقسم الخمس على أربعة أسهم لأن سهم النبي صلى الله عليه وسلم مردود على من سمى معه في الآية قياسا على ما أجمعوا عليه فيمن عدم من أهل سهمان الصدقات (ب) قال أبو عمر للكلام في قسم الخمس وإيراد ما للعلماء في ذلك من الأقوال موضع غير هذا والقول فيه يطول وإنما ذكرنا منه ههنا طرفا دالا على حكم الخمس وحكم خمس الخمس لما جرى في الحديث المذكور في هذا الباب من أن النفل فيه كان من خمس الخمس أو من جملة الخمس أو من رأس الغنيمة على (ج) ما ذكرنا من اختلافهم في ذلك فبينا وجه الخمس وخمسه وسنذكر أحكامه وما للعلماء في ذلك من الأقوال ووجوه الاحتجاج (د) في ذلك والاعتلال في (باب) (ه) يحيى بن سعيد إن شاء الله
69

حديث خامس عشر لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار (1) هكذا رواه جملة أصحاب مالك وقال فيه ابن وهب (عن مالك) عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار وكلهم ذكر عن مالك في تفسير الشغار أنه الرجل يزوج ابنته أو وليته من رجل على أن يزوج ذلك الرجل منه ابنته أيضا أو وليته (ب) ويكون بضع كل واحدة منهما صداقا للأخرى (ج) دون صداق (2)
70

وهذا (أ) ما لا خلاف بين العلماء (ب) فيه أنه الشغار المنهي عنه في هذا الحديث وللشغار (ج) في اللغة معنى لا مدخل له (د) ههنا وذلك أنه (ه) مأخوذ عندهم (و) من شغر الكلب إذا رفع رجله للبول وذلك زعموا لا يكون منه إلا بعد مفارقة حال الصغر إلى حال يمكن فيها طلب الوثوب على الأنثى للنسل وهو عندهم للكلب
إذا فعله علامة بلوغه إلى حال الاحتلام من الرجال ولا يرفع رجله للبول إلا وهو قد بلغ ذلك المبلغ يقال منه شغر الكلب يشغر شغرا إذا رفع رجله فبال أو لم يبل ويقال شغرت بالمرأة أشغرها شغرا إذا رفعت رجليها للنكاح فهذا معنى الشغار في اللغة وأما معناه في الشريعة فأن ينكح الرجل رجلا وليته على أن ينكحه الآخر وليته بلا صداق بينهما على ما قاله مالك وجماعة الفقهاء وكذلك ذكره خليل في كتابه أيضا
71

وأجمع العلماء على أن نكاح الشغار مكروه لا يجوز واختلفوا فيه إذا وقع (هل يصح) (أ) بمهر المثل أم لا فقال مالك لا يصح النكاح في الشغار دخل بها أو لم يدخل (ب) ويفسخ أبدا (قال) (ج) وكذلك لو قال أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بمائة دينار ولا خير في ذلك قال ابن القاسم لا يفسخ النكاح في هذا إن دخل ويثبت بمهر المثل ويفسخ في الأول دخل أو لم يدخل على ما قال مالك (د) وقال الشافعي إذا لم يسم لواحدة منهما مهرا وشرط أن يزوجه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وهو يلي أمرها على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ولم يسم صداقا فهذا الشغار ولا يصح ويفسخ قال ولو سمي لإحداهما أو لهما صداقا فالنكاح ثابت بمهر المثل والمهر فاسد ولكل واحدة منهما مهر مثلها إن كان دخل بها ونصف مهر مثلها إن كان طلقها قبل الدخول وقال أبو حنيفة إذا قال أزوجك ابنتي أو أختي على أن تزوجني ابنتك (ه) فتكون كل واحدة منهما مهر الأخرى فهو الشغار ويصح النكاح بمهر المثل وهو قول ليث بن سعد وبه قال الطبري
72

قال أبو عمر حجة من قال هذا القول أن الشريعة قد نهت عن صداق الخمر والخنزير والغرر والمجهول والنكاح في ذلك كله يصح بمهر المثل (أ) والأصل عندهم أن التزويج مضمن بنفسه لا يبدله وليس بمفتقر في العقد إلى الصداق لأن القرآن قد ورد بجواز العقد في النكاح دون صداق بقوله * (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة) * 1 يريد * (ما لم تمسوهن) * (ب) وما لم * (تفرضوا لهن فريضة) * يعني صداقا فسماه نكاحا (ج) وجعل فيه الطلاق ولم يكن فيه ذكر الصداق وحجة مالك والشافعي ومن أبطل نكاح الشغار أنه نكاح طابق النهي ففسد امتثالا لنهيه صلى الله عليه وسلم لقوله عز وجل * (وما نهاكم عنه فانتهوا) * 2 وقال صلى الله عليه وسلم كل عمل ليس عليه (د) أمرنا فهو رد (3) يعني مردودا
73

حديث سادس عشر لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب حمل على فرس في سبيل الله فوجده يباع فأراد أن يبتاعه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالا لا تبتعه ولا تعد في صدقتك (1) هكذا (أ) روى مالك هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر أن عمر فهو في روايته من مسند ابن عمر كذلك هو عند جمهور رواة الموطأ إلا معن بن عيسى فإنه رواه عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه حمل على فرس فذكر الحديث جعله من مسند عمر وكذلك رواه ابن نمير عن عبيد الله بن عمر (ب) عن نافع عن ابن عمر مثل رواية
74

معن ورواه (أ) القطان وعلي بن عاصم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر كما في الموطآت وكذلك رواه الزهري (ب) عن سالم عن ابن عمر (أن عمر) (ج) كما في الموطأ عند جمهور الرواة غير معن (د) وروى هذا الحديث يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر فقال فيه لا تشتره ولا شيئا من نتاجه ولا تعد في صدقتك وذكر مالك (ه) عن نافع عن ابن عمر أنه كان (إذا) (و) أعطى شيئا في سبيل الله يقول لصاحبه إذا بلغت وادي القرى فشأنك به وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول إذا أعطى الرجل الشيء في الغزو فبلغ به رأس مغزاته فهو له واختلف الفقهاء في هذا المعنى فكان (ز) مالك يقول إذا أعطى فرسا في سبيل الله فقيل له هو لك في سبيل الله فله أن يبيعه وإن قيل له هو في سبيل الله ركبه ورده وذكر (ح) ابن القاسم عن مالك قال وقال مالك من حمل
75

على فرس في سبيل الله فلا أرى له أن ينتفع بشيء من ثمنه في غير سبيل الله إلا أن يقال له شأنك به فافعل فيه ما أردت فإن قيل له ذلك فأراه مالا من ماله يعمل به في غزوه إذا هو بلغه ما يعمل (به) (أ) في ماله قال كذلك لو أعطي ذهبا أو ورقا في سبيل الله ومذهب مالك فيمن أعطى مالا ينفقه في سبيل الله أنه ينفقه في الغزو فإن فضلت منه فضلة بعد ما مر غزوه (ب) لم يأخذها لنفسه وأعطاه في سبيل الله أو ردها إلى صاحبها وخالف في ذلك ما روي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وقال الليث بن سعد من أعطى فرسا في سبيل الله لم يبعه حتى يبلغ مغزاه ثم يصنع به ما شاء إلا أن يكون حبسا (ج) فلا يباع وقال الشافعي الفرس المحمول عليها في سبيل الله هي لمن (د) يحمل عليها وقال عبيد الله بن الحسن إذا قال هو لك في سبيل الله فرجع به رده حتى يجعله في سبيل الله ومذهب أصحاب أبي حنيفة أن ما أعطي في سبيل الله تمليك ولا يعتبرون في الفرس بلوغ المغزى
76

لأنه قد ملكه في الحال على أن يغزو به فالملك (أ) عندهم في ذلك (ب) صحيح يتصرف فيه مالكه وهو قول الشافعي قالوا (ج) ولو قال إذا بلغت مغزاك فهو لك كان تمليكا على مخاطرة ولا يجوز وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب زيد بن اسلم من كتابنا هذا بأتم وأبسط من ذكره (د) ههنا وأما قوله فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيه دليل على ما كانوا عليه من البحث عن العلم والسؤال عنه وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معلما (1) وكانوا يسألونه لأنهم كانوا خير أمة كما قال الله عز وجل (2) فالواجب على المسلم مجالسة العلماء إذا أمكنه والسؤال عن دينه جهده فإنه لا عذر له في جهل ما لا يسعه جهله وجملة القول أن لا سؤدد ولا خير مع الجهل
77

حديث سابع عشر لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت (1) من الحفياء (2) وكان أمدها (3) ثنية الوداع (4) وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق (5) وإن عبد الله بن عمر كان ممن سابق بها (6)
78

هكذا (أ) رواه جماعة أصحاب الموطأ عن مالك لم يختلفوا عليه (ب) في إسناده واختلفوا عنه في بعض ألفاظه فكان ابن بكير يقول سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية التي عند مسجد بني زريق وخالفه جمهور الرواة منهم ابن القاسم والقعنبي وابن وهب فرووا كما روى يحيى من الثنية إلى مسجد بني زريق وفي ألفاظ أصحاب نافع وألفاظ الرواة عنه في هذا الحديث اختلاف تراه في هذا الباب إن شاء الله وروى هذا الحديث ابن عيينة عن أيوب عن مجاشع عن أبيه عن ابن عمر وقال فيه عقبة بن
خالد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وفضل القرح (1) في الغاية (ب) هذا لفظ حديثه ولم يقل ذلك في هذا الحديث أحد غير عقبة بن خالد هذا وقد وجدت له أصلا فيما رواه أبو سلمة التبوذكي قال حدثنا عبد الملك بن حرب بن عبد الملك عن (د) مجاشع (ه) بن مسعود السلمي قال حدثني أبي وعمي عن جدي أن ناسا من أهل
79

البصرة ضمروا خيولهم فنهاهم الأمير عتبة بن غزوان أن يجروها حتى كتب إلى عمر فكتب إليه عمر أن أرسل القرح من رأس مائة غلوة ولا يركبها إلا أربابها فجاء مجاشع بن مسعود سابقا على الغراء ورواه ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضمر الخيل ثم يسبق فاختصره ولم يذكر الأمد والغاية حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال حدثنا خلاد بن يحيى قال حدثنا سفيان الثوري عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أجرى ما أضمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع وأجرى ما لم يضمر من الحفياء إلى مسجد بني زريق هكذا قال من الحفياء إلى مسجد بني زريق ومالك يقول من الثنية إلى مسجد بني زريق والصواب ما قاله مالك إن شاء الله والله أعلم لأنه قد تابعه الليث وموسى بن عقبة وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا المعتمد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضمر الخيل يسابق بها وهذا عن عبيد الله مختصر المعنى كرواية ابن أبي ذئب عن نافع سواء ورواية الثوري عنه أكمل وأولى عند أهل العلم
80

وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب (1) قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل يرسلها من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر وكان أمدها من الثنية إلى مسجد بني زريق (2) وهذا مثل رواية مالك سواء وفي هذا الحديث من الفقه المسابقة بين الخيل وذلك مما خص وخرج من باب القمار بالسنة الواردة في ذلك والخيل التي يجب أن تضمر ويسابق عليها ويقام هذه السنة فيها هي الخيل (أ) المعدة لجهاد العدو لا لقتال المسلمين في الفتن فإذا كانت خيل مرتبطة معدة للجهاد في سبيل الله كان تضميرها والمسابقة بها سنة مسنونة على ما جاء في هذا الحديث
81

وفي هذا الحديث أيضا من الفقه أن المسابقة يجب أن يكون أمدها معلوما وأن تكون الخيل (أ) متساوية الأحوال وأن لا يسبق (ب) المضمر مع غير المضمر (ج) في أمد واحد وغاية واحدة واختلف الفقهاء (د) في معان من هذا الباب نذكرها إن شاء الله وأما قوله في هذا الحديث الحفياء وثنية الوداع فمواضع معروفة بالمدينة فأما ثنية الوداع فزعموا أنه إنما سميت بذلك لأن النبي عليه السلام ودع بها بعض المقيمين (ه) بالمدينة في بعض مخارجه وأسفاره وانصرفوا عنه منها وقيل إنما سميت بذلك لأن رسول الله شيع إليها بعض سراياه وودعه عندها وقيل إنما سميت بذلك لأن المسافر من المدينة كان يشيع إليها ويتودع (و) منه عندها قديما وأظنها على طريق مكة ومنها بدا رسول الله وظهر إلى المدينة في حين إقباله من مكة فقال شاعرهم
* طلع البدر علينا
* من ثنيات الوداع
* وجب الشكر علينا
* ما دعا لله داع
*
82

وبين ثنية الوداع وبين الحفياء ستة أميال أو نحوها وبينها (أ) وبين مسجد بني زريق ميل أو نحوه
((ب) فكان (ج) أمد الخيل التي ضمرت ستة أميال أو نحوها وكان أمد غيرها ميلا أو نحوه كذا (د) قال موسى بن عقبة قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا محبوب بن موسى قال حدثنا إسحاق الفزاري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل التي أضمرت فأرسلها من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع قال فقلت لموسى كم بين ذلك قال ستة أميال أو سبعة وسابق من الخيل التي لم تضمر فأرسلها من ثنية الوداع وكان أمدها مسجد بني زريق قلت (ه) وكم بين ذلك قال ميل أو نحوه قال وكان ابن عمر ممن سابق بها حدثني يوسف بن محمد بن يوسف ومحمد بن إبراهيم بن (و) سعيد (1) ومحمد بن قاسم بن محمد قالوا حدثنا
83

محمد بن معاوية قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قالا حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عقبة بن خالد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية (1) وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الطاهر محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا موسى بن هارون الحمال قال حدثنا أحمد بن حنبل وأبو خيثمة قالا حدثنا عقبة بن خالد قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وفضل القرح في الغاية قال أبو عمر إن صح حديث عقبة هذا ففيه دليل على أن التي كانت قد ضمرت من الخيل المذكورة في هذا الحديث كانت قرحا والله أعلم وأما أقاويل الفقهاء في هذا الباب فإن مالكا قال سبق الخيل أحب إلي من سبق الرمي قال ويكون السبق على الخيل على نحو ما يسبق الإمام فإن كان المسبق غير الإمام فعل كما يفعل الإمام ولا يجب أن يرجع إليه (أ) شيء مما أخرج في السبق
84

وقال الليث قال ربيعة في الرجل سبق القوم (أ) بشيء إن سبقه لا يرجع إليه قال الليث ونحن نرى إن كان سبق سبقا يجوز السبق في مثله أن سبقه جائز فإن سبق أخذ ذلك منه وإن سبق أحرز سبقه ذكره ابن وهب عن الليث قال وقال مالك أرى أن يخرجه على كل حال سبق أو لم يسبق على مثل السلطان قال أبو عمر قول الأوزاعي في
هذا الباب نحول قول مالك وربيعة في أن الأشياء المخرجة في السبق لا تنصرف إلى مخرجها وقال الشافعي الأسباق ثلاثة سبق يعطيه الوالي أو غير الوالي من ماله متطوعا فيجعل للسابق شيئا معلوما من سبق أخذ ذلك السبق وإن شاء الوالي أو غيره جعل (ب) للمصلي وللثالث والرابع شيئا شيئا فذلك كله حلال لمن جعل له ليست فيه علة والثاني يجتمع من وجهين وذلك أن يريد الرجلان أن يستبقا بفرسيهما (ج) ويريد كل واحد منهما أن يسبق صاحبه ويخرجان سبقين فهذا لا يجوز إلا بمحلل وهو أن يجعلا (د) بينهما فرسا لا يأمنان (ه) أن يسبقهما فإن سبق المحلل
85

أخذ السبقين وأن سبق أحد المتسابقين أحرز سبقه وأخذ سبق صاحبه فإن (أ) سبق الاثنان (ب) الثالث كانا كمن لم (ج) يسبق واحد منهما وأيهما سبقا صاحبه فله السبق على ما وصفنا ولا يجوز حتى يكون الأمد واحدا والغاية واحدة قال ولو كانوا مائة فأدخلوا بينهم محللا فكذلك والثالث إن سبق أحدهما صاحبه ويحرز السبق وحده فإن سبقه صاحبه أخذ السبق وإن (د) سبق صاحبه أحرز السبق وهو في (ه) معنى الوالي قال ويخرج المتسابقان ما يتراضيان عليه ويتواضعان على يدي رجل وأقل السبق أن يسبق بالهادي أو بعضه أو بالكفل أو بعضه والسبق بين الرماة على هذا النحو عنده وليس هذا موضع ذكره وقول (و) محمد بن الحسن في هذا الباب نحو قول الشافعي قال محمد عنه وعن أصحابه إذا فعل السبق واحد فقال إن سبقتني فلك كذا وكذا ولم (ز) يقل إن سبقتك فعليك كذا فلا بأس ويكره أن يقول إن سبقتك فعليك كذا وإن سبقتني فعلي كذا هذا لا خير فيه
86

وإن قال رجل غيرهما أيكما سبق فله كذا فلا بأس وإن كان بينهما محلل إن سبق لم يغرم وإن سبق أخذ فلا بأس وذلك إذا كان سبق ويسبق قال أبو عمر أما الوجه الذي لا يجوز إلا بالمحلل على ما ذكره الشافعي ومحمد بن الحسن وهو قول أكثر أهل العلم فإنه لا يجوز عند مالك ولا يعرف مالك المحلل ومن ذهب إليه فحجته حديث النبي عليه السلام في ذلك وهو حديث انفرد به سفيان بن حسين من بين أصحاب ابن شهاب حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا يزيد بن هارون وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا علي بن مسلم قال حدثنا عباد بن العوام قالا جميعا أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدخل فرسا بين فرسين (1) وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار (2) قال أبو داود وقد رواه الوليد بن
87

مسلم عن سعيد بن بشير عن الزهري بإسناد سفيان (1) بن حسين ومعناه قال أبو داود (أ) ورواه معمر وشعيب وعقيل عن الزهري عن رجال (ب) من أهل العلم (2) وهو أصح عندنا (3) قال أبو عمر ممن أجاز المحلل علي حسبما ذكرنا سعيد بن المسيب وابن شهاب والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي واتفق ربيعة ومالك والأوزاعي على أن الأشياء المسبق بها لا ترجع إلى المسبق بها على حال وخالفهم (ج) الشافعي وأبو حنيفة والثوري وغيرهم ومن حجة هؤلاء أن أصول الأشياء المسبق بها قد كانت (د) في ملك أربابها وإنما أخرج الشيء ربه على شرط فلا يجوز أن يملك عنه إلا بذلك الشرط أو ينصرف إليه (ه) وأجمع أهل العلم على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان إلا في الخف والحافر والنصل فأما الخف فالإبل وأما الحافر فالخيل وأما النصل فكل سهم وسنان وقال مالك والشافعي ما عدا هذه الثلاث فالسبق فيها قمار
88

وأجاز العلماء في غير الرهان السبق على الأقدام لما في حديث سلمة بن الأكوع الحديث الطويل في ذكر (أ) غارة عيينة بن حصين وابنه على سرح المدينة ولقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر انصرافهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أظفرهم الله به من عدوهم قال وأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان بيننا وبين المدينة صحوة وفينا رجل من الأنصار لا يسبق عدوا فقال هل من مسابق إلى المدينة ألا مسابق فأعادها مرارا وأنا ساكت فقلت له أما تكرم كريما ولا تهاب شريفا قال لا إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله دعني فلأسابق هذا الرجل قال إن شئت فنزلت وطفق (ب) يشتد وحبست نفسي عن الاشتداد شرفا أو شرفين ثم عدوت فلحقته فصككته (ج) بين كتفيه وقلت سبقتك والله فنظر إلي وضحك فصرنا حتى وردنا المدينة وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير فرساننا أبو قتادة وخير رجالنا سلمة بن الأكوع (1)
89

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تسابق مع عائشة على قدميه (1) فما كان من هذا وشبهه على سبيل الاشتداد والدربة في العدو والعدة للعدو أو على وجه اللهو لا على وجه الرهان فلا بأس به وما كان على وجه المراهنة فلا يجوز ولا يحل قال الشافعي لو أن رجلا تسابق مع رجل على أقدامهما أو تسابقا (أ) في سبق طائر أو على أن يمسك شيئا في يده فيقول له أزجر أو على أن يقوم على قدميه ساعة أو ساعات أو على أن يتصارعا أو على أن يتراميا بالحجارة فيغلبه ويأخذ سبقا جعلاه فإن هذا كله غير جائز وما أخذ عليه فهو من أكل المال بالباطل وقد نفى (ب) رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون شيء (ج) من السبق جائزا إلا في الخف والحافر والنصل قال أبو عمر في معنى حديث هذا الباب جاء (د) قوله صلى الله عليه وسلم لا جنب ولا شغار في الإسلام فأما الشغار
90

فقد مضى ذكره وما للعلماء في معناه (أ) في بابه من حديث نافع وأما قوله لا جلب ولا جنب فقد اختلف في تفسيره والذي (ب) قاله مالك في ذلك ما ذكره عنه في الموطأ جماعة من رواته وقوله ذلك يدخل في هذا الباب قال القعنبي سئل مالك عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا جنب ولا جلب (ج) وما تفسير ذلك فقال قد بلغني ذلك وتفسيره يجلب وراء الفرس حين يدنو يعني من الأمد أو يحرك وراءه الشيء يستحث به ليسبق بذلك الجلب والجنب أن يجنب مع الفرس الذي يسابق به فرس أخر حتى إذا دنا تحول راكبه على الفرس المجنوب فأخذ السبق وهذا ليس في رواية يحيى بن يحيى للموطأ أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب النسوي وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قالا حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أبي قزعة (د) عن الحسن
91

عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا جنب ولا جلب ولا شغار في الإسلام (1) ورواه حميد عن الحسن عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال أحمد بن أبي طاهر
* وإذا تكاثر في الكتيبة أهلها
* كنت الذي ينشق عنه الموكب (أ
*
* وأتيت تقدم من تقدم منهم
* ووراء رأيك كل أمر (ب) يجنب
* روى موسى بن إسماعيل قال حدثنا عباد بن صالح السلمي قال أخبرني الهيثم بن أبي العجفاء أن أباه أخبره قال ضمر ناس من أهل البصرة خيولهم فنهاهم الأمير أن يجروها حتى كتب إليه عمر ليجروها ولا يركبها إلا أربابها (ج) قال أبو عمر لم يذكر في هذا الباب شيئا من أحكام النصل والمسابقة به عند العلماء ولا من أحكام الإبل وإن كان لا فرق بين الإبل والخيل في شيء من هذا الباب وأما النصل فله وجوه ومعان ذكرها الشافعي وغيره لم أر لذكر شيء منها وجها ههنا إذ ليس في حديث هذا الباب ذكر شيء منها
92

وإنما يتكلم على معنى ما في (ا) حديث الباب وبالله العون أخبرنا محمد بن إبراهيم قال محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا سعيد بن عبد الرحمن قال حدثنا سفر عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر (1) وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن يونس وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن يونس والقعنبي قالا حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل (2) وأخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان بن سعيد عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره
93

ورواه الشافعي عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب وهذا حديث احتاج الناس فيه إلى ابن أبي ذئب فرواه عنه جماعة من الأئمة وهو يبيح السباق في الثلاث المذكورات فيه وينفيه فيما سواها (أ) وقد روى ابن صالح السمان وغيره عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا سبق إلا في خف أو حافر ليس في حديثهما ذكر النصل وقد ثبت ذكر النصل في حديث ابن أبي ذئب وبه يقول فقهاء الحجاز والعراق في هذا الباب وقد زاد أبو البختري القاضي (1) في هذا الحديث أو جناح وهي لفظة (2) وضعها للرشيد (3) فترك العلماء حديثه لذلك ولغيره من موضوعاته فلا يكتب حديثه بحال (4) وقد ذكرنا قصته في غير هذا الموضع وبالله العصمة والتوفيق
94

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن الحسن الأنصاري قال حدثنا الزبير بن أبي بكر القاضي قال حدثني أخي عبد الرحمان بن أبي بكر قال حدثني عباس بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق قال سابق عمر بن عبد العزيز بالخيل بالمدينة وكان فيها فرس لمحمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي بكر الصديق (أ) وفرس لإنسان جعدي فتسابقا (ب) والخيل حيث جاءت فإذا فرس الجعدي متقدما فجعل الجعدي يرتجز بأبعد صوته
* غاية مجد نصبت يا من لها
* نحن جرينا لها وكنا أهلها
* لو ترسل الطير لجئنا قبلها
* فلم ينشب أن لحقه فرس محمد بن طلحة وجاوزه فجاء سابقا فقال عمر بن عبد العزيز (للجعدي) (ج) سبقك والله ابن السباق إلى الخيرات
95

حديث ثامن عشر لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة في هذا الحديث الحض على اكتساب الخيل وتفضيلها على سائر الدواب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأت عنه في غيرها مثل هذا القول وبذلك تعظيم منه لشأنها وحض على اكتسابها وندب إلى ارتباطها في سبيل الله عدة للقاء العدو إذ هي أقوى الآلات في جهاده فهذه الخيل المعدة للجهاد هي التي في نواصيها الخير وأما إذا كانت معدة للفتن وقتل المسلمين وسلبهم وتفريق جمعهم وتشرديهم عن أوطانهم فتلك خيل الشيطان وأربابها حزبه وفي مثلها والله أعلم ورد أن اكتسابها وزر على صاحبها لأنه قد جاء عنه أنها (أ) قد تكون وزرا لمن لم يرتبطها ويجاهد عليها وكان قد اتخذها فخرا ومناوأة للمسلمين وأذى لهم وعونا عليهم وقد مضى
96

ذلك فيما سلف من كتابنا (1) وإذا كان ذلك كذلك فمعلوم أن ندبه إلى اكتسابها من أجل جهاد العدو عليها والله أعلم وقد استدل جماعة من العلماء بأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة تحت راية كل بر وفاجر من الأئمة بهذا الحديث لأنه قال فيه إلى يوم القيامة ولا وجه لذلك إلا الجهاد في سبيل الله لأنه قد ورد الذم فيمن ارتبطها واحتبسها رياء وفخرا ونواء لأهل الإسلام وقد تقدم تفسير ذلك كله واستيعاب معانيه في باب زيد بن أسلم من كتابنا (2) هذا فلا وجه لإعادته ههنا حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا (أ) حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال حدثني شهر (3) (ب) قال حدثتني أسماء بنت يزيد (ج) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخيل في نواصيها الخير معقود أبدا
97

إلى يوم القيامة فمن ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها فإن شبعها وجوعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها في موازينه يوم القيامة ومن ربطها فرحا ومرحا وسمعة فإن
شبعها وجوعها وريها وظمأها وأرواثها وأبوالها خسران في موازينه يوم القيامة قال أبو عمر في قوله صلى الله عليه وسلم الخيل في نواصيها الخير تقوية لمن روى لا شؤم وقد يكون اليمن في الفرس والمرأة ورد لرواية من روى الشؤم في الفرس والمرأة وقد تقدم القول في ذلك والاستشهاد عليه في باب ابن شهاب عن سالم من كتابنا هذا (1) فلا وجه لإعادته ههنا وفي إطلاقه صلى الله عليه وسلم على الخيل بأن الخير في نواصيها دليل على تركتها وأنها مباركة لا شؤم في شيء منها وقد ثبت عنه عليه السلام أنه قال البركة في نواصي الخيل وثبت أنه قال لا طيرة ولا شؤم وهذا تصحيح ما ذكرنا وقد مضى شرحه في الموضع الذي وصفنا وبالله توفيقنا أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن ستار وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قالا جميعا حدثنا يحيى هو ابن سعيد
98

القطان (أ) قال حدثنا شعبة عن أبي التياح عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البركة في نواصي الخيل (أ) وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا النضر يعني ابن شميل قال حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البركة في نواصي الخيل (2) وعند شعبة وغيره في هذا الباب أيضا حديث عروة بن أبي (ب) الجعد البارقي وبارق في الأزد وقد ذكرناه في الصحابة (3) بما يغني عن ذكره ههنا وهو حديث حسن ولشعبة فيه إسنادان أصحهما ما أخبرنا به عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمر بن علي قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا شعبة قال حدثني حصين وعبد الله بن أبي السفر أنهما سمعا الشعبي يحدث عن عروة بن أبي الجعد عن النبي عليه السلام قال الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر
99

والمغنم (1) وهذا يوضح لك ما قلنا من أن معنى هذا الخبر (أ) في الجهاد وإنه ماض إلى يوم القيامة وأن القيامة تقوم على هذا الدين وأهله يجاهدون العدو في سبيل الله حيث شاء الله من أرضه والحمد لله وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو (ب) الوليد (2) ومسلم بن إبراهيم قالا حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن عروة بن أبي الجعد الأزدي وقال أبو الوليد حدثنا عروة بن الجعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا عمران بن موسى قال حدثنا عبد الوارث قال حدثنا يونس بن عمرو بن شعيب عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتل ناصية فرس بين أصبعه وهو يقول الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والغنيمة (3)
100

ليس في حديث نافع عن ابن عمر معقود في هذا الحديث من رواية مالك وغيره أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة (أ) بن سعيد قال حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة (1) وقد روي عن النبي عليه السلام في الخيل أحاديث كثيرة ليست من باب حديثنا هذا منها قوله بين الخيل في شقرها (2) ومنها خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم المحجل ثلاث مطلق اليمنى أو كميت على هذه الشية (3) ومنها أنه كره الشكال من الخيل وأحاديث غيرها ليست أسانيدها هناك والشكال من الخيل التي (ب) تكون ثلاث (ج) قوائم منه محجلة وواحدة
101

مطلقة أو (أ) يكون الثلاث مطلقة وواحدة محجلة وتكون الرجل خاصة هي المطلقة وحدها أو المحجلة وحدها لا تكون اليد وليس يكون الشكال إلا في الرجل ولا يكون في اليد عندهم أخبرنا عبد الله بن (ب) محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن رافع قال حدثنا أبو أحمد البزاز هشام بن سعيد قال حدثنا محمد بن المهاجر الأنصاري عن عقيل بن شبيب عن أبي وهب وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأكفالها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار وعليكم بكل كميت أغر محجل أو أشقر أغر محجل أو أدهم أغر محجل وحدثنا عبد الله قال حدثنا حمزة قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا أحمد بن حفص قال حدثني أبي قال حدثني إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال لم يكن شيء أحب إلى رسول الله بعد النساء من الخيل
102

حديث تاسع عشر لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا (أ) مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال له هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة (1) هكذا قال يحيى في هذا الحديث (ب) حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة وهو خارج المعنى على وجه التفسير والبيان لحتى (ج) يبعثك الله وقال القعنبي حتيى يبعثك الله يوم القيامة وهذا أبين وأصح من أن يحتاج فيه إلى قول وقال فيه ابن القاسم حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة وهذا أيضا بين يريد حتى يبعثك الله إلى ذلك المقعد وإليه تصير وهو
103

عندي أشبه قوله عرض عليه مقعده لأن معنى مقعده عندي والله أعلم مستقره وما يصير إليه وكذلك رواه ابن بكير كما رواه ابن القاسم سواء في رواية قوم عن ابن بكير منهم إبراهيم بن باز (أ) ويحيى بن عامر وغيرهم ورواه مطرف بن عبد الرحمن بن قيس عن ابن بكير فقال فيه حتى يبعثك الله لم يزد واختلف في هذا الحديث أيضا على عبيد الله بن عمر قريبا من هذا الاختلاف على مالك أخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة وابن نمير قالا حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض أحدكم إذا مات على مقعده غدوة وعشية هكذا قال أبو أسامة وقال ابن نمير إذا مات أحدكم عض على مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار قال أبو أسامة إلى يوم القيامة وقال ابن نمير حتى يبعث إليه يوم القيامة قال أبو عمر فرواية أبي أسامة نحو رواية يحيى ورواية ابن نمير نحو رواية ابن القاسم وابن بكير
ورواه الليث عن
104

نافع فقال فيه حتى يبعثه (أ) الله يوم القيامة وهذا نحو رواية القعنبي قرأته على عبد الوارث بن سفيان عن قاسم (ب) عن عبيد الله بن يحيى عن أبيه عن الليث عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار حتى يبعثه الله يوم القيامة والمعاني في ذلك كله متقاربة وفي هذا الحديث دليل على أن الجنة والنار مخلوقتان كما يقول أهل السنة في ذلك والله أعلم ويدل على ذلك أيضا قول الله عز وجل في آل فرعون * (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) * الآية (1) وقوله صلى الله عليه وسلم اشتكت النار إلى ربها الحديث (2) وقوله صلى الله عليه وسلم اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها المساكين واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء (3) وقوله
105

دخلت الجنة فأخذت منها عنقودا (1) وقوله عليه السلام لما خلق الله الجنة حفها (أ) بالمكاره وخلق النار فحفها بالشهوات الحديث (2) وهذا كثير والآثار في خلق الجنة والنار بأنهما قد خلقتا كثيرة ومما يدل على أن المراد في هذا الحديث الجنة والنار حديث البراء بن عازب الحديث الطويل رواه سليمان الأعمش عن المنهال بن عمر وعن زادان عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث فيه طول في عذاب القبر قال فيه فيعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان (له) (ب) ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله فيقولان وما (ج) علمك فيقول قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة (د) قال فيأتيه من طيبها وروحها
106

ويفسح له في قبره مد بصره وذكر الحديث إلى قصة الكافر فيقال له (أ) من ربك ومن نبيك وما دينك فيقول لا أدري لا أدري فينادي مناد من السماء افرشوا له من النار وافتحوا له بابا إلى النار قال فيأتيه من حرها وسمومها قال ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه وذكر تمام الحديث (1) حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش فذكر الحديث بطوله بالإسناد المذكور (2) وهذا الحديث يفسر حديث ابن عمر المذكور في هذا الباب عن النبي عليه السلام قوله إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة أو من أهل النار ويبين المراد منه والله أعلم وذكر البخاري (ب) من حديث سعيد (ج) عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه ليسمع قرع نعالهم فيأتيه
107

الملكان فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد (أ) صلى الله عليه وسلم فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا قال قتادة وذكر لنا أنه يفسح له في قبره وذكر الحديث (1) وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه (ب) سمع جابرا يقول إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا أدخل المؤمن في قبره وتولى عنه أصحابه أتاه ملك شديد الانتهار فيقول ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول المؤمن كنت أقول إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبده فيقول الملك اطلع إلى مقعدك الذي كان لك من النار قد (ج) أنجاك الله منه وأبدلك مكانه مقعدك الذي ترى من الجنة فيراهما كليهما فيقول المؤمن دعوني أبشر أهلي فيقال له اسكن هذا (د) مقعدك أبدا وذكر تمام الحديث في المنافق (2)
108

وذكر عبد الرزاق عن معمر عن يونس بن خباب عن المنهال بن عمر عن زاذان عن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على القبر وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير فقال أعوذ بالله من القبر ثلاث مرات ثم قال إن المؤمن إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا نزلت إليه الملائكة فذكر الحديث (أ) وفيه فإذا عرج بروحه قالوا أي رب عبدك فيقال ارجعوه فإني عهدت إليهم أن منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى وذكر الحديث (ب) وساق في الكافر مثل ذلك أيضا (1) وأما قوله أحدكم فإن الخطاب توجه إلى أصحابه وإلى المنافقين والله أعلم فيعرض على المؤمن منهم مقعده من الجنة وعلى المنافق مقعده من النار على نحو ما جاء (ج) في حديث البراء إن شاء الله وفي هذا الحديث الإقرار بالموت والبعث بعده والإقرار بالجنة والنار وقد استدل به من ذهب إلى أن الأرواح على أفنية القبور وهو أصح ما ذهب إليه في ذلك من طريق الآثار لأن الأحاديث الدالة على ذلك ثابتة متواترة وكذلك أحاديث السلام على القبور والله أعلم
109

حديث موفي عشرين لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها (1) لا خلاف (عن مالك) (أ) في لفظ هذا الحديث وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع كما رواه مالك سواء بمعنى واحد ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أجيبوا الدعة إذا دعيتم لم يخص وليمة من غيرها وكذلك رواه موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام كرواية أيوب سواء ورواه معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا أحدكم (ب) أخاه فليجب (ج) عرسا كان أو دعوة (2) ورواه الزبيدي عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل رواية معمر بمعنى واحد
110

وقد أجمعوا على وجوب الإتيان إلى وليمة في العرس واختلفوا فيما سوى ذلك وقد ذكرنا اختلافهم في هذا الباب ومضى القول فيه مستوعبا في باب ابن شهاب عن الأعرج (1) وفي باب إسحاق بن أبي طلحة (2) كتابنا هذا فلا وجه لإعادة ذلك ههنا أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا المعلى قال حدثنا ابن أبي زائدة قال حدثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها وكان ابن عمر إذا دعي أجاب فإن كان صائما ترك وإن كان مفطرا أكل أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو دعوة (3) قال أبو داود وحدثنا ابن المصفى قال حدثنا بقية قال حدثنا الزبيدي عن نافع بإسناد (أ) أيوب ومعناه (4)
111

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجيبوا الدعوة إذا دعيتم وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن موسى بن عقبة عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أجيبوا الدعوة إذا دعيتم لها قال أبو عمر من ذهب إلى أنه لا يجب إتيان الدعوة في غير الوليمة زعم أن قوله ههنا أجيبوا الدعوة مجمل تفسيره حديث مالك وعبيد الله إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتيها فقالوا (أ) الدعوة في هذا الحديث هي الدعوة إلى الوليمة بدليل ما في حديث مالك وعبيد الله من ذكر ذلك ومن ذهب إلى أن الوليمة وغيرها في إجابة الدعوة إليها سواء احتج بظاهر قوله أجيبوا الدعوة فأخذ بعموم هذا اللفظ وجعل ذكر الوليمة في حديث مالك ومن تابعه كأنه خرج على جواب السائل عن إجابة الوليمة قالوا أوليس في ذلك ما يوجب الاقتصار على الوليمة دون غيرها كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عمن دعي
112

إلى الوليمة فقال ليأتها من دعي إليها ولو سئل عن غيرها أيضا لقال مثل ذلك بدليل الآثار المروية عنه في هذا الباب وقد ذكرناها في باب إسحاق بن أبي طلحة (1) من كتابنا هذا واستدل أيضا من ذهب هذا المذهب بحديث معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو دعوة قالوا ففي هذا الحديث التسوية بين الوليمة وغيرها وقد ذكرنا القائلين بهذه الأقوال في باب ابن شهاب عن الأعرج من كتابنا (2) هذا وقال قائلون من أهل العلم من دعي إلى (أ) وليمة فليجب وليأكل إن كان مفطرا وإن كان صائما فليدع ولا يدع الأكل إلا أن يكون صائما إذا كان الطعام مما يحل أكله واحتجوا بحديث ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا دعي أحدكم فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان صائما فليصل يقول وليدع حدثنا (ب) سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر
113

ابن أبي شيبة قال حدثنا حفص بن غياث عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره ورواه أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قوله قال أيوب وكان محمد ينحو بأحاديث أبي هريرة نحو الرفع وقال آخرون إذا أجاب فإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل واحتجوا بما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعي فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك (1) وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا محمد بن نمير قال حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي أحدكم فليجب فإن شاء أكل وإن شاء ترك وأما الطعام في الوليمة (أ) أو غيرها يكون فيه اللهو (ب) أو الخمر والمكروه من الأمور (ج) فقد ذكرنا ما للعلماء في ذلك عند ذكر حديث ابن شهاب عن الأعرج عن أبي هريرة في طعام الوليمة من كتابنا (2) هذا والحمد لله
114

حديث حاد وعشرون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله (أ) بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله (1) هذا حديث صحيح بإسناده هذا لم يختلف فيه على مالك وكذلك رواه أيوب وعبيد الله (بن عمر) (ب) عن نافع عن ابن عمر حدثنا (ج) عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد قال (د) حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن عبيد الله قال حدثني نافع عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله
115

وحدثنا عبد الوارث ويعيش بن سعيد (أ) قالا حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن محمد البرتي حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث بن سعيد وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا الحرث بن أبي أسامة حدثنا داود بن نوح حدثنا حماد قالا جميعا حدثنا أيوب عن نافع عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله وهو عند ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر رواه عن ابن شهاب جماعة من أصحابه منهم ابن عيينة ومحمد بن (أبي) (ب) عتيق (1) وإبراهيم بن سعد (ج) (2) حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا جعفر بن محمد الصائغ حدثنا سليمان بن داود الهاشمي حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله
116

ورواه (أ) سعيد بن إبراهيم عن الزهري عن ابن عمر مرفوعا بغير اللفظ حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا أحمد بن دحيم حدثنا محمد بن الحسين بن زيد أبو جعفر حدثنا محمد بن عمرو حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ابن المبارك حدثنا شعبة عن سعيد بن إبراهيم عن الزهري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليدرك الصلاة وما فاته منها خير من أهله وماله وسنذكر هذا المعنى في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله وعند ابن شهاب أيضا في هذا الحديث إسناد آخر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن نوفل بن معاوية الدئلي رواه عنه مالك وغيره (ب) إلا أنه محفوظ من ابن أبي ذئب عن الزهري وغير محفوظ عن مالك إلا من حيث خلف بن سالم عن معن عن مالك قال أبو عبد الرحمان النسائي أخاف أن لا يكون محفوظا من حديث مالك ولعله أن يكون معن عن ابن أبي ذئب
117

فأما حديث مالك عن ابن شهاب في ذلك فقرأته على أحمد بن فتح بن عبد الله أن حمزة بن محمد حدثهم قال حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال حدثنا خلف بن سالم المخزومي قال حدثنا معن بن عيسى عن مالك عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن نوفل بن معاوية الدئلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله وخالفه ابن أبي ذئب في هذا الإسناد فجعله عن الزهري عن أبي سلمة فيما روينا من حديث أسد حدثناه خلف بن القاسم قراءة مني عليه قال حدثنا محمد بن أحمد بن المسور قال حدثنا مقدام بن داود قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
عن نوفل بن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من فاتته صلاة فكأنما وتر أهله وماله هكذا قال صلاة فيما كتبنا (أ) عنه وقرأنا عليه وذكر أبي سلمة بن عبد الرحمان في هذا الحديث خطأ من قائله وإنما هو أبو بكر بن عبد الرحمان وليس ذلك من ابن أبي ذئب وإنما الخطأ فيه من أسد أو ممن دون أسد وأما من ابن أبي ذئب فلا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا
118

يحيى بن أبي بكير قال حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمان عن نوفل بن معاوية الدئلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله قلت ما هذه الصلاة قال صلاة العصر قال وسمعت ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله هكذا في هذا الحديث بهذا الإسناد وسمعت ابن عمر فإن صح هذا فالحديث لابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن نوفل بن معاوية وابن عمر جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن سالم أيضا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ومما يصحح ذلك أن محمد بن إسحاق روى هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك الغفاري قال سمعت نوفل بن معاوية الدئلي وهو جالس مع عبد الله بن عمر بسوق المدينة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله فقال عبد الله بن عمر قال رسول الله هي العصر ذكره الطحاوي في فوائده عن علي بن (أ) معبد (1) عن (ب) يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق
119

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا أبو عامر ويحيى بن أبي بكير قالا حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن نوفل بن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله وهذا (د) يدلك على أن قوله في حديث نوفل الدئلي من فاتته الصلاة أراد صلاة العصر فيكون معناه ومعنى حديث ابن عمر سواء وتكون صلاة العصر مخصوصة بالذكر في ذلك غيرها بالمعنى وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى أن حديث نوفل بن معاوية أعم وأولى بصحيح المعنى من حديث ابن عمر وقالوا فيه قوله من فاتته الصلاة وقد فاتته صلاة يريد كل صلاة لأن حرمة الصلوات كلها سواء قال وتخصيص ابن عمر لصلاة العصر هو كلام خرج على جواب السائل كأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجاب من سأله عن صلاة العصر بأن قال له الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ولو سئل عن الصبح وغيرها كان كذلك جوابه أيضا والله أعلم بدليل حديث نوفل بن معاوية الذي تفوته الصلاة أو تفوته صلاة فكأنما وتر أهله وماله حدثنا أحمد بن محمد حدثنا أحمد بن الفضل حدثنا محمد بن جرير
120

حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا ابن أبي فديك قال حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحارث بن هشام عن نوفل بن معاوية الدئلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله وفي هذا الحديث تعظيم لعمل الصلاة في وقتها وهي خير أعمالنا كما قال صلى الله عليه وسلم واعملوا إن خير أعمالكم الصلاة وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن أي الأعمال أحب إلى الله فقال الصلاة في وقتها (1) وروي في أول وقتها وفيه تحقير للدنيا وإن قليل عمل البر خير من كثير من الدنيا فالعاقل العالم بمقدار هذا الخطاب يحزن على فوات صلاة العصر إن لم يدرك منها ركعة قبل غروب الشمس أو قبل اصفرارها فوق حزنه على ذهاب أهله وماله وما توفيقي إلا بالله وقد ذكرنا ما للعلماء في آخر وقت العصر من الأقوال والاعتلال في باب زيد بن أسلم من كتابنا (2) هذا فلا وجه لإعادته ههنا وحكم صلاة الصبح وسائر الصلوات في فواتها كذلك إن شاء الله وقد يحتمل أن يكون هذا الحديث خرج
121

على جواب السائل عمن تفوته صلاة العصر فلا يكون غيرها بخلاف حكمها في ذلك ويحتمل أن يكون خصت بالذكر لأن الإثم في تضييعها أعظم والتأويل الأول أولى والله أعلم وقد احتج بهذا الحديث من ذهب إلى أن الصلاة الوسطى صلاة العصر فقال خصها رسول بالذكر من أجل أن الله خصها بقوله * (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) * 1 فجمعها في قوله الصلوات ثم خصها بالذكر تعظيمها لها كما قال عز وجل * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم) * فعم النبيين ثم قال * (ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم) * 2 فخص هؤلاء تعظيما لهم وهم أولو العزم من الرسل وقد اختلف العلماء من الصحابة والتابعين وسائر علماء المسلمين في الصلاة الوسطى على حسبما قد بيناه في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا (3) فلا وجه لإعادته ههنا وأما قوله في هذا الحديث فكأنما وتر أهله وماله فمعناه عند أهل العلم فكأنما أذيب بأهله وماله وكأنما ذهب أهله (أ) وماله والمعنى في ذلك ذهاب الأجر والثواب لأن الأهل والمال
122

باقيان لكن ذهاب الأجر على ذي العقل والدين كذهاب الأهل والمال وأما أصل الكلمة من اللغة فإنها مأخوذة من الوتر والترة وهو أن يجني الرجل على الآخر جناية في دم أو مال فيطلبه به حتى يأخذ منه ذلك المال أو مثله ومثل ذلك الدم وقلما يكون ذلك إلا أكثر من الجناية الأولى فيذهب المال ويجحف به وبالأهل وقد يسمى كل واحد منهما موتورا لذهاب ماله وأهله قال الأعشى
* علقم ما أنت إلى عامر
* الناقض (أ) الأوتار والواتر (1
* وقال أعرابي
* كأنما الذئب إذ يعدو على غنمي
* في الصبح طالب وتر كان فاتأرا (2
* وقال منقذ الهلالي
* وكذاك يفعل في تصرفه
* والدهر ليس يناله (ب) وتر
*
123

وإنما قال والله أعلم في هذا الحديث فكأنما وتر أهله (أ) ولم يقل مات أهله لأن الموتور (ب) يجتمع عليه همان هم ذهاب أهله وهم الطلب بثأره ووتره فالذي تفوته صلاة العصر فمصيبته لو حصل وفهم كمصيبة هذا والله أعلم وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي تفوته صلاة العصر حديث أشد من هذا في ظاهره وليس على ظاهره والمعنى فيه عند أهل السنة كالمعنى في هذا سواء حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى قالا جميعا أخبرنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة قال حدثني أبو المليح قال كنا مع يزيد في سفر في يوم غيم فقال بكروا بالعصر وقال يحيى بالصلاة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله وقال يزيد من فاتته صلاة العصر حبط عمله
124

ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهاجر عن بريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره ابن أبي شيبة عن وكيع وعيسى بن يونس جميعا عن الأوزاعي قال أبو عمر معنى قوله في هذا الحديث حبط عمله أي حبط عمله فيها فلم يحصل على أجر من صلاها في وقتها يعني أنه إذا عملها بعد خروج وقتها فقد أجر عملها في وقتها وفضله والله أعلم لا أنه حبط عمله جملة في سائر الصلوات وسائر أعمال البر أعوذ بالله من مثل هذا التأويل فإنه مذهب الخوارج وإنما يحبط الأعمال الكفر بالله وحده (أ) قال الله عز وجل * (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) * وفي هذا النص دليل واضح أن من لم يكفر بالإيمان لم يحبط عمله وقد اختلف في تأويل قوله فقد حبط عمله بما قد ذكرناه في كتاب المرتد (1) ورواية من روى في هذا الحديث ترك صلاة العصر أولى من رواية من روى فاتته وقد يكون المعنى فاتته تركه لها فحبط عمله فيها فلا يكون في ذلك تناقض ولا
125

يسمى الناسي لها والنائم عنها والمحبوس عن القيام إليها تاركا لها لأن الفاعل من فعل الترك واختاره بقصد منه إليه واردة له وليس كذلك من وصفنا حاله من الناسي والنائم والمغلوب وقد ذكرنا أحكام تارك الصلاة عامدا وما للعلماء في ذلك من المذاهب في باب زيد بن أسلم والحمد لله ومن ترك صلاة العصر أو غيرها جحودا بها فهو كافر قد حبط عمله عند الجميع وبالله التوفيق
126

حديث ثان وعشرون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد (أ) الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتحرى (1) أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها (2) لم يختلف على مالك في هذا الحديث وكذلك رواه الشافعي وغيره عن مالك حدثني خلف بن القاسم حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين العسري حدثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المازني حدثنا محمد بن إدريس الشافعي وأخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها (ب) قال أبو عمر قوله في هذا الحديث لا يتحرى دليل على أن المراد والمقصود به صلاة التطوع لا صلاة الفرض وقد يجوز
127

أن يكون النهي عن ذلك قصد به إلى أن لا يترك المرء صلاة العصر إلى غروب الشمس ولا يترك صلاة الصبح إلى حين طلوعها ثم يقوم فيصلي في ذينك الوقتين أو أحدهما قاصدا لذلك عامدا مفرطا وليس ذلك لمن نام أو نسي فانتبه أو ذكر في ذلك الوقت لأن من عرض له مثل ذلك فليس بمتحر للصلاة في ذلك الوقت ولا قاصدا إليها وإنما هو رجل ذكرها بعد نسيان أو انتبه إليها ولم يتحر (أ) القصد بصلاته ذلك الوقت وإنما المتحري بصلاته ذلك الوقت المتطوع بالصلاة في ذلك الوقت أو التارك عامدا صلاته إلى ذلك الوقت وعن هذا جاء النهي مجردا وعليه اجتمع علماء المسلمين فأما الفرض في غير تفريط فليس بداخل في هذا الباب بدليل قوله صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر (1)
128

ومعلوم أن من أدرك ركعة من الصبح قبل الطلوع أو ركعة من العصر قبل الغروب فقد صلى صلاته عند طلوع الشمس وعند غروبها ودليل آخر قوله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فذلك وقتها فإن الله يقول * (وأقم الصلاة لذكري) * 1 لم يخص وقتا من وقت وهذا كله يوضح (أ) أن قوله صلى الله عليه وسلم لا يتحر أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها إنما أراد به التطوع والنوافل والتعمد لترك الفرائض فاعلمه وقد مضى القول مستوعبا في هذا المعنى بما للعلماء في ذلك (ب) من التنازع ووجوه أقوالهم في باب زيد بن أسلم في موضعين منه أحدهما عن بسر بن سعيد والأعرج وعطاء بن يسار عن أبي هريرة (2) والآخر عن عطاء بن يسار (ج) عن الصنابحي (3) ومضى القول في الصلاة بعد الصبح والعصر في باب محمد بن يحيى بن حبان (4) فلا وجه لإعادة
129

شيء في ذلك ههنا ولا أعلم خلافا بين العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين إن صلاة التطوع والنوافل كلها غير جائز شيء منها أن تصلى عند طلوع الشمس ولا عند غروبها وإنما اختلفوا في الصلوات المفروضات المتعينات والمفروضات على كفاية والصلوات المسنونات مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواظب عليه ويفعله ويندب أمته عليه هل يصلي شيء من ذلك منذ طلوع الشمس وغروبها أو اصفرارها (أ) أو بعد الصبح والعصر أم لا وقد ذكرنا ذلك كله في المواضع التي سمينا من كتابنا هذا والحمد لله
130

حديث ثالث وعشرون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن (عبد الله) (أ) بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت (1) في هذا الحديث التعاهد للقرآن ودرسه والقيام به وفيه الإخبار أنه يذهب عن صاحبه وينساه إن لم يتعاهد عليه ويقرأه ويدمن تلاوته وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم وعيد شديد فمين حفظ القرآن ثم نسيه كل ذلك حض منه على حفظه والقيام به حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح قال (حدثنا) (ب) عثمان بن عمر بن فارس أخبرنا شعبة عن يزيد بن أبي
131

زياد قال سمعت رجلا من أهل الجزيرة يقال له عيسى يحدث عن سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله يوم القيامة وهو أجذم (1) معناه عندي منقطع الحجة والله أعلم وذكره ابن أبي شيبة عن ابن فضل عن يزيد عن أبي زياد عن عيسى بن فائد قال حدثني فلان عن سعد بن عبادة سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم (2) وقال ابن عيينة في معنى حديث سعد بن عبادة هذا وما كان مثله إن ذلك في ترك القرآن وترك العمل بما فيه وإن النسيان أريد به ههنا الترك نحو قوله * (اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا) * 4 قال وليس من اشتهى حفظه وتفلت منه بناس له إذا كان يحل حلاله ويحرم حرامه لأن هذا ليس بناس له قال ولو كان كذلك ما نسي النبي عليه السلام منه شيئا وقد نسي وقال ذكرني هذا آية نسيتها وقال الله عز وجل * (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله) * 5 فلم يكن الله لينسي نبيه عليه السلام والناس كما يقول هؤلاء الجهال حدثنا إبراهيم بن شاكر وسعيد بن نصر قال
132

حدثنا عبد الله بن عثمان حدثنا سعيد بن معاذ حدثنا ابن أبي مريم حدثنا نعيم بن حماد عن ابن عيينة فذكره وكان الصحابة رضي الله عنهم وهم الذين خوطبوا بهذا الخطاب لم يكن منهم من يحفظ القرآن كله ويكمله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قليل منهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو زيد الأنصاري وعبد الله بن مسعود وكلهم كان يقف على معانيه ومعاني ما حفظ منه ويعرف تأويله ويحفظ أحكامه وربما عرف العارف منهم (أ) أحكاما من القرآن كثيرة وهو لم يحفظ سورها قال حذيفة بن اليمان تعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن وسيأتي قوم في آخر الزمان يتعلمون القرآن قبل الإيمان ولا خلاف بين العلماء في تأويل قول الله عز وجل * (يتلونه حق تلاوته) * 1 أي يعملون به حق عمله ويتبعونه حق اتباعه قال عكرمة ألم تستمع إلى قول الله عز وجل * (والقمر إذا تلاها) * 2 أي تبعها وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يتعاهد علمه ذهب عنه أي من كان لأن علمهم كان ذلك الوقت القرآن لا غير وإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد فما ظنك
133

بغيره من العلوم المعهودة وخيرالعلوم ما ضبط أصله واستذكر فرعه وقاد إلى الله تعالى ودل على ما يرضاه حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد (أ) بن هشام (1) عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأه وهو يشق عليه له أجره مرتين (2) حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله قال حدثنا تميم بن محمد قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا سحنون وأخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو الطاهر قالا حدثنا ابن وهب قال أخبرنا يحيى بن أيوب عن زياد (ب) بن فائد (3) عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قرأ
134

القرآن وعمل بما فيه ألبس والداه يوم القيامة تاجا ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيه فما ظنكم من عمل بهذا (1) حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال أخبرني منصور عن أبي وائل قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول تعاهدوا القرآن فهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقله وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئسما لأحدكم (أ) أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي (2) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الخزاز (ب) حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت علي أجور أمتي
135

حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية من القرآن أوتيها رجل ثم أنسيها (1) وليس هذا الحديث مما يحتج به لضعفه وبالله التوفيق
136

حديث رابع وعشرون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله (أ) بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة (1) قد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب من كتابنا هذا (2) والفضائل لا تدرك بقياس ولا مدخل فيها للنظر وإنما هو ما صح منها ووقف رسول الله عليها فهو كما قال صلى الله عليه وسلم وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين درجة (3)
137

وكذلك روى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ورى عبد الله بن عمر عن النبي عليه السلام بسبع وعشرين وأسانيدها كلها صحاح والله يتفضل بما يشاء ويضاعف لمن يشاء وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا أحفظه في وقتي هذا صلاة الجماعة تفضل صلاة أحدكم بأربعين (أ) درجة وأظنه انفرد به فليح بن سليمان وليس حديثه بالقوي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الحويطي حدثنا بقية بن الوليد عن عيسى بن إبراهيم عن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير (ب) وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان فما فوقهما جماعة وقد استدل قوم على أن لا فضل لكثير الجماعة على قليلها (ج) ولا للصف المقدم منها على غيره بظاهر حديث ابن عمر هذا وما كان مثله وخالفهم آخرون فزعموا أن الجماعة كلما كثرت كان أفضل واحتجوا بحديث أبي
138

بصير (أ) (1) عن أبي بن كعب مرفوعا بذلك وهو حديث ليس بالقوي وزعموا أن الصف الأول أفضل لما جاء فيه من الاستهام عليه ومن قوله عليه السلام خير صفوف الرجال أولها وخير صفوف النساء آخرها وعارضهم الأولون بأن تأولوا (ب) قوله عليه السلام خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وشر صفوف النساء أولها وخيرها آخرها (2) إنما خرج على قوم كانوا يتأخرون في أجل النساء حتى أنزلت (ج) * (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) * 3 فحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك القول ولا دليل فيه على ما ذهبوا إليه إذا كان على ما ذكرنا وفي المسألة نظر والفضائل إنما تعرف بما صح من التوقيف عليها فما صح من ذلك سلم له وطمع في بركته والمعنى في فضل الصف الأول التبكير وانتظار الصلاة وليس من تأخر وصار في الصف الأول كمن بكر وانتظر الصلاة وسيأتي ذكر هذا المعنى في باب سمي إن شاء الله
139

وفي فضل الجماعة في الصلاة أحاديث (أ) متواترة (ب) عن النبي صلى الله عليه وسلم أجمع العلماء على صحة مجيئها (ج) وعلى اعتقادها والقول بها وفي ذلك (د) ما يوضح بدعة الخوارج ومخالفتهم لجماعة المسلمين في إنكارهم الصلاة في جماعة وكراهيتهم لأن يأتم أحد بأحد في صلاته إلا أن يكون نبيا أو صديقا أجارنا الله من الضلال برحمته وعصمنا (ه) بفضله لا إله إلا هو (و)
140

حديث خامس وعشرون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به السير جمع بين المغرب والعشاء (1) قد مضى القول في الجمع بين الصلاتين في السفر وغيره مستوعبا في باب أبي الزبير من كتابنا (2) هذا فلا وجه لإعادة ذلك ههنا
141

حديث سادس وعشرون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم كلهم يحدثه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله عز وجل إلى من جر ثوبه خيلاء (1) هكذا روى هذا الحديث جماعة الرواة عن مالك فيما علمت لم يدخلوا بين نافع وبين ابن عمر فيه أحدا وكذلك ليس بين عبد الله بن دينار وبين ابن عمر فيه أحد ولا بين زيد بن أسلم وبين ابن عمر فيه أحد وقد تقدم القول في باب (2) زيد بن أسلم في هذا ورواه زيد بن (أ) يحيى بن عبيد عن مالك عن نافع عن سالم عن ابن عمر وهو عندي خطأ من زيد بن يحيى بن عبيد هذا لا من غيره والله أعلم
142

حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا مالك بن عيسى قال حدثنا علي بن سعيد أبو الحسن البغدادي البزار قال حدثنا يحيى بن عبيد قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذي يجر ثوبه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة هكذا قال يحيى بن عبيد وإنما هو زيد بن يحيى بن عبيد أخبرنا عبد الرحمن بن مروان قال حدثنا الحسن بن علي بن داود قال حدثنا أحمد بن محمد بن جرير قال حدثنا علي بن معبد (أ) بن نوح قال حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن سالم عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذي يجر ثوبه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة قال أبو عمر زيد بن يحيى بن عبيد هذا دمشقي يكنى أبا عبد الله روى عنه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ودحيم وغيرهم (1) وقد مضى القول في معنى هذا الحديث في باب زيد بن أسلم (2) والحمد لله
143

حديث سابع وعشرون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل (1) هكذا (أ) قال إذا جاء أحدكم وتابعه جماعة ومنهم من يقول إذا راح أحدكم إلى الجمعة والمعنى واحد حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد وأحمد بن محمد بن عثمان وأحمد بن محمد بن موسى ومحمد بن عبد الله بن زكرياء قالوا حدثنا (ب) أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن عقيل حدثنا حفص بن إبراهيم بن طهمان عن أيوب ومنصور ومالك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل
144

وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا هارون بن سعيد بن الهيثم حدثنا خالد بن نزار عن إبراهيم بن طهمان عن مالك ومنصور ومحمد بن عبد الله وأيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى الجمعة فليغتسل وحدثنا (أ) خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر وحسن بن رشيق والعباس بن مطرح الأزدي قالوا حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي حدثنا أحمد بن صالح حدثنا مطرف وإسماعيل (قال) (ب) وقرأت على عبد الله بن نافع قالوا حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل روى هذا الحديث عن نافع جماعة ورواه أيضا سالم عن ابن عمر من حديث ابن شهاب ومنهم من يرويه عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر عن حفصة عن النبي عليه السلام
145

حدثنا خلف بن القاسم بن سهل الحافظ قال حدثنا الحسين بن جعفر الزيات قال حدثنا يوسف بن يزيد قال حدثنا إسماعيل بن مسلمة (أ) بن قعنب (1) قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وممن روى هذا الحديث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مالك وأيوب وعبيد الله وابن جريج وعبد العزيز بن أبي (ب) رواد ومنصور بن المعتمر والليث بن سعد ومالك بن مغول والضحاك بن عثمان وليث بن سليم وحجاج بن أرطاه وأشعث كلهم عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (ج) قال من جاء منكم الجمعة فليغتسل ورواه معمر والأوزاعي وابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل
146

ورواه الزبيدي عن الزهري عن سالم أنه أخبره عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من جاء منكم الجمعة فليغتسل وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن عمر بن الخطاب بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل فجلس فقال عمر لم تحتبسون عن الجمعة فقال الرجل يا أمير المؤمنين ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت ثم أقبلت فقال عمر الوضوء أيضا ألم تسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل وروى معمر عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم يوم الجمعة يخطب فذكر مثل هذا سواء قال في آخره والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل وقد رواه جماعة عن ابن شهاب كذلك مسندا واختلف فيه عن مالك فرواه عنه جمهور أصحابه عن ابن شهاب عن سالم أن عمر مرسلا ورواه بعضهم عنه عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر أن عمر متصلا وقد ذكرنا ذلك كله في باب ابن شهاب عن سالم من كتابنا هذا (1) وذكرنا كثيرا من أسانيد هذه الآثار (2) هناك (أ)
147

واستوعبنا القول في وجوب غسل الجمعة وسقوطه ومن رآه سنة وكيف الوجه فيه بما للعلماء في ذلك من المذاهب هنالك (1) أيضا فلا وجه لإعادة شيء من ذلك ههنا وأما حديث ابن عمر عن حفصة في هذا الباب فحدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ
قال حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص قالا جميعا حدثنا يزيد (2) بن خالد بن موهب الرملي (أ) قال حدثنا المفضل بن فضالة عن عياش بن عباس عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن ابن عمر عن حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم (ب) قال على كل محتلم الرواح إلى الجمعة وعلى من راح إلى الجمعة الغسل (3) قال أبو عمر هذا (ج) الحديث يدل على أن الغسل إنما يجب عند الرواح وكذلك قوله عليه السلام من جاء منكم
148

الجمعة فليغتسل وإذا جاء أحدكم فليغتسل وهذا (أ) اللفظ إنما يوجب الغسل عند الرواح على ظاهره والله أعلم وهذا موضع اختلف العلماء فيه (ب) فذهب مالك والأوزاعي والليث بن سعد على اختلاف عنه إلى أن الغسل لا يكون للجمعة إلا عند الرواح إليها متصلا بالرواح وقد روي عن الأوزاعي أنه يجزئه أن يغتسل قبل الفجر للجنابة والجمعة وذهب الشافعي وأبو حنيفة والثوري إلى أن من اغتسل للجمعة بعد (ج) الفجر أجزأه من غسلها وهو قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وهو قول عبد الله بن وهب صاحب مالك وقال أبو يوسف إذا اغتسل بعد الفجر ثم أحدث فتوضأ ثم شهد الجمعة لم يكن كمن شهد الجمعة على غسل قال أبو يوسف إن كان الغسل ليوم فاغتسل بعد الفجر ثم أحدث فصلى الجمعة بوضوء فغسله تام وإن كان الغسل للصلاة فإنما شهد الجمعة على وضوء وقال مالك من اغتسل عند الرواح ثم أحدث فتوضأ وشهد الجمعة أجزأه غسله وإن اغتسل أول النهار ويريد به الجمعة لم يجزه من غسل الجمعة وقال الثوري إذا اغتسل يوم الجمعة من جنابة أو غيرها أجزأه من غسل الجمعة فهذا يدل على أن الغسل
149

عنده لليوم لا للرواح إلى الجمعة وقال الأوزاعي الغسل هو الرواح إلى الجمعة فإن اغتسل لغيره بعد الفجر لم يجزه من الجمعة وقال الشافعي الغسل للجمعة سنة فمن اغتسل بعد الفجر للجنابة ولها أجزأه وإن غسل لها دون الجنابة وهو جنب لم يجزه وقال عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وإذا اغتسل ثم أحدث أجزأه الغسل فهذا يشبه مذهب مالك ويشبه مذهب الثوري قال أبو عمر حجة من جعل الغسل للرواح متصلا به حديث ابن عمر هذا وحديث حفصة المذكور في هذا الباب وحجة من جعل الغسل لليوم حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (أ) قال الغسل واجب على كل مسلم في كل أسبوع يوما وهو يوم الجمعة حدثناه عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا خالد الواسطي قال حدثنا داود بن أبي هند عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره حرفا بحرف فأما قوله في هذا الحديث وغيره غسل يوم الجمعة واجب فقد مضى القول في سقوط وجوبه من جهة الأثر والنظر
150

بالدلائل الواضحة في باب ابن شهاب عن سالم من كتابنا (1) هذا والأصل أن لا فرض إلا بيقين وأما من ذهب إلى أن الغسل لليوم فليس بشيء لإجماعهم على أنه لو اغتسل بعد (أ) الجمعة في باقي اليوم لم يكن مغتسلا وأنه غير مصيب في فعله فدل هذا على أن الغسل للرواح إلى الصلاة وإذا حملت الآثار على هذا صحت ولم تتعارض فهذا أولى ما في هذا الباب وقال أبو بكر الأثرم سئل أحمد بن حنبل عن الذي يغتسل سحر الجمعة ثم يحدث أيغتسل أم يجزئه الوضوء فقال يجزئه ولا يعيد الغسل ثم قال ما سمعت في هذا حديثا أعلى من حديث ابن أبزى قال أبو بكر حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا سفيان بن عيينة عن عبدة بن أبي لبابة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث بعد الغسل فيتوضأ ولا يعيد غسلا وأجمع العلماء على أن غسل الجمعة ليس بواجب إلا طائفة من أهل الظاهر قالوا بوجوبه وشددوا (ب) في ذلك وأما سائر العلماء والفقهاء فإنما هم فيه على قولين أحدهما أنه سنة والآخر أنه مستحب وأن الأمر به كان لعلة فسقط والطيب يجزئ
151

عنه وقد بينا هذه المعاني من أقوالهم فيما سلف من كتابنا هذا عند ذكر حديث ابن شهاب عن سالم (1) واختلف الفقهاء فيمن اغتسل للجمعة وهو جنب ولم يذكر جنابته (أ) فذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن ذلك يجزئ من غسل الجنابة وإن لم ينو الجنابة وكان ناسيا لها وممن ذهب إلى هذا ابن كنانة وأشهب وابن وهب ومطرف وابن نافع وهؤلاء من جلة أصحاب مالك وبه قال أبو إبراهيم المزني صاحب الشافعي وإليه ذهب وقالت طائفة أخرى من أهل العلم إن ذلك لا يجزئه حتى ينوي غسل الجنابة ويكون ذاكرا لجنابته قاصدا إلى الغسل منها وممن ذهب إلى هذا ابن القاسم وحكاه ابن عبد الحكم عن مالك وهو قول الشافعي وأكثر أصحابه وإليه ذهب داود بن علي ولم يختلف قول مالك وأصحابه أن من اغتسل للجنابة لا ينوي الجمعة معها أنه غير مغتسل للجمعة ولا يجزئه من غسل الجمعة إلا شيء روي عن أشبه بن عبد العزيز أنه قال يجزيه غسل الجنابة من غسل الجمعة ذكره محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أشهب وكذلك ذكر البرقي عن أشهب وقال عبد العزيز بن أبي سلمة والثوري والشافعي والليث بن سعد والطبري المغتسل للجنابة يوم الجمعة يجزئه من غسل الجمعة ومن الجنابة جميعا إذا نوى غسل الجنابة وإن لم ينو الجمعة
152

وأجمعوا أن من اغتسل ينوي الغسل للجنابة وللجمعة جميعا في وقت الرواح أن ذلك يجزئه منهما جميعا وأن ذلك لا يقدح في غسل الجنابة ولا يضره اشتراك النية في ذلك إلا قوما من أهل الظاهر شذوا (أ) فأفسدوا الغسل إذا اشترك فيه الفرض والنفل وقد (ب) روي مثل هذا في رواية شذت عن مالك (وللحجة عليهم موضع غير هذا) (ج) قال أبو بكر الأثرم قلت لأحمد بن حنبل رجل اغتسل يوم الجمعة من جنابة ينوي به غسل الجمعة فقال أرجو أن يجزئه منهما جميعا فقلت له يروى عن مالك أنه قال (لا) يجزئه (د) عند (ه) واحد منهما فأنكره قال أبو بكر حدثنا أحمد بن أبي شعيب قال حدثنا موسى وهو ابن أعين عن ليث عن نافع عن ابن عمر أنه كان يغتسل للجمعة والجنابة غسلا واحدا (1)
153

حديث ثامن وعشرون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن (عبد الله) (أ) بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى (1) وفي (ب) هذا الحديث من الفقه إزالة ما يستقذر وما يتنزه عنه ويتقزز منه (ج) من المسجد وأن ينظف وإذا كان رسول الله يحك البصاق من حائط المسجد (من قبلته) (د) فكنسه وتنظيفه وكسوته يدخل في معنى ذلك وفي هذا الحديث أيضا
154

دليل على أن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة إذا لم يبصق قبل وجهه ولا يقطع ذلك صلاته ولا يفسد شيئا منها إذا غلبه ذلك واحتاج إليه ولا يبصق قبل وجهه البتة
ولكن يبصق في ثوبه وتحت قدميه على ما ثبت في الآثار وقد أجمع العلماء على (أ) أن العمل القليل في الصلاة لا يضرها وفي إباحة البصاق في الصلاة لمن غلبه ذلك دليل على أن النفخ في الصلاة إذا لم يقصد به صاحبه اللعب والعبث وكان يسيرا لا يضر المصلي في صلاته ولا يفسد شيئا منها لأنه قلما يكون بصاق إلا ومعه شيء من النفخ والنحنحة والبصاق والنخامة والنخاعة كل ذلك متقارب وقد فسرنا ذلك في باب هشام بن عروة من هذا الكتاب والتنخع والتنخم ضرب من التنحنح ومعلوم (أن) للتنخم صوتا (ب) كالتنحنح وربما كان معه ضرب من النفخ عند القذف بالبصاق فإن قصد النافخ أو المتنحنح في الصلاة بفعله ذلك اللعب أو شيئا من العبث أفسد صلاته وأما إذا كان نفخه تأوها من ذكر النار إذا مر به ذكرها في القرآن وهو في صلاته (ج) فلا شيء عليه واختلف الفقهاء في هذا المعنى من هذا الباب فكان مالك يكره النفخ في الصلاة فإن فعله فاعل لم يقطع صلاته
155

ذكره ابن وهب عن مالك وذكر ابن خواز بنداد قال قال (أ) مالك التنحنح والنفخ والأنين في الصلاة لا يقطع الصلاة ورواه ابن عبد الحكم قال وقال ابن القاسم ذلك يقطع الصلاة يعني النفخ والتنحنح وقال الشافعي كل ما كان (ب) لا يفهم منه حروف الهجاء فليس بكلام ولا يقطع الصلاة إلا الكلام وهو قول أبي ثور لا يقطع الصلاة إلا الكلام المفهوم وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة وقال أبو يوسف لا يقطع الصلاة إلا أن يريد به التأفيف ثم رجع فقال صلاته تامة وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه لا إعادة على من نفخ في صلاته والنفخ مع ذلك مكروه عندهم على كل حال وعند (ج) ابن مسعود وابن عباس والنخعي وابن سيرين مثله هو مكروه ولا يقطع الصلاة وقد جاء عن ابن عباس أن النفخ كلام وهذا يدل على أنه يقطع عند الصلاة إن صح عنه أخبرنا أحمد بن قاسم حدثنا محمد بن معاوية
156

حدثنا محمد بن يحيى المروزي حدثنا خلف بن هشام حدثنا أبو شهاب عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن ابن عباس قال النفخ في الصلاة كلام وهذا يحتمل أن يكون النافخ عامدا عابثا فيكون حينئذ مفسدا لصلاته قال أبو عمر أجمع العلماء على كراهية النفخ في الصلاة واختلفوا في إفساد الصلاة به وكذلك أجمعوا على كراهية الأنين والتأوه في الصلاة واختلفوا في صلاة من أن وتأوه فيها فأفسدها بعضهم وأوجب الإعادة وبعضهم قال لا إعادة في ذلك والتنحنح عند جميعهم أخف من الأنين والنفخ ومن التأوه ولا أصل في هذا الباب إلا إجماعهم على تحريم الكلام في الصلاة كل (أ) على أصله الذي قدمنا عنهم في باب أيوب من هذا الكتاب فقول من راعى حروف الهجاء وما يفهم من الكلام أصح الأقاويل إن شاء الله وأما (ب) قوله في هذا الحديث فإن الله قبل وجهه إذا صلى فكلام خرج على التعظيم لشأن القبلة وإكرامها والله أعلم والآثار تدل على ذلك مع النظر والاعتبار وقد نزع بهذا الحديث بعض من ذهب مذهب المعتزلة في أن الله عز وجل في كل مكان وليس على العرش وهذا جهل من قائله
157

لأن في الحديث الذي جاء فيه النهي عن البزاق في القبلة أنه يبزق (أ) تحت قدمه وعن يساره وهذا ينقض ما أصلوه في أنه في كل مكان وقد أوضحنا هذا المعنى في باب ابن شهاب عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر (1) والحمد لله قرأت على عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر جميعا أن القاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثنا حميد عن أنس قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخاعة في المسجد فشق ذلك عليه حتى عرفنا ذلك في وجهه فحكه وقال إن أحدكم أو إن المرء إذا قام إلى الصلاة فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين قبلته فليبزق إذا بزق عن يساره أو تحت قدمه وحدثنا (ب) عبد الوارث وسعيد بن نصر (ج) قالا حدثنا إسماعيل حدثنا حجاج حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا حماد بن أبي سليمان عن ربعي بن خراش عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قام الرجل في صلاته أقبل على الله (د)
158

بوجهه فلا يبزقن أحدكم في قبلته ولا يبزقن (أ) عن يمينه ولكن يبزق عن يساره وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن داود قال حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوما إذ رأى نخامة في قبلة المسجد فتغيظ (ب) على الناس ثم حكها قال وأحسبه قال ودعا بزعفران فلطخه به وقال إن الله عز وجل قبل وجه أحدكم إذا صلى فلا يبزق بين يديه (1) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا سليمان بن داود قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمان أن أبا سعيد وأبا هريرة أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في جدار المسجد فتناول رسول الله حصاة (ج) فحتها (2) ثم قال إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل
159

وجهه (ولا عن يمينه (أ)) وليبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى ورواه ابن عيينة والليث عن ابن شهاب عن حميد عن أبي سعيد لم يذكر أبا هريرة وروى ابن عجلان عن عياض عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله والأحاديث في هذا كثيرة جدا أخبرنا عبد الله بن محمد (ب) حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب (1) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال (ج) حدثنا القعنبي حدثنا أبو مودود عن عبد الرحمن بن أبي حدرد الأسلمي قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل هذا المسجد فبزق فيه أو تنخم فليحفر وليدفنه (د) فإن لم يفعل فليبزق في ثوبه ثم ليخرج (2) به
160

وروى شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة وأبان العطار وأبو عوانة وغيرهم عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها قال أبو عمر البزاق يكتب بالزاي وبالسين وبالصاد وقد مضى فيما سلف من كتابنا هذا في باب نافع أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت علي أجور أمتي فرأيت فيها حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد (1) وقد احتج بعض من أباح النفخ في الصلاة على جهة التأوه بما حدثناه سعيد بن
نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو (أ) قال انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام وقمنا معه (2) فأطال القيام حتى ظننا أنه ليس يركع ثم ركع فلم يكد يرفع رأسه ثم رفع رأسه فلم يكد يسجد ثم سجد فلم
161

يكد يرفع رأسه ثم فعل في الركعة الثانية كما فعل في الأولى وجعل ينفخ في الأرض ويبكي وهو ساجد في الركعة الثانية (أ) ويقول رب لم تعذبهم (وأنا فيهم رب لم تعذبهم) (ب) ونحن نستغفرك ثم رفع رأسه (وقد) (ج) تجلت الشمس وذكر الحديث
162

حديث تاسع وعشرون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله (أ) بن عمر أنه كان يقول إن كان الرجال والنساء ليتوضئون جميعا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) رواه (ب) هشام بن عمار عن مالك فقال فيه من إناء واحد حدثنا خلف بن قاسم حدثنا علي بن الحسن بن علي الحراني (2) حدثنا محمد بن المعافي ومحمد بن محمد وحدثنا خلف حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين قالوا حدثنا هشام بن عمار حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال كان الرجال والنساء يتوضئون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
163

من إناء واحد ليس في الموطأ من إناء واحد والمعنى في ذلك سواء حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين العسكري حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول إن الرجال والنساء كان يتوضئون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث دليل واضح على إبطال قول من قال لا يتوضأ بفضل المرأة لأن المرأة والرجل إذا اغترفا جميعا من إناء واحد في الوضوء فمعلوم أن كل واحد منهما متوضئ بفضل صاحبه وقد وردت آثار في هذا الباب مرفوعة بالنهي عن أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة وزاد بعضهم في بعضها ولكن ليغترفا (أ) جميعا فقالت طائفة لا يجوز أن يغترف الرجل مع المرأة في إناء واحد لأن كل واحد منهما متوضئ حينئذ بفضل صاحبه وقال آخرون إنما كره من ذلك أن تنفرد المرأة بالإناء ثم يتوضأ الرجل بعدها بفضلها وكل واحد منهم روى (ب) بما ذهب إليه أثرا ولم أر لذكر تلك الآثار وجها في كتابي هذا لأن
164

الصحيح عندي ما روي مما يضادها ويخالفها مثل حديث هذا الباب وحديث عائشة في أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق والذي ذهب إليه جمهور العلماء وجماعة فقهاء الأمصار أنه لا بأس أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة وتتوضأ المرأة بفضله انفردت بالإناء أو (أ) لم تنفرد وفي مثل هذا آثار كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم صحاح والذي يذهب إليه أن الماء لا ينجسه شيء إلا ما ظهر فيه من النجاسات أو غلب عليها منها فلا وجه للاشتغال بما لا يصح من الآثار والأقوال والله المستعان قرأت على عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد (ب) قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال كان الرجال والنساء يتوضئون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإناء الواحد وهذا على عمومه يجمع الانفراد وغير الانفراد والله أعلم وروى سفيان وشريك عن سماك (بن حرب) (ج) عن عكرمة عن ابن عباس عن ميمونة قالت اغتسلت من الجنابة
165

فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل فقلت إني اغتسلت منه فقال ليس على الماء جنابة الماء لا ينجسه شيء وهذا صحيح في الأصول لأن المؤمن ليس بنجس وإنما هو متعبد بالوضوء والاغتسال في حال دون حال وقد دللنا على طهارة سؤر الحائض والجنب فيما سلف (أ) من هذا الكتاب وإنما جاز وضوء الجماعة معا رجالا ونساء ففي ذلك دليل على أنه لا تحديد ولا توقيف فيما يقتصر عليه المغتسل من الماء إلا الإتيان منه بما أمر الله من غسل ومسح ورب ذي رفق يكفيه اليسير وذي فرق لا يكفيه الكثير وقد مضى معنى هذا الباب في باب ابن شهاب أيضا والحمد لله
166

حديث موفي ثلاثين لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد صلاة العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين (1) هكذا رواه يحيى لم يقل في بيته إلا في الركعتين بعد المغرب فقط وتابعه القعنبي على ذلك وقال ابن بكير في هذا الحديث في بيته في موضعين أحدهما في الركعتين بعد المغرب والآخر في الركعتين بعد الجمعة في بيته وابن (أ) وهب يقول في الركعتين بعد المغرب وبعد العشاء في بيته وبعد انصرافه في الجمعة وقد تابعه أيضا على هذا جماعة من رواة مالك حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين بن عبد الله حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني مالك وعبيد الله بن عمر
167

والليث بن سعد وأسامة بن زيد وابن سمعان عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد صلاة العشاء ركعتين في بيته وكان لا يصلي بعد الجمعة في المسجد شيئا حتى ينصرف فيسجد سجدتين واختلف في ذلك أيضا أصحاب ابن نافع واختلف في ذلك أيضا عن ابن عمر وسنذكر ما حضرنا من ذلك بحول الله إن شاء الله وفي هذا الحديث دليل على أن صلاة النهار مثنى مثنى كصلاة الليل سواء وقد مضى القول في هذا المعنى بما فيه كفاية والحمد لله وفيه إباحة صلاة النافلة في المسجد والأصل في النافلة أنها صلاة البيوت ولم يختلف من هذا الحديث في ركعتين قبل الظهر وبعدها أن ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم في المسجد (أ) واختلف في صلاته بعد المغرب والعشاء والجمعة على ما نورده إن شاء الله ههنا وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قالا (ب) حدثنا
168

أبو بكر بن أبي الأسود قال حدثنا أبو المطوف محمد بن أبي الوزير قال حدثنا محمد بن موسى (أ) الفطري (1) عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد بني عبد الأشهل فصلى فيه (ب) المغرب فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها فقال هذه صلاة البيوت (2) فكره قوم التطوع في المسجد بعد صلاة المغرب لهذا الحديث ولا حجة فيه لهم لأنه لو كرهه لنهى عنه والله أعلم وقد عارض قوم هذا الحديث بما رواه جعفر بن أبي المغيرة
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد ذكره (ج) أبو داود قال حدثنا
169

حسين بن عبد الرحمان (أ) الجرجرائي (1) قال حدثنا طلق بن غنام (ب) قال حدثا يعقوب بن عبد الله القمي عن جعفر بن أبي المغيرة قال (ج) أبو داود تابع طلق بن غنام على إسناد هذا الحديث نصر المجدر عن يعقوب القمي (2) ورواه (د) أحمد بن يونس وسليمان بن داود عن يعقوب عن جعفر عن سعيد مرسلا (3) وقد كان يعقوب القمي يقول كل شيء حدثتكم عن جعفر عن سعيد بن جبير عن النبي عليه السلام فهو عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم (4) والذي اجتمع عليه العلماء أنه لا بأس بالتطوع في المسجد لمن شاء على أن صلاة النافلة في البيوت أفضل إلا العشر ركعات المذكورة في حديث ابن عمر في هذا الباب
170

والإثنتي (أ) عشرة ركعة المذكورة في حديث أم حبيبة فإنها عند جماعة منهم سنة مسنونة ويسمونها صلاة السنة يرون صلاتها في المسجد دون سائر التطوع وما عداها من التطوع كلها فهو في البيت أفضل ولا بأس به في المسجد هذا كله قول (ب) جمهور العلماء وأما قوله وبعد الجمعة ركعتين فإن الفقهاء اختلفوا في التطوع بعد الجمعة خاصة فقال مالك ينبغي للإمام إذا سلم من الجمعة أن يدخل منزله ولا يركع في المسجد لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينصرف بعد الجمعة ولم يركع في المسجد وإنما كان يركع الركعتين في بيته قال مالك ومن خلف الإمام أيضا إذا سلموا فأحب إلي (ج) أن ينصرفوا ولا يركعوا في المسجد فإن ركعوا فإن (د) ذلك واسع وقال الشافعي ما أكثر المصلي من التطوع بعد الجمعة فهو أحب إلي وقال أبو حنيفة يصلي بعد الجمعة أربعا وقال في موضع آخر ستا وقال الثوري إن صليت أربعا أو ستا (ه) فحسن
171

وقال الحسن بن حي يصلي أربعا وقال أحمد بن حنبل يصلي ستا بعد الجمعة أحب إلي وإن شاء أربعا وكان ابن عمر يصلي بعدها ركعتين في بيته ويقول هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت طائفة من العلماء تصلي بعدها ركعتين أيضا وحجة من ذهب هذا المذهب ما حدثناه عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا إسماعيل قال حدثنا أيوب عن نافع قال كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله كان يفعل ذلك (1) قال أبو داود وحدثنا محمد بن عبيد وسليمان بن داود قالا حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه رأى رجلا يصلي ركعتين يوم (أ) الجمعة في مقامه ودفعه وقال أتصلي الجمعة أربعا قال وكان عبد الله يصلي يوم (أ) الجمعة ركعتين في بيته ويقول هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) وحجة من قال يصلي بعد الجمعة أربعا ما رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن
172

أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا وبعضهم يقول فيه عن سهيل بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا صليتم الجمعة فصلوا بعدها أربعا قال سهيل وقال لي أبي يا بني إذا صليت في المسجد ركعتين ثم أتيت المنزل فصل ركعتين ذكر (أ) ذلك كله أبو داود (1) وقد روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يصلون بعد الجمعة ركعتين ثم أربعا وممن روى ذلك عنه (ب) علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وأبو موسى ومجاهد وعطاء وروي أن ابن مسعود كان يصلي بعدها أربعا وإليه ذهب إسحاق وأصحاب الرأي وجاء عن النخعي في الصلاة بعد الجمعة إن شئت ركعتين وإن شئت أربعا وروى حجاج عن ابن جريج عن عطاء أنه أخبره أنه رأى ابن عمر يصلي بعد الجمعة فينأى عن مصلاه الذي صلى فيه (ج) قليلا ويصلي ركعتين ثم يمشي أكثر من ذلك قليلا ويركع أربع ركعات قلت لعطاء كم رأيت ابن عمر يفعل ذلك قال مرارا
173

وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافعا بن جبير أرسله إلى السائب بن يزيد بن أخت نمر سله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة فقال صليت معه في المقصورة فلما سلمنا (أ) قمت في مقامي فصليت فلما دخل أرسل إلي فقال لا تعد لما صنعت إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو (ب) تخرج فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك أن لا توصل صلاة بصلاة حتى تكلم أو تخرج وذكره أبو داود عن الحسن بن علي (ج) الحلواني عن عبد الرزاق وذكر الطحاوي في هذا الخبر فقال (د) انصرف ابن عمر إلى ذلك لما بلغه حديث معاوية هذا وذكر حديث ابن جريج عن عطاء أنه رأى ابن عمر (ه) على حسبما ذكرناه (و) ثم ذكر (ز) حديث يزيد (ح) بن أبي حبيب (1) عن عطاء
174

عن ابن عمر قال (أ) كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعا فإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد فقيل له فقال (م) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك حدثنا (ب) خلف بن قاسم حدثنا إبراهيم بن علي بن أحمد الحناني البصري ومحمد بن عبد الله بن أحمد القاضي قالا حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا الربيع الوهراني حدثنا عبد الحميد بن سليمان حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة شيئا في المسجد حتى ينصرف فيصلي ركعتين في بيته وحدثنا خلف حدثنا أحمد بن الحسين بن إسحاق حدثنا عبيد بن محمد بن موسى خال البزار حدثنا محمد بن يوسف حدثنا أبو قرة موسى بن طارق عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أنه قال في حديثه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف ثم يركع ركعتين قال أبو عمر الاختلاف عن السلف في هذا الباب اختلاف إباحة واستحسان لا اختلاف منع وحظر وكل ذلك حسن إن شاء الله
175

روى إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي قال قدم علينا عبد الله فكان يصلي بعد الجمعة أربعا وقدم بعده علي فكان يصلي بعد الجمعة ركعتين وأربعا وكذلك من لم ير الركعتين بعد المغرب في المسجد ورآهما في البيت إنما هو على الاختيار لا على أن ذلك لا يجوز والله أعلم وقد تعارضت في ذلك الآثار المرفوعة منها حديث كعب بن عجرة هذه صلاة البيوت وحديث ابن عباس أن رسول الله كان يطيل القراءة (أ) في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد وقد روي من حديث محمود بن لبيد مرسلا نحو حديث كعب بن عجرة أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا عبد الحميد بن أحمد حدثنا الخضر بن داود حدثنا أبو بكر الأثرم قال حدثنا أبو عبد الله
يعني أحمد بن حنبل قال حدثنا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب ثم قال صلوا هاتين الركعتين في بيوتكم
176

قال أبو بكر وسئل أبو عبد الله عن الركعتين بعد المغرب فقال يصليها في منزله أعجب إلي قيل له فإن بعد منزله فقال (أ) لا أدري (قال) (ب) ورأيت أبا عبد الله ما لا أحصي إذا صلى المغرب دخل قبل أن يتطوع قال وسألت (ج) أبا عبد الله عن (د) تفسير قوله لا يصلي بعد صلاة مثلها قال هو أن يصلي الظهر فيصلي أربعا بعدها لا يسلم ثم قال أليس قد قال سعيد بن جبير إذا سلم في اثنين فليس مثلها ثم قال أما أنا فأذهب في الأربع قبل الظهر إلى أن أسلم في الإثنتين منها ثم قال أما الركعتان قبل الفجر ففي بيته وبعد المغرب في بيته ثم قال ليس ههنا أوكد من الركعتين بعد المغرب في بيته ثم ذكر حديث ابن إسحاق صلوا هاتين الركعتين في بيوتكم قال أبو بكر حدثنا أبو بكر بن أبي الأسود قال حدثنا محمد بن أبي الوزير أبو مطرف قال حدثنا محمد بن موسى الفطري عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في بني عبد الأشهل فصلى المغرب فرآهم يتطوعون بعدها فقال هذه صلاة
177

البيوت (1) وهذا يحتمل أن يكون على الاختيار في التطوع أكثر من الركعتين ويحتمل أن يكون في الركعتين قال أبو بكر الأثرم وحدثنا القعنبي قال حدثنا سليمان بن بلال عن ربيعة أنه سمع السائب بن يزيد يقول لقد رأيت الناس في زمن عمر بن الخطاب إذا انصرفوا من المغرب انصرفوا جميعا حتى ما يبقى في المسجد أحد كانوا لا يصلون بعد المغرب حتى يصيروا إلى أهليهم قال (أ) وحدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد قال حدثنا محمد بن إسحاق عن العباس بن سعد أن الناس كانوا على عهد عثمان يصلون الركعتين بعد المغرب في بيوتهم قال (أ) وحدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الحميد عن الأعمش عن ثابت بن عبيد قال رأيت زيد بن ثابت صلى الركعتين بعد المغرب في بيته قال (أ) وحدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا زائدة عن عبد الله بن يزيد قال كان إبراهيم إذا صلى المغرب في المسجد رجع فصلى ركعتين في بيته
178

وذكر (أ) الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي أن أباه سعد بن إبراهيم كان لا يصلي الركعتين بعد المغرب إلا في بيته وقال إبراهيم ربما قرأت على أبي جزءا في الحمام وقرأته عليه مرة في الحمام ومعه عبد الله بن الفضل قال يعقوب ولم أعقل أبي قط إلا وهو يصلي الركعتين بعد المغرب في بيته فهذه الآثار كلها تبين لك أن صلاة الركعتين بعد المغرب في البيت أفضل وأنه الأمر القديم وعمل صدر السلف وهو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصليها في بيته من حديث ابن عمر ومن حديث غيره أنها صلاة البيوت وأما (ب) حديث جعفر بن أبي المغيرة فليس تقوم به حجة ولكنه أمر لا حرج على من فعله لأن الأصل فيه أنه فعل بر وخير فحيث فعل فحسن إلا أن الأفضل من ذلك ما كان رسول الله يواظب عليه ومال أخيار صدر السلف إليه وبالله التوفيق حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال أخبرنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا يوسف بن يعقوب قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد
179

عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الغداة في بيته وحدثتني حفصة وكانت ساعة لا تدخل عليه فيها أنه كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن صلى في بيته ركعتين هكذا وقع في أصلي وركعتين قبل الغداة والصواب فيه بعد الجمعة إلا أن يكون اختلط على أيوب حديثه هذا عن نافع بحديثه عن المغيرة بن سليمان (أ) وأما حديث نافع فمحفوظ فيه ركعتين بعد الجمعة وليس فيه ركعتان قبل الصبح إلا في (ب) روايته عن حفصة (وليس ذلك عند مالك) (ج) وقد أخبرنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال حدثنا محمد بن عبد الملك الواسطي قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا شعبة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته ويقول هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا حدث به مختصرا
180

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى يعني القطان وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا محمد بن مسعود قال حدثنا يحيى القطان قالا جميعا عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها (أ) وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين بعد الجمعة فأما المغرب والعشاء ففي بيته فهذا (ب) لفظ حديث مسدد ولفظ حديث محمد بن مسعود وأما المغرب والعشاء والجمعة ففي بيته ثم اتفقا قال وحدثتني أختي حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي سجدتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها وحدثنا عبد الوارث بن قاسم قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا معاوية بن عمرو الأزدي قال حدثنا زائدة عن عبيد الله عن نافع قال قال عبد الله بن عمر صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل الظهر سجدتين (وبعدها) (ج)
181

سجدتين وبعد المغرب سجدتين وبعد العشاء سجدتين وبعد الجمعة سجدتين فأما المغرب والعشاء والجمعة ففي رحله حدثنا يحيى بن عبد الرحمان وسعيد بن نصر قراءة مني عليهما أن محمد بن أبي دليم حدثهما قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع عن عبد الله بن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي بعد المغرب الركعتين إلا في بيته وهذا عندي نحو من (أ) رواية (يحيى) (ب) والقعنبي عن مالك في ذلك حدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا مالك بن سيف قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد الجمعة وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء لم يقل الليث في شيء منها في بيته ورواه معمر عن الزهري
182

عن سالم عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته قال أبو داود وكذلك رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر (1) حدثنا
عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا عبيد الله بن محمد وحدثنا أحمد بن عمر قال حدثنا عبد الله بن محمد قالا حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا يوسف بن يعقوب قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال حدثنا شعبة عن قتادة قال كنا عند محمد بن سيرين وعنده المغيرة بن سلمان (أ) قال فحدث عن ابن عمر قال قال ابن عمر عشر ركعات حفظتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء الآخرة وركعتين قبل الصبح قال فقال رجل عند محمد هذا ما لا بد منه فقال محمد إن ما لا بد منه الفريضة هكذا يقول المغيرة بن سلمان (أ) ركعتان قبل الصبح ولا يقول ركعتان بعد الجمعة ولا يقول في شيء منها في بيته حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح قال حدثنا عثمان بن عمر بن فارس
183

قال أخبرنا عبد الله بن عون عن محمد عن المغيرة بن سلمان عن ابن عمر قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الصبح وركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال أخبرنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي قال حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال سمعت المغيرة بن سلمان في بيت محمد بن سرين يحدث عن ابن عمر قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات سوى الفريضة ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر وحدثنا عبد الله قال حدثنا عبيد الله قال حدثنا محمد قال حدثنا يوسف بن يعقوب قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري قال حدثنا محمد يعني ابن سيرين قال (أ) المغيرة بن سلمان قال عبد الله بن عمر
184

عشر ركعات حفظتهن عن النبي عليه السلام ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر وقد روي هذا الحديث عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال حفظت من النبي عليه السلام (أ) عشر ركعات وهو عندي خطأ فلذلك لم أذكره لأنه (ب) لو كان عند ابن سرين فيه شيء عن أبي هريرة ما حدث به عن المغيرة بن سلمان عن ابن عمر والله أعلم (ج) وأما الإثنتا عشرة ركعة ففيها حديث أم حبيبة وحديث عائشة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة بني له بيت
185

في الجنة أو بنى الله له بيتا في الجنة قال (أ) وكل واحد منهم قال ما تركتها بعدها حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي عن مغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثابر على اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل (ب) الفجر (1) قال (ج) أبو عمر في غير هذا الحديث في موضع الركعتين بعد العشاء ركعتين قبل العصر وهو محفوظ من حديث علي بن أبي طالب وغيره حدثني أحمد بن فتح قال حدثنا أبو أحمد بن المفسر قال حدثنا محمد بن يزيد قال حدثنا محمد (د) بن أيوب (2) قال حدثنا الفزاري ويوسف بن أسباط عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال صلاة السنة اثنتا عشرة ركعة
186

حديث حاد وثلاثون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أراني الليلة عند الكعبة (أ) فرأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم قد رجلها فهي تقطر ماء متكئا على رجلين أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت فسألت من هذا فقيل المسيح بن مريم ثم (ب) إذا أنا برجل جعد قطط أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية فسألت من هذا فقيل (ج) المسيح الدجال (3) قال أبو عمر أما المسيح ابن مريم عليه السلام ففي اشتقاق اسمه فيما ذكر ابن الأنباري (د) لأهل اللغة خمسة أقوال أحدها أنه قيل له مسيح لسياحته في الأرض وهو فعيل من
187

مسح الأرض أي من قطعها بالسياحة والأصل فيه مسيح على وزن مفعل فأسكنت (أ) الياء ونقلت حركتها إلى السين لاستثقالهم الكسرة على الياء وقيل إنما قيل له مسيح لأنه كان ممسوح الرجل ليس لرجله أخمص والأخمص ما لا يمس الأرض من باطن الرجل وقيل سمي مسيحا لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن وقيل سمي مسيحا لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ وقيل المسيح الصديق وأما المسيح الدجال فإنما (ب) قيل له مسيح لمسحه الأرض وقطعه لها وقيل لأنه ممسوح العين الواحدة (وقد يحتمل أن يكون ممسوح الأخمص أيضا) (ج) قال أبو عمر (د) والمسيح ابن مريم عليه السلام والمسيح الدجال لفظهما واحد عند أهل العلم وأهل اللغة وقد كان بعض رواة الحديث يقول في الدجال المسيح بكسر الميم والسين ومنهم من قال ذلك بالخاء وذلك كله عند أهل العلم خطأ (قال (ه) عبيد (و) الله بن قيس الرقيات (1)
188

* وقالوا دع رقية واخسئنها
* فقلت لهم إذا خرج المسيح
* يريد إذا خرج الدجال هكذا فسروه ويحتمل عندي نزول عيسى صلى الله عليه وسلم ولكنهم بالدجال شرحوا قوله هذا ولذلك ذكرناه عن أهل اللغة ليس معنى ما حكينا عنهم والله أعلم وأول هذا الشعر
* أتبكي عن رقية أم تنوح
* وفي هذا الحديث (أ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
= قد رأى المسيح بن مريم عليه السلام ورأى الدجال ووصفهما على حسب صورهما ورؤيا الأنبياء وحي على ما قدمنا في غير ما موضع من كتابنا (ب) (ففي هذا الحديث والله أعلم أن عيسى سينزل على ما في الآثار وسيطوف بالبيت) وفيه أن الطواف بالبيت من سنن النبيئين والمرسلين (ج) والآثار في نزول عيسى بن مريم عليه السلام وحجه البيت وطوافه ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد حج البيت فيما زعموا آدم وجماعة (د) من الأنبياء بعده قبل رفع إبراهيم قواعده (ه) وبعد ذلك
وأما قوله رجلا (و) آدم فالآدم الأسمر الذي (ز) علاه شيء من سواد
189

قليلا والأدمة لون العرب في الرجال إلا أنهم يقولون للأبيض من الإبل الآدم والآدم عندهم من الظباء الذي هو لون التراب واللمة الجمة من الشعر هي أكمل من الوفرة والوفرة ما يبلغ الأذنين (أ) وقوله قد رجلها يعني قد مشطها بعد أن بلها وقوله فهي تقطر ماء من الاستعارة العجيبة والكلام البديع وكان قد أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم وقوله أو على عواتق رجلين شك من المحدث لا شك من النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى مجاهد عن ابن عمر مرفوعا في صفة المسيح عليه السلام أنه أحمر جعد (ب) وذكر البخاري قال حدثنا محمد بن كثير حدثنا إسرائيل حدثنا عثمان بن المغيرة عن مجاهد عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عيسى وموسى وإبراهيم عليهم السلام فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر وأما موسى فآدم جسيم سبط كأنه من رجال (1) الزط (2) وذكر أسد بن موسى قال حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة قال حدثني مالك بن مغول عن سعيد
190

ابن مسروق عن عكرمة في قوله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك (1) قال أري إبراهيم وموسى وعيسى قال فذكر عيسى أبيض (أ) نحيف مبطن كأنه عروة بن مسعود قال وحدثني يحيى عن أبيه عن عامر الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبه عروة بن مسعود بعيسى صلى الله عليه وسلم وأما صفة الدجال (ب) فقد جاء في حديث مالك هذا ما فيه كفاية وكذلك رواه أيوب وغيره عن نافع عن ابن عمر كما رواه مالك وروى جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إني قد حدثتكم عن الدجال حتى خشيت أن لا تعقلوا أن المسيح الدجال قصير أفحج (2) جعد أعور مطموس العين وذكر الحديث خرجه أبو داود عن حيوة بن شريح عن بقية عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود عن جنادة عن عبادة (3) وهو من أصح (أحاديث) (4) الشاميين وفي حديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس حديث الجساسة في
191

صفة الدجال أعظم إنسان رأيناه خلقا وأشده وثاقا وفي حديث الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس في ذلك فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض (1) والآثار مختلفة في نتؤ عينه وفي أي عينيه هي العوراء ولم تختلف الآثار أنه أعور وذكر البخاري عن ابن (2) بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء قلت من هو قالوا ابن مريم ثم ذهبت فالتفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأن عينه عنبة طافية قلت من هذا قالوا الدجال وإذا أقرب الناس به شبها ابن قطن رجل من خزاعة (3) وأما قوله جعد قطط في صفة الدجال فالقطط هو المتكسر الشعر الملتوي الشعر الذي لا يسترسل شعره البتة مثل شعر الحبش وأما قوله كأنها عنبة طافية فإنه يعني الظاهرة الممتلئة المنتفخة يقول إنها قد طفت على وجهه كما يطفو الشيء
192

على الماء أي يظهر عليه لامتلائها وانتفاخها حدثنا أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إن الدجال خارج وهو أعور العين الشمال عليها ظفرة غليظة وأنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ويقول للناس أنا ربكم فمن قال أنت ربي فقد فتن ومن قال ربي الله حتى يموت على ذلك فقد عصم من فتنته ولا فتنة عليه فيلبث في الأرض ما شاء الله ثم يجيء عيسى بن مريم من قبل المغرب مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملته فيقتل الدجال ثم إنما هو قيام الساعة ففي هذا الحديث أعور العين الشمال وفي حديث مالك أعور العين اليمنى والله أعلم وحديث مالك أثبت من جهة الإسناد وحدثني عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا سحنون قال حدثنا ابن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحرث عن سعيد بن أبي هلال أن يحيى بن عبد الرحمن الثقفي حدثه أن عيسى بن مريم كان سائحا ولذلك سمي المسيح قال كان ليمسي (أ) بأرض ويصبح بأرض أخرى وإنه لم يتزوج ولم يرفع حجرا على حجر ولا لبنة على لبنة وإنه (ب) كان يجتاب العباءة ثم يتدرعها ثم يقول أنا
193

الذي أرغمت الدنيا وإنه لما كانت الليلة التي رفع فيها أتى بفطره عند الليل خبز الشعير اليابس والماء القراح فقالوا افطر يا رسول الله فقال لا أستطيع إنني مرفوع من بين أظهركم فيما أدري ما يفعل بي ولا بكم قالوا يا رسول الله إنك تفارقنا فأوصنا قال اعلموا أن حلو الدنيا مر الآخرة عليكم بحشرات الأرض وخبز الشعير وثياب الشعر والصوف وظل الشجر وفيء الجدرات واعلموا أن حلو الدنيا مر الآخرة قال ابن وهب وأخبرني مالك بن أنس قال بلغني أن عيسى بن مريم انتهى إلى قرية قد خربت حصونها وجفت أنهارها ويبست أشجارها فنادى يا خراب أين أهلك فلم يجبه أحد ثم نادى يا خراب أين أهلك فلم يجبه أحد ثم نادى الثالثة فنودي عيسى بن مريم بادوا وتضمنتهم الأرض وعادت أعمالهم قلائد في رقابهم إلى يوم القيامة عيسى بن مريم جد قال ابن وهب وأخبرني (أ) أبو صخر أن يزيد الرقاشي حدثه عن أنس بن مالك أنه قال لما ولد عيسى (ب) عليه السلام أصبح كل صنم يعبد من دون الله خارا على وجهه قال فأقبلت الشياطين تضرب وجوهها وتنتف لحاها فقالوا يا أبانا لقد حدث في الأرض حدث فقال وما ذلك قالوا ما كان من صنم يضل به أحد من ولد آدم إلا أصبح خارا على وجهه قال فانظروني حتى أنظر قال فأخذ في أفق السماء حتى بلغ المشرق ثم ههنا
194

حتى بلغ المغرب ثم ههنا حتى لا يرى ثم ههنا حتى لا يرى (أ) ثم هبط إليهم فقال أما الذي تخافون من السماء فلم يكن شيء بعد ولكن هذا شيء حدث في الأرض فانظروني حتى أنظر فأخذ ههنا أيضا حتى بلغ المشرق وههنا حتى بلغ المغرب وههنا حتى لا يرى وههنا حتى لا يرى ثم احتبس عنهم هنيهة ثم جاءهم فقال هل تدرون ما حبسني عنكم قالوا لا قال فإن عيسى بن مريم عليه السلام ولد في بيت المقدس وإني أردت الدخول فوجدت الملائكة قد حرسوه وحالت بيني وبينه دعوة الطيبة قولها وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (1) ما من مولود يولد إلا وضعت أصبعي عليه فالصغو الذي (ب) تسمعونه (ج) تحت أمه فتلك أصبعي حين أضعها عليه
فأردت أن أضعها على عيسى (د) فحالت بيني وبينه دعوة الطيبة فوإله عيسى لأضلن به الناس ضلالا لا أضلهم بأحد كان قبله أو أحد (ه) يكون بعده (2) قال ابن وهب قال أبو صخر فحدثت هذا
195

الحديث محمد بن كعب القرطي فقال أي الرقاشيين حدثك بهذا فقلت يزيد قال هلم حدثنيه فلما حدثته قال ألا أحدثك عن عيسى بن مريم قلت بلى قال فإن (أ) الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيا في أمة إلا جاء على رجله البلاء إمساك المطر والشدة حتى كان عيسى بن مريم فلما ولد جاء على رجله الرخاء فأمطرت السماء وأخصبت الأرض وفتح له البركات وأبرأ الأكمه والأبرص وكلم الموتى وأحياهم وخلق من الطين طيورا وأخبرهم بما يأكلون وما يدخرون ثم عمر بين أظهرهم ما شاء الله أن يعمر ثم أرسل الله إليه إني رافعك إلي فدخل بيتا وجمع فيه (ب) حواريه ثم قال إن الله رافعي إليه فأيكم يتشبه بي فإنه مقتول قال رجل من القوم أنا قال أوصيكم بتقوى الله وأن تبروا من قطعكم وأن تؤدوا الحق إلى من منعه منكم ولا تكافئوا الناس بأعمالهم (ج) فضرب الباب ورفعه الله إليه وقتل الرجل قال الله تعالى * (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) * 1 فاجتمع بنو
196

إسرائيل فقهاؤهم وأحبارهم فقالوا ألا تقومون فتنظرون أي شيء كان هذا الذي كان بين أظهركم قالوا بلى فاختاروا الخيار النقادة لا يألون خمسين رجلا ثم اختاروا من الخمسين عشرة ثم اختاروا من العشرة أربعة فدخلوا بيتا فقالوا أنتم سادتنا وخيارنا فينظر كل واحد (أ) منكم برأيه فإنما نحن تبع لكم (ب) فأخذوا شيخا وآخر دون الشيخ في السن وآخر دونه في السن وفتى شابا حين استوى شبابه فبدأوا بالشيخ لسنه فقال هل تعلمون أحدا يعلم الغيب إلا الله ويحيي الموتى غير الله أو يبرئ الأكمه والأبرص إلا الله قالوا لا قال فإن هذا الله كان بين أظهركم ثم بدا له أن يرتفع فارتفع قال الآخر هل عندك شيء غير هذا قال لا قال لا أقول مثل ما قلت هل تعلمون أحدا يعلم الغيب إلا الله ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق إلا الله قالوا لا قال هذا ابنه علمه من خلائقه ما شاء ثم بدا له أن يرفعه إليه فرفعه قال الثالث هل عندكما شيء غير هذا قالا لا قال فإني لا أقول كما قلتما ولكن هل تعلمون أحدا خلق من غير نطفة إلا آدم قالوا لا قال فإنه لغية (1) فقام الشاب فقال هل عندكم غير هذا قالوا لا قال فإني لا أقول كما
197

قلتم واشهد (أ) ما هو بالله ولا ولد الله ولا لغية ولكن (ب) روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم فقال له كن فكان (فاستوى) (ج) ثم خرجوا على قومهم وهم جلوس فقالوا ماذا قلتم فقال الكبير قلت هو الله فاتبعته (د) فرقة ثم قال الآخر هو ولد الله فتبعته فرقة ثم (ه) قال الآخر هو لغية فاتبعته (و) فرقة وقال الآخر هو عبد الله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم فاتبعته فرقة فقالوا كيف نعيش وهذا معنا فاقتلوه فقتل الفتى ومن معه قال فلذلك قال الله عز وجل * (فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم) * 1 وقال تعالى * (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) * 2 وقال ز * (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل) * (3) وقال * (وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما) *
198

1 فهؤلاء الذين قالوا هو لغية قال * (منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون) * 2 فهذا الشاب وأصحابه الأمة المقتصدة قال أبو صخر وقال لي القرطي أنت وأصحابك من المقتصدة (ب) وأما (ج) سن عيسى صلى الله عليه وسلم ففيه حديث عائشة وفاطمة أن عمره كان مثلي عمر نبينا صلى الله عليه وسلم وهو حديث روي من حديث بألفاظ والمعنى الذي قصدناه منه لم يختلفوا فيه أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا محمد بن عمر بن يوسف بن عامر الأندلسي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرتي قال حدثنا ابن أبي مريم عن
199

عبد الله بن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن عبد الله بن عبيد الله بن الأسود عن عروة عن عائشة قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي وأنا وفاطمة فناجى فاطمة فلما توفي سألتها فقالت قال لي ما بعث نبي قط إلا كان له من العمر نصف عمر الذي قبله وقد بلغت نصف عمر من كان قبلي فبكيت وقال أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران فضحكت قال وأنبأنا ابن أبي مريم عن نافع بن يزيد عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت حسين عن عائشة أم المؤمنين عن فاطمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وأخبرني أن عيسى عاش عشرين ومائة سنة وفي سماع أشهب وابن نافع من مالك في كتاب العتبي قال مالك كان عيسى بن مريم يقول يا ابن الثلاثين مضت الثلاثون فماذا تنتظر قال ومات وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة قال أبو عمر احتج بهذا الحديث من ذهب إلى أن عيسى صلوات الله عليه وسلامه (أ) مات وأنه توفي موت ولا حجة في هذا الحديث لمن زعم أنه مات لأنه يحتمل أن يكون
200

قوله في هذا الحديث عاش عشرين ومائة سنة أي عاش في قومه قبل أن يرفع وكذلك قوله كان له من العمر نصف الذي قبله وقوله عاش نصف عمر الذي قبله اي عاش في قومه وكان في قومه أو في الأرض ونحو هذا والدليل على صحة هذا القول ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزوله وقتله الدجال وحجه البيت بأسانيد لا مطعن فيها أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا معاوية بن خالد حدثنا همام بن يحيى أظنه عن قتادة عن عبد الرحمان بن آدم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس بيني وبين عيسى نبي وأنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض كأن رأسه يقطر وأنه لم يصبه بلل فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية وتهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك المسيح الدجال فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون (1) أخبرنا عبد الله حدثنا ابن السكن حدثنا محمد حدثنا البخاري حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أن أبا سلمة أخبره عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنا أولى الناس بابن مريم ليس بيني
201

وبينه نبي والأنبياء أولاد (1) علات (2) وقال صلى الله عليه وسلم ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنينهما (3) وفي حديث النواس بن سمعان عن النبي عليه السلام حين ذكر الدجال وذكر مكثه في الأرض ثم قال ينزل عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء بشرقي دمشق فيدركه عند باب لد (4) فيقتله (5) ومن
صحيح حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ثم يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته (6) الآية (7) وروى عبد الله بن نافع الصائغ صاحب مالك عن عثمان بن الضحاك بن عثمان الأسدي عن محمد بن يوسف عن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده قال يدفن عيسى
202

عليه السلام مع النبي عليه السلام وصاحبيه ثم موضع قبر رابع وأما اختلاف العلماء في قول الله عز وجل * (يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي) * 1 فقالت طائفة أراد إني رافعك ومتوفيك قالوا وهذا جائز في الواو والمعنى عند هؤلاء أنه توفي موت إلا أنه لم يمت بعد وقال زيد بن اسلم وجماعة متوفيك قابضك من غير موت مثل توفيت المال واستوفيته أي قبضته وقال الربيع بن أنس يعني وفاة منام (2) لأن الله تعالى رفعه في منامه وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس متوفيك أي مميتك (3) وقال (4) وهب توفاه الله ثلاث ساعات من النهار (5) والصحيح عندي في ذلك قول من قال متوفيك قابضك من الأرض (6) لما صح عن النبي عليه السلام من نزوله وإذا حملت رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس على التقديم والتأخير أي رافعك ومميتك لم يكن بخلاف لما ذكرناه وأما قوله عز وجل * (وإن من) *
203

أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته فقال أبو هريرة وابن عباس قبل موت عيسى عليه السلام وهو قول الحسن وعكرمة وأبي مالك ومجاهد هذه رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس (1) وروى مجاهد عن ابن عباس قبل موته قبل موت صاحب الكتاب فقيل لابن عباس وإن ضربت عنقه فقال وإن ضربت عنقه (2) وقد روي عن مجاهد وعكرمة مثل ذلك أيضا وروى معمر عن ثابت البناني عن أبي رافع قال رفع عيسى عليه السلام وعليه مدرعة وخفا راع وحذافة يحذف بها الطير وهذا لا أدري ما هو ويحتمل أنه كانت تلك هيئته ولباسه إلى أن رفع ورفع كيف شاء الله بعد وفائدة هذا الخبر رفعه حيا لا غير والله أعلم وذكر سنيد عن حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله تبارك وتعالى وما صلبوه ولكن شبه لهم قال صلبوا رجلا شبهوه بعيسى عليه السلام يحسبونه إياه ورفع الله عيسى حيا (3) قال سنيد وحدثنا إسماعيل عن أبي رجاء عن الحسن في قول الله عز وجل * (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) * قال قبل موت عيسى عليه السلام والله إنه لحي الآن عند الله ولكنه إذا نزل آمنوا به أجمعون (4)
204

قال أبو جعفر الطبري الآية في قوله وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به خاصة في أهل زمن عيسى عليه السلام دون سائر الأزمنة (1) والله أعلم
205

حديث ثان وثلاثون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فكسر خزانته فينتقل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم (أ) فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه (1) في هذا الحديث النهي (ب) عن أن يأكل أحد أو يشرب أو يأخذ من مال أخيه شيئا إلا بإذنه وذلك (ج) عند أهل العلم محمول على ما لا تطيب به نفس صاحبه قال صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه (2) وقال إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام يعني من
206

بعضكم على بعض (1) وقد (أ) مضى في باب إسحاق (2) طرف من هذا المعنى وتفسير قول الله عز وجل * (أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) * ونزيد ههنا بيانا لأخبار عن العلماء وتفسير المراد إن شاء الله وأما المشربة فقال صاحب العين هي الغرفة ودليل هذا الحديث يقضي بأن كل ما يختزن فيه الطعام فهي مشربة والله أعلم والخزانة معروفة وأصل الخزن الحفظ والستر (والملك قال امرؤ القيس
* إذا المرء لم يخزن عليه لسانه
* فليس على شيء سواه بخزان) (3) (ب
* ويروى في هذا الحديث في الموطأ وغيره فينتثل طعامه فمن روي ينتثل طعامه فمعناه يستخرج طعامه وأصل الانتثال الاستخراج ومن رواه ينتقل فالانتقال معروف وهو أبين (ج) والله أعلم وفي هذا الحديث أيضا من المعاني أن اللبن يسمى طعاما وأصل ذلك في اللغة أن كل ما يطعم جائز أن يسمى طعاما
207

وقد قال الله تعالى في ماء النهر * (فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه) * 1 الآية قال ابن وهب سمع مالكا يقول في الرجل يدخل الحائط فيجد الثمر ساقطا قال لا يأكل منه إلا أن يكون يعلم أن صاحبه طيب النفس بذلك أو يكون محتاجا لذلك فأرجو أن لا يكون عليه شيء إن شاء الله قال وسمعت مالكا يقول في المسافر ينزل بالذمي أنه لا يأخذ من ماله شيئا إلا بإذنه وعن طيب نفس منه فقيل لمالك أرأيت الضيافة التي جعلت عليهم ثلاثة أيام قال كان يومئذ يخفف عنهم بذلك وروى شعبة عن منصور قال سمعت إبراهيم يحدث عن سعيد بن وهب قال كنت بالشام وكنت أتقي أن آكل من الثمار شيئا فقال لي رجل من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عمر اشترط على أهل الذمة أن يأكل الرجل المسلم يومه غير مفسد وقد فرق قوم بين الثمر المعلق وما كان مثله وبين سائر الأموال فأجازوا أكل الثمار أخبرنا خلف بن قاسم قال أخبرنا عبد الله بن محمد الحصيني قال حدثنا بكار بن قتيبة قال حدثنا أبو عمر الضرير قال حدثنا عبد الواحد بن زياد وعبد الله بن المبارك قالا
208

أخبرنا عاصم الأحول عن أبي زينب قال صحبت عبد الرحمن بن سمرة وأنس بن مالك وأبا برزة في سفر فكانوا يصيبون من الثمار قال بكار وحدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا يزيد بن إبراهيم قال سمعت الحسن يقول يأكل ولا يفسد ولا يحمل وقد يحتمل أن يكون هذا كله في أهل الذمة في ذلك الوقت حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا مسلمة حدثنا محمد بن زيان حدثنا أبي حدثنا الحرث بن مسكين قال سمعت أشهب بن عبد العزيز يقول خرجنا مرابطين إلى الإسكندرية فمررنا بجنان الليث بن سعد فدخلنا فأكلنا من الثمر فلما أن رجعت دعتني نفسي إلى أن أستحل من الليث فدخلت إليه فقلت يا أبا الحرث إنا خرجنا مرابطين ومررنا بجنانك فأكلنا من الثمر وأحببنا أن تجعلنا في حل فقال لي الليث يا ابن أخي لقد نسكت نسكا أعجميا أما سمعت الله عز وجل يقول * (أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) * 1 فلا بأس أن يأكل الرجل من مال أخيه الشيء التافه الذي يسره بذلك وهذا الحديث يسوي بين اللبن وبين سائر الطعام والمال في التحريم والله أعلم فلا فرق بين المضطر إن شرب اللبن أو
غيره من الطعام إذا لم يجد الميتة أو وجدها ووجد اللبن أو غيره من سائر مال المسلم أو الذمي يستوي فيه المضطر في اللبن
209

وغيره من جميع المأكول كله ولا يحل شيء منه إلا على الوجوه التي بها تحل الأملاك وللمضطر إلى مال المسلم ماء كان أو طعاما حكم ليس هذا موضع ذكره ولا يحل للمضطر أن يأكل الميتة وهو يجد مال مسلم لا يخاف فيه قطعا كالثمر المعلق وحريسة الجبل ونحو ذلك مما لا يخشى فيه قطعا ولا أذى وجملة القول في ذلك أن المسلم إذا تبين عليه رد مهجة المسلم وتوجه الفرض في ذلك إليه بأن لا يكون هناك غيره قضي عليه بترميق تلك المهجة الآدمية وكان للممنوع ماله من ذلك محاربة من منعه ومقاتلته وإن أتى ذلك على نفسه وذلك عند أهل العلم إذا لم يكن هناك إلا واحد لا غير فحينئذ يتعين عليه الفرض فإن كانوا كثيرا أو جماعة وعددا كان ذلك عليهم فرضا على الكفاية والماء في ذلك وغيره مما يرد نفس المسلم ويمسكها سواء إلا أنهم اختلفوا في وجوب قيمة ذلك الشيء على أن رد به مهجته ورمق به نفسه فأوجبها موجبون وأباها (أ) آخرون ولا خلاف بين أهل العلم متأخريهم ومتقدميهم في وجوب رد مهجة المسلم عند خوف الذهاب والتلف بالشيء اليسير الذي لا مضرة فيه على صاحبه وفيه البلغة وهذه المسألة قد جودها إسماعيل بن إسحاق في الأحكام وجودها أيضا غيره
210

ولها موضع من كتابنا غير هذا إن شاء الله نذكرها ونذكر ما فيها من الآثار عن السلف وبالله العون حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن (أ) عبيد الله قال حدثني نافع عن عبد الله بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلب (ب) المواشي بغير إذن أربابها أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا يحيى بن إبراهيم قال حدثنا اصبغ بن الفرج قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال سمعت رجلا يسأل ابن عباس قال إن في حجري (ج) يتيما وإن له إبلا ولي إبل أفقدم (د) إبلي وأمنح منها فما يحل لي من إبله فقال ابن عباس إن كنت ترد نادتها (1) وتلوط (2) حوضها وتهنأ (3) جرباها وتسقي عليها
211

فاشرب من لبنها فقال القاسم ما سمعت فتيا بعد آية من كتاب الله أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن من فتياه هذه وروى مالك هذا الحديث عن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد يقول جاء رجل إلى عبد الله بن عباس فقال (أ) إن لي يتيما أفأشرب من لبن إبله فقال ابن عباس إن كنت تبغي ضالة إبله وتهنأ جرباها وتلوط حوضها وتسقيها يوم وردها فاشرب غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب ولم يذكر قول القاسم (ب) وفي هذا الحديث أيضا ما يدل على أن من حلب من ضرع الشاة أو البقرة أو الناقة بعد أن يكون في حرز ما يبلغ قيمته ما يجب فيه القطع أن عليه القطع لأن الحديث قد أفصح بأن الضروع خزائن للطعام ومعلوم ان من فتح خزانة غيره أو كسرها فاستخرج منها من المال الطعام أو غيره ما يبلغ ثلاثة دراهم أنه يقطع فإذا كان القطع يجب على من سرق الشاة نفسها من مراحها وحرزها ولم تكن حريسة جبل فاللبن بذلك أولى والله أعلم وقد مضى ذكر معاني الحرز عند العلماء في باب ابن شهاب عند ذكر (سرقة) (ج) رداء صفوان بن أمية فلا معنى لإعادة ذلك ههنا إلا أن الشاة إذا لم تكن في حرز فلبنها تبع لها
212

ومن هذا الباب بيع الشاة اللبون بالطعام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم فجعل اللبن طعاما وقد اختلف الفقهاء في بيع الشاة اللبون باللبن وبسائر الطعام نقدا والى أجل فذهب مالك وأصحابه إلى أنه لا بأس بالشاة اللبون باللبن يدا بيد ما لم يكن في ضرعها لبن فإذا كان في ضرعها لبن لم يجز يدا بيد باللبن من أجل المزابنة ولم يجعله لغوا لأن الربا لا يجوز قليله ولا كثيره وليس كالغرر الذي يجوز قليله ولا يجوز كثيره ولا يجوز عنده بيع الشاة اللبون باللبن إلى أجل فإن كانت الشاة غير لبون جاز في ذلك الأجل وغير الأجل قال مالك ولا بأس بالشاة اللبون بالطعام إلى أجل لأن اللبن من الشاة وليس الطعام منها قال والشاة بالطعام (أ) إلى أجل إذا لم تكن شاة لحم جائز وإن أريد بها الذبح فإن كانت شاة لحم فلا قال وكذلك السمن إلى أجل بشاة لبون لا يجوز وإن لم يكن فيها لبن جاز قال ويجوز الجميع (ب) يدا بيد (قال أبو عمر كان القياس أن الشاة إذا لم يكن في ضرعها لبن وجاز بيعها باللبن يدا بيد وإن كانت لبونا أن يجوز بيعها باللبن إلى أجل إذا لم يكن في ضرعها لبن
213

في حين عقد التبايع وإن كانت اللبون (أ) كغير اللبون فإن كانت اللبون يراعي أخذها (ب) وإن لم يكن فيها لبن ويقام مقام اللبن فغير جائز أن تباع باللبن وإن لم يكن فيها لبن يدا بيد والله أعلم (ج) وقال الأوزاعي يجوز شراء زيتونة فيها زيتون بزيتون وشاة في ضرعها لبن بلبن لأن الزيتون في شجرة واللبن في الضرع لغو وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم لا يجوز بيع الشاة اللبون بالطعام إلى أجل ولا يجوز عند الشافعي بيع شاة في ضرعها لبن بشيء من اللبن لا يدا بيد ولا إلى أجل ولكل واحد منهم حجج من طريق النظر والاعتبار يطول ذكرها والأصل في هذا الباب المزابنة فما لا يجوز إلا مثلا بمثل لم يجز أن يباع منه معلوم بمجهول ومن وقع عليه اسم طعام فلا يجوز أن يباع منه شيء بشيء إلى أجل جاز فيه التفاضل أو لم يجز لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الطعام إلا يدا بيد فهذا الأصل في هذا الباب لمن وفق وفهم والله المستعان وقد روى هذا الحديث عن مالك يزيد بن عبد الله بن الهادي شيخة حدثني أحمد بن فتح قال حدثنا أحمد بن
214

الحسن الرازي قال حدثنا مقدام بن داود قال حدثني إسحاق بن بكر بن مضر قال حدثني أبي عن يزيد بن عبد الله ابن الهادي عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فذكره حرفا بحرف وفي (أ) هذا الحديث أيضا على ما استدل به أصحابنا وغيرهم ما يرد ما ذهب إليه من قال إنه جائز للمرتهن الشاة أو البقرة أو الدابة أن يحلب أو يركب ذلك الرهن وتكون عليه نفقة الدابة أو البقرة أو رعيها أو رعي الشاة أو نفقتها وممن ذهب إلى هذا أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وحجتهم حديث الشعبي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم الرهن مركوب ومحلوب وبعض رواته يقول فيه الرهن يركب أو يحلب بقدر نفقته وعلى الذي يركب ويحلب نفقته وهذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول يجتمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها وقد أجمعوا أن ليس الرهن وظهره للراهن ولا يخلو من أن يكون احتلاب المرتهن له بإذن الراهن أو بغير إذنه فإن كان بغير إذنه ففي حديث ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحتلبن أحد ماشية أحد
215

إلا بإذنه ما يرده ويقضي بنسخه مع ما ذكرنا من تحريم مال المسلم إلا عن طيب نفس وإن كان بإذنه ففي الأصول المجتمع عليها في تحريم المجهول والغرر وبيع ما ليس عندك وبيع ما لم يخلق ما يرد ذلك أيضا وفيما ذكرنا صحة ما ذهب إليه أصحابنا وجمهور الفقهاء في حديث أبي هريرة الرهن يركب ويحلب بنفقته أنه منسوخ وأن ذلك كان قبل نزول تحريم الربا والله أعلم
216

حديث ثالث وثلاثون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتنى إلا كلبا ضاريا أو كلب ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان (1) هكذا قال يحيى من اقتنى إلا كلبا وغيره يقول من اقتنى كلبا إلا كلبا ضاريا أو كلب ماشية وقال القعنبي فيه من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو ضاريا والمعنى واحد كله وروى هذا الحديث يحيى عن مالك عن نافع عن ابن عمر وتابعه جماعة ويرويه قوم أيضا عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر والحديث عند مالك عنهما جميعا عن ابن عمر وقد جمعهما ابن وهب وغيره عنه بالإسنادين جميعا حدثنا عبد الرحمن بن يحيى بن محمد قال حدثنا علي بن محمد بن مسرور الدباغ قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا سحنون بن سعيد قال حدثنا سحنون بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني مالك عن نافع وعبد الله
217

ابن دينار عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتنى كلبا إلا كلبا ضاريا أو صاحب ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان إلا (أ) ابن دينار قال من عمله وفي (ب) هذا الحديث من الفقه إباحة اتخاذ الكلاب للصيد والماشية وكراهية اتخاذها لغير ذلك وقد روى أبو هريرة وعبد الله بن مغفل (ج) (1) وسفيان بن أبي زهير الشنائي (2) وغيرهم هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فزادوا فيه ذكر كلب الحرث وبعضهم يقول فيه من اقتنى كلبا لا يعني به زرعا ولا ضرعا فزادوا فيه الزرع حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا علي بن مسرور قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا سحنون قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (د) من اقتنى
218

كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم أخبرني محمد بن عبد الملك وعبيد بن محمد قالا حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا الحجاج قال حدثنا حماد عن يونس عن الحسن عن عبد الله بن معقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اتخذ كلبا ليس كلب صيد ولا ماشية ولا حرث نقص من أجره كل يوم قيراط وقال اقتلوا منها كل أسود بهيم وقد ذكرنا حديث سفيان بن أبي زهير في باب هشام بن عروة لأنه من رواية مالك وفي معنى هذا الحديث تدخل عندي (أ) إباحة اقتناء الكلاب للمنافع كلها ودفع المضار إذا احتاج الإنسان إلى ذلك إلا أنه مكروه اقتناؤها في غير الوجوه المذكورة في هذه الآثار لنقصان أجر مقتنيها والله أعلم وقد أجاز مالك وغيره من الفقهاء اقتناء الكلاب للزرع والصيد والماشية ولم يجز ابن عمر اقتناءه للزرع ووقف عندما سمع وزيادة من زاد في هذا الحديث الحرث والزرع مقبولة فلا بأس باقتناء الكلاب للزرع والكرم (ب) وإنها (ج) داخلة في معنى الحرث وكذلك ما كان مثل ذلك كما
219

يقتنى للصيد والماشية وما أشبه ذلك وإنما كره من ذلك اقتناؤها لغير منفعة وحاجة وكيدة فيكون حينئذ فيه ترويع الناس وامتناع دخول الملائكة في البيت والموضع الذي فيه الكلب فمن ههنا والله أعلم كره اتخاذها وأما (1) اتخاذها للمنافع فما أظن شيئا من ذلك مكروها لأن الناس يستعملون اتخاذها للمنافع ودفع المضرة قرنا بعد قرن في كل مصر وبادية فيما بلغنا والله أعلم وبالأمصار علماء ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف ويسمع السلطان منهم فما بلغنا عنهم تغيير ذلك إلا عند أذى يحدث من عقر الكلب ونحوه وإن كنت ما أحب لأحد أن يتخذ كلبا ولا يقتنيه إلا لصيد أو ماشية في بادية أو ما يجري مجرى البادية من المواضع المخوف فيها الطرق والسرق فيجوز حينئذ اتخاذ الكلاب فيها للزرع وغيره لما يخشى من عادية الوحش وغيره والله أعلم وقد سئل هشام بن عروة عن الكلب يتخذ للدار فقال لا بأس به إذا كانت الدار مخوفة حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا أحمد بن أبي سليمان قال حدثنا سحنون قال حدثنا ابن وهب قال حدثني عمرو بن محمد أن سالم بن عبد الله بن عمر حدثه عن أبيه قال وعد جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فراث (1) عليه حتى اشتد على
220

رسول الله صلى الله عليه وسلم فحرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه فشكا إليه ما وجد فقال إننا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة قال ابن وهب وأخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن السباق عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال وأخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله أنه سمع ابن عباس يقول سمعت أبا طلحة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة قال وحدثني ابن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله فلهذا والله أعلم وما أشبهه كره اتخاذ الكلاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد (أ) اختلف في هذا الحديث فقيل هو خصوص لجبريل وحده صلى الله عليه وسلم بدليل الحفظة وقيل بل الملائكة على عموم الحديث والله أعلم وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث نقص من عمله أو من أجره يريد من أجر عمله كل يوم قيراطان دليل على أن اتخاذها ليس بمحرم لأن ما كان محرما اتخاذه لم يجز اتخاذه ولا اقتناؤه على حال نقص من الأجر أو لم ينقص
221

وليس هذا سبيل النهي عن المحرمات أن يقال فيها من فعل كذا ولكن هذا اللفظ يدل والله أعلم على كراهية لا على تحريم ووجه قوله عليه السلام في هذا الحديث من نقصان الأجر محمول عندي والله أعلم على أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعا إذا ولغت فيه لا يكاد يقام بها ولا يكاد يتحفظ منها لأن متخذها لا يسلم من ولوغها في إنائه ولا يكاد يؤدي حق الله في عبادة الغسلات من ذلك الولوغ فيدخل عليه الإثم والعصيان فيكون ذلك نقصا في أجره بدخول السيئات عليه وقد يكون ذلك من أجل أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ونحو ذلك وقد يكون ذلك بذهاب أجره في إحسانه إلى الكلاب (أ) لأن معلوما أن في الإحسان إلى كل ذي كبد رطبة أجرا
لكن الإحسان إلى الكلب ينقص الأجر فيه أو يبلغه ما يلحق مقتنيه ومتخذه من السيئات بترك أدبه لتلك العبادات في التحفظ من ولوغه (ب) والتهاون بالغسلات منه ونحو ذلك (ج) مثل ترويع المسلم وشبهه والله أعلم بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله ذلك روى حماد بن زيد عن واصل مولى أبي عيينة قال سأل الرجل الحسن فقال يا أبا سعيد أرأيت ما ذكر من الكلب أنه ينقص من
222

أجر أهله كل يوم قيراط قال يذكر (د) ذلك فقيل له مم ذلك يا أبا سعيد قال لترويعه المسلم وذكر (ه) ابن سعدان عن الأصمعي قال قال أبو جعفر المنصور لعمرو بن عبيد ما بلغك في الكلب فقال بلغني أنه من اقتنى كلبا لغير زرع ولا حراسة نقص من أجره كل يوم قيراط قال ولم ذلك قال هكذا جاء الحديث قال خذها بحقها إنما ذلك لأنه ينبح الكلب ويروع السائل
223

حديث رابع وثلاثون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد (أ) الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب (1) قال أبو عمر في (ب) أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب دليل على أنها لا تؤكل لأن ما يجوز أكله لم يحل قتله إذا كان مقدورا عليه وذبح أو نحر فإن كان صيدا متمنعا حل بالتسمية رميه وقتله كيف أمكن ما دام متمنعا ألا ترى إلى ما جاء عن عمر وعثمان إذ ظهر في المدينة اللعب بالحمام والمهارشة بين الكلاب أتى الحديث عنهما بأنهما أمرا بقتل الكلاب وذبح الحمام فرقا بين ما يؤكل وما لا يؤكل قال الحسن البصري سمعت عثمان بن عفان يقول غير مرة في خطبته اقتلوا الكلاب واذبحوا الحمام
224

واختلفت الآثار في قتل الكلاب واختلف العلماء في ذلك أيضا فذهب جماعة من أهل العلم إلى الآمر بقتل الكلاب كلها إلا ما ورد الحديث بإباحة اتخاذه منها للصيد والماشية وللزرع أيضا وقالوا واجب قتل الكلاب كلها إلا ما كان منها مخصوصا بالحديث امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم واحتجوا بحديث مالك هذا وما كان مثله وبحديث ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا صوته يأمر بقتل الكلاب فكانت الكلاب تقتل إلا كلب صيد أو ماشية وبما أخبرنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب (1) وأرسل في أقطار المدينة لتقتل (2) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ حدثنا عفان حدثنا حماد بن
225

سلمة حدثنا أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب حتى إن المرأة لتدخل بالكلب فما تخرج حتى يقتل (أ) وروي عن عبد الله بن جعفر أن أبا بكر أمر بقتل الكلاب قال عبد الله وكانت أمي تحته وكان جرو لي تحت السرير فقلت له يا أبي وكلبي أيضا فقال لا تقتلوا كلب ابني ثم أشار بأصبعه أن خذوه من تحت السرير فأخذ وأنا لا أدري فقتل وروى حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن ابن عمر دخل أرضا له فرأى كلبا (ب) فهم أن يقع بقيم أرضه فقال أنه والله كلب عابر دخل الآن (ج) قال فأخذ المسحاة وقال حرشوه علي قال فشحطه (د) قوله فشحطه أي قتله في أعجل شيء فهذا أبو بكر الصديق وابن عمر قد عملا بقتل الكلاب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء نحو ذلك عن عمر وعثمان فصار ذلك سنة معمولا بها عند الخلفاء لم ينسخها عند من عمل بها شيء وإلى هذا ذهب مالك بن أنس قال ابن وهب سمعت مالكا يقول في قتل الكلاب لا أرى بأسا أن يأمر الوالي بقتلها
226

قال أبو عمر ظاهر حديث (ابن) (أ) عمر وحديث جابر يدل على قتل جميع الكلاب ولكن الحديث في ذلك ليس على عمومه لما قد بان في حديث ابن شهاب عن مالك عن سالم عن ابن عمر قال فكانت الكلاب تقتل إلا كلب صيد أو ماشية ومثله حديث عبد الله بن مغفل (ب) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ورخص في كلب الزرع والصيد حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا محمد بن بشار حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن أبي التياح عن مطرف بن عبد الله (بن) (ج) الشخير عن عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ورخص في كلب الزرع وكلب العين هكذا قال وقال إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروا الثامنة بالتراب وقد ذكرنا مذاهب العلماء فيمن قتل كلب زرع أو صيد أم ماشية عند ذكر بيع الكلاب وذلك في باب ابن شهاب على أبي بكر بن عبد الرحمن من هذا الكتاب (1) وقال آخرون أمره صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب منسوخ بإباحته اتخاذ ما كان منها للماشية والصيد والزرع واحتج
227

قائلوا هذه المقالة بحديث شعبة عن أبي التياح عن مطرف ابن الشخير عن عبد الله بن المغفل قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال مالي والكلاب ثم رخص في كلب الصيد حدثنا سعيد (أ) بن نصر قال حدثنا قاسم ابن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شبانة قال حدثنا شعبة فذكره (1) قالوا ففي هذا الخبر ان كلب الصيد قد كان أمر بقتله ثم أباح الانتفاع به فارتفع القتل عنه قالوا ومعلوم أن كل ما ينتفع به جائز اتخاذه ولا يجوز قتله إلا ما يؤكل فيذكي ولا يقتل واحتجوا أيضا بحديث ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ثم قال إنها أمة ولا أحب أن أفنيها ولكن اقتلوا كل أسود بهيم (ب) وقد قال ابن جريج في حديث أبي الزبير عن جابر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب قال فكنا نقتلها حتى قال إنها أمة من الأمم ثم نهى عن قتلها وقال عليكم بالأسود في القرنين أو قال في النكتتين فإنه شيطان حدثناه عبد الرحمن
228

حدثنا إبراهيم حدثنا محمد حدثنا يوسف حدثنا حجاج عن ابن جريج فذكره قال أبو عمر حديث جابر لا حجة فيه لمن أمر بقتل الكلاب بل الحجة فيه لمن لم ير قتلها على ما نذكره من رواية ابن جريج عن أبي الزبير إن شاء الله قالوا فهذا يدل على أن الإباحة في اتخاذها وحبه أن لا يفنيها كان بعد الأمر بقتلها قالوا وقد رخص في كلب الصيد ولم يخص أسود بهيما من غيره وقد قالوا أن الأسود البهيم من الكلاب أكثرها أذى وأبعدها من تعليم ما ينفع ولذلك روي أن الكلب الأسود البهيم شيطان أي بعيد من المنافع قريب من المضرة والأذى وهذه أمور لا تدرك بنظر ولا يوصل إليها بقياس وإنما ينتهي فيها إلى ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وقد روي عن ابن عباس أن الكلاب من الجن وهي بقعة الجن فإذا غشيتكم فألقوا لها بشيء فإن لها أنفسا يعني أعينا وروي عن الحسن وإبراهيم أنهما كانا يكرهان صيد الكلب الأسود البهيم وقال إسماعيل بن أمية
اثنان من الجن مسخا وهما الكلاب والحيات وسيأتي هذا المعنى بأبين مما جاء ههنا في باب صيفي إن شاء الله قال أبو عمر قد اضطربت ألفاظ الأحاديث في هذا المعنى فمنها ما يدل على النسخ ومنها ما يدل على الأمر بالقتل كان فيما عدا المستثنى والله أعلم ومما يدل على أن الأمر بقتل
229

الكلاب منسوخ ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يحيى بن خلف قال حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب حتى إن كانت المرأة تقدم من البادية بالكلب فنقتله ثم نهانا عن قتلها وقال عليكم بالأسود (1) فهذا واضح في أنه نهى عن قتلها بعد أن كان أمر بذلك وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أحمد (ابن عبد الله) (أ) حدثنا أبو شهاب (ب) عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم وما من قوم اتخذوا كلبا إلا كلب ماشية أو كلب صيد أو كلب حرث إلا نقص من أجورهم كل يوم قيراطان (2) وروى (ج) إسماعيل المكي عن أبي رجاء
230

العطاردي قال سمعت ابن عباس يقول السوء من الكلاب الجن والبقع منها الحن وأنشد بعضهم في الجن والحن قول الشاعر (1
* إن تكتبوا الزمنى فإني لزمن
* في ظاهري داء وداء مستكن
* أبيت أهوى في شياطين قرن
* مختلف نجاره جن وحن
* وقال صاحب العين الحن حي من الجن منهم الكلاب البهم يقال منه كلب حني فذهبت طائفة إلى أن لا يقتل من الكلاب إلا الأسود البهيم (3) خاصة ما جاء في حديث ابن مغفل وما كان مثله واحتجوا بحديث أبي ذر وما كان مثله الكلب الأسود البهيم شيطان وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز قتل شيء من الكلاب إلا الكلب العقور وقالوا أمره صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب منسوخ بنهيه صلى الله عليه وسلم أن يتخذ شيء فيه الروح غرضا وبقوله عليه السلام خمس من الدواب يقتلن في الحل والحرم فذكر منهن الكلب العقور (4) فخص العقور دون غيره لأن كل ما يعقر المؤمن ويؤذيه ويقدر عليه فواجب قتله وقد قيل العقور ههنا الأسد وما أشبه من عقارة سباع الوحش قالوا في قوله صلى الله عليه وسلم حين ضرب
231

المثل برجل وجد كلبا يلهث عطشا على شفير بئر فاستقى (أ) فسقى الكلب فشكر الله له ذلك فغفر له فقيل يا رسول الله أوفي مثل هذا أجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل كبد رطبة أجر (1) دليل على أنه لا يجوز قتل شيء من الحيوان إلا ما أضر بالمسلم في مال أو نفس فيكون حكمه حكم العدو المباح (ب) قتله وأما ما انتفع به المسلم من كل في كبد رطبة فلا يجوز قتله لأنه كما يؤجر المرء في الإحسان إليه كذلك يؤزر في الإساءة إليه والله أعلم واحتجوا أيضا بما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم ابن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها (2) قال أبو عمر حسبك بهذا فضلا في الإحسان إلى الكلب فأين قتله من هذا ومما في هذا المعنى أيضا قوله صلى الله
232

عليه وسلم دخلت امرأة النار في هرة ربطتها حتى ماتت جوعا فهذا وما أشبهه يدل على ما قلنا قال أبو عمر كل ما ذكرنا قد قيل فيما وصفنا وبالله عصمتنا وتوفيقنا وقد ذكرنا ما للعلماء في بيع الكلاب مستوعبا في باب ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمان من كتابنا هذا (1) فلا وجه لإعادته ههنا والذي اختاره في هذا الباب أن لا يقتل شيء من الكلاب إذا لم تضر بأحد ولم تعقر أحدا لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يتخذ شيء فيه الروح غرضا ولما تقدم ذكرنا له من حجة من اخترنا قوله ومن الحجة أيضا لما ذهبنا إليه في أن الأمر بقتل الكلاب منسوخ ترك قتلها في كل الأمصار على اختلاف الأعصار بعد مالك رحمه الله وفيهم العلماء والفضلاء ممن يذهب مذهب مالك وغيره ومن لا يسامح في شيء من المناكر والمعاص الظاهرة إلا ويبدر إلى إنكارها وينب إلى تغييرها وما علمت فقيها من الفقهاء المسلمين ولا قاضيا عالما قضى برد شهادة من لم يقتل الكلاب التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلها ولا جعل اتخاذ الكلاب في الدور جرحة يرد بها شهادة ولولا علمهم بأن ذلك من أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان لمعنى وقد نسخ ما اتفقت جماعتهم على
233

ترك امتثال أمره صلى الله عليه وسلم لأنهم لا يجوز على جميعهم الغلط وجهل السنة وقد بينا في الباب قبل هذا أنه لم يكره اتخاذ الكلب في الدور إلا لما فيه من دفع السائل وترويع المسلم والله أعلم وأما قول من ذهب إلى قتل الأسود منها بأنه شيطان على ما روى في ذلك فلا حجة فيه لأن الله عز وجل قد سمى من غلب عليه الشر من الإنس والجن شيطانا بقوله * (شياطين الإنس والجن) * 1 ولم يجب بذلك قتله وقد جاء في الحديث المرفوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع سيطانة (2) وليس في ذلك ما يدل على أنه كان مسخا من الجن ولا ان الحمامة مسخت من الجن ولا أن ذلك واجب قتله وقد قيل أن سورة المائدة نسخت الأمر بقتل الكلاب أخبرنا قاسم بن محمد حدثنا خالد بن سعد حدثنا سفيان عن موسى بن عبيدة عن القعقاع بن حكيم عن سلمى أم رافع قال جاء جبريل إلى النبي عليه السلام فاستأذن فأذن له فأخذ رداءه فخرج فقال قد أذنا لك يا رسول الله قال أجل يا رسول الله ولكن لا ندخل بيتا فيه
234

صورة ولا كلب فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو فأمر أبا رافع أن لا يدع كلبا بالمدينة إلا قتله فإذا بامرأة في ناحية المدينة لها كلب يحرس عليها قال فرحمتها فأتيت النبي عليه السلام فأمرني بقتله قال ثم أتاه ناس من الناس فقالوا ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فنزلت * (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما
علمتم من الجوارح مكلبين) * 1 هكذا كان في أصل الشيخ موسى بن عبيدة عن القعقاع وإنما يرويه موسى بن عبيدة عن أبان بن صالح عن القعقاع حدثنيه سعيد بن نصر حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر حدثنا ابن سيرين عن موسى بن عبيدة قال أخبرني أبان بن صالح عن القعقاع بن حكيم عن سلمى أم رافع عن أبي رافع قال جاء جبريل فذكر الحديث إلى آخره وهذا هو الصواب في إسناده هذا ما يوجبه عندي النظر في استعمال السنن وتهذيب الآثار في ذلك وقود الأصول وبالله التوفيق
235

حديث خامس وثلاثون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن (1) العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة ربه فله أجره مرتين (2) قال أبو عمر معنى هذا الحديث عندي والله أعلم أن العبد لما اجتمع عليه أمران (واجبان) (أ) طاعة سيده في المعروف وطاعة ربه فقام بهما جميعا كان له ضعفا أجر الحر المطيع لربه مثل طاعته لأنه قد أطاع الله فيما أمره به من طاعة سيده ونصحه وأطاعه أيضا فيما افترض عليه ومن هذا المعنى عندهم (ب) أنه من اجتمع عليه فرضان فأداهما جميعا وقام بهما كان أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه والله
236

أعلم فمن وجبت عليه زكاة وصلاة فقام بهما على حسبما يجب فيهما كان له أجران ومن لم يجب عليه زكاة وأدى صلاته كان له أجر واحد إلا أن الله يوفق من يشاء ويتفضل على من يشاء وعلى حسب هذا يعصي الله تعالى من اجتمعت عليه فروض من وجوه فلم يؤد شيا منها وعصيانه له أكثر من عصيان من لم يجب عليه إلا بعض تلك الفروض وقد سئل عبد الله بن العباس رضي الله عنه عن رجل كثير الحسنات كثير السيئات أهو أحب إليك أم رجل قليل الحسنات قليل السيئات فقال ما أعدل بالسلامة شيئا وفي هذا الحديث أيضا ما يدل على أن العبد المتقي لله المؤدي لحق الله وحق سيده أفضل من الحر ويعضد هذا ما روي عن المسيح (أ) صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرناه في هذا الكتاب قوله مر الدنيا حلو الآخرة وحلو الدنيا مر الآخرة (1) وللعبودية مضاضة ومرارة لا تضيع عند الله والله أعلم أخبرنا (ب) عبد الرحمن بن يحيى حدثنا علي بن محمد حدثنا أحمد بن داود حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني
237

يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال سمعت سعيد بن المسيب يقول قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعبد المصلح أجران والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك قال وأخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول لولا أمران لأحببت أن أكون عبدا وذلك أن المملوك لا يستطيع أن يضع في ماله شيئا ولا يجاهد وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما خلق الله عبدا يؤدي حق الله عليه وحق سيده إلا وفاه الله أجره مرتين
238

حديث سادس وثلاثون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراه تباع عند (أ) باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريت هذه الحلة فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك فقال إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة ثم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حلل فأعطى عمر منها حلة فقال عمر يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد (ب) ما قلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أكسكها لتلبسها فكساها عمر أخا له مشركا بمكة (1) قال أبو عمر لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ولا يختلف مالك وغيره من أصحاب نافع عن نافع فيه أيضا وبعض أصحاب عبيد الله يقولون فيه عن ابن عمر عن عمر فيجعلونه
239

من مسند عمر وهو عند أهل العلم بالحديث وأهل الفقه سواء في وجوب الاحتجاج به والعمل إلا أن أيوب قال فيه عطارد أو لبيد على الشك وروى حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني مررت بعطارد أو لبيد وهو يعرض حلة حرير فلو اشتريتها للجمعة وللوفود فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة وكذلك في رواية سالم عن أبيه لهذا الحديث أن الرجل عطارد أو لبيد ورواه الزهري عن سالم عن ابن عمر إلا أن في حديث سالم حلة من إستبرق والإستبرق الحرير الغليظ وفيه أيضا ثم أرسل إليه بحلة ديباج وقال فيها (أ) تبيعها وتصيب بها حاجتك وسالم أجل من يرويه عن ابن عمر من التابعين وأثبتهم فيه ونافع ثبت جدا فأما قوله في هذا الحديث حلة سيراء فإن أهل العلم يقولون إنها (ب) كانت حلة من حرير ولا يختلفون في الثوب المصمت الحرير الصافي الذي لا يخالطه غيره أنه لا يحل للرجال لباسه واختلفوا في الثوب الذي يخالطه الحرير على ما نذكره في هذا الباب إن شاء الله وأما أهل اللغة فإنهم يقولون (ج) الحلة السيراء هي التي يخالطها الحرير قال الخليل بن أحمد السيراء برود يخالطها
240

حرير وقال غيره هي ضروب من الوشي والبرود وأما الحلة عندهم فثوبان اثنان لا يقع اسم الحلة على واحد وأما الحلة المذكورة في هذا الحديث فحرير كلها بنقل الثقات لذلك ومن الدليل على ذلك أيضا مع ما في حديث أيوب وغيره ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا محمد بن خالد بن عبد الله الواسطي قال أخبرنا أبي عن هشام بن حسان عن محمد (أ) بن سيرين عن ابن عمر عن عمر أنه خرج من بيته يريد النبي صلى الله عليه وسلم فمر بالسوق فرأى عطارد يقيم (1) حلة من حرير وكان رجلا يغشى الملوك فأتى النبي عليه السلام فقال هذا عطارد يقيم حلة من الحرير فلو اشتريتها فلبستها إذا أتاك وفود الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس الحرير من لا خلاق له في الآخرة قال أبو عمر أجمع العلماء على أن (ب) لباس الحرير للنساء حلال وأجمعوا أن النهي عن لباس الحرير إنما خوطب به الرجال دون النساء وأنه حظر على الرجال وأبيح للناس وكذلك التحلي بالذهب لا يختلفون في ذلك وردت (ج) بمثل ما أجمعوا
241

عليه من ذلك آثار صحاح من آثار (أ) العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا أبو قلابة (ب) قال حدثنا بشر بن ابن عمر قال حدثنا شعبة عن الحكم عن زيد عن وهب عن علي قال أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فأعطانيها فلبستها فقال إني لم أعطكها لتلبسها قال فأمرني (ج) فشققتها بين نسائي ففي هذا الحديث منع الرجال من الحرير وإباحته للنساء وحدثنا عبد الله بن محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي عون قال سمعت أبا صالح عن علي قال أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء فأرسل بها إلي فلبستها فأتيته (د) فرأيت
الغضب في وجهه وقال إني لم أرسل بها إليك لتلبسها فأمرني فأطرتها بين نسائي (1) ومما يدلك (ه) على أن هذا على وجه التحريم لا على وجه التنزه ما حدثناه محمد بن خليفة
242

قال حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين (الآجري) (أ) قال حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن أبي الرجال قال حدثنا عمرو بن علي أبو حفص الصيرفي قال حدثنا يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ويحيى بن سعيد وعبد الوهاب بن عبد المجيد وأبو معاوية وحماد بن مسعدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل أحل لإناث أمتي الحرير والذهب وحرمهما على ذكورها (1) وقرأت على أبي الحسن علي بن إبراهيم بن حمويه أن الحسن بن رشيق حدثهم قال حدثنا أبو بكر يموت من المزرع ابن يموت البصري قراءة عليه قال حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس (ب) (2) قال حدثنا يزيد بن زريع وبشر بن المفضل ومعتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد وعبد الوهاب الثقفي وأبو معاوية الضرير وحماد بن مسعدة كلهم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن
243

أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل لإناث أمتي لبس الحرير والذهب وحرم ذلك على ذكورها أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرير والذهب حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم (1) وذكره عبد الرزاق قال أخبرنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن رجل عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن رجل عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وقد رواه من لا يحتج به عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن رجل من أهل العراق عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم والصواب فيه عن عبد الله ما رواه هؤلاء عنه وكذلك اختلف فيه على أيوب (أ) أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال
244

حدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث عن عبد الرحمان بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني قال كان أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل يتناجيان بينهما بحديث فقلت لهما ما حفظتما وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوصاهما بي فقالا ما أردنا أن ننتحي دونك بشيء وإنما ذكرنا حديثا حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجعلا يتذاكرانه قال إنه بدا هذا الأمر نبوءة ورحمة ثم كائن خلافة ورحمة ثم كائن ملكا عضوضا ثم كائن عتوا وحربة وفسادا في الأمة يستحلون الحرير والخمور والفروج يرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا الله عز وجل وروى تحريم الحرير عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة عمر وعلي وعبد الله بن عمر ومعاوية في جماعة من الصحابة وحذيفة وعمران بن حصين والبراء بن عازب وابن الزبير وأبو سعيد الخدري وأنس وعقبة بن عامر وأبو أمامة وأبو هريرة وغيرهم ذكر ذلك الطحاوي وغيره أخبرنا عبد الرحمان بن يحيى حدثنا علي بن محمد حدثنا أحمد بن داود حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب أخبرنا عمرو بن الحرث أن هشام بن أبي رقية اللخمي حدثه قال سمعت مسلمة بن (أ) مخلد (5) قاعدا على المنبر يخطب الناس وهو
245

يقول (أ) أما لكم في العصب والكتان ما يغنيكم عن الحرير وهذا رجل فيكم يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قم يا عقبة فقام عقبة بن عامر وأنا أسمع فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وأشهد أني سمعته يقول من لبس الحرير في الدنيا حرمه في (ب) الآخرة وهذا وعيد شديد في لباس الحرير لقول الله عز وجل * (ولباسهم فيها حرير) * 1 وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن غالب قال حدثنا علي بن (بحر) (ج) بن (2) بري قال حدثنا شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي قال حدثنا شداد أبو عمار قال حدثني أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة أخبرنا أحمد بن قاسم المقرئ قال حدثنا ابن حبابة قال حدثنا البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا شعبة قال
246

أخبرني أبو ذبيان خليفة بن كعب قال سمعت ابن الزبير يخطب (أ) وهو يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير وقال من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة قال ابن الزبير من رأيه ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة قال الله عز وجل * (ولباسهم فيها حرير) * رواه حماد بن زيد عن ثابت البناني قال عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ولم يسمعه ابن الزيبر من النبي صلى الله عليه وسلم إنما سمعه من عمر على ما ذكرناه وروى قتادة عن داود السراج عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ولو دخل الجنة يلبسه أهل الجنة ولا يلبسه (1) هو وهذا أولى بالصواب إن شاء الله أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الصعبة عبد العزيز بن أبي الصعبة عن أبي أفلح الهمداني عن ابن زرير أنه
247

سمع علي بن أبي طالب يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله (أ) في شماله ثم قال إن هذين حرام على ذكور أمتي (1) وروى من حديث زيد بن أرقم على النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحيم عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد العزيز بن أبي الصعبة عن أبي أفلح الهمداني عن عبد الله بن زرير الغافقي سمعه يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حريرا بشماله وذهبا بيمينه ثم رفع بهما يديه فقال إن هذين حرام على ذكور أمتي (2) ورواه عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب بإسناده مثله كما قال الليث وابن إسحق قال علي بن المدني هو حديث حسن رجاله معروفون ولا يجيء عن علي إلا من هذا الوجه
248

قال أبو عمر هذا لفظ عموم والمراد منه الخصوص بإجماع لأنهم لا يختلفون أن مالك الحرير والذهب وحبسهما للرجال والنساء سواء حلال ذلك كله لهم أجمعين والمراد بهذا الخطاب لباس الحرير ولباس الذهب دون الملك وسائر التصرف فلا يجوز للرجال التختم بالذهب ولا أن يحلي به سيفا ولا مصحفا لنفسه ولا يلبسه في شيء من
الأشياء وكذلك الحرير لا يلبسه الرجال بحال من الأحوال إلا أن العلماء مختلفون في المقدار المحرم منه فقال منهم قائلون إنما النهي والتحريم في ذلك عني به الثوب من الحرير الخالص الذي لا يخالطه غيره وهذا إجماع على ما وصفنا للرجال وممن ذهب إلى أن المحرم من الحرير هو الصافي منه الذي لا يخالطه في ذلك الثوب شيء غيره عبد الله بن عباس وجماعة من العلماء وحجتهم ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا سليمان بن الأشعث قال حدثنا ابن نفيل قال حدثنا زهير قال حدثنا خصيب عن عكرمة عن ابن عباس قال إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت من الحرير فأما العلم من الحرير وسدا الثوب فلا بأس وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثنا يحيى بن يحيى (الغساني) (أ) قال حدثنا أبو خيثمة عن خصيب عن عكرمة
249

عن ابن عباس قال إنما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوب المصمت من الحرير فأما العلم من الحرير وسدا الثوب فليس به بأس قال أبو عمر في هذا أيضا حجة لمن ذهب (إلى) (أ) أن الحلة السيراء المذكورة في هذا الباب كانت حريرا كلها ولهذا قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال والله أعلم وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى أن ما كان سداه حريرا من الثياب لا يجوز لباسه للرجال بحال وذكروا أن الحلة السيراء هذه صفتها على ما قال أهل اللغة واحتج من ذهب هذا المذاهب بما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثنا عبد السلام بن عمر قال حدثنا عمران بن عيينة أخو سفيان بن عيينة قال حدثنا يزيد بن أبي زياد عن أبي فاختة عن جعدة بن مغيرة عن علي بن أبي طالب قال أهدى أمير أذرعات (ب) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة بحرير إما سداها وإما لحمتها فبعث بها إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما أصنع بها ألبسها فقال إني لا
250

أرضى لك ما أكره لنفسي فاجعلها خمرا بين الفواطم فشققت منها أربعة أخمرة خمارا لفاطمة بنت أسد بن هاشم وهي أم علي وخمارا لفاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وسلم وخمارا لفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب قال يزيد بن أبي زياد وذكر فاطمة أخرى فنسيتها (1) وأرخصت هذه الطائفة وغيرها من أهل العلم من الحرير في الأعلام نحو الأصبعين والثلاث لا غير ولم يجوزوا أكثر من ذلك ولم يجيزوا السدا ولا اللحمة وهذا كله للرجال على ما وصفنا وأما النساء فقليله وكثيره جائز لهن ومن حجة من ذهب هذا المذهب ما حدثناه أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا شعبة قال أخبرني قتادة قال سمعت أبا عثمان النهدي يقول أتانا كتاب عمر بن الخطاب ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد أما بعد فاتزروا وارتدوا وانتعلوا وألقوا الخفاف وألقوا السراويلات وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل وإياكم والتنعم وزي العجم وعليكم بالشمس فإنها (أ) حمام العرب
251

واخشوشنوا (أ) (واخشوشبوا) (ب) واخلولقوا واقطعوا الركب وانزوا وارموا الأغراض وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا هكذا (ج) وهكذا وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى يعني الأعلام وحدثنا أحمد بن قاسم المقرئ قال حدثنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا البغوي قال حدثنا علي بن الجعد (قال) حدثنا شعبة عن عاصم (د) عن أبي عثمان عن عمر نحوه (ه) وزاد فيه وتعلموا العربية وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبد الله بن روح قال حدثنا شبابة بن سوار الفزاري قال حدثنا شعبة بن الحجاج عن قتادة قال سمعت أبا عثمان النصري يقول أن كتاب عمر بن الخطاب أتاهم وهم بأذربيجان أما بعد فاتزروا وانتعلوا وارتدوا وألقوا الخفاف والسراويلات وإياكم وزي العجم وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب واخشوشنوا واخشوشبوا واقطعوا الركب وانزوا على الخيل وارموا الأغراض وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا هكذا وضم إصبعيه السبابة والإبهام فعلمنا أنها الأعلام
252

قال (أ) أبو عمر قوله اخشوشنوا واخشوشبوا بمعنى واحد من الخشونة في الملبس والمطعم وكل شيء غليظ خشن فهو أخشب وخشب وهو من الغلظ وابتذال النفس في العمل وامتهانها ليغلظ الجسد ويخشن هذا قول أبي عبيد وأنشد قول ذي الرمة يصف الظليم
* شخت (1) الجزارة مثل البيت سائرة
* من المسوح خدب شوقب خشب
* وقال صاحب العين اخلولق السحاب إذا استوى وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا عاصم عن أبي عثمان النهدي قال قال عمر بن الخطاب إياكم والحرير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال لا تلبسوا من الحرير إلا ما كان هكذا وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعيه وأخبرنا عبد الله (بن محمد) (ب) قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد قال حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي قال كتب عمر إلى عتبة بن فرقد أن رسول الله
253

صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا ما كان هكذا وهكذا إصبعين وثلاثة وأربعة (1) وحدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي قال قال عمر بن الخطاب إياكم والحرير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه وقال لا تلبسوا الحرير إلا ما كان هكذا وأشار بأصبعيه (أ) الوسطى والسبابة وممن رخص في العلم أيضا عائشة وأسماء وقال آخرون من أهل العلم لا يجوز للرجل لباس شيء من الحرير لا قليل ولا كثير وممن ذهب هذا المذهب عبد الله بن عمر وهو ممن روى حديث الحلة السيراء حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن المغيرة بن زياد عن أبي عمر مولى إسماعيل (قال) (ب) رأيت ابن عمر اشترى عمامة لها علم فدعا بالجلمين فقصه فدخلت على أسماء فذكرت لها ذلك فقالت بؤسا لعبد الله يا جارية هاتي جبة
254

رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيب والفرج بالديباج (1) وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا
مسدد قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا المغيرة بن زياد قال حدثنا عبد الله أبو عمر مولى أسماء بنت أبي بكر قال رأيت ابن عمر في السوق اشترى ثوبا شاميا فرأى فيه خيطا أحمر فرده فأتيت أسماء وذكر الحديث (2) وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا إبراهيم بن عرعرة قال حدثنا معاذ بن معاذ قال حدثنا ابن عون عن الحسن قال دخلنا على ابن عمر وهو بالبطحاء فقال رجل يا أبا عبد الرحمن ثيابنا هذه قد خالطها الحرير وهو قليل فقال اتركوه قليله وكثيره وأما حكاية (أ) أقاويل الفقهاء في هذا الباب فذكر ابن وهب وابن القاسم عن مالك قال أكره لبس الخز
255

لأن سداه حرير وأباح الشافعي لبس قباء محشو بقز لأن القز ما بطن وقال أبو حنيفة لا بأس بلبس ما كان سداه حريرا ولحمته غير ذلك قال وأكره ما كان لحمته حريرا وسداه غير حرير وقال محمد بن الحسن لا بأس بلبس الحرير ما لم تكن فيه شهرة فإن كانت فيه شهرة فلا خير فيه وقال أبو جعفر الطحاوي وقد أجمعوا على نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير وفي حديث ابن عباس إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت (1) فأما السدا والعلم فلا يعني الحرير وهذا يبين المراد في النهي عن ذلك وقال بسر بن سعيد رأيت على سعد بن أبي وقاص جبة شامية قيامها خز ورأيت على زيد بن ثابت خمائص معلمة واختلف العلماء في لباس الحرير للرجال في الحرب أو من جرب وحكة تكون بهم فرخص فيه قوم وكرهه آخرون وممن كرهه مالك بن أنس وابن القاسم وجماعة من أهل العلم على كل حال ورخصت فيه جماعة منهم وإليه ذهب ابن حبيب ومن حجتهم ما حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الرحيم عن حجاج عن أبي عمر عن أسماء بنت أبي بكر أنها أخرجت جبة مزررة بالديباج فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس هذه إذا لقي العدو
256

وحدثنا (سعيد) (أ) وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رخص للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير لحكة كانت فيهما (1) وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا النفيلي (قال) (ب) حدثنا عيسى بن يونس عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في قمص الحرير في السفر من حكة كانت بهما (2) وقد (ج) روي عن مالك الرخصة في ذلك أيضا وروى سلمة بن علقمة عن ابن سيرين قال نبئت أن الوليد بن عقبة دخل على عمر بن الخطاب وعليه قميص حرير فقال ما هذا لا أم لك فقال أليس عبد الرحمن بن عوف يلبسه قال وأنت مثل عبد الرحمن بن عوف لا أم لك ثم أمر به فمزق عليه يعني وأنت مثل عبد الرحمن بن عوف فيما نزل به من
257

الجرب والحكة وأما كراهة لباس الحرير في الحرب فذكر أبو بكر قال حدثنا ابن إدريس عن حصين عن الشعبي عن سويد بن غفلة قال شهدت باليرموك فاستقبلنا عمر وعلينا الديباج والحرير فأنزلنا فرمينا بالحجارة فقلنا ما بلغه عنا وقلنا كره زينا فنزعنا فلما استقبلنا رحب بنا وقال إنكم جئتموني في زي الشرك إن الله لم يرض لمن قبلكم الديباج ولا الحرير (1) قال وحدثنا محمد بن أبي عدي عن ابن عوف قال سألت محمد بن سيرين عن لبس الديباج في الحرب فقال من أين كانوا يجرون الديباج (2) قال وحدثنا وكيع عن أبي سفين عن عكرمة أنه كرهه في الحرب وقال أرجى يكون للشهادة (3) وذكر الأوزاعي عن الوليد بن هشام عن ابن محيريز مثله بمعناه ومما يبين لك أن النساء ليس ممن قصد بتحريم الحرير ولا بالرخصة لعلة وأن ذلك مباح لهن على كل حال مع ما تقدم ذكره ما أخبرناه (أ) عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عمرو بن عون وكثير بن عبيد الحمصيان قالا حدثنا بقية عن الزبيدي عن الزهري عن أنس أنه حدثه
258

أنه رأى على أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بردا سيراء والسيراء المضلع بالقز (1) هكذا ورد هذا التفسير في هذا الحديث وهو موافق لما ذكرنا (أ) عن أهل اللغة في تفسير السيراء وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ومحمد بن أبي عتيق أن ابن شهاب سئل عن الحرير هل يلبسه النساء فزعم أن أنس بن مالك أخبره أنه رأى على أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم برد حرير سيراء وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا نصر بن علي قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجواري يعني الحرير قال مسعر فسألت عمرو بن دينار عنه فلم يعرفه (2) (وقد روي في أن
259

التحلي بالذهب مكروه أيضا خبران معلولان لا حجة فيهما لضعفهما عند أهل العلم بالحديث وقد ذكرناهما في باب نافع عن إبراهيم بن حسين والحمد لله) (أ) قال أبو عمر فهذا ما جاء في الحرير وأما الخز فقد لبسه جماعة من العلماء وقد اختلف علينا في سدا ذلك الخز فقال قوم كان سداه نظما وقال آخرون حريرا والمعروف من خزنا اليوم أن سداه حرير وذكر مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت عائشة تلبسه (1) وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا يحيى بن إبراهيم قال حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا أفلح بن حميد قال كان القاسم بن محمد يلبس جبة خز وكان ابنه عبد الرحمن يلبس كساء خز وحدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن فطيس قال حدثنا يحيى بن إبراهيم قال حدثنا عيسى بن دينار قال حدثنا ابن القاسم عن مالك قال كان ربيعة يلبس القلنسوة بطانتها وظهارتها خز وكان إماما (ب) وقال
260

في موضع آخر من سماع ابن القاسم قال مالك وذكر لبس الخز فقال قوم يكرهون لباس الخز ويلبسون القلانس بالخز فعجبنا من اختلاف رأيهم قال مالك وإنما كره لباس الخز بأن سداه حرير وقال أبو نعيم وهب بن كيسان رأيت سعد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله وأبا هريرة وأنس بن مالك يلبسون الخز وفي حديث صفوان بن عبد الله بن صفوان أن سعدا استأذن على ابن عباس وعليه مطرف خز سقوه حرير فقيل له في ذلك فقال إنما يلي جلدي منه الخز واحتج الطحاوي بخبر سعد هذا في أن خز القوم
كان فيه حرير وأردفه بحديث عمار بن أبي عمار أن مروان قدمت عليه مطارف خز فكساها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكأني أنظر إلى أبي هريرة عليه منها مطرف أغبر وكأني أنظر إل طرق الإبريسم فيه قال يدل هذا على أن الخز الذي لبسوه هو الذي فيه الحرير قال أبو عمر لبس الخز جماعة من جلة العلماء لو ذكرناهم لأطلنا وأمللنا وخرجنا عما له قصدنا ولكنهم اختلفوا هل كان فيه حرير أم لا واجتناب ذلك لمن يقتدى به أولى ولا يقطع على تحريم شيء إلا بيقين لكنه مما سكت عنه وعفي عنه وفي حديثنا المذكور في هذا الباب حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء تباع عند باب المسجد الحديث فيه البيع والشراء على أبواب المساجد
261

وفيه مباشرة الصالحين والفضلاء للبيع والشراء وفيه أن الجمعة يلبس فيها من أحسن الثياب وكذلك يتجمل بالثياب الحسان في الأعياد لأن الجمعة عيد ويتجمل بها أيضا على وجه الترهيب للعدو والتغليظ عليهم وهذا كله في معنى حديثنا (أ) المذكور ولا أعلم بين العلماء اختلافا في استحباب التجمل بأحسن الثياب يوم الجمعة لمن قدر وفيه أن الإنسان يجوز له أن يملك ما لا يجوز له أن يلبس وفيه إباحة الطعن (ب) عليه وأما قوله إنما يلبس هذا (ج) من لا خلاق له فمعناه من لا نصيب له من الخير وفيه قبول الخليفة للهدايا من قبل الروم وغيرهم وقد مضى القول في هذا المعنى في باب ثور بن زيد من كتابنا هذا (1) وفيه بعض ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من السخاء وصلة الإخوان بالعطاء وفيه أنه جائز أن يعطي الرجل ما لا يجوز له لباسه إذا جاز له ملكه والتصرف فيه وفيه صلة القريب المشرك ذميا كان أو حربيا لأن مكة لم يبق فيها بعد الفتح مشرك وكانت قبل ذلك حربا ولم يختلف
262

العلماء في الصدقة التطوع أنها جائزة من المسلم على المشرك قريبا كان أو غيره والقريب ألوى ممن سواه والحسنة فيه أتم وأفضل وإنما اختلفوا في كفارة الأيمان وزكاة الفطر فجمهور العلماء على أنه (أ) لا تجوز لغير المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم (1) وكذلك كل ما يجب أن يؤخذ منهم فواجب أن يرد على فقرائهم وأجمعوا أن الزكاة المفروضة لا تحل لغير المسلمين فسائر ما يجب أداؤه عليهم من زكاة الفطر وكفارة الأيمان والظهار فقياس (ب) على الزكاة عندنا وأما التطوع بالصدقة فجائز على أهل الكفر من القربات وغيرهم لا أعلم في ذلك خلافا والله أعلم (ج) روى الثوري عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانوا يكرهون أن يرضخوا لأنسابهم من أجل (د) الكفر فنزلت * (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم) * 2 الآية
263

أخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي قال حدثنا سعدان بن نصر قال حدثنا سفيان عن أيوب عن عكرمة أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لأخ لها يهودي أسلم ترثني فسمع ذلك قومه فقالوا أتبيع دينك بالدنيا فأبى أن يسلم فأوصت له بالثلث وحدثنا محمد قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا سعدان قال حدثنا عن هشام بن عروة عن فاطمة ابنة المنذر عن جدتها أسماء بنت أبي بكر قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت أتتني أمي وهي راغبة فأعطيها قال نعم فصليها وروى حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر قال قدمت علي أمي في عهد قريش ومدتهم التي كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مشركة وهي راغبة فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم (أ) أصلها قال صليها (1)
264

حديث سابع وثلاثون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله (أ) بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شركا له في عبد فكان له مال ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق (1) هكذا قال يحيى في هذا الحديث من اعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد وتابعه ابن القاسم وابن وهب وابن بكير في بعض الروايات عنه وقال القعنبي من أعتق شركا له في مملوك أقيم عليه قيمة عدل ولم يقل فكان له مال يبلغ ثمن العبد وقد تابعه بعضهم أيضا عن مالك ومن ذكر هذه الكلمة فقد حفظ وجود ومن لم يذكرها سقطت له ولم يقم الحديث ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه
265

اللفظة مستعملة صحيحة وأن التقويم لا يكون إلا على الموسر الذي له مال يبلغ ثمن العبد كما قال هؤلاء في الحديث يحيى ومن تابعه وهذا الصحيح الذي لا شك فيه وقد جود مالك رحمه الله حديثه هذا عن نافع وأتقنه وبأن فيه فضل حفظه وفهمه وتابعه على كثير من معانيه عبيد الله بن عمر وأما أيوب فلم يقمه وشك منه في كثير وهذا حديث في ألفاظه أحكام عجيبة منها ما اتفق عليه أهل العلم ومنها ما اختلفوا فيه وقد اختلف في كثير من ألفاظه عن ابن عمر وعن سالم ابنه وعن نافع مولاه ونحن نذكر ما بلغنا من ذلك ونذكر ما للعلماء في تلك المعاني من التنازع والوجوه بأخصر ما يمكننا وبالله توفيقنا (أ) لا شريك له فأما (ب) رواية أيوب عن نافع في هذا الحديث فحدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن زرارة قال حدثنا إسماعيل عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق نصيبا أو قال شقصا أو قال شركا له في عبد فكان له من المال ما يبلغ ثمنه بقيمة
266

عدل فهو عتيق وإلا فقد عتق منه ما عتق (1) قال أيوب وربما قال نافع هذا في الحديث وربما لم يقله فلا أدري أهو في الحديث أم (لا) (أ) قال حدثنا نافع من قبله فقد عتق منه ما عتق وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق قال أخبرنا سليمان بن الأشعث قال حدثنا سليمان بن داود العتكي قال حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث قال فلا (ب) أدري أهو في الحديث أم شيء قاله نافع وإلا (ج) فقد عتق منه ما عتق وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا عبد الله بن محمد ومحمد بن يحيى ومحمد بن محمد وأحمد بن عبد الله قالوا حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا الحسن بن أحمد قال حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا في عبد أو مملوك فهو
267

عتيق قال أيوب قال نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق قال أيوب فلا أدري أهو في الحديث أو قول نافع قال أبو عمر كان أيوب يشك في هذه الكلمة من هذا الحديث قوله وإلا فقد عتق منه ما عتق وهذه أيضا كلمة توجب حكما كثيرا وقد اختلفت فيها (أ) الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم واختلف فيها علماء الأمصار على ما سنبينه بعد
الفراغ من تهذيب ألفاظ هذا الحديث إن شاء الله وقد (ب) كان بعض من ينكر قوله فقد عتق ما عتق يحتج بما رواه عبد الله بن نمير عن حجاج بن أرطاة عن القاسم بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق شقصا له في عبد ضمن لأصحابه في ماله إن كان له مال قال نافع وقال ابن عمر فإن لم يكن له مال سعى العبد قال فلو كان في الخبر فقد عتق منه ما عتق ما جعل ابن عمر على العبد سعاية قال وقد رواه جويرية عن نافع عن ابن عمر ولم يذكر وإلا فقد عتق منه ما عتق وقد روى هذه اللفظات وهذه الكلمات أعني قوله وإلا فقد عتق منه ما عتق مالك بن أنس وعبيد الله بن عمر وهو معنى ما جاء به يحيى بن سعيد عن نافع في هذا الحديث ومن شك فليس بشاهد ومن حفظ ولم يشك فهو الشاهد الذي يجب
268

العمل بما جاء به وقد كان يحيى بن سعيد يقول مالك أثبت عندي في نافع من أيوب وغيره وقد تابع عبيد الله بن عمر مالكا على هذه الزيادة وإن كان قد اختلف فيها على عبيد الله فبعضهم يسوقها عنه وبعضهم يقصر عنها ومن قصر ولم (أ) يذكر فليس بشاهد أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قالا حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثنا خالد قال حدثنا عبيد الله (ب) عن نافع عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان له شرك في عبد فأعتقه فقد عتق فإن كان له مال قوم عليه قيمة عدل وإن لم يكن مال فقد عتق منه ما عتق (1) وهذا كرواية مالك سواء أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا من مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه
269

وإن لم يكن له مال أعتق نصيبه (1) وهذا مثل رواية مالك سواء في المعنى وأخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة وابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا له في مملوك فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه قال يقوم قيمة عدل على المعتق فإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق (2) فهؤلاء كلهم قد ذكروا هذه الكلمات في هذا الحديث عن عبيد الله قوله وإن لم يكن (أ) له مال فقد عتق منه ما عتق كما قال مالك وهذا الموضع هو موضع الحكم على المعتق المعسر الذي لا مال له وفيه نفي الاستسعاء وفي هذا الموضع اختلفت الآثار وفقهاء الأمصار وروى هذا الحديث يحيى بن سعيد القطان وبشر بن المفضل عن عبيد الله بن عمر بإسناده لم يذكرا فيه الحكم في المعتق المعسر وإنما قالا
270

من أعتق شركا له في عبد فعليه عتقه كله إن كان له مال يبلغ ثمنه لم يزيدا على هذا المعنى ومن قصر عما جاء به غيره فليس بحجة والحجة فيه أثبت المثبت الحافظ العدل المتقن لا فيما قصر عن المقصر وقد روى هذا الحديث زهير بن معاوية عن عبيد الله بن عمر بإسناده وقال فيه فإن لم يكن له مال عتق نصيبه وهذا موافق لما قال أبو أسامة وابن نمير وعيسى بن يونس وخالد الواسطي ومحمد بن عبيد الطنافسي عن عبيد الله وهو الصحيح لاجتماع الجماعة الحفاظ من أصحاب عبيد الله على ذلك ولموافقة ما جاء به من ذلك مالك رحمه الله أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمود بن خالد قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث عبيد الله قاله أبو داود وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قالا حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا أحمد بن سليمان قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا يحيى بن سعيد عن نافع أخبره أن عبد الله بن عمر كان يقول قال سول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق نصيبا في إنسان كلف عتق ما بقي
271

منه فإن لم يكن له مال فقد جاز ما صنع ورواه عبد الله بن نمير عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق نصيبا له في إنسان كلف عتق ما بقي قال نافع فإن لم يكن عنده ما يعتقه جاز ما صنع ذكره النسوي عن حسين بن منصور عن ابن نمير وروى هذا الحديث معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر وأيوب بن موسى وجويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر وداود العطار عن عمرو بن دينار عن ابن عمر وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم عن ابن عمر فذكروا كلهم الحكم في الموسر أنه يقوم ويعتق عليه إن كان له مال وسكتوا عن الحكم في المعسر فلم يقولوا وإن لم يكن له مال فقد عتق منه ما عتق كما قال مالك وعبيد الله ولم يزيدوا على حكم الموسر وفي رواية معمر عن الزهري عتق ما بقي في ماله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد وبعضهم يقول فيه عن عبد الرزاق أقيم ما بقي والمعنى واحد وهذا لفظ يوجب (أ) تقويمه على أنه معتق نصفه أو معتق بعضه وأما ما ذكرنا من اختلاف الآثار في هذه الكلمة الموجبة لنفوذ عتق نصيب المعتق المعسر دون شيء من استسعاء وغيره (ب) فإن أبا هريرة روى في هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف
272

ما رواه ابن عمر واختلف في حديثه أيضا في ذلك أكثر من الاختلاف في هذا وهو حديث يدور على قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة واختلف أصحاب قتادة عليه في الاستسعاء وهو الموضع المخالف لحديث ابن عمر من رواية مالك وغيره حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة ويحيى بن صبيح عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما عبد كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسرا قوم عليه وإلا سعى العبد غير مشقوق عليه (1) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو العباس الكديمي قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شقصا من مملوك فعليه خلاصه من ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ثم استسعى غير مشقوق عليه وكذلك رواه يزيد بن زريع وعبدة بن سليمان وعلي بن مسهر ومحمد بن بشر ويحيى بن أبي عدي عن سعيد بن أبي عروبة كما رواه روح بن عبادة سواء حرفا بحرف ولم يختلف
273

على سعيد بن أبي عروبة في هذا الحديث في ذكر السعاية فيه على حسبما ذكرنا وتابعه أبان العطار عن قتادة على مثل ذلك حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا أبان يعني العطار قال حدثني قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق شقصا له في مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه (1) قال أبو داود ورواه (أ) جرير بن حازم وموسى بن خلف عن قتادة بإسناده مثله وذكر فيه السعاية (2) رواه هشام الدستوائي وشعبة وهمام عن قتادة بإسناده مثله لم يذكروا فيه السعاية أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قالا جميعا حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شقصا من مملوك عتق من ماله
274

إن كان له مال (1) هكذا قال ابن المثنى قتادة عن بشير بن نهيك لم يذكر النضر بن أنس وهو خطأ منه أو من معاذ بن هشام ورواه روح بن عبادة وغيره عن هشام عن قتادة عن النضر عن بشير عن أبي هريرة كما رواه (سائر) (أ) أصحاب قتادة وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب النسائي قال أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في المملوك بين الرجلين فيعتق (أحدهما) (ب) نصيبه قال يضمن أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق بن داسة التمار قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث (بن إسحاق) (ج) قال حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رجلا أعتق
275

شقصا من غلام فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه وغرمه بقية ثمنه (1) وأخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا عبد العزيز بن أبان وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن سويد بن منجوف (2) قال حدثنا روح قالا جميعا حدثنا هشام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق شقصا له من مملوك فهو حر من ماله إن كان له مال وقال روح عتق من ماله إن كان له مال (3) قال أبو عمر فاتفق شعبة وهشام وهمام على ترك ذكر السعاية في هذا الحديث والقول قولهم في قتادة عند جميع أهل العلم بالحديث إذا خالفهم في قتادة غيرهم وأصحاب قتادة الذين هم حجة فيه هؤلاء الثلاثة شعبة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة فإن اتفقوا لم يعرج على من خالفهم في قتادة وإن اختلفوا نظر فإن اتفق منهم اثنان وانفرد واحد فالقول
276

قول الاثنين لا سيما إن كان أحدهما شعبة وليس أحد بالجملة في قتادة مثل شعبة لأنه كان يوقفه على الإسناد والسماع وهذا الذي ذكرت لك قول جماعة أهل العلم بالحديث وقد اتفق شعبة وهشام في هذا الحديث على سقوط ذكر الاستسعاء فيه وتابعهما همام وفي هذا تقوية لحديث ابن عمر وهو حديث مدني صحيح لا يقاس به غيره وهو أولى ما قيل به في هذا الباب وبالله التوفيق وقد روى شعبة عن خالد الحذاء عن أبي بشر العنبري عن ابن التلب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا أعتق نصيبه من مملوك فلم يضمنه النبي عليه السلام وهذا عند جماعة العلماء على المعسر لأن الموسر لم يختلفوا في تضمينه وأنه يلزمه في العتق إلا ما لا يلتفت إليه من شذوذ القول ونحن نذكر ما انتهى إلينا من اختلاف العلماء في ذلك هنا إن شاء الله ومثل حديث ابن التلب عن أبيه في هذا الباب قصة أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناها في باب أسلم من كتاب الصحابة والحمد لله وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب فإن مالكا وأصحابه يقولون إذا أعتق الملئ الموسر شقصا له في عبد فلشريكه أن يعتق بتلا وله أن يقوم فإن أعتق نصيبه كما أعتق شريكه قبل التقويم كان الولاء بينهما كما كان الملك
277

بينهما وما لم يقوم ويحكم بعتقه (أ) فهو في جميع أحكامه كالعبد وإن كان المعتق لنصيبه من العبد عديما لم يعتق غير حصته ونصيب الآخر رق له ويخدم العبد هذا يوما ويكسب لنفسه يوما أو يقاسمه كسبه وإن كان العتق مليا ببعض شريكه قوم عليه قدر ما معه ورق بقية النصيب لربه ويقضى عليه في ذلك كما يقضى في سائر الديون الثابتة اللازمة والجنايات ويباع عليه شوار بيته وماله بال من كسوته والتقويم أن يقوم نصيب صاحبه يوم العتق قيمة عدل ثم يعتق عليه وكذلك قال داود وأصحابه في هذه المسألة (إلا) (ب) أنه لا يعتق عليه حتى يؤدي القيمة إلى شريكه وهو قول الشافعي في القديم وقال الشافعي من أعتق شركا له في عبد قومك عليه قيمة عدل وأعطى (ج) شركاءه حصصهم وعتق العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق قال وهكذا روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ويحتمل قوله عليه السلام في عتق الموسر معنيين أحدهما أنه يعتق بالقول مع دفع القيمة والآخر أنه يعتق بالقول إذا كان المعتق موسرا في حين العتق وسواء أعسر بعد ذلك قبل التقويم أم لا ويكون العبد حرا كله بالعتق في حين العتق فإن قوم عليه في الوقت أخذ ماله
278

وإن تركه حتى أعسر اتبعه بما قد ضمن قال المزني في القول الأول قال في كتاب الوصايا وقال في كتاب اختلاف الحديث يعتق كله يوم تكلم بالعتق وكذلك قال في (كتاب) (أ) اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى وقال أيضا إن مات المعتق أخذ بالذمة من رأس المال لا يمنعه الموت حقا لزمه كما لو جنى جناية والعبد حر في شهادته وحدوده وميراثه وجناياته قبل القيمة وبعدها قال المزني قد قطع بأن هذا المعنى أصح في أربعة مواضع وهو القياس على أصله وقد قال لو أعتق الثاني كان عتقه باطلا وفي ذلك دليل على زوال ملكه لأنه لو كان ملكه ثابتا (ب) لنفذ عتقه وتحصيل مذهب الشافعي ما قاله في الجديد أنه إذا كان المعتق لحصته من العبد موسرا عتق جميعه حين أعتقه وهو حر من يومئذ ويورث وله ولاؤه ولا سبيل للشريك على العبد وعليه قيمة نصيب شريكه كما لو قتله وجعل عتقه إتلافا هذا كله إن كان موسرا في حين العتق للشقص وسواء أعطاه القيمة أو منعه وإن كان معسرا فالشريك على ملكه يقاسمه كسبه أو يخدمه يوما ويخلي لنفسه يوما ولا سعاية عليه قال أبو عمر من حجة من ذهب إلى قول الشافعي هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أيوب عن نافع
279

عن ابن عمر من أعتق نصيبا له في عبد فإن كان له مال يبلغ ثمنه بقيمة عدل فهو عتيق وحديث ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر أن (أ) النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شركا في مملوك وكان للذي يعتق نصيبه ما يبلغ ثمنه فهو يعتق كله ومنهم من يقول عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أعتق شقصا له في عبد ضمن لشريكه في ماله إن كان له مال قالوا فقوله صلى الله عليه وسلم فهو يعتق كله وقوله فهو عتيق يوجب أن يكون عتيقا كله في وقت وقوع العتق ولا ينتظر به قضاء ولا تقويم إذا كان المعتق موسرا لتثبت له حرمة الحرية من ساعته في جميع أحكامه اتباعا للسنة في ذلك لأنه معلوم أن التقويم والحكم (به) (ب) إنما هو تنفيذ لما قد وجب بالعتق في حينه ومن حجة مالك ومن تابعه على ما ذكرنا من قوله في هذا الباب في العبد المعتق بعضه أنه لا يعتق على معتق حصته منه حتى يقوم ويحكم بذلك عليه فإذا تم ذلك نفذ عتقه حينئذ فمن حجتهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وأعتق عليه العبد قالوا فلم يقض رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتق العبد
280

إلا بعد أن يأخذ الشركاء حصصهم فمن أعتقه قبل ذلك فقد خالف نص السنة في ذلك قالوا ومعلوم أنه يعتق على الإنسان ما يملكه لا ملك غيره وإنما يملكه بأداء القيمة إلى شريكه إذا طلب الشريك ذلك ألا ترى أنه لو كان معسرا لا يحكم (أ) عليه بعتق وفي ذلك دليل واضح على استقرار ملك الذي لم يعتق بغير (ب) عتق شريكه لنصيبه وإذا كان ملكه ثابتا مستقرا استحال أن يعتق على الآخر ما لم يملكه فإا قوم عليه وحكم بأداء القيمة إليه ملكه ونفذ عتق جميعه بالسنة في ذلك والسنة في هذا كالسنة في الشفعة لأن ذلك كله نقل ملك بعوض على غير تراض أحكمته الشريعة وخصته إذا طلب الشريك أو الشفيع ما لهما من ذلك وليس ما رواه أيوب من قوله فهو عتق مخالفا لما رواه مالك بل هو مجمل فسره مالك في روايته ومبهم أوضحه لأنه يحتمل قوله فهو عتيق كله أو فهو (ج) معتق كله أي بعد دفع القيمة إلى الشركاء وأكثر أحوالهم في ذلك أن يحتمله الحديث الوجهين جميعا فإذا احتملهما فمعلوم أن العبد رقيق بيقين ولا يعتق إلا بيقين واليقين ما اجتمع عليه من حريته بعد دفع القيمة وهو أحد قولي الشافعي ولم يختلف قول الشافعي إن المعتق لحصته من عبد
281

بينه وبين غيره وهو (أ) معسر في حين تكلم بالعتق أنه لا شيء عليه من سعاية ولا غيرها وأنه لا يعتق من العبد غير تلك الحصة وهو قول مالك في عتق المعسر وقول أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد وداود والطبري (ب) وقال مالك إن مات المعتق الموسر قبل أن يحكم عليه بعتق الباقي لم يحكم على ورثته بعتق ذلك وقال الشافعي يحكم بعتقه إذا مات ولو أتى على تركته إلا أن يعتق في المرض فيقوم في الثلث وقال سفيان إن كان للمعتق حصته من العبد مال ضمن نصيب شريكه ولم يرجع به على العبد ولا سعاية على العبد وكان الولاء له (ج) وإن لم يكن له مال فلا ضمان عليه وسواء نقص من نصيب الآخر أو لم ينقص ويسعى العبد في نصف قيمته حينئذ وكذلك قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وفي قولهم يكون العبد كله حرا ساعة أعتق الشريك نصيبه فإن كان موسرا ضمن لشريكه قيمة نصف عبده وإن كان معسرا سعى العبد في ذلك الذي لم يعتق ولا يرجع على أحد بشيء والولاء كله للمعتق وهو بمنزلة الحر في جميع أحكامه ما دام في سعايته من يوم أعتق يرث ويورث وعن ابن شبرمة وابن أبي ليلى مثله إلا أنهما جعلا للعبد أن يرجع على المعتق بما سعى فيه متى أيسر وقد جاء عن ابن عباس أنه جعل المعتق
282

بعضه حرا في جميع أحكامه وقال أبو حنيفة إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه وهو موسر فإن الشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه كما أعتق صاحبه وكان الولاء بينهما وإن شاء استسعى في نصف قيمته ويكون الولاء بينهما وإن شاء ضمن شريكه نصف قيمته ويرجع الشريك بما ضمن من ذلك على العبد يستسعيه فيه إن شاء ويكون الولاء كله للشريك وهو عبد ما بقي عليه من السعاية شيء وإن كان المعتق معسرا فالشريك الآخر بالخيار إن شاء ضمن العبد نصف قيمته يسعى (أ) فيها والولاء بينهما وإن شاء أعتقه كما أعتق صاحبه والولاء بينهما وقال أبو حنيفة العبد المستسعى ما دام عليه سعاية بمنزلة المكاتب في جميع أحكامه فإن مات أدى من ماله لسعايته والباقي لورثته وقد ذكرنا الاختلاف في هذه المسألة في المكاتب في باب هشام بن عروة في قصة بريرة قال زفر يعتق العبد كله على المعتق حصته ويتبع بقيمة (ب) حصة شريكه موسرا كان أو معسرا وقد روي عن زفر مثل أبي يوسف قال أبو عمر لم يقل زفر بحديث ابن عمر ولا بحديث أبي هريرة في هذا الباب وكذلك أبو حنيفة لم يقل بواحد من الحديثين على وجهه وكل قول خالف السنة فمردود والله المستعان
283

وقد قيل في هذه المسئلة أقوال غير ما قلنا شاذة ليس عليها أحد من فقهاء الأمصار أهل الفتيا اليوم منها قول ربيعة بن عبد الرحمن قال فمن أعتق حصة له من عبد إن العتق باطل موسرا كان المعتق أو معسرا وهذا تجريد لرد الحديث أيضا وما أظنه عرف الحديث لأنه لا يليق بمثله غير ذلك وقد ذكر محمد بن سيرين عن بعضهم أنه جعل قيمة حصة الشريك في بيت المال وهذا أيضا خلاف السنة وعن الشعبي وإبراهيم أنهما قالا الولاء للمعتق ضمن أو لم يضمن وهذا أيضا خلاف قوله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعطى الثمن فهذا حكم من أعتق حصة له من عبد بينه وبين غيره وأما من أعتق حصة من عبده الذي لا شركة فيه لأحد معه فإن عامة العلماء بالحجاز والعراق يقولون يعتق عليه كله ولا سعاية عليه إلا أن ملكا قال إن مات قبل أن يحكم عليه لم يحكم عليه وقال أبو حنيفة يعتق منه ذلك النصيب (أ) ويسعى لمولاه في بقية قيمته موسرا كان أو معسرا وخالفه أصحابه فلم يروا في ذلك سعاية وهو الصواب وعليه الناس والحجة في ذلك أن السنة لما وردت بأن يعتق عليه نصيب شريكه كان أحرى بأن (ب) يعتق عليه فيه ملكه لأنه موسر به مالك
284

له وهذه سنة وإجماع وفي مثل هذا قالوا ليس لله شريك وقد جاء عن الحسن يعتق الرجل من عبده ما شاء وهذا نحو قول أبي حنيفة وروي مثله عن علي رضي الله عنه وبه قال أهل الظاهر (1) كما يهب من عبده ما شاء ورووا في ذلك خبرا عن إسماعيل بن أمية عن أبيه عن جده أنه أعتق نصف عبد فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عتقه ذكره أبو داود في السنن (2) وعن الشعبي وعبيد الله بن الحسن مثل قول أبي حنيفة سواء ومن الحجة أيضا في إبطال السعاية حديث عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند الموت وليس له مال غيرهم فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق ثلثهم وأرق الثلثين ولم يستسعهم (3) وقال الكوفيون في
هذه أيضا يعتق العبيد كلهم ويسعون في ثلثي قيمتهم للورثة فخالفوا السنة أيضا برأيهم وسنذكر هذا الحديث وما للعلماء في معناه من الأقوال (أ) في باب يحيى بن سعيد إن شاء الله (قال أبو عمر) (ب) ومن (ج) ملك شقصا ممن يعتق عليه
285

بأي وجه ملكه سوى الميراث فإنه يعتق عليه جميعه إن كان موسرا بعد تقويم حصة من شركه فيه ويكون الولاء له (أ) وهذا قول جمهور الفقهاء فإن ملكه بميراث فقد اختلفوا في عتق نصيب شريكه عليه وفي السعاية على حسبه ما قدمنا من أصولهم وفي تضمين رسول الله صلى الله عليه وسلم المعتق لنصيبه من عبد بينه وبين غيره قيمة باقي العبد دون أن يلزمه الإتيان بنصف (ب) عبد مثله دليل على أن من استهلك أو أفسد شيئا من الحيوان أو العروض التي لا تكال ولا توزن فإنما عليه قيمة ما استهلك من ذلك لا مثله وهذا موضع اختلف فيه العلماء فذهب مالك وأصحابه إلى أن من أفسد شيئا من العروض التي لا تكال ولا توزن أو شيئا من الحيوان فإنما عليه القيمة لا المثل بدليل هذا الحديث قال مالك والقيمة أعدل في ذلك وذهب جماعة من العلماء منهم الشافعي وداود إلى أن القيمة لا يقضى بها إلا عند عدم المثل وحجتهم في ذلك ظاهر قول الله عز وجل * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * 1 ولم يقل بقيمة ما عوقبتم به وهذا عندهم على عمومه في الأشياء كلها على ما يحتمله ظاهر الآية واحتجوا أيضا من الآثار بما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد
286

ابن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى قال أبو داود (أ) وحدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا خالد جيمعا عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين جارية بقصعة لها فيها طعام قال فضربت بيدها فكسرت القصعة قال ابن المثنى في حديثه فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى وجعل يجمع فيهما الطعام ويقول غارت أمكم كلوا (ب) فأكلوا حتى جاءت قصعتها (ج) التي في بيتها (1) ثم رجع إلى حديث مسدد وقال كلوا وحبس الرسول القصعة حتى فرغوا فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وحبس المكسورة في بيته (2) قال أبو داود وحدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن سفيان قال حدثني فليت العامري قال أبو داود وهو (د) أفلت بن (ه) خليفة (3) عن جسرة بنت
287

دجاجة قالت قالت عائشة ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فبعثت به فأخذني أفكل (1) فكسرت الإناء فقلت يا رسول الله ما كفارة ما صنعت قال إناء مثل إناء وطعام مثل طعام (2) قال أبو عمر قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث طعام مثل طعام مجتمع على استعماله (والقول به) (أ) في كل مطعوم مأكول أو موزون مأكول أو مشروب إنه يجب على مستهلكه مثله لا قيمته على ما ذكرناه في باب زيد بن أسلم عند ذكر حديث أبي رافع فاعلم ذلك وقال أبو عمر المثل لا يوصل إليه إلا بالاجتهاد كما أن القيمة تدرك بالاجتهاد وقد أجمعوا على المثل في المكيلات والموزونات متى وجد المثل واختلفوا في العروض وأصح حديث في ذلك حديث نافع عن ابن عمر فيمن أعتق شقصا له في عبد أنه يقوم عليه دون أن يكلف الإيتان بمثله وقيمة العدل في الحقيقة مثل وقد قال العراقيون في قول الله عز وجل * (فجزاء مثل ما قتل من النعم) * 3 أن القيمة مثل في هذا الموضع وأبى ذلك أهل الحجاز وللكلام في ذلك موضع غير هذا
288

واختلف الذين لم يقولوا بالسعاية في توريث المعتق بعضه إن مات له ولد وتوريثه منه فروي عن علي رضي الله عنه قال يرث ويورث بقدر ما أعتق منه وعن ابن مسعود مثله وبه قال عثمن البتي والمزني وقال الشافعي في الحديث يورث منه بقدر حريته ولا يرث هو وروي عن زيد بن ثابت أنه قال لا يرث ولا يورث وهو قول مالك والشافعي في العراقي وقال ابن سريج فإذا لم يورث احتمل أن يجعل ماله في بيت المال وجعله مالك والشافعي في القديم لمالك باقيه وقال أهل النظر من أصحاب الشافعي وغيرهم هذا غلط لأنه ليس لمالك باقيه على ما عتق منه ولاء ولا رحم ولا ملك وهذا صحيح وبالله التوفيق
289

حديث ثامن وثلاثون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله (أ) بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة (1) لا خلاف عن مالك في لفظ هذا الحديث ولا في إسناده وكذلك رواه أيوب وعبيد الله بن عمر وهشام بن الغازي (وغيرهم) عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء لم يختلفوا في إسناده (ب) وكذلك رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن في حديث الزهري يبيت ثلاثا إلا وصيته (ج)
290

مكتوبة عنده قال ابن عمر فما بت ليلة مذ سمعتها إلا ووصيتي عندي وقال فيه ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حق امرئ يؤمن بالوصية وفسره فقال يؤمن بأنها حق وقال فيه سليمان بن موسى عن نافع إنه يحدثه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغي لأحد عنده مال يوصي فيه أن يأتي عليه ليلتان أو لا عنده وصيته وكذلك قال فيه عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما حق امرئ يبيت وعنده مال يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده وقد مضى في باب ثور بن زيد تفسير المال (1) وقول من قال مال أولى عندي من قول من قال شيء لأن الشيء قليل المال وكثيره وقد أجمع العلماء على أن من لم يكن عنده إلا اليسير التافه من المال أنه لا يندب إلى الوصية وقال ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ مسلم له مال يوصي فيه الحديث هكذا قال لا يحل ولم يتابع على هذه اللفظة والله أعلم
291

ففي هذا الحديث الحض على الوصية والتأكيد على في ذلك وهذا على الندب لا على الإيجاب عند الجميع لا يختلفون في ذلك وقد أجمع العلماء على أن الوصية غير واجبة على أحد إلا أن يكون عليه دين أو تكون عنده وديعة أو أمانة فيوصي بذلك وفي إجماعهم على هذا بيان لمعنى الكتاب والسنة في الوصية وقد شذت طائفة فأوجبت الوصية لا يعدون خلافا على الجمهور واحتجوا بظاهر القرآن وقالوا المعروف واجب كما يجب ترك المنكر قالوا وواجب على الناس كلهم أن يكونوا من المتقين قال أبو عمر ليس في كتاب الله ذكر الوصية إلا في قوله عز وجل * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) * 1 وهذه الآية نزلت قبل نزول الفرائض والمواريث فلما أنزل الله حكم الوالدين وسائر الوارثين في القرآن نسخ ما كان لهم من الوصية وجعل لهم مواريث معلومة على
حسبما أحكم من ذلك تبارك وتعالى وقد روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن أن آية المواريث نسخت الوصية (للوالدين والأقربين) (أ)
292

الوارثين وهو مذهب الشافعي وأكثر المالكيين وجماعة من أهل العلم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا وصية لوارث (1) وهذا بيان منه صلى الله عليه وسلم أن آية المواريث نسخت الوصية للوارثين وأما من أجاز نسخ القرآن بالسنة من العلماء فإنهم قالوا هذا الحديث نسخ الوصية للورثة وللكلام في نسخ القرآن بالسنة موضع غير هذا ومما يدل على أن الحديث في الحض على الوصية ندب لا إيجاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص مع ما ذكرنا من إجماع الذين لا يجوز عليهم السهو والغلط ولا الجهل بمعنى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع وأخبرنا أحمد بن محمد وأحمد بن سعيد قالا حدثنا وهب بن مسرة ومحمد بن أبي دليم قالا حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا مصعب بن سعيد قال حدثنا ابن المبارك جميعا عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال قلت لابن أبي أوفى أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء قالا لا قلت فكيف (أ) أمر الناس بالوصية فقال أوصى بكتاب
293

الله (1) واستدل بعض العلماء بقوله عز وجل في آية الوصية * (حقا على المتقين) * على أنها ليست بواجبة وجعلها مثل قوله * (متاعا بالمعروف حقا على المحسنين) * 2 قال والمعروف هو التطوع بالإحسان والمتقون وغيرهم في الواجب سواء وروى الثوري عن جابر عن الشعبي قال الوصية ليست بواجبة من شاء أوصى ومن شاء لم يوص وعن إبراهيم والربيع بن خيثم مثله وعليه الناس وهو قول الجمهور من العلماء وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد ومحمد بن العلاء وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن المثنى قالوا حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن شقيق بن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء (3) قال أبو عمر أما تركه صلى الله عليه وسلم الوصية وندبه أمته إليها فإنه صلى الله عليه وسلم ليس كأحد من أمته في هذا لأن ما تخلفه هو فصدقة قال صلى الله عليه وسلم إنا لا نورث
294

ما تركنا فهو صدقة وإذا كان ما تخلفه صدقة فكيف يوصي مه بثلث أو كيف يشبه في ذلك بغيره وغيره لا تجوز له الوصية إلا بالثلث خاصة وما تخلفه هو صلى الله عليه وسلم بعده فصدقة كله على ما قال صلى الله عليه وسلم ووجه آخر وهو قول الله عز وجل * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين) * والخير ههنا المال لا خلاف بين أهل العلم في ذلك ومثل قوله عز وجل * (إن ترك خيرا) * قوله * (وإنه لحب الخير لشديد) * 1 وقوله * (إني أحببت حب الخير) * 2 وقوله * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * 3 أ الخير (ب) في هذه الآيات كلها المال وكذلك قوله عز وجل حاكيا عن شعيب صلى الله عليه وسلم * (إني أراكم بخير) * 4 يعني الغنى (ج) ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك دينارا ولا درهما ولا بعيرا ولا شاة وقال ما تركت بعدي صدقة وقال إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة
295

وقد مضى تفسير ذلك في باب ابن شهاب عن عروة من كتابنا هذا (1) والحمد لله واختلف السلف في مقدار المال الذي تستحب فيه الوصية أو تجب عند من أوجبها فروي عن علي رضي الله عنه أنه قال ستمائة درهم أو سبع مائة درهم ليس بمال فيه وصية وروي عنه أنه قال ألف درهم مال فيه وصية وهذا يحتمل لمن شاء وقال ابن عباس لا وصية في ثمانمائة درهم وقالت عائشة رضي الله عنها في امرأة لها أربعة من الولد ولها ثلاثة آلاف درهم لا وصية في مالها وقال إبراهيم النخعي ألف درهم من خمسمائة درهم وقال قتادة في قوله عز وجل * (إن ترك خيرا الوصية) * قال الخير ألف فما فوقها وعن علي بن أبي طالب (قال) (أ) من ترك مالا يسيرا فليدعه لورثته فهو أفضل وعن عائشة فيمن ترك ثمانمائة درهم لم يترك خيرا فلا يوصي أو نحو هذا من القول وهذا كله يدلك على أن الأمر بالوصية في الكتاب والسنة على الندب لا على الإيجاب ولو كانت الوصية واجبة في الكتاب للوالدين والأقربين كانت منسوخة بآية المواريث ثم ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الوصية لغير الوالدين وحض عليها وقال لا وصية لوارث فاستقام الأمر وبان والله المستعان فالوصية مندوب إليها مرغوب فيها غير واجب شيء منها
296

واتفق فقهاء الأمصار على أن الوصية جائزة في كل مال قل أو كثر وقد مضى القول في الوصية بالثلث وأنه لا يتعدى ولا يتجاوز في الوصية وما استحب من ذلك وتلخيص وجوه القول فيه مستوعبا في باب ابن شهاب (أ) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص من كتابنا هذا (1) فلا وجه لإعادته ههنا قرأت على عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن أن محمد بن بكر حدثهم قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال حدثنا علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس * (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) * فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية الميراث (2) وقرأت على أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن أبي صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال وقوله * (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين) * فكان ب لا يرث مع الوالدين غيرهم إلا وصية إن كان للأقربين فأنزل
297

الله بعد هذا * (ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك) * 1 * (إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث) * (2) فبين سبحانه ميراث الوالدين وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت قال أبو عمر مذهب مالك وسائر الفقهاء أن الوصية نسخت الوارثين خاصة الوالدين منهم والأقربين وبقي منها ما كان لغير الوارثين والدين كانوا أو أقربين حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي (أ) (3) قال حدثنا سليمان بن عبد الرحمان الدمشقي وحدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الوهاب بن نجدة قالوا كلهم
حدثنا إسماعيل بن عباس عن شرحبيل بن مسلم سمعه يقول سمعت أبا أمامة الباهلي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
298

يقول في خطبته عام حجة الوداع إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث اللفظ بحديث ابن أبي شيبة (1) وأخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي أبو سعيد قال حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال حدثنا يزيد بن هارون وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم والحرث بن أبي أسامة قالا حدثنا عبد الوهاب قال (أ) أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمان بن غنم عن عمرو بن خارجة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم وهو على راحلته فقال إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث فلا تجوز وصية لوارث وأخبرنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسن قال حدثنا إبراهيم بن الهيثم الناقد قال حدثنا أبو معمر القطيعي قال حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة
299

قال أبو عمر (هذا إجماع من علماء المسلمين فارتفع فيه القول ووجب التسليم) (أ) ولا (ب) خلاف بين العلماء أن الوصية للأقارب أفضل من الوصية لغيرهم إذا لم يكونوا ورثة وكانوا في حاجة وكذلك لا خلاف علمته بين العلماء في جواز وصية المسلم لقرابته الكفار لأنهم لا يرثونه وقد أوصت صفية بنت حيي لأخ لها يهودي واختلفوا فيمن أوصى لغير قرابته وترك قرابته الذين لا يرثون فروي عن عمر أنه أوصى لأمهات أولاده لكل واحدة بأربعة آلاف وروي عن عائشة أنها أوصت لمولاة لها بأثاث البيت وروي عن سالم مثل ذلك قال الضحاك إن أوصى لغير قرابته فقد ختم عمله بمعصية وقال طاوس من أوصى فسمى غير قرابته وترك قرابته محتاجين ردت وصيته على قرابته ذكره عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه (1) وهو مشهور عن طاوس وروي عن الحسن البصري مثله وقال الحسن أيضا وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب إذا أوصى لغير قرابته (وترك قرابته) (ج) فإنه يرد إلى قرابته ثلثي الثلث ويمضي ثلثه لمن أوصى له (د) أخبرنا محمد
300

ابن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين حدثنا أبو بكر بن أبي داود حدثنا المثنى بن أحمد حدثنا عاصم بن علي حدثنا أبو هلال حدثنا قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد فذكره (أ) وبه قال إسحاق بن راهويه ذكره إسحاق الكوسج عنه حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد وعبيد بن محمد قالا حدثنا الحسن بن سلمة قال حدثنا عبد الله بن الجارود قال حدثنا إسحاق بن منصور عن إسحاق فذكره وقال مالك وسفيان الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم إذا أوصى لغير قرابته وترك قرابته محتاجين أو غير محتاجين جاز ما صنع وبئسما فعل إذا ترك قرابته محتاجين وأوصى لغيرهم وبه قال أحمد بن حنبل وهو قول عمر وعائشة وابن عباس وعطاء ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وجمهور أهل العلم واحتج الشافعي وغيره في جواز الوصية لغير الأقارب بحديث عمران بن حصين في الذي أعتق ستة أعبد له عند موته في مرضه لا مال له غيرهم فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة فهذه وصية لهم في ثلثه لأن أفعال المريض كلها وصية في ثلثه وهم لا محالة من غير قرابته وحسبك بجماعة أهل الفقه والحديث
301

يجيزون الوصية لغير القرابة وفي ذلك ما يبين لك المراد من معاني الكتاب وبالله العصمة والتوفيق ذكر (أ) حماد بن سلمة عن قتادة عن الزهري عن سالم عن ابن عمر في رجل أوصى بثلثه في غير قرابته قال يمضى حين أوصى وذكر حماد بن سلمة أيضا عن حميد الطويل أن ثمامة بن عبد الله كتب إلى جابر يسأله عن رجل أوصى بثلثه في غير قرابته فكتب جابر أن أمضه كما قال وإن أمر بثلثه أن يلقى في البحر قال حميد وقال محمد بن سيرين أما في البحر فلا ولكن يمضي كما قال وذكر وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر قال للرجل ثلثه عند موته يطرحه في البحر إن شاء ووكيع عن طلحة بن عمرو الحضرمي عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة لكم في أعمالكم والمبارك بن حسان عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يقول ابن آدم اثنتان لم يكن لك واحدة منهما جعلت لك نصيبا من (ب) مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك وأزكيك وصلاة عبادي عليك
302

ودرست بن زياد عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله مات فلان قال أوليس كان عندنا آنفا قالوا بلى قال سبحان الله أخذه أسف على غضب المحروم من حرم وصيته وثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال قال أبو بكر الصديق إن الله تصدق علينا بثلث أموالنا زيادة في أعمالنا قال أبو عمر تركت الأسانيد بيني وبين رواة هذه الأحاديث وهي أحاديث حسان وليست فيها حجة من جهة الإسناد لأن في نقلتها ضعفا واضح منها ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال (أ) حدثنا مسدد قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال قال رجل يا رسول الله أي الصدقة أفضل قال أن تصدق وأنت صحيح حريص تأمل البقاء وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا زاد عبد الوارث وقد كان لفلان (1)
303

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا هشام قال حدثنا قتادة عن مطرف عن أبيه قال أتيت النبي عليه السلام وهو يقرأ * (ألهاكم التكاثر) * 1 فقال يقول ابن آدم مالي مالي وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت (2) ورواه شعبة وسعيد بن أبي عروة عن قتادة عن مطرف بن عبد الله عن أبيه عن النبي عليه السلام مثله سواء وأخبرنا عبد الله (بن محمد قال) (أ) حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن أبي فديك قال أخبرني ابن أبي ذئب عن شرحبيل بن سعد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير من أن يتصدق بمائة عند موته (3) وروى موسى بن عقبة وشعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي حبيبة الطائي قال سمعت أبا الدرداء يقول
304

سمعت رسول الله يقول مثل الذي يعتق عند الموت مثل الذي يهدي إذا شبع ورواه أبو الأحوص وجماعة عن أبي إسحاق بإسناده مثله ومن حديث أبي سفيان عن جابر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله وذكر وكيع عن الثوري والأعمش عن زيد عن مرة عن عبد الله بن مسعود في قوله * (وآتى المال على حبه) * 1 قال أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر (2) وذكر حماد بن سلمة قال حدثنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال من أوصى بوصية فلم يضار فيها ولم يجنف كانت بمنزلة مما لو تصدق بها وهو صحيح حدثنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا إبراهيم بن موسى قال حدثنا يوسف بن موسى حدثنا أبو معاوية حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال الإضرار في الوصية من الكبار ثم قرأ * (غير مضار وصية من الله) * 3 إلى قوله * (ومن يعص الله ورسوله) * قال في الوصية * (ومن يطع الله ورسوله) * قال في الوصية (4) حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود حدثنا عبدة بن عبد الله حدثنا عبد الصمد بن عبد
305

الوارث قال نصر بن علي الحداني (أ) قال حدثنا الأشعث بن جابر الحداني قال حدثنا شهر بن حوشب أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين أو سبعين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران (ب) في الوصية فتجب لهما النار (1) وقرأ أبو هريرة من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار (وفي رواية معمر أن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ثم يعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة (2) ولم يقل معمر ابن جابر الحداني) (ج) وروى الثوري ومعمر عن ابن طاوس عن أبيه قال الجنف أن يوصي لابن ابنته وهو يريد ابنته ويقول طاوس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا وصية لوارث وروي عن ابن عباس في تفسير الجنف مثل قول طاوس فقال الحسن هو أن يوصي للأجانب ويترك الأقارب وأصل الجنف في اللغة الميل ومعناه في الشريعة الإثم
306

قال أبو عمر جمهور العلماء على أن الوصية لا تجوز لوارث على حال من الأحوال إلا أن يجيزها الورثة بعد موت الموصي فإن أجازها الورثة بعد الموت فجمهور العلماء على جوازها وممن قال ذلك مالك وسفيان والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وقال ابن خواز بنداد اختلف أصحابنا في الوصية للوارث فقال بعضهم هي وصية صحيحة وللوارث الخيار في إجازتها أو ردها فإن أجازوا فإنما هو تنفيذ لما أوصى به الميت وقال بعضهم ليست وصية صحيحة فإن أجازوا فهي عطية منهم مبتدأة وقال المزني وداود وأهل الظاهر لا تجوز وإن أجازها الورثة وحسبهم أن يعطوه من أموالهم (أ) ما شاءوا وحجتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا وصية لوارث ولم يقل إلا أن يجيزها الورثة وسائر العلماء من التابعين ومن بعدهم من الخالفين يجيزونها لأنهم يرونها عطية من الورثة بعضهم لبعض فلذلك (ب) اعتبروا فيها الجواز بعد موت الموصي لأنه حينئذ يصح ملكهم وتصح عطيتهم واختلف الفقهاء في إجازة الورثة الوصية في حياة الموصي إذا أوصى لورثته أو بأكثر من ثلثه واستأذنهم في ذلك وهو مريض فقال مالك إذا كان مريضا واستأذن ورثته في أن
307

يوصي لوارث أو يوصي بأكثر من ثلثه فأذنوا له وهو مريض محجور (أ) عن أكثر من ثلثه لزمهم ما أجازوا من ذلك وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وأحمد وأكثر أهل العلم لا يلزمهم حتى يجيزوا بعد موته وسواء أجازوا ذلك في مرضه أو صحته إذا كان ذلك في حياته وأجمعوا أنهم لو أجازوا ذلك وهو صحيح لم يلزمهم وأجمعوا أنهم إذا أجازوا ما أوصى به موروثهم لوارث منهم أو أجازوا وصيته بأكثر من الثلث بعد موته لزمهم ذلك ولم يكن لهم أن يرجعوا في شيء منه قبض أو لم يقبض وإن هذا (ب) لا يحتاج فيه إلى قبض عند جميعهم فهذه أصول مسائل الوصايا وأما الفروع فتتسع جدا والحمد لله على كل حال وأما قوله عز وجل * (فمن بدله بعد ما سمعه) * 1 الآية فمعناه عند جماعة العلماء تبديل ما أوصى به المتوفى إذا كان ذلك مما يجوز إمضاؤه فإن أوصى بما لا يجوز مثل أن يوصى بخمر أو خنزير أو بشيء من المعاصي فهذا يجوز تبديله ولا يجوز إمضاؤه كما لا يجوز إمضاء ما زاد على الثلث أو لوارث
308

حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر (أ) قال حدثنا محمد بن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يعقوب بن كعب قال حدثنا الوليد بن مسلم عن (ب) ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال كان في وصية أبي الدرداء بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أبو الدرداء أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الله يبعث من في القبور وأنه يؤمن بالله ويكفر بالطاغوت على ذلك يحيا ويموت إن شاء الله وأوصى فيما رزقه الله بكذا وكذا وأن هذه وصيته إن لم يغيرها قبل الموت أخبرنا عبد الله بن أحمد حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي حدثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي قال كتب عمر في وصيته لا يقر عامل أكثر من سنة إلا الأشعري يعني أبا موسى فأقروه أربع سنين قال أبو عمر لا يختلف العلماء أن للإنسان أن يغر وصيته ويرجع فيما شاء منها إلا أنهم اختلفوا من ذلك في المدبر فقال مالك رحمه الله الأمر المجتمع عليه عندنا أن للإنسان أن يغير من وصيته ما شاء من عتاقة وغيرها إلا التدبير وله أن
309

ينقض وصيته كلها ويبدلها بغيرها ويصنع من ذلك ما شاء إلا التدبير فإنه لا يتصرف فيه قال أبو الفرج المدبر في العتاقة كالمعتق إلى شهر لأنه أجل آت لا محالة وقد أجمعوا أنه لا يرجع في اليمين بالعتق والعتق إلى أجل فكذلك المدبر وقال الثوري وسائر الكوفيين إذا قال الرجل إن مت ففلان حر فليس له أن يرجع وإن قال أن (أ) مت من مرضي هذا ففلان حر فإن شاء أن يبيعه باعه (ب) فإن لم يبعه فمات عتق فإن صح فلا شيء له قال أبو عمر وإن قال الرجل لعبده فلان حر بعد موتي وأراد الوصية فله الرجوع عند مالك في ذلك وإن قال فلان مدبر بعد موتي لم يكن له الرجوع فيه وإن أراد التدبير بقوله الأول لم يرجع أيضا عند أكثر أصحاب مالك واختلف ابن القاسم وأشهب فيمن قال عبدي حر بعد موتي ولم يرد الوصية ولا التدبير فقال ابن القاسم هو وصية وقال أشهب هو مدبر إن لم يرد الوصية وأما الشافعي وأحمد وإسحق وأبو ثور فكل هذا عندهم وصية والمدبر عندهم وصية يرجع فيها والمدبر وغير المدبر من سائر ما ينفذ بعد الموت في الثلث
310

من الوصايا عندهم سواء يرجع صاحبه في ذلك كله وفيما شاء منه إلا أن الشافعي قال لا يكون الرجوع في المدبر إلا بأن يخرجه من ملكه ببيع أو هبة وليس قوله قد رجعت رجوعا وإن لم يخرج المدبر من ملكه حتى يموت فإنه يعتق بموته وقال في القديم يرجع في المدبر بما يرجع في الوصية وأجازه المزني (أ) قياسا على إجماعهم
على الرجوع فيمن أوصى بعتقه وقال أبو ثور إذا قال قد رجعت في مدبري فلان فقد بطل التدبير فإن مات لم يعتق وحجة الشافعي ومن قال بقوله في أن المدبر وصية إجماعهم على أنه في الثلث كسائر الوصايا وفي إجازتهم وطء المدبرة ما ينقض قياسهم على المعتق إلى أجل وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم باع مدبرا وأن عائشة دبرت جارية لها ثم باعتها وهو قول جابر وابن المنكدر ومجاهد وجماعة من التابعين
311

حديث تاسع وثلاثون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين (1) لم يختلف عن مالك في إسناد هذا الحديث ولا في متنه ولا في قوله فيه من المسلمين إلا قتيبة بن سعيد وحده فإنه روى هذا الحديث عن مالك ولم يقل فيه من المسلمين وسائرالرواة عن مالك قالوا عنه فيه من المسلمين وكذلك هو في الموطأ عند جميعهم فيما علمت وقد زعم بعض الناس أنه لا يقول فيه أحد من المسلمين غير مالك وذكره أيضا أحمد بن خالد عن ابن وضاح وليس كما ظن الظان وقد قاله غير مالك جماعة ولو انفرد به مالك لكان حجة يوجب حكما عند أهل العلم فكيف ولم ينفرد به وقد رواه إسماعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر
312

ورواه سعيد بن عبد الرحمان الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ورواه كثير بن فرقد عن نافع عن ابن عمر ويونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر كلهم قالوا فيه من المسلمين وذكر أحمد بن خالد أن بعض أصحابه حدثه عن يوسف بن يعقوب القاضي عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام (أ) بهذا الحديث وقال فيه من المسلمين قال أبو عمر هذا عند أهل العلم بالحديث خطأ على أيوب لا شك فيه والمحفوظ عن أيوب فيه من رواية حماد بن زيد وإسماعيل بن علية وحماد بن سلمة وسلام بن أبي (ب) (1) مطيع وعبد الله بن شوذب وعبد الوارث بن سعيد وسفيان بن عيينة كلهم رواه عن أيوب لم يقل فيه من المسلمين عنه واحد منهم وأحمد بن خالد ثقة مأمون رضي وإنما جاء هذا من بعض أصحابه الذي حدثه والله أعلم
313

وأما عبيد الله بن عمر فلم يقل فيه من المسلمين عنه أحد فيما علمت أيضا غير سعيد بن عبد الرحمان الجمحي ورواه عن عبيد الله بن عمر يحيى بن سعيد القطان وبشر بن المفضل وعيسى بن يونس وأبو اسامة ومحمد بن عبيد الطنافسي لم يقل واحد منهم فيه عنه من المسلمين ورواه ابن جريج وابن أبي ليلى وابن أبي رواد (وغيرهم أيضا) (ج) عن نافع فلم يقولوا فيه من المسلمين فأما حديث أيوب فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد يعني ابن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير قال عبد الله فعدل الناس نصف صاع من بر بصاع من تمر قال وكان عبد الله يعطي التمر فأعوز أهل المدينة التمر عاما فأعطى الشعير وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي قالا حدثنا حماد عن أيوب
314

عن نافع عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله حرفا بحرف إلى آخره ليس فيه من المسلمين (1) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاع من تمر أو صاع من شعير قال ابن عمر فلما كان معاوية عدل الناس نصف صاع بر بصاع شعير قال نافع فكان عبد الله بن عمر يخرج زكاة الفطر عن الصغير من أهله والكبير والحر والعبد قال أبو عمر هكذا قال ابن عيينة عن أيوب في الحديث قال ابن عمر فلما كان معاوية وقال ابن أبي رواد فيه عن نافع فلما كان عمر ويأتي ذلك في هذا الباب إن شاء الله وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال (أخبرنا) (أ) عمران بن موسى عن عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة رمضان على الحر والعبد والذكر والأنثى صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس
315

به نصف صاع من بر (1) وكل من رواه عن أيوب لم يقل فيه من المسلمين إلا ما ذكره أحمد بن خالد فالله أعلم ممن جاء الوهم في ذلك وأما حديث عبيد الله بن عمر فحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قالا حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سعيد وبشر بن المفضل قالا حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فرض صدقة الفطر صاعا من شعير أو تمر على الصغير والكبير والحر والمملوك زاد بشر (2) والذكر والأنثى قال أبو داود وهو صحيح في حديث أيوب وعبيد الله الذكر والأنثى (3) قال أبو عمر قد سقط لقوم عن أيوب ولقوم عن عبيد الله في هذا الحديث الذكر والأنثى ولكن من حفظ حجة على من لم يحفظ أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحق بن إبراهيم قال أخبرنا عيسى بن يونس قال
316

حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد صاعا من تمر أو صاعا من شعير (1) أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن أبي العنبس قال حدثنا محمد بن عبيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد صغير أو كبير وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الهيثم بن خالد الجهني قال حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة قال حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن عبد الله بن عمر قال كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب قال عبد الله فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء (2) قال أبو عمر لم يقل أحد من أصحاب نافع عنه في هذا الحديث فيما علمت أو سلت أو زبيب إلا عبد العزيز بن أبي رواد وقال فيه فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل
317

نصف صاع مكان تلك الأشياء وابن عيينة يقول فيه فلما كان معاوية وقول ابن عيينة عندي أولى والله أعلم لأنه أحفظ وأثبت من ابن أبي رواد وأما من ذكر في هذا الحديث
من المسلمين كما قال مالك فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا يحيى بن أيوب البغدادي قال حدثنا سعيد بن عبد الرحمان الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قالا (أ) أخبرنا يحيى بن محمد بن السكن قال حدثنا محمد بن جهضم قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمر بن (ب) نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير
318

والكبير من المسلمين فأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة قال أبو داود رواه عبد الله العمري عن نافع فقال فيه على كل مسلم ورواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله عن نافع فقال فيه من المسلمين قال والمشهور عن عبيد الله ليس فيه من المسلمين (1) وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا أبو جعفر الطحاوي أحمد بن محمد بن سلمة بن سلامة الأزدي قال حدثنا فهد بن سليمان وطاهر بن عمرو بن الربيع بن طارق الهلالي قالا (أ) حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق قال أخبرني يحيى بن أيوب عن يونس بن يزيد عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث مالك سواء وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم وعبد الله بن محمد بن علي ومحمد بن يحيى بن عبد العزيز ومحمد بن محمد بن أبي دليم قالوا حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكر عن الليث عن كثير
319

ابن (1) فرقد (أ) عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال زكاة الفطر على كل حر وعبد من المسلمين صاع من تمر أو صاع من شعير وأما رواية قتيبة بن سعيد لهذا الحديث عن مالك فحدثنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن المفضل الخفاف قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي وحدثنا محمد بن إبراهيم بن سميد قال حدثنا محمد بن معاوية وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا الحسن بن الخضر الأسيوطي قالا حدثنا أحمد بن شعيب قالا جميعا أخبرنا قتيبة بن سعيد قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير (2) زاد أحمد بن شعيب في حديثه قال فعدل الناس إلى نصف صاع بر (3) وزاد جعفر بن محمد في حديثه قال وكان ابن عمر يخرج عن غلمان له وهم غيب هكذا روى هذا الحديث قتيبة عن مالك لم يقل
320

فيه من المسلمين وزاد عنه ألفاظا لم يذكرها غيره عنه في الموطأ من قول ابن عمر وفعله وأظنه خلط عليه حديث مالك بحديث غيره والله أعلم والمحفوظ فيه عن مالك من المسلمين وفي هذا الحديث من الفقه معان اختلفت العلماء في بعضها وأجمعوا على بعضها فأول ذلك أنهم اختلفوا في زكاة الفطر هل هي فرض واجب أو سنة مؤكدة أو فعل خير مندوب إليه فجمهور العلماء وجماعة الفقهاء على أنها فرض واجب فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عمر وقال قائلون هي سنة مؤكدة ولا ينبغي تركها وقال بعضهم هي فعل خير وقد كانت واجبة ثم نسخت روي هذا (القول) (أ) عن قيس بن سعد (ب) (1) أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك وأخبرنا أحمد بن محمد قال أخبرنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا أبو
321

كريب قالا حدثنا وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهل عن القاسم بن مخيمرة عن أبي عمار الهمداني عن قيس بن سعد قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن القاسم بن مخيمرة عن عمرو بن شرحبيل عن قيس بن سعد بن عبادة قال كنا نصوم عاشوراء ونؤدي صدقة الفطر فلما نزل رمضان ونزلت الزكاة لم نؤمر به ولم ننه عنه ونحن نفعله (1) قال أبو جعفر الطبري أجمع العلماء جميعا لا اختلاف (أ) بينهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر ثم اختلفوا في نسخها فقال قيس بن سعد بن عبادة كان النبي عليه السلام يأمرنا بها قبل نزول الزكاة فلما نزلت آية الزكاة لم يأمرنا بها ولم ينهنا عنها ونحن نفعله قال وقال حل أهل
322

العلم هي فرض لم ينسخها شيء قال وهو قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور قال الطبري حدثنا بقول مالك يونس عن أشهب عن مالك قال هي فرض وفي سماع زياد بن عبد الرحمن من مالك قال مالك سئل عن تفسير قول الله عز وجل * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * 1 هي التي قرنت بالصلاة قال فسمعته يقول هي زكاة الأموال كلها من الذهب والورق والثمار والحبوب والمواشي وزكاة الفطر وتلا * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * 2 وذكر أبو التمام قال قال مالك زكاة الفطر واجبة وبه قال أهل العلم كلهم إلا بعض أهل العراق فإنه قال سنة مؤكدة قال أبو عمر اختلف المتأخرون من أصحاب مالك في هذه المسألة فقال بعضهم هي سنة مؤكدة وقال بعضهم هي فرض واجب وممن ذهب إلى مذاهبهم أصبغ بن الفرج وكذلك اختلف أصحاب داود بن علي فيها أيضا على قولين أحدهما أنها فرض واجب والآخر أنها سنة مؤكدة وسائر العلماء على أنها واجبة وأما قول ابن عمر في هذا الحديث فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر (وقد قاله ابن عباس وأبو سعيد الخدري وقد ذكرنا حديث أبي سعيد فيما سلف من كتابنا
323

من باب زيد بن أسلم) (أ) فإنه يحتمل وجهين أحدهما وهو الأظهر فرض بمعنى أوجب والآخر فرض بمعنى قدر من المقدار كما تقول فرض القاضي نفقة اليتيم أي قدرها وعرف مقدارها (ب) والذي أذهب إليه أن لا يزال قوله فرض على معنى الإيجاب إلا بدليل الإجماع وذلك معدوم في هذا الموضع وقد فهم المسلمون من قوله عز وجل * (فريضة من الله) * 1 ونحو ذلك أنه شيء (ج) أوجبه وقدره وقضى به وقال الجميع للشيء الذي أوجبه الله هذا فرض وما أوجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله أوجبه وقد فرض الله طاعته وحذر عن مخالفته ففرض الله وفرض رسوله سواء إلا أن يقوم الدليل على الفرق بين شيء من ذلك فيسلم حينئذ للدليل
الذي لا مدفع فيه (د) وبالله التوفيق والقول بوجوبها من جهة اتباع سبيل المؤمنين واجب أيضا لأن القول بأنها غير واجبة شذوذ أو ضرب من الشذوذ ولعل جاهلا أن يقول إن زكاة الفطر لو كانت فريضة لكفر من قال إنها ليست بفرض كما لو قال في زكاة المال المفروضة أو في الصلاة المفروضة إنها ليست بفرض كفر فالجواب عن هذا ومثله أن ما ثبت فرضه من جهة الإجماع الذي يقطع العذر كفر دافعه
324

لأنه لا عذر له (فيه) (أ) وكل فرض ثبت بدليل لم يكفر صاحبه ولكنه يجهل ويخطأ فإن تمادى بعد البيان (له) (ب) هجر وإن لم يبن (ج) له عذر بالتأويل ألا ترى أنه قد قام الدليل الواضح على تحريم المسكر ولسنا نكفر من قال بتحليله وقد قام الدليل على تحريم نكاح المتعة ونكاح السر والصلاة بغير قراءة وبيع الدرهم بالدرهمين يدا بيد إلى أشياء يطول ذكرها من فرائض الصلاة والزكاة والحج وسائر الأحكام ولسنا نكفر من قال بتحليل شيء من ذلك لأن الدليل في ذلك يوجب العمل ولا يقطع العذر والأمر في هذا واضح لمن فهم وقد ذكر أبو داود وغيره من حديث عكرمة عن ابن عباس قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة (د) للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات (1) قال أبو عمر (أما قول ابن عباس) (ه) في هذا الحديث فمن أداها قبل الصلاة فقد روي مثله عن ابن عمر أيضا رواه موسى
325

ابن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل أن يخرج الناس إلى الصلاة قال وكان عبد الله بن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين واختلف الفقهاء في الوقت الذي بإدراكه تجب زكاة الفطر على مدركه (أ) فذكر أبو التمام قال تجب زكاة الفطر عند مالك بإدراك أول جزء من يوم الفطر في إحدى الروايتين عنه قال وقال العراقي تجب بآخر جزء من ليلة الفطر وأول جزء من يوم الفطر قال وقال الشافعي لا تجب حتى يدرك جزءا من آخر نهار رمضان وجزءا من ليلة الفطر قال أبو عمر أما نصوص أقوالهم في الوقت الذي تجب فيه زكاة الفطر فقال مالك في رواية ابن القاسم وابن وهب وغيرهما عنه تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر وذكروا عنه مسائل إن لم تكن على الاستحباب فهي تناقض على أصله هذا منها أنهم رووا عنه في المولود يولد ضحى يوم الفطر أنه يخرج عنه أبوه زكاة الفطر رواه أشهب وغيره عنه وقال ابن وهب عنه لو أدى زكاة الفطر صبيحة يوم الفطر ثم ولد له في ذلك اليوم مولود أو اشترى عبدا رأيت أن يخرج عن المولود والعبد زكاة الفطر قال وهو في الولد أبين قال ومن أسلم
326

يوم الفطر فعليه صدقة الفطر واختلف قوله في العبد يباع يوم الفطر فقال مرة يزكي عنه المبتاع ثم قال بل البائع واختاره ابن القاسم ولم يختلف قوله أن من ولد له مولود بعد يوم الفطر أنه لا يلزمه (أ) فيه شيء وهذا إجماع منه ومن سائر العلماء وقال الليث إذا ولد المولود بعد صلاة الفطر فعلى أبيه عنه زكاة الفطر قال وأحب ذلك للنصراني يسلم ذلك الوقت ولا أراه واجبا عليه وأما أبو حنيفة وأصحابه فلم يختلف قولهم إنها تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر وهو قول الطبري فكل من كان عنده ممن (ب) يلزمه عنه زكاة الفطر قبل طلوع الفجر من ذلك اليوم فقد وجبت عليه الزكاة عنه ومن جاء بعد طلوع الفجر فلا شيء عليه وقال الشافعي إنما تجب زكاة الفطر عمن كان عنده وكان حيا في شيء من اليوم الآخر من رمضان وغابت عليه الشمس من ليلة شوال فإن ولد له أو ملك عبدا بعد غروب الشمس من ليلة الفطر فلا زكاة في شيء من ذلك وكذلك روى أشهب عن مالك أن زكاة الفطر تجب بغروب الشمس ليلة الفطر وقال الليث في هذه المسألة نحو قول مالك في رواية ابن القاسم على ما تقدم وقال الأوزاعي من أدرك ليلة الفطر فعليه زكاة الفطر وقد كان الشافعي يقول ببغداد إنما تجب زكاة الفطر بطلوع الفجر من يوم الفطر ثم رجع إلى ما
327

ذكرنا عنه بمصر ومثل قوله البغدادي قال أبو ثور وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه بقوله المصري سواء وقال بعض أهل العلم تجب زكاة الفطر في المولود والعبد وغيرهم إلى أن تصلي صلاة العيد فمن ولد له أو كسب مملوكا بعد ذلك في ذلك اليوم فلا شيء عليه فيه واختلف الفقهاء أيضا في وجوبها على الفقراء فروى ابن وهب عن مالك أنه قال في رجل له عبد لا يملك غيره قال عليه فيه زكاة الفطر قال مالك والذي ليس له إلا معيشة خمسة عشر يوما أو نحوها والشهر ونحوه عليه زكاة الفطر (قال مالك) (أ) وإنما هي زكاة الأبدان وروى عنه أشهب أن زكاة الفطر لا تجب على من ليس عنده وروي عن مالك أيضا أن عليه صدقة الفطر وإن كان محتاجا وروي عنه أنه من كان له أن يأخذ صدقة الفطر فليس عليه أن يؤدي عن نفسه وذكر أبو التمام قال مالك زكاة الفطر واجبة على الفقير الذي يفضل عن قوته صاع كوجوبها على الغني قال وبه قال الشافعي قال أبو عمر وذكر الطحاوي قال أبو حنيفة وأصحابه لا تجب زكاة الفطر على من يحل له أخذ الصدقة المفروضة ويحل عندهم أخذها لمن ليس له مائتا درهم على ما ذكرنا عنهم فيما سلف من كتابنا هذا فلا تلزم زكاة الفطر عندهم إلا على
328

من ملك مائتي درهم فصاعدا وقال الشافعي من ملك (أ) قوته وقوت من يمونه يومه ذلك وما يؤدي به عنه وعنهم زكاة الفطر أداها عنه وعنهم فإن لم يكن عنده بعد قوت اليوم إلا ما يؤدي عن بعض أدى عن بعض وإن لم يكن عنده إلا قوت يوم دون فضل فلا شيء عليه وهو قول الطبري (ب) قال عبيد الله بن الحسن إذا أصاب فضلا عن غدائه وعشائه فعليه أن يأخذ ويعطي صدقة الفطر وقال ابن علية زكاة الفطر واجبة على كل من كان (ج) عنده فضل عن نفسه وعمن يمون من أهله قال وهي واجبة (د) على الأطفال والكبار من العبيد والأحرار قال وهي واجبة (ه) على الرجل في كل من يمون من عياله وعبيده وقد روي من حديث الزهري عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاع من بر بين اثنين أو صاع من تمر أو شعير على كل رأس صغيرا كان أو كبيرا غنيا كان أو فقيرا حرا أو عبدا فأما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى (1) وليس دون الزهري
329

في هذا الحديث من تقوم به حجة واختلف عليه (أ) فيه أيضا وأجمعوا أن الأعراب وأهل البادية في زكاة الفطر كأهل الحضر سواء إلا الليث بن سعيد فإنه قال ليس على أهل العمود أصحاب المظال والخصوص زكاة الفطر وهذا مما انفرد به من بين هؤلاء الفقهاء إلا أنه قد روي مثل قوله عن عطاء والزهري وربيعة قال أبو عمر هؤلاء في الصيام كسائر المسلمين (ب) فكذلك يجب أن يكونوا في زكاة الفطر كسائر المسلمين واختلفوا في زوجة الرجل هل تزكي عن نفسها أو يزكي عنها زوجها فقال مالك
والشافعي والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور على زوجها أن يخرج زكاة الفطر عنها كما يخرجها عن نفسه وهي واجبة عليه عنها وعن (ج) كل من يمون ممن تلزمه نفقته وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه ليس على الزوج أن يطعم عن زوجته ولا عن خادمها وعليها أن تطعم زكاة الفطر عن نفسها وعن خادمها قالوا وليس على الرجل أن يؤدي عن أحد إلا عن ولده الصغير وعبيده لا غير وحجتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر على
330

الذكر والأنثى والصغير والكبير والحر والعبد (أ) فالعبد لا يملك عندهم وقد ناقضوا فيه وفي الصغير وقال داود هي على الحر والعبد والصغير والكبير ولا يؤديها حر عن عبد ولا كبير عن صغير قال مالك من لا بد له أن ينفق عليه (ب) لزمته عنه صدقة الفطر إن (ج) كان العبد مسلما وقال الشافعي من أجبرناه على نفقته من ولده الصغار والكبار ألزمني الفقراء وآبائه وأمهاته الزمنى الفقراء وزوجته وخادم واحد لها فإن كان لها أكثر من خادم لم يلزمه أن يزكي عنهم ولزمها أن تؤدي زكاة الفطر عمن بقي من رقيقها وقول مالك وأصحابه في هذا الباب نحو قول الشافعي ذكر أبو الفرج أن مذهب مالك في صدقة الفطر أنها تلزم الإنسان عن جميع من تلزمه نفقته من ولد ووالد وزوجة وخادمها وتلزمه في عبيده المسلمين (د) وكذلك المدبر والمكاتب وأم الولد والمرهون والمخدم والمبيع بيعا فاسدا قال أبو عمر أما قوله من تلزمه نفقته فإنه أراد من يجبر على (ه) نفقته بقضاء قاض من غير أن يكون أجيرا وأصلهم
331

في ذلك أنها تجب عليك عمن تلزمك نفقته بنسب كالأبناء الفقراء أو الآباء الفقراء وبنكاح وهن الزوجات أو ملك رق وهم العبيد وقد ذكر ابن عبد الحكم عن مالك قولا ليس عليه في عبيد عبيده ولا في أجيره ولا في رقيق امرأته إلا من كان منهم (أ) يخدمه لا بد له منه وإنما يلزمه من ذلك واحد منهم لأنه الذي تلزمه نفقته وهذا قوله في الموطأ سواء فقد نص (ب) في الأجير أنه لا تلزم عنه (ج) صدقة الفطر وذكر ابن وهب عن الليث أنه أخبره عن يحيى بن سعيد سمعه يقول يؤدي الرجل عن أهله ورقيقه ولا يؤدي عن الأجير ولكن الأجير المسلم يؤدي عن نفسه قال وأخبرني يونس عن ربيعة أنه قال في زكاة الفطر أنا أخرجها عن نفسي وعن (د) ولدي وخادمي ولا أخرجها عمن يتبعني وإن كان معي وقال الليث إذا كانت إجارة الأجير معلومة فليس عليه أن يؤدي عنه وإن كانت يده مع يديه أدى عنه واختلفوا في العبد الكافر والغائب المسلم فقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور ليس على أحد أن يؤدي عن عبده الكافر صدقة الفطر وإنما هي على من صام وصلى وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم في
332

حديث ابن عمر هذا من المسلمين فدل على أن الكفر (أ) بخلاف ذلك وقال الثوري وسائر الكوفيين عليه أن يؤدي زكاة الفطر عن عبده الكافر وهو قول عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والنخعي وروي ذلك عن أبي هريرة وابن عمر واحتج الطحاوي لأبي حنيفة في إيجاب زكاة الفطر عن العبد الكافر بأن قال قوله عليه السلام من المسلمين يعني من (ب) يلزمه إخراج الزكاة عن نفسه وعن غيره ولا يكون إلا مسلما وأما العبد فلم يدخل في هذا الحديث لأنه لا يملك شيئا ولا يفرض عليه شيء وإنما أريد بالحديث مالك العبد وأما العبد فلا يلزمه في نفسه زكاة الفطر وإنما تلزم مولاه المسلم عنه ألا ترى إلى إجماع العلماء في العبد يعتق قبل أن يؤدي عنه مولاه زكاة الفطر إنه لا يلزمه إذا ملك بعد ذلك مالا إخراجها عن نفسه كما يلزمه إخراج كفارة ما حنث فيه من الأيمان وهو عبد وأنه (ج) لا يكفرها بصيام ولو لزمته صدقة الفطر لأداها عن نفسه بعد عتقه قال أبو عمر قوله عليه السلام من المسلمين يقضي لمالك والشافعي وهو النظر أيضا لأنه طهرة (د) للمسلمين وتزكية
333

وهذا سبيل الواجبات من الصدقات والكافر لا يتزكى فلا وجه لأدائها عنه وقال أبو ثور يؤدي العبد عن نفسه إن كان له مال وهو قول داود وقال مالك يؤدي زكاة الفطر عن مكاتبه وحجته ما روي عن النبي عليه السلام وعن جماعة من الصحابة (أ) المكاتب عبد ما بقي عليه شيء وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم لا زكاة عليه في مكاتبه لأنه لا ينفق عليه وهو منفرد فكسبه دون المولى وجائز له أخذ الصدقة قال أبو عمر كان ابن عمر يؤدي عن مملوكيه الغيب والحضور ولا يؤدي عن مكاتبيه ولا مخالف له من الصحابة وقال مالك يؤدي الرجل زكاة الفطر عن مملوكيه ورقيقه كلهم من كان منهم لتجارة أو لغير (ب) تجارة رهنا أو غير رهن إذا كان مسلما ومن غاب منهم أو أبق فرجا رجعته وحياته زكى عنه وإن كان إباقه قد طال وأيس منه فلا أرى أن يزكي عنه قال وليس له أن يؤدي عن عبيد عبيده وقال الشافعي عليه زكاة الفطر في رقيقه المسلمين كلهم الحضور والغيب الإباق وغيرهم لتجارة أو لغير تجارة وكذلك العبد المرهون رجا رجعة الغائب منهم أو لم (ج) يرجها إذا عرف حياتهم لأن كلا في ملكه فعليه
334

الزكاة (عنه) (أ) حتى يستيقن موته (ب) قال ويزكي عن عبيد عبيده وعبيد عبيد عبيده لأنهم كلهم عبيده ولا يؤدي عن المكاتب ولا على المكاتب أن يؤدي عن نفسه إلا أن تكون الكتابة فاسدة فيؤدي عنه السيد قال الشافعي ومن ملك بعض عبد زكى عن نصيبه منه وقال أبو حنيفة يؤدي زكاة الفطر عن عبيده وعبيد عبيده لأنهم عبيده كفارا كانوا أو مسلمين ولا يؤدي عن مكاتبه واختلف قوله في الصدقة عن الآبق ولم يختلف قوله أن العبد المغصوب ليس على سيده فيه صدقة ومال أبو ثور إلى هذا القول وعند الشافعي عليه فيه الصدقة إن كان مسلما حتى يستيقن موته لأنه على ملكه وسيأتي تمام القول في صدقة الفطر عن العبد المعتق بعضه وغيره من العبيد في باب عبد الله بن دينار من كتابنا هذا إن شاء الله وأما الحر الصغير الملئ فإن مالكا والشافعي وأبا حنيفة وأبا يوسف والليث بن سعيد قالوا يؤدي عنه أبوه من ماله وإن تطوع عنه أبوه من مال نفسه فحسن وقال الثوري وزفر ومحمد بن الحسن يؤدي عنه الأب من مال نفسه قال محمد بن الحسن فإن أداها من مال الصغير ضمن قال ولا
335

يجب في مال الصغير صدقة يتيما كان أو غير يتيم وقال مالك والشافعي وأبو ثور والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف يؤدي الوصي عن اليتيم صدقة الفطر وقال أبو ثور وداود الزكاة على الصغير والكبير في أموالهم لا يؤديها أحد عنهم والعبيد عندهما مالكون وصدقة الفطر عليهم واجبة على أنفسهم قال أبو عمر تلخيص وجوه هذه المسائل يطول وفيما ذكرنا غنى وكفاية فهذا تمهيد القول في وجوب زكاة الفطر وعلى من تجب ومتى تجب وقد مضى القول في مكيلة زكاة الفطر مستوعبا في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا فلا وجه لإعادته ههنا وبالله التوفيق
336

حديث موفي أربعين لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له (1) وقد (أ) مضى تفسير قوله فإن غم عليكم في باب ثور بن زيد (2) ومضى هناك كثير من معاني هذا الباب ممالا يعاد ههنا وهكذا روى هذا الحديث جماعة أصحاب نافع عن نافع عن ابن عمر قالوا فيه فإن غم عليكم فاقدروا له وكذلك رواه سالم عن ابن عمر عن النبي عليه السلام فإن غم عليكم فاقدروا له وكذلك رواه مالك عن عبد الله بن دينار وسنذكره في بابه إن شاء الله
337

وذكر الشافعي هذا الحديث فقال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة (أ) ثلاثين لم يقل فاقدروا له والمحفوظ في حديث ابن عمر فاقدروا له وقد ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهلال شهر رمضان إذا رأيتموه فصوموا ثم إذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين يوما (1) قال عبد الرزاق (ب) وأخبرنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر (ج) قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جعل الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا (د) ثلاثين (2) فهذا ما في حديث ابن عمر وروى ابن عباس وأبو هريرة وحذيفة
338

وأبو بكرة وطلق الحنفي وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدد ثلاثين بمعنى واحد وقد ذكرنا حديث ابن عباس فيما سلف من كتابنا (هذا) (أ) في باب ثور بن زيد (1) وأما حديث أبي هريرة فروي عنه من وجوه من حديث سعيد بن المسيب وأبي سلمة والأعرج ومحمد بن زياد وغيرهم وهي ثابتة وسائر الطرق في هذا الحديث كلها حسان عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر مالك في موطئه حديث ابن عمر هذا وأردفه بحديث ابن عباس (2) فكأنه والله أعلم ذهب إلى أن معنى حديث ابن عمر في قوله فاقدروا له أن يكمل شعبان ثلاثين يوما إذا غم الهلال على ما قال ابن عباس وعلى هذا المذهب جمهور (ب) أهل العلم أن لا يصام رمضان إلا بيقين من خروج شعبان واليقين في ذلك رؤية الهلال (ج) أو بإكمال شعبان ثلاثين يوما وكذلك لا يقضي بخروج رمضان إلا بمثل ذلك أيضا من اليقين وهذا أصل مستعمل عند أهل العلم أن لا تزول عن أصل أنت عليه إلا بيقين مثله وأن لا يترك اليقين
339

بالشك قال الله عز وجل * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * 1 يريد والله أعلم من علم منكم بدخول الشهر والعلم في ذلك ينقسم قسمين أحدهما ضروري والآخر غلبة ظن فالضروري أن يرى الإنسان الهلال بعينه في جماعة كان أو وحده أو يستفيض الخبر عنده حتى يبلغ إلى حد يوجب العلم أو يتم شعبان ثلاثين يوما فهذا كله يقين بعلم ضرورة ولا يمكن للمرء أن يشكك في ذلك نفسه وأما غلبة الظن فأن يشهد بذلك شاهدان عدلان وهذا معنى قول الله عز وجل * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم فإن غم عليكم فاقدروا له عند أكثر (أ) أهل العلم أن لا يصام رمضان ولا يفطر منه إلا برؤية صحيحة أو إكمال شعبان ثلاثين يوما وإنما وجب أن يكون ذلك عند العلماء كذلك لأن الشهر معلوم أنه قد يكون تسعة وعشرين يوما ويكون (ب) ثلاثين يوما هذا مما يعلم (ج) عيانا واضطرارا وقد قال صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة (د) والشهر
340

هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين يوما وقد ذكرنا هذا الخبر ومثله في باب عبد الله بن دينار عند قوله صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون وذكرنا في باب ثور بن زيد خبر ابن مسعود لما صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا معه ثلاثين (2) فلما كان معلوما أن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وقد يكون ثلاثين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن غم عليكم فاقدروا له يريد والله أعلم بأن يكملوا العدة ثلاثين يوما أو يرى الهلال قبل ذلك لتسع وعشرين وهكذا رواه أبو هريرة وابن عباس وحذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروايتهم تفسير (أ) حديث ابن عمر في قوله فاقدروا له فواجب (ب) أن لا يصام يوم الشك على أنه من رمضان وأن لا يقضى بدخول شهر إلا بيقين رؤيته أو تمام عدده وأما ابن عمر فله مذهب ذهب إليه (ج) وتأوله في معنى ما رواه من قوله صلى الله عليه وسلم فاقدروا له وأكثر أهل العلم في ذلك على خلافه وسنذكر مذهبه في ذلك عنه ونذكر من تابعه عليه بعد في هذا الباب إن شاء الله وقال أهل اللغة فاقدروا له كقوله قدروا له يقال قدرت الشيء وقدرته وأقدرته
341

قال أبو عمر أما صوم يوم الشك تطوعا (أ) فقد مضى القول فيه في باب ثور بن زيد وأما صومه على أن (ب) يكون من رمضان إن ظهر الهلال خوفا أن يكون من رمضان وهل يجزئ ذلك إن ثبت أنه من رمضان أم لا فقد اختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيرا فجملة قول مالك وأصحابه في ذلك أن يوم الشك لا يصام على الاحتياط خوفا أن يكون من رمضان ويجوز صومه تطوعا ومن صامه تطوعا أو احتياطا ثم ثبت أنه من رمضان لم يجزه وكان عليه قضاؤه وإن أصبح فيه ينوي الفطر ولم يأكل أو أكل ثم صح أنه من رمضان كف عن الأكل في بقية يومه وقضاه وإن أكل بعد علمه بذلك لم يكن عليه كفارة إلا أن يقصد لانتهاك من حرمة اليوم عالما بما في ذلك من الإثم فيكفر حينئذ إن كان لم يأكل فيه شيئا حتى ورد أنه من رمضان ثم أكل متعمدا منتهكا لحرمة الشهر وقد مضى القول فيما يجب على من أفطر عامدا في رمضان بأكل أو غيره بأتم ما يكون في باب ابن شهاب عن ملك عن حميد بن عبد الرحمن (1) والحمد لله ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا داود بن قيس قال سألت القاسم بن محمد عن صيام اليوم الذي يشك فيه من رمضان فقال إذا كان مغيما يتحرى أنه من رمضان فلا يصمه (2) وقال الوليد
342

ابن مزيد (1) (أ) قلت للأوزاعي إن صام رجل آخر يوم من شعبان تطوعا أو خوفا أن يكون من رمضان ثم صح أنه من رمضان أجزئه قال نعم وقد وفق لصومه وقال الحسن بن حي أكره صوم يوم الشك فإن صامه أحد على ذلك فعليه القضاء إن ثبت أنه من رمضان وقال ابن علية لا ينبغي لأحد أن يتقدم رمضان بصوم فإن فعل ثم صح أنه من رمضان أجزأ عنه وقال الثوري إذا أصبح الرجل في اليوم الذي يشك فيه ولم ينو الصوم ثم بلغه أنه من رمضان قال يتم صومه ويقضي يوما مكانه قال فإن (ب) أصبح في ذلك اليوم وهو ينوي الصوم وقال انظر فإن كان من رمضان صمت وإلا لم أصم فأصبح على ذلك فعلم أنه من رمضان قال يجزئه إذا نوى ذلك من الليل
وقال ربيعة بن عبد الرحمن وحماد بن أبي سليمان وابن أبي ليلى من صام يوم الشك على أنه من رمضان لم يجزه وعليه الإعادة وروي عن عمر وعلي وابن مسعود وحذيفة وعمار وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك النهي عن صيام يوم الشك مطلقا (ج) وروي أيضا مثل ذلك عن سعيد بن المسيب وأبي وائل والشعبي والنخعي وعكرمة وابن سيرين وذكر عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن حبيب بن الشهيد قال
343

سمعت محمد بن سيرين يقول لأن أفطر يوما من رمضان لا أتعمده أحب إلي من أن أصوم اليوم الذي يشك فيه من شعبان (1) وقال ابن سيرين خرجت في اليوم الذي يشك فيه فلم أدخل على أحد يؤخذ عنه العلم إلا وجدته يأكل إلا رجلا كان يحسب ويأخذ بالحساب ولو لم يعلم ذلك (أ) كان خيرا له وقال مالك كان أهل العلم ينهون عن صيامه وقال الشافعي لا يجب صوم رمضان حتى يستيقن بدخوله ولا يصام يوم الشك على أنه من رمضان وقال (ب) الشافعي لو (ج) أصبح يوم الشك لا ينوي الصوم ولم يأكل ولم يشرب حتى علم أنه من شهر رمضان فأتم صومه رأيت أن عليه إعادة صوم ذلك اليوم وسواء كان ذلك قبل الزوال أو بعده إذا أصبح لا ينوي (صيامه من شهر رمضان قال وكذلك لو أصبح ينوي) (د) صومه متطوعا لم يجزه من رمضان ولا أرى رمضان يجزئه إلا بإرادته والله أعلم قال ولا فرق عندي بين الصوم والصلاة (ه) في هذا المعنى وقال أبو حينفة وأبو يوسف ومحمد لو أن رجلا أصبح صائما في أول يوم من شهر رمضان ولا ينوي أنه من شهر رمضان (و) وينوي (ز) بصيامه التطوع ثم علم بعد
344

ذلك أن يومه (أ) ذلك من رمضان فإنه (ب) يجزء عنه صيامه وليس عليه قضاء ذلك اليوم وقالوا لو أن رجلا أصبح ينوي الفطر في أول يوم من شهر رمضان وهو لا يعلم أنه من رمضان ويظن (ج) أنه من شعبان فاستبان له قبل انتصاف النهار أنه من رمضان فإنه يجزئ عنه إن لم يكن أكل أو شرب قبل أن يستبين له وقالوا إن علم أن ذلك اليوم من رمضان بعدما انتصف النهار فإنه يصوم بقية يومه وعليه قضاء ذلك اليوم قالوا ولو كان هذا الصيام قضاء من رمضان أو من صيام كان عليه فإنه لا يجزئه لأنه قد أصبح مفطرا قالوا ويجزئه أن يتطوع به ولا يجزئه من شيء واجب عليه قال (د) أبو ثور لو أن رجلا أصبح ينوي الفطر في أول يوم من شهر رمضان وهو لا يعلم أنه من رمضان ويرى أنه من شعبان فاستبان له أنه من شهر رمضان قبل أن ينتصف النهار لم يجزه عن شهر رمضان وكان عليه قضاء ذلك اليوم قال ولو نوى بصوم ذلك اليوم التطوع وهو لا يعلم أنه من رمضان لم يجزه أيضا وكان عليه قضاؤه قال أبو عمر أما من ذهب إلى إبطال (صوم) (ه) من عقد نيته على تطوع عن الواجب أو صام يوم الشك على غير يقين أنه من رمضان فالحجة له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
345

الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى (1) وقد صح أن التطوع غير الفرض فمحال أن ينوي التطوع ويجزئه عن الفرض ومن جهة النظر أيضا (أ) فرض رمضان قد صح بيقين فلا يجوز أداؤه بشك ووجه آخر وهو أنهم قد أجمعوا على أن من صلى أربعا بعد الزوال متطوعا أو شاكا في دخول الوقت أنه لا يجزئه ذلك من صلاة الظهر فكذلك هذا (ب) والله أعلم وأما ما ذهب إليه الأوزاعي وأبو حنيفة والثوري وابن علية فحجتهم أن رمضان لا يحتاج إلى نية ولا يكون صومه تطوعا أبدا كما أن من صام شعبان ينوي به رمضان لا يكون عن رمضان ولا يكون في رمضان صوم عن غيره لأنه وقت لا تحيل فيه النية العمل قال أبو عمر قد قال بكلا القولين (ج) جماعة من التابعين وممن قال بقول الأوزاعي عطاء وعمر بن عبد العزيز ولكن القول الأول أصح وأحوط (د) من جهة الأثر والنظر إن شاء الله والله الموفق للصواب وقد ذكرنا ما للعلماء من التنازع في وجوب النية والتبييت
346

في (صيام (أ) الفرض والتطوع في باب ابن شهاب ذكر عبد الرزاق قال) أخبرنا ابن جريج قال أخبرني مزاحم قال خطب عمر بن عبد العزيز في خلافته فقال انظروا هلال رمضان فإن رأيتموه فصوموا وإن لم تروه فأكملوا ثلاثين يوما قال وأصبح الناس منهم الصائم ومنهم المفطر ولم يروا الهلال فجاءهم الخبر بأن قد ريء الهلال قال فكلم الناس عمر وبعث الحرس في العسكر من أصبح صائما فليتم صومه فقد وفق له ومن أصبح مفطرا لم يذق شيئا فليتم بقية يومه ومن كان طعم شيئا فليتم ما بقي من يومه وليقض يوما مكانه وإني لعقت لعقا من عسل فأنا صائم بقية يومي ثم أبدله بعد (1) وروي عن ابن عمر في معنى ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله فإن غم عليكم فاقدروا له شيء لم يتابعه على تأويله ذلك فيما علمت إلا طاوس وأحمد بن حنبل وروي عن أسماء بنت أبي بكر مثل ذلك وروي عن عائشة نحوه وذلك أن ابن عمر كان يقول إذا لم ير الهلال ولم يكن في السماء غيم ليلة ثلاثين من شعبان وكان صحوا أفطر الناس ولم يصوموا وإن كان في السماء غيم في تلك الليلة
347

أصبح الناس صائمين وأجزأهم من رمضان إن ثبت بعد أن الشهر تسع وعشرون وربما كان شعبان حينئذ تسعا وعشرين وروي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تصوم اليوم الذي يغمى على الناس فيه وروي عن عائشة أنها قالت لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان وأما الرواية بذلك عن ابن عمر فذكر عبد الرزاق عن معمر (أ) عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه إذا كان سحاب أصبح صائما وإن لم يكن سحاب أصبح مفطرا (1) قال وأخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه مثله (2) وقال أحمد بن حنبل صيام يوم الشك واجب وهو مجزئ (ب) من رمضان إن ثبت أنه من رمضان حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا سعيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له قال نافع فكان ابن عمر يبعث مساء ثلاثين من شعبان من ينظر
348

له الهلال فإن كان صحوا ورآه صام وإن لم يره لم يصم وإن حال بينه وبينه قتر أصبح صائما وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب (1) قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له وكان ابن عمر إذا مضى لشعبان تسع وعشرون نظر له الهلال فإن رؤي فذاك وإن لم يروا لم يحل دون منظره سحاب ولا قتر (2) أصبح مفطرا وإن حال دون منظره سحاب أو قتر (2) أصبح صائما قال وكان ابن عمر يفطر مع الناس ولا يأخذ بهذا الحساب (3) قال
أبو عمر هذا الأصل ينتقض (أ) على من أصله لأن من أغمي عليه هلال رمضان فصام على فعل ابن عمر ثم أغمي عليه هلال شوال لا يخلو (ب) أن يكون يجزئ على
349

احتياطه خوفا أن يفطر يوما من رمضان أو يترك احتياطه فإن ترك احتياطه نقض ما أصله وإن جرى على احتياطه صام واحدا وثلاثين يوما وهذا خلاف ما أمر الله به عند الجميع ولكنه وإن كان كما وصفنا فإن لأصحابنا مثله من الاحتياط كثيرا في الصلاة مثل قولهم يتمادى ويعيد ويسجد سجدتي السهو وهو خلاف ما أمر الله به من الخمس صلوات وهو يشبه مذهب ابن عمر في هذا الباب ويشبه أيضا اعمال مالك في مواضع من الطهارة والطلاق والله الموفق للصواب وقد كان بعض جلة (أ) التابعين فيما حكاه عنه محمد بن سيرين يذهب في هذا الباب إلى اعتباره بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب وذهب بعض فقهاء البصريين إلى أن معنى قوله عليه السلام فاقدروا له ارتقاب منازل القمر وهو علم كانت العرب تعرف منه قريبا من علم العجم قال أبو عمر (ب) من ذهب إلى هذا المذهب يقول في معنى قوله عليه السلام فاقدروا له إن التقدير في ذلك (يكون) (ج) إذا غم على الناس ليلة ثلاثين من شعبان بأن يعرف مستهل (ه) الهلال في شعبان في أول ليلة ويعلم أنه يمكث فيها ستة أسباع ساعة (د)
350

ثم يغيب وذلك في أدنى مفارقته الشمس ولا يزال في كل ليلة يزيد على مكثه في الليلة التي قبلها (أ) ستة أسباع ساعة فإذا كان في الليلة السابعة غاب في نصف الليل وإذا كان ليلة أربع عشرة تأخر ستة أسباع ساعة ولا يزال في كل ليلة يتأخر طلوعه عن الوقت الذي طلع فيه في الليلة التي قبلها ستة أسباع إلى أن يكون طلوعه ليلة ثمان وعشرين مع الغداة فإن لم ير صبح ثمان وعشرين علم أن الشهر ناقص وأنه من تسع وعشرين (ب) وإن ريء علم أنه تام وأن عدته ثلاثون يوما وقال (ج) وقد يتعرف أيضا بمكث (د) الهلال في ليالي النصف الأول من الشهر ومغيبه من الليل وأوقات طلوعه ليالي (ه) النصف الآخر من الشهر وتأخره عن أول الليل بضرب آخر من العلم والعمل عندهم ويتعرف أيضا من المنازل فإن الهلال إذا طلع أول ليلة من شعبان في الشرطين (1) فكان شعبان ناقصا طلع في البطين (2) ونحو هذا
351

قال أبو عمر يمكن أن يكون ما قاله هذا القائل على التقريب لأن أهل التعديل والامتحان ينكرون أن يكون هذا حقيقة ولذا لم يكن حقيقة وكانت الحقيقة عندهم فيما لم توقف الشريعة عليه ولا وردت به سنة وجب العدول عنه إلى ما سن لنا وهدينا له وفيما ذكر هذا (أ) القائل من الضيق والتنازع والاضطراب ما لا يليق أن يتعلق به أولو الألباب وهو مذهب تركه العلماء قديما وحديثا للأحاديث الثابتة عن النبي عليه السلام صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين ولم يتعلق أحد من فقهاء المسلمين فيما علمت باعتبار المنازل في ذلك وإنما هو شيء روي عن مطرف بن الشخير وليس بصحيح عنه والله أعلم ولو صح ما وجب اتباعه عليه لشذوذه ولمخالفة الحجة له وقد تأول بعض فقهاء البصرة في معنى قوله في الحديث (ب) فاقدروا له نحو ذلك والقول فيه واحد وقال ابن قتيبة في قوله فاقدروا له أي فقدروا السير والمنازل وهو قول قد ذكرنا شذوذه ومخالفة أهل العلم له وليس هذا من شأن ابن قتيبة ولا هو ممن يعرج عليه في هذا الباب وقد حكي عن الشافعي أنه قال من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه جاز له أن يعتقد الصيام
352

ويبيته ويجزئه والصحيح عنه في كتبه وعند أصحابه أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية أو شهادة عادلة لقوله صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين يوما حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس قال سمعت عائشة تقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان (أ) ولا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإن غم عليه ثلاثين يوما ثم صام (1) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا سفيان عن منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النبي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصوموا الشهر حتى تكملوا العدد أو تروا الهلال ثم صوموا ولا تفطروا حتى تكملوا العدة أو تروا الهلال وهذان الحديثان ينتجان ببطلان تأويل ابن عمر ومذهبه وكذلك آثار هذا الباب والله يوفق من يشاء للصواب
353

وقال عمار بن ياسر من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر أما الشهادة على رؤية الهلال فأجمع العلماء على أنه (أ) لا تقبل في (ب) شهادة شوال في الفطر إلا رجلان عدلان واختلفوا في هلال رمضان فقال مالك والثوري والأوزاعي والليث والحسن بن حي وعبيد الله بن الحسن وابن علية لا يقبل في هلال رمضان ولا شوال إلا شاهدا عدل رجلان وقال أبو حنيفة وأصحابه في رؤية هلال رمضان شهادة رجل واحد عدل إذا كان في السماء علة (وإن لم يكن في السماء علة) (ج) لم يقبل إلا شهادة العامة ولا يقبل في هلال شوال وذي الحجة إلا شهادة عدلين (د) يقبل مثلهما في الحقوق وإن كان في السماء علة وهو قول داود هكذا حكاه أبو جعفر الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه في كتابه الكبير في الخلاف اشترط العدالة ولم يذكر المرأة وذكر عنه في المختصر في الشهادة على هلال رمضان شاهد واحد مسلم
354

أو امرأة مسلمة لم يشترط العدالة وفي الشهادة على هلال شوال رجل وامرأتان كسائر الحقوق واختلف قول الشافعي في هذه المسألة فحكى المزني عنه أنه قال إن شهد على رؤية هلال رمضان رجل عدل (واحد) (أ) رأيت أن أقبله للأثر الذي جاء فيه والاحتياط والقياس ألا يقبل إلا شاهدان قال ولا أقبل على رؤية هلال الفطر إلا عدلين وقال في البويطي ولا يصام رمضان ولا يفطر منه بأقل من شاهدين حرين مسلمين عدلين وقال أحمد بن حنبل من رأى هلال رمضان وحده صام فإن كان عدلا صوم الناس بقوله ولا يفطر إلا بشهادة عدلين ولا يفطر إذا رآه وحده قال أبو عمر لم (ب) يختلف العلماء (ج) فيمن رأى هلال رمضان وحده فلم تقبل شهادته أنه يصوم لأنه متعبد بنفسه لا بغيره وعلى هذا أكثر العلماء لا خلاف في ذلك إلا شذوذ لا يشتغل به ومن رأى هلال شوال وحده أفطر عند الشافعي والحسن بن حي وروي عن مالك أنه لا يفطر للتهمة وهو قول أبي حنيفة والثوري أنه لا يفطر ومثله قول الليث وأحمد لا يفطر من رآه وحده واستحب الشافعي أن يخفي
355

فطره وقال مالك من رأى هلال رمضان وحده فأفطر فعليه الكفارة مع القضاء وقال أبو حنيفة لا كفارة عليه والشافعي على أصله في الأكل فإن وطئ كفر عنده وكان الشعبي والنخعي يقولان لا يصوم أحد إلا مع جماعة الناس وقال الحسن وابن سيرين يفعل الناس ما يفعل أمامهم قال أبو عمر قد أجمعوا على أن الجماعة لو أخطأت الهلال في ذي الحجة فوقفت بعرفة في اليوم العاشر إن ذلك يجزئها فكذلك الفطر والأضحى والله أعلم روى حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون (1) واختلف العلماء في الحكم إذا رأى الهلال أهل بلد دون غيره من البلدان فروي عن ابن عباس وعكرمة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله أنهم قالوا لكل أهل بلد رؤيتهم وبه قال إسحاق بن راهويه وحجة من قال هذا القول ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة (أ) قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى
356

ابن إسماعيل قال حدثنا إسماعيل بن جعفر قال أخبرني محمد بن أبي حرملة قال أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحرث بعثته إلى معاوية بالشام قال فقدمت الشام فقضيت حاجتها فاستهل رمضان وأنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال قال قلت رأيته ليلة الجمعة قال أنت رأيته قلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية قال لكن رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوما (أ) أو نراه قلت (ولا تكتفي برؤية معاوية (1) قال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) وفيه قول آخر روي عن الليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل قالوا إذا ثبت عند الناس أن أهل بلد رأوه فعليهم قضاء ما أفطروا وهو قول مالك فيما روي لابن القاسم وقد روي عن مالك وهو مذهب المدنيين من أصحابه أن الرؤية لا تلزم غير البلد الذي حصلت فيه إلا أن يحمل الإمام على ذلك وأما مع اختلاف الكلمة فلا إلا في البلد بعينه وعمله هذا معنى قولهم وقد لخصنا مذاهبهم في ذلك في الكتاب الكافي (3)
357

قال أبو عمر إلى القول الأول أذهب لأن فيه أثرا مرفوعا وهو حديث حسن تلزم به (أ) الحجة وهو قول صاحب كبير لا مخالف له (من الصحابة) (ب) وقول (ج) طائفة من فقهاء التابعين ومع هذا إن النظر يدل عليه عندي (د) لأن الناس لا يكلفون علم ما غاب عنهم في غير بلدهم ولو كلفوا ذلك لضاق عليهم (ه) أرأيت لو ريء بمكة أو بخراسان هلال رمضان أعواما بغير ما كان بالأندلس ثم ثبت ذلك (و) بزمان عند أهل الأندلس أو عند بعضهم أو عند رجل واحد منهم أكان يجب عليه قضاء ذلك وهو قد صام برؤية وأفطر برؤية أو بكمال ثلاثين يوما كما أمر ومن عمل بما يجب عليه مما أمر به فقد قضى الله عنه وقول ابن عباس عندي صحيح في هذا الباب والله الموفق للصواب قال أبو عمر قد مضى القول ممهدا في الهلال يرى قبل الزوال أو بعد الزوال في باب ثور بن زيد وأجمع العلماء على أنه إذا ثبت أن الهلال من شوال ريء بموضع استهلاله ليلا وكان ثبوت ذلك وقد مضى من النهار بعضه أن الناس يفطرون ساعة
358

جاءهم الخبر الثبت في ذلك فإن (أ) كان قبل الزوال صلوا العيد بإجماع من العلماء وأفطروا وإن كان بعد الزوال فاختلف العلماء في صلاة العيد حينئذ فقال مالك وأصحابه لا تصلى صلاة العيد في غير يوم العيد لا فطر ولا أضحى وروي مثله عن أبي حنيفة أن صلاة العيد إذا لم تصل في يوم العيد حتى تزول الشمس لم تصل بعد وقال أبو يوسف ومحمد يصلي بهم من الغد فيما بينه وبين الزوال ولو كان في الأضحى صلى بهم في اليوم الثالث وقال الثوري يخرجون في الفطر من الغد وقال الحسن بن حي لا يخرجون من الغد في الفطر ويخرجون في الأضحى وقال الليث يخرجون في الفطر والأضحى من الغد وقال الشافعي إذا لم تثبت الشهادة في الفطر إلا بعد الزوال لم تصل صلاة العيد بعد الزوال ولا من الغد إلا أن يثبت في ذلك حديث قال أبو عمر من ذهب في هذه المسألة إلى الخروج لصلاة العيد من الغد فحجته (ب) حديث أبي بشر جعفر بن أبي وحشية أن أبا عمير بن أنس حدثه قال أخبرني عمومة لي من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا أغمي علينا هلال شوال فأصبحنا صياما فجاء ركب من آخر النهار إلى النبي عليه السلام فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمر النبي
359

عليه السلام الناس (أ) بأن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد وهذا حديث لا يجيء إلا بهذا الإسناد انفرد به جعفر بن أبي وحشية أبو بشر وهو ثقة واسطي روى عنه أيوب والأعمش وشعبة وهشيم وأبو عوانة وأما أبو عمير بن أنس فيقال أنه ابن أنس بن مالك واسمه عبد الله ولم يرو عنه غير أبي بشر ومن كان هكذا فهو مجهول لا يحتج به وقد أجمع العلماء على أن صلاة العيد لا تصلى يوم العيد بعد الزوال فأحرى أن لا تصلى في يوم آخر قياسا ونظرا (ب) إلا أن يصح بخلافه خبر وبالله التوفيق
360

حديث حاد وأربعون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى (1) أجمع العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال وروي ذلك عنه صلى الله عليه وسلم من وجوه منها حديث أنس وحديث ابن عمر وحديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد الخدري وحديث عائشة واختلفوا في تأويله فقال منهم قائلون إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رفقا منه بأمته ورحمة بهم فمن قدر على الوصال فلا حرج لأنه لله عز وجل يدع طعامه وشرابه وكان عبد الله بن محمد بن يوسف أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن الحسن الأنصاري قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن سلمة (أ) عن مالك بن أنس أن عامر بن عبد الله بن الزبير كان
361

يواصل في شهر رمضان ثلاثا فقيل له ثلاثة أيام قال ومن يقوى يواصل ثلاثة أيام يومه وليله ومن حجة من ذهب هذا المذهب ما حدثناه محمد بن إبراهيم قال محمد بن معاوية وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا حمزة بن محمد قالا حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عبدة بن سليمان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة قالوا يا رسول الله إنك تواصل قال إني لست كأحد منكم يطعمني ربي ويسقيني (1) وكان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه لا يكرهان أن يواصل من سحر إلى سحر لا غير ومن حجة من ذهب إلى هذا أيضا ما حدثناه عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة بن سعيد أن بكر بن مضر حدثهم عن ابن الهادي عن عبد الله بن حباب عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر قالوا فإنك تواصل قال إني لست كهيئتكم إن لي مطعما يطعمني وساقيا يسقيني (2)
362

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة ومحمد بن الجهم قالا حدثنا روح قال حدثنا صالح قال أخبرنا ابن شهاب عن أبي سملة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال فقال رجل من المسلمين إنك يا رسول الله تواصل فقال لستم مثلي إني أبيت فيطعمني ربي ويسقيني فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر لزدتكم كالمنكل لهم وكذلك رواه شعيب بن أبي حمزة ويحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا ورواه عبد الرحمن بن نمر عن الزهري قال أخبرني سعيد وأبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره وبهذه الآثار وشبهها يحتج من ذهب إلى أن النهي عن الوصال إنما كان رحمة بهم وشفقة عليهم ورفقا وكره مالك والثوري وأبو حنيفة والشافعي وجماعة من أهل الفقه والآثار الوصال على كل حال لمن قوي عليه ولغيره ولم يجيزوا الوصال لأحد ومن حجتهم ما حدثناه محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل في رمضان فواصل الناس فنهاهم عن الوصال فقالوا إنك تواصل قال إني لست مثلكم إني أطعم
363

وأسقى فقد نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال (1) وثبت عنه عليه السلام أنه قال إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه وإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم (2) وحقيقة النهي الزجر والمنع أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا عبد الوهاب قال سئل سعيد عن الوصال فأخبرنا عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ألا) (أ) لا تواصلوا فقيل له إنك تواصل فقال إني لست كأحد منكم إن ربي يطعمني ويسقيني ومما احتج به أيضا من نهي عن الوصال على كل حال ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير ومحمد بن إسماعيل قالا حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا هشام بن عروة قال حدثني أبي قال سمعت عاصم بن عمر بن الخطاب يحدث عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم (3) قالوا ففي هذا الحديث ما يدل على أن الوصال للنبي
364

صلى الله عليه وسلم خصوص وأن الواصل لا ينتفع بوصاله لأن الليل ليس بموضع للصيام بدليل هذا الحديث وشبهه وقد روي عن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي عليه السلام مثله وقال الله عز وجل * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * 1 وإلى هنا غاية لا تتجاوز هذا ما نزع به من احتج لمذهبنا في ذلك وفي المسألة عندي نظر ولا أحب لأحد أن يواصل وبالله التوفيق
365

حديث ثان وأربعون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب وهو يحلف بأبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (1) هكذا رواه مالك وغيره عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام معنى واحد وكذلك رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر وزاد قال عمر فوالله ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا وفي هذا الحديث من الفقه أنه لا يجوز الحلف بغير الله عز وجل في شيء من الأشياء ولا على حال من الأحوال وهذا أمر مجتمع عليه وقد روى سعيد بن عبيدة عن ابن عمر فيه حديثا شديدا أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من حلف بغير الله فقد أشرك ذكره أبو داود وغيره (2)
366

وروى محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة فذكره (1) والحلف بالمخلوقات كلها في حكم الحلف بالآباء لا يجوز شيء من ذلك فإن احتج محتج بحديث يروى عن إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل نافع بن مالك بن ابن أبي عامر عن أبيه عن طلحة بن عبيد الله في قصة الأعرابي النجدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفلح وأبيه إن صدق قيل له هذه لفظة غير محفوظة في هذا الحديث من حديث من يحتج به وقد روى هذا الحديث مالك وغيره عن أبي سهيل لم يقولوا ذلك فيه وقد روي عن إسماعيل بن جعفر هذا الحديث وفيه أفلح والله إن صدق أو دخل الجنة والله إن صدق وهذا أولى من رواية من روى وأبيه (2) لأنها لفظة منكرة تردها الآثار الصحاح وبالله التوفيق قال أبو عمر أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز الحلف بها لأحد واختلفوا في الكفارة
367

هل تجب على من حلف بغير الله فحنث فأوجبها بعضهم في أشياء يطول ذكرها وأبى بعضهم من إيجاب الكفارة على من حنث في يمينه بغير الله وهو الصواب عندنا والحمد لله وأما الحلف بالطلاق والعتق فليس بيمين عند (أهل) (أ) التحصيل والنظر وإنما هو طلاق بصفة أو عتق بصفة إذا أوقعه موقع وقع على حسبما يجب في ذلك عند العلماء كل على أصله وقول المتقدمين الإيمان بالطلاق والعتق إنما هو كلام خرج على الاتساع والمجاز والتقريب وأما الحقيقة فإنما هو طلاق على صفة ما وعتق على صفة ولا يمين في الحقيقة إلا بالله عز وجل وأما من حلف بصدقة ماله أو نحو ذلك فالذي يلزم منه ما قصد به فاعله إلى البر والقربة إلى الله عز وجل وهذا باب اختلف فيه العلماء قديما وحديثا وسنذكر ما لهم في ذلك من الأقوال والاعتلال في باب عثمان بن حفص بن خلدة من كتابنا هذا عند ذكر قصة أبي لبابة إن شاء الله ونذكر (ب) وجوه الأيمان وتقسيمها عند العلماء واللغو منها (ج) وغير اللغو وأحكام كفارتها في باب سهيل بن أبي صالح من كتابنا هذا (أيضا) (د) إن شاء الله ونذكر (ه) ههنا معاني الأيمان بالله عز
368

وجل خاصة لأن الغرض مما في كل باب من أبواب كتابنا هذا أن يتسع القول في أصوله ونوضحها ونبسطها ونلوح من فروعه بما يدل على المراد فيه إذ الفروع لا تحصى ولا تضبط إلا بضبط (أ) الأصول والله المستعان فالذي أجمع عليه العلماء في هذا الباب هو أنه من حلف بالله أو باسم من أسماء الله أو بصفة من صفاته أو
بالقرآن أو بشيء منه فحنث فعليه كفارة يمين على ما وصف الله في كتابه من (ب) حكم (1) الكفارة وهذا ما لا خلاف فيه عند أهل الفروع وليسوا في هذا الباب بخلاف وأجمع العلماء على أن تصريح اليمين بالله هو قول الحالف بالله أو والله أو تالله واختلفوا فيمن قال والله والله والله أو والله والرحمن أو والرحمن والرحيم أو والله والرحيم الرحمان فتحصيل مذهب مالك وأصحابه في ذلك وهو قول الأوزاعي والبتي أنها (ج) يمين واحدة أبدا إذا كرر شيئا مما ذكرنا إلا أن يكون أراد استثناء يمين فيكون كذلك وسواء كان
369

ذلك في مجلس واحد أو مجالس وقال الشافعي في كل يمين كفارة إلا أن يكون أراد التكرار وقال أبو حنيفة إذا قال والله والرحمان فهما يمينان إلا أن يكون أراد اليمين الأولى فتكون يمينا واحدة ولو قال والله الرحمن كانت يمينا واحدة قال أبو عمر لا يختلفون فيمن قال والله العظيم الرحمن الرحيم ونحو هذا من صفاته عز وجل أنها يمين واحدة وإنما اختلفوا إذا أدخل الواو وقال زفر إذا قال والله الرحمان كانت يمينا واحدة وقال أبو حنيفة من حلف في شيء واحد مرارا في مجلس واحد فإن كان أراد التكرار فهي يمين واحدة وإن لم تكن له نية وأراد التغليظ فهما يمينان وإن حلف في مجلسين (أ) فهما يمينان وقال الثوري هي يمين واحدة وإن كان في مجالس إلا أن يكون أراد يمينا أخرى وقال الحسن بن حي إن قال والله لا أعلم (فلانا) (ب) والله والله لا أكلم فلانا فيمين واحدة وإن قال والله لا أكلم فلانا ثم قال (ج) والله لا أكلم فلانا فيمينان وقال أحمد بن حنبل من حلف على شيء واحد بأيمان كثيرة في مجلس أو مجالس فحنث فإنما عليه كفارة واحدة
370

وأجمعوا أنه إذا أقسم بالله أنها يمين واختلفوا فيمن قال أقسم أو أشهد أو أعزم أو أحلف ولم يقل بالله ولكنه أراد بالله فقال مالك كل هذه الألفاظ يمين إذا أراد بالله وإن لم يرد بالله فليس شيء منها بيمين وروي عن مالك أنه ضعف أعزم بالله وكأنه لم يره يمينا إلا أن يكون أراد اليمين لأنه قد يكون على وجه الاستعانة كأنه يقول أستعين بالله أو بحول الله وهذا ليس بيمين عند أحد (أ) وقال الشافعي أقسم بالله أو أقسمت بالله أو أشهد بالله أو أعزم بالله يمين إذا أراد بها اليمين وليست بيمين إن لم يرد بها يمينا وليس أقسم وأشهد وأحلف يمينا إذا (ب) لم يقل بالله هذه رواية المزني عنه وروى عنه الربيع نحو قول مالك أنه إذا قال أقسم أو أشهد أو أعزم فهو يمين وإن لم يقل بالله إذا أراد بالله وأراد به اليمين قال الربيع وقال الشافعي وإن قال أحلف بالله فليس بيمين إلا أن ينوي اليمين لأنه يحتمل أن يريد سأحلف بالله وقال أبو حنيفة أقسم وأشهد وأعزم وأحلف كلها أيمان وإن لم يقل بالله وهو قول الثوري والأوزاعي وقول الحسن والنخعي واختلفوا فيمن حلف بحق الله أو بعهد الله أو ميثاقه أو نحو ذلك فقال مالك من حلف بحق الله فهي يمين قال
371

وكذلك عهد الله وميثاقه وكفالته وعزته وقدرته وسلطانه وجميع صفات الله (أ) وأسمائه هي أيمان كلها فيها الكفارة وكذلك لعمر الله وأيم الله وقال الشافعي في وحق الله وجلال الله وعظمته (ب) وقدرته يمين إن نوى بها اليمين وإن لم يرد اليمين فليست بيمين لأنه يحتمل وحق الله واجب وقدرة الله ماضية وقال في أمانة الله ليست بيمين وفي لعمر الله وأيم الله إن لم يرد بها اليمين فليست بيمين وقال الأوزاعي من قال لعمر الله وأيم الله (ج) لأفعلن كذا ثم حنث فعليه كفارة يمين وقال أبو حنيفة إن قال وحق الله فهي يمين فيها كفارة وقال محمد بن الحسن ليست بيمين ولا فيها كفارة وقال الرازي قول أبي حنيفة في هذا مثل قول محمد ليست بيمين وكذلك عهد الله وميثاقه وأمانته ليست بيمين وقال أبو حنيفة في قوله * (إنا عرضنا الأمانة) * 1 هي الأيمان والشرائع وقال بعض أصحابه هي يمين وقال الطحاوي ليست بيمين وقال الشافعي من حلف بالقرآن فحنث فعليه الكفارة وقال أحمد بن حنبل من حلف بالقرآن أو بحق القرآن فحنث لزمته بكل آية كفارة وأجمعوا أن الاستثناء في اليمين بالله عز وجل جائز واختلفوا في الاستثناء في اليمين بغير الله من الطلاق والعتق
372

وغير ذلك وما أجمعوا عليه فهو الحق وإنما ورد التوقيف في الاستثناء في اليمين بالله لا في غير ذلك حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من حلف فقال إن شاء الله فقد استثنى وأيوب هذا هو أيوب بن موسى القرشي الأموي وقد روى هذا الحديث أيوب السجستاني عن نافع عن ابن عمر حدثناه (أ) عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عيسى ومسدد قالا حدثنا عبد الوارث قال حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف فاستثنى فإن شاء رجع وإن شاء ترك (1) وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث (2) وروى مالك عن نافع
373

عن ابن عمر قال من قال والله ثم قال إن شاء الله لم يحنث (1) أخبرنا سعيد بن عثمان حدثنا أحمد بن دحيم بن خليل حدثنا أبو عروبة قال حدثنا الحسين بن سيار حدثنا أبو خالد الأحمر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من حلف فقال إن شاء الله فلا حنث عليه جعله مالك موقوفا على ابن عمر وأجمعوا أن الاستثناء إن كان في نسق الكلام دون انقطاع بين في اليمين بالله أنه جائز واختلفوا فيه إذا كان بعد سكوت وطول
374

حديث ثالث وأربعون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله (أ) بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه (ب) ثلاثة دراهم (1) هذا أصح حديث يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب لا يختلف أهل العلم بالحديث في ذلك والمجن الترس والدرق وذلك معروف يستغني عن التفسير والذي عول عليه مالك وجعله أصلا يرد إليه قيمة العروض المسروقة كلها في هذا الباب هو هذا الحديث فمن سرق شيئا من الأشياء التي يحل تملكها إذا كان لها مالك وكانت في حرز فسرق السارق شيئا منها وأخرجه عن حرزه وبان به وبلغ في قيمته عند التقويم في حين السرقة ثلاثة دراهم كيلا من ورق طيبة لا دلسة فيها وجب قطع يد السارق لذلك كان حرا أو
375

عبدا شريفا كان أو وضيعا إذا كان بالغا مكلفا تجري عليه الفرائض والحدود ولم يكن عبدا سرق من مال سيده ولا خائنا فيما اؤتمن عليه (أ) وإن نقصت قيمة المسروق
عن ثلاثة دراهم لم يجب قطعه وكان عليه الغرم وإن رأى الحاكم باجتهاده أن يؤدبه بالدرة أو بالسوط ضربا غير مبرح أدبه كذلك فإن كان المسروق ذهبا عينا أو تبرا مصوغا أو غير مصوغ لم ينظر فيه إلى قيمة الثلاثة دراهم وروعي فيه ربع دينار واعتبر ذلك فإن بلغ ربع دينار وزنا قطع يد سارقه على الشروط التي وصفنا وإن كان المسروق فضة اعتبر فيه وزن الثلاثة دراهم المذكورة فإن بلغ ذلك الوزن ففيه القطع وما عدا الذهب والورق فالاعتبار في تقويمه عند مالك وأصحابه لثلاثة دراهم المذكورة دون مراعاة ربع دينار فقف على هذا وافهمه وبهذا كله قال أحمد بن حنبل في الذهب والفضة وتقويم العروض كقول مالك سواء لا يخالف في شيء من ذلك قال أحمد إن سرق من الذهب ربع دينار فصاعدا قطعت يده وإن سرق من الدراهم ثلاثة دراهم فصاعدا قطعت يده وإن سرق عرضا قوم فإن بلغت قيمته ثلاثة دراهم قطعت يده وهذا وقول مالك سواء والحجة لمن ذهب هذا المذهب حديث ابن عمر المذكور في هذا الباب وقرأت على عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم
376

قال حدثنا عبد الله بن روح (أ) المديني (1) قال حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن رجلا سرق حجفة فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بها فقومت بثلاثة (ب) دراهم فقطعه وقال ابن جريج أخبرنا إسماعيل بن أمية أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل سرق ترسا من صنعة النساء ثمنه ثلاثة دراهم وقال أيوب وعبيد الله (وعبد الله) (ج) ابنا عمر وأسامة بن زيد وغيرهم عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمن (د) ثلاثة دراهم كما قال مالك والمعنى كله واحد (ه) لم يختلف فيه لأن الترس والحجفة والمجن شيء واحد وهي أسماء مختلفة لمعنى واحد وأما حديث الربع دينار فحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا أربعة عن عمرة عن عائشة لم يرفعوه عبد الله
377

ابن أبي بكر ورزيق بن حكيم الأيلي وعبد ربه ابن سعيد ويحيى بن سعيد إلا أن في حديث يحيى ما دل على الرفع لقوله صلى الله عليه وسلم ما نسيت ولا طال علي القطع في ربع دينار فصاعدا (1) قال وحدثنا الزهري وكان أحفظهم قال أخبرتني عمرة عن عائشة أنها سمعتها تقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعدا فرفعه الزهري وهو أحفظهم (2) قال أبو عمر رفع هذا الحديث صحيح من رواية ابن شهاب وغيره وسنذكر طرقه في باب يحيى بن سعيد من هذا الكتاب إن شاء الله وهو حديث مدني ثابت لا مدفع فيه أيضا ولا مطعن لأحد وعليه عول ملك وأهل المدينة والشافعي وفقهاء الحجاز وجماعة أصحاب الحديث فيمن سرق ربع دينار ذهبا أنه يقطع لكن الشافعي جعل هذا الحديث أصلا رد إليه تقويم العروض فمن سرق عنده من ذهب تبر أو عين (أ) ربع دينار فصاعدا على ما ذكرنا
378

من شروط السرقة وجب عليه القطع ومن سرق فضة وزن (أ) ثلاثة دراهم كيلا فعليه أيضا القطع إذا كانت ربع دينار لأن الثلاثة دراهم التي قوم بها المجن في حديث ابن عمر وقوم بها عثمان إلا تريجة كانت عندهم في ذلك الوقت من صرف اثني عشر درهما بدينار ومن سرق عند الشافعي شيئا من العروض قوم بالربع دينار لا بالثلاثة دراهم على غلاء الذهب ورخصه فإن بلغ العرض المسروق ربع دينار بالتقويم قطع سارقه وهو قول إسحاق بن راهويه وأبي ثور وجماعة من التابعين وقال داود بن علي لا تقطع اليد في أقل من ربع دينار عينا من الذهب أو قيمة ذلك من كل شيء قال وحديث ابن عمر في تقويم المجن (ب) بثلاثة دراهم إنما كان ذلك لأن الثلاثة دراهم كانت يومئذ قيمة ربع دينار لأن الدية كانت تقوم اثني عشر ألف درهم بدينار قال فليس في حديث ابن عمر خلاف لحديث عائشة في الربع دينار ولو خالفه كانت الحجة فيما روته (ج) عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال القطع في ربع دينار فصاعدا وأما حديث ابن عمر فليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقطعوا اليد في ثلاثة دراهم فصاعدا وإنما ذلك من قول ابن عمر أن قيمة المجن
379

كانت ثلاثة دراهم يومئذ فاحتمل ما ذكرنا على أنه قد خالفه غيره في ذلك وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد لا يقطع اليد إلا في عشرة دراهم يعني كيلا أو دينار ذهبا عينا أو وزنا ولا يقطع حتى يخرج بالمتاع من ملك الرجل وحجة من ذهب هذا المذهب ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا ابن إدريس قال حدثنا محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد قال حدثنا يوسف قال ابن إدريس حدثنا محمد بن إسحاق عن عطاء عن ابن عباس قال قوم المجن الذي قطع فيه النبي عليه السلام عشرة دراهم وحدثنا سعيد بن نصر وأحمد بن محمد قالا حدثنا وهب بن مسرة وقاسم بن أصبغ قالا حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن نمير وعبد الأعلى قالا حدثنا محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم
380

قال أبو عمر اختلفت الآثار في ثمن المجن فروى ابن عمر ما وصفنا وروى ابن عباس ما ذكرنا وكذلك روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقد روي أن ثمنه كان دينارا أو عشرة دراهم هكذا وروي أن ثمنه كان ثلاثة دراهم أو خمسة دراهم رواه سعيد عن قتادة عن أنس مرفوعا وخالف شعبة سعيدا فرواه عن قتادة قال سمعت أنسا يقول سرق رجل مجنا على عهد أبي بكر فقوم خمسة دراهم فقطع وهذا عند أهل الحديث أولى من حديث سعيد وليس في شيء من هذه الأسانيد التي وردت بذكر المجن أصح من إسناد حديث (أ) ابن عمر عند أهل العلم بالنقل وكان ابن شبرمة وابن أبي ليلى يقولان تقطع اليد في خمسة دراهم فصاعدا ذهبا إلى حديث يرويه الثوري عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في قيمة خمسة دراهم والشعبي لم يسمع من ابن مسعود وهذا الحديث عندهم ضعيف وقد اختلف في حديث أنس كما ذكرنا وإنما مال الشافعي رحمه الله في التقويم إلى حديث الربع دينار لأنه حديث مدني صحيح رواه جماعة الأئمة بالمدينة وترك حديث ابن عمر لما رآه والله أعلم من اختلاف الصحابة في المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر يقول ثلاثة دراهم وابن عباس وعبد الله بن عمرو
يقولان عشرة دراهم وغيرهم (ب) يقول ما وصفنا وحديث عائشة في الربع
381

دينار حديث صحيح ثابت لم يختلف فيه عن عائشة إلا أن بعضهم وقفه ورفعه من يجب العمل بقوله لحفظه وعدالته حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا سليمان بن داود قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع في ربع دينار فصاعدا وكذلك رواه معمر وابن عيينة ويونس بن (أ) يزيد (1) وابن مسافر وسائر أصحاب ابن شهاب متصلا مرفوعا وحسبك بابن شهاب وقد ذكرنا الآثار عنه وعن غيره في ذلك عند ذكر (ب) يحيى بن سعيد عن عمرة من كتابنا هذا والحمد لله والقطع في السرقة من مفصل الكوع تقطع يده اليمنى في أول سرقته وتحسم بالنار إن خشي عليه التلف ثم إن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى من المفصل تحت الكعبين ثم إن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى من المفصل تحت الكعبين ثم إن عاد فسرق قطعت يده اليسرى ثم إن عاد ضرب عشرة
382

أسواط أو أقل على قدر ما يراه الحاكم اجتهادا لذنبه وردعا للساق ثم حبسه وعلى هذا الترتيب في قطع اليد ثم الرجل ثم اليد ثم الرجل على ما وصفنا مذهب جماعة فقهاء الأمصار أهل الفقه والأثر وهو عمل الصحابة والتابعين بالمدينة وغيرها وشذ قوم عن الجمهور فلم يروا قطع رجل السارق ولم نعده (أ) خلافا فتركناهم روي ذلك عن ربيعة وبه قال أصحاب داود وأجمع الفقهاء على أن السرقة إذا وجدها صاحبها بعينها بيد السارق قبل أن يقطع أو بعد ذلك كله أخذها وأنها ماله لا يزيل ملكها عنه قطع يد السارق واختلفوا في وجوب الغرم على السارق إذا قطع وفاتت السرقة عنده فقال الثوري وسائر الكوفيين إذا قطع السارق فلا غرم عليه وهو قول الطبري وحجة من ذهب هذا المذهب حديث المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمان بن عوف وبعضهم يرويه عن المسور عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيم على السارق الحد فلا غرم عليه قال أبو عمر هذا حديث ليس بالقوي ولا تقوم به حجة وقد قال الطبري القياس أن عليه غرم ما استهلك ولكن تركنا ذلك اتباعا للأثر في ذلك يعني الحديث الذي ذكرنا عن عبد الرحمن بن عوف
383

قال أبو عمر ترك القياس لضعف الأثر غير جائز لأن الضعف لا يوجب حكما وقال مالك وأصحابه إن كان موسرا غرم وإن كان معسرا لم يتبع به دينا ولم يكن عليه شيء ويروى مثل ذلك عن الزهري وقال الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود وهو قول الحسن وحماد بن أبي سليمان يغرم السارق قيمة السرقة موسرا كان أو معسرا وتكون دينا عليه متى أيسر أداه وقال الشافعي رحمه الله أغرم السارق ما سرق قطع أو لم يقطع وكذلك إذا قطع الطريق قال الحمد لله عز وجل فلا يسقط حد الله (أ) غرم ما أتلف للعباد
384

حديث رابع وأربعون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبيد الله بن عمر أن اليهود جاءت (أ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال هلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها (ب) الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع (ج) أحدهم يده على آية الرجم ثم قرأ (د) ما قبلها وما بعدها فقال عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم (ه) فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما قال عبد الله بن عمر فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة
385

قال أبو عمر هكذا قال يحيى عند أكثر شيوخنا يحني على المرأة وكذلك قال القعنبي وابن بكير بالحاء وقد قيل عن كل واحد منهما يجني بالجيم وقال أيوب عن نافع يجافي (أ) عنها بيده وقال معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر يجافي بيده والصواب فيه عند أهل اللغة يجنأ عن المرأة بالهمز أي يميل عليها يقال منه جنأ يجنأ جنئا وجنوءا إذا مال والأجنأ المنحنى ويجنأ ويتجنى بمعنى واحد وفي هذا الحديث من الفقه أهل الكتاب عن كتابهم وفي ذلك دليل على أن التوراة صحيحة بأيديهم ولولا ذلك ما سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنها) (ب) ولا دعا بها وفيما ذكرنا دليل على أن الكتاب الذين كانوا يكتبونه بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله هي كتب أحبارهم وفقهائهم ورهبانهم كانوا يصنعون لهم كتبا من آرائهم وأهوائهم ويضيفونها إلى الله عز وجل ولهذا وشبهه من إشكال أمرهم نهينا عن التصديق بما حدثونا (ج) به وعن التكذيب بشيء
386

من ذلك لئلا نصدق بباطل أو نكذب بحق وهم قد خلطوا الحق بالباطل ومن صح عنده شيء من التوراة بنقل مثل ابن سلام وغيره من أحبار اليهود الذين أسلموا جاز له أن يقرأه ويعمل بما فيه إن لم يكن مخالفا لما في شريعتنا من كتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ألا ترى إلى قول عمر بن الخطاب حين قال لكعب إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلها الله على موسى بن عمران بطور سيناء فاقرأها آناء الليل وآناء النهار وقد أفردنا لهذا المعنى بابا في كراهية مطالعة كتب أهل الكتاب (ذكرناه في آخر) (أ) كتاب (1) العلم يشفي الناظر فيه إن شاء الله وفي هذا الحديث أيضا دليل على أنهم كانوا يكذبون على توراتهم ويضيفون كذبهم ذلك إلى ربهم وكتابهم لأنهم قالوا إنهم يجدون في التوراة أن الزناة يفضحون ويجلدون محصنين كانوا بالنكاح أو غير محصنين وفي التوراة غير ذلك من رجم الزناة المحصنين وفيه دليل على أن شرائع من قبلنا شرائع لنا إلا بما ورد في القرآن أو في سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم نسخه وخلافه وإنما يمنعنا من مطالعة التوراة لأن اليهود الذين بأيديهم التوراة غير مؤتمنين عليها إنما غيروا وبدلوا منها ومن علم منها ما قال ابن عمر لكعب الأحبار جاز له مطالعتها
387

وفيه دليل على ما اليهود عليه من الخبث والمكر والتبديل وفيه إثبات الرجم والحكم به على الثيب الزاني وهو أمر أجمع أهل الحق وهم الجماعة أهل الفقه والأثر عليه ولا يخالف فيه من يعده أهل العلم خلافا وقد ذكرنا المعنى الذي اختلف فيه أهل العلم منه في باب ابن شهاب عن عبيد (1) الله وذلك الجلد مع الرجم وجمعهما على الثيب فلا معنى لإعادة شيء من ذلك ههنا وفيه أن أهل الكتاب وسائر أهل الذمة إذا تحاكموا إلينا ورضوا (أ) بحكم حاكمنا حكم بينهم بما في شريعتنا كان ذلك موافقا لما عندهم أو مخالفا وأنزلهم في الحكم منزلتنا وعلى هذا عندنا كان حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجم على اليهوديين لأنه قد رجم ماعزا وغيره من المسلمين ومعلوم أنه
إنما رجم من رجم من المسلمين بأمر الله وحكمه لأنه كان لا ينطق عن الهوى ولا يتقدم بين يدي الله وإنما يحكم بما أراه الله فوافق ذلك ما في التوراة وقد (ب) كان عنده بذلك علم فلذلك سألهم عنه والله أعلم واختلف أهل العلم في أهل الذمة إذا ترافعوا إلينا في خصوماتهم وسائر مظالمهم وأحكامهم هل علينا أن نحكم بينهم فرضا واجبا أم نحن في ذلك مخيرون فقال جماعة من علماء الحجاز والعراق إن الإمام والحاكم مخير
388

إن شاء حكم بينهم بحكم الله علينا إذا تحاكموا إلينا وإن شاء ردهم إلى حاكمهم لقول الله عز وجل * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) * 1 وممن قال ذلك مالك والشافعي في أحد قوليه وهو قول عطاء والشعبي والنخعي ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء وذكره وكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي وجملة مذهب مالك في هذا الباب أن ترك الحكم بين أهل الذمة أحب إليه ويردون إلى أهل دينهم وإن حكم بينهم إذا تحاكموا إليه حكم بحكم الإسلام وهو مخير في ذلك إن شاء نظر وإن شاء لم ينظر ولا يعرض لهم في تعاملهم بالربا (أ) ولا في فساد بيع ولكن من امتنع منهم من دفع ثمن أو مثمون في البيع حكم بينهم لأن هذا من التظالم قال والذين حكم بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا أهل ذمة وقال يحيى بن عمر إذا رضي الذميان بحكمه أخبرهم بما يحكم به فإن رضياه حكم وإن أبى أحدهما ترك وإن كانا أهل ملتين (ب) حكم بينهما ولو كره ذلك أحدهما وقاله
389

سحنون وذكر العتبي في كتاب السلطان من المستخرجة قال عيسى قال ابن القاسم إن تحاكم أهل الذمة إلى حكم المسلمين ورضيا به جميعا فلا يحكم بينهم إلا برضى من أساقفتهم فإن كره ذلك أساقفهم فلا يحكم بينهم وإن رضي أساقفتهم بحكم الإسلام وأبى ذلك الخصمان أو أحدهما لم يحكم بينهم المسلمون وقال الشافعي ليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاءوه في حد لله وعليه أن يقيمه لقول الله * (وهم صاغرون) * 1 قال المزني هذا أشبه من قوله في كتاب الحدود لا يحدون إذا جاءوا إلينا في حد لله (أ) وأرفعهم (ب) إلى أهل دينهم قال الشافعي وما كانوا يدينون به فلا يجوز حكمنا عليهم بإبطاله إذا لم يرتفعوا إلينا ولا يكشفوا عما استحلوا مالم يكن ضررا على مسلم أو معاهد أو مستأمن غيرهم فإن جاءت امرأة منهم تستعدي بأن زوجها طلقها أو آلى منها حكمت عليه حكمي على المسلمين ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه قال كتب محمد بن أبي بكر إلى علي يسأله عن مسلم زنا بنصرانية فكتب إليه أقم الحد على المسلم ورد النصرانية إلى أهل دينها قال عبد الرزاق وأخبرنا معمر عن ابن شهاب الزهري وذكره ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب بمعنى واحد قال مضت أن يردوا في حقوقهم ودعاويهم ومعاملاتهم
390

وموازينهم إلى أهل دينهم إلا أن يأتوا راغبين في حد فيحكم بينهم فيه بكتاب الله قال الله عز وجل * (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) * قال أبو عمر وقال آخرون واجب عليه أن يحكم بينهم بما أنزل الله إذا تحاكموا إليه وزعموا أن قوله * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) * ناسخ للتخيير المذكور في الآية قبل هذا روي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وهو قول الزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي وأحد قولي الشافعي وقول أبي حنيفة وأصحابه إلا أن أبا حنيفة قال إذا جاءت المرأة والزوج عليه أن يحكم بينهما بالعدل فإن جاءت المرأة وحدها ولم يرض الزوج لم يحكم وقال أبو يوسف ومحمد وزفر بل يحكم وكذلك اختلف أصحاب مالك على هذين القولين إذا شكا أحد الزوجين الذميين وأبى صاحبه من التحاكم بينهما والمشهور من مذهب مالك في الذميين يشكو أحدهما ويأبى صاحبه من التحاكم عندنا أنا لا نحكم بينهما إلا بأن يتفقا جميعا على الرضا بحكمنا فإن كان ظلما ظاهرا منعوا من أن يظلم بعضهم بعضا وقد قال مالك وجمهور أصحابه في الذمي أو المعاهد أو المستأمن يسرق من مال ذمي أنه يقطع كما يقطع لو سرق من مال مسلم لأن ذلك من الخيانة (أ) فلا يقروا عليها ولا على التلصص
391

قال أبو عمر الصحيح في النظر عندي ألا يحكم بنسخ شيء من القرآن إلا ما قام عليه الدليل الذي لا مدفع له ولا يحتمل التأويل وليس في قوله عز وجل * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * 1 دليل على أنها ناسخة للآية قبلها لأنها يحتمل معناها أن يكون * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * إن حكمت * (ولا تتبع أهواءهم) * فتكون الآيتان مستعملتين غير متدافعتين واختلف الفقهاء أيضا في اليهوديين الذميين إذا زنيا هل يحدان أم لا فقال مالك إذا زنى أهل الذمة أو شربوا الخمر فلا يعرض لهم الإمام إلا أن يظهروا ذلك في ديار المسلمين ويدخلوا عليهم الضرر فيمنعهم السلطان من الإضرار بالمسلمين قال (أ) وإنما رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين لأنه لم يكن لهم يومئذ ذمة وتحاكموا إليه وقال أبو حنيفة وأصحابه يحدان إذا زنيا كحد المسلم وهو أحد قولي الشافعي وقال في كتاب الحدود إن تحاكموا إلينا فلنا أن نحكم أو ندع فإن حكمنا حددنا المحصن بالرجم لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا وجلدنا البكر مائة وغربناه عاما وقال في كتاب الجزية لا خيار للإمام ولا للحاكم إذا جاءوه في حد لله وعليه أن يقيمه عليهم لقول الله عز وجل * (حتى يعطوا) *
392

* (الجزية عن يد وهم صاغرون) * 1 والصغار أن يجري عليهم حكم الإسلام وهذا القول اختيار (أ) المزني واختار غيره من أصحاب الشافعي القول الأول وقال الطحاوي حين ذكر قول مالك إنما رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين لأنهم لم تكن لهم ذمة وتحاكموا إليه قال (ب) ولو لم يكن واجبا عليهم لما أقامه النبي عليه السلام قال وإذا كان من لا ذمة له قد حده النبي صلى الله عليه وسلم في الزنا فمن له ذمة أحرى بذلك قال ولم يختلفوا أن الذمي يقطع في السرقة قال أبو عمر إذا سرق الذمي من ذمي ولم يترافعوا إلينا فلا يعرض لهم عندنا وإن ترافعوا إلينا حكمنا بحكم الله فيهم) (ج) لأن هذا من تظالمهم الذي يجب علينا المنع منه إذا رفع إلينا وإذا سرق ذمي من مسلم كان الحكم حينئذ إلينا فوجب القطع والحديث المشهور يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رجم اليهوديين لأنهم تحاكموا إليه وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في حد الإحصان الموجب للرجم في كتابنا هذا عند ذكر حديث ابن شهاب عن عبيد الله (د) فلا وجه لإعادته
393

ههنا وكلهم يشترط في الإحصان الموجب للرجم الإسلام هذا من شروطه عند جميعهم ومن رأى رجم أهل الذمة منهم إذا أحصنوا إنما رآه من أجل أنهم (إذا) (أ) تحاكموا إلينا لزمنا أن نحكم بينهم بحكم الله فينا وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهوديين المذكورين في هذا الحديث حين تحاكموا إليه وقالت طائفة ممن يرى
أن قول الله عز وجل * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * ناسخ للآية قبلها معنى قوله * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * الآية قالوا على الإمام إذا علم من أهل الذمة حدا من حدود الله أن يقيمه عليهم وإن لم يتحاكموا إليه لأن الله عز وجل يقول * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * ولم يقل إن تحاكموا إليك قالوا والسنة تبين ذلك واحتجوا بحديث البراء في ذلك وهو ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد قال حدثنا أحمد بن شعيب قالا (ب) حدثنا محمد بن العلاء أبو كريب وأخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد قال حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قالا جميعا حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء قال مر على رسول
394

الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا (أ) تجدون حد الزاني في كتابكم فقال اللهم لا ولولا أنك ناشدتني بهذا لم أخبرك نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر (ب) في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الرجل الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد وتركنا الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه (ج) فأمر به فرجم وأنزل الله تعالى * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) * إلى قوله * (إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا) * 1 يقول ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا إلى قوله * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * 2 في اليهود إلى قوله * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) * 3 في اليهود إلى قوله (د)
395

* (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) * 1 قال هي في الكفار كلها (2) يعني الآية واللفظ لمحمد بن العلاء والمعنى واحد متقارب قالوا ففي هذا الحديث أنه حكم بينهم ولم يتحاكموا إليه قال أبو عمر لو تدبر من احتج بهذا الحديث ما احتج به منه لم يحتج به لأنه (أ) في درج الحديث تفسير قوله عز وجل * (إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا) * يقول إن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا وذلك دليل على أنهم حكموه لا أنه قصرهم على ذلك الحكم وذلك بين أيضا في حديث ابن عمر وغيره فإن قال قائل إن حديث ابن عمر من حديث مالك وغيره ليس فيه أن الزانيين حكما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رضيا بحكمه قيل له حد الزاني حق من حقوق الله على الحاكم إقامته ومعلوم أن اليهود كان لهم حاكم يحكم بينهم ويقيم حدودهم عليهم وهو الذي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم ألا ترى إلى ما في حديث ابن عمر أن اليهود جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إن رجلا منهم وامرأة زنيا ثم
396

حكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فإذا كان من إليه إقامة الحد هو الذي حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا وجه للاعتبار بحكم الزانيين فيما ليس لهما ولا لأحدهما أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني قال حدثني ابن وهب قال حدثني هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن ابن عمر قال أتى نفر من يهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) فأتاهم في بيت المدراس (أ) فقالوا يا أبا القاسم إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم فوضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها ثم قال ائتوني بالتوراة فأتوه بها فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها ثم قال آمنت بك وبمن أنزلك ثم ذكر قصة الرجم (2) نحوا من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر ففي هذا الحديث أن اليهود دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكموه في الزانيين منهم وكذلك حديث مالك عن نافع عن ابن عمر بنحو ذلك (ب) وحديث ابن شهاب أيضا في ذلك يدل على ما وصفنا قرأت على عبد الوارث بن سفيان
397

أن قاسم بن اصبغ حدثهم قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني رجل من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه اليهود وكانوا قد شاوروا في صاحب لهم زنى بعد ما أحصن فقال بعضهم لبعض إن هذا النبي قد بعث وقد علمتم أنه قد فرض عليكم الرجم فذكر حديثا فيه فقال لهم يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر اليهود أنشدكم بالله (أ) الذي أنزل التوراة على موسى بن عمران ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنى وقد أحصن قالوا نجد يحمم ويجلد وسكت حبرهم وهو في جانب البيت فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صمته ألظ به (1) ينشده فقال حبرهم أما إذ نشدتنا فإنا نجد عليه الرجم فذكر حديثا فيه فإني أقضي بما في التوراة فأنزل الله * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) * إلى قوله * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبيئين الذين أسلموا فحكموا بما في التوراة
398

على الذين هادوا وهكذا رواه معمر عن الزهري قال حدثني (أ) رجل من مزينة ونحن جلوس عند سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فذكر الحديث ذكره عبد الرزاق في التفسير وفي المصنف (ب) وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عنبسة قال حدثنا يونس قال قال محمد بن مسلم سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ونحن عند ابن المسيب يحدث عن أبي هريرة قال أتى رجل من اليهود وامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف فإن أفتى بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا فتيا نبي من أنبيائك قال فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما ترى في رجل منهم وامرأة (ج) زنيا فلم يكلمهم بكلمة (د) حتى أتى بيت مدراسهم (ه) فقام على الباب فقال أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن قالوا يحمم ويجبه ويجلد (و) والتجبيه أن يحمل الزانيان على حمار ويقابل أفقيتهما ويطاف بهما قال
399

وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ألظ به ينشده (أ) فقال اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم فقال (ب) النبي صلى الله عليه وسلم فيم ارتخصتم أمر الله قال زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثم زنى رجل (ج) في أسرة من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا لا يرجم صاحبنا
حتى نجيء بصاحبك فترجمه فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما (1) وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد بن شريك قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد وأخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا محمد بن بكر قال أخبرنا أبو داود قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني قال حدثني (ه) محمد بن سلمة جميعا عن محمد بن إسحاق عن الزهري قال سمعت رجلا من مزينة يحدث سعيد بن المسيب
400

عن أبي هريرة قال زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان الرجم مكتوبا عليهم في التوراة فتركوه وأخذوا بالتجبيه يضرب مائة بحبل مطلي بقار ويحمل على الحمار ووجهه مما يلي دبر الحمار قال فيه ولم يكونوا من أهل دينه فخير في ذلك قال * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * 1 واللفظ لحديث أبي داود مختصر ففي هذا الآثار كلها دليل على أنه إنما حكم في اليهوديين بما حكم من أجل أنه حكم وتحوكم إليه ورضي به وفي حديث ابن إسحاق إن ذلك كان حين قدم المدينة وذلك يدل على أن اليهود لم يكن لهم يومئذ ذمة كما قال مالك رحمه الله وعبد ابن شهاب أيضا في هذا الباب عن سالم عن ابن عمر قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر برجمهما فلما رجما رأيته يجافي بيده عنها ليقيها الحجارة رواه معمر وغيره عنه والحكم كان فيهم بشهادة لا باعتراف وذلك محفوظ من حديث جابر أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يحيى بن موسى البلخي قال حدثنا أبو أسامة قال مجالد أخبرنا عن عامر عن جابر بن عبد الله قال جاءت يهود برجل منهم وامرأة زنيا فقال ائتوني بأعلم رجل منكم فأتوه بابني صوريا فناشدهما كيف
401

تجدان أمر هذين في التوراة قالا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما قال فما منعكما أن ترجموهما قال ذهب سلطاننا فكرهنا القتل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاء أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما (1) وروى شريك عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديا ويهودية انفرد به عن سماك شريك وأما الرواية عن ابن عباس في أن الآية منسوخة أعني قوله عز وجل * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * فأخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد قال حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد عن سفيان عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال نسخ من المائدة آيتان آية القلائد وقوله عز وجل * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيرا إن شاء حكم وإن شاء أعرض عنهم وردهم إلى حكامهم فنزلت * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) * فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا
402

قال أبو عمر هذا خبر إنما يرويه سفيان بن حسين وليس بالقوي وقد اختلف عليه (أ) فيه فروي عنه موقوفا على مجاهد وهو الصحيح من قول مجاهد لا من قول ابن عباس أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي أن أباه أخبره قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد قال لم ينسخ من المائدة إلا هاتان الآيتان * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * نسختها وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم وقوله * (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي) * 2 نسختها * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) * 3 وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى قال حدثنا ابن مهدي عن هشيم عن منصور بن زاذان عن الحكم عن مجاهد في قوله * (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * قال نسختها * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * وقد
403

روى يونس بن بكر عن ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس في قوله * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين) * قال نزلت في بني قريظة وهي محكمة وذكر وكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * قالا إن شاء حكم وإن شاء لم يحكم حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع فذكره حدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى قال حدثنا ابن مهدي عن أبي عوانة عن المغيرة عن إبراهيم والشعبي قالا إن شاء حكم وإن شاء أعرض (1) وقد مضى القول فيمن تابعهم على هذا القول ومن خالفهم فيه من العلماء في صدر هذا الباب والوجه عندي فيه التخيير لئلا يبطل حكم من كتاب الله بغير يقين لأن قوله * (وأن احكم بينهم) * محتمل للتأويل يعني إن حكمت وآية التخيير محكمة نص لا تحتمل التأويل وذكر عبد الرزاق وأبو سفيان ومحمد بن ثور عن معمر عن الزهري في قوله * (فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) * قال مضت السنة أن يردوا في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم إلا أن يأتوا راغبين في حد ليحكم
404

بينهم فيه فيحكم بينهم بكتاب الله عز وجل قال معمر أخبرنا عبد الكريم الجزري أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطاة إذا جاءك أهل الكتاب فاحكم بينهم بما في كتاب الله (1) وذكر سنيد عن هشيم عن العوام عن إبراهيم التيمي في قوله * (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) * قال بالرجم قال أبو عمر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوص له والله أعلم بدليل قوله * (يحكم بها النبيون الذين أسلموا) * وقال عز وجل * (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) * 2 ولقوله * (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) * 3 ولأنا لا نعلم من ذلك ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما حكم في اليهوديين بحكم الله في شريعته وكان ذلك موافقا لما في التوراة والحمد لله
405