الكتاب: التمهيد
المؤلف: ابن عبد البر
الجزء: ١٥
الوفاة: ٤٦٣
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ,‏محمد عبد الكبير البكري
الطبعة:
سنة الطبع: ١٣٨٧
المطبعة: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية
ردمك:
ملاحظات:

حديث خامس وأربعون لنافع عن ابن عمر (1) مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا فلم (2) يتب منها حرمها في الآخرة (3) في هذا الحديث دليل على تحريم الخمر وعلى أن شربها من الكبائر لأن هذا وعيد شديد يدل على حرمان دخول الجنة لأن الله عز وجل أخبر أن الجنة * (وأنهار من خمر لذة للشاربين) * 4 * (لا يصدعون عنها ولا ينزفون) * 5 والظاهر أن من دخل الجنة لا بد له من شرب
5

خمرها ولا يخلو من حرم الخمر في الجنة ولم يشربها فيها وهو قد دخلها من أن يكون يعلم أن فيها خمرا لذة للشاربين وأنه حرمها عقوبة أو لا يكون يعمل بها فإن يكن لا يعلم بها فليس في هذا شيء من الوعيد لأنه إذا لم يعلم بها ولم يذكرها ولا رآها لم يجد ألم فقدها فأي عقوبة في هذا ويستحيل أن يخاطب الله ورسوله بما لا معنى له وأن يكن عالما بها وبموضعها ثم يحرمها عقوبة لشربه لها في الدنيا إذ لم يتب منها قبل الموت وعلى هذا جاء الحديث فإن كان هذا هكذا فقد لحقه حينئذ حزن وهم وغم لما حرم من شربها (هو) (1) ويرى غيره يشربها والجنة دار لا حزن فيها ولا غم قال الله عز وجل * (لا يمسهم فيها نصب) * * (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) * 3 وقال * (وفيها ما تشتهيه الأنفس) * 4 ولهذا والله أعلم قال بعض من تقدم أن من شرب الخمر ولم يتب منها لم يدخل الجنة لهذا الحديث ومثله
6

وهذا مذهب غير مرضي عندنا إذا كان على القطع في إنفاذ الوعيد ومحمله عندنا أنه لا يدخل الجمة إلا أن يغفر له إذا مات غير تائب عنها كسائر الكبائر وكذلك قوله لم يشربها في الآخرة معناه عندنا إلا أن يغفر له فيدخل الجنة ويشربها وهو عندنا في مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بذنبه فإن عذبه بذنبه ثم دخل الجنة برحمته لم يحرمها إن شاء الله ومن غفر له فهو أحرى أن لا يحرمها والله أعلم وعلى هذا التأويل يكون معنى قوله عليه السلام حرمها في الآخرة أي جزاؤه وعقوبته أن يحرمها في الآخرة ولله أن يجازي عبده المذنب على ذنبه وله أن يعفو عنه فهو أهل العفو وأهل المغفرة لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وهذا الذي عليه عقد أهل السنة أن الله يغفر لمن يشاء ما خلا الشرك ولا ينفذ الوعيد على أحد من أهل القبلة وبالله التوفيق وجائز أن يدخل الجنة إذا غفر الله له فلا يشرب فيها خمرا ولا يذكرها ولا يراها ولا تشتهيها نفسه والله أعلم
7

وقد روي عن أبي سعيد الخدري من لبس الحرير في الدنيا ودخل الجنة لم يلبسه هو فيها من بين سائر أهلها هذا ومعناه روي عنه حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مسلم قال حدثنا هشام قال حدثنا قتادة عن داود السراج عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو ورواه أبو داود الطيالسي عن هشام بإسناده مرفوعا ورواه شعبة عن قتادة عن داود عن أبي سعيد مثله موقوفا وقد روى جماعة عن النبي عليه السلام أنه قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة (1) وروي عن ابن الزبير أنه قال من لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة لأن الله عز وجل قال في كتابه * (ولباسهم فيها حرير) * 2
8

وهذا عندي على نحو المعنى الذي نزعنا به في شارب الخمر والله أعلم حدثنا عبد الرحمان بن مروان قال حدثنا أحمد بن عمرو بن سليمان الحريري قال حدثنا البغوي قال حدثنا أبو الربيع العتكي الزهراني قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل مسكر (1) حرام ومن شرب الخمر في الدنيا فمات ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة (3) قال البغوي كتب هذا الحديث أحمد بن حنبل عن أبي الربيع الزهراني قال أبو عمر روى مالك وابن جريج هذا الحديث كله عن نافع بعضه مسندا وبعضه من قول ابن عمر وهو كله مسند صحيح وقد مضى القول فيه عند ذكر تحريم المسكر
9

في باب إسحاق بن أبي طلحة (1) من كتابنا هذا والحمد لله وأجمع العلماء على أن شارب الخمر ما لم يتب منها فاسق مردود الشهادة وذكر الأثرم قال قلت لأحمد بن حنبل لي جار يشرب الخمر أأسلم عليه فسكت ثم قال سلم عليه ولا تجالسه حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا ابن الأعرابي قال حدثنا سعدان بن نصر قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة قال قال عثمان بن عفان إياكم والخمر فإنها مفتاح كل شر أتي رجل فقيل له إما أن تحرق هذا الكتاب وإما أن تقتل هذا الصبي وإما أن تقع على هذه المرأة وإما أن تشرب هذه الكأس وإما أن تسجد لهذا الصليب قال فلم ير فيها شيئا أهون من شرب الكأس فلما شربها سجد للصليب وقتل الصبي وورقع على المرأة وحرق الكتاب
10

وأما التوبة من الخمر وغيرها من كبائر الذنوب فمبسوطة للمؤمن ما لم تحضره الوفاة ويعاين الموت ويغرغر فإذا بلغ هذه الحال فلا توبة له إن تاب حينئذ وتوبته مردودة عليه قال الله عز وجل * (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن) * يعني المسلمين ثم قال * (ولا الذين يموتون وهم كفار) * 1 الآية يعني جماعة الكافرين وهذه الآية تفسر قوله عز وجل * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * 2 يريد قبل حضور الموت على ما وصفنا وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء لأن الله تعالى قد نص عليه في كتابه للمذنبين من المسلمين وللكفار أيضا وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وغيرهم في قول الله عز وجل * (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة) * 3
11

قالوا كل ما عصي الله به فهو جهالة ومن عمل السوء وعصى الله فهو جاهل * (ثم يتوبون من قريب) * 1 قالوا ما دون الموت فهو قريب وهذا أيضا إجماع في تأويل هذه الآية فقف عليه ذكر وكيع عن سفيان عن يعلى بن النعمان عن ابن عمر قال التوبة مبسوطة ما لم يسق العبد يقول يقع في السوق ولقد أحسن محمود الوراق رحمه الله حيث قال
* قدم لنفسك توبة مرجوة
* قبل الممات وقبل حبس الألسن
* بادرنها علق (2) النفوس فإنها
* ذخر وغنم للمنيب المحسن
* قال أبو عمر التوبة أن يترك ذلك العمل القبيح بالنية والفعل ويعتقد أن لا يعود إليه أبدا ويندم على ما كان منه فهذه التوبة النصوح المقبولة إن شاء الله عند جماعة العلماء والله بفضله يوفق ويعصم من يشاء
12

حديث سادس وأربعون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا لاعن امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفل (1) من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة (2) هكذا قال وانتفل من ولدها وأكثرهم يقولون وانتفى من ولدها والمعنى واحد وربما لم يذكر بعضهم فيه انتفى ولا انتفل واقتصر على الفرقة بين المتلاعنين وإلحاق الولد بأمه فهذه فائدة حديث ابن عمر هذا حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن الحسين بن إسحاق الرازي وأبو أحمد الحسين بن جعفر الزيات قالا حدثنا يوسف
13

ابن يزيد قال حدثنا سعيد بن منصور حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين وألحق الولد بأمه وقد قال قوم في هذا الحديث عن مالك أن الرجل قذف امرأته وليس هذا في الموطأ ولا يعرف من مذهبه حدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي حدثنا ابن الأعرابي حدثنا إبراهيم بن راشد حدثنا (أبو) (1) عاصم بن مهجع خال مسدد حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا انتفى من ولده وقذف امرأته فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه وحدثنا خلف حدثنا محمد بن عبد الله القاضي حدثنا البغوي حدثنا جدي حدثنا يحيى بن أبي زائدة والحسن بن سوار قالا حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا انتفى من ولده وقذف امرأته فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه
14

وأما قوله ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فهو عندي محفوظ من حديث ابن عمر صحيح وقال ابن عيينة عن ابن شهاب عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين وأنكروه على ابن عيينة في حديث ابن شهاب عن سهل وقد ذكرنا ذلك في باب ابن شهاب عن سهل بن سعد من كتابنا هذا (1) وقد كان ابن معين يقول في ذلك ما حدثنا به عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال سئل يحيى بن معين عن حديث ابن عيينة وأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما فقال أخطأ ليس النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما هكذا ذكره ابن أبي خيثمة في التاريخ عن ابن معين فإن صح هذا ولم يكن فيه وهم فالوجه فيه أن يحمل كلام ابن معين على أن ليس النبي عليه السلام فرق بينهما من حديث ابن شهاب عن سهل بن سعد وأما ظاهر كلام ابن معين فإنه يوجب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين المتلاعنين وهذا خطأ من ابن
15

معين إن كان أراده لأنه قد صح عن ابن عمر من حديث مالك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين وقد يحتمل أن يكون أراد بقوله ليس النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما أي أن اللعان فرق بينهما فإن كان أراد هذا فهو مذهب مالك وأكثر أهل العلم وقد ذكرنا هذا المعنى في باب ابن شهاب عن سهل بن سعد من كتابنا هذا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثني معلى قال حدثنا سفيان عن الزهري سمع سهل بن سعد يقول شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وكنت ابن خمس عشرة سنة فرق بين المتلاعنين وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد ووهب بن بيان وأحمد بن عمرو بن السرح وعمرو بن عثمان قالوا حدثنا سفيان عن الزهري عن سهل بن سعد قال مسدد (قال) (1) شهدت المتلاعنين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة ففرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)
16

وقال آخرون أنه شهد النبي عليه السلام فرق بين المتلاعنين فقال الرجل كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها وبعضهم لم يقل عليها قال أبو داود ولم يتابع أحد ابن عيينة على قوله أنه فرق بين المتلاعنين (1) قال أبو عمر معنى قول أبي داود هذا عندي أنه لم يتابعه أحد على ذلك في حديث ابن شهاب عن سهل بن سعد لأن ذلك محفوظ في حديث ابن عمر من وجوه ثابتة وأظن ابن عيينة اختلط عليه لفظ حديثه عن ابن شهاب عن سهل بن سعد بلفظ حديثه عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا إسماعيل يعني ابن علية قال حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عمر رجل قذف امرأته فقال فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان وقال الله يعلم
17

أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب يرددها ثلاث مرات فأبيا ففرق بينهما (1) قال وحدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا سفيان بن عيينة قال سمع عمرو بن سعيد بن جبير سمع ابن عمر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها فقال يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللته من فرجها وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك (2) وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا معلى قال حدثنا يحيى بن أبي زائدة قال أخبرنا ابن أبي سليمان يعني عبد الملك عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عمر أرأيت المتلاعنين أيفرق بينهما فقال سبحان الله نعم كان أول من سأل عن هذا فلان فسكت عنه النبي عليه السلام ثم جاء فقال أرأيتك الذي سألت عنه فقد ابتليت به فنزلت
18

عليه الآيات (1) في سورة النور فتلاها عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال والذي بعثك بالحق ما كذبت ثم دعا المرأة فقال لها مثل ذلك فقالت والذي بعثك بالحق إنه لكاذب فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم دعا بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ثم فرق بينهما حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال سمعت سعيد بن جبير يقول سئلت عن المتلاعنين زمن مصعب بن الزبير فلم أدر ما أقول وأتيت ابن عمر فقلت أرأيت المتلاعنين أيفرق بينهما فذكر مثله سواء إلى آخره فهذا عن ابن عمر من وجوه صحاح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين
المتلاعنين كما روى مالك وهذا يدلك على أنه إنما أنكر على ابن عيينة ذلك في حديث سهل بن سعد عندي والله أعلم
19

وقد زعم قوم أن مالكا أيضا انفرد في حديثه هذا بقوله فيه وألحق الولد بالمرأة أو ألحق الولد بأمه قالوا وهذا لا يقوله أحد غير مالك عن نافع عن ابن عمر قال أبو عمر حديث نافع عن ابن عمر في هذا الباب رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته وفرق بينهما وهكذا رواه كل من رواه عن نافع ذكروا فيه اللعان والفرقة ولم يذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق الولد بالمرأة وقاله مالك عن نافع كما رأيت وحسبك بمالك حفظا وإتقانا وقد قال جماعة من أئمة أهل الحديث أن مالكا أثبت في نافع وابن شهاب من غيره حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا معلى قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته انتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه هكذا قال بأمه
20

وفي الموطأ وألحق الولد بالمرأة وذلك كله سواء وهذه اللفظة وألحق الولد بأمه أو بالمرأة التي زعموا أن مالكا انفرد بها وهي محفوظة أيضا من وجوه منها أن ابن وهب ذكر في موطئه قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي قال حضرت لعانهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة وساق الحديث قال وفيه (1) ثم خرجت حاملا فكان الولد لأمه (2) وذكر (3) الفريابي عن الأوزاعي عن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي في هذا الخبر خبر المتلاعنين وقال فيه فكان الولد يدعى لأمه (4) وذكر أبو داود الحديثين جميعا ذكر حديث ابن وهب عن أحمد بن صالح عن ابن وهب وذكر حديث الفريابي عن محمود (5) بن خالد عن الفريابي وحسبك بحديث مالك في ذلك
21

ومالك مالك في إتقانه وحفظه وتوقيه وانتقائه لا يرويه فإن قيل ما معنى قوله وألحق الولد بأمه ومعلوم أنه قد لحق بأمه وأنها على كل أمه قيل له المعنى أنه ألحقه بأمه دون أبيه ونفاه عن أبيه بلعانه وصيره إلى أمه وحدها ولهذا ما اختلف العلماء في ميراثه فجعل بعضهم عصبته عصبة أمه وجعل بعضهم أمه عصبته وسنذكر اختلافهم في ذلك في آخر هذا الباب إن شاء الله وأما تفريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين فذلك عندنا إعلام منه صلى الله عليه وسلم أن التلاعن يوجب الفرقة والتباعد فأعلمهما (1) بذلك وفرق بينهما وقال لا سبيل لك عليها وهذا على الإطلاق على ما قد بينا فيما سلف من كتابنا في باب ابن شهاب عن سهل بن سعد وقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب وأخبر أن الخامسة موجبة يعني أنها توجب لعنة الله وغضبه (فلما جهل الملعون منهما وصح أن أحدهما قد لحقته لعنة الله وغضبه) (2) فرق والله
22

أعلم بينهما لئلا يجتمع رجل ملعون وامرأة غير ملعونة ولسنا نعرف أن المرأة أفردت باللعنة فنقيسها على اليهودية الجائز نكاحها ولا بأس أن يكون الأسفل ملعونا كما أنه لا بأس أن يكون كافرا ولا سبيل إلى معرفة من حقت عليه اللعنة منهما فمن ههنا وقعت الفرقة ولو أيقنا أن اللعنة حقت على المرأة بكذبها لم نفرق بينهما هذا جملة ما اعتل به بعض أصحابنا وفي ذلك نظر والتلاعن يقتضي التباعد وعليه جمهور السلف وفي قوله صلى الله عليه وسلم لا سبيل لك عليها كفاية ودلالة صحيحة على أن اللعان هو الموجب للفرقة بينهما وأن الحاكم إنما ينفذ الواجب في ذلك من حكم الله تعالى ذكره ولم يكن تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين بعد اللعان استئناف حكم وإنما كان تنفيذا لما أوجبه الله تعالى باللعان بينهما فالواجب على سائر الحكام تنفيذ الحكم بذلك والتفريق بينهما فإن فعل فقد فعل ما يجب وإن ترك كان الحكم بالفرقة بينهما نافذا على حسبما ذكرنا واحتج أصحاب أبي حنيفة لقوله إذا التعنا فرق الحاكم بينهما بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرق بين
23

المتلاعنين قالوا فدل على أنه الفاعل للفرقة قالوا وهي فرقة تفتقر إلى حضور الحاكم فوجب أن يفتقر إلى تفريقه قياسا على فرقة العنين ومن حجة مالك ومن قال بقوله أن التفاسخ في التبايع لما وقع بتمام التحالف فكذلك اللعان وأما الشافعي فإن الفرقة تقع عنده بالتعان الزوج وحده لأنه لما دفع لعانه الولد والحد وجب أن يرفع الفراش لأن لعان المرأة لا مدخل له في ذلك وإنما هو لنفي الحد عنها لا غير وذهب عثمان البتي أن الفرقة تقع بالطلاق بعد اللعان لأن العجلاني طلقها ثلاثا بعد اللعان وقد مضى القول أيضا في حكم فرقة المتلاعنين وهل يحتاج الحاكم إلى أن يفرق بينهما بعد اللعان أم لا وما في ذلك للعلماء من التنازع ووجه الصواب فيه عندنا عند ذكر حديث ابن شهاب عن سهل بن سعد في كتابنا هذا ذكرنا هناك أيضا أحكاما صالحة من أحكام اللعان لا معنى لإعادته ههنا ونذكر ههنا حكم الحمل والولد وما ضارع ذلك بعون الله لا شريك له فأما قوله في حديثنا هذا انتفى من ولدها فإنه يحتمل أن يكون انتفى منه وهو حمل ظاهر ويحتمل أن يكون
24

انتفى منه بعد أن ولده وقد اختلف العلماء في الملاعنة على الحمل فقال منهم قائلون لا سبيل إلى أن يلاعن أحد عن حمل ولا لأحد أن ينتفي من ولد لم يولد بعد لأنه ربما حسب أن بالمرأة حملا وليس بها حمل قالوا وكم حمل ظهر (1) في رأي العين ثم أنفش واضمحل قالوا فلا لعان على الحمل بوجه من الوجوه قالوا ولو التعن أحد على الحمل لم ينتف عنه الولد حتى ينفيه بعد أن يولد ويلتعن بعد ذلك وينفيه في اللعان فحينئذ ينتفي عنه هذا قول أبي حنيفة وطائفة من فقهاء الكوفة وقال آخرون جائز أن ينتفي الرجل من الحمل إذا كان حملا ظاهرا هذا قول مالك والشافعي وجماعة من فقهاء أهل الحجاز والعراق وحجتهم أن المرأة التي لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين زوجها كانت حاملا فانتفى الملاعن من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وألحق الولد بأمه والآثار الدالة على صحة هذا القول كثيرة وسنذكر منها في هذا الباب ما فيه كفاية وشفاء وهداية إن شاء الله
25

وجملة قول مالك وأصحابه في هذه المسألة أنه لا ينفي (1) الحمل بدعوى رؤية الزنا ولا ينفي الحمل إلا بدعوى الاستبراء وأنه لم يطأ (2) بعد الاستبراء والاستبراء عندهم حيضة كاملة هذا قول مالك وأصحابه إلا عبد الملك فإنه قال ثلاث حيض ورواه أيضا عن مالك وقال ابن القاسم لا يلزمه ما ولدت بعد لعانه إلا أن يكون حملا ظاهرا حين لاعن بإقرار أو بينة (3) فيلحق به وقال (المغيرة) (4) المخزومي إن أقر بالحمل وادعى رؤية لاعن فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فهو
له وإن كان لستة أشهر فأكثر فهو اللعان فإن ادعاه لحق به وحده قال (5) المغيرة يلاعن في الرؤية من يدعي الاستبراء (وإن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية لحق به ولا ينفعه إن نفاه ولا يحد قال ولو قال بعد الوضع لأقل
26

من ستة أشهر كنت استبريته ونفاه كان للعان الأول قال أصبغ لا ينتفي إلا بلعان ثان) (1) أما الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة وأبو ثور وأصحابهم فإنهم يقولون كل من قذف امرأته وطلبت الحد ولم يأت زوجها بأربعة شهداء لاعن وسواء قال لها يا زانية أو زنيت أو رأيتها تزني يلاعن أبدا وكل من نفى الحمل عندهم وقال ليس مني ولم يكن علم به لاعن ولا معنى عندهم للاستبراء لأن الاستبراء قد تلد معه فلا معنى له ما كان الفراش قائما إلا أبا حنيفة فإنه على أصله في أن لا لعان على حمل على ما ذكرت لك ولا خلاف عن مالك وأصحابه أنه إذا ادعى رؤية وأقر أنه وطئ بعدها حد ولحق به الولد قال ابن القاسم فلو (2) أكذب نفسه في الاستبراء وادعى الولد لحق به وحده إذ باللعان نفيناه عنه وصار قاذفا وقال مالك وابن القاسم وغيرهما يبدأ بالزوج في اللعان فيشهد أربع شهادات بالله يقول في الرؤية أشهد بالله أني
27

لمن الصادقين لرأيتها تزني ويقول في نفي الحمل أشهد بالله لزنيت وذكر ابن المواز عن ابن القاسم قال في نفي الحمل) (1) أشهد بالله إني لمن الصادقين ما هذا الحمل مني قال أصبغ وأحب إلي أن يزيد لزنيت قال أصبغ يقول في الرؤية كالمرود في المكحلة قال مالك وابن القاسم ويقول في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وتقول المرأة في الرؤية أشهد بالله ما رآني أزني وفي الحمل أشهد بالله ما زنيت وإن هذا الحمل منه قال أبو عمر إن كان ولدا أو حملا ونفاه قال في لعانه أشهد بالله لقد زنيت وما هذا الحمل مني أو ما هذا الولد مني وتقول هي أشهد بالله ما زنيت وإن هذا الحمل منه أو هذا الولد منه وإن كان غائبا أو ميتا سمته ونسبته وقالت وإنه من زوجي فلان بن فلان يقول كل واحد منهما هذا القول أربع مرات بأربع شهادات (بالله) (2) ثم
28

يقول الزوج في الخامسة وعليه لعنة الله إن كان من الكاذبين وتقول هي وعليها غضب الله إن كان من الصادقين فيما ذكر من رؤية أو فيما ذكر من زناها ومن نفي حملها أو ولدها على حسبما فسرت لك فإذا تم التعان المرأة بعد التعان الرجل وقعت الفرقة بينهما ثم لم تحل له أبدا وسواء فرق الحكم بينهما أو (1) لم يفرق وإن أكذب نفسه بعد ذلك حد ولحق به الولد ولم يتراجعا أبدا وإن (2) بقي من لعانه أو لعان المرأة ولو مرة واحدة شهادة واحدة الخامسة أو غيرها فأكذب نفسه قبل تمامها حد وبقيت معه زوجته إذا لم يتم لعانها هذا كله قول مالك وأصحابه ولو لاعن عندهم من نفى حملا فأنفش لم ترد إليه ولم تحل له أبدا لأنه قد يجوز أن تكون أسقطته وكتمته وعند الشافعي أن الرجل إذا تم التعانه فقد زال فراشه ولا تحل له أبدا وعند أبي حنيفة أن تمام اللعان لا يوجب فرقة حتى
29

يفرق الحاكم بينهما ولكل واحد منهم حجة من حديث مالك هذا وغيره (1) محتملة (2) التأويل وقول مالك أولى بالصواب إن شاء الله وقال الشافعي رحمه الله تفريق النبي عليه السلام بين المتلاعنين تفرق حكم ليس لطلاق الزوج فيه مدخل وإنما هو تفريق أوجبه اللعان فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا سبيل لك عليها قال وإذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبدا وإن أكذب نفسه التعنت أو لم تلتعن قال وإنما قلت هذا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا سبيل لك عليها ولم يقل حتى تكذب نفسك قال وكان معقولا في حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لحق الولد بأمه أنه نفاه عن أبيه وأن نفيه عنه إنما كان بيمينه والتعانه لا بيمين المرأة على تكذيبه قال ومعقول في إجماع المسلمين أن الزوج إذا أكذب نفسه لحق به الولد وجلد الحد ولا معنى للمرأة في نفيه وأن المعنى للزوج وكيف يكون لها
30

معنى في يمين الزوج ونفي الولد وإلحاقه والولد بكل حال ولدها لا ينتفي عنها أبدا إنما ينتفي عن الرجل وإليه ينتسب قال والدليل على ذلك ما لا يختلف فيه أهل العلم من أن الأم لو قالت ليس هو منك إنما استعرته لم يكن قولها شيئا إذ عرف أنها ولدته على فراشه ولم ينتف عنه إلا بلعان لأن ذلك أحق للولد دون الأم وكذلك لو قال هو ابني وقالت هي بل زنيت وهو من زنى كان ابنه ولم ينظر إلى قولها ألا ترى أن حكم النفي والإثبات إليه دون أمه فكذلك نفيه بالتعانه إليه دون أمه قال والتعان المرأة إنما هو لدرء الحد عنها لا غير ليس من إثبات الولد ولا نفيه في شيء قال الشافعي وإذا علم الزوج بالولد فأمكنه الحاكم إمكانا بينا فترك اللعان لم يكن له أن ينفيه بعد وقال ببغداد إذا لم يشهد بحضرة ذلك في يوم أو يومين لم يكن له نفيه وقال بمصر أيضا ولو قال قائل له نفيه في ثلاثة أيام إن كان حاضرا كان مذهبا
31

قال أبو عمر كل من قال أن الفرقة تقع باللعان دون تفريق الحاكم من فقهاء الأمصار خاصة يقولون أن الفرقة لا تقع بينهما إلا بتمام التعانهما جميعا إلا الشافعي وأصحابه فإنهم قالوا تقع الفرقة بتمام التعان الزوج وحده وكلهم يقولون أن المرأة إذا أبت أن تلتعن بعد التعان الزوج وجب عليها الحد وحدها إن كانت غير مدخول بها الجلد وإن كانت مدخولا بها الرجم إلا أبا حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا أن أبت أن تلتعن حبست أبدا حتى تلتعن والحجة عليهم قول الله عز وجل * (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله) * والسجن ليس بعذاب والله أعلم بدليل قول الله عز وجل * (إلا أن يسجن أو عذاب أليم) * 1 فجعل السجن غير العذاب وقد سمى الله الحد عذابا بقوله * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * 2 وقوله * (ويدرأ عنها العذاب) *
32

وقد روي مثل قول أبي حنيفة في هذه المسألة عن عطاء والحرث العكلي وابن شبرمة وهو خلاف ظاهر القرآن وخلاف ما عليه أكثر علماء المسلمين أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد قراءة مني عليه أن محمد بن بكر حدثهم قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال وقوله * (والذين يرمون أزواجهم) * الآية قال فإذا حلفا فرق بينهما وإن لم يحلفا أقيم الجلد أو الرجم وهذا كقول مالك سواء في الفرقة وإقامة الحد عند نكول المرأة وقال الضحاك بن مزاحم في قوله عز وجل * (ويدرأ عنها العذاب) * قال إن هي أبت أن تلاعن رجمت إن كانت ثيبا وجلدت إن كانت بكرا وهو قول أكثر أهل العلم بتأويل القرآن وأكثر فقهاء الأمصار والعجب من أبي حنيفة يقضي بالنكول في الحقوق بين الناس ولا يرى رد اليمين ولم يقل بالنكول ههنا والذي ذهب إليه أبو حنيفة والله أعلم أنه حين عز إقامة الحد عليها بدعوى زوجها ويمينه دون إقرارها أو بينة تقوم عليها ولم
33

يقض بالنكول لأن الحدود تدرأ بالشبهات ومثل هذا كله شبهة درأ بها الحد عنها وحبسها حتى تلتعن وهذا قول ضعيف في النظر مع مخالفته الجمهور والأصول والله المستعان ومذهب مالك والشافعي أن اللعان فسخ بغير طلاق وقال أبو حنيفة هي طلقة بائنة واتفق مالك والشافعي على أنه جائز أن يلاعن إذا نفى الحمل وكان الحمل ظاهرا على ما تقدم عن مالك وأصحابه وهو قول الشافعي وأصحابه أيضا والحجة لهم الآثار المتواترة بذلك التي لا يعارضها ولا يخالفها مثلها فمن ذلك ما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا سليمان بن داود الهاشمي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فيقتل به أم كيف يصنع فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
34

عليه المسائل ثم لقيه عويمر فسأله ما صنعت فقال صنعت إنك لم تأت بخير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل فقال عويمر والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فوجده قد أنزل عليه فيها فدعا بهما فتلاعنا فقال عويمر لئن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها قال ففارقها قبل أن يأمره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة في المتلاعنين ثم قال أنظروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين (1) فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا قال فجاءت به على النعت المكروه (2) فهذا الحديث يدل على أنها كانت حاملا وإذا كانت حاملا فقد وقع التلاعن على الحمل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاه عن الرجل وألحقه بأمه وليس في شيء من الآثار أن اللعان أعيد في ذلك مرة ثانية بعد أن ولدته وفي ذلك ما يدل على أنه نفاه حملا فنفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وألحقه بأمه
35

ومما يصحح أيضا ما قلناه ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال إنا ليلة (1) جمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار فقال لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه وإن قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد أتى رسول الله فسأله فقال لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه وسكت سكت على غيظ فقال اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان * (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم) * فابتلي به ذلك الرجل من بين الناس فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين قال فذهبت لتلتعن فقال لها النبي عليه السلام مه فأبت وفعلت فلما أدبر قال لعلها أن تجيء به أسود أجعد فجاءت به أسود أجعد (2)
36

قال أبو عمر هكذا في الحديث أجعد والصواب عند أهل العربية جعد يقال رجل جعد وامرأة جعدة ولا يقال أجعد قال الأوزاعي رحمه الله أعربوا الحديث فإن القوم كانوا عربا وأما الحديث الذي قيل هذا فيه إن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا قال فجاءت به على النعت المكروه فالأسحم الأسود من كل شيء والسحمة السواد والدعج شدة سواد العين يقال رجل أدعج وامرأة دعجاء وعين دعجاء وليل أدعج أي أسود وأما قوله كأنه وحرة فأراد والله أعلم كأنه وزغة قال الخليل والوحرة وزغة تكون في الصحاري قال والمرأة وحرة سوداء ذميمة وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن المرأة كانت حبلى وفيه ضروب من الفقه ظاهرة أبينها أن القاذف
37

لزوجته يجلد إن لم يلاعن وعلى هذا جماعة أهل العلم إلا ما قدمنا ذكره عن أبي حنيفة في هذا الباب وشئ روي على الشعبي والحرث العكلي قالوا الملاعن إذا كذب نفسه لم يضرب وهذا قول لا وجه له والقرآن والسنة يردانه ويقضيان أن كل من يقذف امرأته ولم يخرج مما قاله بشهود أربعة إن كان أجنبيا أو بلعان (1) إن كان زوجا جلد الحد ولا يصح عندي عن الشعبي وكذلك لا يصح إن شاء الله عن غيره وقد ذكر أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا مطرف عن عامر يعني الشعبي قال إذا أكذب نفسه جلد الحد وردت إليه امرأته (2) وحجاج عن ابن جريج عن ابن شهاب مثله وهشيم عن جرير عن الضحاك مثله قال حماد بن سليمان يكون خاطبا من الخطاب إذا جلد وهو قول أبي حنيفة
38

وأصحابه وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في هذه المسألة في باب ابن شهاب عن سهل بن سعد من هذا الكتاب (1) وللناس فيها ثلاثة أقاويل أحدهما أنه إذا أكذب نفسه جلد وردت إليه امرأته دون نكاح (2) على عصمته والثاني أن يكون بعد الجلد خاطبا كما ذكرنا والثالث أنهما لا يجتمعان أبدا (3) وأما قول من قال إنه لا يجلد فلا يعرج عليه ولا يشتغل به وهو وهم وخطأ (وقد (4) مضى القول في هذا والحجة في باب ابن شهاب عن سهل بن سعد من هذا الكتاب فلا وجه لإعادته ههنا) ومما يوضح أيضا التلاعن على الحمل البين ما أخبرناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق قال حدثني عباس بن
39

سهل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعاصم بن عدي أمسك المرأة عندك حتى تلد (1) ومثله أيضا حديث ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سهل بن سعد قال فيه ثم خرجت حاملا فكان الولد إلى أمه (2) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص حدثنا محمد بن عائذ الدمشقي قال حدثنا الهيثم بن حميد حدثنا ثور بن يزيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا من بني زريق قذف امرأته فأتى النبي عليه السلام فردد ذلك أربع مرات على النبي عليه السلام فنزلت آية الملاعنة فقال النبي عليه السلام قد نزل من الله أمر عظيم فأبى الرجل إلا أن يلاعنها فرأيت المرأة تدرأ عن نفسها العذاب فتلاعنا فقال النبي عليه السلام إما أن تجيء به أصيفر أحيمش مسلول العظام فهو للمتلاعن وإما أن تجيء به أسود كالجمل الأورق فهو لغيره فجاءت به أسود كالجمل الأورق فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم
40

فجعله لعصبة أمه وقال لولا الأيمان التي مضت يعني اللعان لكان فيه كذا وكذا (1) قال أبو عمر في هذا الحديث رأيت المرأة تدرأ عن نفسها العذاب وهو حجة على أبي حنيفة في قوله إنها تسجن وقد مضى القول في ذلك وأما قوله فيه أصيفر أحيمش فالأصيفر تصغير أصفر والأحيمش تصغير أحمش والأحمش الدقيق القوائم وفي حديث ابن عباس من رواية عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس وفي رواية هشام عن عكرمة عن ابن عباس ومن رواية جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس ومن رواية ابن أبي الزناد عن أبيه عن القاسم بن محمد عن ابن عباس وسليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ومخرمة بن بكير عن أبيه جميعا عن عبد الرحمان بن
41

القاسم عن أبيه عن ابن عباس ما يدل على أن الملاعنة كانت على الحمل وحديث عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس حديث طويل في اللعان ذكر فيه كلام سعد بن عبادة وقصة تلاعن هلال بن أمية وزوجته إذ رماها بشريك بن سحماء حديثا طويلا حدثناه عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عباد بن منصور وذكره أبو داود حدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عباد بن منصور ولم يسقه بتمامه (1) وفيه عند جميعهم ففرق رسول الله بينهما يعني بعد تمام التعانهما وقضى ألا يدعى ولدها لأب ولا ترمى هي ولا يرمى ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد وقضى أن لا بيت عليها ولا قوت من أجل أنهما مفترقان من غير طلاق ولا هي متوفى عنها وقال إن جاءت به أصيهب أثيبج أحمش الساقين فهو لهلال وإن جاءت به أورق جعدا
42

جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو للذي رميت به فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا الأيمان لكان لي ولها شأن قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر ويدعى للأب قال أبو عمر في هذا الحديث وقضى أن من رماها أو رمى ولدها فعليه الحد وهو حجة لمالك ومن قال بقوله أن من قذف الملاعنة أو ولدها حد إن لم يأت بأربعة شهداء وعليه أكثر الناس وهذا الحديث حجة في ذلك وفيه أيضا أن لا بيت عليها ولا قوت يعني لا سكنى لها ولا نفقة وهذا موضع اختلف فيه العلماء فأما مالك فإنه لم يذهب إلى هذا ورأى أن السكنى لكل مطلقة وجبت لها النفقة أو لم تجب مختلعة كانت أو ملاعنة أو مبتوتة ولا نفقة عنده إلا لمن يملك رجعتها خاصة أو حامل بعد تحملها فسقوطها من أجل الحمل وللمبتوتات والمختلعات كلهن عنده السكنى دون النفقة وهذا كله أيضا قول الشافعي لا خلاف بينهما في شيء من ذلك كله وذهب أبو حنيفة وجماعة من السلف إلى إيجاب النفقة لكل معتدة مبتوتة وغير مبتوتة مع السكنى
43

وذهب أحمد بن حنبل وأبو ثور وجماعة من أهل الحديث وهو قول داود أيضا إلى أن لا سكنى ولا نفقة لمن لا رجعة عليها فلا سكنى عندهم للملاعنة والمختلعة ولا لغيرها ولا نفقة) وهذا الحديث حجة لمن ذهب إلى هذا وروي عن جماعة من السلف أيضا وسنذكر اختلاف العلماء في إيجاب السكنى والنفقة للمبتوتة ومن جرى مجراها في باب عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان من كتابنا هذا ونذكر وجوه أقاويلهم ومعانيها هناك إن شاء الله وأما قوله في هذا الحديث أصيهب فهو تصغير أصهب والصهبة حمرة في الشعر والأثيبج تصغير أثبج والأثبج العالي اظهر يقال رجل أثبج ناتئ الثبج وثبج كل شيء وسطه وأعلاه ورجل مثبج مضطرب الخلق في طول والأحمش الساقين دقيقهما (1) والأورق الرمادي اللون ويقال الأورق للرماد أيضا ومنه قيل حمامة ورقاء وأصل الورق سواد في
44

غيره والجمالي العظيم الخلق يقال ناقة جمالية إذا كانت في خلق الجمل والخدلج الضخم الساقين يقال امرأة خدلجة إذا كانت ضخمة الساق وهذه الآثار كلها تدل على أن المرأة الملاعنة كانت في حين التلاعن حبلى فلما نفاه في لعانه نفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وألحقه بأمه وفي حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحق الولد بأمه (1) وهو أولى وأصح من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله لعصبة أمه واختلف العلماء في ميراث ولد الملاعنة فقال قائلون أمه عصبته وممن قال ذلك عبد الله بن مسعود وجماعة قال ابن مسعود أمه عصبته فإن لم تكن فعصبتها وقال آخرون عصبته عصبة أمه قال ذلك جماعة وإليه ذهب أحمد بن حنبل قال ابن الملاعنة ترثه أمه وعصبتها والقائلون بهذين القولين يقولون بتوريث ذوي الأرحام وقال علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت لا عصبة لابن
45

الملاعنة وهو عندهما كمورث لم يخلف أبا ولا عصبة فإن كان له إخوة لأم ورثوا فرضهم وورثت أمه سهمها وما بقي فلبيت المال هذه رواية قتادة عن جلاس عن علي وزيد والمشهور عن عليه أن عصبته عصبة أمه إلا أن مذهبه أن ذا السهم أحق ممن لا سهم له وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وقال ابن مسعود عصبته عصبة أمه وهو قول الحسن وابن سيرين وجابر بن زيد وعطاء والشعبي والنخعي وحماد والحكم وسفيان والحسن بن صالح وشريك ويحيى بن آدم وأحمد بن حنبل وأبي عبيد إلا أنهم اختلفوا فمنهم من لم يجعل عصبة أمه عصبته إلا عند عدم أمه ومنهم من أعطاها فرضها وجعل الباقي لعصبتها ابنا كان لها أو أخا لابنها أو غيره من عصبتها والذين جعلوا أمه عصبته فإذا لم تكن فعصبتها احتجوا بحديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المرأة تحرز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وابنها الذي لاعنت عليه (1) وبحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها
46

وقد أوضحنا ذلك في غير هذا الموضع وذهب مالك والشافعي وأصحابهما إلى قول زيد بن ثابت في ذلك قال مالك إنه بلغه عن عروة بن الزبير وسليمان بن يسار أنهما سئلا عن ولد الملاعنة وولد الزنا من يرثهما فقالا ترث أمه حقها وإخوته لمه حقوقهم ويرث ما بقي من ماله موال أمه إن كانت مولاة وإن كانت عربية ورثت حقها وورث إخوته لأمه حقوقهم وورث ما بقي من ماله المسلمون قال مالك وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي أدركت عليه أهل العلم (1) قال أبو عمر وهو قول الشافعي سواء ولأهل العراق والقائلين بالرد وتوريث ذوي الأرحام ضروب من التنازع في توريث عصبة أم ولد الملاعنة منه مع الأم ودونها ليس هذا موضع ذكر ذلك ولا خلاف بين العلماء أن الملاعن إذا أقر بالولد جلد الحد ولحق به وورثه وابن الزانية عند جماعة العلماء كابن الملاعنة (2) سواء وكل فيه على أصله
47

الذي ذكرناه (1) عنهم وأجمعوا في توءمي الزانية أنهما يتوارثان على أنهما لأم واختلفوا في توءمي الملاعنة فذهب مالك والشافعي وهو قول أهل المدينة إلى أن
توارثهما كتوارث الإخوة للأب والأم ويحتجون بأن الملاعن إذا استلحقهما جلد الحد ولحق به النسب وذهب الكوفيون إلى أن توءمي الملاعنة كتوءمي الزانية لا يتوارثان إلا على أنهما لأم وإن مات ابن الملاعنة فاستلحقه الملاعن بعد موته فإن مالكا وأبا حنيفة وأصحابهما يقولون إن خلف ولدا لحق به نسبه وورث وإن لم يخلف ولدا لم يرثه ويجلد الحد على كل حال وقال الشافعي يجلد الحد ويلحق به الولد ونسبه ويرث خلف ولدا أو لم (2) يخلف وإن مات الملاعن بعد أن التعن وقبل أن تلتعن المرأة فإن التعنت بعده لم ترث وإن نكلت عن الالتعان حدت وورثت في قول مالك وقال الشافعي لا يتوارثان أبدا إذا التعن الرجل وتم التعانه لأن الفراش قد زال بالتعانه وإنما التعان المرأة لدفع الحد عنها
48

قال أبو حنيفة لا ينقطع التوارث بينهما أبدا حتى يفرق الحاكم بينهما فأيهما مات قبل ذلك ورثه الآخر وإليه ذهب أحمد بن حنبل ولكل واحد منهم في هذه المسائل اعتلالات يطول ذكرها ولو تعرضنا لها خرجنا عن شرطنا في كتابنا وبالله توفيقنا
49

حديث سابع وأربعون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء (1) هذا حديث مجتمع على صحته من جهة النقل ولم يختلف أيضا في ألفاظه عن نافع (2) وقد (3) رواه عنه جماعة أصحابه كما رواه مالك سواء قالوا فيه حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم
51

إن شاء طلق قبل أن يجامع وإن شاء أمسك فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء وممن قال ذلك أيوب وعبيد الله بن عمر وابن جريج والليث بن سعد ومحمد بن إسحاق ويحيى بن سعيد كلهم عن نافع (1) عن ابن عمر وكذلك رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر لم يختلفوا أيضا عليه فيه مثل رواية نافع سواء حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر الحديث وكذلك رواه عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر سواء مثل رواية نافع والزهري قال أبو داود (قال أبو عمر وكذلك رواه علقمة عن ابن عمر) (2) ورواه يونس بن جبير وعبد الرحمان بن أيمن وأنس بن سيرين وسعيد بن جبير وزيد بن أسلم وأبو الزبير كلهم عن ابن عمر بمعنى واحد أن النبي عليه السلام أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك لم يذكروا ثم تحيض ثم تطهر قال أبو داود وكذلك رواه عن أبي وائل عن ابن عمر
52

وكذلك أيضا رواه محمد بن عبد الرحمان عن سالم عن ابن عمر لا أنه زاد ذكر الحامل وذهب إلى هذا طائفة من أهل العلم منهم أبو حنيفة وبه قال المزني قالوا إنما أمر المطلق في الحيض بالمراجعة لأنه كان طلاقا خطأ فأمر أن يراجعها ليخرجها من أسباب الطلاق الخطأ ثم يتركها حتى تطهر من تلك الحيضة ثم يطلقها طلاقا صوابا إن شاء طلاقها ولم يروا للحيضة الأخرى بعد ذلك معنى على ظاهر ما روى هؤلاء قال أبو عمر للحيضة الثانية والطهر الثاني وجوه عند أهل العلم منها أن المراجعة لا تكاد تعلم صحتها إلا بالوطء لأنه المبتغى من النكاح في الأغلب فكان ذلك الطهر موضعا للوطء (الذي) (1) تستيقن به المراجعة فإذا مسها لم يكن له سبيل إلى طلاقها في طهر قد مسها فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن شاء طلق قبل أن يمس ولإجماعهم على أن المطلق في طهر قد مس فيه ليس بمطلق للعدة كما أمر الله سبحانه فقيل له دعها حتى تحيض أخرى ثم تطهر ثم طلق (2) إن شئت قبل أن تمس وقد جاء هذا المعنى
53

منصوصا في هذا الحديث حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم قال حدثنا معلى بن عبد الرحمان الواسطي قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال حدثني نافع ومحمد بن قيس عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته وهي في دمها حائض فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت أخرى فإن شاء طلقها وإن شاء أمسكها وقد قال بعض أصحابنا أن الذي يمس في الطهر إنما نهي عن الطلاق فيه لأنها لا تدري أعدة حامل تعتد أم عدة حائل قال أبو عمر قد جاء في هذا خبر كفانا انتحال التعليل والنظر ذكره عبد الرزاق عن عمه وهب بن نافع قال حدثني عكرمة عن ابن عباس أنه سمعه يقول الطلاق الحلال أن يطلقها طاهرا من غير جماع أو يطلقها حاملا مستبين حملها وأما الطلاق الحرام فأن يطلقها حائضا أو يطلقها حين يجامعها فلا تدري أيشتمل الرحم على ولد أم لا (1) وأما الطلاق فقد قيل فيه ما ذكرنا وقيل إن المطلق في الحيض إنما أمر
54

بالمراجعة ليستباح (1) بالرجعة طلاق السنة فإذا لم يحقق الرجعة بالوطء لم يكن لها معنى وقيل إنما نهي عن الطلاق في الحيض لئلا تطول عدة المرأة وأمره بمراجعتها لوقوع طلاقه فاسدا ثم لم يجز أن يباح له طلاقها في الطهر الذي يلي تلك الحيضة لأنه لو أبيح له أن يطلقها إذا طهرت من تلك الحيضة كانت في معنى المطلقة قبل الدخول وكانت تبني على عدتها الأولى فأراد الله أن ينقطع حكم الطلاق الأول بالوطء فإذا وطئها في الطهر لم يتهيأ له أن يطلقها فيه حتى تحيض ثم تطهر فإذا طلقها بعد ذلك استأنفت عدتها من ذلك الوقت ولم تبن وقيل إنه لما طلق في وقت لم يكن له أن يطلق فيه أدب بأن منع الطلاق في وقت كان له أن يوقعه فيه وقد قيل إن الطهر الثاني جعل للإصلاح الذي قال الله عز وجل * (وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا) * 2 لأن حق المرتجع أن لا يرتجع رجعة ضرر لقوله * (ولا تمسكوهن ضرارا) * 3
55

قالوا فالطهر الأول جعل للإصلاح وهو الوطء ثم لم يجز أن يطلق في طهر وطئ فيه لما ذكرنا وقد قيل أنه لو أبيح له أن يطلقها بعد الطهر من تلك الحيضة كان كأنه قد أمر بأن يراجعها ليطلقها فأشبه النكاح إلى أجل ونكاح المتعة فلم يجعل له ذلك حتى يطأ (هذا كله مذهب الحجازيين الذين يذهبون إلى أن الأقراء الإطهار) (1) وفي هذه المسألة وجوه كثيرة واعتلالات للمخالفين يطول ذكرها واستدل قوم على أن الطلاق للعدة والسنة يكون ثلاثا مفترقات بهذا الحديث قالوا طلاق السنة أن يكون بين كل تطليقتين حيضة لقوله ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وكانوا يستحبون أن يطلق الرجل امرأته في كل طهر تطليقة وسنذكر ما للعلماء في كيفية الطلاق للسنة وما أجمعوا عليه من ذلك وما اختلفوا فيه منه في هذا الباب إن شاء الله وفي هذا الحديث من الفقه أن الطلاق مباح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كره له ذلك الطلاق
لأنه (2) طلق امرأته في الحيض فأمره بمراجعتها من ذلك والمطلق
56

في الحيض مطلق لغير العدة والله عز وجل يقول * (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * 1 وقرئ (فطلقوهن لقبل عدتهن) وكذلك كان يقرأ ابن عمر وغيره (2) ولو طلقها لعدتها في طهر لم يمسها فيه لم يكره له ذلك ألا ترى إلى قوله في هذا الحديث ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك وهذا غاية في الإباحة (3) والقرآن ورد بإباحة الطلاق وطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو أمر لا خلاف فيه وفيه أن الطلاق في الحيض مكروه وفاعله عاص لله عز وجل إذا كان عالما بالنهي عنه والدليل على أنه مكروه وإن كان شيئا لا خلاف فيه أيضا والحمد لله تغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن عمر حين طلق امرأته حائضا أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله
57

صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله ثم قال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر ثم إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمسها فذلك الطلاق للعدة كما أمره الله وفيه أن الطلاق في الحيض لازم لمن أوقعه وإن كان فاعله قد فعل ما كره له إذ ترك وجه الطلاق وسنته والدليل على أن الطلاق لازم في الحيض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر بمراجعة امرأته إذ طلقها حائضا والمراجعة لا تكون إلا بعد لزوم الطلاق ولم لم يكن الطلاق في الحيض واقعا ولا لازما ما قال له راجعها لأن من لم يطلق ولم يقع عليها طلاق لا يقال فيه (1) راجعها لأنه محال أن يقال لرجل امرأته في عصمته لم يفارقها راجعها ألا ترى إلى قول الله عز وجل في المطلقات وبعولتهن أحق بردهن في ذلك ولم يقل هذا في الزوجات اللاتي لم يلحقهن الطلاق وعلى هذا جماعة فقهاء (2) الأمصار وجمهور علماء المسلمين وإن كان الطلاق عند جميعهم في الحيض بدعة غير سنة فهو لازم عند جميعهم ولا مخالف في ذلك إلا أهل البدع
58

والضلال والجهل فإنهم يقولون إن الطلاق لغير السنة غير واقع ولا لازم وروي مثل ذلك عن بعض التابعين وهو شذوذ لم يعرج عليه أهل العلم من أهل الفقه والأثر في شيء من أمصار المسلمين لما ذكرنا ولأن ابن عمر الذي عرضت له القضية احتسب بذلك الطلاق وأفتى بذلك وهو ممن لا يدفع علمه بقصة نفسه ومن جهة النظر قد علمنا أن الطلاق ليس من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل فلا تقع إلا على حسب سنتها وإنما هو زوال عصمة فيها حق لآدمي فكيفما أوقعه وقع فإن أوقعه لسنة هدي ولم يأثم وإن أوقعه على غير ذلك أثم ولزمه ذلك ومحال أن يلزم المطيع ولا يلزم العاصي ولو لزم المطيع الموقع له إلا على سنته ولم يلزم العاصي لكان العاصي أخف حالا من المطيع وقد احتج قوم من أهل العلم بأن الطلاق في الحيض لازم لقول الله عز وجل * (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * 1 يريد أنه عصى ربه وفارق امرأته وحسبك بابن عمر فقد أنكر على من ظن أنه لا يحتسب بالطلاق في الحيض حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال
59

حدثنا إسماعيل بن إسحاق ومحمد بن الهيثم أبو الأحوص قالا حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب وسلمة بن علقمة عن محمد عن أبي غلاب قال سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته وهي حائض فقال تعرف عبد الله بن عمر فإنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمره أن يراجعها قلت أتحتسب بها قال فمه إن عجز واستحمق ومحمد هذا هو محمد بن سيرين وأبو غلاب هذا هو يونس بن جبير حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن يونس بن جبير قال سألت ابن عمر قلت رجل طلق امرأته وهي حائض فقال تعرف ابن عمر فإنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يراجعها قلت فتعتد بتلك الطلقة قال فمه أرأيت إن عجز واستحمق هكذا قال مسدد عن حماد عن أيوب عن محمد بن سيرين لم يذكر سلمة بن علقمة
60

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي قال حدثنا يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال حدثني يونس بن جبير قال سألت عبد الله بن عمر قال قلت رجل طلق امرأته وهي حائض فقال تعرف عبد الله بن عمر قال قلت نعم قال فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها في قبل عدتها قال قلت (1) فتعتد بها قال فمه أرأيت إن عجز واستحمق (2) أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو قلابة قال حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا شعبة عن أنس بن سيرين عن ابن عمر قال طلقت امرأتي وهي حائض فأتى عمر النبي عليه السلام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليطلقها إن شاء فقال أنس أتعتد بتلك الطلقة قال نعم وقد سمع هذا الحديث أنس بن سيرين من ابن عمر ولم يسمعه منه محمد بن سيرين
61

حدثنا (1) خلف بن سعيد حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أحمد بن خالد حدثنا علي بن عبد العزيز وحدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن إجازة قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع قال حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا حجاج بن منهال قال حدثنا شعبة قال أخبرني أنس بن سيرين قال سمعت ابن عمر يقول طلق ابن عمر امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ليراجعها فإذا طهرت فليطلقها قال قلت أفتحتسب بها قال فمه ومعنى قوله هذا فمه أرأيت إن عجز أو استحمق أي فأي شيء يكون إذا لم (2) يعتد بها إنكارا منه لقول أنس أفتعتد بها فكأنه والله أعلم قال وهل من ذلك بد أن تعتد بها أرأيت لو عجز بمعنى تعاجز عن فرض آخر من فرائض الله فلم يقمه (3) أو استحمق فلم يأت به أكان يعذر فيه ونحو هذا من القول والمعنى والدليل على أنه قد اعتد بها ورآها لازمة له أنه (4) كان يفتي أن من طلق امرأته
62

ثلاثا في الحيض لم تحل له ولو جاز أن تكون الطلقة الواحدة في الحيض لا يعتد بها لكانت الثلاث أيضا لا يعتد بها وهذا ما لا إشكال فيه عند كل ذي فهم أخبرنا أحمد بن محمد وخلف بن أحمد قالا حدثنا أحمد بن مصرف قال حدثنا عبيد الله بن يحيى عن أبيه عن الليث بن سعد عن نافع أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض تطليقة
واحدة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضتها فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء قال وكان عبد الله بن عمر إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم إذا أنت طلقت امرأتك وهي حائض مرة أو مرتين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بهذا وإن كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت الله فيما أمرك به من طلاق امرأتك وروى الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه هل حسبت تطليقة
63

ابن عمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (1) نعم وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن محمد بن المفسر حدثنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي المروزي حدثنا أبو السائب حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال طلقت امرأتي وهي حائض فأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له قال مره (2) فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلقها قبل أن يجامعها وإن شاء أمسك فإنها العدة التي قال الله عز وجل قال عبيد الله فقلت لنافع ما فعل بتلك التطليقة قال اعتد بها فهذه الآثار كلها توضح (3) لك ما قلنا عن ابن عمر وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها دليل على أنها طلقة لأنه لا يؤمر بالمراجعة إلا لمن لزمته الطلقة
64

ولو لم تلزمه لقال دعه فليس هذا بشيء أو نحو هذا وقد روي عن ابن عمر في هذا خبر ظاهره على خلاف ما ذكرناه وليس كذلك لما وصفنا أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمان بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع قال كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا قال طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض قال عبد الله فردوها علي ولم يرها شيئا قال وإذا طهرت فليطلق أو ليمسك (1) قال أبو عمر وقرأ النبي عليه السلام (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن) روى أبو عاصم النبيل هذا الحديث عن ابن جريج فلم يقل فيه ولم يرها شيئا قال أبو عمر قوله في هذا الحديث ولم يرها شيئا منكر عن ابن عمر لما ذكرنا عنه أنه اعتد بها ولم يقله أحد
65

عنه غير أبي الزبير وقد رواه عنه جماعة جلة فلم يقل ذلك واحد منهم وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بخلاف من هو أثبت منه ولو صح لكان معناه عندي والله أعلم ولم يرها على استقامة أي ولم يرها شيئا مستقيما لأنه لم يكن طلاقه لها على سنة الله وسنة رسوله هذا أولى المعاني بهذه اللفظة إن صحت وكل من روى هذا الخبر من الحفاظ لم يذكروا ذلك وليس من خالف الجماعة الحفاظ بشيء فيما جاء به وقد احتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق في الحيض لا يقع وأن المطلق لا يعتد بتلك التطليقة بما روي عن الشعبي أنه قال إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا من الشعبي إنما معناه لا يعتد بتلك الحيضة في العدة ولم يرد لا يعتد بتلك التطليقة وقد روي عنه ذلك منصوصا رواه شريك عن جابر عن عامر في رجل طلق امرأته وهي حائض قال يقع عليه الطلاق ولا يعتد بتلك الحيضة واختلف العلماء في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المطلق في الحيض بالمراجعة فقال قوم عوقب بذلك لأنه
66

تعدى ما أمر به ولم يطلق للعدة فعوقب بإمساك من لم يرد إمساكه حتى يطلق كما أمر للعدة وقال آخرون إنما أمر بذلك قطعا للضرر في التطويل عليها لأنه إذا طلقها في الحيض فقد طلقها في وقت لا تعتد به من قرئها الذي تعتد به فتطول عدتها فنهي عن أن يطول عليها وأمر أن لا يطلقها إلا عند استقبال عدتها واختلف الفقهاء في المطلق زوجته وهي حائض هل يجبر على رجعتها أم لا فقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل وأبو ثور والطبري يؤمر برجعتها إذا طلقها حائضا ولا يجبر على ذلك وقال مالك وأصحابه يجبر على مراجعتها إذا طلقها في الحيض أو في دم النفاس وهو أولى لما يقتضيه الأمر من وجوب الائتمار واستعمال المأمور ما أمر به حتى يخرجه عن جبر الوجوب دليل ولا دليل ههنا على ذلك والله أعلم وقال داود بن علي كل من طلق امرأته حائضا أجبر على رجعتها وإن طلقها نفساء لم يجبر على رجعتها وهذا إذا طلقها واحدة أو اثنتين عند جميعهم وجملة قول مالك وأصحابه في هذه المسألة أن الحائض والنفساء لا يجوز طلاق واحدة منهما حتى تطهر فإن طلقها زوجها في دم حيض أو دم نفاس
67

طلقة أو طلقتين لزمه ذلك وأجبر على الرجعة أبدا ما لم تخرج من عدتها وسواء أدرك ذلك في تلك الحيضة التي طلق فيها أو الطهر الذي بعده أو الحيضة الثانية أو الطهر بعدها إذا كان طلاقه في الحيض يجبر على رجعتها أبدا في ذلك كله ما لم تنقض العدة هذا قول مالك وأصحابه إلا أشهب بن عبد العزيز فإنه قال يجبر على الرجعة ما لم تطهر (وحتى تحيض ثم تطهر) (1) فإذا صارت في الحال التي أباح له النبي صلى الله عليه وسلم طلاقها لم يجبر على رجعتها ولا خلاف بينهم أعني مالكا وأصحابه أن المطلق في الحيض إذا أجبر على الرجعة وقضى بذلك عليه ثم شاء طلاقها أنه لا يطلقها في ذلك الحيض ولكن يمهل حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء حينئذ طلق وإن شاء أمسك على ما في الحديث ولا يطلقها بعد طهرها من ذكل الدم الذي ارتجعها فيه بالقضاء فإن فعل لزمه ولا يؤمر ههنا ولا يجبر على الرجعة إلا ما ذكرنا عن أشهب أنه قال يجبر على الرجعة ما لم يخرج إلى الطهر الثاني قال كيف أجبره على الرجعة في موضع له أن يطلق فيه وقال الليث بن سعد إذا أجبرته على
68

الرجعة فطهرت من تلك الحيضة لم أمنعه من الوطء حتى تحيض ثم تطهر فيطلق قبل المسيس قال أبو عمر لم يختلف العلماء كلهم أن الرجل إذا طلق في طهر قد مس فيه أنه لا يجبر على الرجعة ولا يؤمر بها وإن كان طلاقه قد وقع على غير سبيل السنة وطلاق السنة هو الطلاق الذي أذن الله فيه للعدة كما قال في كتابه * (فطلقوهن لعدتهن) * وأجمع العلماء على (1) أن من طلق امرأته وهي طاهر طهرا لم يمسها فيه (بعد أن طهرت من حيضتها) (2) طلقة واحدة ثم تركها حتى تنقض عدتها أو راجعها مراجعة رغبة أنه مطلق للسنة وأنه قد طلق للعدة التي أمر الله بها واختلفوا فيمن طلق امرأته ثلاثا مجتمعات في طهر لم يمسها فيه أو أردفها في كل طهر من الأطهار التي يعتد بها في عدتها تطليقة بعد أن طلقها واحدة في طهر لم يمسها فيه هل هو بهذين الفعلين أو بأحدهما مطلق للسنة أم (3) لا فقال مالك وأصحابه طلاق
السنة أن يطلق طلقة في طهر لم يمس
69

فيه ولو كان في آخر ساعة منه ثم يمسها حتى تنقضي عدتها وذلك بظهور أول الحيضة الثالثة في الحرة أو الحيضة الثانية في الأمة فيتم للحرة ثلاثة أقراء وللأمة قرآن والقرء الطهر المتصل بالدم عندهم فإن طلقها في كل طهر تطليقة أو طلقها ثلاثا مجتمعات في طهر لم يمسها فيه فقد لزمه وليس بمطلق للسنة عند مالك وجمهور (1) أصحابه وهو قول الأوزاعي وأبي عبيد وقال أشهب لا بأس أن يطلقها في كل طهر تطليقة ما لم يرتجعها في خلال ذلك وهو يريد أن يطلقها ثانية فلا يسعه ذلك لأنه يطول العدة عليها فإذا لم يرتجعها فلا بأس أن يطلقها في كل طهر مرة وعلى هذا يخرج ما رواه يحيى بن يحيى في الموطأ في تفسير قراءة ابن عمر (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لقبل (2) عدتهن) قال يحيى قال مالك يريد بذلك أن يطلق الرجل امرأته في كل طهر (3) وهذا التفسير لم يروه أحد عن مالك في الموطأ غير يحيى (4) والله أعلم
70

قال أبو عمر قول مالك في طلاق السنة إجماع لا اختلاف (1) فيه أنه طلاق السنة الذي أمر الله عز وجل به للعدة يوافقه على ذلك غيره وهو لا يوافق غيره على أقوالهم في طلاق السنة ويعضد قوله من جهة النظر أن المطلق في كل طهر تطليقة تقع بعض طلاقه بغير عدة كاملة بل يقع طلاقه كله بغير عدة كاملة لأن كل طلقة إنما تكون بإزائها حيضة واحدة وليس شأن الطلاق أن يعتد منه بحيضة واحدة بل الواجب أن تكون ثلاثة قروء لكل طلقة وأن تستقبل العدة بالطلاق لقوله * (فطلقوهن لعدتهن) * أو (لقبل عدتهن) وكل طلاق يوجب العدة الكاملة فهو بخلاف ما أمر الله به من الطلاق للعدة على ظاهر الخطاب فإن جعلت الثلاثة قروء للطلقة الأولى كانت الثانية والثالثة بغير أقراء تعتد بها ومعلوم أن الطلقة الثانية بقرءين والطلقة الثالثة بقرء واحد وهذا خلاف حكم العدة في المطلقات وقال أحمد بن حنبل طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع واحدة ويدعها حتى تنقضي عدتها قال ولو طلقها ثلاثا في طهر لم يصبها فيه كان أيضا مطلقا للسنة وكان
71

تاركا للاختيار وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وسائر أهل الكوفة من أراد أن يطلق امرأته ثلاثا للسنة طلقها حين تطهر من حيضتها قبل أن يجامعها طلقة واحدة ثم يدعها حتى تحيض ثم تطهر فإذا طهرت وطلقها ثالثة حرمن عليه حتى تنكح زوجا غيره وتبقى عليها عندهم من عدتها حيضة لأن الأقراء عندهم الحيض ومن فعل هذا عندهم فهو مطلق للسنة وقال مالك والأوزاعي وأبو عبيد القاسم بن سلام ليس هذا بمطلق للسنة وليس عندهم المطلق للسنة إلا من طلق على الوجه الأول الذي حكينا عن مالك وأصحابه حاشا أشهب وقال الشافعي وأصحابه وأبو ثور وأحمد بن حنبل وداود بن علي ليس في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وإنما السنة في وقت الطلاق فإذا أراد الرجل أن يطلق امرأته للسنة أمهلها حتى تحيض ثم تطهر فإذا طهرت طلقها من قبل أن يجامعها كما شاء إن شاء واحدة وإن شاء اثنتين وإن شاء ثلاثا أي ذلك فعل فهو مطلق للسنة وأجمع العلماء أن طلاق السنة إنما هو في المدخول بها وأما غير المدخول بها فليس في طلاقها سنة ولا بدعة وإن أمر الله عز وجل ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم في الطلاق للعدة هو طلاق
72

المدخول بها من النساء فأما غير المدخول بها فلا عدة عليهن ولا سنة ولا بدعة في طلاقهن قال الله عز وجل * (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها) * الآية (1) ويطلق غير المدخول بها زوجها في كل وقت متى شاء من الطلاق واحدة وأكثر إلا أنه إن طلق عند مالك وأصحابه غير المدخول بها ثلاثا لزمه وهو عندهم عاص في فعله وقال أشهب لا يطلقها وإن كانت غير مدخول بها حائضا وقال ابن القاسم يطلقها متى شاء وإن كانت حائضا وعليه الناس قال أبو عمر من حجة من قال إن الطلاق لا يكون للسنة في المدخول بها إلا واحدة ولا تكون الثلاث المجتمعات للسنة على حال من الأحوال قول الله عز وجل * (الطلاق مرتان) * 2 ثم قال * (فإن طلقها فلا تحل له من بعد) * 3 ومرتان لا تكونان إلا في وقتين والثلاث في ثلاث أوقات
73

ودليل آخر وهو قول الله عز وجل * (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * إلى قوله * (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * فأي أمر يحدث بعد الثلاث والأمر إنما أريد به المراجعة ومن الأثر ما قرأته على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال أخبرنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمان قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال طلاق العدة أن يطلقها وهي طاهر ثم يدعها حتى تنقضي عدتها أو يراجعها إن شاءت ومثل هذا لا يطلقه ابن مسعود برأيه ويشبه أن يكون توقيفا مع دلالة القرآن عليه بقوله * (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * وهي الرجعة عند أهل العلم ولا سبيل إليها مع الثلاث فبطل أن يكون وقوع الثلاث السنة ومن حجة الشافعي ومن قال بقوله في أن الثلاث إذا وقعت في طهر لا جماع فيه فهو أيضا (1) طلاق السنة قول الله عز وجل عند ذكر ما أباحه من طلاق النساء للعدة * (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * وقرئ لقبل عدتهن أي لاستقبال عدتهن
74

وإذا طلقت في طهر لم تمس فيه فهي مستقبلة عدتها من يومئذ وسواء طلقت واحدة أو أكثر لا يمنعها إيقاع أكثر من واحدة من ذلك واستدلوا على جواز وقوع أكثر من واحدة بقوله عز وجل * (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم) * 1 وهذا فيمن قيل فيهن في أول السورة * (فطلقوهن لعدتهن) * ثم قال * (ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * 2 وهذا لا يكون إلا في المبتوتات لأن غير المبتوتة ممن عليها الرجعة ينفق عليها حاملا وغير حامل فعلم بهذا أن قوله * (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * راجع إلى بعض ما انتظمه الكلام وهي التي لم يبلغ بطلاقها ثلاثا كما أن قوله * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * قد عم المطلقات ذوات الأقراء وقوله في نسق الآية * (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن) * 3 راجع إلى من لم يبلغ بطلاقها الثلاث وفي ذلك إباحة إيقاع ما شاء المطلق من الطلاق وظاهر حديث ابن عمر يشهد بهذا لأن النبي عليه السلام
75

أقره أن يراجع امرأته ثم يمهلها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ولم يحظر طلاقا من طلاق ولا عددا من عدد في الطلاق قالوا فله أن يطلق كم شاء إذا كانت مدخولا بها وإن كانت غير مدخول بها طلقها كم شاء ومنى شاء طاهرا وحائضا لأنه لا عدة عليها ومما احتجوا به أيضا أن العجلاني طلق امرأته بعد
اللعان ثلاثا فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن رفاعة بن سموأل طلق امرأته ثلاثا فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ركانة طلق امرأته البتة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت بها فلو أراد ثلاثا لكانت ثلاثا ولم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن فاطمة ابنة قيس طلقها زوجها ثلاثا كذلك ذكره الشعبي عن فاطمة وشعبة وسفيان عن أبي بكر بن أي الجهم عن فاطمة (ومنصور عن تميم مولى فاطمة عن فاطمة) (1) وأبو الزبير عن عبد الحميد عن أبي عمر بن حفص زوج فاطمة كلهم قالوا طلقها ثلاثا وكذلك قال أكثر أصحاب ابن شهاب في حديث فاطمة (ثلاثا وقال مالك في حديثه طلقها البتة
76

قالوا ففي حديث فاطمة) (1) ابنة قيس أن زوجها طلقها ثلاثا ولم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا ومن جهة النظر من كان له أن يوقع واحدة كان له أن يوقع ثلاثا وليس في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح قد أباحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر قد عارض أصحابنا احتجاجهم هذا فقالوا أما حديث العجلاني فلا حجة فيه لأنه طلق في غير موضع طلاق فاستغنى عن الإنكار عليه وأما حديث رفاعة بن سموأل فقالوا ممكن أن يكون طلقها ثلاثا مفترقات في أوقات وأما حديث فاطمة ابنة قيس فقد قال فيه أبو سلمة عنها بعث إلي زوجي بتطليقي الثالثة هذا معنى ما ردوا به على من احتج عليهم من الشافعيين بما ذكرنا ومما احتجوا به أيضا أن سفيان روى حديث ابن مسعود في طلاق السنة فلم يقل واحدة ولا ثلاثا حدثنا (2) عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن
77

أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال حدثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع قال أبو عمر رواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن (1) مسعود فقال فيه أو يراجعها إن شاء فدل على أن ذلك طلاق يملك فيه الرجعة (وقد (2) ذكرنا حديث شعبة في هذا الباب وأما حديث رفاعة بن سموأل في طلاقه لزوجته البتة فقد مضى ذكره في باب المسور بن رفاعة من هذا الكتاب وحدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو نعيم حدثنا زكرياء بن أبي زائدة عن عامر قال حدثتني فاطمة ابنة قيس أن زوجها طلقها ثلاثا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها فاعتدت عند ابن عمها عمرو بن أم كلثوم وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو عبيدة
78

ابن أحمد قال حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع عن ابن عجير بن عبد يزيد أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة المزنية البتة ثم أتى النبي عليه السلام فقال إني طلقت امرأتي سهيمة المزنية البتة ووالله ما أردت إلا واحدة فقال النبي عليه السلام آلله ما أردت إلا واحدة فقال والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه النبي عليه السلام فطلقها ثانية زمن عمر والثالثة في زمن عثمان قال أبو عمر اختلف على عبد الله بن علي في هذا الحديث وسنذكر حديث عبد الله بن يزيد في كتابنا هذا إن شاء الله ونذكر هناك اختلاف العلماء في البتة بما يجب في ذلك من القول بعون الله وقال أبو داود حديث الشافعي هذا أصح حديث في هذا الباب يعني في البتة قال لأنهم أهل بيته وهو أعلم بهم وليس فيما احتجوا من عموم قوله عليه السلام ثم إن شاء طلق بعد وإن شاء أمسك ما يدل على إباحة طلاق الثلاث
79

لأنه جائز أن يكون أراد عليه السلام فإن شاء طلق الطلاق الذي أذن الله فيه بقوله * (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) * يعني المراجعة وبقوله الطلاق مرتان ثم إن طلقها فلا تحل له الثالثة وهذا معناه في أوقات متفرقات والله أعلم) (1) فهذا حكم طلاق الحائل المدخول بها للسنة قال أبو عمر وأما الحامل فلا خلاف بين العلماء أن طلاقها للسنة من أول الحمل إلى آخره لأن عدتها أن تضع ما في بطنها وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر أنه أمره أن يطلقها طاهرا أو حاملا ولم يخص أول الحمل من آخره حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو
80

بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمان مولى لطلحة عن سالم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي عليه السلام فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا (1) قال أبو عمر لا يجوز عند العلماء طلاق من لم يستبن حملها على ما قدمنا ذكره عن ابن عباس في أول هذا الباب فإذا استبان حملها طلقها متى شاء على عموم هذا الخبر وأجمع العلماء أن المطلقة الحامل عدتها وضع حملها واختلفوا إذا كان في بطنها ولدان فوضعت أحدهما هل تنقضي بذلك عدتها فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والثوري والأوزاعي وأكثر أهل العلم لا تنقضي عدتها حتى تضع جميع حملها وإن وضعت ولدا وبقي في بطنها آخر فلزوجها عليها الرجعة إذا لم يبت طلاقها ثلاثا حتى تضع الولد الثاني وقال آخرون إذا وضعت أحدهما فقد انقضت عدتها وروي ذلك عن عكرمة والحسن وإبراهيم وقد روي عن
81

الحسن وإبراهيم خلاف ذلك أن زوجها أحق بها ما لم تضع الآخر وعلى هذا القول الناس وقد أجمعوا على (1) أنها لا تنكح وفي بطنها ولد فبان بإجماعهم هذا خطأ قول من قال إنها تنقضي عدتها بوضع أحدهما وذكر أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن عكرمة قال إذا وضعت أحدهما فقد انقضت عدتها قيل له فتزوج قال لا قال قتادة خصم العبد (2) قال وحدثنا أبو داود عن هشام عن حماد عن إبراهيم في رجل طلق امرأته وفي بطنها ولدان قال هو أحق برجعتها ما لم تضع الآخر وتلا * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * وذكر المعلى حدثنا هشيم (عن يونس عن الحسن قالا إذا طلقها وفي بطنها ولدان فوضعت أحدهما فقد انقضت عدتها قال حدثنا هشيم) (3) أخبرنا شعبة عن حماد عن إبراهيم مثله
82

أخبرنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا المعلى قال حدثنا عباد بن العوام أخبرنا سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن وعطاء قالوا هو أحق بها ما لم تضع الآخر وهذا هو الصواب لظاهر (1) قول الله عز وجل * (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) * ومن بقي في بطنها ولد فل تضع حملها والأصل أنه أملك بها فلا يزول ماله من ذلك إلا بيقين ولا يقين إلا بوضع جميع الحمل وما وضعته الحامل من مضغة أو علقة فقد حلت به عند مالك وأصحابه وهو قول إبراهيم وغيره وقال الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل لا تحل إلا بوضع ما يتبين فيه شيء من خلق الإنسان وهو قول الحسن البصري وغيره وطلاق السنة عند
مالك وأصحابه في الحامل والصغيرة التي لم تتحض واليائسة من المحيض أن يطلقن واحدة متى شاء وتحل الحامل بآخر ولد في بطنها والصغيرة واليائسة بتمام ثلاثة أشهر ومن كانت في عدتها بالشهور كاليائسة
83

والصغيرة فطلقت في بعض اليوم لم تعتد بها في ذلك اليوم عند مالك وأصحابه وأما سائر العلماء فتعتد به عندهم إلى مثله من اليوم الذي تتم به عدتها فإن طلقت الصغيرة أو اليائسة عند استهلال الهلال اعتدت بالأهلة تسعا وعشرين كان الهلال أو ثلاثين وإن طلقت في بعض الشهر أتمت بقية الشهر واعتدت بالأهلة الشهرين وتبني على بقية ذلك الشهر تمام الثلاثين يوما والمستحاضة عند مالك وأصحابه أيضا يطلقها زوجها للسنة متى شاء وعدتها سنة إلا أن ترتاب فتقيم إلى زوال الريبة وهذا إذا كانت المستحاضة لا تميز دم حيضتها من دم استحاضتها فإن ميزته لم يطلقها زوجها للسنة إلا في طهرها المعروف وتعتد به قرءا إذا كان دم حيضتها بعده معروفا هذا قول مالك والشافعي وأكثر أهل العلم وقد قال مالك أيضا أن المستحاضة لا يبرئها إلا السنة ابدا ميزت دمها أو لم تميزه لأن الاستحاضة ريبة وهذا أشهر في مذهبه عند أصحابه وعند الشافعي إذا كانت متشبهة الدم لا تدري دم حيضتها من دم استحاضتها وكان حيضها قبل الاستحاضة وبعدها سواء فإنها تعتد بقدر أيام حيضتها وأما إذا ميزت فهو قرؤها لعدتها وصلاتها وفروع هذا الباب تطول وقد ذكرنا من
84

أصوله ما يشرف الناظر فيه على المراد منه وسنذكر مسائل الحيض واختلافهم فيها في باب نافع عن سليمان بن يسار من كتابنا هذا إن شاء الله وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثم تطهر (ثم تحيض ثم تطهر) (1) ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء ففيه دليل بين على أن الأقراء التي تعتد بها المطلقة هي الأطهار والله أعلم لأن الله تبارك وتعالى جعل المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطلاق في الحيض وقال إن الطلاق في الطهور هو الطلاق الذي أذن الله عز وجل فيه للعدة بقوله * (فطلقوهن لعدتهن) * أو لقبل عدتهن علم أن الأقراء التي تعتد بها المطلقة هي الأطهار لأن الطلاق للعدة إنما يكون فيها وليس للطلاق في الحيض للعدة وفي ذلك بيان أن الأقراء الأطهار والله أعلم
85

وهذا موضع اختلف فيه العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين لأنه موضع اشتباه وإشكال لأن الحيض في كلام العرب يسمى قرءا والطهر أيضا في كلام العرب يسمى قرءا وأصل القرء في اللغة الوقت والطهور والجمع والحمل أيضا فقد يكون القرء وقت جمع الشيء وقد يكون وقت طهوره ووقت حبسه والحمل به قال أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب القروء الأوقات الواحد (1) قرء وهو الوقت (قال) (2) وقد يكون حيضا ويكون طهرا وقال الخليل أقرأت المرأة إذا دنا حيضها وأقرأت إذا استقر الماء في رحمها وقعدت المرأة أيام إقرائها أي أيام حيضتها وقال قطرب تقول العرب ما أقرأت (3) هذه الناقة سلا قط أي لم ترم به وقالوا قرأت (4) الناقة أقرءا وذلك معاودة الفحل إياها أوان كل ضراب (5) وقالوا أيضا قرأت المرأة قرءا إذا حاضت أو طهرت وقرأت أيضا إذا حملت
86

قال أبو عمر في الأقراء شواهد من أشعار العرب الفصحاء معانيها متقاربة فمنها قول عمرو بن كلثوم
* ذارعي عيظل إذا ما بكر
* هجان اللون لم تقرأ جنينا
* وقال حميد بن ثور
* أراها غلاماها الحمى فتشذرت
* مراحا ولم تقرأ جنينا ولا دما
* أي لم تجتمع ولم تضم في رحمها جنينا في وقت الجمع وقال الهذلي
* كرهت العقر عقر بني شليل
* إذا هبت لقارئها الرياح
* أي لوقتها (والعقر ههنا موقف الإبل (1) إذا وردت الماء) (2) وقال الأعشى فجعل الأقراء الأطهار
* أفي كل عام أنت جاشم غزوة
* تشد لأقصاها عزيم عرائكا
* مورثة مالا وفي الحي رفعة
* لما ضاع فيها من قروء نسائكا
* فالقروء في هذا البيت الأطهار قال ابن قتيبة لأنه لما خرج إلى الغزو لم يقرب نساءه أيام قروئهن أي أطهارهن
87

قال أبو عمر يدلك على أن الأقراء في بيت الأعشى الأطهار وإن كان ذلك فيه بينا والحمد لله قول الأخطل
* قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم
* دون النساء ولو باتت بأطهار
* وقال آخر فجعل القرء الحيض
* يا رب ذي ضب على فارض
* له قرء كقرء الحائض
* قالوا القرء في هذا البيت الحيض يريد أن عداوته تهيج في أوقات معلومة كما تحيض المرأة في أوقات معلومة وقال القتبي (1) في قول الله عز وجل ثلاثة قروء هي الحيض وهي الأطهار أيضا واحدها قرء وتجمع أقراء (قال) (2) وإنما جعل الحيض قرءا والطهر قرءا لأن أصل القرء في كلام العرب الوقت يقال رجع فلان لقروئه ولقارئه أي لوقته وأنشد بيت الهذلي المذكور قال أبو عمر فهذا أصل القرء في اللغة وأما معناه في الشريعة فاختلف العلماء في مراد الله عز وجل من قوله
88

* (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * فقال منهم قائلون الأقراء الحيض ههنا واستدلوا بأشياء كثيرة منها قول الله عز وجل * (ثلاثة قروء) * قالوا والمطلق في الطهر إذا مضى بعضه واعتدت به امرأته فلم تعتد ولم تتربص ثلاثة قروء وإنما تربصت قرءين وبعض الثالث إذا كانت الأقراء الأطهار قالوا والله عز وجل يقول * (ثلاثة قروء) * فلا بد أن تكون كاملة وفرقوا بين قوله عز وجل * (ثلاثة قروء) * فلا تكون إلا ثلاثة كاملة عندهم وبين قوله * (الحج أشهر معلومات) * 1 وإنما هي شهران وبعض الثالث عند الجميع فقالوا ذكر الله في القرء ثلاثة عددا ولم يذكر في أشهر الحج عددا وما ذكر فيه عدد فلا بد من إكمال ذلك العدد واحتجوا أيضا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة أتركي الصلاة أيام أقرائك أي أيام حيضك وبما حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال أخبرنا مطلب بن شعيب ققال حدثنا عبد الله بن صالح قال (2)
89

حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير أن فاطمة ابنة أبي حبيش حدثته أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فشكت إليه الدم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي وإذا مر القرء فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء واحتجوا أيضا بالإجماع على أن عدة أم الولد حيضة وبأشياء يطول ذكرها هذه جملتها وممن ذهب إلى هذا سفيان الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين وأكثر العراقيين وهو الذي استقر عليه أحمد بن حنبل فيما ذكر الخرقي عنه (1) خلاف ما حكى الأثرم عنه قال إذا طلق الرجل امرأته وقد دخل بها فعدتها ثلاث حيض غير الحيضة التي طلقها فيها إن طلقها حائضا فإذا اغتسلت من الحيضة الثالثة أبيحت للأزواج حكى ذلك عنه عمر بن الحسين الخرقي في مختصره على مذهب أحمد بن حنبل (2) وهذا مذهب الفقهاء الذين ذكرناهم وهو المروي
90

عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وعبادة بن الصامت وابن عباس وجماعة من التابعين بالحجاز والشام والعراق وقولهم كلهم أن المطلقة لا تحل للأزواج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة وقال آخرون الأقراء التي عنى الله عز وجل وأرادها بقوله في المطلقات * (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * هي الأطهار ما بين الحيضة والحيضة قرء قالوا وهو المعروف من لسان العرب على (1) ما ذكرنا من أهل العلم باللغة في هذا الباب قالوا وإنما هو جمع الرحم الدم لا طهوره (2) ومنه قرأت الماء في الحوض أي جمعته (3) وقرأت القرآن أي ضممت بعضه إلى بعض بلسانك قالوا والدليل على أن الأطهار هي الأقراء التي أمر الله المطلقة أن تتربصها أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطلاق في الطهر لمن شاء أن يطلق
91

وقوله في العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء فبين مراد الله عز وجل من قوله فطلقوهن لعدتهن أو لقبل عدتهن وهو المبين عن الله مراده صلى الله عليه وسلم وسنزيد هذا الوجه حجة وبيانا فيما بعد من هذا الباب إذ أتينا على نقض ما احتج به القائلون بالقول الأول إن شاء الله وممن ذهب إلى أن الأقراء الأطهار مالك والشافعي وداود بن علي وأصحابهم وهو قول عائشة وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وروي أيضا عن ابن عباس وبه قال القاسم وسالم وأبان بن عثمان وأبو بكر بن عبد الرحمان وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وابن شهاب وربيعة ويحيى بن سعيد كل هؤلاء يقولون الأقراء الأطهار فالمطلقة عندهم تحل للأزواج وتخرج من عدتها بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة وسواء بقي من الطهر الذي طلقت فيه المرأة يوم واحد أو أقل أو أكثر أو ساعة واحدة فإنها تحتسب به المرأة قرءا لأن المبتغى من الطهر
92

دخول الدم عليه وهو الذي ينبئ عن سلامة الرحم وليست استدامة الطهر بشيء وهذا كله قول مالك والشافعي وسائر الفهقاء القائلين بأن الأقراء الأطهار إلا الزهري وحده فإنه قال في امرأة طلقت في بعض طهرها أنها تعتد ثلاثة أطهار سوى بقية ذلك الطهر فعلى قوله لا تحل المطلقة حتى تدخل في الحيضة الرابعة والحجة لمالك والشافعي ومن قال بقولهما أن النبي عليه السلام أذن في طلاق الطاهر من غير جماع ولم يقل أول الطهر ولا آخره وذكر أبو بكر الأثرم أن أحمد بن حنبل كان يذهب إلى قول عمر وعلي وعبد الله وأبي موسى ثم رجع عن ذلك وقال رأيت حديث عمر وعبد الله يختلف في إسناده إلا الأعمش ومنصور والحكم وحديث علي رواه سعيد بن المسيب عن علي وليس هو عندي سماع أرسله سعيد عن علي وحديث الحسن عن أبي موسى الأشعري منقطع لأن الحسن لم يسمع من أبي موسى وسائر الأحاديث عن الصحابة في هذا مرسلة قال والأحاديث عمن قال أنه أحق بها حتى
93

تدخل في الحيضة الثالثة أسانيدها صحاح قوية قال ثم ذهب بعد أحمد إلى هذا قال أبو عمر الاختلاف الذي حكاه أحمد بن حنبل في حديث عمر وعبد الله هو أن الأعمش يرويه عن إبراهيم عن عمر وعبد الله أنهما قالا هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة وكذلك رواه حماد عن إبراهيم مرسلا عن عمر وعبد الله كما رواه الأعمش وكذلك رواه أبو معشر أيضا ورواه الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عمر وعبد الله قالا هو أحق بها مالم تغتسل من الثالثة فهذا هو الاختلاف الذي عنى أحمد بن حنبل والله أعلم ومن خالفنا يقول إن مراسيل إبراهيم عن ابن مسعود وعمر صحاح كلها وما أرسل منها أقوى من الذي أسند حكى هذا القول يحيى القطان وغيره وقد ذكرنا في صدر هذا الديوان ما يشفي في هذا المعنى عن إبراهيم وغيره وأما حديث علي فرواه قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي ورواه جعفر بن محمد عن أبيه عن علي أنه قال له الرجعة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة
94

ورواه الزهري أيضا عن سعيد عن علي ذكره الحميدي عن سفيان عن الزهري قال أخبرني سعيد عن علي أنه أحق بها ما لم تغتسل من الثالثة وهو قول سعيد وأما حديث أبي موسى فإنما يرويه الحسن عن أبي موسى ولم يسمع منه كما قال أحمد وأما حديث ابن عباس فرواه ابن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس ورواه جعفر بن محمد أيضا عن أبيه عن ابن عباس وأما سائر الأحاديث عن الصحابة الذين روي عنهم أنه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة فإنما هي من مراسيل مكحول والشعبي وكل هؤلاء يقولون الأقراء الحيض وأما الأحاديث عن الصحابة القائلين بأن الأقراء الأطهار فأسانيدها صحاح روى حديث عائشة ابن شهاب عن عروة وغيره عن عائشة أن الأقراء الأطهار وحديث زيد بن ثابت أنه قال إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها
95

وحديث ابن عمر رواه مالك عن نافع عن ابن عمر قال إذا طلق امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها وابن عمر روى الحديث عن النبي عليه السلام أنه قال فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء وله عرضت القصة إذ طلق امرأته حائضا وهو أعلم بهذا ومعه زيد بن ثابت وعائشة وجمهور التابعين بالمدينة ومعه دليل حديث النبي عليه السلام وهو الحجة القاطعة عند التنازع في مثل هذا وبالله التوفيق وقد روينا عن ابن عباس خلاف ما روى المخالفون عنه أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة أن ابن عباس كان يقول إذا حاضت الثالثة فقد بانت من زوجها وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا المعلى قال أخبرني عبد العزيز بن محمد أن ثور بن زيد الكناني حدثه عن عكرمة
96

عن ابن عباس قال إذا حاضت المطلقة الحيضة الثالثة فقد بانت من زوجها إلا أنها لا تتزوج حتى تطهر وهذه الزيادة قوله إلا أنها لا تتزوج حتى تطهر ضعيفة في النظر فإن صحت احتمل أن يكون استحبابا من ابن عباس أن لا يعقد على الحائض أحد خوف أن تدعوه الشهوة إلى الوطء في حيضها وهي عندي زيادة منكرة وحسبه أنه قد أخرجها من العدة بقوله فقد بانت من زوجها وإذا خرجت من العدة فالنكاح لها مباح في الأصول كلها وأما حجة من احتج بأن (الله) (1) قال * (ثلاثة قروء) * فوجب أن تكون ثلاثة كاملة وقال في قوله * (الحج أشهر معلومات) * فجائز أن تكون شهرين وبعض الثالث وفرق بين ذلك بذكر العدد فلا وجه لما قال لأن المبتغى من الأقراء ما يبرأ به الرحم وهو خروج المرأة من الطهر إلى الدم فذلك الوقت هو المبتغى والمراعى وقد حصل منه ثلاثة أوقات كاملة بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة ودليل آخر وهو أن الطهر مذكر فهو أشبه بقول الله عز وجل * (ثلاثة قروء) * لإدخاله الهاء في
97

ثلاثة وهي لا تدخل إلا في العدد المذكر والحيضة مؤنثة فلو أرادها لقال ثلاث قروء وقد احتج أصحابنا بهذا وهذا عندي ليس بشيء لأن التذكير في العدد إنما جاء على لفظ القرء وهي مذكرة وأما احتجاجهم بقوله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة اقعدي أيام أقرائك وانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي ونحو هذا فليس فيه حجة لأن الحيض قد يسمى قرءا ولسنا ننازعهم في ذلك ولكنا ننازعهم أن يكون الله عز وجل أراده بقوله * (يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * على أن هذا الحديث قد ضعفه أهل العلم لأنه يروى عن عائشة وعائشة لم يختلف عنها في أن الأقراء الأطهار فيبعد عن عائشة أن تروي عن النبي عليه السلام أنه قال للمستحاضة دعي الصلاة أيام أقرائك وتقول الأقراء الأطهار فإن صح عن عائشة فهو حجة عليهم لأن عائشة تكون حينئذ أخبرت بأن القرء الذي يمنع من الصلاة ليس هو القرء الذي تعتد به من الطلاق وكفى بتفرقة عائشة بين هذين حجة وأما حديث فاطمة ابنة أبي حبيش فلم يذكر فيه هشام بن عروة من رواية مالك وغيره القرء إنما قال فيه إذا
98

أقبلت الحيضة فدعي الصلاة لم يقل إذا أتاك قرؤك وهشام أحفظ من الذي خالفه في ذلك ولو صح كان الوجه فيه ما ذكرنا عن عائشة والله أعلم وقد أجمعوا على أن الطلاق للعدة أن يطلقها طاهرا من غير جماع لا حائضا وأجمعوا على أن كل معتدة من طلاق أو وفاة تحسب عدتها من ساعة طلاقها أو وفاة زوجها وذلك دليل على أن الأقراء الأطهار إلا الحيض لأن القائلين بأنها الحيض يقولون إنها لا تعتد إلا بالحيض المقبلة بعد الطهر الذي طلقت فيه فجعلوا عليها ثلاثة قروء وشيئا آخر وذلك خلاف الكتاب والسنة ويلزمهم أن يقولوا إنها قبل الحيضة في غير عدة وحسبك بهذا خلافا لظاهر قول الله عز وجل * (فطلقوهن لعدتهن) * ولقول النبي عليه السلام فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء وأما حدتهم بأن أم الولد عدتها حيضة بإجماع وأنها لا يحل لها النكاح حتى تطهر من حيضتها وذلك دليل على أن القرء الحيضة فليس هو كما ظنوا وجائز لها عندنا أن تنكح إذا دخلت في الحيضة واستيقنت أن دمها دم حيض وقد قال
99

هذا إسماعيل بن إسحاق ليحيى بن أكثم حين أدخل عليه في مناظرته إياه ما أدخله محمد بن الحسن على مناظرة عن أهل المدينة في كتابه فقال له أتحل أم الولد للأزواج إذا دخلت في الدم من الحيضة فقال له إسماعيل نعم تحل للأزواج لأن ظهور الدم براءة لرحمها في الأغلب المعمول به قال أبو عمر الأصل في هذا الباب والمعتمد عليه فيه حديث ابن عمر عن النبي عليه السلام في قوله إذا طهرت إن شاء طلق وإن شاء أمسك لم يخص أول الطهر من آخره ولو كان بينهما فرق لبينه لأنه المبين عن الله مراده وقد بلغ وما كتم صلى الله عليه وسلم قرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء طلق وإن شاء أمسك
100

قال أبو عمر لم يذكر في هذا الحديث قبل أن يمس وذكره مالك وغيره وهو الذي لا بد منه ذكر أو سكت عنه وهذا أمر مجتمع عليه يغني عن الكلام فيه وبالله العصمة والهدى والتوفيق
101

حديث ثامن وأربعون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم من الثياب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فيلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا من
الثياب مسه الزعفران ولا الورس (1) قال أبو عمر كل ما في هذا الحديث فمجتمع عليه من أهل العلم أنه لا يلبسه المحرم ما دام محرما ورواه ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء
103

رواه عن ابن شهاب معمر وابن عيينة وإبراهيم بن سعد وغيرهم وليس هذا الحديث عند مالك عن ابن شهاب وفي معنى ما ذكر في هذا الحديث من القمس والسراويلات والبرانس يدخل المخيط كله بأسره فلا يجوز لباس شيء منه للمحرم عند جميع أهل العلم وأجمعوا أن المراد بهذا الخطاب في اللباس المذكور الرجال دون النساء وأنه لا بأس للمرأة بلباس القميص والدرع والسراويل والخمر والخفاف وأجمعوا أن الطيب كله لا يجوز للمحرم أن يقربه متطيبا به زعفرانا كان أو غيره وإنما اختلفوا فيمن تطيب قبل إحرامه هل له أن يبقي الطيب على نفسه وهو محرم أم لا وقد ذكرنا ما للعلماء في ذلك في باب حميد بن قيس من كتابنا هذا (1) والحمد لله وأجمعوا أن إحرام الرجل في رأسه وأنه ليس له أن يغطي رأسه لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم عن لبس البرانس والعمائم وهذا ما لا خلاف والحمد لله فيه وأجمعوا على أن إحرام المرأة في وجهها وروي عن النبي عليه السلام أنه نهى المرأة الحرام عن النقاب والقفازين
104

أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب (1) وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قالا حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر قال قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الحرم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف إلا أن يكون أحد ليس له نعلان فليلبس الخفين أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا من الثياب مسه الزعفران ولا الورس ولا تنتقب المرأة الحرام ولا تلبس القفازين (2) قال أبو داود روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام على ما قال الليث ورواه أبو قرة موسى بن طارق عن موسى بن عقبة عن نافع موقوفا عن ابن عمر (3)
105

قال أبو عمر رفعه صحيح عن ابن عمر رواه ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ورواه ابن المبارك عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا أيضا فهذا يصحح ما رواه الليث وحاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثني أبي عن ابن إسحاق قال حدثني نافع عن عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مسه الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلي أو سراويل أو قمص أو خف (1) قال أبو داود روى هذا الحديث عن ابن إسحاق عبدة ومحمد بن سلمة إلى قوله وما مس الورس والزعفران من الثياب ولم يذكرا ما بعده (2)
106

أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال أخبرنا أحمد بن شعيب أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رجلا قام فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القمص ولا السراويلات ولا الخفاف إلا أن يكون رجل ليس له نعلان فليلبس الخفين أسفل من الكعبين ولا يلبس شيئا من الثياب مسه الزعفران والورس ولا تنتقب المرأة الحرام ولا تلبس القفازين وعلى كراهية النقاب للمرأة جمهور علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار أجمعين لم يختلفوا في كراهية الانتقاب والتبرقع للمرأة المحرمة إلا شيء روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة وروي عن عائشة أنها قالت تغطي المحرمة وجهها إن شاءت وقد روي عنها أنها لا تفعل وعليه الناس (1) وأما القفازان فاختلفوا فيهما أيضا فروي عن سعد بن أبي وقاص أنه كان يلبس بناته وهن محرمات القفازين ورخصت
107

فيهما عائشة أيضا وبه قال عطاء والثوري ومحمد بن الحسن وهو أحد قولي الشافعي وقد يشبه أن يكون مذهب ابن عمر لأنه كان يقول إحرام المرأة في وجهها وقال مالك إن لبست المرأة القفازين افتدت وللشافعي قولان في ذلك أحدهما تفتدي والآخر لا شيء عليها قال أبو عمر الصواب عندي قول من نهى المرأة عن القفازين وأوجب عليها الفدية لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف بين العلماء بعد ما ذكرنا في أنه جائز للمرأة المحرمة لباس القمص والخفاف والسراويلات وسائر الثياب التي لا طيب فيها وأنها ليست في ذلك كله كالرجل وأجمعوا أن إحرامها في وجهها دون رأسها وأنها تخمر رأسها وتستر شعرها وهي محرمة وأجمعوا أن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلا خفيفا تستتر به عن نظر الرجال إليها ولم يجيزوا لها تغطية وجهها وهي محرمة إلا ما ذكرنا عن أسماء روى مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق (1)
108

وقد يحتمل أن يكون ما روي عن أسماء في ذلك كنحو ما روي عن عائشة أنها قالت كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن محرمون فإذا مر بنا راكب سدلنا الثوب من قبل رؤوسنا وإذا جاوزنا الراكب رفعناه وأجمعوا أن الرجل المحرم لا يخمر رأسه على ما تقدم ذكرنا له واختلفوا في تخميرة وجهه فروي عن ابن عمر أنه قال ما فوق الذقن من الرأس على المحرم أن لا يغطيه (1) وإلى هذا ذهب مالك وأصحابه وبه قال محمد بن الحسن الشيباني وروي (2) عن عثمان بن عفان وعبد الرحمان بن عوف وزيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير أنهم كانوا يغطون وجوههم وهم محرمون ذكر مالك في موطئه عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال أخبرني القرافصة بن عمير الحنفي أنه رأى عثمان بن عفان بالعرج يغطي وجهه وهو محرم (3)
109

وعن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال رأيت عثمان بن عفان بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان ثم أتي بلحم صيد فقال لأصحابه كلوا فقالوا ولا تأكل فقال إني لست كهيئتكم إنما صيد من أجلي وعن سعيد بن أبي وقاص وجابر بن عبد الله والقاسم بن محمد وطاوس أنهم أجازوا للرجل المحرم أن يغطي وجهه وبه قال الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وقال ابن القاسم كره مالك للمحرم أن يغطي وجهه وأن يغطي ما فوق ذقنه لأن أحرامه عنده في وجهه ورأسه قيل لابن القاسم فإن فعل قال لم أسمع من مالك فيه شيئا ولا أرى عليه شيئا لما جاء عن عثمان وقد روي عن مالك فيمن غطى
وجهه وهو محرم أنه يفتدي وفي موضع آخر من كتاب ابن القاسم قيل أرأيت محرما غطى وجهه ورأسه في قول مالك قال قال مالك إن
110

نزعه مكانه فلا شيء عليه وإن تركه فلم ينزعه مكانه حتى انتفع بذلك افتدي قلت وكذلك المرأة إذا غطت وجهها قال نعم إلا أن مالكا كان يوسع للمرأة أن تسدل رداءها من فوق رأسها على وجهها إذا أرادت سترا وإن كانت لا تريد سترا فلا تسدل وأجمعوا أن للمحرم أن يدخل الخباء والفسطاط وإن نزل تحت شجرة أن يرمي عليها ثوبا واختلفوا في استظلاله على دابته أو على المحمل فروي عن ابن عمر أنه قال أصح لمن أحرمت له وبعضهم يرفعه عنه وكره مالك وأصحابه أن يستظل المحرم على محمله وبه قال عبد الرحمان بن مهدي وأحمد بن حنبل وروي عن عثمان بن عفان أنه كان يستظل وهو محرم وأنه أجاز ذلك للمحرم وبه قال عطاء بن أبي رباح والأسود بن يزيد وهو قول ربيعة والثوري وابن عيينة والشافعي وأصحابه وقال مالك إن استظل المحرم في محمله افتدى وقال الشافعي وأبو حنيفة لا شيء عليه
111

قال ولا بأس أن يستظل إذا جافى ذلك عن رأسه وأجمعوا أن المحرم إذا وجد إزارا لم يجز له لبس السراويل واختلفوا فيه إذا لم يجد إزارا هل له لبس السراويل وإن لبسها على ذلك هل عليه فدية أم لا وفي الموطأ (1) سئل مالك عما ذكر عن النبي عليه السلام أنه قال من لم يجد إزارا فليلبس سراويل فقال مالك لم أسمع بهذا ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس السراويلات فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها قال ولم يستثن فيها كما استثنى في الخفين (2) وقول أبي حنيفة في ذلك كقول مالك ويرون على من لبس السراويل وهو محرم الفدية وسواء عند مالك وجد الإزار أو لم يجد وقال عطاء بن أبي رباح والشافعي وأصحابه والثوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وداود إذا لم يجد المحرم إزارا لبس السراويل ولا شيء عليه وحجة
112

من ذهب إلى هذا ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول السراويل لمن لم يجد الإزار (1) والخف لمن لم (2) يجد النعلين (3) وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار قال أخبرني أبو الشعثاء جابر بن زيد قال سمعت ابن عباس يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على المنبر يقول من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل (4)
113

وروى زهير عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله واختلفوا فيمن لم يجد نعلين هل يلبس الخفين ولا يقطعهما فذهب عطاء بن أبي رباح وسعيد بن سالم القداح وطائفة من أهل العلم غيرهما إلى أن من لم (1) يجد نعلين لبس الخفين ولم يقطعهما وإلى هذا (2) ذهب أحمد بن حنبل قال عطاء وفي قطعهما فساد وقال أكثر أهل العلم إذا لم يجد المحرم نعلين لبس الخفين وقطعهما أسفل من الكعبين وممن قال بهذا مالك بن أنس والشافعي والثوري وأبو حنيفة (3) وإسحاق وأبو ثور وجماعة من التابعين وقال الشافعي ابن عمر قد زاد على ابن عباس شيئا نقصه ابن عباس وحفظه ابن عمر وذلك قوله وليقطعهما أسفل من الكعبين والمصير إلى رواية ابن عمر أولى وروى ابن وهب عن مالك والليث أن من لبس خفين مقطوعين أو غير مقطوعين إذا كان واجدا للنعلين فعليه الفدية وقال أبو حنيفة لا فدية عليه إذا لبسهما مقطوعين وهو واجد
114

للنعلين قال ومن لبس السراويل افتدى على كل حال وجد إزارا أو لم يجد إلا أن يفتق السراويل واختلف قول الشافعي فيمن لبس الخفين مقطوعين وهو واجد للنعلين فمرة قال عليه الفدية ومرة قال لا شيء عليه وقال مالك من ابتاع خفين وهو محرم فجربها وقاسهما في رجله فلا شيء عليه وإن تركهما حتى منعه ذلك من حر أو برد أو مطر افتدى قال أبو عمر كان ابن عمر يقطع الخفين حتى للمرأة المحرمة وهذا شيء لا يقول به أحد من أهل العلم فيما علمت ولا بأس بلباس المحرمة الخفاف عند جميعهم وقد روي عن ابن عمر أنه انصرف عن ذلك حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا ابن أبي عدي عن محمد بن إسحاق عن ابن شهاب قال حدثني سالم أن عبد الله بن عمر كان يقطع الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها
115

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أرخص للنساء في الخفين فترك ذلك (1) قال أبو عمر هذا إنما كان من ورع ابن عمر وكثرة اتباعه ومع هذا فإنه استعمل ما حفظ على عمومه حتى بلغه فيه الخصوص ومما وصفت من ورعه وتوقفه ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن أيوب عن نفاع عن ابن عمر أنه وجد القر فقال يا نافع ألق علي ثوبا قال فألقيت عليه برنسا فقال أتلقي علي هذا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم ألا ترى أنه (2) كره أن يلقى عليه البرنس وسائر أهل العلم إنما يكرهون الدخول فيه ولكنه رحمه الله استعمل العموم في اللباس لأن التغطية والامتهان قد يسمى لباسا ألم تسمع إلى قول أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس قال أسد وأبو ثابت وسحنون وأبو زيد قلت لابن القاسم هل كان مالك يكره للمحرم أن يدخل منكبه في
116

القباء من غير أن يدخل يديه في كميه ولا يزره عليه قال نعم قلت فكان يكره له أن يطرح قميصه على ظهره يتردى به من غير أن يدخل فيه قال لا قيل له فلم كره أن يدخل منكبيه في القباء إذا لم يدخل فيه ولم يزره قال لأن ذلك (1) دخول في القباء ولباس له فلذلك كرهه قال أبو عمر كان أبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور يقولون لا باس أن يدخل منكبيه في القباء وهو قول إبراهيم النخعي وكره ذلك الثوري والليث بن سعد والشافعي وقال عطاء لا بأس أن يتردى به وجملة قول مالك وأصحابه أن المحرم إذا أدخل كتفيه (2) في قباء افتدى وإن لم يدخل كتفيه (2) فلا شيء عليه وهو قول زفر وقول الشافعي وقال أبو حنيفة لا فدية عليه إلا أن يدخل فيه يديه وقال مالك إن عقد إزاره على عنقه افتدى وقال الشافعي وأبو حنيفة لا شيء عليه
117

قال أبو عمر روي عن ابن عمر أنه كره الهميان والمنطقة للمحرم وروي عن ابن عباس أنه أجاز ذلك للمحرم وكذلك روي عن عائشة أنها قالت أوثق عليك نفقتك وأجاز
ذلك جماعة فقهاء الأمصار متقدموهم ومتأخروهم وعن جماعة من التابعين بالحجاز والعراق مثل ذلك وقال إسحاق بن راهويه ليس له أن يعقد السيور ولكن يدخل بعضها في بعض وقال مالك أحب ما سمعت إلي في ذلك ما حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب انه كان يقول في المنطقة يلبسها المحرم تحت ثيابه إنه لا بأس بذلك إذا جعل في طرفيها جميعا سيورا يعقد بعضها إلى بعض وقال ابن علية قد أجمعوا على أن المحرم ليس له أن يعقد الهميان والإزار على وسطه والمنطقة مثل ذلك واختلفوا في المحرم يعصب رأسه وجسده عن (1) ضرورة فقال مالك لا يفعل ذلك أحد إلا من ضرورة فإن فعل ذلك من غير ضرورة فعليه الفدية وسواء في ذلك عنده الرأس والجسد
118

وقال أبو حنيفة وأصحابه إن عصب رأسه يوما إلى الليل فعليه صدقة وإن عصب بعض جسده فلا شيء عليه وقال الشافعي من عصب رأسه فعليه الفدية وكذلك إذا شد السير على رأسه أو حمل (1) خرجه على رأسه قال ولا بأس أن يضع يده على رأسه وقال مالك لا بأس أن يحمل المحرم خرجه وجرابه على رأسه إذا كان فيه زاده واحتاج إلى ذلك كما أرخص له في حل منطقة نفسه قال وأما لو تطوع بحمله أو آجر نفسه على ذلك لكان عليه الفدية قال والأطباق والغراير والأحرجة في ذلك سواء وجملة قول مالك أنه سواء في المحرم لبس ناسيا أو عامدا أو تطيب أو حلق ناسيا أو عامدا لضرورة أو غير ضرورة عليه في ذلك كله الكفارة وهو مخير فيها (2) إن شاء صام ثلاثة أيام وإن شاء أطعم ستة مساكين مدين مدين لكل مسكين وإن شاء ذبح شاة قال مالك وإنما يكون الصيام والطعام مكان الهدي في فدية الأذى وجزاء الصيد لا غير قال وأما دم المتعة أو الهدي الواجب على
119

من عجز عن المشي أو وطئ أهله أو فاته الحج أو رجل ترك شيئا من الحج فجبره بالدم أي شيء كان المتروك من حجه فإن هذا كله إذا لم يجد الهدي فيه من وجب عليه صام فقط وليس في شيء من ذلك إطعام قال ابن القاسم والصوم في هذا كله كصوم المتمتع ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع هذا كله إذا لم يجد الهدي وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما كل من لبس عامدا أو تطيب عامدا فليس بمخير في الكفارة وإنما عليه الدم لا غير قالوا فإن كان ذلك من ضرورة فهو مخير على حسبما تقدم عن مالك إن شاء صام وإن شاء نسك بشاة وإن شاء أطعم ستة مساكين مدين مدين على حديث كعب بن عجرة وللشافعي فيمن لبس أو تطيب ناسيا قولان أحدهما لا فدية عليه والآخر عليه الفدية وقال أبو حنيفة والثوري والليث بن سعد الناسي والعامد في وجوب الفدية سواء وقال داود لا فدية عليه إن لبس من ضرورة وإنما عليه الفدية إن لبس عامدا وإن حلق رأسه لضرورة فعليه الفدية وإن حلق شعر جسده فلا فدية عليه لضرورة ولا لغير ضرورة
120

قال أبو عمر من لم ير على اللابس الناسي والجاهل شيئا استدل بحديث يعلى بن أمية في الأعرابي الذي أحرم وعليه جبة وصفرة خلوق فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزع الجبة وغسل الخلوق ولم يأمره بفدية وقد ذكرنا هذا الخبر وأحكامه في باب حميد بن قيس من كتابنا هذا (1) ومن أوجب الفدية على الناسي وغيره فحجته أن الفدية إنما وردت فيمن فعلها من ضرورة وذلك محفوظ في قصة كعب بن عجرة فالضرورة وغير الضرورة والنسيان وغيره في ذلك سواء لأنه إذا وجبت على من فعل ذلك من ضرورة فأحرى أن تجب على من فعل ذلك من غير ضرورة والناسي قياس على المضطر والعامد أحرى بذلك وأولى واختلفوا فيمن لبس أو تطيب في مواطن فقال مالك إن لبس القميص والسراويل والعمامة والقلنسوة وما أشبه ذلك من الثياب في فور واحد وكانت حاجته إلى ذلك كله في فور واحد فعليه كفارة واحدة وكذلك إن تطيب مرارا في موطن واحد وفور واحد فعليه فدية واحدة وإن كان ذلك في أحوال مختلفة فعليه لكل مرة فدية فدية وبه قال
121

أبو حنيفة والثوري والليث وهو أحد قولي الشافعي (وقال محمد بن الحسن والأوزاعي وهو أحد قولي الشافعي) (1) أيضا ليس عليه إلا كفارة واحدة ما لم يكفر فإن كفر ثم صنع شيئا من ذلك فعليه كفارة أخرى وقد روي عن مالك أنه عليه في كل ما يلبس أو يتطيب فدية بعد فدية أبدا وأما الثوب المصبوغ بالورس والزعفران فلا خلاف بين العلماء أن لباس ذلك لا يجوز للمحرم على ما جاء في حديث ابن عمر هذا فإن غسل ذلك الثوب حتى تذهب ريح الزعفران منه وخرج عنه فلا بأس به عند جميعهم أيضا وكان مالك فيما ذكر ابن القاسم عنه يكره الثوب الغسيل من الزعفران والورس إذا بقي فيه من لونه شيء وقال لا يلبسه المحرم وإن غسله إذا بقي فيه شيء من لونه إلا أن لا يجد غيره فإن لم يجد غيره صبغه بالمشق وأحرم فيه وقد روى يحيى بن عبد الحميد عن أبي معاوية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث فقال فيه ولا تلبسوا ثوبا مسه ورس أو زعفران إلا أن يكون غسيلا
122

وقال الطحاوي عن ابن أبي عمران رأيت يحيى بن معين وهو يتعجب من الحماني كيف يحدث بهذا الحديث فقال له عبد الرحمان بن مهدي هذا عندي ثم وثب من فوره فجاء بأصله فأخرج منه هذا الحديث عن أبي معاوية كما قال الحماني والورس نبات يكون باليمن كشبه العصفر صبغه ما بين الصفرة والحمرة ورائحته طيبة واختلفوا في العصفر فجملة مذهب مالك وأصحابه أن العصفر ليس بطيب ويكرهون للحاج استعمال الثوب الذي ينتفض في جلده فإن فعل فقد أساء ولا فدية عليه عندهم وهو قول الشافعي وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري (1) العصفر (2) طيب وفيه الفدية على من استعمل شيئا منه في اللباس وغيره إذا استعمله وهو محرم فهذه جمل ما في هذا الحديث من الأحكام والحمد لله على عونه لا شريك له
123

حديث تاسع وأربعون لنافع عن ابن عمر مالك عن عبد الله بن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك قال وقال عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء والعمل (1) يقال إنه لم يسمع أبو الربيع الزهراني من مالك غير هذا الحديث حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو حذيفة أحمد بن محمد بن علي الدينوري حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي وحدثنا خلف حدثنا أبو الطاهر محمد بن عبد الله القاضي حدثنا موسى بن هارون الحمال قالا حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني حدثنا مالك عن نافع عن ابن
125

عمر قال كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك هكذا روى هذا الحديث أبو الربيع
الزهراني لم يذكر زيادة ابن عمر وكل من روى الموطأ ذكرها فيه وذكرها أيضا جماعة من غير رواة الموطأ حدثنا خلف بن قاسم حدثنا علي بن الحسن بن غيلان حدثنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي قال حدثنا أبو الربيع الزهراني وعبد الأعلى بن حماد النرسي قال أبو الربيع حدثنا مالك وقال عبد الأعلى قرأت على مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وزاد عبد الأعلى وكان ابن عمر يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل هكذا رواه جماعة الرواة عن مالك وكذلك رواه أصحاب نافع أيضا ورواه ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي عليه السلام مثله سواء
126

ورواه عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي عليه السلام مثله بمعناه وروى عبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله عن النبي عليه السلام مثل حديث ابن عمر هذا في تلبيته صلى الله عليه وسلم سواء دون زيادة ابن عمر من قوله وفي حديث أبي هريرة زيادة لبيك إله الحق ومن حديث عمرو بن معدي كرب قال لقد رأيتنا ونحن إذا حججنا نقول
* لبيك تعظيما إليك عذرا
* هذي زبيد قد أتتك قسرا
* تعدو بها مضمرات شزرا
* يقطعن خبتا وجبالا وعرا
* قد خلفوا الأوثان خلوا صفرا
* ونحن نقول اليوم كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكر التلبية على حسبما في حديث ابن عمر واختلفت الرواية في فتح إن وكسرها في قوله إن الحمد والنعمة لك وأهل العربية يختارون في ذلك الكسر وأجمع العلماء على القول بهذه التلبية واختلفوا في الزيادة فيها فقال
127

مالك أكره أن يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد قولي الشافعي وقد روي عن مالك أنه لا بأس أن يزاد فيها ما كان ابن عمر يزيده في هذا الحديث وقال الشافعي لا أحب أن يزيد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يرى شيئا يعجبه فيقول لبيك إن العيش عيش الآخرة وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل وأبو ثور لا بأس بالزيادة في التلبية على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد فيها ما شاء قال أبو عمر من حجة من ذهب إلى هذا ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جعفر يعني ابن محمد قال حدثني أبي عن جابر بن عبد الله قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر التلبية بمثل حديث ابن عمر قال والناس يزيدون ليك ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي عليه السلام يسمع فلا يقول لهم شيئا (1)
128

واحتجوا أيضا بأن ابن عمر كان يزيد فيها (1) ما ذكر مالك وغيره عن نافع في هذا الحديث وما روي عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول بعد التلبية لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك مرهونا منك ومرغوبا إليك وعن أنس بن مالك أنه كان يقول في تلبيته
* لبيك حقا حقا
* تعبدا وزقا
* ومن كره الزيادة في التلبية احتج بأن سعد بن أبي وقاص أنكر على من سمعه يزيد في التلبية ما لم يعرفه وقال ما كنا نقول هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث سعد في ذلك حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان قال حدثني عبد الله بن أبي سلمة أن سعدا سمع رجلا يقول لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج ولكن لم يكن يقول هذا ونحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم قال أبو عمر من زاد في التلبية ما يحمل ويحسن من الذكر فلا بأس ومن اقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم
129

فهو أفضل عندي وكل ذلك حسن إن شاء الله عز وجل وسنذكر ما للعلماء في رفع الصوت بالتلبية في باب عبد الله بن أبي بكر من كتابنا هذا إن شاء الله ومعنى التلبية إجابة الله فيما فرض عليهم من حج بيته والإقامة على طاعته فالمحرم بتلبيته مستجيب لدعاء الله إياه في إيجاب الحج عليه ومن أجل الاستجابة والله أعلم لبى لأن من دعي فقال لبيك فقد استجاب وقد قيل إن أصل التلبية الإقامة على الطاعة يقال منه ألب فلان بالمكان إذا أقام به وأنشد ابن الأنباري في ذلك
* محل الهجر أنت به مقيم
* ملب ما تزول ولا تريم
* وقال آخر
* لب بأرض ما تخطاها النعم
*
* 1) قال وإلى هذا المعنى كان يذهب الخليل والأحمر قال أبو عمر وقال جماعة من أهل العلم إن معنى التلبية إجابة إبراهيم عليه السلام حين أذن بالحج في الناس ذكر
سنيد قال حدثنا جرير (2) عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه
130

عن ابن عباس قال لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلي البلاغ فنادى إبراهيم أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق قال فسمعه ما بين السماء والأرض أفلا ترون الناس يجيبون من أقطار البلاد (1) يلبون قال وحدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله * (وأذن في الناس بالحج) * 2 قال قام إبراهيم على مقامه فقال يا أيها الناس أجيبوا ربكم فقالوا لبيك اللهم لبيك فمن حج اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم يومئذ قال أبو عمر معنى لبيك اللهم لبيك عند العلماء أي إجابتي إياك إجابة بعد إجابة ومعنى قول ابن عمر وغيره لبيك وسعديك أي أسعدنا سعادة بعد سعادة وإسعادا بعد إسعاد وقد قيل معنى سعديك مساعدة لك وأما قولهم لبيك إن الحمد والنعمة لك فيروى بفتح الهمزة وكسرها وكان أحمد بن يحيى ثعلب يقول الكسر
131

في ذلك أحب إلي لأن الذي يكسرها يذهب إلى أن الحمد والنعمة لك على كل حال والذي يفتح يذهب إلى أن المعنى لبيك لأن الحمد لك أي لبيك لهذا السبب قال أبو عمر المعنى عندي واحد لأنه يحتمل أن يكون من فتح الهمزة أراد لبيك لأن الحمد لك على كل حال والملك لك والنعمة وحدك دون غيرك حقيقة لا شريك لك واستحب الجميع أن يكون ابتداء المحرم بالتلبية بأثر صلاة يصليها نافلة أو فريضة من ميقاته إذا كانت صلاة لا يتنفل بعدها فإن كان في غير وقت صلاة لم يبرح حتى يحل وقت صلاة فيصلي ثم يحرم إذا استوت به راحلته وإن كان ممن يمشي فإذا خرج من المسجد أحرم وقال أهل العلم بتأويل القرآن في قول الله عز وجل * (فمن فرض فيهن الحج) * 1 قالوا الفرض التلبية كذلك قال عطاء وعكرمة (2) وطاوس وغيرهم وقال ابن عباس الفرض الإهلال وهو ذلك بعينه والإهلال التلبية وقد ذكرنا معنى الإهلال في اللغة في باب موسى بن عقبة من كتابنا هذا بما يغني عن إعادته ههنا وذكرنا هناك مسألة من معاني هذا الباب يجب الوقوف عليها
132

وقال ابن مسعود الفرض الإحرام وهو ذلك المعنى أيضا وكذلك قال ابن الزبير وقالت عائشة لا إحرام إلا لمن أهل ولبى وقال الثوري الفرض الإحرام قال والإحرام التلبية قال والتلبية في الحج مثل التكبير في الصلاة وقال أبو حنيفة وأصحابه إن كبر أو هلل أو سبح ينوي بذلك الإحرام فهو محرم فعلى هذا القول التلبية عند الثوري وأبي حنيفة ركن من أركان الحج والحج إليها مفتقر ولا يجزئ منها شيء عندهم غيرها ولم أجد في هذه المسألة نصا عن الشافعي وأصوله تدل على أن التلبية ليست من أركان الحج عنده (1) وقال الشافعي تكفي النية في الإحرام بالحج من أن يسمى حجا أو عمرة قال وإن لبى بحج يريد عمرة فهي عمرة وإن لبى بعمرة يريد حجا فهو حج وإن لبى لا يريد حجا ولا عمرة فليس بحج ولا عمرة وإن لبى ينوي الإحرام ولا ينوي حجا ولا عمرة فله الخيار يجعله أينما شاء وإن لبى
133

فقد نوى أحدهما فنسي فهو قارن لا يجزيه غير ذلك هذا كله قول الشافعي رحمه الله وذكر ابن خواز بنداد (1) قال قال مالك النية بالإحرام في الاحج تجزئ وإن نسي فذلك واسع قال وهو قول أبي حنيفة أنه إن نوى فكبر ولم يسم حجا ولا عمرة أجزته النية غير أن الإحرام عنده من شرطه التلبية ولا يصح عنده إلا بتلبية قال وكذلك قال الثوري قال وقال الحسن بن حي والشافعي التلبية إن فعلها فحسن وإن تركها فلا شيء عليه قال أبو عمر وذكر إسماعيل بن إسحاق عن أبي ثابت قال قيل لابن القاسم أرأيت المحرم من مسجد ذي الحليفة إذا توجه من فناء المسجد بعد أن صلى فتوجه وهو ناس (2) أيكون في توجهه محرما فقال ابن القاسم أراه محرما فإن ذكر من قريب لبى ولا شيء عليه وإن تطاول ذلك عليه ولم يذكر حتى خرج من حجه رأيت أن يهريق دما قال إسماعيل بن إسحاق وهذا يدل من قوله على أن الإهلال للإحرام ليس عنده بمنزلة التكبير للدخول في الصلاة لأن
134

الرجل لا يكون داخلا في الصلاة إلا بالتكبير ويكون داخلا في الإحرام بالتلبية وبغير التلبية من الأعمال التي توجب الإحرام بها على نفسه مثل أن يقول قد أحرمت بالحج والعمرة أو يشعر الهدي وهو يريد بإشعاره الإحرام أو يتوجه نحو البيت وهو يريد بتوجهه الإحرام فيكون بذلك كله وما أشبهه محرما وقد مضى القول في الحين الذي يقطع فيه التلبية الحاج والمتعمر وإلى أين تنتهي تلبيته في باب محمد بن أبي بكر (1) والحمد لله
135

حديث موفي خمسين لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن قال عبد الله وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم (1) هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ عن مالك فيما علمت وكذلك رواه أصحاب نافع كلهم عن نافع عن ابن عمر وكذلك رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر وكذلك رواه ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي عليه السلام مثله سواء اتفقوا كلهم على أن ابن عمر لم يسمع من النبي عليه السلام قوله ويهل أهل اليمن من يلملم
137

ورواه صدقة بن يسار قال سمعت ابن عمر يقول وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا قال فقيل له وللعراق قال لا عراق يومئذ أخبرنا محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا محمد بن معاوية بن عبد الرحمان قال حدثنا أحمد بن شعيب بن سنان قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر أن رجلا قام في المسجد فقال يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال ابن عمر ويزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويهل أهل اليمن من يلملم وكان ابن عمر يقول لم أفقه هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال
138

حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن وذكر لي ولم أسمع أنه قال ويهل أهل اليمن من يلملم (1) ولا خلاف بين العلماء أن مرسل الصاحب عن الصاحب أو عن الصحابة وإن لم يسمهم صحيح حجة وقد روى ابن عباس مثل حديث ابن عمر هذا كله عن النبي عليه السلام أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد عن
عمرو عن طاوس عن ابن عباس وعن ابن طاوس عن أبيه قالا وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم وقال هي لهم ولمن أتى عليهن من سواهم ممن أراد الحج والعمرة قال ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ قال وكذلك حتى يبلغ ذلك أهل مكة فيهلون منها (2)
139

وذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس مثله سواء بمعناه وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا حماد عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرنا فهي لهم ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة ومن كان دونهن (1) فمن أهله حتى أن أهل مكة يهلون منها قال أبو عمر أجمع أهل العلم بالحجاز والعراق والشام وسائر أمصار المسلمين فيما علمت على القول بهذه الأحاديث واستعمالها لا يخالفون شيئا منها واختلفوا في ميقات أهل العراق وفيمن وقته فقال مالك والشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابهم ميقات أهل العراق وناحية المشرق كلها ذات عرق وقال الثوري والشافعي إن أهلوا من العقيق فهو أحب إلينا وقال منهم قائلون عمر بن الخطاب رضي الله عنه
140

هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق لأن العراق في زمانه افتتحت ولم يكن في العراق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون هذه غفلة من قائلي هذا القول بل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وقت لأهل العراق ذات عرق والعقيق كما وقت لأهل الشام الجحفة والشام كلها يومئذ دار كفر كما كانت العراق يومئذ دار كفر فوقت المواقيت لأهل النواحي لأنه علم أنه سيفتح الله على أمته الشام والعراق وغيرهما من البلدان ولم تفتح الشام ولا العراق جميعا إلا على عهد عمر وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل السير وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منعت العراق دينارها ودرهمها ومنعت الشام إردبها ومديها وقفيزها (1) بمعنى ستمنع عند أهل العلم وقال صلى الله عليه وسلم ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار وقال عليه السلام زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها (2)
141

أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هشام بن بهرام حدثنا المعافي عن أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة قالت وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام ومصر الجحفة ولأهل العراق ذات عرق ولأهل اليمن يلملم (1) وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الطائف قرن وهي نجد ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل العراق ذات عرق وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا
142

وكيع قال حدثنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي عن عبد الله بن عباس قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق (1) قال أبو عمر كل عراقي أو مشرقي أحرم من ذات عرق فقد أحرم عند الجميع من ميقاته والعقيق أحوط وأولى عندهم من ذات عرق وذات عرق ميقاتهم أيضا بإجماع وكره مالك رحمه الله أن يحرم أحد قبل الميقات وروي عن عمر بن الخطاب أنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة وعن عثمان بن عفان أنه أنكر على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات وكره الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح الإحرام من الموضع البعيد وهذا من هؤلاء والله أعلم كراهية أن يضيق المرء على نفسه ما قد وسع الله عليه وأن يتعرض لما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه وكلهم ألزمه الإحرام إذا فعل لأنه زاد ولم ينقص ويدلك على ما ذكرنا أن ابن عمر روى المواقيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أجاز الإحرام قبلها من موضع بعيد هذا كله
143

قول إسماعيل قال وليس الإحرام مثل عرفات والمزدلفة التي لا يجاز بهما موضعهما قال والذين أحرموا قبل الميقات من الصحابة والتابعين كثير قال وحدثنا حفص بن عمر الحوضي حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة أن رجلا أتى عليا فقال أرأيت قول الله عز وجل * (وأتموا الحج والعمرة لله) * 1 قال علي أن تحرم من دويرة أهلك قال وحدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن ابن عمر أهل من بيت المقدس وقال لولا أن يرى معاوية أن بي غير الذي بي لجعلت أهل منه وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن حي المواقيت رخصة وتوسعة يتمتع المرء بحله حتى يبلغها ولا يتجاوزها والإحرام قبلها فيه فضل لمن فعله وقوي عليه ومن أحرم من منزله فهو حسن لا بأس به وروي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وجماعة من السلف أنهم قالوا في قول الله عز وجل * (وأتموا الحج والعمرة لله) * 1 قالوا إتمامها أن تحرم من دويرة أهلك
144

حدثنا خلف بن القاسم حدثنا أحمد بن صالح حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله المنادي قال حدثنا جدي قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا سفيان عن محمد بن سوقة قال سمعت سعيد بن جبير وسئل ما تمام العمرة فقال أن تحرم من أهلك (1) وأحرم ابن عمر وابن عباس من الشام وأحرم عمران بن حصين من البصرة وأحرم عبد الله بن مسعود من القادسية وكان الأسود وعلقمة وعبد الرحمان بن يزيد وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم قال أبو عمر أحرم عبد الله بن عمر من بيت المقدس عام الحكمين وذلك أنه شهد التحكيم بدومة الجندل فلما افترق عمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري من غير اتفاق نهض إلى بيت المقدس ثم أحرم منها بعمرة ومن أقوى الحجج لما ذهب إليه مالك في هذه المسألة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرم من بيته بحجته وأحرم من ميقاته الذي وقته لأمته صلى الله عليه وسلم وما فعله فهو الأفضل إن شاء الله
145

وكذلك صنع جمهور الصحابة والتابعين بعدهم كانوا يحرمون من مواقيتهم ومن حجة من رأى الإحرام من بيته أفضل قول عائشة ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ومن حجتهم أيضا أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعمران بن حصين وابن عمر وابن عباس أحرموا من المواضع البعيدة وهم فقهاء الصحابة وقد شهدوا إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته من ميقاته وعرفوا مغزاه ومراده وعلموا أن
إحرامه من ميقاته كان تيسيرا على أمته صلى الله عليه وسلم ومن حجتهم أيضا ما حدثناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا ابن أبي فديك عن عبد الله بن عبد الرحمان بن يحنس عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي عن جدته حكيمة عن أم سلمة زوج النبي عليه السلام أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أهل
146

بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أو (1) وجبت له الجنة شك عبد الله أيهما قال (2) واختلف الفقهاء في الرجل المريد للحج والعمرة يجاوز ميقات بلده إلى ميقات آخر أقرب إلى مكة مثل أن يترك أهل المدينة الإحرام من ذي الحليفة حتى يحرموا من الجحفة فتحصيل مذهب مالك أن من فعل ذلك فعليه دم وقد اختلف في ذلك أصحاب مالك فمنهم من أوجب الدم ومنهم من أسقطه وأصحاب الشافعي على إيجاب الدم في ذلك وهو قول الثوري والليث بن سعد وقال أبو حنيفة وأصحابه لو أحرم المدني من ميقاته كان أحب إليهم فإن لم يفعل وأحرم من الجحفة فلا شيء عليه وهو قول الأوزاعي وأبي ثور وكره أحمد بن حنبل وإسحاق مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة ولم يوجب الدم في ذلك وقد روي عن عائشة أنها كانت إذا أرادت الحج أحرمت من ذي الحليفة وإذا أرادت العمرة أحرمت من الجحفة
147

وقال ابن القاسم قال لي مالك كل من مر بميقات ليس هو له بميقات فليحرم منه مثل أن يمر أهل الشام وأهل مصر من العراق قادمين فعليهم أن يهلوا من ذات عرق ميقات أهل العراق وكذلك إن قدموا من اليمن أهلوا من يلملم وإن قدموا من نجد فمن قرن وكذلك جميع أهل العراق ومن مر منهم بميقات ليس له فليهل من ميقات أهل ذلك البلد إلا أن مالكا قال لي غير مرة في أهل الشام وأهل مصر إذا مروا بالمدينة فأرادوا أن يؤخروا إحرامهم إلى الجحفة فذلك لهم قال ابن القاسم لأنها طريقهم قال مالك والفضل لهم في أن يحرموا من ميقات أهل المدينة واختلفوا فيمن جاوز الميقات وهو يريد الإحرام فأحرم ثم رجع إلى الميقات فقال مالك إذا جاوز الميقات ولم يحرم منه فعليه دم ولا ينفعه رجوعه وهو قول أبي حنيفة وعبد الله بن المبارك وقال مالك من أراد الحج والعمرة فجاوز الميقات ثم أحرم وترك الإحرام من الميقات فليمض ولا يرجع مراهقا كان أو غير مراهق وليهرق دما قال وليس لمن تعدى الميقات فأحرم أن يرجع إلى الميقات فينقض إحرامه قال إسماعيل لأنه قد وجب عليه الدم لتعديه ما أمر به فلا وجه لرجوعه
148

وقال مالك من جاوز الميقات ممن يريد الإحرام جاهلا فليرجع إلى الميقات إن لم يخف فوات الحج ولا شيء عليه وإن خاف فوات الحج أحرم من موضعه وكان عليه دم لما ترك من الإحرام من الميقات وقال الشافعي والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد إذا رجع إلى الميقات فقد سقط عنه الدم لبى أو لم يلب وقد روي (1) عن أبي حنيفة أنه إن رجع إلى الميقات فلبى سقط عنه الدم وإن لم يلب لم يسقط عنه الدم وكلهم يقول إنه إن لم يرجع وتمادى فعليه دم وللتابعين في هذه المسألة أقاويل أيضا غير هذه أحدها أنه لا شيء على من ترك الميقات هذا قول عطاء والنخعي وقول آخر أنه لا بد له أن يرجع إلى الميقات إذا تركه فإن لم يرجع حتى قضى حجه فلا حج له هذا قول سعيد بن جبير وقول آخر وهو أن يرجع إلى الميقات كل من تركه فإن لم يفعل حتى تم حجه رجع
149

إلى الميقات وأهل منه بعمرة روي هذا عن الحسن البصري فهذه (1) الأقاويل الثلاثة شذوذ ضعيفة عند فقهاء الأمصار لأنها لا أصل لها في الآثار ولا تصح في النظر واختلفوا في العبد يجاوز الميقات بغير نية إحرام ثم يحرم فقال مالك أيما عبد جاوز الميقات ولم يأذن له سيده في الإحرام ثم أذن له بعد مجاوزته الميقات فأحرم فلا شيء عليه وهو قول الثوري والأوزاعي وقال أبو حنيفة عليه دم لتركه الميقات وكذلك إن عتق واضطرب الشافعي في هذه المسألة فمرة قال في العبد عليه دم لتركه الميقات كما قال أبو حنيفة وقال في الكافر يجاوز الميقات ثم يسلم لا شيء عليه قال وكذلك الصبي يجاوزه ثم يحتلم فيحرم لا شيء عليه وقال مرة أخرى لا شيء على العبد وعلى الصبي والكافر يسلم الفدية إذا أحرما من مكة ومرة قال عليهم ثلاثتهم دم وهو تحصيل مذهبه قال أبو عمر الصحيح عندي في هذه المسألة أنه لا شيء على واحد منهم لأنه لم يخطر بالميقات مريدا للحج
150

وإنما تجاوزه وهو غير قاصد الحج ثم حدثت له حال بمكة فأحرم منها فصار كالمكي الذي لا دم عليه عند الجميع وقال مالك من أفسد حجته فإنه يقضيها من حيث كان أحرم بالحجة التي أفسد وهو قول الشافعي وهذا عند أصحابهما على الاختيار واتفق مالك والشافعين وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري وأبو ثور على أن من مر بالميقات لا يريد حجا ولا عمرة ثم بدا له في الحج أو العمرة وهو قد جاوز الميقات أنه يحرم من الموضع الذي بدا له منه الحج ولا يرجع إلى الميقات ولا شيء عليه وقال أحمد وإسحاق يرجع إلى الميقات ويحرم منه وأما حديث مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أهل من الفرع محتملة عند أهل العلم على أنه مر بميقاتك لا يريد إحراما ثم بدا له فأهل منه أو جاء إلى الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له في الإحرام هكذا ذكر الشافعي وغيره في معنى حديث ابن عمر هذا ومعلوم أن ابن عمر روى حديث المواقيت ومحال أن
151

يتعدى ذلك مع علمه به فيوجب على نفسه دما هذا لا يظنه عالم والله أعلم وأجمعوا كلهم على أن من كان أهله دون المواقيت أن ميقاته من أهله حتى يبلغ مكة على ما في حديث ابن عباس وفي هذه المسألة أيضا قولان شاذان أحدهما لأبي حنيفة قال يحرم من موضعه فإن لم يفعل فلا يدخل الحرم إلا حراما فإن دخله غير حرام فليخرج من الحرم وليهل من حيث شاء من الحل والقول الآخر لمجاهد قال إذا كان الرجل منزله بين مكة والميقات أهل من مكة
152

حديث حاد وخمسون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور (1) لا خلاف عن مالك في إسناد هذا الحديث ولفظه حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين العسكري حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح
الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور
153

وكذلك رواه أيوب وعبيد الله والليث وغيرهم عن نافع عن ابن عمر وكذلك رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر ورواه ابن شهاب فاختلف عليه فيه فرواه ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي عليه السلام ورواه معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة وهذا يمكن أن يكون إسنادا آخر ورواه يونس عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر عن حفصة ورواه زيد بن جبير عن ابن عمر قال أخبرتني إحدى نسوة النبي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المحرم بقتل خمس من الدواب فذكر مثله سواء فأما رواية نافع عن ابن عمر لهذا الحديث فمقتصرة على إباحة قتل هذا الخمس المذكورات من الدواب للمحرم في حال إحرامه في الحل والحرم جميعا وأما رواية ابن شهاب عن سالم عن أبيه لهذا الحديث ففيها لا (1) جناح على من قتلهن في الحل والحرم وهذا أعم
154

لأنه يدخل فيه المحرم وغير المحرم في الحل والحرم ومعلوم أنه ما جاز للمحرم قتله فغير المحرم أحرى أن يجوز ذلك له ولكن لكل وجه منها حكم سنذكره في هذا الباب إن شاء الله قرأت على محمد بن إبراهيم أن محمد بن معاوية حدثهم قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى عن عبيد الله قال أخبرني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب لا جناح على من قتلهن وهو حرام الحدأة والغراب والفأرة والكلب العقور والعقرب (1) وكذلك رواه أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء وزاد قيل لنافع فالحية قال الحية لا شك في قتلها وقال بعضهم عن أيوب قلت لنافع الحية قال الحية لا يختلف في قتلها قال أبو عمر ليس كما قال نافع وقد اختلف العلماء في جواز قتل الحية للمحرم ولكنه شذوذ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قتلها للمحرم وغير المحرم في الحرم
155

وغيره من وجوه سنذكر أكثرها في هذا الباب إن شاء الله وليس في حديث ابن عمر عند أحد من الرواة ذكر الحية وهو محفوظ من حديث عائشة وحديث أبي سعيد وابن مسعود قرأت على سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا والله الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب لا جناح في قتلهن على من قتلهن في الحل والحرم الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور (1) قال الحميدي قيل لسفيان إن معمرا يرويه عن الزهري عن عروة عن عائشة فقال حدثنا والله الزهري عن سالم عن أبيه ما ذكر عروة عن عائشة (2) قال أبو عمر اتفق جمهور العلماء وجماعة الفقهاء على القول بجملة هذا الحديث واختلفوا في تفسير تلك الجملة وتخصيصها بمعان نذكرها إن شاء الله
156

فأما ابن عيينة فقال معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلب العقور كل سبع يعقر قال ولم يخص به الكلب قال سفيان وفسره لنا زيد بن أسلم وكذلك قال أبو عبيد وروى زهير بن محمد عن زيد بن أسلم عن عبد ربه بن سيلان عن أبي هريرة قال الكلب العقور الأسد وأما مالك فذكر رواة الموطأ عنه في الموطأ أنه قال الكلب العقور الذي أمر المحرم بقتله هو كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو الكلب العقور (1) قال فأما ما كان من السباع لا تعدو مثل الضبع والثعلب وما أشبههن من السباع فلا يقتله المحرم وإن قتله فداه (2) قال مالك وأما ما ضر من الطير فإنه لا يقتله المحرم إلا ما سمى النبي عليه السلام الغراب والحدأة وإن قتل شيئا من الطير سواهما وهو محرم فعليه جزاؤه (3)
157

قال أبو عمر ليس هذا الباب عند مالك وأصحابه من باب ما يؤكل عنده من السباع وما لا يؤكل في شيء وقد ذكرنا مذهب مالك وغيره فيما يكره أكله من السباع وما لا يكره منها مستوعبا في باب إسماعيل بن أبي حكيم من كتابنا هذا (1) فلا وجه لإعادة ذلك ههنا وقال ابن القاسم قال مالك لا باس أن يقتل المحرم السباع التي تعدو على الناس وتفترس ابتدأته أو ابتدأها جائز له قتلها على كل حال فأما صغار أولادها التي لا تفترس ولا تعدو على الناس فلا ينبغي للمحرم قتلها قيل لابن القاسم فهل يكره مالك للمحرم قتل الهر الوحشي والثعلب والضبع قال نعم قيل له فإن ابتدأني الضبع أو الهر أو الثعلب وأنا محرم فقتلتها أعلي في قول مالك شيء قال لا وهو رأيي ألا ترى أن رجلا لو عدا على رجل فأراد قتله فدفعه عن نفسه لم يكن عليه شيء وقال أشهب سألت مالكا أيقتل المحرم الغراب والحدأة من غير أن يضرا به فقال لا إلا أن يضرا به إنما أذن في
158

قتلهما إذا أضرا في رأيي فأما أن يصيبهما بدءا فلا أرى ذلك وهما صيد وليس للمحرم أن يصيد وليسا مثل العقرب والفأرة والغراب والحدأة صيد فلا يجوز أن يقتلا في الحرم خوف الذريعة إلى الاصطياد فإن أضرا بالمحرم فلا بأس أن يقتلهما قال فقلت له أيصيد المحرم الثعلب والذئب قال لا ثم قال والله ما أدري أعلى هذا أصل رأيك أم تتجاهل قلت ما أتجاهل ولكن ظننت أن تراه من السباع قال مالك وكل شيء لا يعدو من السباع مثل الهر والثعلب والضبع وما أشبهها فلا يقتله المحرم وإن قتله وداه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن في قتل السباع وإنما أذن في قتل الكلب العقور قال وصغار الذئاب لا أرى أن يقتلها المحرم فإن قتلها فداها وهي مثل فراخ الغربان أيذهب يصيدها وقال إسماعيل بن إسحاق إنما قال ذلك مالك في أولاد السباع التي لا تعدو على الناس لأن الإباحة إنما جاءت في الكلب العقور وأولاده لست تعقر فلا تدخل في هذا النعت قال وقد جاء في حديث عائشة خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم (1)
159

فسماهن فساقا ووصفهن بأفعالهن لأن الفاسق فاعل والصغار لا فعل لهن قال والكلب العقور يعظم ضرره على الناس قال ومن ذلك الحية والعقرب لأنهما يخاف منهما قال وكذلك الغراب والحدأة لأنهما يختطفان اللحم من أيدي الناس قال وقد اختلف في الزنبور فشبهه بعضهم بالحية والعقرب قال ولولا أن الزنبور لا يبتدئ لكان أغلظ على الناس من الحية والعقرب ولكنه ليس في طبعه من العداء ما في الحية والعقرب قال إنما يحمي الزنبور إذا أذى (1) قال فإن عرض الزنبور لإنسان فدفعه عن نفسه لم يكن عليه في قتله شيء قال وقد جاء في الفأرة أنها تحرق على الناس بيوتهم قال وقد رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصعد بالفتيلة إلى السقف فجاء فيها النص كما جاء في الكب العقور قال ولم يعن بالكلب العقور هذه الكلاب الأنسية قال وإنما أرخص (2) للمحرم في قتل هذه الدواب الوحشية قال وإنما عني بالكلب العقور والله
أعلم ما عدا على الناس وعقرهم
160

قال وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال في عتبة بن أبي لهب سيسلط الله عليه أو اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فعدا عليه الأسد فقتله وحدثنا (1) نصر بن علي قال أخبرنا يزيد بن هارون قال أخبرنا الحجاج عن وبرة قال سمعت ابن عمر يقول أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب والغراب والفأرة قلت فالحية والعقرب قال قد كان يقال ذلك قال إسماعيل فإن كان هذا الحديث محفوظا فإن ابن عمر جعل الذئب في هذا الموضع كلبا عقورا قال وهذا غير ممتنع في اللغة والمعنى قال وأما الحية فلو لم يأت فيها نص لدخلت في معنى العقرب وفي معنى الكلب العقور فكيف وقد جاء فيها النص حدثنا ابن نمير حدثنا حفص عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ليلة عرفة فخرجت حية فقال اقتلوا اقتلوا فسبقتنا قال وحدثنا علي قال حدثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمان بن أبي
161

نعم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل المحرم الأفعى والأسود والعقرب والحدأة والكلب العقور والفويسقة (1) قال أبو عمر الأسود المذكور هنا الحية هو اسم من أسمائها وفي هذا الحديث ذكر قتل المحرم الأفعى والحية وليس في حديث ابن عمر وإذا أضفتهما إلى الخمس الفواسق المذكورة في حديث ابن عمر صرن سبعا وفي ذلك دليل على أن الخمس لسن مخصوصات وأن ما كان في معناها فله حكمها (فتدبر) (2) وسيأتي بيان هذا الباب في هذا كله ومعناه واختلاف العلماء فيه إن شاء الله وذكر ابن عبد الحكم عن مالك كل ما ذكرنا عنه من رواية أشهب وابن القاسم وزاد ولا يقتل المحرم الوزغ ولا قردا ولا خنزيرا ولا يقتل الحية الصغيرة ولا صغار الدواب ولا فراخ الغربان في وكرها فإن قتل ثعلبا أو صقرا أو بازيا فداه
162

روى ابن وهب وأشهب عن مالك قال أما ما ضر من الطير فلا يقتل منه المحرم إلا الذي سمى النبي صلى الله عليه وسلم الغراب والحدأة قال ولا أرى أن يقتل المحرم غرابا ولا حدأة إلا أن يضراه قال ولا بأس بقتل الفأرة والحية والعقرب وإن لم تضره قال ولا أرى أن يقتل المحرم الوزغ لأنه ليس من الخمس التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهن قيل لمالك فإن قتل المحرم الوزغ فقال لا ينبغي له أن يقتله وأرى أن يتصدق إن (1) قتله وهو مثل شحمة الأرض وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الدواب فليس لأحد أن يجعلها ستا ولا سبعا قال أبو عمر لا خلاف عن مالك وجمهور العلماء في قتل الحية في الحل والحرم وكذلك الأفعى وذلك مستعمل بالنص وبمعنى النص عند جميعهم في هذا الباب فافهمه قال ابن القاسم عن مالك إن طرح المحرم الحلمة (2) أو القراد (3) أو الحمنان (4) أو البرغوث عن نفسه لم يكن عليه
163

شيء قال وقال مالك في القملة حفنة من طعام قال ولم أسمعه يحد أقل من حفنة طعام في شيء من الأشياء قال وقال مالك قول ابن عمر أنه كان يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قرادا من بعيره أعجب إلي من قول عمر أنه كان يقرد بعيره وقال ابن أبي أويس قال مالك إنما يطرح المحرم عن نفسه القراد والنملة والذرة وما ليس من دواب جسده إذا كان ذلك يؤذيه قال وأما دواب جسده فلا يلقي منها شيئا عن نفسه إلا أن يؤذيه شيء من ذلك فيطرحه من موضع من جسده إلى موضع غيره وينقل القملة من موضع من جسده إلى موضع منه إن شاء وسئل مالك عن الرجل يؤذيه القمل في إزاره وهو محرم أيضعه ويلبس غيره قال نعم وقال ابن وهب سئل مالك عن البعوض والبراغيث يقتلها المحرم أعليه كفارة فقال إني أحب ذلك قال وقال مالك لا يصلح للمحرم أن يقتل قملة ولا يطرحها من رأسه إلى الأرض ولا من جلده ولا من بدنه فإن قتلها أو ألقاها أطعم قبضة من طعام قال وقال لي مالك يلقي المحرم القراد عن نفسه قال وقال لي في محرم لدغته دبرة (1) فقتلها وهو لا يشعر
164

قال أرى أن يطعم شيئا فقلت لمالك أفرأيت النملة قال كذلك أيضا فهذه جملة قول مالك في هذا الباب فتدبرها وجملة مذهبه عند أصحابه في هذا الباب أن المحرم لا يقرد بعيره ولا يطرح عنه شيئا من دوابه فإن طرح عن البعير قرادا أطعم ولا بأس عليه أن يرمي عن نفسه القراد لأنها ليست من دواب بني آدم ولا يطرح عن نفسه قملة لأنها منه وجائز أن يطرح عن نفسه جميع دواب الأرض مثل الحلمة والحمنان والنملة والذرة والبرغوث ولا يقتل شيئا من ذلك فإن قتل منه شيئا أطعم وجائز أن يطرح المحرم عن دابته العلقة لإنها ليست من دوابها المتعلقة فيها فهذا أصل مذهبه وقال أبو حنيفة لا يقتل المحرم من السباع إلا الكلب والذئب خاصة ويقتلهما ابتدآه أو ابتدأهما لا شيء عليه في قتلهما وإن قتل غيرهما من السباع فداه قال وإن ابتدأه غيرهما من السباع فقتله فلا شيء عليه وإن لم يبتدئه فداه إن قتله قال ولا شيء عليه في قتل الحية والعقرب والحدأة هذه جملة أبي حنيفة وأصحابه إلا زفر وقال زفر لا يقتل
165

إلا الذئب وحده ومن قتل غيره وهو محرم فعليه الفدية ابتدأه أو لم يبتدئه وقول الأوزاعي والثوري والحسن بن حي نحو قول أبي حنيفة قال الثوري المحرم يقتل الكلب العقور قال وما عدا عليك من السباع فاقتله وليس عليك كفارة قال ويقتل المحرم الحدأة والعقرب وقال أبو حنيفة وأصحابه في كل ذي مخلب من الطير إن قتله المحرم من غير أن يبتدئه فعليه جزاؤه وإن ابتدأه الطير فلا شيء عليه قالوا (1) وإن قتل المحرم الذئاب والقملة والبقة والحلمة والقراد فليس عليه شيء قالوا ويكره قتل القملة فإن قتلها فكل شيء يصدق به فهو خير منها قال أبو عمر قد احتج مالك رحمه الله لنفسه في هذا الباب في بعض مسائله واحتج له إسماعيل أيضا بما ذكرنا وجملة الحجة لمذهبه ومذهب العراقيين أيضا في ذلك عموم قول الله عز وجل * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * 2
166

فكل وحشي من الطير أو الدواب عندهم صيد وقد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم دواب بأعيانها وأرخص للمحرم في قتلها من أجل ضررها فلا وجه أن يزاد عليها إلا أن يجمعوا على شيء فيدخل في معناها واستدلوا على أنه لم يرد بقوله والكلب العقور جملة السباع لأنه أباح أكل الضبع وجعلها من الصيد وجعل فيها على المحرم إن قتلها كبشا وهي سبع وأما القملة وما كان مثلها مما يخرج من الجسد فليس من باب الصيد وإنما ذلك من باب التفث وحلاق الشعر وأما الشافعي رحمه الله فقال كل ما لا يؤكل لحمه فللمحرم أن يقتله قال وللمحرم أن يقتل الحية والعقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور وما أشبه الكلب العقور مثل السبع والنمر والفهد والذئب قال
وصغار ذلك كله وكباره سواء قال وليس في الرخمة والخنافس والقردان (1) والحلم وما يؤكل لحمه جزاء لأن هذا ليس من الصيد قال الله عز وجل * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * فدل
167

أن الصيد الذي حرم عليهم ما كان لهم قبل لإحرام حلالا لأنه لا يشبه أن يحرم في الإحرام خاصة إلا ما كان مباحا قتله قال وما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله فلا يجوز أكله لأن ما عملت (فيه) (1) الذكاة بالاصطياد أو الذبح لم يؤمر بقتله حكى هذه الجملة المزني والربيع وحكى الحسن بن محمد الزعفراني عنه قال وما لا يؤكل لحمه على وجهين أحدهما عدو فليقتله المحرم وغير المحرم وهو مأجور عليه إن شاء الله وذلك مثل الأسد والنمر والحية والعقرب وكل ما يعدو على الناس وعلى دوابهم وطائرهم مكابرة فيقتل ذلك المحرم وغيره وإن لم يتعرضه وهو مأجور على قتله ومنها ما يضر من الطائر مثل العقاب والصقر والبازي فهو يعدو على طائر الناس فيضر فله أن يقتله أيضا وله أن يتركه لأن فيه منفعة وقد يؤلف ويتأنس فيصطاد ويسع المحرم وغيره تركه لأنه لا يؤكل ولم يرغب في قتله لمنفعته ومنها ما يؤذي (2) ولا منفعة فيه بأكل لحمه ولا غير ذلك فيقتل أيضا مثل
168

الزنبور وما أشبهه ألا ترى أنه إذا قتل الفأرة والغراب والحدأة لمعنى الضرر كان ما هو أعظم ضررا منها أولى أن يقتل فإن قال قائل فلم تفدى القملة وهي تؤذي وهي لا تؤكل قيل ليس تفدى إلا على ما يفدى الشعر والظفر ولبس ما ليس له لبسه لأن في طرح القملة إماطة أذى عن نفسه إذا كانت في رأسه ولحيته وكأنه أماط بعض شعره فأما إذا كانت ظاهرة فقتلت فإنها لا تودى (1) وقال الربيع عنه لا شيء على المحرم في قتله من الطير كل ما لا يحل أكله قال وله أن يقتل من دواب الأرض وهوامها كل ما لا يحل أكله قال والقملة ليست صيدا ولا مأكولة فلا تفدى بشيء إلا أن يطرحها المحرم عن نفسه فتكون كإماطة الأذى من الشعر والظفر وقول أبي ثور في هذا الباب كله مثل قول الشافعي سواء فهذه أقاويل أئمة الفتوى في أمصار المسلمين وقد جاء عن التابعين في هذا الباب أقاويل شاذة تخالفها السنة أو يخالف بعضها دليلا أو نصا فمن ذلك أن إبراهيم النخعي كره
169

للمحرم قتل الفأرة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح للمحرم قتلها وعليه جماعة الفقهاء (1) وقال عطاء في الجرذ الوحشي ليس بصيد فأقتله (2) وهذا قول صحيح إلا أنه تناقض فقال في الكلب الذي ليس بعقور إن قتله ضمنه بقيمته ومعلوم أن الجرذ الوحشي ليس بصيد وقال الحكم بن عتيبة) (3) وحماد بن أبي سليمان لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب رواه شعبة عنهما ومن حجتهما أن هذين من هوام الأرض فمن قال بقتلهما لزمه مثل ذلك في سائر هوام الأرض وهذا أيضا لا وجه له ولا معنى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح للمحرم قتلهما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا علي بن بحر قال حدثنا حاتم بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس قتلهن حلال في الحرم الحية والعقرب والحدأة والفأرة والكلب العقور (4)
170

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو قلابة (1) قال حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل حية بمنى وروى مجاهد عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه نحوه مرفوعا وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن عمر بن علي بن حرب قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة قال سمعت الزهري يقول حدثني سالم عن أبيه أن عمر سئل عن الحية يقتلها المحرم فقال هي عدو فاقتلوها حيث وجدتموها وروى شعبة عن مخارق بن عبد الله عن طارق بن شهاب قال اعتمرت فمررت بالرمال فرأيت حيات فجعلت أقتلهن فسألت عمر فقال هن عدو فاقتلوهن قال سفيان وقال لنا زيد بن أسلم ويحك أي كلب أعقر من الحية
171

وقال عبد الرحمان بن حرملة رأيت سالم بن عبد الله وهو محرم ضرب حية بسوطه حتى قتلها وقال السري بن يحيى سألت الحسن أيقتل المحرم الحية قال نعم وقالت طائفة لا يقتل من الغربان إلا الغراب الأبقع خاصة واحتجوا بما حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى قال حدثنا شعبة قال حدثنا قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس يقتلهن المحرم الحية والفأرة والحدأة والغراب الأبقع والكلب العقور (1) قال أبو عمر الأبقع من الغربان الذي في ظهره أو بطنه (2) بياض وكذلك الكلب الأبقع أيضا والغراب الأدرع والدرعي هو الأسود والغراب الأعصم هو الأبيض الرجلين وكذلك الوعل الأعصم عصمته بياض في رجله وقال مجاهد ترمي الغراب ولا
172

تقتله وقال به قوم واحتجوا بما أخبرناه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل وأخبرنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثني يعقوب بن إبراهيم قالا جميعا حدثنا هشيم قال أخبرنا يزيد بن أبي زياد قال حدثنا عبد الرحمان بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عما يقتل المحرم فقال الحية والعقرب والفويسقة ويرمي الغراب ولا يقتله والكلب العقور والحدأة والسبع العادي (1) قال ابن جرير وحدثنا محمد بن حميد قال حدثنا مروان بن المغيرة عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن عامر بن هني عن محمد بن الحنفية عن علي أنه قال يقتل المحرم الحية والعقرب والغراب الأبقع ويرمي الغراب (2) والفويسقة والكلب العقور قال أبو عمر قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وغيره أنه أباح للمحرم قتل الغراب
173

ولم يخص أبقع من غيره فلا وجه لما خالفه لأنه لا يثبت وجمهور العلماء على القول بحديث ابن عمر وما كان مثله في معناه من حديث أبي هريرة وغيره وأما حديث عبد الرحمان ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الغراب يرميه المحرم ولا يقتله فليس مما يحتج به على مثل حديث نافع عن ابن عمر وسالم عن ابن عمر والحديث عن علي فيه أيضا ضعف ولا يثبت وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة وغيره أنه أباح للمحرم قتل الحية وهو قول عمر وعلي وجمهور العلماء وأما تقريد المحرم بعيره فأكثر العلماء على إجازة ذلك وتقريده رمي القراد ونزعه عنه وقتله روى مالك وغيره عن يحيى بن سعيد
عن محمد بن إبراهيم بن الحرث عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى عمر بن الخطاب يقرد بعيرا له في الطين بالسقيا يعني أنه كان يغرق القراد في الطين وينزعه عن بعيره (1) وكذلك روي عن ابن عباس وجابر بن زيد وعطاء لا بأس أن يقرد المحرم
174

بعيره وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما وبه قال أبو ثور وأحمد وإسحاق وداود وكان عبد الله بن عمر يكره للمحرم أن ينزع القراد عن بعيره واتبعه على ذلك مالك وأصحابه وقال الثوري إذا كثر القمل على المحرم فقتلها كفر (1) وقال أبو ثور لا شيء على المحرم في قتل القمل قل أو كثر وكذلك قال داود وهو قول طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وجابر بن زيد ذكر عبد الرزاق أخبرنا هشيم عن أبي بشر قال سئل جابر بن زيد عن المحرم تسقط القملة على وجهه فقال انبذها (2) عنك أو عن وجهك ما حقها في وجهك قال (3) إذن تموت قال موتها وحياتها بيد الله وقد روي عن عطاء أن في القملة حفنة من طعام كقول مالك سواء وهو قول قتادة (4) وذكر عبد الرزاق أخبرنا معمر عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال كنت عند ابن عباس فسأله رجل
175

قال وجدت قملة وأنا محرم فطرحتها ثم ابتغيتها (1) فلم أجدها فقال تلك الضالة لا تبتغى وروى الثوري عن جابر عن عطاء عن عائشة قالت المحرم يقتل الهوام كلها غير القملة فإنها منه (2) قال أبو عمر احتج من كره أكل الغراب وغيره من الطير التي تأكل الجيف ومن كره أكل هوام الأرض أيضا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا أنه أمر بقتل الغراب والحدأة والعقرب والحية والفأرة قال وكل ما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله فلا يجوز أكله هذا قول الشافعي وأبي ثور وداود وهذا باب اختلف العلماء فيه قديما وحديثا فأما اختلافهم في ذوي الأنياب من السباع فقد مضى القول في ذلك مستوعبا في باب إسماعيل بن أبي حكيم من كتابنا هذا (3) وأما اختلافهم في أكل ذي المخلب من الطير فقال مالك لا بأس بأكل سباع الطير كلها الرخم والنسور والعقبان وغيرها ما أكل الجيف منها وما لم يأكل قال ولا بأس
176

بأكل لحوم الدجاج الجلالة وكل ما تأكل الجيف وهو قول الليث بن سعد ويحيى بن سعيد وربيعة وأبي الزناد قال مالك ولا تؤكل سباع الوحش كلها ولا الهر الوحشي ولا الأهلي ولا الثعلب والضبع ولا شيء من السباع وقال الأوزاعي الطير كله حلال إلا أنهم يكرهون الرخم وحجة مالك في هذا الباب أنه ذكر أنه لم ير أحدا من أهل العلم يكره أكل سباع الطير وأنكر الحديث عن النبي عليه السلام أنه نهى عن أكل ذي المخلب من الطير حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد أن أباه أخبره قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا يوسف بن يعقوب قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا إسرائيل قال حدثنا الحجاج بن أرطاة عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال كل الطير كله قال وحدثنا إسرائيل قال حدثنا الحجاج قال سألت عطاء عن الطير فقال كله كله والحجاج بن أرطاة ليس بحجة فيما نقل وقال مالك لا بأس بأكل الحية إذا ذكيت وهو قول ابن أبي ليلى والأوزاعي إلا أنهما لم يشترطا فيها الذكاة
177

وقال ابن القاسم عن مالك لا بأس بأكل الضفدع قال ابن القاسم ولا بأس بأكل خشاش الأرض وعقاربها ودودها في قول مالك لأنه قال موته في الماء لا يفسده وقال الليث لا بأس بأكل القنفذ وفراخ النحل ودود الجبن والتمر ونحو (1) ذلك ومما يحتج به لقول مالك ومن تابعه في ذلك حديث ملقام (2) بن التلب عن أبيه قال صحبت النبي عليه السلام فلم أسمع لحشرات الأرض تحريما ويحتج كذلك أيضا بقول ابن عباس وأبي الدرداء ما أحل الله فهو حلال وما حرم الله فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يؤكل ذو الناب من السباع ولا يؤكل ذو المخلب من الطير وكرهوا أكل هوام الأرض نحو اليربوع والقنفذ والفأر والحيات والعقارب وجميع هوام الأرض وحجتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو عوانة
178

عن أبي بشر عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير (1) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا من حديث علي وغيره وأحسنها إسنادا حديث ابن عباس هذا وقال الشافعي المحرم من كل ذي ناب ما عدا على الناس كالنمر والذئب والأسد وما شاكل ذلك قال وهي السباع المعروفة قال والمحرم من ذي المخلب أيضا كذلك ما عدا على طيور الناس فلا يؤكل شيء من ذلك أيضا كالشاهين والبازي والعقاب وما أشبه ذلك قال وأما الضبع والثعلب والهر فلا بأس بأكلها ويفديها المحرم إن قتلها قال وكل ما لم يكن أكله إلا العذرة والجيف والميتات من الدواب والطيور فإني أكره أكله للنهي عن الجلالة قال ولو قصرت أياما حتى يغلب عليها أكل الطاهر وخرجت عن حكم الجلالة جاز أكلها
179

قال أبو عمر هذا عنده فيما عدا السباع العادية وما عدا سباع الطير التي تعدو على الطيور فإن هذه عنده لا تؤكل قصرت أم لم تقصر لورود النهي عنه بالقصد إليها قال الشافعي (1) الجلالة المكروه أكلها إذا لم يكن أكله غير العذرة أو كانت العذرة أكثر أكله فإن كان أكثر أكله وعفه غير العذرة لم أكرهه قال وكل ما كانت العرب تستقذره وتستخبثه فهو من الخبائث التي حرم الله كالذئب والأسد والغراب والحية والحدأة والعقرب والفأرة لأنها دواب تقصد الناس بالأذى فهي محرمة من الخبائث مأمور بقتلها قال وكانت العرب تأكل الضبع والثعلب لأنهما لا يعدوان على الناس بنابهما فهما حلال قال أبو عمر قد تقدم القول في السباع المأكولة وغير المأكولة وما لأهل العلم في ذلك من الائتلاف والاختلاف مبسوطا ممهدا في باب إسماعيل بن أبي حكيم (2) فلا معنى لإعادة ذلك ههنا وحجة الشافعي فيما ذهب إليه في هذا الباب نهيه صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من السباع
180

أخبرنا (1) عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور قال حدثنا سعيد بن منصور وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا إبراهيم بن حمزة (2) قالا جميعا حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عيسى بن ثميلة الفزاري عن أبيه قال كنت جالسا مع عبد الله بن عمر فسئل عن القنفذ فتلا * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) * الآية (3) قال فقال إنسان وفي حديث أبي داود فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنما هو خبيثة من الخبائث فقال ابن عمر إن كان قاله النبي صلى الله عليه
وسلم فهو كما قال (4) (قال أبو عمر قد تقدم القول في تأويل قول الله عز وجل * (قل لا أجد فيما أوحي إلي) * الآية بما في ذلك من الوجوه في باب إسماعيل بن أبي حكيم من كتابنا هذا والحمد لله (5)
181

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها (1) ومن حديث أيوب (2) السختياني عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة من الإبل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها (3) وروى جابر وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أخبرنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة عن مغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة أن يؤكل لحمها أو يشرب لبنها وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن المسيب قال حدثني أبو
182

عامر قال حدثني هشام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبن الجلالة وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن يزيد حدثنا يزيد بن محمد حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبن الجلالة وعن لحومها وعن أكل المجثمة ورواه شعبة عن قتادة بإسناده مثله (1) ومن حجة الشافعي ومن قال بقوله أيضا في هذا الباب أنه ما يجوز أكله فلا يحل قتله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قتل عصفورا بغير حقه عذب أو نحو هذا قيل فما حقه يا رسول الله قال يذبحه ولا يقطع رأسه حدثناه (2) سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار قال أخبرنا صهيب مولى عبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب
183

قال سمعت عبد الله بن عمرو بن العاصي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل عصفورة (1) فما فوقها بغير حقها سأله الله عن قتلها قالوا يا رسول الله وما حقها قال أن تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فترمي به (2) قال الحميدي فقيل لسفيان إن حمادا يقول عن عمرو أخبرني صهيب الحذاء قال ما سمعت عمرا قط قال صهيب الحذاء ما قال إلا مولى عبيد (3) الله بن عامر (4) قالوا ففي هذا أوضح الدلائل أن كل ما يحل أكله فلا يجوز قتله قالوا وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والحية والفأرة في الحل والحرم فلا يجوز أكل شيء من هذه وما كان مثلها قالوا وكل ما لا يجوز أكله فلا بأس بقتله في الحرم والحل لمن شاء وذكروا ما حدثنا به محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا وكيع قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم
184

الغراب والحدأة والكلب العقور والعقرب والفأرة (1) وأخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا حمزة (بن محمد) (2) قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا النضر بن شميل قال حدثنا شعبة عن قتادة قال سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والكلب العقور والغراب الأبقع والحدية والفأرة (3) أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال أخبرنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا عمر بن حفص بن أبي تمام قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال من يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقا والله ما هو من الطيبات وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال كره رجال من أهل العلم أكل الحدأة والغراب حيث سماهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من فواسق الدواب التي تقتل في الحرم (4)
185

قال أبو عمر من كره أكل الغراب والفأرة وسائر ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقا جعل ذلك من باب أمره بقتل الوزغ وتسميته له فويسقا والوزغ مجتمع على تحريم أكله أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال حدثنا سفيان قال حدثنا عبد الحميد بن جبير بن شيبة عن سعيد بن المسيب عن أم شريك قالت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأوزاغ (1) وحدثنا (2) سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثني عبد الحميد بن جبير بن شيبة الحجبي أنه سمع ابن المسيب يقول أخبرتني أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأوزاغ (3) وحدثنا خلف بن القاسم قال أخبرني الحسن (4) بن الخضر الأسيوطي قال حدثنا أبو الطاهر القاسم بن عبد الله بن
186

مهدي قال حدثني أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي عليه السلام أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا (1) وأخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للوزغ فويسق ولم أسمعه أمر بقتله ورواه ابن وهب عن مالك ويونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للوزغ الفويسق لم يزد قال أبو عمر وليس قول من قال لم أسمع الأمر بقتل الوزغ بشهادة والقول قول من شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقد أجمعوا أن الوزغ ليس بصيد وأنه ليس مما أبيح أكله
187

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر (قال حدثنا أبو داود) (1) قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال أمر رسول الله عليه السلام بقتل الوزغ وسماه فويسقا (2) والآثار في قتل الوزغ كثيرة جدا وأما الآثار في قتل الحيات جملة في الحل وغيره فلها
مواضع من كتابنا في حديث نافع وغيره وستأتي إن شاء الله أخبرنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة قال حدثنا مسلم بن قتيبة جميعا عن همام بن يحيى عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال أتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عتيق فجعل يفتشه ويخرج السوس منه وينقيه (3)
188

حديث ثان وخمسون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة إن صددت (1) عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فأهل بعمرة من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة يوم الحديبية ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال ما أمرهما إلا واحد (1) والتفت إلى أصحابه فقال ما أمرهما إلا واحد (1) أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة ثم نفذ حتى جاء البيت فطاف به طوافا واحدا ورأى أنه (2) مجزئ عنه وأهدى (3)
189

إلى هنا انتهت رواية يحيى وعلى ذلك أكثر رواة (1) الموطأ وفي رواية علي بن عبد العزيز عن القعنبي عن مالك في هذا الحديث وأهدى شاة فزاد ذكر الشاة وهو غير محفوظ عن ابن عمر ولم يذكر القعنبي أيضا في هذا الحديث قوله من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة يوم الحديبية وذكره يحيى وابن بكير وابن القاسم وغيرهم والدليل على أن ذكر الشاة في هذا الحديث غلط أن ابن عمر كان مذهبه فيما استيسر من الهدي بقرة دون بقرة أو بدنة دون بدنة ذكر عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نفاع عن ابن عمر قال ما استيسر من الهدي بدنة دون بدنة وبقرة دون بقرة قال وأخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال ما استيسر من الهدي البدنة والبقرة قال أبو عمر روي عن عمر وابن عباس وعلي وغيرهم ما استيسر من الهدي شاة وعليه العلماء وفي هذا
190

الحديث معان من الفقه منها أنه جائز للرجل أن يخرج حاجا في الطريق المخوف إذا لم يوقن بالسوء ورجا السلامة وإن كان مع ذلك يخاف ويخشى وليس ذلك من ركوب الغرر ومنها إباحة الإهلال والدخول في الإحرام على هذا الوجه فإن سلم ونجا نفذ لوجهه وإن منع وحصر كان له حكم المحصر على ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به حين حصر عام الحديبية ونحن نذكر ههنا من أحكام الإحصار بالعدو وبالمرض وغيره من الموانع ما فيه شفاء وكفاية بحول الله فهو أولى المواضع بذكر ذلك من كتابنا هذا إن شاء الله ثم ننصرف إلى باقي معاني الحديث وتوجيهها والقول فيها ولا ننال شيئا من ذلك إلا بعونه لا شريك له فمن ذلك أن مالكا والثوري وأبا حنيفة وأصحابهم قالوا لا ينفع المحرم الاشتراط في الحج إذا خاف الحصر لمرض أو عدو قال أبو عمر والاشتراط أن يقول إذا أهل في الحال التي وصفنا لبيك اللهم لبيك ومحلي حيث حبستني من الأرض قال مالك والاشتراط (1) في الحج باطل ويمضي على
191

إحرامه حتى يتمه على سائر أحكام المحصر ولا ينفعه قوله محلي حي حبستني وبه قال أبو حنيفة والثوري وهو قول إبراهيم النخعي ومحمد بن شهاب الزهري وهو قول ابن عمر أيضا ذكر ابن وهب عن يونس وذكر عبد الرزاق عن معمر جميعا عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر أنه كان ينكر الاشتراط في الحج ويقول أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يشترط فإن حبس أحدكم حابس عن الحج فليأت البيت فليطف به وبين الصفا والمروة ويحلق أو يقصر ثم قد حل من كل شيء حتى يحج قابلا ويهدي أو يصوم (1) إن لم يجد هديا قال الشافعي لو ثبت حديث ضباعة لم أعده وكان محله حيث حبسه الله بلا هدي واختلف أصحابه في هذه المسألة إلى اليوم فمنهم من يقول ينفعه الاشتراط على حديث ضباعة ومنهم من يقول الاشتراط باطل
192

وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور لا بأس أن يشترط وله شرطه على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن غير واحد من أصحابه قال أبو عمر جواز الاشتراط في الحج عن عمر وعلي وابن مسعود وعمار بن ياسر وبه قال علقمة وشريح وعبيدة والأسود وسعيد بن المسيب وعطاء بن يسار وعكرمة وهو مذهب عطاء بن أبي رباح وحجتهم في ذلك حديث ضباعة قال أبو عمر حديث ضباعة في ذلك ما أخبرنيه عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عباد بن العوام عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أريد الحج أأشترط قال نعم قالت وكيف أقول قال قولي لبيك اللهم لبيك ومحلي من الأرض حيث حبستني (1)
193

قال أبو عمر الإحصار عند أهل العلم على وجوه منها الحصر بالعدو ومنها بالسلطان الجائر ومنها بالمرض وشبهه وأصل الحصر في اللغة الحبس والمنع قال الخليل وغيره حصرت الرجل حصرا منعته وحبسته وأحصر الحاج عن بلوغ المناسك من مرض أو نحوه هكذا قال جعل الأول ثلاثيا من حصرت وجعل الثاني في المرض رباعيا وعلى هذا خرج قول ابن عباس لا حصر إلا حصر العدو ولم يقل إلا إحصار العدو وقالت طائفة يقال أحصر فيهما جميعا من الرباعي وقال منهم جماعة حصر وأحصر بمعنى في المرض والعدو جميعا ومعناه حبس واحتج من قال بهذا من الفقهاء بقول الله عز وجل * (فإن أحصرتم) * 1 وإنما نزلت هذه الآية في الحديبية وعلى نحو ذلك أهل العلم في أحكام المحبوس بعدو والمحبوس بمرض إلا أن أكثر علماء اللغة يقولون في هذا الفعل من العدو حصره العدو فهو محصور وأحصره المرض فهو محصر وأما اختلاف الفقهاء في هذا المعنى فقال مالك والشافعي وأصحابهما كلهم اتفقوا على أن من أحصره المرض فلا يحله إلا
194

الطواف بالبيت ومن حصر بعدو فإنه ينحر هديه حيث حصر ويتحلل وينصرف ولا قضاء عليه إلا أن يكون ضرورة فحج حجة الفريضة ولا (1) خلاف بين الشافعي ومالك في شيء من ذلك واحتج مالك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدا من أصحابه عام الحديبية بقضاء العمرة التي صد فيها عن البيت (2) وقال (3) ابن وهب وغيره عن مالك من أحصر بعدو وحيل بينه وبين البيت حل من كل شيء ونحر هديه وحلق رأسه حيث حبس وليس عليه قضاء إلا أن يكون لم يحج حجة قط فعليه أن يحج حجة الإسلام قال وأما من أحصر بغير عدو فإنه لا يحل دون البيت قال وكذلك كل من حبس عن الحج بعدما يحرم إما بمرض أو خطأ من العدد أو خفي
عليه الهلال فهو محصر عليه ما على المحصر وكذلك من أصابه كسر أو بطن متحرق وقال مالك أهل مكة في ذلك كأهل الآفاق لأن الإحصار عنده في المكي الحبس عن عرفة خاصة قال فإن احتاج المحصر بمرض إلى دواء تداوى به وافتدى ويبقى على إحرامه
195

لا يحل من شيء منه حتى يبرأ من مرضه فإذا برئ من مرضه مضى إلى البيت فطاف به سبعا وسعى بين الصفا والمروة وحل من حجه أو من عمرته (1) قال أبو عمر وهذا كله قول الشافعي أيضا قال مالك وقد أمر عمر بن الخطاب أبا أيوب الأنصاري وهبار بن الأسود حين فاتهما الحج وأتيا يوم النحر أن يحلا بعمرة ثم يرجعان حلالين ثم يحجان عاما قابلا ويهديان قال مالك فمن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله قال مالك وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حل هو وأصحابه بالحديبية فنحروا الهدي وحلقوا رؤوسهم وحلوا من كل شيء قبل أن يطوفوا بالبيت وقبل أن يصل إليه الهدي قال ثم لم نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من أصحابه ولا ممن كان معه أن يقضوا شيئا ولا يعودوا لشيء قال مالك وعلى هذا الأمر عندنا فيمن أحصر بعدو كما أحصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأما من أحصر بغير عدو فإنه لا يحل دون البيت (2)
196

قال أبو عمر بمثل هذا كله قال الشافعي أيضا ذهبا جميعا فيمن أحصره العدو إلى قصة الحديبية وأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر الهدي في مكانه الذي أحصر وحل ورجع وذهبا في الحصر بمرض إلى ما روي عن عمر وابن عباس وعائشة وابن عمر وابن الزبير أنهم قالوا في المحصر بمرض أو خطأ في العدد أنه لا يحله إلا الطواف بالبيت وحكم من كانت هذه حاله عند مالك وأصحابه أن يكون بالخيار إذا خاف فوت الوقوف بعرفة لمرض إن شاء مضى إذا أفاق إلى البيت فطاف به وتحلل بعمرة وإن شاء أقام على إحرامه إلى قابل فإن تحلل بالطواف بالبيت فعليه دم ويقضي حجه من قابل وإن أقام على إحرامه ولم يواقع شيئا مما نهي عنه الحجاج فلا هدي عليه ومن حجته في ذلك الإجماع من الصحابة على من أخطأ العدد أنه هكذا حكمه لا يحله إلا الطواف بالبيت قال مالك إذا تحلل المريض والذي تفوته عرفة بالطواف بالبيت فعليهما القضاء وإن كانا متطوعين وكذلك المعتمر والحصر عند مالك ومن تابعه إنما يكون عن عرفة فقط فإذا علم المحصر بعدو أو غيره أنه قد فاته الوقوف بعرفة في وقت أو انكشف له العدو في زمن لا يصل فيه إلى البيت إلا بعد فوات عرفة أو غلب ذلك على ظنه تحلل مكانه وانصرف وأما
197

من وقف بعرفة وصد عن مكة فهو على إحرامه حتى ينكف العدو ثم يطوف ويتم حجه فرضا كان أو تطوعا وإن خاف طول الزمان انصرف إلى بلده فمتى أمكنه الرجوع إلى البيت عاد فإن كان مس النساء دخل محرما وطاف وأهدى وإن لم يمس النساء ولا الصيد طاف وتم حجه وكان ابن القاسم يقول ليس على من صد عن البيت في حج أو عمرة هدي إلا أن يكون ساقه معه وهو قول مالك وقال أشهب عليه الهدي إذا صد عن البيت بعد أن أحرم لا بد له منه ينحره كما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي بالحديبية وهو قول الشافعي ومن حجة من ذهب مذهب مالك وابن القاسم في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نحر يوم الحديبية هديا قد كان أشعره وقلده حين أحرم بعمرته فلما لم يبلغ ذلك الهدي محله للصد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحر لأنه كان هديا قد وجب بالإشعار والتقليد وخرج لله فلم يجز الرجوع فيه ولم ينحره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل الصيد فلهذا لا يجب عنده على من صد عن البيت هدي
198

وقال الشافعي لو أحصر موسر لا يجد هديا مكانه أو معسر بهدي ففيها قولان أحدهما لا يحل إلا بهدي والآخر أنه مأمور بأن يأتي بما يقدر عليه فإن لم يقدر على شيء خرج مما عليه وكان عليه أن يأتي إذا قدر عليه ومن قال هذا قال لا يحل مكانه ويذبح إذا قدر فإن قدر على أن يكون الذبح بمكة لم يجزه أن يذبح إلا بها وإن لم يقدر ذبح حيث قدر قال الشافعي ويقال لا يجزئ إلا هدي ويقال يجزئه إذا لم يجد هديا طعام أو صيام فإن لم يجد الطعام كان كمن لم يجد هديا ولا طعاما وإذا قدر أدى أي هدي كان عليه فهذا يبين لك أن الهدي عند الشافعي على المحصر واجب لإحلاله وبه قال أشهب وعليه أكثر العلماء والحجة في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل يوم الحديبية ولم يحلق رأسه حتى نحر الهدي فدل ذلك على أن من شرط إحلال المحصر بعدو ذبح هدي متى وجده وقدر عليه والكلام في هذه المسألة يطول وفيما ذكرنا كفاية وأما من أحصر بغير عدو من موانع الأمراض وشبهها فحكمه عند أهل الحجاز في ذلك ما قد روى مالك عن ابن
199

شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة فإن اضطر إلى شيء من لبس الثياب التي لا بد له منها أو إلى الدواء صنع ذلك وافتدى (1) ومالك عن أيوب بن أبي تميمة عن رجل من أهل البصرة كان قديما قال خرجت إلى مكة حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير والناس فلم يرخص لي أحد في أن أحل فأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر ثم حللت بعمرة (2) ومالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن ابن حزابة المخزومي صرع ببعض طريق مكة وهو محرم بالحج فسأل على الماء الذي كان عليه فوجد عليه عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم فذكر لهم الذي عرض له فكلهم أمره أن يتداوى بما لا بد منه ويفتدي فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه ثم عليه أن يحج قابلا ويهدي (3) قال
200

مالك وعلى ذلك الأمر عندنا فيمن حبس بغير عدو (1) قال مالك والمحصر الذي أراد الله عز وجل بقوله * (فإن أحصرتم) * هو المريض قال وإنما جعلنا للمحصر بالعدو أن يحل بالسنة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حصره العدو فحل قال مالك ولم نجعل له الإحلال بالكتاب وإنما جعلناه بالسنة في ذلك ذكر ذلك أحمد بن المعذل عن مالك وهو قول الشافعي وذكر مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قصة أبي أيوب إذ فاته الحج وذكر عن نافع عن سليمان بن يسار قصة هبار بن الأسود إذ فاته الحج أيضا فأمرهما عمر بن الخطاب كل واحد منهما أن يحل بعمل عمرة ثم يحج من قابل ويهدي فمن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع (2) وهذا أمر مجتمع عليه فيمن فاته الحج بعد أن أحرم به ولم يدرك عرفة إلا يوم النحر والمحصر عن عرفة (3) بمرض عند مالك والشافعي كذلك وهو قول الأوزاعي ذكره الوليد بن مزيد عنه قال من أحصر بمرض فلا يحل من شيء حتى يحل بالبيت
201

حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني علي بن ميمون الرقي قال حدثنا سفيان عن أيوب السختياني وأيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر عن نافع قال خرج عبد الله بن عمر فلما أتى ذا الحليفة أهل بالعمرة فسار قليلا فخشي أن يصد عن البيت فقال إن صددت صنعت كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله ما سبيل الحج إلا سبيل العمرة أشهدكم أني قد أوجبت مع عمرتي حجا فسار حتى أتى قديدا فاشترى منها هديا ثم قدم مكة فطاف بالبيت سبعا وبين الصفا والمروة وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل (1) وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال أخبرنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا عبد الرزاق قال سمعت عبيد الله بن عمر وعبد العزيز بن أبي رواد يحدثان عن نافع قال خرج ابن عمر يريد الحج زمان نزل الحجاج بابن الزبير فقيل له إن كان
202

بينهما قتال خفنا أن نصد عن البيت فقال لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة إذن أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهدكم أني قد أوجبت عمرة حتى إذا كان بظهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرة وأهدى هديا اشتراه بقديد فانطلق فقدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ولم يزد على ذلك لم يحلق ولم يقصر ولم يحلل من شيء كان أحرم منه حتى كان يوم النحر نحر وحلق ورأى أن قد قضى طوافه للحج والعمرة بطوافه الأول وقال (1) هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا إبراهيم بن حمزة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر أراد أن يحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل له إن الناس كان بينهم شيء وأنا نخاف أن يصدونا فقال إذن نصنع كما صنع رسول الله
203

صلى الله عليه وسلم أشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرتي قال فانطلق يهل بهما جميعا حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة ولم يزد على ذلك ولم ينحر ولم يقصر ولم يحل من شيء حرمه الله عليه حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أنه قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه ذلك الأول ثم قال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى هذا وعلى ما ذكرنا عن الصحابة في هذا الباب من الآثار مذهب الحجازيين في الإحصار وذكرنا ههنا رواية السختياني وأيوب بن موسى وإسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر وعبد العزيز بن أبي رواد وموسى بن عقبة عن نافع لهذا الحديث لأن في رواية جميعهم فيه عن نافع عن ابن عمر أنه طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وهو قارن ثم قال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس ذلك في رواية مالك عن نافع وهي زيادة قوم حفاظ ثقات وفيها حجة قاطعة لمالك ومن تابعه في القارن أنه لا يطوف إلا طوافا واحدا ولا يسعى إلا سعيا واحدا وسنذكر هذه المسألة في موضعها من هذا الباب إن شاء الله
204

وقال أبو حنيفة المحصر بالعدو والمرض صواء يذبح هديه في الحرم ويحل قبل يوم النحر إن ساق هديا وعليه حجة وعمرة وهو قول الطبري وقال أبو يوسف ومحمد ليس ذلك له ولا يتحلل دون يوم النحر وهو قول الثوري والحسن بن صالح واتفق أبو حنيفة وأصحابه في المحصر بعمرة يتحلل منها متى شاء وينحر هديه سواء بقي الإحصار إلى يوم النحر أو زال عنه هكذا روى محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وروى زفر عن أبي حنيفة أنه إن بقي الإحصار إلى يوم النحر أجزأ ذلك عنه وكان عليه قضاء حجة وعمرة وإن صح قبل فوت الحج لم يجزه ذلك وكان محرما بالحج على حاله قال ولو صح في العمرة بعد أن بعث بالهدي فإن قدر على إدراك الهدي قبل أن يذبح مضى حتى يقضي عمرته وإن لم يقدر حل إذا نحر عنه الهدي وقال سفيان الثوري إذا أحصر (1) المحرم بالحج بعث بهدي فنحر عنه يوم النحر وإن نحر قبل ذلك لم يجزه
205

وجملة قول أصحاب الرأي أنه إذا أحصر الرجل بعث بهديه وواعد المبعوث معه (1) يوما يذبح فيه فإذا (2) كان ذلك اليوم حلق عند أبي يوسف أو قصر وحل ورجع فإن كان مهلا بحج قضى حجة وعمرة لأن إحرامه بالحج صار عمرة وإن كان قارنا قضى حجة وعمرتين وإن كان مهلا بعمرة قضى عمرة وسواء عندهم المحصر بالعدو والمرض وذكر الجوزاني عن محمد بن الحسن قال قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من أهل بحج فأحصر فعليه أن يبعث بثمن هدي فيشترى له بمكة فيذبح عنه يوم النحر ويحل وعليه عمرة وحجة وليس عليه تقصير في قول أبي حنيفة ومحمد لأن التقصير نسك وليس عليه من النسك شيء وقال أبو يوسف يقصر وإن لم يفعل فلا شيء عليه وقالوا إذا بعث بالهدي فإن شاء أقام مكانه وإن شاء انصرف وإن كان مهلا بعمرة بعث فاشتري له الهدي ويواعدهم يوما فإذا كان ذلك اليوم حل وكان عليه عمرة مكانها
206

وقالوا إذا كان المحصر قارنا فإنه يبعث فيشترى له هديان فينحران ويحل وعليه عمرتان وحجة فإن شاء قضى العمرتين متفرقتين والحجة بعد ذلك وإن شاء ضم إحدى العمرتين إلى الحجة وروي عن ابن مسعود وعلقمة نحو قول أبي حنيفة فيمن أحصر بمرض في الحج والعمرة سواء على اختلاف عنهما في ذلك أيضا وهو قول الحكم وحماد وإبراهيم وجماعة من الكوفيين وقال أبو ثور فيمن أحصر بعدو مثل قول مالك والشافعي سواء وقال في المحصر بالكسر أو المرض أو العرج إنه يحل في الموضع الذي عرض له ذلك فيه ولا هدي عليه وعليه القضاء قال أبو عمر من حجة من أوجب القضاء على المحصر بعدو ما أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا النفيلي قال حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن ميمون قال سمعت أبا حاضر الحميري يحدث أن ميمون بن مهران قال خرجت معتمرا عام حاصر أهل الشام ابن الزبير بمكة وبعث معي رجال من
207

قومي بهدي فلما انتهيت إلى أهل الشام منعونا أن ندخل الحرم فنحرت الهدي مكاني ثم حللت ثم رجعت فلما كان من العام المقبل خرجت لأقضي عمرتي فأتيت ابن عباس فسألته فقال أبدل الهدي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يبدلوا الهدي الذي نحروا عام الحديبية في عمرة القضاء (1) وأما الحجة لأبي ثور ومن ذهب مذهبه في (2) المحصر بمرض يحل في موضعه ولا هدي عليه وعليه القضاء فما (3) حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وحدثنا
عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قالا جميعا حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن حجاج الصواف قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل قال عكرمة فسألت ابن عباس وأبا هريرة فقالا صدق (4)
208

وأخبرنا أحمد بن محمد قال أخبرنا أحمد بن الفضل أخبرنا محمد بن جرير قال حدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن الحجاج بن أبي عثمان قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني عكرمة قال حدثني الحجاج بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى فحدثت به ابن عباس وأبا هريرة فقالا صدق هكذا رواه الحجاج بن أبي عثمان الصواف ورواه معاوية بن سلام ومعمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة (1) قال قال عبد الله بن رافع مولى أم سلمة أنا سألت الحجاج بن عمرو عمن حبس وهو محرم فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث مثله سواء قال فحدثت بذلك ابن عباس وأبا هريرة فقالا صدق ورواه عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن عبد الله بن نافع عن الحجاج بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله بمعناه إلى آخره من قول
209

ابن عباس وأبي هريرة صدق فهذه حجة أبي ثور ومن ذهب مذهبه في أن المحرم إذا حبسه المرض (1) أو الكسر عن البيت حل ولا شيء عليه من هدي ولا غيره إلى القضاء في العام المقبل ومن الحجة عليه لسائر العلماء الذين أوجبوا عليه الهدي ولم يجيزوا له أن يحل ويحلق حتى ينحر الهدي القياس على حصر العدو لأنه كله منع عن الوصول إلى البيت لقول الله عز وجل * (فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) * فلما أمر الله المحصر بأن لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله علم بذلك أنه لا يحل المحصر من إحرامه إلا إذا حل له حلق رأسه ولا يحل له ذلك حتى ينحر الهدي واستدلوا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أنه لم يحلق رأسه حتى نحر ولم يحل حتى نحر الهدي أخبرنا خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا يحيى بن أيوب بن بادي قال حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني ميمون بن يحيى عن
210

مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول إذا عرض للمحرم عدو فإنه يحل حينئذ وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حبسه كفار قريش في عمرة عن البيت فنحر هديه وحلق وحل هو وأصحابه ثم رجعوا حتى اعتمروا من العام المقبل قالوا ومعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الحجاج بن عمرو من كسر أو عرج فقد حل أي فقد حل له أن يحل بما يحل به المحصر من النحر أو الذبح لا أنه قد حل بذل من إحرامه قالوا وإنما هذا مثل قولهم قد حلت فلانة للرجال إذا انقضت عدتها والمعنى في ذلك أنها تحل لهم بما يجب أن تحل به من الصداق وغيره من شروط النكاح قال أبو عمر لم يختلف العلماء فيمن كسر أو عرج أنه يحل ولكن اختلفوا فيما به يحل فقال مالك أنه يحل بالطواف بالبيت لا يحله غيره ومن خالف مالكا في ذلك من الكوفيين يقول يحل بالنية وفعل ما يتحلل به على ما وصفنا عنهم وأبو ثور يقول بظاهر حديث الحجاج بن عمرو على ما ذكرنا عنه ولم يقل أحد أنه بنفس الكسر يكون حلالا غير أبي ثور وتابعه داود وبعض أصحابه
211

قال أبو عمر من زعم أن على المحصر بعمرة قضاء عمرته التي صد فيها عن البيت بعدو كان حصره أو بغير عدو زعم أن اعتمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العام المقبل من عام الحديبية إنما كان قضاء لتلك العمرة قالوا ولذلك ما قيل لها عمرة القضاء واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى أو عمرة أخرى ومن زعم أن المحصر بعدو ينحر هديه ويحلق رأسه وقد حل بفعله ذلك من كل شيء ولا شيء عليه احتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقال لأحد منهم عليكم قضاء هذه العمرة ولا حفظ ذلك عنه (1) بوجه من الوجوه ولا قال في العام المقبل إن عمرتي هذه قضاء عن العمرة التي حصرت فيها ولم ينقل (2) ذلك عنه أحد قالوا والعمرة المسماة بعمرة القضاء هي عمرة القضية عندنا قالوا وعمرة القضاء وعمرة القضية سواء وإنما قيل ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضى قريشا وصالحهم في ذلك العام على الرجوع عن البيت وقصده من قابل إن شاء فسميت بذلك عمرة القضية
212

قال أبو عمر كل ما ذكرنا قد قيل فيما وصفنا وقد اختلف العلماء في وجوب القضاء عن المحصر بعدو على حسبما قدمنا في هذا الباب واجتلبنا ومن جهة النظر إيجاب قضاء إيجاب فرض والفروض لا تجب أن تثبت إلا بدليل لا معارض له وبالله التوفيق أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا النفيلي وقتيبة قالا حدثنا داود بن عبد الرحمان العطار عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمرة عمرة الحديبية والثانية حيث تواطئوا على عمرة قابل والثالثة من الجعرانة والرابعة التي قرن مع حجته (1) قال أبو عمر ليس في قوله حيث تواطئوا على عمرة قابل دليل على أنها على جهة القضاء وحسبك أنه قد جعل عمرة الحديبية وهي التي حصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة من عمره وقد أجمعوا على أن تلك عمرة من عمره وإنما اختلفوا في العمرة الرابعة فمن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مفردا يقول لم يعتمر رسول
213

الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاث عمر عمر الحديبية والعمرة من قابل وعمرة الجعرانة وهو مذهب مالك وعروة بن الزبير وجماعة وسنذكر الآثار في ذلك في باب هشام بن عروة وفي باب بلاغ مالك إن شاء الله ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج أو قرن الحج مع العمرة زعم أن عمره كانت أربعا صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا ما اعتل به من جهة الأثر من قال إنه كان مفردا وما اعتل به من قال إنه تمتع ومن قال إنه قرن كل ذلك في باب ابن شهاب عن عروة من كتابنا هذا والحمد لله واختلف الفقهاء في المحصر بعدو أين ينحر هديه فقال مالك ينحر هديه حيث حصر في الحرم وغيره وبذلك قال الشافعي وقال أبو حنيفة لا ينحره إلا في الحرم وقد ذكرنا هذه المسألة مجودة في باب أبي الزبير وكذلك اختلفوا في وجوب الحلاق على المحصر وسنذكر ذلك في الباب الذي بعد هذا وأما قول ابن عمر في حديث هذا الباب ما أمرهما
214

إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة ففيه دليل على أن الحج ينعقد بالنية وأن العبارة عن تلك النية تكون بالتلبية وبغير التلبية وقد تقدم هذا المعنى مجودا في حديث نافع والحمد لله وفيه إدخال الحج على العمرة وذلك بين عنه في الأحاديث المذكورة في هذا الباب من رواية مالك وغيره عن نافع عنه ولا خلاف بين العلماء في أن للمحرم بالعمرة إدخال الحج على العمرة ما لم يبتدئ الطواف بالبيت لعمرته هذا إذا كان ذلك في أشهر الحج على أن جماعة منهم وهم أكثر أهل الحجاز يستحبون أن (1) لا يدخل المحرم الحج على العمرة حتى يفرغ من عملها ويفصل بينها وبين العمرة ولهذا استحبوا العمرة في غير أشهر الحج وروى (2) مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن (3) عمر بن الخطاب قال افصلوا بين حجتكم وعمرتكم فإن ذلك أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج
215

قال أبو عمر هذا إفراط من عمر رحمه الله في استحباب الإفراد في الحج ولذلك قال هذا القول والله أعلم لئلا يتمتع أحد بالعمرة إلى الحج ولا يجمع بينهما ويفرد كل واحد منهما فإن ذلك أتم لهما عنده ولا نعلم أحدا من أهل العلم كره العمرة في أشهر الحج غير عمر رضي الله عنه وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن عمرة كلها إلا في شوال وقيل في ذي القعدة وهما جميعا من أشهر الحج وستأتي الآثار في عمره صلى الله عليه وسلم في باب هشام بن عروة إن شاء الله قال أبو عمر العلماء مجمعون على أنه إذا أدخل الحج على العمرة في أشهر الحج على ما وصفنا قبل الطواف بالبيت أنه جائز له ذلك ويكون قارنا بذلك يلزمه الذي أنشأ الحج والعمرة معا وقالت طائفة (1) من أصحاب مالك إن له أن يدخل الحج على العمرة وإن كان قد طاف ما لم يركع ركعتي الطواف وقال بعضهم ذلك له بعد الطواف ما لم يكمل السعي بين الصفا والمروة (وهذا كله شذوذ عند أهل العلم (2))
216

وقال أشهب من طاف لعمرته ولو شوطا واحدا لم يكن له إدخال الحج عليها وهذا هو الصواب إن شاء الله فإن فعل وأدخل الحج على العمرة بعد ذلك فقد اختلفوا فيما يلزم من ذلك فقال مالك من أدخل الحج على العمرة بعد أن يفتتح الطواف لزمه ذلك وصار قارنا وروي مثل ذلك عن أبي حنيفة والمشهور عنه أنه لا يجوز إلا قبل الأخذ في الطواف على ما قدمنا وقال الشافعي لا يكون قارنا وذكر أن ذلك قول عطاء وبه قال أبو ثور وغيره واختلفوا في إدخال العمرة على الحج فقال مالك يضاف الحج إلى العمرة ولا تضاف العمرة إلى الحج فإن أهل أحد بالحج ثم أضاف العمرة إليه فليست العمرة بشيء ولا يلزمه شيء وهو أحد قولي الشافعي وهو المشهور عنه قاله بمصر قال من أهل بالحج لم يدخل العمرة على الحج حتى يكمل عمل الحج وهو آخر أيام التشريق إن أقام إلى آخرها وإن نفر النفر الأول واعتمر يومئذ لزمته العمرة لأنه لم يبق عليه للحج عمل قال ولو أخره كان أحب إلي قال ولو أهل بعمرة من يوم النفر الأول كان إهلاله باطلا
217

لأنه معكوف على عمل من (عمل) (1) الحج ولا يخرج منه إلا بإكماله والخروج منه وقال ببغداد إذا بدأ فأهل بالحج فقد قال بعض أصحابنا لا يدخل العمرة على الحج قال والقياس أن أحدهما إذا جاز أن يدخل على الآخر فهما سواء وقال (2) أبو حنيفة وأصحابه من أهل بحجة ثم أضاف إلى الحج عمرة فهو قارن ويكون عليه ما على القارن قالوا ولو طاف لحجته شوطا ثم أهل بعمرة لم يكن قارنا (ولم يلزمه) (3) لأنه قد عمل في الحج قالوا فإن كان إهلاله بعمرة فطاف لها شوطا ثم أهل بحجة لزمته وكان قارنا إذا طاف لعمرته في أشهر الحج قالوا والفرق بينهما أن الحج يدخل على العمرة ولا تدخل العمرة على الحج قالوا وإن أهل بعمرة وقد طاف للحج فإنه يرفضها وعليه لرفضها دم وعمرة مكانها وقال الأوزاعي لا بأس أن يضيف العمرة إلى الحج بعد ما يهل بالحج وقال أبو ثور إذا أحرم بحجة فليس له أن يضيف إليها عمرة ولا يدخل إحراما على إحرام كما لا يدخل صلاة على صلاة
218

قال أبو عمر قول أبي ثور لا يدخل إحراما (1) على إحرام كما لا تدخل صلاة على صلاة ينفي (2) دخول الحج على العمرة وهذا شذوذ وفعل ابن عمر في إدخاله الحج على العمرة ومعه على ذلك جمهور العلماء خير من قول أبي ثور الذي لا أصل له إلا القياس الفاسد في هذا الموضع والله المستعان ومن هذا الباب اختلافهم فيمن أهل بحجتين أو بعمرتين أو أدخل حجة على حجة أو عمرة على عمرة فقال مالك الإحرام بحجتين أو عمرتين لا يجوز ولا يلزمه إلا واحدة وبذلك قال الشافعي ومحمد بن الحسن قال الشافعي وكذلك لو أحرم بحج ثم أدخل عليه حجا آخر قبل أن يكمل فهو مهل بحج واحد ولا شيء عليه في الثاني من (3) فدية ولا قضاء ولا غيره وقال (4) أبو حنيفة تلزمه الحجتان ويصير رافضا لأحدهما حين يتوجه إلى مكة وقال أبو يوسف تلزمه الحجتان ويصير رافضا ساعتئذ
219

وذكر الجوزاني عن محمد قال وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد من أهل بحجتين معا أو أكثر فإنه إذا توجه إلى مكة وأخذ في العمل فهو رافض لها كلها إلا واحدة وعليه لكل حجة رفضها دم وحجة وعمرة وأما قوله في حديث ابن عمر ثم نفذ حتى جاء البيت فطاف به طوافا واحدا ورأى أن ذلك مجزئ عنه وأهدى ففيه حجة لمالك في قوله بأن طواف الدخول إذا وصل بالسعي يجزئ عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلا أو نسيه ولم يذكره حتى رجع إلى بلده وعليه الهدي ولا أعلم أحدا قاله غيره وغير أصحابه والله أعلم وفي رواية موسى بن عقبة وعبيد الله بن عمر في حديث هذا الباب عن نافع عن ابن عمر قوله ما أمرهما إلا واحد وانطلق يهل بهما جميعا حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة ولم يزد على ذلك ولم يحلق ولم يقصر ولم يحل حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه ذلك الأول فهذا يبين لك أن الطواف في الحج واحد واجب للقارن وغيره وأن من اقتصر عليه لم يسقط
220

فرضا ولما أجمعوا أن من لم يطف للدخول وطاف للإفاضة وسعى أنه يجزئه الدم كان بذلك مع فعل ابن عمر هذا معلوما أن فرض الحج طواف واحد ويعتبر هذا بالمكي أنه ليس عليه إلا طواف واحد وينوب أيضا عند مالك وأصحابه في الحج الطواف التطوع عن الواجب لأنه عمل بعمل في زمن واحد وأما سائر الفقهاء فطواف الإفاضة يوم النحر واجب عندهم فرضا لقول الله عز وجل * (ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق) * 1 فلم يوجب الطواف إلا بعد قضاء البيت وذلك إنما يتم برمي جمرة العقبة وقد قال في الشعائر * (ثم محلها إلى البيت العتيق) * فجعله بعدها قالوا وأما طواف الدخول فسنة ساقطة عن المكي والمراهق كسقوط طواف الوداع عن الحائض وفي هذا الحديث أيضا حجة لمالك ومن قال بقوله في القارن أنه يجزئه طواف واحد لحجه وعمرته وهذا موضع اختلف فيه العلماء قديما وحديثا وقد ذكرناه
في باب ابن شهاب عن عروة ونعيد منه ههنا طرفا كافيا بعون الله
221

قال مالك من أهل بحجة وعمرة أو أدخل الحج على العمرة طاف لهما طوافا واحدا بالبيت وسعى لهما بين الصفا والمروة سعيا واحدا وهو قول الشافعي وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور والحجة لمن ذهب هذا المذهب حديث مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة الحديث قالت وأما الذين أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة (1) فإنما طافوا طوافا واحدا وقد ذكرنا هذا الخبر في باب ابن شهاب عن عروة والحمد لله وما حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافا واحدا وروى رباح بن أبي معروف عن عطاء عن جابر أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يزيدوا على طواف واحد وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا محمد بن منصور قال
222

حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن نافع أن ابن عمر قرن بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافا واحدا ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل وقد تقدم في هذا الباب حديث ابن عمر هذا من طرق وروى الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من قرن بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا وروى يحيى بن يمان عن سفيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام مثله بمعناه (1) وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال حدثنا الشافعي عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة أن النبي عليه السلام قال لها طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك (2)
223

قال أبو عمر هذا قول ابن عمر وابن عباس وجابر وعائشة وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى والحسن بن حي والأوزاعي على القارن طوافان وسعيان ومن حجتهم أن قالوا في حديث عائشة وقولها فيه وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافا وحدا قالوا أرادت جمع متعة لا جمع قران يعني أنهم طافوا طوافا واحدا بعد جمعهم بين الحج والعمرة التي قد كانوا طافوا لها لأن حجتهم تلك كانت مكية والحجة المكية لا يطاف لها قبل عرفة وإنما يطاف لها بعد عرفة طوافا واحدا (1) واحتجوا بما ذكره أبو داود قال حدثنا قتيبة قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن أصحاب النبي عليه السلام الذين كانوا معه لم يطوفوا حتى رموا الجمرة (2) ودفعوا حديث أبي معاوية عن الحجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر بأن ابن جريج والأوزاعي وعمرو بن دينار وقيس بن سعد رووه عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بفسخ الحج في العمرة وهم على الصفا في آخر الطواف فهذا تمتع لا قران لأنهم حجوا يومئذ
224

بعد ذلك والطواف للحج بعد ذلك إنما يكون طوافا واحدا ودفعوه أيضا بأن جعفر بن محمد روى عن أبيه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج قالوا فكيف يقبل حديث حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافا واحدا والحجاج ضعيف عندهم ليس بحجة ودفعوا أيضا حديث الحجاج عن أبي الزبير عن جابر بأن قالوا رواه ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا قالوا وإنما معنى هذا أن السعي بين الصفا والمروة لا يصنع إلا في طواف القدوم خاصة مرة واحدة واعتلوا في حديث الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بأن قالوا أخطأ فيه الدراوردي لأن الجماعة رووه عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قوله ولم يرفعوه قالوا وأما قول ابن عمر حين طاف طوافا واحدا وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أراد هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته طاف طوافا واحدا بعد رجوعه من منى ورمي الجمرة لأنه كان في حجته متمتعا عند ابن عمر وقد كان طاف
225

لعمرته عند الدخول وأمر من لم يكن معه هدي أن يحل ولم يحل هو لأنه (كان) (1) ساق الهدي قالوا فإن كان ابن عمر جعل طواف القارن كطواف المتمتع فقد خالفه في ذلك علي وابن مسعود وذكروا (2) ما حدثناه عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الرحمان عن سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمان بن أذينة أنه سأل عليا عمن جمع بين الحج والعمرة فقال إذا قدمت مكة فطف طوافين بالبيت وطوافين بين الصفا والمروة ولا تحل حتى تنحر أو قال حتى يوم النحر وقد ذكرنا خبر علي وابن مسعود من طرق في باب ابن شهاب قال أبو عمر أما قولهم إن عائشة أرادت بقولها وأما الذين جمعوا الحج مع العمرة فإنما طافوا لهما (3) طوافا واحدا أرادت جمع متعة لا جمع قران فدعوى لا برهان عليها وظاهر حديث عائشة وسياقه يدل على أنها أرادت الذين قرنوا الحج
226

والعمرة لأنها فصلت بالواو بين من أهل بحج (1) وبين من أهل بعمرة فتمتع بها وبين من جمع الحج والعمرة ثم قالت فأما الذين أهلوا بعمرة فإنهم طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى بحجهم وأما الذين كانوا أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافا واحدا ولم تقل وأما الذين أهلوا بعمرة تعني من تمتع فدل على أنها أرادت من قرن والله أعلم وقد رفع الإشكال في ذلك ما أوردنا من الآثار عن نافع عن ابن عمر أنه قرن بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافا واحدا ولم يزد على ذلك وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس حملهم على الدراوردي بشيء لأنه قد تابع الدراوردي يحيى بن يمان عن الثوري عن عبيد الله بمعنى روايته والدليل على صحة ما رواه الدراوردي أن أيوب السختياني وأيوب بن موسى وموسى بن عقبة وإسماعيل بن أمية رووا عن نافع عن ابن عمر معنى ما رواه الدراوردي وقد ذكرنا أحاديثهم فيما مضى من هذا الباب وأما قولهم إن عائشة وابن عمر أرادا بقولهما ذلك جمع متعة لا جمع قران
227

فقد مضى القول عن عائشة في ذلك وكيف يجوز أن يتأولوا ذلك في حديث ابن عمر وهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا لا متمتعا فإن اعتلوا بأن حديث ابن عمر في حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلف قد روي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع في حجة الوداع رواه عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه وروي عنه أنه أهل هو وأصحابه بالحج رواه حميد عن بكر المزني عنه قيل لهم لما اضطربت الآثار عنه في ذلك قضيا برواية جابر وعائشة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أفراد الحج وتركنا ما سوى ذلك فإن ذكروا (1) أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود كانا يقولان القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين قيل لهم (2) قد خالفهما ابن عمر وجابر وابن عباس وعائشة فوجب النظر فإن ذكروا ما رواه الحكم عن ابن أبي ليلى عن علي قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرة وحجة فطاف بالبيت لعمرته ثم عاد فطاف بحجته قيل لهم هذا حديث منكر إنما رواه الحسن بن عمارة عن الحكم فرفعه
228

والحسن بن عمارة متروك الحديث لا يحتج بمثله ومن جهة النظر قد أجمعوا أن المحرم إذا قتل الصيد في الحرم لم يجب عليه إلا جزاء واحد وهو قد اجتمع عليه حرمتان حرمة الإحرام وحرمة الحرم فكذلك الطواف للقارن وكذلك أجمعوا أن القارن يحل بحلق واحد فكذلك الطواف أيضا قياسا والله أعلم قال أبو عمر أما الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحج ففي تهذيبها وتلخيصهها وتمهيدها ما يحتمل أن يفرد لها كتاب كبير لا يذكر فيه غير ذلك ولا سبيل إلى اجتلابها في كتابنا هذا وقد مضى من ذلك في باب ابن شهاب عن عروة ما فيه هداية وإنما الغرض في هذا الكتاب أن نذكر ما للعلماء في معنى الحديث من الأقوال والوجوه والأصول التي بها نزعوا ومنها قالوا وأما الاعتلال والإدخال والمرافعات فتطويل وتكثير وخروج عن تأليفنا وشرطنا لو تعرضنا له وبالله التوفيق والعصمة والرشاد وأما قوله في حديثنا المذكور في هذا الباب وأهدى فإن أهل العلم اختلفوا فيما على القارن من الهدي والصيام فروي عن ابن عمر أن القارن والمتمتع على كل واحد منهما
229

هدي بدنة أو بقرة وكان يقول ما استيسر من الهدي بدنة أو بقرة وقد روي عن عمر وعلي وابن عباس في قوله ما استيسر من الهدي شاة وعليه جمهور العلماء وجماعة الفقهاء وكان مالك يقول في القارن فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع هو والمتمتع في ذلك سواء وكذلك قال الشافعي وأبو ثور قال الشافعي يجزئ القارن شاة قياسا على المتمتع قال وهو أخف شأنا من المتمتع وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد تجزيه شاة والبقرة أفضل ولا يتجزئ عندهم إلا الدم عن المعسر وغيره ولا مدخل عندهم للصيام في هذا الموضع قياسا على من جاوز الميقات غير محرم أو ترك رمي الجمار حتى مضت أيامها قال أبو عمر هذا بعيد من القياس والقران بالتمتع أشبه وأولى أن يقاس بعضها على بعض وقد نص الله في المتمتع الصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إن لم يجد هديا والقارن مثله وله حكمه قياسا ونظرا وبالله التوفيق وقال مالك من حصره العدو بمكة تحلل بعمل عمرة إلا أن يكون مكيا فيخرج إلى الحل ثم يتحلل بعمرة
230

وقال الشافعي الإحصار بمكة وغيرها سواء وقال أبو حنيفة إذا أتى مكة محرما بالحج فلا يكون محصرا وقال مالك من وقف بعرفة فليس بمحصر ويقيم على إحرامه حتى يطوف بالبيت ويهدي ونحو ذلك قول أبي حنيفة وهو أحد قولي الشافعي وله قول آخر أنه يكون محصرا وهو قول الحسن وقد تكرر هذا المعنى ومضى كثير من معاني هذا الباب في باب ابن شهاب والحمد لله
231

حديث ثالث وخمسون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال اللهم ارحم المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله (1) قالوا والمقصرين (2) هكذا هذا الحديث عندهم جميعا عن مالك عن نافع عن ابن عمر وكذلك رواه سائر أصحاب نافع لم يذكر واحد من رواته فيه أنه كان يوم الحديبية وهو تقصير وحذف والمحفوظ في هذا الحديث أن دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة إنما جرى يوم الحديبية حين صد عن البيت فنحر وحلق ودعا للمحلقين
233

وهذا معروف مشهور محفوظ من حديث ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وحبشي بن جنادة وغيرهم أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا الميمون بن حمزة قال حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال حدثنا الوليد قال حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأنصاري قال حدثنا أبو سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر يوم الحديبية للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة أخبرنا أحمد بن سعيد بن بشر حدثنا مسلمة بن قاسم حدثنا جعفر بن محمد الأصبهاني حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي إبراهيم الأنصاري عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حلقوا رؤوسهم يوم الحديبية إلا عثمان بن عفان وأبا قتادة واستغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة ووجدت في أصل سماع أبي بخطه رحمه الله أن محمد بن أحمد بن قاسم بن هلال حدثهم قال حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي قال حدثنا نصر بن مرزوق قال حدثنا أسد
234

ابن موسى قال حدثنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة قال حدثنا ابن إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال رحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين (قال رحم الله المحلقين) (1) قال والمقصرين قالوا (يا رسول الله) (2) فما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم قال لم يشكوا وأخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى (قال حدثنا أحمد بن محمد بن زيان) (3) قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير قال أخبرنا ابن إسحاق فذكر بإسناده مثله وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن
235

أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بمعناه فقد (1) ثبت أن ذلك كان عام الحديبية حين حصر النبي صلى الله عليه وسلم ومنع من النهوض إلى البيت وصد عنه وهذا موضع اختلف فيه العلماء فقال منهم قائلون إذا نحر المحصر هديه فليس عليه أن يحلق رأسه لأنه قد ذهب عنه النسك كله واحتجوا بأنه لما سقط عنه بالإحصار جميع المناسك كالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة وذلك مما يحل به المحرم من إحرامه لأنه إذا طاف بالبيت حل له أن يحلق فيحل له بذلك الطيب واللباس فلما سقط عنه ذلك كله بالإحصار سقط عنه سائر ما يحل به المحرم من أجل أنه محصر وممن قال بهذاالقول واحتج بهذه الحجة أبو حنيفة ومحمد الحسن قالا ليس على المحصر تقصير ولا حلاق وقال أبو يوسف يحلق المحصر فإن لم يحلق فلا شيء عليه وخالفهما آخرون فقالوا يحلق المحصر رأسه بعد أن ينحر هديه وذلك
واجب عليه كما يجب على الحاج والمعتمر سواء
236

ومن الحجة لهم أن الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار قد منع من ذلك كله المحصر وقد صد عنه فسقط عنه ما قد حيل بينه وبينه وأما الحلاق فلم يحل بينه وبينه وهو قادر على أن يفعله وما كان قادرا على أن يفعله فهو غير ساقط عنه وإنما يسقط عنه ما حيل بينه وبين عمله وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور في هذا الباب ما يدل على أن حكم الحلق باق على المحصرين كما هو على من قد وصل إلى البيت سواء لدعائه للمحلقين ثلاثا وللمقصرين واحدة وهو الحجة القاطعة (والنظر الصحيح) (1) وإلى هذا ذهب مالك وأصحابه فالحلاق عندهم نسك يجب على الحاج الذي قد أتم حجه وعلى من فاته الحج (وعلى) (2) المحصر بعدو والمحصر بمرض وقد حكى ابن أبي عمران عن ابن سماعة عن أبي يوسف في نوادره أن عليه الحلاق أو التقصير لا بد له منه واختلف قول الشافعي في هذه المسألة على قولين أحدهما أن الحلاق للمحصر من النسك والآخر ليس من النسك
237

واختلف العلماء في المحصر هل له أن يحلق أو يحل بشيء في الحل قبل أن ينحر ما استيسر من الهدي فقال مالك السنة الثابتة التي لا اختلاف فيها عندنا أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ من شعره حتى ينحر هديه قال عز وجل في كتابه * (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله) * 1 ومعنى هذا من قوله فيمن أتم حجه لا في المحصر لأنه قد تقدم قوله في المحصر أنه لا هدي عليه إن لم يكن ساقه معه والحلاق عنده للحج وللمعتمر سنة وعلى تاركه الدم والتحلل في مذهبه عند أصحابه لا يتعلق بالحلاق وإنما التحلل الرمي أو ذهاب زمانه أو طواف الإفاضة فمن تحلل في الحل من المحصرين كان حلاقه فيه ومن تحلل في الحرم كان حلاقه فيه والاختيار أن يكون الحلاق بمنى فإن لم يكن فبمكة وحيثما حلق أجزأه من حل وحرم ويجب حلاق جميع الرأس أو تقصير جميعه والحلاق أفضل إلا أن النساء لا يجوز لهن غير التقصير وحلاقهن معصية عنده إن لم يكن لضرورة ويجوز للمريض أن يحلق ويفتدي وينقص ذلك إحرامه وجميع محرمات الحج لا يفسدها إلا الجماع وقد ذكرنا أحكام الفدية على من حلق رأسه من مرض وغيره في باب حميد بن قيس والحمد لله
238

وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا حل المحصر قبل أن ينحر هديه فعليه دم ويعود حراما كما كان حتى ينحر هديه وإن أصاب صيدا قبل أن ينحر الهدي فعليه الجزاء قالوا وهو الموسر في ذلك والمعسر لا يحل أبدا حتى ينحر أو ينحر عنه قالوا وأقل ما يهديه شاة لا عمياء ولا مقطوعة الأذنين وليس هذا عندهم موضع صيام ولا إطعام وقال الشافعي في المحصر إذا أعسر بالهدي فيه قولان (أحدهما) (1) لا يحل أبدا إلا بهدي والقول الآخر أنه مأمور بأن يأتي بما قدر عليه فإن لم يقدر على شيء خرج بما عليه وكان عليه أن يأتي به إذا قدر عليه قال ومن قال هذا قال يحل مكانه ويذبح إذا قدر فإن قدر على أن يكون الذبح بمكة لم جزه أن يذبح إلا بها وإن لم يقدر ذبح حيث قدر قال ويقال لا يجزيه إلا هدي ويقال إذا لم يجد هديا كان عليه الإطعام أو الصيام وإن لم يجد واحدا من هذه الثلاث أتي بواحد منها (2) إذا قدر
239

وقال في العبد لا يجزيه إلا الصوم إذا أحصر تقوم له الشاة دراهم ثم الدراهم طعاما ثم يصوم عن كل مد يوما قال والقول في إحلاله قبل الصوم واحد من قولين أحدهما يحل والآخر لا يحل حتى يصوم والأول أشبههما بالقياس لأنه أمر بالإحلال للخوف فلا يؤمر بالإقامة على خوف والصوم يجزئه هذا كله قوله بمصر رواه المزني والربيع عنه وقال ببغداد في العبد يعطيه سيده في التمتع والقران هديا ذكر فيها الوجهين قال وفيها قول آخر إن أذن له بالتمتع ليس يلزمه الدم رواه الحسن بن محمد الزعفراني عنه وذكر الربيع عنه في المحصر أنه لو ذبح ولم يحلق حتى زال خوف العدو لم يكن له الحلاق وكان عليه الإتمام لأنه لم يحل حتى صار غير محصور قال وهذا قول من قال لا يكمل إحلال المحرم إلا بحلاق قال ومن قال يكمل إحلاله قبل الحلاق والحلاق أول الإحلال فإنه يقول إذا ذبح فقد حل وليس عليه أن يمضي إلى وجهه إذا ذبح
240

حديث رابع وخمسون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف (1) من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده (2) وهذا الحديث عند سالم عن ابن عمر كما هو عند نافع وقال فيه عبيد الله عن نافع عن ابن عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة ثم ذكر مثله سواء
241

وفي هذا الحديث الحض على ذكر الله وشكره للمسافر على أوبته ورجعته وشكر الله تبارك وتعالى (1) والثناء عليه بما هو أهله واجب وذكر الله حسن على كل حال والحمد لله الكبير المتعال
242

حديث خمس وخمسون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها (1) قال نافع وكان عبد الله يفعل ذلك وهذا عند مالك وغيره من أهل العلم مستحب مستحسن مرغوب فيه كما يستحبون أن لا يكون إهلال المحرم من ذي الحليفة وغيرها إلا بإثر صلاة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان إحرامه بإثر صلاة صلاها يومئذ وليس شيء مما في هذا الحديث من سنن الحج ومناسكه التي يجب فيها على تاركها فدية أو دم عند أهل العلم ولكنه حسن كما ذكرت لك عند جميعهم إلا ابن عمر فإنه جعله سنة وهذه البطحاء المذكورة في هذا الحديث يعرفها أهل المدينة بالمعرس وقال مالك في الموطأ لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل راجعا إلى المدينة حتى يصلي به ما بدا له لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس به (2)
243

وقال أبو حنيفة من مر بالمعرس من ذي الحليفة راجعا من مكة فإن أحب أن يعرس به حتى يصلي فعل وليس عليه ذلك بواجب وقال محمد بن الحسن محتجا له بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس به وأن ابن عمر أباخ به وليس ذلك عندنا من الأمر الواجب إنما هو مثل المنازل التي نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من منازل طريق مكة وبلغنا أن ابن عمر كان يتبع آثاره تلك فينزل بها فلذلك فعل مثل ذلك بالمعرس لا أنه كان يراه واجبا على الناس ولو كان واجبا لقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه للناس ما يقفون عليه وقال إسماعيل بن إسحاق ليس نزوله صلى الله عليه وسلم بالمعرس كسائر منازل طريق مكة لأنه كان يصلي الفريضة حيث
أمكنه والمعرس إنما كان يصلي نافلة ولا وجه لمن زهد الناس في الخير قال ولو كان المعرس كسائر المنازل ما أنكر ابن عمر على نافع ما توهمه عليه من التأخر عنه قال وحدثنا أبو ثابت عن ابن أبي حازم عن موسى بن عقبة عن نافع أن ابن عمر سبقه إلى المعرس وأبطأ
244

عليه نافع فقال له ما حبسك قال فأخبرته فقال ظننت أنك أخذت الطريق الأخرى لو فعلت لأوجعتك ضربا وروى الليث عن نافع مثله قال إسماعيل وحدثنا إبراهيم بن الحجاج عن عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه أن النبي عليه السلام نزل في المعرس من ذي الحليفة في بطن الوادي فقيل له إنك ببطحاء مباركة قال أبو عمر وأما المحصب فموضع قرب مكة في أعلى المدينة نزله أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مالك وغيره يستحبون النزول به والمبيت والصلاة فيه وجعله بعض أهل العلم من المناسك التي ينبغي للحجاج نزولها والمبيت فيها وأكثرهم على أن ذلك ليس من مناسك الحج ومشاعره في شيء وهو الصواب والمحصب يعرف بالأبطح والبطحاء أيضا خيف بني كنانة والخيف الوادي وروى (1) مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب ثم يدخل مكة من الليل ويطوف بالبيت (2)
245

ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع بها هجعة ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله وروى أيوب وحميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء حرفا بحرف ذكره حماد بن سلمة عن أيوب وحميد جميعا وروى الأوزاعي عن الزهري عن أبي سملة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة يعني المحصب وذلك أن بني كنانة تقاسموا على بني هاشم وبني المطلب ذكر الحديث وروى معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله أين تنزل غدا في حجته قال هل ترك لنا عقيل منزلا ثم قال نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر يعني المحصب وذكر الحديث وروى هشام بن عروة عن عائشة قالت المحصب ليس بسنة وإنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله
246

حديث سادس وخمسون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة اليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي المنفقة والسفلى السائلة (1) لا خلاف علمته في إسناد هذا الحديث ولفظه واختلف فيه على أيوب عن نافع فرواه حماد بن زيد وعبد الوارث عن أيوب عن نافع عن ابن عمر فقال فيه اليد العليا المتعففة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليد العليا خير من اليد السفلى اليد العليا المتعففة واليد السفلى السائلة
247

قال أبو عمر رواية مالك في قوله اليد العليا المنفقة أولى وأشبه بالأصول من قول من قال المتعففة بدليل حديث من طارق المحاربي قال قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس ويقول يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك ذكره النسوي عن يوسف بن عيسى عن الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن جامع بن شداد عن طارق المحاربي وفي قوله المنفقة آداب وفروض وسنن فمن الإنفاق فرضا الزكوات والكفارات ونفقة البنين والآباء والزوجات وما كان مثل ذلك من النفقات ومن الإنفاق سنة الأضاحي وزكاة الفطر عند من رآها سنة لا فرضا وغير ذلك كثير والتطوع كله أدب وسنة مندوب إليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا أبو الأحوص حدثنا أشعث عن أبيه عن رجل من بني يربوع قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس فسمعه يقول يد المعطي العليا أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك
248

ومثله حديث عطية السعدي ذكره عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن عروة بن محمد بن عطية السعدي عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليد العليا المعطية ومثله حديث أبي الأحوص عن أبيه مالك بن نضلة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي ثلاثة يد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى أعط الفضل ولا تعجز عن نفسك ذكره أبو داود عن أحمد بن حنبل قال حدثنا عبيدة بن حميد قال (حدثنا) (1) أبو الزعراء عن أبي الأحوص وهذه الآثار كلها تدل على صحة ما نقل مالك من قوله واليد العليا المنفقة (ولم يقل المتعففة) (2) لأن العلو في الإعطاء لا في التعفف وقد بان في هذه الآثار ما ذكرنا وبالله التوفيق حدثنا عبد الرحمان بن يحيى حدثنا علي بن محمد بن مسرور قال حدثنا أحمد بن أبي سليمان حدثنا سحنون بن سعيد حدثنا ابن وهب قال أخبرني حيوة بن شريح وابن لهيعة عن محمد بن عجلان قال سمعت القعقاع بن حكيم
249

يحدث عن عبد الله بن عمر أن عبد العزيز بن مروان كتب إليه أن ارفع إلى حاجتك فكتب إليه عبد الله بن عمر يقول إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وإني لا أحسب اليد العليا إلا المعطية ولا السفلى إلا السائلة وإني غير سائلك شيئا ولا رادا رزقا ساقه الله إلي منك والسلام وقد روي عن النبي عليه السلام اليد العليا خير من اليد السفلى جماعة من أصحابه منهم حكيم بن حزام وأبو هريرة وهي آثار صحاح كلها وفي هذا الحديث من الفقه إباحة الكلام للخطيب بكل ما يصلح مما يكون موعظة أو علما أو قربة إلى الله عز وجل وفيه الحض على الاكتساب والإنفاق ومعلوم أن الإنفاق لا يكون إلا مع الاكتساب وهذا كله مفيد بقوله صلى الله عليه وسلم أجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم (1) وفيه ذم المسألة وعيبها ويقتضي ذلك حمد اليأس وذم الطمع فيما في أيدي الناس ذكر عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن حميد الأعرج عن عكرمة بن خالد أن سعدا قال لابنه حين حضره
250

الموت يا بني إنك لن تلقى أحدا هو لك أنصح مني إذا أردت أن تصلي فأحسن وضوءك ثم صل صلاة لا ترى أنك تصلي بعدها وإياك والطمع فإنه فقر حاضر وعليك باليأس فإنه الغنى وإياك وما يعتذر منه من العمل والقول ثم اعمل ما بدا لك وروى العلاء بن عبد الرحمان عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتح إنسان على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر ولأن يأخذ الرجل حبلا فيعمد إلى الجبل فيحتطب على ظهره ويأكل منه خير له من أن يسأل الناس معطى أو ممنوعا وقد روي معنى قول سعد المذكور في هذا الباب مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثناه سلمة بن سعيد بن سلمة بن حفص قال حدثنا علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي المعروف بالدارقطني الحافظ إملاء بمصر سنة ست وخمسين وثلاثمائة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا الحسن بن راشد بن عبد ربه الواسطي قال حدثني أبي راشد بن عبد ربه قال حدثنا نافع عن ابن
251

عمر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله حدثني واجعله مذكرا (1) أي قال صل صلاة مودع كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك وعليك باليأس مما في أيدي الناس تعش غنيا وإياك وما يعتذر منه وقد مضى فيما يجوز من السؤال ومن يجوز له ما فيه كفاية في باب زيد بن اسلم عن عطاء بن يسار وسيأتي تمام هذا الباب بما فيه من الآثار في باب أبي الزناد إن شاء الله (2)
252

حديث سابع وخمسون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (1) قال مالك أرى ذلك مخافة أن يناله العدو (2) هكذا قال يحيى والقعنبي وابن بكير وأكثر الرواة ورواه ابن وهب عن مالك فقال في آخره خشية أن يناله العدو في سياق الحديث لم يجعله من قول مالك وكذلك قال عبيد الله بن عمر وأيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى ارض العدو مخافة أن يناله العدو ورواه الليث عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو يخاف أن يناله العدو
253

وقال إسماعيل بن أمية وليث بن أبي سليم عن نفع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فإني أخاف أن يناله العدو وكذلك قال شعبة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام وهو صحيح مرفوع وأجمع الفقهاء أن لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه واختلفوا في جواز ذلك في العسكر الكبير المأمون عليه قال مالك لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ولم يفرق بين العسكر الكبير والصغير وقال أبو حنيفة يكره أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو إلا في العسكر العظيم فإنه لا بأس بذلك واختلفوا من هذا الباب في تعليم الكافر القرآن فمذهب أبي حنيفة أنه لا بأس بتعليم الحربي والذمي القرآن والفقه وقال مالك لا يعلموا القرآن ولا الكتاب وكره رقية أهل الكتاب وعن الشافعي روايتان أحدهما الكراهة والأخرى الجواز
254

قال أبو عمر الحجة لمن كره ذلك قول الله عز وجل * (إنما المشركون نجس) * 1 وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمس القرآن إلا طاهر ومعلوم أن من تنزيه القرآن وتعظيمه إبعاده عن الأقذار والنجاسات وفي كونه عند أهل الكفر تعريض له لذلك وإهانة له وكلهم أنجاس لا يغتسلون من جنابة ولا يعافون ميتة وقد كره مالك وغيره أن يعطى الكافر درهما أو دينارا فيه سورة أو آية من كتاب الله وما أعلم في هذا خلافا إذا كانت آية تامة أو سورة وإنما اختلفوا في الدنيار والدرهم إذا كان في أحدهما اسم من أسماء الله فأما الدراهم التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن عليها قرآن ولا اسم الله ولا ذكر لأنها كانت من ضرب الروم وغيرهم من أهل الكفر وإنما ضربت دراهم الإسلام في أيام عبد الملك بن مروان وذكر أحمد بن المعدل عن عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون أنه سئل عن الرجل يدخل بالمصحف أرض العدو لما له في ذلك من استذكار القرآن والتعليم ولما يخشى أن يطول به السفر فينسى فقال عبد الملك لا يدخل أرض العدو بالمصاحف لما يخشى من التعبث بالقرآن والامتهان له مع أنهم أنجاس
255

ومع ما جاء في ذلك من النهي الذي لا ينبغي أن يتعدى فإن قال قائل أفيجوز أن يكتب المسلم إلى الكافر كتابا فيه آية من كتاب الله قيل له أما إذا دعي إلى الإسلام أو كانت ضرورة إلى ذلك فلا بأس به لما رواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال أخبرني أبو سفيان بن حرب فذكر قصة هرقل وحديثه بطوله وفيه قال فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيه بسم الله الرحمان الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فعليك إثم الأريسيين و * (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) * 1 * (الآية) *
256

حديث ثامن وخمسون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال يتقدم الإمام بطائفة من الناس فيصلي بهم ركعة وتكون طائفة منهم بينه وبين العدو لم يصلوا فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين فيقوم كل واحد من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة ركعة بعد أن ينصرف الإمام فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلوا ركعتين فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها (1) قال مالك قال نافع لا أرى ابن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)
257

هكذا روى مالك هذا الحديث عن نافع على الشك في رفعه ورواه عن نافع جماعة ولم يشكوا في رفعه وممن رواه كذلك مرفوعا عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي ذئب وموسى بن عقبة وأيوب بن موسى وكذلك رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك رواه خالد بن معدان عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا عبيد الله بن عبد الواحد قال حدثنا محبوب بن موسى قال حدثنا إبراهيم بن محمد الفزاري عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة من أصحابه خلفه وقامت طائفة بينه وبين العدو فصلى
بالذين خلفه ركعة وسجدتين ثم انطلقوا فقاموا في مقام أولئك وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة وسجدتين ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تمت صلاته ثم صلت الطائفتان كل واحدة منهما ركعة ركعة
258

أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قالا حدثا مسدد قال حدثا يزيد بن زريع وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا إسماعيل بن مسعود عن يزيد بن زريع قال حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا فقاموا في مقام أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم عليهم ثم قام هؤلاء يقضون ركعتهم وقام هؤلاء يقضون ركعتهم (1) قال أبو داود وكذلك روى نافع وخالد بن معدان عن ابن عمر قال وكذلك قول مسروق ويوسف بن مهران عن ابن عباس وكذلك روى الحسن عن أبي موسى أنه فعله (2) ورواه أبو حرة عن الحسن عن أبي موسى عن النبي عليه السلام قال وكذلك رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام
259

قال أبو عمر وروى أبو العالية الرياحي عن أبي موسى مثله حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي العالية الرياحي أن أبا موسى كان بالدار من أصبهان وما كان بها يومئذ كبير خوف ولكن أحب أن يعلمهم دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم فجعلهم صفين طائفة معها السلاح مقبلة على عدوها وطائفة من ورائه فصلى بالذين يلونه ركعة ثم نكصوا على أدبارهم حتى قاموا مقام الآخرين يتخللونهم وجاء الآخرون حتى قاموا وراءه فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم فقام الذين يلونه والآخرون فصلوا ركعة ركعة ثم سلم بعضهم على بعض فتمت للإمام ركعتان في جماعة وللناس ركعة ركعة قال أبو عمر يعني مع الإمام وقضوا ركعة ركعة وبحديث ابن عمر هذا المذكور في هذا الباب وما كان مثله مثل حديث أبي موسى هذا وشبهه في صلاة الخوف قال جماعة من أهل العلم منهم الأوزاعي وإليه ذهب أشهب بن عبد العزيز صاحب مالك
260

وأما مالك وسائر أصحابه غير أشهب فإنهم كانوا يذهبون في صلاة الخوف إلى حديث سهل بن أبي جثمة وهو ما رواه مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الأنصاري أن سهل بن أبي جثمة حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة للعدو فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فإذا استوى قائما وثبت وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم سلموا وانصرفوا والإمام قائم وكانوا وجاه العدو ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام يركع بهم ويسجد ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ويسلمون (1) وقال ابن القاسم وابن وهب وأشهب وغيره عن مالك أنه سئل فقيل له أي الحديثين أحب إليك أن يعمل به حديث صالح بن خوات أو حديث سهل بن أبي حثمة فقال أحب إلي أن يعمل بحديث سهل بن أبي حثمة يقومون بعد سلام الإمام فيقضون الركعة التي عليهم ثم يسلمون لأنفسهم
261

وقال ابن القاسم العمل عند مالك في صلاة الخوف على حديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات قال وقد كان مالك يقول بحديث يزيد بن رومان ثم رجع إلى هذا قال أبو عمر حديث القاسم وحديث يزيد بن رومان كلاهما عن صالح بن خوات إلا أن بينهما فصلا في السلام ففي حديث القاسم أن الإمام يسلم بالطائفة الثانية ثم يقومون فيقضون الركعة وفي حديث يزيد بن رومان أنه ينتظرهم ويسلم بهم وقد تقدم في هذا الباب حديث القاسم من رواية مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم وأما حديث يزيد بن رومان فذكره أيضا في الموطأ مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف يوم ذات الرقاع أن طائفة صلت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم جاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ثم ثبت جالسا فأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم (1) وبهذا الحديث قال الشافعي وإليه ذهب قال الشافعي حديث صالح
262

ابن خوات هذا أشبه الأحاديث في صلاة الخوف بظاهر كتاب الله عز وجل وبه أقول ومن حجته أن الله عز وجل ذكر استفتاح الإمام ببعضهم لقوله * (فلتقم طائفة منهم معك) * 1 ثم قال * (فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم) * وذكر انصراف الطائفتين والإمام من الصلاة معا بقوله * (فإذا قضيتم الصلاة) * وذلك للجميع لا للبعض ولم يذكر أن على واحد منهم قضاء وفي الآية أيضا دليل على أن الطائفة الثانية لا تدخل في الصلاة إلا بعد انصراف الطائفة الأولى بقوله * (ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا) * وهو خلاف ظاهر حديث أبي عياش الزرقي وما كان مثله في صلاة الخوف وفي قوله * (فليصلوا معك) * دليل على أن الطائفة الثانية تنصرف ولم يبق عليها من الصلاة شيء تفعله بعد الإمام بهذا كله نزع بعض من يحتج للشافعي لأخذه بحديث يزيد بن رومان لما فيه من انتظار الإمام الطائفة الثانية حتى يسلم بهم ومن حجة مالك في اختياره حديث القاسم بن محمد في سلام الإمام قبل الطائفة الثانية وقضائها الركعة الثانية بعد سلامه القياس على سائر الصلوات في أن الإمام ليس له أن ينتظر أحدا
263

سبقه بشيء وأن السنة المجتمع عليها أن يقضي المأمومون ما سبقوا به بعد سلام الإمام وقول أبي ثور في ذلك كقول مالك بحديث سهل بن أبي حثمة في رواية القاسم عن صالح بن خوات قال يسلم الإمام ثم تقوم الطائفة الأخرى فتقضي ركعتها ولم يختلف مالك والشافعي وأبو ثور أن الإمام إذا قرأ في الركعة الثانية بأم القرآن وسورة قبل أن تأتي الطائفة الأخرى ثم أتته فركع بها حين دخلت معه قبل أن يقرأوا شيئا أنه يجزيهم إلا أن الشافعي قال إذا أدركوا معه ما يمكنهم فيه قراءة أم القرآن فلا يجزيهم إلا أن يقرؤوها وقول أحمد بن حنبل في صلاة الخوف كقول الشافعي سواء على حديث يزيد بن رومان هو المختار عند أحمد وكان لا يعيب من فعل شيئا من الأوجه المروية في صلاة الخوف قال الأثرم قلت لأحمد بن حنبل صلاة الخوف يقول فيها بالأحاديث كلها كل حديث في موضعه أم يختار واحدا منها فقال أنا أقول من ذهب إلى واحد منها أو ذهب إليها كلها فحسن
264

وأما حديث سهل بن أبي حثمة فأنا أختاره لأنه أنكأ للعدو قلت له حديث سهل بن أبي حثمة تستعمله مستقبلي القبلة كان العدو أو مستدبريها قال نعم هو أنكأ فيهم لأنه يصلي بطائفة ثم يذهبون ويصلي بطائفة أخرى ثم يذهبون واختار داود وطائفة من أصحابه حديث سهل بن أبي حثمة أيضا في صلاة الخوف وكان عبد الرحمان بن مهدي ويحيى بن يحيى النيسابوري يختارون في صلاة الخوف حديث سهل بن أبي حثمة رواه شعبة عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي عليه السلام مثل حديث مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات سواء حرفا بحرف كذلك رواه معاذ بن معاذ العنبري عن شعبة وأما أبو حنيفة وأصحابه إلا أبا يوسف فإنهم ذهبوا إلى ما رواه الثوري وشريك وزائدة وابن فضيل عن خصيف عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بطائفة وطائفة مستقبلي العدو فصلى بالذين وراءه ركعة وسجدتين وانصرفوا
265

ولم يسلموا فوقفوا بإزاء العدو ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم فصلى بهم ركع ثم سلم فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا وذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو ورجع أولئك إلى مراتبهم فصلوا لأنفهسم ركعة ثم سلموا وروى أبو الأسود عن عروة بن الزبير عن مروان عن أبي هريرة قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام نجد صلاة الخوف قال فقامت طائفة معه وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة فذكر مثل حديث ابن مسعود سواء إلا أنه ليس في حديث ابن مسعود وظهورهم إلى القبلة ولا ما يخالف ذلك فالمعنى عندي في حديث ابن مسعود وحديث أبي هريرة وحديث ابن عمر المذكور في هذا الباب واحد في أن الطائفتين كلتيهما لا تقضي كل واحدة منهما ركعتها إلا بعد سلام الإمام وكان الثوري مرة يقول بحديث ابن مسعود كقول أبي حنيفة ومرة بحديثه عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الرزقي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد فذكر الحديث وفيه والعدو بينهم وبين القبلة قال فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح
266

ثم قاموا خلفه صفين صف بعد صف فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبروا جميعا ثم ركع وركعوا جميعا ثم رفع ورفعوا جميعا ثم سجد وسجد الذين يلونه والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا سجدتين قاموا وسجد الآخرون الذين كانوا خلفهم ثم تأخر الذين سجدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقام الذين كانوا يحرسونهم وتقدم الآخرون فقاموا في مقامهم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعوا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد وسجد الذين يلونه في الصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من سجوده وجلس سجد الآخرون ثم جلسوا جميعا ثم سلم عليهم قال فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بعسفان ومرة بأرض بني سليم قال سفيان وحدثنا أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بنخلة مثل ذلك قال أبو عمر رواه أيوب وجماعة عن أبي الزبير عن جابر كما رواه الثوري وكذلك رواه عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وكذلك رواه داود بن
267

حصين عن عكرمة عن ابن عباس وكذلك وراه قتادة عن الحسن عن حطان الرقاشي عن أبي موسى فعله ومن مرسل مجاهد وعروة مثله وإلى هذا الوجه في صلاة الخوف ذهب ابن أبي ليلى قال الثوري وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد فصف خلفه صفا وقام صف بإزاء العدو فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرفوا فقاموا مقام أصحابه وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم سلم عليهم فكانت للنبي عليه السلام ركعتان ولكل صف ركعة قال سفيان قد جاء هذا وهذا وأي ذلك فعلت رجوت أن يجزئ قال أبو عمر فخير الثوري في صلاة الخوف على ثلاثة أوجه أحدها حديث ابن مسعود الذي ذهب إليه أبو حنيفة والثاني حديث أبي عياش الرزقي وإليه ذهب ابن أبي ليلى جملة وذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه إذا كان العدو في القبلة والثالث الوجه الذي بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة بذي قرد وهو وإن كان أرسله في جامعه فإنه محفوظ من حديثه عن الأشعث بن سليم عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن بزهدم أنهم كانوا مع سعيد بن العاصي بطبرستان فسأل سعيد حذيفة عن صلاة الخوف فقال حذيفة
268

شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاها بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا وروى الثوري أيضا عن أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس مثل حديث حذيفة وذكر أن ذلك كان بذي قرد فبلاغ الثوري قد بان أنه مسند عنده صحيح ورواه مجاهد عن ابن عباس وروى سماك الحنفي عن ابن عمر مثله والقاسم بن حيان عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أن بعض رواة حديث يزيد الفقير قال فيه إنهم قضوا ركعة وقال أحمد بن حنبل لا أعلم أنه روي في صلاة الخوف إلا حديث ثابت هي كلها ثابتة فعلى أي حديث صلى المصلي صلاة الخوف أجزأه إن شاء الله وكذلك قال الطبري قال أبو عمر في صلاة الخوف عن النبي عليه السلام وجوه كثيرة منها حديث ابن عمر المذكور في أول هذا الباب وما كان مثله على حسبما تقدم في هذا الباب ذكره ومن القائلين به من أئمة فقهاء الأمصار الأوزاعي وإليه ذهب أشهب صاحب مالك ووجه ثان وهو حديث صالح بن خوات من رواية
269

مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات ومن روايته أيضا عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات على حسبما بينهما من الاختلاف في انتظار الإمام الطائفة الأخرى بالسلام ومن القائلين بذلك مالك والشافعي وأبو ثور على اختلاف ما بينهم في السلام على حسبما وصفناه ووجه ثالث وهو حديث ابن مسعود على ما تقدم ذكره في هذا الباب من القائلين به أبو حنيفة وأصحابه إلا أبا يوسف وهو أحد الوجوه التي خير الثوري فيها وبه قال بعض أصحاب داود أيضا ووجه رابع وهو حديث أبي عياش الزرقي وما كان مثله على حسبما ذكرناه في هذا الباب ومن القائلين به ابن أبي ليلى والثوري أيضا في تخيره وقد قالت به طائفة من الفقهاء إذا كان العدو في القبلة ووجه خامس وهو حديث حذيفة وما كان مثله على ما قد مضى في هذا الباب ذكره وهو أحد الأوجه الثلاثة التي خير الثوري رحمه الله في العمل بها في صلاة الخوف ومن حجة من قال بهذا الوجه ما رواه بكير بن الأخنس عن مجاهد عن ابن عباس قال فرض الله عز وجل الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة وزعم
270

بعض من قال هذا الوجه من الفقهاء أن للقصر في الخوف خصوصا ليس في غير الخوف لقول الله عز وجل * (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * 1 قال فينبغي أن تكون الصلاة في السفر بشرط الخوف خلاف الصلاة في السفر في حال الأمن وذكروا عن جماعة من الصحابة منهم ابن عباس وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله أنهم قالوا الصلاة في الحضر أربع وفي السفر ركعتان وفي الخوف ركعة قالوا ولو كان القصر في حال الأمن وحال الخوف سواء ما كان لقوله إن خفتم معنى وقد جل الله عز وجل عن ذلك قال أبو عمر هذا القول خلاف ما عليه جمهور الفقهاء وقد يجوز في حكم لسان العرب أن يكون المسكوت عنه في معنى المذكور كما يجوز أن يكون بخلافه وقد بينا ذلك في مواضع والحمد لله ومما يدل على أن صلاة السفر في الخوف وفي الأمن سواء حديث ابن عمر حين قال له رجل من آل خالد بن أسد يا أبا عبد الرحمان إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف
271

في القرآن ولا نجد صلاة السفر يعني في حال الأمن فقال يا ابن أخي إن الله بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ونحن لا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأيناه يفعل أي رأيناه يفعل في حال الخوف وحال الأمن في السفر فعلا واحدا فنحن نفعل كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل وفي ذلك ما يدل على أن مراد الله عز وجل في ذلك من عباده واحد ببيان السنة في ذلك كما صار قتل الصيد خطأ بالسنة يجب فيه من الجزاء كما يجب على من تقله عمدا مع قول الله عز وجل * (ومن قتله منكم متعمدا) * 1 وقد عجب عمر بن الخطاب ويعلى بن أمية من هذا المعنى أيضا حين قال يعلى لعمر يا أمير المؤمنين ما بالنا نقصر الصلاة وقد أمنا والله عز وجل يقول إن خفتم فقال عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال تلك صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته وهذا أيضا بين في أن صلاة السفر في الأمن وفي الخوف سواء وبذلك جرى العمل والفتوى في أمصار المسلمين عند جمهور الفقهاء وقد يحتمل
272

أن تكون رواية من روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم ركعة ولم يقضوا أي في علم من روى ذلك لأنه قد روى غيره أنهم قضوا ركعة في تلك الصلاة بعينها وشهادة من زاد أولى ويحتمل أن يكون أراد بقوله لم يقضوا أي لم يقضوا إذ أمنوا وتكون فائدته أن الخائف إذا أمن لا يقضي ما صلى على تلك الهيئة من الصلوات في الخوف وقد يحتمل قوله صلوا في الخوف ركعة أي في جماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكت عن الثانية لأنهم صلوها أفذاذا وحديث ابن عباس انفرد به بكير بن الأخنس وليس بحجة فيما ينفرد به والصلاة أولى ما احتيط فيه ومن صلى ركعتين في خوفه وسفره خرج من الاختلاف إلى اليقين ووجه سادس وهو حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في صلاة الخوف ركعتين (1) بطائفة وركعتين بطائفة فكانت للنبي عليه السلام أربع ولكل طائفة ركعتان رواه الأشعث وغيره عن الحسن عن أبي بكرة حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود (2)
273

قال حدثنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ (1) قال حدثنا أبي حدثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر في خوف فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو فصلى ركعتين ثم سلم فانطلق الذين صلوا فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصفوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ولأصحابه ركعتان ركعتان وبذلك كان يفتي الحسن (2) وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر مثله بمعناه حدثنا سعيد بن نصر حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا أبان بن يزيد قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع فذكر الحديث وفيه قال فنودي بالصلاة قال فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى
274

ركعتين قال فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتين (1) قال أبو عمر كل من أجاز اختلاف نية الإمام والمأموم في الصلاة وأجاز لمن صلى في بيته أن يؤم في تلك الصلاة غيره وأجاز أن تصلي الفريضة خلف المتنفل يجيز هذا الوجه في صلاة الخوف وهو مذهب الأوزاعي والشافعي وابن علية وأحمد بن حنبل وداود وصلاة الخوف إنما وضعت على أخف ما يمكن وأحوطه للمسلمين ولا وجه لقول من قال إن حديث أبي بكرة وما كان في الحضر لأن فيه سلامه في كل ركعتين منها وغير محفوظ عن النبي عليه السلام أنه صلى صلاة الخوف في الحضر وقد حكى المزني عن الشافعي قال ولو صلى في الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم كان جائزا قال وهكذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة قال أبو عمر قد روي أن صلاته هكذا كانت يوم ذات الرقاع ويحتمل أن يكون صلاها مرتين على الهيئتين هناك
275

فهده سبعة أوجه كلها ثابتة من جهة النقل قد قال بكل وجه منها طائفة من أهل العلم وقال أحمد بن حنبل والطبري وبعض أصحاب الشافعي بجواز كل وجه منها والوجه المختار في هذا الباب على أنه لا يخرج عندي من صلى لغيره مما قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوجه المذكور في حديث ابن عمر حديث هذا الباب وما كان مثله لأنه ورد بنقل أئمة أهل المدينة وهم الحجة على من خالفهم ولأنه أشبه بالأصول لأن الطائفة الأولى والثانية لم يقضوا الركعة إلا بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة وهو المعروف من السنة المجتمع عليها في سائر الصلوات وأما صلاة الطائفة الأولى ركعتها قبل أن يصليها إمامها فهو مخالف للسنة المجتمع عليها في سائر الصلوات ومخالف لقوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به (1) وقد روى الثقات حديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة على مثل معنى حديث ابن عمر فصار حديث سهل مختلفا فيه ولم يختلف في حديث ابن عمر إلا ما جاء من شك مالك رحمه الله في رفعه وقد رفعه من
276

غير شك جماعة عن نافع ورفعه الزهري عن سالم والشك لا يلتفت إليه واليقين معمول عليه أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا ابن السكن حدثنا محمد حدثنا البخاري حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أنه سأله هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فقال أخبرنا سالم أن عبد الله بن عمر قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصففنا لهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو فركع رسول الله صلى الله عليه
وسلم بمن معه ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين (1) وأما الرواية التي جاءت في حديث سهل بن أبي حثمة بنحو حديث ابن عمر فحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا
277

محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى يعني القطان قال حدثنا شعبة عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف فصف صفا خلفه وصفا مصافي (1) العدو فصلى بهم ركعة ثم ذهب هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم قاموا فقضوا ركعة ركعة (2) فإن قيل إن يحيى القطان قد خولف عن شعبة في ذلك فالجواب أن الذي خالفه لا يقاس به حفظا وإتقانا وإمامة في الحديث وما اخترناه في هذا الباب فهو اختيار أشهب وإليه ذهب الأوزاعي وقال به بعض أصحاب داود والحجة في اختيارنا هذا الوجه من بين سائر الوجوه المروية في صلاة الخوف أنه أصحها إسنادا وأشبهها بالأصول المجتمع عليها وفي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوف بأصحابه ركعة ركعة وأتمت كل طائفة لنفسها دليل على أن حديث جابر في قصة معاذ وصلاته بقومه بعد صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم
278

تلك الصلاة منسوخ لأنه لو جاز أن تصلى الفريضة خلف المتنفل لصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين والله أعلم قد احتج بهذا أبو الفرج وغيره من أصحابنا ومن الكوفيين أيضا إلا أنه يعترض عليهم حديث أبي بكرة وحديث جابر وفي ذلك نظر وبالله التوفيق وقالت طائفة من أهل العلم منهم أبو يوسف وابن علية لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم بإمام واحد وإنما تصلى بإمامين يصلي كل إمام بطائفة ركعتين واحتجوا بقول الله عز وجل * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك) * 1 الآية قالوا فإذا لم يكن فيهم النبي عليه السلام لم يكن ذلك لهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس كغيره في ذلك ولم يكن من أصحابه من يؤثر بنصيبه منه غيره وكلهم كان يحب أن يأتم به ويصلي خلفه وليس أحد بعده يقوم في الفضل مقامه والناس بعده تستوي أحوالهم أو تتقارب فلذلك يصلي الإمام بفريق
279

منهم ويأمر من يصلي بالفريق الآخر وليس بالناس اليوم حاجة إلى صلاة الخوف إذا كان لهم سبيل أن يصلوا فوجا فوجا ولا يدعوا فرض القبلة ولهم إليها سبيل قال أبو عمر هذه جملة ما احتج به القائلون بأن لا تصلى صلاة الخوف بإمام واحد لطائفتين بعد النبي صلى الله عليه وسلم ومن الحجة عليهم لسائر العلماء أنه لما كان قول الله عز وجل * (خذ من أموالهم صدقة) * 1 لا يوجب الاقتصار على النبي صلى الله عليه وسلم وحده وأن من بعده يقوم في ذلك مقامه فكذلك قوله * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) * سواء ألا ترى أن أبا بكر الصديق في جماعة الصحابة قاتلوا من تأول في الزكاة مثل تأويل هؤلاء في صلاة الخوف قال أبو عمر ليس في أخذ الزكاة التي قد استوى فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الخلفاء ما يشبه صلاة من صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصلى غيره خلف غيره لأن أخذ الزكاة فائدتها توصيلها للمساكين وليس في هذا فضل للمعطى كما في الصلاة فضل للمصلى خلفه
280

وأما مراعاة القبلة للخائف في الصلاة فساقطة عنه عند أهل المدينة والشافعي إذا اشتد خوفه كما يسقط عند النزول إلى الأرض لقول الله عز وجل * (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) * 1 قال أبو عمر مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وهذا لا يجوز لمصلي الفرض في غير الخوف ومن الدليل على أن ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم دخلت فيه أمته إلا أن يتبين خصوص في ذلك قول الله عز وجل * (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم) * 2 الآية ومثل ذلك قول الله عز وجل * (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم) * 3 هو المخاطب به وأمته داخلة في حكمه ومثل هذا كثير وبالله التوفيق وأما قول ابن عمر في حديثه هذا فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياسا على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها فإليه ذهب مالك والشافعي وأصحابهما وجماعة غيرهم قال مالك والشافعي يصلي المسافر
281

والخائف على قدر طاقته مستقبل القبلة ومستدبرها وبذلك قال أهل الظاهر وقال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه لا يصلي الخائف إلا إلى القبلة ولا يصلي أحد في حال المسايفة وقول الثوري نحو قول مالك ومن قول مالك والثوري أنه إن لم يقدر على الركوع والسجود فإنه يصلي قائما ويومئ قال الثوري إذا كنت خائفا فكنت راكبا أو قائما أومأت إيماء حيث كان وجهك ركعتين تجعل السجود أخفض من الركوع وذلك عند السلة والسلة المسايفة وقال الأوزاعي إذا كان القوم مواجهي العدو وصلى بهم إمامهم صلاة الخوف فإن شغلهم القتال صلوا فرادى فإن اشتد القتال صلوا رجالا وركبانا إيماء حيث كانت وجوههم فإن لم يقدروا تركوا الصلاة حتى يأمنوا وقال الشافعي لا بأس أن يضرب في الصلاة الضربة ويطعن الطعنة وإن تابع الضرب أو الطعن أو عمل عملا بطلت صلاته واستحب الشافعي أن يأخذ المصلي سلاحه في الصلاة ما لم يكن نجسا أو يمنعه من الصلاة أو يؤذي أحدا قال ولا يأخذ الرمح إلا أن يكون في حاشية الناس وأكثر أهل
282

العلم يستحبون للمصلي أخذ سلاحه إذا صلى في الخوف ويحملون قوله وخذوا أسلحتكم على الندب لأنه شيء لولا الخوف لم يجب أخذه فكان الأمر به ندبا وقال أهل الظاهر أخذ السلاح في صلاة الخوف واجب لأمر الله به إلا لمن كان به أذى من مطر أو مرض فإن كان ذلك جاز له وضع سلاحه قال أبو عمر الحال التي يجوز فيها للخائف أن يصلي راكبا وراجلا مستقبل القبلة وغير مستقبلها هي حال شدة الخوف والحال الأولى التي وردت الآثار فيها هي غير هذه الحال وأحسن الناس صفة للحالين جميعا من الفقهاء الشافعي رحمه الله ونحن نذكر هنا قوله في ذلك لنبين به المراد من الحديث وبالله التوفيق قال الشافعي لا يجوز لأحد أن يصلي صلاة الخوف إلا بأن يعاين عدوا قريبا غير مأمون أن يحمل عليه من موضع يراه أو يأتيه من يصدقه بمثل ذلك من قرب العدو منه ومسيرهم جادين إليه فإن لم يكن واحدا من هذين المعنيين فلا يجوز له أن يصلي صلاة الخوف فإن صلوا بالخبر صلاة الخوف ثم ذهب لم يعيدوا
283

وقال أبو حنيفة يعيدون وقال الشافعي إن كان بينهم وبين العدو حائل يأمنون وصول العدو إليهم لم يصلوا صلاة الخوف وإن كانوا لا يأمنونهم صلوا وقال الشافعي الخوف
الذي يجوز فيه الصلاة رجالا وركبانا إطلال العدو عليهم فيتراءون صفا والمسلمون في غير حصن حتى تنالهم السلاح من الرمي وأكثر من أن يقرب العدو فيه منهم من الطعن والضرب فإذا كان هكذا والعدو من وجه واحد أو محيطون بالمسلمين والمسلمون كثير والعدو قليل تستقل كل طائفة وليها العدو بالكر وحتى تكون من بين الطوائف التي تليها يليها العدو في غير شدة خوف منهم صلى الذين لا يلونهم صلاة غير شدة الخوف لا يجزئ غير ذلك ولغير الشافعي قريب من هذا المعنى في الوجهين جميعا وقال مالك إن صلى آمنا ركعة ثم خاف ركب وبنى وكذلك إن صلى ركعة راكبا وهو خائف ثم أمن نزل وبنى وهو أحد قولي الشافعي وبه قال المزني وقال أبو حنيفة إذا افتتح الصلاة آمنا ثم خاف استقبل ولم يبن فإن صلى خائفا ثم أمن بنى
284

وقال الشافعي يبني النازل ولا يبني الراكب وقال أبو يوسف لا يبني في شيء من هذا كله وللفقهاء اختلاف فيمن ظن العدو أو رآه فصلى صلاة خائف ثم انكشف له أنه لم يكن عدو في الخوف من السباع وغيرها وفي الصلاة في حين المسايفة وفي أخذ السلاح في الحرب مسائل كثيرة من فرع صلاة الخوف لا يجمل بي إيرادها لخروجنا بذلك عن تأليفنا وفيما ذكرنا من الأصول التي في معنى الحديث ما يستدل به على كثير من الفروع وللفروع كتب غير هذه وبالله العصمة والتوفيق أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن عبد الرحمان الرقي قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني سابق البربري (1) قال كنت مع مكحول بدانق قال فكتب إلى الحسن يسأله عن الرجل يطلب عدوه فلم يبرح حتى جاء كتابه فقرأت كتاب الحسن إن كان هو
285

الطالب نزل فصلى على الأرض وإن كان هو المطلوب صلى على ظهر قال الأوزاعي فوجدنا الأمر على غير ذلك قال شرحبيل بن حسنة لأصحابه لا تصلوا الصبح إلا على ظهر فنزل الأشتر فصلى على الأرض فمر به شرحبيل فقال مخالف خالف الله به قال فخرج الأشتر في الفتنة وكان الأوزاعي يأخذ بهذا الحديث في طلب العدو قال أبو عمر أكثر العلماء على ما قال الحسن في صلاة الطالب والهارب وما أعلم أحدا قال بما جاء عن شرحبيل بن حسنة في هذا الحديث إلا الأوزاعي وحده والله أعلم والصحيح ما قاله الحسن وجماعة الفقهاء لأن الطلب تطوع والصلاة المكتوبة فرضها أن تصلى بالأرض حيثما أمكن ذلك ولا يصليها راكبا إلا خائف شديد خوفه وليس كذلك حال الطالب والله أعلم
286

حديث تاسع وخمسون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد (1) قال أبو عمر التناجي التسار وذلك مكالمة الرجل أخاه عند أذنه بما يسره من غيره والنهي إنما ورد كما ترى إذا كانوا ثلاثة وأما إذا كانوا أربعة فما فوقهم فلا بأس به أخبرنا عبد الرحمان حدثنا علي حدثنا أحمد حدثنا سحنون حدثنا ابن وهب قال أخبرني الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث لا تدعوا صاحبكم نجيا للشيطان
287

قال ابن شهاب وقال سعيد بن المسيب إلا أن يستأذنه وقوله نجيا للشيطان يريد لأنه يوسوس في صدره من جهتهما ما يحزنه والله أعلم وقد أتى في الحديث أن النهي عن ذلك إنما ورد لئلا يحزن الثالث ويسوء ظنه ونحو ذلك وهذا التفسير موجود في حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قد قيل إنما يكره في السفر لا في الحضر وذلك موجود في هذا حديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما حديث ابن عمر هذا فقد رواه عنه نافع وعبد الله بن دينار وأبو صالح والقاسم بن محمد وغيرهم ورواه عن نافع جماعة منهم مالك والليث وعبيد الله وأيوب ورواية عبد الله بن دينار مفسرة لأنه قال كنت مع عبد الله بن عمر عند دار عقبة بن خالد بالسوق فجاء رجل يريد أن يناجيه وليس معه غيري فدعا ابن عمر رجلا آخر فصرنا أربعة فقال لي وللرجل استأخرا أو انتظرا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يتناجى اثنان دون واحد رواه مالك عنه وسيأتي في بابه إن شاء الله
288

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن نمير ومحمد بن بشر قالا حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر وأخبرنا أحمد بن قاسم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى إذا كان ثلاثة نفر أن يتناجى اثنان دون الثالث وعند الليث في هذا إسناد آخر عن ابن الهادي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر وحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد العرياني قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان ثلاثة نفر فلا يتناجى اثنان دون الثالث
289

وحدثنا عبد الرحمان بن مروان قال حدثنا الحسن بن علي بن داود قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عجلان عن أبيه عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول هؤلاء لا يبالون بسفك الدماء بينهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعظم حرمة المؤمن إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد قال نافع فربما كان لعبد الله حاجة ومعه رجلان إلى أحدهما فلا يكلمه حتى يأتي رابع فإذا جاء قال شأنك وصاحبك فإن لي إلى صاحبي هذا حاجة قال أبو عمر هذا لئلا يظن به أنه ينال منه أو يتكلم فيه وهو معنى حديث ابن مسعود فإن ذلك يحزنه قال الشاعر
* يروعه السرار بكل أمر
* مخافة أن يكون به السرار
* وحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتناجى اثنان دون الثالث
290

وحدثنا أحمد قال حدثنا محمد قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا منجاب بن الحرث قال أخبرنا ابن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فقلنا لابن عمر وإن كانوا أربعة قال فلا يضره وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا عيسى بن يونس قال حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره (1) قال أبو صالح فقلت لابن عمر وإن كانوا أربعة قال لا يضرك (2) وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص قال قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب الحبيبي بطرسوس عن داود بن قيس والعمري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال جئت ابن عمر وهو يناجي رجلا فجلست إليه فدفع في صدري وقال
291

مالك أما سمعت أن النبي عليه السلام قال إذا تناجى اثنان فلا يدخل معهما غيرهما حتى يستأذنهما قال أبو عمر هذا معنى غير المعنى الذي قبله وعلى هذا لا يجوز لثلاثة نفر أن يتناجى منهما اثنان دون الثالث ولا يجوز لأحد أن يدخل على المتناجيين في حال تناجيهما وأما حديث ابن مسعود فحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد بن المستفاض قال حدثنا عبيد الله بن معاذ قال حدثنا أبي قال حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر فإن ذلك يحزنه وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه
292

وحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير وأبو الأحوص وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى يختلط بالناس من أجل أن يحزنه ولا تباشر المرأة في ثوب واحد من أجل أن تصفها لزوجها حتى كأنه ينظر إليها ومعنى الحديثين واحد وحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا عمرو بن عثمان قال حدثنا أبي قال حدثنا ابن لهيعة قال حدثنا ابن هبيرة عن أبي سالم الجيشاني واسمه سفيان بن هانئ الجيشاني عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة أن يتناجى اثنان دون صاحبهما
293

حديث موفي ستين حديثا لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام (1) وهذا الحديث موقوف في الموطأ على ابن عمر لم يختلف فيه الرواة عن مالك إلا عبد الملك بن الماجشون فإنه رواه عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كل مسكر خمر وكل مسكر حرام فرفعه وقد روي مرفوعا من حديث نافع من نقل الثقات الحفاظ الأثبات ولا يقال مثله من جهة الرأي وما أعلم أحدا من أصحاب نافع أوقفه غير مالك والله أعلم أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن
295

داود ومحمد بن عيسى في آخرين قالوا حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ومن مات وهو يشرب الخمر يدمنها لم يشربها في الآخرة (1) أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا عبيد بن عبد الواحد حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثني محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام وكل مسكر خمر وكذلك رواه عبيد الله بن عمر وموسى بن عقبة وعكرمة بن عمار عن نافع عن ابن عمر مرفوعا والأحاديث في تحريم المسكر من أثبت ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد رواها جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن عمرو بن العاصي وابن عباس وعائشة وجابر وأنس وأبو مالك الأشعري وقد مضى القول ممهدا في تحريم المسكر في باب إسحاق بن أبي طلحة (2) والحمد لله
296

حديث حاد وستون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا وأنت لم تحلل فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر (1) كهذا قال يحيى في هذا الحديث ما شأن الناس حلوا وأنت لم تحل من عمرتك وتابعه جماعة من الرواة منهم عتيق الزبيري وعبد الله بن يوسف التنيسي والقعنبي وابن بكير وأبو مصعب وقال ابن القاسم وابن وهب عن مالك في هذا الحديث ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحل أنت من عمرتك والمعنى واحد عند أهل العلم ولم يختلف الرواة عن مالك في قوله
297

ولم تحل أنت من عمرتك وزعم بعض الناس أنه لم يقل أحد في هذا الحديث عن نافع ولم تحل أنت من عمرتك إلا مالك وحده وجعل هذا القول جوابا لسائله عن معنى هذا الحديث قال أبو عمر فلا أدري ممن أتعجب من المسؤول الذي استحيا أن يقول لا أدري أو من السائل الذي قنع بمثل هذا الجواب والله المستعان وهذه اللفظة قد قالها عن نافع جماعة منهم مالك وعبيد الله بن عمر وأيوب السختياني وهؤلاء حفاظ أصحاب نافع والحجة فيه على من خالفهم ورواه ابن جريج عن نافع فلم يقل من عمرتك أخبرنا عبد الرحمان بن مروان حدثنا الحسن بن يحيى القلزمي حدثنا أحمد بن زيد بن مروان حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر قال حدثنا هشام بن سليمان وعبد المجيد عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال حدثتني حفصة أن النبي عليه السلام أمر أزواجه أن يحللن عام حجة الوداع قالت حفصة فقلت ما يمنعك أن تحل قال إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر هديي قال أبو عمر قد علم كل ذي علم بالحديث أن مالكا في نافع وغيره زيادته مقبولة لموضعه من الحفظ والإتقان
298

والتثبت ولو زاد هذه اللفظة مالك وحده لكانت زيادته مقبولة لفقهه وفهمه وحفظه وإتقانه وكذلك كل عدل حافظ فكيف وقد تابعه من ذكرنا ولكن المسؤول لما رأى حديث حفصة هذا يوجب أن النبي عليه السلام كان متمتعا في حجته أو قارنا ولا بد من إحدى هاتين الحالتين على حديث حفصة هذا وعرف أن مالكا كان يذهب إلى أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان مفردا في حجته تلك لحديثه عن عبد الرحمان بن القاسم عن أبيه عن عائشة ولحديثه عن أبي الأسود وابن شهاب جميعا عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج دفع حديث حفصة بما لا وجه له وزعم أن مالكا انفرد بقوله ولم تحل أنت من عمرتك قال أبو عمر فلم ينفرد بها مالك ولو انفرد بها ما نسب أحد إليه الوهم فيها لأنها لفظة لا يدفعها أصل ولا نظر من أصل ولو جوز له أن يدفع حديث حفصة هذا بمثل ذلك من خطل القول كيف كان يصنع في أحاديث التمتع كلها التي روي فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حجته متمتعا وفي أحاديث القران التي صرحت أو دلت على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يومئذ قارنا
299

وهي كلها آثار صحاح ثابتة قد أخرجها البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم قال أبو عمر الذي عليه أهل العلم فيما اختلف من الآثار المصير إلى أقوى ما رووه وكان أثبت عندهم من جهة النقل والمعنى وأشبه بالأصول المجتمع عليها هذا إذا تعارضت الآثار في محظور ومباح ولم يقم دليل على نسخ شيء منها ولم يمكن ترتيب بعضها على بعض فكيف والأحاديث في القران والإفراد والتمتع لم يختلف إلا في وجوه مباحة كلها لا يختلف العلماء في ذلك ولا أحد من الأمة بأن الإفراد والتمتع والقران كل ذلك مباح بالسنة الثابتة المتواترة النقل وبإجماع العلماء وإنما اختلفت الآثار واختلف العلماء فيما كان به رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما في خاصة نفسه وهذا لا يضر جهله لما وصفنا ولما لم يكن لأحد من العلماء سبيل إلى الأخذ بكل ما تعارض وتدافع من الآثار في هذا الباب ولم يكن بد من المصير إلى وجه واحد منها صار كل واحد منهم إلى الأصح عنده بمبلغ اجتهاده فصار مالك إلى تفضيل الإفراد على التمتع وعلى القران لوجوه منها أنه روي ذلك أيضا عن عائشة من وجوه فكانت تلك الوجوه أولى
300

عنده من حديث حفصة هذا ومنها أنه الثابت في حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنها أنه إختيار أبي بكر وعمر وعثمان ومنها أن ذلك أتم ولذلك لم يحتج فيه إلى جبر شيء بدم ومنها من جهة النظر حجج لمخالفة معارضها بمثلها من جهة النظر أيضا ليس بنا حاجة ههنا إلى ذكر شيء منها وذهب غيره إلى أن التمتع أفضل لآثار رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تمتع وكان ابن عمر يذهب إلى التمتع ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع في حجته وكان ابن عمر من أعلم الصحابة بالحج وذهب آخرون إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة في حجته لآثار رووها صحاح عندهم أيضا بذلك والآثار في التمتع والقران كثيرة جدا وقد ذكرنا منها في باب ابن شهاب عن عروة من كتابنا هذا ما فيه كفاية وفي باب نافع أيضا ما فيه شفاء وما أعلم أحدا في قديم الدهر ولا حديثه رد حديث حفصة هذا بأن قال إن مالكا انفرد منه بقوله ولم تحل أنت من عمرتك إلا هذا الرجل والله يغفر لنا وله برحمته أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وحدثنا عبد الله بن محمد
301

ابن أسد قال حدثنا أحمد بن محمد المكي قال حدثنا علي بن عبد العزيز قالا حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر (1) وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى يعني بن سعيد القطان عن عبيد الله قال حدثني نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك قال إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل من الحج فهذا عبيد الله بن عمر وهو من أثبت الناس في نافع قد قال كما قال مالك سواء وهو أمر مجتمع عليه في القارن أنه لا يحل حتى يحل منهما جميعا بآخر عمل الحج وزعم بعض أصحابنا أن حديث حفصة هذا ليس فيه ما يدل على أن رسول
302

الله صلى الله عليه وسلم كان يومئذ متمتعا ولا قارنا وقال في جوابه لها ما يدل على أنه كان مفردا لقوله لبدت رأسي وقلدت هديي ولم يعرف أن هدي المفرد تطوع لا يمنع من إحلال لمن أمر بفسخ حجه في عمرة كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أصحابه وسنبين هذا المعنى فيما بعد من هذا الباب إن شاء الله وإنما حمله على ذلك والله أعلم تقصير البخاري عنه في رواية عبيد الله حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ وأخبرنا أحمد بن محمد وأحمد بن سعيد وأحمد بن قاسم قالوا حدثنا وهب بن مسرة قالا جميعا حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت قلت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أحل من الحج حدثنا عبد الله بن محمد وعبد الرحمان بن عبد الله قالا حدثنا أحمد بن جعفر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن
303

أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال حدثني نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت قلت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحل من عمرتك فذكره حرفا بحرف إلى آخره قال أبو عمر معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في حجته أنه من لم يكن منهم معه هدي أن يفسخ حجه في عمرة وهذا ما لم يختلف في نقله وإنما اختلف في خصوصه وعلته وعلى هذا خرج سؤال حفصة وقولها ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك فجاوبها بما جرى ذكره ولم يختلف عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من كان قد ساق هديا وثبت هو على إحرامه فلم يحل منه إلا وقت ما يحل الحاج من حجه قال ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة فمن كان ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة وهذا عندنا خصوص والله أعلم لأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه لا يحج بعدها وكان قد عرف من أمر جاهليتهم أنهم لا يرون العمرة في أشهر الحج إلا فجورا ونسخ الله ذلك من أمرهم فأراد
304

صلى الله عليه وسلم أن يريهم أن العمرة في أشهر الحج ليس بها بأس فأمر أصحابه أن يحلوا بعمرة يتمتعون بها ومما استدل بها من فضل القران والتمتع على الإفراد أن قال أن حديث حفصة هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر الهدي يدل أنه كان قارنا صلى الله عليه وسلم بقوله حتى أحل من الحج كذلك رواه الحفاظ عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن حفصة وقال أحمد بن حنبل عبيد الله بن عمر أقعد بنافع من أيوب ومالك وكلهم ثبت لأنه
لو كان مفردا لحجه لكان هديه تطوعا والهدي التطوع لا يمنع من الإحلال الذي يحله الرجل إذا لم يكن معه هدي ولو كان هديه تطوعا لكان حكمه كحكم من لم يسق هديا ولجعلها عمرة على حرصه على ذلك بدليل قوله لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي والهدي الذي يمنع من ذلك هدي قران أو هدي متعة هذا ما لا شك فيه عند أهل العلم ألا ترى لو أن رجلا خرج يريد التمتع وأحرم بعمرة أنه إذا طاف لها وسعى وحلق حل منها بإجماع إلا أن يكون معه هدي لمتعته فإن كان
305

ساق هديا لمتعته لم يحل حتى يرم النحر ولو ساق هديا تطوعا حل قبل يوم النحر بعد فراغه من العمرة قالوا فثبت بذلك أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قد منعه من الإحلال وأوجب ثبوته على الإحرام إلى يوم النحر لم يكن هدي تطوع وإنما كان هديا لسبب عمرة يراد بها قران أو تمتع هذا كله قول من نفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ مفردا وعول على حديث حفصة وما كان في معناه قالوا ونظرنا في حديث حفصة هذا فإذا حديثها قد دلنا على أن ذلك القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منه بعدما حل الناس ألا ترى إلى قول حفصة ما شأن الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك ولا يخلو النبي عليه السلام حين قال لحفصة مجاوبا لها عن قولها إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر الهدي من أن يكون قال ذلك قبل أن يطوف أو بعد الطواف فإن كان قد طاف قبل ذلك ثم أحرم بالحج من بعد فإما كان متمتعا ولم يكن قارنا إذ أحرم بالحج بعد فراغه من الطواف للعمرة وإن كان قد أحرم بالحج قبل طوافه للعمرة فإنما كان قارنا وهذا أشبه إن شاء الله
306

وعلى أي الوجهين كان فإن حديث حفصة هذا ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا لحجة لم تتقدمها عمرة ولم يكن معها عمرة وإذا كان ذلك كذلك فحكم حديث حفصة هذا كحكم سائر الأحاديث المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرن أو كحكم الأحاديث عنه أنه تمتع ومالك رحمه الله لا ينكرها ولكنه قال إن المصير إلى رواية من روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج أولى لأنه قد صح عنه ذلك من طريق النقل كما صحت تلك الوجوه ورجحنا اختيارنا الإفراد بأنه عمل أبي بكر وعمر وعثمان وحسبك بقول عمر افصلوا بين حجكم وعمرتكم وكان لا يزيد على الإفراد ومحال أن يجهل هؤلاء الخلفاء الأفضل والأصح مما روي في ذلك مع موضعهم من العلم والجلالة والفهم وقد صح عن عائشة عن وجوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وصح مثل ذلك عن جابر وجابر ساق الحديث في الحج سياقة من حفظه من أول الإهلال به إلى آخره عنه صلى الله عليه وسلم روى الأوزاعي عن ابن جريج عن عطاء قال حدثني جابر بن عبد الله قال أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا لا يخالطه شيء
307

وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة قال حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر قال أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفردا وأقبلت عائشة مهلة بعمرة وذكر الحديث (1) والآثار في الإفراد كثيرة أيضا وكل ذلك مجتمع على جوازه وبالله العون والتوفيق والتسديد لا شريك له
308

حديث ثان وستون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح وبدأ الصبح صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة (1) في هذا الحديث مع رواية الصاحب عن الصاحب والمثل عن المثل من الفقه الأذان للصبح مع انفجار الصبح وفيه تخفيف ركعتي الفجر وكذلك قال عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف ركعتي الفجر حتى إني لأقول أقرأ فيهما بأم القرآن أم لا (2) وسيأتي ذكر القراءة فيهما عند ذكر ذلك الحديث في كتابنا هذا إن شاء الله
309

حدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثني من لا أحصي من أصحاب نافع عن نافع عن ابن عمر قال أخبرتني حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طلع الفجر صلى ركعتين (1) حدثنا سعيد وعبد الوارث قالا حدثنا قاسم قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا حجاج بن المنهال قال حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف ركعتي الفجر وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا زكرياء بن عدي قال حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم يعني الجزري عن نافع عن ابن عمر عن حفصة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع أذان الصبح صلى ركعتين ثم خرج إلى المسجد وحرم الطعام وكان لا يؤذن له حتى يصبح
310

وفي هذه الأحاديث ما يدل على أن ركعتي الفجر من السنن المؤكدة لأن السنة لا يعرف منها مؤكدها إلا بمواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وكان رسول الله يواظب على ركعتي الفجر ويندب إليهما وقد قال بعض أصحابنا إنهما من الرغائب وليستا من السنن وهذا قول ضعيف حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن ابن جرير قال حدثنا عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الصبح قال أبو عمر كل ما ليس بفريضة فهو نافلة وفضيلة إذا سن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله أو فعله وسنته طريقته التي كان عليها عاملا بها ناديا وإليها
311

حديث ثالث وستون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة (1) هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلة الحجبي (2) وبلال فأغلقها عليه ومكث فيها قال عبد الله بن عمر فسألت بلال حين خرج ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جعل عمودا عن يمينه وعمودين عن يساره وثلاثة أعمدة وراءه وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى (3) هكذا رواه جماعة من رواة الموطأ عن مالك قالوا فيه عمودا عن يمينه وعمودين عن يساره منهم يحيى بن يحيى النيسابوري وبشر بن عمر الزهراني وكذلك رواه الربيع عن الشافعي عن مالك
313

ورواه عثمان بن عمر عن مالك فقال فيه جعل عمودين عن يمينه وعمودين عن يساره وروى أبو قلابة عن بشر بن عمر عن مالك عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره وكذلك رواه إسحاق بن الطباع عن مالك وقد روي ذلك عن ابن مهدي عن مالك في هذا الحديث وجعل عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره كذلك رواه بندار عنه وكذلك
رواه الزعفراني عن الشافعي عن مالك وكذلك رواه القعنبي وأبو مصعب وابن بكير وابن القاسم ومحمد بن الحسن الفقيه عن مالك وروت طائفة من رواة الموطأ عن مالك هذا الحديث وانتهى حديثهم إلي ثم صلى وزاد ابن القاسم في هذا الحديث عن مالك بإسناده هذا وجعل بينه وبين الجدار نحو ثلاثة أذرع ورواه ابن عفير وابن وهب وابن مهدي عن مالك كما رواه ابن القاسم إلا أنهم قالوا ثلاثة أذرع ولم يقولوا نحو حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي قال حدثنا عبد الرحمان بن مهدي عن مالك عن
314

نافع عن ابن عمر بهذا الحديث لم يذكر السواري قال ثم صلى بينه وبين القبلة ثلاثة أذرع وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا علي بن الحسن بن علال الحراني حدثنا محمد بن جعفر بن عيسى بن رزين العطار حدثنا إسحاق بن الجرااح حدثنا شبابة بن سوار حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع وروى هشيم هذا الخبر عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر فزاد فيه الفضل بن عباس حدثناه محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال أخبرنا هشيم أخبرنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت ومعه الفضل بن عباس وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وبلال فأجافوا عليهم الباب فمكث فيه ما شاء الله ثم خرج قال ابن عمر فكان أول من لقيت بلال فقلت أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بين الأسطوانتين
315

ورواه خالد بن الحرث عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر مثله بمعناه ولم يذكر الفضل بن عباس وقال فيه فقلت أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ههنا ونسيت أن أسأله كم صلى وروى هذا الخبر ابن أبي مليكة عن ابن عمر قال فيه فسألت بلالا هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة فقال نعم ركعتين بين الساريتين ففي هذا الحديث أنه صلى فيهما ركعتين وهذا خلاف ما تقدم ورواه يحيى القطان عن السائب بن عمر عن ابن أبي مليكة وفي هذا الحديث أيضا رواية الصاحب عن الصاحب وروى عبد الله بن عباس عن أسامة بن زيد قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة فسبح أو كبر في نواحيها ولم يصل فيها ثم خرج فصلى خلف المقام قبل الكعبة ركعتين ثم قال هذه القبلة قال أبو عمر رواية ابن عمر عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في الكعبة أولى من رواية ابن عباس عن أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
316

لم يصل فيها لأنها زيادة مقبولة وليس قول من قال لم يفعل بشهادة وهذا أصل من أصول الفقه في الشهادة إذا تعارضت في نحو هذا فأثبت قوم شيئا ونفاه آخرون كان القول قول المثبت دون النافي لأن النافي ليس بشاهد هذا إذا استويا في العدالة والإتقان والقول في قبول زيادة الزائد في أخبار على نحو هذا لأن الزيادة كشهادة مستأنفة أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا حمزة بن محمد وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قالا حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سيف بن سليمان قال سمعت مجاهدا يقول أوذن ابن عمر في منزله فقيل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل الكعبة قال فأقبلت فأجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج وأجد بلالا على الباب قائما فقلت يا بلال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة قال نعم قلت أين قال ما بين هاتين الأسطوانتين ركعتين ثم خرج فصلى ركعتين في وجه الكعبة وعند مجاهد في هذا حديث آخر حدثناه عبد الله بن
317

محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا زهير بن حرب قال حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الله بن صفوان قال قلت لعمر بن الخطاب كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة قال صلى ركعتين (1) فهذه آثار تشهد لصحة قول ابن عمر عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيها الصلاة المعهودة لا الدعاء واختلف الفقهاء في الصلاة في الكعبة الفريضة والنافلة فقال مالك لا يصلي فيها الفرض ولا الوتر ولا ركعتا الفجر ولا ركعتا الطواف ويصلي فيها التطوع وذكر ابن خواز بنداد عن مالك وأصحابه فيمن صلى في الكعبة الفريضة أو صلى على ظهرها أعاد ما دام في الوقت في المسألتين جميعا وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري يصلي في الكعبة الفرض والنوافل كلها وقال الشافعي إن صلى في جوفها مستقبلا حائطا من حيطانها فصلاته جائزة وإن صلى نحو الباب والباب مفتوح فصلاته باطل لأنه لم يستقبل منها شيئا
318

وقال مالك من صلى على ظهر الكعبة مكتوبة أعاد في الوقت وقد روي عن بعض أصحاب مالك يعيد أبدا وقال أبو حنيفة من صلى على ظهر الكعبة فلا شيء عليه واختلف أهل الظاهر فيمن صلى في الكعبة فقال بعضهم صلاته جائزة وقال بعضهم لا صلاة له في نافلة ولا فريضة لأنه قد استدبر بعض الكعبة واحتج قائل هذه المقالة بقول ابن عباس أمر الناس أن يصلوا إلى الكعبة ولم يؤمروا أن يصلوا فيها قال أبو عمر لا يصح في هذه المسألة إلا أحد قولين إما أن يكون من صلى في الكعبة صلاته تامة فريضة كانت أو نافلة لأنه قد استقبل بعضها وليس عليه إلا ذلك أو تكون صلاته فاسدة فريضة كانت أو نافلة من أجل أنه لم يحصل له استقبال بعضها إذا صلى داخلها إلا باستدبار بعضها ولا يجوز ذلك عند من ذهب إلى أن الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده في كل باب والصواب من القول في هذا الباب عندي قول من أجاز الصلاة كلها في الكعبة إذا استقبل شيئا منها لأنه قد فعل ما أمر به ولم يأت ما نهى عنه لأن استدبارها ههنا ليس بضد استقبالها لأنه ثابت معه في بعضها والضد لا
319

يثبت مع ضده ومعلوم أن المأمور باستقبال الكعبة لم يؤمر باستقبال جميعها وإنما توجه الخطاب إليه باستقبال بعضها والمصلي في جوفها قد استقبل جهة منها وقطعة وناحية فهو مستقبل لها بذلك وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى فيها ركعتين وهو المبين عن الله مراده وكل موضع يجوز فيه صلاة النافلة جازت فيه صلاة الفريضة قياسا ونظرا إلا أن ينمنع من ذلك ما يجب التسليم له على أنه لا يجب لأحد أن يتعمد صلاة الفريضة فيها ولو صلى فيها ركعتين نافلة لم يكن بذلك بأس فإن صلى أحد فيها فريضة فلا حرج ولا إعادة فإن قيل إن النافلة قد تجوز على الدابة للمسافر إلى غير القبلة ولا تجوز كذلك الفريضة فلم قيست النافلة على الفريضة قيل له ذلك موضع خصوص بالسنة لضرورة السفر كما تجوز صلاة الفريضة للخائف المطلوب راكبا مستقبل القبلة وغير مستقبلها لضرورة الخوف وليس ذلك بمبيح له الصلاة
المفروضة على الدابة في حال الأمن من غير ضرورة ولا بمبيح ذلك له ترك استقبال القبلة من غير ضرورة وكذلك الصلاة على الدابة للمتطوع المسافر ليس ذلك بمبيح له الصلاة النافلة ولا الفريضة على الأرض إلى غير القبلة في الحضر لأنها في السفر حال ضرورة خصت بالسنة والإجماع وأما غير ذلك مما تنازع فيه
320

العلماء من هذا الباب فالواجب أن لا يفرق فيه بين صلاة النافلة والفريضة كما أنها لا تفترق في الطهارة واستقبال القبلة وقراءة القرآن والسهو وسائر الأحكام وبالله التوفيق أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا القعنبي قال حدثنا عبد العزيز الدراوردي عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة أنها قالت كنت أحب أن أدخل البيت وأصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني في الحجر فقال صل في الحجر إذا أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت فإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت (1) قال أبو عمر لو ملت إلى قول أسامة وابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة دعا فيها ولم يصل لم أجز فيها نافلة ولا فريضة من جهة استدبار بعضها ولكن القول بالزيادة المفسرة لمعنى الصلاة أولى ورواية من أثبت أولى من رواية من نفى والله أعلم وبه التوفيق لا شريك له
321

حديث رابع وستون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لصاحب العرية (1) أن يبيعها بخرصها (2) هكذا روى هذا الحديث في الموطأ جماعة الرواة فيما علمت لم يزيدوا على أن يبيعها بخرصها ورواه الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال حدثني زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها تمرا وعند يحيى بن سعيد في العرايا أيضا حديثه عن بشير بن يسار سهل بن أبي حثمة وقد ذكرناه في باب داود بن الحصين من هذا الكتاب (3)
323

وروى الأوزاعي ويونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بالرطب والمحفوظ في هذا الحديث وغيره في العرايا ذكر التمر لا ذكر الرطب وقد مضى القول في حكم العرايا ومعانيها وما للعلماء من الأقاويل في ذلك مستوعبا في باب داود بن الحصين من كتابنا هذا (1) فلا وجه لإعادة ذلك ههنا
324

حديث خامس وستون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن عائشة أم المؤمنين أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال أهلها نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعنك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق (1) هكذا هذا الحديث في الموطأ عند أكثر الرواة عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة حدثناه عبد الرحمان بن يحيى قال حدثنا الحسن بن الخضر قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا عبيد الله بن فضالة قال حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك فذكره
325

قال أبو عمر قد مضى القول في حديث بريرة وجوه ومعان حسان في باب ربيعة من هذا الكتاب وسيأتي القول مستقصى ممهدا موعبا في معاني حديث بريرة في باب هشام بن عروة إن شاء الله وأما قوله في هذا الحديث لا يمنعنك ذلك فمعناه ألا يمنعك ما ذكروا من اشتراط الولاء أن تحترم شراءها وقيل لهم الولاء لمن أعتق فلا سبيل إلى ما ذكرتموه إن أردتم بيعها فإن الحكم فيها وفي غيرها أن الولاء لمن أعطى الثمن إذا أعتق وإن لم يريدوا بيعها على حكم السنة فشأنكم بها هذا معنى هذا الحديث عند أهل العلم ولا يجوز غير هذا التأويل ومثله عند من عرف الله وعرف رسوله صلى الله عليه وسلم وعرف أحكامهما في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد بينا هذا المعنى بالحجة الواضحة في باب هشام بن عروة والحمد لله وفي ظاهر هذا الحديث دليل على أن الشرط الفاسد لا يقدح في البيع ولا يفسده ولا يبطله وأن البيع يصح معه ويبطل الشرط ولكن قد جاءت آثار منها ما يدل على جواز
326

البيع والشرط ومنها ما يدل على إبطال البيع من أجل الشرط الفاسد ولكل حديث منها وجه وأصحها من جهة النقل حديث ابن عمر هذا في قصة بريرة وقد روته عائشة أيضا وهو يدل على ما ذكرنا ولتلخيص معاني الآثار المتعارضة في هذا الباب موضع غير هذا ومن حمل الحديث على ما تأولناه عليه لم يكن فيه دليل على جواز البيع وبطلان الشرط لأنه يحتمل أن يكون البيع لم ينعقد على ظاهر هذا الحديث والله أعلم ولعله انعقد على ما يجب في ذلك بترك أهل بريرة لذلك الشرط وإذا احتمل هذا الإدخال ارتفع القطع عليه بوجه من تلك الوجوه ورد الأمر في ذلك إلى الأصل وهو نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته والآثار في قصة بريرة مروية بألفاظ مختلفة وقد ذكرناه وذكرنا ما فيها من الأحكام والمعاني مستقصاة مبسوطة في باب هشام بن عروة من هذا الكتاب فهناك يتأملها من ابتغاها بحول الله وذكرنا منها عيونا وأصولا في باب ربيعة أيضا والحمد لله وأما قوله إن عائشة أرادت أن تشتري جارية فتعتقها فإن الفقهاء اختلفوا فيمن اشترى عبدا على أن يعتقه فذهب مالك
327

إلى أنه لا بأس بذلك وأنه يلزمه العتق إذا وقع في شرط البيع قال ابن القاسم وابن عبد الحكم عنه لو باعه على أن يدبره أو يعتقه إلى سنين لم يجز لأن ذلك من الغرر ويفسخ البيع قال ابن المواز فإن فات بالتدبير أو بالعتق إلى أجل كان للبائع ما وضع من الثمن قال ولو اشتراه على أن يعتقه فأي من ذلك كان للبائع نقض البيع وقال الثوري إذا بلغ عبده على أن يعتقه ويكون الولاء له فإنما يكون الولاء لمن أعتقه وهذا أجاز البيع وأبطل الشرط وقال أبو حنيفة فيمن اشترى عبدا على أن يعتقه أن البيع فاسد وإن قبضه وأعتقه فعليه الثمن في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد عليه القيمة وقال ابن أبي ليلى إذا ابتاع عبدا وشرط أن يعتقه فالبيع جائز والشرط باطل وقال ابن شبرمة البيع فاسد
328

وذكر الربيع عن الشافعي إن باع العبد على أن يعتقه أو على أن يبيعه من فلان أو على أن لا يهبه أو على منع شيء من التصرف فالبيع في هذا كله فاسد ولا يجوز الشرط في شيء من هذا إلا في موضع واحد وهو العتق اتباعا للسنة فإذا اشتراه على أن يعتقه فالبيع جائز وحكى أبو ثور عن الشافعي أن البيع في هذه المسائل كلها جائز والشرط باطل وقال الحسن بن حي كل شرط في بيع هدمه البيع إلا العتاقة وكل شرط في نكاح هدمه النكاح إلا الطلاق وهو قول إبراهيم وقال الليث فيمن اشترى عبدا
على أن يعتقه فهو حر حين اشتراه فإن أبي من عتقه جبر على عتقه وليس لواحد منهما أن ينصرف عن ذلك قال أبو عمر في حديث ابن عمر المذكور في قصة بريرة جواز بيع العبد على أن يعتق والقول به أولى ما ذهب إليه في هذا الباب وبالله التوفيق
329

حديث سادس وستون لنافع عن ابن عمر مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن عمر فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا قال فقيل لي نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت (1) قال أبو عمر كان عبد الله بن عمر يرى أن النهي عن الانتباذ في الظروف نحو الدباء والمزفت غير منسوخ وكان مالك يذهب إلى هذا وتابعه طائفة من أهل العلم وقد مضى القول في هذا الباب ممهدا مبسوطا بما فيه من اختلاف الآثار وتنازع علماء الأمصار في باب ربيعة من هذا الكتاب (2) والحمد لله فلا وجه لتكرير ذلك ههنا وفي هذا الحديث دليل على أن الإمام يخطب رعيته ويعلمهم في خطبته ما بهم الحاجة إليه من أحكامهم في دينهم ودنياهم وأما
331

الدباء فهو القرع المعروف وهو إذا يبس وصنع منه ظرف يسرع فيه النبيذ إلى الشدة مزفتا كان أو غير مزفت ولذلك ما جاء في هذا الحديث وغيره ذكر الدباء مطلقا ثم عطف عليه المزفت منه ومن غيره والله أعلم أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضل عن المختار بن فلفل قال سألت أنس بن مالك عن النبيذ فقال اجتنب مسكره في كل شيء واجتنب ما سوى ذلك فيما زفت أو في قرعة (1) وهذا يوضح ما قلنا ويفسر حديث ابن عمر ومذهبه ومذهب مالك في هذا الباب والله الموفق للصواب
332

وأما حديث مالك عن نافع وعبد الله بن دينار (1) عن ابن عمر أنه قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه فقال له سعد سل أباك إذا قدمت عليه فقدم عبد الله بن عمر فنسي أن يسأل عمر عن ذلك حتى قدم سعد فقال سألت أباك فقال لا قال فسله فسأله عبد الله بن عمر فقال عمر إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما فقال عبد الله بن عمر وإن جاء أحدنا من الغائط فقال عمر وإن جاء من الغائط (2) فهذا موقوف على عمر في الموطأ ولم يختلف رواة الموطأ في ذلك ولا عن مالك فيه خلاف وقد تابعه على ذلك جماعة وهو الصحيح إن شاء الله وقد روي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا
333

أخبرنا إبراهيم بن شاكر ومحمد بن إبراهيم قالا أخبرنا محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا أحمد بن عمرو البزار قال حدثنا عمران بن موسى قال حدثنا ابن سواء قال حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه وقد روي عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين من حديث سالم عن ابن عمر عن عمر ومن حديث محارب بن دثار عن ابن عمر عن عمر ومن حديث عاصم بن عبيد الله عن أبيه أو عمه عن عمر ومن حديث البراء بن عازب عن عمر كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي موقوفا على عمر من وجوه أيضا وإذا صح رفعه فلا يضره توقيف من وقفه لأنه أفتى بما علم وقد روي المسح على الخفين أيضا عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق وقد ذكرنا طرق المسح على الخفين والقائلين به من الصحابة ومن بعدهم مستوعبا في باب ابن شهاب والحمد لله
334