الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ١١
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

(ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني حديثان) واسم أبي إدريس هذا عائذ بن عبد الله لا يختلفون في ذلك وهو مشهور بكنيته من أهل الشام من ساكني دمشق من كبار التابعين بها قال ابن مسهر كان من أرفع التابعين في العلم بدمشق وممن (1) صحب أبا الدرداء أبو إدريس الخولاني قال وكان عالم أهل الشام بعد أبي الدرداء حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثني أبي قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن ابن إسحاق عن الزهري عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني وذكر ابن أبي خيثمة أيضا قال حدثني أبي قال حدثني سفيان عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني قال أدركت شداد بن أوس وفاتني معاذ (2) وحدثني خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الرحمان بن عمر الدمشقي بدمشق قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا الوليد بن عقبة (3) قال حدثنا ابن أبي السائب (4) عن أبيه عن مكحول قال ما رأيت مثل أبي إدريس وقال أبو زرعة قلت لأبي عبد الرحمان بن إبراهيم يعني دحيما أي الرجلين عندك أعلم
5

جبير بن نفير الحضرمي أم أبو إدريس الخولاني قال أبو إدريس عندي المقدم ورفع من شأن جبير لإسناده وأحاديثه ثم ذكر أبا إدريس فقال له من الحديث ما له (5) ومن اللقاء واستعمال عبد الملك إياه على القضاء بدمشق
((حديث أول لابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني) ملك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أكل كل ذي ناب من السباع حرام هكذا قال يحيى في هذا الحديث بهذا الإسناد أكل كل ذي ناب من السباع حرام ولم يتابعه على هذا أحد من رواة الموطأ في هذا الإسناد خاصة وإنما لفظ حديث مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وأما اللفظ الذي جاء به يحيى في هذا الإسناد فإنما هو لفظ حديث مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن أبي سفيان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه في باب إسماعيل من هذا الكتاب وذكرنا الحكم في التحريم والنهي وما جاء في ذلك من افتراق المعاني واجتماعها وما للعلماء في ذلك من المذاهب هناك والحمد لله (*) وأبو ثعلبة الخشني
6

قد ذكرناه (6) في كتابنا في الصحابة بما يغني عن ذكره ههنا وهذا الحديث رواه جماعة أصحاب ابن شهاب عنه فيما علمت بمثل رواية مالك سواء في إسناده ومتنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع إلا أبا أوس فإنه وافقهم في الإسناد وخالفهم في المتن فزاد فيه ألفاظا سنذكرها هاهنا إن شاء الله وممن رواه عن ابن شهاب كرواية مالك سواء معمر وابن عيينة ويونس وعقيل وعبد العزيز بن أبي سلمة وشعيب بن أبي حمزة والليث بن سعد وزاد فيه صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب وطء (7) الحبالى ولحوم الحمر الأهلية بإسناده سواء وسنذكر أيضا حديث صالح إن شاء الله وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري عن أبي إدريس قال حدثني أبو ثعلبة وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن (أكل كل ذي ناب من السباع وكذلك رواه سائر
7

من ذكرنا غير أبي أويس وصالح بن أبي الأخضر فأما حديث أبي أويس فحدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا أبو أويس عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ((8) الخطفة والنهبة والمجثمة) وعن أكل كل ذي ناب من السباع وهذا اللفظ إنما يحفظ من حديث أبي الدرداء وهو حديث لين الإسناد رواه عبد الرحيم بن سليمان عن أبي أيوب الإفريقي عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل المجثمة والنهبة والخطفة وعن أكل كل ذي ناب من السباع قال والمجثمة التي تصيد بالنبل وقد روى الثوري عن سهيل بن أبي صالح عن عبيد الله بن أبي يزيد قال أرسلوني إلى سعيد بن المسيب أسأله عن لحوم السباع (9) فكرهها فقال شيخ عنده سمعت أبا الدرداء يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي خطفة وعن كل مجثمة وعن كل نهبة وعن كل ذي ناب من السباع فقال سعيد صدق
8

قال أبو عمر ما أدري كيف مخرج هذا الحديث عن سعيد بن المسيب لأن ابن شهاب كان يقول لم أسمع بحديث النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع حتى قدمت الشام حدثنا يونس بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا محمد بن الصباح قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع قال سفيان قال الزهري ولم أسمع هذا حتى أتيت الشام وحدثنا يونس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفريابي قال وحدثنا محمد بن عزيز الأيلي قال حدثنا سلامة بن روح عن عقيل بن خالد قال قال ابن شهاب أخبرني أبو إدريس الخولاني وهو عائذ الله بن عبد الله أنه سمع أبا ثعلبة الخشني يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع قال ابن شهاب ولم أسمع ذلك من علمائنا بالحجاز حتى حدثني به أبو إدريس الخولاني (10) وكان من فقهاء أهل الشام وحدثنا يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمن قال حدثنا جعفر بن محمد بن المستفاض الفريابي قال حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري
9

قال حدثني أنس بن عياض قال حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب أنه سئل عن ألبان الأتن وأبوال الإبل ومرارة السبع فقال أما أبوال الإبل فقد كان المسلمون يتداوون بها ولا يرون بها بأسا وأما ألبان الأتن فقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (11) نهى عن لحومها ولا أدري ألبانها التي تخرج من لحومها ودمائها إلا نحوها والله أعلم وأما مرارة السبع فإنه أخبرني أبو إدريس الخولاني أن أبا ثعلبة الخشني أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ولم أسمع ذلك عن أحد من علمائنا فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها فلا خير في مرارتها وحدثنا يونس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفريابي قال وحدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن أبي بكر العبدي عن صالح وهو ابن أبي الأخضر عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم (11) نهى يوم خيبر عن المتعة وأن توطأ الحبالى وعن لحوم الحمر الأهلية وعن أكل كل ذي ناب من السباع ورواه صالح بن كيسان (12) (عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية لم يزد على ذلك
10

ورواه صالح بن أبي الأخضر وليس ممن يحتج به في الزهري وصالح بن كيسان وإن كان ثقة فإنه أخطأ في هذا لأن أصحاب الزهري الثقات مالك وابن عيينة ومعمر ويونس وعقيل لم يذكروا في هذا الإسناد غير (12)) النهي عن أكل كل ذي الناب من السباع وأما تحريم الحمر الأهلية فإسناده قد تقدم لابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي من رواية مالك وغيره ولا يصح فيه عنه غير ما ذكرنا هناك وكذلك لا يصح عن ابن شهاب بإسناده المذكور في هذا الباب إلا ما قاله مالك ومن تابعه من النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع دون (13) ذكر تحريم الحمر الأهلية وإنما يوجد لفظ حديث صالح بن أبي الأخضر من مرسل سعيد بن جبير ومن مرسل مكحول ولا يختلف أهل العلم بالحديث أن حديث صالح بن أبي الأخضر هذا خطأ مقلوب الإسناد والمتن منكر لأنه جمع فيه عن ابن شهاب أحاديث ثلاثة ولا يصح عن ابن شهاب في تحريم الحمر الأهلية إسناد إلا إسناد مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما مضى من ذلك في كتابنا هذا (14) وكذلك رواه الحفاظ الأثبات من أصحاب ابن شهاب عنه وعند ابن شهاب أيضا في هذا الباب من غير رواية مالك حديث
11

الربيع بن سمرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ذلك فيما مضى من كتابنا هذا (14) وأما ما ذكره ابن عيينة ويونس وعقيل من كلام ابن شهاب انه لم يسمع هذا الحديث حتى دخل الشام فصحيح ثابت مقبول عند أهل العلم فهذا تهذيب ما في هذا الحديث من جهة الإسناد والألفاظ وتمهيده وأما القول في معانيه فقد مضى مستوعبا مبسوطا ممهدا في باب إسماعيل بن حكيم والحمد لله (15))
(حديث ثان لابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني) مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر قال أبو عمر لا يصح عن مالك ولا عن ابن شهاب في هذا الحديث غير هذا الإسناد وقد وهم فيه عثمان الطرايفي عن مالك أخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو محمد الحسين بن أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن المفضل حدثنا عثمان بن عبد الرحمن حدثنا
12

مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر قال أبو الحسن علي بن عمر (16) هذا وهم ولا يصح فيه عن مالك ولا عن الزهري غير حديث أبي إدريس الخولاني وقد رواه أسيد بن عاصم عن بشر بن عمر عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أيضا خطأ والصواب ما في الموطأ وقد مضى القول في الاستنثار وحكمه وما للعلماء في ذلك من الأقوال في باب حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي (17) وأما الاستجمار فهو الاستطابة بالأحجار ومعناه إزالة الأذى من المخرج بالأحجار قال ابن الأنباري معنى الاستجمار التمسح بالأحجار والجمار عندالعرب الحجارة الصغار وبه سميت جمار مكة قال ومنه الحديث الذي يروى إذا توضأت فانثر وإذا استجمرت فأوتر قال أبو عمر هذا اللفظ يرويه منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن الأنباري ومعنى الوتر عندهم أن يؤتر من الجمار وهي الحجارة
13

الصغار يقال قد جمر الرجل يجمر تجميرا إذا رمى جمار مكة قال عمر بن أبي ربيعة
* فلم أر كالتجمير منظر ناظر
* ولا كليالي الحج أفلتن ذا (18) هوى
* أفلتن يني أهلكن والفلت بفتح اللام الهلاك ومنه قيل المسافر على فلت إلا ما وقى الله منه قال أبو عمر ويروى أفتن ذا هوى ويفتن ذا هوى (18) وهذا شعر عرضت فيه قصة طريفة لعمر بن أبي ربيعة مع سليمان بن عبد الملك وهي حكاية عجيبة حدثنيها عبد الله بن محمد بن يوسف قال أنبأنا العاندي قال أنبأنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني قال حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بن بكر بن عمار الثقفي البغدادي قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي عن مصعب الزبيري عن الضحاك بن عثمان أن سليمان بن عبد الملك حج في خلافته فأرسل إلى عمر بن أبي ربيعة فأتاه فقال له أنت القائل
* وكم من قتيل لا يباء به دم
* ومن غلق (19) رهنا إذا ضمه منى
* ومن مالئ عينيه من شيء غيره
* إذا راح نحو الجمرة البيض كالدما
* يسحبن أذيال المروط بأسوق
* خوال إذا أولين أعجازها روا
*
* أونس يسلين الحليم فؤاده
* فيا طول ما شوق ويا حسن مجتلا
* فلم أر كالتجمير منظر ناظر
* ولا كليالي الحج أفلتن ذا هوى
*
14

(قال نعم قال لا جرم والله لا تشهد الحج مع الناس العام وأخرجه إلى الطائف) وذكر هذا الخبر محمد بن خلف أنبأنا وكيع قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب بن عبد الله قال حج سليمان بن عبد الملك وهو خليفة فأرسل إلى عمر بن أبي ربيعة فقال له ألست القائل
* فكم من قتيل لا يباء به دم
* ومن غلق رهنا إذا ضمه منى
* فذكر الأبيات والخبر سواء إلا أنه قال
* يسجن أذيال المروط بأسوق
* خدال وأعجاز مئاكمها روى
* ولم يذكر الضحاك بن عثمان وعرضت له فيه أيضا مع عمر بن عبد العزيز قصة يليق بأهل الدين الوقوف عليها ذكر الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن كناسة عن أبي بكر بن عياش أن عمر بن أبي ربيعة قال هذا الشعر في أم عمر (20) بنت مروان في خبر ذكره قال الزبير وحدثني مصعب بن عثمان أن عمر بن العزيز لما ولي الخلافة لم يكن له هم إلا عمر بن أبي ربيعة والأحوص فكتب إلى عامله بالمدينة إني قد عرفت عمر والأحوص بالخبث والشر فإذا أتاك كتابي هذا فأشددهما واحملهما إلي فلما أتاه الكتاب حملهما إليه فأقبل على عمر ثم قال هيه
* فلم أر كالتجمير منظر ناظر
* ولا كليالي الحج أفلتن ذا هوى
* ومن مالئ عينيه من شيء غيره
* إذا راح نحو الجمرة البيض كالدما
*
15

أما والله لو اهتممت بحجك لم تنظر إلى شيء غيرك فإذا لم يفلت الناس منك في هذه الأيام فمتى يفلتون ثم أمر بنفيه فقال يا أمير المؤمنين أو خير من ذلك قال ما هو قال أعاهد الله عز وجل على أن لا أعود لمثل هذا الشعر ولا أذكر النساء في شعر أبدا وأجدد توبة على يديك قال أو تفعل قال نعم فعاهد الله على توبته وخلاه ثم دعا الأحوص فقال هيه
* الله بيني وبين قيمها
* يهرب مني بها وأتبع
* بل الله بين قيمها وبينك ثم أمر بنفيه فكلمه فيه رجال من الأنصار فأبى وقال والله لا أرده ما دام لي سلطان فإنه فاسق مجاهر والتجمير أيضا في لسان العرب أن يرمي بالجند في ثغر من ثغور المسلمين ثم لا يؤذن لهم في الرجوع قال حميد الأرقط
* فاليوم لا ظلم ولا تجمير (21
* ولا لغاز إن غزا تجمير
* وقال بعض الغزاة المجمرين (22
* معاوى إما أن تجمر أهلنا
* إلينا وإما أن نؤب معاويا
* أجمرتنا إجمار كسرى جنوده
* ومنيتنا حتى مللنا الأمانيا
* واختلف العلماء في إزالة الأذى من المخرج بالماء أو بالإحجار هل هو فرض واجب أم سنة مسنونة فذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إلى أن ذلك ليس بواجب فرضا وإنه سنة لا ينبغي تركها وتاركهما عمدا مسيء فإن صلى كذلك فلا إعادة
16

عليه إلا أن مالكا يستحب له الإعادة في الوقت وعلى ذلك أصحابه والإعادة في الوقت ليست بواجبة عنده ولا عند كل من قال كقوله وإنما هو استدراك لما فاته من السنة في الوقت ولو وجب في السنن أن تعاد بعد الوقت لكانت كالفرائض في وجوبها وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور والطبري الاستنجاء واجب لا تجزئ صلاة من صلى دون أن يستنجي بالأحجار أو بالماء وموضع المخرج مخصوص عند الجميع بالأحجار وأما سائر البدن والثياب فلا مدخل للأحجار فيها ويجوز عند مالك وأبي حنيفة وأصحابه الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار إذا ذهب النجس لأن الوتر يقع على الواحد فما فوقه (23) والوتر عندهم مستحب وليس بواجب وإذا كان الاستنجاء
عندهم ليس بواجب فالوتر فيه أحرى بأن لا يكون واجبا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا عيسى بن يونس عن ثور بن يزيد عن الحصين الحرابي عن أبي (24) سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (25) من
17

استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج (26) الحديث وقال الشافعي لا يجوز أن يقتصر على أقل من ثلاثة أحجار وهو قول أحمد بن حنبل وإلى هذا ذهب أبو الفرج المالكي ومن الحجة لهذا القول ما حدثناه محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال قال له رجل أن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة قال أجل نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو نستنجي بأيماننا ونكتفي بأقل من ثلاثة أحجار قال وأخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عجلان قال أخبرنا القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا لكم مثل الوالد أعلمكم فإذا ذهب أحدكم إلى الخلاء فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ولا يستنجي بيمينه وكان يأمر بثلاثة أحجار وينهى عن الروث والرمة وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم كل ما قام مقام الأحجار من سائر الأشياء الطاهرة فجائز أن يستنجى به ما لم يكن مأكولا وقال الطبري كل طاهر وكل نجس أزال النجس أجزأ وقال داود وأهل الظاهر لا يجوز الاستنجاء بغير الأحجار الطاهرة
18

والأحجار عندهم مخصوصة بتطهير المخرج كما أن المخرج مخصوص بأن يطهر بالأحجار فيجزئ فيه عن الماء دون ما عداه وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما إن استنجى بعظم أجزأه وبئس ما صنع وقال الشافعي لا يجزئ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الروث والرمة ونهى أن يستنجى بعظم والرمة العظام فلما طابق النهي لم يجز وذكر أبو داود عن أحمد بن حنبل قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا زكرياء بن إسحاق (27) حدثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسح بعظم أو بعر ولا فرق عند مالك وأبي حنيفة وأصحابهما في مخرج البول والغائط بين المعتادات وغير المعتادات أن الحجارة تجزئ فيها في السبيلين جميعا وهو المشهور من قول الشافعي وقد روي عن الشافعي (28) أنه لا يجزئ فيما عدا الغائط والبول إلا الماء قال وكذلك ما عدا المخرج وما حوله مما يمكن التحفظ منه فإنه لا يجزئ فيه الأحجار ولا يجزئ فيه إلا الماء وسيأتي القول في المذي وحكم غسل الذكر منه في باب أبي النضر إن شاء الله
19

وعند أصحاب مالك أن (29) ما حول المخرج مما لا بد منه في الأغلب والعادة لا يجزئ فيه إلا الماء وهكذا حكى ابن خواز بنداد عنهم وقد قالت طائفة إن الأحجار تجزئ في مثل ذلك لأن مالا يمكن التحفظ منه من الشرج (30) حكمه حكم المخرج قال واختلف أصحاب الشافعي فقالوا مرة يجزئ فيه الأحجار ومرة مثل قولنا وأما أبو حنيفة وأصحابه فعلى أصلهم أن النجاسة إذا لم تكن رطبة تزول بكل ما أزال عينها وأذهبها غير الماء وقدر الدرهم معفو عنه أصلا عند جميع العراقيين وقال داود النجاسة لا يزيلها غير الماء وإذا زالت بأي وجه زالت أجزأ ولا يحد قدر الدرهم قال مالك تجوز الصلاة بالإستنجاء بالأحجار والماء أحب إليه ويغسل ما هنالك فيما يستقبل وقال أبو حنيفة وأصحابه يستنجى بثلاثة أحجار فإن لم تنق زاد حتى ينقى وإن أنقاه حجر واحد أجزأه وكذلك غسله بالماء إن أنقاه بغسلة واحدة وذلك في المخرج وما عدا المخرج فإنما يغسل بالماء وهذا كله قول مالك وأصحابه وقال الأوزاعي يجوز ثلاثة أحجار والماء أطهر (31)
20

وقال الشافعي يجوز بالأحجار ما لم يعد المخرج فإن عدا المخرج لم يجز إلا الماء والمهاجرون كانوا لا يستنجون بالماء وهو قول سعيد بن المسيب وروى عن حذيفة أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذا لا تزال يدي في نتن وأما الأنصار فكانوا يتبعون الأحجار بالماء (32) وأثنى الله عز وجل بذلك على أهل قباء (33) والماء عند فقهاء الأمصار أطهر وأطيب والأحجار رخصة تجزئ ومن العلماء من جعل الاستنجاء واجبا (34) وسائر العلماء يستحبون الوتر وقد روى ثور بن يزيد الشامي عن الحصين الجواني عن أبي معبد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اكتحل فليوتر من فعل فقد أحنس ومن لا فلا حرج ومن استجمر فليوتر ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج وذكر الحديث وهو حديث ليس بالقوي لأن إسناده ليس بالقائم فيه مجهولون ذكره أبو داود عن إبراهيم بن موسى الرازي عن عيسى بن يونس عن ثور وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن
21

قال حدثنا محمد بن بكر التمار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا معاوية بن هشام عن يونس بن الحارث عن إبراهيم بن أبي ميمونة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت هذه الآية في أهل قبا * (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) * قال وكانوا يستنجون بالماء (ابن شهاب عن أبي أكيمة (35) الليثي حديث واحد) اختلف في اسم ابن أكيمة هذا فقيل عمارة بن أكيمة وقيل عمر بن أكيمة وقيل عمرو وقيل عامر وقيل عمار ذكر ذلك كله البخاري في كتابه (36) وهو من بني ليث من أنفسهم يكنى أبا الوليد توفي سنة إحدى ومئة وهو ابن تسع وسبعين سنة فيما ذكر الواقدي قال ابن معين حسبك برواية ابن شهاب عنه وقال ابن معين زعم مالك أن ابن أكيمة اسمه عمر بن مسلم بن أكيمة روى عنه الزهري حديثا واحدا قال يحيى بن معين وقد روى عنه محمد بن عمرو وغيره وقد روى عن مالك في حديثه هذا عباد بن أكيمة فإن صح فحسبك به قال أبو عمر الدليل على جلالته أنه كان يحدث في مجلس سعيد بن المسيب وسعيد يصغي إلى حديثه عن أبي هريرة وسعيد أجل أصحاب أبي هريرة وذلك موجود في حديثه هذا من رواية ابن
22

عيينة وغيره وإلى حديثه ذهب سعيد بن المسيب في القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه وبه قال ابن شهاب وذلك كله دليل واضح على جلالته عندهم وثقته وبالله التوفيق مالك عن ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال هل قرأ معي أحد منكم آنفا فقال رجل نعم يا رسول الله فقال إني أقول ما لي أنازع القرآن قال فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من القراءة في الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا روى هذا الحديث جماعة أصحاب مالك وقد أخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر الحافظ
حدثني عبد العزيز بن محمد الواثق بالله حدثنا القاسم بن زكرياء المقري حدثنا أبو الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا عدالوهاب الخفاف عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن أكيمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه قال أبو الحسن لا أعلم أحد أسماه في حديث مالك ولا في حديث ابن شهاب إلا في هذه الرواية ورواه جماعة أصحاب ابن شهاب عنه عن ابن أكيمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
23

قال أبو عمر (37) (لم يختلف رواة الموطأ فيما علمت في هذا الحديث من أوله إلى آخره وزاد فيه روح بن عبادة عن مالك عن ابن شهاب أنه قال لا قراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه الإمام) وقد رواه بعض أصحاب الأوزاعي عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في موضع ابن أكيمة سعيد بن المسيب وذلك وهم وغلط عند جميع أهل العلم بالحديث والحاديث محفوظ لابن أكيمة وإنما دخل الوهم فيه عليه لأن ابن شهاب كان يقول في هذا الحديث سمعت ابن أكيمة يحدث عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة فتوهم أنه لابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولا يختلف أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث لابن شهاب عن ابن أكيمة عن أبي هريرة وأن ذكر سعيد بن المسيب في إسناد هذا الحديث خطأ لا شك عندهم فيه وإنما ذلك عندهم لأنه كان في مجلس سعيد بن المسيب فهذا وجه ذكر سعيد بن المسيب لا أنه في الإسناد حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان قال حدثنا الزهري قال سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب قال سمعت أبا هريرة يقول صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فلما فرغ من
24

صلاته قال هل قرأ منكم معي (38) أحد قال رجل نعم أنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني أقول ما بالي أنازع القرآن حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد وأحمد بن محمد المروزي ومحمد بن أحمد بن أبي خلف وعبد الله بن محمد الزهري وابن السراج قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب (39) قال سمعت أبا هريرة يقول صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة نظن أنها الصبح فذكر مثله سواء إلى قوله ما لي أنازع القرآن قال أبو داود قال مسدد في حديثه هذا قال سفيان قال معمر قال الزهري فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن السراج في حديثه قال معمر عن الزهري قال أبو هريرة فانتهى الناس وقال عبد الله بن محمد من بينهم قال سفيان وتكلم الزهري بكلمة لم أسمعها فقال معمر أنه قال فانتهى الناس قال أبو داود ورواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري وانتهى حديثه إلى قوله ما لي أنازع القرآن قال ورواه الأوزاعي عن أبي هريرة قال فيه قال الزهري واتعظ المسلمون فلم يكونوا يقرأون معه فيما جهر به قال أبو داود وسمعت محمد بن يحيى بن فارس قال قوله فانتهى الناس من كلام الزهري
25

قال أبو عمر رواه ابن جريج قال أخبرني ابن شهاب قال سمعت ابن أكيمة يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث مالك سواء إلى قوله ما لي أنازع القرآن لم يزد على ذلك ورواه معمر وأبو أويس ويونس بن يزيد وأسامة بن زيد عن ابن شهاب أنه سمع ابن أكيمة يحدث عن أبي هريرة بمثل حديث مالك سواء وذلك دليل على ما قال محمد بن يحيى الذهلي أن قوله فانتهى الناس إلى آخر الكلام من كلام الزهري وذكر عبد الرازق عن معمر عن الزهري قال سمعت ابن أكيمة يحدث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة جهر فيها بالقراءة ثم أقبل على الناس بعد ما سلم فقال لهم هل قرأ معي أحد منكم آنفا قالوا نعم يا رسول الله قال إني أقول ما لي أنازع القراءة فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهر به من القرآن حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم قال حدثنا إبراهيم بن أبي العباس قال حدثنا أبو أويس عن الزهري عن ابن أكيمة الكناني ثم الليثي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة جهر فيها بالقراءة ثم أقبل على الناس
26

بعد ما سلم فقال هل قرأ أحد منكم معي آنفا قالوا نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أقول ما لي أنازع القرآن فانتهى الناس عن قراءة القرآن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر به من القراءة في الصلاة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر يقولون إن سماع أبي أويس ومالك بن أنس من الزهري كان واحدا بعرض واحد كذلك قال محمد بن يحيى النيسابوري وغيره والله أعلم وفقه هذا الحديث الذي من أجله نقل وجاء الناس به ترك القراءة مع الإمام في كل صلاة يجهر فيها الإمام بالقراءة ففي هذا الحديث دليل واضح على أنه لا يجوز للمأموم فيما جهر فيه إمامه بالقراءة من الصلوات أن يقرأ معه لا بأم القرآن ولا بغيرها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستثن فيه شيئا من القرآن وهذا موضوع اختلفت فيه الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم واختلف فيه العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين على ثلاثة أقوال (نذكرها ونبين وجوهها بعون الله إن شاء الله) (40)
27

فقال منهم قائلون لا يقرأ لا فيما أسر ولا فيما جهر وقال آخرون يقرأ معه فيما أسر فيه ولا يقرأ فيما (41) جهر فيه إلا بأم القرآن خاصة دون غيرها وسنبين أقوالهم واعتلالهم في هذا الباب إن شاء الله ونبين الحجة لكلا الفريقين وعليهم بما يحضرنا ذكره بعون الله وقال آخرون يقرأ مع الإمام فيما أسر فيه ولا يقرأ فيما جهر فيه وهو قول سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله وسالم بن عبد الله بن عمر وابن شهاب وقتادة قال مالك وأصحابه وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق وداود بن علي والطبري إلا أن أحمد بن حنبل قال إن سمع لم يقرأ وإن لم يسمع قرأ ومن أصحاب داود من قال لا يقرأ فيما قرأ إمامه وجهر ومنهم من قال يقرأ وأوجبوا كلهم القراءة فيما إذا أسر الإمام وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود على اختلاف عنهم القراءة في ما أسر الإمام دون ما جهر وعن عثمان بن عفان وأبي بن كعب وعبد الله بن عمر مثل ذلك وهو أحد قولي الشافعي كان يقوله بالعراق وهذا هو القول المختار عندنا وبالله توفيقنا فمن الحجة لمن ذهب هذا المذهب قول الله عز وجل * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) * وهذا عند أهل العلم عند سماع القرآن في الصلاة فأوجب تبارك وتعالى الاستماع والإنصات على كل مصل جهر أمامه بالقراءة ليسمع القراءة ومعلوم أن هذا في صلاة الجهر دون صلاة السر لأنه
28

مستحيل أن يريد بالإنصات والاستماع من لا يجهر أمامه وكذلك مستحيل أن تكون منازعة القرآن في صلاة السر لأن المسر إنما يسمع نفسه دون غيره فقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما لي أنازع القراءة يضاهي ويطابق قول الله عز وجل * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * وحدثني خلف بن القاسم حدثنا أحمد بن محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس قال أنبأنا أبو معن ثابت بن نعيم (قال حدثنا آدم بن أبي إياس) قال حدثنا بكر بن خنيس عن إبراهيم بن مسلم الهنجرسي عن أبي عياض عن أبي هريرة قال كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت هذه الآية * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * قال إبراهيم بن مسلم فقلت لأبي عياض لقد كنت أظن أنه لا ينبغي لأحد يسمع القرآن ألا يستمع قالا لا إنما ذلك في الصلاة المكتوبة فأما في غير الصلاة فإن شئت استمعت وأنصت وإن شئت مضيت ولم تسمع وذكر الحسن بن علي الحلواني قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة قال سمعت مجاهدا يقول ما رأيت أحدا بعد ابن عباس أفقه من أبي عياض وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا أحمد بن دحيم قال حدثنا إبراهيم بن حماد بن إسحاق قال حدثنا عمي إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا سليمان بن حياني الأحمر قال حدثنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أسيد بن جابر قال قال عبد الله بن مسعود أتقرأون خلف الإمام قلنا نعم قال ألا تفقهون مالك لا تعقلون
29

* (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * قال إسماعيل حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة عن منصور عن أبي وائل قال سئل عبد الله عن القراءة خلف الإمام قال أنصت للقرآن (42) فإن في الصلاة شغلا وسيكفيك ذلك الإمام قوله أنصت للقرآن يدل على أن ذلك في الجهر دون السر قال إسماعيل وحدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب في قوله وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قال في الصلاة وذكر عن أبي العالية والزهري وزيد بن أسلم والشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري ومجاهد مثله إلا أن مجاهدا زاد في الصلاة والخطبة يوم الجمعة ذكر وكيع عن سفيان عن جابر عن مجاهد قال وجب الإنصات في اثنتين في الصلاة والإمام يقرأ وفي الخطبة (43) والإمام يخطب وسفيان عن ليث عن مجاهد في قوله فاستمعوا له وأنصتوا قال إنما ذلك في الصلاة وأما في غير الصلاة فلا وعن عطاء مثله سواء وذكر سنيد عن هشيم قال أنبأنا مغيرة عن إبراهيم وحدثنا جبير عن الضحاك في قوله وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قالا في الصلوات المكتوبة قال قتادة الإنصات باللسان والاستماع بالأذنين علم أن لن يفقهوه حتى ينصتوا قال أبو عمر في قول الله عز وجل * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * مع إجماع أهل العلم أن مراد الله من ذلك في
30

الصلوات المكتوبة أوضح الدلائل على أن المأموم إذا جهر أمامه في الصلاة أنه لا يقرأ معه بشيء وأن يستمع له وينصت (44) وفي ذلك دليل على أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب مخصوص في هذا الموضوع وحده إذا جهر الإمام بالقراءة لقول الله عز وجل * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * وما عدا هذا الموضوع وحده فعلى عموم الحديث وتقديره لا صلاة يعني لا ركعة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب إلا لمن صلى خلف إمام يجهر بالقراءة فإنه يستمع وينصت وهذا الحديث رواه ابن شهاب عن محمود بن الربيع عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ورواه عن ابن شهاب جماعة من أصحابه منهم معمر ويونس وعقيل وابن عيينة وشعيب وإبراهيم بن سعد وليس عند مالك عن ابن شهاب وسنذكر الدلائل على أن قوله لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أن معناه لا ركعة في باب العلاء بن عبد الرحمن من كتابنا هذا عند قوله صلى الله عليه وسلم كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج إن شاء الله وبه العون لا شريك له
31

والدليل أيضا على خصوص الآية في هذا الموضوع قوله صلى الله عليه وسلم ما لي أنازع القرآن (45) وقوله إذا قرأ الإمام فأنصتوا رواه أبو موسى وأبو هريرة وقوله في حديث ابن مسعود لقوم جهروا بالقراءة وهو يقرأ خلطتم علي القراءة أنصتوا للقراءة وقوله أنصتوا للقراءة (45) دليل على أن ذلك كان في حال الجهر حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي قال حدثنا يونس بن إسحاق عن أبي إسحق عن عبد الله قال كنا نقرأ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلطتم علي القراءة وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعدي بن نصر قالا (46) حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا محمد بن إبراهيم قال (46) حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا الجارود عن معاذ الترمذي قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا زاد الجارود وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد
32

قال أحمد بن شعيب وأنبأنا أحمد بن عبد الله قال أنبأنا محمد بن سعيد الأنصاري قال حدثنا محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا قال أحمد بن شعيب لا نعلم أحدا تابع ابن عجلان على قوله وإذا قرأ فأنصتوا قال أبو عمر بعضهم يقول أبو خالد الأحمر انفرد بهذا اللفظ في هذا الحديث وبعضهم يقول أن ابن عجلان انفرد به وقد ذكره النسائي من غير حديث أبي خالد الأحمر وحدثنا أحمد بن محمد (47) (قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد) بن جرير قال حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي قال أنبأنا محمد بن سعد الأشهلي قال حدثنا محمد بن جرير وحدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو خالد الأحمر جميعا عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا وروى جرير بن عبد الحميد عن سليمان التيمي عن قتادة عن أبي غلاب يونس بن جبير عن حطان الرقاشي عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ الإمام فأنصتوا
33

فإن قال قائل إن قوله وإذا قرأ فأنصتوا لم يقله أحد في حديث أبي هريرة غير ابن عجلان ولا قاله أحد في حديث أبي موسى غير جرير عن التيمي قيل له لم يخالفهما من هو أحفظ منهما فوجب قبول زيادتهما وقد صحح هذين الحديثين أحمد بن حنبل وحسبك به إمامة وعلما بهذا الشأن حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الحميد (48) بن أحمد قال حدثنا الخضر بن داود قال حدثنا أبو بكر الأثرم قال قلت لأحمد بن حنبل من يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح إذا قرأ الإمام فأنصتوا فقال
حديث ابن عجلان الذي يرويه أبو خالد والحديث الذي رواه جرير عن التيمي وقد زعموا أن المعتمر رواه قلت نعم قد رواه المعتمر قال فأي شيء تريد فقد صحح أحمد الحديثين جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث أبي هريرة وحديث أبي موسى قوله عليه السلام إذا قرأ الإمام فأنصتوا فأين المذهب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهر كتاب الله عز وجل وعمل أهل المدينة ألا ترى إلى قول ابن شهاب فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة حين سمعوا منه ما لي أنازع القرآن وقال مالك الأمر عندنا أنه لا يقرأ مع الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة فهذا يدلك على أن هذا عمل موروث بالمدينة
34

ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن سليمان الشيباني عن جواب عن يزيد بن شريك أنه قال لعمر اقرأ خلف الإمام قال نعم قال وإن قرأت يا أمير المؤمنين قال نعم وإن قرأت وعن ابن التيمي عن ليث عن الأشعث عن أبي يزيد عن الحارث بن سويد ويزيد التيمي قالا أمرنا عمر بن الخطاب أن نقرأ خلف الإمام وهذا محله عندنا فيما أسر فيه الإمام لأن ابن عيينة روى عن أبي إسحاق الشيباني عن رجل قال عهد إلينا عمر بن الخطاب أن لا نقرأ مع الإمام وهذا عندنا على الجهر لئلا يتضاد الخبر عنه وليس في هذا الباب شيء يثبت من جهة الإسناد عن عمر وعنه فيه اضطراب وأما علي فأصح شيء عنه ما رواه الزهري عن عبد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب قال يقرأ الإمام ومن خلفه في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب ويقرأ الإمام في المغرب في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وينصت من خلفه ويقرأ الإمام ومن خلفه في الثالثة بفاتحة الكتاب ويقرأ الإمام في العشاء في الأوليين (49) بفاتحة الكتاب وسورة سورة وينصت من خلفه ويقرأ الإمام ومن خلفه في الأخريين بفاتحة الكتاب وأمرهم أن ينصتوا في الفجر
35

ذكر إسحق بن راهويه عن يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري فهذا يدفع ما روى عنه أهل الكوفة وهو مذهب أهل المدينة وأما أبي بن كعب فذكر عبد الرازق عن يحيى بن العلاء عن عبد الله بن أبي الهذيل أن أبي بن كعب كان يقرأ خلف الإمام في الظهر والعصر وفي تخصيصه الظهر والعصر دليل على أنه كان لا يقرأ (فيما جهر فيه من الصلوات ويقرأ) (50) في غيرها والله أعلم وكذلك ما روي عن عبد الله بن عمر وفي ذلك ذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن حصين بن عبد الرحمن قال سمعت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة يقرأ في الظهر والعصر مع الإمام فسألت إبراهيم فقال لا تقرأ إلا أن تتهم الإمام وسألت مجاهدا فقال قد سمعت عبد الله بن عمر ويقرأ (وعن الثوري عن الأعمش عن مجاهد قال سمعت عبد الله بن عمرؤ يقرأ) (51) خلف الإمام في الظهر والعصر وأما ابن عمر فأصح شيء عنه ما ذكره عبد الرزاق قال أنبأنا ابن جريج قال حدثني ابن شهاب عن سالم أن ابن عمر كان ينصت للإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة لا يقرأ معه وكلما روى عن ابن عمر من الألفاظ المجملة فهذا يفسرها
36

ولهذا والله أعلم أدخل ملك قول ابن عمر المجمل في باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه وقيده بترجمة الباب ثم قال ملك عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سئل هل يقرأ أحد خلف الإمام قال إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام وإذا صلى وحده فليقرأ قال وكان عبد الله بن عمر لا يقرأ خلف الإمام قال أبو عمر يريد فيما جهر فيه بدليل حديث ابن شهاب عن سالم عنه ويدلك على ذلك أن مالكا جعل قول ابن عمر هذا في باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة ثم أردفه بقوله الأمر عندنا أن يقرأ الرجل وراء الإمام فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة ويترك القراءة فيما يجهر فيه الإمام بالقراءة ثم أردف قوله هذا بحديث ابن شهاب المذكور في هذا الباب عن ابن أكيمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله ما لي أنازع القرآن ذكر عبد الرزاق عن معمر وابن جريج عن الزهري عن سالم قال تكفيك قراءة الإمام فيما يجهر به وعن معمر عن الزهري قال إذا قرأ الإمام وجهر فلا يقرأ شيئا فهذا مذهب مالك ومن ذكرنا من العلماء في هذا الباب ولا تجوز القراءة عند أصحاب مالك خلف الإمام إذا جهر بالقراءة وسواء سمع المأموم قراءته أو لم يسمع لأنها صلاة جهر فيها الإمام بالقراءة فلا يجوز فيها لمن خلفه القراءة لأن الحكم فيها واحد كالخطبة يوم الجمعة لا يجوز لمن لم يسمعها وشهدها أن يتكلم كما لا يجوز أن يتكلم من سمعها سوا
37

وسوءا عندهم أم القرآن وغيرها لا يجوز لأحد أن يتشاغل عن الاستماع لقراءة إمامه والإنصات لا بأم القرآن ولا بغيرها ولو جاز للمأموم أن يقرأ مع الإمام إذا جهر لم يكن لجهر الإمام بالقراءة معنى لأنه إنما يجهر (52) ليستمع له وينصت وأم القرآن وغيرها في ذلك سواء والله أعلم وقال أحمد بن حنبل من لم يسمع قراءة الإمام جاز له أن يقرأ وكان عليه إذا لم يسمع أن يقرأ ولو بأم القرآن لأن المأمور بالإنصات والاستماع هو من سمع دون من لم يسمع وقال بقوله طائفة من أهل العلم قبله وبعده (وقال (53) بعض أصحاب ملك لا بأس أن يتكلم يوم الجمعة من لا يسمع الخطيب بما شاء من الخير وما به الحاجة إليه وكره مالك له ذلك وقد ذكرنا هذه المسئلة في موضعها من هذا الكتاب) (53) ذكر عبد الرزاق عن الثوري عن الصلت الربعي عن سعيد بن جبير قال إذا لم يسمعك الإمام فاقرأ وعن ابن جريج عن عطاء قال إذا لم تفهم قراءة الإمام فاقرأ إن شئت وسبح وقال آخرون لا يترك أحد من المأمومين قراءة فاتحة الكتاب خلف إمامه فيما جهر فيه الإمام بالقراءة لأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب عام لا يخصه شيء لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص بقوله ذلك مصليا من مصل
38

قالوا وقول الله عز وجل * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * خاص واقع على ما سوى فاتحة الكتاب وكذلك قوله ما لي أنازع القرآن وقوله وإذا قرأ فأنصتوا أراد بعد فاتحة الكتاب وممن ذهب إلى هذه الجملة الأوزاعي والليث بن سعد وهو قول الشافعي بمصر وعليه أكثر أصحابه منهم المزني والبويطي وبه قال أبو ثور وروى ذلك عن عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عباس واختلف فيه عن أبي هريرة وهو قول عروة بن الزبير وسعيد بن جبير ومكحول والحسن البصري وذكر وكيع عن ابن عون عن رجاء بن حيوة عن محمود بن الربيع قال صليت إلى جنب عبادة بن الصامت فقرأ بفاتحة الكتاب فلما انصرف قلت يا أبا الوليد لم أسمعك قرأت بفاتحة الكتاب قال أجل إنه لا صلاة إلا بها (54) حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا هارون بن معروف حدثنا
ضمرة عن الأوزاعي قال أخذت القراءة مع الإمام عن عبادة بن الصامت ومكحول ذكر عبد الرزاق عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كنت مع الإمام فاقرأ بأم القرآن قبله وإذا
39

سكت وهذا الحديث يصح بهذا اللفظ مرفوعا والمثنى بن الصباح ضعيف ومنهم من يوقف هذا الحديث على عبد الله بن عمرو وعبد الرزاق عن بن المثنى (55) عن ليث عن عطاء عن ابن عباس قال لا بد أن يقرأ بفاتحة الكتاب فيما يجهر فيه الإمام وفيما لا يجهر (وليث بن أبي سليم ضعيف ليس بحجة) (56) وعن ابن جريج عن عطاء قال إذا كان الإمام يجهر فليبادر بالقراءة بأم القرآن أو ليقرأها بعد ما يسكت فإذا فرغ فلينصت كما قال الله عز وجل وعن ابن جريج ومعمر قالا أنبأنا ابن خيثم عن سعيد بن جبير أنه قال لا بد أن يقرأ بأم القرآن مع الإمام ولكن من مضى كانوا إذا كبر الإمام سكت سكتة لا يقرأ قدر ما يقرأ بأم القرآن وعن معمر عمن سمع الحسن يقول إقرأ بأم القرآن جهر الإمام أو لم يجهر فإذا جهر ففرغ من أم القرآن فاقرأ بها أنت وعن إبراهيم بن محمد عن شريك بن أبي نمر عن عروة بن الزبير قال إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين إقرأ بأم القرآن وبعد ما يفرغ من السورة التي بعدها (57) (وإبراهيم بن محمد هذا هو ابن أبي يحيى قد أجمعوا على ترك حديثه ورموه بالكذب وكان مالك يسيء القول فيه وابن خيثم فيه لين ليس بالقوي) (57) حدثني أبو محمد قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد حدثنا محمد بن فطيس حدثنا
40

خالد بن يزيد (58) بن سنان حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال اقرأ بفاتحة الكتاب خلف الإمام جهر أو لم يجهر وقال البويطي عن الشافعي أن المأموم يقرأ فيما أسر فيه الإمام بأم القرآن وسورة في الأوليين وبأم القرآن في الآخريين وما جهر فيه الإمام لا يقرأ من خلفه إلا بأم القرآن قال البويطي وكذلك يقول الليث والأوزاعي وروى المزني عن الشافعي أنه يقرأ فيما أسر وفيما جهر وهو قول أبي ثور وذكر الطبري عن العباس بن الوليد بن يزيد عن أبيه عن الأوزاعي قال يقرأ خلف الإمام فيما أسر وفيما جهر وقال فإذا جهر فأنصت وإذا سكت فاقرأ يعني في سكتاته بين القراءتين قال أبو عمر روى الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له سكتات حين يكبر يفتتح الصلاة وحين يقرأ فاتحة الكتاب وإلى ذلك ذهب هؤلاء حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل عن يونس عن الحسن عن سمرة قال حفظت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين في صلاته سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة فاتحة الكتاب فأنكر ذلك
41

عليه عمر ان بن حصين فكتبوا في ذلك إلى المدينة إلى أبي فقال صدق سمرة قال أبو داود وحدثنا أبو بكر محمد بن خلاد (59) قال حدثنا خالد بن الحارث قال حدثنا أشعث عن الحسن عن سمرة بن جندب عن ا لنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسكت سكتتين إذا استفتح وإذا فرغ من القراءة كلها (60) (ثم ذكر معنى حديث يونس وروى قتادة عن ا لحسن عن سمرة مثله) وقال أبو داود كانوا يستحبون أن يسكت عند فراغه من السورة لئلا يصل التكبير بالقراءة وروى أبو زرعة عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت بين التكبيرة والقراءة قال أبو عمر فذهب هؤلاء إلى أن الإمام يسكت سكتات على ما في هذه الآثار ويتحين المأموم تلك السكتات من إمامه في إمامته فيقرأ فيها بأم القرآن قال الأوزاعي والشافعي وأبو ثور حق على الإمام أن يسكت سكتة بعد التكبيرة الأولى ويسكت بعد قراءته (61) لفاتحة الكتاب ليقرأ من خلفه بفاتحة الكتاب فإن لم يفعل فاقرأ
42

معه بفاتحة الكتاب واسرع القراءة هذا لفظ الأوزاعي وقول الشافعي وأبي ثور مثله وأما ملك فأنكر السكتتين ولم يعرفهما وقال لا يقرأ أحد مع الإمام إذا جهر قبل قراءته ولا بعدها وقال أبو حنيفة وأصحابه ليس على الإمام أن يسكت إذا كبر ولا إذا فرغ من قراءة أم القرآن ولا يقرأ أحد خلف إمامه قال أبو عمر من حجة من ذهب مذهب الأوزاعي في هذا الباب ما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا الزهري قال سمعت محمود بالربيع يحدث عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب قالوا بهذا على عمومه في الإمام والمأموم لأنه لم يخص إماما من مأموم ولا منفرد قالوا ولما لم ينب ركوع الإمام ولا قيامه ولا بإحرامه ولا سجوده ولا تسليمه عن ركوع المأموم ولا عن قيامه ولا عن إحرامه ولا عن تسليمه فكذلك لا تنوب قراءته في أم القرآن عن قراءته وقالوا ان كان الزهري قد روى هذا الحديث مجملا محتملا للتأويل فقد رواه مكحول مفسرا وذكروا ما حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبع قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال
43

حدثنا عبد الله بن نمير قال حدثنا محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال لعلكم تقرأون خلف إمامكم قال قلنا أجل يا رسول الله إنا لنفعل قال لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة إلا بها حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا مؤمل بن يحيى بن مهدي حدثنا محمد بن جعفر بن الإمام حدثنا علي بن عبد الله المدني حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال إني لأراكم تقرأون وراء الإمام قلنا نعم يا رسول الله قال فلا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله النيسابوري حدثنا محمد بن عمرو البزار (62) حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم وهو ابن عليه عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر نحو
44

وحدثنا خلف بن القاسم حدثنا مؤمل بن يحيى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا علي بن المديني حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جعفر بن ميمون حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا ينادي في الناس أن لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد وحدثناه أحمد بن فتح حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء حدثنا أحمد بن عمرو البزار حدثنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد عن جعفر بن ميمون عن أبي عثمان عن أبي هريرة قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي ألا لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب قالوا وهذا على عمومه في كل أحد مأموما كان أو إماما أو منفردا وذكروا ما حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال
حدثنا مسدد قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا خالد الخذاء عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عمن شهد ذلك قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى صلاته قال أتقرأون والإمام يقرأ فسكتوا قال أتقرأون والإمام يقرأ قالوا إنا لنفعل قال فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بأم القرآن في نفسه (63)
45

قال أبو عمر أما حديث محمد بن إسحاق فرواه الأوزاعي عن مكحول عن رجاء بن حيوة عن عبد الله بن عمرو قال صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما انصرف قال لنا هل تقرأون القرآن إذا كنتم معي في الصلاة قلنا نعم قال فلا تفعلوا إلا بأم القرآن ورواه زيد بن خالد عن مكحول عن نافع بن محمود عن عبادة ونافع هذا مجهول ومثل هذا الاضطراب لا يثبت فيه عند أهل العلم بالحديث شيء وليس في هذا الباب مالا مطعن فيه من جهة الإسناد غير حديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة وهو محتمل للتأويل (64) وأما حديث محمد بن عائشة فإنما فيه إلا أن يقرأ أحدكم بأم القرآن في نفسه ومعلوم أن القراءة في النفس ما لم يحرك بها اللسان فليست بقراءة وإنما هي حديث النفس بالذكر وحديث النفس متجاوز عنه لأنه ليس بعمل يؤاخذ عليه فيما نهى أن يعمله أو يؤدى عنه فرضا فيما أمر بعمله وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي إن كانت قراءة الإمام بغير أم القرآن قراءة لمن خلفه فينبغي أن تكون أم القرآن كذلك وإن كانت لا تكون قراءة لمن خلفه فقد نقص من خلف الإمام عما سن من القراءة للمصلين وحرم من ثواب القراءة بغير أم الكتاب ما لا يعلم مبلغه إلا الله عز وجل قال والذي يصلي
46

خلف الإمام حكمه في القراءة يحكم من قرأ لأن الله عز وجل قد أشرك بين القارئ وبين المستمع المنصت فهما شريكان في الأجر وكذلك الذي يخطب يوم الجمعة والمستمع قال وكذلك جاء عن عثمان وقال آخرون منهم سفيان الثوري وابن عيينة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حيي لا يقرأ مع الإمام لا فيما أسر ولا فيما جهر وهو قول جابر بن عبد الله وجماعة من التابعين بالعراق وروى ذلك أيضا عن زيد بن ثابت وعلي وسعد هؤلاء ثبت ذلك عنهم من جهة الإسناد واحتج من ذهب هذا المذهب بأن قال قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب خاص وواقع على من صلى وحده أو كان إماما فأما من صلى وراء إمام فإن قراءة الإمام له قراءة واستدلوا على صحة قولهم بأن الجمهور قد أجمعوا على أن الإمام إذا لم يقرأ من خلفه لم تنفعهم قراءتهم فدل على أن قراءة الإمام قراءة لهم (65) حدثنا سفيان عن (66) محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا قال سفيان لمن يصلي وحده واحتجوا بحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
47

قال من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة وهذا حديث رواه جابر الجعفي عن أبي الزبير عن جابر عن النبي عليه السلام وجابر الجعفي ضعيف الحديث مذموم المذهب لا يحتج بمثله وقد روى هذا الحديث أبو حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد ابن الهادي عن جابر بن عبد الله عن النبي عليه السلام ولم يسنده غير أبي حنيفة وهو سئ الحفظ عند أهل الحديث وقد خالفه الحفاظ فيه سفيان الثوري وشعبة وابن عيينة وجرير فرووه عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد مرسلا وهو الصحيح فيه الإرسال وليس مما يحتج به وقد رواه الليث بن سعد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن أبي الوليد عن جابر بن عبد الله فأدخل بين عبد الله بن شداد وبين جابر أبا الوليد هذا وهو مجهول لا يعرف وحديثه هذا لا يصح فإن قيل قد روى يحيى بن سلام عن مالك بن أنس عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عبن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كل ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلا تصلى إلا وراء الإمام قال أبو عمر لم يرو هذا الحديث أحد من رواة الموطأ مرفوعا وإنما هو في الموطأ موقوف على جابر من قوله وانفرد يحيى بن سلام برفعه عن مالك ولم يتابع على ذلك
48

والصحيح فيه انه من قول جابر ولسنا نذكر الخلاف في هذه المسألة بين الصحابة ومن بعدهم ولكن الحجة عند التنازع الكتاب والسنة لا ما سواهما واحتج أيضا من ذهب مذهب الكوفيين في هذا الباب بما حدثناه أحمد بن فتح بن عبد الله قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار قال حدثنا محمد بن بشار وعمرو بن علي قالا حدثنا أبو أحمد قال حدثنا يونس بن إسحاق عن أبيه عن أبي الأحوص عن عبد الله قال كانوا يقرأون خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال خلطتم علي القرآن قال أبو عمر هذا يحتمل أن يكون هذا في صلاة الجهر وهو الظاهر لأنهم لا يخلطون إلا برفع أصواتهم فلا حجة فيه للكوفيين وكذلك من قال إنما نهاهم عما عدا فاتحة الكتاب بعيد قوله وغير ظاهر معناه في هذا الحديث واحتج أيضا من ذهب مذهب الكوفيين في ترك القراءة خلف الإمام بما رواه وكيع عن علي بن صالح بعن الأصبهاني عن المختار بن عبد الله بن أبي ليلى عن أبيه (67) عن علي قال من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة قال أبو عمر هذا الخبر لو صح كان معناه من قرأ مع الإمام فيما
49

جهر فيه بالقراءة فقد أخطأ الفطرة لأنه حينئذ خالف الكتاب والسنة فكيف وهو خبر غير صحيح لأن المختار وأباه مجهولان وقد عارض هذا الخبر عن علي ما هو أثبت منه وهو خبر الزهري عن عبد الله بن أبي رافع عن علي وقد ذكرناه في هذا الباب واحتجوا أيضا بما رواه عبد الرزاق وغيره عن داود بن قيس قال أخبرني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال حدثني موسى بن سعيد بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت قال من قرأ مع الإمام فلا صلاة له وهذا يحتمل أن يكون من قرأ مع الإمام فيما جهر فيه بالقراءة على أنهم قد أجمعوا أنه من قرأ مع الإمام على أي حال كان فلا إعادة عليه فدل ذلك على فساد ظاهر حديث (68) زيد هذا وروى الثوري عن أبي الزيناد عن زيد بن ثابت وابن عمر أنهما كانا لا يقرآن خلف الإمام وهذا حديث منقطع ويحتمل أن يكون أراد (69) فيما جهر فيه دون ما أسر وقد ذكرنا ذلك عن ابن عمر أيضا من أصح الطرق عنه والحمد لله وأما ما روى عن سعد بن أبي وقاص أنه قال وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه حجر فمنقطع لا يصح ولا نقله ثقة
50

وكذلك كل ما روي عن علي في هذا الباب فمنقطع لا يثبت ولا يتصل وليس عنه فيه حديث متصل غير حديث عبد الله بن أبي ليلى وهو مجهول وزعم بعضهم أنه أخو عبد الرحمن بن أبي ليلى ولا يصح حديثه ولا أعلم في هذا الباب صاحب صح عنه بلا اختلاف أنه قال مثل ما قال الكوفيون إلا جابر بن عبد الله وحده والله أعلم ذكر عبد الرزاق عن داود بن قيس عن عبد الله بن مقسم قال سألت جابر بن عبد الله أتقرأ خلف الإمام في الظهر والعصر قال لا وأما ما روى عن علقمة والأسود قالا وددنا أن
الذي يقرأ خلف الإمام مليء فوه ترابا فهو صحيح عنهما لكنه يحتمل أن يكونا أرادا في الجهر دون السر فإن صح عنهما أنهما أرادا السر والجهر فقد خالفهما في ذلك من هو فوقهما ومثلهما وعند الاختلاف يجب الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله وقد بينا وأوضحنا ما صح من السنة وما ورد به الكتاب في أول هذا الباب والحمد لله واحتج أيضا من ذهب مذهب الكوفيين في هذا الباب بحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه الظهر فلما قضى صلاته قال أيكم قرأ سبح اسم ربك الأعلى فقال بعض القوم أنا يا رسول الله قال قد عرفت أن بعضكم خالجنيها رواه معمر وغيره عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين قالوا معنى هذا الحديث وهو حديث صحيح أن القراءة خلف الإمام فيما يسر به تكره ولا تجوز
51

(ومعنى قوله خالجنيها أي نازعنيها والمخالجة هنا عندهم كالمنازعة فحديث عمران هذا كحديث بن أكيمة عن أبي هريرة ولا تكون المنازعة إلا فيما جهر فيه المأموم وراء الإمام ويدلك على ذلك قول أبي هريرة وهو رواي الحديث في ذلك اقرأ بها في نفسك يا فارسي قاله في حديث العلاء) (*) قال أبو عمر ليس في هذا الحديث دليل على كراهية ذلك لأنه لو كرهه لنهى عنه وإنما كره رفع صوت الرجل بسبح اسم ربك الأعلى في صلاة سنتها الإسرار بالقراءة حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق قال حدثنا سليمان بن الأشعث قال حدثنا أبو الوليد الطيالسي ومحمد بن كثير العبدي قالا حدثنا شعبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فجاء رجل فقرأ خلفه بسبح اسم ربك الأعلى فلما فرغ قال أيكم قرأ قالوا رجل قال قد عرفت أن بعضكم خالجنيها قال أبو الوليد في حديثه قال شعبة قلت لقتادة أليس يقول سعد انصت للقرآن قال ذلك إذا جهر به وقال ابن كثير في حديثه قال شعبة قلت لقتادة كأنه كرهه قال لو كرهه نهى عنه
52

قال أبو عمر في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن شهاب عن ابن أكيمة عن أبي هريرة ما لي أنازع القرآن دليل على أن القراءة خلف الإمام إذا أسر الإمام في صلاته بالقراءة جائزة لأن المنازعة في القرآن إنما تكون مع الجهر لا مع السر وقد اختلف العلماء في حكم القراءة خلف الإمام فيما يسر فيه الإمام (70) بالقراءة فكرهها الكوفيون وإلي ذلك ذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وابن أبي ليلى وابن شبرمة وهو قول إبراهيم النخعي وغيره من الكوفيين وحجتهم ما ذكرنا وقال سائر فقهاء الحجاز والعراق والشام منهم مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد واسحق وأبو ثور وداود والطبري وغيرهم يقرأ مع الإمام في كل ما يسر فيه وحجتهم ما قدمنا ذكره في هذا الباب ثم اختلف هؤلاء في وجوب القراءة ههنا إذا أسر الإمام فذهب أكثر أصحاب مالك إلى أن القراءة عندهم خلف الإمام فيما أسر به الإمام سنة ولا شيء على من تركها إلا أنه قد أساء وكذلك قال أبو جعفر الطبري قال القراءة فيما أسر فيه الإمام سنة مؤكدة ولا تفسد صلاة من تركها وقد أساء ذكر ابن خواز منداد أن القراءة عند أصحاب مالك خلف الإمام فيما أسر فيه بالقراءة مستحبة غير واجبة وكذلك قال
53

الأبهري وإليه أشار إسماعيل بن إسحاق وذكر إسماعيل قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن أسامة بن زيد قال سألت القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر فيه فقال إن قرأت فلك في رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسوة (وإن لم تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة) (71) قال وحدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد (72) يقول إني أحب أن أشغل نفسي بالقراءة فيما لا يجهر به الإمام عن حديث النفس في الظهر والعصر والثالثة من المغرب والآخريين من العتمة وقال الشافعي والأوزاعي وأبو ثور وأحمد واسحق وداود القراءة فيما أسر فيه الإمام واجبة ولا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة منها بفاتحة الكتاب أقل شيء إذا أسر الإمام بالقراءة لأن الإنصات إنما يكون عند الجهر (73) بالقراءة لقوله فاستمعوا له وأنصتوا ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لي أنازع القرآن وقد ارتفعت هاته العلة في صلاة السر فوجب على كل مصل أن يقرأ لنفسه في صلاته ولا ينوب عند واحد منهم قراءة الإمام عن قراءة المأموم ولا تجزيه كما لا ينوب ولا يجزى عنه عندهم إحرامه وركوعه وسجوده عن إحرام المأموم وركوعه وسجوده
54

وقد تقدم في هذا الباب الحجة لهم فأغني عن إعادتها ها هنا قال أبو عمر للشافعي في القراءة خلف الإمام ثلاثة أقوال أحدها أن يقرأ مع الإمام فيما أسر وفيما جهر والثاني يقرأ معه فيما جهر بأم القرآن فقط ويتبع سكتات الإمام قبل وبعد والثالث لا يقرأ معه فيما جهر ويقرأ معه فيما أسر وذكر ابن خوازمنداد قولا رابعا مثل قول أبي حنيفة لا يقرأ مع الإمام فيما أسر ولا فيما جهر وهذا القول الرابع عند أصحابه غير مشهور وأصحابه اليوم لا يذكرون في المسئلة إلا قولين أحدهما لا بد للمأموم من قراءة أم القرآن على كل حال فيما أسر وفيما جهر (والثاني يقرأ معه فيما أسر ولا يقرأ معه فيما جهر) (74) وهذا هو القول عندنا وبالله التوفيق (ابن شهاب عن ابن كعب بن مالك الأنصاري حديثان) أحدهما مرسل وقد قيل إنهما جميعا مرسلان قال محمد بن يحيى الذهلي سمعت أحمد بن حنبل يقول ولد كعب بن مالك عبد الرحمن وعبد الله وعبيد الله وفضالة ووهب ومعبد قال محمد بن يحيى وسمعت علي بن
55

المديني يقول هم خمسة عبيد الله بن كعب ومعبد بن كعب وعبد الرحمن بن كعب ومحمد بن كعب وعبد الله بن كعب قال محمد بن يحيى فسمع الزهري من عبد الله بن كعب وكان قائد أبيه حين عمي وسمع من عبد الرحمن بن كعب وسمع من عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب قائد كعب وروى عن بشير بن عبد الرحمن بن كعب ولا أراه سمع منه (حديث أول لابن شهاب عن ابن كعب بن ملك) ملك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أنه أخبر أن أباه كعب بن ملك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه لم يختلف عن مالك في هذا الحديث ومن أفضل من رواه عنه المعافى بن عمران حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن عبيد بن أحمد بن سعيد الصفار حدثنا الحسن بن علي الصبي حدثنا المعافي بن عمرا حدثنا مالك عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة
حتى يرجعه الله إلى جسده وفي رواية ملك هذه بيان سماع الزهري لهذا الحديث من عبد الرحمن بن كعب بن مالك وكذلك رواه يونس عن الزهري قال سمعت عبد الرحمن بن كعب بن ملك يحدث عن أبيه أن
56

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما نسمة المؤمن وذكر الحديث وكذلك رواه الأوزاعي عن الزهري قال حدثني عبد الرحمن بن كعب ورواه محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن ملك (عن أبيه فاتفق مالك ويونس بن يزيد والأوزاعي والحارث بن فضيل على رواية هذا الحديث عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه) (75) ورواه شعيب بن أبي حمزة ومحمد بن أخي الزهري وصالح بن كيسان عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك فاتفق هؤلاء على أن جعلوا الحديث لعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن ملك عن جده كعب بن ملك ذكره إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أنه بلغه أن كعب بن ملك كان يحدث وذكر أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث ملك سواء
57

ورواه معمر وعقيل وعمرو بن دينار عن الزهري عن ابن كعب لم يقولوا عبد الله ولا عبد الرحمن ذكره عبد الرزاق عن معمر وذكره الليث عن عقيل وذكره ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري كلهم عن ابن كعب بن مالك في حديث نسمة المؤمن كل هذا وقال محمد بن يحيى المحفوظ عندنا والله أعلم هذا وهو الذي يشبه حديث صالح بن كيسان وشعيب (76) وابن أخ ابن شهاب قال أبو عمر لا وجه عندي لما قاله محمد بن يحيى من ذلك ولا دليل عليه واتفاق ملك ويونس والأوزاعي ومحمد بن إسحاق أولى بالصواب والنفس إلى قولهم وروايتهم أميل وأسكن وهم في الحفظ والإتقان بحيث لا يقاس عليهم غيرهم ممن خالفهم في هذا الحديث وبالله التوفيق وأما قوله نسمة المؤمن والنسمة ههنا الروح يدلك على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه حتى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة (77) وقيل النسمة النفس والروح والبدن وأصل هذه اللفظة أعني النسمة الإنسان بعينه وإنما قيل للإنسان نسمة والله أعلم لأن حياة الإنسان بروحه فإذا فارقته عدم أو صار كالمعدم والدليل على أن النسمة الإنسان قوله صلى الله عليه وسلم من أعتق نسمة مؤمنة وقول علي رضي الله عنه لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة قال الشاعر
* بأعظم منك يقي (78) في الحساب
* إذا النسمات نفضن الغبارا
*
58

يعني إذا بعث الناس من قبورهم يوم القيامة وقال الخليل بن أحمد النسمة الإنسان قال والنسم نفس الروح والنسيم هبوب الريح وقوله تعلق في شجر الجنة يروي بفتح اللام وهو الأكثر ويروى بضم اللام والمعنى واحد وهو الأكل والرعي يقول تأكل من ثمار الجنة وترعى وتسرح بين أشجارها والعلوقة والعلاق والعلوق الأكل والرعي وتقول العرب ما ذاق اليوم علوقا أي طعاما قال الربيع بن زياد يصف الخيل (79)
* ومجنبات لا يذقن علوقة
* يمصعن بالمهرات والأمهار
* يعني ما يرعين ولا يذقن شيئا قال الأعشى
* وفلاة كأنها ظهر ترسن ليس فيها إلا الربيع علاق
* واختلف العلماء في معنى هذا الحديث فقال منهم قائلون أرواح المؤمنين عند الله في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم وبالرحمة لهم واحتجوا بأن هذا الحديث لم يخص فيه مؤمنا شهيدا من غير شهيد واحتجوا أيضا بما روي عن أبي هريرة أن أرواح الأبرار في عليين وأرواح الفجار في سجين
59

وعن عبد الله بن عمر مثل ذلك وهذا قول يعارضه من السنة ما لا مدفع في صحة نقله وهو قوله صلى الله عليه وسلم إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة وسيأتي هذا الحديث وما كان في معناه من صحيح الأثر في باب نافع إن شاء الله تعالى وقال آخرون إنما معنى هذا الحديث في الشهداء دون غيرهم لأن القرآن والسنة لا يدلان إلا على ذلك أما القرآن فقوله عز وجل * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله) * الآية وأما الآثار فمنها ما رواه الثقات في حديث ابن شهاب هذا أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أرواح الشهداء في طير خضر تعلق في شجر الجنة ومنها حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مقدام بن داود قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا إسماعيل بن المختار عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهداء
60

يغدون ويروحون إلى رياض الجنة ثم يكون مأواهم إلى قناديل معلقة بالعرش فيقول الله تبارك وتعالى هل تعلمون كرامة أفضل من كرامة أكرمتموها فيقولون لا غير أنا وددنا أنك أعدت أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل مرة أخرى في سبيلك وذكر بقي بن مخلد قال حدثنا عباد بن السري عن إسماعيل بن المختار عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال بقي وحدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمرها وتأوي إلى قناديل من ذهب مذللة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق ليلا ينكلوا (80) عن الحرب ولا يزهدوا في الجهاد قال فقال الله عز وجل انا أبغلهم عنكم فأنزل الله تعالى * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) * قال بقي وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله قال سألناه عن هذه الآية * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) *
61

قال أما أنا فقد سألنا عن ذلك أرواحهم كطير خضر تسرح في الجنة في أيها شاءت قالوا فلما رأوانهم لا يتركون قالوا نسألك أن ترد أرواحنا إلى الدنيا حتى نقتل في سبيلك فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا تركهم)) (81) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن أبي عدي عن شعبة عن سليمان الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال سألنا عبد الله عن أرواح الشهداء ولولا عبد الله ما أخبرنا أحد قال أرواح الشهداء عند الله إلى يوم القيامة في طير خضر في قناديل تحت العرش تسرح في الجنة حيث شاءت ثم ترجع إلى قناديلها فيطلع عليها (82) ربها فيقول ماذا تريدون فيقولون (83) نريد أن نرجع إلى الدنيا فنقتل مرة أخرى ورواه ابن إسحاق عن الأعمش عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن مسروق قال سألنا عبد الله مثله بمعناه إلى آخره والصواب فيه ما قال أبو معاوية وشعبة عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق وكذلك رواه عيسى بن يونس عن الأعمش بإسناده مثله
62

وذكر أبي الضحى في هذا الإسناد عندي خطأ وأظن الوهم فيه من ابن إسحاق والله أعلم وقال بقي حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول أرواح الشهداء تجول في أجواف طير خضر تعلق في شجر الجنة قال وحدثنا يحيى بن عبد الحميد وجعفر بن حميد قالا حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج فيما قرئ عليه عن مجاهد قال ليس هي في الجنة ولكن يأكلون من ثمارها فيجدون ريحها قال وحدثنا ابن المسيب (84) قال حدثنا ابن المبارك عن ابن جريج عن مجاهد في قوله * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) * قالوا يرزقون من ثمر الجنة فيجدون ريحها قال وحدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة في قوله * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) * قال بلغنا أن أرواح الشهداء في صورة طير بيض يأكلون من ثمار الجنة ((85) (حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا يحيى بن مالك بن عائد قال حدثنا محمد بن سليمان بن أبي الشريف قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا يزيد بن
63

سنان قال حدثنا أبو عاصم النبيل قال حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمر وقال الجنة معلقة بقرون الشمس تنشرها في كل عام مر وأرواح الشهداء في طير كالزرازير يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة) قال أبو عمر قد ذكرنا من الآثار عن السلف ما في معنى حديثنا في هذا الباب لقوله صلى الله عليه وسلم إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة وهذه الآثار كلها تدل على أنهم الشهداء دون غيرهم وفي بعضها في صورة طير وفي بعضها في أجواف طير وفي بعضها كطير والذي يشبه عندي والله أعلم أن يكون القول (86) قول من قال كطير أو كصور طير لمطابقته لحديثنا المذكور وليس هذا موضع نظر ولا قياس لأن القياس إنما يكون فيما يسوغ فيه الإجتهاد ولا مدخل للاجتهاد في هذا الباب وإنما نسلم فيه لما صح من الخبر عمن يجب التسليم له (87) (روى عيسى بن يونس هذا الحديث عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله فقال أرواحهم كطير خضر وكذلك قال فيه روح بن القاسم عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله كطير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل تحت العرش
64

وثبت عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير أن هذه الآية نزلت في الشهداء قوله تعالى * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) * وهو قول ابن مسعود وأبي سعيد وجابر وهو الصحيح وبالله التوفيق) وللناس أقاويل في مستقر الأرواح غير ما ذكر سنذكر ذلك في حديث نافع إن شاء الله تعالى فعلى هذا التأويل كأنه قال صلى الله عليه وسلم إنما نسمة المؤمن من الشهداء طائر يعلق في شجر الجنة وجاء عن أبي بن كعب رحمه الله وجماعة من التابعين في صفة أحوال الشهداء وطعامهم في الجنة أقاويل غير هذه وإنما ذكرنا في هذا الباب ما في معنى حديثنا وما يطابقه ويضاهيه وبالله التوفيق وقال آخرون أرواح المؤمنين على أفينة قبورهم وكان ابن وضاح يذهب إلى هذا ويحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى المقبرة فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين فهذا يدل على أن الأرواح بأفنية القبور (88) وقد خالفه غيره فمال إلى الحديث (اذهبوا بروحه يعني المؤمن إلى عليين وقال في الكافر اذهبوا بروحه إلى سجين من أسفل الأرض) وقد ذكرنا هذا المعنى في باب نافع وباب العلاء من هذا الكتاب والحمد لله
65

((حديث ثان لابن شهاب عن ابن كعب بن مالك مرسل) (89) حدثنا مالك عن ابن شهاب عن ابن كعب بن مالك الأنصاري قال حسبت أنه قال عبد الرحمن بن كعب أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان قال فكان رجل منهم يقول برحت بنا امرأة أبي الحقيق بالصياح فأرفع عليها السيف ثم أذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكف ولولا ذاك استرحنا منها هكذا قال يحيى حسبت أنه قال عبد الرحمن بن كعب وتابعه ابن القاسم وبشر بن عمر وابن بكير وأبو المصعب وغيرهم وقال القعنبي حسبت أنه قال عبد الله بن كعب أو عبد الرحمن بن كعب ورواه ابن وهب عن مالك عن الزهري عن ابن كعب بن مالك لم يقل عبد الله ولا عبد الرحمن ولا حسبت شيئا من ذلك واتفق هؤلاء كلهم وجماعة رواة الموطأ على رواة هذا الحديث مرسلا على حسب ما ذكرنا من اختلافهم لم يسنده واحد منهم ولا علمت أحدا أسنده عن مالك في كل رواة عنه من جميع رواته إلا الوليد بن مسلم فإنه قال فيه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك حدثني محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا ابن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال
66

حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا مالك عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الذين قتلوا ابن أبي الحقيق حين خرجوا إليه عن قتل النساء والولدان وحدثني محمد بن رشيق قال حدثنا محمد بن أحمد البلخي قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد اللواز قال حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال حدثنا الوليد بن مسلم وحدثنا محمد قال حدثنا علي بن عمر الحافظ قال حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون بالإسكندرية حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الذين قتلوا ابن أبي الحقيق حين خرجوا إليه عن قتل النساء والولدان وكان رجل منهم يقول برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق بالصياح فأرفع السيف ثم أذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكف ولولا ذلك استرحنا منها فهذا ما بلغنا من الاختلاف عن مالك في إسناد هذا الحديث وأما اختلاف أصحاب الزهري عنه فيه (90) فرواه الليث بن سعد قال حدثني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع ابن عتيك وأصحابه الذين قتلوا ابن أبي الحقيق بخيبر قال
67

الليث وحدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الله بن كعب السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النفر الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء فقال الليث عن يونس عبد الرحمن بن كعب بن مالك وعن عقيل عبد الله بن كعب بن مالك (وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن كعب بن مالك) (91) قال كان مما صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيين من الأنصار وساق الحديث بطوله مرسلا هكذا قال ابن إدريس عن ابن إسحاق وقال يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث النفر من الأنصار إلى ابن أبي الحقيق بخيبر ليقتلوه قال لهم لا تقتلوا وليدا ولا امرأة كما رواه يزيد بن هارون عن ابن إسحاق مختصر وقال فيه عبد الله بن عبد الله بن كعب وقال عنه ابن إدريس عبيد الله بن كعب واقتص الحديث بطوله ورواه إسحق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن كعب عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة في غزوة خيبر ونهى أن يقتل وليد صغير أو امرأة وقال محمد بن يحيى وقد أعضل إسحق بن راشد وقلب الإسناد والمتن فإن كان أراد حديث علي في المتعة فقد أخطأ وإن كان أراد حديث الربيع بن سبرة فقد أخطأ أيضا في قتل
68

النساء والولدان وأصاب بعض الإسناد قال محمد بن يحيى وحدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن الزهري قال أخبرني ابن كعب بن مالك عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث إلى ابن أبي الحقيق نهاهم عن قتل النساء والصبيان قال محمد بن يحيى هكذا حدثنا به عبد الرزاق مختصرا في عقب حديث الصعب بن جثامة وحدثنا مرة أخرى فقال أنبأنا معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك قال إن كان مما صنع الله لنبيه أن هذين الحيين الأوس والخزرج كانا يتصاولان في الإسلام كتصاول الفحلين واقتص الحديث ولم يذكر عمه قال أبو عمر أما المدبري (92) فرواه عن عبد الرزاق عن معمر عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك كرواية يونس بن يزيد بإسناده سواء وهو خلاف ما ذكره محمد بن يحيى ورواه ابن عيينة عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن عمه كما ذكر محمد بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر وذكره ابن أبي شيبة عن ابن عيينة فقال فيه عبد الرحمن بن كعب حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا سفيان
69

عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان ورواه الشافعي عن ابن عيينة عن ابن شهاب عن ابن كعب بن مالك عن عمه مثله ورواه يحيى بن أبي شيبة (93) عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى زمن خيبر عن أن يقتل وليد صغير أو امرأة ورواه إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن الرهط هكذا مرسلا ورواه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الرهط الذين بعثهم إلى ابن أبي الحقيق ليقتلوه عن قتل النساء والولدان فاتفق إبراهيم بن سعد وإبراهيم بن مجمع عن ابن شهاب علي عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب إلا أن ابن مجمع قال فيه عن أبيه ولم يقل فيه ابن سعد عن أبيه قال محمد بن يحيى والقول عندنا في هذا الحديث قول إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع وإبراهيم بن سعد والحديث والله أعلم لعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وهو المحفوظ عندنا لأن معمرا وابن عيينة لم
70

يسمياه وابن إسحاق قد اختلف عنه فيه وشك مالك في اسمه فقال أحسب وقال يونس عبد الرحمن بن كعب من غير شك وقال عقيل عبد الله بن كعب واتفق إبراهيم بن سعد وإبراهيم بن إسماعيل بن مجمع على عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب وهو المحفوظ عندنا قال أبو عمر ابن أبي الحقيق هذا رجل من يهود خيبر يسمى سلام ويكنى أبا رافع وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله على نحو قصة كعب بن الأشرف وفي قصته وقصة كعب بن الأشرف إباحة الفتك بأعداء الله وأن من يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ذمة له ودمه هدر ولهذا رأى مالك رحمه الله قتل الذمي إذا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآذاه ومن لم ير من العلماء قتل الذمي بذلك يقول إن ابن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف كانا حربا ولم يكن لهما ذمة وأما قصة (94) ابن أبي الحقيق فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب قال حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير قال حدثنا محمد بن إسحاق وحدثنا عبد الوارث
71

بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن عبد الرحيم ووجدت في أصل سماع أبي بخطه أن محمد بن أحمد بن قاسم حدثهم قال حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي قال حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد قال أنبأنا عبد الملك بن هشام قال حدثنا زياد بن عبد الله البكائي قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا
محمد بن مسلم الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك دخل حديث بعضهم في بعض والمعنى واحد وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال إن مما صنع الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيين من الأنصار الأوس والخزرج كانا يتصاولان في الإسلام كتصاول الفحلين لا تصنع الأوس شيئا إلا قالت الخزرج والله لا تذهبون به أبدا فضلا علينا في الإسلام (95) (زاد ابن إسحاق وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم) فإذا صنعت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك فلما أصابت الأوس كعب بن الأشرف زاد ابن أبي الحقيق في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج والله لا ننتهي حتى نجزى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي أجزأوا فتذاكروا رجلا من اليهود
72

وقال ابن إسحاق من رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر ثم اتفقا (96) فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله فأذن لهم وفي حديث معمر وهو سلام بن أبي الحقيق الأعور أبو رافع بخيبر فأذن لهم في قتله وقال لهم لا تقتلوا وليدا ولا امرأة فخرج إليه من الخزرج رهط من بني سلمة منهم عبد الرحمن بن عتيك أحد بني سلمة وكان أمير القوم أمره عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أنيس ومسعود بن سنان وأبو قتادة بن ربعي وخزاعي بن أسود رجل من أسلم حليف لهم يعني الخزرج حتى أتوا خيبر فلما دخلوا الدار عمدوا إلى كل بيت منها فغلقوه من خارج على أهله ثم اشتدوا هكذا قال عبد الرزاق عن معمر وقال ابن إسحاق فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه من خارج على أهله قال وكان في علية له إليها عجلة (97) قال فاشتدوا فيها حتى قاموا على بابه فاستأذنوا فخرجت إليهم امرأته فقالت من أنتم قالوا
73

ناس أو نفر من العرب أردنا الميرة فقالت هذا الرجل صاحبكم فأدخلوا عليه فلما دخلوا عليه أغلقوا (98) عليه وعليهم الباب ثم ابتروه بأسيافهم قال يقول قائلهم والله ما دلنا عليه إلا بياضه على الفراش في سواد الليل كأنه قبطية ملقاة قال وصاحت بنا امرأته قال فرفع رجل منا السيف ليضربها ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده قال ولولا ذلك لفرغنا منها بليل قال فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أبقره (99) فجعل يقول قطي قطي أي حسبي حسبي هكذا قال ابن إسحاق وقال معمر فجعل يقول بطني بطني ثلاثا ثم اتفقا قال ثم خرجنا وكان عبد الله بن عتيك سئ البصر فوقع من فوق العجلة فوثبت رجله وثبا منكرا فنزلنا واحتملناه هكذا قال معمر وقال ابن إسحاق سئ البصر فوثبت يده وثبا شديدا فاحتملناه ثم اتفقا بمعنى واحد فانطلقنا به حتى أتينا منهر عين من عيونهم فدخلنا فيه قال وأوقدوا النيران وأشعلوها في السعف وجعلوا يلتمسون ويشتدون في كل وجه ويطلبون وأخفى الله عليهم مكاننا فلما يئسوا رجعوا إلى صاحبهم فاكتنفوه فقال بعض أصحابنا أنذهب ولا ندري أمات عدو الله أم لا فخرج رجل منا فانطلق حتى دخل في الناس فوجد امرأته تبكيه وفي يدها المصباح وحوله رجال يهود فقال قائل منهم أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك وقال ابن إسحاق وفي يدها المصباح
74

تنظر في وجهه وتحدثهم وتقول أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم اتفقا ثم أكذبت نفسي وقلت وأين ابن عتيك بهذه البلاد ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه ثم قالت فاظ والد يهود قال فما سمعت كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها قال معمر في حديثه ثم جئت فأخبرت أصحابي أنه قد مات فاحتملنا صاحبنا فجئنا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بذلك وقال ابن إسحاق ثم جاءنا فأخبرنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقتل عدو الله واختلفنا عنده في قتله كلنا يدعيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا أسيافكم قال فجئناه بها فنظر إليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس هذا قتله رأى فيه أثر الطعام قال معمر جاؤوه يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب فلما رآهم قال أفلحت الوجوه وقال ابن إسحاق فقال حسان بن ثابت يذكر قتل ابن الأشرف وقتل سلام بن أبي الحقيق
* لله در عصابة لاقيتهم
* يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف
* يسرون بالبيض الخفاف إليكم
* مرحا كأسد في عرين معرف
75

* حتى أتوكم في محل بلادكم
* فسقوكم حتفا ببيض دفف
* مستنصرين لنصر دين محمد
* مستصغرين لكل أمر مجحف
* قال ابن هشام عن غير ابن إسحاق والدفف الخفاف حدثنا خلف بن القاسم بن سهل الحافظ حدثنا أبو القاسم بكير بن الحسن بن عبد الله بن سلمة الرازي حدثنا عبد الله بن أبي مريم حدثنا محمد بن يوسف حدثنا ابن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الصغار والذلة على من خالف أمري أبو المنيب الجرشي يعد في الشاميين وأصله من المدينة يروي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب روى عنه زيد بن واقد الشامي وحسان بن عطية وأبو اليمان ومجاهد بن فرقد الصنعاني ليس به بأس قال أبو عمر فهذه قصة ابن أبي الحقيق وأخرنا القول في حكم قتل النساء والصبيان وما كان في معناهم وما للعلماء في ذلك من الاختلاف والاتفاق إلى آخر باب حديث نافع من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى
76

(((ابن شهاب عن ابن محيصة حديثان مرسلان عند جماعة الرواة)))
واسمه حرام بن سعد بن محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر الأنصاري من بني حارثة بن الحارث لجده محيصة بن مسعود صحبة ورواية وقد ذكرناه في الصحابة وحرام هذا يكنى أبا سعد من ساكني المدينة قليل الرواية توفي سنة ثلاث عشرة ومائة وهو ابن سبعين سنة وهو ثقة روى عنه ابن شهاب (حديث أول لابن شهاب عن ابن محيصة) مالك عن ابن شهاب عن ابن محيصة الأنصاري أحد بني حارثة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال له اعلفه نضاحك يعني رقيقك هكذا قال يحيى في هذا الحديث يعني عن ابن محيصة أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعه ابن القاسم وذلك من الغلط الذي لا إشكال فيه على أحد من أهل العلم وليس لسعد بن محيصة صحبة فكيف لابنه حرام ولا يختلفون أن الذي روى عنه الزهري هذا الحديث وحديث ناقة البراء هو حرام بن سعد بن محيصة وقال ابن وهب ومطرف وابن بكير
77

وابن نافع والقعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن ابن محيصة عن أبيه والحديث مع هذا كله مرسل قال يحيى نضاحك يعني رقيقك وقال القعنبي ناضحك رقيقك وهو معنى حديث يحيى سواء وقال ابن بكير نضاحك ورقيقك وقال ابن القاسم النضاح الرقيق ويكون في الإبل قال أبو عمر أما الخليل فقال الناضح الجمل يسقى عليه وأما أصحاب ابن شهاب فاتفق معمر ومالك في رواية أكثر أصحابه عنه وابن أبي ذئب وابن عيينة ويونس بن يزيد على أن قالوا فيه عن أبيه لم يزيدوا (100) وقال الليث عن ابن شهاب عن ابن محيصة أن أباه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في خراج الحجام فأبى أن يأذن له فلم يزل به حتى قال له أطعمه رقيقك واعلفه ناضحك (هكذا رواه الليث عن ابن شهاب وقد رواه الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة عن محيصة رجل من بني حارثة كان له غلام حجام فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسبه فنهاه أن يأكل كسبه ثم عاد فنهاه ثم عاد فنهاه فلم يزل
78

يراجعه حتى قال له اعلف كسبه ناضحك وأطعمه رقيقك) (101) وقال ابن عيينة فيه عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه أن محيصة سأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وجود إسناده وقال فيه ابن إسحاق عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه عن جده محيصة أنه كان له غلام حجام يقال له أبو ظبية لم يسمه من أصحاب الزهري غيره ولا يتصل هذا الحديث عن ابن شهاب إلا من رواية ابن إسحاق هذه ورواية ابن عيينة مثلها وسائرها مرسلات وقد روي من غير حديث ابن شهاب متصلا مسندا حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي عمير الأنصاري عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن محيصة بن مسعود الأنصاري أنه كان له غلام حجام يقال له نافع أبو ظبية فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن خراجه فقال لا تقربه فردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اعلف به الناضح اجعله في كرشه
79

عند الليث في هذا الحديث ثلاثة أسانيد) (102) قد مضى القول في أجرة الحجام مستوعبا في باب حميد الطويل من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته ههنا (103) ومعنى حديث محيصة هذا التنزه لا التحريم وذلك والله أعلم لأنه عمل على ثواب غير معلوم قبل العمل فأشبه الإجارة المجهولة من ناحية لما عسى أن لا تطيب به نفس أحدهما من العوض ومن ههنا كان جماعة من العلماء الصالحين يرضون الحجامين بأكثر من المتعارف عندهم والله أعلم وقد بينا ذلك في باب حميد بما فيه كفاية حدثني عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا هوذة بن خليفة قال حدثنا عوف عن محمد أن ابن عباس سئل عن كسب الحجام فقال لقد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه أجره ولو كان حراما ثم يعطه حدثنا (104) سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد عن أيوب عن محمد عن ابن عباس أنه سئل عن كسب الحجام فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما لم يعطه وذكر ابن وهب عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال كنت عند ابن عباس فأتته امرأة فقالت إن لي غلاما حجاما وإن أهل العراق يزعمون أني آكل ثمن الدم فقال ابن عباس كذبوا إنما تأكلين خراج غلامك
80

وقال الليث بن سعد عن ربيعة قال كان للحجامين سوق على عهد عمر بن الخطاب قال الليث قال لي يحيى بن سعيد لم يزل المسلمون يقرون بأجرة الحجام ولا ينكرونها))
(حديث ثان لابن شهاب عن ابن محيصة) مالك عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها هكذا رواه جميع رواة الموطأ فيما علمت مرسلا وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب عن ابن شهاب أيضا هكذا مرسلا إلا أن ابن عيينة رواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب وحرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فذكر مثله بمعناه وجعل مع حرام بن سعد سعيد بن المسيب ورواه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه بلغه أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم مثل حديث مالك سواء ولم يصنع ابن أبي ذئب شيئا لأنه أفسد إسناده ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتابع عبد الرزاق على ذلك وأنكروا عليه قوله فيه عن أبيه حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق التمار قال سمعت ابا داود يقول لم يتابع أحد عبد الرزاق على قوله في هذا الحديث عن أبيه
81

هكذا قال أبو داود لم يتابع عبد الرزاق قال محمد بن يحيى الذهلي لم يتابع معمر على ذلك فجعل محمد بن يحيى الخطأ فيه من معمر وجعله أبو داود من عبد الرزاق على أن محمد بن يحيى لم يرو حديث معمر هذا ولا ذكره في كتابه في علل حديث الزهري إلا عن عبد الرزاق لا غير ثم قال محمد بن يحيى اجتمع مالك الأوزاعي ومحمد بن إسحاق وصالح بن كيسان وابن عيينة على رواية هذا الحديث عن الزهري عن حرام لم يقولوا عن أبيه إلا معمرا فإنه قال فيه عن أبيه فيما حدثنا عنه عبد الرزاق إلا أن ابن عيينة جمع إلى حرام سعيد بن المسيب قال وأما حديث كسب الحجام فمحفوظ فيه عن أبيه وقال فيه محمد بن إسحاق عن أبيه عن جده هذا كله كلام محمد بن يحيى قال
أبو عمر هذا الحديث وإن كان مرسلا فهو حديث مشهور أرسله الأئمة وحدث به الثقات واستعمله فقهاء الحجاز وتلقوه بالقبول وجرى في المدينة به العمل وقد زعم الشافعي أنه تتبع مراسيل سعيد بن المسيب فألفاها صحاحا وأكثر الفقهاء يحتجون بها وحسبك باستعمال أهل المدينة وسائر أهل الحجاز لهذا الحديث حدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثنا المقدام بن داود قال حدثنا عبد الله بن عبد الحكم قال قال مالك وما أفسدت المواشي والدواب من الزروع والحوائط بالليل فضمان ذلك على أهلها وما كان بالنهار فلا شيء على أصحاب الدواب ويقوم الزرع الذي أفسدت بالليل
82

على الرجاء والخوف قال والحوائط التي تحرس والتي لا تحرس سواء والمحظر عليه وغير المحظر سواء يغرم أهلها ما أصابت بالليل بالغا ما بلغ وإن كان أكثر من قيمتها قال مالك فإذا انفلتت دابة بالليل فوطئت على رجل نائم لم يغرم صاحبها شيئا وإنما هذا في الحوائط والزرع والحرث قال وإذا تقدم إلى صاحب الكلب الضاري أو البعير أو الدابة فما أفسدت ليلا أو نهارا فعليهم غرمه وقال ابن القاسم ما أفسدت الماشية بالليل فهو في مال ربها وإن كان أضعاف قيمتها لأن الجناية من قبله إذ لم يربطها وليست الماشية كالعبيد حكاه سحنون وأصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم وحدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا أسلم بن عبد العزيز قال حدثني المزني قال قال الشافعي والضمان عن البهائم بوجهين أحدهما ما أفسدت من الزرع بالليل ضمنه أهلها وما أفسدت بالنهار لم يضمنوا واحتج بحديث مالك عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة المذكور في هذا الباب وبحديث ابن عيينة فيه على حسب ما أوردناه عنه قال والوجه الثاني إذا كان الرجل راكبا فأصابت بيدها أو برجلها أو فيها أو ذنبها من كسر وجرح فهو ضامن له لأن عليه منعها في تلك الحال من كل ما تتلف به أحدا قال أبو عمر قد مضى القول في ضمان ما جنته البهائم مستوعبا كافيا مهذبا في باب ما رواه ابن شهاب عن سعيد بن المسيب من هذا
83

الكتاب عند قوله صلى الله عليه وسلم جرح العجماء جبار فأغنى عن إعادته ههنا (105) فأما فساد الزروع والحوائط والكروم فقال مالك والشافعي وأهل الحجاز في ذلك ما ذكرناه عنهم في هذا الباب وحجتهم حديث البراء بن عازب المذكور فيه مع ما دل عليه القرآن في قصة داود * (وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم) * ولا خلاف بين أهل اللغة أن النفش لا يكون إلا بالليل وكذلك قال جماعة العلماء بتأويل القرآن وقال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم عند ذكر من ذكر من أنبيائه في سورة الأنعام * (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) * فجاز الاقتداء بكل ما ورد به القرآن من شرائع الأنبياء إلا أن يمنع من ذلك ما يجب التسليم له من نسخ في الكتاب أو سنة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك (تبين مراد الله) (106) فيعلم حينئذ أن شريعتنا مخالفة لشريعتهم فتحمل على ما يجب الاحتمال عليه من ذلك وبالله التوفيق وهذه مسئلة من مسائل الأصول وقد ذكرناها في موضعها وأوردنا الاختلاف فيها والله المستعان لا شريك له وقد قال جمهور فقهاء الحجاز بحديث البراء بن عازب في هذا الباب وقال الليث بن سعد يضمن رب الماشية كلما أفسدت بالليل والنهار ولا يضمن أكثر من قيمة الماشية ولا أعلم من أين
84

قال الليث هذا إلا أن يجعله قياسا على العبد الجاني أنه لا يفتك بأكثر من قيمته ولا يلزم سيده جنايته بأكثر من قيمته وهذا ضعيف الوجه واختلف فيه عن الثوري فروى ابن المبارك عنه أن لا ضمان على صاحب الماشية وروى الواقدي عنه في شاة وقعت في غزل حائك بالنهار أنه يضمن وقال الطحاوي تصحيح الروايتين عن الثوري أنه إذا أرسلها سائبة ضمن وإذا أرسلها محفوظة لم يضمن بالليل ولا بالنهار واختلف أصحاب داود في هذا الباب فقال بعضهم بقول مالك والشافعي وقال بعضهم لا ضمان على رب الماشية والدابة لا في ليل ولا في نهار ولا على الراكب والسائق والقائد إلا أن يتعدى في إرسالها وربطها في موضع لا يجب له ربطها فيه أو يعنف عليها في السياق فيضمن بجناية نفسه وأما إذا لم يكن له في ذلك سبب فلا ضمان عليه لقوله صلى الله عليه وسلم جرح العجماء جبار إنما معناه على ما قدمنا في بعض المتلفات دون بعض لحديث البراء بن عازب وهو حديث مشهور وصحيح من حديث الأئمة الثقات مع عمل أهل المدينة به وسائر أهل الحجاز وهم يروون حديث (العجماء جرحها جبار) وعنهم نقل وليس له مخرج إلا عن أهل المدينة فكيف يجهلون معناه وهم رواته مع علمهم وموضعهم من الفقه والفهم هذا ما لا يظنه ذو فهم وقال أبو حنيفة وأصحابه لا ضمان على أرباب البهائم فيما تفسده أو تجني عليه لا في ليل ولا في نهار إلا أن يكون راكبا
85

أو سائقا أو قائدا وحجتهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم العجماء جرحها جبار ومن حجتهم أيضا أن الذمة بريئة لا يثبت فيها شيء إلا بما لا مدفع فيه وجعلوا حديث جرح العجماء جبار معارضا لحديث البراء بن عازب وليس كما ذهبوا إليه لأن التعارض في الآثار إنما يصح إذا لم يمكن استعمال أحدهما إلا بنفي الآخر وحديث العجماء جرحها جبار معناه على الجملة لم يخص حديث البراء وتبقى له أحكام كثيرة على حسب ما ذكرناها فيما سلف من كتابنا هذا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو جاء عنه في حديث واحد العجماء جرحها جبار نهارا لا ليلا وفي الزرع والحوائط والحرث دون غيره لم يكن هذا مستحيلا من القول فكيف يجوز أن يقال في هذا متعارض وإنما المتعارض والمتضاد المتنافي الذي لا يثبت بعضه إلا بنفي بعض وإنما هذا من باب المجمل والمفسر ومن باب العموم والخصوص وقد بين ذلك في كتاب الأصول بما فيه كفاية والفرق عند أهل العلم في حديث البراء وحديث أبي هريرة في العجماء وبين ما تتلفه العجماء ليلا من الزرع والحرث وبين ما تتلفه نهارا أن أهل المواشي بهم ضرورة إلى إرسال مواشيهم لترعى بالنهار ولأهل الزرع حقوق في أن لا تتلف عليهم زروعهم والأغلب عندهم أن من له الزرع يتعاهده بالنهار ويحفظه عمن أراده لانتشار البهائم للرعي وغيره فجعل حفظ ذلك بالنهار على أهل الزرع لأنه وقت التصرف في المعاش والرعي وحفظ الأموال وإرسال الدواب والمواشي وإذا أتلفت بالنهار من الزرع شيئا فصاحب الزرع إنما أوتي من قبل نفسه حيث لم يحفظه في
86

الوقت الذي الأغلب من الناس أنهم يحفظونه فيه ممن أراده إذ لو منع الناس من ترك مواشيهم للرعي من أجل الزرع للحقتها في ذلك مضرة ومشقة فإذا جاء الليل فقد جاء الوقت الذي يرجع كل شيء إلى موضعه ويرجع أهل الزرع إلى منازلهم ويرد أهل الماشية ماشيتهم إلى مواضعهم ليحفظوها فيها فإذا تركوها ليلا حتى أفسدت فالجناية من أهل المواشي لا من أهل الزرع لأن الأغلب أن الناس لا يحفظون زروعهم بالليل لاستغنائهم عن ذلك وعلمهم أن المواشي بالليل ترد إلى أماكنها فإذا فرط صاحب
الماشية في ردها إلى منزله أو فرط في ضبطها وحبسها عن الانتشار بالليل حتى أتلفت شيئا فعليه ضمان ذلك غلا أن تكون (107) الماشية ضالة أو نافرة فلا يتهيأ لصاحبها ضمها ولا ردها إلى مكانها فإذا كان كذلك لم يلزمه ضمان ما أتلفت بالليل كما لا يلزمه ضمان ما أتلفت بالنهار وأما السائق والراكب والقائد فإنهم يضمنون ما أصابت الدابة استدلالا بحديث البراء لأن ذلك في معنى ما أتلفت بالليل لأن الراكب يتهيأ له حفظ الدابة فعليه حفظها ولا مشقة عليه في ذلك وكذلك سائقها وقائدها والأغلب أن الناس إذا ركبوا أو ساقوا أو قادوا منعوا الدابة مما أرادت من إتلاف أو غيره فإذا لم يفعلوا ذلك فإنما أوتوا من قبل أنفسهم فعليهم الضمان إلا أن تكون الدابة قد غلبت الراكب أو القائد أو السائق فلم يقدر عليها فإذا كان كذلك فلا غرم عليه ولا ضمان يلزمه لأنه مغلوب عن حفظ ما أمر بحفظه ولم يمكنه الدفع وخبر البراء بن عازب هذا في طرح الضمان عن أهل المواشي فيما أتلفت ماشيتهم من زروع الناس نهارا إنما معناه
87

عند أهل العلم إذا أطلقت للرعي ولم يكن معها صاحبها وأما إذا كانت ترعى ومعها صاحبها فلم يمنعها من زرع غيره وقد أمكنه ذلك حتى أتلفته فعليه الضمان لأنه لا مشقة عليه في منعها وهو في معنى الراكب والسائق وبالله العصمة والتوفيق أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء دخلت حائط رجل فأفسدت فيه فقضى النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار وعلى أهل المواشي حفظها بالليل وبه عن عبد الرزاق قال أنبأنا ابن جريج عن ابن شهاب قال حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن ناقة دخلت في حائط قوم فأفسدت فيه فذهب أصحاب الحائط إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظ أموالهم نهارا (بما معناه عند أهل العلم حفظ أموالهم (108) بالنهار) وعلى أهل الماشية حفظ ماشيتهم بالليل وعليهم ما أفسدته قال وأخبرنا معمر عن قتادة عن الشعبي أن شاة وقعت في غزل حائك فاختصموا إلى شريح فقال الشعبي انظروه فإنه سيسألهم ليلا وقعت فيه أم نهارا ففعل ثم قال إن كان بالليل ضمن وإن كان بالنهار لم يضمن ثم قرأ شريح * (إذ نفشت فيه غنم القوم) * قال فالنفش بالليل والهمل بالنهار قال وأخبرنا معمر عن
88

الزهري قال النفش بالليل والهمل بالنهار وقال معمر وابن جريج بلغنا أن حرثهم كان عنبا قرأت على أحمد بن عبد الله بن محمد حدثكم الميمون بن حمزة قال نعم حدثنا قال حدثنا الطحاوي قال أنبأنا المزني قال حدثنا الشافعي قال أنبأنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب وحرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الأموال حفظ أموالهم بالنهار وعلى أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل أو قال ما أصابت مواشيهم بالليل وحدثني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر بن محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمود بن خالد قال حدثنا الفريابي عن الأوزاعي عن الزهري عن حرام بن محيصة عن البراء بن عازب قال كانت لنا ناقة ضارية فدخلت حائط قوم فأفسدت فيه فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل (109) قال أبو داود وكذلك رواه الوليد عن الأوزاعي قال ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولم يتابع أحد عبد الرزاق على روايته عن حرام بن محيصة عن أبيه ذكره أبو داود في كتابه المفرد وفي رواية الأوزاعي عن الزهري في
89

هذا الحديث كانت لنا ناقة ضارية ولا أعلم وجها لمن فرق من أصحابنا بين الضارية وغيرها من جهة الأثر ولا صحيح النظر وأما من تقدم إليه بالنهي فلم ينته عن كف عادية ضارية فمن قبله أتى لا من قبل ضارية والله أعلم (ابن شهاب عن عثمان بن إسحاق بن خرشة حديث واحد مرسل) (110) وعثمان هذا لا أعرفه بأكثر من رواية ابن شهاب عنه حديث الجدة هذا عن قبيصة بن ذؤيب وأقول فيه كما قال ابن معين في ابن أكيمة إذ سئل عنه وقال حسبك برواية ابن شهاب عنه هذا علمي فيه (111) من جهة الرواية وأما أهل النسب فينسبونه عثمان بن إسحاق بن عبد الله بن أبي خرشة بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي هكذا ذكره (112) (الزبير بن أبي خرشة في مواضع من كتابه في النسب وقال فولد إسحق بن عبد الله عثمان بن إسحاق بن عبد الله بن أبي خرشة) وروى عنه ابن شهاب عن قبيصة حديث الجدة هذا لفظ الزبير بن بكار وأخبرنا عبد الوارث (113) بن سفيان قال حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال أنبأنا مصعب قال عثمان بن إسحاق بن عبد الله بن أبي خرشة روى عنه ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب حديث الجدة
90

ثم قال أخبرنا ابن زهير (114) حدثنا مصعب قال حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال جاءت الجدة إلى أبي بكر فذكر الحديث إلى آخره وقال كذا قال مالك عن الزهري عن عثمان بن إسحاق بن خرشة ولم يتابعه أحد على هذا وقال مفضل بن غسان سألت مصعبا الزبيري عن عثمان بن إسحاق بن خرشة فقال من بني عامر بن لؤي وهو ابن أخي أروى الذي يقال (عميت عمى أروى) قال أبو عمر هذا مثل قد ذكرنا الخبر بذلك في باب سعيد بن زيد في الصحابة لأنه هو الذي دعا على أروى بنت أوس في قصة عرضت له معها قال الزبير والعامة تصحف المثل فتقول أعماك الله عمى الأروى يريدون الأروى التي في الجبل يظنونها شديدة العمى قال أبو عمر لم يختلف أصحاب ابن شهاب عنه فيما علمت أنه ابن خرشة لا ابن أبي خرشة وكان ابن شهاب ينسبه إلى جده يقول عثمان بن إسحاق بن خرشة ولم يرو ابن شهاب عن عثمان هذا غير هذا الحديث فيما علمت وهو حديث مرسل عند بعض أهل العلم بالحديث لأنه لم يذكر فيه سماع لقبيصة من أبي بكر ولا شهود لتلك القصة وقال آخرون هو متصل لأن قبيصة بن ذؤيب أدرك أبا بكر الصديق وله سن لا ينكر معها سماعه
91

من أبي بكر رضي الله عنه وسنذكر بعد في هذا الباب خبر قبيصة بن ذؤيب إن شاء الله قال أبو عمر مالك عن ابن شهاب عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال مالك في كتاب الله من شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس (115) فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فقال أبو بكر هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة فقال
مثل ما قال المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر تسأله ميراثها فقال لها مالك في كتاب الله شيء وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض من شيء ولكن هو السدس فإن اجتمعتما فهو بينكما وأيكما خلت به فهو لها قد مضى القول في عثمان بن إسحاق بن خرشة وأما قبيصة بن ذؤيب فقيل أنه توفي سنة ست وثمانين وله ست وثمانون سنة كان مولده في أول سنة من الهجرة وهو أحد العلماء ذكر وكيع وغيره عن الأعمش عن أبي الزناد قال أدركت الفقهاء بالمدينة أربعة أحدهم قبيصة بن ذؤيب وقال الأعمش
92

مرة أخرى أربعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان وذكر ابن المبارك عن محمد بن راشد عن مكحول قال ما رأيت أحدا أعلم من قبيصة بن ذؤيب وكان سعيد بن المسيب يحمل على قبيصة بن ذؤيب لمخالطة السلطان حدثني أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا ابن إدريس قال سمعت الأعمش يقول فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب وعروة وقبيصة وعبد الملك وحدثني خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن محمد بن ناصح قال حدثنا أحمد بن علي بن سعيد قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا وكيع عن الأعمش عن ذكوان أو ابن ذكوان قال أدركت فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان هكذا يقول الأعمش في هذا الحديث ذكوان أو ابن ذكوان وإنما هو عبد الله بن ذكوان أبو الزناد ولم يرو أحد في علم عن أي الزناد أن فقهاء المدينة أربعة على حسب ما ذكرنا غير الأعمش والمعروف عن أبي الزناد في كتاب السبعة وغيره أن فقهاء المدينة في وقته من شيوخه سبعة أو أكثر من سبعة ولعل الأعمش إنما حكى ما حكاه عن ذكوان أبي صالح السمان فهو شيخه ولكن الناس يقولون إنما أراد أبا الزناد عبد الله بن ذكوان
93

وكيف كانت الحال فقد أدرك أبو الزناد بالمدينة جماعة كلهم أفقه من قبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان وما أعلم أحدا جعل عبد الملك بن مروان في الفقه كسعيد وعروة إلا ما جاء في هذا الخبر والله أعلم وأبو صالح ذكوان لا يصلح أيضا أن يضاف له هذا الخبر لأنه أدرك أبا هريرة وغيره من الصحابة وكبار التابعين ومن هاهنا قال العلماء أن الأعمش لم يرد بقوله إلا ابا الزناد فلم يقف على اسمه فقال ذكوان أو ابن ذكوان وقبيصة بن ذؤيب خزاعي وهو قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة بن عمرو بن كليب بن أصرم بن عبد الله بن كثير (116) بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو خزاعة ولأبيه ذؤيب صحبة وقد ذكرناه وذكرنا الاختلاف في خزاعة في كتاب الصحابة والقبائل الرواة ومات قبيصة سنة سبع وثمانين فيما قال يحيى بن معين وقال الواقدي مات قبيصة بن ذؤيب سنة ستة وثمانين في خلافة عبد الملك بن مروان وكان قبيصة (117) ممن قاتل يوم الحرة حتى ذهبت عينه ويكنى قبيصة أبا إسحاق كان من ساكني المدينة وان معلم كتاب ثم تحول إلى الشام فصحب عبد الملك بن مروان وكان على خاتمه إليه البريد وعرض الكتب الواردة على عبد الملك عليه
94

وأما رواية مالك لهذا الحديث عن ابن شهاب عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب فلم يتابعه أحد على ذلك إلا أبو أويس ولم يجوده وجاء به على وجهه غيرهما من بين أصحاب ابن شهاب قال محمد بن يحيى الذهلي حدثنا إسماعيل بن أبان الوراق حدثنا أبو أويس قال أخبرني محمد بن شهاب أن عثمان بن إسحاق بن حرشة حدثه عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر الصديق (118) (ورواه معمر ويونس بن يزيد وأسامة بن زيد وسفيان بن عيينة فيما روى عنه ابن أبي شيبة كلهم عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق) (118) تطلب ميراثها من ابن ابنها أو ابن ابنتها لم يدخلوا بين ابن شهاب وبين قبيصة أحدا وقال محمد بن يحيى رواه ابن عيينة عن الزهري عمن حدثه عن قبيصة ومرة قال سمعت الزهري يحدث عن رجل عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر فذكره قال محمد بن يحيى والحديث حديث مالك وأبي أويس لإدخالهما بين ابن شهاب وقبيصة عثمان بن إسحاق بن خرشة قال وقد حدثني أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب عن عثمان بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب كان أول من ورث الجدتين وجمع بينهما في الميراث قال وهذا مختصر من حديث معمر ومالك وأبي أويس
95

قال أبو عمر أما حديث معمر فحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب قال جاءت الجدة إلى بكر الصديق تطلب ميراثها من ابن ابنها أو ابن ابنتها لا أدري أيتهما هي فقال أبو بكر لا أجد لك في الكتاب شيئا وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي لك بشيء وسأسأل الناس العشية فلما صلى الظهر أقبل على الناس فقال إن الجدة أتتني تسألني (119) ميراثها من ابن ابنها أو ابن ابنتها وإني لم أجد لها في الكتاب شيئا ولم أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقضي لها بشيء فهل سمع أحد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها شيئا فقام المغيرة بن شعبة فقال سمعت (120) رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي لها بالسدس فقال هل سمع ذلك معك أحد فقام محمد بن مسلمة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي لها بالسدس فأعطاها أبو بكر السدس فلما كانت خلافة عمر جاءت الجدة التي تخالفها فقال عمر إنما كان القضاء في غيرك ولكن إذا اجتمعتما فالسدس بينكما وأيكما خلت به فهو لها
96

وكذلك رواه ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن قبيصة وابن المبارك أيضا عن أسامة بن زيد عن الزهري عن قبيصة وابن وهب عن يونس بن يزيد وأسامة بن زيد أنهما أخبراه عن ابن شهاب أنه أخبرهم عن قبيصة بن ذؤيب الكعبي هذا الحديث بمعنى حديث مالك سواء قال أبو عمر في هذا الحديث من رواية مالك وغيره من الفقه أن القضاء إلى الخلفاء أو إلى من استخلفوه على ذلك وجعلوه إليه وعندهم تطلب الحقوق حتى يوصل إليها وفيه دليل على أن أبا بكر لم يكن له قاض وهذا أمر لم أعلم فيه خلافا وقد اختلف في أول من استقضى فذهب العراقيون إلى أن أول من استقضى عمر وأنه بعث شريحا إلى الكوفة قاضيا وبعث بن سوار إلى البصرة قاضيا قال مالك أول من استقضى معاوية والكلام في هذا طويل وليس هذا موضع ذكره وفيه أن الفرائض في المواريث لا يثبت منها إلا ما كان نصا في الكتاب والسنة ولو استدل مستدل بقول أبي بكر وعمر هذا على أن لا علم إلا الكتاب والسنة لجاز له ذلك ولكن للعلماء في القياس كلام قد ذكرت منه ما يكفي في كتاب العلم والاستدلال الصحيح من قول
أبي بكر وعمر للجدة مالك في كتاب الله شيء على أن الفرائض والسهام في المواريث لا تؤخذ إلا من جهة نص الكتاب والسنة استدلال صحيح
97

ولا خلاف في ذلك بين العلماء فأغنى عن الكلام فيه إلا أنهم أجمعوا أن فرض الجدة والجدات السدس لا مزيد فيه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والفرائض والسهام مأخوذة من كتاب الله عز وجل نصا ما عدا الجدة فإن فرضها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من نقل الآحاد على ما ذكرنا في هذا الباب ومن إجماع العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع إن الله قد أعطى كل ذي فرض فرضه فلا وصية لوارث وفي هذا ما يدل على صحة ما ذكرنا وبالله توفيقنا واختلف العلماء من الصحابة ومن بعدهم في توريث الجدات على ما أصف لك فكان زيد بن ثابت يقول سواء كانت الجدة لأم أو لأب ميراثها السدس فإن اجتمعتا فالسدس بينهما وكذلك إن كثرت لا يزدن على السدس إذا تساوين في القعدد فإن قربت التي من قبل الأم كان السدس لها دون غيرها وإن قربت التي من قبل الأب كان السدس بينها وبين التي من قبل الأم وإن بعدت ولا ترث من قبل الأم إلا جدة واحدة ولا ترث الجدة أم أب الأم علي حال ولا يرث مع الأب أحد من جداته ولا ترث جدة وابنها حي يعني الابن الذي جرها إلى الميراث فأما أن تكون جدة أم عم لأب وأم فلا يحجبها هذا الابن عن الميراث ولا يرث أحد من الجدات مع الأم فهذا كله قول زيد بن ثابت وبه يقول مالك والشافعي وأصحابهم إلا أن مالكا
98

لا يورث إلا جدتين أم أم وأم أب وأمهاتهما وكذلك روى أبو ثور عن الشافعي وهو قول أبي بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وابن شهاب وطلحة بن عبد الله بن عوف وربيعة وابن هرمز وابن أبي ذؤيب وهو معنى قول سعد بن أبي وقاص وذلك أنه كان يوتر بركعة فعابه ابن مسعود فقال أتعيبني أن أوتر بركعة وأنت تورث ثلاث جدات قال ابن أبي أويس سألت مالكا عن اللتين ترثان والثالثة التي تطرح وأمهاتها فقال اللتان ترثان أم الأم وأم الأب وأمهاتهما إذا لم يكونا والثالثة التي تطرح أم الجد أب الأب وأمهاتها قال ابن أبي أويس فأما أم أب الأم فلا ترث شيئا وكان الأوزاعي لا يورث أكثر من ثلاث جدات واحدة من قبل الأم والاثنين من قبل الأب وهو قول أحمد بن حنبل ومن حجة من ورث ثلاث جدات ما حدثني محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث ثلاث جدات ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم وأما علي بن أبي طالب فكان قوله في الجدات كقول زيد بن ثابت إلا أنه كان يورث الدنيا من قبل الأب أو من قبل الأم ولا يشرك معها من ليس في قعددها وبه يقول الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأما عبد الله بن مسعود وابن عباس فكانا يورثان الجدات الأربع وهو قول الحسن وابن سيرين وجابر بن زيد
99

وروى حماد بن سلمة عن حجاج عن سليمان الأعمش عن إبراهيم أن عبد الله بن مسعود قال ترث الجدات الأربع قربن أو بعدن وحماد بن سلمة عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال ترث الجدات الأربع وحماد بن زيد عن أيوب عن الحسن ومحمد أنهما كان يورثان أربع جدات قال أبو عمر كان عبد الله بن مسعود يشرك بين الجدات في السدس دنياهن وقصواهن ما لم تكن جدة أم جدة أو جدتها فإن كان ذلك ورث بينهما مع سائر الجدات وأسقط أمها أو جدتها وقد روي عنه أنه كان يسقط القصوى بالدنيا إذا كانتا من جهة واحدة مثل أن تكون أم أب وأم أب أب فيورث أم الأب ويسقط أم أب الأب وكان يحيى بن آدم يختار هذه الرواية عن ابن مسعود ويقويها وأما ابن عباس فكان يورث الجدة أم أب الأم مع من يحاذيها من الجدات وتابعه على ذلك ابن سيرين وجابر بن زيد وروي عن ابن عباس في الجدة أيضا قول شاذ أجمع العلماء على تركه وهو ما رواه إسرائيل عن أبي إسحق أنه سمع من يحكي عن ابن عباس أنه قال كل جد ليس دونه من هو أقرب
100

منه فهو أب وكل جدة من قبل الأم ليس دونها أقرب منها فهي بمنزلة الأم قال يحيى بن آدم ولا نعرف أحدا من أهل العلم ورث جدة ثلثا ولو كانت بمنزلة الأم لورثت الثلث قال أبو عمر أما قول ابن عباس في الجد أنه كالأب عند عدم الأب فعليه أكثر أهل العلم وروي ذلك عن أبي بكر الصديق وأبي الدرداء ومعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وعائشة وابن الزبير وبه قال شريح والحسن وعبد الله بن عقبة وجابر بن زيد وفقهاء البصرة عثمان البني وغيره وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور والمزني وإسحق بن راهويه والطبري وداود ونعيم بن حماد واختلف في الجد عن عمر اختلافا كثيرا وروي عنه أنه قال احفظوا عني ثلاثا لم أقل في الجد شيئا ولم أقل في الكلالة شيئا ولم أستخلف أحدا وروي عن زيد بن ثابت أنه قال أدركت الخليفتين يعني عمر وعثمان يقولان في الجد بقولي وهذا أصح عنه وأهل المدينة يروون عن عمر أنه كان يقول في الجد بقول زيد بن ثابت إلا في الأكدرية
101

وروى أهل العراق عنه أنه كان يقاسم الجد بالإخوة إلى السدس ثم يقاسم بينهم إلى الثلث وروي عن عثمان أنه جعل الجد أبا وروي عنه أنه قال فيه بقول زيد إلا في الخرقاء وأما علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت فإنهم يقاسمون الجد بالأخوة وإن كانوا قد اختلفوا في كيفية مقاسمة الجد الأخوة فإنهم مجمعون على أن لاجد ليس بأب ولا يحجب به الأخوة وليس هذا موضع ذكر أقاويلهم في الجد وقال كقول زيد في الجد مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو عبيد وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وقد روي عن محمد بن الحسن أنه وقف في آخر عمره في الجد فلم يقل فيه بقول أحد وقال بقوله في الجد عبيدة السلماني والمغيرة صاحب إبراهيم وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وهشيم ولا أعلم أحدا من الفقهاء قال بقول ابن مسعود في الجد وقد اختلف عن ابن مسعود في مسائل من مسائل الجد وأما قول ابن عباس في الجدة أنها أم عند عدم الأم فلم يتابعه عليه أحد وهو شاذ لا يلتفت إليه ولا يصح عنه ذكر عبد الرزاق عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال جاءت جدات إلى أبي بكر الصديق
102

فأعطى الميراث أم الأم دون أم الأب فقال له رجل من الأنصار من بني حارثة يقال له عبد الرحمن بن سهل يا خليفة رسول الله أعطيت الميراث التي لو أنها ماتت لم يرثها فجعل الميراث بينهما وذكر ابن وهب عن مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد نحوه بمعناه وروى عبد الرزاق أيضا عن سفيان الثوري عن ابن ذكوان أن خارجة بن زيد قال إذا كانت الجدة من قبل الأم هي أقعد فشرك بينهما قال وأخبرنا ابن عيينة عن أبي الزناد قال أدركت خارجة بن زيد وطلحة بن عبد الله بن عوف
وسليمان بن يسار يقولون إذا كانت الجدة من قبل الأم أقرب فهي أحق به وإن كانت أبعد فهما سواء قال وأخبرنا معمر عن قتادة عن ابن المسيب أن زيد بن ثابت كان يقول ذلك قال أبو عمر وقد ذكرنا هذا عن زيد بن ثابت وذكرنا مذهب زيد في أحكام الجدات فيما تقدم من هذا الباب وهو قول أهل المدينة وإليه ذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وداود كلهم يذهب في الجدات إذا اجتمعت أم الأب وأم الأم وليس للميت أم ولا أب أن أم الأم إن كانت أقعدهما (كان لها السدس دون أم الأب وإن كانت أم الأب اقعدهما) (121) وكانتا مشتركتين في القعدد فالسدس بينهما نصفين
103

وإنما كانت الجدة أم الأم إذا كانت أقعد أولى بالسدس من أم الأب من قبل أنها أقرب للميت ألا ترى أن ابنتها وهي الأم تمنع الجدات الميراث من أجل قربها فكذلك أمها تمنع الجدات إذا لم يكن في درجتها فأما إذا بعدت وقربت التي من جهة الأب فإنهما يشتركان عند زيد بن ثابت وقال به أهل المدينة وأهل العراق وذلك والله أعلم لأن أم الأم هي التي ورد فيها النص من السنة ومثال ذلك إذا كان الميت ترك جدته أم أمه وجدته أم أبيه فالسدس ههنا لأم أمه وإن ترك أم أبيه وأم أم أمه فالسدس بينهما سواء ولا يرث عند مالك من الجدات غيرهما ومن الحجة في تقوية أم الأم أن الأم لما منعت الجدات ولم يمنع الأب أم الأم دل على أن الجدة من جهة الأم أقوى لأنها تدلي بها وهي تمنع الجدات ولا يمنعها الأب والأخرى تدلي بالأب والأب لا يحجب أم الأم فكيف تحجبها أمه أو تستوي معها واختلف العلماء في توريث الجدة وابنها حي فروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري وعمران بن حصين وأبي الطفيل عامر بن وثلة أنهم كانوا يورثون الجدة مع ابنها وبه قال شريح القاضي والحسن البصري وعطاء وابن سيرين ومسلم بن يسار وأبو الشعثاء جابر بن زيد وهو قول فقهاء البصريين وبه يقول شريك والنخعي وأحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه والطبري
104

واختلف عن الثوري فروى عنه أنه كان يورثها مع من يحاذيها من الجدات وروي عنه أنه كان لا يورثها وكذلك اختلف فيها عن الحسن وروى يزيد بن هارون قال أنبأنا محمد بن سالم عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله في الجدة قال إنها أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم السدس مع ابنها وابنها حي وروى يزيد بن هارون أيضا قال أنبأنا شعيب بن سوار عن محمد بن سيرين قال قال عبد الله بن مسعود فذكر مثله وهذا لو صح لم يكن فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون أراد الجدة أم الأم وابنها حي وهو خال الميت وهذا ما لا خلاف فيه ومما يدل على ضعف هذا الحديث أن أبا بكر لم يكن عنده علم من الجدة حتى سأل فأخبره المغيرة وأراد أن لا يعطي الأخرى شيئا وقد احتج بهذا إسماعيل وفيه نظر وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج والثوري وابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ورث عمر بن الخطاب جدة مع ابنها قال وأخبرنا معمر عن بلال بن أبي بردة أنا أبا موسى الأشعري كان يورث الجدة مع ابنها وقضى بذلك بلال وهو أمير على البصرة قال وأخبرنا الثوري عن منصور والأعمش عن إبراهيم قال كان عبد الله يقول لا يحجب الجدات إلا الأم
105

قال أبو عمر من حجة من ذهب إلى هذا القول ما رواه الثوري وغيره عن أشعث عن ابن سيرين قال أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أب مع ابنها ومن جهة النظر لا يجوز حجبها بالذكور قياسا على الأم وأم الأم ووجه آخر أن عدم الأب لا يزيدها في فرضها وإنما لها السدس على كل حال فكيف يحجبها ووجه آخر لما كان الأخوة والأخوات للأم يدلون بالأم ويرثون معها كانت الجدة كذلك ترث مع الأب وإن كانت تدلي به وقال علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت لا ترث الجدة مع ابنها يعنون أنها لا ترث أم الأب مع الأب وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وداود وأصحابهم ومن حجتهم أن الجد لما كان محجوبا بالأب وجب أن تكون الجدة أولى أن تكون به محجوبة ولأنها أحد أبوي الأب فوجب أن يحجبها الأب ووجه آخر أنها إذا كانت أم أم لم ترث مع الأم فكذلك إذا كانت أم أب لا ترث مع الأب ووجه آخر أن ابن العم وابن الأخ لا يرث واحد منهما مع أبيه الذي يدلي به إلى الميت فكذلك الجدة أم الأب لا ترث مع الأب لأنها به تدلي
106

ذكر يزيد بن هارون قال أخبرني سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن زيد بن ثابت لم يجعل للجدة شيئا مع ابنها وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا عبد الرزاق قال أنبأنا الثوري عن أشعث وأبي سهل عن الشعبي قال كان علي وزيد لا يورثان الجدة مع ابنها وما قرب من الجدات وما بعد منهن جعل لهن السدس إذا كن من مكانين شتى وإذا كن من مكان واحد ورث القربى قال وأخبرني معمر عن الزهري أن عثمان لم يورث الجدة إذا كان ابنها حيا والناس عليه وذكر ابن أبي شيبة عن وكيع عن شريك عن جابر عن عامر قال لم يورث أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجدة مع ابنها إلا ابن مسعود قال وكيع والناس على ذا قال وأخبرنا ابن فضيل عن بسام بن فضل قال قال إبراهيم لا ترث الجدة مع ابنها في قول علي وزيد ابن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر حديث واحد متصل وهو أبو بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ثقة شريف لم يرو عنه ابن شهاب غير هذا الحديث
107

الواحد (وما أحسبه روى عنه غير ابن شهاب (122)) وأبو بكر هذا هو والد خالد بن أبي بكر النسابة المحدث المدني شيخ ابن وهب ويقال إن اسم أبي بكر هذا القاسم وقيل بل القاسم أخوه فالله أعلم (123) (فإن كان أبو بكر هذا هو القاسم فقد روى عنه عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر أيضا فالله أعلم) وقد روى الزهري أيضا عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر والد أبي بكر هذا وروى عن عبد الله بن عبد الله بن عمر وعن سالم بن عبد الله بن عمر وعن حمزة بن عبد الله بن عمر ولعبد الله بن عمر بنون لم يرو عنهم الزهري منهم بلال بن عبد الله بن عمر وواقد بن عبد الله بن عمر وزيد بن عبد الله بن عمر وهؤلاء بنو عبد الله بن عمر فأم سالم وعبيد الله وحمزة واحدة أم ولد وأم عبد الله بن عبد الله بن عمر صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي وإلى عبد الله هذا أوصى أبوه ابن عمر ولم يوص إلى سالم وكان عبد الله بن عمر يدار على أن لا يوصي إليه فقال
* يديرونني في سالم وأديرهم
* وجلدة بين الأنف والعين سالم
* ولأبي بكر شيخ ابن شهاب هذا أخ يقال له القاسم بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر على اختلاف في ذلك وأخ ثان يقال له أبو سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر روى عنه الحديث أيضا وفي ولد أبي سلمة هذا قضاة وأمراء بالمدينة
108

وأخ ثالث يسمى عبد العزيز بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر وقال العدوي شرف بيت عبد الله بن عمر وذكرهم في عبيد الله بن عبد الله بن عمر وولده قال أبو عمر من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عمر والد أبي بكر هذا عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث القلتين من حديث عاصم بن المنذر وغيره عنه ومن حديث عبيد الله بن عبد الله بن عمر والد أبي بكر هذا عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم من جاء منكم الجمعة فليغتسل) من حديث ابن شهاب أيضا مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) هكذا قال يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الله بن عمر وهو وهم وغلط لا شك عند أحد من أهل العلم والآثار والأنساب والصحيح انه أبو بكر بن عبيد الله على حسب ما قدمنا ذكره لا يختلفون في ذلك وكذلك قال جماعة أصحاب مالك عنه في هذا الحديث وجماعة أصحاب ابن شهاب منهم ابن عيينة وعبيد الله بن عمر
109

وعبد الرحمن بن إسحاق ومن قال فيه عن أبي بكر بن عبد الله فقد أخطأ وقال ابن بكير في هذا الحديث عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر ولم يتابعه أحد من أصحاب مالك على ذلك فيما علمت وإنما يجعلون الحديث لأبي بكر بن عبيد الله عن جده لا يقولون فيه عن أبيه كما قال ابن بكير ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله بن عمر عمن حدثه أنه سمع ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فذكره سواء قال الدارقطني روى هذا الحديث عمر بن محمد بن زيد عن القاسم بن عبيد الله عن عبد الله بن عمر وهو أبو بكر الذي روى عنه الزهري وقال عن سالم عن ابن عمر فأشبه أن يكون قول إبراهيم بن طهمان له وجه والله أعلم واختلف في ذلك عن ابن شهاب أيضا بعض الاختلاف والصحيح أنه لأبي بكر بن عبيد الله عن جده لأن أكثر أصحاب مالك يقولون ذلك وكذلك قال ابن عيينة عبيد الله بن عمر وغير مستنكران يرويه أبو بكر هذا عن جده عبد الله بن عمر وقد روي عن عبد الله بن عمر من حفدته محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر وروى عنه من دون هؤلاء في السن
110

وقد روى هذا الحديث معمر (124) عن الزهري عن سالم عن ابن عمر وأخشى أن يكون خطأ عن (125) معمر لأنه لم يروه غيره ولا يحفظ هذا الحديث من حديث الزهري عن سالم ولو كان عند الزهري عن سالم ما حدث به عن أبي بكر والله أعلم وهو مما حدث به معمر باليمن وبالبصرة لأنه رواه عنه عبد الأعلى وعبد الرزاق وسعيد بن أبي عروبة حدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن سالم عن ابن عمر قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) وقد روى هذا الحديث معمر عن مالك فيما حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء (126) حدثنا حيوة حدثنا العباس بن محمد البصري حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره قال أبو عمر الصواب في إسناد هذا الحديث الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن جده عبد الله بن عمر والله أعلم
111

وإن صح حديث معمر عن الزهري عن سالم فهو إسناد آخر حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي العثماني قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن جده عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وكذلك رواه علي بن المديني والحميدي ومسدد وابن المقرئ وغيرهم عن ابن عيينة حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثني عبيد الله بن عمر قال حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر (127) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله وبهذا الإسناد عن مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال قال عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا بأيمانكم واشربوا بأيمانكم فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله (128)
112

وفي هذا الحديث أدب الأكل والشرب ولا يجوز لأحد أن يأكل بشماله ولا أن يشرب بشماله لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وفي أمره عليه السلام بالأكل باليمين والشرب بها (129) نهي عن الأكل بالشمال والشرب بها لأن الأمر يقتضي النهي عن جميع أضداده فمن أكل بشماله أو شرب بشماله وهو بالنهي عالم فهو عاص لله ولا يحرم عليه مع ذلك طعامه ذلك ولا شرابه لأن النهي عن ذلك نهي أدب لا نهي تحريم والأصل في النهي أن ما كان لي ملكا فنهيت عنه فإنما النهي عنه تأدب وندب إلى الفضل والبر وإرشاد إلى ما فيه المصلحة في الدنيا والفضل في الدين وما كان لغيري فنهيت عنه فالنهي عنه نهي تحريم وتحظير والله أعلم وقد جاءت السنة المجتمع عليها أن اليمين للأكل والشرب والشمال للاستنجاء ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجى باليمين كما نهي أن يؤكل أو يشرب بالشمال وما عدى الأكل والشرب والاستنجاء فبأي يديه فعل الإنسان ذلك فلا حرج عليه إلا أن التيامن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه في الأمر كله فينبغي للمؤمن أن يحب ذلك ويرغب فيه ففي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة على كل حال
113

حدثنا عبد الرحمن بن يحيى بن فتح قال حدثنا حمزة بن محمد قال أنبأنا القاسم بن الليث قال أنبأنا هشام بن عمار قال حدثنا هقل بن زياد قال حدثنا هشام عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله وفي هذا الحديث دليل على أن الشياطين يأكلون ويشربون والشيطان المقصود إلى ذكره في هذا الحديث من الجن جنس من أجناسهم نحو قول الله عز وجل * (وما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون) * ومثله كثير وقد يكون الشيطان من الإنس على طريق اتساع اللغة كما قال الله عز وجل * (شياطين الإنس والجن) * وإنما قيل لهؤلاء شياطين لبعدهم من الخير من قول العرب نوى شطون أي بعيدة قال جرير
* أيام يدعونني الشيطان من غزلي
* وكن يهوينني إذ كنت شيطانا
* وقال منظور بن رواحة
* فلما أتاني ما تقول ترقصت
* شياطين رأسي وانتشين من الخمر
* وقال ابن ميادة
* فلما أتاني ما تقول محارب
* بعثت شياطيني وجن جنونها
*
114

وقال أبو النجم (130
* إني وكل شاعر من البشر
* شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
* ولا خلاف أنها لشياطين الجن أو من الجن اسم لازم لهم من أسمائهم للصالح منهم والطالح فأغنى ذلك عن الإكثار والأسماء لا تؤخذ قياسا فإنما هي على حساب ما علمها الله آدم صلى الله عليه وسلم أسماء علامات للمسميات وقد حمل قوم هذا الحديث وما كان مثله على المجاز فقالوا في قوله إن الشيطان يأكل بشماله إن الأكل بالشمال أكل يحبه الشيطان كما قال في الخمرة زينة الشيطان وفي الاقتعاط (131) بالعمامة عمامة الشيطان أي إن الخمرة ومثل تلك العمة يزينها الشيطان ويدعو إليها وكذلك يدعو إلى الأكل بالشمال ويزينه وهذا عندي ليس بشيء ولا معنى لحمل شيء من الكلام على المجاز إذا أمكنت فيه الحقيقة بوجه ما وقال آخرون أكل الشيطان صحيح ولكنه تشمم واسترواح لا مضغ ولا بلع (132) وإنما المضغ والبلع لذوي الجثث ويكون استرواحه وشمه من جهة شماله ويكون بذلك مشاركا في المال قال أبو عمر أكثر أهل العلم بالتأويل يقولون في قول الله عز وجل
115

* (وشاركهم في الأموال) * قالوا الإنفاق في الحرام والأولاد قالوا الزنا ومن الدليل على أن الشياطين من الجن يأكلون ويشربون قوله صلى الله عليه وسلم في العظم والروثة في حديث الاستنجاء هي زاد إخوانكم من الجن وفي غير هذا الحديث أن طعامهم ما لم يذكر اسم الله عليه وما لم يغسل من الأيدي والصحاف وشرابهم الجدف وهي الرغوة والزبد وهذا أشياء لا تدرك بعقل ولا تقاس على أصل وإنما فيه التسليم لمن أتاه الله من العلم ما لم يؤتنا وهو نبينا صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث حديث ابن عمر المذكور في هذا الباب ما يرفع الإشكال قوله أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويحتمل أن يكون الجن كلهم يأكلون ويشربون ويحتمل أن يكون كذلك بعضهم جنس منهم وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني قال حدثنا المسيب بن واضح السلمي قال حدثنا الحكم بن محمد الطفوي (133) عن عبد الصمد بن معقل قال سمعت وهب بن منبه يقول وسئل عن الجن ما هم وهل يأكلون ويشربون ويموتون
116

ويتناكحون (134) قال هم أجناس فأما الذين هم خالص الجن فهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون ومنهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون ويتوالدون ويموتون (134) ومنهم السعالى والغول والقطوب (135) وأشباه ذلك فهذا وهب بن منبه قد قال ما ترى والله أعلم ولأهل الكلام وغيرهم أقاويل في إدراك الجن بالأبصار وفي دخولهم في الإنسان هل هم مكلفون أو غير مكلفين ليس بنا حاجة إلى ذكر شيء من ذلك في كتابنا هذا لأنه ليس بموضع ذلك وهم عند الجماعة مكلفون مخاطبون لقوله تعالى * (يا معشر الجن والإنس) * وقوله تعالى * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) * وقوله * (سنفرغ لكم أيها الثقلان) * وقوله * (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) * ولا يختلفون أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول إلى الإنس والجن نذير وبشير هذا مما فضل به على الأنبياء أنه بعث إلى الخلق كافة الجن والإنس وغيره لم يرسل إلا بلسان قومه صلى الله عليه وسلم ودليل ذلك ما نطق به القرآن من دعائهم إلى الإيمان بقوله في مواضع من كتابه يا معشر الجن والإنس والجن عند أهل الكلام وأهل العلم باللسان (136) ينزلون على مراتب فإذا ذكروا الواحد من الجن خالصا قالوا جني فإن أرادوا أنه ممن يسكن مع الناس قالوا عامر والجمع عمار وإن كان ممن يعرض للصبيان قالوا أرواح فإن خبث وتعرم (137) فهو شيطان فإن زاد على
117

ذلك فهو مارد فإن زاد على ذلك وقوي أمره قالوا عفريت والجمع عفاريت حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثني بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن بكر السهمي عن حاتم بن أبي صغيرة عن ابن أبي مليكة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أنها قتلت جانا فأوتيت فيما يرى النائم فقيل لها أما والله لقد قتلت مسلما قال فقالت إن كان مسلما فلم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل لها ما يدخل عليك إلا
وعليك ثيابك فأصبحت فزعة فأمرت باثني عشر ألفا فجعلت في سبيل الله وروى مالك عن صيفي عن أبي السائب عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإن رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان وقال الله عز وجل * (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) * وسيأتي من هذا المعنى بيان أيضا وشفاء في باب صيفي إن شاء الله عز وجل * (* (ابن شهاب عن عباد بن زياد حديث واحد) *) * عباد بن زياد هذا أظنه من ثقيف من ولد أبي سفيان بن حارثة وليس ذلك عندي بعلم حقيقة وقد
118

قيل إنه عباد بن زياد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية والله أعلم (ويقولون (138) أن زيادا استلحق عبادا أيضا فعباد بن زياد مستلحق من مستلحق) ولا أقف له على وفاة ولا أعرف له خبرا إلا أن ابن شهاب روى عنه حديثين أحدهما حديث المسح على الخفين والآخر فيمن ينصرف من الصلاة على أحد شقيه فأما الحديث الأول فرواه مالك ولم يقمه وأفسد إسناده وأما الاخر فليس عند مالك ولا في روايته وحديث مالك عن ابن شهاب عنه مالك عن ابن شهاب عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة عن أبيه المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب لحاجته في غزوة تبوك (139) قال المغيرة فذهبت معه بماء فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكبت عليه الماء فغسل وجهه ثم ذهب ليخرج يديه من كمي (140) جبته فلم يستطع من ضيق كمي الجبة فأخرجهما من تحت الجبة (141) فغسل يديه ومسح برأسه ومسح على الخفين فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمان بن عوف يؤمهم وقد صلى بهم
119

التي بقيت ففزع الناس فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال أحسنتم هكذا قال مالك في هذا الحديث عن عباد بن زياد وهو من ولد المغيرة بن شعبة لم يختلف رواة الموطأ عنه في ذلك وهو وهم غلط منه ولم يتابعه أحد من رواة ابن شهاب ولا غيرهم عليه وليس هو (142) من ولد المغيرة بن شعبة عند جميعهم وزاد يحيى بن يحيى في ذلك أيضا شيئا لم يقله أحد من رواة الموطأ وذلك أنه قال فيه عن أبيه المغيرة بن شعبة ولم يقل أحد فيما علمت (143) في إسناد هذا الحديث عن أبيه المغيرة غير يحيى بن يحيى وسائر رواة الموطأ عن مالك يقولون عن ابن شهاب عن عباد بن زياد وهو من ولد المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة (144) لا يقولون عن أبيه المغيرة كما قال يحيى ولم يتابعه واحد منهم على ذلك كتبت هذا وأنا أظن أن يحيى بن يحيى وهم في قوله عن أبيه حتى وجدته لعبد الرحمان بن مهدي عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة عن أبيه كما قال يحيى ذكره أحمد بن حنبل وغيره عن ابن مهدي وقد ذكرناه
120

وذكر الدارقطني أن سعد بن عبد الحميد بن جعفر قال فيه عن أبيه كما قال يحيى قال وهو وهم قال ورواه روح بن عبادة عن مالك عن الزهري عن عباد بن زياد عن رجل من ولد المغيرة عن المغيرة قال فإن كان روح حفظ فقد أتى بالصواب لأن الزهري يرويه عن عباد عن المغيرة وإسناد هذا الحديث من رواية مالك في الموطأ وغيره إسناد ليس بالقائم لأنه إنما يرويه ابن شهاب عن عباد بن زياد عن عروة وحمزة ابني المغيرة بن شعبة عن أبيه المغيرة بن شعبة وربما حدث به ابن شهاب عن عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة عن أبيه ولا يذكر حمزة بن المغيرة وربما جمع حمزة وعروة ابني المغيرة في هذا الحديث عن أبيهما المغيرة ورواية مالك لهذا الحديث عن ابن شهاب عن عباد بن زياد عن المغيرة مقطوعة وعباد بن زياد لم ير المغيرة ولم يسمع منه شيئا أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة عن أبيه (أن رسول (145) الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى حاجته في غزوة تبوك) فذكره سواء كما في الموطأ
121

قال (146) مصعب وأخطأ فيه مالك خطأ قبيحا أخبرنا به أبو محمد رحمه الله وكتبته من أصل سماعه عن ابن حمدان وحدثنا أيضا قال حدثنا ابن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال قرأت على عبد الرحمان يعني ابن مهدي عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة عن أبيه المغيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب لحاجته في غزوة تبوك فذكره سواء كما في الموطأ) وكتبته أيضا من الأصل الصحيح لأبي محمد رحمه الله من أصل سماعه وقد ذكر عبد الرزاق هذا الخبر عن معمر في كتابه عن الزهري أن المغيرة بن شعبة قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وذكر الحديث هكذا مقطوعا وأظن هذا إنما أوتي من قبل الزهري والله أعلم لأن أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي حدثنا قال حدثنا أبي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا أبو عاصم خشيش بن أصرم قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن الزهري عن عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فلما كان في بعض الطريق تخلف وتخلفت معه بالأداوة فتبرز ثم أتاني فسكبت على يديه وذلك عند صلاة الصبح فلما غسل وجهه وأراد غسل ذراعيه ضاق كما جبته وعليه جبة شامية قال فأخرج يديه من تحت
122

الجبة فغسل ذراعيه ثم توضأ ومسح على خفيه قال ثم انتهينا إلى القوم وقد صلى بهم عبد الرحمان بن عوف ركعة قال فذهبت أوذنه فقال دعه فصلى النبي صلى الله عليه وسلم معه ركعة ثم انصرف فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ركعة ففزع الناس لذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغ أصبتم أو قال أحسنتم وحدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب قال حدثني عباد بن زياد عن عروة وحمزة ابني المغيرة بن شعبة أنهما سمعا المغيرة بن شعبة يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ على الخفين ثم صلى فيهما وروى ابن وهب في موطئه هذا الحديث عن مالك عن يونس بن يزيد وعمرو بن الحارث وابن سمعان أن ابن شهاب أخبرهم عن عباد بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة عن عروة بن المغيرة بن شعبة أنه سمع أباه يقول سكبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توضأ في غزوة تبوك فمسح على الخفين ولم يذكر مالك عروة بن المغيرة ولم يذكر ابن سمعان عبادا هكذا قال ابن وهب عن هؤلاء كلهم جمعهم في إسناد واحد ولفظ واحد كما ترى إلا ما خص من ذكر مالك في عروة وذكر
123

ابن سمعان في عباد بن زياد من ولد المغيرة إلا من رواية ابن وهب هذه وإنما يعرف هذا لمالك وأظن ابن وهب حمل لفظ بعضهم على بعض وكان يتساهل في مثل هذا
كثيرا وقد كان ابن شهاب ربما أرسل الحديث عن عروة بن المغيرة ولا يذكر عباد بن زياد في ذلك فمن هنالك لم يذكر ابن سمعان عباد بن زياد والله أعلم وقد حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثنا سليمان بن بلال عن يونس عن عروة وحمزة ابني المغيرة أنهما سمعا المغيرة (147) عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث قال إسماعيل لم يذكر ابن أبي أويس في حديثه عن سليمان بن بلال (عن عباد (148) بن زياد وذكره في حديثه عن أخيه عن سليمان بن بلال) وأما صالح بن كيسان فرواه عن ابن شهاب فأتقن أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا سعد ويعقوب يعني ابني إبراهيم بن سعد قالا حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال حدثني عباد بن زياد قال حدثنا سعد بن أبي سفيان عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة
124

بن شعبة قال تخلفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دفع إلى الأداوة أو قال ثم رجع إلي ومعي الأداوة قال فصببت على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استنثر قال يعقوب ثم تمضمض ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم أراد أن يغسل يديه فأراد أن يخرجهما من كمي جبته فضاق عنه كماها فأخرج يديه من تحت الجبة فغسل يده اليمنى ثلاث مرات ويده اليسرى ثلاث مرات ومسح برأسه ومسح بخفيه ولم ينزعهما ثم عمد إلى الناس فوجدهم قد قدموا عبد الرحمان بن عوف يصلي بهم فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين فصلى مع الناس الركعة الأخرى بصلاة عبد الرحمان فلما سلم عبد الرحمان قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته فأفزع المسلمين فأكثروا التسبيح فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم فقال أحسنتم وأصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن جعفر (149) بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرزاق ومحمد بن بكر قالا أخبرنا ابن جريج قال حدثني ابن شهاب عن عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة أخبره أنه غزا مع
125

رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك (150) قال المغيرة فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث إلى آخره بمثل رواية صالح بن كيسان وعند ابن شهاب في حديث المغيرة هذا إسناد آخر عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص وكان لا يحدث به عن إسماعيل هذا لصغر سنه إلا عبادا وقد رواه ابن جريج وابن عيينة عن الزهري عن إسماعيل بن محمد بن سعد (151) عن حمزة بن المغيرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وعند ابن جريج الحديثان جميعا أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا عبد الرزاق قال أنبأنا ابن جريج قال حدثني ابن شهاب عن عباد بن زياد أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره أن المغيرة بن شعبة غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك قال فتبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغائط فحملت معه إداوة قبل صلاة الفجر فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أخذت أهرق على يديه من الإداوة فغسل يديه ثلاث مرات ثم تمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثم ذهب يخرج ذراعيه من جبته فضاق كما جبته فأدخل يديه في الجبة حتى أخرج ذراعيه من أسفل الجبة فغسل ذراعيه إلى المرفقين ثم
126

توضأ على خفيه قال ثم أقبل وأقبلت معه حتى نجدهم قد قدموا عبد الرحمان بن عوف يصلي بهم فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين وصلى مع الناس الركعة الآخرة فلما سلم عبد الرحمان بن عوف قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم صلاته وأفزع ذلك المسلمين فأكثروا التسبيح فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم ثم قال أحسنتم أو قال أصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها قال ابن شهاب فحدثني إسماعيل بن محمد بن سعد عن حمزة بن المغيرة بمثل حديث عباد بن زياد وزاد المغيرة فأردت تأخير عبد الرحمان بن عوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال حدثني ابن شهاب عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن حمزة بن المغيرة نحو حديث عباد قال المغيرة فأردت تأخير عبد الرحمان بن عوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه فهذا حديث ابن شهاب خاصة وتمهيده في المسح على الخفين وأما طرق حديث المغيرة على الاستيعاب فلا سبيل لنا إليها وقد قال أبو بكر البزار روي هذا الحديث عن المغيرة من نحو ستين طريقا قال أبو عمر وقد روي هذا الحديث عن عروة بن المغيرة عن أبيه الشعبي فزاد فيه حكما جليلا حسنا (152) وذلك اشتراط طهارة
127

القدمين بطهر الوضوء عند إدخالهما الخفين لمن أراد المسح عليهما بعد الحدث قرأت على عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود قالا حدثنا مسدد قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثني أبي عن الشعبي قال سمعت عروة بن المغيرة بن شعبة يذكر عن أبيه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركب ومعي أداوة فخرج لحاجته ثم أقبل فتلقيته بالأداوة فأفرغت عليه فغسل كفيه ووجهه ثم أراد أن يخرج ذراعيه وعليه جبة من صوف من جباب الروم ضيقة الكمين فضاقت فأدرعها أدراعا ثم أهويت إلى الخفين لأنزعهما فقال دع الخفين فإني أدخلت القدمين وهما طاهرتان فمسح عليهما قال أبي قال لي الشعبي شهد لي عروة على أبيه وشهد أبوه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره أحمد بن حنبل وغيره عن وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن الشعبي بإسناده مثله سواء وكذلك رواه مجالد وزكرياء بن أبي زائدة وغيرهم عن الشعبي بإسناده مثله هذا هو الأصل المجتمع عليه قال لا يمسح على الخفين إلا من أدخل رجليه فيهما طاهرتين
128

حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار قال سمعت ابن عمر يقول سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيتوضأ أحدنا ورجلاه في الخفين قال نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا الحسن بن سلام السويقي قال حدثنا سليمان بن داود الهاشمي قال حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال سمعت يحيى بن سعيد وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا هاشم بن القاسم قال حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة قالا جميعا أخبرنا سعد بن إبراهيم أن نافع بن جبير بن مطعم أخبره أنه سمع عروة بن المغيرة
يحدث عن المغيرة أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وأنه ذهب في حاجته وأن المغيرة جعل يصب عليه فتوضأ فغسل وجهه ومسح برأسه ومسح على الخفين هذا لفظ حديث عبد الوارث وفي حديث عبد الله ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض حاجته ثم جاء فسكبت عليه الماء فغسل وجهه ثم ذهب يغسل ذراعيه فضاق عنهما كما الجبة قال فأخرجهما من تحت الجبة فغسلهما ثم مسح على خفيه
129

ذكرت هذا الإسناد من أجل أنه من رواية فقهاء المدينة ورواه بكر المزني عن حمزة بن المغيرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الحسن البصري عن حمزة أيضا عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عن المغيرة بن شعبة أبو أمامة الباهلي وعمرو بن وهب الثقفي ورواه ابن سيرين عن عمرو بن وهب ورواه أيضا عن المغيرة بن شعبة عبد الرحمان بن أبي يعمر (153) ومسروق بن الأجدع وقبيصة بن برمة وأبو السائب مولى هشام بن زهرة وغيرهم وفي حديث عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته ومسح على عمامته وعلى خفيه وكذلك في رواية الحسن وبكر المزني عن حمزة بن المغيرة عن أبيه هذه الزيادة أيضا وحديث عمرو بن وهب الثقفي صحيح من رواية أيوب عن ابن سيرين عنه من حديث حماد بن يزيد وابن علية وغيرهما وكذلك حديث بكر وغيره صحاح والحمد لله وكلهم يصف ضيق الجبة ويصف إمامة عبد الرحمان بن عوف والقصة على وجهها بألفاظ متقاربة ومعنى واحد إلا قليل منهم ممن اختصر القصة وقصد إلى الحكم في المسح على الخفين وعلى الناصية
130

قال أبو عمر في حديث مالك في هذا الباب ضروب من معاني العلم منها خروج الإمام بنفسه في الغزو لجهاد عدوه وكانت عزوة تبوك آخر عزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في سنة تسع من الهجرة وهي المعروفة بغزاة العسرة قال ابن إسحاق خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك فصالحه أهل أيلة وكتب لهم كتابا قال خليفة وقال المدائني كان خروجه إليها في غرة رجب ولم يختلفوا أن ذلك في سنة تسع وفيه آداب الخلاء والبعد عن الناس عند حاجة الإنسان وفيه على ظاهر حديث مالك وغيره وأكثر الروايات ترك الاستنجاء بالماء مع وجود الماء لأنه لم يذكر أنه استنجى به وإنما ذكر أنه سكب عليه فغسل وجهه يعني لوضوئه وفي غير حديث مالك فتبرز ثم جاء فصببت على يديه من الأداوة فغسل كفيه وتوضأ وفي حديث الشعبي عن عروة بن المغيرة عن أبيه فخرج لحاجته ثم أقبل فتلقيته بالأداوة فدل على أنه لم يدفعها إليه وقد صح أن الأداوة كانت مع المغيرة ولم يذكر في شيء من الآثار أنه ناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب بها ثم لما جاء ردها إليه فسكب منها الماء عليه بل في قوله فتلقيته بالأداوة تصريح أنها كانت مع المغيرة وأن رسول الله صلى الله
131

عليه وسلم تبرز لحاجته دونها وفي ذلك ما يوضح لك أنه استنجا بالأحجار بحضرة الماء والله أعلم (154) وقد قال ابن جريج وغيره في هذا الحديث فتبرز لحاجته قبل الغائط لحملت معه إداوة وقال معمر فتخلف وتخلفت معه بأداوة فإن صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء يومئذ في نقل من يقبل نقله (155) وإلا فالاستدلال من حديث مالك وما كان مثله صحيح فإن في هذا الحديث ترك الاستنجاء بالماء والعدول عنه إلى الأحجار مع وجود الماء وقد نزع بنحو هذا الاستدلال جماعة من الفقهاء وزعمت منهم طائفة بأن في هذا الحديث الاستنجاء بالماء لما ذكرنا من ألفاظ بعض الناقلين له بذلك وذلك استدلال أيضا لا نص وأي الأمرين كان فإن الفقهاء اليوم مجمعون على أن الاستنجاء بالماء أطهر وأطيب وإن الأحجار رخصة وتوسعة وأن الاستنجاء بها جائز في السفر والحضر وقد مضى القول في الاستنجاء فيما مضى من كتابنا والحمد لله وفيه إباحة لبس الضيق من الثياب بل ذلك ينبغي أن يكون مستحبا مستحسنا في الغزو لما في ذلك من التأهب والانشمار والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ولباس مثل ذلك في الحضر عندي ليس به بأس
132

وفيه أن العمل الخفيف في الغسل والوضوء لا يوجب استينافه وكذلك كل عمل إذا كان صاحبه آخذا في طهارته ولم يتركها انصرافا عنها إلى غيرها كاستقاء الماء وغسل الإناء وشبه ذلك فإن أخذ المتوضئ في غير عمل الوضوء وتركه استأنف الوضوء من أوله إلا أن يكون شيئا خفيفا جدا فإن كان شيئا خفيفا فهو متجاوز عنه إن شاء الله ولا ينبغي لأحد أن يدخل على نفسه شغلا وإن قل وهو يتوضأ حتى يفرغ من وضوئه وفيه أن لا بأس بالفاضل من الرجال والعالم والإمام أن يخدم ويعان على حوائجه وفيه أنه لا بأس أن يصب على المتوضئ فيتوضأ وذلك عندي والله أعلم إذا كان الإناء لا يتهيأ أن يدخل المتوضئ يده فيه وفيه إذا خيف فوت وقت الصلاة أو فوت الوقت المختار منها لم ينتظر الإمام لها (156) ولا غيره فاضلا كان أو عالما أو لم يكن وقد احتج الشافعي بأن أول الوقت أفضل بهذا الحديث وقال معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليشتغل حتى يخرج الوقت كله وقال لو أخرت الصلاة لشيء من الأشياء عن أول وقتها لأخرت لإقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم
133

وفضل الصلاة معه إذ قدموا عبد الرحمان بن عوف في السفر وفيما قال من ذلك عندي نظر وفيه أن تحري المسلمين بأن يقدموا إماما بغير إذن الوالي ومنها أن يأتم الإمام والوالي من كان برجل من رعيته ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى مع عبد الرحمان بن عوف ركعة وجلس معه في الأولى ثم قام فقضى وفيه فضل عبد الرحمان بن عوف إذ قدمه جماعة الصحابة في ذلك الموضع لصلاتهم بدلا من نبيهم صلى الله عليه وسلم وفيه صلاة الفاضل خلف المفضول وفيه حمد من بدر إلى أداء فرضه وشكره على ذلك وتحسين فعله وفيه الحكم الجليل الذي فرق بين أهل السنة وأهل البدع وهو المسح على الخفين لا ينكره إلا مخذول أو مبتدع خارج عن جماعة المسلمين أهل الفقه والأثر لا خلاف بينهم في ذلك بالحجاز والعراق والشام وسائر البلدان إلا قوما ابتدعوا فأنكروا المسح على الخفين وقالوا إنه خلاف القرآن وعسى القرآن نسخه ومعاذ الله أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الله بل بين مراد الله منه كما أمره الله عز وجل في قوله وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم وقال فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية
134

والقائلون بالمسح جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين قديما وحديثا وكيف يتوهم أن هؤلاء جاز عليهم جهل معنى القرآن أعاذنا الله من الخذلان روى ابن عيينة والثوري وشعبة وأبو معاوية وغيرهم عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال رأيت جريرا يتوضأ من مطهرة ومسح على خفيه فقيل له أتفعل هذا فقال وما
يمنعني أن أفعله وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله قال إبراهيم فكانوا يعني أصحاب عبد الله وغيرهم يعجبهم هذا الحديث ويستبشرون به لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة وعن حماد بن أبي سليمان عن ربعي بن خراش عن جرير بن عبد الله قال وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على خفيه بعد ما أنزلت سورة المائدة حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا بكر بن حماد بإسناده (157) عن مسدد قالا حدثنا سفيان قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قال رأيت جرير بن عبد الله يتوضأ من مطهرة ومسح على خفيه فقالوا أتمسح على خفيك فقال إني رأيت رسول الله صلى
135

الله عليه وسلم يمسح على خفيه وكان هذا الحديث يعجب أصحاب عبد الله يقولون إنما كان إسلامه بعد نزول المائدة وأخبرنا عبد الله بن محمد قال أنبأنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا معاوية قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن همام قال بال جرير بن عبد الله ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل له أتفعل هذا وقد بلت فقال نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه قال إبراهيم وكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول سورة المائدة وحدثنا عبد الله قال حدثنا أحمد قال حدثنا عبد الله قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن سليمان عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن جرير أنه بال ثم توضأ ومسح على خفيه وصلى فسئل عن ذلك فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا وكان يعجبهم هذا الحديث من أجل أن جريرا كان من آخر من أسلم حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا علي بن الحسن الدرهمي حدثنا أبو داود عن بكير بن عامر بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير أن جريرا بال ثم توضأ ومسح على الخفين فقيل له في ذلك فقال ما
136

يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح قالوا إنما كان ذلك قبل نزول المائدة قال ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر وأتت به الفرق إلا أن بعضهم زعم أنه كان قبل نزول المائدة وهذه دعوى لا وجه لها ولا معنى وقد روي عن الحسن البصري رحمه الله قال أدركت سبعين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يمسح على خفيه وعمل بالمسح على الخفين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر أهل بدر والحديبية وغيرهم من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين أجمعين وفقهاء المسلمين في جميع الأمصار وجماعة أهل الفقه والأثر كلهم يجيز المسح على الخفين في الحضر والسفر للرجال والنساء حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا عبد الله بن الخيار الحمصي قال حدثنا إسماعيل بن عياش قال حدثني سفيان بن سعيد الثوري قال مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح وأبو الدرداء وزيد بن ثابت وقيس بن
137

سعد بن عبادة وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري وأبو مسعود الأنصاري وخزيمة بن ثابت الأنصاري والبراء بن عازب وأبو أيوب الأنصاري وأنس بن مالك وعبد الله بن عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وصفوان بن عسال وفضالة بن عبيد الأنصاري وجرير بن عبد الله البجلي قال أبو عمر ممن روينا عنه أنه مسح على الخفين وأمر بالمسح عليهما في الحضر والسفر بالطرق الحسان من مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وأنس بن مالك والبراء بن عازب وحذيفة بن اليمان والمغيرة وسليمان وبلال وخزيمة بن ثابت وعمرو بن أبي أمية وعبد الله بن الحارث (158) بن جرير الزبيري وأبو أيوب وجرير وأبو موسى وعمار وسهل بن سعد وأبو هريرة ولم يرو عن غيرهم منهم خلاف إلا شيء لا يثبت عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا نعيم (159) بن
138

مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن إدريس يعني عبد الله بن إدريس الأزدي عن قطر قال قلت لعطاء إن عكرمة يقول قال ابن عباس سبق الكتاب الخفين قال عطاء كذب عكرمة أنا رأيت ابن عباس يمسح عليهما وروى أبو زرعة عن عمرو بن جرير عن أبي هريرة أنه كان يمسح على خفيه ويقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أدخل أحدكم رجليه في خفيه وهما طاهرتان فليمسح عليهما وذكر الأثرم قال سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يقول فيمن تأول أنه لا بأس أن يصلي خلفه إذا كان لتأويله وجه في السنة وقال أبو عبد الله أرأيت لو أن رجلا لم ير المسح على الخفين فقد كان مالك لا يرى المسح على الخفين في الحضر لا ينبغي أن يصلى خلفه قال بلى ثم قال لو أنك لم تر أن تمسح وصلى بك رجل يرى المسح ألم تكن تصلي خلفه ثم قال لو أن رجلا لم ير الوضوء من الدم الخارج من الجسد ثم صلى ألم تصل خلفه ثم قال نحن نرى الوضوء من الدم أفلا نصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك ممن سهل الوضوء من الدم قال بلى نصلي ثم قال قد روي عن أبي هريرة أنه لا يمسح وعن ابن عباس وعائشة وأبي أيوب
139

قيل لأبي عبد الله فإن قال رجل أنا أذهب إلى حديث أبي أيوب حبب إلي الغسل قال نحن لا نذهب إلى قول أبي أيوب ولكن لو ذهب إليه ذاهب صلينا خلفه قال إلا أن يترك رجل المسح من أهل البدع من الرافضة الذين لا يمسحون وما أشبهه فهذا لا نصلي خلفه (160) أخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ابن عمر رأى سعد بن أبي وقاص يمسح على خفيه فأنكر ذلك عبد الله فقال سعد إن عبد الله أنكر على أن أمسح على خفي فقال عمر لا يختلجن في نفس رجل مسلم أن يتوضأ على خفيه وإن جاء من الغائط قال وأخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمان أن عمر قال لعبد الله بن عمر عمك أعلم منك يعني سعد بن أبي وقاص إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما وإن جئت من الغائط قال وأخبرنا ابن جريج قال أخبرني نافع عن ابن عمر قال أنكرت على سعد بن أبي وقاص وهو أمير بالكوفة المسح على
الخفين فقال أو على في ذلك بأس وهو مقيم بالكوفة قال عبد الله فلما قال ذلك عرفت أنه يعلم من ذلك ما لا أعلم فلم أرجع إليه شيئا فلما التقينا عند عمر قال سعد استفت أباك
140

فيما أنكرت علي في شأن الخفين فقلت له أرأيت أحدنا إذا توضأ وفي رجليه الخفان في ذلك بأس أن يمسح عليهما (فقال (161) عمر لا فقلت وإن ذهب أحدنا إلى الغائط ليس عليه في ذلك بأس أن يمسح عليهما) قال ابن جريج وأخبرنا أبو الزبير قال سمعت ابن عمر يحدث بمثل حديث نافع إياي وزاد عن عمر إذا أدخلت رجليك فيهما وأنت طاهر وكان ابن عمر يفتي بذلك ويعمل به إلى أن مات من رواية مالك عن نافع عنه ومن رواية ابن جريج ومعمر عن ابن شهاب عن سالم عنه ولا أعلم في الصحابة مخالفا إلا شيء لا يصح عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة وقد روي عنهم من وجوه خلافه في المسح على الخفين وكذلك لا أعلم في التابعين أحدا ينكر ذلك ولا في فقهاء المسلمين إلا رواية جابر عن مالك والروايات الصحاح عنه بخلافه وهي منكرة يدفعها موطؤه وأصول مذهبه أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا بكير بن عامر بن أبي نعيم عن المغيرة بن شعبة قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقضى حاجته وتوضأ ومسح على خفيه قلت يا رسول الله نسيت قال بل أنت نسيت بهذا أمرني ربي وحدثنا عبد الله قال حدثنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن عبيد
141

قال حدثنا بكير بن عبد الرحمان بن أبي نعيم قال حدثنا المغيرة بن شعبة أنه سافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه وتوضأ ومسح على خفيه فقلت يا نبي الله نسيت لم تخلع خفيك قال كلا بل أنت نسيت بهذا أمرني ربي وقد احتج بعض من لم ير المسح في الحضر بحديث شريح بن هانئ أنه سأل عائشة عن المسح على الخفين فقالت له سل عليا فإنه كان يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينعم النظر من احتج بهذا أو سامح نفسه في احتجاجه ببعض الحديث وترك بعضه وفي هذا الحديث المسح بالحضر والسفر والتوقيت في ذلك أيضا فكيف يسوغ لعاقل أن يحتج بحديث موضع الحجة منه عليه لا له أخبرنا عبد الوارث بالسعي حدثنا قاسم حدثنا بكر بن حماد حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم بن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال سألت عائشة رضي الله عنها عن المسح على الخفين فقالت اسألوا علي بن أبي طالب فإنه كان يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم
142

وكذلك رواه أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم بهذا الإسناد مرفوعا وكذلك رواه المقدام بن شريح عن أبيه مرفوعا ومن رفعه احفظ وأثبت وأرفع ممن وقفه على أن توقيفه عندي فتيا به واستعمال له فكيف يكون قدحا فيه وحدثنا خالد بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمان أن ابن عمر قال لا يحيكن في صدر امرئ المسح على الخفين وإن جاء من الغائط فإني كنت من أشد الناس في المسح وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو قال وحدثني عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل دار رجل فتوضأ ومسح على خفيه قال ابن وضاح قلت لأبي علي عبد العزيز بن عمران بن مقلاص أمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على خفيه في الحضر قال نعم ثم حدثني بهذا الحديث عن الشافعي عبد الله بن نافع بإسناد مثله
143

قال ابن وضاح وقال لي أبو مصعب (162) دار رجل بالمدينة وقال لي زيد بن بشر عن ابن وهب قد مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسفر والحضر ه قال أبو عمر حديث بن نافع هذا معروف عند أهل المدينة ومصر رواه ثقات الفقهاء حدثنا محمد بن محمد بن نصر (163) ومحمد بن إبراهيم بن سعد وخلف بن أحمد قالوا حدثنا أحمد بن مطرف قال حدثنا سعيد بن عثمان وسعيد بن جبير قالا حدثنا محمد بن عبد الله بن الحكم قال أنبأنا عبد الله بن نافع قال أنبأنا داوود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسواف فذهب لحاجته ثم خرج قال اسامة فسألت بلالا ما صنع قال ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ومسح على الخفين قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم هذا صحيح في المسح بالحضر والأسواف موضع بالمدينة وأخبرني عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد الكناني قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم وسليمان بن داود عن ابن نافع عن
144

داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد فذكر الحديث مثله سواء وأخبرنا أحمد بن قاسم ويعيش بن سعيد قالا حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا محمد بن الحسين بن مرداس قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال بالأسواف قال فذهب لحاجته ثم خرجا قال أسامة فسألت بلالا ما صنع فقال بلال ذهب عليه السلام لحاجته ثم توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ومسح الخفين وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو خيثمة قال حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن (164) أبي وائل عن حذيفة بن اليمان قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائما فتنحيت فدعاني فجئت فأتى بماء فتوضأ ومسح على الخفين قال ابن وضاح هكذا قال عيسى بن يونس بالمدينة وخالفه أصحاب الأعمش أبو معاوية ووكيع وسفيان وجرير لا يقولون (165) بالمدينة قال ابن وضاح والسباطة المزبلة والمزابل لا تكون إلا في الحضر والله أعلم
145

قال أبو عمر عيسى بن يونس ثقة حافظ ليس يرويه غيره وقد زاد ما حذفه (166) غيره وزيادة مثله واجب قبولها وليس في الأصول ما يدفع ما جاء به بل الناس عليه ه واختلف الفقهاء في كيفية المسح على الخفين فقال مالك والشافعي يمسح ظهورهما وبطونهما وهو قول ابن عمر وابن شهاب ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال لي نافع رأيت ابن عمر يمسح على ظهورهما وبطونهما قال وأخبرنا معمر عن الزهري أنه كان إذا توضأ على خفيه يضع إحدى يديه فوق الخف والأخرى تحت الخف وذكر
مالك عن ابن شهاب أنه سئل عن كيفية المسح على الخفين فأجابه بنحو ما حكاه عنه معمر وقال مالك والشافعي إن مسح ظهورهما دون بطونهما أجزأه إلا أن مالكا قال من فعل ذلك يعيد في الوقت قال ومن مسح باطن الخفين دون ظاهرهما لم يجزه وكان عليه الإعادة في الوقت وبعده عند مالك وجميع أصحابه إلا شيئا روي عن أشهب أنه قال باطن الخفين وظاهرهما سواء (ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما أعاد في الوقت كمن مسح ظهورهما سواء) (167) وقال عبد الله بن نافع من مسح ظهورهما ولم يمسح بطونهما أعاد في الوقت وبعده
146

والمشهور من قول الشافعي أن من مسح ظهورهما واقتصر على ذلك أجزأه ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما لم يجزه وليس بماسح مثل قول مالك سواء وله قول آخر مثل قول أشهب إن مسح بطونهما ولم يمسح ظهورهما أجزأه والصحيح في مذهبه أن أعلى الخف يجزئ عن أسفله ولا يجزئ مسح أسفله وتمام المسح عنده أن يمسح أعلى الخف وأسفله وحجة مالك والشافعي في مسح أعلى الخف وأسفله ما حدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا ثور عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح أعلى الخف وأسفله وقال أبو بكر الأثرم سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال ذكرته لعبد الرحمان بن مهدي فذكر عن ابن المبارك عن ثور قال حدثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة وليس فيه المغيرة وهذا إفساد لهذا الحديث بما ذكر من الإخلال في إسناده وقد حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا الحكم بن موسى قال حدثنا الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب
147

المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمسح أعلى الخفين وأسفلهما وذكر ابن وهب عن أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر أنه كان يمسح أعلاهما وأسفلهما وحدثنا سعيد حدثنا ابن أبي دليم حدثنا ابن وضاح حدثنا موسى بن معاوية حدثنا حماد بن خالد الخياط عن فرج بن فضالة عن محمد بن الوليد يعني الزبيري عن ابن شهاب قال إنما هما بمنزلة رجليك ما لم تخلعهما وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا محمد بن عمرو عن مصعب عن سفيان عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه كان يمسح ظهور خفيه وبطونهما وحدثنا سعيد بن نصر حدثنا ابن أبي دليم حدثنا ابن وضاح حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي حدثني أبي عن محمد بن مهاجر عن أخيه عمرو بن مهاجر تضع يدك اليمنى على ظاهر الخف واليسرى على باطنه قيل لابن وضاح من كلتا رجليه قال نعم تكون اليسرى من تحت الخف في كلتيهما وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري يمسح ظاهر الخفين دون باطنهما وقد (168) قال أحمد بن حنبل وإسحاق وجماعة وهو قول قيس بن سعيد (169) وابن عبادة وقول الحسن البصري وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وغيرهم
148

وحجة من قال بهذا القول ما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا أبو السوداء عمر النهدي عن ابن عبد خير عن أبيه قال رأيت علي بن أبي طالب يمسح على ظهور قدميه ويقول لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظهورهما لظننت أن بطونهما أحق قال الحميدي هذا منسوخ قال أبو عمر من أهل العلم من يحمل هذا على المسح على ظهور الخفين ويقول معنى ذكر القدمين ههنا أن يكونا مغيبين في الخفين فهذا هو المسح الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأما المسح على القدمين فلا يصح عنه بوجه من الوجوه ومن قال إن هذا الحديث على ظاهره جعله منسوخا بقوله صلى الله عليه وسلم ويل للأعقاب من النار ه وسنذكر أقاويل العلماء في ذلك والحجة لهذا القول عند ذكر قوله صلى الله عليه وسلم ويل للأعقاب من النار في مرسلات مالك إن شاء الله تعالى والذي تأولته في حديث علي هذا أنه أراد بذكر القدمين إذا كانا في الخفين قد جاء منصوصا من طريق جيد أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص بن غياث حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي
149

قال لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه ذكره أبو داود هكذا من وجوه ومن حجة من قال بمسح أعلا الخفين دون أسفلهما أيضا ما حدثناه عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا إبراهيم بن أبي العباس قال حدثنا عبد الرحمان بن أبي الزناد عن أبي الزناد (170) عن عروة قال قال المغيرة بن شعبة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظهري الخفين وهذا أيضا منقطع ليس فيه حجة واختلفوا في توقيت المسح على الخفين فقال مالك والليث بن سعد لا وقت للمسح على الخفين ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بدا له قال مالك والليث المقيم والمسافر في ذلك سواء وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري روى حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن زيد بن (171) أبي الصلت قال سمعت عمر يقول إذا توضأ أحدكم ثم لبس الخفين ثم أحدث فليمسح عليهما إن شاء ولا يخلعهما إلا من جنابة
150

قال حماد بن سلمة وحدثنا عبد الله بن عمر (172) أن عمر كان لا يجعل للمسح على الخفين وقتا ذكر ابن وهب عن أبي لهيعة وعمرو بن الحارث والليث بن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحكم البلوي أنه سمع علي بن رباح يخبر عن عقبة بن عامر الجهني قال قدمت على عمر بن الخطاب بفتح من الشام وعلى خفان فنظر إليهما ثم قال كم لك منذ لم تنزعهما قال فقلت لبستهما يوم الجمعة واليوم الجمعة ثمان قال أصبت قال ابن وهب وحدثنا عبد الجبار بن عمر قال قلت لابن شهاب المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وللمقيم يوم وليلة قال ابن شهاب قد طلبنا ذلك فلم نجد أحدا يوقت لهما وقتا ه وقال ابن وهب وحدثنا عبد الرحمان بن أبي الزناد عن أبيه قال لا أعلم للمقيم أجلا قال ابن وهب وحدثنا عبد الله بن عمر بن حفص قال سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول ليس لمسح الخفين عندنا وقت قال ابن وهب وسمعت مالكا يقول ليس عند أهل بلادنا في ذلك وقت قال مالك يمسح عليهما ما لم ينزعهما قال وقال ابن وهب وهذا رأيي الذي آخذ به ه ذكر عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال امسح على الخفين ما لم تخلعهما (173) لا توقت
151

وقتا قال وأخبرنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن مثله وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن حي والشافعي وأحمد بن حنبل وداود والطبري للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وقد روى عن مالك في رسالته إلى هارون أو بعض الخلفاء التوقيت وأنكر ذلك أصحابه وروي التوقيت في المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة منها ما رواه شعبة عن (174) الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها حديث خزيمة بن ثابت وصفوان بن عسال وأبي بكرة وغيرهم وروى معمر وغيره عن يزيد بن أبي زياد عن زيد بن وهب الجهني قال كنا بأذربيجان فكتب إلينا عمر بن الخطاب أن نمسح على الخفين ثلاثا إذا نحن سافرنا وليلة إذا نحن أقمنا وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن حماد عن إبراهيم عن نباتة الجعفي عن عمر قال للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة وذكر ابن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن أشعب (175) عن سويد بن غفلة عن عمر قال للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة
152

وروي عن عمر مثله من وجوه كثيرة غير هذه فيها ضعف وذكر عبد الرزاق وغيره عن ابن المبارك قال حدثني عاصم بن سليمان عن أبي عثمان قال حضرت سعدا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين فقال عمر يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يوم وليلة وثبت التوقيت عن علي بن أبي طالب وابن عباس وحذيفة وابن مسعود من وجوه وأكثر التابعين والفقهاء على ذلك وهو الاحتياط عندي لأن المسح ثبت بالتواتر واتفق عليه أهل السنة والجماعة واطمأنت النفس إلى اتفاقهم فلما قال أكثرهم أنه لا يجوز المسح للمقيم أكثر من خمس صلوات يوم وليلة ولا يجوز للمسافر أكثر من خمس عشرة صلاة ثلاثة أيام ولياليها فالواجب على العالم أن يؤدي صلاته بيقين واليقين الغسل حتى يجمعوا على المسح ولم يجمعوا فوق الثلاث للمسافر ولا فوق اليوم للمقيم وقد اختلف أهل التوقيت في شيء من حدود التوقيت ومراعاة الحدث وعدد الصلوات والذي ذكرت لك أولى ما ذهبوا إليه من ذلك وبالله التوفيق ه قرأت على عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى يعني القطان (176) عن شعبة عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال سألت عائشة عن المسح على الخفين فقالت سل علي بن أبي طالب فإنه كان يسافر مع
153

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسألت عليا فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن عمرو بن قيس عن الحكم بن عتيبة (177) عن القاسم بن مخيمر عن شريح بن هانئ مثله سواء عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عن القاسم بن مخيمرة جماعة وذكر معمر عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال أتيت صفوان من عسال المرادي فقال ما حاجتك قلت جئت ابتغاء العلم قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من خارج يخرج من بيته (178) في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضى بما يصنع قال قلت جئت أسألك عن المسح على الخفين قال نعم كنت في الجيش الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهور ثلاثا إذا سافرنا وليلة إذا أقمنا ولا نخلعهما من غائط ولا بول ولا نوم ولا نخلعهما إلا من جنابة ورواه الثوري وابن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وغيرهم عن عاصم بن أبي النجود بإسناده مثله في المسح على الخفين مرفوعا وحدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا إسحاق بن محمد بن حمدان قال حدثنا زكرياء بن يحيى الساجي قال حدثنا بندار وابن المثنى قالا حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا المهاجر مولى أبي بكرة عن
154

عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم في المسح على الخفين قال أبو يحيى الساجي مهاجر أبو مخلد هذا صدوق ومعروف وليس قول من قال فيه مجهول بشيء روى عنه أيوب السختياني وعوف الأعرابي وحماد بن زيد وإسماعيل بن علية وعبد الوهاب الثقفي وغيرهم واحتج به الشافعي في توقيت المسح على الخفين وعبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد قال حدثنا المهاجر وهو أبو مخلد مولى أبي بكرة عن عبد الرحمان بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أرخص للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة إذا تطهر ولبس خفيه أن يمسح عليهما وقرأت على سعيد بن نصر أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا منصور عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون الأودي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة الأنصاري قال رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوم وليلة للمقيم ولو استزدناه زادنا واختلف الفقهاء في الخف المخرق هل يمسح عليه فقال مالك وأصحابه يمسح إذا كان الخرق يسيرا ولم يظهر منه القدم وإن ظهر منه القدم لم يمسح
155

وقال ابن خويز منداد معناه أن يكون الخرق لا يمنع من الانتفاع به ومن لبسه ويكون مثله يمشي فيه وينتفع به وبمثل قول مالك في ذلك قال الثوري والليث والشافعي والطبري على اختلاف عنهم في ذلك وقد روي عن الثوري والطبري إجازة المسح على الخف المخرق جله وأما اليسير من الخرق فمتجاوز عنه عند الجمهور منهم وقد روي عن الشافعي فيه تشديد قال الشافعي بمصر إذا كان الخرق في مقدم الرجل فلا يجوز أن يمسح عليه إذا بدا منه شيء وقال الأوزاعي يمسح على الخف وعلى ما ظهر من القدم وهو قول الطبري وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا كان ما ظهر من الرجل أقل من ثلاثة أصابع مسح ولا يمسح إذا ظهرت ثلاث وقال الحسن بن حي يمسح على الخف إذا كان ما ظهر منه يغطيه الجورب فإن ظهر شيء من القدم لم يمسح ه قال أبو عمر هذا على مذهبهم في المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين وهو قول الثوري وأبي يوسف ومحمد ولا يجوز المسح على الجوربين عن أبي حنيفة والشافعي إلا أن يكونا مجلدين
156

وهو (179) أحد قولي مالك ولمالك قول آخر أنه لا يجوز المسح على الجوربين وإن كانا مجلدين واختلف فيمن نزع خفيه وقد مسح عليهما فقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما إذا كان ذلك غسل قدميه وقال مالك والليث مثل ذلك إلا أنهما قالا إن غسلهما مكانه أجزأه وإن أخر غسلهما استأنف الوضوء وقال الحسن بن حي إذا خلع خفيه
أعاد الوضوء من أوله ولم يفرق بين تراخي الغسل وغيره وقال ابن أبي ليلى إذا نزع خفيه بعد المسح صلى كما هو وليس عليه غسل رجليه ولا استيناف الوضوء وروي عنه أنه يغسل رجليه خاصة وعن إبراهيم النخعي في ذلك ثلاث روايات إحداها أنه لا شيء عليه مثل قول ابن أبي ليلى والحسن البصري والثانية أنه يعيد الوضوء والثالثة أنه يغسل قدميه واختلفوا فيما إذا غسل إحدى رجليه ثم لبس خفه ثم غسل الأخرى ولبس الخف الآخر هل يمسح عليهما إن أحدث فقال مالك لا يمسح عليهما وبذلك قال الشافعي وأحمد وإسحق وحجتهم في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المغيرة بن شعبة من رواية الشعبي عن عروة بن المغيرة عن المغيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أهوى لينزع خفيه دع الخفين فإني أدخلت القدمين فيهما وهما طاهرتان
157

وقول عمر بن الخطاب إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما وإن جئت من الغائط قالوا فلا يمسح على خفيه إلا من لبسهما بعد تمام طهارته وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري (180) والمزني والطبري وداود يجزيه أن يمسح قالوا ولا فرق بين أن لا يمسح لابس خفيه حتى يتم غسل رجليه وبين أن يغسل رجلا ويلبس فيها خفا ثم يغسل رجله الأخرى ويلبس الخف الثانية لأن الأمر في ذلك سواء قالوا وقد يقاس بأبعد من هذا وحسب كل رجل أنها لم تلبس الخف إلا وهي طاهرة بطهر الوضوء وقد أجمعوا أنه لو نزع خفه ثم أعادها كان له أن يمسح ه قال أبو عمر قد بقيت أشياء من مسائل المسح لو تقصيناها خرجنا عن شرطنا في تأليفنا وبالله توفيقنا (181) وفي هذا الحديث أيضا من الفقه أنه من فاته شيء من صلاته (182) مع الإمام صلى معه ما أدرك وقضى ما فاته وهذا أمر مجمع عليه
158

وفيه أن الرجل العالم الخير الفاضل جائز له أن يأتم في صلاته بمن هو دونه وأن إمامة المفضول جائزة بحضرة الفاضل إذا كان المفضول أهلا لذلك ولا أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أحد من أمته إلا خلف عبد الرحمن بن عوف واختلف في صلاته خلف أبي بكر أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا إسماعيل قال حدثنا أيوب عن محمد عن عمرو بن وهب الثقفي قال كنا مع المغيرة بن شعبة فسئل هل أم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من هذه الأمة غير أبي بكر فقال نعم كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فلما كان من السحر ضرب عنق راحلتي فظننت أن له حاجة فعدلت معه فانطلقنا حتى إذا برزنا عن الناس فنزل عن راحلته ثم انطلق فتغيب عني حتى (183) ما أراه فمكث طويلا ثم جاء فقال حاجتك يا مغيرة قلت ما لي حاجة فقال هل معك ماء فقلت نعم فقمت إلى قربة أو سطحية معلقة في آخر الرحل فأتيت بماء فصببت عليه فغسل يديه فأحسن غسلهما قال وأشك أقال أدلكهما بتراب أم لا ثم غسل وجهه ثم ذهب يحسر عن يديه وعليه جبة
159

شامية ضيقة الكمين فضاقت فأخرج يديه من تحتها إخراجا فغسل وجهه ويديه قال فيجيء في هذا الحديث غسل الوجه مرتين فلا أدري أهكذا أم لا ثم مسح بناصيته ومسح على العمامة ومسح على الخفين فأدركنا الناس وقد أقيمت الصلاة وتقدمهم عبد الرحمن بن عوف وقد صلى بهم ركعة وهم في الثانية فذهبت أوذنه فنهاني فصلينا الركعة التي أدركنا وقضينا الركعة التي سبقتنا حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا مروان بن عبد الملك قال حدثنا أبو حاتم (184) الأصمعي حدثنا معتمر بن سليمان قال كان أبي لا يختلف عليه في شيء من الدين إلا أخذ بأشده إلا المسح على الخفين فإنه كان يقول هو السنة واتباعها أفضل حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا عبد الله بن أبي حسان قال حدثنا الفضيل بن عياض عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال من ترك المسح على الخفين فقد ترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأحسب ترك ذلك من فعل الشيطان وذكر ابن أبي شيبة قال أنبأنا هشيم قال أنبأنا المغيرة عن إبراهيم قال مسح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
160

على الخفين فمن ترك ذلك رغبة عنهم فإنما هو من الشيطان قال أبو بكر وأخبرنا جرير عن مغيرة قال كان إبراهيم في سفر فأتى عليهم يوم حار فقال لولا خلاف السنة لتركت الخفين
(((ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد حديث واحد)))
ملك عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد (185) أنه سأل عبد الله بن عمر فقال يا أبا عبد الرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر فقال ابن عمر يا ابن أخي إن الله بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأيناه يفعل هكذا رواه جماعة الرواة عن مالك ولم يقم مالك إسناد هذا الحديث أيضا لأنه لم يسم الرجل الذي سأل ابن عمر وأسقط من الإسناد رجلا والرجل الذي لم يسمه هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهذا الحديث يرويه ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أمية بن عبد الله بن خالد بن عبد الله بن أسيد عن ابن عمر
161

كذلك رواه معمر والليث بن سعد ويونس بن يزيد (186) من غير رواية ابن وهب وقال ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الملك بن أبي بكر عن أمية بن عبد الله بن خالد فجعل موضع عبد الله بن أبي بكر عبد الملك بن أبي بكر فغلط ووهم ولابن شهاب عن عبد الملك بن أبي بكر غير هذا الحديث روي عنه عن أبي هريرة قوله إني لأصلي في الثوب الواحد وإن ثيابي لعلى المشجب (187) ورواية ابن شهاب عن أبيهما لا تجهل فأما حديث معمر فذكر عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الرحمن بن أمية بن عبد الله أنه قال لابن عمر هذه صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة المسافر فقال ابن عمر بعث الله إلينا نبيه عليه الصلاة والسلام ونحن أجفا الناس نصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا في كتاب عبد الرزاق عبد الله بن أبي بكر عن عبد الرحمن (188) بن أمية وإنما هو عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أمية بن عبد الله وهو من غلط الكاتب والله أعلم
162

وإنما قلنا أن ذلك في كتاب عبد الرزاق لأنا وجدناه في كتاب (189) الدبري وغيره عنه كذلك وكذلك ذكره الذهلي محمد بن يحيى وقال لا أدري هذا الوهم أمن معمر
جاء أم من عبد الرزاق قال أبو عمر هو عندي من كتاب عبد الرزاق والله أعلم وأخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا أحمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن زبان قال حدثنا محمد بن رمح قال أنبأنا الليث بن سعد قال أنبأنا ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه قال لعبد الله بن عمر إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر فقال ابن عمر إن الله تعالى بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ونحن لا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأيناه يفعل وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يونس عن ابن شهاب أن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن (190) أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أخبره أنه سأل عبد الله بن عمر فذكره
163

وذكر النيسابوري قال حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد مولى الحطة قال حدثني أبي عن يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أخبره أنه سأل عبد الله بن عمر بهذا الخبر قال أبو عمر أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد كان عاملا لعبد الملك بن مروان على خراسان وله أخوة كثيرة ذكرهم أهل النسب ومن أعمامه من يسمى أمية بن خالد ولخالد بن أسيد جده بنون كثير أيضا (191) أسنهم عبد الرحمن بن خالد في هذا الحديث من الفقه أن قصر الصلاة في السفر من غير خوف سنة لا فريضة لأنها لا ذكر لها في القرآن وإنما القصر المذكور في القرآن إذا كان سفرا وخوفا واجتمعا جميعا (192) قال الله عز وجل * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * فلم يبح القصر إلا مع هذين الشرطين ومثله في القرآن قوله عز وجل * (ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات) * يعني الحرائر * (فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات) * إلى قوله * (ذلك لمن خشي العنت منكم) * فلم يبح نكاح الإماء إلا بعدم
164

الطول إلى الحرة وخوف العنت جميعا ثم قال عز وجل * (فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة) * أي فأتموا الصلاة فهذه صلاة الحضر وقد تقدمت صلاة الخوف مع السفر وقد نص عليهما جميعا القرآن وقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة من أربع إلى اثنتين إلا المغرب في أسفاره كلها آمنا لا يخاف إلا الله تعالى فكان ذلك منه سنة مسنونة صلى الله عليه وسلم زيادة منه في أحكام الله كسائر ما سنه وبينه مما ليس له في القرآن ذكر مما لو ذكرنا بعضه لطال الكتاب بذكره وهو ثابت عند أهل العلم أشهر من أن يحتاج فيه إلى القول في غير موضعه فحديث ابن عمر في هذا الباب قوله إنما نفعل كما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل مع حديث عمر حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القصر في السفر من غير خوف فقال له تلك صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فأقبلوا صدقته يدلان على أن الله عز وجل قد يبيح في كتابه الشيء بشرط ثم يبيح ذلك الشيء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بغير ذلك الشرط (193) ألا ترى أن القرآن إنما أباح القصر لمن كان خائفا ضاربا في الأرض وأباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنا والدليل على أن قصر الصلاة في السفر من غير خوف سنة مسنونة مع ما تقدم من حديث هذا الباب ما حدثنا عبد الله بن
165

محمد بن أبي بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب إقصار الناس الصلاة اليوم وإنما قال الله عز وجل * (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * فقد ذهب ذلك فقال عجبت مما عجبت منه فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته قال أبو داود وحدثنا خشيش بن أصرم حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج فذكر بإسناده مثله قال علي بن المديني عبد الرحمن بن أبي عمار وعبد الله بن بابيه مكيان ثقتان قال أبو عمر (194) اختلف على عبد الرزاق في اسم ابن أبي عمار فروى عنه خشيش بن أصرم أنه قال فيه كما قال يحيى بن سعيد القطان عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار فيما ذكر أبو داود وقد روي عن عبد الرزاق أنه قال فيه عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي عمار ولذلك قال فيه محمد بن بكر البرساتي وأبو عاصم النبيل وحماد بن مسعدة عن ابن جريج قال سمعت عبد الله بن أبي عمار وقال فيه ابن إدريس وأبو إسحق الفزاري عن ابن أبي عمار لم يقل عبد الله ولا عبد الرحمن
166

ورواه الشافعي عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار كما قال يحيى القطان وهو الصواب إن شاء الله لا شك فيه فروي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار بن جريج وغيره وأما أبوه عبد الله بن أبي عمار فروى عنه ابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد ويوسف بن ماهر ويروى هذا عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وأما عبد الله بن بابيه ويقال ابن باباه ويقال ابن بابي فرجل مكي أيضا مولى آل حجير بن أبي إهاب يروي عن جبير بن مطعم وابن عمر وعبد الله بن عمرو روى عنه عمرو بن دينار وأبو الزبير وابن نجيح وكلهم ثقات (194) حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي أبو إسماعيل قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا مالك بن مغول عن أبي حنظلة قال سألت ابن عمر عن صلاة السفر فقال ركعتين فقلت وأين قوله إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ونحن آمنون فقال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا ابن عمر قد أطلق عليها سنة وكذلك قال ابن عباس فأين المذهب عنهما حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا
167

هشام بن عبد الملك عن شعبة عن قتادة عن موسى بن سلمة قال سألت ابن عباس قال قلت أكون بمكة فكيف أصلي قال ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم وأخبرنا عبد الرحمن بن أبان قال حدثنا محمد بن يحيى بن عبد العزيز قال حدثنا أحمد بن خالد وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا عبد الرزاق قال أنبأنا ابن جريج قال سأل حميد الضمري ابن عباس فقال إني أسافر أفأقصر الصلاة في السفر أم أتمها فقال ابن عباس ليس بقصرها ولكنه تمامها وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنا لا يخاف إلا الله فصلى ركعتين حتى رجع ثم خرج أبو بكر آمنا لا يخاف إلا الله فصلى ركعتين حتى رجع ثم خرج عمر آمنا لا يخاف إلا الله فصلى اثنتين حتى رجع ثم فعل ذلك عثمان ثلثي إمارته أو شطرها ثم صلاها أربعا
ثم أخذ بها بنوا أمية قال ابن جريج وبلغني أنه إنما أوفاها عثمان أربعا بمنى فقط من أجل أن أعرابيا ناداه في مسجد الخيف بمنى فقال يا أمير المؤمنين ما زلت أصليهما ركعتين منذ رأيتك عام الأول فخشي عثمان أن يظن جهال الناس إنما الصلاة ركعتان قال ابن جريج وإنما أوفاها بمنى فقط قال عبد الرزاق وأخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
168

بمنى ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين ومع عثمان صدرا من خلافته ثم صلاها أربعا قال الزهري فبلغني أن عثمان إنما صلاها أربعا لأنه أزمع أن يعتمر بعد الحج قال وأخبرنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا الله فيصلي ركعتين ركعتين قال وأخبرنا هشام بن حسان عن ابن سيرين عن ابن عباس مثله وقال الأثرم عن أحمد بن حنبل قال زعموا أن عثمان إنما أتم في سفره لأنه تزوج بمنى فصلى أربعا قال وابن عباس يقول إذا قدمت على أهلك أو ماشية لك فأتم الصلاة قال وقال بعض الناس لا إنما صلى خلفه أعرابي ركعتين فجعل يصلي أبدا ركعتين فبلغه ذلك فصلى أربعا ليعرف الناس كيف الصلاة قال الأثرم وحدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا أيوب عن الزهري أن عثمان أتم الصلاة لأن الأعراب حجوا فأراد أن يعلمهم أن الصلاة أربع حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا شريك عن جابر عن عامر عن ابن عباس وابن عمر قالا سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين وهما تمام وقالا الوتر في السفر من السنة
169

قال وحدثنا ابن جريج عن عطاء قال قلت له فيما جعل القصر وقد أمن الناس يعني فما لهم يقصرون آمنين قال السنة قلت رخصة قال نعم قال وقال لي عمرو بن دينار أما قوله إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فإنما ذلك إذا خافوا وسن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الركعتين فهما وفاء وليس بقصر فهذا عطاء بن أبي رباح يصرح بأنهما سنة وعمرو بن دينار مثله وكذلك قال القاسم بن محمد حدثني عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا سحنون قال أنبأنا ابن وهب قال أنبأنا ابن لهيعة عن بكير بن الأشج عن القاسم بن محمد أن رجلا قال عجبت من عائشة حين كانت تصلي أربعا في السفر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين فقال له القاسم بن محمد عليك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من الناس من لا يعاب قال أبو عمر قول القاسم هذا في عائشة يشبه قول سعيد بن المسيب حيث قال ليس من عالم ولا شريف ولا ذو فضل إلا وفيه عيب ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه ومن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله
170

قال أبو عمر وقد قال قوم في إتمام عائشة أقاويل ليس منها شيء يروى عنها وإنما هي ظنون وتأويلات لا يصحبها دليل قال ابن شهاب تأولت ما تأول عثمان وهذا ليس بجواب موعب وأضعف ما قيل في ذلك أنها أم المؤمنين وإن الناس حيث كانوا بنوها وكان منازلهم منازلها وهذا أبعد ما قيل في ذلك من الصواب وهل كانت أما للمؤمنين إلا أنها زوج أبي المؤمنين صلى الله عليه وسلم وهو الذي سن الغزو في أسفاره في غزواته وحجه وعمره صلى الله عليه وسلم وفي قراءة أبي بن كعب ومصحفه النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم أخبرني خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن صالح بن عمر المقرئ حدثنا أحمد بن جعفر المنادي حدثنا العباس بن محمد بن حاتم الدوري حدثنا عبد الرحمن بن مصعب أبو يزيد القطان قال حدثنا سفيان الثوري عن ليث عن مجاهد في قوله عز وجل هؤلاء بناتي قال كل نبي أبو أمته وذكر الفريابي عن سفيان عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ هذه الآية النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم وأخبرنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا موسى بن معاوية حدثنا وكيع عن سفيان عن ليث عن مجاهد في قوله هؤلاء بناتي هن أطهر لكم قال لم يكن بناته ولكن نساء أمته وكل نبي هو أبو أمته
171

وأحسن ما قيل في قصر عائشة وإتمامها أنها أخذت برخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم (195) لتري الناس أن الإتمام ليس فيه حرج وإن كان غيره أفضل (فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) ولعلها كانت تذهب إلى أن القصر في السفر رخصة وإباحة وأن الإتمام أفضل فكانت تفعل ذلك وهي التي روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يخير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فلعلها ذهبت إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختر القصر في أسفاره إلا توسعة على أمته وأخذا (196) بأيسر أمر الله وبنحو هذا القول ذكرنا جواب عطاء بن أبي رباح فيما تقدم عنه أن القصر سنة ورخصة وهو الذي روى عن عائشة ما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع قال حدثنا المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتم في سفره ويقصر وقد أتم جماعة في السفر منهم سعد بن أبي وقاص وعثمان بن عفان وعائشة وقد عاب ابن مسعود عثمان بالإتمام وهو بمنى ثم لما أقام الصلاة عثمان مر ابن مسعود فصلى خلفه فقيل له في ذلك فقال الخلاف شر ولو أن القصر عنده فرض ما صلى خلف عثمان أربعا
172

أخبرنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا طلحة عن عطاء عن عائشة قالت كان قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صام وأفطر وأتم وقصر في السفر وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن الجهم حدثنا عبد الوهاب قال أنبأنا طلحة بن عمرو عن عطاء عن عائشة أنها قالت كل ذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صام وأفطر وقصر الصلاة وأتم وقد روى زيد العمي وإن لم يكن ممن يحتج به فإنه ممن يستظهر به عن أنس قال كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نسافر فيتم بعضنا ويقصر بعضنا ويصوم بعضنا ويفطر بعضنا فلا يعيب أحد على أحد وإن كان زيد العمي وطلحة بن عمرو ممن لا يحتج بهما فإن الأحاديث الثابتة والاعتبار بالأصول تصحح ما جاء به مع فعل عائشة رحمها الله تعالى فإن قال قائل ما معنى قول عائشة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر والحضر فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى قيل له أما ظاهر هذا القول فيدل على أن الركعتين في السفر فرض ولكن الآثار والنظر والاعتبار كل ذلك يدل على غير ما دل عليه ظاهر الحديث وسنبين ذلك في باب صالح بن كيسان من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى
173

وقد أوردنا في هذا الباب ما فيه بيان لمن تدبر وحسبك بتوهين ظاهر حديث عائشة وخروجه عن ظاهره مخالفتها له وإجماع جمهور فقهاء المسلمين أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم ومن الدليل أيضا على أن القصر في السفر سنة وتوسعة وإن كان ما ذكرنا في هذا الباب كافيا حديث يعلى بن أمية عن عمر بن الخطاب حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن ابن أبي عمار عن عبد الله بن بابيه عن يعلى بن أمية قال سألت عمر بن الخطاب قلت ليس عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا وقد آمن الناس فقال عجبت مما تعجب منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته وهذا كله يدل على أن القصر سنة وتوسعة وكذلك قال ابن عمر وابن عباس وعطاء وعمرو بن دينار والقاسم بن محمد كلهم قال سنة مسنونة ولم يقل واحد منهم أنها فريضة وقد ذكرنا الأخبار عنهم فيما تقدم من هذا الباب فتدبره ومعلوم أن الصلاة ركن عظيم من أركان الدين بل أعظم أركانه بعد التوحيد ومحال أن يضاف إلى أحد من الصحابة الذين أتموا في أسفارهم وإلى سائر السلف الذين فعلوا فعلهم أنهم زادوا في فرضهم عامدين ما يفسد عليهم به فرضهم
174

هذا ما لا يحل لمسلم أن يتأوله عليهم ولا ينسبه إليهم وقد حكى أبو مصعب عن مالك وأهل المدينة في مختصره قال القصر في السفر سنة للرجال والنساء وحسبك بهذا في مذهب مالك مع أنه لم يختلف قوله أن من أتم في السفر يعيد ما دام في الوقت وذلك استحباب عند من فهم لا إيجاب أخبرنا (197) إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن عثمان قال حدثنا سعد بن معاذ قال حدثنا الربيع بن سليمان عن الشافعي قال القصر في الخوف مع السفر بالقرآن والسنة والقصر في السفر من غير خوف بالسنة (197) أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا عبد الحميد بن أحمد الوراق قال أنبأنا الخضر بن داود قال أنبأنا أبو بكر يعني الأثرم قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا ابان قال حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز القاري أنه سأل عبد الله بن عمر عن الصلاة في السفر فقال ركعتان من خالف السنة فقد كفر ورواه معمر عن قتادة عن مورق العجلي قال سئل ابن عمر عن صلاة السفر فقال ركعتين ركعتين من خالف السنة كفر قال أبو عمر الكفر ههنا كفر النعمة وليس بكفر ينقل عن الملة كأنه (198) قال كفر لنعمة التأسي التي أنعم الله على عباده بالنبي
175

صلى الله عليه وسلم ففيه الأسوة الحسنة في قبول رخصته كما في امتثال عزيمته صلى الله عليه وسلم والكلام في هذا على قول المعتزلة والخوارج يطول وليس هذا موضعه لخروجنا عما له قصدنا وبالله توفيقنا واختلف الفقهاء فيمن صلى أربعا في السفر عامدا أو ساهيا فقال مالك من صلى في سفر تقصر فيه الصلاة أربعا أعاد في الوقت صلاة سفر ولم يفرق عامد وناس هذه رواية ابن القاسم قال ابن القاسم ولو رجع إلى بيته في الوقت لأعادها أربعا قال ولو أحرم مسافر وهو ينوي أربعا ثم بدا له فسلم من اثنتين لم يجزه وروى ابن وهب عن مالك في مسافر أم قوما فهيم مسافر ومقيم فأتم الصلاة بهم جاهلا قال أرى أن يعيدوا الصلاة جميعا وهذا قد يحتمل أن تكون الإعادة في الوقت وقال ابن المواز من صلى أربعا ناسيا لسفره أو لإقصاره أو ذاكرا لذلك وقال سحنون أو جاهلا فليعد في الوقت ولو افتتح على ركعتين فأتمها أربعا تعمدا أعادها أبدا وإن كان سهوا سجد لسهوه وأجزأته وقال سحنون بل يعيد لكثرة سهوه وقال محمد ليس هو سهو مجتمع عليه وقال أبو حنيفة وأصحابه إن قعد في اثنتين قدر التشهد مضت صلاته وإن لم يقعد فصلاته فاسدة وقال الثوري إذا قعد في اثنتين لم يعد
176

وقال حماد بن أبي سليمان إذا صلى أربعا متعمدا أعاد وإن كان ساهيا لم يعد وقال الحسن بن حي إذا صلى أربعا متعمدا أعاد إذا كان ذلك منه الشيء اليسير فإذا طال ذلك في سفره وكثر لم يعد وقال عمر بن عبد العزيز الصلاة في السفر ركعتان حتم لا يصلح غيرهما وقال الأوزاعي إن قام المسافر لثالثة وصلاها ثم ذكر فإنه يلغيها ويسجد سجدتي السهو وقال الحسن البصري فيمن صلى في سفر أربعا متعمدا بئس ما صنع وقضت عنه ثم قال للسائل لا ابا لك ترى أصحاب محمد تركوها لأنها ثقلت عليهم وقال الشافعي القصر في غير الخوف سنة وأما في الخوف مع السفر فبالقرآن والسنة ومن صلى أربعا فلا شيء عليه ولا أحب لأحد أن يتم في السفر رغبة عن السنة كما لا أحب لأحد نزع خفيه رغبة عن السنة (199) وليس للمسافر أن يصلي ركعتين إلا أن ينوي القصر مع الإحرام فإن أحرم ولم ينو القصر كان على أصل فرضه أربعا قال أبو عمر قول الشافعي في هذا الباب أعدل الأقاويل إن شاء الله وقول مالك قريب منه نحوه لأن أمره بالإعادة في الوقت استحباب
177

وكذلك قول أحمد بن حنبل في هذا الباب قال الأثرم قلت له للرجل أن يصلي في السفر أربعا قال لا يعجبني (200) ثم قال السنة ركعتان وأما قول الكوفيين فضعيف لا أصل له إلا أصل لا يثبت وقد أوضحنا فساد أصلهم واعتبارهم القعود مقدار التشهد في غير هذا الموضع ومما يدل على ما اخترناه إتمام من أتم من الصحابة ولم ينكر ذلك عليه وقد أخبر الله عنهم أنهم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فما لم ينكروه وأقروه فحق وصواب وقلنا أن القصر أولى لأنه المشهور من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره وهو فعل أكثر الصحابة والتابعين فإن تكن رخصة ويسر وتوسعة فلا وجه للرغبة عنها فإن الله قد أحب أن تقبل رخصته وصدقته ونأتيها وإن تكن فضيلة فهو الذي ظننا وكيف كانت الحال فامتثال فعله في كل ما أبيح لنا أفضل إن شاء الله وعلى هذا قال جماعة من أهل العلم إن المسح أفضل من الغسل لأنه كان يمسح صلى الله عليه وسلم على خفيه وهو المبين لعباد الله عز وجل مراد الله من كتابه وهو الهادي إلى صراط مستقيم صراط الله صلى الله عليه وسلم
178

أخبرنا عبد الرحمن بن أبان بن عثمان قال حدثنا محمد بن يحيى بن عبد العزيز وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال أخبرنا أحمد بن خالد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا ابن جريج عن عطاء قال لا أعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يوف الصلاة في السفر إلا سعد بن أبي وقاص وعائشة فإنهما كانا يوفيان الصلاة في السفر ويصومان قال وسافر سعد في نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأوفى سعد الصلاة وصام وقصر القوم وأفطروا فقالوا لسعد كيف نفطر ونقصر الصلاة وأنت تتمها وتصوم فقال دونكم أمركم فإني أعلم شأني قال فلم يحرمه سعد عليهم ولم ينههم عنه قال ابن جريج فقلت لعطاء فأي ذلك أحب إليك قال قصرها وكل ذلك قد فعله الصالحون والأخيار قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها كانت تتم في السفر قال
وأنبأنا الثوري عن عاصم عن أبي قلابة أنه كان يقول إن صليت في السفر أربعا فقد صلى من لا بأس به وإن صليت ركعتين فقد صلى من لا بأس به واختلف الفقهاء أيضا في مقدار السفر الذي تقصر فيه الصلاة فقال مالك والشافعي والليث أربعة برد وهو قول ابن
179

عباس وابن عمر قال ملك ثمانية وأربعون ميلا ومسيرة يوم وليلة (201) وهو قول الليث وقال الشافعي ستة وأربعون ميلا بالهاشمي أو يوم وليلة وهو قول الطبري وقال الأوزاعي اليوم التام وهذه كلها أقاويل متقاربة وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي لا يقصر أحد في أقل من مسيرة ثلاثة أيام ولياليها وقال داود من سافر في حج أو عمرة أو غزو قصر في قصير السفر وطويله ومن حجته حديث شعبة عن يزيد بن خمير عن حبيب بن عبيد عن جبير بن نفير قال خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية له على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلا فصلى ركعتين فقلت له فقال رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين فقلت له فقال إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل (202) واختلفوا أيضا فيمن له أن يقصر فقال ملك من خرج إلى الصيد متلذذا لم أحب له أن يقصر ومن خرج في معصية لم يجز له أن يقصر ومن كان الصيد معاشه قصر وقال الشافعي إن سافر في معصية فلا يقصر ولا يمسح مسح المسافر وهو قول داود الطبريي وقال أحمد بن حنبل لا يقصر مسافر إلا في حج أو عمرة أو غزو
180

ورواه عن ابن مسعود وهو قول داود إلا أن داود قال في حج أو عمرة أو غزو ولأحمد بن حنبل قول آخر مثل قول الشافعي من سافر في غير معصية قصر ومسح وقصر علي رضي الله عنه في خروجه إلى صفين وخرج ابن عباس إلى ماله بالطائف فقصر الصلاة وقال نافع كان ابن عمر يطالع ماله بخيبر فيقصر الصلاة وأكثر الفقهاء على إباحة القصر للمسافر تاجرا وفي أمر أبيح له الخروج إليه وكان الأوزاعي يقول في رجل خرج في بعث إلى بعض المسلمين يقصر ويفطر في رمضان في مسيرة ذلك وافق ذلك طاعة أو معصية واختلف أصحاب داود في ذلك فقال بعضهم بقوله لا قصر إلا في حج أو عمرة أو جهاد وقال بعضهم للعاصي أن يقصر وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي يقصر المسافر عاصيا كان أو مطيعا واختلفوا في مدة الإقامة فقال مالك والشافعي والليث والطبري وأبو ثور إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وهو قول سعيد بن المسيب في رواية عطاء الخراساني عنه
181

وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري إذا نوى إقامة خمس عشرة يوما أتم وإن كان أقل قصر (203) وهو قول ابن عمر وقول سعيد بن المسيب في رواية هشيم عن داود بن هند عنه وقال الأوزاعي إن نوى إقامة ثلاثة عشر يوما أتم وإن نوى أقل قصر (203) وعن سعيد بن المسيب قول ثالث إذا أقام ثلاثا أتم وعن السلف في هذه المسألة أقاويل متباينة منها إذا أزمع المسافر على مقام اثنتي عشرة أتم الصلاة رواه نافع عن ابن عمر قال نافع وهو آخر فعل ابن عمر وقوله وروى عكرمة عن ابن عباس قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة يقصر الصلاة فنحن إذا سافرنا تسعى عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا وروى عن علي وابن عباس من أقام عشر ليال أتم الصلاة والطرق عنهما في ذلك ضعيفة وبذلك قال محمد بن علي والحسن بن صالح وروى عن سعيد بن جبير وعبد الله بن عتبة من أقام أكثر من خمس عشرة أتم وبه قال الليث بن سعد وروى عن الحسن أن المسافر يصلي ركعتين أبدا حتى يدخل مصرا من الأمصار
182

وقال أحمد بن حنبل إذا أجمع المسافر مقام إحدى وعشرين صلاة مكتوبة قصر وإن زاد على ذلك أتم فهذه تسعة أقوال في هذه المسألة وفيها قول عاشر أن المسافر يقصر أبدا حتى يرجع إلى وطنه أو ينزل وطنا له وروى عن أنس أنه أقام سنتين بنيسابور يقصر الصلاة وقال أبو مجلز قلت لابن عمر أتى المدينة فأقيم بها السبعة أشهر والثمانية طالبا حاجة فقال صل ركعتين وقال أبو إسحاق السبعي أقمنا بسجستان ومعنا رجال من أصحاب ابن مسعود سنتين نصلي ركعتين وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وكان الثلج حال بينهم وبين القفول وأقام مسروق بالسلسلة سنتين وهو عامل عليها يصلي ركعتين ركعتين حتى انصرف يلتمس بذلك السنة وذكر يعقوب بن شيبة حدثنا معاوية بن عمر حدثنا زائدة عن منصور عن شقيق قال خرجت مع مسروق إلى السلسلة حين استعمل عليها فلم يزل يقصر حتى بلغ ولم يزل يقصر في السلسلة حتى رجع فقلت يا أبا عائشة ما يحملك على هذا قال أتباع السنة
183

وقال أبو حمزة نصر بن عمران قلت لابن عباس إنا نطيل المقام بالغزو بخراسان فكيف ترى قال صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين محمل هذه الأحاديث عندنا على من لا نية له في الإقامة لواحد من هؤلاء المقيمين هذه المدد المتقاربة وإنما ذلك مثل (204) أن يقول اخرج اليوم أخرج غدا وإذا كان هكذا فلا عزيمة ههنا على الإقامة وقال الأثرم سئل أحمد بن حنبل عن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام عشرا يقصر الصلاة فقال قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة لصبح رابعة قال فرابعة وخامسة وسادسة وسابعة وثامنة التروية وتاسعة وعاشرة قال فإنما حسب أنس مقامه بمكة ومنى لا وجه لحديث أنس غير هذا قال أحمد فإذا قدم لصبح رابعة قصر وما قبل ذلك يتم قال أقام النبي صلى الله عليه وسلم اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح بالأبطح في اليوم الثامن فهذه إحدى وعشرون صلاة قصر فيها في هذه الأيام وقد أجمع على إقامتها فمن أجمع أن يقيم كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم قصر فإن أجمع على أكثر من ذلك أتم قلت له فلم لا تقصر فيما زاد على ذلك قال لأنهم اختلفوا فنأخذ بالاحتياط ونتم
184

قيل لأحمد بن حنبل فإذا قال اخرج اليوم أخرج غدا يقصر قال هذا شيء آخر هذا لم يعزم قال أبو عمر أصح شيء في هذه المسألة قول ملك ومن تابعه والحجة في ذلك حديث العلاء بن الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل للمهاجر أن يقيم بمكة ثلاثة أيام ثم يصدر ومعلوم أن الهجرة إذا كانت مفترضة قبل الفتح كان المقام بمكة لا يجوز ولا يحل فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمهاجر ثلاثة أيام لتقضية حوائجه وتهذيب أسبابه ولم يحكم لها بحكم المقام ولا جعلها في حيز الإقامة لأنها لم تكن دار مقام فإذا لم يكن كذلك فما زاد على الثلاثة أيام إقامة لمن نواها وأقل ذلك أربعة أيام ومن نوى إقامة ثلاثة أيام فما دونها فليس بمقيم وإن نوى ذلك كما أنه لو نوى إقامة ساعة أو نحوها لم يكن بساعته تلك داخل في حكم المقيم ولا في أحواله ومن الحجة أيضا في ذلك أن عمر رضي الله عنه حين أجلى اليهود جعل لهم إقامة
ثلاثة أيام في قضاء أمورهم وإنما نفاهم عمر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبقى دينان بأرض العرب ألا ترى أنهم لا يجوز تركهم بأرض العرب مقيمين بها فحين نفاهم عمر وأمرهم بالخروج لم يكن عنده الثلاثة أيام إقامة
185

وهذا بين لمن لم يعاند ويصده عن الحق هواه وعماه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن عبد المجيد قال حدثنا سفين بن عيينة وحفص بن عبد الرحمن بن حميد عن عبد الرحمن بن حميد قال سمعت السائب بن يزيد يحدث عمر بن عبد العزيز عن العلاء بن الحضرمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يقيم المهاجر قال (205) سفين بعد نسكه ثلاثا قال حفص بعد الصدر ثلاثا وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا (205) سفيان بن عيينة قال حدثني عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن السائب بن يزيد عن العلاء بن الحضرمي إن شاء الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يمكث المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا قال عبد الله قال أبي ما كان أشد على ابن عيينة أن يقول حدثنا واحتج أبو ثور لقوله في هذه المسألة بأن قال لما أجمعوا على ما دون الأربع أنه يقصر فيها واختلفوا في الأربع فما فوقها كان عليه أن يتم وذلك أن فرض التمام لا يزول باختلاف واختلف الفقهاء أيضا في المسافر يدخل في
186

في صلاة المقيم فقال مالك إذا أدرك منها ركعة صلى صلاة المقيم وإن لم يدرك ركعة صلى ركعتين وهو قول الزهري وقتادة وقول الحسن البصري وإبراهيم النخعي على اختلاف عنهما وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأصحابهم يصلي صلاة مقيم وإن أدركه في التشهد وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس والحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير وجابر بن زيد ومكحول وهو قول معمر بن راشد وبه قال أحمد وإسحق وأبو ثور واختلفوا أيضا في مسافر صلى بمقيمين فقال مالك إذا سلم المسافر فأحب إلي أن يقدموا رجلا يتم بهم وفي ذلك سعة وقال الشافعي والثوري وأبو حنيفة والأوزاعي يصلون فرادى ولا يقدمون أحدا وحجتهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر وقد فعله عمر ولم يأمر أن يتم أحدهم بهم واختلفوا أيضا في المسافر يؤم قوما فيهم مسافرون ومقيمون فيحدث بعد ركعة فيقدم مقيما فقال مالك يصلي المقيم تمام صلاة الأول ثم يشير إلى من خلفه بالجلوس ثم يقوم وحده فيتم صلاته أربعا ثم يقعد ويتشهد ويسلم من خلفه من المسافرين ويقوم من خلفه من المقيمين فيتموا لأنفسهم وقال أبو حنيفة
187

وأصحابه والثوري يتم المستخلف صلاة الأول ثم يتأخر ويقدم مسافرا يسلم بهم فيسلم معه المسافرون ويقوم المقيمون فيقضون وحدانا وقال الشافعي والأوزاعي والليث بن سعد يتمون كلهم صلاة مقيم قال أبو عمر مسائل السفر تكثر جدا وإنما ذكرنا منها ما كان في معنى حديثنا وما يعين على فتح ما انغلق منها من معناه وبالله التوفيق (ابن شهاب عن عمرة حديث واحد مرسل في الموطأ ليحيى وحده وهو غلط منه) وهي عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري مالك عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه وجد أخبية خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب فلما رآها سأل عنها فقيل له هذا خباء عائشة وحفصة وزينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آلبر تقولون بهن ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال
188

هكذا هذا الحديث ليحيى في الموطأ عن مالك عن ابن شهاب وهو غلط (206) وخطأ مفرط لم يتابعه أحد من رواة الموطأ فيه عن ابن شهاب) وإنما هو في الموطأ لمالك عن يحيى بن سعيد إلا أن رواة الموطأ اختلفوا في قطعه وإسناده فمنهم من يرويه عن مالك عن يحيى بن سعيد إلا أن رواة الموطأ اختلفوا في قطعه وإسناده فمنهم من يرويه عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يذكر عمرة ومنهم من يرويه عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة لا يذكر عائشة ومنهم من يرويه عن ملك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة يصله بسنده (207) وأما رواية يحيى عن مالك عن ابن شهاب فلم يتابعه أحد على ذلك وإنما هذا الحديث لمالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة لا عن ابن شهاب عن عمرة كذلك رواه مالك وغيره وجماعة عنه ولا يعرف هذا الحديث لابن شهاب لا من حديث ملك ولا من حديث غيره من أصحاب ابن شهاب وهو من حديث يحيى بن سعيد محفوظ صحيح سنده وهذا الحديث مما فات يحيى سماعه عن مالك في الموطأ فرواه عن زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون وكان ثقة عن ملك وكان يحيى بن يحيى قد سمع الموطأ منه بالأندلس وملك
189

يومئذ حي ثم رحل فسمعه من مالك حاشى ورقة في الاعتكاف لم يسمعها أو شك في سماعها من ملك فرواها عن زياد عن مالك وفيها هذا الحديث فلا أدري ممن جاء هذا الغلط في هذا الحديث أمن يحيى أم من زياد ومن أيهما كان ذلك فلم يتابعه أحد عليه وهو حديث مسند ثابت من حديث يحيى بن سعيد ذكره البخاري عن عبد الله بن يوسف عن ملك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة مسندا قال البخاري وأخبرنا النعمان حدثنا حماد بن زيد حدثنا يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان وكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها فضربت خباء فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية فقال ما هذا فأخبر فقال البر تردن بهن فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية ويعلى بن عبيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه قالت فإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر
190

الأواخر من رمضان قال فأمر ببنائه فضرب فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضرب قالت وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائها فضرب فلما صلى الفجر نظر إلى الأبنية فقال ما هذا البر تردن قالت فأمر ببنائه فقوض وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضت ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول من شوال ورواه الأوزاعي ومحمد بن إسحاق عن يحيى بن سعيد مثله وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال
سمعت يحيى بن سعيد يحدث عن عمرة عن عائشة قالت أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسمعت بذلك فاستأذنته فأذن لي ثم استأذنته حفصة فأذن لها ثم استأذنته زينب فأذن لها قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه فلما صلى الصبح رأى في المسجد أربعة أبنية فقال لمن هذه قالوا لعائشة وحفصة وزينب فقال النبي صلى الله عليه وسلم البر تردن بهذا فلم يعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك العشرة واعتكف عشرا من شوال وربما قال سفيان في هذا الحديث البر تقولون بهن قال الحميدي بناء النبي صلى الله عليه وسلم هو الرابع وذكره عبد الرزاق عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة
191

مثله سواء إلى قوله فلما صلى إذا هو بأربعة أبنية فقال ما هذا قالوا عائشة وحفصة وزينب قال البر تقولون بهذا فرفع بناءه قالت فلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان واعتكف عشرا من شوال وحدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور وأخبرنا محمد بن عبد الملك وعبيد بن محمد قالا حدثنا عبد الله بن مسروق (208) قال حدثنا عيسى بن مسكين قالا جميعا حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر الجرجاني قال حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا يحيى (209) بن عبيد قال أنبأنا يحيى بن سعيد (210) عن عمرة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل االمكان الذي يريد أن يعتكف فيه فأراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فضرب له خباء وأمرت (211) عائشة فضرب لها خباء وأمرت حفصة فضرب لها خباء فلما رأت زينب خباءهما أمرت فضرب لها خباء فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال آلبر تردن فلم يعتكف في رمضان واعتكف عشرا في شوال هذا الحديث أدخله مالك وغيره من العلماء في باب قضاء الاعتكاف وهو أعظم ما يعتمد عليه من فقهه ومعنى ذلك عندي والله أعلم أن رسول
192

الله صلى الله عليه وسلم كان قد نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان فلما رآى ما كرهه من تنافس زينب وحفصة وعائشة في ذلك وخشي عليهن أن تدخل نيتهن داخلة وما الله أعلم به فانصرف ثم وفي الله بما نواه من فعل البر فاعتكف عشرا من شوال وفي ذلك جواز الاعتكاف في غير رمضان وأما قوله في حديث مالك آلبر يقولون بهن فيحتمل أي أيظنون بهن البر فأنا أخشى عليهن أن يردن الكون معي ولا يردن البر خالصا فكره لهن ذلك وعلى هذا يخرج قوله في غير حديث مالك آلبر يردن أو تردن كأنه تقرير وتوبيخ بلفظ الاستفهام أي ما أظنهن يردن البر أوليس يردن البر والله أعلم وقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كره لأزواجه الاعتكاف لشدة مؤنته لأن ليله ونهاره سواء قال مالك رحمه الله لم يبلغني أن أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا ابن المسيب ولا أحدا من سلف هذه الأمة اعتكف إلا أبا بكر بن عبد الرحمن وذلك والله أعلم لشدة الاعتكاف ولو ذهب ذاهب إلى أن الاعتكاف للنساء مكروه بهذا الحديث كان مذهبا ولولا أن ابن عيينة ذكر فيه أنهن استأذنه في الاعتكاف لقطعت بأن الاعتكاف للنساء في المساجد غير جائز وما أظن استيذانهن محفوظا والله أعلم ولكن ابن عيينة حافظ وقد قال في هذا الحديث سمعت يحيى بن سعيد وفي هذا الحديث من الفقه أن الاعتكاف يلزم بالنية مع الدخول فيه وإن لم يكن في حديث مالك ذكر دخوله صلى الله عليه وسلم في ذلك الاعتكاف الذي قال لأن في رواية ابن عيينة وغيره لهذا الحديث أن
193

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه فلما صلى الصبح يعني في المسجد وهو موضع اعتكافه نظر فرأى الأخبية والاعتكاف إنما هو الإقامة في المسجد فكأنه والله أعلم كان قد شرع في اعتكافه لكونه في موضع اعتكافه مع عقد نيته على ذلك والنية هي الأصل في الأعمال وعليها تقع المجازات فمن هنا والله أعلم قضى اعتكافه ذلك في شوال صلى الله عليه وسلم وقد ذكر سنيد قال حدثنا معمر بن سليمان عن كهمس عن معبد بن ثابت في قوله * (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن) * الآية قال إنما كان شيئا نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به ألم تسمع إلى قوله أن الله يعلم سرهم ونجواهم وإن الله علام الغيوب قال وحدثنا معتمر قال ركبت البحر فأصابتنا ريح شديدة فنذر قوم معنا نذورا ونويت أنا شيئا لم أتكلم به فلما قدمت البصرة سألت أبا سليمان التيمي فقال يا بني فء به فغير نكير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قضى الاعتكاف من أجل أنه كان قد نوى أن يعمله وإن لم يدخل فيه لأنه كان أوفى الناس لربه بما عاهده عليه وأبدرهم إلى طاعته فإن كان دخل فيه فالقضاء واجب عند العلماء لا يختلف في ذلك الفقهاء وإن كان لم يدخل فيه فالقضاء مستحب لمن هذه حاله عند أهل العلم مندوب إليه أيضا مرغوب فيه ومن العلماء من أوجب قضاءه عليه من أجل أنه كان عقد عليه نيته والوجه عندنا ما ذكرنا
194

ومن جعل على المعتكف قضاء ما قطعه من اعتكافه قاسه على الحج التطوع يقطعه صاحبه عمدا أو مغلوبا وسيأتي القول في حكم قطع الصلاة التطوع والصيام التطوع وما للعلماء في ذلك من المذاهب في باب مرسل ابن شهاب في هذا الكتاب وقد احتج بهذا الحديث بعض من كره للنساء الاعتكاف في المسجد ذكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن النساء يعتكفن قال نعم قد اعتكف النساء واختلف الفقهاء في مكان اعتكاف النساء فقال مالك تعتكف المرأة في مسجد الجماعة ولا يعجبه أن تعتكف في مسجد بيتها وقال أبو حنيفة لا تعتكف المرأة إلا في مسجد بيتها ولا تعتكف في مسجد الجماعة وقال الثوري اعتكاف المرأة في بيتها أفضل منه في المسجد لأن صلاتها في بيتها أفضل وهو قول إبراهيم وقال الشافعي المرأة والعبد والمسافر يعتكفون حيث شاؤوا لأنه لا جمعة عليهم قال منصور يعني من المساجد لأنه لا اعتكاف عنده إلا في مسجد قال أبو عمر من حجة من أجاز اعتكاف المرأة في مسجد الجماعة حديث ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة هذا لأن فيه أنهن استأذنه في الاعتكاف فأذن لهن فضربن أخبيتهن في
195

المسجد ثم منعهن بعد لغير المعنى الذي أذن لهن من أجله والله أعلم وقال أصحاب أبي حنيفة إنما جاز لهن ضرب أخبيتهن في المسجد للاعتكاف من أجل أنهن كن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وللنساء أن يعتكفن في المسجد مع أزواجهن وكما أن للمرأة أن تسافر مع زوجها كذلك لها أن تعتكف معه وقال من لم يجز اعتكافهن في المسجد أصلا إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف إنكارا عليهن قال ويدل على ذلك قوله البر يردن قال وقد قالت عائشة لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أحدث النساء بعده لمنعهن المسجد ولم يختلفوا أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد فكذلك الاعتكاف والله أعلم وأما قولهم في هذا عن يحيى بن سعيد بإسناده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل في معتكفه فلا أعلم من فقهاء الأمصار من قال به إلا الأوزاعي وقد قال به طائفة من التابعين وهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأثرم قال سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن المعتكف في أي وقت يدخل معتكفه فقال يدخله قبل غروب الشمس فيكون يبتدئ ليلته
196

فقيل له قد روى يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر ثم يدخل معتكفه فسكت وروي عن ابن مسعود مثله وروي عن عائشة لا اعتكاف إلا بصوم ولم يختلف عنها في ذلك واختلف عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس فروي عنهما القولان جميعا ولم يختلف عن الشعبي أنه لا اعتكاف إلا بصوم واختلف عن النخعي فروي عنه الوجهان أيضا جميعا ومن حجة من أجازه بغير صوم أن اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في رمضان ومحال أن يكون صوم رمضان لغير رمضان ولو نوى المعتكف في رمضان بصومه التطوع والفرض فسد صومه عند مالك وأصحابه ومعلوم أن ليل المعتكف يلزمه فيه من اجتناب مباشرة النساء ما يلزمه وأن ليله داخل في اعتكافه وليس الليل بموضع صوم فكذلك نهاره وليس بمفتقر إلى الصوم فإن صام فحسن قال وسمعته مرة أخرى يسأل عن المعتكف في أي وقت يدخل معتكفه فقال قد كنت أحب له أن يدخل معتكفه بالليل حتى يبيت فيه ويبتدئ ولكن حديث عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل معتكفه إذا صلى الغداة قيل له فمتى يخرج قال يخرج منه إلى المصلى
197

وقد اتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة والليث على خلاف هذا الحديث إلا أنهم اختلفوا في وقت دخول المعتكف لمسجد ليلا فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم إذا وجب على نفسه اعتكاف شهر دخل المسجد قبل غروب الشمس قال مالك وكذلك من أراد أن يعتكف يوما أو أكثر دخل معتكفه قبل غروب الشمس من ليلة ذلك اليوم وقال الشافعي إذا قال لله علي اعتكاف يوم دخل قبل طلوع الفجر وخرج قبل غروب الشمس خلاف قوله في الشهر وقال زفر بن الهذيل والليث بن سعد يدخل قبل طلوع الفجر والشهر واليوم سواء عندهم لا يدخل إلا قبل طلوع الفجر وروي مثل ذلك عن أبي يوسف قال أبو عمر الليالي تبع للأيام وقال الأوزاعي بظاهر حديث عائشة هذا قال يصلي في المسجد الصبح ثم يقوم إلى معتكفه ولم يذكر مالك رحمه الله في موطئه في حديثه عن يحيى بن سعيد عن عمرة في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه وما أظنه تركه والله أعلم إلا أنه رأى الناس على خلافه وأجمع مالك وأصحابه على أن المرأة إذا نذرت اعتكاف شهر فمرضته أنها لا تقضيه ولا شيء عليها واختلفوا إذا حاضته فقال ابن القاسم تقضيه وتصل قضاءها بما اعتكفت قبل ذلك فإن لم تفعل استأنفت
198

وقال محمد بن عبدوس الفرق بين المرض والحيض أن المريضة تمرض الشهر كله والحائض لا تحيض الشهر كله وأقصى ما تحيض منه خمسة عشر يوما فإذا وجب عليها بعضه وجب كله قال أبو عمر هذه حجة من يسامح نفسه ويكلم من يقلده وفسادها أظهر من أن يحتاج إلى الكلام عليها وقد سوى سحنون بين حكم الحيض والمرض وقال إنما عليها إذا طهرت من حيضتها اعتكاف بقية المدة إن بقي منها شيء في المرض والحيض جميعا وما مضى فليس عليها قضاؤه وهو ظاهر قول مالك في الموطأ وقد قال مالك فيمن نذرت صوم يوم بعينه أنها إن مرضت أو حاضت فأفطرت لذلك فلا قضاء عليها فإن أفطرت لغير عذر وهي تقوى على الصيام فعليها القضاء فحكم الاعتكاف عندي مثل ذلك وهو قول الليث والشافعي وزفر وأما قوله في هذا الحديث حتى اعتكف عشرا من شوال ففيه أن الاعتكاف في غير رمضان جائز كما هو في رمضان وهذا ما لا خلاف فيه إلا أن العلماء اختلفوا في صوم المعتكف هل هو واجب عليه أم لا فقال مالك والثوري والحسن بن حي وأبو حنيفة لا اعتكاف إلا بصوم وهو قول الليث
199

وقال الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وابن علية الاعتكاف جائز بغير صوم وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعمر بن عبد العزيز كلهم قالوا ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجبه على نفسه ومن حجتهم أيضا حديث ابن عمر أن عمر بن الخطاب (ض) نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره ومعلوم أن الليل لا صوم فيه رواه عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار عن ابن عمر أن عمر جعل على نفسه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوما فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له اعتكف وصم والحديث الأول أصح نقلا عند أهل الحديث وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يقول الصوم يجب على المعتكف فعاوده السائل فقال يصوم وهو أكثر ما روي فيه وقد مضى معنى الاعتكاف وسننه وكثير من أصول مسائله في باب ابن شهاب عن عروة والله وبالله التوفيق (212) وأما وقت خروج المعتكف من اعتكافه فسنذكره ونذكر ما للعلماء فيه من الأقاويل في باب يزيد بن الهاد من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى
200

وقد روي في هذا الباب لمالك عن ابن شهاب حديث غريب حدثنا محمد حدثنا علي بن عمر الحافظ حدثنا عمر بن الحسن بن علي الشيباني أخبرنا عبد الله بن إسماعيل القرشي حدثنا محمد بن يوسف بن محمد بن سوقة حدثنا علي بن الربيع بن الركين بن الربيع عن عسلة الفزاري حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن صفية بنت حي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجاور في المسجد العشر الأواخر من رمضان قال أبو الحسن هذا حديث صحيح من حديث الزهري وهو غريب من حديث مالك لم يكتبه مالك إلا بهذا الإسناد قال أبو عمر لا يصح عن مالك
((ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة حديث واحد مرسل) يتصل من وجوه ولا يوقف على اسم أبي بكر هذا وهو قرشي عدوي يقال في نسبه أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة بن غانم بن عبد الله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب وهو من ثقات التابعين بالمدينة ممن له قدر وعلم بالأنساب وأيام الناس وحديث مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
201

ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار الظهر أو العصر فسلم من اثنتين فقال له ذو الشمالين رجل من بني زهرة بن كلاب أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قصرة وما نسيت فقال له ذو اليدين قد كان بعض ذلك يا رسول الله فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال أصدق ذو اليدين فقالوا نعم فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من الصلاة ثم سلم مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن مثل ذلك هكذا الحديث في الموطأ عند جميع الرواة وبهذا الإسناد عن ابن شهاب خاصة منقطع وهو في الموطأ مسند متصل من طريق قد ذكرناها فيما سلف من كتابنا هذا وأما حديث ابن شهاب فقد وصله الأوزاعي ومعمر وابن جريج وغيرهم من أصحاب ابن شهاب حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم قال حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعتين فقام ابن عبد عمرو بن فضيلة من خزاعة حليف لبني زهرة فقال
202

أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت فقال كل ذلك لم يكن ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال أصدق ذو الشمالين قالوا نعم فأتم ما بقي من صلاته ثم سجد سجدتي السهو ورواه عبد الحميد بن حبيب عن الأوزاعي عن ابن شهاب قال حدثني ابن المسيب وأبو سلمة وعبد الله بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر أبا هريرة وقال فيه فأتم ما بقي من الصلاة لم يسجد السجدتين اللتين يسجدان في وهم الصلاة حين ثبته الناس حدثنا محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد فذكره ورواه صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة أخبره أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين ثم سلم وذكر الحديث وفيه فأتم ما بقي من صلاته ولم يسجد السجدتين اللتين يسجدان إذا شك الرجل في صلاته حين لقنه الناس قال صالح قال ابن شهاب وأخبرني هذا الخبر سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وأخبرنيه أبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله ورواه ابن إسحاق عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة قال
203

كل حدثني بذلك قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر فسلم من اثنتين وذكر الحديث وقال فيه قال الزهري ولم يخبرني رجل منهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو فكان ابن شهاب يقول إذا عرف الرجل ما نسي من صلاته فأتمها فليس عليه سجود سهو وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال حدثني ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة وأبي سلمة بن عبد الرحمن عمن يقتنعان بحديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في صلاة العصر أو صلاة الظهر ثم سلم فقال له ذو الشمالين ابن عبد عمرو يا نبي الله أقصرت الصلاة أم نسيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم لم تقصر ولم أنس فقال ذو الشمالين بلى يا نبي الله قد كان بعض ذلك فالتفت (213) النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال أصدق ذو اليدين قالوا نعم يا نبي الله فقام النبي صلى الله عليه وسلم فأتم الصلاة حين استيقن قال عبد الرزاق قال معمر (214) عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي بكر بن سلميان بن أبي حثمة عن أبي
204

هريرة قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر أوالعصر فسها في كرعتين فانصرف فقال له ذو الشمالين بن عبد عمرو وكان حليفا لبني زهرة أخفت الصلاة أم نسيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما يقول ذو اليدين فقالوا صدق يا نبي الله فأتم بهم الركعتين اللتين نقص قال الزهري وكان ذلك قبل بدر ثم استحكمت الأمور بعد هكذا يقول ابن شهاب أن ذلك قبل بدر وأنه ذو الشمالين وقد ثبت عن أبي هريرة من رواية مالك وغيره من وجوه كثيرة غير ما ذكر في ذلك كله وقد أوضحنا ذلك كله وشرحناه وبسطناه في باب أيوب من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته ههنا (215) ولم نذكر في باب أيوب اختلاف العلماء في كيفية السلام من الصلاة ونذكره هنا لقوله في هذا الحديث فسلم من اثنتين ولقوله في آخره فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من الصلاة ثم سلم اختلف العلماء قديما وحديثا في كيفية السلام من الصلاة واختلفت الآثار في ذلك أيضا واختلف أئمة الفتوى بالأمصار في وجوه السلام من الصلاة وهل هو من فروضها أم لا فقال مالك وأصحابه والليث بن سعد يسلم المصلي من الصلاة نافلة كانت أو فريضة تسليمة واحدة السلام عليكم ولا يقل ورحمة الله وقال سائر أهل
205

العلم يسلم تسليمتين الأولى عن يمينه يقول فيها السلام عليكم ورحمة الله وممن قال بهذا كله سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه والحسن بن حي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وأبو عبيد وداود بن علي وأبو جعفر الطبري وقال ابن وهب عن مالك يسلم تلقاء وجهه السلام عليكم بتسليمة واحدة وقال أشهب عن مالك أنه سئل عن تسليم المصلي وحده فقال يسلم واحدة عن يمينه فقيل له وعن يساره فقال ما كانوا يسلمون إلا واحدة وإن من الناس من يفعله وقال مرة أخرى إنما حدثت التسليمتان من زمن بني هاشم فقال مالك والمأموم يسلم تسليمة عن يمينه وأخرى عن يساره ثم يرد على الإمام وروي عن سعيد بن المسيب مثله وقال عنه ابن القاسم من صلى لنفسه يسلم عن يمينه ويساره وقال وأما الإمام فيسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه يتيامن بها قليلا واختلف قوله في موضع رد المأموم على الإمام فمرة قال يسلم عن يمينه ويساره ثم يرد على الإمام ومرة قال يرد على الإمام بعد أن يسلم عن يمينه قال أبو عمر الذي تحصل من مذهب مالك رحمه الله أن الإمام يسلم واحدة تلقاء وجهه ويتيامن بها قليلا والمصلي لنفسه يسلم اثنتين والمأموم يسلم ثلاثا إن كان عن يساره أحد
206

وقال الليث بن سعد أدركت الأئمة والناس يسلمون تسليمة واحدة تلقاء وجوههم السلام عليكم وكان الليث يبدأ بالرد على الإمام ثم يسلم عن يمينه وعن يساره قال أبو عمر روى الدراوردي عن مصعب بن ثابت عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة السلام عليكم وقد وهم فيه الدراودري وإنما الحديث لمصعب بن ثابت عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه ويساره حتى يرى بياض خديه من هنا وهنا هكذا رواه ابن المبارك وغيره عن مصعب بن ثابت بإسناده وأما حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم تسليمة واحدة فلا يصح مرفوعا لأنه لم يرفعه إلا وهب بن محمد عن هشام بن عروة وهو ضعيف ضعفه ابن معين وغيره وفي التسليمتين حديث ابن مسعود ثابت صحيح رواه عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقه عن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يسلمون عن أيمانهم وعن شمائلهم في الصلاة السلام عليكم
ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله ورواها وأبو حميد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم
207

قال أبو عمر اختلف القائلون بالتسليمتين في وجوبهما فرضا فقالت طائفة منهم كلا التسليمتين سنة ومن لم يأت بالسلام بعد أن يقعد مقدار التشهد فقد تمت صلاته قالوا وإنما السلام إعلام بانقضاء الصلاة وتمامها واحتجوا بأن السلام إذا وضع في غير موضعه كالكلام فكذلك (216) هو في آخر الصلاة وممن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي وأكثر أهل الكوفة إلا الحسن بن حي فإنه أوجب التسليمتين جميعا بقوله عليه السلام تحليلها التسليم ثم بين بفعله كيف التسليم وقال آخرون منهم الشافعي التسليمة الأولى يخرج بها من صلاته واجبة والأخرى سنة ومن حجته قوله صلى الله عليه وسلم تحليلها التسليم والتسليمة الواحدة يقع عليها اسم تسليم وهذه أيضا حجة من قال بالتسليمة الواحدة وبالله التوفيق وقال الثوري إذا كنت إماما فسلم عن يمينك وعن يسارك السلام عليكم ورحمة الله فإن كنت غير إمام فإذا سلم الإمام فسلم عن يمينك وعن يسارك تنوي به الملائكة ومن معك من المسلمين
208

وقال الشافعي نأمر كل مصل أن يسلم عن يمينه وعن يساره إماما كان أو منفردا أو مأموما ويقول في كل واحدة منهما السلام عليكم ورحمة الله وينوي بالأولى من عن يمينه وبالثانية من عن يساره وينوي المأموم الإمام بالتسليمة التي إلى ناحيته في اليمين أو في اليسار قال ولو اقتصر على تسليمة واحدة لم يكن عليه إعادة
((ابن شهاب عن ابن السباق حديث واحد مرسل) ابن السباق هذا عبيد روى عنه ابن شهاب وابنه سعيد بن عبيد بن السباق وهو من ثقات التابعين بالمدينة ومن أشرافهم من بني عبد الدار بن قصي ولم يذكره أهل النسب وللسباق بن عبد الدار بن قصي عوفا وعبيد وعميلة وعبد الله قال الزبير بغى بعضهم على بعض فهلكوا وانقرضوا قال وهم أول من بغى بمكة فتفانوا في البغي ولم يبق منهم إلا قليل قال وصار بعض بني السباق في عك ولم يذكر ابن شهاب هذا مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع يا معشر المسلمين إن هذا اليوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضيره أن يمس منه وعليكم بالسواك
209

هكذا رواه جماعة من رواة الموطأ عن مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق مرسلا كما روى ولا أعلم فيه بين رواة الموطأ اختلافا ورواه حجاج بن سليمان الرعيني عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة وحميد ابني عبد الرحمن بن عوف وعن أحدهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جعله الله عيدا (220) (فاغتسلوا وعليكم بالسواك) رواه عن حجاج هذا وهو حجاج بن سليمان بن أفلح الرعيني أبا الأزهر جماعة هكذا ولا يصح فيه عن مالك إلا في الموطأ وقد رواه يزيد بن سعيد الصباح عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة ولم يتابعه أحد من الرواة على ذلك ويزيد بن سعيد هذا من أهل الإسكندرية ضعيف حدثنا خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا أبو طالب محمد بن زكريا عن يحيى بن أعين المقدسي بها قال حدثنا الحسن بن أحمد بن سليمان أبو علي البصري قال حدثنا يزيد بن سعيد الصباحي قال حضرت مالكا سنة اثنتين وسبعين ومائة وهو يسأل عن غسل الجمعة قال حدثني صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعة من الجمع يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا وعليكم بالسواك
210

قال أبو عمر لم يتابعه أحد على الإسنادين جميعا في هذين الحديثين ومما أجاز لنا أبو جعفر أحمد بن رحمون الإفريقي وحدثنا به عنه أيضا أبو العباس أحمد بن سهل بن المبارك البصري قال حدثنا أحمد بن خالد بن ميسرة وأحمد بن قراد الجهيني قالا حدثنا يزيد بن سعيد الصباحي قال حدثنا مالك بن أنس عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع يا معشر المسلمين أن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا وعليكم بالسواك وحدثنا خلف بن قاس حدثنا أبو بكر أحمد بن صالح بن عمر المقري بالرملة أنبأنا (217) عبد الله بن سليمان وحدثنا خلف حدثنا أحمد بن الحسن بن إسحاق الرازي حدثنا أبو رفاعة عمارة (218) بن وثيمة بن موسى وأبو علي الحسن بن أحمد بن سليمان قالوا حدثنا يزيد بن سعيد الصباحي الأسكندراني قال سمعت مالك بن أنس يقول حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة وقال الحسن بن أحمد عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعة من الجمع
211

يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا وعليكم بالسواك وهذا اضطراب عن يزيد بن سعيد ولا يصح شيء من روايته في هذا الباب (219) وقد اختلف في هذا الحديث أصحاب ابن شهاب أيضا فرواه مالك كما رأيت في هذا ورواه ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا (220) فاغتسلوا وعليكم بالسواك حدثني خلف بن قاسم أنبأنا أحمد بن الحسن بن إسحاق أنبأنا يحيى بن عثمان بن صالح أنبأنا أبي أنبأنا ابن لهيعة حدثني عقيل أن ابن شهاب أخبره عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيدا) للمسلمين ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك ورواه معمر عن الزهري قال أخبرني من لا أتهم من أصحاب محمد عليه السلام أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعة من الجمع وهو على المنبر وهو يقول يا معشر المسلمين إن هذا اليوم جعله الله عيدا
212

للمسلمين فاغتسلوا فيه بالماء ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك وفي هذا الحديث من الفقه الأمر بغسل الجمعة وقد مضى القول فيه في باب ابن شهاب عن سالم فأغنى عن إعادته ههنا (221) وفيه الغسل للعيدين لقوله إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا وفيه أخذ الطيب في يوم الجمعة وأخذه مندوب إليه حسن مرغوب فيه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف برائحة الطيب إذا مشى وقال صلى الله عليه وسلم لا تردوا الطيب فإنه طيب الريح خفيف المحمل وفيه الحث على السواك والآثار في السواك كثيرة وقد مضى القول في سواك القوم فيما مضى من كتابنا أنه كان الأراك والبشام قال أبو عمر وكل ما جلا الأسنان ولم يؤذها ولا كان من زينة النساء فجائز الاستنان به وهذا القول يحمله أهل العلم أنه كان من
213

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب في الجمعة وإذا كان كذلك كان فيه دليل على أن للخطيب أن يأتي في خطبته بكل ما يحتاج إليه الناس من فصول الأعياد
وغيرها تعليما لهم وتنبيها على ما يصلحهم في دينهم وفيه دليل على أن من حلف أن يوم الجمعة يوم عيد لم يحنث وكذلك إن قال والله لأعطينك كذا ولأفعلن كذا يوم عيد ولم ينو يوم الفطر ولا الأضحى وأيام التشريق ولا نوى شيئا أنه يبر بأن يفعل ذلك يوم جمعة والله أعلم أخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان بن بلال قال حدثني عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال الغسل يوم الجمعة ليس بواجب ومن اغتسل فهو خير وأطهر ثم قال إن الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يلبسون الصوف وكان المسجد ضيقا متقارب السقف خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في يوم صائف شديد الحر ومنبره صغير إنما هو ثلاث درجات فخطب الناس فعرق الناس في الصوف فصاروا يؤذي بعضهم بعضا حتى بلغت أرواحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال يا أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم ما يجد من طيبه أو دهنه
214

((ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية الجحمي حديث واحد))
وقد ذكرنا نسب صفوان بن أمية في كتابنا في الصحابة وذكرنا أشياء من أخباره هناك وصفوان بن عبد الله بن صفوان هذا حفيده أحد الثقات روى عنه ابن شهاب وأخوه عمرو بن عبد الله بن صفوان وكان أطعم الناس الطعام في دهره وفيه يقول الفرزدق إذ نظر إلى عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد وهو يخطر حول البيت
* تظل تخطر حول البيت منتحيا
* لو كنت عمرو بن عبد الله لم تزد
* وأما عبد الله بن صفوان بن أمية فأحد الأشراف الجلة قتل مع ابن الزبير بمكة وذلك أنه كان عدوا لبني أمية وهذا كله لا يختلف فيه أهل العلم بالنسب والله أعلم مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية أن صفوان بن أمية قيل له أنه من لم يهاجر هلك فقدم صفوان بن أمية المدينة فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاءه سارق فأخذ رداءه فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم (222) أن تقطع يده فقال صفوان إني لم أرد هذا يا رسول الله هو عليه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا
215

قبل أن تأتيني به هكذا روى هذا الحديث جمهور أصحاب مالك مرسلا ورواه أبو عاصر النبيل عن مالك عن الزهري عن صفوان بن عبد الله بن صفوان عن جده قال قيل لصفوان من لم يهاجر هلك وساق الحديث على ما في الموطأ ولم يقل أحد فيما علمت في هذا الحديث عن صفوان بن عبد الله بن صفوان عن جده غير أبي عاصم ورواه شبابة بن سوار عن مالك عن الزهري عن عبد الله بن صفوان عن أبيه أن صفوان إلخ حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة قال حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن عبد الله بن صفوان عن أبيه أن صفوان قيل له من لم يهاجر هلك فدعا براحلته فركبها حتى أتى المدينة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم قال قد قيل لي من لم يهاجر هلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذهبت الهجرة فارجع إلى بطحاء مكة فنام صفوان في المسجد وتوسد رداءه فأخذ من تحت رأسه فجاء بسارقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به أن يقطع فقال صفوان بن أمية يا رسول الله إني لم أرد هذا ردائي عليه صدقة يا رسول الله إني لم أرد هذا ردائي عليه صدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا قبل أن تأتيني به ورواه أبو علقمة الفروي عن مالك كما رواه شبابة بن سوار عنه بإسناده سواء حدثنا بحديث شبابة بن سوار عن مالك خلف بن قاسم حدثني أبو عيسى العباس بن أحمد الأزدي وأبو محمد الحسن
216

بن رشيق ونصر بن علي البزار قالوا حدثنا أبو العلاء محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار المدائني حدثنا مالك بن انس عن ابن شهاب فذكره وقد ذكر الطحاوي حديث شبابة عن محمد بن أحمد بن جعفر عن أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الله بن صفوان عن أبيه فذكره هكذا ابن شهاب عن عبد الله بن صفوان عن أبيه وقال الطحاوي جائز أن يسمع ابن شهاب هذا الحديث من عبد الله بن صفوان بن أمية عن أبيه ومن صفوان بن عبد الله عن جده وذلك غير مستنكر لابن شهاب في أحاديثه عن غير هاذين ممن يحدث عنه وغير مستنكر سماعه من عبد الله بن صفوان لأن عبد الله بن صفوان قتل مع عبد الله بن الزبير في اليوم الذي قتل فيه من سنة ثلاث وسبعين قال والزهري يومئذ سنه أربع عشرة سنة لأن مولده كان في السنة التي قتل فيها الحسين بن علي رضي الله عنه وهي سنة إحدى وستين قال فإن قال قائل قد يجوز أن يكون عبد الله بن صفوان هذا هو عبد الله بن صفوان بن عبد الله قيل له ما نعلم لصفوان بن عبد الله ابنا أخذ عنه شيء من العلم وإنما عبد الله بن صفوان هذا هو عبد الله بن صفوان بن أمية
217

قال أبو عمر قد روى هذا الحديث عطاء وطاووس عن صفوان بن أمية ورواه حماد بن سلمة عن قتادة وقيس بن سعد وحبيب المعلم وحميد بن قيس كلهم عن عطاء ورواه حماد أيضا عن عمرو بن دينار عن طاوس جميعا عن صفوان بن أمية أنه كان نائما في المسجد تحت رأسه خميصة فجاء لص فانتزعها من تحت رأسه وذكر الحديث ولم يسمعه عطاء من صفوان بن أمية لأن شعبة وسعد بن أبي عروبة روياه عن قتادة عن عطاء عن طارق بن المرقع عن صفوان بن أمية أن رجلا سرق برده فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه فقال يا رسول الله قد تجاوزت عنه قال أفلا قبل أن تأتيني به أبا وهب فقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه عبد الله بن محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد قالا حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن قتادة عن عطاء عن طارق بن المرقع عن صفوان بن أمية فذكره حرفا بحرف وذكره النسائي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل بإسناده مثله سواء
218

وأخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا أحمد بن عمرو قال حدثنا محد بن سنجر قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قال حدثنا وهب عن عطاء عن ابن طاووس عن أبيه عن صفوان أنه قيل له أنه لا يدخل الجنة إلا من قد هاجر فقال لا أترك منزلي حتى آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه برجل فقال يا رسول الله إن هذا سرق خميصة لي والرجل معه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعه فقال يا رسول الله إني قد وهبتها له قال فهلا قبل أن تأتيني به قال فقلت يا رسول الله إنهم يقولون لا يدخل
الجنة إلا من قدها هاجر فقال لا هجرة بعد فتح مكة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا وطاوس سماعه من صفوان بن أمية ممكن لأنه أدرك زمن عثمان وذكر يحيى القطان عن زهير عن ليث عن طاوس قال أدركت سبعين شيخا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قيل إن طاوس توفي وهو ابن بضع وسبعين سنة في سنة ست ومائة قال فإذا كان سنه هذا فغير ممكن سماعه من صفوان بن أمية لأن صفوان توفي سنة ست وثلاثين وقيل كانت وفاته بمكة عند خروج الناس إلى الجمل
219

وقد روى هذا الحديث عن طاوس وعكرمة عن ابن عباس ذكره البزار من حديث الأشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس ومن حديث زكرياء بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لفظ حديث الأشعث عن عكرمة عن ابن عباس قال كان صفوان بن أمية نائما في المسجد فجاءه رجل فأخذ رداءه من تحت رأسه فاتبعه فأدركه فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا سرق ردائي من تحت رأسي فأمر به أن يقطع فقال إن ردائي لم يبلغ أن يقطع فيه هذا قال أفلا قبل أن تأتيني به قال البزار ورواه جماعة عن عكرمة مرسلا وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم قال حدثنا عمرو قال حدثنا أسباط عن سماك عن حميد بن أخت صفوان عن صفوان بن أمية قال كنت نائما في المسجد على خميصة لي ثمنها ثلاثون درهما فجاء رجل فاختلسها مني فأخذ الرجل فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به أن يقطع فأتيته فقلت تقطعه من أجل ثلاثين درهما أنا أمتعه ثمنها قال فهلا كان قبل أن تأتيني به
220

وفي حديث مالك من الفقه والمعاني أن الهجرة كانت قبل الفتح مفترضة وفيه إباحة النوم في المسجد وفيه توطي الثياب وتوسدها وفيه أن ما جعله الإنسان تحت رأسه فهو حرز له وما سرق من حرز فيه القطع واختلف العلماء في السارق من غير حرز فأما فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام فإنهم اعتبروا جميعا الحرز في وجوب القطع باتفاق منهم على ذلك وقالوا من سرق من غير حرز فلا قطع عليه بلغ المقدار أو زاد والحجة لما ذهب إليه الفقهاء في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لا قطع في حريسة جبل حتى يأويها المراح وأجمعوا أن السارق من مال المضاربة والوديعة لا قطع عليه وقال صلى الله عليه وسلم لا قطع على خائن ولا مختلس وأجمعوا على ذلك وفي إجماعهم على أن لا قطع على خائن ولا مختلس دليل على مراعاة الحرز وقال أهل الظاهر وبعض أهل الحديث وأحمد بن حنبل في رواية عنه كل سارق يقطع سرق من حرز وغير حرز لأن الله أمر بقطع السارق أمرا مطلقا وبين النبي صلى الله عليه وسلم المقدار ولم يذكر الحرز
221

قال أبو عمر الحجة عليهم ما ذكرنا وبالله توفيقنا واختلف الفقهاء في أبواب من معاني الحرز يطول ذكرها فجملة قول مالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وأصحابهم أن السارق من غير حرز لا قطع عليه وجملة قول مالك والشافعي في الحرز أن الحرز كل ما يحرز به الناس أموالهم إذا أرادوا التحفظ بها وهو يختلف باختلاف الشيء المحروز واختلاف المواضع فإذا ضم المتاع في السوق إلى موضع وقعد عليه صاحبه فهو حرز وكذلك إذا جعل في ظرف فأخرج منه وعليه من يحرزه أو كانت إبل قطر بعضها إلى بعض أو أنيخت في صحراء حيث ينظر إليها أو كانت غنما في مراحها أو متاعا في فسطاط أو بيتا مغلقا على شيء أو مقفولا عليه وكل ما تنسبه العامة إلى أنه حرز على اختلاف أزمانها وأحوالها قال الشافعي ورداء صفوان كان محرزا باضطجاعه عليه فقطع النبي صلى الله عليه وسلم سارقه قال ويقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر لأن هذا حرز مثله مذهب المالكيين والشافعيين في هذا الباب متقارب جدا ولا سبيل إلى إيراد مسائل السرقة على اختلاف أنواع الحرز وقد ذكرناها هنا جملا تكفي ومن أراد الوقوف على الفروع نظر في كتب الفقهاء وبأن له ما ذكرناه وبالله التوفيق
222

واختلفوا أيضا في السارق يرفع إلى الحاكم سرقته بيده فيحكم عليه بالقطع لثبوت سرقته بإقراره أو ببينة عدول قامت عليه فيهب له المسروق منه ما سرقه هل يقطع أم لا فقال مالك وأهل المدينة والشافعي وأهل الحجاز يقطع لأن الهبة إنما وقعت بعد وجوب الحد فلا يسقط ما قد وجب لله كما أنه لو غصب جارية ثم نكحها قبل أن يقام عليه الحد لم يسقط ذلك الحد عنه قال الطحاوي ويختلفون في هذه المسألة لو كانت الهبة قبل أن يؤتى بالسارق إلى الإمام فقال أهل الحجاز منهم مالك والشافعي يقطع ووافقهم على ذلك ابن أبي ليلى وقال أبو يوسف في هذا لا يقطع وأما أبو حنيفة ومحمد بن الحسن فقالا لا يقطع في شيء من ذلك مع وقوع مالكه على السرقة قبل أن يرفع إلى الإمام وبعد أن يرفع إليه وحجة أبي يوسف قوله صلى الله عليه وسلم فهلا قبل أن تأتيني به وهذا يدل على أنه لو وهب للسارق رداءه قبل أن يأتيه به لما قطع والله أعلم قال أبو عمر الحجة قائمة لمالك والشافعي على أبي حنيفة بالحديث المذكور في هذا الباب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع يد السارق الذي سرق ثوب صفوان بن أمية بعد أن وهبه له وقال هلا قبل أن تأتيني به
223

ومعنى قوله عندهم فهلا قبل أن تأتيني به هلا كان ما أردت من العفو عنه قبل أن تأتيني به فإن الحدود إذا لم أوت بها ولم أعرفها لم أقمها وإذا أتتني لم يجز العفو عنها ولا لغيري هذا معناه والله أعلم وقد احتج الشافعي بالزاني توهب له الأمة التي زنى بها أو يشتريها إن ملكه الطارئ لا يزيل الحد عنه فكذلك السرقة ومن حجة أبي حنيفة في قوله متى وهب السرقة صاحبها للسارق سقط الحد قوله صلى الله عليه وسلم تعافوا عن الحدود بينكم فما بلغني من حد فقد وجب قال فهذا الحد قد عفي عنه بالهبة وقد حصلت ملكا للسارق قبل أن يبلغ السلطان فلم يبلغ الحد السلطان إلا وهو معفو عنه قال وما حصل ملكا للسارق استحال أن يقطع فيه لأنه إنما يقطع في ملك غيره لا في ملك نفسه ومن حجتهم أيضا أن الطارئ من الشبهة في الحدود بمنزلة ما هو موجود في الحال قياسا على الشهادات وبالله التوفيق قال أبو عمر لا أعلم بين أهل العلم اختلافا في الحدود إذا بلغت إلى السلطان لم يكن فيها عفو لا له ولا لغيره وجائز للناس أن يتعافوا الحدود ما بينهم ما لم يبلغ السلطان وذلك محمود عندهم
224

وفي هذا كله دليل على أن لصاحب السرقة في ذلك ما ليس للسلطان وذلك ما لم يبلغ السلطان فإذا بلغ السارق إلى السلطان لم يكن للمسروق منه شيء من حكمه في عفو ولا غيره لأنه لا يتبعه بما سرق منه إذا وهبه له ألا ترى أنهم قد أجمعوا على أن السارق لو أقر بسرقة عند الإمام يجب في مثلها القطع سرقها من رجل غائب أنه يقطع وإن لم يحضر رب السرقة ولو كان لرب السرقة في ذلك مقال لم يقطع حتى يحضر فيعرف ما عنده فيه وقد اختلفوا في السارق تدعى عليه السرقة في ثوب هو بيده
يدعيه لنفسه وصاحب السرقة غائب فقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما لا يخاصمه في ذلك أحد إلا رب الثوب ولا يسمع من غيره في ذلك بينة ولا خصومة في ذلك بينه وبين من يدعي عليه حتى يأتي رب الثوب أو وكيله في ذلك وقال ابن أبي ليلى ومالك كل من خاصمه في ذلك من الناس كان خصما له وسمعت بينته فإن قبلت قطع وإن لم يأت بمدفع وهذه المسائل كلها في معنى الحديث فلذلك ذكرناها التوفيق
225