الكتاب: شرح معاني الآثار
المؤلف: أحمد بن محمد بن سلمة
الجزء: ٤
الوفاة: ٣٢١
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمد زهري النجار
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٤١٦ - ١٩٩٦ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات: مصدر بكتاب أماني الأخبار بشرح معاني الآثار

شرح معاني الآثار
للامام
أبي جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي
الحجري المصري الطحاوي الحنفي
المولد سنة 229 ه‍ - والمتوفى سنة 321 ه‍
الجزء الرابع
حققه، وضبطه، ونسقه، وصححه
محمد زهري النجار
من علماء الأزهر الشريف
دار الكتب العلمية
1

الطبعة الثالثة
1416 ه‍ - 1996 م.
2

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب البيوع
باب بيع الشعير بالحنطة متفاضلا
حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي قال ثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث
أن أبا الزبير حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبد الله أنه أرسل غلاما له بصاع من قمح هو الحنطة
فقال له بعه ثم اشتر به شعيرا فذهب الغلام فأخذ صاعا وزيادة بعض صاع فلما جاء معمر أخبره فقال له
معمر لم فعلت انطلق فرده ولا تأخذ إلا مثلا بمثل فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الطعام
بالطعام مثلا بمثل وكان طعامنا يومئذ الشعير
قيل له فإنه ليس مثله قال إني أخاف أن يضارعه أن يشبهه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقلدوه وقالوا لا يجوز بيع الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس ببيع الحنطة بالشعير متفاضلا مثلين بمثل أو أكثر من ذلك
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى في الحديث الذي احتجوا به عليهم أن معمرا أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه كان يسمعه يقول الطعام بالطعام مثلا بمثل ثم قال معمر وكان طعامنا يومئذ الشعير
فيجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بقوله الذي حكاه عنه معمر الطعام الذي كان طعامهم يومئذ فيكون ذلك
على الشعير بالشعير فلا يكون في هذا الحديث شئ من ذكر بيع الحنطة بالشعير مما ذكر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
وإنما هو مذكور عن معمر من رأيه ومن تأويله ما كان سمع من النبي صلى الله عليه وسلم
ألا ترى أنه قيل له فإنه ليس مثله أي ليس من نوعه فلم ينكر ذلك على من قاله وكان جوابه له
إني أخشى أن يضارعه كأنه خاف أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي سمعه يقوله وهو ما ذكرنا في حديثه
على الأطعمة كلها فتوقى ذلك وتنزه عنه للريب الذي وقع في قلبه منه
فلما انتفى أن يكون في هذا الحديث حجة لأحد الفريقين على صاحبه نظرنا هل في غيره ما يدلنا على حكم
ذلك كيف هو
3

فاعتبرنا ذلك فإذا علي بن شيبة قد حدثنا قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة عن مسلم بن يسار عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت أنه قام فقال يا أيها الناس إنكم قد
أحدثتم بيوعا لا أدري ما هي وإن الذهب بالذهب وزنا بوزن تبره وعينه والفضة بالفضة وزنا بوزن
تبرها وعينها ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد ولا يصلح نسيئا والبر بالبر
مدا بمد يدا بيد والشعير بالشعير مدا بمد يدا بيد ولا بأس ببيع الشعير بالبر والشعير أكثرهما يدا
بيد ولا يصح نسيئة والتمر بالتمر حتى عد الملح مثلا بمثل من زاد أو استزاد فقد أربى
قال أبو جعفر فهذا عبادة بن الصامت رضوان الله عليه قد خالف معمر بن عبد الله فيما ذهب إليه على
ما ذكرنا عنه في الحديث الأول
وقد روى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس قال ثنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب
السختياني عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر
ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير
والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر يدا بيد كيف شئتم
قال ونقص أحدهما التمر بالملح وزاد الآخر من زاد أو ازداد فقد أربى
حدثنا محمد بن خزيمة قال أخبرنا المعلى بن أسد قال ثنا وهيب عن أيوب فذكر بإسناده مثله
حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ن أبيه عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن إبراهيم بن طهمان
عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين عن ابن يسار عن أبي الأشعث قال سمعت عبادة بن الصامت
يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبايعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق
إلا وزنا بوزن ولا التمر بالتمر ولا الحنطة بالحنطة ولا الشعير بالشعير ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء
عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى ولكن بيعوا الذهب بالورق والحنطة بالشعير والتمر بالملح يدا
بيد كيف شئتم
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا همام عن قتادة عن أبي الخليل عن مسلم المكي
عن أبي الأشعث الصنعاني عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يباع الذهب بالذهب تبره وعينه
4

إلا وزنا بوزن والفضة بالفضة تبرها وعينها إلا مثلا بمثل وذكر الشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح
كيلا بكيل فمن زاد أو ازداد فقد أربى
ولا بأس ببيع الشعير بالبر يدا بيد والشعير أكثرهما
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا همام عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث
عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا سلمة بن علقمة
عن محمد بن سيرين عن مسلم بن يسار وذكر آخر حدثاه أو حدثنا قال جمع المنزل بين عبادة بن الصامت
ومعاوية في كنيسة أو بيعة
فحدث عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير
بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين قال أحدهما ولم يقل الآخر
قال عبادة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الذهب بالفضة والبر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا
قال أبو جعفر ففي هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة بيع الشعير بالحنطة مثلين بمثل فقد ثبت القول
بذلك من طريق الآثار ثم التمسنا حكم ذلك من الحنطة كم هي
فقال بعضهم هي نصف صاع لكل مسكين وقال بعضهم هي مد لكل مسكين
فكان الذين جعلوها من الحنطة نصف صاع يجعلونها من الشعير صاعا وكان الذي جعلوها من الحنطة مدا
يجعلونها من الشعير مدين وقد ذكرنا ذلك بأسانيده عنهم في غير هذا الموضع
فثبت بذلك أنهما نوعان مختلفان لأنهما لو كانا من نوع واحد إذا لأجزى من أحدهما ما يجزى من الآخر
فإن قال قائل إنه إنما زيد في الشعير على ما جعل في ذلك من الحنطة لغلو الحنطة واتساع الشعير
فالجواب له في ذلك إنا رأينا ما يعطى من جيد الحنطة ومن رديئها في كفارة الايمان سواء وكذلك الشعير
ألا ترى أن من وجبت عليه كفارة يمين فأعطى كل مسكين نصف مد يساوي نصف صاع أن ذلك
لا يجزئه من نصف صاع ولا من مد
فلما كان ما ذكرنا كذلك وكان الشعير يؤدى منه كفارات الايمان مثلي ما يؤدى من الحنطة
فثبت بذلك أنه نوع خلاف الحنطة
فثبت بذلك أن لا بأس ببيعه بالحنطة مثلين بمثل وأكثر من ذلك وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف
ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
5

باب بيع الرطب بالتمر
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا ابن وهب أن مالكا وأسامة بن زيد حدثاه عن عبد الله بن يزيد
مولى الأسود بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعدا عن السلت بالبيضاء فقال سعد
شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الرطب بالتمر فقال أينقص الرطب إذا جف فقالوا نعم
قال فلا إذا وكرهه
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا القعنبي قال ثنا مالك عن عبد الله بن يزيد عن زيد أبي عياش
عن سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقلدوه وجعلوه أصلا ومنعوا به بيع الرطب بالتمر
وممن ذهب إلى ذلك أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهما
وخالفهم في ذلك آخرون فجعلوا الرطب والتمر نوعا واحدا وأجازوا بيع كل واحد منهما بصاحبه مثلا
بمثل وكرهوه نسيئة
فاعتبرنا هذا الحديث الذي احتج به عليهم مخالفهم هل دخله شئ
فإذا بابن أبي داود قد حدثنا قال ثنا يحيى بن صالح الوحاظي قال ثنا معاوية بن سلام عن يحيى
بن أبي كثير عن عبد الله بن يزيد أن زيدا أبا عياش أخبره عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن بيع الرطب بالتمر نسيئة
فكان هذا أصل الحديث فيه ذكر النسيئة زاده يحيى بن أبي كثير على مالك بن أنس فهو أولى
وقد روى هذا الحديث أيضا غير عبد الله بن يزيد على مثل ما رواه يحيى بن أبي كثير أيضا
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرنا عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله حدثه
عن عمران بن أبي أنس أن مولى لبني مخزوم حدثه أنه سئل سعد بن أبي وقاص عن الرجل يسلف الرجل الرطب
بالتمر إلى أجل
فقال سعد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا
6

فهذا عمران بن أبي أنس وهو رجل متقدم معروف قد روى هذا الحديث كما رواه يحيى
فكان ينبغي في تصحيح معاني الآثار أن يكون حديث عبد الله بن يزيد لما اختلف عنه فيه أن يرتفع
ويثبت حديث عمران هذا
فيكون هذا النهي الذي جاء في حديث سعد هذا إنما هو لعلة النسيئة لا لغير ذلك
فهذا سبيل هذا الباب من طريق تصحيح الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فإنا قد رأيناهم لا يختلفون في بيع الرطب بالرطب مثلا بمثل أنه جائز
وكذلك التمر بالتمر مثلا بمثل وإن كانت في أحدهما رطوبة ليست في الآخر وكل ذلك ينقص إذا بقي
نقصانا مختلفا ويجف
فلم ينظروا إلى ذلك في حال الجفوف فيبطلوا البيع به بل نظروا إلى حاله في وقت وقوع البيع فعملوا
على ذلك ولم يراعوا ما يؤول إليه بعد ذلك من جفوف ونقصان
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك الرطب بالتمر ينظر إلى ذلك في وقت وقوع البيع ولا ينظر إلى ما يؤول
إليه من تغيير وجفوف
وهذا قول أبي حنيفة رحمة الله تعالى عليه وهو النظر عندنا
باب تلقي الجلب
حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا أبو الأحوص قال أنا سماك عن عكرمة
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستقبلوا السوق ولا يتلق بعضكم لبعض
وحدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو الأحوص قال ثنا سماك عن عكرمة
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستقبلوا السوق
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال أخبرنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلقى السلع حتى تدخل الأسواق
حدثنا فهد قال أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا ابن نمير فذكر بإسناده مثله
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال أخبرنا علي بن الجعد قال أخبرنا صخر بن جويرية عن نافع
عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتلقوا البيوع
7

وحدثنا محمد بن عزيز الأيلي قال أخبرنا سلامة بن روح عن عقيل عن نافع عن ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتلقى السلع حتى يهبط أي ينزل بها الأسواق
حدثنا نصر بن مرزوق قال أخبرنا أسد قال ثنا ابن أبي ذئب عن مسلم الخياط عن ابن عمر
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلقى الركبان
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا عبد العزيز بن محمد عن داود بن صالح بن دينار
عن أبيه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تلقوا شيئا من البيع حتى يقدم سوقكم
وحدثنا بحر بن نصر قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن عدي بن ثابت قال سمعت
أبا حازم يحدث عن أبي هريرة قال نهينا أو نهي عن التلقي
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل بن إسماعيل قال ثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن
أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلقوا الركبان
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن
رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تلقوا الجلب
قال أبو جعفر فاحتج قوم بهذه الآثار فقالوا من تلقى شيئا قبل دخوله السوق ثم اشتراه فشراؤه باطل
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا كل مدينة يضر التلقي بأهلها فالتلقي فيها مكروه والشراء جائز وكل
مدينة لا يضر التلقي بأهلها فلا بأس بالتلقي فيها
واحتجوا في ذلك بما حدثنا فهد قال أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا علي بن مسهر عن
عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن نبيعه حتى نحوله من مكانه أو ننقله
وحدثنا ربيع الجيزي قال ثنا حسان بن غالب قال ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة
عن نافع عن ابن عمر أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث عليهم
من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى يبلغوه إلى حيث يبيعون الطعام
ففي هذه الآثار إباحة التلقي لما في ذلك من الضرر على غير المتلقين والمقيمين في الأسواق
ويكون ما أبيح من التلقي هو الذي لا ضرر فيه على المقيمين في الأسواق
فهذا وجه هذه الآثار عندنا والله أعلم
8

واحتجوا في إجازة الشراء مع التلقي المنهي عنه بما حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الله بن بكر السهمي قال
ثنا هشام عن محمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشتراه منه
شيئا فهو بالخيار إذا أتى بالسوق
حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستقبلوا الجلب ولا يبيع حاضر لباد والبائع
بالخيار إذا دخل السوق
ففي هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تلقي الجلب ثم جعل للبائع في ذلك الخيار إذا دخل
السوق والخيار لا يكون إلا في بيع صحيح لأنه لو كان فاسدا لأجبر بائعه ومشتريه على فسخه ولم يكن
لكل واحد منهما الاباء عن ذلك
فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الخيار في ذلك للبيع ثبت بذلك صحته وإن كان معه تلق منهي عنه
فإن قال قائل فأنتم لا تجعلون الخيار للبائع المتلقي كما جعله له النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
فجوابنا له في ذلك وبالله التوفيق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
وتواترت عنه الآثار بذلك وسنذكرها في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى
فعلمنا بذلك أنهما إذا تفرقا فلا خيار لهما
فإن قال قائل فأنت قد جعلت لمن اشترى ما لم ير خيار الرؤية حتى يراه فيرضاه فيما أنكرت أن يكون
خيار التلقي كذلك أيضا
قيل له إن خيار الرؤية لم نوجبه قياسا وإنما وجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه ولم أثبتوه وحكموا به وأجمعوا
عليه ولم يختلفوا فيه
وإنما جاء الاختلاف في ذلك ممن بعدهم فجعلنا ذلك خارجا من قول النبي صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار حتى يتفرقا
وعلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعن ذلك لإجماعهم على خروجه منه كما علمنا بإجماعهم على تجويز السلم أنه خارج
من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك
9

فإن قال قائل وهل رويتم عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في خيار الرؤية شيئا
قيل له نعم حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة ومحمد بن شاذان قالا ثنا هلال بن يحيى بن مسلم
قال ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن رباح بن أبي معروف المكي عن ابن أبي مليكة عن علقمة بن وقاص الليثي
قال اشترى طلحة بن عبيد الله من عثمان بن عفان مالا فقيل لعثمان إنك قد غبنت وكان المال بالكوفة
وهو مال آل طلحة الآن بها
فقال عثمان لي الخيار لأني بعت ما لم أر
فقال طلحة إلي الخيار لأني اشتريت ما لم أر
فحكما بينهما جبير بن مطعم فقضى أن الخيار لطلحة ولا خيار لعثمان
والآثار في ذلك قد جاءت متواترة وإن كان أكثرها منقطعا فإنه منقطع لم يضاده متصل
وفي هذا أيضا حجة أخرى وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في حديث أبي هريرة للمتلقي البائع الخيار فيما باع
إذا دخل الأسواق وعلم بالأسعار
فأردنا أن ننظر هل ضاد ذلك شئ أم لا فاعتبرنا ذلك فإذا أبو بكرة قد حدثنا قال ثنا حسين بن حفص الأصبهاني قال ثنا سفيان عن يونس بن عبيد
عن ابن سيرين عن أنس قال نهينا أن يبيع حاضر لباد وإن كان أباه أو أخاه
حدثنا أبو أمية قال ثنا عبد الله بن حمران عن ابن عون عن محمد عن أنس قال نهينا أن يبيع
حاضر لباد
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا أسد قال ثنا ابن أبي ذئب عن مسلم الخياط عن ابن عمر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبيع حاضر لباد
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا علي بن الجعد قال أخبرنا صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن
مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد ولا يشتري له
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا الدراوردي عن داود بن صالح بن دينار
عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يبيع حاضر لباد
10

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب ح
وحدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو بكر الحنفي قال ثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال حدثني أسباط عن هشام بن حسان عن ابن سيرين
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله 0)
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال حدثني أبي قال سمعت النعمان بن راشد يحدث
عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي مثله 0)
حدثنا أبو بكرة قال ثنا حسين بن حفص قال ثنا سفيان عن صالح بن نبهان مولى التوأمة
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن عدي بن ثابت قال سمعت
أبا حازم يحدث عن أبي هريرة قال نهى أو نهي أن يبيع المهاجر للأعرابي
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن رجل
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يبيع الحاضر لباد
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا سفيان عن صالح مولى التوأمة
قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتري حاضر لباد
فنظرنا في العلة التي لها نهى الحاضر أن يبيع للبادي ما هي
فإذا يونس قد حدثنا قال ثنا سفيان عن أبي الزبير قال سمعت جابرا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض
حدثنا فهد قال ثنا موسى بن إسماعيل قال ثنا وهيب عن عطاء بن حكيم بن أبي زيد أنه جاءه
في حاجة قال فحدثني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دعوا الناس فليصب بعضهم من بعض وإذا استنصح
أحدكم أخاه فلينصح له
فعلمنا بذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهى الحاضر أن يبيع للبادي لان الحاضر يعلم أسعار الأسواق فيستقصي
على الحاضرين فلا يكون لهم في ذلك ربح وإذا باعهم الاعرابي على غرته وجهله بأسعار الأسواق ربح
عليه الحاضرون
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلى بين الحاضرين وبين الاعراب في البيوع ومنع الحاضرين أن يدخلوا عليهم في ذلك
11

فإذا كان ما وصفنا كذلك وثبت إباحة التلقي الذي لا ضرر فيه بما وصفنا من الآثار التي ذكرنا
صار شرى المتلقي منهم شرى حاضر من باد فهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم دعوا الناس يرزق الله
بعضهم من بعض وبطل أن يكون في ذلك خيار للبائع لأنه لو كان له فيه خيار إذا لما كان المشتري في ذلك
ربح ولا أمر النبي صلى الله عليه وسلم حاضرا أن يعترض علي ولا أن يتولى البيع للبادي منه لأنه يكون بالخيار في فسخ
ذلك البيع أو يرد له ثمنه إلى الأثمان التي تكون في بياعات أهل الحضر بعضهم من بعض
ففي منع النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين من ذلك إباحة الحاضرين التماس غرة البادين في البيع منهم والشراء منهم
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب خيار البيعين حتى يتفرقا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة ح و
حدثنا إبراهيم قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان ح
وحدثنا أبو بكر قال أخبرنا مؤمل قال أخبرنا سفيان ح
وحدثنا نصر بن مرزوق قال أخبرنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر قالوا جميعا عن عبد الله
بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا أو يكون بيع خيار
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عارم قال ثنا حماد بن زيد قال ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا قال أو يقول أحدهما لصاحبه اختر وربما
قال أو يكون بيع خيار
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا شجاع عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بيعين بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون بيع خيار
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث
عن حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار حتى يتفرقا أو ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا
بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما
12

حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أخبرنا هشام بن حسان
عن أبي الوضئ عن أبي برزة أنهم اختصموا إليه في رجل باع جارية فنام معها البائع فلما أصبح
قال لا أرضاها
فقال أبو برزة إن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وكانا في خباء شعر
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال أخبرنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن حميد بن مرة
عن أبي الوضئ قال نزلنا منزلا فباع صاحب لنا من رجل فرسا فأقمنا في منزلنا يومنا وليلتنا
فلما كان الغد قام الرجل يسرج فرسه فقال له صاحبه إنك قد بعتني فاختصما إلى أبي برزة
فقال إن شئتما قضيت بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول البيعان بالخيار
ما لم يتفرقا وما أراكما تفرقتما
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال أخبرنا همام عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن
عبد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار حتى يتفرقا أو ما لم يتفرقا
فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما فإن كذبا وكتما فعسى أن يدور بينهما فصل وتمحق بركة بيعهما
قال همام فسمعت أبا التياح يقول سمعت هذا الحديث من عبد الله بن الحارث عن حكيم بن حزام
عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا
حدثنا محمد بن بحر بن مطر قال ثنا أبو النظر هاشم بن القاسم قال أخبرنا أيوب بن عتبة عن
أبي كثير الغبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون بيع خيار
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا همام قال ثنا قتادة قال ثنا الحسن عن سمرة
بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ويأخذ كل واحد منهما ما رضى من البيع
قال أبو جعفر فاختلف الناس في تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
فقال قوم هذا على الافتراق بأقوال فإذا قال البائع قد بعت منك قال المشتري قد قبلت فقد تفرقا
وانقطع خيارهما
وقالوا الذي كان لهما من الخيار هو ما كان للبائع أن يبطل قوله للمشتري قد بعتك هذا العبد بألف درهم
قبل قبول المشتري فإذا قبل المشتري فقد تفرق هو والبائع وانقطع الخيار
وقالوا هذا كما ذكر الله عز وجل في الطلاق فقال وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته
13

فكان الزوج إذا قال للمرأة قد طلقتك على كذا وكذا فقالت المرأة قد قبلت فقد بانت وتفرقا بذلك
القول وإن لم يتفرقا بأبدانهما
قالوا فكذلك إذا قال الرجل للرجل قد بعتك عبدي هذا بألف درهم فقال المشتري قد قبلت فقد
تفرقا بذلك القول وإن لم يتفرقا بأبدانهما
وممن قال بهذا القول وفسر بهذا التفسير محمد بن الحسن رحمة الله عليه
وقال عيسى بن أبان الفرقة التي تقطع الخيار المذكور في هذه الآثار هي الفرقة بالأبدان وذلك أن الرجل
إذا قال للرجل قد بعتك عبدي هذا بألف درهم فللمخاطب بذلك القول أن يقبل ما لم يفارق صاحبه فإذا
افترقا لم يكن له بعد ذلك أن يقبل
قال ولولا أن هذا الحديث جاء ما علمنا ما يقطع ما للمخاطب من قبول المخاطبة التي خاطبه بها
صاحبه وأوجب له بها البيع
فلما جاء هذا الحديث علمنا أن افتراق أبدانهما بعد الخاطبة بالبيع يقطع قبول تلك المخاطبة
وقد روي هذا التفسير عن أبي يوسف رحمة الله عليه
قال عيسى وهذا أولى ما حمل عليه تفسير تأويل هذا الحديث لأنا رأينا الفرقة التي لها حكم فيما اتفقوا عليه
هي الفرقة في الصرف فكانت تلك الفرقة إنما يجب بها فساد عقد متقدم ولا يجب بها صلاحه
فكانت هذه الفرقة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيار المتبايعين إذا جعلناها على ما ذكرنا فسد بها
ما كان تقدم من عقد المخاطب
وإن جعلناها على ما قال الذين جعلوا الفرقة بالأبدان يتم بها البيع كانت بخلاف فرقة الصرف ولم يكن لها
أصل فيما اتفقوا عليه لان الفرقة المتفق عليها إنما يفسر بها ما تقدمها إذا لم يكن تم حتى كانت
فأولى الأشياء بنا أن نجعل هذه الفرقة المختلف فيها كالفرقة المتفق عليها فيجبر بها فساد ما قد تقدمها
مما لم يكن تم حتى كانت فثبت بذلك ما ذكرنا
وقال آخرون هذه الفرقة المذكورة في هذا الحديث هي على الفرقة بالأبدان فلا يتم البيع حتى تكون
فإذا كانت تم البيع
واحتجوا في ذلك بأن الخبر أطلق ذكر المتبايعين فقال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
قالوا فهما قبل البيع متساومان فإذا تبايعا صارا متبايعين فكان اسم البائع لا يجب لهما إلا بعد العقد
فلم يجب لهما الخيار
واحتجوا في ذلك أيضا بما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا بايع رجلا شيئا فأراد أن لا يقبله
قام فمشى ثم رجع
14

قالوا وهو قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم قوله البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فكان ذلك عنده على التفرق
بالأبدان وعلى أن البيع يتم بذلك
فدل ما ذكرنا على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك أيضا
واحتجوا في ذلك أيضا بحديث أبي برزة الذي قد ذكرناه عنه في أول هذا الباب وبقوله للرجلين اللذين
اختصما إليه ما أراكما تفرقتما فكان ذلك التفرق عنده هو التفرق بالأبدان ولم يتم البيع عنده قبل
ذلك التفرق
فكان من الحجة عندنا على أهل هذه المقالة لأهل المقالتين الأوليين أن ما ذكروا من قولهم
لا يكونان متبايعين إلا بعد أن يتعاقدا البيع وهما قبل ذلك متساومان غير متبايعين فذلك إغفال منهم لسعة
اللغة لأنه قد يحتمل أن يكونا سميا متبايعين لقربهما من التبايع وإن لم يكونا تبايعا وهذا موجود في اللغة
قد سمى إسحاق أو إسماعيل عليهما السلام ذبيحا لقربه من الذبح وإن لم يكن ذبح
فكذلك يطلق على المتساومين اسم المتبايعين إذا قربا من البيع وإن لم يكونا تبايعا
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسوم الرجل على سوم أخيه وقال لا يبيع الرجل على بيع أخيه
ومعناهما واحد
فلما سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم المساوم الذي قد قرب من البيع متبايعا وإن كان ذلك قبل عقده البيع احتمل
أيضا أن يكون كذلك المتساومان سماهما متبايعين لقربهما من البيع وإن لم يكونا عقدا عقدة البيع فهذه
معارضة صحيحة
وأما ما ذكروا عن ابن عمر رضي الله عنهما من فعله الذي استدلوا به على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الفرقة فإن ذلك قد يحتمل عندنا ما قالوا ويحتمل غير ذلك قد يجوز
أن يكون بن عمر رضي الله عنهما أشكلت عليه تلك الفرقة التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم
ما هي
فاحتملت عنده الفرقة بالأبدان على ما ذكره أهل هذه المقالة
واحتملت عنده الفرقة بالأبدان على ما ذكره أهل هذه المقالة التي ذهب إليها عيسى
واحتملت عنده الفرقة بالأقوال على ما ذهب إليه الآخرون ولم يحضره دليل يدله أنه بأحدها أولى منه
مما سواه منها ففارق بايعه ببدنه احتياطا
ويحتمل أيضا أن يكون فعل ذلك لان بعض الناس يرى أن البيع لا يتم إلا بذلك وهو يرى أن البيع
يتم بغيره
فأراد أن يتم البيع في قوله وقول مخالفه حتى لا يكون لبائعه نقض البيع عليه في قوله ولا في قول مخالفه
15

وقد روى عنه ما يدل أن رأيه في الفرقة كان بخلاف ما ذهب إليه من ذهب إلى أن البيع يتم بها
وذلك أن سليمان بن شعيب قد حدثنا قال حدثنا بشر بن بكر قال حدثني الأوزاعي
قال حدثني الزهري عن حمزة بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال ما أدركت الصفقة حيا فهو
من مال المبتاع
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فهذا بن عمر رضي الله عنهما قد كان يذهب فيما أدركت الصفقة حيا فهلك بعدها
أنه من مال المشتري
فدل ذلك أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال قبل الفرقة التي تكون بعد ذلك وأن البيع ينتقل بتلك
الأقوال من ملك البائع إلى ملك المبتاع حتى يهلك من ماله إن هلك
فهذا الذي ذكرنا أدل على مذهب بن عمر رضي الله عنهما في الفرقة التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم مما ذكروا
وأما ما ذكروا عن أبي برزة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة لهم فيه أيضا عندنا لان ذلك الحديث إنما هو
فيما رواه حماد بن زيد عن جميل بن مرة أن رجلا باع صاحبه فرسا فباتا في منزل فلما أصبحا قام الرجل
يسرج فرسه فقال له بعتني فقال أبو برزة إن شئتما قضيت بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
البيعان بالخيار حتى يتفرقا وما أراكما تفرقتما
ففي هذا الحديث ما يدل على أنهما قد كانا تفرقا بأبدانهما لان فيه أن الرجل قام يسرج فرسه فقد تنحى
بذلك من موضع إلى موضع
فلم يراع أبو برزة ذلك وقال ما أراكما تفرقتما أي لما كنتما متشاجرين أحدكما يدعي البيع والآخر
ينكره لم تكونا تفرقتما الفرقة التي يتم بها البيع وهي خلاف ما قد تفرقا بأبدانهما
ثم بعد هذا فقد وجدنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن البيع يملكه المشتري بالقول دون
التفرق بالأبدان
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه
فكان ذلك دليلا على أنه إذا قبضه حل له بيعه وقد يكون قابضا له قبل افتراق بدنه وبدن بائعه
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه وسنذكر هذه الآثار في مواضعها من
كتابنا هذا إن شاء الله تعالى
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن لهيعة ح
16

وحدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو الأسود قال حدثني بن لهيعة عن موسى بن ورد أن سعيد
بن المسيب قال سمعت عثمان بن عفان يخطب على المنبر يقول كنت اشتري التمر فأبيعه بربح الآصع فقال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتريت فاكتل وإذا بعت فكل
فكان من ابتاع طعاما مكايلة فباعه قبل أن يكتاله لا يجوز بيعه فإذا ابتاعه فاكتاله وقبضه ثم فارق
بيعه فكل قد أجمع أنه لا يحتاج بعد الفرقة إلى إعادة الكيل وخولف بين اكتياله إياه بعد البيع قبل
التفرق وبين اكتياله إياه قبل البيع
فدل ذلك أنه إذا اكتاله اكتيالا يحل له بيعه فقد كان ذلك الاكتيال منه وهو له مالك
وإذا اكتاله اكتيالا لا يحل له بيعه فقد كاله وهو غير مالك له
فثبت بما ذكرنا وقوع ملك المشتري في البيع بابتياعه إياه قبل فرقة تكون بعد ذلك
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما من طريق النظر فإنا قد رأينا الأموال تملك بعقود في أبدان وفي أموال وفي منافع وفي أبضاع
فكان ما يملك من الأبضاع هو النكاح فكان ذلك يتم بالعقد لا بفرقة بعده
وكان ما يملك به المنافع هو الإجارات فكان ذلك مملوكا بالعقد لا بالفرقة بعد العقد
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك الأموال المملوكة بسائر العقود من البيوع وغيرهما تكون مملوكة
بالأقوال لا بالفرقة بعدها قياسا ونظرا على ما ذكرنا من ذلك
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب بيع المصراة
حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا عوف عن محمد بن سيرين
وخلاس بن عمرو عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اشترى شاة مصراة أو لقحه مصراة فحلبها
فهو بخير النظيرين بين أن يختارها وبين أن يردها وإناء من طعام
حدثنا فهد قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا حماد عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة
يقول سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول
17

وحدثنا فهد قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أيوب عن محمد هو بن سيرين عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع مصراة فهو بالخيار إن شاء ردها وصاعا من تمر هكذا في حديث محمد بن زياد
وفي حديث أيوب وصاعا من طعام لا سمراء
حدثنا ربيع الجيزي وصالح بن عبد الرحمن قالا ثنا عبد الله بن مسلمة ح
وحدثنا يونس قال أخبرني عبد الله بن نافع ح
وحدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قالوا حدثنا داود بن قيس عن موسى بن بشار عن
أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشترى شاة مصراة فلينقلب بها فيحلبها فإن رضي حلابها
أمسكها وإلا ردها ورد معها صاعا من تمر
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الغفار بن داود قال ثنا ابن لهيعة حدثنا أبو الأسود عن عبد الرحمن
بن سعد وعكرمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اشترى شاة
مصراة أو لقحة مصراة ولم يعلم أنها مصراة فإنه إن شاء ردها ومعها صاع من تمر وإن شاء أمسكها
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال أخبرنا عبد الله بن صالح قال حدثني بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث
عن بكير بن عبد الله أن أبا إسحاق حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اشترى شاة مصراة
فلينقلب بها فليحلبها فإن رضي حلابها أمسكها وإلا ردها ورد معها صاعا من تمر
قال أبو جعفر فقد رويت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا ولم يذكر فيها الخيار المشتري وقتا
وقد روى عنه أنه جعل الخيار له في ذلك ثلاثة أيام
حدثنا بذلك أبو أمية قال ثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال ثنا ابن المبارك عن عبيد الله بن عمر عن
أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الشاة وهي محفلة فإذا باعها فإن
صاحبها بالخيار ثلاثة أيام فإن كرهها ردها ورد معها صاعا من تمر
18

حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن أن سهيل بن أبي صالح أخبره عن
أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام فإن شاء أمسكها
وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر
حدثنا نصر بن مرزوق قال أخبرنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن أيوب وهشام بن عروة وحبيب
عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
غير أنه قال ردها وصاعا من طعام لا سمراء
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الشاة المصراة إذا اشتراها رجل فحلبها فلم يرض حلابها فيما بينه وبين
ثلاثة أيام كان بالخيار إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وممن ذهب إلى ذلك بن أبي ليلى إلا أنه قال يردها ويرد معها قيمة صاع من تمر
وقد كان أبو يوسف أيضا قال بهذا القول في بعض أماليه غير أنه ليس بالمشهور عنه
وخالف ذلك كله آخرون فقالوا ليس للمشتري ردها بالعيب ولكنه يرجع على البائع بنقصان العيب
وممن قال ذلك أبو حنيفة ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهما
وذهبوا إلى أن ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك مما تقدم ذكرنا له في هذا الباب منسوخ
فروى عنهم هذا الكلام مجملا ثم اختلف عنهم من بعد في الذي نسخ ذلك ما هو
فقال محمد بن شجاع فيما أخبرني عنه بن أبي عمران نسخه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
وقد ذكرنا ذلك بأسانيده فيما تقدم من هذا الكتاب
فلما قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرقة الخيار ثبت بذلك أنه لا خيار لأحد بعدها إلا لمن استثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم
في هذا الحديث بقوله إلا بيع الخيار
قال أبو جعفر وهذا التأويل عندي فاسد لان الخيار المجعول في المصراة إنما هو خيار عيب وخيار العيب
لا يقطعه الفرقة
ألا ترى أن رجلا لو اشترى عبدا فقبضه وتفرقا ثم رأى به عيبا بعد ذلك أن له رده على بائعه باتفاق
المسلمين لا يقطع ذلك التفرق الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآثار المذكورة عنه في ذلك
فكذلك المبتاع للشاة المصراة فإذا قبضها فاحتلبها فعلم أنها على غير ما كان ظهر له منها وكان ذلك لا يعلمه
في احتلابه مرة ولا مرتين جعلت له في ذلك هذه المدة وهي ثلاثة أيام حتى يحلبها في ذلك فيقف على حقيقة
ما هي عليه
فإن كان باطنها كظاهرها فقد لزمته واستوفى ما اشترى
19

وإن كان ظاهرها بخلاف باطنها فقد ثبت العيب ووجب له ردها به
فإن حلبها بعد الثلاثة أيام فقد حلبها بعد علمه بعيبها فذلك رضاء منه بها
فلهذه العلة التي ذكرت وجب فساد التأويل الذي وصفت
وقال عيسى بن أبان كان ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحكم في المصراة بما في الآثار الأول في وقت
ما كانت العقوبات في الذنوب يؤخذ بها الأموال
فمن ذلك ما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة أنه من أداها طائعا فله أجرها وإلا أخذناها منه
وشطر ماله غرمة من غرمات ربنا عز وجل
ومن ذلك ما روى عنه في حديث عمرو بن شعيب في سارق الثمرة التي لم تحرز فإنه يضرب جلدات
ويغرم مثليها
وقد ذكرنا ذلك بأسانيده في باب وطئ الرجل جارية امرأته فأغنانا ذلك عن إعادة ذكرها ههنا
قال فلما كان الحكم في أول الاسلام كذلك حتى نسخ الله الربا أفردت الأشياء المأخوذة إلى أمثالها إن كانت
لها أمثال وإلى قيمتها إن كانت لا أمثال لها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن التصرية وروى عنه في ذلك
فذكر ما قد حدثنا الربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا المسعودي عن جابر الجعفي عن أبي الضحى
عن مسروق عن عبد الله قال اشهد على الصادق المصدوق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أنه قال إن بيع المحفلات خلابة
ولا يحل خلابة مسلم
فكان من فعل ذلك وباع ما قد جعل يبيعه إياه مخالفا لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وداخلا فيما نهى عنه فكانت
عقوبته في ذلك أن يجعل اللبن المحلوب في الأيام الثلاثة للمشتري بصاع من تمر ولعله يساوي آصعا كثيرة
ثم نسخت العقوبات في الأموال بالمعاصي وردت الأشياء إلى ما ذكرنا
فلما كان ذلك كذلك ووجب رد المصراة بعينها وقد زايلها اللبن علمنا أن ذلك اللبن الذي أخذه المشتري
منها قد كان بعضه في ضرعها في وقت وقوع البيع عليها فهو في حكم المبيع وبعضه حدث في ضرعها في ملك
المشتري بعد وقوع البيع عليها فذلك للمشتري
فلما لم يكن رد اللبن بكماله على البائع إذا كان بعضه بما لم يملك بيعه ولم يمكن أن يجعل اللبن كله للمشتري
إن كان ملك بعضه من قبل البائع ببيعه إياه الشاة التي قد ردها عليه بالعيب وكان ملكه له إياه بجزء من الثمن
الذي كان وقع به البيع فلا يجوز أن يرد الشاة بجميع الثمن ويكون ذلك اللبن سالما له بغير ثمن
فلما كان ذلك كذلك منع المشتري من ردها ورجع على بائعه بنقصان عيبها قال عيسى فهذا وجه حكم
بيع المصراة
20

قال أبو جعفر والذي قال عيسى من هذا يحتمل غير ما قال إني رأيت في ذلك وجها هو أشبه عندي
بنسخ هذا الحديث من ذلك الوجه الذي ذهب إليه عيسى
وذلك أن لبن المصراة الذي احتلبه المشتري منها في الثلاثة الأيام التي احتلبها فيها قد كان بعضه في ملك
البائع قبل الشراء وحدث بعضه في ملك المشتري بعد الشراء إلا أنه قد احتلبها مرة بعد مرة
فكان ما كان في يد البائع من ذلك مبيعا إذا أوجب نقض البيع في الشاة وجب نقض البيع فيه
وما حدث في يد المشتري من ذلك فإنما كان ملكه بسبب البيع أيضا وحكمه حكم الشاة لأنه من بدنها
هذا على مذهبنا
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل لمشتري المصراة بعد ردها جميع لبنها الذي كان حلبه منها بالصاع من التمر الذي
أوجب عليه رده مع الشاة
وذلك اللبن حينئذ قد تلف أو تلف بعضه مكان المشتري قد ملك لبنا دينا بصاع تمر دين فدخل ذلك
في بيع الدين بالدين ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد عن بيع الدين بالدين
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا أبو عاصم قال أبو بكرة في حديثه أخبرنا موسى بن عبيدة
وقال بن مرزوق في حديثه عن موسى بن عبيدة الزيدي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عن بيع الكالئ بالكالئ يعني الدين بالدين
فنسخ ذلك ما كان تقدم منه مما روى عنه في المصراة مما حكمه حكم الدين
ويقال للذي ذهب إلى العمل بما روى في المصراة مما قد ذكرناه في أول هذا الباب قد روى عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال الخراج بالضمان وعملت بذلك العلماء
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن أبي ذئب ح
وحدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا القعنبي قال ثنا ابن أبي ذئب عن مخلد بن خفاف عن عروة عن
عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا أبو الوليد قال ثنا الزنجي بن خالد سمعته يقول زعم لنا هشام بن عروة
21

عن أبيه عن عائشة قالت إن رجلا اشترى عبدا فاستغله ثم رأى به عيبا فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده بالعيب
فقال يا رسول الله إنه قد استغله فقال له الغلة بالضمان
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا مطرف بن عبد الله قال ثنا الزنجي بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال أخبرنا عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون
قال ثنا مسلم بن خالد فذكر بإسناده مثله
فتلقى العلماء هذا الخبر بالقبول وزعمت أنت أن رجلا لو اشترى شاة فحلبها ثم أصاب بها عيبا غير
التحفيل أنه يردها ويكون اللبن له
وكذلك لو كان مكان اللبن ولد ولدته ردها على البائع وكان الولد له وكان ذلك عندك من الخراج الذي
جعله النبي صلى الله عليه وسلم للمشتري بالضمان
فليس يخلو الصاع الذي توجبه على مشتري المصراة إذا ردها على البائع بالتصرية أن يكون عوضا من جميع
اللبن الذي احتلبه منها الذي كان بعضه في ضرعها في وقت وقوع البيع وحدث بعضه في ضرعها بعد البيع أو يكون
عوضا من اللبن الذي كان في ضرعها في وقت وقوع البيع خاصة فإن
كان عوضا منهما فقد نقضت بذلك أصلك الذي جعلت الولد واللبن للمشتري بعد الرد بالعيب لأنك
جعلت حكمها حكم الخراج الذي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم للمشتري بالضمان
وإن كان ذلك الصاع عوضا مما كان في ضرعها في وقت وقوع البيع خاصة والباقي سالم للمشتري لأنه من
الخراج فقد جعلت للبائع صاعا دينا بلبن دين وهذا غير جائز في قولك ولا في قول غيرك
فعلى أي الوجهين كان هذا المعنى عليه عندك فأنت به تارك أصلا من أصولك
وقد كنت أنت بالقول بنسخ هذا الحكم في المصراة أولى من غيرك لأنك أنت تجعل اللبن في حكم الخراج
وغيرك لا يجعله كذلك
باب بيع الثمار قبل أن تتناهى
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال أخبرني يونس بن يزيد قال حدثني
نافع بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الثمر واشترائه حتى
يبدو صلاحه
22

حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو داود قال ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ح
وحدثنا يزيد قال ثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل قالا جميعا عن ابن شهاب ح
وحدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه
حدثنا محمد بن خزيمة قال أخبرنا عبد الله بن رجاء هو العداني قال أخبرنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد فكان إذا سئل عن صلاحها قال حتى يذهب عاهتها
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال أخبرنا بن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن
سراقة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة قال قلت متى ذاك
يا أبا عبد الرحمن قال طلوع الثريا
حدثنا علي بن معبد قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا زكريا بن إسحاق قال ثنا عمرو بن دينار أنه سمع
جابر بن عبد الله يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو داود عن سليم بن جابر قال ثنا سعيد بن مينا عن جابر بن
عبد الله قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تشقح
فقيل لجابر وما تشقح قال تحمر وتصفر ويؤكل منها
حدثنا صالح بن عبد الرحمن وربيع الجيزي قالا ثنا
عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال ثنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت عن أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع
الثمار حتى تنجو من العاهة
حدثنا محمد بن سليمان الباغندي قال ثنا إبراهيم بن حميد الطويل قال ثنا صالح بن أبي الأخضر عن
الزهري عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عمر بن يونس بن القاسم اليمامي قال حدثني أبي عن إسحاق بن عبد الله
23

بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المحاقلة والمزابنة والمخاضرة والملامسة
والمنابذة قال عمر فسر لي أبي في المخاضرة قال لا ينبغي أن يشتري شئ من ثمر النخل حتى يونع يحمر أو يصفر
حدثنا إبراهيم بن محمد أبو بكر الصيرفي قال ثنا أبو الوليد قال ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن أنس
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى تزهو وعن العنب حتى يسود وعن الحب حتى يشتد
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى تزهو
فقلت لأنس وما زهوها فقال تحمر وتصفر أرأيت إن منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال أخبرنا عبد الله بن بكر قال أخبرنا حميد عن أنس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن بيع ثمرة النخل حتى تزهو قيل له وما تزهو قال تحمر أو تصفر
حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يحيى بن أيوب عن حميد
الطويل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تتبايعوا الثمار حتى تزهو
قلنا يا رسول الله وما تزهو قال تحمر أو تصفر أرأيت إن منع الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال سعيد وأبو سلمة
أن أبا هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فزعموا أن الثمار لا يجوز بيعها في رؤوس النخل حتى تحمر أو تصفر
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا هذه الآثار كلها عندنا ثابتة صحيح مجيئها فنحن آخذون بها غير
تاركين لها
ولكن تأويلها عندنا غير ما تأولها عليه أهل المقالة الأولى وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها فاحتمل ذلك أن يكون على ما تأوله عليه أهل
المقالة الأولى واحتمل أن يكون أراد به بيع الثمار قبل أن يكون فيكون البائع بائعا لما ليس عنده فقد نهاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في نهيه عن بيع السنين
24

حدثنا يونس قال ثنا سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن سليمان بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين
قال يونس قال لنا سفيان وهو بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها
حدثنا ربيع الجيزي وإبراهيم بن أبي داود قالا ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال ثنا كهمس بن
المنهال عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
بيع السنين
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا ابن عفير قال ثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن عطاء وأبي الزبير
عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يطعم
حدثنا محمد خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام بن أبي عبد الله قال ثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب وأبو الوليد قالا ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن
أبي البختري قال سألت بن عباس عن بيع النخل حتى نأكل
منه أو حتى يؤكل منه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا البختري
الطائي يقول سألت بن عباس عن السلم فقلت إنا ندع أشياء لا نجد لها في كتاب الله عز وجل تحريما
قال إنا نفعل ذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يؤكل منه
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني المفضل بن فضالة عن خالد
أنه سمع عطاء بن أبي رباح يسأل عن الرجل يبيع ثمرة أرضه رطبا كان أو عنبا يسلف فيها قبل أن تطيب
فقال لا يصلح إن بن الزبير باع ثمرة أرض له ثلاث سنين فسمع بذلك جابر بن عبد الله الأنصاري
فخرج إلى المسجد
فقال في الناس منعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيع الثمرة حتى تطيب
25

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال سألت بن
عمر عن السلف في الثمر فقال نهى عمر عن بيع الثمر حتى يصلح
فدلت هذه الآثار التي ذكرنا على أن الثمار المنهي عن بيعها قبل بدو صلاحها ما هي فإنها المبيعة قبل
كونها المسلف عليها
فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك حتى يكون ويؤمن عليها العاهة فحينئذ يجوز السلم
فيها أفلا ترى أن بن عمر رضي الله عنهما لما سأله أبو البختري عن السلم في النخل كان جوابه في ذلك ما ذكر
في حديثه عن النهي عن بيع الثمار حتى تطعم
فدل ذلك على أن النهي إنما وقع في الآثار التي قدمنا ذكرها في هذا الباب على بيع الثمار قبل أن
تكون ثمرا
ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم أرأيت إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه
فلا يكون ذلك إلا على المنع من ثمرة لم يكن له أن تكون
وإما الذي في هذه الآثار هو النهي عن السلم في الثمار في غير حينها فهذه الآثار تدل على النهي عن ذلك
فأما بيع الثمار في أشجارها بعد ما ظهرت فإن ذلك عندنا جائز صحيح
والدليل على ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن شهاب عن سالم بن
عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من باع نخلا بعد أن يؤبر فثمرتها للذي باعها
إلا أن يشترط المبتاع ومن باع عبدا فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع
حدثنا يزيد قال حدثني القعنبي قال حدثني بن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اشترى عبدا ولم يشترط ماله فلا شئ له ومن اشترط نخلا بعد تأبيرها
ولم يشترط الثمر فلا شئ له
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أخبرني حماد بن سلمة عن عكرمة بن خالد
المخزومي عن ابن عمر أن رجلا اشترى نخلا قد برها صاحبها فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه
أن الثمرة لصاحبها الذي أبرها إلا أن يشترط المشتري
قال أبو جعفر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار ثمر النخل لبائعها إلا أن يشترطها مبتاعها فيكون له
باشتراطه إياها ويكون بذلك مبتاعا لها
وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم ههنا بيع ثمرة في رؤوس النخل قبل بدو صلاحها
26

فدل ذلك أن المعنى المنهي عنه في الآثار الأول خلاف هذا المعنى
فإن قال قائل إن ما أجيز هو بيع الثمر في هذه الآثار لأنه مبيع مع غيره وليس في جواز بيعه مع غيره
ما يدل على أن بيعه وحده كذلك لأنا قد رأينا أشياء تدخل مع غيرها في البيعات ولا يجوز إفرادها بالبيع
من ذلك الطرق والأفنية تدخل في بيع الدور ولا يجوز أن تفرد بالبيع
فجوابنا في ذلك وبالله التوفيق أن الطرق والأفنية تدخل في البيع وإن لم يشترط ولا يدخل الثمر في بيع
النخل إلا أن يشترط
فالذي يدخل في بيع غيره لا باشتراط هو الذي لا يجوز أن يكون مبيعا وحده
والذي لا يكون داخلا في بيع غيره إلا باشتراط هو الذي إذا اشترط كان مبيعا فلم يجز أن يكون مبيعا
مع غيره إلا وبيعه وحده جائزا
ألا يرى أن رجلا لو باع دارا وفيها متاع أن ذلك المتاع لا يدخل في البيع وأن مشتريها لو اشترطه
في شراءه الدار صار له باشتراطه إياه
ولو كان الذي في الدار خمرا أو خنزيرا فاشترطه في البيع فسد البيع
فكان لا يدخل في شراءه الدار باشتراطه في ذلك إلا ما يجوز له شراءه
ولو اشترى وحده وكان الثمر الذي ذكرنا يجوز له اشتراطه مع النخل فلم يكن ذلك إلا لأنه يجوز
بيعه وحده
أو لا يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث وقرنه مع ذكره النخل من باع عبدا له مال فماله للبائع
إلا أن يشترطه المبتاع
فجعل المال للبائع إذا لم يشترطه المبتاع وجعله للمبتاع باشتراطه إياه وكان ذلك المال لو كان خمرا أو خنزيرا
فسد بيع العبد إذا اشترطه فيه
وإنما يجوز أن يشترط مع العبد من ماله ما يجوز بيعه وحده فأما ما لا يجوز بيعه وحده فلا يجوز اشتراطه
في بيعه لأنه يكون بذلك مبيعا وبيع ذلك الشئ لا يصلح فذلك أيضا دليل صحيح على ما ذكرنا في الثمرة
الداخلة في بيع النخل بالاشتراط أنها الثمار التي يجوز بيعها على الانفراد دون بيع النخل
فثبت بذلك ما ذكرنا وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمة الله عليهما
وكان محمد بن الحسن يذهب إلى أن النهي الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول هذا الباب هو بيع
الثمر على أن يترك في رؤوس النخل حتى يبلغ ويتناهى وحتى يجد وقد وقع البيع عليه قبل التناهي فيكون
المشتري قد ابتاع ثمرا ظاهرا وما ينميه نخل البائع بعد ذلك إلى أن يجد فذلك باطل
قال فأما إذا وقع البيع بعد ما تناهى عظمه وانقطعت زيادته فلا بأس بابتياعه واشتراط تركه إلى
حصاده وجداده
27

قال فإنما وقع النهي عن ذلك لاشتراطه الترك لمكان الزيادة
قال وفي ذلك دليل على أن لا بأس بذلك الاشتراط في ابتياعه بعد عدم الزيادة حدثني سليمان بن شعيب
بهذا عن أبيه عن محمد
وتأويل أبي حنيفة وأبي يوسف في هذا أحسن عندنا والله أعلم
والنظر أيضا يشهد له لأنه إذا وقع البيع على الثمار بعد تناهيها على أن تترك إلى الحصاد فالنخل ههنا
مستأجرة ليكون الثمار فيها إلى وقت جدادها عنها وذلك لو كان على الانفراد لم يجز فإذا كان مع غيره
فهو أيضا كذلك
وقد قال قوم إن النهي الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها لم يكن منه على تحريم
ذلك ولكنه كان على المشورة عليهم بذلك لكثرة ما كانوا يختصمون إليه فيه ورووا ذلك عن زيد بن ثابت
رضي الله عنه
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال أخبرنا أبو زرعة وهب الله عن يونس بن يزيد قال قال أبو الزناد
كان عروة بن الزبير يحدث عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري أنه أخبره أن زيد بن ثابت كان يقول كان الناس
في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبايعون الثمار
فإذا جاء البائع وحضره للتقاضي
قال المبتاع إنه أصاب الثمر العفن الرماد أصابه مراق أو أصابه فشام عاهات يحتجون بها والفشام شئ
يصيبه حتى لا يرطب قال
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كثرت عنده الخصومة في ذلك لا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر
كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم
فدل ما ذكرنا أن ما روينا في أول هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه عن بيع الثمار حتى يبدو
صلاحها إنما كان هذا على المعنى لا على ما سواه
باب العرايا
حدثنا إسماعيل بن يحيى قال أخبرنا محمد بن إدريس عن سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالثمر
قال عبد الله وحدثنا زيد بن ثابت " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا
28

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عارم ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قالا ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المزابنة
قال بن عمر رضي الله عنهما وأخبرني زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن
زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في العرايا
حدثنا علي بن شيبة بهذا الاسناد قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة ورخص في العرايا
حدثنا يونس قال أخبرنا بوهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال حدثني خارجة
بن زيد بن ثابت عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا بالتمر أو الرطب
حدثنا إسماعيل بن يحيى قال ثنا محمد بن إدريس قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن إسماعيل
الشيباني قال بعت ما في رؤوس نخلي بمائة وسق وإن زاد فلهم وإن نقص فعليهم
فسألت بن عمر عن ذلك فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة بالتمر إلا أنه رخص في العرايا
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال ثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن عطاء
وأبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يطعم وقال لا يباع شئ
منه إلا بالدراهم والدنانير إلا العرايا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص فيها
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن جريج عن
عطاء عن جابر بن عبد الله قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة إلا أنه أرخص في بيع العرايا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد عن أيوب عن أبي الزبير وسعيد بن مينا
عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة
وقال أحدهما والمعاومة وقال الآخر وبيع السنين ونهى عن الثنيا ورخص في العرايا
حدثنا إسماعيل بن يحيى قال ثنا محمد بن إدريس عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار
29

عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر إلا أنه رخص في العرية أن يباع بخرصها من
التمر يأكلها أهلها رطبا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا القعنبي قال ثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار
عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل دارهم منهم سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر
بالتمر وقال ذلك الربا ذلك المزابنة إلا أنه رخص في بيع العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها
تمرا يأكلونها رطبا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا القعنبي وعثمان بن عمر قالا ثنا مالك بن أنس عن داود بن الحسين
عن مولى بن أبي أحمد عن أبي هريرة ن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا في
خمسة أوسق أو في ما دون خمسة أوسق يشك داود في خمسة أوفي ما دون خمسة
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبد الله بن محمد التميمي قال أخبرنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق
عن محمد بن يحيى بن حبان عن واسع بن حبان عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرية
في الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة وقال في كل عشرة أقناء قنو يوضع في المسجد للمساكين
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال أخبرنا بن إسحاق فذكر بإسناده مثله غير أنه قال ثم
قال الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة ولم يذكر قوله في كل عشرة
قال أبو جعفر فقد جاءت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترت في الرخصة في بيع العرايا وقبلها أهل
العلم جميعا ولم يختلفوا في صحة مجيئها وتنازعوا في تأويلها
فقال قوم العرايا أن الرجل يكون له النخلة والنخلتان في وسط النخل الكثير لرجل آخر
قالوا وقد كان أهل المدينة إذا كان وقت الثمار خرجوا بأهليهم إلى حوائطهم فيجئ صاحب لنخلة
أو النخلتين بأهله فيضر ذلك بأهل النخل الكثير
فرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب النخل الكثير أن يعطى صاحب النخلة أو النخلتين خرص ماله من ذلك
تمرا لينصرف هو وأهله عنه ويخلص تمر الحائط كله لصاحب النخل الكثير فيكون فيه هو وأهله
وقد روى هذا القول عن مالك بن أنس رحمه الله
وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول فيما سمعت أحمد بن أبي عمران يذكر أنه سمعه من محمد بن سماعه
30

عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال معنى ذلك عندنا أن يعرى الرجل الرجل ثمر نخلة من نخلة فلا يسلم ذلك إليه
حتى يبدو له فرخص له أن يحبس ذلك ويعطيه مكانه خرصه تمرا
وكان هذا التأويل أشبه وأولى مما قال مالك لان العرية إنما هي العطية
ألا يرى إلى الذي مدح الأنصار كيف مدحهم إذ يقول
ليست بسنيها ولا زجيبية * ولكن عرايا في السنين الحوائج
أي أنهم كانوا يعرونها في السنين الجوائح
فلو كانت العرية كما ذهب إليه مالك إذا لما كانوا ممدوحين بها إذ كانوا يعطون كما يعطون ولكن العرية
بخلاف ما قال
فإن قال قائل فقد ذكرت في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر
بالتمر ورخص في العرايا فصارت العرايا في هذا الحديث أيضا هي بيع ثمر بتمر
قيل له ليس في الحديث من ذلك شئ إنما فيه ذكر الرخصة في العرايا مع ذكر النهي عن بيع الثمر بالتمر
وقد يقرن الشئ بالشئ وحكمهما مختلف
فإن قال قائل فقد ذكر التوقيف في حديث أبي هريرة رضي الله عنه على خمسة أوسق وفي ذكره
ذلك ما ينفى أن يكون حكم ما هو أكثر من ذلك كحكمه
قيل له ما فيه ما ينفي شيئا مما ذكرت وإنما يكون ذلك كذلك لو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون العرية
إلا في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق
فإذا كان الحديث إنما فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في بيع العرايا في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة
أوسق فذلك يحتمل أن يكون أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص فيه لقوم في عرية لهم هذا مقدارها
فنقل أبو هريرة رضي الله عنه ذلك وأخبر بالرخصة فيما كانت ولا ينفي ذلك أن يكون تلك الرخصة جارية
فيما هو أكثر من ذلك
فإن قال قائل ففي حديث عمر وجابر رضي الله عنهما إلا أنه رخص في العرايا فصار ذلك مستثنى من بيع
الثمر بالتمر فثبت بذلك أنه بيع ثمر بتمر
قيل له قد يجوز أن يكون قصد بذلك إلى المعري له فرخص له أن يأخذ ثمرا بدلا من ثمر في رؤوس النخل
لأنه يكون بذلك في معنى البائع وذلك له حلال فيكون الاستثناء لهذه العلة
وفي حديث سهل بن أبي حثمة إلا أنه رخص في بيع العرية بخرصها تمرا يأكلها أهلها رطبا فقد ذكر
للعرية أهلا وجعلهم يأكلونها رطبا ولا يكون ذلك إلا وملكها الذين عادت إليهم بالبدل الذي أخذ منهم
فذلك يثبت قول أبي حنيفة فإن قال قائل لو كان تأويل هذه الآثار ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمة الله عليه لما كان لذكر الرخصة فيها معنى
31

قيل له بل له معنى صحيح ولكن قد اختلف فيه ما هو
فقال عيسى بن أبان معنى الرخصة في ذلك أن الأموال كلها لا يملك بها إبدالا إلا من كان مالكها
لا يبيع رجل ما لا يملك ببدله فيملك ذلك البدل
وإنما يملك ذلك البدل إذا ملكه بصحة ملكه للشئ الذي هو بدل منه
قال فالمعرى لم يكن ملك العرية لأنه لم يكن قبضها والتمر الذي يأخذه بدلا منها قد جعل طيبا له
في هذا الحديث وهو بدل من رطب لم يكن ملكه
قال فهذا هو الذي قصد بالرخصة إليه
وقال غيره الرخصة أن الرجل إذا أعرى الرجل الشئ من ثمره وقد وعده أن يسلمه إليه ليملكه المسلم إليه
بقبضه إياه وعلى الرجل في دينه أن يفي بوعده وإن كان غير مأخوذ به في الحكم فرخص للمعري أن يحتبس
ما أعرى بأن يعطى المعري خرصه تمرا بدلا منه من غير أن يكون آثما ولا في حكم من اختلف موعدا فهذا
موضع الرخصة
وهذا التأويل الذي ذكرناه عن أبي حنيفة رحمة الله عليه أولى مما حمل عليه وجه هذا الحديث لان الآثار
قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترة بالنهي عن بيع الثمر بالتمر
فمنها ما قد ذكرناه في أول هذا
ومنها ما قد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني
سعيد وأبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبايعوا الثمر بالتمر
قال بن شهاب وحدثني سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله سواء
حدثنا يزيد وابن أبي داود قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل
عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن الحجاج قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار
قال سمعت بن عمر سئل عن رجل اشترى ثمرة بمائة فرق يكيل له
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا يعني المزابنة حدثنا
نصر بن مرزوق قال ثنا أسد قال ثنا يحيى بن زكريا قال ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع
عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ثمر النخل بالتمر كيلا والزبيب بالعنب كيلا والزرع بالحنطة كيلا
32

حدثنا أحمد بن داود قال ثنا محمد بن عون قال أخبرنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار أن بن عمر
سئل عن رجل باع ثمرة أرضه من رجل بمائة فرق
فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا وهو المزابنة
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال أخبرني يونس قال حدثني نافع
ان عبد الله بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة قال والمزابنة أن يشتري الرجل أو يبيع حائطه بتمر
كيلا أو كرمه بزبيب كيلا وأن يبيع الزرع كيلا بشئ من الطعام
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة
حدثنا إسماعيل بن يحيى قال ثنا محمد بن إدريس عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة والمزابنة أن يبيع الثمر في رؤوس النخل
بمائة فرق
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا محمد بن مسلم الطائفي قال أخبرنا إبراهيم بن ميسرة قال
أخبرني عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة والمزابنة والمحاقلة
حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة قال ثنا حسين بن حفص قال ثنا سفيان قال حدثنا سعد بن
إبراهيم قال حدثني عمر بن أبي سلمة عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة
قال والمحاقلة الشرط في الزرع والمزابنة التمر بالتمر في النخل
فهذه الآثار قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن بيع الكيل من الثمر بالثمر في رؤوس النخل
فإن حمل تأويل العرايا على ما ذهب إليه أبو حنيفة كان النهي على عمومه ولم يبطل منه شئ و
إن حمل على ما ذهب إليه مالك خرج منه ما تأول هو العرية عليه فلا ينبغي أن يخرج شئ من حديث
متفق عليه إلا بحديث متفق على تأويله أو بدلالة أخرى متفق عليها
وقد روى أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد ذكرناه في غير هذا الموضع في النهي عن بيع الرطب بالتمر
فإن حملنا معنى العرية على ما قال مالك ضاد ما روى فيها ما روى في النهي عن بيع الرطب بالتمر
وإن حملناه على ما قال أبو حنيفة اتفقت معانيها ولم تتضاد
والأولى بنا في صرف وجوه الآثار ومعانيها صرفها إلى ما ليس فيه تضاد ولا معارضة لسنة بسنة
فقد ثبت بما ذكرنا في معنى العرايا ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمة الله عليه والله ولي التوفيق
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال خففوا في الصدقات فإن في المال العرية والوصية
33

حدثنا بذلك أبو بكرة قال ثنا أبو عمر قال أخبرنا جرير بن حازم قال سمعت قيس بن سعد يحدث
عن مكحول الشامي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
فدل ذلك أن العرية إنما هي شئ يملكه أرباب الأموال قوما في حياتهم كما يملكون الوصايا بعد وفاتهم وحجة أخرى في أن معنى العرية كما قال أبو حنيفة رحمه الله لا كما قال مخالفه
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا محمد بن عون قال ثنا حماد بن سلمة عن أيوب وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى البائع والمبتاع عن المزابنة
قال وقال زيد بن ثابت رخص في العرايا في النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تمرا
فهذا زيد بن ثابت رضي الله عنه وهو أحد من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة في العرية فقد أخبر أنها الهبة
والله أعلم
باب الرجل يشتري الثمرة فيقبضها فيصيبها جائحة
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس عن سفيان عن حميد الأعرج عن سليمان بن
عتيق عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنين وأمر بوضع الجوائح
حدثنا إسماعيل بن يحيى قال ثنا محمد بن إدريس عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا بكار بن قتيبة قال ثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال ثنا سفيان عن حميد الأعرج عن سليمان
بن عتيق عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجائحة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن معنى هذه الجوائح التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها هي الثمار يبتاعها الرجل
فيقبضها فيصيبها في يده جائحة فيذهب بثلثها فصاعدا قالوا
فذلك يبطل ثمنها عن المشتري
قالوا وما أصابها فأذهب بشئ منه دون ثلثها ذهب ذلك من مال المشتري ولم يبطل عنه من ثمنه شئ
قليل ولا كثير
قالوا وهذا مثل الحديث الآخر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكروا ما قد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرنا بن جريج أن أبا الزبير أخبره عن
جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته حائجة فلا يحل لك أن تأخذ منه
شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق
34

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج فذكر بإسناده مثله
قالوا قد بين هذا الحديث المعنى الذي ذكرناه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ما ذهب من ذلك من شئ قل أو كثر بعد أن يقبضه المشتري ذهب
من مال المشتري وما ذهب في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري بطل ثمنه عن المشتري
وقالوا ما هذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرتموها فمقبول صحيح على ما جاء ولسنا ندفع
من ذلك شيئا لصحة مخرجه ولكنا نخالف التأويل الذي تأولها عليه أهل المقالة الأولى
ونقول إن معنى الجوائح المذكورة فيها هي الجوائح التي يصاب الناس بها ويجتاحهم في الأرضين الخراجية
التي خراجها للمسلمين فيوضع ذلك الخراج عنهم واجب لازم لان في ذلك صلاحا للمسلمين وتقوية لهم
في عمارة أرضيهم فأما في الأشياء المبيعات فلا
فهذا تأويل حديث جابر الذي في أول هذا الباب
وأما حديث جابر الثاني فمعناه غير هذا المعنى وذلك أنه ذكر فيه البيع ولم يذكر فيه القبض
فذلك عندنا على البياعات التي تصاب في أيدي بائعيها قبل قبض المشتري لها فلا يحل للباعة أخذ أثمانها
لأنهم يأخذونها بغير حق
فهذا تأويل هذا الحديث عندهم
فأما ما قبضه المشترون وصار في أيديهم فذلك كسائر البيعات التي يقبضها المشترون لها فيحدث بها
الآفات في أيديهم
فكما كان غير الثمار يذهب من أموال المشترين لها لا من أموال باعتها فكذلك الثمار
فهذا هو النظر وهو أولى ما حمل عليه هذا الحديث
لأنه قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني عمرو بن
الحارث ح
وحدثنا يونس قال أخبرنا عبد الله بن يوسف ح
وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث ح
وحدثنا أبو أمية قال ثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني قال ثنا الليث قالوا جميعا عن بكير بن
الأشج عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال أصيب رجل من ثمار ابتاعها فكثر دينه
35

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا عليه فتصدق عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار وفيهم باعتها ولم يرده على الباعة بالثمن إن
كانوا قد قبضوا ذلك منه ثبت أن الجوائح الحادثة في يد المشتري لا تكون مطالبة عنه شيئا من الثمن الذي
عليه للبائع
فإن قال قائل إن الثمار لا تشبه سائر البياعات لأنها معلقة في رؤوس النخل لا يصل إليها يد من ابتاعها
إلا بقطعه إياها وسائر الأشياء ليست كذلك
فما يكون مقبوضا بغير قطع مستأنف فهو الذي يذهب من مال المشتري
وما كان لا يقبض إلا بقطع مستأنف فهو الذي يذهب من مال البائع
قيل له هذا الكلام فاسد من وجهين
أما أحدهما فإن رأينا هذه الثمار إذا بيعت في رؤوس النخل فذهبت بكمالها أو ذهب منها شئ في أيدي
باعتها ذهب ذلك من أموالهم دون أموال المشترين فكان ذهاب قليلها وكثيرها في ذلك سواء لأنهم لم يقبضوها
فإذا قبضوها فذهب منها ما دون الثلث فقد أجمع أنه ذاهب من مال المشتري لأنه ذهب بعد قبضه إياه
فلما أستوى ذهاب قليله وكثيره في يد البائع فكان قليله إذا ذهب في يد المشتري ذهب من ماله كان
ذهاب كثيره كذلك
وكان المشتري لتخلية البائع بينه وبين ثمر النخل قابضا له وإن لم يقطعه فهذا وجه
ووجه آخر أنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع الطعام حتى يقبض وأجمع المسلمون على ذلك وكانت
الثمار في ذلك داخلة باتفاقهم وأجمعوا أن المشتري لها لو باعها في يد بائعها كان بيعه باطلا ولو باعها بعد أن
خلى البائع بينه وبينها ولم يقطعها كان بيعه جائزا فصار قابضا لها بتخلية البائع بينه وبينها قبل
قطعه إياها
فثبت بذلك أن قبض المشتري المعلقة في رؤوس النخل هو بتخلية البائع بينه وبينها وإمكانه إياه منها
فإذا فعل ذلك به فقد صارت في يده وضمانه وبرئ منها البائع
فما حدث فيها من جائحة أتت عليها كلها أو على بعضها فهي ذاهبة من مال المشتري لا من
مال البائع
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين باب ما نهى عن بيعه حتى يقبض
36

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب وعفان قالا ثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن
عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يونس بن محمد قال ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن عمر
بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله *
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا شجاع بن الوليد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يستوفيه
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني عبيد الله بن عمر وعمر بن محمد ومالك وغيرهم أن
نافعا حدثهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اشترى طعاما يبيعه
حتى يستوفيه
37

حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قال مالك حتى يقبضه
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث وغيره عن المنذر بن عبيد المدني
عن القاسم بن محمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل
حتى يستوفيه
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا ابن أبي حازم عن الضحاك بن عثمان عن بكير
بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اشترى طعاما
فلا يبيعه حتى يستوفيه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر قال أخبرنا بن جريج عن عطاء عن عبد الله بن عصمة
الجشمي عن حكيم بن حزام قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أنبأ أو ألم أخبرك أنك تبيع الطعام فلا تبعه
حتى تستوفيه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني عطاء عن صفوان بن موهب
عن عبد الله بن محمد بن صفي عن حكيم بن حزام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه قال حتى يقبضه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو الوليد قال ثنا أبو الأحوص عبد العزيز بن رفيع عن عطاء عن
حزام بن حكيم عن حكيم بن حزام قال كنت اشتري طعاما فأربح فيها قبل أن أقبضه فسألت النبي صلى الله عليه وسلم
فقال لا تبعه حتى تقبضه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن من اشترى طعاما ما لم يجز له بيعه حتى يقبضه ومن اشترى غير
الطعام حل له بيعه وإن لم يقبضه واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وقالوا لما قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي إلى الطعام دل ذلك أن حكم غير الطعام في ذلك بخلاف
حكم الطعام
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ذلك النهي قد وقع على الطعام وغير الطعام وإن كان المذكور في الآثار
التي ذكر ذلك النهي فيها هو الطعام
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أحمد بن خالد الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن أبي
الزناد عن عبيد بن حنين عن ابن عمر قال ابتعت زيتا بالسوق فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به
38

ربحا حسنا فأردت أن أضرب على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت إليه فإذا هو زيد بن ثابت
فقال لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نبيع السلع حيث تبتاع
حتى تحوزها التجار إلى رحالهم
فلما أخبر زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الزيت قد دخل فيما كان نهى عن بيعه قبل قبضه وهو غير الطعام
الذي كان بن عمر رضي الله عنهما علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعه بعد ابتياعه حتى يقبض وعمل بن عمر
رضي الله عنهما على ذلك فأراد بيع الزيت قبل قبضه لأنه ليس من الطعام فقبل ذلك منه بن عمر رضي الله
عنهما ولم يكن كان ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرناه عنه في أول هذا الباب من قصده إلى الطعام
بمانع أن يكون غير الطعام في ذلك بخلاف الطعام ثم أكد زيد بن ثابت رضي الله تعال عنه في ذلك فقال
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا عن ابتياع السلع حيث تبتاع حتى تحوزها التجار إلى رحالهم فجمع في ذلك
كل السلع وفيها غير الطعام فدل ذلك على أنه لا يجوز بيع شئ ابتيع إلا بعد قبض مبتاعه إياه طعاما كان
أو غير الطعام
وقد قال بن عباس رضي الله عنه وقد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قصده بالنهي عن بيع ما لم يقبض إلى الطعام ما
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس قال اما الذي نهى عنه رسول
الله صلى الله عليه وسلم فبيع الطعام قبل أن يستوفي
قال بن عباس برأيه وأحسب كل شئ مثله
فهذا بن عباس رضي الله عنهما لم يمنعه قصد النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي إلى الطعام أن يدخل في ذلك النهي
غير الطعام
وقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مثل ذلك أيضا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر في الرجل يبتاع
المبيع فيبيعه قبل أن يقبضه قال أكرهه
فهذا جابر رضي الله عنه قد سوى بين الأشياء المبيعة في ذلك وقد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قصده بالنهي عن
البيع فيه حتى يقبض إلى الطعام بعينه فدل ذلك النهي على ما قد تقدم وصفنا له
فإن قال قائل فكيف قصد بالنهي في ذلك إلى الطعام بعينه ولم يعم
الأشياء
39

قيل له قد وجدنا مثل هذا في القرآن قال الله عز وجل لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله
منكم متعمدا فأوجب عليه الجزاء المذكور في الآية
ولم يختلف أهل العلم في قاتل الصيد خطأ أن عليه مثل ذلك وأن ذكره العمد لا ينفى الخطأ
فكذلك ذكره الطعام في النهي عن بيعه قبل القبض لا ينفي غير الطعام
وقد رأينا الطعام يجوز السلم فيه ولا يجوز السلم في العروض وكان الطعام أوسع أمرا في البيوع من
غير الطعام لان الطعام يجوز السلم فيه وإن لم يكن عند المسلم إليه ولا يكون ذلك في غيره
فلما كان الطعام أوسع أمرا في البيوع وأكثر جوازا ورأيناه قد نهى عن بيعه حتى يقبض كان ذلك
فيما لا يجوز السلم فيه أحرى أن لا يجوز بيعه حتى يقبض
فقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي إلى الذي إذا نهي عنه دل نهيه صلى الله عليه وسلم عنه على نهيه عن غيره وأغناه ذكره له
عن ذكره لغيره فقام ذلك مقام النهي لو عم به الأشياء كلها
ولو قصد بالنهي إلى غير الطعام أشكل حكم الطعام في ذلك على السامع فلم يدر هل هو كذلك
أم لا لأنه يجد الطعام يجوز السلم فيه وليس هو بقائم حينئذ وليس يجوز ذلك في العروض فيقول كما خالف
الطعام العروض في جواز السلم فيه وليس عند المسلم إليه وليس ذلك في العروض فكذلك يحتمل أن يكون
مخالفا له في جواز بيعه قبل أن يقبض وإن كان ذلك غير جائز في العروض
فهذا هو المعنى الذي له قصد النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن بيع ما لم يقبض إلى الطعام خاصة
وفي ذلك حجة أخرى وذلك أن المعنى الذي حرم به على مشتري الطعام بيعه قبل قبضه هو أن لا يطيب
له ربح ما في ضمان غيره فإذا قبضه صار في ضمانه فطاب له ربحه فجاز أن يبيعه حيث أحب
والعروض المبيعة هذا المعنى بعينه موجود فيها وذلك أن الربح فيها قبل قبضها غير حلال لمبتاعها لان
النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ربح ما لم يضمن
فكما كان ذلك قد دخل فيه الطعام وغير الطعام ولم يكن الربح يطيب لأحد إلا بتقدم ضمانه لما كان عنه
ذلك الربح
فكذلك الأشياء المبيعة كلها ما كان منها يطيب الربح فيه لبائعه فحلال له بيعه وما كان منها يحرم الربح
فيه على بائعه فحرام عليه بيعه
وقد جاءت أيضا آثار أخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن بيع ما لم يقبض لم يقصد فيها إلى الطعام
ولا إلى غيره
40

حدثنا أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز قال ثنا محمد بن بشار بندار قال ثنا حبان بن هلال
عن أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير أن يعلى بن حكيم أخبره أن يوسف بن ماهك
أخبره أن عبد الله بن عصمة أخبره أن حكيم بن حزام أخبره قال اخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي فقال إذا ابتعت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال
حدثني يعلى بن حكيم بن حزام أن أباه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني اشتريت بيوعا فما يحل لي منها
قال إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه
قال أبو جعفر فبهذا نأخذ وهو قول أبو حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
غير أن أبا حنيفة قال لا بأس ببيع الدور والأرضين قبل قبض مشتريها إياها لأنها لا تنقل ولا تحول
وسائر البيعات ليست كذلك
والنظر في هذا عندنا أن يكون العروض وسائر الأشياء في ذلك سواء على ما قد ذكرنا في الطعام
باب البيع يشترط فيه شرط ليس منه
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن جابر
بن عبد الله أنه كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جمل له فأعياه فأدركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما شأنك يا جابر
فقال أعي ناضحي يا رسول الله فقال أمعك شئ فأعطاه قضيبا أو عودا فنخسه به أو قال ضربه
فسار سيرة لم يكن يسير مثلها
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنيه بأوقية قال قلت يا رسول الله هو ناضحك
قال فبعته بأوقية واستثنيت حملانه حتى أقدم على أهلي فلما قدمت أتيته بالبعير فقلت هذا بعيرك
يا رسول الله قال لعلك ترى أني إنما حبستك لأذهب ببعيرك يا بلال أعطه من العيبة أوقية وقال
انطلق ببعيرك فهما لك
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا باع من رجل دابة بثمن
معلوم على أن يركبها البائع إلى موضع معلوم أن البيع جائز والشرط جائز واحتجوا في ذلك بحديث جابر هذا
41

وخالفهم في ذلك آخرون ثم افترق المخالفون لهم على فرقتين فقالت فرقة البيع جائز والشرط باطل
وقالت فرقة البيع فاسد وسنبين ما ذهبت إليه الفرقتان جميعا في هذا الباب إن شاء الله تعالى
فكان من الحجة لهاتين الفرقتين جميعا على الفرقة الأولى في حديث جابر الذي ذكرنا أن فيه معنيين
يدلان أن لا حجة لهم فيه
فأما أحد المعنيين فإن مساومة النبي صلى الله عليه وسلم
لجابر رضي الله عنه إنما كانت على البعير ولم يشترط في ذلك لجابر رضي الله عنه ركوبا قال جابر رضي الله عنه فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي
فوجه هذا الحديث أن البيع إنما كان علي ما كانت عليه المساومة من النبي صلى الله عليه وسلم ثم كان الاستثناء للركوب
من بعد فكان ذلك الاستثناء مفصولا من البيع لأنه إنما كان بعده فليس في ذلك حجة تدلنا كيف حكم
البيع لو كان ذلك الاستثناء مشروطا في عقدته هل هو كذلك أم لا
وأما الحجة الأخرى فإن جابرا رضي الله عنه قال فلما قدمت المدينة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالبعير فقلت هذا
بعيرك يا رسول الله
قال لعلك ترى أنى إنما حبستك لأذهب ببعيرك يا بلال أعطه أوقية وخذ بعيرك فهما لك
فدل ذلك أن ذلك القول الأول لم يكن على التبايع
فلو ثبت أن الاشتراط للركوب كان في أصله بعد ثبوت هذه العلة لم يكن في هذا الحديث حجة لان
المشترط فيه ذلك الشرط لم يكن بيعا
ولان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ملك البعير علي جابر فكان اشتراط جابر للركوب اشتراطا فيما هو له مالك
فليس في هذا دليل على حكم ذلك الشرط لو وقع في بيع يوجب الملك للمشتري كيف كان حكمه
وذهب الذين أبطلوا الشرط في ذلك وجوزوا البيع إلي حديث بريرة
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن عائشة
أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها فقال لها أهلها نبيعكها علي أن ولاءها لنا
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن
أن بريرة جاءت تستعين عائشة فقالت لها عائشة إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة
وأعتقك فعلت
فذكرت ذلك بريرة لأهلها فقالوا لا إلا أن يكون ولاؤك لنا قال
42

مالك قال يحيى فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشتريها فأعتقيها
فإنما الولاء لمن أعتق
وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود
عن عائشة أنها أرادت أن تشتري بريرة فتعتقها فاشترط مواليها ولاءها
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق
وحدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن أهل
بيت بريرة أرادوا أن يبيعوها ويشترطوا الولاء
فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا القعنبي قال ثنا سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن
عن القاسم بن محمد عن عائشة أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها فقالت عائشة إن شاء أهلك اشتريتك
ونقدتهم ثمنك صبة واحدة
فذهبت إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اشتريها ولا يضرك ما
قالوا فإنما الولاء لمن أعتق قالوا فلما كان أهل بريرة أرادوا بيعها على أن تعتق ويكون ولاؤها لهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله
عنها لا يضرك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق دل ذلك أن هكذا الشروط كلها التي تشترط في البيوع
وأنها تبطل وتثبت البيوع
فكان من الحجة عليهم أن هذه الآثار هكذا رويت أنها أرادت أن تشتريها فتعتقها فأبى أهلها إلا أن
يكون ولاؤها لهم
وقد رواها آخرون على خلاف ذلك
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني رجال من أهل العلم منهم يونس بن يزيد والليث عن ابن شهاب حدثهم عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج لنبي صلى الله عليه وسلم قالت جاءت بريرة إلي فقالت يا عائشة
إني قد كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني ولم تكن قضت من كتابتها شيئا
فقالت لها عائشة ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا ويكون ولاؤك لي فعلت
فذهبت إلى أهلها فعرضت ذلك عليهم فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون
ولاؤك لنا
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك منها ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق
43

وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فما بال يشترطون شروطا ليست
في كتاب الله عز وجل كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق
وشرط الله أوثق فإنما الولاء لمن أعتق
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث غير ما في الأحاديث الأول وذلك أن في الأحاديث الأول أأهل بريرة
أرادوا أن يبيعوها على أن تعتقها عائشة رضي الله عنها ويكون ولاؤها لهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنعك ذلك
اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق
فكان في هذا الحديث إباحة البيع على أن يعتق المشتري وعلى أن يكون ولاء المعتق للبائع فإذا وقع ذلك
ثبت البيع وبطل الشرط وكان الولاء للمعتق
وفي حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها أن عائشة رضي الله عنها قالت لها إن أحب أهلك
أن أعطيهم ذلك تريد الكتابة صبة واحدة فعلت ويكون ولاؤك لي
فلما عرضت عليهم بريرة ذلك قالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها لا يمنعك ذلك منها اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق
فكان الذي في هذا الحديث مما كان من أهل بريرة من اشتراط الولاء ليس في بيع ولكن في أداء
عائشة رضي الله عنها إليهم الكتابة عن بريرة وهم تولوا عقد تلك الكتابة ولم يكن تقدم ذلك الأداء من
عائشة رضي الله عنها ملك
44

فذكرت ذلك عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لا يمنعك ذلك منها أي لا ترجعين لهذا المعنى
عما كنت نويت في عتاقها من الثواب اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق
فكان ذكر ذلك الشراء ههنا ابتداء من النبي صلى الله عليه وسلم ليس مما كان قبل ذلك بين عائشة رضي الله عنها
وبين أهل بريرة في شئ
ثم كان قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فقال ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عز وجل
كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط إنكارا منه على عائشة رضي الله عنها
في طلبها ولاء من تولى غيرها كتابتها بحق ملكه عليها ثم نبهها وعلمها بقوله فإنما الولاء لمن أعتق
أي إن المكاتب إذا أعتق بأداء الكتابة فمكاتبه هو الذي أعتقه فولاؤه له
فهذا حديث فيه ضد ما في غيره من الأحاديث الأول وليس فيه دليل على اشتراط الولاء في البيع كيف
حكمه هل يجب به فساد البيع أم لا
فإن قال قائل فإن هشام بن عروة قد رواه عن أبيه فزاد فيه شيئا
قلنا له صدقت حدثنا إسماعيل بن يحيى قال ثنا محمد بن إدريس عن مالك بن أنس عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت جاءتني بريرة فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام
أوقية فأعينيني
فقالت لها عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم عددتها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت
فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا عليها
فجاءت من عند أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون
الولاء لهم
فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها فأخبرته عائشة فقال خذيها واشترطي فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت
عائشة ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فذكر مثل ما في حديث الزهري
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك فذكر بإسناده
ففي هذا الحديث مثل ما في حديث الزهري أن الذي كان فيه الاشتراط من أهل بريرة أن يكون الولاء
لهم وإباء عائشة رضي الله عنها إلا أن يكون الولاء لها هو أداء عائشة رضي الله عنها عن بريرة الكتابة
فقد اتفق الزهري وهشام على هذا وخالفا في ذلك أصحاب الأحاديث الأول وزاد هشام على الزهري قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم خذيها واشترطي فإنما الولاء لمن أعتق هكذا في حديث هشام
45

وموضع هذا الكلام في حديث الزهري ابتاعي وأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق
ففي هذا اختلف هشام والزهري
فإن كان الذي يعتبر في هذا هو الضبط والحفظ فيؤخذ بما روى أهله ويترك ما روى الآخرون
فإن ما روى الزهري أولى لأنه أتقن وأضبط وأحفظ من هشام
وإن كان الذي يعتبر في ذلك هو التأويل فإن قوله خذيها قد يجوز أن يكون معناه ابتاعها كما يقول
الرجل لصاحبه بكم آخذ هذا العبد يريد بذلك بكم أبتاع هذا العبد
وكما يقول الرجل للرجل خذ هذا العبد بألف درهم يريد بذلك البيع
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واشترطي فلم يبين ما تشترط
فقد يجوز أن يكون أراد واشترطي ما يشترط في البياعات الصحاح فليس في حديث هشام هذا لما كشف
معناه خلاف لشئ مما في حديث الزهري ولا بيان فيهما كيف حكم البيع إذا وقع فيه مثل هذا الشرط هل
يكون فاسدا أو هل يكون جائزا
وأما ما احتج به الذين أفسدوا البيع بذلك الشرط فما حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب بن ناصح
قال أخبرنا حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع
وسلف وعن شرطين في بيعة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا حماد عن أيوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد فذكر بإسناده مثله حدثنا أبو أمية قال ثنا محمد بن الفضل قال ثنا حماد بن زيد فذكر بإسناده مثله
حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور قال ثنا الهيثم بن جميل قال ثنا هشيم عن عبد الملك بن أبي
سليمان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرطين في بيع وعن
سلف وبيع
حدثنا محمد بن خزيمة قال أخبرنا عبد الله بن رجاء قال أخبرنا همام عن عامر الأحول عن عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
46

حدثنا يونس قال أنا عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وسلف
قالوا فالبيع في نفسه شرط فإذا شرط فيه شرط آخر فكان هذا شرطين في بيع فهذا هو الشرطان
المنهي عنهما عندهم المذكوران في هذا الحديث
وقد خولفوا في ذلك فقيل الشرطان في البيع هو أن يقع البيع على ألف درهم حال أو على مائة دينار
إلى سنة فيقع البيع على أن يعطيه المشتري أيهما شاء فالبيع فاسد لأنه وقع بثمن مجهول
وكان من الحجة لهم في ذلك مما قد روى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مبشر بن الحسن حدثنا قال
ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا شعبة عن خالد بن سلمة قال سمعت محمد بن عمرو بن الحارث يحدث عن زينب
امرأة عبد الله بن مسعود أنها باعت عبد الله جارية واشترطت خدمتها
فذكر ذلك لعمر فقال لا يقربنها ولا أجد فيها مثوبة حدثنا
فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير عن عبيد الله بن عمر قال حدثني نافع عن ابن عمر قال لا
يحل فرج إلا فرج إن شاء صاحبه باعه وإن شاء وهبه وإن شاء أمسكه لا شرط فيه
حدثنا محمد بن النعمان قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أخبرنا يونس بن عبيد الله عن نافع
عن ابن عمر أنه كان يكره أن يشتري الرجل الأمة على أن لا يبيع ولا يهب
فقد أبطل عمر رضي الله عنه بيع عبد الله وتابعه عبد الله على ذلك ولم يخالفه فيه
وقد كان له خلافه أن لو كان يرى خلاف ذلك لان ما كان من عمر لم يكن علي جهة الحكم وإنما كان
على جهة الفتيا
وتابعتهما زينب امرأة عبد الله على ذلك ولها من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة
وتابعهم على ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من قوله
لعائشة رضي الله عنها في أمر بريرة على ما قد رويناه عنه في هذا الباب
فدل ذلك أن معناه كان عنده على خلاف ما حمله عليه الذين احتجوا بحديثه ولم نعلم أحدا من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم غير من ذكرنا ذهب في ذلك إلى غير ما ذهب إليه عمر ومن تابعه على ذلك ممن ذكرنا
في هذه الآثار
فكان ينبغي أن يجعل هذا أصلا وإجماعا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ولا يخالف
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
47

وأما وجهه من طريق النظر فإنا رأينا الأصل المجتمع عليه أن شروطا صحاحا قد تعقد في الشئ المبيع
مثل الخيار إلى أن أجل معلوم للبائع وللمبتاع فيكون البيع على ذلك جائزا
وكذلك الأثمان قد تعقد فيها الآجال يشترطها المبتاع فتكون لازمة إذا كانت معلومة ويكون
البيع بها مضمنا
ورأينا ذلك الاجل لو كان فاسدا فسد بفساده البيع ولم يثبت البيع وينتفي هو إذا كان معقودا فيه
فلما جعل البيع مضمنا بهذه الشرائط المشروطة في ثمنه في صحتها وفسادها فجعل جائزا بجوازها وفاسدا
بفسادها ثم كان البيع إذا وقع على المبيع وكان عبدا على أن يخدم البائع شهرا فقد ملك المشتري عبده
على أن ملكه المشتري ألف درهم وخدمة العبد شهرا والمشتري حينئذ غير مالك للخدمة ولا للعبد لان ملكه
للعبد إنما يكون بعد تمام البيع فصار البيع واقعا بمال وبخدمة عبد لا يملكه المشتري في وقت ابتياعه بالمال
وبخدمته وقد رأيناه لو ابتاع عبدا لخدمة أمة لا يملكها كان البيع فاسدا
فالنظر على ذلك أن يكون البيع أيضا كذلك إذا عقد لخدمة من لم يكن تقدم ملكه له قبل ذلك العقد لان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع ما ليس عندك
ولما كانت الأثمان مضمنة بالآجال الصحيحة والفاسدة على ما قد ذكرنا كان كذلك الأشياء المثمونة
أيضا المضمنة بالشرائط الفاسدة والصحيحة
فثبت بذلك أن البيع لو وقع واشترط فيه شرط مجهول أن البيع يفسد بفساد ذلك الشرط على ما قد ذكرنا
فقد انتفى قول من قال يجوز البيع ويبطل الشرط وقول من قال يجوز البيع ويثبت الشرط
ولم يكن في هذا الباب قول غير هذين القولين وغير القول الآخر إن البيع يبطل إذا اشترط فيه ما ليس منه
فلما انتفى القولان الأولان ثبت هذا القول الآخر وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن
رحمة الله عليهم أجمعين
باب بيع أرض مكة وإجاراتها
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الرحيم بن سليمان عن إسماعيل بن إبراهيم
بن المهاجر عن أبيه عن مجاهد عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل بيع بيوت مكة
ولا إجاراتها
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن عمر بن سعيد عن ابن أبي سليمان عن علقمة بن
48

نضلة بفتح وسكون المعجمة قال توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ورباع مكة تدعى السوائب
من احتاج سكن ومن استغنى أسكن
حدثنا ربيع المؤذن قال أخبرنا أسد قال ثنا يحيى بن سليمان عن عمر بن سعيد قال حدثني
عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة قال كانت الدور على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان
ما تباع ولا تكرى ولا تدعى إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا لا يجوز بيع أرض مكة ولا إجاراتها
وممن قال بهذا القول أبو حنيفة ومحمد وسفيان الثوري رحمه الله وقد روى ذلك أيضا عن عطاء ومجاهد
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا قرة بن حبيب قال ثنا شعبة عن العوام بن حوشب عن عطاء بن أبي
رباح أنه كان يكره أجور بيوت مكة
حدثنا فهد قال ثنا ابن الأصبهاني قال أخبرنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد أنه قال
مكة مباح لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس ببيع أرضها وإجاراتها وجعلوها في ذلك كسائر البلدان
وممن ذهب إلى هذا القول أبو يوسف واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا وهب قال
أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عليا بن حسين أخبره أن عمر وبن عثمان أخبره عن أسامة بن زيد أنه قال
يا رسول الله أتنزل في دارك بمكة
فقال وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور
وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه جعفر ولا على لأنهما كان مسلمين وكان عقيل
وطالب كافرين
وكان عمر بن الخطاب من أجل ذلك يقول لا يرث المؤمن الكافر
49

حدثنا بحر بن نصر قال ثنا ابن وهبك فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث ما يدل أن أرض مكة تملك وتورث لأنه قد ذكر فيها ميراث عقيل
وطالب لما تركه أبو طالب فيها من رباع ودور فهذا خلاف الحديث الأول
ولما اختلفا احتيج إلى النظر في ذلك لنستخرج من القولين قولا صحيحا
ولو صار إلى طريق اختيار الأسانيد وصرف القول إلى ذلك لكان حديث علي بن حسين أصحهما إسنادا
ولكنا نحتاج إلى كشف ذلك من طريق النظر فاعتبرنا ذلك فرأينا المسجد الحرام الذي كل الناس فيه
سواء لا يجوز لأحد أن يبني فيه بناء ولا يحتجز منه موضعا وكذلك حكم جميع المواضع التي لا يقع لأحد فيها
ملك وجميع الناس فيها سواء
ألا ترى أن عرفة لو أراد رجل أن يبنى في المكان الذي يقف فيه الناس فيها بناء لم يكن ذلك له
وكذلك منى لو أراد أن يبنى فيها دارا كان من ذلك ممنوعا وكذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أبو بكرة قال ثنا الحكم بن مروان الضرير الكوفي قال ثنا إسرائيل عن إبراهيم بن المهاجر
عن يوسف بن ماهك عن أمه عن عائشة قالت قلت يا رسول الله ألا نتخذ لك ب منى شيئا تستظل به
فقال يا عائشة إنها مناخ لمن سبق
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأذن لهم أن يجعلوا له فيها شيئا يستظل به لأنها مناخ من سبق ولان
الناس كلهم فيها سواء
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا الفريابي ح
وحدثنا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال ثنا أبو نعيم قالا ثنا إسرائيل عن إبراهيم بن المهاجر عن
يوسف بن ماهك عن أمه وكانت تخدم عائشة أم المؤمنين فحدثته عن عائشة مثله
50

قال وسألت أمي مكان عائشة رضي الله عنها بعد ما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أن تعطيها إياه
فقالت لها عائشة لا أحل لك ولا لأحد من أهل بيتي أن يستحل هذا المكان تعني منى
قال أبو جعفر فهذا حكم المواضع التي الناس فيها سواء ولا ملك لأحد عليها ورأينا مكة على غير ذلك
قد أجيز البناء فيها
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دخلها من دخل دار أبي سفيان
فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن
حدثنا بذلك ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الله بن
رباح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
فلما كانت مكة مما تغلق عليه الأبواب ومما تبنى فيها المنازل كانت صفتها صفة المواضع التي تجرى عليها
الأملاك ويقع فيها المواريث
فإن احتج محتج في ذلك بقول الله عز وجل إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد
الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد
قيل له قد روى في تأويل هذا عن المتقدمين ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن
عبد الله بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال سواء العاكف فيه والباد وقال
خلق الله فيه سواء
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن أبي حصين قال أردت أن أعتكف
فسألت سعيد بن جبير وأنا بمكة فقال أنت عاكف ثم قرأ (سواء العاكف فيه والباد
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى بن سعيد عن عبد الملك عن عطاء قال سواء
العاكف فيه والباد قال الناس في البيت سواء ليس أحد أحق به من أحد
فثبت بذلك أنه إنما قصد بذلك إلى البيت أو إلى المسجد الحرام لا إلى سائر مكة وهذا قول أبي يوسف
رحمة الله عليه
باب ثمن الكلب
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي
مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن
51

حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك عن الزهري فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي بكر عن أبي مسعود
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث هن سحت أي حرام ثم ذكر مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا هارون بن إسماعيل الخزاز قال ثنا علي بن المبارك قال ثنا يحيى بن
أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أن السائب بن يزيد حدثه أن رافع بن خديج حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال كسب الحجام خبيث ومهر البغي خبيث وثمن الكلب خبيث
حدثنا ربيع المؤذن ونصر بن مرزوق قالا ثنا أسد قال ثنا عبد المجيد بن عبد العز عن ابن جريج
عن خبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا عبد الكريم الجزري عن قيس بن
حبتر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثمن الكلب حرام
حدثنا يونس وحسين بن نصر قالا ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله عن عبد الكريم فذكر
بإسناده مثله
حدثنا مالك بن عبد الله التجيبي قال ثنا عثمان بن صالح ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر أن صفوان
بن سليم أخبره عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضاريا
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص قال ثنا أبي عن الأعمش قال حدثني أبو سفيان عن جابر
أثبته مرة ومرة شك في أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ثمن الكلب والسنور
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولم يشك
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الغفار بن داود قال ثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني معروف بن سويد أن علي بن رباح حدثهم أنه سمع
أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل ثمن الكلب
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا حميد بن الأسود قال ثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند
عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي
52

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا رباح عن عطاء عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم
ثمن الكلب من السحت
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال أخبرنا محمد بن الفضيل عن الأعمش عن أبي حازم
عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو الوليد ح
وحدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا شعبة قال ثنا عون بن أبي جحيفة أخبرني عن أبيه
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا وكيع عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أحمد بن داود قال أخبرنا عمرو بن خالد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا أبو الزبير قال سألت
جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى تحريم أثمان الكلاب كلها واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بأثمان الكلاب كلها التي ينتفع بها
وكان من الحجة لهم في ذلك على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به عليهم من الآثار التي ذكرنا أن
الكلاب قد كان حكمها أن تقتل كلها ولا يحل لأحد إمساك شئ منها فلم يكن بيعها حينئذ بجائز
ولا ثمنها بحلال
فمما روى في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن شيبة قال ثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع
عن ابن عمر قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب كلها فأرسل في أقطار المدينة أن تقتل
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا صوته يأمر بقتل الكلاب
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
بقتل الكلاب
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا هارون بن إسماعيل قال ثنا علي بن المبارك قال ثنا يحيى بن أبي كثير قال
أخبرني بن بنت أبي رافع عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع العنزة إلى أبي رافع فأمره أن يقتل كلاب المدينة
كلها حتى أفضى به القتل إلى كلب لعجوز فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عامر العقدي ح
53

وحدثنا محمد بن خزيمة وصالح بن عبد الرحمن قالا ثنا القعنبي قالا ثنا يعقوب بن محمد بن طحلاء
عن أبي الرجال عن سالم بن عبد الله عن أبي رافع قال امرني النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب
فخرجت أقتلها لا أرى كلبا إلا قتلته حتى أتيت موضع كذا وسماه فإذا فيه كلب يدور ببيت
فذهبت لأقتله
فناداني إنسان من جوف البيت يا عبد الله ما تريد أن تصنع قلت إني أريد أن أقتل هذا الكلب
قالت إني امرأة بدار مضيعة وإن هذا الكلب يطرد عني السباع ويؤذنني بالجائي فائت النبي صلى الله عليه وسلم
فاذكر له ذلك
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأمرني بقتله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا هودة بن خليفة عن عوف عن الحسن عن عبد الله بن المغفل أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم
حدثنا فهد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن
عائشة أن جبريل صلى الله عليه وسلم واعد النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة يأتيه فيها فذهبت الساعة ولم يأته
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بجبريل عليه السلام على الباب فقال ما منعك أن تدخل البيت
قال إن في البيت كلبا وإنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلب فأخرج ثم أمر بالكلاب أن تقتل
وحدثنا حسين بن نصر قال ثنا يحيى بن صالح الوحاظي قال ثنا معاوية بن سلام قال ثنا يحيى بن
أبي كثير أن السائب بن يزيد أخبره أن سفيان بن أبي زهير أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من أمسك
الكلب فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط
قال أبو جعفر فكان هذا حكم الكلاب أن تقتل ولا يحل إمساكها ولا الانتفاع بها
فما كان الانتفاع به حراما وإمساكه حراما فثمنه حرام
54

فإن كان نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب كان وهذا حكمها فإن ذلك قد نسخ فأبيح الانتفاع بالكلاب
وروى في ذلك ما حدثنا علي بن معبد قال ثنا مكي بن إبراهيم قال ثنا حنظلة بن أبي سفيان قال
سمعت سالم بن عبد الله يقول سمعت بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اقتنى كلبا إلا كلبا
ضاربا بالصيد أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اقتنى كلبا
إلا كلب صيد أو ماشية نقص من عمله كل يوم قيراطان
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عارم قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع فذكر
بإسناده مثله غير أنه قال قيراط
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا الفريابي عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن بكير قال ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب ماشية
حدثنا بحر بن نصر قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس قال قال بن شهاب حدثني سالم
بن عبد الله عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رافعا صوته يأمر بقتل الكلاب وكانت الكلاب
تقتل إلا كلب صيد أو ماشية
قال بن شهاب وحدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اقتنى كلبا
ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره قيراطان في كل يوم
وحدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أخبرنا همام بن يحيى عن قتادة عن أبي الحكم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتنى كلبا غير كلب زرع ولا صيد نقص من عمله كل يوم قيراطان
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زهير قال ثنا موسى عن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه قال إلا كلبا ضاريا أو كلب ماشية
55

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أمية بن بسطام قال ثنا يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن بجير
بن أبي بجير عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الكلاب فقال من اتخذ كلبا ليس بكلب قنص
أو كلب ماشية نقص من أجره كل يوم قيراط
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الحميد بن صالح قال ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن أبي سلمة
وغيره عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلاب وقال لا يتخذ الكلاب إلا صياد أو خائف
أو صاحب غنم
وحدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا بشر بن بكر قال حدثني الأوزاعي قال حدثني يحيى
بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال حدثني أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أمسك كلبا فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط إلا كلب حرث أو ماشية
حدثنا بحر بن نصر قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن طيعة أن أبا الزبير أخبره أنه سأل جابرا
أقال النبي صلى الله عليه وسلم في الكلاب شيئا قال أمر بقتلهن ثم أذن لطوائف
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا سعيد بن أبي عامر قال ثنا شعبة عن أبي التياح عن مطرف عن عبد الله
بن المغفل بمعجمة وفاء مشددة قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب ثم قال مالي وللكلاب
ثم رخص في كلب الصيد وفي كلب آخر نسيه سعيد
حدثنا محمد بن النعمان قال ثنا القعنبي قال ثنا سليمان بن بلال عن يزيد بن خصيفة قال أخبرني
السائب بن يزيد أن سفيان بن أبي زهير الشنائي أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اقتنى كلبا
لا يغنى عنه في ضرع ولا زرع نقص من عمله كل يوم قيراط
قال فقال السائب لسفيان أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إي ورب القبلة
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن يزيد بن خصيفة فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا محمد بن حبق قال ثنا يزيد بن خصيفة فذكر بإسناده مثله
غير أنه لم يذكر قول السائب لسفيان أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو جعفر فلما ثبتت الإباحة بعد النهي وأباح الله عز وجل في كتابه ما أباح بقوله وما علمتم
من الجوارح مكلبين اعتبرنا حكم ما ينتفع به هل يجوز بيعه ويحل ثمنه أم لا
56

فرأينا الحمار الأهلي قد نهى عن أكله وأبيح كسبه والانتفاع به فكان بيعه إذ كان هذا حكمه حلالا
وثمنه حلال
وكان يجئ في النظر أيضا أن يكون كذلك الكلاب لما أبيح الانتفاع بها حل بيعها وأكل ثمنها
ويكون ما روى في حرمة أثمانها كان وقت حرمة الانتفاع بها وما روى في إباحة الانتفاع بها دليل
على حل أثمانها
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم قال ثنا محمد بن يوسف الفريابي قال ثنا سفيان
عن موسى بن عبيدة عن القعقاع بن حكيم عن سلمى أم رافع عن أبي رافع قالت جاء جبريل عليه السلام
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذن عليه فأذن له فأبطأ فأخذ رداءه فخرج فقال قد أذنا لك قال أجل يا رسول الله
ولكنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب
فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو فأمر أبا رافع أن لا يدع كلبا بالمدينة إلا قتله
فإذا بامرأة في ناحية المدينة لها كلب يحرس غنمها قال فرحمتها فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني فقتلته
فأتاه ناس من الناس فقالوا يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرتنا بقتلها
قال فنزلت يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من
الجوارح مكلبين
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن سليمان الجعفي قال ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال حدثني
موسى بن عبيدة قال حدثني أبان بن صالح عن القعقاع بن حكيم عن سلمى أم رافع عن أبي رافع قال لما أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب أتاه ناس فقالوا يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فنزلت
يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين
ففي هذا الحديث أيضا مثل ما قبله مما أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أمر بقتلها وإن كان لم يذكر في
هذا الحديث غير ما يضاد به منها
وفيه زيادة على ما قبله من الأحاديث في الإباحة التي ذكرنا لان فيه نزول هذه الآية بعد تحريم
الكلاب وأن هذه الآية أعادت الجوارح المكلبين إلى أن صيرتها حلالا
وإذا صارت كذلك كانت في سائر الأشياء التي هي حلال في حل إمساكها وإباحة أثمانها وضمان
متلفيها ما أتلفوا منها كغيرها
وقد روي في ذلك عمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم
57

حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال سمعت بن جريج يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عبد الله بن عمرو أنه قضى في كلب صيد قتله رجل بأربعين درهما وقضى في كلب ماشية بكبش
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر أنه نهى عن ثمن الكلب
والسنور إلا كلب صيد
وقد روينا عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أنه نهى عن ثمن الكلب ولم يفسر أي كلب هو فلم يحل ذلك
من أحد وجهين
إما أن يكون أراد خلاف كلاب المنافع أو يكون أراد كل الكلاب ثم ثبت عنده نسخ كلب الصيد منها
فاستثناه في هذا الحديث
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا إسرائيل عن جابر عن عطاء قال لا بأس
بثمن الكلب السلوقي
فهذا عطاء يقول هذا وقد روى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ثمن الكلب من السحت
فدل ذلك على المعنى الذي ذكرنا في حديث جابر رضي الله عنه
58

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب
أنه قال إذا قتل الكلب المعلم فإنه يقوم قيمته فيغرمه الذي قتله
فهذا الزهري يقول هذا وقد روى عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ثمن الكلب سحت
فالكلام في هذا مثل الكلام في حديث جابر
حدثنا بحر قال ثنا ابن وهب قال أخبرني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى
بن حبان الأنصاري قال كان يقال يجعل في الكلب الضاري إذا قتل أربعون درهما
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أخبرنا شريك ومحمد بن فضيل عن مغيرة عن إبراهيم قال
لا بأس بثمن كلب الصيد *
باب استقراض الحيوان
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي
رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن
يقضي الرجل بكرة فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا جملا خيارا رباعيا فقال أعطه إياه إن
خيار الناس أحسنهم قضاء
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا شبابة بن سوار قال أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت
أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن أبي هريرة قال كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم دين فتقاضاه فأغلظ عليه
فأقبل عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهموا به
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذروه فإن لصاحب الحق مقالا اشتروا له سنا فأعطوه إياه فإن خيركم أو من خيركم
أحسنكم قضاء
59

حدثنا حسين قال سمعت يزيد بن هارون قال أخبرنا سفيان الثوري عن سلمة فذكر بإسناده مثله
إلا أنه لم يقل اشتروا له وقال اطلبوا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى إجازة استقراض الحيوان واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجوز استقراض الحيوان
وقالوا يحتمل أن يكون هذا كان قبل تحريم الربا ثم حرم الربا بعد ذلك وحرم كل قرض جر منفعة
وردت الأشياء المستقرضة إلى أمثالها فلم يجز القرض إلا فيما له مثل وقد كان أيضا قبل نسخ الربا يجوز بيع
الحيوان بالحيوان نسيئة
والدليل على ذلك أن بن أبي داود حدثنا قال ثنا أبو عمر الحوضي ح
وحدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب قالا ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن
أبي حبيب عن مسلم بن جبير عن أبي سفيان عن عمرو بن حريث عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمره أن يجهز جيشا فنفدت الإبل فأمره أن يأخذ في قلاص جمع قلوص الناقة الشابة الصدقة فجعل يأخذ
البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة ثم نسخ ذلك
وروى فيه ما قد حدثنا محمد بن علي بن محرز البغدادي قال ثنا أبو أحمد الزبيري قال ثنا سفيان الثوري
عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان
بالحيوان نسيئة
حدثنا فهد قال ثنا شهاب بن عباد قال ثنا داود بن عبد الرحمن عن معمر فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن إبراهيم الصيرفي قال ثنا عبد الواحد بن عمرو بن صالح الزهري قال ثنا عبد الرحيم بن
سليمان عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى بأسا ببيع الحيوان بالحيوان اثنين
بواحد ويكرهه نسيئة
حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ وعبد الله بن محمد بن خشيش وإبراهيم بن محمد الصيرفي
قالوا حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا محمد بن دينار الطاحي قال ثنا يونس بن عبيد عن زياد بن جبير
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة قال ثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
60

حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا مسلم قال ثنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة عن الحسن
عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فكان هذا ناسخا لما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إجازة بيع الحيوان بالحيوان نسيئة
فدخل في ذلك أيضا استقراض الحيوان
فقال أهل المقالة الأولى هذا لا يلزمنا لأنا قد رأينا الحنطة لا يباع بعضها ببعض نسيئة وقرضها جائز
فكذلك الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة وقرضه جائز
فكان من حجتنا على أهل هذه المقالة في تثبيت المقالة الأولى أن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان
نسيئة يحتمل أن يكون ذلك لعدم الوقوف منه على المثل
ويحتمل أن يكون من قبل ما قال أهل المقالة الأولى في الحنطة في البيع والقرض
فإن كان إنما نهى عن ذلك من طريق عدم وجود المثل ثبت ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية وإن كان من قبل
أنهما نوع واحد لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة لم يكن في ذلك حجة لأهل المقالة الثانية على أهل المقالة الأولى
فاعتبرنا ذلك فرأينا الأشياء المكيلات لا يجوز بيع بعضها ببعض نسيئة ولا بأس بقرضها ورأينا الموزونات حكمها في ذلك كحكم المكيلات سواء خلا الذهب والورق
ورأينا ما كان من غير المكيلات والموزونات مثل الثياب وما أشبهها فلا بأس ببيع بعضها ببعض
وإن كانت متفاضلة وبيع بعضها ببعض نسيئة فيه اختلاف بين الناس
فمنهم من يقول ما كان منها من نوع واحد فلا يصلح بيع بعضه ببعض نسيئة
وما كان منها من نوعين مختلفين فلا بأس ببيع بعضه ببعض نسيئة
وممن قال بهذا القول أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
ومنهم من يقول لا بأس ببيع بعضها ببعض يدا بيد ونسيئة وسواء عنده كانت من نوع واحد
أو من نوعين
61

فهذه أحكام الأشياء المكيلات والموزونات والمعدودات غير الحيوان على ما نشرنا
فكان غير المكيل والموزون لا بأس ببيعه بما هو من خلاف نوعه نسيئة وإن كان المبيع والمبتاع به ثيابا
كلها وكان الحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة وإن اختلفت أجناسه لا يجوز بيع عبد ببعير ولا ببقرة
ولا بشاة نسيئة
ولو كان النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة إنما كان لاتفاق النوعين لجاز بيع العبد
بالبقرة نسيئة لأنها من غير نوعه كما جاز بيع الثوب الكتان بالثوب القطن الموصوف نسيئة
فلما بطل ذلك في نوعه وفي غير نوعه ثبت أن النهي في ذلك إنما كان لعدم وجود مثله ولأنه غير
موقوف عليه
وإذا كان إنما بطل بيع بعضه ببعض نسيئة لأنه غير موقوف عليه بطل قرضه أيضا لأنه غير موقوف عليه
فهذا هو النظر في هذا الباب
ومما يدل على ذلك أيضا ما قد أجمعوا عليه في استقراض الإماء أنه لا يجوز وهن حيوان
فاستقراض سائر الحيوان في النظر أيضا كذلك
فإن قال قائل فإنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في الجنين بغرة عبد أو أمة وحكم في الدية بمائة من الإبل
وفي أروش الأعضاء بما قد حكم به مما قد جعله في الإبل وكان ذلك حيوانا كله يجب في الذمة فلم
لا كان كل الحيوان أيضا كذلك
قيل له قد حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الدية والجنين بما ذكرت من الحيوان ومنع من بيع الحيوان بالحيوان بعضه
ببعض نسيئة على ما قد ذكرنا وشرحنا في هذا الباب
فثبت النهي في وجوب الحيوان في الذمة بأموال وأبيح وجوب الحيوان في الذمة بغير أموال
فهذان أصلان مختلفان نصححهما ونرد إليهما سائر الفروع
فنجعل ما كان بدلا من مال حكمه حكم القرض الذي وصفنا وما كان بدلا من غير مال فحكمه
حكم الديات
والغرة التي ذكرنا من ذلك التزويج على أمة وسط أو على
عبد وسط والخلع على أمة وسط أو على عبد وسط
والدليل على صحة ما وصفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل في جنين الحرة غرة عبدا أو أمة
وأجمع المسلمون أن ذلك لا يجب في جنين الأمة وأن الواجب فيه دراهم أو دنانير على ما اختلفوا
فقال بعضهم عشر قيمة الجنين إن كان أنثى ونصف عشر قيمته إن كان ذكرا
62

وممن قال ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقال الآخرون نصف عشر قيمة أم الجنين وأجمعوا في جنين البهائم أن فيه ما نقص أم الجنين
وكانت الديات الواجبة من الإبل على ما أوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب في أنفس الأحرار ولا يجب في
أنفس العبيد
فكان ما حكم فيه بالحيوان المجعول في الذمم هو ما ليس ببدل من مال ومنع من ذلك في الابدال
من الأموال فثبت بذلك أن القرض الذي هو بدل من مال لا يجب فيه حيوان في الذمم وهذا قول أبي حنيفة وأبي
يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين وقد روى ذلك عن نفر من المتقدمين
حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن قيس بن مسلم
عن طارق بن شهاب قال أسلم زيد بن خليدة إلى عتريس بن عرقوب في قلائص كل قلوص بخمسين فلما حل
الاجل جاء يتقاضاه فأتى بن مسعود يستنظره فنهاه عن ذلك وأمره أن يأخذ رأس ماله
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا شجاع بن الوليد عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم
عن ابن مسعود قال السلف في كل شئ إلى أجل مسمى لا بأس به ما خلا الحيوان
حدثنا مبشر بن الحسن قال ثنا أبو عامر قال ثنا شعبة عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير قال
كان حذيفة يكره السلم في الحيوان
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب قال ثنا حماد عن حميد عن أبي نضرة أنه سأل بن عمر
عن السلف في الوصفاء
فقال لا بأس به قلت فإن أمراءنا ينهوننا عن ذلك قال فأطيعوا أمراءكم وأمراؤنا يومئذ عبد الرحمن بن سمرة وأصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم
63

كتاب الصرف باب الربا
حدثنا فهد بن سليمان بن يحيى قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن
أبي يزيد عن ابن عباس عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما الربا في النسيئة
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا حماد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس
عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون قال أخبرنا خالد هو بن عبد الله الواسطي
عن خالد هو الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ربا إلا
في النسيئة
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد عن الأوزاعي عن عطاء أن أبا سعيد الخدري
لقي بن عباس فقال أرأيت أي أخبرني قولك في الصرف يعني الذهب بالذهب وبينهما فضل أشئ سمعته
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شئ وجدته في كتاب الله عز وجل
فقال بن عباس أما كتاب الله عز وجل فلا أعلمه وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنتم أعلم به مني
ولكن حدثني أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما الربا في النسيئة
حدثنا يونس قال أخبرنا عبيد الله بن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار
عن أبي سعيد قال قلت لابن عباس أرأيت الذي تقول الدينارين بالدينار والدرهمين بالدرهم أشهد أن
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما
فقال بن عباس أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت نعم
فقال فإني لم أسمع هذا إنما أخبرنيه أسامة بن زيد
قال أبو سعيد ونزع عنها بن عباس
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون قال أخبرنا قيس وهو بن الربيع عن حبيب بن أبي
ثابت عن أبي صالح السمان قال قلت لأبي سعيد أنت تنهى عن الصرف وابن عباس يأمر به
فقال قد لقيت بن عباس فقلت ما هذا الذي تفتي به في الصرف أشئ وجدته في كتاب الله أو شئ
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال أنتم أقدم صحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني وما أقرأ من القرآن إما تقرؤن ولكن أسامة بن زيد
حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ربا إلا في الدين
64

قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن بيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلين بمثل جائز إذا كان يدا بيد
واحتجوا في ذلك بما رويناه عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجوز بيع الفضة بالفضة ولا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل سواء
بسواء يدا بيد
وكانت الحجة لهم في تأويل حديث بن عباس رضي الله عنهما عن أسامة رضي الله عنه الذي ذكرنا في الفصل
الأول أن ذلك الربا إنما عني به ربا القرآن الذي كان أصله في النسيئة وذلك أن الرجل كان يكون له على صاحبه
الدين فيقول له أجلني منه إلى كذا وكذا بكذا وكذا درهما أزيدكها في دينك فيكون مشتريا لأجل بمال
فنهاهم الله عز وجل عن ذلك بقوله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم
مؤمنين ثم جاءت السنة بعد ذلك بتحريم الربا في التفاضل في الذهب بالذهب والفضة بالفضة وسائر
الأشياء المكيلات والموزونات على ما ذكره عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رويناه عنه
فيما تقدم من كتابنا هذا في باب بيع الحنطة بالشعير فكان ذلك ربا حرم بالسنة وتواترت به
الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قامت بها الحجة
والدليل على أن ذلك الربا المحرم في هذه الآثار هو غير الربا والذي رواه بن عباس عن أسامة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوع بن عباس رضي الله عنهما إلى ما حدثه به أبو سعيد رضي الله عنه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرناه في هذا الباب
فلو كان ما حدثه به أبو سعيد رضي الله عنه من ذلك في المعنى الذي كان أسامة رضي الله عنه حدثه به إذا
لما كان حديث أبي سعيد عنده بأولى من حديث أسامة رضي الله عنه
ولكنه لم يكن علم بتحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الر با حتى حدثه به أبو سعيد رضي الله عنه
فعلم أن ما كان حدثه به أسامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ربا غير ذلك الربا
فمما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحو ما ذكره أبو سعيد رضي الله عنه ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا
65

يعقوب بن حميد بن كاسب قال ثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال ثنا مالك بن أنس عن مولى لهم عن
مالك بن أبي عامر عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم
بالدرهمين
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك أن حميد بن قيس حدثه عن مجاهد المكي أن
صائغا هو عامل الحلي سأل عبد الله بن عمر إني أصوغ ثم أبيع الشئ من ذلك بأكثر من وزنه واستفضل من
ذلك قدر عملي
فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك
فجعل الصائغ يردد عليه المسألة ويأباه عليه عبد الله بن عمر حتى انتهى إلى دابته أو إلى باب المسجد
فقال له عبد الله الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم
وحدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عفان قال ثنا همام قال ثنا قتادة عن أبي الخليل عن مسلم
المكي عن أبي الأشعث الصنعاني أنه شهد خطبة عبادة أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة
وزنا بوزن والبر بالبر كيلا بكيل والشعير بالشعير ولا بأس ببيع الشعير
بالتمر والتمر أكثرهما يدا بيد والتمر بالتمر والملح بالملح من زاد أو استزاد فقد أربى
حدثنا أبو بكرة قال ثنا حسين بن حفص الأصبهاني قال ثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة
عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب وزنا بوزن
والفضة بالفضة وزنا بوزن والبر بالبر مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلا بمثل
والملح بالملح مثلا بمثل فمن زاد أو أزداد فقد أربى
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا يحيى بن معين قال ثنا الفضل بن حبيب السراج قال ثنا حيان
أبو زهير عن ابن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتهى تمرا فأرسل بعض أزواجه ولا أراها إلا أم سلمة
بصاعين من تمر فأتوا بصاع من عجوة
فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم أنكره فقال من أين لكم هذا
قالوا بعثنا بصاعين فأتينا بصاع فقال ردوه فلا حاجة لي فيه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا عمر بن يونس قال ثنا عاصم بن محمد قال حدثني زيد بن محمد قال حدثني نافع قال مشى عبد الله بن عمر إلى رافع بن خديج في
حديث بلغه عنه في شأن الصرف فأتاه
66

فدخل عليه فسأله عنه فقال رافع سمعته أذناي وأبصرته عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تشفوا الدينار
على الدينار ولا الدرهم على الدرهم ولا تبيعوا غائبا منها بناجز وإن استنظرك حتى يدخل عتبة بابه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عارم قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع قال انطلقت مع عبد الله
بن عمر إلى سعيد فذكر مثله غير قوله وإن استنظرك إلى آخر الحديث فإنه لم يذكره
حدثنا بحر بن نصر قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله فذكر بإسناده مثله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر
عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الذهب بالذهب مثلا بمثل الكفة بالكفة
والفضة بالفضة مثلا بمثل الكفة بالكفة والبر بالبر مثلا بمثل يدا بيد والشعير بالشعير مثلا بمثل يدا
بيد والتمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد حتى ذكر الملح
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن أن سهيل بن أبي صالح أخبره
عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق
إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن أبي داود عن نافع عن ابن عمر عن
أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدرهم بالدرهم لا زيادة والدينار بالدينار ولا تشفوا بعضها
على بعض ولا تبيعوا غيبا منها بناجز
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني رجال من أهل العلم منهم مالك بن أنس أن نافعا
مولى بن عمر حدثهم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن عبد المجيد بن سهيل عن سعيد بن المسيب
عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا
قال لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبا
67

حدثنا أبو أمية قال ثنا المعلى بن منصور الرازي قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا أبو النضر عن عبد الله
بن حنين أن رجلا من أهل العراق قال لعبد الله بن عمر أن بن عباس رضي الله عنهما قال وهو علينا أمير من أعطى بالدرهم مائة درهم فليأخذها
فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما سمعت عمر بن الخطاب يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب
وزنا بوزن مثلا بمثل فمن زاد فهو ربا
وقال بن عمر إن كنت في شك فسل أبا سعيد الخدري عن ذلك
فسأله فأخبره أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقيل لابن عباس رضي الله عنه ما قال بن عمر رضي الله عنه فاستغفر ربه وقال إنما هو رأي منى
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن التيمي عن أبي نضرة
عن أبي سعيد أن رجلا
أتى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر أنكره فقال أنى لك هذا قال اشتريته بصاعين من تمر قال أضعفت أربيت
أو أربيت أضعفت
حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام قال ثنا قتادة عن
سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصاع تمر ريان وكان تمر النبي صلى الله عليه وسلم بعلا
فقال أنى لكم هذا
فقالوا يا رسول الله بعنا صاعين من تمر بصاع من هذا فقال لا تفعلوا ولكن بيعوا تمركم
واشتروا من هذا
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن أبي ذئب عن الحارث
بن عبد الرحمن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دينار بدينار ودرهم بدرهم وصاع
تمر بصاع تمر وصاع بر بصاع بر وصاع شعير بصاع شعير لا فضل بين شئ من ذلك
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى قال حدثني عقبة
بن عبد الغافر قال حدثني أبو سعيد الخدري قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا صاع تمر بصاعين ولا حنطة بصاعين
ولا درهم بدرهمين
حدثنا ابن مرزوق قال أخبرنا عثمان بن عمر قال أخبرني إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسروق
عن بلال قال كان عندي من تمر للنبي
صلى الله عليه وسلم فوجدت أطيب منه صاعا بصاعين فاشتريته فأتيت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال من أين لك هذا يا بلال
68

فقلت اشتريته صاعا بصاعين فقال رده ورد علينا تمرنا
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن لهيعة عن عامر بن يحيى وخالد بن أبي عمران
عن حنش بن عبد الله السبائي عن فضالة بن عبيد قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نبايع اليهود
أوقية الذهب بالدينارين والثلاثة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن
حدثنا علي بن معبد قال ثنا المعلى بن منصور قال أخبرنا عبادة وعبد العزيز بن المختار عن يحيى
بن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة يعني عن أبيه قال نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيع الفضة بالفضة
والذهب بالذهب إلا مثلا بمثل وأمرنا أن نبيع الذهب في الفضة والفضة في الذهب كيف شئنا
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا نافع بن يزيد قال أخبرنا ربيعة بن سليمان مولى عبد الرحمن
بن حسان النجيبي أنه سمع حنشا الصنعاني يحدث عن رويفع بن ثابت في غزوة أناس قبل المغرب يقول
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة خيبر بلغني أنكم تتبايعون المثقال بالنصف والثلثين وأنه لا يصلح إلا مثقال
بالمثقال والوزن بالوزن
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال سمعت مالكا يقول حدثني موسى بن أبي تميم عن سعيد
بن بشار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الدينار بالدينار
لا فضل بينهما والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا زهير بن محمد عن موسى بن أبي تميم فذكر
بإسناده مثله
قال أبو جعفر فثبت بهذه الآثار المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب
متفاضلا وكذلك سائر الأشياء المكيلات التي قد ذكرت في هذه الآثار التي رويناها
فالعمل بها أولى بنا من العمل بحديث أسامة الذي قد يجوز أن يكون تأويله على ما قد ذكرنا
في هذا الباب
ثم هذا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده قد ذهبوا في ذلك إلى ما تواترت به الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا
حدثنا ابن مرزوق قال أخبرنا وهب قال ثنا شعبة عن جبلة بن سحيم قال سمعت بن عمر يقول
خطب عمر فقال لا يشتري أحدكم دينارا بدينارين ولا درهما بدرهمين ولا قفيزا بقفيزين إني أخشى عليكم
الرماء وإني لا أوتي بأحد فعله إلا أوجعته عقوبة في نفسه وماله
69

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب عن شعبة عن الأشعث عن أبيه عن ابن عمر قال قال عمر لا
يأخذ أحدكم درهما بدرهمين فإني أخشى عليكم الرماء
حدثنا ابن مرزوق قال أخبرنا وهب قال ثنا أبي قال سمعت نافعا قال حدثني بن
عمر قال خطب
عمر فقال لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض إني
أخاف عليكم الرماء
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عارم قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن
عمر رضي الله عنهما مثله
قال أبو جعفر فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب بهذا على منبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة أصحابه لا ينكره عليه منهم منكر فدل ذلك على موافقتهم له عليه
ثم قد روى في ذلك أيضا عن أبي بكر وعلي وغيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ذلك أيضا
حدثنا بحر بن نصر عن شعيب بن الليث عن موسى بن علي حدثه عن أبيه عن أبي قيس مولى
عمرو بن العاص قال كتب أبو بكر الصديق إلى أمراء الأجناد حين قدم الشام
أما بعد فإنكم قد هبطتم أرض الربا فلا تتبايعون الذهب بالذهب إلا وزنا
بوزن ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن ولا الطعام بالطعام إلا كيلا بكيل قال أبو قيس قرأت كتابه
حدثنا فهد قال ثنا الحسن بن الربيع قال ثنا أبو إسحاق الفزاري عن المغيرة بن مقسم عن أبيه
عن أبي صالح السمان قال كنت جالسا عند علي بن أبي طالب فأتاه رجل فقال يكون عندي الدراهم فلا تنفق
عني في حاجتي فأشتري بها دراهم تجوز عني واحفم فيها
قال فقال علي اشتر بدراهمك ذهبا ثم اشتر بذهبك ورقا ثم أنفقها فيما شئت
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن حماد عن أبي صالح عن شريح عن عمر قال الدرهم بالدرهم فضل ما بينهما ربا
قال أبو نعيم قال بعض أصحابنا عن سفيان الدرهم بالدرهم حسين قال لي أحمد بن صالح أمام
مسجد حماد
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا هارون بن إسماعيل قال ثنا علي بن المبارك قال ثنا يحيى بن سعيد
عن سالم بن عبد الله بن عمر قال كان عمر وعبد الله بن عمر ينهيان عن بيع الدرهمين بالدرهم يدا بيد ويقولان
الدرهم بالدرهم والدينار بالدينار
حدثنا بحر بن نصر قال قرأ على شعيب حدثنا موسى بن علي عن يزيد بن أبي منصور عن أبي رافع
70

قال مر بي عمر بن الخطاب ومعه ورق فقال اصنع لنا أوضاحا لصبي لنا
قلت يا أمير المؤمنين عندي أوضاح معمولة فإن شئت أخذت الورق وأخذت الأوضاح
فقال عمر مثلا بمثل فقلت نعم فوضع الورق في كفة الميزان والأوضاح في الكفة الأخرى
فلما استوى الميزان أخذ بإحدى يديه وأعطى بالأخرى
حدثنا إبراهيم بن منقذ قال ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ عن غياث بن رزين قال حدثني علي بن رباح
وهو اللخمي قال كنا في غزاة مع فضالة بن عبيد فسألته عن بيع الذهب بالذهب فقال مثلا بمثل
ليس بينهما فضل
ومما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما في رجوعه عن الصرف ما قد حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا
الخصيب قال ثنا حماد عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي الصهباء أن بن عباس نزع
عن الصرف
فهذا بن عباس رضي الله عنهما وهو الذي روى عن أسامة بن زيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال إنما الربا في النسيئة وتأول ذلك على إجازة الفضة بالفضة والذهب بالذهب مثلين بمثل وأكثر من
ذلك قد رجع عن قوله ذلك
فإما أن يكون رجوعه لعلمه أن ما كان أسامة رضي الله عنه حدثه إنما هو ربا القرآن وعلم أن ربا النسيئة
بغير ذلك أو يكون ثبت عنده ما خالف حديث أسامة رضي الله عنه مما لم يثبت منه حديث أسامة من
كثرة من نقله له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قامت عليه به الحجة ولم يكن ذلك في حديث أسامة رضي الله عنه
لأنه خبر واحد فرجع إلى ما جاءت به الجماعة الذين تقوم بنقلهم الحجة وترك ما جاء به الواحد الذي قد يجوز
عليه السهو والغلط والغفلة
وهذا الذي بينا في الصرف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب القلادة تباع بذهب وفيها خرز وذهب
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا عمر بن عون الواسطي قال ثنا هشيم عن ليث بن سعد عن
خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعاني عن فضالة بن عبيد الله قال أصبت يوم خيبر قلادة فيها ذهب
وخرز فأردت أن أبيعها
71

فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال أفضل بعضها عن بعض ثم بعها كيف شئت
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا الليث بن سعد قال حدثني أبو شجاع سعيد بن يزيد
الحميري عن خالد بن أبي عمران عن فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اشتريت يوم خيبر قلادة
فيها ذهب وخرز بإثني عشر دينارا ففصلتها فإذا الذهب أكثر من اثني عشر دينارا
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تباع حتى تفصله
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن يزيد قال سمعت خالد بن أبي عمران يحدث عن حنش عن فضالة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بقلادة فيها خرز معلقة
بذهب ابتاعها رجل بسبع أو بتسع
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال لا حتى تميز ما بينهما
فقال إنما أردت الحجارة فقال لا حتى تميز بينهما فرده
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن القلادة إذا كانت كما ذكرنا لم يجز أن تباع بالذهب لان ذلك الثمن وهو
ذهب يقسم على قيمة الخرز وعلي الذهب فيكون كل واحد منهما مبيعا بما أصابه من الثمن كالعرضين
يباعان بذهب فكل واحد منهما مبيع بما أصاب قيمته من ذلك الذهب
قالوا فلما كان ما يصيب الذهب الذي في القلادة إنما يصيبه بالخرز والظن وكان الذهب لا يجوز
أن يباع بالذهب إلا مثلا بمثل لم يجز البيع إلا أن يعلم أن ثمن الذهب الذي في القلادة مثل وزنه من الذهب
الذي اشتريت به القلادة
ولا يعلم بقسمة الثمن إنما يعلم بأن يكون على حدة بعد الوقوف على وزنه وذلك غير موقوف عليه إلا بعد
أن يفصل من القلادة
قالوا فلا يجوز بيع هذه القلادة بالذهب إلا بعد أن يفصل ذهبها منها لما قد ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولما احتججنا به من النظر
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إن كانت هذه القلادة لا يعلم مقدار ذهبها أهو مثل وزن جميع الثمن
أو أقل من ذلك أو أكثر إلا بأن تفصل القلادة فيوزن ذلك الذهب الذي فيها فيوقف على زنته لم يجز
بيعها بذهب إلا بعد أن يفصل ذهبها منها فيعلم أنه أقل من ذلك الثمن
وإن كانت القلادة يحيط
العلم بوزن ما فيها من الذهب ويعلم أنه أقل من الذهب الذي بيعت به أولا يحيط العلم بوزنه إلا أنه يعلم في الحقيقة أقل من الثمن الذي بيعت به القلادة وهو ذهب فالبيع جائز
72

وذلك أنه يكون ذهبها يمثل وزنه من الذهب الثمن ويكون ما فيها من الخرز بما بقي من الثمن ولا يحتاج
إليه في العروض المبيعة بالثمن الواحد
والدليل على ذلك أنا رأينا الذهب لا يجوز أن يباع بذهب مثلا بمثل ورأيناهم لا يختلفون في دينارين
أحدهما في الجودة أفضل من الآخر بيعا صفقة واحدة بدينارين متساويين في الجودة أو بذهب غير مضروب
جيد أن البيع جائز
فلو كان ذلك مردود إلى حكم القيمة كما ترد العروض من غير الذهب والفضة إذا بيعت بثمن واحد
إذا لفسد البيع لان الدينار الردي يصيبه أقل من وزنه إذا كانت قيمته أقل من قيمة الدينار الآخر
فلما أجمع على صحة ذلك البيع وكانت السنة قد ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الذهب تبره وعينه
سواء ثبت بذلك أن حكم الذهب في البيع إذا كان يذهب على غير القسمة على القيم وأنه مخصوص في ذلك بحكم
دون حكم سائر العروض المبيعة صفقة واحدة وإنما يصيبه من الثمن وزنه لا ما يصيب قيمته
فهذا هو ما يشهد لهذا القول من النظر
وقد اضطرب علينا حديث فضالة الذي ذكرنا فرواه قوم على ما ذكرنا في أول هذا الباب ورواه
آخرون على غير ذلك
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني أبو هانئ أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول سمعت
فضالة بن عبيد الأنصاري يقول أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها ذهب وخرز وهي من
المغانم تباع
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذهب بالذهب
وزنا بوزن
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا حميد بن هانئ عن فضالة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه لم يقل بخيبر
73

حدثنا بكر بن إدريس قال ثنا المقرئ قال ثنا حياة عن أبي هانئ فذكر بإسناده مثله
ففي هذا الحديث غير ما في الحديث الأول
في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزع الذهب فجعله على حدة ثم قال الذهب بالذهب وزنا بوزن ليعلم
الناس كيف حكم الذهب بالذهب
فقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فصل الذهب لان صلاح المسلمين كان في ذلك ففعل ما فيه صلاحهم
لا لان بيع الذهب قبل أن ينزع مع غيره في صفقة واحدة غير جائز
وهذا خلاف ما روى من روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباع حتى تفصل
وقد رواه آخرون على خلاف ذلك أيضا
فحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا خالد بن أبي عمران قال حدثني حنش
بن عبد الله الصنعاني أنه كان في البحر مع فضالة بن عبيد الأنصاري قال حنش فاشتريت قلادة فيها تبر
وياقوت وزبرجد فأتيت فضالة بن عبيد فذكرت له ذلك فقال لا تأخذ التبر بالتبر إلا مثلا بمثل فإني كنت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فاشتريت قلادة بسبعة دنانير فيها تبر وجوهر فسألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تأخذ التبر بالذهب إلا مثلا بمثل
ففي هذا الحديث غير ما تقدمه من الأحاديث وذلك أن ما حكى فضالة في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو
التبر بالذهب مثلا بمثل ولم يذكر فساد البيع في القلادة المبيعة بذلك إذ كان فيها ذهب وغيره
فهذا خلاف الأحاديث الأول
وقد رواه آخرون أيضا على غير ذلك حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني قرة بن عبد الرحمن
وعمرو بن الحارث أن عامر بن يحيى المعافري أخبرهما عن حنش أنه قال كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة
فصارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر فأردت أن أشتريها
فسألت فضالة فقال انزع ذهبها وأجعله في الكفة واجعل ذهبا في الكفة الأخرى ثم لا تأخذن
إلا مثلا بمثل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل
فهذا خلاف لما تقدمه من الأحاديث لان فيه أمر فضالة بنزع الذهب وبيعه وحده ولم يذكر ذلك عن
النبي صلى الله عليه وسلم والذي ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم هو نهيه عن بيع الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن
فهذا مالا اختلاف فيه والامر بالتفصيل من قول فضالة رضي الله عنه
فقد يجوز أن يكون أمر بذلك على أنه لا يجوز عنده البيع فيها في الذهب حتى تفصل
74

وقد يجوز أن يكون أمر بذلك لإحاطة علمه أن تلك قلادة لا يوصل إلى علم ما فيها من الذهب ولا إلى
مقداره إلا بعد أن يفصل منها
فقد اضطرب هذا الحديث فلم يوقف على ما أريد منه
فليس لأحد أن يحتج بمعنى من المعاني التي روي عليها إلا احتج مخالفه عليه بالمعنى الآخر
وقد قدمنا في هذا الباب كيف وجه النظر في ذلك وأنه على ما ذهب إليه الذين جعلوا حكم الذهب المبيع
مع غيره بالذهب لا على قسم الثمن على القيم ولكن على أن الذهب مبيع بوزنه من الذهب الثمن وما بقي مبيع
بما بقي من الثمن
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة السبائي عن أبي تميم
الجيشاني قال اشترى معاوية بن أبي سفيان قلادة فيها تبر وزبرجد ولؤلؤ وياقوت بستمائة دينار
فقام عبادة بن الصامت حين طلع معاوية المنير أو حين صلى الظهر فقال ألا إن معاوية اشترى الربا
وأكله ألا إنه في النار إلى حلقه
فقد يجوز أن يكون تلك القلادة كان فيها من الذهب أكثر مما اشتريت به فكان من عبادة
ما كان لذلك
ويجوز أن يكون بيعت بنسيئة فإنه قد روى عن معاوية أنه لم يكن يرى بذلك بأسا
75

وقد روي في ذلك وفي السبب الذي من أجله عبادة رضي الله عنه أنكر على معاوية في ذلك ما أنكر
ما حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن
أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي الأشعث قال كنا في غزاة علينا معاوية فأصبنا ذهبا وفضة
فأمر معاوية رجلا أن يبيعها الناس في عطياتهم
قال فتنازع الناس فيها فقام عبادة فنهاهم فردوها فأتى الرجل معاوية فشكا إليه
فقام معاوية خطيبا فقال ما بال رجال يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث يكذبون فيها عليه لم نسمعها
فقام عبادة فقال والله لنحدثن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا
الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح
إلا سواء بسواء يدا بيد عينا بعين
حدثنا إسماعيل بن يحيى قال ثنا محمد بن إدريس قال ثنا عبد الوهاب عن خالد عن أبي قلابة
عن أبي الأشعث الصنعاني أنه قال قدم ناس في إمارة معاوية يبيعون آنية الذهب والفضة إلى العطاء
فقام عبادة بن الصامت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر
بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح إلا مثلا بمثل سواء بسواء فمن زاد أو أزداد فقد أربى
قال أبو جعفر فدل ذلك أن ما كان من إنكار عبادة رضي الله عنه على معاوية وهو بيع الذهب بالذهب
إلى أجل لا غير ذلك
وأما القلادة التي فيها الذهب المبيعة بالذهب أو القلادة التي فيها الفضة المبيعة بالفضة فلا دلالة فيما روينا
عنه على حكم ذلك إذا بيع بأكثر من وزن ذهبه أو فضته من الذهب أو الفضة
وقد حدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو نعيم قال ثنا إسرائيل عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال اشتر السيف المحلي بالفضة
فهذا بن عباس رضي الله عنهما قد أجاز بيع السيف الذي حليته فضة بفضة
وقد روى في مثل ذلك أيضا عن جماعة من التابعين اختلاف
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني حياة وابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران أنه سأل القاسم
بن محمد وسالم بن عبد الله عن اشتراء الثوب المنسوج بالذهب بالذهب فقالا لا يصلح اشتراؤه بالذهب
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا سفيان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه كان
لا يرى بأسا أن يشتري ذهبا بذهب أو فضة بفضة وذهب
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن مبارك عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يباع السيف
76

المفضض بالدراهم بأكثر مما فيه تكون الفضة بالفضة والسيف بالفضل
حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن سعيد بن أبي عروبة عن
أبي معشر عن إبراهيم أنه قال في بيع السيف المحلى إذا كانت الفضة التي فيه أقل من الثمن
فلا بأس بذلك
حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد عن أبي يوسف عن حصين بن عبد الرحمن عن عامر الشعبي
قال لا بأس ببيع السيف المحلى بالدراهم لان فيه حمائله وجفنه ونصله
كتاب الهبة والصدقة
باب الرجوع في الهبة
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا شعبة وهشام عن قتادة عن سعيد بن
المسيب عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العائد في هبته كالعائد في قيئه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الواهب ليس له أن يرجع فيما وهب واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وقالوا لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل الرجوع في الهبة كالرجوع في القئ وكان رجوع الرجل في قيئه
حراما عليه كان كذلك رجوعه في هبته
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا للواهب أن يرجع في هبته إذا كانت قائمة على حالها لم تستهلك ولم يزد
في بدنها بعد أن يكون الموهوب له ليس بذي رحم محرم من الواهب وبعد أن يكون لم يثبته أي لم يعطه
منها ثوابا
فإن كان أثابه منها ثوابا وقبل ذلك الثواب منه أو كان الموهوب له ذا رحم محرم من الواهب فليس
للواهب أن يرجع فيها
فإن لم يكن الواهب ذا رحم محرم للموهوب له ولكنها امرأة وهبت لزوجها أو زوج وهب لامرأته
فهما في ذلك كذي الرحم المحرم وليس لواحد منهما أن يرجع فيما وهب لصاحبه
وكان من الحجة لهم في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل العائد في هبته ولم يبين لنا من العائد في
قيئه
فقد يجوز أن يكون أراد الرجل العائد في قيئه فيكون قد جعل العائد في هبته كالعائذ فيما هو حرام عليه
فثبت بذلك ما قال أهل المقالة الأولى
77

وقد يجوز أن يكون أراد الكلب العائد في قيئه والكلب غير متعبد بتحريم ولا تحليل فيكون العائد
في قيئه عائدا في قذر كالقذر الذي يعود فيه الكلب فلا يثبت بذلك منع الواهب من الرجوع في الهبة
فنظرنا في ذلك هل نجد في الآثار ما يدلنا على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول ما هو
فإذا فهد بن سليمان قد حدثنا قال ثنا يحيى بن عبد الحميد قال ثنا عبد الله بن المبارك عن خالد
الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس لنا مثل السوء الراجع في هبته كالكلب
يعود في قيئه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا معلى بن أسد قال ثنا وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن
عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العائد في هبته كالكلب يقئ ثم يعود في قيئه
فدل هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد بما قد ذكرنا في الحديث الأول تنزيه أمته عن أمثال الكلاب
لا أنه أبطل أن يكون لهم الرجوع في هباتهم
وقد روي هذا الكلام أيضا الذي رويناه عن ابن عباس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا عوف عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ح
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا عوف عن خلاس بن عمرو عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال مثل الذي يعود في عطائه كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم عاد في قيئه فأكله
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا الكلام في معنى غير هذا المعنى
حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود قالا ثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني
عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يحدث أن عمر تصدق
78

بفرس في سبيل الله فوجده يباع بعد ذلك فأراد أن يشتريه فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمره في ذلك
فقال له رسول لله صلى الله عليه وسلم لا تعد في صدقتك فلذلك كان بن عمر لا يرى أن يبتاع مالا جعله صدقة
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر
بن الخطاب يقول حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أبتاعه منه وظننت أنه
بائعه برخص هو ضد الغلاء
فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تبتعه وإن أعطاكه بدرهم واحد ولا تعد في صدقتك فإن العائد
في صدقته كالكلب يعود في قيئه
حدثنا إسماعيل بن يحيى قال ثنا محمد بن إدريس قال ثنا سفيان عن زيد أسلم عن أبيه عن عمر أنه
أبصر فرسا تباع في السوق وكان تصدق به فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أشتريه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشتره ولا شيئا من نتاجه أي مما ينتجه من الولد فمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه أن يبتاع ما كان تصدق به أو شيئا من نتاجه وجعله إن فعل ذلك
كالكلب يعود في قيئه
فلم يكن ذلك بموجب حرمة ابتياع الصدقة على المتصدق بها ولكن ترك ذلك أفضل له
فكذلك ما ذكرنا قبل هذا لما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجوع في الهبة ليس على تحريم ذلك سواء
ولكنه لان تركه أفضل
وقد حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال ثنا يزيد بن ذريع عن حسين المعلم
عن عمرو بن شعيب عن طاوس عن ابن عمر وابن عباس قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل
لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد لولده
فقال قائل فقد دل هذا الحديث على تحريم الرجوع في الهبة من الرجل لغير ولده
قيل له ما دل ذلك على شئ مما ذكرت فقد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وصف ذلك الرجوع بأنه لا يحل
لتغليظه إياه لكراهية أن يكون لأحد من أمته مثل السوء
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لذي مرة سوي فلم يكن ذلك على معنى أنها تحرم على الأغنياء
ولكنها على معنى لا تحل له من حيث تحل لغيره من ذوي الحاجة والزمانة
فكذلك ما ذكرنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إنما هو علي أنه لا يحل
له ذلك كما تحل له الأشياء التي قد أحلها الله عز وجل لعباده
ولم يجعل لمن فعلها مثلا كالمثل الذي جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم للعائد في هبته
وقد دخل في ذلك العود فيها بالرجوع والابتياع وغيره ثم استثنى من ذلك ما وهب الوالد لولده
79

فذلك عندنا والله أعلم على إباحته للوالد أن يأخذ ما وهب لابنه في وقت حاجته إلى ذلك وفقره
إليه لان ما يجب للولد من ذلك ليس بفعل يفعله فيكون ذلك رجوعا منه يكون مثله فيه كمثل الكلب
المتراجع في قيئه
ولكنه شئ أوجبه الله عز وجل له لفقره فلم يضيق ذلك عليه كما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا
في غير هذا الحديث
حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك عن عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أعطيت أمي حديقة
وإنها ماتت ولم تترك وارثا غيري
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت صدقتك ورجعت إليك حديقتك
قال أبو جعفر أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح للمتصدق صدقته لما رجعت إليه بالميراث ومنع عمر
بن الخطاب رضي الله عنه من ابتياع صدقته
فثبت بهذين الحديثين إباحة الصدقة الراجعة إلى المتصدق بفعل الله كراهة الصدقة الراجعة إليه بفعل نفسه
فكذلك وجوب النفقة للأب من مال الابن لحاجته وفقره وجبت له بإيجاب الله تعالى إياها له
فأباح له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ارتجاع هبته وإنفاقها على نفسه وجعل ذلك كما رجع إليه بالميراث لا كما رجع
إليه بالابتياع والارتجاع
فإن قال قائل فقد خص النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الوالد الواهب دون سائر الواهبين
أفيكون حكم الولد فيما وهب لأبيه خلاف حكم الوالد فيما وهب لولده
قيل له بل حكمهما في هذا سواء فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما على المعنى الذي ذكرنا يجزئ من ذكره
إياهما ومن ذكر غيرهما ممن حكمه في هذا مثل حكمهما
وقد قال الله عز وجل حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم
وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت
فحرم هؤلاء جميعا بالأنساب
ثم قال وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ولم يذكر في التحريم
بالرضاعة غير هاتين
80

فكان ذكره ذلك دليلا على أن سائر من حرم بالنسب في حكم الرضاع سواء وأغناه ذكر هاتين بالتحريم
بالرضاع عن ذكر من سواهما في ذلك إذ كان قد جمع بينهن جميعا في التحريم بالأنساب فجعل حكمهن
حكما واحدا
فدل تحريمه بعضهن أيضا بالرضاع أن حكمهن في ذلك حكم واحد
فكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال لا يحل لأحد أن يرجع في هبته فعم بذلك الناس جميعا
ثم قال إلا الوالد لولده على المعنى الذي ذكرنا دل ذلك على أن من سوى الوالد من الواهبين في رجوع
الهبات إليهم يرد الله عز وجل إياها كذلك وأغناه ذكر بعضهم عن ذكر سائرهم
فلم يكن في شئ من هذه الآثار ما يدلنا على أن للواهب أن يرجع في هبته بنقضه إياها حتى يأخذها من
الموهوب له ويردها إلى ملكه المتقدم الذي أخرجها منه بالهبة
فنظرنا هل نجد فيما روى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا
فإذا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا قال ثنا مكي بن إبراهيم قال ثنا حنظلة عن سالم قال سمعت
بن عمر يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب منها بما يرضى
وإذا يونس قد حدثنا قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن داود بن الحصين عن أبي غطفان
بن طريف المري عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال من وهب هبة لصلة رحم أو على وجه
صدقة فإنه لا يرجع فيها ومن وهب هبة يرى أنه إنما يراد به الثواب فهو على هبته يرجع فيها إن
لم يرض منها
فهذا عمر رضي الله عنه قد فرق بين الهبات والصدقات فجعل الصدقات لا يرجع فيها وجعل الهبات
على ضربين
فضرب منها صلة الأرحام فرد ذلك إلى حكم الصدقات ومنع الواهب من الرجوع فيها
وضرب منها خلاف ذلك فجعل للواهب أن يرجع فيه ما لم يرض منه
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا حجاج إبراهيم الأزرق قال ثنا يحيى بن أبي زكريا بن أبي زائدة
عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر قال من وهب هبة لذي رحم جازت ومن وهب هبة
81

لغير ذي رحم محرم له فهو أحق بها ما لم يثب منها
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن جابر الجعفي قال سمعت
القاسم بن عبد الرحمن يحدث عن عبد الرحمن بن أبزي عن علي قال الواهب أحق ما لم يثب منها
فهذا علي رضي الله عنه قد جعل للواهب الرجوع في هبته ما لم يثب منها
فذلك عندنا على الواهب الذي جعل له الرجوع في هبته على ما ذكر في الحديث الذي رويناه عنه قبل
هذا حتى لا يتضاد قولهما رضي الله عنهما في ذلك
وقد حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن جابر عن القاسم فذكر بإسناده مثله
على ما روينا عن سليمان
وقد روى عن فضالة بن عبيد بنحو من هذا
حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال ثنا أبو صالح عبد الله
بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن عامر اليحصبي قال كنت عند فضالة بن عبيد فأتاه
رجلان يختصمان إليه
فقال أحدهما إني وهبت لهذا بازيا على أن يثيبني فلم يفعل
فقال الآخر وهب لي ولم يذكر شيئا
فقال له فضالة أردد إليه هبته فإنما يرجع في الهبة النساء وسقاط الرجال
حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله
بن عامر اليحصبي أنه قال كنت عند فضالة بن عبيد إذ جاءه رجلان يختصمان إليه في باز
فقال أحدهما وهبت له بازيا وأنا أرجو أن يثيبني منه
فقال الآخر نعم قد وهب لي بازيا ما سألته وما تعرضت له
فقال له فضالة أردد إليه هبته فإنما يرجع في الهبات النساء وشرار الأقوام
وقد روى عن أبي الدرداء رضي الله عنه في ذلك أيضا ما قد حدثنا فهد قال ثنا أبو صالح قال
حدثني معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي الدرداء قال المواهب ثلاثة رجل وهب من غير أن
يستوهب بهي كسبيل الصدقة فليس له أن يرجع في صدقته
82

ورجل استوهب فوهب فله الثواب فإن قبل على موهبته ثوابا فليس له إلا ذلك وله أن يرجع
في هبته ما لم يثب
ورجل وهب واشترط الثواب فهو دين على صاحبها في حياته وبعد وفاته
فهذا أبو الدرداء رضي الله عنه قد جعل ما كان من الهبات مخرجه مخرج الصدقات في حكم الصدقات
ومنع الواهب من الرجوع في ذلك كما يمنع المتصدق من الرجوع في صدقته
وجعل ما كان منها بغير هذا الوجه مما لم يشترط ثواب مما يرجع فيه ما لم يثب الواهب عليه
وجعل ما اشترط فيه العوض في حكم المبيع فجعل العوض لواهبه واجبا على الموهوب له في حياته
وبعد وفاته
فهذا حكم الهبات عندنا
فأما ما ذكرنا من انقطاع رجوع الواهب في هبته لموت الموهوب له أو باستهلاكه الهبة فلما روى عن
عمر رضي الله عنه أيضا في ذلك
حدثنا صالح قال ثنا حجاج بن إبراهيم قال ثنا يحيى عن الحجاج عن الحكم عن إبراهيم
عن عمر مثله يعني مثل حديثه الذي ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا الفصل وزاد ويستهلكها
أو يموت أحدهما
فجعل عمر رضي الله عنه استهلاك الهبة يمنع واهبها من الرجوع
فيها وجعل موت أحدهما يقطع ما للواهب فيها من الرجوع أيضا فكذلك نقول
وقد روى عن شريح في الهبة نظير ما قد روى عن عمر رضي الله عنه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر قال أخبرنا جرير بن حازم قال سمعت محمدا يحدث أن شريحا قال
من أعطى في قرابة أو معروف أو صلة فعطيته جائزة والجانب المستقرب يثب من هبته أو يرد عليه
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن شريح مثله
قال أبو جعفر وأما هبة كل واحد من الزوجين لصاحبه فإن أبا بكرة قد حدثنا قال ثنا أبو عمر قال
أخبرنا حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد أن امرأة وهبت لزوجها هبة ثم رجعت فيها فاختصما إلى شريح
فقال للزوج شاهداك أنهما رأياها وهبت لك من غير كره ولا هوان وإلا فيمينها لقد وهبت لك
عن كره وهوان
فهذا شريح قد سأل الزوج البينة أنها وهبت له لا عن كره بعد ارتجاعها في الهبة
83

فدل ذلك أن السنة لو ثبتت عنده على ذلك لرد الهبة إليها ولم يجز لها الرجوع فيها
وقد كان من رأيه أن للواهب الرجوع في هبته إلا من ذي الرحم المحرم فجعل المرأة في هذا كذي الرحم
المحرم فهكذا نقول
وأما هبة الزوج لامرأته فإن أبا بكرة حدثنا قال ثنا أبو عمر قال أخبرنا أبو عوانة عن أبي منصور
قال قال إبراهيم إذا وهبت المرأة لزوجها أو وهب الرجل لامرأته فالهبة جائزة وليس لواحد منهما
أن يرجع في هبته
حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه
قال الزوج والمرأة بمنزلة ذي الرحم المحرم إذا وهب أحدهما لصاحبه لم يكن له أن يرجع
فجعل الزوجان في هذه الأحاديث كذي الرحم المحرم فمنع كل واحد منهما من الرجوع فيما وهب
لصاحبه فهكذا نقول
وقد وصفنا في هذا ما ذهبت إليه في الهبات وما ذكرنا من هذه الآثار إذ لم نعلم عن أحد مثل من
رويناها عنه خلافا لها
فتركنا النظر من أجلها وقلدناها
وقد كان النظر لو خلينا وإياه خلاف ذلك وهو أن لا يرجع الوهب في الهبة لغير ذي الرحم المحرم
لان ملكه قد زال عنها بهبته إياها وصار للموهوب له دونه فليس له نقض ما قد ملك عليه إلا برضاء مالكه
ولكن اتباع الآثار وتقليد أئمة أهل العلم أولى فلذلك قلدناها واقتديناها
وجميع ما بينا في هذا الباب قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب الرجل ينحل بعض بينه دون بعض
حدثنا يونس قال ثنا سفيان قال ثنا الزهري عن محمد بن النعمان وحميد بن عبد الرحمن أخبراه
أنهما سمعا النعمان بن بشير يقول نحلني أبي غلاما فأمرتني أمي أن أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشهده على ذلك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ولدك أعطيته فقال لا قال فاردده
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف
وعن محمد بن النعمان بن بشير حدثاه عن النعمان بن بشير قال إن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني نحلت
ابني هذا غلاما كان لي
84

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرجعه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلي أن الرجل إذا نحل بعض بنيه دون بعض أن ذلك باطل
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وقالوا قد كان النعمان في وقت ما نحله أبوه صغيرا فكان أبوه قابضا له
لصغره عن القبض لنفسه
فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم أردده بعد ما كان في حكم ما قبض دل هذا أن النحلى من الوالد لبعض ولده
دون بعض لا يملكه المنحول ولا ينعقد له عليه هبة
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ينبغي للرجل أن يسوي بين ولده في العطية ليستووا في البر ولا يفضل
بعضهم على بعض فيوقع ذلك له الوحشة في قلوب المفضولين منهم
فإن نحل بعضهم شيئا دون بعض وقبضته المنحول لنفسه إن كان كبيرا أو قبضه له أبوه من نفسه إن
كان صغيرا بإعلامه إياه والاشهاد به فهو جائز
وكان من الحجة لهم في ذلك أن حديث النعمان الذي ذكرنا قد روى عنه على ما ذكروا وليس فيه دليل
أنه كان حينئذ صغيرا ولعله وقد كان كبيرا ولم يكن قبضه
وقد روى أيضا على غير هذا المعنى الذي في الحديث الأول
فحدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا وهيب عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن النعمان بن بشير قال انطلق بي أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحلني نحلي ليشهده على ذلك فقال أكل
ولدك نحلته مثل هذا فقال لا
قال أيسرك أن يكونوا إليك في البر كلهم سواء قال بلى قال فأشهد علي هذا غيري
فكان والذي في هذا الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم لبشير فيما كان نحله النعمان أشهد على هذا غيري
فهذا دليل أن الملك ثابت لأنه لو لم يثبت لا يصح قوله
فهذا خلاف ما في الحديث الأول لان هذا القول لا يدل على فساد العقد الذي كان عقده النعمان لان
النبي صلى الله عليه وسلم قد يتوفى الشهادة على ماله أن يشهد عليه وعلى الأمور التي قد كانت
وكذلك لمن بعده لان الشهادة إنما هي أمر يتضمنه الشاهد للمشهود له فله أن لا يتضمن ذلك
وقد يحتمل غير هذا أيضا فيكون قوله أشهد علي هذا غيري أي إني أنا الامام والامام ليس من
شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم
85

وفي قوله أشهد على هذا غيري دليل على صحة العقد
وقد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن المغيرة عن الشعبي قال سمعت النعمان
على منبرنا هذا يقول
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سووا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسووا بينكم في البر قال أبو جعفر فكان المقصود إليه في هذا الحديث الامر بالتسوية بينهم في العطية ليستووا جميعا
في البر
وليس فيه شئ من ذكر فساد العقد المعقود على التفضيل
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا عباد بن العوام عن حصين عن الشعبي قال
سمعت النعمان بن بشير يقول أعطاني أبي عطية فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد من الاشهاد
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني قد أعطيت ابني من عمرة عطية وإني أشهدك
قال أكل ولدك أعطيت مثل هذا قال لا قال فاتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم
فليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره برد الشئ وإنما فيه الامر بالتسوية
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا مرجى قال ثنا داود عن الشعبي عن النعمان
بن بشير قال انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إشهد أني قد نحلت النعمان من مالي
كذا وكذا
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل ولدك نحلته قال لا قال أما يسرك أن يكونوا لك في البر سواء
قال بلى قال فلا إذا
فقد اختلف لفظ حديث داود هذا فيما روى عنه مرجى ههنا وفيما روى عنه وهيب فيما قد تقدم في هذا
الباب وهكذا رواه الشعبي عن النعمان وقد رواه أبو الضحى عن النعمان أيضا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن فطر ح
وحدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا فطر قال ثنا أبو الضحى قال سمعت النعمان بن بشير يقول
ذهب بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشهده على شئ أعطانيه
فقال ألك ولد غيره قال نعم فقال بيده ألا سويت بينهم
فلم يخبر في هذا الحديث أنه أمره برده
وإنما قال ألا سويت بينهم على طريق المشورة وأن ذلك لو فعله كان أفضل
وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة النعمان هذا خلاف كل ما روينا
عن النعمان
86

حدثنا فهد قال ثنا النفيل قال ثنا زهير قال ثنا أبو زبير عن جابر قال قالت امرأة بشير لبشير
أنحلي ابني غلامك وأشهدي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه
قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن بنت فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي وقالت أشهد رسول
الله صلى الله عليه وسلم
فقال أله إخوة قال نعم قال أفكلهم أعطيته قال لا قال فإن هذا لا يصلح وإني لا أشهد
إلا على حق
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان أمره لبشير بالرد قبل إنفاذ بشير الصدقة فأشار النبي صلى الله عليه وسلم عليه
بما ذكرنا
وهذا خلاف جميع ما روى عن النعمان لان في تلك الأحاديث أنه نحله قبل أن يجئ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وأنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني نحلت ابني هذا كذا فأخبر أنه قد كان فعل
وفي حديث جابر هذا إخباره للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤال امرأته إياه فكان كلام النبي صلى الله عليه وسلم إياه بما كلمه به على
طريق المشورة وعلى ما ينبغي أن يفعل عليه الشئ إن آثر أن يفعله
وقد روى شعيب بن أبي حمزة هذا الحديث عن الزهري موافقا لهذا المعنى
حدثنا فهد قال ثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني حميد بن عبد الرحمن
ومحمد بن النعمان أنهما سمعا النعمان بن بشير يقول نحلني أبي غلاما ثم مشى بي حتى أدخلني على النبي صلى الله عليه وسلم فقال
يا رسول الله إني نحلت ابني غلاما فإن أذنت أن أجيزه له أجزته ثم ذكر الحديث
فدل ما ذكرنا على أنه لم يكن النحلي كملت فيه من حين نحله إياه إلى أن أمره النبي صلى الله عليه وسلم برده
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قسم شيئا بين أهله سوى بينهم جميعا فأعطى المملوك منهم كما يعطى الحر
حدثنا بذلك يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن عبد الله
بن دينار عن عروة عن عائشة قال تأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطيبة خرز فقسمها بين الحرة والأمة
قالت عائشة وكذلك كان أبي يقسم للحر والعبد
فكان هذا مما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله يعم بعطاياه جميع أهله حرهم وعبدهم ليس على أن ذلك واجب
ولكنه أحسن من غيره
فكذلك كانت مشورته في الولد أن يسوي بينهم في العطية ليس على أنه واجب ولا على أن غيره إن
فعل لم يثبت وهذا
87

قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد فضل بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم بعض أولادهم على بعض في العطايا
فحدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن عروة عن الزبير عن
عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت إن أبا بكر الصديق نحلها جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة
فلما حضرته الوفاة قال والله يا بنية ما من أحد من الناس أحب إلي غني منك ولا أعز الناس علي فقرا
من بعدي منك وإني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا فلو كنت جددتيه وأحرزتيه كان لك وإنما
هو اليوم مال وارث وإنما هما أخوك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله تعالى
فقالت عائشة والله يا أبت لو كان كذا وكذا لتركته إنما هي أسماء فمن الأخرى قال ذو بطن
بنت خارجة أراها جارية
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص بن غياث قال ثنا أبي الأعمش عن شقيق قال ثنا مسروق
قال كان أبو بكر الصديق قد أعطى عائشة نحلي فلما مرض قال لها اجعليه في الميراث وذكروا القبض
والهبة والصدقة
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن عمرو قال أخبرني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن
فضل بني أم كلثوم بنحل قسمه بين ولده
فهذا أبو بكر رضي الله عنه قد أعطى عائشة رضي الله عنها دون سائر ولده ورأي ذلك جائزا ورأته هي
كذلك ولم ينكره عليهما أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم وهذا
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قد فضل بعض أولاده أيضا فيما أعطاهم على بعض ولم
ينكر ذلك عليه منكر
88

فكيف يجوز لأحد أن يحمل فعل هؤلاء على خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم
ولكن قول النبي صلى الله عليه ولم عندنا فيما ذكرنا من ذلك إنما كان على الاستحباب كاستحبابه التسوية بين أهله
في العطية
وترك التفضيل لحرهم على مملوكهم ليس على أن ذلك مالا يجوز غيره ولكن على استحبابه لذلك وغيره في
الحكم جائز كجوازه
وقد اختلف أصحابنا في عطية الولد التي يتبع فيها أمر النبي صلى الله عليه وسلم لبشير كيف هي
فقال أبو يوسف رحمة الله عليه يسوى بين الأنثى فيها والذكر وقال محمد بن الحسن رحمة الله عليه بل يجعلها
بينهم على قدر المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين
قال أبو جعفر في قول النبي صلى الله عليه وسلم سووا بينهم في العطية كما تحبون أن يسووا لكم في البر دليل على
أنه أراد التسوية بين الإناث والذكور لأنه لا يراد من البنت شئ من البر إلا الذي يراد من الابن مثله
فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد من الأب لولده ما يريد من ولده له وكان ما يريد من الأنثى من البر مثل ما يريد
من الذكر كان ما أراد منه لهم من العطية للأنثى مثل ما أراد للذكر
وفي حدث أبي الضحى فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألك ولد غيره فقال نعم
فقال ألا سويت بينهم ولم يقل ألك ولد غيره ذكر أو أنثى وذلك لا يكون إلا وحكم الأنثى فيه
كحكم الذكر ولولا ذلك لما ذكر التسوية إلا بعد علمه أنهم ذكور كلهم
فلما أمسك عن البحث عن ذلك ثبت استواء حكمهم في ذلك عنده فهذا أحسن عندنا مما قال محمد
رحمة الله عليه
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك أيضا
حدثنا أحمد
بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال ثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن
الزهري عن أنس قال كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فجاء بن له فقبله وأجلسه على فخذه ثم جاءت بنت
له فأجلسها إلى جنبه قال فهلا عدلت بينهما
أفلا يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أراد منه التعديل بين الابنة والابن وأن لا يفضل أحدهما على الآخر
فذلك دليل على ما ذكرنا في العطية أيضا باب العمرى
89

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري قال ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن كثير بن
زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال المسلمون عند شروطهم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى إجازة العمرى وجعلوها راجعة إلى المعمر بعد موت المعمر له واحتجوا في
ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إنما وقع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا على الشروط التي قد أباح الكتاب
اشتراطها وجاءت به السنة وأجمع عليه المسلمون
فأما ما نهى عنه الكتاب أو نهت عنه السنة فهو غير داخل في ذلك
ألا يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث بريرة كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان
مائة شرط
وما في كتاب الله عز وجل هو ما كان منصوصا فيه أو ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه إنما وجب قبوله
لكتاب الله عز وجل إذ يقول فيه وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
وليس كل شرط يشترطه المسلمون يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم لأنه لو كان ذلك
كذلك لجاز الشرطان في البيع اللذان قد نهى عنهما النبي صلى الله عليه وسلم ولكان هذا الحديث معارضا لذلك ولقوله
كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط
فلما لم يجعل ذلك على هذا المعنى وإنما جعل على خاص من الشروط وقد وقفنا عليها وعرفناها فأعلمنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله المسلمون عند شروطهم أنهم عند تلك الشروط التي قد أجاز لهم اشتراطها حتى لا يجب
لمن هو لهم عليه نقضها
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد دل على ذلك أيضا حدثنا أحمد بن داود قال ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي
قال ثنا عبد الله بن نافع الصائغ قال ثنا كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا
فدل هذا أن الشروط التي المسلمون عندها هي بخلاف هذه الشروط المستثناة
وكانت الشروط في العمرى قد وقفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بطلانها في آثار قد جاءت عنه مجيئا متواترا
90

فمنها ما قد حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن عمرو عن سليمان بن يسار أن أميرا كان على المدينة يقال
له طارق قضى بالعمرى للوارث عن قول جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم
أخبرنا يونس قال ثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن حجر عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى
بالعمرى للوارث
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا العمرى للوارث فقطع بذلك شرط العمرى
فقال الأولون فلم يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ذلك الوارث وارث من هو معه فقد يجوز أن
يكون أراد وارث المعمر
قيل له هذا محال عندنا لأنه إنما كان الذكر على شئ قد جعل للعمر حياته على أن يعود بعد الموت إلى
المعمر فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك للوارث أي جعلوا ارث المعمر ما قد كان اشترط فيه المعمر أن
لا يكون ميراثا
والدليل على ذلك أن محمد بن بحر بن مطر حدثنا قال ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال أخبرنا محمد
بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعمر
شيئا حياته فهو له ولوارثه
فدل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا على الوارث المحكوم بها له في الحديث الذي ذكرناه في الفصل الذي قبل
هذا أنه وارث المعمر
وقد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس
أن حجر بن قيس أخبره أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العمرى ميراث
حدثنا ابن أبي داود قال أخبرنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا روح بن القاسم
عن عمرو بن دينار عن طاوس المدري عن حجر عن زيد بن ثابت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيل العمرى
سبيل الميراث
قال أبو جعفر فهذا أيضا معناه مثل ما قبله
وقد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو الوليد قال ثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل
عن محمد بن علي عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرى جائزة لأهلها
فقال أهل المقالة الأولى أهلها هم الذين أعمروها
فكان من الحجة عليهم في ذلك أن فهدا حدثنا قال ثنا عبيد بن يعيش قال ثنا يونس بن بكير قال
أخبرنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية قال قال لي معاوية سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال من أعمر عمري فهي له يرثها من عقبه من يرثه
91

فدل هذا الحديث على أن أهلها الذين جازت لهم هم المعمرون لا المعمرون
وقد حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي قال ثنا الوليد بن مسلم الأوزاعي يحيى بن أبي سلمة
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرى لمن وهبت
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن هشام بن أبي عبد الله عن يحيى فذكر
بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا أبو معاوية عن الحجاج عن أبي الزبير عن طاوس
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها فمن أعمر أحدا شيئا فهو له
حدثنا فهد قال أخبرنا علي بن معبد قال أخبرنا إسماعيل بن أبي كثير عن محمد بن عمرو عن
أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عمري فمن أعمر شيئا فهو له
فقال أهل المقالة الأولى فنحن لا ننكر أن يكون العمرى لمن أعمرها وإنما قلنا إنها ترجع إلى المعمر
بعد موت المعمر
فكان من حجتنا عليهم في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى فيما ذكرنا من الآثار عن العمرى
فاستحال أن يكون نهى عنها وهي تجري كما عقدت ولكنه نهى عنها لأنها تجري على خلاف ذلك
قال فمن أعمر شيئا فهو له فأرسل ذلك ولم يقل فهو له ما دام حيا
فدل ذلك على أنها له كسائر ماله في حياته وبعد مماته
فهذا معنى ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعلها جائزة أي جائزة للمعمر فيها بعد ذلك أبدا
ومما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جعلها جائزة ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال أخبرنا عفان قال ثنا
همام قال ثنا قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرى جائزة
والدليل على ذلك أيضا أن بن أبي داود وأحمد بن داود قد حدثانا قالا ثنا أبو عمر الحوضي قال
ثنا همام قال ثنا قتادة قال قال سليمان بن هشام ما تقول في العمرى
فقلت له حدثني النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
العمرى جائزة
قال الزهري إنها لا تكون عمري حتى تجعل له ولعقبه
92

فقال لعطاء بن أبي رباح ما تقول فقال حدثني جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
العمرى ميراث
فهذا عطاء وقتادة جميعا قد جعلاها جائزة للمعمر موروثة عنه ولم ينكر ذلك عليهما الزهري وإنما قال
لا يكون عمري يكون هذا حكمها حتى تجعل للمعمر ولعقبه فتكون كماله وتكون موروثة عنه
كما يورث سائر أمواله عنه وإن كان من يرثها عنه فيهم خلاف عقبه على ما حدثه أبو سلمة وسنذكر ذلك
في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى
ومما يدل أيضا على صحة ما ذكرنا أن يونس قد حدثنا قال ثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء
عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو للوارث إذا مات
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا أبو الزبير عن جابر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسكوا عليكم أموالكم لا تفسدوها فإنه من أعمر عمري فهي له حيا
وميتا ولعقبه
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعمر عمري حياته فهي له في حياته ولورثته بعد موته
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا يحيى بن أبي زائدة عن أبيه عن حبيب
بن أبي ثابت عن حميد عن جابر قال نحل رجل منا أمه نحلى له حياته فلم ماتت فقال أنا أحق بنحلي
فقضي النبي صلى الله عليه وسلم أنها ميراث
قال بن أبي شيبة حميد هذا رجل من كندة
قال أبو جعفر فقد كشفت لنا هذه الآثار مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآثار التي قبلها وأنها على ما وصفنا
من التأويل الذي ذكرنا وقد رويت في العمرى أيضا آثار بغير هذا اللفظ
فمنها ما قد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لأنه أعطى
عطاء وقعت فيه المواريث
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد الطيالسي قال ثنا ليث عن ابن شهاب ح
وحدث ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله
93

قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أعمر رجلا عمري له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن
أعمرها ولعقبه
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال أخبرنا بن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر
بن عبد الله قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعمر عمري فهي له ولعقبه بته لا يجوز للمعطي فيها شرط ولا ثنيا
قال أبو جعفر ففي هذه الآثار من أعمر عمري له ولعقبه فهي للذي عمرها لا ترجع إلى المعطى بشرط
ولا ثنيا لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث
فقال الذين أجازوا الشرط في العمرى بهذا نقول إذا وقعت العمرى على هذا لم ترجع إلى المعطى أبدا
وإذا لم يكن فيها ذكر العقب فهي راجعة إلى المطي بعد زوال المعمر
قالوا وهذا أولى مما روى عطاء وأبو الزبير عن جابر بن عبد الله لان أبا سلمة زاد عليهما قوله ولعقبه
وليس هو بدونهما والزيادة أولى
فكان من حجتنا للآخرين في ذلك أنه لم يكن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرى حديث غير حديث أبي سلمة
هذا لكان فيه أكثر الحجة للذين يقولون إن العمرى لا ترجع إلى المعمر أبدا ولا يجوز شرطه
وذلك أن العمرى لا تخلوا من أحد وجهين إما أن تكون داخلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم
فينفذ للمعمر فيها الشرط على ما شرطه لا يبطل من ذلك شئ كما ينفذ الشروط من الموقف فيما وقف أو تكون
خارجة من ملك المعمر داخلة في ملك المعمر فيصير بذلك في سائر ماله ويبطل ما شرط عليه فيها فنظرنا في ذلك فإذا العمرى إذا أوقعت على أنها للمعمر ولعقبه فمات وله عقب وزوجة أو أوصى
بوصايا أو كان عليه دين أن تلك الأشياء تنفذ فيها كما تنفذ في ماله ولا يمنعها الشرط الذي كان من المعمر
في جعله إياها له ولعقبه وزوجته ليست من عقبه ولا غرماؤه ولا أهل وصاياه
وكذلك لو مات المعمر ولا عقب له لم يرجع شئ من ذلك إلى المعمر
فلما كان ما وصفنا كذلك كانت كذلك أبدا يجوز على ما جعلها عليه المعمر ويبطل شرطه الذي
أشترط فيها ولا ينفذ منه قليل ولا كثير ويخرج من قول النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون عند شروطهم فيكون
شروطها ليست من الشروط التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
وهذا القول الذي صححناه قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم 2 وقد روى أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما مثل ذلك حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال
ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال سمعت بن عمر وسأله رجل عن رجل وهب له رجل ناقة حياته
فنتجت أي ولدت فقال هي له وأولادها فسألته بعد ذلك فقال هي له حيا وميتا والله أعلم
94

باب الصدقات الموقوفات
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو عاصم وسعيد بن سفيان الجحدري قالا ثنا ابن عون قال أخبرني
نافع عن ابن عمر أن عمر أصاب أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فقال إني أصبت أرضا لم أصب
مالا قط أحسن منها فكيف تأمرني
قال إن شئت حبست أصلها لا تباع ولا توهب قال أبو عاصم وأراه قال لا تورث
قال فتصدق بها في الفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف لا جناح على من
وليها أن يأكل منها غير متمول قال فذكرت ذلك لمحمد فقال غير متأثل
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال حدثني عمي قال حدثني إبراهيم بن سعد عن عبد العزيز
بن المطلب عن يحيى بن سعيد عن نافع مولى بن عمر عن ابن عمر أن عمر استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم
في أن يتصدق بماله بثمغ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق به تقسم ثمره وتحبس أصله لا تباع ولا توهب
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أوقف داره على ولده وولد ولده ثم من بعدهم في سبيل الله
أن ذلك جائز وأنها قد خرجت بذلك من ملكه إلى الله عز وجل ولا سبيل له بعد ذلك إلى بيعها واحتجوا في
ذلك بهذه الآثار
وممن قال بذلك أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهما وهو قول أهل المدينة وأهل البصرة
وخالفهم في ذلك آخرون منهم أبو حنيفة وزفر بن الهذيل رحمة الله عليهما فقالوا هذا كله ميراث
لا يخرج من ملك الذي أوقفه بهذا السبب
وكان من الحجة لهم في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما شاوره عمر رضي الله عنه في ذلك قال له حبس
أصلها وسبل الثمرة
فقد يجوز أن يكون ما أمره به من ذلك يخرج به من ملكه ويجوز أن يكون ذلك لا يخرجها من ملكه
95

ولكنها تكون جارية على ما أجراها عليه من ذلك ما تركها ويكون له فسخ ذلك متى شاء
كرجل جعل لله عليه أن يتصدق بثمرة نخله ما عاش فيقال له أنفذ ذلك ولا يجبر عليه ولا يؤخذ به
إن شاء وإن أبى
ولكن إن أنفذ ذلك فحسن وإن منعه لم يجبر عليه
وكذلك ورثته من بعده إن أنفذوا ذلك على ما كان أبوهم أجراه عليه فحسن وإن منعوه كان ذلك لهم
وليس في بقاء حبس عمر رضي الله عنه إلى غايتنا هذه ما يدل على أنه لم يكن لأحد من أهله نقضه
وإنما الذي يدل على أنه ليس لهم نقضه لو كانوا خاصموا فيه بعد موته فمنعوا من ذلك
ولو جاز ذلك لكان فيه العمرى ما يدل على أن الأوقاف لا تباع
ولكن إنما جاءنا تركهم لوقف عمر رضي الله عنه يجرى لي ما كان عمر رضي الله عنه أجراه عليه في حياته
ولم يبلغنا أن أحدا منهم عرض فيه بشئ
وقد روى عن عمر رضي الله عنه ما يدل على أنه قد كان له نقضه حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب
أن مالكا أخبره عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب قال لولا أني ذكرت صدقتي لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أو نحو هذا لرددتها
فلما قال عمر رضي الله عنه هذا دل ذلك أن نفس الايقاف للأرض لم يكن بمنعه من الرجوع فيها وأنه
إنما منعه من الرجوع فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره فيها بشئ وفارقه على الوفاء به فكره أن يرجع عن ذلك
كما كره عبد الله بن عمرو أن يرجع بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم الذي كان فارقه عليه أن يفعله وقد
كان له أن لا يصوم
ثم هذا شريح وهو قاضي عمر وعثمان وعلي الخلفاء الراشدين المهديين أجمعين
قد روى عنه في ذلك أيضا ما قد حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف عن عطاء بن السائب
قال سألت شريحا عن رجل جعل داره حبسا على الآخر فالآخر من ولده فقال إنما أقضى ولست أفتى
قال فناشدته فقال لا حبس على فرائض الله
وهذا لا يسع القضاة جهله ولا يسع الأئمة تقليد من يجهل مثله ثم لا ينكر ذلك عليه منكر من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من تابعيهم رحمة الله عليهم ثم
قد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا ما قد حدثنا الربيع المؤذن
قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال حدثني أخي عيسى عن عكرمة عن ابن عباس قال سمعت
96

رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أنزلت سورة النساء وأنزل فيها الفرائض نهى عن الحبس
حدثنا روح بن الفرج قال أخبرنا يحيى بن عبد الله بن بكير وعمرو بن خالد قالا ثنا عبد الله بن لهيعة
فذكر بإسناده مثله
حدثنا عبد الرحمن بن الجارود قال ثنا ابن أبي مريم قال حدثني بن لهيعة فذكر بإسناده مثله * (
حدثنا روح ومحمد بن خزيمة قالا قال لنا أحمد بن صالح هذا حديث صحيح وبه أقول
قال روح قال لي أحمد بن صالح وقد حدثنيه الدمشقي يعني عبد الله بن يوسف عن ابن لهيعة
فأخبر بن عباس رضي الله عنهما أن الإحباس منهي عنها غير جائزة أنها قد كانت قبل نزول الفرائض
بخلاف ما صارت عليه بعد نزول الفرائض فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فإن أبا حنيفة وأبا يوسف وزفر ومحمدا رحمة الله عليهم وجميع المخالفين لهم
والموافقين قد اتفقوا على أن الرجل إذا وقف داره في مرضه على الفقراء والمساكين ثم توفى في مرضه ذلك
جائز من ثلثه وأنها غير موروثة عنه
فاعتبرنا ذلك هل يدل على أحد القولين فكان الرجل إذا جعل شيئا من ماله من دنانير أو دراهم صدقة
فلم ينفذ ذلك حتى مات أنه ميراث وسواء جعل ذلك في مرضه أو في صحته إلا أن يجعل ذلك وصية بعد موته
فينفذ ذلك بعد موت من ثلث ماله كما ينفذ الوصايا
فأما إذا جعله في مرضه ولم ينفذه للمساكين بدفعه إياه إليهم فهو كما جعله في صحته وكان جميع ماله يفعله
في صحته فينفذ من جميع ماله ولا يكون له عليه بعد ذلك ملك مثل العتاق والهبات والصدقات هو الذي ينفذ
إذا فعله في مرضه من ثلث ماله وكان الواقف إذا وقف في مرضه داره أو أرضه وجعل آخرها في سبيل الله
كان ذلك جائزا باتفاقهم من ثلث ماله بعد وفاته لا سبيل لوارثه عليه
وليس ذلك بداخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا حبس على فرائض الله
فكان النظر على ذلك أن يكون كذلك سبيله إذا وقف في الصحة فيكون نافذا من جميع المال ولا يكون
له عليه سبيل بعد ذلك قياسا ونظرا على ما ذكرنا فإلى هذا أذهب وبه أقول من طريق النظر لا من طر يق الآثار لان الآثار في ذلك قد تقدم وصفي لها
وبيان معانيها وكشف وجوهها
فإن قال قائل أفتخرج الأرض بالوقوف من ملك ربها بوقفه إياها لا إلى ملك مالك
قيل له وما تنكر من هذا وقد اتفقت أنت وخصمك على الأرض يجعلها صاحبها مسجدا للمسلمين
ويخلى بينهم وبينها أنها قد خرجت بذلك من ملكه لا إلي ملك مالك ولكن إلى الله عز وجل
97

فالذي يلزم مخالفك فيما احتججت عليه بما وصفنا يلزمك في هذا مثله
فإن قال قائل فما معنى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحبس الذي رويته عنه في حديث بن عباس رضي الله عنهما
قيل له قد قال الناس في ذلك قولين أحدهما القول الذي ذكرناه عند روايتنا إياه
والآخر أن ذلك أريد به ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام
فكانوا يحبسون ما يجعلونه كذلك كذلك فلا يورثونه أحدا فلما أنزلت سورة الفرائض وبين الله عز
وجل فيها المواريث وقسم الأموال عليها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حبس
ثم تكلم الذي أجازوا الصدقات الموقوفات فيها بعد تثبيتهم إياها على ما ذكرنا فقال بعضهم هي جائزة
قبضت من المصدق بها أو لم تقبض وممن قال بذلك أبو يوسف رحمة الله عليه
وقال بعضهم لا ينفذها حتى يخرجها من يده ويقبضها منه غيره وممن قال بهذا القول بن أبي ليلى ومالك
بن أنس ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهم
فاحتجنا أن ننظر في ذلك لنستخرج من القولين قولا صحيحا فرأينا أشياء يفعلها العباد على ضروب
فمنها العتاق ينفذ بالقول لان العبد إنما يزول ملك مولاه عنه إلى الله عز وجل
ومنها الهبات والصدقات لا تنفذ بالقول حتى يكون معه القبض من الذي ملكها له
فأردنا أن ننظر حكم الأوقاف بأيها هي أشبه فنعطفه عليه
فرأينا الرجل إذا وقف أرضه أو داره فإنما يملك الذي أوقفها عليه منافعها ولم يملك من رقبتها شيئا
إنما أخرجها من ملك نفسه إلى الله عز وجل فثبت أن ذلك نظير ما أخرجه من ملكه إلى الله عز وجل
فكما كان ذلك لا يحتاج فيه إلى قبض مع القول كان كذلك الوقوف لا يحتاج فيها إلى قبض
مع القول
وحجة أخرى أن القبض لو أوجبناه فإنما كان القابض يقبض ما لم يملك بالوقف فقبضه إياه وغير قبضه
إياه سواء
فثبت بما ذكرنا ما ذهب إليه أبو يوسف رحمة الله عليه
كتاب الرهن باب ركوب الرهن واستعماله وشرب لبنه
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب نفقته إذا كان مرهونا
98

قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن للراهن أن يركب الرهن بحق نفقته عليه ويشرب لبنه أيضا بحق نفقته
عليه واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ليس للراهن أن يركب الرهن ولا يشرب لبنه وهو رهن معه وليس
له أن ينتفع منه بشئ
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى أن هذا الحديث الذي احتجوا به حديث مجمل لم يبين فيه
من الذي يركب ويشرب اللبن
فمن أين جاز لهم أن يجعلوه الراهن دون أن يجعلوه المرتهن هذا لا يكون لأحد إلا بدليل يدله على ذلك
إما من كتاب أو سنة أو إجماع
ومع ذلك فقد روى هذا الحديث هشيم وبين فيه ما لم يبين يزيد بن هارون
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا إسماعيل بن سالم السائغ قال ثنا هشيم عن زكريا عن الشعبي عن أبي
هريرة ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى
الذي يشرب نفقتها ويركب
فدل هذا الحديث أن المعنى بالركوب وشرب اللبن في الحديث الأول هو المرتهن لا الراهن فجعل
ذلك له وجعلت النفقة عليه بدلا مما يتعوض منه مما ذكرنا
وكان هذا عندنا والله أعلم في وقت ما كان الربا مباحا ولم ينه حينئذ عن القرض الذي يجر منفعة
ولا عن أخذ الشئ بالشئ إن كانا غير متساويين ثم حرم الربا بعد ذلك وحرم كل قرض جر نفعا وأجمع
أهل العلم أن نفقة الرهن على الراهن لا على المرتهن وأنه ليس للمرتهن استعمال الرهن
فمما روى في نسخ الربا ما حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن
منصور والأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت لما نزلت الآيات التي في آخر سورة البقرة
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأهن على الناس ثم حرم التجارة في بيع الخمر
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن شعبة قال حدثني منصور عن مسلم عن
مسروق عن عائشة مثله
فلما حرم الربا حرمت أشكاله كلها وردت الأشياء المأخوذة إلى أبدالها المساوية لها وحرم بيع اللبن في
الضروع فدخل في ذلك النهي عن النفقة التي يملك بها المنفق لبنا في الضروع وتلك النفقة فغير موقوف على
مقدارها واللبن كذلك أيضا
فارتفع بنسخ الربا أن تجب النفقة على المرتهن بالمنافع التي يجب له عوضا منها وباللبن الذي يحتلبه فيشربه ويقال
لمن صرف ذلك إلى الراهن فجعل له استعمال الرهن أيجوز للراهن أن يرهن رجلا دابة هو راكبها
فلا يجد بدا من أن يقول لا
99

فيقال له فإذا كان الرهن لا يجوز إلا أن يكون مخلى بينه وبين المرتهن فيقبضه ويصير في يده دون يد
الراهن كما وصف الله عز وجل الرهن بقوله فرهان مقبوضة فيقول نعم
فيقال له فلما لم يجز أن يستقبل الرهن على ما الراهن راكبه لم يجز ثبوته في يده بعد ذلك رهنا بحقه
إلا لذلك أيضا لان دوام القبض لا بد منه في الرهن إذ كان الرهن إنما هو احتباس المرتهن للشئ المرهون
بالدين وفي ذلك أيضا ما يمنع المرتهن من استخدام الأمة الرهن لأنها ترجع بذلك إلى حال لا يجوز عليها
استقبال الرهن
وحجة أخرى أنهم قد أجمعوا أن الأمة الرهن ليس للراهن أن يطأها وللمرتهن منعه من ذلك
فكما كان المرتهن يمنع الراهن بحق الرهن من وطئها كان له أيضا أن يمنعه بحق الرهن من استخدامها
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
وقد حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا الحسن بن صالح عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعب
قال لا ينتفع من الرهن بشئ
فهذا الشعبي يقول هذا وقد روى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا
فيجوز عليه أن يكون أبو هريرة رضي الله عنه يحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ثم يقول هو بخلافه ولم يثبت
النسخ عنده
فلئن كان ذلك كذلك فلقد صار متهما في رأيه وإذا كان متهما في رأيه كان متهما في روايته وإذا
ثبتت له العدالة في ترك خلافها وإن وهب سقوط أحد الامرين وهب سقوط الآخر
والمحتج علينا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا يقول من روى حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو أعلم بتأويله
فكان يجئ على أصله ويلزمه في قوله أن يقول لما قال الشعبي ما ذكرنا مما يخالف ما روى عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك دليلا على نسخه
باب الرهن يهلك في يد المرتهن كيف
حكمه
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أنه سمع مالكا ويونس وابن أبي ذئب يحدثون عن ابن شهاب
عن ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغلق الرهن
قال يونس بن يزيد قال بن شهاب وكان بن المسيب يقول الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن عطاء
100

وسليمان بن موسى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن
قال أبو جعفر فقال قائل فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن لصاحبه غنمه وعليه غرمه ثبت
بذلك أن الرهن لا يضيع بالدين وأن لصاحبه غنمه وهو سلامته وعليه غرمه وهو غرم الدين بعد
ضياع الرهن
وهذا تأويل قد أنكره أهل العلم جميعا باللغة وزعموا أن لا وجه له عندهم
والذي حملنا على أن نأتي بهذا الحديث وإن كان منقطعا احتجاج الذي يقول بالمسند به علينا ودعواه
أنا خالفناه
وقد كان يلزمه على أصله لو أنصف خصمه أن لا يحتج بمثل هذا إذ كان منقطعا وهو لا يقوم الحجة
عنده بالمنقطع
فإن قال إنما قبلته وإن كان منقطعا لأنه عن سعيد بن المسيب ومنقطع سعيد يقوم مقام المتصل
قيل له ومن جعل لك أن تخص سعيدا هذا وتمنع منه مثله من أهل المدينة مثل أبي سلمة والقاسم
وسالم وعروة وسليمان بن يسار رحمة الله عليهم وأمثالهم من أهل المدينة والشعبي وإبراهيم النخعي
وأمثالهما رحمة الله عليهم من أهل الكوفة والحسن وابن سيرين وأمثالهما رحمة الله عليهم من أهل البصرة
وكذلك من كان في عصر من ذكرنا من سائر فقهاء الأمصار رحمة الله عليهم ومن كان فوقهم من الطبقة
الأولى من التابعين مثل علقمة والأسود وعمرو بن شرحبيل وعبيدة وشريح رحمة الله عليهم
لئن كان هذا مطلقا في سعيد بن المسيب فإنه مطلق لغيرك فيمن ذكرنا
وإن كان غيرك ممنوعا من ذلك فإنك ممنوع من مثله لان هذا تحكم وليس لأحد أن يحكم في دين
الله بالتحكم
وقد قال أهل العلم في تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ما ذكرت
حدثنا علي بن عبد العزيز فيما أعلم فإن لم يكن فقد دخل فيما كان أجازه لي
قال ثنا أبو عبيد قال ثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم في رجل دفع إلى رجل رهنا وأخذ منه دراهم وقال إن جئتك بحقك إلى كذا وكذا وإلا في الرهن لك بحقك
فقال إبراهيم لا يغلق الرهن قال أبو عبيد أفجعله جوابا لمسألته
وقد روى عن طاوس نحو من هذا بلغني ذلك عن ابن عيينة عن عمرو عن طاوس
قال أبو عبيد وأخبرني عبد الرحمن بن مهدي عن مالك بن أنس وسفيان بن سعيد أنهما كان يفسرانه
على هذا التفسير
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا بن وهب عن مالك بن أنس بذلك أيضا
101

حدثنا فهد قال ثنا أبو اليمان قال أخبرنا سفيان عن الزهري قال قال سعيد بن المسيب قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن
فبذلك يمنع صاحب الرهن أن يبتاعه من الذي رهنه عنده حتى يباع من غيره
فذهب الزهري أيضا في ذلك الغلق إلى أنه في البيع لا في الضياع فهؤلاء المتقدمون يقولون بما ذكرنا
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أيضا ما قد حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن محمد التيمي قال
أخبرنا عبد الله بن المبارك قال ثنا مصعب بن ثابت عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا ارتهن فرسا فمات
الفرس في يد المرتهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب حقك
فدل هذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على بطلان الدين بضياع الرهن
فإن قال هذا منقطع قيل له والذي تأولته أيضا منقطع فإن كان المنقطع حجة لك علينا فالمنقطع أيضا
حجة لنا عليك
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى ما يوافق ذلك أيضا
حدثنا أبو العوام محمد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي قال ثنا خالد بن نزار الأيلي قال حدثني
عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهي إلى قولهم منهم سعيد بن
المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله
في مشيخة من نظرائهم أهل فقه وصلاح وفضل فذكر جميع ما جمع من أقاويلهم في كتابه على هذه الصفة
أنهم قالوا الرهن بما فيه إذا هلك وعميت قيمته ويرفع ذلك منهم الثقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فهؤلاء أئمة المدينة وفقهاؤها يقولون إن الرهن يهلك بما فيه ويرفعه الثقة منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فأيهم ما حكاه فهو حجة لأنه فقيه إمام ثم قولهم جميعا بذلك وإجماعهم عليه
فقد ثبت به صحة ذلك أيضا عن سعيد بن المسيب وهو المأخوذ عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغلق الرهن
وقد زعم هذا المخالف لنا أن من روى حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أعلم بتأويله حتى قال في حديث بن
عباس رضي الله عنهما الذي رواه سيف لنا عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قضي باليمين مع الشاهد قال عمرو في الأموال
فجعل هو قول عمرو في هذا حجة ودليلا له أن ذلك الحكم في الأموال دون سائر الأشياء
فلئن كان قول عمرو بن دينار هذا تأويله يجب به حجة فإن قول سعيد بن المسيب الذي ذكرنا
وتأويله فيما روى أحرى أن يكون حجة وهذا المخالف لنا قد زعم أنه يقول بالاتباع فعمن أخذ قوله هذا
ومن إمامه فيه
102

وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه وعن تابعي أصحابه خلافه أيضا
وقد روى عن أيمة أصحابه خلاف ذلك أيضا حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن أبي
العوام عن مطر عن عطاء عن عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب قال في الرجل يرتهن الرهن فيضيع قال إن كان
بأقل ردوا عليه وإن كان بأفضل فهو أمين في الفضل
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا يزيد بن هارون عن إسرائيل عن عبد
الأعلى التغلبي عن محمد بن الحنفية أن عليا قال إذا رهن الرجل الرجل رهنا فقال له المعطى لا أقبله إلا بأكثر
مما أعطيك فضاع رد عليه الفضل وإن رهنه وهو أكثر مما أعطى يطيب نفس من الراهن فضاع
فهو بما فيه
حدثنا نصر قال ثنا الخطيب قال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس هو بن عمرو أن عليا
قال إذا كان في الرهن فضل فأصابته جائحة فهو بما فيه وإن لم تصبه جائحة وأتهم فإنه يرد الفضل
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا حمام عن قتادة عن الحسن وخلاس بن عمرو
أن عليا قال في الرهن يترادان الزيادة والنقصان جميعا فإن أصابته جائحة برئ
فهذا عمر وعلي رضي الله عنهما قد أجمعا أن الرهن الذي قيمته مقدار الدين يضيع بالدين وإنما
اختلافهما فيما زاد من قيمة الرهن على مقدار الدين
فقال عمر رضي الله عنه هو أمانة
وقال علي رضي الله عنه ما قد رويناه عنه في حديث نصر بن مرزوق وأحمد بن داود
وقد روى أيضا عن الحسن وشريح في ذلك ما قد حدثنا نصر قال ثنا الخصيب قال ثنا حماد بن سلمة
عن قتادة أن الحسن وشريحا قالا الرهن بما فيه
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن أبي حصين قال سمعت شريحا يقول
ذهبت الرهان بما فيها
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن جابان قال
رهنت حليا وكان أكثر مما فيه فضاع فاختصمنا إلى شريح فقال الرهن بما فيه
فهذا الحسن وشريح قد رأيا الرهن يبطل ذهابه بالدين وقد روى ذلك أيضا عن إبراهيم النخعي
حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال في
الرهن يهلك في يدي المرتهن إن كانت قيمته والدين سواء ضاع بالدين وإن كانت قيمته أقل من الدين
رد عليه الفضل وإن كانت قيمته أكثر من الدين فهو أمين في الفضل
وروى في ذلك عن عطاء بن أبي رباح ما قد حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج
عن عطاء في رجل رهن رجلا جارية فهلكت قال هي بحق المرتهن
103

فهذا عطاء يقول بهذا وقد روينا عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يغلق الرهن
فهذا أيضا حجة علي مخالفنا إذا كان من أصله أن من روى حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأويله فيه حجة
فقد خالف هذا كله في هذا الباب وخالف ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر وعلي رضي الله
عنهما وعمن ذكرنا من التابعين رحمة الله عليهم فمن إمامه في هذا أو بمن اقتدى به
ثم النظر في هذا أيضا يدفع ما قال وما ذهب إليه إذ جعل الرهن أمانة يضيع بغير شئ
وقد أجمعوا أن الأمانات لربها أن يأخذها وحرام على المرتهن منعه منها
والرهن مخالف لذلك إذ كان للمرتهن حبسه ومنع مالكه منه حتى يستوفي دينه فخرج بذلك حكمه من
حكم الأمانات
ورأينا الأشياء المغصوبة حرام على الغاصبين حبسها وحلال للمغصوبين منهم أخذها والرهن ليس كذلك
لان المرتهن حلال له حبس الرهن ومنع الراهن منه حتى يستوفي منه دينه
ورأينا العواري للمستعير الانتفاع بها وللمعير أخذها منه متى أحب
والرهن ليس كذلك لان المرتهن حرام عليه استعمال الرهن وليس للراهن أخذه منه حتى يوفيه دينه
فبان حكم الرهن عن حكم الودائع والغصوب والعواري وثبت أن حكمه بخلاف حكم ذلك كله
وقد أجمعوا أن للمرتهن حبسه حتى يستوفي الدين وحلال للراهن أخذه إذا برئ من الدين
فلما كان حبس الرهن مضمنا بحبس الدين وسقوط حبسه مضمنا بسقوط حبس الدين كان كذلك أيضا
ثبوت الدين مضمنا بثبوت الرهن فما كان الرهن ثابتا فالدين ثابت ومتى كان الرهن غير ثابت فالدين
غير ثابت
وكذلك رأينا المبيع في قولنا وقول هذا المخالف لنا للبائع حبسه بالثمن ومتى ضاع في يده ضاع بالثمن
فالنظر على ما اجتمعنا عليه نحن وهو من هذا أن يكون الرهن كذلك وأن يكون ضياعه يبطل الدين
كما كان ضياع المبيع يبطل الثمن
فهذا هو النظر في هذا الباب غير أن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا رحمة الله عليهم ذهبوا في الرهن
إلى ما قد رويناه في هذا الباب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإبراهيم النخعي رحمة الله عليه
واحتجوا في ذلك بما قد أجمعوا عليه في الغصب فقالوا رأينا الأشياء المغصوبة لا يوجب ضياعها من غصبها
أكثر من ضمان قيمتها وغصبها حرام قالوا
فالأشياء المرهونة التي قد ثبت أنها مضمونة أحرى أن لا يجب بضمانها على من قد ضمنها أكثر
من مقدار قيمتها
وكانوا يذهبون في تفسير قول سعيد بن المسيب له غنمه وعليه غرمه إلى أن ذلك في البيع
104

يريدون إذا بيع الرهن بثمن فيه نقص عن الدين غرم المرتهن ذلك النقص وهو غرمه المذكور في
الحديث وإذا بيع بفضل عن الدين أخذ الراهن ذلك الفضل وهو غنمه المذكور في الحديث
كتاب المزارعة والمساقاة
حدثنا علي بن شيبة وفهد بن سليمان قالا ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال ثنا سفيان عن عمرو
بن دينار قال سمعت بن عمر يقول سمعت رافع بن خديج يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزارعة
حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار قال
سمعت بن عمر يقول كنا نخابر ولا نر بذلك بأسا حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
المخابرة فتركناها
حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود قال ثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل
عن ابن شهاب قال أخبرني سالم بن عبد الله بن عمر أن أباه يعني عبد الله بن عمر كان يكرى أرضه حتى
بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض
فلقيه فقال يا بن خديج ماذا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كراء الأرض
فقال سمعت عمي وكانا قد شهدا بدرا يحدثان أهل الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض قال
عبد الله لقد كنت أعلم أن الأرض كانت تكرى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله أحدث في ذلك شيئا لم يكن علمه فترك كراء الأرض
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن رافع بن
خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحقل
قال شعبة فقلت للحكم ما الحقل قال أن تكرى الأرض
قال أبو جعفر أراه أنا قال بالثلث والربع
حدثنا أبو بكرة قال ثنا يحيى بن حماد قال ثنا أبو عوانة عن سليمان عن مجاهد عن رافع بن خديج
قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا وأمر نبي الله أنفع لنا قال من كانت له أرض فليزرعها
أو ليزرعها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عيسى بن إبراهيم قال ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا سعيد بن
عبد الرحمن الزبيدي قال سمعت مجاهدا يقول حدثني أسد بن أخي رافع بن خديج قال قال رافع بن خديج
فذكر مثله غير أنه قال فليزرعها فإن عجز عنها فليزرعها أخاه
105

حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الله بن عمر عن عبد الكريم الجزري
عن مجاهد قال أخذت بيد طاوس حتى أدخلته علي بن رافع بن خديج فحدثه عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه نهى عن كرى الأرض
فأبى طاوس وقال سمعت بن عباس أنه لا يرى بذلك بأسا
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا أبو الأحوص عن طارق بن عبد الرحمن
عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة
وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له أرض فهو يزرعها ورجل منح أخاه أرضا فهو يزرع ما منح منها ورجل
اكترى بذهب أو فضة
حدثنا أبو أمية قال ثنا أبو نعيم والمعلى بن منصور قالا ثنا أبو الأحوص ثم ذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار
عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو يزرعها أخاه ولا
يكريها بالثلث ولا بالربع
ولا بطعام مسمى
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا بكير بن عامر عن ابن أبي نعم قال حدثني رافع بن
خديج انه زرع أرضا فمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسقيها فسأله لمن الزرع ولمن الأرض فقال زرعي ببذري
وعملي لي الشطر ولبني فلان الشطر
فقال أربيت فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا بكير عن الشعبي عن رافع مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا عمر بن يونس قال ثنا عكرمة بن عمار قال حدثني أبو النجاشي مولى
رافع بن خديج قال قلت لرافع إن لي أرضا أكريها فنهاني رافع وأراه قال لي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن كراء الأرض قال إذا كانت لأحدكم أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه فإن لم يفعل فليدعها
ولا يكريها بشئ
فقلت أرأيت إن تركتها فلم أزرعها ولم أكرها بشئ فزرعها قوم فوهبوا لي من نباتها شيئا
آخذه قال لا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا حبان بن هلال ح
وحدثنا محمد بن داود قال ثنا عفان بن مسلم قالا ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا سليمان الشيباني
قال حدثني عبد الله بن السائب قال سألت عبد الله بن مغفل عن المزارعة فقال أخبرني ثابت بن الضحاك
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة
106

حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال ثنا علي بن مهر عن الشيباني قال أخبرنا عبد الله
بن السائب فذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا بشر بن بكر قال حدثني عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال
كان لرجال منا فضول أرضين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يؤاجرونها على النصف والثلث والربع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنح أخاه فإن أبي فليمسك
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال ثنا عطاء عن جابر مثله
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا همام قال قيل لعطاء هل حدثك جابر بن عبد الله
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه ولا يؤاجرها فقال عطاء نعم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال ثنا همام قال سأل سليمان بن موسى عطاء وأنا
شاهد ثم ذكر بإسناده مثله
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا خطاب بن عثمان الفوزي قال ثنا ضمرة عن ابن شوذب عن
مطر عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله * (
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا يحيى بن معين قال ثنا عبد الله بن رجاء قال بن خثيم حدثني عن
أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله عز وجل
حدثنا فهد قل ثنا محمد بن سعيد قال أخبرنا يحيى بن سليم الطائفي عن عبد الله بن عثمان بن خثيم
فذكر بإسناده مثله وزاد من الله ورسوله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو داود عن سليم بن حيان عن سعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان له فضل ماء أو فضل أرض فليزرعها أو يزرعها ولا تبيعوها
قال سليم فقلت له يعني الكراء فقال نعم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار وكرهوا بها إجارة أرض يجزء مما يخرج منها وهذه الآثار فقد
جاءت على معان مختلفة
فأما ثابت بن الضحاك رضي الله عنه فروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن المزارعة ولم يبين أي مزارعة
فإن كانت هي المزارعة على جزء معلوم مما تخرج الأرض فهذا الذي يختلف فيه هؤلاء المحتجون بهذه
الآثار ومخالفوهم
فإن كانت تلك المزارعة التي نهى عنها هي المزارعة على الثلث والربع وشئ غير ذلك مثل ما يخرج مما يزرع
في موضع من الأرض بعينه فهذا مما يجتمع الفريقان جميعا على فساد المزارعة عليه
وليس في حديث ثابت هذا ما ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد معنى من هذين المعنيين بعينه دون المعنى الآخر
107

وأما حديث جابر بن عبد الله فإنه قال فيه كان لرجال منا فضول أرضين فكانوا يؤاجرونها على النصف
والثلث والربع
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها وليمنحها أخاه فإن أبى فليمسك
ففي هذا الحديث أنه لم يجز لهم إلا أن يزرعوها بأنفسهم أو يمنحوها من أحبوا ولم يبح لهم في هذا
الحديث غير ذلك
فقد يحتمل أن يكون ذلك النهي كان على أن لا تؤاجر بثلث ولا بربع ولا بدراهم ولا بدنانير
ولا بغير ذلك
فيكون المقصود إليه بذلك النهي هو إجارة الأرض
وقد ذهب قوم إلى كراهة إجارة الأرض بالذهب والفضة حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر قال ثنا حماد
بن زيد قال أخبرنا عمرو بن دينار قال كان طاوس يكره كراء الأرض بالذهب والفضة
فهذا طاوس يكره كري الأرض بالذهب والفضة ولا يرى بأسا بدفعها ببعض ما يخرج وسيجئ بذلك
فيما بعد إن شاء الله تعالى
فإن كان النهي الذي في حديث جابر رضي الله عنه وقع على الكراء أصلا بشئ مما يخرج وبغير ذلك
فهذا معنى يخالفه الفريقان جميعا
وقد يحتمل أن يكون النهي واقع لمعنى غير ذلك
فنظرنا هل روى أحد عن جابر رضي الله عنه في ذلك شيئا يدل على المعنى الذي من أجله كان النهي
فإذا يونس قد حدثنا قال ثنا عبد الله بن نافع المدني عن هشام بن سعد عن أبي الزبير المكي عن
جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن رجالا يكرون مزارعهم بنصف ما يخرج منها وبثلثه وبالماذيانات
فقال في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له أرض فليزرعها فإن لم يزرعها فليمنحها أخاه فإن
لم يفعل فليمسكها
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني هشام بن سعدان أبي الزبير المكي حدثه قال
سمعت جابر بن عبد الله يقول كنا في زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ الأرض بالثلث أو الربع بالماذيانات فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر
قال كنا نخابر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فنصيب كذا وكذا فقال من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها
أخاه وإلا فليزرعها
فأخبر أبو الزبير في هذا عن جابر رضي الله عنه بالمعنى الذي وقع النهي من أجله وأنه إنما هو لشئ كانوا
يصيبونه في الإجارة فكان النهي من قبل ذلك جاء
108

وقد يحتمل أن يكون معنى حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه الذي ذكرنا كذلك
وأما حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقد جاء بألفاظ مختلفة اضطرب من أجلها
فأما حديث بن عمر عنه فهو مثل حديث ثابت بن الضحاك لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة
فهو يحتمل ما وصفنا من معاني حديث ثابت على ما ذكرنا وبينا
وأما من رواه على مثل ما روى جابر رضي الله عنه فيحتمل أيضا ما وصفنا مما يحتمل حديث جابر
رضي الله عنه
ثم نظرنا بعد ذلك هل نجد عن رافع معنى يدلنا على وجه النهي عن ذلك لم كان
فإذا أبو بكرة قد حدثنا قال ثنا أبو عمر قال أخبرنا حماد بن سلمة أن يحيى بن سعيد الأنصاري أخبرهم
عن حنظلة بن قيس الزرقي عن رافع بن خديج قال كنا بني حارثة أكثر أهل المدينة حقلا وكنا نكرى
الأرض على أن ما سقى الماذيانات والربيع فلنا وما سقت الجداول فلهم فربما سلم هذا
وهلك هذا وربما هلك هذا وسلم هذا ولم يكن عندنا يومئذ ذهب ولا فضة فنعلم ذلك
فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنهانا
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا حماد بن يحيى قال ثنا سفيان قال ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال ثنا
حنظلة بن قيس الزرقي أنه سمع رافع بن خديج يقول كنا أكثر أهل المدينة حقلا وكنا نقول للذي نخابره
لك هذه القطعة ولنا هذه القطعة تزرعها لنا
فربما أخرجت هذه القطعة ولم تخرج هذه شيئا وربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه شيئا فنهانا رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأما بالورق فلم ينهنا عنه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن ذريع قال ثنا ابن
أبي عروبة عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج قال كنا نحاقل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمحاقلة أن يكري
الرجل أرضه بالثلث أو الربع أو طعام مسمى
فبينا أنا ذات يوم إذ أتاني بعض عمومتي فقال نهانا رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفع قال من كانت له أرض فليمنحها أخاه ولا يكريها بثلث ولا بربع ولا بطعام مسمى
فبين رافع في هذا الحديث كيف كانوا يزارعون فرجع معنى حديثه إلى معنى حديث جابر رضي الله عنه
وثبت أن النهي في الحديثين جميعا إنما كان لان كل فريق من أرباب الأرضين والمزارعين كان يختص بطائفة
من الأرض فيكون له ما يخرج منها من زرع إن سلم فله وإن عطب فعليه وهذا مما أجمع على فساده
فهذا قد خرج معنى حديث رافع على أن النهي المذكور فيه كان للمعنى الذي وصفنا لا لإجارة الأرض
بجزء مما يخرج منها
وقد أنكر آخرون على رافع ما روى من ذلك وأخبروا أنه لم يحفظ أو الحديث
109

فحدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن يحيى قال ثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي
عبيدة بن محمد بن عمار عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت أنه قال يغفر الله لرافع
بن خديج أنا والله كنت أعلم بالحديث منه إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اقتتلا
قال إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فسمع قوله لا تكروا المزارع
فهذا زيد بن ثابت رضي الله عنه يخبر أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تكروا المزارع النهي الذي قد سمعه رافع
لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التحريم إنما كان لكراهية وقوع السوء بينهم
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا من ذلك شئ
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا سفيان وحماد بن أبي سلمة وحماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن
طاوس قال قلت لهيا أبا عبد الرحمن لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها
فقال أخبرني أعلمهم يعني بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها ولكنه قال لان يمنح أحدكم
أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما
حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان عن عمرو فذكر بإسناده مثله
فبين بن عباس رضي الله عنهما أن ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لم يكن للنهي وإنما أراد الرفق بهم
وقد يحتمل أيضا أن يكون كره لهم أخذ الخراج لما وقع بين الرجلين في حديث زيد فقال لان يمنح أحدكم
أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما لان ما كان وقع بين ذينك الرجلين من الشر إنما كان
في الخراج الواجب لأحدهما على صاحبه فرأى أن المنيحة التي لا توجب بينهم شيئا من ذلك خير لهم من
المزارعة التي توقع بينهم مثل ذلك
وقد جاء بعضهم بحديث رافع على لفظ حديث بن عباس هذا حدثنا
إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال سمعت مجاهدا
عن رافع بن خديج قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا وأمرنا بخير منه فقال من كانت له أرض
فليزرعها أو يمنحها
قال فذكرت ذلك لطاوس فقال قال بن عباس إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنحها أخاه خير له
أو يمنحها خير
فيحتمل أن يكون وجه هذا الحديث على ذلك أيضا فيكون قوله نهانا عن أمر كان لنا نافعا يريد
ما ذكر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رافعا سمعه وأمرنا بكذا ما حكاه بن عباس رضي الله عنهما
110

فلم يكن في جميع ما سمع في الحقيقة نهى لكراء الأرض بالثلث والربع
وقد روى عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر أيضا في النهي عن ذلك أنه إنما كان لبعض
المعاني التي تقدم ذكرنا لها
حدثنا أحمد بن داود قال أخبرنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال أخبرنا إبراهيم بن سعد قال حدثني
محمد بن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن لبيبة عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص قال كان
الناس يكرون المزارع بما يكون على الساقي وبما يسقى بالماء مما حول البير فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك
وقال أكروها بالذهب والورق
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا حسان بن غالب قال ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة
عن نافع أن رافع بن خديج أخبر عبد الله بن عمر وهو متكئ على بدني أن عمومته جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم رجعوا فقالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع
فقال بن عمر قد علمنا أنه كان صاحب مزرعة يكريها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن له ما
في ربيع
الساقي الذي تفجر منه الماء وطائفة من التبن لا أدري ما التبن ما هو
فبين سعد رضي الله عنه في هذا الحديث ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم لم كان وأنه إنما كان لأنهم كانوا يشترطون
ما على ربيع الساقي وذلك فاسد في قول الناس جميعا
وحمل بن عمر رضي الله عنهما النهي على أنه قد يجوز أن يكون على ذلك المعنى أيضا
وزاد حديث سعد على غيره من هذه الأحاديث إباحة النبي صلى الله عليه وسلم إجارة الأرض بالذهب والورق
فقد بان نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المزارعة في الآثار المتقدمة لم كان وما الذي نهى عنه من ذلك
ولم يثبت في شئ منها النهي عن إجارة الأرض ببعض ما يخرج إذا كان ثلثا أو ربعا أو ما أشبه ذلك
وقد احتج قوم في ذلك لأهل المقالة الأولى بما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث عن أبيه
عن جده عن جعفر بن ربيعة عن ابن هرمز عن أسد بن رافع بن خديج سمعه يذكر أنهم منعوا من المحاقلة
وهي أن يكرى أرضا على بعض ما فيها
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا حامد قال ثنا سفيان قال سمعت عمرو بن دينار يقول سمعت بن عمر
يقول كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها فتركناها
من أجل قوله
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا بن مسلم الطائفي قال أخبرني إبراهيم بن ميسرة قال
أخبرني عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة والمزابنة والمحاقلة
111

والمخابرة على الثلث والربع والنصف من بياض الأرض
والمزابنة بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر وبيع العنب في الشجر بالزبيب
والمحاقلة بيع الزرع قائما هو على أصوله بالطعام
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو داود عن سليم بن حيان عن سعيد بن ميناء عن جابر
بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا سعيد بن عفير قال ثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن عطاء وأبي
الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حيان عن عمه واسع
بن حيان عن جابر بن عبد الله قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن زيد
بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عمر بن يونس بن القاسم قال ثنا أبي عن إسحاق بن عبد الله
بن أبي طلحة عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا حسين بن حفص الأصبهاني قال ثنا سفيان قال حدثني سعد بن إبراهيم
قال حدثني عمر بن أبي سلمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قال والمحاقلة الشرك في الزرع والمزابنة التمر بالتمر على رؤوس النخل
قالوا فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة وهي كراء الأرض بالثلث والربع ونهى أيضا عن المخابرة
وهي أيضا كذلك
قيل لهم أما ما ذكرتم عن النبي صلى الله عليه وسلم من نهيه عن المحاقلة فقد صدقتم ونحن نوافقكم على صحة
مجئ ذلك
وأما تأويلكم إياه على أنه المزارعة بالثلث والربع فهذا تأويل منكم وليس عندكم عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
دليل يدل على أن تأويله كما تأولتم
وقد يحتمل عندنا ما ذكرتم ويحتمل أن يكون كما قال مخالفكم أنه بيع الحنطة كيلا بحنطة هذا الحقل
الذي لا يدري ما كيله
فذلك عندنا وعندكم فاسد وهذا أشبه بذلك لأنه مقرون بالمزابنة والمزابنة هي بيع التمر المكيل
بما في رؤوس النخل من التمر
112

فهذا الحديث يحتمل ما تأوله الفريقان جميعا عليه ولا حجة فيه لأحد الفريقين على الفريق الآخر
وقد جاءت آثار غير هذه الآثار فيها إباحة المزارعة بالثلث والربع
فمنها ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا يحيى بن زكريا عن الحجاج بن أرطأة عن الحكم
عن أبي القاسم وهو مقسم عن ابن عباس قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر ثم أرسل بن رواحة
فقاسمهم
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما خرج من الزرع
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو بكر الحنفي قال ثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال
كانت المزارع تكرى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لرب الأرض ما على ربيع الساقي من الزرع وطائفة من
التبن لا أدري كم هو
قال نافع فجاء رافع بن خديج وأنا معه فقال إن رسول الله أعطي خيبر يهودا على أنهم يعملونها
ويزرعونها بشطر ما يخرج من تمر أو زرع
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عون الزيادي وهو بن محمد بن عون قال ثنا إبراهيم بن طهمان
قال ثنا أبو الزبير عن جابر قال أفاء الله خيبر فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا وجعلها بينه وبينهم
فبعث بن رواحة فخرصها عليهم
وحدثنا أبو أمية قال أخبرنا محمد بن سابق قال ثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه مثله
ففي هذه الآثار دفع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بالنصف من تمرها وزرعها
فقد ثبت بذلك جواز المزارعة والمساقاة ولم يضاد ذلك ما قد تقدم ذكرنا له من حيث جابر رضي الله
عنه ورافع وثابت رضي الله عنهما لما ذكرنا من حقائقها
فاحتج محتج في ذلك فقال قد عورضت هذه الآثار أيضا بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن بيع الثمار
قبل أن تكون مما قد وصفنا ذلك في باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها
قال فإذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الابتياع بالثمار قبل أن تكون دخل في ذلك الاستيجار بها قبل أن تكون
فكما كان البيع بها قبل كونها باطلا كان الاستيجار بها قبل كونها أيضا كذلك
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع ما ليس عندك فكان الاستيجار بذلك غير جائز إذ كان الابتياع
به غير جائز فكذلك لما كان الابتياع بما لم يكن غير حائز كان الاستيجار به أيضا غير جائز
113

قيل له إنه لو لم يرو في هذه الآثار التي ذكرنا في إجارة المزارعة بالثلث والربع لكان الامر على ما ذكرت
ولكن لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إباحتها وعمل بها المسلمون بعده احتمل أن يكون الاستيجار بما لم يكن
داخلا في الابتياع بما لم يكن ويكون مستثنى من ذلك وإن لم يبين في الحديث
كما أبيح السلم ولم يحرمه النهي عن بيع ما ليس عندك وإنما وقع النهي في ذلك على بيع ما ليس عندك
غير السلم
فكذلك يحتمل أن يكون النهي عن بيع الثمار قبل أن تكون ذلك على ما سوى المزارعة بها والمساقاة عليها
وقد عمل بالمزارعة والمساقاة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر قال سمعت أبي يذكر عن موسى
بن طلحة قال اقطع عثمان نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود والزبير بن العوام وسعد بن
مالك وأسامة فكان جاري منهم سعد بن مالك وابن مسعود يدفعان أرضهما بالثلث والربع
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أخبرنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر قال سألت موسى بن
طلحة عن المزارعة فقال أقطع عثمان عبد الله أرضا وأقطع سعدا أرضا وأقطع خبابا أرضا وأقطع صهيبا
أرضا فكلا جاري كان يزارعان بالثلث والربع
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر الضرير قال أخبرنا حماد بن سلمة أن يحيى بن سعيد الأنصاري أخبرهم
عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث يعلي بن منية إلى
اليمن فأمره أن يعطيهم الأرض البيضاء على أنه إن كان البقر والبذر والحديد من عمر فله الثلثان ولهم الثلث
وإن كان البقر والبذر والحديد منهم فلعمر الشطر ولهم الشطر
وأمره أن يعطيهم النخل والكرم على أن لعمر ثلثين ولهم الثلث
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر الضرير قال أخبرنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا الحجاج بن أرطأة
عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعطى الأرض على الشطر
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر قال أخبرنا حماد بن سلمة أن الحجاج أخبرهم عن عثمان بن عبد الله
بن موهب أنه قال كان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يكرى الأرض على الثلث والربع
حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس أن معاذا
رضي الله عنه قدم إلى اليمن وهم يخابرون فأقرهم على ذلك
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن عبد الرحمن قال ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن
طاوس أن معاذا رضي الله عنه لما قدم اليمن كان يكرى الأرض أو المزارع على الثلث أو الربع
114

وقال قدم اليمن وهم يفعلونه فأمضى لهم ذلك
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال حدثني أسباط بن محمد الكوفي عن كليب بن وائل قال قلت لابن
عمر أتاني رجل له أرض وماء وليس له بذر ولا بقر أخذت أرضه بالنصف فزرعتها ببذري وبقري
فناصفته فقال حسن
ثم إنه قد اختلف التابعون من بعدهم في ذلك فحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة
عن حماد أنه قال سألت سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وسالم بن عبد الله ومجاهدا عن كراء الأرض
بالثلث والربع فكرهوه
حدثنا أبو بكرة قال أخبرنا أبو داود قال ثنا شعبة عن حماد أنه قال سألت مجاهدا وسالما عن
كراء الأرض بالثلث والربع فكرهاه
وسألت عن ذلك طاوسا فلم ير به بأسا
قال فذكرت ذلك لمجاهد وكان يشرفه ويوقره فقال إنه يزرع
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر قال أخبرنا أبو عوانة عن منصور قال كان إبراهيم يكره كراء
الأرض بالثلث والربع
حدثنا أبو بكرة قال أخبرنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر قال أخبرنا أبو عوانة عن منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر قال أخبرنا جماد عن قيس بن سعد أخبرهم عن عطاء مثله
حدثنا ربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة حميد الطويل ويونس بن
عبيد عن الحسن أنه كان يكره أن يكرى الرجل الأرض من أخيه بالثلث والربع
فأما وجه هذا الباب من طريق النظر فإن ذلك كما قد قاله أهل المقالة الأولى إن ذلك لا يجوز في المزارعة
والمعاملة والمساقاة إلا بالدراهم والدنانير والعروض
وذلك أن الذين قد أجازوا المساقاة في ذلك زعموا أنهم قد شبهوها بالمضاربة وهي المال يدفعه الرجل إلى
الرجل على أن يعمل به على النصف أو الثلث أو الربع فكل قد أجمع على جواز ذلك وقام ذلك مقام
الاستيجار بالمال المعلوم
قالوا فكذلك المساقاة تقوم النخل المدفوعة مقام رأس المال في المضاربة ويكون الحادث عنها من التمر
مثل الحادث عن المال من الربح
115

فكانت حجتنا عليهم في ذلك أن المضاربة إنما يثبت فيها الربح بعد سلامة رأس المال ووصله إلى يدي
رب المال ولم ير المزارعة ولا المساقاة فعل ذلك فيهما
ألا ترى أن المساقاة في قول من يجيزها لو أثمرت النخل فجر عنها الثمر ثم احترقت النخل وسلم الثمر
كان ذلك الثمر بين رب النخل والمساقي على ما اشترطا فيها
ولم يمنع من ذلك عدم النخل المدفوعة كما يمنع عدم رأس المال في المضاربة من الربح
وكانت المساقاة والمزارعة إذا عقدتا لا إلى وقت معلوم كانتا فاسدتين ولا تجوزان إلا إلى وقت معلوم
وكانت المضاربة تجوز لا إلى وقت معلوم وكان المضارب له أن يمتنع بعد أخذه المال مضاربة من العمل
بذلك متى أحب ولا يجير على ذلك وقد كان لرب المال أيضا أن يأخذ المال من يده متى أحب شاء
ذلك المضارب أو أبى
وليست المساقاة ولا المزارعة كذلك لأنا رأينا المساقي إذا أبي العمل بعد وقوع عقد المساقاة أجبر على
ذلك وإن أراد رب النخل أخذها منه ونقض المساقاة لم يكن ذلك له حتى تنقضي المدة التي قد تعاقد عليها
فكان عقد المضاربة عقدا لا يوجب إلزام واحد من رب المال ولا من المضارب وإنما يعمل المضارب بذلك المال
ما كان هو ورب المال متفقين على ذلك
وكانت المساقاة يجبر على الوفاء بما يوجبه عقدها كل واحد من رب النخل ومن المساقي
وأشبهت المضاربة الشركة فيما ذكرنا وأشبهت المساقاة الإجارة فيما قد وصفنا
ثم إنا قد رجعنا إلى حكم الإجارة كيف لنعلم بذلك كيف حكم المساقاة التي قد أشبهتها من حيث
ما وصفنا
فرأينا الإجارات تقع على وجوه مختلفة
فمنها إجارات على بلوغ مساقاة معلومة بأجر معلوم فهي جائزة وهذا وجه من الإجارات
ومنها ما يقع على عمل معلوم مثل خياطة هذا القميص وما أشبه ذلك بأجر معلوم فيكون ذلك
أيضا جائزا
ومنها ما يقع على مدة معلومة كالرجل يستأجر الرجل على أن يخدمه شهرا بأجر معلوم فذلك جائز أيضا
فاحتيج في الإجارات كلها إلى الوقوف على ما قد وقع عليها منها العقد فلم يجز في جميع ذلك إلا على شئ
معلوم إما مساقاة معلومة وإما عمل معلوم وإما أيام معلومة وقد كانت هذه الأشياء المعلومة في نفسها لا يجوز
أن يكون أبدالها مجهولة بل قد جعل حكم أبدالها كحكمها
فاحتيج أن تكون معلومة كما أن الذي هو بدل من ذلك يحتاج أن يكون معلوما وقد كانت المضاربة
116

تقع على عمل بالمال غير معلوم ولا إلى وقت معلوم فكان العمل فيها مجهولا والبدل من ذلك مجهول
فقد ثبت في هذه الأشياء التي وصفنا من الإجارات والمضاربات أن حكم كل واحد منها حكم بدله
فما كان بدله معلوما فلا يجوز أن يكون في نفسه إلا معلوما وما كان في نفسه غير معلوم فجائز أن يكون
بدله غير معلوم
ثم رأينا المساقاة والمزارعة والمعاملة لا يجوز واحدة منها إلا إلى وقت معلوم في شئ معلوم
فالنظر على ذلك أن لا يجوز البدل منها إلا معلوما وأن يكون حكمها كحكم البدل منها كما كان حكم
الأشياء التي ذكرنا من الإجارات والمضاربات حكم أبدالها
فقد ثبت بالنظر الصحيح أن لا تجوز المساقاة ولا المزارعة إلا بالدراهم والدنانير وما أشبههما
من العروض
وهذا كله قول أبي حنيفة رضي الله عنه في هذا الباب
وأما أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهما الله فإنهما قد ذهبا إلى جوازهما جميعا وتركا النظر في ذلك واتبعا
ما قد روينا في هذا الباب من الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بعده وقلداها في ذلك الرب عز وجل
باب من زرع في أرض قوم بغير إذنهم كيف حكمهم في ذلك
وما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال ثنا شريك عن أبي إسحاق عن عطاء
عن رافع بن خديج أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من زرع زرعا في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع
شئ ويرد عليه نفقته في ذلك
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن من زرع في أرض قوم زرعا بغير أمرهم كان ذلك الزرع لأرباب الأرض
وغرموا للزارع ما أنفق فيه واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا أصحاب الأرض بالخيار إن شاؤوا خلوا بين الزارع وبين أخذ زرعه ذلك
وضمنوه بنقصان أرضهم إن كان زرعه ذلك قد نقص الأرض شيئا وإن شاؤوا منعوا الزارع من ذلك وغرموا
له قيمة زرعه ذلك مقلوعا
وقد كان لهم من الحجة في ذلك أن هذا الحديث قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير ما ذكروه في ذلك
وهو كما قد حدثنا أحمد بن أبي عمران قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا شريك عن أبي إسحاق
117

عن عطاء عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فله نفقته وليس
له من الزرع شئ
وقد روى هذا الحديث أيضا يحيى بن آدم عن شريك وقيس جميعا عن أبي إسحاق وذكره عنهما
في كتاب الخراج كما قد حدثنا ابن أبي عمران أيضا لا كما قد حدثنا فهد بن سليمان
فمعنى هذا الحديث عندنا غير معنى ما روى الحماني لان ما قد روى الحماني هو قوله فليس له من الزرع
شئ ويرد عليه نفقته في ذلك
فوجه ذلك أن غيره يعطيه النفقة التي قد أنفقها في ذلك فيكون له الزرع لا بما يعطى من ذلك
وهذا محال عندنا لان النفقة التي قد أخرجت في ذلك الزرع ليست بقائمة ولا لها بدل قائم وذلك أنها
إنما دفعت في أجر عمال وغير ذلك مما قد فعله المزارع له لنفسه فاستحال أن يجب له ذلك على رب الأرض
إلا بعوض يتعوضه منه رب الأرض في ذلك
ولكن أصل الحديث عندنا والله أعلم إنما هو على ما قد رواه أبو بكر بن أبي شيبة لا على ما قد رواه الحماني
في ذلك
ووجه ذلك عندنا على أن الزارع لا شئ له في الزرع يأخذه لنفسه فيملكه كما يملك الزرع لذي يزرعه
في أرض نفسه أو في أرض غيره ممن قد أباح له الزرع فيها ولكنه يأخذ نفقته وبذره ويتصدق بما بقي
هكذا وجه هذا الحديث عندنا في ذلك والله أعلم
وقد ذكر ذلك يحيى بن آدم عن حفص بن غياث أيضا
ومن الدليل على صحة ذلك أيضا ما قد حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أبي عن أبي يوسف عن محمد
بن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إن
من أحيى أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق
قال عروة فلقد حدثني هذا الرجل الذي قد حدثني بهذا الحديث أنه رأى نخلا يقطع أصولها بالفؤوس
وقد حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر الضرير قال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن
عروة عن أبيه عن رجل من بني بياضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك أيضا
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقطع النخل المغروس في غير حق بعد ما قد نبت في الأرض ولم يجعله
لأرباب الأرض فيوجب عليهم غرم ما أنفق فيه
118

فدل ذلك على أن الزرع المزروع في الأرض أحرى أن يكون كذلك وأن يقلع ذلك فيدفع إلى صاحب
الزرع كالنخل التي قد ذكرناها إلا أن يشاء صاحب الأرض أن يمنع من ذلك ويغرم قيمة الزرع والنخل
منزوعين مقلوعين فيكون ذلك له
وقد دل على ما ذكرناه من ذلك أيضا ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن الأوزاعي
عن واصل بن أبي جميل عن مجاهد قال اشترك أربعة نفر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم علي البذر
وقال الآخر علي العمل وقال الآخر علي الأرض وقال الآخر علي الفدان فزرعوا ثم حصدوا
ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الزرع الصاحب البذر وجعل لصاحب العمل أجرا وجعل لصاحب الفدان
درهما في كل يوم وألغى الأرض في ذلك
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفسد هذه المزارعة لم يجعل الزرع لصاحب الأرض بل قد جعله
لصاحب البذر
وقد دل على ذلك أيضا ما قد حكم به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعوهم من بعدهم فيمن بنى في أرض قوم
بغير أمرهم بناء
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر الضرير قال أخبرنا حماد بن سلمة أن عامر الأحول أخبرهم عن عمرو
بن شعيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في رجل بنى في دار بناء ثم جاء أهلها فاستحقوها قال إن كان
بنى بأمرهم فله نفقته وإن كان بنى بغير إذنهم فله نقضه
وقد حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عوانة عن جابر الجعفي عن القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر الضرير قال أخبرنا أبو عوانة عن جابر الجعفي عن القاسم بن
عبد الرحمن عن شريح مثل ذلك سواء
وقد حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر الضرير قال وقال حماد بن سلمة عن حميد الطويل أنه قد أخبرهم أن
عمر بن عبد العزيز رحمه الله قد كتب بمثل ذلك فيمن بنى في دار قوم وفيمن غرس في أرض قوم بمثل
ذلك أيضا سواء
أفلا ترى أنهم جميعا قد جعلوا النقض لصاحب البناء ولم يجعلوه لصاحب الأرض فالزرع في النظر
أيضا كذلك
والذي قد حملنا عليه معنى حديث رافع بن خديج الذي قد رويناه في هذا الباب أولى مما قد حمله عليه من قد
خالفنا ليتفق ذلك وما رواه الرجل البياضي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ولا يتضادان في ذلك
119

وقد روينا عن رافع بن خديج في باب المزارعة الذي قبل هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مر برجل يزرع
له فسأله عنه فقال هو زرعي والأرض لآل فلان والبذر من قبلي بنصف ما يخرج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربيت خذ نفقتك
فلم يكن ذلك على معنى خذ نفقتك من رب الأرض لان رب الأرض لم يأمره بالانفاق لنفسه
ولكن معنى ذلك خذ نفقتك مما قد خرج من الزرع من هذا الزرع وتصدق بما بقي
فما قد رويناه عن رافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن زرع في أرض غيره وقد جعل له نفقته كذلك أيضا
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن في هذا الباب رحمة الله عليهم أجمعين
كتاب الشفعة
باب الشفعة بالجوار
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن
عبد الله يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل شرك بأرض أو ريع أو حائط لا يصلح أن يبيع حتى
يعرض على شريكه فيأخذ أو يدع
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الشفعة لا تكون إلا بالشركة في الأرض أو الحائط أو الريع ولا يجب
بالجوار واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا الشفعة فيما وصفتم واجبة للشريك الذي لم يقاسم ثم هي من بعده واجبة
للشريك الذي قاسم بالطريق الذي قد بقي له فيه الشرك ثم هي من بعده واجبة للجار الملازق
وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذا الأثر إنما فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشفعة في كل شرك بأرض
أو ريع أو حائط
ولم يقل إن الشفعة لا تكون إلا في كل شرك فلا يكون ذلك نفيا أن يكون الشفعة واجبة
بغير الشرك
ولكنه إنما أخبر في هذا الحديث أنها واجبة في كل شرك ولم ينف أن تكون واجبة في غيره وقد جاء
عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد زاد على معنى هذا الحديث
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا شجاع بن الوليد عن عبد الملك بن أبي سليمان عطاء بن أبي رباح
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجار أحق بشفعة جاره فإن كان غائبا انتظر إذا كان
طريقهما واحدا
120

حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أخبرنا عبد الملك قال ثنا
عطاء عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا إسماعيل بن سالم قال ثنا هشيم قال أخبرنا عبد الملك عن عطاء
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
ففي هذا الحديث إيجاب الشفعة في المبيع الذي لا شرك فيه بالشرك في الطريق فلا يجعل واحد من هذين
الحديثين مضادا للحديث الآخر ولكن يثبتان جميعا ويعمل بهما
فيكون حديث أبي الزبير فيه إخبار عن حكم الشفعة للشريك في الذي بيع منه ما بيع
وحديث عطاء في ذلك إخبار عن حكم الشفعة في المبيع الذي لا شركة لأحد فيه بالطريق
وقال أصحاب المقالة الأولى فإنه قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينفي ما ادعيتم
فذكروا في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن مالك عن الزهري عن سعيد
وأبي سلمة عن أبي هريرة قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عاصم عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي قتيلة المدني قال ثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد
وأبي سلمة عن أبي هريرة مثله
حدثنا سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم قال ثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة
الماجشون قال ثنا مالك فذكر بإسناده مثله
قالوا فنفي هذا الحديث أن تكون الشفعة تجب إذا حدت الحدود
فكان من الحجة عليهم أن هذا الحديث على أصل المحتج به علينا لا يجب به حجة لان الاثبات من
أصحاب مالك رحمة الله عليهم إنما رووه عن مالك منقطعا لم يرفعوه إلى أبي هريرة رضي الله عنه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر والقعنبي قالا ثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن ابن المسيب قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب
وأبي سلمة مثله
فكان هذا الحديث مقطوعا والمقطوع عندهم لا تقوم به حجة
ثم لو ثبت هذا الحديث واتصل إسناده لم يكن فيه عندنا ما يخالف الحديث الذي ذكرناه عن عطاء
عن جابر رضي الله عنه
لان الذي في هذا الحديث إنما هو قول أبي هريرة رضي الله عنه قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم
121

فكان بذلك مخبرا عما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قال بعد ذلك فإذا وقعت الحدود فلا شفعة وكان ذلك قولا من رأيه لم يحكه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإنما يكون هذا الحديث حجة على من ذهب إلى وجوب الشفعة بالجوار لو كان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشفعة
فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
فيكون ذلك نفيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قد قسم أن تكون فيه الشفعة
ولكن أبا هريرة رضي الله عنه إنما أخبر في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما علمه من قضائه ثم نفي الشفعة
برأيه بما لم يعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حكما وعلمه غيره
ثم قد روى معمر هذا الحديث عن الزهري فخالف مالكا في متنه وفي إسناده
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا مسدد قال ثنا عبد الواحد بن زيادة قال ثنا معمر عن الزهري عن
أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت
الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا عبد الرزاق عن معمر فذكر بإسناده مثله
ففي هذا الحديث نفي الشفعة بعد وقوع الحدود وصرف الطرق وذلك دليل على ثبوتها قبل صرف
الطرق وإن حدد الحدود
فقد وافق هذا الحديث حديث عبد الملك عن عطاء وزاد على ما روى مالك فهو أولى منه
وقد يحتمل أيضا حديث مالك أن يكون غني بوقوع الحدود التي نفيت بوقوعها الشفعة
في الدور والطرق
فيكون المبيع لا شرك لأحد فيه ولا في طريقه
فيكون معنى هذا الحديث مثل معنى حديث معمر وهو أولى ما حمل عليه حتى لا يتضاد هو
وحديث معمر
وقد روى بن جريج عن الزهري ما يوافق ما روى معمر
حدثنا أحمد بن داود قال أخبرنا يعقوب بن حميد قال ثنا ابن أبي داود عن ابن جريج
بن شهاب عن ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا حدت الطرق فلا شفعة
فإن قال قائل فقد ثبت بما ذكرت وجوب الشفعة بالشركة في الدور والأرضين وبالشرك في الطريق إلى
ذلك فمن أين أوجبت الشفعة بالجوار
قيل له أوجبتها بما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن بحر القطان وأحمد بن جناب قالا ثنا عيسى
بن يونس قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جار الدار
أحق بالدار
122

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي وأحمد قالا ثنا عيسى بن يونس قال سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة عن أنس عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جار الدار أحق بشفعة الدار * (
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا همام قال ثنا قتادة فذكر بإسناده مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق وأحمد بن داود قالا ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة عن قتادة فذكر
بإسناده مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة قال ثنا حميد وقتادة عن الحسن
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولم يذكر سمرة
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا أحمد بن جناب ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن بحر وأحمد بن جناب قالا ثنا عيسى بن يونس عن شعبة
عن يونس عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد قال ثنا سفيان هو الثوري عن منصور عن الحكم عمن سمع عليا
وعبد الله يقول انقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجوار
حدثنا أحمد بن داود قال أخبرنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان عن أبي حيان عن أبيه عن عمرو بن
حريث مثله
ففي هذه الآثار وجوب الشفعة بالجوار
فإن قال قائل قد يجوز أن يكون هذا الجار شريكا فإنه قد يقال للشريك جار
قيل له ما في الحديث ما يدل على شئ مما ذكرت ولكنه قد روى عن أبي رافع ما قد دل على أن
ذلك الجار هو الذي لا شركة له
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة
عن عمرو بن الشريد قال اتاني المسور بن مخرمة فوضع يده على أحد منكبي فقال انطلق بنا إلى سعد
فأتينا سعد بن أبي وقاص في داره فجاء أبو رافع فقال للمسور ألا تأمر هذا يعني سعدا أن يشتري
مني بيتين في داري
فقال سعد والله لا أزيدك على أربع مائة دينار مقطعة أو منجمة
فقال سبحان الله لقد أعطيت به خمس مائة دينار نقدا ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الجار
أحق بسقبه ما بعتك
فدل ما ذكرنا أن ذلك الجار الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الجار الذي تعرفه العامة ومن أعطاك أن
الشريك يقال له جار وأين وجدت هذا في لغات العرب
فإن قال لأني قد رأيت المرأة تسمى جارة زوجها
123

قيل له صدقت قد سميت المرأة جارة لزوجها ليس لان لحمها مخالط للحمه ولا دمها مخالط لدمه
ولكن لقربها منه
فكذلك الجار سمى جارا لقربه من جاره لا لمخالطته إياه فيما جاوره به
وأنت فقد زعمت أن الآثار على ظاهرها فكيف تركت الظاهر في هذا ومعه الدلائل وتعلقت بغيره
مما لا دلالة معه
ثم قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا من إيجابه الشفعة بالجوار وتفسيره ذلك الجوار
ما قد حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا أبو أسامة عن حسين المعلم عن عمرو
بن شعيب عن عمرو بن الشريد عن أبيه الشريد بن سويد قال قلت يا رسول الله أرض ليس فيها لأحد
قسم ولا شريك إلا الجوار بيعت قال الجار أحق بسقبه
فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الجار أحق بسقبه جوابا لسؤال الشريد إياه عن أرض منفردة لا حق لأحد
فيها ولا طريق
فدل ما ذكرنا أن الجار الملازق تجب له الشفعة بحق جواره
فقد ثبت بما روينا من الآثار في هذا الباب وجوب الشفعة بكل واحد من معان ثلاثة بالشرك في
البيع بيع منه ما بيع وبالشرك في الطريق إليه وبالمجاورة له
فليس ينبغي ترك شئ منها ولا حمل بعضها على التضاد وإذا كانت قد خرجت على الاتفاق من الوجوه
التي ذكرنا على ما شرحنا وبينا في هذا الباب
فإن قال قائل فقد جعلت هؤلاء الثلاثة شفعا بالأسباب التي ذكرت فلم أوجبت الشفعة لبعضهم دون
بعض إذا حضروا وطالبوا بها وقدمت حق بعضهم فيها على حق بعض ولم تجعلها لهم جميعا إذ كانوا
كلهم شفعاء
قيل له لان الشريك في الشئ المبيع خليط فيه وفي الطريق إليه فمعه من الحق في الطريق مثل الذي
مع الشريك في الطريق
ومعه اختلاط ملكه بالشئ المبيع وليس ذلك مع الشريك في الطريق فهو أولى منه ومن الجار الملازق
ومع الشريك في الطريق شركة في الطريق وملازقة للشئ المبيع فمعه من أسباب الشفعة مثل الذي مع
الجار الملازق ومعه أيضا ما ليس مع الجار الملازق من اختلاط حق ملكه في الطريق بملكه فيه فلذلك
كان عندنا أولى بالشفعة منه
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد روي ذلك عن شريح حدثنا أحمد بن داود قال ثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن هشام
124

عن محمد عن شريح وأشعث أظنه عن الشعبي عن شريح قال الخليط أحق من الشفيع والشفيع أحق
ممن سواه
حدثنا أحمد بن داود قال حدثني إسماعيل بن سالم قال أخبرنا هشيم عن يونس وهشام عن محمد ح
وحدثنا أحمد قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا عبد الله بن رجاء عن هشام عن محمد عن شريح مثله حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا شريك عن جابر عن عامر عن شريح
قال الشفعة شفعتان شفعة للجار وشفعة للشريك
فإن قال قائل فقد روى عن عثمان رضي الله عنه خلاف هذا فذكر ما حدثنا حمد بن داود قال ثنا
إسماعيل بن سالم قال ثنا هشيم عن محمد بن إسحاق عن منصور بن أبي ثعلبة عن أبان بن عثمان قال
قال عثمان رضي الله عنه لا مكائلة إذا وقعت الحدود فلا شفعة
قيل له قد روى هذا عن عثمان رضي الله عنه كما ذكرت وليس فيه عندنا حجة لك لأنه قد يجوز
أن يكون أراد بذلك إذا حدت الحدود من الحقوق كلها وأدخل الطريق في ذلك فيكون ذلك موافقا
لما قد رويناه عن جابر رضي الله عنه في هذا الباب إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
ولو كان على ما تأولتموه عليه لكان قد خالفه في ذلك سعد بن أبي وقاص والمسور بن مخرمة وأبو رافع
فيما قد رويناه عنهم فيما مضى من هذا الباب
وقد روى عن عمر رضي الله عنه أيضا في ذلك ما قد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا يزيد بن خالد بن
موهب قال ثنا ابن إدريس عن يحيى بن سعيد عن عون بن عبيد الله بن أبي رافع عن عبيد الله بن
عبد الله بن عمر قال قال عمر رضي الله عنه إذا وقعت الحدود وعرف الناس حقوقهم فلا شفعة
فقد وافق هذا ما رويناه عن عثمان رضي الله عنه واحتمل ما احتمله حديث عثمان رضي الله عنه
وقد روى عن عمر رضي الله عنه خلاف ذلك أيضا
حدثنا أحمد قال ثنا يعقوب قال ثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن حفص أن عمر
رضي الله عنه كتب إلى شريح أن يقضي بالشفعة للجار الملازق
وقد روى أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل أن الشفعة تجب بالشرك
في الطريق
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا نعيم قال ثنا الفضل بن موسى عن أبي حمزة السكري عن عبد العزيز
بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريك شفيع
والشفعة في كل شئ
125

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن إدريس عن ابن جريج عن عطاء عن
جابر رضي الله عنه قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شئ
فلما كان الشريك في الطريق يسمى شريكا كان داخلا في ذلك
فإن قال قائل فإنه لا تقول بهذا الحديث لأنه يوجب الشفعة في كل شئ من حيوان وغيره وأنت
لا توجب الشفعة في الحيوان
قيل له ليس هذا على ما ذكرت إنما معنى الشفعة في كل شئ أي في الدور والعقار والأرضين
والدليل على ذلك ما قد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب قال ثنا معن ابن عيسى عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لا شفعة في الحيوان
كتاب الإجارات
باب الاستيجار على تعليم القرآن
هل يجوز ذلك أم لا وما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن
عامر الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه أنه قال أقبلنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا على حي من أحياء
العرب فقالوا لنا إنكم قد جئتم من عند هذا الخبر بخير فهل عندكم دواء أو رقية أو شئ فإن عندنا
معتوها في القيود
قال فقلنا نعم
فجاؤوا به فجعلت أقر أعليه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية أجمع بزاقي ثم أتفل فكأنما
أنشط من عقال فأعطوني جعلا فقلت لا حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فقال كل فلعمري لمن أكل
برقية باطل لقد أكلت حق
وقد حدثنا أبو العوام محمد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي قال ثنا يحيى بن حسان قال ثنا
هشيم عن أبي بشر عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانوا
في غزاة فمروا بحي من أحياء العرب فقالوا هل فيكم من راق فإن سيد الحي قد لدغ أو قد عرض
له شئ
126

قال فرقاه رجل بفاتحة الكتاب فبرأ فأعطى قطيعا من الغنم فأبى أن يقبله
فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بم رقيته فقال بفاتحة الكتاب
قال وما يدريك أنها رقية قال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوها واضربوا لي معكم فيها بسهم
فاحتج قوم بهذه الآثار فقالوا لا بأس بالجعل على تعليم القرآن
وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا الجعل على تعليم القرآن كما قد يكره الجعل على تعليم الصلاة
وقد كان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى في ذلك أن الآثار الأول في ذلك لم يكن الجعل المذكور فيها
على تعليم القرآن وإنما كان على الرقي التي لم يقصد بالاستيجار عليها إلى القرآن
وكذلك نقول نحن أيضا لا بأس بالاستيجار على الرقي والعلاجات كلها وإن كنا نعلم أن المستأجر على
ذلك قد يدخل فيما يرقى به بعض القرآن لأنه ليس على الناس أن يرقى بعضهم بعضا فإذا استؤجروا فيه على
أن يعملوا ما ليس عليهم أن يعملوه جاز ذلك
وتعليم القرآن على الناس واجب أن يعلمه بعضهم بعضا لان في ذلك التبليغ عن الله تعالى إلا أن من
علمه منهم أجزى ذلك عن بقيتهم كالصلاة على الجنائز إنما هي فرض على الناس جميعا إلا أن من فعل
ذلك منهم أجزى عن بقيتهم
ولو أن رجلا استأجر رجلا ليصلي علي ولى له قد مات لم يجز ذلك لأنه إنما استأجره على
أن يفعل ما عليه أن يفعل ذلك
فكذلك تعليم الناس القرآن بعضهم بعضا هو عليهم فرض إلا أن من فعله منهم فقد أجزى فعله ذلك
عن بقيتهم
فإذا استأجر بعضهم بعضا على تعليم ذلك كانت إجارته تلك واستيجاره إياه باطلا لأنه إنما استأجره
على أن يؤدى فرضا هو عليه لله تعالى وفيما يفعله لنفسه لأنه إنما يسقط عنه الفرض بفعله إياه والإجارات إنما
تجوز وتملك بها الابدال فيما يفعله المستأجرون للمستأجرين
فإن قال قائل فهل روى عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ يدل على ما ذكرت في المنع من الاستيجار على تعليم القرآن
قيل له نعم قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه قال لا تأكلوا بالقرآن
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال كنت أقرئ ناسا من أهل الصفة القرآن فأهدى إلي
رجل منهم قوسا على أن أقبلها في سبيل الله تعالى
فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي إن أردت أن يطوقك الله بها قوسا من نار فأقبلها
127

وقد ذكرنا ذلك كله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيدها فيما تقدم من كتابنا هذا في باب التزويج على
سورة من القرآن من كتاب النكاح
ثم قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا ما قد حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا يحيى بن حسان
قال ثنا حماد بن سلمة عن أبي مسعود سعيد بن إياس الجريري عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير
عن أخيه مطرف بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص أنه قال قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ مؤذنا لا يأخذ
على أذانه أجرا فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم الاذان بالاجر
وقد روى في ذلك أيضا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ما قد حدثنا أحمد بن أبي عمران قال ثنا
عبيد الله بن محمد بن عمر بن حفص التيمي قال أخبرنا حماد بن سلمة عن يحيى البكاء أن رجلا قال لابن عمر
إني أحبك في الله
فقال له بن عمر لكني أبغضك في الله لأنك تبغي في آذانك أجرا وتأخذ على الاذان أجرا
فقد ثبت بما ذكرنا كراهية الاستيجار على الآذان فالاستجعال على تعليم القرآن كذلك أيضا لان رسول
الله صلى الله عليه وسلم قد أمر التبليغ عن الله ولو آية من كتاب الله وأوجب الله على نبيه التبليغ عنه فقال يا أيها
الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك
من الناس
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك أيضا فيما حدثنا أبو بكرة وإبراهيم بن مرزوق جميعا قالا ثنا
أبو عاصم عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي كبشة السلولي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه
قال قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو آية من كتاب الله وحدثوا عن ابني إسرائيل ولا حرج في ذلك
ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
فأوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على أمته التبليغ عنه
ثم قد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين التبليغ عنه والحديث عن غيره فقال وحدثوا عن ابني إسرائيل ولا حرج
أي ولا حرج عليكم في أن لا تحدثوا عنهم في ذلك
فالاستجعال على ذلك استجعال على الفرض ومن استجعل جعلا على عمل يعمله فيما افترض الله عمله عليه
فذلك عليه حرام لأنه إنما يعمله لنفسه ليؤدي به فرضا عليه
ومن استجعل جعلا على عمل يعمله لغيره من رقية أو غيرها وإن كانت بقرآن أو علاج أو ما أشبه
ذلك فذلك جائز والاستجعال عليه حلال
فيصح بما ذكرنا معاني ما قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الباب من النهي ومن الإباحة ولا يتضاد
ذلك فيتنافى
128

وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
باب الجعل على الحجامة هل يطيب للحجام أم لا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا هارون بن إسماعيل الخراز قال ثنا علي بن المبارك قال ثنا يحيى
بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أن السائب بن يزيد قد حدثهم أن رافع بن خديج قد حدثهم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إن كسب الحجام خبيث
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا بشر بن بكر قال حدثني الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير
قال حدثني إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال حدثني السائب بن يزيد قال سمعت رافع بن خديج يحدث
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
وحدثنا يزيد بن سنان وإبراهيم بن مرزوق جميعا قالا ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا رباح بن أبي معروف
عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من السحت كسب الحجام
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا شهاب عن محمد بن أبي ليلى عن عطاء
عن أبي هريرة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
وحدثنا عبد الرحمن بن الجارود قال ثنا وهب بن بيان الواسطي قال ثنا يحيى بن سعيد القطان قال
حدثني عبد العزيز بن زياد عن أنس بن مالك أنه قال قد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كسب الحجام
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال أنبأنا سعيد قال ثنا عون بن أبي جحيفة أنه قال قد
اشترى أبي حجاما فكسر محاجمه
فقلت له يا أبت لم كسرتها فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الدم
قال أبو جعفر وليس في هذا دليل على تحريم كسب الحجام ولكن إنما أتينا به لئلا يتوهم متوهم أنا قد
أغفلناه وإنما في هذا الحديث كراهية أبي جحيفة لذلك فقط
فأما ما في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه عن ثمن الدم فهو ما يباع به الدم لا غير ذلك
فذهب قوم إلى كراهية كسب الحجام واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إن كسب الحجام كسب ذي دنس فيكره للرجل أن يدنس نفسه
ويدينها بذلك
فأما أن يكون ذلك في نفسه حراما فلا
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس والربيع المؤذن قالا ثنا يحيى بن حسان قال ثنا وهيب عن
عبد الله بن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن العباس أنه قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره في ذلك
وقد حدثنا الحسين بن الحكم الجيزي قال ثنا عفان بن مسلم ح
129

وحدثنا أحمد بن داود بن موسى قال ثنا سهل بن بكار قالا ثنا وهيب فذكر بإسناده مثله
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة عن جابر الجعفي أنه قال سمعت الشعبي يحدث
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى غلام حجام فجاء فحجمه فأعطاه أجر مدا أو نصف مد
ولو كان حراما لم يعطه ذلك
حدثنا الحسين بن نصر قال أخبرنا محمد بن يوسف الفريابي قال ثنا سفيان الثوري عن جابر الجعفي
عن عامر الشعبي عن عبد الله بن عباس أنه قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما
لم يعطه ذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
عن أبي طالب عن عبد الله بن عباس أن حجاما كان يقال له أبو طيبة الحجام حجم النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه
أجره وحطه عنه طائفة من غلته أو وضع عنه أهله طائفة من غلته
فقال بن عباس فلو كان حراما لما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحدثنا عبد الرحمن بن الجارود قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال حدثني يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن أبي
الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد احتجم فأمر الحجام بصاع من طعام وأمر مواليه
أن يخففوا عنه من الخراج شيئا
وحدثنا فهد بن سليمان قال ثنا أبو غسان قال ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا أبا طيبة الحجام فحجمه فسأله كم ضريبتك فقال ثلاثة
أصوع فوضع عنه صاعا منها
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر هذا الحديث بمثل ذلك أيضا سواء
وحدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا آدم بن أبي إياس قال ثنا ورقا بن عمر عن عبد الأعلى
عن أبي جميلة عن علي قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره
حدثنا محمد بن النعمان قال ثنا الحميدي قال ثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال
في كسب الحجام علفة الناضح أو قال أعلف ذلك ناضحك
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون ح
وقد حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم قال ثنا المعلى بن منصور قالا ثنا خالد بن عبد الله عن يونس بن
عبيد عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره
وحدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا القاسم بن مالك عن عاصم عن
130

أنس أن أبا طيبة حجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم فأعطاه أجره قال ولو كان حراما لم يعطه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عبد الله بن بكر السهمي قال ثنا حميد الطويل أنه قال سئل أنس عن
كسب الحجام
فقال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة الحجام فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاعين من طعام وكلم
مواليه ليخففوا عنه من غلته شيئا ففعلوا ذلك
وحدثنا يونس قال أخبرنا عبد الله بن وهب قال أخبرني سفيان الثوري أن حميدا قد حدثهم عن أنس
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
وقد حدثنا يونس أيضا قال ثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن حميد الطويل عن
أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر هذا الحديث أيضا مثل ذلك سواء
وقد حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد الطويل
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
ففي هذه الآثار إباحة كسب الحجام فاحتمل أن يكون ذلك قد تأخر عن النهي الذي قد ذكرناه
أو تقدمه
فنظرنا في ذلك فإذا يونس قد حدثنا قال ثنا عبد الله بن يوسف ح
وحدثنا ربيع المؤذن قال أخبرنا شعيب بن الليث قالا ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي
عفير الأنصاري عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن محيصة بن مسعود الأنصار يأنه قد كان له غلام حجام
يقال له نافع وأبو طيبة فانطلق إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن خراجه فقال لا تقربنه فرد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعلف به الناضح اجعلوه في كرشه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا عمر بن يونس قال ثنا عكرمة بن عمار قال ثنا طارق بن عبد الرحمن أن رافعة بن
رافع أو رافع بن رافعة الشك منهم في ذلك قد جاء إلى مجلس الأنصار فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن كسب الحجام وأمرنا أن نطعمه ناضحنا
وقد حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا عبد الله بن صالح الكاتب قال حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن
بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة عن المحيصة رجل من بني حارثة أنه قد
كان له حجام واسم الرجل المحيصة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنهاه أن يأكل كسبه
ثم عاد فنهاه ثم عاد فنهاه ثم عاد فنهاه فلم يزل يراجعه حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلف كسبه ناضحك
وأطعمه رقيقك
وحدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس قال ثنا سفيان عن الزهري عن حرام بن سعد
بن محيصة أن محيصة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله
131

حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس قال ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني
حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة الحارثي
عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا ابن أبي ذئب فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن ابن شهاب الزهري عن حرام بن محيصة
أحد بني حارثة عن أبيه فذكر مثله
فدل ما ذكرنا أن ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من الإباحة في هذا إنما كان بعد ما نهاه عنه
نهيا عاما مطلقا على ما في الآثار الأول
وفي إباحة النبي صلى الله عليه وسلم أن يطعمه الرقيق أو الناضح دليل على أنه ليس بحرام
ألا ترى أن المال الحرام الذي لا يحل أكله لا يحل له أن يطعمه رقيقه ولا ناضحة لان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في الرقيق أطعموهم مما تأكلون
فلما ثبت إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لمحيصة أن يعلف ذلك ناضحة ويطعم رقيقه من كسب حجامه دل ذلك على نسخ
ما تقدم من نهيه عن ذلك وثبت حل ذلك له ولغيره
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
وهذا هو النظر عندنا أيضا لأنا قد رأينا الرجل يستأجر الرجل يفصد له عرقا أو يبزغ له حمارا فيكون
ذلك جائزا والاستيجار على ذلك جائز فالحجامة أيضا كذلك
وقد روى في ذلك أيضا عمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني
موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه قال كنت عند عبد الله بن العباس رضي الله عنهما فأتته امرأة فقالت له
إن لي غلاما حجاما وإن أهل العراق يزعمون أنى آكل ثمن الدم
فقال لها عبد الله بن عباس لقد كذبوا إنما تأكلين خراج غلامك
حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن الرأي أن
الحجامين قد كان لهم سوق على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وقد حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث أنه قال وقد أخبرني يحيى بن سعيد
الأنصاري إن المسلمين لم يزالوا مقرين بأجر الحجامة ولا ينكرونها
132

باب اللقطة والضوال
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي العلاء
يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبي مسلم الجذامي عن الجارود أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن
ضالة المسلم
حرق النار
حدثنا محمد بن علي بن داود قال ثنا عفان بن مسلم قال ثنا همام قال ثنا قتادة عن يزيد أخي
مطرف عن أبي مسلم الجذامي عن الجارود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن ضالة المسلم أو المؤمن حرق النار
حدثنا محمد بن علي بن داود قال ثنا عفان بن مسلم قال ثنا يحيى بن سعيد قال حدثني حميد الطويل
قال ثنا الحسن عن مطرف بن الشخير عن أبيه أنه قال قد كنا قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من
بني عامر
فقال لنا ألا أحملكم فقلت إنا نجد في الطريق هوامي الإبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن ضالة المسلم
حرق النار
فذهب قوم إلى أن الضوال حرام أخذها على كل حال للتعريف وغير ذلك واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إنه لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرنا في هذه الآثار تحريم أخذ الضالة للتعريف
وإنما أراد أخذها لغير ذلك
وقد بين ما ذهبوا إليه من ذلك ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر قال ثنا شعبة عن خالد
الحذاء عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبي مسلم الجذامي عن الجارود أنه قال كنا أتينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على إبل عجاف
فقلنا يا رسول الله إنا نمر بالجرف فنجد إبلا فنركبها فقال إن ضالة المسلم حرق النار
فكان سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذها لان يركبوها لا لان يعرفوها فأجابهم بأن قال ضالة المسلم حرق
النار أي إن ضالة المسلم حكمها أن يحفظ على صاحبها حتى تؤدى إلى صاحبها لا لان ينتفع بها لركوب
ولا لغير ذلك
فبان بذلك معنى هذا الحديث وأن ذلك على ما قد ذكرنا
وقد كان مما احتج بذلك أيضا من قد حرم أخذ الضالة من ذلك ما قد حدثنا علي بن معبد قال ثنا
يعلى بن عبيد قال ثنا أبو حيان التميمي عن الضحاك بن المنذر عن المنذر أنه قال قد كنت بالبوازيج
موضع فراحت البقر فرأى فيها جرير بقرة أنكرها
فقال للراعي ما هذه البقرة قال بقرة لحقت بالبقر لا أدري لمن هي فأمر بها جرير فطردت
حتى توارت
ثم قال قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يأوي الضالة إلا ضال
133

قالوا فهذا الحديث أيضا يحرم أخذ الضالة
فكان من الحجة عليهم للآخرين في ذلك أنه قد يحتمل أن يكون هو ذلك الايواء الذي لا تعريف معه
فإنه قد بين ذلك أيضا ما قد حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا يحيى بن أيوب قال
حدثني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوداة قد أخبرهم عن أبي سالم الجيشاني عن زيد بن خالد الجهني أنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال ثنا عمي عبد الله بن وهب قال حدثني عمرو بن الحارث
ثم ذكر هذا الحديث بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك أيضا سواء
فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من الذي يكون بإيواء الضالة ضالا وأنه الذي لا يعرفها
فعاد معنى هذا الحديث إلى معنى حديث الجارود وعبد الله بن الشخير في ذلك أيضا
وقد حدثنا أبو بكرة قال ثنا الحسين بن المهدي قال ثنا عبد الرزاق قال أنا سفيان بن عيينة عن
وائل بن داود عن الزهري عن محمد بن سلقة عن أبيه سراقة بن مالك أنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له
يا رسول الله يرد على حوضي إبل إلى أحرار أسقيتها قال وفي الكبد الحراء أجر
وقد حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا الحسن بن الربيع قال ثنا عبد الله بن إدريس قال ثنا محمد
بن إسحاق عن ابن شهاب الزهري عن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم عن أبيه أن أخاه سراقة بن مالك
قال قلت يا رسول الله ثم ذكر هذا الحديث بمثل ذلك أيضا سواء
وهو في حال سقيه إياها مؤو لها فلم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الايواء إذا كان إنما يريد به منفعة صاحبها وإبقاءها
على ربها والثواب فيها
فثبت بذلك أن الايواء المكروه في حديث جرير إنما هو الايواء الذي يراد به خلاف حبسها على صاحبها
وطلب الثواب فيها
وقد احتج أهل المقالة الأولى لقولهم في ذلك أيضا بما قد حدثنا يونس بن عبد الأعلى الصوفي قال أنا
عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي قال أخبرني عمرو بن الحارث ومالك بن أنس وسفيان بن سعيد الثوري
جميعا أن ربيعة بن أبي عبد الرحمن الرأي حدثهم جميعا عن يزيد مولى المنبعث وزيد بن خالد الجهني أنه قال
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مع رسول الله فسأله عن اللقطة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف عفاصها ووكاءها
ثم عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها
قال فضالة الغنم يا رسول الله فقال هي لك أو لأخيك أو للذئب
قال فضالة الإبل يا رسول الله فقال معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر
حتى يلقاها ربها
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عبد الله بن محمد الفهمي قال أنا سليمان بن بلال قال حدثني يحيى
بن سعيد وربيعة بن أبي عبد الرحمن جميعا عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أنه قال قد سئل
134

رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة من الذهب والفضة والورق
فقال اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفع بها ولتكن وديعة عندك فإن
جاء لها طالب يوما من الدهر فأدها إليه
ثم ذكرنا في الحديث في الإبل والغنم بمثل ما في حديث يونس سواء
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال ثنا سليمان بن بلال عن ربيعة بن
أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث أنه سمع زيد بن خالد الجهني يقول ثم ذكر هذا الحديث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضا سواء
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي
عبد الرحمن الرائي عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك الحديث أيضا
سواء غير أنه لم يقل في ذلك وليكن وديعة عندك
حدثنا فهد بن سليمان وعلي بن عبد الرحمن قالا ثنا ابن أبي مريم قال ثنا يحيى بن أيوب قال
حدثني محمد بن عجلان قال حدثني القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ضالة الغنم فقال هي لك أو لأخيك أو للذئب
وسئل عن ضالة الإبل فقال مالك ومالهم معها سقاؤها وحذاؤها دعها حتى يجدها ربها
قالوا ففي هذا الحديث أنه قد نهاه عن
أخذ ضالة الإبل وأمره بتركها فذلك أيضا دليل على تحريم أخذ الضوال
قيل لهم ما في ذلك دليل على ما ذكرتموه ولكن في ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم إياه بترك ضالة الإبل لان من
شأنها طلب الماء حتى يقدر على ذلك وهو لا يخاف عليها الضياع لذلك لأنها قد ترد الماء وتأكل الشجر حتى
يلقاها ربها فتركه أفضل من أخذها وليس من أخذها ليحفظها على صاحبها بمأثوم بذلك
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن ضالة الغنم فقال هي لك أو لأخيك أو للذئب
أي لك أن تأخذها لنفسك فتكون في يديك لأخيك أو تخليها فيأخذها الذئب فيأكلها أو يجدها
ربها فيأخذها
ففي ذلك إباحة لاخذها
وقد روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا ما قد حدثنا يونس قال ثنا
عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث وهشام بن سعد كلاهما عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
عبد الله بن عمرو بن العاص أن رجلا من مزينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال له يا نبي الله كيف ترى
في ضالة الغنم
فقال طعام مأكول لك أو لأخيك أو للذئب احبس على أخيك ضالته
135

فقال له يا نبي الله وكيف ترى في ضالة الإبل فقال مالك ومالها معها سقاؤها وحذاؤها ولا يخاف
عليها الذئب تأكل الكلأ وترد الماء دعها حتى يأتي طالبها
ففي هذا الحديث أيضا إباحة أخذ الضوال التي قد يخاف عليها الضياع وحبسها له
فد ل ذلك على أن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ضالة المسلم أو المؤمن حرق النار وقول النبي صلى الله عليه وسلم
لا يأوي أو يؤوى الضالة إلا ضال إنما أراد بذلك الايواء الذي
لا تعريف مع ذلك والاخذ الذي لا تعريف مع ذلك أيضا اللذين هما ضد الحبس على صاحب الضوال حتى يتفق معنى حديثنا هذا ومعنى ذينك الحديثين ولا يتضاد هذا الحديث وذينك
الحديثين أيضا
وفيما قد بين النبي صلى الله عليه وسلم في الإبل بقوله مالك ومالها معها سقاؤها وحذاؤها ولا يخاف الذئب عليها
دليل على أنه لم يطلق له أخذها لعدم الخوف عليها
وفي إباحته لاخذ الشاة لخوفه عليها من الذئب دليل على أن الناقة كذلك أيضا إذا خيف عليها من
غير الذئب وأن أخذها لصاحبها وحفظها على ربها أولى من تركها وذهابها
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن حكم الضالة كحكم اللقطة في ذلك وهو ما قد حدثنا إبراهيم
بن مرزوق قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي العلاء عن عياض بن حماد
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد سئل عن الضالة فقال عرفها فإن وجدت صاحبها وإلا فهي مال الله
ففي هذا الحديث أن تعريفها واجب ومعرفها في حال تعريفه إياها ممسك لها ومؤو إياها لصاحبها
ولم يؤمر بترك ذلك
فدل هذا أن الامساك المنهي عنه عن ذلك في غير هذا الحديث إنما هو الامساك الذي لم يفعله الممسك
لنفسه لا لرب الضالة في ذلك
فهذا ما في الضوال من الاحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في اللقطة أنه قد أمر بالاشهاد عليها وترك كتمانها مما قد روى عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما قد حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا المعلى بن أسد قال ثنا عبد العزيز بن المختار عن خالد
الحذاء عن يزيد بن الشخير عن مطرف بن الشخير عن عياض بن حماد المجاشعي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
من التقط لقطة فليشهد عليها ذوي عد ل ولا يكتمها ولا يغيرها فإن جاء ربها وإلا فمال الله
يؤتيه من يشاء
فلما كان أخذ اللقطة على هذا الوجه مباحا كان كذلك أيضا أخذ الضالة في ذلك وإنما يكره أخذهما
جميعا إذا كان يراد منها ضد ذلك
ولقد استحب أبي بن كعب أخذ اللقطات وأن لا يترك للسباع
136

فحدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا سفيان بن سعيد الثوري عن سلمة بن كهيل عن
سويد بن غفلة أنه قال خرجت حاجا فأصبت سوطا فأخذتها
فقال لي زيد بن صوحان دعها فقلت لا أدعها للسباع لآخذنها فلأستنفعن بها
فلقيت أبي بن كعب فذكرت ذلك له فقال لي لقد أحسنت في ذلك إني قد كنت وجدت صرة فيها مائة
دينار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتها فذكرتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي عرفها حولا فإن وجدت
من يعرفها فادفعها إليه وإلا فاستنفع بها
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود الطيالسي قال ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل أنه قال قد سمعت سويد
بن غفلة يقول قد كنت خرجت حاجا فأصبت سوطا فأخذتها
فقال لي زيد بن صوحان دعها عنك فقلت والله لا أدعها للسباع ولآخذنها فلأستنفعن بها
فلقيت أبي بن كعب فذكرت له ذلك فقال لي لقد أحسنت في أخذها فإني قد كنت وجدت صرة فيها
مائة دينار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتها ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتها له فقال عرفها حولا كاملا قال
فعرفتها حولا فلم أجد من يعرفها قال
فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال اذهب فعرفها حولا فعرفتها حولا فلم أجد من يعرفها
ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عرفها حولا فعرفتها حولا فلم أجد من يعرفها
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم احفظ عددها ووعاءها وعفاصها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا
فاستمتع بها
قال شعبة ثم إن سلمة بن كهيل شك في ذلك لا يدري أثلاثة أعوام قال في الحديث أو عاما واحدا
قال سلمة بن كهيل فأعجبني هذا الحديث فقلت لأبي صادق ذلك فقال أبو صادق وقد سمعت أنا ذلك
الحديث أيضا من أبي بن كعب كما قد سمعه سويد بن غفلة من أبي بن كعب سواء
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا أبو معمر المنقري قال ثنا عبد الوارث قال ثنا محمد بن جحادة
عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن أبي بن كعب أنه قال كنت التقطت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
مائة دينار فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لي عرفها سنة فعرفتها سنة فلم أجد أحدا يعرفها فأتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقلت له عرفتها سنة فلم أجد من يعرفها فقال لي عرفها سنة فعرفتها سنة فلم أجد
أحدا يعرفها فقال لي اعلم عددها ووكاءها ثم استمتع بها
وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك أيضا ما قد حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا محمد
بن سعيد الأصبهاني قال أنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير أنه قال حدثني عمرو بن شعيب عن عمرو
وعاصم ابني سفيان بن عبد الله بن ربيعة أن أباهما سفيان بن عبد الله قد كان وجد عتبة فأتى بها عمر بن الخطاب
فقال له عرفها سنة فإن عرفت فذاك وإلا فهي لك
137

قال فعرفها سنة فلم تعرف
فأتى بها عمر العام المقبل أو القابل في الموسم فأخبره بذلك فقال له عمر هي لك
وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمرنا بذلك
فأبى سفيان أن يأخذها فأخذها منه عمر بن الخطاب فجعلها في بيت مال المسلمين
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا أحمد بن الحسين اللهبي قال ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك
عن الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن بشر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل
عن اللقطة فقال عرفها سنة فإن جاء
باغيها فأدها إلى صاحبها وإلا فاعرف عفاصها ووكاءها فإن جاء باغيها فأدها إلى باغيها
أفلا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعنف أبي بن كعب في أخذه تلك الدنانير حين أخذها وقد صوب أبي بن كعب في
أخذه السوط ليحفظها على صاحبها ولا يدعها للسباع
وقد قال عمر بن الخطاب في حديث سفيان بن عبد الله هي مالك قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
فلما أن أبي سفيان ذلك جعلها عمر في بيت المال
وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ اللقطة والضالة لان يحفظهما على صاحبهما
وقد روى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عبد الله بن مسلمة
بن قعنب القعنبي قال ثنا مالك عن سليمان بن يسار أن ثابت بن الضحاك كان وجد بعيرا فقال له عمر
عرفه فعرف ذلك ثلاث مرات ثم جاء إلى عمر
فقال قد شغلني عن صنعتي فقال له عمر أنزع خطامه ثم أرسله حيث وجدته
حدثنا يونس أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالكا حدثهم عن يحيى بن سعيد ثم ذكر هذا الحديث بإسناده
عن عمر بن الخطا بمثل ذلك أيضا سواء
وزاد في الحديث أن ثابت بن الضحاك وقد كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه أنه كان وجد
بعيرا على عهد عمر بن الخطاب
وقد حدثنا يونس قال أنا أنس بن عياض قال ثنا يحيى بن سعيد قال سمعت سليمان بن يسار يحدث
عن ثابت بن الضحاك أنه كان وجد بعيرا ثم ذكر هذا الحديث عن عمر بن الخطا بمثل ذلك أيضا سواء
فهذا عمر بن الخطاب قد حكم في الضالة بحكم اللقطة
وكذلك روى عن عبد الله بن عمر في ذلك أيضا وهو كما قد حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون
قال أنا العوام بن حوشب قال حدثني العلاء بن سهيل أنه سمع عبد الله بن عمر يسأل عن الضالة
من الفرح والشئ يجده الانسان فقال اتق خيرها بشرها وشرها بخيرها ولا تضمنها فإن الضالة
لا يضمها إلا ضال
138

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو داود وبشر بن عمر قالا ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال
سمعت رجلا يسأل عبد الله بن عمر عن الضالة فقال له ادفعها إلى السلطان
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا همام عن نافع وابن سيرين أن رجلا جاء
عبد الله بن عمر فقال إني قد أصبت ناقة فقال عرفها فقال عرفتها فلم تعرف فقال ادفعها إلى الوالي
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد الرصافي قال ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت
أنه قال سمعت عبد الله بن عمر وقد سئل عن الضالة فقال أدفعها إلى السلطان أو إلى الأمير
وقد روى عن عائشة في ذلك أيضا ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال أنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة
عن يزيد الرشك عن معاذة العدوية أن امرأة سألت عائشة فقالت إني أصبت ضالة في الحرم وإني عرفتها فلم
أجد أحدا يعرفها فقالت لها عائشة استنفعي بها
وقد روى عن عبد الله بن مسعود في هذا مثل ذلك أيضا وهو كما قد حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا
محمد بن سعيد الأصبهاني أنا شريك عن عامر بن شقيق عن أبي وائل أنه قال اشترى عبد الله خادما
بسبعمائة درهم فطلب صاحبها فلم يجده فعرفها حولا فلم يجد صاحبها فجمع المساكين وجعل يعطيهم
ويقول اللهم عن صاحبها فإن أبى ذلك فمني ذلك وعلي الثمن ثم قال هكذا يفعل بالضوال
وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وعمن رويناه من أصحابه ممن قد ذكرناهم في هذا الباب التسوية
بين حكم اللقطة والضالة جميعا
فدل أن ما قد جاء من هذه الآثار مما في ذلك ذكر إحداهما فهو فيها وفي الأخرى وأن حكمها حكم
واحد في جميع ذلك فإن قال قائل
فإن الضال ما قد ضل بنفسه واللقطة ما سوى ذلك من الأمتعة وما أشبهها
قيل له وما دليلك على ما قد ذكرت بل رأينا اللغة في ذلك أباحت أن ما يسمي مالا نفس له ضالا
ألا يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإفك إن أمكم قد أضلت قلادتها
وقد روى عن عائشة أيضا في الضالة أن حكمها حكم اللقطة في جميع ذلك
وهو كما قد حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن
العالية امرأة أبي إسحاق أنها قالت كنت عند عائشة فأتتها امرأة فقالت لها يا أم المؤمنين إني وجدت
ضالة فكيف تأمريني أن أصنع بها
فقالت عرفيها واعلفي واحتلبي قالت ثم عادت فسألتها فقالت عائشة تريدين آمرك ببيعها أو نزعها
139

فقد ثبت بما ذكرنا التسوية بين حكم الضوال واللقطة وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
بن الحسن رحمهم الله تعالى في ذا الباب
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في لقطة مكة وضالتها ما قد حدثنا علي بن عبد الرحمن
قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وصف مكة ولا يلتقط ضالتها إلا لمنشد
وقد حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم قال ثنا الأوزاعي قال ثنا يحيى بن أبي
كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك الحديث سواء
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا حرب بن شداد قال ثنا يحيى بن أبي كثير ثم ذكر
هذا الحديث بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك أيضا سواء
فكان النضر بن شميل يقول فيما بلغني عنه في ذلك إن معنى ذلك أنه لا ينبغي أن يلتقط ضالة في الحرام إلا
أن يسمع رجلا يطلبها وينشدها فيرفعها إليه ليراها ثم يردها من حيث أخذها
وقد روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير هذا اللفظ أيضا وهو كما قد حدثنا إبراهيم بن أبي داود
قال أنا عمرو بن عون قال أنا أبو يوسف عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الله بن عباس أنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف مكة ولا يرفع لقطتها إلا لمنشديها
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج بن المنهال أبو محمد الأنماطي وأبو سلمة موسى بن إسماعيل البصري
قالا جميعا قال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال في وصف مكة ولا يرفع لقطتها إلا منشد فهذا الحديث يمنع من أخذها إلا للانشاد بها
فقد أباح هذا الحديث أخذ لقطة الحرم لتعرف فاحتمل أن يكون ذلك يراد به أن ينشد ثم ترد في مكانها
واحتمل أن يكون المراد أن ينشدكما ينشد اللقطة الموجودة في سائر الأماكن والبلدان
فوجدنا عن عائشة ما قد روينا عنها في هذا الباب أنها سئلت عن ضالة الحرم وأن المرأة التي سألتها عن
ذلك كانت عرفتها فلم تجد من يعرفها فقالت لها استنفعي بها
فدل ذلك على أن حكم اللقطة في الحرم كحكمها في غير الحرم
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لقطة الحاج أيضا ما حدثنا روح بن الفرج
قال ثنا أبو مصعب الزهري قال ثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أسامة بن زيد عن بكير بن عبد الله عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب
عن عبد الرحمن بن عثمان أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الحاج
فمعنى هذا عندنا والله أعلم على اللقطة التي لا ينشد بها ولا يعرف بها لان لقطة الحرم إنما أبيحت للنشاد
وقد يكون للحاج وغير الحاج كانت لقطة الحاج في غير الحرم أولا أن يكون كذلك أيضا والله
عز وجل أعلم
140

كتاب القضاء والشهادات
باب القضاء بين أهل الذمة
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا علي بن معبد عن عبيد الله بن عمر وعن عبد الكريم بن مالك عن
نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديا ويهودية حين تحاكموا إليه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن أهل الذمة إذا أصابوا شيئا من حدود الله تعالى لم يحكم عليهم المسلمون
حتى يتحاكموا إليهم ويرضوا بحكمهم فإذا تحاكموا إليهم كان الامام مخيرا إن شاء أعرض عنهم فلم ينظر
فيما بينهم وإن شاء حكم
واحتجوا في ذلك أيضا بقول الله تعالى فإن جاؤوك فأحكم بينهم أو أعرض عنهم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا على الامام أن يحكم بينهم بأحكام المسلمين فكلما وجب على الامام أن
يقيمه على المسلمين فيما أصابوا من الحدود وجب عليه أن يقيمه على أهل الذمة غير ما استحلوا به في دينهم
كشربهم الخمر وما أشبهه وأن ذلك يختلف حالهم فيه وحال المسلمين يعاقبون على ذلك وأهل الذمة لا يعاقبون
عليه ما خلا الرجم في الزنا فإنه لا يقام عندهم على أهل الذمة لان الأسباب التي يجب بها الاحصان في قولهم
أحدها الاسلام
فأما ما سوى ذلك من العقوبات الواجبات في انتهاك الحرمات فإن أهل الذمة فيه كأهل الاسلام
ويجب على الامام أن يقيمه عليهم وإن لم
يتحاكموا إليه كما يجب عليه أن يقيمه على أهل الاسلام وإن لم يتحاكموا إليه
وكان من الحجة لهم في حديث بن عمر الذي ذكرنا أنه إنما أخبر فيه بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم
اليهود حين تحاكموا إليه
ولم يقل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما رجمتهم لأنهم تحاكموا إلي
ولو كان قال ذلك لعلم أن الحكم منه إنما يكون إليه بعد أن يتحاكموا إليه وأنهم إذا لم يتحاكموا إليه
لم ينظر في أمورهم
ولكنه لم يجئ إنما جاء عنه أنه رجمهم حين تحاكموا إليه
فإنما أخبر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وحكمه إذ تحاكموا إليه ولم يخبر عن حكمهم عنده قبل أن يتحاكموا إليه
هل يجب عليهم فيه إقامة الحد أم لا
فبطل أن يكون في هذا الحديث دلالة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن ابن عمر من رأيه
ثم نظرنا فيما سوى ذلك من الآثار هل نجد فيه ما يدل على شئ من ذلك
141

فإذا أحمد بن أبي عمران قد حدثنا قال ثنا أبو خيثمة زهير بن حرب قال ثنا حفص بن غياث عن
مجالد بن سعيد عن عامر الشعبي عن جابر بن عبد الله أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة
منهما زنيا
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إيتوا بأربعة منكم يشهدون
فثبت بهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان ينظر بينهم قبل أن يحكمه الرجل والمرأة المدعي عليهما الزنا لأنهما
جميعا جاحدان ولو كانا مقرين لما أحتاج مع إقرارهما إلي أربعة يشهدون
وروى عن البراء بن عازب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك أيضا
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص بن غياث قال ثنا أبي عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء
قال مر على رسول الله برجل قد حمم وجهه وقد ضرب يطاف به
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن هذا قالوا زنى قال فما تجدون في كتابكم قالوا يحمم وجهه
ويعزر ويطاف به
فقال أنشدكم الله ما تجدون حده في كتابكم فأشاروا إلى رجل منهم فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرجل
نجد في التوراة الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكرهنا أن نقيم الحد على سفلتنا وندع أشرافنا فاصطلحنا
على شئ فوضعنا هذا
فرجمه صلى الله عليه وسلم وقال أنا أولى من أحيا ما أماتوا من أمر الله
ففي هذا ما يدل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان له أن يحكم بينهم وإن لم يحكموا لان في هذا الحديث أنهم مروا
به وهو محمم فذكر باقي الحديث ثم رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكارا لما فعلوه من قبل أن يأتوه فرد أمرهم إلى حكم الله الذي قد عطلوه
وغيروه ثبت بذلك أنه قد كان له أن يحكم فيما بينهم حكموه أو لم يحكموه
فهذا ما في هذه الآثار من الدلائل على ما قد تكلمنا عليه
وأما قول الله عز وجل فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم فإن الذي ذهبوا فيه
إلى تثبيت الحكم يقولون هي منسوخة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة عن سفيان عن السدي عن عكرمة فإن جاؤوك فأحكم
بينهم أو أعرض عنهم قال نسختها هذه الآية وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع
أهواءهم
وقال الآخرون تأويلها وإن أحكم بينهم بما أنزل الله إن حكمت
فلما اختلف في تأويل هذه الآية وكانت الآثار قد دلت على ما ذكرنا ثبت الحم عليهم على إمام المسلمين
142

ولم يكن له تركه لان في حكمه النجاة في قولهم جميعا لان من يقول عليه أن يحكم يقول قد ترك ما كان
عليه أن يفعله
ومن يقول له أن لا يحكم يقول قد ترك ما كان له تركه فإذا حكم يشهد له الفريقان جميعا بالنجاة
وإذا لم يحكم لم يشهدا له بذلك
فأولى الأشياء بنا أن نفعل ما فيه النجاة بالاتفاق دون ما فيه ضد النجاة بالاختلاف
وهذا الذي ذكرنا من وجوب الحكم عليهم قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
فإن قال قائل فأنتم لا ترجمون اليهود إذا زنوا فقد تركتم بعض ما في الحديث الذي به احتججتم
قيل له إن الحكم كان في الزناة في عهد موسى عليه السلام هو الرجم على المحصن وغير المحصن
وكذلك كان جواب اليهودي الذي سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حد الزاني في كتابهم فلم ينكر ذلك عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان على النبي صلى الله عليه وسلم اتباع ذلك والعمل به لان على كل نبي اتباع شريعة النبي الذي كان
قبله حتى يحدث الله شريعة تنسخ شريعته قال الله تعالى أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده
فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين على ذلك الحكم ولا فرق حينئذ في ذلك بين المحصن وغير المحصن
ثم أحدث الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم شريعة فنسخت هذه الشريعة فقال واللاتي يأتين الفاحشة من
نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منك فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى
يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا
وكان هذا ناسخا لما كان قبله ولم يفرق في ذلك بين المحصن وغير المحصن
ثم نسخ الله تعالى ذلك فجعل الحد هو الايذاء بالآية التي بعدها ولم يفرق في ذلك أيضا بين المحصن وغيره
ثم جعل لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب جلد مائة والرجم
فرق حينئذ بين حد المحصن وحد غير المحصن الجلد ثم اختلف الناس من بعد في الاحصان
فقال قوم لا يكون الرجل محصنا بامرأته ولا المرأة محصنة بزوجها حتى يكونا حرين مسلمين بالغين قد
جامعها وهما بالغان
وممن قال بذلك أبو حنيفة وأبو يوسف محمد رحمهم الله تعالى
وقال آخرون يحصن أهل الكتاب بعضهم بعضا ويحصن المسلم النصرانية ولا تحصن النصرانية المسلم
وقد كان أبو يوسف قال بهذا القول في الاملاء فيما حدثني سليمان بن شعيب عن أبيه
فاحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثيب بالثيب الرجم أن يكون هذا على كل ثيب واحتمل أن يكون
على خاص من الثيب
فنظرنا في ذلك فوجدناهم مجتمعين أن العبيد غير داخلين في ذلك وأن العبد لا يكون محصنا ثيبا كان
أو بكرا ولا يحصن زوجته حرة كانت أو أمة
143

وكذلك الأمة تكون محصنة بزوجها حرا كان أو عبدا
فثبت بما ذكرنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم الثيب بالثيب الرجم إنما وقع على خاص من الثيب لا على كل الثيب
فلم يدخل فيما أجمعوا أنه وقع على خاص إلا ما قد أجمعوا أنه فيه داخل
وقد أجمعوا أن الحرين المسلمين البالغين الزوجين اللذين قد كان منهما الجماع محصنين واختلفوا
فيمن سواهم
فقد أحاط علمنا أن ذلك قد دخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثيب بالثيب الرجم
فأدخلنا فيه ولم يحط علمنا بما سوى ذلك فأخرجناه منه
وقد كان يجئ في القياس لما كانت الأمة لا تحصن لا حر ولا يحصنها الحر وكانت هي في عدم إحصانها
إياه كهو في عدم إحصانه إياها أن يكون كذلك النصرانية فكما هي لا تحصن زوجها المسلم كان هو
أيضا كذلك لا يحصنها
وقد رأينا الأمة أيضا لما بطل أن تحصن المسلم بطل أن يحصن الكافر قياسا ونظرا على ما ذكرنا
والله تعالى أعلم
باب القضاء باليمين مع الشاهد
حدثنا فهد قال ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال ثنا زيد بن حباب قال أخبرني سيف بن
سليمان
المكي عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين
مع الشاهد
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن
سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا صالح بن عبد الرحمن وابن أبي داود قالا ثنا سعيد بن منصور قال ثنا عبد العزيز بن محمد عن ربيعة
بن أبي عبد الرحمن فذكر بإسناده مثله
قال عبد العزيز ونسيه سهل قال حدثني ربيعة عني
حدثنا فهد قال ثنا يحيى بن عبد الحميد يعني الحماني قال ثنا سليمان بن بلال والدراوردي
فذكر بإسناده مثله
قال عبد العزيز فلقيت سهيلا فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه
حدثنا بحر بن نصر قال ثنا عبد الله بن وهب قال حدثني عثمان بن الحكم عن زهير بن محمد عن
سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا وهبان بن عثمان قال ثنا أبو همام قال ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن جعفر بن محمد
144

عن أبيه عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن جعفر عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر جابرا
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا بحر قال ثنا عبد الله بن وهب قال حدثني عمرو بن محمد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى القضاء باليمين مع الشاهد الواحد في خاص من الأشياء في الأموال خاصة
واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجب أن يقضى في شئ من الأشياء إلا برجلين أو رجل وامرأتين ولا يقضى بشاهد ويمين في شئ من الأشياء
قالوا أما ما رويتموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكر فيه أنه قضى باليمين مع الشاهد فقد دخله الضعف
الذي لا يقوم به معه حجة
وأما حديث زمعة عن سهيل فقد سأل الدراوردي سهيلا عنه فلم يعرفه ولو كان ذلك من السنن
المشهورة والأمور المعروفة إذا لما ذهب عليه وأنتم قد تضعفون من الأحاديث ما هو أقوى من هذا الحديث
بأقل من هذا
وأما حديث عثمان بن الحكم عن زهير بن محمد عن سهيل عن أبيه عن زيد بن ثابت فمنكر أيضا
لان أبا صالح لا تعرف له رواية عن زيد
ولو كان عند سهيل من ذلك شئ ما أنكر على الدراوردي ما ذكرتم عن ربيعة ويقول له لم يحدثني به
أبي عن أبي هريرة ولكن حدثني به عن زيد بن ثابت مع أن عثمان بن الحكم ليس بالذي يثبت مثل
هذا بروايته
وأما حديث بن عباس فمنكر لان قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشئ فكيف
يحتجون به في مثل هذا
وأما حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر فإن عبد الوهاب رواه كما ذكرتم
وأما الحفاظ مالك وسفيان الثوري وأمثالهما فرووه عن جعفر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا
فيه جابرا وأنتم لا تحتجون بعبد الوهاب فيما يخالف فيه الثوري ومالكا
ثم لو لم ينازع في طريق هذا الحديث وسلم ت على هذه الألفاظ التي قد رويت عليها لكانت محتملة للتأويل
الذي لا يقوم لكم بمثلها معه الحجة
وذلكم أنكم إنما رويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد
ولم يبين في الحديث كيف كان ذلك السبب ولا المستحلف من هو
فقد يجوز أن يكون ذلك على ما ذكرتم ويجوز أ يكون أريد به يمين المدعي
145

عليه ادعى المدعى ولم يقم على دعواه إلا شاهدا واحدا فاستحلف له النبي صلى الله عليه وسلم المدعى عليه فروى ذلك
ليعلم الناس أن المدعى يجب له اليمين على المدعى عليه لا بحجة أخرى غير الدعوى لا يجب له اليمين إلا بها
كما قال قوم إن المدعى لا يجب له اليمين فيما ادعى إلا أن يقيم البينة أنه قد كانت بينه وبين المدعى عليه خلطة
ولبس فإن أقام على ذلك بينة استحلف له وإلا لم يستحلف
فأراد الذي روى هذا الحديث أن ينفي هذا القول ويثبت اليمين بالدعوى وإن لم يكن مع الدعوى غيرها
فهذا وجه
وقد يجوز أن يكون أريد به يمين المدعي مع شاهده الواحد لان شاهده الواحد كان ممن يحكم بشهادته
وحده وهو خزيمة بن ثابت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان عدل شهادته بشهادة رجلين
حدثنا فهد قال ثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال أخبرني عمارة بن خزيمة
الأنصاري أن عمر حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه
ليقبضه ثمن فرسه
فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الاعرابي فطفق رجال يعترضون الاعرابي فيساومونه بالفرس لا يشعرون
أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم الاعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه به النبي صلى الله عليه وسلم
فنادى الاعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن كنت مبتاعا لهذا الفرس فابتعه وإلا بعته
فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الاعرابي فقال أوليس قد ابتعته منك فقال الاعرابي لا والله ما بعتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلى قد ابتعته منك
فطفق الناس يلوون بالنبي صلى الله عليه وسلم والأعرابي وهما يتراجعان وطفق الاعرابي يقول هلم شهيدا يشهد لك أني
قد بايعتك ممن جاء من المسلمين قالوا للأعرابي ويلك إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقول إلا حقا حتى جاء خزيمة
فاستمع لمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ومراجعة الاعرابي وهو يقول هلم شهيدا يشهد لك أني قد بايعتك
فقال خزيمة أنا أشهد أنك قد بايعته
فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال بم تشهد فقال بتصديقك يا رسول الله
فجعل رسول الله شهادة خزيمة بشهادة رجلين
فلما كان ذلك الشاهد الذي قد ذكرنا قد يجوز أن يكون هو خزيمة بن ثابت فيكون المشهود له بشهادته
وحده مستحقا لما شهد له كما يستحق غيره بالشاهدين مما شهدا له به فأدعي المدعي عليه الخروج من ذلك الحق
إلى المدعي فاستحلفه له النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وأريد بنقل هذا الحديث ليعلم أن المدعي إذا أقام البينة على دعواه
وادعى المدعى عليه الخروج من ذلك الحق إليه أن عليه اليمين مع بينته
فهذه وجوه يحتملها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من قضائه باليمين مع الشاهد
فلا ينبغي لأحد أن يأتي إلى خبر قد احتمل هذه التأويلات فيعطفه على أحد بلا دليل يدله على ذلك
146

من كتاب أو سنة أو إجماع ثم يزعم أن من خالف ذلك مخالف لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكيف يكون مخالفا لما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تأول ذلك على معنى يحتمل ما قال
بل ما خالف إلا تأويل مخالفه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخالف شيئا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد روى عن علي بن أبي طالب ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد قال ثنا مسعر
عن عمرو بن مرة عن أبي البحتري عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال إذا بلغكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حديث فظنوا به الذي هو أهنأ والذي هو أهدى والذي هو أبقى والذي هو خير
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب وأبو الوليد قالا ثنا شعبة عن عمرو فذكر بإسناده مثله غير أنه لم
يقل والذي هو خير
فهكذا ينبغي للناس أن يفعلوا وأن يحسنوا تحقيق ظنونهم ولا يقولون على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بما قد علموه
فإنهم منهيون عن ذلك معاقبون عليه
وكيف يجوز لأحد أن يحمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما حمله عليه هذا المخالف وقد وجدنا كتاب الله
عز وجل يدفعه ثم السنة المجمع عليها تدفعه أيضا
فأما كتاب الله عز وجل فإن الله تعالى يقول فاستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم
يكونا رجلين فرجل وامرأتان وقال وأشهدوا ذوي عدل منكم
وقد كانوا قبل نزول هاتين الآيتين لا ينبغي لهم أن يقضوا بشهادة ألف رجل ولا أكثر منهم ولا أقل
لأنه لا يوصل بشهادتهم إلى حقيقة صدقهم
فلما أنزل الله عز وجل ما ذكرنا قطع بذلك العذر وحكم بما أمر به على ما تعبد به خلقه ولم يحكم بما هو
أقل من ذلك لأنه لم يدخل فيما تعبدوا به
أما السنة المتفق عليها فهي أن لا يحكم بشهادة جار إلى نفسه مغنما ولا دافع عنها مغرما
فالحكم باليمين مع الشاهد الواحد على ما حمل عليه هذا المخالف لنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه حكم لمدعي
يمينه فذلك حكم لجار إلى نفسه بيمينه
فهذه سنة متفق عليها تدفع الحكم باليمين مع الشاهد مع ما قد دفعه أيضا مما قد ذكرنا من كتاب
الله تعالى
فأولى الأشياء بنا أن نصرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يوافق كتاب الله تعالى والسنة المتفق عليها
إلى ما يخالفها أو يخالف أحدهما
ولقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا ما يدفع القضاء باليمين مع الشاهد على ما أدعى هذا المخالف لنا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق ومحمد بن خزيمة جميعا قالا ثنا أبو الوليد الطيالسي قال ثنا أبو عوانة
عن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير عن علقمة بن وائل عن وائل بن حجر قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأتاه رجلان يختصمان في أرض
147

فقال أحدهما إن هذا يا رسول الله انتزأ علي أرضه في الجاهلية وهو امرئ القيس بن عائش الكندي
وخصمه ربيعة بن عنوان
فقال له بينتك فقال ليس لي بينة قال يمينه قال إذا يذهب بها قال ليس لك إلا ذلك
فلما قام ليحلف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتطع أرضا ظالما لقى الله وهو عليه غضبان
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن علقمة
بن وائل عن أبيه قال جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال الحضرمي يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض كانت لي
فقال الكندي هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي ألك بينة فقال لا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم فأحلفه فقال إنه ليس له يمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لك منه إلا ذلك
فانطلق ليحلفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه إن حلف على مالك ظالما ليأكله لقى الله وهو عنه معرض
حدثنا فهد قال ثنا جندل بن والق قال ثنا أبو الأحوص فذكر بإسناده مثله غير أنه قال فقال
الحضرمي يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض كانت لي
قال أبو جعفر فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينك أو يمينه ليس لكم فيه إلا ذلك دل على أنه لا يستحق
شيئا بغير البينة فهذا ينفي القضاء باليمين مع الشاهد
والذي هو أولى بنا أن نحمل وجه ما اختلف فيه تأويله من الحديث الأول على ما يوافق هذا لا على
ما يخالفه
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على
المدعى عليه
فدل ذلك أن اليمين لا يكون أبدا إلا على المدعى عليه وقد ذكرنا بالاسناد فيما تقدم من هذا الكتاب
وأما النظر في هذا فإنه يغنينا عن ذكر أكثر فساد قول الذين ذهبوا إلى القضاء باليمين مع الشاهد
فجعلوا ذلك في الأموال خاصة دون سائر الأشياء
فلما ثبت أنه لا يقضي بيمين وشاهد في غير الأموال كان حكم الأموال في النظر أيضا كذلك
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد حدثنا وهبان قال ثنا أبو همام قال ثنا ابن المبارك عن ابن أبي ذئب عن الزهري أن معاوية أول
من قضى باليمين مع الشاهد وكان الامر على غير ذلك والله أعلم
باب رد اليمين
148

قال أبو جعفر اختلف الناس في المدعى عليه يرد اليمين على المدعى
فقال قوم لا يستحلف المدعى وقال آخرون بل يستحلف فإن حلف استحق ما أدعى بحلفه وإن لم
يحلف لم يكن له شئ
واحتجوا في ذلك بما قد رويناه في غير هذا الموضع عن سهل بن أبي حثمة في القسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال للأنصار تبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالوا كيف نقبل أيمان قوم كفار
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحلفون وتستحقون
فقالوا قد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم الايمان التي جعلناها في البدء على المدعى عليهم فجعلها على المدعين
فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأولى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال أتبرئكم يهود بخمسين يمينا لم يكن
من اليهود رد الايمان على الأنصار فيردها النبي صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك حجة لمن يرى رد اليمين في الحقوق
إنما قال اتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالت الأنصار كيف نقبل أيمان قوم كفار
فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتحلفون وتستحقون
فقد يجوز أن يكون كذلك حكم القسامة ويجوز أن يكون ذلك على النكير منه عليهم إذ قالوا كيف
نقبل ايمان قوم كفار فقال لهم أتحلفون وتستحقون كما قال أيدعون ويستحقون
فلما احتمل هذين الوجهين لم يكن لأحد أن يحمله على أحدهما دون الآخر إلا ببرهان يدله على ذلك
فنظرنا فيما سوى هذا الحديث من قد روى عن رسول لله صلى لله عليه وسلم أنه قال لو الآثار المروية فإذا بن عباس
يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه
فثبت بذلك أن المدعى لا يستحق بدعواه دما ولا مالا وإنما يستحق بها يمين المدعى عليه خاصة
هذا حديث ظاهر المعنى ولا لنا أن نحمل ما خفي علينا معناه من الحديث الأول على ذلك
وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا رأينا المدعى الذي عليه أن يقيم الحجة على دعواه لا تكون حجته تلك
حجة جارة إلى نفسه مغنما ولا دافعة عنها مغرما
فلما وجبت اليمين على المدعى عليه فردوها على المدعى فإن استحلفنا المدعى جعلنا يمينه حجة له وحكمنا له
بحجة كانت منه هو بها جار إلى نفسه مغنما وهذا خلاف ما تعبد به العباد فبطل ذلك
فإن قال قائل إنما نحكم له بيمينه وإن كان بها جارا إلى نفسه لان المدعى عليه قد رضى بذلك
قيل له وهل يوجب رضا المدعى عليه زوال الحكم عن جهته
أرأيت لو أن رجلا قال ما أدعى على فلان من شئ فهو مصدق فأدعي عليه درهما فما فوقه هل يقبل
ذلك منه
149

أرأيت لو قال قد رضيت بما شهد به زيد علي لرجل فاسق أو لرجل جار إلى نفسه بتلك الشهادة مغنما
فشهد زيد عليه بشئ هل يحكم بذلك عليه
فلما كانوا قد اتفقوا أنه لا يحكم عليه بشئ من ذلك وأن رضاه في ذلك وغير رضاه سواء وأن الحكم
لا يجب في ذلك وإن رضي إلا بما كان يجب لو لم يرض كان كذلك أيضا يمين المدعي لا يجب له بها
حق على المدعى عليه وإن رضي المدعى عليه به بذلك
والحكم بيمينه بعد رضاء بها كحكمها قبل ذلك
فثبت بما ذكرنا بطلان رد اليمين على المدعى عليه وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله
تعالى عليهم
باب الرجل يكون عنده الشهادة للرجل
هل يجب عليه أن يخبره بها وهل يقبله الحاكم على ذلك أم لا
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير قال ثنا إسرائيل قال ثنا عبد الملك بن
عمير قال ثنا جابر بن سمرة قال خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية فقال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مقامي فيكم اليوم فقال أحسنوا إلى أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب حتى
يشهد الرجل على الشهادة لا يسألها وحتى يحلف الرجل على اليمين لا يستحلف
حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا عارم بن الفضل قال ثنا جرير بن حازم قال ثنا عبد الله
بن عمر فذكر بإسناده مثله غير أنه قال أحسنوا إلى أصحابي الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود الطيالسي قال ثنا حماد بن زيد قال ثنا معاوية بن قرة المزني
قال سمعت كهمسا يقول سمعت عمر يقول فذكر نحو حديث أبي بكرة عن أبي أحمد
فذهب قوم إلى أن من شهد بالشهادة قبل أن يسألها مذموم واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل هو محمود مأجور على ما كان منه من ذلك
وكان من الحجة لهم في دفع ما احتج به عليهم أهل المقالة الأولى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثم يفشوا الكذب
حتى يشهد الرجل على الشهادة لا يسألها وحتى يحلف على اليمين لا يستحلف
فمعنى ذلك أن يشهد كاذبا أو يحلف كاذبا لأنه قال حتى يفشوا الكذب فيكون كذا وكذا
فلا يجوز أن يكون ذلك الذي يكون إذا فشا الكذب إلا كذبا وإلا فلا معنى لذكره فيفشو
الكذب
واحتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضا بما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا نعيم قال ثنا ابن المبارك قال
أخبرنا محمد بن سوقة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه أنه خطبهم بالجابية فقال
150

سمعت رسول الله يقول أكرموا أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو
الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد
حدثنا عبد الله بن محمد البصري قال ثنا عارم قال ثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفي عن
عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين
يلونهم ثم الذين يلونهم قال والله أعلم أذكر الثالث أم لا ثم يفشو قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون
ويخونون ولا يؤتمنون ويفشو فيهم اليمين
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن ثابت البزار قال ثنا شعبة عن أبي حمزة عن زهدم بن مضرس
الجرمي أنه سمع عمران بن حصين يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم قرني ثم ذكر مثله
قالوا فقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي يشهد ولا يستشهد
قيل لهم هذا على الذي لا يستشهد في بدء الامر فيكون في شهادته عند الحاكم شاهدا بما لم يشهد عليه
ولا يعلمه
فعاد معنى هذا الحديث إلى معنى الحديث الأول
وذكروا في ذلك أيضا ما حدثنا حسين بن نصر قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا الليث بن سعد عن
يحيى بن أبي سليم عن مصعب بن عبد الله بن أبي أمية قال حدثتني أم سلمة إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
يأتي على الناس زمان يكذب فيه الصادق ويصدق فيه الكاذب ويخون فين الأمين ويؤتمن فيه الخؤون
ويشهد فيه المرء وإن لم يستشهد ويحلف المرء وإن لم يستحلف
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا حماد ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا هشام بن عبد الملك قال ثنا أبو عوانة قالا جميعا عن أبي بشر عن عبد الله
بن شقيق عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم
لا أدري أذكر الثالثة أم لا ثم يخلف بعدهم خلوف يعجبهم السمانة ويشهدون ولا يستشهدون
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو مسهر قال ثنا صدقة بن خالد قال حدثني عمرو بن شرحبيل عن بلال بن
سعد عن أبيه قال قلنا يا رسول الله أي أمتك خير قال أنا وقرني
قال قلنا ثم ماذا قال ثم القرن الثاني قال قلنا ثم ماذا قال القرن الثالث
قال قلنا ثم ماذا قاثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون ويحلفون ولا يستحلفون ويؤتمنون
ولا يؤدون
قال أبو جعفر فالكلام في تأويل هذا هو الكلام الذي ذكرنا في تأويل الآثار التي في الفصل الذي
قبل هذا
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عاصم قال ثنا شعبة عن منصور وسليمان أي
الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة أي السلماني عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم قرني
151

ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يخلف قوم يسبق شهادتهم أيمانهم وأيمانهم شهادتهم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا أحمد بن سكيت قال ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة
عن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة الجريري عن أبي نضرة عن عبد الله بن مولة
قال كنت أسير مع بريدة الأسلمي وهو يقول اللهم ألحقني بقرني الذي أنا منه ثلاثا وأنا معه
فقلت وأنا فدعا لي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير هذه الأمة القرن الذي بعثت فيهم ثم
الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكون قوم تسبق شهاداتهم أيمانهم وأيمانهم شهاداتهم
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عاصم عن
خيثمة عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يخلف
قوم تسبق شهاداتهم أيمانهم وأيمانهم شهاداتهم
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم فذكر بإسناده مثله وزاد
ثم الذين يلونهم مرة أخرى ثم يأتي قوم
فكان من حجتنا على الذين احتجوا بهذه الآثار لأهل المقالة الأولى أن هذه الشهادة لم يرد بها الشهادة على
الحقوق وإنما أريد بها الشهادة في الايمان وقد روى ما يدل على ذلك عن إبراهيم النخغي
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال أنا شيبان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة
عن عبد الله قال قلنا يا رسول الله أي الناس خير قال قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ
قوم يسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته
قال إبراهيم كان أصحابنا ينهوننا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد
فدل هذا من قول إبراهيم أن الشهادة التي ذم النبي صلى الله عليه وسلم صاحبها هي قول الرجل أشهد بالله ما كان كذا
على معنى الحلف فكره ذلك كما يكره الحلف لأنه مكروه للرجل الاكثار منه وإن كان صادقا
فنهى عن الشهادة التي هي حلف كما نهى عن اليمين إلا أن يستحلف بها فيكون حينئذ معذورا
ولعله أن يكون أراد بالشهادة التي ذكرنا الحلف على ما لم يكن لقوله ثم يفشو الكذب فتكون تلك
الشهادة شهادة كذب
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفضيل الشاهد المبتدي بالشهادة ما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن
مالكا
حدثه عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أبي عمرة الأنصاري عن زيد بن
خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي
بشهادته قبل أن يسأل عنها أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها
قال مالك الذي يخبر بشهادته ولا يعلم بها الذي هي له أو يأتي بها الامام فيشهد بها عنده وجعله
خير الشهداء
152

4 فأولى بنا أن نحمل الآثار الأول على ما وصفنا من تأويل كل أثر منها حتى لا تتضاد ولا تختلف ولا يدفع
بعضها بعضا
فتكون الآثار الأول على المعاني التي ذكرنا وتكون هذه الآثار الاخر على تفضيل المبتدي بالشهادة
من هي له أو المخبر بها الامام
وقد فعل ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا الامام فشهدوا ابتداء منهم أبو بكرة ومن كان معه
حين شهدوا على المغيرة بن شعبة فرأوا ذلك لأنفسهم لازما ولم يعنفهم عمر على ابتدائهم إياه بذلك بل
سمع شهاداتهم
ولو كانوا في ذلك مذمومين لذمهم من سألكم عن هذا ألا قعدتم حتى تسألوا
فلما سمع منهم ولم ينكر ذلك عليهم عمر ولا أحد ممن كان بحضرته من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دل ذلك
على أن فرضهم كذلك وأن من فعل ذلك ابتداء لا عن مسألة محمود
فمما روى في ذلك ما حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عفان بن مسلم وسعيد بن أبي مريم قالا
حدثنا السري بن يحيى قال ثنا عبد الكريم بن رشيد عن أبي عثمان النهدي قال جاء رجل إلى عمر بن
الخطاب رضي الله عنه فشهد على المغيرة بن شعبة فتغير لون عمر ثم جاء
آخر فشهد فتغير لون عمر ثم جاء آخر فشهد فتغير لون عمر حتى عرفنا ذلك فيه وأنكر لذلك
وجاء آخر يحرك بيديه فقال ما عندك يا سلخ العقاب وصاح أبو عثمان صيحة تشبه بها صيحة عمر حتى
كربت أن يغشى علي
قال رأيت أمرا قبيحا قال الحمد لله الذي لم يشمت الشيطان بأمة محمد فأمر بأولئك النفر فجلدوا
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا محمد بن مسلم الطائفي قال ثنا إبراهيم بن ميسرة عن سعيد بن
المسيب قال شهد على المغيرة أربعة فنكل زياد بن أبي سفيان فجلد عمر بن الخطاب الثلاثة واستتابهم فتاب
الاثنان وأبى أبو بكرة أن يتوب فكان يقبل شهادتهما حين تابا وكان أبو بكرة لا تقبل شهادته لأنه أبى أن
يتوب وكان مثل التصوم من العبادة
حدثنا فهد قال ثنا إبراهيم قال ثنا الوليد بن عبد الله بن جميع قال حدثني أبو الطفيل قال اقبل
رهط معهم امرأة حتى نزلوا فتفرقوا في حوائجهم فتخلف رجل مع امرأة فرجعوا وهو بين رجليها
فشهد ثلاثة منهم أنهم رأوه يهب كما يهب المرود في المكحلة
وقال الرابع أحمي سمعي وبصري لم أره يهب فيها رأيت سختليه يعني خصيتيه يضربان أستها
ورجلاها مثل أذني حمار
وعلى مكة يومئذ نافع بن الحارث الخزاعي وكتب إلى عمر
153

فكتب عمر إن شهد رابع بمثل ما شهد الثلاثة فقدمهما اجلدهما وإن كانا محصنين فارجمهما وإن لم
يشهدا إلا بما كتبت به إلي فاجلد الثلاثة وخل سبيل الرجل
قال فجلد الثلاثة وأخلى سبيل الرجل والمرأة
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بعضهم ابتداء وقبلها بعضهم وحضر ذلك أكثرهم فلم ينكر
فدل ذلك على اتفاقهم جميعا على هذا المعنى وثبت أن معاني الآثار الأول على ما ذكرنا من معانيها
التي وصفناها في مواضعها
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
باب الحاكم يحكم بالشئ
فيكون في الحقيقة بخلافه في الظاهر
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال أنا شعيب بن أبي حمزة قال أخبرني عروة بن
الزبير أن زينب بنت أبي ساحة وأمها أم سلمة أخبرته أن أمها أم سلمة قالت سمع النبي صلى الله عليه وسلم جلبة خصام عند
بابه فخرج إليهم فقال إنما أنا بشر وإنه يأتي الخصم ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأقضي له بذلك
وأحسب انه صادق فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد العزيز الأويسي قال ثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب
فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب عن أم
سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته
فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذه
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء قال أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا وكيع عن أسامة بن زيد سمعه من عبد الله بن نافع مولى
أم سلمة عن أم سلمة قالت جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست
ليست بينهما بينة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر وإنه يأتي الخصم ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأقضي له
بذلك وأحسب أنه صادق فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها
فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما حقي لأخي
154

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إذ فعلتما هذا فاذهبا فاقتسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل واحد
منكما صاحبه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر قال أنا أسامة بن زيد فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن نافع الصائغ قال حدثني أسامة فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن كل قضاء قضي به حاكم من تمليك مال أو إنالة ملك عن مال
أو من إثبات نكاح أو من حله بطلاق أو بما أشبهه أن ذلك كله على حكم الباطن وأن ذلك في الباطن
كهو في الظاهر وجب ذلك على ما حكم به الحاكم
وإن كان ذلك في الباطن على خلاف ما شهد به الشاهدان وعلى خلاف ما حكم به بشهادتهما على الحكم
الظاهر لم يكن قضاء القاضي موجبا شيئا من تمليك ولا تحريم ولا تحليل واحتجوا في ذلك
بهذا الحديث
وممن قال بذلك أبو يوسف
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ما كان من ذلك من تمليك مال فهو على حكم الباطن كما قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم من قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار
وما كان من ذلك من قضاء بطلاق أو نكاح بشهود ظاهرهم العدالة وباطنهم الجرحة فحكم الحاكم
بشهادتهم على ظاهرهم الذي تعبد الله أن يحكم بشهادة مثلهم معه فذلك يحرم في الباطن كحرمته في الظاهر
والدليل على هذا ما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين
حدثنا يونس قال أنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عمر قال فرق
رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان وقال لهما حسابكما على الله الله يعلم أن أحدكما كاذب لا سبيل
لك عليها
قال يا رسول الله صداقي الذي أصدقتها قال لا مال لك عليها إن كنت أصدقت عليها فهو بما استحللت
من فرجها وإن كنت كاذبا عليها فهو أبعد لك منه
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري سمع سهل بن سعد يقول شهدت النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين
المتلاعنين فقال يا رسول الله كذبت عليها إن أمسكتها
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال ثنا هلال عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن
عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له أرأيت يا عاصم لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا
أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل سل لي عن ذلك يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال عاصم يا عويمر لم تأتني بخير فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألته عنها
155

فقال عويمر لا أنتهي حتى أسأله عنها
فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا
أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك اذهب فائت بها
قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما فرغا قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال بن شهاب فكانت سنة المتلاعنين
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا الماجشون عن الزهري عن سهل بن سعد عن عاصم
قال جاءني عويمر ثم ذكر مثله
فقد علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو علم الكاذب منهما بعينه لم يفرق بينهما ولم يلاعن لو علم أن المرأة
صادقة لحد الزواج لها بقذفه إياها
ولو علم أن الزوج صادق لحد المرأة بالزنا الذي كان منها
فلما خفي الصادق منهما على الحاكم وجب حكم آخر فحرم الفرج على الزوج في الباطن والظاهر ولم يرد
ذلك إلى حكم الباطن
فلما شهدا في المتلاعنين ثبت أن كذلك الفرق كلها والقضاء بما ليس فيه تمليك أموال أنه على حكم
الظاهر لا على حكم الباطن وأن حكم القاضي يحدث في ذلك التحريم والتحليل في الظاهر والباطن جميعا وأنه
خلاف الأموال التي تقضي بها على حكم الظاهر وهي في الباطن على خلاف ذلك
فتكون الآثار الأول هي في القضاء بالأموال والآثار الاخر هي في القضاء بغير الأموال من ثبات العقود
وحلها حتى تتفق معاني وجوه الآثار والاحكام ولا تتضاد
وقد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتبايعين إذا اختلفا في الثمن والسلعة قائمة أنهما يتحالفان ويترادان
فتعود الجارية إلى البائع ويحل له فرجها ويحرم على المشتري
ولو علم الكاذب منهما بعينه إذا لقضي بما يقول الصادق ولم يقض بفسخ بيع ولا بوجوب حرمة فرج
الجارية المبيعة على المشتري
فلما كان ذلك على ما وصفنا كان كذلك كل قضاء بتحريم أو تحليل أو عقد نكاح أو حله على
ما حكم القاضي فيه في الظاهر لا على حكمه في الباطن وهذا قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله
156

باب الحر يجب عليه دين ولا يكون له مال كيف حكمه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا يحيى بن صالح الوحاظي قال ثنا مسلم بن خالد الزنجي عن زيد بن أسلم
عن عبد الرحمن بن البيلماني قال كنت بمصر فقال لي رجل ألا أدلك على رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فذهب بي إلى رجل فقلت ممن أنت يرحمك الله فقال أنا سرق فقلت رحمك الله ما ينبغي لك أن تسمى
بهذا الاسم وأنت رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماني سرق فلن أدع ذلك أبدا
قلت ولم سماك سرق قال لقيت رجلا من أهل البادية ببعيرين له يبيعهما فابتعتهما منه وقلت له انطلق
معي حتى أعطيك فدخلت بيتي ثم خرجت من خلف لي وقضيت بثمن البعيرين حاجتي وتغيبت حتى ظننت
أن الاعرابي قد خرج
فخرجت والأعرابي مقيم فأخذني فقدمني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما صنعت قلت قضيت بثمنهما حاجتي يا رسول الله
قال فاقضه قال قلت ليس عندي قال أنت سرق اذهب به يا أعرابي فبعه حتى تستوفي حقك
قال فجعل الناس يسومونه في ويلتفت إليهم فيقول ماذا تريدون فيقولون نريد أن نبتاعه منك
قال فوالله إن منك أحد أحوج إليه مني اذهب فقد أعتقك
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الصمد بن عبد الرزاق قال ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار
قال حدثني زيد بن أسلم قال لقيت رجلا بالإسكندرية يقال له سرق فقلت ما هذا الاسم
فقال سمانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت المدينة فأخبرتهم أنه يقدم لي مال فبايعوني فاستهلكت أموالهم
فأتوا بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال أنت سرق فباعني بأربعة أبعرة
فقال له غرماؤه ما يصنع به قال أعتقه قالوا ما نحن بأزهد في الآخر منك فأعتقوني
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث بيع الحر في الدين وقد كان ذلك في أول الاسلام يبتاع من
عليه دين فيما عليه من الدين إذا لم يكن له مال يقضيه عن نفسه حتى نسخ الله عز وجل ذلك فقال وإن كان ذو
عسرة فنظرة إلى ميسرة
وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في الذي ابتاع الثمار فأصيب بها فكثر دينه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا فتصدق عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك
وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما تقدم من كتابنا هذا
ففي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه ليس لكم إلا ذلك دليل على أن لا حق
لهم في بيعه ولولا ذلك لباعه لهم كما باع سرق في دينه لغرمائه وهذا قول أهل العلم جميعا رحمهم الله
157

باب الوالد هل يملك مال ولده أم لا
حدثنا ربيع الجيزي وابن أبي داود قالا حدثنا عبد الله يوسف قال ثنا عيسى بن يونس قال
ثنا يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال إن لي مالا وعيالا وإن لأبي مالا وعيالا وإنه يريد أن يأخذ مالي إلى ماله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا عبد الوارث قال ثنا حسين المعلم عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده قال قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي مالا ولي والدا يريد أن يجتاح مالي
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك إن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أولادكم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن ما كسبه الابن من مال فهو لأبيه واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ما كسب الابن من شئ فهو له خاصة دون أبيه
وقالوا قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا ليس على التمليك منه للأب كسب الابن وإنما هو على أنه لا ينبغي للابن أن
يخالف الأب في شئ من ذلك وأن تجعل أمره فيه نافذا كأمره فيما يملك
ألا تراه يقول أنت ومالك لأبيك فلم يكن الابن مملوكا لأبيه بإضافة النبي صلى الله عليه وسلم إياه فكذلك لا يكون
مالكا لماله بإضافة النبي صلى الله عليه وسلم إليه وقد
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر
فقال أبو بكر رضي الله عنه إنما أنا ومالي لك يا رسول الله
فلم يرد أبو بكر بذلك أن ماله ملك للنبي صلى الله عليه وسلم دونه ولكنه أراد أن أمره ينفذ فيه وفي نفسه
فكذلك قوله أنت ومالك لأبيك فهو على هذا المعنى أيضا والله أعلم
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم أموال المسلمين كما حرم دماؤهم ولم يستثن في ذلك والدا ولا غيره
فمما روى عنه في ذلك ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب ويعقوب بن إسحاق الحضرمي قالوا ثنا شعبة عن عمرو بن مرة
عن مرة بن شراحيل قال حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأحسبه قال في غزوتي هذه قال قام فينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل تدرون أي يوم هذا قالوا نعم يوم النحر قال صدقتم يوم الحج الأكبر
قال هل تدرون أي شهر هذا قالوا نعم ذو الحجة قال صدقتم شهر الله الأصم
هل تدرون أي بلد هذا قالوا نعم المشعر الحارم قال صدقتم
158

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن دماؤكم وأموالكم وأحسبه قال وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم
هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا
حدثنا علي بن معبد قال ثنا أبو الأشهب البكراوي هو بن خليفة قال ثنا ابن وعون عن محمد بن
سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر في حجة الوداع إن أموالكم
وأعراضكم ودماؤكم حرام بينكم في مثل يومكم هذا في مثل بلدكم هذا ألا ليبلغ الشاهد الغائب
حدثنا فهد قال ثنا عمرو بن حفص قال ثنا أبي قال ثنا الأعمش قال سمعت أبا صالح يحدث عن أبي
سعيد الخدري أو عن أبي هريرة وأراه أبا سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إن أعظم
الأيام حرمة هذا اليوم وإن أعظم الشهور حرمة هذا الشهر وإن أعظم البلدان حرمة هذا البلد وإن دماءكم
وأموالكم حرام عليكم كحرمة هذا اليوم وهذا الشهر وهذا البلد هل بلغت قالوا نعم
قال اللهم اشهد
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حاتم بن إسماعيل قال ثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم في حجة الوداع فقال ألا إن دماءكم أموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم
كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا دحيم بن اليتيم قال ثنا الوليد بن مسلم قال ثنا هشام بن الغار الجرشي
قال أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله
حدثنا محمد بن علي بن داود قال ثنا عفان بن مسلم قال ثنا ربيعة بن كلثوم بن جبر قال ثنا أبي
قال سمعت أبا عادية الجهني قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يونس بن محمد قال ثنا حسين بن عارف بن شبيب بن عروة أبو عروة
عن شبيب بن عروة عن سليم بن عمرو بن الأحوص قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فذكر مثله
قال أبو جعفر فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة الأموال كحرمة الأبدان
فكما لا يحل أبدان الأبناء للآباء إلا بالحقوق الواجبة فكذلك لا يحل لهم أموالهم إلا بالحقوق الواجبة
فإن قال قائل نريد أن يوجد ما ذكرت في الأب منصوصا عن النبي صلى الله عليه وسلم
قلت حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن عياش بن عباس القتباني
عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل أمرت بيوم الأضحى
عيد جعله الله لهذه الأمة
فقال الرجل أفرأيت إن لم أجد إلا منيحة ابني أفأضحي بها
قال لا ولكنك تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك وتحلق عانتك فذلك تمام أضحيتك
عند الله
قال أبو جعفر فلما قال هذا الرجل يا رسول الله أضحي بمنيحة ابني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
وقد أمره أن يضحي من ماله وحضه عليه دل ذلك على أن حكم مال ابنه خلاف ماله
159

مع أن أولى الأشياء بنا حمل هذه الآثار على هذا المعنى لان كتاب الله عز وجل يدل على ذلك قال الله
عز وجل يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ثم قال ولأبويه لكل
واحد منهما السدس مما ترك
فورث الله عز وجل غير الولد مع الوالد من مال الابن فاستحال أن يكون المال للأب في حياة الابن
ثم يصير بعضه لغير الأب
قال الله عز وجل من بعد وصية يوصى بها أو دين فجعل الله عز وجل المواريث للوالد وغيره
بعد قضاء دين إن كان على الميت وبعد إنفاذ وصاياه من ثلث ماله
وقد أجمعوا أن الأب لا يقضى من ماله دين ابنه ولا ينفذ وصايا أبيه من ماله ففي ذلك ما قد دل
على ما ذكرنا
وقد أجمع المسلمون أن الابن إذا ملك مملوكة حل له أن يطأها وهي ممن أباح الله عز وجل له وطأها بقوله
تعالى والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فلو كان
ماله لأبيه إذا أحرم عليه وطئ ما كسب من الجواري كحرمة وطئ جواري أبيه عليه
فدل ذلك أيضا على انتفاء ملك الأب لمال الابن وأن ملك الابن فيه ثابت دون أبيه
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
باب الولد يدعيه الرجلان كيف الحكم فيه
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل مجزز
المدلجي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما فقال إن هذه الاقدام
بعضها من بعض فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا
حدثنا يونس قال ثنا شعيب بن الليث عن أبيه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت
دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم تري أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن
حارثة وأسامة بن زيد فقال إن بعض هذه الاقدام من بعض
قال أبو جعفر فاحتج قوم بهذا الحديث فزعموا أن فيه ما قدر لهم أن القافة يحكم بقولهم ويثبت
به الأنساب
قالوا ولولا ذلك لأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على مجزز ولقال له وما يدريك
فلما سكت ولم ينكر عليه دل أن ذلك القول مما يؤدي إلى حقيقة يجب بها الحكم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجوز أن يحكم بقول القافة في نسب ولا غيره
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى أن سرور النبي صلى الله عليه وسلم بقول مجزز المدلجي الذي ذكروا في حديث
160

عائشة ليس فيه دليل على ما توهموا من واجب الحكم بقول القافة لان أسامة قد كان نسبه ثبت من زيد
قبل ذلك
ولم يحتج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك إلى قول أحد ولولا ذلك لما كان دعي أسامة فيما تقدم إلى زيد
إنما تعجب النبي صلى الله عليه وسلم من إصابة مجزز كما يتعجب من ظن الرجل الذي يصيب بظنه حقيقة الشئ الذي
ظنه ولا يجب الحكم بذلك
فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الانكار عليه لأنه لم يتعاط بقوله ذلك إثبات ما لم يكن ثابتا فيما تقدم فهذا ما يحتمله
هذا الحديث
وقد روى في أمر القافة عن عائشة رضي الله عنها ما يدل على غير هذا
حدثنا ابن داود قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن النكاح كان في الجاهلية
على أربعة أنحاء
فمنه أن يجتمع الرجال العدد على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا وكن ينصبن على أبوابهن رايات
فيطؤها كل من دخل عليها فإذا حملت ووضعت حملها جمع لهم القافة فأيهم ألحقوه به كان أباه ودعي ابنه
لا يمتنع من ذلك
فلما بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق هدم ذلك
النكاح الذي كان يكون فيه ذلك الحكم وأقر الناس على النكاح الذي لا يحتاج فيه إلى قول القافة وجعل الولد لأبيه الذي يدعيه فيثبت نسبه بذلك ونسخ الحكم
المتقدم الذي كان يحكم فيه بقول القافة
وقد كان أولاد البغايا الذين ولدوا في الجاهلية من أدعى أحدا منهم في الاسلام لحق به
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد
وحدثنا يونس قال أنا أنس عن يحيى بن سعيد قال مالك في حديثه عن سليمان بن يسار وقال أنس
أخبرني سليمان بن يسار أن عمر كان ينيط أهل الجاهلية بهن من أدعى بهم في الاسلام
فدل ذلك أنهم لم يكونوا يلحقون بهم بقول القافة فيكون قولهم كالبينة التي تشهد على ذلك
فلو كان قولهم مستعملا في الاسلام كما كان مستعملا في الجاهلية إذا لما قالت عائشة إن ذلك مما هدم
إذا كان قد يجب به علم أن الصبي ممن وطئ أمة من الرجال ففي نسخ ذلك دليل أن قولهم لم يجب به حكم
بثبوت النسب
واحتج أهل المقالة الأولى بقولهم أيضا بما حدثنا يونس أخبرني يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن
رجلين أتيا عمر كلاهما يدعي ولد امرأة
فدعا لهما رجلا من بني كعب قائفا فنظر إليهما فقال لعمر لقد اشتركا فيه فضربه عمر بالدرة ثم دعا
المرأة فقال أخبريني خبرك قالت كان هذا لأحد الرجلين يأتيها وهي في إبل أهلها فلا يفارقها حتى تظن أن قد
161

استمر بها حمل ثم ينصرف عنها فأهراقت عليه دما ثم خلفها ذا تعني الآخر فلا يفارقها حتى استمر بها حمل
لا يدري ممن هو فكبر الكعبي فقال عمر للغلام وال أيهما شئت
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب عن مالك حدثه عن يحيى بن سعيد عن سليمان مثله
حدثنا بحر بن نصر قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن
يحيى بن حاطب عن أبيه قال أتى رجلان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يختصمان في غلام من ولادة
الجاهلية يقول هذا هو ابني ويقول هذا هو ابني
فدعا لهما عمر رضي الله عنه قائفا من بني المصطلق فسأله عن الغلام فنظر إليه المصطلق ثم قال لعمر
والذي أكرمك إنهما قد اشتركا فيه جميعا
فقام إليه عمر فضربه بالدرة حتى ضجع ثم قال والله لقد ذهب بك النظر إلى غير مذهب
ثم دعا أم الغلام فسألها فقالت إن هذا لأحد الرجلين قد كان غلب على الناس حتى ولدت له أولادا
ثم وقع بي على نحو ما كان يفعل فحملت فيما أرى فأصابني هراقة من دم حتى وقع في نفسي أن لا شئ في
بطني ثم إن هذا الآخر وقع بي فوالله ما أدري من أيهما هو
فقال عمر للغلام أتبع أيهما شئت فأتبع أحدهما
قال عبد الرحمن بن حاطب فكأني أنظر إليه متبعا لأحدهما فذهب به
وقال عمر قاتل الله أخا بني المصطلق
قالوا ففي هذا الحديث أن عمر حكم بالقافة فقد وافق ما تأولنا في حديث مجزز المدلجي
فكان من الحجة عليهم للآخرين أن في هذا الحديث ما يدل على بطلان ما قالوا وذلك أن فيه أن القائف
قال هو منهما جميعا
فلم يجعله عمر كذلك وقال له وال أيهما شئت على ما يجب في صبي ادعاه رجلان فإن أقر أحدهما كان
أباه فلما رد عمر ذلك إلى حكم الصبي المدعي إذا ادعاه رجلان ولم يكن بحضرة الامام قائف لا إلى قول القائف
دل ذلك على أن القافة لا يجب بقولهم ثبوت نسب من أحد
وقد روى عن عمر أيضا من وجوه صحاح أنه جعله بين الرجلين جميعا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن توبة العنبري عن الشعبي عن ابن
عمر أن رجلين اشتركا في ظهر امرأة فولدت فدعا عمر القافة فقالوا أخذ الشبه منهما جميعا فجعله بينهما
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عمر نحوه
قال فقال لي سعيد لمن ترى ميراثه قال هو لآخرهما موتا
162

حدثنا أبو بكرة قال ثنا سعيد بن عامر قال حدثني عوف بن أبي جميلة عن أبي المهلب أن عمر بن
الخطاب قضى في رجل ادعاه رجلان كلاهما يزعم أنه ابنه وذلك في الجاهلية
فدعا عمر أم الغلام المدعي فقال أذكرك بالذي هداك للاسلام لأيهما هو
قالت لا والذي هداني للاسلام ما أدري لأيهما هو أتاني هذا أول الليل وأتاني هذا آخر الليل فما
أدري لأيهما هو
قال فدعا عمر من القافة أربعة ودعا ببطحاء فنثرها فأمر الرجلين المدعيين فوطئ كل واحد منهما
بقدم وأمر المدعي فوطئ بقدم ثم أراه القافة قال أنظروا فإذا أتيتم فلا تتكلموا حتى أسألكم
قال فنظر القافة فقالوا قد أثبتنا ثم فرق بينهم ثم سألهم رجلا قال فتقادعوا يعني فتبايعوا كلهم
يشهد أن هذا لمن هذين
قال فقال عمر يا عجبا لما يقول هؤلاء قد كنت أعلم أن الكلبة تلقح بالكلاب ذوات العدد ولم أكن
اشعر أن النساء يفعلن ذلك قبل هذا إني لا أرد ما يرون اذهب فهما أبواك
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب
أن رجلين اشتركا في ظهر امرأة فولدت لهما ولدا فارتفعا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فدعا لهما ثلاثة من
القافة فدعا بتراب فوطئ فيه الرجلان والغلام
ثم قال لأحدهم أنظر فنظر فاستقبل واستعرض واستدبر ثم قال أسر أو وأعلن فقال عمر بل أسر
فقال لقد أخذ الشبه منهما جميعا فما أدري لأيهما هو فأجلسه
ثم قال للآخر أيضا أنظر فنظر واستقبل واستعرض واستدبر ثم قال أسر أو أعلن
قال بل أسر
قال لقد أخذ الشبه منهما جميعا فلا أدري لأيهما هو وأجلسه
ثم أمر الثالث فنظر فاستقبل واستعرض واستدبر ثم قال أسر أم أعلن
قال لقد أخذ الشبه منهما جميعا فما أدري لأيهما هو
فقال عمر إنا نعرف الآثار بقولها ثلاثا وكان عمر قائفا فجعله لهما يرثانه ويرثهما
فقال لي سعيد أتدري عن عصبته قلت لا قال الباقي منهما
قال أبو جعفر فليس يخلو حكمه في هذه الآثار التي ذكرنا من أحد وجهين إما أن يكون بالدعوى لان
الرجلين ادعيا الصبي وهو في أيديهما فألحقه بهما بدعواهما أو يكون فعل ذلك
فكان الذين يحكمون بقول القافة لا يحكمون بقولهم إذا قالوا هو بن هذين
فلما كان قولهم كذلك ثبت على قولهما أن يكون قضاء عمر بالولد للرجلين كان بغير قول القافة
163

وفي حديث سعيد بن المسيب ما يدل على ذلك وذلك أنه قال فقال القافة لا ندري لأيهما هو فجعله
عمر بينهما
والقافة لم يقولوا هو ابنهما فدل ذلك أن عمر أثبت نسبه من الرجلين بدعواهما ولمالهما عليه من اليد
لا بقول القافة
فإن قال قائل فإذا كان ذلك كما ذكرته فما كان احتياج عمر إلى القافة حتى دعاهم
قيل له يحتمل ذلك عندنا والله أعلم أن يكون عمر رضي الله عنه وقع بقلبه أن حملا لا يكون من رجلين
فيستحيل إلحاق الولد بمن يعلم أنه لم يلده فدعا القافة ليعلم منهم هل يكون ولد يحمل به من نطفتي رجلين
أم لا وقد بين ذلك ما ذكرنا في حديث أبي المهلب
فلما أخبره القافة بأن ذلك قد يكون وأنه غير مستحيل رجع إلى الدعوى التي كانت من الرجلين فحكم
بها فجعل الولد ابنهما جميعا يرثهما ويرثانه فذلك حكم الدعوى لا بقول القافة
وقد روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذلك أيضا ما حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف
بن عدي قال ثنا أبو الأحوص عن سماك عن مولى لبني مخزومة قال وقع رجلان على جارية في طهر واحد
فعلقت الجارية فلم يدر من أيهما هو
فأتيا عمر يختصمان في الولد فقال عمر ما أدري كيف أقضي في هذا
فأتيا عليا فقال هو بينكما يرثكما وترثانه وهو للباقي منكما
فهذا حكم بالولد لمدعييه جميعا فجعله ابنهما ولم يحتج في ذلك إلى قول القافة وبهذا نأخذ
وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
باب الرجل يبتاع سلعة في قبضها ثم يموت وثمنها عليه دين
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أفلس فأدرك رجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب وبشر بن عمر ح
وحدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قالوا ثنا شعبة عن قتادة عن النضر بن
أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا اشترى عبدا بثمن وقبض العبد ولم يدفع ثمنه فأفلس المشتري
وعليه دين والعبد قائم في يده بعينه أن بائعه أحق به من غيره من غرما المشتري واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
164

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل بائع العبد وسائر الغرماء فيه سواء لان مالكه قد زال عن العبد
وخرج من ضمانه فإنما هو في مطالبة غريم من غرماء المطلوب يطالبه بدين في ذمته لا وثيقة في يديه فهو وهم
في جميع ما لهم سواء
وكان من حجتهم على أهل المقالة الأولى في فساد ما ذهبوا إليه واحتجوا لقولهم من حديث أبي هريرة الذي
ذكرنا أن الذي في ذلك الحديث فأصاب رجل ماله بعينه وإنما ماله بعينه يقع على المغصوب والعواري
والودائع وما أشبه ذلك فذلك ماله بعينه فهو أحق به من سائر الغرماء
وفي ذلك جاء هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإنما يكون هذا الحديث حجة لأهل المقالة الأولى لو كان فأصاب رجل غير ماله قد كان له فباعه من
الذي وجده في يده ولم يقبض منه ثمنه فهو أحق به من سائر الغرماء وهذا
الذي يكون حجة لهم لو كان لفظ الحديث كذلك
فأما إذا كان على ما روينا في الحديث فلا حجة لهم في ذلك وهو على الودائع والغصوب والعواري والرهون
أموال الطالبين في وقت المطالبة بها وذلك كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة
فإنه حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا أبو معاوية عن حجاج عن سعيد بن عبيد عن زيد بن عقيل عن أبيه
عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سرق له متاع أو ضاع له متاع ووجده في يدي رجل بعينه
فهو أحق به ويرجع المشتري على البائع بالثمن
قال أبو جعفر فقال أهل المقالة الأولى لو كان الحديث على ما ذكرتم من التأويل الذي وصفتم إذا لما كان بنا
إلى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك حاجة لان هذا يعلمه العامة فضلا عن الخاصة فالكلام بذلك فضل وليس من
صفته صلى الله عليه وسلم الكلام بالفضل ولا الكلام بما لا فائدة منه
فكان من الحجة للآخرين عليهم في ذلك أن ذلك ليس بفضل بل هو كلام صحيح وفيه فائدة وذلك
أنه أعلمهم أن الرجل إذا أفلس وجب أن يقسم جميع ما في يده بين غرمائه فثبت ملك رجل لبعض ما في يده أنه
أولى بذلك وأن الذي كان في يده قد ملكه وغر فيه فلا يجب له فيه حكم إذ كان مغرورا فعلمهم بهذا الحديث
علمهم بحديث سمرة ونفى أن يكون المغرور الذي يشكل حكمه عند العامة يستحق بذلك الغرور شيئا فهذا وجه
لهذا الحديث صحيح
وقال أهل المقالة الأولى ويروى هذا الحديث من غير هذا الوجه بألفاظ غير ألفاظ الحديث الأول
فذكروا ما حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال أخبرني أبو بكر
بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلعة يبتاعها الرجل فيفلس وهي عنده بعينها لم يقض صاحبها من
ثمنها شيئا فهو أسوة الغرماء
165

قال أبو بكر فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من توفى وعنده سلعة رجل بعينها ولم يقبض من ثمنها شيئا
فصاحب السلعة أسوة الغرماء
حدثنا يونس قال ثنا وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل ابتاع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو
أحق به فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء
قالوا فقد بان بهذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد في هذا الحديث الأول الباعة لا غيرهم
فكان من الحجة للآخرين عليهم أن هذا الحديث منقطع لا يقوم بمثله حجة
فإن قالوا إنما قبلناه وإن كان منقطعا لأنه بين ما أشكل في الحديث المتصل
قيل لهم قد كان ينبغي لكم لما أضطرب حديث أبي بكرة بن عبد الرحمن هذا فرواه عنه الزهري
كما ذكرنا آخرا ورواه عنه عمر بن عبد العزيز على ما وصفنا أولا إن رجعوا إلى حديث غيره وهو بشير
بن نهيك فيجعلونه هو أصل حديث أبي هريرة ويسقطون ما خالفه
وإذا فعلتم ذلك عادت الحجة الأولى عليكم وإن لم تفعلوا ذلك كان لخصمكم أيضا أن يقول هذا الحديث
الذي رواه الزهري عن أبي بكر ففرق فيه بين حكم التفليس والموت هو غير الحديث الأول فيكون الحديث
الأول عنده مستعملا من حيث تأوله ويكون هذا الحديث الثاني حديثا منقطعا شاذا لا يقوم بمثله حجة
فيجب ترك استعماله
فهذا الذي ذكرنا هو وجه الكلام في الآثار المروية في هذا الباب
وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا رأينا الرجل إذا باع من رجل شيئا كان له أن يحبسه حتى
ينقده الثمن
وإن مات المشتري وعليه دين فالبائع أسوة الغرماء
فكان البائع متى كان محبسا لما باع حتى مات المشتري كان أولى به من سائر غرماء المشتري
ومتى دفعه إلى المشتري وقبضه منه ثم مات فهو وسائر الغرماء فيه سواء
فكان الذي يوجب له الانفراد بثمنه دون الغرماء هو بقاؤه في يده
فلما كان ما وصفنا كذلك كان كذلك إفلاس المشتري إذا كان العبد في يد البائع فهو أولى به من
سائر غرماء المشتري
وإن كان قد أخرجه من يده إلى يد المشتري فهو وسائر الغرماء فيه سواء فهذه حجة صحيحة
وحجة أخرى أنا رأينا إذا لم يقبضه المشتري وقد بقي للبائع كل الثمن أو نقده بعض الثمن وبقيت
له عليه طائفة منه أنه أولى بالعبد حتى يستوفى ما بقي له من الثمن
فكان ببقائه في يده أولى به إذا كان له كل الثمن أو بعض الثمن ولم يفرق بين شئ من ذلك فجعل حكمه
حكما واحدا
166

فلما كان ذلك كذلك وأجمعوا أن المشتري إذا قبض العبد ونقد البائع من ثمنه طائفة ثم أفلس المشتري
أن البائع لا يكون بتلك الطائفة الباقية له أحق بالعبد من سائر الغرماء بل هو وهم فيه سواء
وكذلك إذا بقي له ثمنه كله حتى أفلس فلا يكون بذلك أحق بالعبد من سائر الغرماء ويكون هو
وهم فيه سواء
فيستوي حكمه إذا بقي له كل الثمن على المشتري أو بعض الثمن حتى أفلس المشتري كما استوى بقاؤهما جميعا
له عليه حتى كان الموت الذي أجمعوا فيه على ما ذكرنا
فثبت بالنظر ما ذكرنا من ذلك وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
وقد حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن المغيرة عن إبراهيم
وحدثنا سليمان قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا شعبة عن أشعث مولى آل حمران عن الحسن قال قال هو
أسوة الغرماء والله أعلم
باب شهادة البدوي هل تقبل على القروي
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني نافع ويريد ويحيى بن أيوب عن ابن الهاد عن محمد
بن عمر بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقبل شهادة البدوي
على القروي
فذهب قوم إلى أن شهادة أهل البادية غير مقبولة على أهل الحضر واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا أما من كان من أهل البادية ممن يجيب إذا دعى وفيه أسباب العدالة
ما في أهل العدلة من أهل الحضر فشهادته مقبولة وهو كأهل الحضر
وممن كان منهم لا يجيب إذا دعي فلا تقبل شهادته
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا إسحاق
عن صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت قدمت أم سنبلة الأسلمية ومعها
وطب من لبن تهديه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته عندي ومعها قدح لها
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا وسهلا بأم سنبلة قالت بأبي وأمي أهديت لك وطبا من لبن
قال بارك الله عليك صبي لي في هذا القدح فصبت له في القدح فلما أخذه قلت قد قلت لا أقبل هدية من أعرابي
قال أعراب أسلم يا عائشة إنهم ليسوا بأعراب ولكنهم أهل باديتنا ونحن أهل حاضرتهم إذا دعوناهم
أجابوا وإذا دعونا أجبناهم ثم شرب
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال ثنا يونس بن بكير قال ثنا ابن إسحاق
فذكر بإسناده مثله
167

حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال ثنا سليمان بن بلال عن عبد الرحمن
بن حرملة عن عبد الله بن نيار عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وزاد في آخر فليسوا بأعراب
فأخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان من أهل البادية يجيب إذا دعى فهو كأهل الحضر وأن الاعراب المتقومين الذين لا تقبل هداياهم بخلاف هؤلاء وهم الذين لا يجيبون إذا دعوا
فمن كان كذلك لم تقبل شهادتهم وهم الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة الذي ذكرنا
فيما نرى والله أعلم
كتاب الصيد والذبائح والأضاحي
باب العيوب التي لا يجوز الهدايا والضحايا إذا كانت بها
حدثنا أبو موسى يونس بن عبد الأعلى قال ثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث
وابن لهيعة والليث بن سعد أن سليمان بن عبد الرحمن حدثهم عن عبيد بن فيروز مولى بني شيبان عن البراء
بن عازب رضي الله عنه أنه سأله عما كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأضاحي أو ما نهى عنه
فقال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدي أقصر من يده فقال أربع لا يجزى في الضحايا العوراء البين
عورها والعرجاء البين عرجها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى
قال البراء رضي الله عنه فلقد رأيتني وإني لأرى الشاة وقد تركت فأسير إليها فإذا طرفت أخذتها
فضحيت بها
فقلت له فإني أكره أن يكون في السن نقص أو في الاذن نقص أو في القرن نقص
فقال ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز
عن البراء بن عازب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده
وقال أربعا
وكان البراء رضي الله عنه يشير بيده ويقول يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
العرجاء البين ضلعها والعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو الوليد وحبان بن هلال ح
وحدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن قال سمعت
عبيد بن فيروز قال سألت البراء فذكر مثله
168

حدثنا يونس قال ثنا أيوب بن سويد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
عن البراء بن عازب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه قال والعجفاء التي لا تنقي ولم يقل
والكسيرة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا لا تجزى شاة ولا بدنة ولا بقرة إذا كان بها واحد
من هذه العيوب الأربع في هدى ولا أضحية
قالوا وما كان سوى هذه الأربع مثل قطع الألية والاذن وغير ذلك فإن ذلك لا يمنع الشاة ولا البقرة
ولا البدنة أن تهدى ولا أن يضحى بها
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا إبراهيم بن محمد الصيرفي قال ثنا أبو الوليد قال ثنا أبو عوانة
وشريك عن جابر عن محمد بن قرظة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال اشتريت كبشا لأضحي به
فعدا الذئب عليه فقطع أليته فسئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال ضح به
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجوز أن يضحي بالشاة ولا بالبقرة ولا بالبدنة وبها عيب من هذه
العيوب الأربع ولا يجوز مع ذلك أيضا أن يضحي بمقطوعة الاذن ولا أن يهدى
واحتجوا في ذلك أيضا بما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحديث
حدثنا محمد بن بحر بن مطر البغدادي قال ثنا شجاع بن الوليد قال حدثني زياد بن خيثمة
قال ثنا أبو إسحاق عن شريح بن النعمان عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يضحي بمقابلة
ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء ولا عوراء
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا زهير بن معاوية قال حدثنا أبو إسحاق عن
شريح بن النعمان قال أبو إسحاق وكان رجل صدق عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله *
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن قتادة قال سمعت جري بن
كليب قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عضباء القرن والاذن
قال قتادة فقلت لسعيد بن المسيب ما عضباء الاذن قال إذا كان النصف فأكثر من ذلك مقطوعا
حدثنا سليمان قال ثنا علي بن معبد قال ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن شريح بن النعمان
الهمداني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحي بمقابلة أو مدابرة
أو شرقاء أو خرقاء أو جدعا
حدثنا يونس قال أخبرني بن وهب قال أخبرني سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والاذن
169

حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا حسن بن صالح وحدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أخبرنا
شريك قالا جميعا عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي قال أتى رجل عليا فسأله عن المكسورة القرن فقال
لا يضرك قال عرجاء قال إذا بلغت المنسك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والاذن
قال أبو جعفر ففي هذه الآثار النهي عن الأضحية بمقابلة أو مدابرة وذلك في الاذن ما كان من ذلك
من قبالة الاذن فهو مقابلة وما كان من أسفلها فهو مدابرة
وبين سعيد بن المسيب عضباء الاذن المنهي عن ذبحها في الأضحية فقال هي المقطوعة نصف أذنها
فثبت بذلك ما نهى عنه من ذلك في الاذن ولم يجز لنا تركه لان حديث البراء الذي ذكرنا لا يخلو من
أحد وجهين
إما أن يكون متقدما على حديث علي هذا فيكون حديث علي هذا زائدا عليه أو يكون متأخرا عنه
فيكون ناسخا له
فلما لم يعلم نسخ حديث على بعد ما قد علمنا ثبوته جعلناه ثابتا مع حديث البراء رضي الله عنه وأوجبنا العمل
بهما جميعا
فإن قال قائل فأنت لا تكره عضباء القرن وفي حديث جرى بن كليب عن علي رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنها
قيل له إنما تركنا ذلك لان عليا رضي الله عنه لم ير بذلك بأسا فيما قد روينا عنه في حديث حجية بن
عدي فعلمنا بذلك أن عليا رضي الله عنه لم يقل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما قد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا بعد ثبوت نسخ ذلك عنده
وأما حديث أبي سعيد الخدري رويناه عنه من حديث إبراهيم بن محمد الصيرفي فحديث فاسد في إسناده
ومتنه قد بين ذلك شعبة
حدثنا عبد الغني بن رفاعة أبو عقيل قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن جابر عن محمد
بن قرظة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال ولم نسمعه منه أنه اشترى كبشا ليضحي به فأكل
ذنبه أو بعض ذنبه فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ضح به
فقد فسد إسناد هذا الحديث بما قد ذكرنا وفسد متنه لأنه قال قطع ذنبه أو بعض ذنبه
فإن كان البعض هو المقطوع فيجوز أن يكون ذلك أقل من ربعه وذلك لا يمنع أن يضحي به في قول
أحد من الناس
ولو كان الحديث كما رواه إبراهيم بن محمد أنه قطع أليته لاحتمل أن يكون ذلك أيضا على بعضها
لأنه قد يقال قطع أليته إذا قطع بعضها كما يقال قطع إصبعه إذا قطع بعضها
170

فتصحيح هذه الآثار يمنع أن يضحي بالأربع التي في حديث البراء أو بالمقابلة والمدابرة وهي المشقوقة
أكثر أذنها من قبلها أو من دبرها
وإذا كان ذلك لا يجزي في الأضاحي فالمقطوعة الاذن أحرى أن لا تجزئ
وكذلك في النظر عندنا كل عضو قطع من شاة مثل ضرعها أو أليتها فذلك يمنع أن يضحي بها إذا
قطع بكماله فقطع بعضه فإن أصحابنا رحمهم الله يختلفون في ذلك
فأما أبو حنيفة رحمة الله عليه فروى عنه المقطوع من ذلك إذا كان ربع ذلك العضو فصاعدا لم يصح
بما قطع ذلك منه وإن كان أقل من الربع ضحى به
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله إذا كان المقطوع من ذلك هو النصف فصاعدا فلا يضحي بما إذا قطع
ذلك منه وإن كان أقل من النصف فلا بأس أن يضحي بها
إلا أن أبا يوسف رحمه الله ذكر أنه ذكر هذا القول لأبي حنيفة فقال له قولي مثل قولك
فثبت بذلك رجوع أبي حنيفة رحمة الله عليه عن قوله الذي قد كان قاله إلى ما حدثه به أبو يوسف
وقد وافق ذلك من قولهم ما روينا عن سعيد بن المسيب في هذا الباب في تفسير العضباء التي قد نهى عن
الأضحية بها وأنها المقطوعة نصف أذنها وكل ما كان من هذا لا يكون أضحية لما قد نقص منه
فإنه لا يكون هديا
باب من نحر يوم النحر قبل أن ينحر الامام
حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي قال ثنا سعيد بن داود قال ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج
عن أبي الزبير أخبره عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم النحر بالمدينة
فتقدم رجال فنحروا فظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر فأمر من كان نحر قبله أن يعيد بذبح آخر ولا ينحر
حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فقالوا لا يجوز لأحد أن ينحر حتى ينحر الامام وإن نحر قبل ذلك
بعد الصلاة أو قبلها لم يجزه ذلك واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وتأولوا قول الله عز وجل يا أيها الذين
آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا من نحر بعد صلاة الامام أجزاه ذلك ومن نحر قبل الصلاة فلم يجزه
ذلك وقالوا قد روى عن ابن الزبير أن هذه الآية قد نزلت في غير هذا المعنى
171

فذكروا ما حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال أخبرنا هشام بن
يوسف عن ابن جريج أن بن أبي مليكة أخبره أن عبد الله بن الزبير أخبره أن ركبا من بني تميم قدموا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله أمر القعقاع بن معبد بن زرارة
وقال عمر رضي الله عنه أمر الأقرع بن حابس
فقال أبو بكر رضي الله عنه ما أردت بذلك إلا خلافي
فقال عمر رضي الله عنه ما أردت خلافك
فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله
ورسوله
وكان من الحجة لهم في قولهم أن حديث جابر رضي الله عنه قد روي على غير هذا اللفظ
حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلا ذبح قبل ان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم عتودا جذعا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجزى عن أحد بعدك ونهى أن يذبحوا قبل أن يصلي
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث أن النهي من النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصد به إلى النهي عن الذبح قبل الصلاة
لا قبل ذبحه وهو لا يجوز أن ينهاهم عن الذبح قبل أن يصلي إلا وهو يريد بذلك إعلامهم إباحة الذبح لهم بعد
ما يصلى وإلا لم يكن لذكره الصلاة معنى
وقد روى في ذلك أيضا عن غير جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوافق هذا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو داود الطيالسي ووهب بن جرير قالا ثنا شعبة عن زبيد
اليامي قال سمعت الشعبي يحدث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
الأضحى إلى البقيع فبدأ فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه فقال إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ
بالصلاة ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله
ليس من النسك في شئ
فقام خالي فقال يا رسول الله إني ذبحت وعندي جذعة خير من مسنة فقال اذبحها ولا تجزى أو
لا توفي عن أحد بعدك
حدثنا محمد بن علي بن داود قال ثنا عفان بن مسلم قال ثنا شعبة قال أخبرني زبيد ومنصور
وداود وابن عون ومجالد عن الشعبي
وهذا حديث زبيد قال سمعت الشعبي هاهنا يحدث عن البراء عند سارية في المسجد لو كنت قريبا
منها لأخبرتكم بموضعها
172

حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو المطرف بن أبي الوزير قال ثنا محمد بن طلحة عن زبيد عن الشعبي
عن البراء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال اذبحها ولا تزكي جذعة بعد
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع
فننحر فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا
فأخبر أن النسك في يوم النحر هو صلاة ثم الذبح بعدها
فدل ذلك على أن ما يحل به الذبح هو الصلاة لا ذبح الامام الذي يكون بعدها وعلى أن حكم النحر
بعد الصلاة خلاف حكم النحر قبلها
وقد روى مثل هذا أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير البراء
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل بن إسماعيل قال أخبرنا سفيان عن الأسود بن قيس عن جندب
رضي الله عنه قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فمر بقوم قد ذبحوا قبل أن يصلى فقال من كان ذبح
قبل الصلاة فليعد فإذا صلينا فمن شاء ذبح ومن شاء فلا يذبح
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن الأسود بن قيس عن جندب بن عبد الله
قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من كان ذبح قبل أن يصلي فليعد أخرى مكانها ومن لم يكن ذبح فليذبح
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الأسود بن قيس سمع جندبا رضي الله عنه يقول شهدت الأضحى
مع النبي صلى الله عليه وسلم فعلم أن ناسا ذبحوا قبل الصلاة فقال من كان ذبح فليعد ومن لا فليذبح على اسم الله
حدثنا روح بن الفرج قال أخبرنا يوسف بن عدي قال أخبرنا أبو الأحوص عن الأسود بن قيس
عن جندب بن سفيان قال شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وقد صلى بالناس العيد فإذا هو بغنم قد ذبحت فقال من كان
ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله
حدثنا أبو أمية قال ثنا عبيد الله بن عمر قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد قال حماد
ولا أعلمه إلا عن أنس وهشام عن محمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ثم خطب فأمر من كان ذبح
قبل الصلاة أن يعد ذبحا
قال أبو جعفر فدل ما ذكرنا أن أول وقت الذبح يوم النحر هو من بعد الصلاة لا من بعد ذبح الامام
فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار
فأما ما يدل عليه النظر في ذلك فإنا رأينا الأصل المجمع عليه أن الامام لو لم ينحر أصلا لم يكن ذلك
بمسقط عن الناس النحر ولا بمانع لهم من النحر في ذلك العام
173

وقد روى عن حذيفة بن أسيد أبي شريحة ما قد حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أشهل بن حاتم قال ثنا
شعبة عن سعيد بن مسروق عن الشعبي عن أبي شريحة أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان
قال أبو جعفر أفترى ما ضحى في تلك السنين أحد إذ كان إمامهم لم يضح أو لا ترى أن إماما لو تشاغل
يوم النحر بقتال عدو أو غيره فشغله ذلك عن النحر أما لغيره ممن أراد أن يضحي فله أن يضحي
فإن قال إنه ليس لأحد أن يضحي في عامه ذلك خرج بهذا من قول الأئمة
وإن قال للناس أن يضحوا إذا أذالت الشمس لذهاب وقت الصلاة فقد دل ذلك على أن ما يحل به
النحر ما كان في وقت صلاة العيد فإنما هو الصلاة لا نحر الامام فإذا صلى الامام حل النحر لمن أراد
أن ينحر
أو لا ترى أن الامام لو نحر قبل أن يصلي لم يجزه ذلك وكذلك سائر الناس
فكان الامام وغيره في الذبح قبل الصلاة سواء في أن لا يجزئهم
فالنظر على ذلك أن يكون الامام وسائر الناس أيضا سواء في الذبح بعد الصلاة
فكما كان ذبح الامام بعد الصلاة يجزئه فكذلك ذبح سائر الناس بعد الصلاة يجزئهم
هذا هو النظر في هذا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب البدنة عن كم تجزئ في الضحايا والهدايا
حدثنا فهد قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس قال ثنا محمد بن إسحاق عن ابن
شهاب عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية
يريد زيارة البيت وساق معه الهدى وكان الهدى سبعين بدنة وكان الناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة
عن عشرة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن البدنة تجزئ في الهدايا والضحايا عن عشرة واحتجوا في ذلك
بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا تجزئ البدنة إلا عن سبعة وقالوا قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في نحر
البدن يوم الحديبية ما يخالف هذا
وذكروا في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا مالك بن أنس عن أبي الزبير
أن جابر بن عبد الله رضي الله عنه حدثهم أنهم نحروا يوم الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة
174

حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال أخبرنا عبد الله بن صالح قال حدثني يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن
عمرو بن دينار وأبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة نفر
فقيل لجابر رضي الله عنه والبقرة قال هي مثلها
وحضر جابر رضي الله عنه عام الحديبية قال ونحرنا يومئذ سبعين بدنة
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن عمران قال ثنا أبي قال حدثني بن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية سبعين بدنة فأمرنا أن يشترك منا سبعة في البدنة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سليمان بن قيس عن جابر
رضي الله عنه قال نحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبعين بدنة البدنة عن سبعة
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا هدبة بن خالد قال سمعت أبان بن يزيد يحدث عن قتادة عن أنس
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الجزور عن سبعة
فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا وهو كان معه حينئذ
وقد روى عن علي وعبد الله رضي الله عنهما من قولهما ما يوافق هذا في البدنة أنها عن سبعة
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا إسرائيل عن عيسى بن أبي غرة عن عامر عن علي وعبد الله
رضي الله عنهما قال البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة
وقد روى مثل ذلك أيضا عن أنس رضي الله عنه يحكيه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم
حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا سليمان بن حرب قال ثنا أبو هلال قال ثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يشتركون سبعة في البدنة من الإبل والسبعة في البدنة من البقر
فهذا مذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم في البدنة يوافق ما روى عن جابر رضي الله عنه لا ما روى
عن المسور ومروان فهو أولى منه
ولما اختلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرنا رجعنا إلى ما روى عنه في هذا الباب مما سوى ما نحر يوم
الحديبية
فإذا حسين بن نصر قد حدثنا قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا حفص بن غياث عن ابن جريج
عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشتر سبعا من الغنم إن علي
ناقة وقد غربت عني فقال اشتر سبعا من الغنم
175

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إنما عدلها بسبع من الغنم مما يجزئ كل واحدة منهن عن
رجل ولم يعدلها بعشر من الغنم
فدل ذلك على تصحيح ما روى جابر رضي الله عنه في ذلك لا ما روى المسور فهذا وجه هذا الباب من
طريق الآثار
وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا قد رأيناهم قد أجمعوا أن البقرة لا تجزئ في الأضحية عن أكثر
من سبعة وهي من البدن باتفاقهم
فالنظر على ذلك أن تكون الناقة مثلها ولا تجزئ عن أكثر من سبعة
فإن قال قائل إن الناقة وإن كانت بدنة كما أن البقرة بدنة فإن الناقة أعلى من البقرة في السمانة والرفعة
قيل له إنها وإن كانت كما ذكرت فإن ذلك غير واجب لك به علينا حجة
ألا ترى أنا قد رأينا البقرة الوسطى تجزئ عن سبعة وكذلك ما هو دونها وما هو أرفع منها
وكذلك الناقة تجزئ عن سبعة أو عن عشرة رفيعة كانت أو دون ذلك
فلم يكن السمن والرفعة مما يميز به بعض البقر عن بعض ولا بعض الإبل عن بعض فيما تجزئ في
الهدى والأضاحي
بل كان حكم ذلك كله حكما واحدا يجزئ عن عدد واحد
فلما كان ما ذكرنا كذلك وكانت الإبل والبقر بدنا كلها ثبت أن حكمها حكم واحد وأن بعضها
لا يجزئ أكثر مما يجزئ عنه البعض الباقي وإن زاد بعضها على بعض في السمن والرفعة
فلما كانت البقرة لا تجزئ عن أكثر من سبعة كانت الناقة أيضا كذلك في النظر لا تجزئ عن أكثر
من سبعة قياسا ونظرا على ما ذكرناه
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب الشاة عن كم تجزئ أن يضحي بها
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال ثنا عمي ح
وحدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو زرعة قالا ثنا حياة عن أبي صخر المدني عن يزيد بن عبد الله بن
قسيط عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد
وينظر في سواد ويبرك في سواد فأتى به ليضحي به
176

ثم قال يا عائشة هلمي المدية ثم قال اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه
ثم ذبحه وقال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحي به
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال ثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي سلمة
بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أو عن عائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى أشتري
كبشين عظيمين سمينين أملحين أقرنين موجوءين يذبح أحدهما عن أمته من شهد منهم بالتوحيد وشهد له
بالبلاغ والآخر عن محمد وآل محمد
حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن علي
بن حسين عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى أشتري كبشين عظيمين أملحين حتى إذا خطب
الناس وصلى أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بيده ثم قال اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك
بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ
ثم يؤتى بالآخر فيذبحه ثم يقول اللهم هذا عن محمد وآل محمد ثم يجمعهما جميعا ويأكل هو
وأهله منهما قال
فمكثنا سنين ليس رجل من بني هاشم يضحي قد كفى الله المؤنة والعزم برسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قالا ثنا حماد بن سلمة قال ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل قال أخبرني
عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله قال حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بكبشين أملحين عظيمين أقرنين
موجوءين فأضجع أحدهما وقال بسم الله والله أكبر اللهم عن محمد وأمته من شهد لك بالتوحيد وشهد
لي بالبلاغ
حدثنا ابن أبي داود قال أخبرنا أحمد بن خالد الوهبي قال أخبرنا بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب
عن أبي عياش عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين في يوم عيد
فقال حين وجههما وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض إلى آخر الآية
اللهم منك ولك عن محمد وأمته ثم سمى وكبر وذبح
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن ويحيى بن عبد الله بن سالم عن
عمرو مولى المطلب عن المطلب بن عبد الله وعن رجل من بني سلمة أنهما حدثاه أن جابر بن عبد الله أخبرهما
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى للناس يوم النحر
177

فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بكبش فذبحه هو بنفسه وقال بسم الله والله أكبر اللهم عني وعمن
لم يضح من أمتي
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أبو إبراهيم الترجماني قال ثنا الدراوردي عن ربيح بن عبد الرحمن
بن أبي سعيد الخدري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن
ثم قال اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الشاة لا بأس أن يضحي بها عن الجماعة وإن كثروا وافترق أهل
هذه المقالة على فرقتين
فقالت فرقة لا تجزئ إلا أن يكون الذين يضحي بها عنهم من أهل بيت واحد
وقالت فرقة إن ذلك تجزئ كان المضحي بها عنهم من أهل بيت واحد أو من أهل أبيات شتى
لان النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بالكبش الذي ضحى به عن جميع أمته وهم أهل أبيات شتى فإن كان ذلك ثابتا لمن بعد
النبي صلى الله عليه وسلم فهو يجزئ عمن أجزأه بذبح النبي صلى الله عليه وسلم
فثبت بهذا قول الذين قالوا يضحي بها عن أهل البيت وعن غيرهم
ثم كان الكلام بين أهل هذا القول وبين الفرقة التي تخالف هؤلاء جميعا وتقول إن الشاة لا تجزئ
عن أكثر من واحد وتذهب إلى أن ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم مما احتجت به الفرقتان الأوليان لقولهما
منسوخ أو مخصوص
فمما دل على ذلك أن الكبش لما كان يجزئ عن غير واحد لا وقت في ذلك ولا عدد كانت البقرة
والبدنة أحرى أن تكونا كذلك وأن تكونا تجزيان عن غير واحد لا وقت في ذلك ولا عدد
ثم قد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد دل على خلاف ذلك مما قد ذكرناه في الباب الذي قبل هذا من نحر
أصحابه معه الجزور عن سبعة والبقرة عن سبعة وكان ذلك عند أصحابه على التوقيف منه لهم على أن البقرة والبدنة
لا تجزي واحدة منهما عن أكثر مما ذبحت عنه يومئذ وتواترت عنهم الروايات بذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي وعبد الله بن تمام
ومالك بن حويرث فيما يحسب سلمة بن كهيل أن رجلا اشترى بقرة أضحية فنتجها فسأل عليا رضي الله عنه
هل أبدل مكانها أخرى فقال لا ولكن أذبحها وولدها يوم النحر عن سبعة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن منصور عن ربعي قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
ورضي الله عنهم يقولون البقرة عن سبعة
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا قبيصة بن عقبة قال ثنا سفيان عن أبي حصين ح
178

وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن أبي حصين عن خالد بن سلمة عن أبي مسعود
رضي الله عنه قال البقرة عن سبعة
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا خالد بن عبد الرحمن حدثنا ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط
عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
فلما جعلت البقرة عن سبعة وكان ذلك مما قد وقف عليه ولم يجعل لنا أن نعدو ذلك إلى ما هو أكثر منه
كانت الشاة أحرى أن لا تجزئ عن أكثر مما تجزئ عنه البقرة من ذلك
فلما ثبت أن الشاة لا تجزئ عن أكثر من سبعة انتفى بذلك قول من قال إنها تجزئ عن جميع من ذبحت
عنه ممن لا وقت ولهم ولا عدد ولا يجاوز إلى غيره وثبت ضده وهو قول من قال إن الشاة لا تجزئ
إلا عن واحد
فقال قائل إنا إنما جعلنا الشاة تجزئ عن أكثر مما تجزئ عنه البقرة والجزور لان الشاة أفضل منهما
فقيل له ولم قلت ذلك وما دليلك عليه وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا
أبو بكر الحنفي قال ثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضحي
بالجزور وبالكبش إذا لم يجد جزورا
فأخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالجزور إذا وجده
وذلك دليل على أنه كان يدع ما سواه مما يضحى به من البقر والغنم وهو قادر عليه ويضحي بالشاة إذا لم يقدر
على الجزور فذلك دليل على أن الجزور كان عنده أفضل من الشاة
وقد رأينا الهدايا في الحج جعل للبدنة فيها من الفضل ما لم يجعل للشاة فجعلت البدنة مما يشترك فيها
الجماعة فيهدونها عن قرانهم ومتعتهم ولم تجعل الشاة كذلك
فمما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إباحة الشركة في الهدي إذا كان جزورا ما حدثنا ربيع المؤذن
قال ثنا أسد قال ثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مائة
بدنة وأشرك عليا رضي الله عنه في ثلثها
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه
قال ساق النبي صلى الله عليه وسلم سبعين بدنة وأشرك بينهم فيها
فلما كانت الشركة جائزة في الجزور مباحة في الهدي وغير مباحة في الشاة ثبت بذلك أن الشاة إنما عدلت
بجزء من الجزور
وقد ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الباب الذي قبل هذا أن رجلا قال له إن علي ناقة وقد غربت عني
فأمره أن يجعل مكانها سبعا من الغنم فدل ذلك على ما ذكرنا أيضا
179

وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا ما يوافق هذا المعنى
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال حدثنا وهب قال ثنا شعبة عن أبي حمزة قال سئل بن عباس رضي الله عنهما عما استيسر من الهدي فقال جزورا وبقرة أو شرك في دم
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن زيد عن أبي حمزة قال سمعت بن عباس رضي الله عنهما يقول فذكر مثله
فأخبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بأن الجزء من الجزور يعدل الشاة فيما استيسر من الهدي
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ما يدل على فضل الجزور على البقرة وعلى فضل البقرة على الشاة
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد
ملائكة يكتبون الأول فالأول فإذا جلس الامام طووا الصحف وجلسوا يستمعون الذكر فمثل المهجر كمثل
الذي يهدي بدنة ثم كالذي يهدي بقرة ثم كالذي يهدي الكبش ثم كالذي يهدي الدجاجة ثم كالذي
يهدي البيضة
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن الهاد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل
المهجر إلى الصلاة كمثل الذي يهدي بدنة ثم الذي جاء على أثره كمثل الذي يهدي البقرة ثم الذي على أثره
كمثل الذي يهدي الكبش ثم الذي على أثره كمثل الذي يهدي الدجاجة ثم الذي على أثره كمثل الذي
يهدي البيضة
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس الشافعي قال ثنا سفيان عن الزهري عن سعيد
بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه فذكر نحوه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا روح بن القاسم عن العلاء
بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن العلاء
بن عبد الرحمن عن أبيه قال سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله
فلما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المهجر في أفضل الأوقات كالمهدي بدنة والمهجر في الوقت الذي بعده كالمهدي
بقرة والمهجر في الثالث كالمهدي كبشا ثبت بذلك أن أفضل ما يهدي الجزور ثم البقرة ثم الكبش
فلما كانت البدنة أعظم ما يهدي ثبت أنها أعظم ما يضحى به
180

ولما أنتفي أن تجزئ الشاة عما فوق السبعة ثبت أنها لا تجزئ إلا عن خاص من الناس
ولما كانت باتفاقهم لا تجزئ في الأضحية عما فوق السبعة كانت الشاة أحرى أن تجزئ عن ذلك
وقد أجمعوا على أنها مجزئة عن الواحد واختلفوا فيما هو أكثر منه فلا يدخل فيما قد ثبت له حكم الخصوصية
إلا ما قد أجمعوا على دخوله فيه
فثبت بما ذكرنا أنه لا يجوز أن يضحي بالشاة الواحدة عن اثنين ولا عن أكثر من ذلك وهو قول أبي حنيفة
وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب من أوجب أضحية في أيام العشر
أو عزم على أن يضحي هل له أن يقص شعره أو أظفاره
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا بشر بن ثابت البزاز قال ثنا شعبة عن مالك بن أنس عن عمرو
بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من رأى منكم هلال
ذي الحجة وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو صالح قال ثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال
عن عمرو بن مسلم أنه قال أخبرني سعيد بن المسيب أن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى ا لله عليه وسلم فذكر مثله
قال الليث قد جاء هذا وأكثر الناس على غيره
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقلدوه وجعلوه أصلا
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بقص الأظفار والشعر في أيام العشر لمن عزم على أن يضحي
ولمن لم يعزم على ذلك
واحتجوا في ذلك بما قد ذكرناه في كتاب الحج عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنت أفتل قلائد
هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث بها ثم يقيم فينا حلالا لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم حتى يرجع الناس
ففي ذلك دليل على إباحة ما قد حظره الحديث الأول
ومجئ حديث عائشة رضي الله عنها أحسن من مجئ حديث أم سلمة رضي الله عنها لأنه جاء
مجيئا متواترا
وحديث أم سلمة رضي الله عنها فلم يجئ كذلك بل قد طعن في إسناد حديث مالك فقيل إنه موقوف
على أم سلمة رضي الله عنها
181

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر بن فارس قال أخبرنا مالك عن عمرو بن مسلم عن
سعيد بن المسيب عن أم سلمة رضي الله عنها ولم ترفعه قالت من رأى هلال ذي الحجة وأراد أن يضحي
فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن
أم سلمة رضي الله عنها مثله ولم ترفعه
فهذا هو أصل الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار
وأما النظر في ذلك فإنا قد رأينا الاحرام ينحظر به أشياء مما قد كانت كلها قبله حلالا منها الجماع والقبلة
وقص الأظفار وحلق الشعر وقتل الصيد فكل هذه الأشياء تحرم بالاحرام وأحكام ذلك مختلفة
فأما الجماع فمن أصابه في إحرامه فسد إحرامه وما سوى ذلك لا يفسد إصابته الاحرام فكان الجماع أغلظ الأشياء
التي يحرمها الاحرام
ثم رأينا من دخلت عليه أيام العشر وهو يريد ان يضحي أن ذلك لا يمنعه من الجماع فلما كان ذلك لا يمنعه من
الجماع وهو أغلظ ما يحرم بالاحرام كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك
فهذا هو النظر في هذا الباب أيضا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد روى ذلك أيضا عن جماعة من المتقدمين
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن أبي ذئب ح
وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا ابن أبي ذئب عن بريد بن عبد الله بن قسيط أن
عطاء بن يسار وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأبا بكر بن سليمان كانوا لا يرون بأسا أن
يأخذ الرجل من شعره ويقلم أظفاره في عشر ذي الحجة
وقد احتج في ذلك أيضا بعض أصحابنا بما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن
أبي ذئب عن عثمان بن عبيد الله بن رافع عن عبد الرحمن بن هرمز عن محمد بن ربيعة قال رآني عمر بن
الخطاب رضي الله عنه طويل الشارب وذلك بذي الحليفة وأنا على ناقتي وأنا أريد الحج فأمرني أن أقص
من شعري ففعلت
ولا حجة عندنا في هذا لأنه لا يريد أن يضحي إذا كان يريد الحج فلا حجة في هذا على أهل المقالة الأولى
لأنهم إنما يمنعون من ذلك من أراد أن يضحي
وحجة أخرى تدفع هذا الحديث أن يكون فيه حجة عليهم وذلك أنه لم يذكر أن ذلك كان في عشر
ذي الحجة أو قبل ذلك
182

باب الذبح بالسن والظفر
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير وروح بن عبادة قالا ثنا شعبة ح
وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان قالا جميعا عن سماك بن حرب عن
مري بن قطري رجل من بني ثعلب عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله أرسل كلبي فيأخذ
الصيد فلا يكون معي ما يذكيه إلا المروة والعصي فقال أنهر الدم بما شئت وأذكر أسم الله عز وجل
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن أباحوا ما ذبح بالسن والظفر المنزوعين وغير المنزوعين واحتجوا في ذلك
بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا ما ذبح بهما إذا كانا غير
منزوعين وأباحوا ما ذبح بهما إذا كانا منزوعين
واحتجوا في ذلك بما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا روح وسعيد بن عامر وقالا ثنا شعبة عن
سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج أنه
قال يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا
وليس معنا مدي
قال ما أنهر الدم وذكرت أسم الله عليه فكل ليس السن والظفر وسأخبرك أما الظفر فمدي
الحبشة وأما السن فعظم
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني سفيان الثوري عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن جده
رافع بن خديج رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نرجو أو نخشى أن نلقى العدو وليس معنا مدي
أفنذبح بالقصب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنهر الدم وذكر أسم الله عليه فكلوا إلا السن والظفر
ففي هذا الحديث إخراج النبي صلى الله عليه وسلم السن والظفر مما أباح الذكاة به
فاحتمل أن يكون ذلك على المنزوعين واحتمل أن يكون على المنزوعين وغير المنزوعين
فإن كان ذلك على المنزوعين فهما إذا كانا غير منزوعين أحرى أن يكونا كذلك
وإن كان ذلك على غير المنزوعين فليس في ذلك دليل على حكم المنزوعين في ذلك كيف هو
فلما أحاط العلم بوقوع النهي في هذا على غير المنزوعين ولم يحط العلم بوقوعه على المنزوعين وقد جاء حديث
عدي الذي ذكرناه مطلقا أخرجنا منه ما أحاط العلم بإخراج حديث رافع إياه منه وتركنا ما لم يحط العلم
183

بإخراج حديث رافع إياه منه على ما أطلقه حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذا ما قد حدثنا سليمان بن شعيب
قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا أبو الأشعث عن أبي رجاء العطاردي قال خرجنا حجاجا فصاد رجل من القوم أرنبا فذبحها
بظفره فشواها فأكلوها ولم آكل معهم
فلما قدمنا المدينة سألت بن عباس رضي الله عنهما فقال لعلك أكلت معهم فقلت لا قال أصبت
إنما قتلها خنقا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا يعقوب بن إسحاق قال ثنا سلم بن زرير عن أبي رجاء مثله
أفلا ترى أن بن عباس رضي الله عنهما قد بين في حديثه هذا المعنى الذي به حرم أكل ما ذبح بالظفر
أنه الخنق لان ما ذبح به فإنما ذبح بكف لا بغيرها فهو مخنوق
فدل ذلك أن ما نهى عنه من الذبح بالظفر هو الظفر المركب في الكف لا الظفر المنزوع
وكذلك ما نهى عنه مع ذلك من الذبح بالسن فإنما هو على السن المركبة في الفم لان ذلك يكون عضا
فأما السن المنزوعة فلا
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي عبيد
مولى عبد الرحمن أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول يوم الأضحى أيها الناس إن النبي صلى الله عليه وسلم قد
نهى أن تأكلوا نسككم بعد ثلاث فلا تأكلوها بعدها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب
قال حدثني أبو عبيد مولى أزهر قال صليت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه العيد وعثمان بن عفان رضي الله
عنه محصور فصلى ثم خطب فقال لا تأكلوا من لحوم أضاحيكم بعد ثلاثة أيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمر بذلك
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا يحيى بن صالح الوحاظي قال ثنا إسحاق بن يحيى الكلبي عن الزهري
عن سالم عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلوا منها ثلاثا يعني لحوم الأضاحي
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال أخبرنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول لا يأكل أحدكم من لحم أضحيته فوق ثلاثة أيام
184

فذهب قوم إلى هذا فحرموا لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بأكلها وادخارها بأسا
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا معن ابن عيسى عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية
عن جبير بن نفير عن ثوبان قال ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحيته ثم قال يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية
فما زلت أطعمه منها حتى قدم المدينة
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا شعبة عن جابر بن يزيد عن الشعبي عن
مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت إن كنا لنأكله بعد عشرين تعني لحوم الأضاحي
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا زهير بن محمد عن شريك بن أبي غر
عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه وعمه قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كلوا لحوم
الأضاحي وادخروا
فاحتمل أن يكون أحد هذين المعنيين اللذين ذكرناهما حجة لأحد هذين القولين ناسخا المعنى الآخر
فنظرنا في ذلك
فإذا بابن أبي داود قد حدثنا قال ثنا أبو معمر قال ثنا عبد الوارث قال حدثني علي بن زيد
قال حدثني النابغة بن مخارق بن سليم قال حدثني أبي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تدخروها فوق ثلاثة أيام فادخروها ما بدا لكم
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قالا ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن ربيعة بن النابغة
عن أبيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن جريج عن أيوب بن هانئ عن
مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا زهير بن معاوية عن زيد عن محارب بن دثار
عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا أحمد بن يونس قالا ثنا معروف بن واصل قال حدثني محارب
بن دثار ثم ذكر بإسناده مثله
185

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم قال ثنا سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن
بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال حدثني أسامة بن زيد الليثي أن محمد بن يحيى بن حبان
أخبره أن الواسع بن حبان أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أيوب بن سليمان بن بلال قال ثنا أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان
بن بلال عن عبد الرحمن بن عبد الله عن عطاء بن أبي رباح سمعه يحدث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه
أنهم كانوا يأكلون الضحايا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا لا يزيدون عليها ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لهم
بعد أن يأكلوا ويتزودوا
حدثنا فهد قال ثنا علي بن معبد قال حدثني عبد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عطاء
عن جابر رضي الله عنه نحوه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن خالد قال أخبرنا بن لهيعة عن أبي الزبير عن زبيد أن
أبا سعيد الخدري رضي الله عنه أخبره أنه أتى أهله فوجد عندهم قصعة ثريد ولحم من لحم الأضاحي
فأبى أن يأكله فأتى
قتادة بن النعمان أخوه فحدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحج قال إني كنت نهيتكم أن لا تأكلوا
لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام وإني أحله لكم فكلوا منه ما شئتم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الحماني قال ثنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي
المليح عن نبيشة الخير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال انا نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام حتى تسعكم
فقد جاء الله بالسعة فكلوا وادخروا فإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث ومالك عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم أذن فيه فقال كلوا وتزودوا
وادخروا
فقال عمرو قال أبو الزبير قال جابر رضي الله عنه فتزودونا منها إلى المدينة
حدثنا إبراهيم بن منقذ قال ثنا إدريس بن يحيى عن بكر بن منصور قال أخبرني خالد بن يزيد
عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ب منى وتزودنا منها إلى المدينة
حدثنا يونس قال أخبرني أنيس بن عياض عن سعد بن إسحاق عن زينب بنت كعب عن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يدخر لحوم الأضاحي فوق ثلاث وأمرنا أن نأكل منها
186

ونتصدق منها ولا تأكلها بعد ثلاث فأقمنا على ذلك ما شاء الله ثم بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمرنا بأكلها
والصدقة منها وأن يدخر من أحب ذلك
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث بن سعد عن يعقوب عن يزيد بن أبي
يزيد يزيد الأنصاري عن امرأته أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن لحوم الأضاحي فقالت قدم علي بن أبي
طالب رضي الله عنه من سفر فقدمنا إليه منه فقال لا آكل حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال كلوا من
ذي الحجة إلى ذي الحجة
حدثنا بحر عن شعيب عن أبيه عن الحارث بن يعقوب عن يزيد بن أبي يزيد مولى الأنصار
ثم ذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر ففي هذه الآثار ما يدل على نسخ ما رويناه في أول هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من
النهي عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام
فإن قيل فقد رويتم عن علي في هذا الفصل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لحوم الأضاحي بعد ما قد كان نهى عنها
ثم رويتم عنه في الفصل الذي قبل هذا الفصل أنه خطب الناس وعثمان محصور فقال لا تأكلوا من لحوم
أضاحيكم بعد ثلاثة أيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك
فقد دل ذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان نهى عن ذلك بعد ما كان أباحه حتى تتفق معاني ما
رويتموه عن علي رضي الله عنه من هذا ولا يتضاد
قيل له ما في هذا دليل على ما ذكرت لأنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نهى عن لحوم الأضاحي
فوق ثلاثة أيام لشدة كان الناس فيها ثم ارتفعت تلك الشدة فأباح لهم ذلك ثم عاد ذلك في وقت ما خطب
على الناس فأمرهم بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم به في مثل ذلك
والدليل على ما ذكرنا من هذا ان بن مرزوق حدثنا قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان قال ثنا
عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت يا أم المؤمنين أحرم رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام
فقالت إنما فعل ذلك في عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير
قالت ولقد كنا نرفع الكراع خمس عشرة ليلة
قال أبو جعفر فدل هذا الحديث أن ذلك النهي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم للعارض المذكور في
هذا الحديث
فلما ارتفع ذلك العارض أباح لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد كان حظره عليهم على ما ذكرناه في الآثار الأول
التي في الفصل الذي قبل هذا
187

فلذلك ما فعله علي رضي الله عنه في زمن عثمان رضي الله عنه وأمر به الناس بعد علمه بإباحة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما قد نهاهم هو عنه إنما كان ذلك منه عندنا والله أعلم لضيق كانوا فيه مثل ما كانوا في زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي نهاهم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام
فأمرهم علي رضي الله عنه في أيامهم بمثل ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في مثلها
وقد روى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان نهى عن ذلك من أجل دافة دفت عليهم
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر قال أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر
عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت دف الناس من أهل البادية فحضرت لأضحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقي
قالت فلما كان بعد ذلك قلت يا رسول الله قد كان الناس ينتفعون بضحاياهم يحملون منها الودك
ويتخذون منها الأسقية
قال وما ذاك قلت نهيت عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث
فقال إنما كنت نهيتكم للدافة التي دفت فكلوا وتصدقوا وتزودوا
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه فذكر بإسناده مثله
فأخبرت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن حرمها ولكنه أراد التوسعة على الدافة التي
قد دفت عليهم
فقد عاد معنى هذا الحديث أيضا إلى معنى حديث عابس عن عائشة رضي الله عنها
وقد روى هذا الحديث عن عابس عن عائشة رضي الله عنها على غير ذلك اللفظ
حدثنا فهد قال ثنا أبو حسان قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عابس بن ربيعة
قال اتيت عائشة رضي الله عنها فقلت يا أم المؤمنين أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الأضاحي فوق ثلاث
فقالت لا ولكنه لم يكن ضحى منهم إلا قليل ففعل ذلك ليطعم من ضحى منهم من لم يضح ولقد
رأيتنا نخبأ الكراع ثم نأكلها بعد ثلاث
فقد يجوز أن يكون تلك الدافة قد كانت كثيرة فكان الناس الذين يضحون معها قليلا فأمرهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم بما أمرهم به من الصدقة من أجل ذلك
فقد عاد معنى هذا أيضا إلى معنى ما قبله
وقد روى عن عائشة رضي الله عنها أيضا أن ذلك القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على العزيمة ولكنه كان
منه على الترغيب لهم في الصدقة
حدثنا فهد قال ثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال ثنا عبد الله عن أبي الأسود عن هشام
188

عروة عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في لحوم الأضاحي كنا نملح منه
فتقدم به الناس إلى المدينة فقال لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام ليست بالعزيمة ولكن أراد أن يطعموا منه
فلم يخل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أحد وجهين إما أن يكون ذلك على الحض منه لهم على الصدقة والخير
فإن كان ذلك على الحض منه لهم في الصدقة لا على التحريم فذلك دليل على أن لا بأس بادخار لحوم
الأضاحي وأكلها بعد الثلاث
وإن كان ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم على التحريم فقد كان منه بعد ذلك ما قد نسخ ذلك
وأوجب التحليل
فثبت بما ذكرنا إباحة ادخار لحوم الأضاحي وأكلها في الثلاثة وبعدها وهو قول أبي حنيفة وأبي
يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب أكل الضبع
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى إباحة أكل لحم الضبع واحتجوا في ذلك بحديث بن أبي عمار رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هي من الصيد
وبحديث إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك ويؤكل وقد
ذكرنا ذلك بإسناده في كتاب مناسك الحج
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يؤكل
وكان من الحجة لهم في ذلك أن حديث جابر هذا قد اختلف في لفظه فرواه كل أحد من جرير وإبراهيم
الصائغ كما ذكرناه عنه
ورواه بن جريج على خلاف ذلك فذكر عن ابن أبي عمار رضي الله عنه أنه سأل جابرا رضي الله عنه
عن الضبع
فقال أصيد هي قال نعم
قال وسمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم
فأخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها صيد وليس كل الصيد يؤكل
فاحتمل أن تكون تلك الزيادة على ذلك المذكورة في حديث بن جريج من قول جابر رضي الله عنه
لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم سماها صيدا
واحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم
189

فلما احتمل ذلك ووجدنا السنة قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن كل ذي ناب من السباع
والضبع ذات ناب لم يخرج من ذلك شيئا قد علمنا أنه دخل فيه بشئ لم يعلم يقينا أنه أخرجه منه
ومما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه كل ذي ناب من السباع ما حدثنا ربيع المؤذن ونصر بن مرزوق قالا ثنا أسد
قال ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي
مخلب من الطير
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم عن أبي بشر عن ميمون بن
مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وعن كل
ذي مخلب من الطير
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا يحيى بن حسان قال ثنا أبو عوانة عن أبي بشر فذكر بإسناده
مثله وقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي قال ثنا علي بن الحسن بن شقيق قال أبو عوانة فذكر بإسناده مثله حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الرحمن بن المبارك قال ثنا خالد بن الحارث قال ثنا سعيد بن
أبي عروبة عن علي بن الحكم عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم عن عبد الرحمن بن الحارث
المخزومي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب
من السباع
وحدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عيسى بن إبراهيم البركي قال ثنا عبد العزيز بن مسلم قال ثنا محمد
بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
فقد قامت الحجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنهيه عن أكل كل ذي ناب من السباع وتواترت بذلك
الآثار عنه
190

فلا يجوز أن يخرج من ذلك الضبع إذا كانت ذات ناب من السباع إلا بما يقوم علينا به الحجة بإخراجها
من ذلك
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب صيد المدينة
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا عمر بن حفص بن غياث قال ثنا أبي قال ثنا الأعمش قال حدثني إبراهيم
التيمي قال حدثني أبي قال خطبنا علي رضي الله عنه على منبر من آجر وعليه سيف فيه صحيفة معلقة به
فقال والله ما عندنا من كتاب نقرأه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة ثم نشرها فإذا فيها المدينة
حرام من غير إلى ثور
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد
عن عامر بن سعد أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد غلاما يقطع شجرة أو يحطبه
قال أبو جعفر رضي الله عنه أظن فيه فأخذ سلبه فلما رجع أتاه أهل الغلام فكلموه أن يرد عليهم
ما أخذ من غلامهم
فقال معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله وأبى أن يرده إليهم (0)
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير عن أبيه عن يعلى بن حكيم عن سليمان
بن أبي عبد الله قال شهدت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وقد أتاه قوم في عبد لهم أخذ سعد بن أبي
وقاص سلبه رآه يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ سلبه فكلموه أن يرد عليه سلبه
فأبى وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحد حدود الحرام حرم المدينة فقال من وجدتموه يصيد في شئ من
هذه الحدود فمن وجده فله سلبه فلا أرد عليكم طعمة أطعمينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إن شئتم غرمت
لكم ثمن سلبه فعلت
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال أخبرنا مروان بن معاوية عن عثمان بن حكيم قال
أخبرني عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها
أو يقتل صيدها
حدثنا علي بن معبد قال ثنا أحمد بن أبي بكر قال حدثني أبو ثابت عمران بن عبد العزيز الزهري
عن عبد الله بن يزيد مولى المنبعث عن صالح بن إبراهيم عن أبيه قال اصطدت طيرا بالقنبلة فخرجت
به في يدي فلقيني أبي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فقال ما هذا فقلت طيرا اصطدته بالقنبلة
فعرك أذني عركا شديدا ثم أرسله من يدي ثم قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم صيد ما بين لا بتيها
191

حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك عن يونس بن يوسف عن عطاء بن يسار عن
أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه وجد غلمانا قد لجؤا ثعلبا إلى زاوية فطردتهم
قال مالك لا أعلم إلا أنه قال أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا سليمان الشيباني
عن يسير بن عمرو عن سهل بن حنيف قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أهوى بيده إلى المدينة يقول
إنه حرم آمن
حدثنا ابن خزيمة قال ثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال حدثنا سفيان قال ثنا زياد بن سعد عن
شرحبيل قال أتانا زيد بن ثابت رضي الله عنه ونحن ننصب فخاخا لنا بالمدينة فرمى بها وقال ألم تعلموا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم صيدها
حدثنا علي بن معبد قال ثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي قال ثنا وهيب قال ثنا عمرو بن يحيى عن
عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم عليه السلام حرم مكة
ودعا لهم وإني حرمت المدينة ودعوت لهم بمثل ما دعا به إبراهيم الأهل مكة أن يبارك لهم في
صاعهم ومدهم
حدثنا علي قال أخبرنا بن أبي مريم قال أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرني عمرو بن يحيى فذكر
بإسناده مثله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا قبيصة بن عقبة قال ثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم عليه السلام حرم بيت الله وأمنه وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها
لا يقطع عضاها ولا يصاد صيدها
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يحيى بن سعيد القطان ح
وحدثنا يونس قال ثنا أنس بن عياض عن سعد بن إسحاق عن زينب بنت كعب عن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة أن يعضد شجرها أو يخبط
حدثنا حسين بن نصر وعلي بن معبد قالا ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرني
عتبة بن مسلم مولى بني تيم عن نافع بن جبير عن رافع بن خديج رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حرم ما بين لابتي المدينة
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا القعنبي قال ثنا سليمان بن بلال عن عتبة بن جبير أن مروان
بن الحكم خطب فذكر مكة وحرمتها وأهلها ولم يذكر المدينة وحرمتها وأهلها
فقام رافع بن خديج رضي الله عنه فقال مالي أسمعك ذكرت مكة وحرمتها وأهلها ولم تذكر المدينة وحرمتها
وأهلها وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة وذلك عندنا في الأديم الخولاني إن شئت أقرأ تله
فقال مروان قد سمعت
192

حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن الهاد
عن أبي بكر محمد عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن رافع بن خديج رضي الله عنه أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذكر مكة ثم قال إن إبراهيم عليه السلام حرم مكة وإني حرمت ما بين لابتيها يعني المدينة
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع على أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني
أحرم ما بين لابتيها
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا القعنبي قال ثنا عبد العزيز الدراوردي عن عمرو عن أنس
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو
عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو أمية قال ثنا عبيد الله بن موسى قال ثنا الحسن بن صالح عن عاصم قال سألت أنسا
رضي الله عنه أكان النبي صلى الله عليه وسلم حرم المدينة فقال نعم هي حرام من لدن كذا إلى كذا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن عاصم الأحول عن أنس رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن عاصم عن أنس رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم المدينة ما بين كذا إلى كذا أن لا يعضد شجرها
حدثنا أبو أمية قال ثنا عبيد الله قال أخبرنا شريك عن عاصم الأحول قال سمعت أنسا رضي الله
عنه يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال حدثني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول لو أني رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ما بين لابتيها حرام
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري قال ثنا عبد العزيز أبي حازم عن كثير بن زيد
عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم
المدينة بمثل ما حرم
قال ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعضد شجرها أو يخبط أو يؤخذ طيرها
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى تحريم صيد المدينة وتحريم شجرها وجعلوها في ذلك كمكة في حرمة
صيدها وشجرها
193

وقالوا من فعل من ذلك شيئا في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم حل سلبه لمن وجده يفعل ذلك واحتجوا في
ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا أما ما ذكرتموه من تحريم النبي صلى الله عليه وسلم صيد المدينة وشجرها فقد كان فعل
ذلك ليس أنه جعله كحرمة صيد مكة ولا كحرمة شجرها ولكنه أراد بذلك بقاء زينة المدينة
ليستطيبوها ويألفوها
وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم منع من هدم آطام المدينة وقال إنها زينة المدينة
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا يحيى بن معين قال ثنا وهب بن جرير عن العمري عن نافع
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آطام المدينة أن تهدم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا إسحاق بن محمد الفروي قال ثنا العمري فذكر بإسناده مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال حدثني
عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تهدموا الآطام فإنها
زينة المدينة
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أبو مصعب قال ثنا الدراوردي فذكر بإسناده مثله
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم عن هدم آطام المدينة لأنها زينة لها
قالوا فكذلك ما نهاهم عنه من قطع شجرها وقتل صيدها إنما هو لان ذلك زينة للمدينة فأراد أن يترك
لهم فيها زينتها ليألفوها ويطيب لهم بذلك سكناها لا لأنها تكون في ذلك ك مكة في حرمة صيدها
ونباتها ووجوب الجزاء على من انتهك حرمة شئ من ذلك
ثم نظرتنا هل نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك دليلا آخر يدلنا على ما ذكرنا
فإذا إسماعيل بن يحيى المزني قد حدثنا قال قرأنا على محمد بن إدريس الشافعي عن الثقفي عن حميد
الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان لأبي طلحة بن من أم سليم يقال له أبو عمير وكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه إذا دخل وكان له نغير
فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أبا عمير حزينا فقال ما شأن أبي عمير فقيل يا رسول الله مات نغيره
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عمير ما فعل النغير
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال
كان لأبي طلحة بن يدعى أبا عمير فكان له نغير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل قال يا أبا عمير
ما فعل النغير
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن أبي التياح قال قال سمعت
194

أنس بن مالك رضي الله عنه يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير يا أبا عمير ما فعل النغير
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال كان
لي أخ فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبله ويقول يا أبا عمير ما فعل النغير
قال أبو جعفر فهذا قد كان بالمدينة ولو كان حكم صيدها كحكم صيد مكة إذا لما أطلق له رسول الله صلى الله عليه وسلم
حبس النغير ولا اللعب به كما لا يطلق ذلك بمكة
فقال قائل فقد يجوز أن يكون هذا كان بقباء وذلك الموضع غير الموضع المحرم فلا حجة لكم
في هذا الحديث
فنظرنا هل نجد فيما سوى هذا الحديث ما يدل على شئ من حكم صيد المدينة
فإذا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي وفهد بن سليمان قد حدثانا قالا ثنا أبو نعيم قال ثنا يونس
بن أبي إسحاق عن مجاهد قال قالت عائشة رضي الله عنها كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا
خرج
لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد دخل ربض فلم يترمرم كراهية أن يؤذيه
فهذا بالمدينة في موضع قد دخل فيما حرم منها وقد كانوا يأوون فيه الوحش ويتخذونها ويغلقون
دونها الأبواب
فقد دل هذا أيضا على أن حكم المدينة في ذلك خلاف حكم مكة
وقد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي قتيلة المدني قال ثنا محمد بن طلحة التيمي عن موسى بن محمد
بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة بن الأكوع أنه كان يصيد ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم من صيده فأبطأ عليه ثم جاءه
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي حبسك فقال يا رسول الله انتفى عنا الصيد فصرنا نصيد ما بين
نبت إلى قناة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو كنت تصيد بالعقيق لشيعتك إذا ذهبت وتلقيتك إذا جئت فإن
أحب العقيق
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا نعيم بن حماد قال ثنا محمد بن طلحة التيمي عن موسى بن إبراهيم
التيمي عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أحمد بن داود قال أخبرنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال ثنا محمد بن طلحة قال حدثني موسى
بن محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي ثم ذكر بإسناده مثله
ففي هذا الحديث ما يدل على إباحة صيد المدينة ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل سلمة وهو بها على
موضع الصيد وذلك لا يحل بمكة
195

ألا ترى أن رجلا لو دل وهو بمكة رجلا على صيد من صيدها كان آثما
فلما كانت المدينة في ذلك ليست كمكة ثبت أن حكم صيدها خلاف حكم صيد مكة وفي هذا الحديث أيضا
إباحة صيد العقيق
وقد روينا عن سعد في الفصل الأول عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما قد روينا ففي هذا ما يخالفه
فأما ما في حديث سعد من إباحة سلب الذي يصيد صيد المدينة فإن ذلك عندنا والله أعلم كان
في وقت ما كانت العقوبات التي تجب بالمعاصي في الأموال
فمن ذلك ما قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة أنه قال من أداها طائعا فله أجرها ومن لا أخذناها
منه وشطر ماله
وما روى عنه فيمن سرق ثمرا من أكمامه أن عليه غرامة مثليه في نظائر من ذلك كثيرة قد ذكرناها
في موضعها من كتابنا هذا
ثم نسخ ذلك في وقت نسخ الربا فرد الأشياء المأخوذة إلى أمثالها
إن كان لها أمثال وإلى قيمتها إن كان لا مثل لها وجعلت العقوبات في انتهاك الحرم في الأبدان لا في الأموال
فهذا وجه ما روي في صيد المدينة
وأما حكم ذلك من طريق النظر فإنا رأينا مكة حراما وصيدها وشجرها كذلك هذا ما لا اختلاف
بين المسلمين فيه
ثم رأينا من أراد دخول مكة لم يكن له أن يدخلها إلا حراما فكان دخول الحرم لا يحل لحلال كانت
حرمة صيده وشجره كحرمته في نفسه
ثم رأينا المدينة كل قد أجمع أنه لا بأس بدخولها للرجل حلالا فلما لم تكن محرمة في نفسها كان حكم
صيدها وشجرها كحكمها في نفسها
وكما كان صيد مكة إنما حرم لحرمتها ولم تكن المدينة في نفسها حراما لم يكن صيدها
ولا شجرها حراما
فثبت بذلك قول من ذهب إلى أن صيد المدينة وشجرها كصيد سائر البلدان وشجرها غير مكة
وهذا أيضا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
196

باب أكل الضباب
حدثنا محمد بن الحجاج بن سليمان الحضرمي قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا يزيد بن عطاء
عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة قال نزلنا أرضا كثيرة الضباب فأصابتنا مجاعة
فطبخنا منها فإن القدور لتغلي بها
إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا فقلنا ضباب أصبناها
فقال إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض وإني أخشى أن تكون هذه فأكفئوها
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص قال ثنا أبي قال ثنا الأعمش قال ثنا زيد بن وهب الجهني قال
ثنا عبد الرحمن بن حسنة رضي الله عنه ثم ذكر مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى تحريم لحوم الضباب لأنهم لم يأمنوا أن تكون ممسوخة واحتجوا في ذلك
بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بها بأسا وكان من الحجة لهم في ذلك أن حصينا قد روى هذا الحديث
عن زيد بن وهب على خلاف هذا المعنى الذي رواه الأعمش عليه
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا محمد بن فضيل عن حصين عن زيد بن وهب عن
ثابت بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب الناس ضبابا
فاشتووها فأكلوها
فأصبت منها ضبا فشويته ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ جريدة فجعل يعد بها أصابعه فقال إنه أمة من
بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض وإني لا أدري لعلها هي
فقلت إن الناس قد اشتووها فأكلوها فلم يأكل ولم ينه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو الوليد قال ثنا أبو عوانة عن حصين فذكر بإسناده مثله غير
أنه قال ثابت بن وديعة
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث خلاف ما في الحديث الأول لان في هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينههم
عن أكلها وقد خشي في هذا الحديث أن يكون ممسوخا كما خشي في الحديث الأول
غير أنه قد يجوز أن يكون ترك النهي لأنهم كانوا في مجاعة على ما في حديث الأعمش فأباح ذلك
لهم للضرورة
ثم رجعنا إلى ما في ذلك أيضا سوى هذين الحديثين فإذا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا قال ثنا أبو الوليد
وعفان قال ثنا أبو عوانة قال ثنا عبد الملك بن عمير عن حصين رجل من بني فزارة قال أخبرني
197

سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أتاه أعرابي وهو يخطب فقطع عليه خطبته فقال يا رسول الله
ما تقول في الضب
فقال إن أمة من بني إسرائيل مسخت فلا أدري أي الدواب مسخت
حدثنا فهد قال ثنا حياة بن شريح قال ثنا بقية بن الوليد عن شعبة قال حدثني الحكم عن
زيد بن وهب عن البراء بن عازب عن ثابت بن وديعة الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اتي
بضب فقال أمة مسخت
حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن الحكم قال سمعت زيد بن وهب
عن البراء بن عازب عن ثابت بن وديعة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بضب
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمة فقدت فالله أعلم
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا حميد الصائغ قال ثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن زيد بن وهب
عن ثابت بن وديعة عن رجل من بني فزارة أتى النبي صلى الله عليه وسلم بضباب احترسها فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها
وينظر إلى ضب منها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمة مسخت فلا ندري ما فعلت ولا أدري لعل هذا منها
حدثنا فهد قال ثنا الحسن بن بشر قال ثنا المعافى بن عمران عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى أن يأكله يعني الضب وقال لا أدري لعله من القرون الأولى
التي مسخت
قال أبو جعفر ففي هذه الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك أكله خوفا من أن يكون مما مسخ
فاحتمل أن يكون قد حرمه مع ذلك واحتمل أن يكون تركه تنزها منه عن أكله ولم يحرمه
فنظرنا في ذلك
فإذا بن أبي داود قد حدثنا قال ثنا أبو الوليد قال ثنا أبو عقيل بشير بن عقبة قال ثنا
أبو نصرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني في حائطي مضبة
وإنه طعام أهلنا فسكت
فقلنا له فعاوده فسكت ثم قلنا له عاوده فعاوده فقال إن الله سخط على سبط من بني
إسرائيل فمسخهم دواب يدبون على الأرض فما أظنهم إلا هؤلاء ولست آكلها ولا أحرمها
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرم الضباب مع خوفه أن تكون من الممسوخ
ثم نظرنا هل روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينفي أن تكون الضباب ممسوخا
فإذا أبو بكرة قد حدثنا قال ثنا مؤمل بن إسماعيل قال ثنا سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن
198

المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن القردة والخنازير أهي مما مسخ
فقال إن الله عز وجل لم يهلك قوما أو لم يمسخ قوما فيجعل لهم نسلا ولا عاقبة
حدثنا ابن أبي داود وأحمد بن داود قالا ثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان الثوري ثم ذكر
بإسناده مثله وزاد وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك
حدثنا روح بن الفرج قال أخبرنا يوسف بن عدي قال حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن
مسعر عن علقمة بن مرثد عن المغيرة اليشكري عن المعرور عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لم يهلك قوما فيجعل لهم نسلا ولا عقبا
حدثنا فهد قال ثنا الحسن بن الربيع قال ثنا ابن إدريس عن ليث عن علقمة بن مرثد عن المعرور
بن سويد عن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن المسوخ لا يكون لها نسل ولا عقب فعلمنا بذلك أن الضب
لو كان مما مسخ لم يبق فانتفى بذلك أن يكون الضب بمكروه من قبل أنه مسخ أو قبل ما جاز أن
يكون مسخا
ثم نظرنا فيما روى فيه خلاف ما ذكرنا هل نجد في شئ من ذلك ما يدلنا على إباحة أكله أو على المنع
من ذلك
فإذا حسين بن نصر وزكريا بن يحيى بن أبان قد حدثانا قالا ثنا نعيم بن حماد قال أخبرنا الفضل بن
موسى عن حسين بن واقد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما
ليت عندنا قرصة من برة سمراء مقلية بسمن ولبن
فقام رجل من أصحابه فعملها ثم جاء بها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيم كان سمنها قال في عكة ضب قال له ارفعها
فقال قائل ففي حديث بن عمر رضي الله عنهما هذا ما يدل على كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم لاكل لحم الضب
قيل له قد يجوز أن يكون هذا على الكراهة التي ذكرها أبو سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في
حديثه الذي قد رويناه عنه لا على تحريمه إياه على الناس
وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا ما يدل على ذلك
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عازم قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بضب فلم يأكله ولم يحرمه
199

حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال ما تقول في الضب فقال لست بآكله ولا بمحرمه
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا مكي بن إبراهيم قال أخبرنا بن جريج عن نافع قال كان بن عمر
رضي الله عنهما يقول سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضب فذكر مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا سهل بن عامر البجلي قال ثنا مالك بن مغول قال سمعت نافعا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضب فقال لا آكل ولا أنهى
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا أسد قال ثنا ورقاء عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله
عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله * (
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله
عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله * (
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فهذا بن عمر رضي الله عنهما يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يحرم أكل الضب
وقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنه حلال
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب وعبد الصمد قالا ثنا شعبة عن توبة العنبري قال سمعت
الشعبي يقول رأيت فلانا حين يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم لقد جالست بن عمر رضي الله عنهما فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أنه قال كان أناس من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم يأكلون ضبا فنادتهم امرأة من أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم إنها ضب
فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلوه ليس من طعامي وفي حديث وهب فإنه حلال
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أنه حلال وأنه تركه لأنه لم يكن من طعامه
وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرمه
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير قال سألت جابرا رضي الله
عنه عن الضب
فقال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا أطعمه
وقال عمر رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرمه وإن الله لينفع به غير واحد وطعام عامة الرعا
ولو كان عندي لأكلته
وقد كره قوم أكل الضب منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
200

واحتج لهم محمد بن الحسن في ذلك بما حدثنا محمد بن بحر بن مطر قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا
حماد بن سلمة ح
وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قالوا ثنا حماد بن سلمة قال ثنا حماد وهو بن أبي
سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى له ضب فلم يأكله
فقام عليهم سائل فأرادت عائشة رضي الله عنها أن تعطيه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتعطينه ما لا تأكلين
قال محمد رحمه الله فقد دل ذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره لنفسه لغيره أكل الضب
قال فبذلك نأخذ
قيل له ما في هذا دليل على ما ذكرت
قد يجوز أن يكون كره لها أن تطعمه السائل لأنها إنما فعلت ذلك من أجل أنها عافته ولولا أنها عافته
لما أطعمته إياه وكان ما تطعمه السائل فإنما هو لله تعالى
فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يكون ما يتقرب به إلى الله عز وجل إلا من خير الطعام كما قد نهى أن يتصدق
بالبسر الردي والتمر الردي
فمما روى عنه في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال ثنا عباد بن العوام
عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن عنيف عن أبيه قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالصدقة فجاء رجل بكباس من هذه النخل قال سفيان يعني الشيص وكان لا يجئ أحد بشئ إلا نسب
إلى الذي جاء به فنزلت ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أو يؤخذا في الصدقة قال الزهري لونان من تمر المدينة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن كثير قال ثنا الزهري عن أبي أمامة بن
سهل بن حنيف عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجعرور ولون الحبيق
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن السدي عن أبي مالك عن البراء رضي الله
عنه قال كانوا يجيئون في الصدقة بأردأ تمرهم وأردأ طعامهم فنزلت يا أيها الذين آمنوا أنفقوا
من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه
تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه
قال لو كان لكم فأعطاكم لم تأخذوه إلا وأنتم ترون أنه قد نقصكم من حقكم
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عبد الله بن عمران قال ثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح عن
أبي مرة عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده
عصا وإقنا معلقة في المسجد فيها قنو حشف فقال لو شاء رب هذا القنو لتصدق بأطيب منه إن رب هذه
201

الصدقة ليأكل الحشف يوم القيامة
ثم أقبل على الناس فقال أم والله ليدعنها مذ لله أربعين عاما للعوافي يعني نخل المدينة
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو بكر الحنفي قال ثنا عبد الحميد بن جعفر قال حدثني صالح بن
أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي عن عوف بن مالك الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فهذا المعنى الذي كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها الصدقة بالضب لا لان أكله حرام
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إباحة أكله أيضا ما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني
يونس ومالك عن ابن شهاب أنه أخبرهم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن ابن عباس رضي الله عنهما
أن خالد بن الوليد رضي الله عنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة رضي الله عنها فأتى بضب محنوذ
فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده
فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة رضي الله عنها أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد أن يأكل منه
فقالوا هو ضب فرفع يده فقلت أحرام هو فقال لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه
فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي فلم ينهني
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال حدثني أسباط بن محمد عن الشيباني عن يزيد بن الأصم قال دعينا
لعرس بالمدينة فقرب إلينا طعام فأكلناه ثم قرب إلينا ثلاثة عشر ضبا فمنا آكل ومنا تارك
فلما أصبحت أتيت بن عباس رضي الله عنهما فأخبرته بذلك فقال بعض من عنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا آكله ولا أحرمه ولا آمر به ولا أنهي عنه
فقال بن عباس رضي الله عنهما ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محللا أو محرما قرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم
فمد يده يأكل
فقالت ميمونة رضي الله عنها يا رسول الله إنه لحم ضب فكف يده ثم قال هذا لحم لم آكله قط
فأكل الفضل بن عباس رضي الله عنهما وخالد بن الوليد رضي الله عنه وامرأته كانت معهم
وقالت ميمونة رضي الله عنها لا آكل طعاما لم يأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا حبيب المعلم عن عطاء عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصحفة فيها ضباب فقال كلوا فإني عائفه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال أهدت خالتي أم حفيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطا وسمنا وأضبا فأكل النبي صلى الله عليه وسلم
من الأقط والسمن ولم يأكل من الأضب وأكل على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان حراما لم يؤكل على مائدته صلى الله عليه وسلم
فثبت بتصحيح هذه الآثار أنه لا بأس بأكل الضب وهو القول عندنا والله أعلم بالصواب
202

باب أكل لحوم الحمر الأهلية
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا مسعر بن كدام عن عبيد بن حسن عن ابن معقل عن رجلين
من مزينة أحدهما عن الآخر عبد الله بن عمر بن ليوم والآخر غالب بن الأبجر
قال مسعر أرى غالبا الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه لم يبق من مالي شئ أستطيع أن
أطعم منه أهلي غير حمر لي أو حمرات لي قال فأطعم أهلك من سمين مالك فإنما قذرت لكم جوال القرية
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم ثنا شعبة عن عبيد بن حسن عن عبد الرحمن بن معقل عن
عبد الرحمن بن بشير عن رجال من مزينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الظاهرة عن أبجر أو بن أبجر أنه
قال يا رسول الله إنه لم يبق من مالي شئ أستطيع أن أطعمه أهلي إلا حمر لي
قال لي فأطعم أهلك من سمين مالك فإنما كرهت لكم جوال القرية
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا شعبة قال سمعت عبيد بن الحسن عن
عبد الرحمن بن معقل عن عبد الرحمن بن بشير أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من مزينة حدثوا عن
سيد مزينة الأبجر أو بن الأبجر سأل النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة فذكر بإسناده مثله
غير أنه قال عبد الرحمن بن معقل وقال عن رجال من مزينة الظاهرة ولم يقل من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم وقال إن أبجر أو بن أبجر
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فأباحوا أكل لحوم الحمر الأهلية واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا أكل لحوم الحمر الأهلية وقالوا قد يجوز أن يكون الحمر التي أباح النبي
صلى الله عليه وسلم أكلها في هذا الحديث كانت وحشية ويكون قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنما كرهت لكم جوال القرية على الأهلية
وقد روى شريك حديث غالب هذا على خلاف ما رواه مسعر وشعبة
حدثنا ابن أبي داود ويحيى بن عثمان وروح بن الفرج قالوا حدثنا يوسف بن عدي ح
وحدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد يزيد بعضهم على بعض قالوا ثنا شريك عن منصور بن معتمر
عن عبيد بن الحسن عن غالب بن أبجر قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قد أصابتنا سنة وإن سمين ما لنا في الحمير
فقال كلوا من سمين ما لكم
203

فأخبر أن ما كان أباح لهم من ذلك كان في عام سنة
فإن كان ذلك على ما حملنا عليه حديث مسعر وشعبة فهو على ما حملناه عليه من ذلك
وإن كان ذلك على الحمر الأهلية فإنه إنما كان في حال الضرورة وقد تحل في حال الضرورة الميتة
فليس في هذا الحديث دليل على حكم لحوم الحمر الأهلية في غير حال الضرورة
وقد جاءت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيئا متواترا في نهيه عن أكل لحوم الحمر الأهلية
فمما روى عنه في ذلك ما قد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس وأسامة ومالك
عن ابن شهاب عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيهما أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس
رضي الله عنهما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية وعن متعة
النساء يوم خيبر
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم عن عبد الرحمن بن الحارث
المخزومي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن أكل لحوم
الحمر الإنسية
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا عبد الله بن نمير قال ثنا عبيد الله بن عمر عن
نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر فذكر بإسناده مثله * (
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا دحيم قال ثنا عبيد الله بن موسى عن أبي حنيفة هو النعمان عن
نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا ابن نمير قال حدثنا محمد بن إسحاق عن
عبيد الله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبد الله بن أبي سليط عن أبيه أبي سليط وكان بدريا قال لقد
أتانا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر ونحن بخيبر وإن القدور لتفور بها فأكفأناها على وجهها
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر
بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل
حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان ح
وحدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا سفيان عن عمرو عن جابر رضي الله عنه قال أطعمنا
النبي صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرنا بن جريج أن أبا الزبير المكي أخبره أنه سمع جابر بن
عبد الله يقول أكلنا زمن خيبر الخيل والحمار الوحشي ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي
204

حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أخبرنا أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عن عطاء عن
جابر مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال أخبرنا روح بن عبادة قال ثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن علي بن حكيم
الأودي سعيد عن أبي إسحاق عن البراء سمعه منه قال أصبنا حمرا يوم خيبر فطبخناها فنادى منادي رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن أكفئوا القدور
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء
وابن أبي أوفي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه * (
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال أخبرنا شعبة عن عدي بن ثابت قال سمعت
البراء وعبد الله بن أبي أوفي رضي الله عنهما مثله ولم يذكر خيبر
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن إبراهيم الهجري عن ابن أبي أو في مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن الشيباني عن ابن أبي أوفي رضي الله عنه مثله
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس قال ثنا سفيان قال أخبرنا عمرو
قال قلت لجابر بن زيد إنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن لحوم الحمر الأهلية
فقال قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أبى ذلك الحبر يعني
بن عباس رضي الله عنهما وقرأ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عيسى بن إبراهيم قال ثنا عبد العزيز بن مسلم قال ثنا محمد بن عمرو
عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا الدراوردي قال حدثني محمد بن عمرو فذكر
بإسناده مثله
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس قال ثنا سفيان عن أيوب السختياني
عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أصابوا حمرا فطبخوا منها
فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عنها فإنها نجس فأكفئوا القدور
حدثنا أبو أمية قال ثنا عبد الله بن عمر قال ثنا هشام عن حماد عن محمد عن أنس وأيوب
عن محمد قال حماد وأظنه عن أنس رضي الله عنه قال اتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر فقيل له أكلت
الحمر فسكت ثم أتى فقيل له فنيت الحمر فأمر أبا طلحة ينادي ثم ذكر مثله
205

حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أخبرنا هشام عن محمد عن أنس
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الوهاب بن نجدة قال ثنا بقية قال أخبرنا الزبيدي عن
الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من
السباع وعن لحوم الحمر الأهلية
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا إبراهيم بن سويد قال حدثني يزيد بن أبي عبيد
مولى سلمة بن الأكوع قال أخبرني سلمة أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مساء يوم افتتحوا خيبر فرأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم نيرانا توقد
فقال ما هذه النيران قالوا على لحوم الحمر الإنسية
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهريقوا ما فيها واكسروها يعني القدور
فقال رجل من القوم أو نغسلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ذاك
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم قال ثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة فذكر نحوه
فكانت هذه الآثار قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية
فكان أول الأشياء بنا أن نحمل حديث غالب بن الأبجر على ما وافقها لا على ما خالفها
فقال قوم إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك إبقاء على الظهر ليس على وجه التحريم
ورووا في ذلك حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عباد بن موسى الختلي قال ثنا يحيى بن سعيد الأموي
عن الأعمش قال حدثت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قال بن عباس رضي الله عنهما ما نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أكل لحوم الحمر الأهلية إلا من أجل أنه ظهر
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج أن نافعا أخبره
عن عبد الله بن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الحمار الأهلي يوم خيبر وكانوا قد احتاجوا إليه
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا مكي بن إبراهيم وأبو عاصم قالا أخبرنا بن جرى قال أخبرني نافع
قال قال بن عمر ثم ذكر مثله
فكان من الحجة عليهم في ذلك أن جابرا رضي الله عنه قد أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أطعمهم يومئذ لحوم الخيل
ونهاهم عن لحوم الحمر وهم كانوا إلى الخيل أحوج منهم إلى الحمر
فدل تركه منعهم أكل لحوم الخيل أنهم كانوا في بقية من الظهر ولو كان في قلة من الظهر حتى احتج
206

لذلك أن يمنعوا من أكل لحوم الحمر لكانوا إلى المنع من أكل لحوم الخيل أحوج لأنهم يحملون على الخيل
كما يحملون على الحمر ويركبون الخيل بعد ذلك لمعان لا يركبون لها الحمر
فدل ما ذكرنا أن العلة التي لها منعوا من أكل لحوم الحمر ليست هي هذه العلة
وقد قال آخرون إنما منعوا يومئذ من أكل لحوم الحمر لأنها حمر كانت تأكل العذرة
ورووا في ذلك ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن الشيباني قال ذكرت
لسعيد بن جبير حديث بن أبي أوفي في أمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بإكفاء القدور يوم خيبر
فقال إنما نهى عنها لأنها كانت تأكل العذرة
وقالوا فإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها لهذه العلة
فكان من الحجة عليهم في ذلك أنه لو لم يكن جاء في هذا إلا الامر بإكفاء القدور لكان ذلك محتملا
لما قالوا ولكنه قد جاء هذا وجاء النهي في ذلك مطلقا
حدثنا علي بن معبد قال ثنا شبابة بن سوار قال ثنا أبو زيد عبد الله بن المعلا قال ثنا مسلم
بن مشكم كاتب أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت أبا ثعلبة الخشني يقول اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت
يا رسول الله حدثني ما يحل لي مما يحرم علي
فقال لا تأكل الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع
فكان كلام النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث جوابا لسؤال أبي ثعلبة إياه عما يحل له مما يحرم عليه
فدل ذلك على نهيه عن أكل لحوم الحمر الأهلية لا لعلة تكون في بعضها دون بعض من أكل العذرة
وما أشبهها ولكن لها في أنفسها
وقد جعلها صلى الله عليه وسلم في نهيه عنها كذي الناب من السباع
فكما كان ذو ناب منهيا عنه لا لعلة كان كذلك الحمر الأهلية منهيا عنها لا لعلة
وقد قال قوم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهى عنها لأنها كانت نهبة
ورووا في ذلك حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن مرزوق قال ثنا حرب بن شداد عن يحيى
بن أبي كثير عن النحاز الحنفي عن سنان بن سلمة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يوم خيبر بقدور
فيها لحم حمر الناس فأمر بها فأكفئت
فكان من الحجة عليهم في ذلك أن قوله حمر الناس يحتمل أن يكون انتهبوها من الناس ويحتمل أن
تكون نسبت إلى الناس لأنهم يركبونها فيكون النهي وقع عليها لأنها أهلية لا لغير ذلك
قالوا فإنه قد روى في ذلك ما يدل على أنها كانت نهبة
207

فذكروا ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء
رضي الله عنه أنهم أصابوا من الفئ حمرا فذبحوها
فقال النبي صلى الله عليه وسلم أكفئوا القدور قالوا فبين هذا الحديث أن تلك الحمر كانت نهبة
فقيل لهم فإذا ثبت أنها كانت نهبة كما ذكرتم فما دليلكم على أن النهي كان للنهبة وما جعلكم بتأويل
ذلك النهي أنه كان للنهبة أولى من غيركم في تأويله أن النهي عنها كان لها في أنفسها لا للنهبة
وقد ذكرنا في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم أكفئوها فإنها رجس فدل
ذلك على أن النهي وقع عليها لأنها رجس لا لأنها نهبة
وفي حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم أكفئوا القدور واكسروها
فقالوا يا رسول الله أو نغسلها فقال أو ذاك فدل ذلك أيضا على أن النهي كان لنجاسة لحوم الحمر
لا لأنها نهبة ولا لأنها مغصوبة
ألا يرى أن رجلا لو غصب رجلا شاة فذبحها وطبخ لحمها أن قدره التي طبخ ذلك فيها لا يتنجس وأن
حكمها في طهارتها حكم ما طبخ فيه لحم غير مغصوب
فدل ما ذكرنا من أمره إياه بغسلها على نجاسة ما طبخ فيها على أن الامر الذي كان منه بطرح مكان
فيها لنجاستها لا لغصبهم إياها
وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في شاة غصبت فذبحت وطبخت بخلاف هذا
حدثنا فهد قال ثنا النفيلي قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن
رجل قال حسبته من الأنصار أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلقيه رسول امرأة من قريش يدعوه إلى
طعام فجلسنا مجالس الغلمان من آبائهم ففطن آباؤنا النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده أكلة فقال إن هذا لحم
شاة يخبرني أنها أخذت بغير حلها
فقامت المرأة فقالت يا رسول الله لم تزل تعجبني أن تأكل في بيتي وإني أرسلت إلى البقيع فلم توجد
فيه شاة وكان أخي اشترى شاة بالأمس فأرسلت بها إلى أهله بالثمن فقال أطعموها الأسارى
فتنزه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكلها ولم يأمر بطرحها بل أمرهم بالصدقة بها إذ أمرهم أن يطعموها الأسارى
فهذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللحم الحلال إذا غصب فاستهلك
فلو كانت لحوم الحمر الأهلية حلالا عنده لأمر فيها لما انتهبت بمثل ما أمر به في هذه الشاة لما غصبت
ولكنه إنما أمر في لحم تلك الحمر لما أمر به لمعنى خلاف المعنى الذي من أجله أمر في لحم هذه الشاة
بما أمر به
208

ألا يرى أن رجلا لو غصب رجلا شاة فذبحها وطبخ لحمها أنه لا يؤمر بطرح ذلك في قول أحد من الناس
فكذلك لحم الأهلية المذبوحة بخيبر لو كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عنها من أجل النهبة التي حكمها حكم النصب
إذا لما أمرهم بطرح ذلك اللحم ولأمرهم فيه بمثل ما يؤمر به من غصب شاة فذبحها وطبخ لحمها
فلما انتفى أن يكون نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر لمعنى من هذه المعاني التي ادعاها الذين أباحوا
لحمها ثبت أنه نهيه ذلك عنها كان لها في نفسها كالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع فكان ذلك
النهي له في نفسه فلا ينبغي لأحد خلاف شئ من ذلك
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لا ألفين أحدا منكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من أمري فيقول
بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حرام حرمناه وما وجدنا من حلال أحللناه ألا وإن ما حرم
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مثل ما حرم الله
حدثنا بذلك محمد بن الحجاج قال ثنا أسد قال ثنا معاوية بن صالح عن الحسن بن جابر عن المقدام
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو مسهر قال ثنا يحيى بن حمزة قال حدثني الزبيدي عن مروان
بن روية أنه حدثه عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معد يكرب الكندي رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني أوتيت الكتاب وما يعدله يوشك شبعان على أريكته يقول بيننا وبينكم
هذا الكتاب فما كان فيه من حلال حللناه وما كان فيه من حرام حرمناه ألا وإنه ليس كذلك لا يحل
ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي النضر عن أبي رافع
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
وحدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني الليث بن سعد عن أبي النضر عن موسى بن
عبد الله بن قيس عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس حوله لا أعرفن
أحدكم يأتيه الامر من أمري قد أمرت به أو نهيت عنه وهو متكئ على أريكته فيقول ما وجدناه في كتاب
الله عملناه وإلا فلا
حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي قال حدثنا سفيان عن ابن المنكدر وأبي النضر عن عبيد الله بن
أبي رافع عن أبيه أو عن غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الامر من
أمري مما قد أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه
فحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلاف أمره كما حذر من خلاف كتاب الله عز وجل فليحذر أن يخالف
شيئا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحق عليه ما يحق على مخالف كتاب الله
209

وقد تواترت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن لحوم الحمر الأهلية بما قد ذكرنا ورجعت معانيها
إلى ما وصفنا
فليس ينبغي لأحد خلاف شئ من ذلك
فإن قال قائل فقد رويتم عن ابن عباس رضي الله عنهما إباحتهما وما احتج به في ذلك من قول الله عز وجل
قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية
قيل له ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فهو أولى مما قال بن عباس رضي الله عنهما
وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فهو مستثنى من الآية على هذا ينبغي أن يحمل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذا المجئ المتواتر في الشئ المقصود إليه بعينه مما قد أنزل الله عز وجل في كتابه آية مطلقة على ذلك الجنس
فيجعل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك مستثنى من تلك الآية غير مخالف لها حتى لا يضاد القرآن
السنة ولا السنة القرآن
فهذا حكم لحوم الحمر الأهلية من طريق تصحيح معاني الآثار
قال أبو جعفر ولو كان إلى النظر لكان لحوم الحمر الأهلية حلالا وكان ذلك كلحم الحمر الوحشية لان
كل صنف قد حرم إذا كان أهليا مما قد أجمع على تحريمه فقد حرم إذا كان وحشيا
ألا ترى أن لحم الخنزير الوحشي كلحم الخنزير الأهلي فكان النظر على ذلك أيضا إذا كان الحمار الوحشي
لحمه أن يكون حلالا أن يكون كذلك الحمار الأهلي
ولكن ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى ما أتبع وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة
الله عليهم أجمعين
باب أكل لحوم الفرس
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو نعيم ح
وحدثنا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال ثنا يزيد بن عبد ربه وخالد بن خلي قالوا ثنا بقية بن الوليد
عن ثور بن يزيد عن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن لحوم الخيل والبغال والحمير
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فكرهوا لحوم الخيل
وممن ذهب إلى ذلك أبو حنيفة رحمه الله واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بأكل لحوم الخيل
210

واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري
عن عطاء بن رباح عن جابر بن عبد الله قال كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا فهد قال ثنا ابن الأصبهاني قال أخبرنا شريك
عن عبد الكريم ووكيع عن سفيان عن عبد الكريم فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن امرأته فاطمة بنت المنذر
عن أسماء بنت أبي بكر قالت نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه
وفي هذا الباب باب آثار قد دخلت في باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية فأغنانا ذلك عن إعادتها
فذهب قوم إلى هذه الآثار فأجازوا أكل لحوم الخيل وممن ذهب إلى ذلك أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
واحتجوا بذلك بتواتر الآثار في ذلك وتظاهرها
ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر لما كان بين الخيل الأهلية والحمر الأهلية فرق
ولكن الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صحت وتواترت أولى أن يقال بها من النظر ولا سيما إذ قد أخبر
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح لهم لحوم الخيل في وقت منعه إياهم من لحوم
الحمر الأهلية فدل ذلك على اختلاف حكم لحومهما
كتاب الأشربة
باب الخمر المحرمة ما هي
حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة قال ثنا أبو داود قال ثنا هشام عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي كثير عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن الأوزاعي وعكرمة بن عمار عن أبي كثير وهشام
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا عبد الله بن حمران قال ثنا عقبة بن التوم الرقاشي قال حدثني أبو كثير
اليمامي قال دخلت من اليمامة إلى المدينة لما أكثر الناس الاختلاف في النبيذ لألقى أبا هريرة فأسأله عن
ذلك فلقيته فقلت يا أبا هريرة إني أتيتك من اليمامة أسألك عن النبيذ فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تحدثني
عن غيره
فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الخمر من الكرمة والنخلة
211

قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الخمر من التمر والعنب جميعا واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا الخمر المحرمة في كتاب الله تعالى هي الخمر التي من عصير العنب إذا نش العصير
وألقى بالزبد هكذا كان أبو حنيفة رحمه الله يقول
وقال أبو يوسف رحمه الله إذا نش وإن لم يلق بالزبد فقد صار خمرا
وليس الحديث الذي رويناه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في أول هذا الباب بخلاف ذلك عندنا لأنه
يحتمل أن يكون أراد بقوله الخمر من هاتين الشجرتين إحداهما فعمهما بالخطاب وأراد إحداهما دون الأخرى
كما قال الله عز وجل يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وإنما يخرج من أحدهما
وكما قال يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم والرسل من الانس
لا من الجن
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت إذ أخذ على أصحابه في البيعة كما أخذ على النساء
أن لا تشركوا ولا تسرقوا ولا تزنوا
ثم قال من أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له
حدثنا بذلك يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن أبي إدريس عن عبادة بن الصامت
عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقد علمنا من أشرك فعوقب بشركه فليس ذلك بكفارة
فدل ما ذكرنا أنه إنما أراد ما سوى الشرك مما ذر في هذا الحديث
فلما كانت هذه الأشياء قد جاءت ظاهرها على الجمع وباطنها على خاص من ذلك احتمل أيضا أن يكون
قوله الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة ظاهر ذلك عليهما وباطنه على أحدهما فيكون الخمر
المقصود في ذلك من العنبة لا من النخلة
ويحتمل أيضا قوله الخمر من هاتين الشجرتين أن يكون عني به الشجرتين جميعا ويكون ما خمر من ثمرهما
خمرا كما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد فيما ينفع من الزبيب والتمر فجعلوه خمرا
ويحتمل قوله الخمر من هاتين الشجرتين أن يكون أراد الخمر منهما وإن كانت مختلفة على أنها
من العنب ما قد علمناه من الخمر وعلى أنها من التمر ما يسكر فيكون خمر العنب هي عين العصير إذا
اشتد وخمر التمر هو المقدار من نبيذ التمر الذي يسكر
فلما احتمل هذا الحديث هذه الوجوه التي ذكرنا لم يكن أحدها بأولى من بقيتها ولم يكن لمتأول أن يتأوله
على أحدهما إلا كان لخصمه أن يتأوله على ذلك
212

فإن قال قائل فما معنى حديث عمر يريد ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال سمعت
بن إدريس قال سمعت أبا حيان التيمي عن الشعبي عن ابن عمر قال سمعت عمر رضي الله عنه على منبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي يومئذ من خمسة التمر والعنب
والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل
وقد روى مثل ذلك أيضا عن ابن عمرو النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا ربيع بن سليمان الجيزي قال ثنا أبو الأسود قال ثنا ابن لهيعة عن أبي النضر عن سالم بن
عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن من العنب خمرا وأنهاكم عن كل مسكر
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن إبراهيم
بن المهاجر عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه لم يذكره قوله وأنهاكم عن كل مسكر قيل له يحتمل هذان الحديثان جميع المعاني التي يحتملها
الحديث الأول غير معنى واحد وهو ما احتمله الحديث الأول
مما حمله عليه من ذهب إلى كراهة نقيع التمر والزبيب فإنه لا يحتمله هذا الحديث لأنه قرن
مع ذلك خمر الحنطة وخمر الشعير وهم لا يقولون ذلك لأنهم لا يرون بنقيع الحنطة والشعير بأسا ويفرقون
بينهما وبين نقيع التمر والزبيب فذلك التأويل لا يحتمله هذا الحديث ولكنه يحتمل التأويلات الاخر كما يحتمله
الحديث الأول
فإن احتج في ذلك بما روى عن أنس قال حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا أبو الأحوص
قال ثنا أبو إسحاق الهمداني عن يزيد بن أبي مريم عن أنس قال كنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ننبذ الرطب
والبسر فلما نزل تحريم الخمر أهرقناهما من الأوعية ثم تركناهما
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر قال ثنا حميد الطويل عن
انس قال كان أبو عبيدة بن الجراح وسهيل بن البيضاء وأبي بن كعب عند أبي طلحة وأنا أسقيهم من شراب حتى كاد أن يأخذ فيهم
قال فمر بنا مار من المسلمين فنادى ألا هل شعرتم إن الخمر قد حرمت فوالله ما أنتظر أن أمروني
أن ألقي ما في الآنية ففعلت فما عادوا في شئ منها حتى لقوا الله وإنها للبسر والتمر وإنها لخمرنا يومئذ
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا عبد الله بن بكر قال ثنا حميد عن أنس مثله (
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة قال أنا ثابت وحميد عن أنس
قال كنت أسقي أبا طلحة وسهيل بن بيضاء وأبا عبيدة بن الجراح وأبا دجانة خليط البسر والتمر حتى
أشرعت فيهم فنادى رجل ألا إن الخمر قد حرمت فوالله ما انتظروا حتى يعلموا أحقا ما قال أن باطلا
213

فقالوا أكفئ إناءك يا أنس فكفأتها فلم يرجع إلى رؤوسهم حتى لقوا الله عز وجل وكان خمرهم يومئذ
البسر والتمر (0)
حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام عن قتادة عن أنس قال إني
لأسقي أبا طلحة وأبا دجانة وسهيل بن بيضاء خليط بسر وتمر إذ حرمت الخمر فارقتها وأنا ساقيهم
يومئذ وأصغرهم وإنا نعدها يومئذ خمرا
قالوا هذا ما يدل على أن ذلك كان خمرا أيضا
قيل لهم ليس في ذلك دليل على ما ذكرت لأنه قد يجوز أن يكون الشراب نقيع تمر مخمر فثبت بذلك
قول من كره نقيع التمر ولا يجب بذلك حجة حرمة طبيخه
ويحتمل أن يكونوا فعلوا ذلك لعلمهم أن كثير ذلك مسكر فلم يأمنوا على أنفسهم الوقوع فيه لقرب
عهدهم به فكسروه لذلك
وأما قول أنس وإنها لخمرنا يومئذ فيحتمل أن يكون أراد بذلك ما كنا نخمر
والدليل على ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا ابن شهاب عن أبي ليلى
عن عيسى أن أباه بعثه إلى أنس في حاجة فأبصر عنده طلاء شديدا والطلاء ما يسكر كثيره فلم يكن ذلك
عند أنس خمرا وإن كثيره يسكر
وثبت بما وصفنا أن الخمر عند أنس لم يكن من كل شراب ولكنها من خاص من الأشربة وقد
وجدنا من الآثار ما يدل على ما ذكرنا أيضا مما تأولنا عليه أحاديث أنس
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا مسعر بن كدام عن أبي عون الثقفي عن عبد الله بن شداد بن
الهاد عن عبد الله بن عباس قال حرمت الخمر بعينها والسكر من كل شراب
فأخبر بن عباس أن الحرمة وقعت على الخمر بعينها وعلى السكر من سائر الأشربة سواها
فثبت بذلك أن ما سوى الخمر التي حرمت مما يسكر كثيره قد أبيح شرب قليله الذي لا يسكر على ما كان
عليه من الإباحة المتقدمة تحريم الخمر وأن التحريم الحادث إنما هو في عين الخمر والسكر مما في سواها
من الأشربة
فاحتمل أن يكون الخمر المحرمة هي عصير العنب خاصة واحتمل أن يكون كل ما خمر من عصير
العنب وغيره
فلما احتمل ذلك وكانت الأشياء قد تقدم تحليلها جملة ثم حدث تحريم في بعضها لم يخرج شئ مما قد أجمع
على تحليله إلا بإجماع يأتي على تحريمه
214

ونحن نشهد على الله عز وجل أنه حرم عصير العنب إذا حدثت فيه صفات الخمر ولا نشهد عليه أنه حرم
ما سوى ذلك إذا حدث فيه مثل هذه الصفة
فالذي نشهد على الله بتحريمه إياه هو الخمر الذي آمنا بتأويلها من حيث قد آمنا بتنزيلها
والذي لا نشهد على الله أنه حرم هو الشراب الذي ليس بخمر
فما كان من خمر فقليله وكثيره حرام وما كان مما سوى ذلك من الأشربة فالسكر منه حرام وما
سوى ذلك منه مباح
هذا هو النظر عندنا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
غير نقيع الزبيب والتمر خاصة فإنهم كرهوا
وليس ذلك عندنا في النظر كما قالوا لأنا وجدنا الأصل المجمع عليه أن العصير وطبيخه سواء وأن الطبخ
لا يحل به ما لم يكن حلالا قبل الطبخ إلا الطبخ الذي يخرجه من حد العصير إلى أن يصير في حد العسل
فيكون بذلك حكمه حكم العسل
فرأينا طبيخ الزبيب والتمر مباحا باتفاقهم
فالنظر على ذلك أن يكون فيهما كذلك فيستوي نبيذ التمر والعنب النئ والمطبوخ كما استوى
العصير وطبيخه
فهذا هو النظر ولكن أصحابنا خالفوا ذلك للتأويل الذي تأولوا عليه حديث أبي هريرة وأنس اللذين ذكرنا
وشئ رووه عن سعيد بن جبير
فإنه حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون قال أنا هشام عن ابن شبرة عن سعيد بن جبير أنه قال
في ذلك هي الخمر فاجتنبها
باب ما يحرم من النبيذ
حدثنا يزيد بن سنان وربيع الجيزي قالا ثنا عبد الله بن مسلمة قال ثنا عبد الله بن عمر عن
عبد الرحمن بن زياد عن مسلم بن يسار عن سفيان بن وهب الخولاني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء قال أنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن
عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل مسكر حرام
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أنا محمد بن عمرو فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال أنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن عمرو عن
215

أبي سلمة عن أبي هريرة وابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال أنا الربيع الزهراني قال أنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن
عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الخطاب بن عثمان قال ثنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أيوب
السختياني عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا يحيى بن أيوب قال حدثني بن عجلان عن
نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن إدريس المكي قال القعنبي قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن
عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن إدريس المكي قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد فذكر بإسناده مثله
ولم يرفعه
حدثنا علي بن معبد قال ثنا سعيد بن أبي مريم قال أنا محمد بن جعفر قال أنا الضحاك بن عثمان بن
بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهاكم عن قليل
ما أسكر كثيره
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الحسن عن عمرو
العصيمي عن الحكم عن شهر بن حوشب عن أم سلمة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر
حدثنا يونس وحسين بن نصر قالا ثنا علي بن معبد عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري
عن قيس بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل حرم الخمر والميسر
والكوبة وقال كل مسكر حرام
حدثنا علي بن معبد قال حدثنا إسحاق بن عيسى قال ثنا مالك بن أنس قال ثنا ابن شهاب الزهري عن أبي سلمة
بن عبد الرحمن عن عائشة قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع بنبيذ العسل فقال كل شراب أسكر فهو حرام
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني مالك ويونس عن ابن شهاب فذكر بإسناده مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا شريح بن النعمان الجوهري قال ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي
سلمة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل شراب أسكر فهو حرام
حدثنا علي قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا مهدي بن ميمون عن أبي عثمان الأنصاري قال سمعت القاسم بن
محمد يحدث عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء
الكف منه حرام
216

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء
بن يسار عن ميمونة وعن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل شراب أسكر فهو حرام
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن وليد بن
عبدة عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخمر والميسر والكوبة وقال كل مسكر حرام
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يونس بن محمد قال ثنا عبد الله بن عمرو عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد
الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما أسكر كثيره فقليله حرام
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو الأسود قال أنا ابن لهيعة عن أبي هبيرة قال سمعت شيخا يحدث أبا تميم
أنه سمع قيس بن سعد بن عبادة على المنبر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مسكر حرام
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يعلى بن منصور قال أنا إسماعيل بن جعفر عن داود بن بكير عن محمد بن المنكدر
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن سليمان الواسطي عن عثمان بن مطر عن أبي حريز عن الشعبي
قال سمعت النعمان بن بشير يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهاكم عن كل مسكر
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن بحر قال ثنا معتمر بن سليمان قال قرأت على فضيل بن ميسرة أبي
معاذ قال حدثني أبو حريز أن الشعبي حدثه قال سمعت النعمان بن بشير يخطب على منبر الكوفة يقول قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهاكم عن كل مسكر
حدثنا مبشر بن الحسن قال ثنا أبو داود الطيالسي قال ثنا الحويس بن مسلم الكوفي عن طلحة اليمامي
عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن سعيد عن أبي بردة قال سمعت
أبي يحدث عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث أبا موسى ومعاذا إلى اليمن قال أبو موسى إن شرابا
يصنع في أرضنا من العسل يقال له البتع ومن الشعير يقال له المزر
فقال النبي صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن حرموا قليل النبيذ وكثيره واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فأباحوا من ذلك ما يسكر وحرموا الكثير الذي يسكر
وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذه الآثار التي ذكرنا قد رويت عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولكن تأويلها يحتمل أن يكون كما ذهب إليه من حرم قليل النبيذ وكثيره فيحتمل أن يكون على الدار
الذي يسكر منه شاربه خاصة
فلما احتملت هذه الآثار كل واحد من هذين التأويلين نظرنا فيما سواهما ليعلم به أي المعنيين أريد بما
ذكرنا فيها
217

فوجدنا عمر بن الخطاب وهو أحد النفر الدين روينا عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال كل مسكر حرام
قد روى عنه في إباحة القليل من النبيذ الشديد ما حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص قال ثنا أبي قال ثنا
الأعمش قال حدثني إبراهيم عن همام بن الحارث عن عمر أنه كان في سفر فأتي بنبيذ فشرب منه فقطب
ثم قال إن نبيذ الطائف له غرام فذكر شدة لا أحفظها ثم دعا بماء فصب عليه ثم شرب
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون
قال شهدت عمر حين طعن فجاءه الطبيب فقال أي الشراب أحب إليك قال النبيذ فأتي بنبيذ فشرب
منه فخرج من إحدى طعنتيه
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا زهير قال ثنا أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون
مثله وزاد قال عمر وكان يقول انا نشرب من هذا النبيذ شرابا يقطع لحوم الإبل في بطونها من أن يؤذينا
قال وشربت من نبيذه فكان أشد النبيذ
حدثنا روح قال ثنا عمرو قال ثنا زهير قال قال أبو إسحاق عن عامر عن سعيد بن ذي لعوة
قال اتي عمر برجل سكران فجلده فقال إنما شربت من شرابك فقال وإن كان
حدثنا فهد قال ثنا عمرو بن جعفر قال ثنا أبي عن الأعمش قال حدثني أبو إسحاق عن سعيد بن ذي
حدان أو بن ذي لعوة قال جاء رجل قد ظمئ إلى خازن عمر فاستسقاه فلم يسقه فأتي بسطيحة
لعمر فشرب منها فسكر فأتي به عمر فاعتذر إليه وقال إنما شربت من سطيحتك فقال عمر إنما أضربك
على السكر فضربه عمر
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص قال ثنا أبي عن الأعمش قال حدثني حبيب بن أبي ثابت عن نافع
عن أبي علقمة قال أمر بنبيذ له فصنع في بعض تلك المنازل فأبطأ عليهم ليلة فأتي بطعام فطعم ثم أتي بنبيذ
قد احلف واشتد فشرب منه ثم قال إن هذا لشديد ثم أمر بماء فصب عليه ثم شرب هو وأصحابه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج بن منهال قال ثنا حماد بن سلمة قال ثنا خالد الحذاء الخزاعي
عن المعدل عن ابن عمر انتبذ له في مزادة فيها خمسة عشر أو ستة عشر فأتاه فذاقه فوجده
حلوا فقال كأنكم أقللتم عكره
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو صالح قال حدثني الليث قال ثنا عقيل عن ابن شهاب أنه قال
أخبرني معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان الليثي أن أباه عبد الرحمن بن عثمان قال صحبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه
إلى مكة فأهدى له ركب من ثقيف سطيحتين من نبيذ والسطيحة فوق الإداوة ودون المزادة
قال عبد الرحمن فشرب عمر إحداهما ولم يشرب الأخرى حتى اشتد ما فيه فذهب عمر فشرب منه
فوجده قد اشتد فقال اكسروه بالماء
حدثنا فهد قال ثنا أبو اليمان قال ثنا شعيب عن الزهري فذكر بإسناده مثله
فلما ثبت بما ذكرنا عن عمر إباحة قليل النبيذ الشديد وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مسكر حرام
218

كان ما فعله في هذا دليلا أن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ذلك عنده من النبيذ الشديد هو السكر منه لا غير
فإما أن يكون سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قولا أو رآه رأيا
فإن ما يكون منه في ذلك يكون رآه رأيا فرأيه في ذلك عندنا حجة ولا سيما إذ كان فعله المذكور
في الآثار التي رويناها عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه منهم منكر فدل ذلك على متابعتهم
إياه عليه
وهذا عبد الله بن عمر وهو أحد النفر الذين رووا عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام
وقد روى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا أبو أمية قال ثنا أبو نعيم قال ثنا عبد السلام عن ليث عن عبد
الملك بن أخي القعقاع بن شور عن ابن عمر قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فأدناه إلى فيه فقطب فرده
فقال رجل يا رسول الله أحرام هو فرد الشراب ثم عاد بماء فصبه عليه ذكر مرتين أو ثلاثا ثم قال
إذا اغتلمت هذه الأسقية عليكم فاكسروا متونها بالماء
حدثنا وهب بن عثمان البغدادي قال ثنا أبو همام قال حدثني يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن
إسماعيل بن أبي خالد قال ثنا قرة العجلي قال حدثني عبد الملك بن أخي القعقاع عن ابن عمر مثله
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال حدثني أسباط بن محمد عن الشيباني عن عبد الملك بن نافع قال
سألت بن عمر فقلت إن أهلنا ينبذون نبيذا في سقاء لو أنهكته لاخذ في
فقال بن عمر إنما البغي على من أراد البغي شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الركن وأتاه رجل بقدح
من نبيذ
ثم ذكر مثل حديث أبي أمية غير أنه قال فاكسروها بالماء
ففي هذا إباحة قليل النبيذ الشديد
وأولى الأشياء بنا إذ كان قد روي عنه هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فروى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام
أن نجعل كل واحد من القولين على معنى غير المعنى الذي عليه القول الآخر
فيكون قوله كل مسكر حرام على المقدار الذي يسكر منه من النبيذ ويكون ما في الحديث الآخر على
إباحة قليل النبيذ الشديد
وقد روي عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث بن عمر هذا
أخبرنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا يحيى بن اليمان عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعد عن
أبي مسعود قال عطش النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة فاستسقى فأتي بنبيذ من نبيذ السقاية فشمه فقطب فصب
عليه من ماء زمزم ثم شرب فقال رجل أحرام هو فقال لا
219

وقد روى في ذلك عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا علي بن معبد قال ثنا يونس قال
ثنا شريك عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذا إلى اليمن
فقلنا يا رسول الله إن بها شرابين يصنعان من البر والشعير أحدهما يقال له المزر والآخر يقال له البتع
فما نشرب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشربا ولا تسكرا
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال أنا شريك عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن
أبيه أنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذا إلى اليمن
فقلت إنك بعثتنا إلى أرض كثير شراب أهلها فقال اشربا ولا تشربا مسكرا
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا الفضيل بن مرزوق عن أبي إسحاق فذكر بإسناده مثله
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى ومعاذ حين سألا عن البتع اشربا ولا تسكرا ولا تشربا مسكرا
كان ذلك دليلا أن حكم المقدار الذي يسكر من ذلك الشراب خلاف حكم ما لا يسكر منه
فدل ذلك على أن ما ذكره أبو موسى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكرنا عنه في الفصل الأول من قوله كل
مسكر حرام إنما هو على المقدار الذي يسكر لا على العين التي كثيرها يسكر
وقد روينا حديث أبي سلمة عن عائشة في جواب النبي صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن البتع بقوله كل شراب
أسكر فهو حرام
فإن جعلنا ذلك على قليل الشراب الذي يسكر كثيره ضاد جواب النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى الأشعري
وإن جعلناه على تحريم السكر خاصة لا على تحريم الشراب وافق حديث أبي موسى
وأولى الأشياء بنا حمل الآثار على الوجه الذي لا يتضاد إذا حملت عليه
وقد روي عن عبد الله بن مسعود في ذلك أيضا ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا محمد بن كثير قال أنا سفيان
عن أبيه عن لبيد عن شماس قال قال عبد الله إن القوم ليجلسون على الشراب وهو يحل لهم فما
يزالون حتى يحرم عليهم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا حماد عن إبراهيم عن علقمة بن قيس أنه
أكل مع عبد الله بن مسعود خبزا ولحما قال فأتينا بنبيذ شديد سيرين في جرة خضراء فشربوا منه
حدثني بن أبي داود قال ثنا نعيم وغيره قال أنا حجاج عن حماد عن إبراهيم عن علقمة قال
سألت بن مسعود عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسكر قال الشربة له الأخيرة
220

فهذا عبد الله بن مسعود قد روى عنه في إباحة قليل النبيذ الشديد من فعله وقوله ما ذكرنا ومن تفسير
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر حرام على ما وصفنا
وقد روى عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا أيضا
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد الزبيري قال ثنا سفيان عن علي بن بذيمة عن قيس بن حبتر قال
سألت بن عباس عن الجر الأخضر والجر الأحمر
فقال إن أول من سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وفد عبد القيس فقال لا تشربوا في الدباء ولا في المزفت
ولا في النقير واشربوا في الأسقية
فقالوا يا رسول الله فإن اشتد في الأسقية قال صلى الله عليه وسلم صبوا عليه من الماء وقال لهم في الثالثة أو الرابعة
فأهريقوه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال ثنا إسرائيل عن علي بن بذيمة عن قيس بن حبتر
عن ابن عباس أنه سئل عن الجر فذكر مثل ذلك
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح لهم أن يشربوا من نبيذ الأسقية وإن اشتد
فإن قال قائل فإن في أمره إياهم بإهراقه بعد ذلك دليلا على نسخ ما تقدم من الإباحة
قيل لهم وكيف يكون ذلك كذلك وقد روى عن ابن عباس من كلامه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمت
الخمر لعينها والسكر من كل شراب
وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما تقدم من هذا الكتاب وهو الذي روى عنه ما ذكرت
فدل ذلك أن التحريم في الأشربة كان على الخمر بعينها قليلها وكثيرها والسكر من غيرها
وكيف يجوز علي بن عباس مع علمه وفضله أن يكون قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوجب تحريم النبيذ
الشديد ثم يقول حرمت الخمر لعينها والسكر من كل شراب فيعلم الناس أن قليل الشراب من غير الخمر
وإن كان كثيره يسكر حلال هذا غير جائز عليه عندنا
ولكن معنى ما أراد بإهراق النبيذ في حديث قيس أنه لم يأمنهم عليه أن يسرعوا في شربه فيسكروا
والسكر محرم عليهم فأمرهم بإهراقه لذلك
وقد روى في مثل هذا أيضا ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عثمان بن الهيثم بن الجهم المؤذن قال ثنا
عوف أبي جميلة قال حدثني أبو القموص زيد بن علي عن أحد الوفد الذين وفدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في
وفد عبد القيس أو يكون قيس بن النعمان فإني قد نسيت اسمه أنهم سألوه عن الأشربة فقال لا تشربوا في الدباء
ولا في النقير واشربوا في السقاء الحلال الموكأ عليها فإن اشتد منه فاكسروه بالماء فإن أعياكم فأهريقوه
221

فإن قال قائل قد رويت في هذا الباب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما ذكرت في حديث عمرو بن
ميمون وغيره وقد روى عنه خلاف ذلك
فذكر ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال أنا شعيب عن الزهري قال حدثني السائب بن
يزيد أن عمر بن الخطاب خرج فصلى على جنازة ثم أقبل على القوم فقال لهم إني وجدت آنفا من عبد الله
بن عمر ريح الشراب فسألته عنه فزعم أنه طلاء وإني سائل عنه فإن كان يسكر جلدته
قال ثم شهدت عمر بعد ذلك جلد عبد الله ثمانين في ريح الشراب الذي وجد منه
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب
خرج عليهم فقال إني وجدت مع فلان ريح شراب فزعم أنه شراب الطلاء أنا سائل عما يشرب فإن كان
يسكر جلدته فجلده الحد تاما
قال فهذا عمر قد حد في الشراب الذي يسكر فهذا يخالف لما رويتم عن عمرو بن ميمون وغيره عنه
قيل له ما هذا يخالف لذلك لان عمر قال في هذا الحديث وأنا سائل عما شرب ما كان يسكر جلدته
فقد يحتمل أن يكون أراد بذلك المقدار الذي شرب أي فإن كان ذلك المقدار يسكر فقد علمت أنه قد سكر
ووجب عليه الحد
وهذا أول ما حمل عليه تأويل هذا الحديث حتى لا يضاد ما سواه من الأحاديث التي قد رويت عنه
وقد روى عن أبي هريرة أيضا في هذا ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا مسلم بن
خالد قال حدثني زيد بن أسلم عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأل عنه فإن أسقانا شرابا فليشرب منه ولا يسأل عنه فإن خشي
منه فليكسره بشئ ففي
هذا الحديث إباحة شرب النبيذ
فإن قال قائل إنما أباحه بعد كسره بالماء وذهاب شدته
قيل له هذا كلام فاسد لأنه لو كان في حال شدته حراما لكان لا يحل وإن ذهبت شدته بصب
الماء عليه
ألا ترى أن خمرا لو صب فيها ماء حتى غلب الماء عليها أن ذلك حرام
فلما كان قد أبيح في هذا الحديث الشراب الشديد إذا كسر بالماء ثبت بذلك أنه قبل أن يكسر بالماء
غير حرام
فثبت بما روينا في هذا الباب إباحة ما لا يسكر من النبيذ الشديد وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف
ومحمد رحمهم الله تعالى
222

باب الانتباذ في الدباء والحنتم والنقير والمزفت
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا القواريري قال ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان الثوري عن سليمان عن
إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن علي رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والمزفت
حدثنا علي بن معبد قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام الدستوائي قال ثنا أيوب عن سعيد بن
جبير قال سئل بن عمر عن نبيذ الجر فقال حرمه النبي صلى الله عليه وسلم
فأتيت بن عباس فذكرت ذلك له فقال صدق قلت أي جر قال كل شئ من الله
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا وهيب عن أيوب عن رجل عن
سعيد بن جبير مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا أبو أحمد الزبيري قال ثنا سفيان عن علي بن بذيمة قال حدثني قيس بن
حبتر قال سألت بن عباس عن الجر الأبيض والأحمر
فقال إن أول من سأل النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس فقالوا إنا نصيب من النخل فقال لا تشربوا في
الدباء ولا في المزفت ولا في النقير ولا في الجر
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا شعبة عن يحيى الزهراني قال سمعت بن
عباس يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا شعبة وحماد بن سلمة عن أبي حمزة قال سمعت بن عباس
يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس عن الدباء والحنتم والنقير
في حديث شعبة وربما قال النقير والمزفت في حديثهما جميعا
وفي حديث شعبة فاحفظوهن عني وأخبروا بهن من وراءكم
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن زيد وأبو هلال عن أبي حمزة عن ابن عباس قال نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس عن الحنتم والنقير والمزفت وفي حديث حماد والدباء
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا أبي عن يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير قال سمعت
بن عمر يقول حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر قال فأتيت بن عباس فقلت ألا تسمع ما يقول بن عمر
قال وما يقول قلت يقول حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر
قال صدق بن عمر حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيذ الجر
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت
أبا الحكم قال سألت بن عباس عن النبيذ فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر والدباء والمزفت قال وسألت بن الزبير فقال مثل ذلك
223

قال وسألت بن عمر فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر
والدباء والمزفت
قال وأخبرني أخي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن عقيل عن عطاء
بن يسار عن ميمونة وعن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تنبذوا في الدباء
والمزفت
والنقير والجرار
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الصمد عن شعبة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود قال سألت
عائشة عما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوعية التي ينبذ فيها فقالت المزفت
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح بن عبادة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود قال سألت عائشة
عن الأوعية التي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت القرع والمزفت وهي جرار خضر كان يجاء بها من مصر مزفتة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن منصور قال سمعت إبراهيم يحدث عن الأسود
قال سألت عائشة عما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوعية التي ينبذ فيها فقالت المزفت
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الصمد عن شعبة قال سمعت منصورا فذكر بإسناده مثله
قال قلت فالجرار قالت ما أنا زائدتك على ما قد سمعت
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا شيبان أبو معاوية عن الأشعث بن أبي الشعثاء قال حدثني
عبد الله بن معقل المحاربي قال سمعت عائشة تقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبذ في الحنتم والدباء والمزفت
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمرو الحوضي قال حدثنا همام قال حدثني قتادة قال حدثني
أربعة رجال عن أبي سعيد الخدري وحدثني خمس نسوة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نبيذ الجر
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح قال ثنا شعبة قال ثنا عبيد الله بن عمر أو عمران بن عبد الله قال
سمعت عبد الله بن شماس يقول سألت عائشة رضي الله عنها فقالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحنتمة وهي
الجرة وعن الدباء والمزفت والنقير
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود قال ثنا سليمان بن معاذ قال ثنا الأشعث قال سمعت حبة العرني
يقول سمعت عائشة تقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن يحيى قال ثنا حماد بن زيد عن ثابت قال قلت لابن
عمر رضي الله عنهما أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر فقال قد زعموا ذلك
224

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا هدبة عن خالد قال أنا سليمان بن مغيرة عن ثابت قال قلت لابن عمر
أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر فقال زعموا ذلك
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في بعض
مغازيه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا قال قال نهى أن ينتبذ في الدباء والمزفت
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة عن سليمان التيمي عن طاوس عن ابن عمر قال
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر
حدثنا ابن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القرع والمزفت
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن يحيى قال ثنا أبو خيثمة عن أبي الزبير عن جابر وابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النقير والدباء والمزفت
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة ح
وحدثنا ابن مرزوق أيضا قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة عن عقبة وهو بن حريث
عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجر والدباء والمزفت وأمر أن تنبذ في الأسقية
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والمزفت قال لا أدري وذكر النقير أم لا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا شعبة قال حدثني عمرو بن مرة عن زاذان قال قلت
لابن عمر أخبرني عما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه من الأوعية وفسره لنا بلغتنا
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحنتم وهي التي تسمونها الجرة ونهى عن الدباء وهي التي تسمونها
القرعة ونهى عن المزفت وهي المقيرة ونهى عن النقير وهي النخلة تشح شحا وتنقر نقرا وأمر أن تنبذ
في الأسقية
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح عن حماد عن أبي الزبير عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
الدباء والمزفت والنقير
حدثنا علي بن معبد قال ثنا الحجاج بن محمد عن ابن جريج قال قال أبو الزبير سمعت جابر بن عبد الله
يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجر المزفت والدباء والنقير
حدثنا علي قال ثنا الحجاج عن ابن جريج قال أخبرني أبو قزعة أن أبا نضرة وحسنا أخبراه أن
أبا سعيد الخدري أخبرهما أن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قالوا يا نبي الله جعلنا الله فداك
ما يصلح لنا من الأشربة
قال لا تشربوا في النقير قالوا يا نبي الله جعلنا الله فداك لا ندري ما النقير
225

قال نعم الجذع ينقر وسطه ولا في الدباء ولا في الحنتمة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عياش الرقام قال ثنا عبد الأعلى قال ثنا ابن إسحاق عن الزهري عن
أنس بن مالك قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عما يصنع في الظروف المزفتة وفي الدباء وقال كل مسكر حرام
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح قال ثنا شعبة قال سمعت التيمي يحدث عن أبي نضرة عن أبي سعيد
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نبيذ الجر
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا أبو زيد النحوي عن سليمان التيمي فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني الليث عن ابن شهاب عن أنس
بن مالك أنه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت أن تنبذ فيهما
حدثنا علي بن معبد قال ثنا علي بن الجعد قال أنا شعبة قال أخبرني سليمان الشيباني قال سمعت
عبد الله بن أبي أوفي يقول نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر الأخضر قال قلت فالأبيض قال لا أدري
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب وسعيد بن عامر قالا ثنا شعبة عن سليمان الشيباني عن ابن أبي
أوفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح قال ثنا شعبة عن أبي شمر الضبعي قال سمعت عائذ بن عمرو يقول
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والنقير والمزفت والحناتم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أبي التياح عن حفص الليثي عن عمران بن
حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحنتم
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أنا هشام بن حسان عن محمد عن أبي هريرة
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت والمزادة المجبوبة
وقال انتبذ في سقائك واشربه حلوا طيبا
فقال له رجل أتأذن لي في مثل هذه وأشار بيديه وفرج بينهما فقال إذا تجعلها مثل هذه وأشار
بيديه أكثر من ذلك
حدثنا علي بن معبد قال ثنا شريح بن النعمان الجوهري قال ثنا سفيان عن الزهري أخبره أبو سلمة
أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت
ثم يقول أبو هريرة اجتنبوا الحناتم والنقير
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت الأوزاعي يقول حدثني يحيى بن أبي كثير
قال حدثني أبو سلمة قال حدثني أبو هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجرار المزفتة والدباء
المزفتة والظروف
226

حدثنا فهد قال ثنا النفيلي قال ثنا زهير قال ثنا أبو إسحاق قال أنبأني مجاهد قال سمعت أبا هريرة
يقول نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننبذ في الدباء والمزفت
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن
أبي هريرة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجرار والدباء والظروف المزفتة
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنبذ في الدباء والمزفت
حدثنا علي بن معبد قال ثنا شباب بابة بن سوار قال ثنا شعبة عن بكير عن ابن عطاء عن عبد الرحمن
بن يعمر الديلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي قال ثنا يحيى بن عبد الحميد قال ثنا عبد الله بن المبارك عن وفاء عن إياس عن علي بن
ربيعة عن سمرة بن جندب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والمزفت
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى بن أبي
عمرو عن عبد الله بن الديلي عن أبيه قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل تحريم الخمر فقلت يا رسول الله
إنا أصحاب كرم وقد نزل تحريم الخمر فماذا نصنع بها فقال تتخذونه زبيبا
قال يا رسول الله نصنع بالزبيب ماذا قال تصنعونه
على غدائكم وتشربونه على عشائكم وتشربونه على غدائكم
قالوا يا رسول الله ألا نؤخره حتى يشتد قال لا تجعلوه في القلال والدباء قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الانتباذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت حرام واحتجوا في ذلك
بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فأباحوا الانتباذ في الأوعية كلها وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذه الآثار التي
رويناها منسوخة كلها
فمما روى في نسخها ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج قال ثنا
عبد الوارث قال حدثني علي بن يزيد قال حدثني النابغة بن مخارق بن سليم قال حدثني أبي عن علي بن أبي طالب
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت نهيتكم عن الأوعية فاشربوا في ما بدا لكم وإياكم وكل مسكر
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة
عن علي بن زيد عن ربيعة بن نابغة عن أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد فذكر بإسناده مثله
227

حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال ثنا ابن جريج عن أيوب بن هانئ عن مسروق بن الأجدع
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد ألا إن وعاء لا يحرم شيئا
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال ثنا حماد بن زيد قال ثنا فرقد السبخي قال
ثنا جابر بن زيد أنه سمع مسروقا يحدث عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن الصباح الدولابي قال ثنا شريك عن زياد بن فياض عن أبي
عياض عن عبد الله بن عمرو قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية فقال لا تنبذوا في الدباء والحنتم والنقير
فقال أعرابي يا رسول الله لا ظروف قال النبي صلى الله عليه وسلم اشربوا ما حل لكم واجتنبوا كل مسكر
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى القطان عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي
الجعد عن جابر بن عبد الله قال لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية قالت الأنصار إنه لا بد لنا منها فقال
النبي صلى الله عليه وسلم فلا إذا
حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال ثنا سعيد بن أبي مريم قال أنا نافع بن يزيد قال حدثني أبو حزرة
يعقوب بن مجاهد قال أخبرني عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني كنت
نهيتكم أن تنتبذوا في الدباء والحنتم والمزفت فانتبذوا ولا أحل مسكرا
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال حدثني أسامة بن زيد أن محمد بن يحيى بن حبان أخبره أن الواسع
بن حبان حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن معبد قال ثنا علي بن معبد ويحيى بن عبد الحميد قالا ثنا أبو الأحوص سلام بن
سليم الحنفي عن سماك بن حرب عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن أبي بردة
بن نيار الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت نهيتكم عن الشرب في الأوعية فاشربوا فيما
بدا لكم ولا تسكروا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم النبيل قال ثنا سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا زهير بن معاوية عن زبيد عن محارب بن دثار عن إن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم ح وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قالا ثنا
معروف بن واصل حدثني محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا زهير بن معاوية عن زبيد اليامي عن محارب
بن دثار عن ابن بريدة عن زهير أراه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
228

حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم عن أبي جعفر عن الربيع بن أنس عن أبي العالية وغيره عن عبد الله بن
المغفل قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى عن نبيذ الجر وشهدته حين أمر بشربه وقال اجتنبوا السكر 0)
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا خالد الحذاء عن شهر بن حوشب عن أبي
هريرة قال لما قفل وفد عبد القيس قال النبي صلى الله عليه وسلم كل امرئ حسيب نفسه لينتبذ كل قوم فيما بدا لهم
فثبت بهذه الآثار نسخ ما تقدمها مما قد رويناه في هذا الباب في تحريم الانتباذ في الأوعية المذكورة فيها
وثبت إباحة الانتباذ في الأوعية كلها وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
ومما يدل على ذلك أيضا أن فهدا حدثنا قال ثنا أبو نعيم قال ثنا أبو جعفر عن الربيع قال دخلت
على أنس فرأيت نبيذه في جرة خضراء
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان قال دخلت على أنس
بن مالك بواسط القصب فرأيت نبيذه في جرة خضراء ينبذ له فيها
فهذا أنس بن مالك ينبذ في الظروف وهو أحد من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن الانتباذ فيها فدل
على ثبوت نسخ ذلك
كتاب الكراهة
باب حلق الشارب
حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا حماد بن سلمة ح
وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سلمة بن محمد عن عمار بن
ياسر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطرة عشرة فذكر قص الشارب
حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا وكيع عن زكريا عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن
عبد الله بن الزبير عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا عبد الغني بن رفاعة عن أبي عقيل ويونس قالا ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن
شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الفطرة خمس ثم ذكر مثله
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا المسعودي عن أبي عون الثقفي عن المغيرة
بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا طويل الشارب فدعا بسواك وشفرة فقص شارب الرجل على
عود السواك
حدثنا ابن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال ثنا المسعودي قال ثنا محمد بن عبيد الله عن المغيرة بن شعبة
أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم طويل الشارب فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بسواك ثم دعا بشفرة فقص شارب الرجل على سواك
حدثنا بكار قال ثنا إبراهيم بن أبي الوزير ح
229

وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان عن مسعر عن أبي صخرة جامع
بن شداد المحاربي عن المغيرة بن عبد الله بن شعبة قال اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاربي على سواك
قال أبو جعفر فذهب قوم من أهل المدينة إلى هذه الآثار واختاروا لها قص الشارب على إحداثه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يستحب إحفاء الشوارب نراه أفضل من قصها
واحتجوا في ذلك بما حدثنا محمد بن علي بن محرز قال ثنا يحيى بن أبي بكر قال ثنا الحسن بن صالح
عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجز شاربه وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلم
يجز شاربه
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني مالك عن أبي بكر بن نافع عن أبيه ح
وحدثنا محمد بن عمر وبن يونس قال ثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن
عمر كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى
حدثنا ابن أبي عقيل قال ثنا ابن وهب قال حدثني مالك عن نافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله * (
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا حبان بن هلال قال ثنا أبو جعفر المديني قال ثنا عبد الله بن عبيد الله بن
أبي طلحة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد ولا تشبهوا باليهود
حدثنا يزيد قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا محمد بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي
هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جزوا الشوارب وأرخوا أو أعفوا اللحى
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قالا حفوا الشوارب وأعفوا اللحى
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمر بإحفاء الشوارب فثبت بذلك الاحفاء على ما ذكرنا
في حديث بن عمر وفي حديث بن عباس وأبي هريرة جزوا الشوارب فذاك
يحتمل أن يكون جزا معه الاحفاء ويحتمل أن يكون على ما دون ذلك
فقد ثبت معارضة حديث بن عمر بحديث أبي هريرة وعمار وعائشة الذي ذكرنا في أول
هذا الباب باب
وأما حديث المغيرة فليس فيه دليل على شئ لأنه يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذاك ولم يكن بحضرته
مقراض يقدر على إحفاء الشارب
ويحتمل أيضا حديث عمار وعائشة وأبي هريرة في ذلك معنى آخر يحتمل أن تكون الفطرة هي التي
لا بد منها وهي قص الشارب وما سوى ذلك فضل حسن
فثبتت الآثار كلها التي رويناها في هذا الباب باب ولا تضاد ويجب بثبوتها أن الاحفاء أفضل من القص
230

وهذا معنى هذا الباب من طريق الآثار
وأما من طريق النظر فإنا رأينا الحلق قد أمر به في الاحرام ورخص في التقصير
فكان الحلق أفضل من التقصير وكان التقصير من شاء فعله ومن شاء زاد عليه إلا أنه يكون بزيادته
عليه أعظم أجرا ممن قص
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك حكم الشارب قصه حسن وإحفاؤه أحسن وأفضل
وهذا مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
وقد روى عن جماعة من المتقدمين ما قد حدثنا ابن أبي عقيل قال ثنا ابن وهب قال أخبرني
إسماعيل بن عياش قال حدثني إسماعيل بن أبي خالد قال رأيت أنس بن مالك وواثلة بن الأسقع يحفيان
شواربها ويعفيان لحاهما ويصفرانها
قال إسماعيل وحدثني عثمان بن عبيد الله بن رافع المدني قال رأيت عبد الله بن عمر وأبا هريرة
وأبا سعيد الخدري وأبا أسيد الساعدي ورافع بن خديج وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وسلمة
بن الأكوع يفعلون ذلك
حدثنا محمد بن النعمان قال ثنا أبو ثابت قال ثنا عبد العزيز بن محمد عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع
قال رأيت أبا سعيد الخدري وأبا أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله
وأبا هريرة يحفون شواربهم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال ثنا عاصم بن محمد عن أبيه عن ابن عمر
أنه كان يحفي شاربه حتى يرى بياض الجلد
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا حامد بن يحيى قال ثنا سفيان عن إبراهيم بن محمد بن حاطب قال
رأيت بن عمر يحفي شاربه
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال ثنا شريك عن عثمان بن إبراهيم الحلبي قال
رأيت بن عمر يحفي شاربه كأنه ينتفه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أنه كان
يحفي شاربه
حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف عن ابن لهيعة عن عقبة بن سالم قال ما رأيت أحدا أشد إحفاء
لشاربه من بن عمر كان يحفيه حتى إن الجلد ليرى
فهؤلاء أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانوا يحفون شواربهم وفيهم أبو هريرة وهو ممن روينا عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من الفطرة قص الشارب
231

فدل ذلك أن قص الشارب من الفطرة وهو مما لا بد منه وأن ما بعد ذلك من الاحفاء هو أفضل وفيه
من إصابة الخير ما ليس في القص
باب استقبال القبلة
بالفروج للغائط والبول
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي سمع أبا أيوب الأنصاري يقول قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستقبلوا القبلة لغائط ولا لبول ولكن شرقوا أو غربوا
فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو القبلة فننحرف عنها ونستغفر الله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال ثنا يونس عن ابن شهاب فذكر بإسناده مثله غير أنه لم يذكر
قول أبي أيوب فقدمنا الشام إلى آخر الحديث
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أبو مصعب قال ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبد الرحمن
بن يزيد بن حارثة أن أبا أيوب الأنصاري ثم ذكر مثله وذكر كلام أبي أيوب أيضا
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع
بن إسحاق مولى لآل الشفاء امرأة وكان يقال له مولى أبي طلحة أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول وهو
بمصر والله ما أدري كيف اصنع بهذه الكرابيس فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب أحدكم لغائط أو لبول
فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بفرجه
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع أن رجلا من الأنصار أخبره عن أبيه أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يستقبل القبلة لغائط أو بول
حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي قال ثنا عبيدة بن حميد النحوي عن منصور عن إبراهيم عن عبد الرحمن
بن يزيد عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رجل إني أظن أن صاحبكم يعلمكم حتى إنه ليعلمكم كيف تأتون الغائط
فقال له أجل وإن شجرت أنه ليفعل أنه لينهانا إذا أتى أحدنا الغائط أن يستقبل القبلة
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث والليث وابن لهيعة عن يزيد
بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال أنا أول من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يبولن
أحدكم مستقبل القبلة وأنا أول من حدث الناس بذلك
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله
بن الحارث بن جزء قال أنا أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى الناس أن يبولوا مستقبلي القبلة فخرجت إلى
الناس فأخبرتهم
232

حدثنا أبو البشر عبد الرحمن بن الجارود قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا ابن لهيعة قال أخبرني
يزيد بن أبي حبيب عن جبلة بن رافع قال سمعت عبد الله بن الحارث الزبيدي فذكر نحوه
حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني سهل بن ثعلبة
عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل مستقبل القبلة وأنا أول من
سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا فهد قال ثنا جندل بن والق قال ثنا حفص عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن
بن يزيد عن سلمان قال نهينا أن يستقبل القبلة لقضاء الحاجة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا أبو غسان قال ثنا ابن عجلان عن القعقاع
بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما أنا لكم مثل الرائد أعلمكم فإذا
أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها
حدثنا بكار قال ثنا صفوان بن عيسى قال ثنا محمد بن عجلان فذكر بإسناده مثله
حدثنا روح قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن الأعرج
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا خرج أحدكم لغائط أو بول فلا يستقبل القبلة ولا
يستدبرها ولا يستقبل الريح
حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا سليمان بن بلال قال ثنا عمرو بن يحيى عن معقل بن أبي معقل
الأسدي وكان قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة لغائط أو بول
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا داود العطار قال ثنا عمرو بن يحيى قال ثنا
أبو زيد مولى بني ثعلبة عن معقل بن أبي معقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يزيد قال ثنا أبو كامل قال ثنا عبدا لعزيز بن المختار قال ثنا عمرو بن يحيى عن أبي زيد
عن معقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فذهب قوم إلى كراهة استقبال القبلة لغائط أو بول في جميع الأماكن واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وممن ذهب إلى ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس باستقبال القبلة للغائط والبول في الأماكن
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد عن محمد
بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر أنه كان يقولان ناسا يقولون إذا قعدت لحاجتك
فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس
233

فقال عبد الله لقد ارتقيت على ظهر بيت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته
حدثنا يونس قال ثنا أنس عن يحيى بن سعيد فذكر بإسناده مثله
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال أنا هشيم قال ثنا يحيى بن سعيد عن
محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان قال سمعت بن عمر يقول ظهرت على أحاد لي في بيت حفصة
في ساعة لم أكن أظن أن أحدا يخرج فيها فذكر مثله
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا إبراهيم بن الحجاج قال ثنا وهيب عن إسماعيل بن أمية ويحيى بن
سعيد وعبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر قال رقيت فوق
بيت حفصة فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم جالس على مقعدته مستقبل القبلة مستدبر الشام
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا يحيى بن أيوب قال حدثني محمد بن عجلان عن
محمد بن يحيى عن واسع بن حبان عن ابن عمر أنه قال يتحدث الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغائط
بحديث وقد اطلعت يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهر بيت يقضي حاجته محجوبا عليه بلبن فرأيته
مستقبل القبلة
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال
كنا عند عمر بن عبد العزيز فذكروا استقبال القبلة بالفرج
فقال عراك بن مالك قالت عائشة ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا يكرهون استقبال القبلة بالفروج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قد فعلوها حولوا مقعدتي نحو القبلة
حدثنا محمد بن الحجاج قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر
بن عبد الله عن أبي قتادة أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال ثنا أبي عن ابن إسحاق قال
ثنا أبان بن صالح عن مجاهد بن جبير عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا أن نستقبل القبلة
ونستدبرها بفروجنا للبول ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي
الصلت قال كنا عند عمر بن عبد العزيز فذكروا الرجل يجلس على الخلاء فيستقبل القبلة فكرهوا ذلك
فحدث عراك بن مالك عن عروة عن الزبير عن عائشة أن ذلك ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أو قد
فعلوها حولوا مقعدتي إلى القبلة
234

فكانت هذه الآثار حجة لأهل هذه المقالة على أهل المقالة الأولى وموجبة الحجة عليهم لان في هذه
الآثار تأخير الإباحة عن النهي على ما ذكرنا في حديث جابر فهي ناسخة للآثار التي ذكرناها في أول
هذا الباب
وقد خالف قوم في القولين جميعا فقالوا بل نقول إن هذه الآثار كلها لا ينسخ شئ منها شيئا
وذلك أن عبد الله بن الحارث أخبر في حديثه أنه أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك
قال وأنا أول من حدث الناس بذلك
فقد يجوز أن يكون ذلك النهي لم يقع على البول والغائط في جميع الأماكن ووقع على خاص منها
وهي الصحارى
ثم جاء أبو أيوب فكانت حكايته عن النبي صلى الله عليه وسلم هي النهي خاصة فذلك يحتمل ما احتمله حديث بن جزء
على ما فسرناه وكراهة الاستقبال في الكرابيس المذكور فيه فهو عن رأيه ولم يحكه عن النبي صلى الله عليه وسلم
فقد يجوز الاستقبال إلى أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما سمع فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد به الصحارى ثم حكم
هو للبيوت برأيه بمثل ذلك
ويجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد البيوت والصحارى إلا أنه ليس في ذلك دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين
لنا أنه أراد أحد المعنيين دون الآخر
وحديث عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان وحديث معقل بن أبي معقل وحديث أبي هريرة مما فيها عن
النبي صلى الله عليه وسلم فمثل ذلك أيضا
ثم عدنا إلى ما رويناه في الإباحة فإذا بن عمر يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر بيت مستقبل القبلة
فاحتمل أن يكون ذلك على إباحته لاستدبار القبلة للغائط أو البول في الصحارى والبيوت
واحتمل أن يكون ذلك على الإباحة لذلك في البيوت خاصة فكان أراد به فيما روى عنه في النهي على
الصحارى خاصة
فأولى بنا أن نجعل هذا الحديث زائدا على
الأحاديث الأول غير مخالف لها فيكون هذا على البيوت وتلك الأحاديث الأول على الصحارى وهذا قول مالك بن أنس
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أنه سمع مالكا يقول ذلك
ثم رجعنا إلى حديث أبي قتادة ففيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة قد يكون رآه بن عمر فيكون معنى حديثه وحديث بن عمر سواء
فقد يكون رآه حيث رآه بن عمر فيكون معنى حديثه وحديث بن عمر سواء
235

أو يكون رآه في صحراء فيخالف حديث بن عمر وينسخ الأحاديث الأول فهو عندنا غير ناسخ لها حتى
يعلم يقينا أنه قد نسخها
وأما حديث جابر ففيه النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استقبال القبلة واستدبارها لغائط أو بول ولم
يبين مكانا
فيحتمل أن يكون ذلك أيضا على ما فسرنا وبينا من حديث أبي أيوب فلا حجة فيه أيضا توجب مضادة
حديث بن عمر وأبي قتادة
قال جابر في حديثه ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة
فقد يحتمل أن يكون ذلك البول كان في المكان الذي لم يكن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول وقع عليه
فلم نعلم شيئا من هذه الآثار نسخ شيئا منها شئ
ثم عدنا إلى حديث عراك ففيه أنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حولوا مقعدتي مستقبل القبلة
فقد يجوز أن يكون أنكر قولهم لأنهم كرهوا ذلك في جميع الأماكن فأمر بتحويل مقعدته نحو القبلة
ليرد عليهم وليعلم أنه لم يقع نهيه على ذلك وإنما وقع النهي على استقبالها في مكان دون مكان
ويحتمل أن يكون أراد بذلك نسخ النهي الأول في الأماكن كلها لان النهي كان قد وقع في الآثار الأول
عن ذلك فليس فيه دليل أيضا على نسخ ولا غيره
فلما كان حكم هذه الآثار كذلك كان أولى بنا أن نصححها كلها
فنجعل ما فيه النهي منها على الصحارى وما فيه الإباحة على البيوت حتى لا تضاد منها شئ
وقد حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا إسحاق بن إسماعيل قال ثنا حاتم بن إسماعيل قال ثنا يونس
قال ثنا ابن وهب عن حاتم عن عيسى بن أبي عيسى الخياط ح
وحدثنا إسماعيل قال ثنا عبيد الله بن موسى قال ثنا عيسى عن الشعبي أنه سأله عن اختلاف هذين الحديثين
فقال الشعبي صدقا والله أما حديث أبي هريرة فعلى الصحارى إن الله وملائكته يصلون فلا تستقبلوهم
وإن حشوشكم هذه لا قبلة فيها
فعلى هذا المعنى يحمل هذه الآثار حتى لا يتضاد منها شئ
236

باب أكل الثوم والبصل والكراث
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل من خضراواتكم هذه ذوات الريح فلا يقربنا في مساجدنا فإن الملائكة تتأذى
مما يتأذى منه بنو آدم
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله عن نافع
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أكل من هذه الشجرة فلا يأت المساجد
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أكل من هذه البقلة فلا يقربن المسجد حتى يذهب ريحها يعني الثوم
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن الهاد
عن نافع عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم بخيبر
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا قيس عن أبي إسحاق عن شريك بن حنبل عن علي عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أكل من هذه البقلة فلا يقربنا أو يؤذينا في مسجدنا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو صالح الحنفي محمد بن عبد الوهاب قال ثنا معن ابن عيسى
عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أكل من هذه الشجرة
فلا يقربن مساجدنا يعني الثوم
حدثنا أحمد بن أبي داود قال ثنا أبو معمر قال ثنا عبد الوارث قال ثنا عبد العزيز بن صهيب
قال سأل رجل أنسا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الثوم
فقال يعني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلين معنا
حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا عبيد الله بن موسى عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه البقلة فلا يقربنا في مسجدنا أو لا يقربن مسجدنا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد قال ثنا قيس بن الربيع عن بشر بن بشير عن أبيه وكان
من أصحاب الشجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة فلا يناجينا
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يونس بن محمد قال ثنا حكم بن عطية عن أبي رباب عن معقل بن
يسار قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له وأنا نزلنا في مكان فيه شجر ثوم فبث أصحابه فيه فأكلوا
منه ثم غدو إلى المصلى
237

فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ريح الثوم فقال لا تقربوا هذه الشجرة ثم تأتوا المساجد
قال ثم جاءوا الثانية إلى المصلى فوجد ريحها فقال من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن المصلى
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا قيس عن أبي إسحاق عن شريك بن حنبل عن علي
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أكل هذا البقلة فلا يقربنا أو يؤذينا في مساجدنا
قال أبو جعفر فكره قوم أكل البقول ذوات الريح أصلا واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها لا لأنها حرام ولكن لئلا يؤذي
بريحها من يحضر معه المسجد وقد جاء في ذلك آثار أخر ما قد دل على ذلك
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الواهب بن عطاء قال ثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي
الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يا أيها الناس إنكم لتأكلون من
شجرتين خبيثتين هذا الثوم وهذا البصل ولقد كنت أرى الرجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجد منه ريحه
فيؤخذ بيده فيخرج إلى البقيع فمن كان آكلهما فليمتهما طبخا
فهذا عمر قد أخبر بما كانوا يصنعون بمن أكلها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أباح هو أكلهما بعد
أن يماتا طبخا
فدل ذلك على أن النهي عنه لم يكن للتحريم
وقد حدثنا علي بن معبد قال ثنا يونس بن محمد قال ثنا خالد بن ميسرة عن معاوية بن قرة عن
أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربن مسجدنا فإن كنتم لا بد
آكليهما فأميتوهما طبخا
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح أكلهما بعد ذهاب ريحهما
فدل ذلك أن نهيه عن أكلهما إنما كان لكراهته ريحهما لا أنهما حرام في أنفسهما
وقد حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا أبو هلال الراسي وغيره عن حميد بن هلال
عن أبي بردة بن أبي موسى عن المغيرة بن شعبة قال اكلت الثوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت المسجد
وقد سبقت بركعة فدخلت معهم الصلاة فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحه فلما سلم قال من أكل من هذه
الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا حتى يذهب ريحها
فأتممت صلاتي فلما سلمت قلت يا رسول الله أقسمت عليك إلا أعطيتني يدك فناولني يده صلى الله عليه وسلم فأدخلتها
في كمي حتى انتهيت إلى صدري فوجده معصوبا فقال إن لك عذرا
238

ففي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا في مسجدنا حتى يذهب
ريحها دليل على أنه إنما نهى عن أكلها لئلا يؤذي ريحها من يحضر المسجد لا لان أكلها حرام
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر قال ثنا شعبة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل من طعام بعث بفضله إلى أبي أيوب
قال فبعث إليه يوم بقصعة لم يأكل منها فأتاه أبو أيوب فقال يا رسول الله أحرام هو قال
لا ولكن كرهته لريحه قال فأنا أكره ما كرهت
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه قال نزلت علي أم أيوب الأنصارية
التي كان النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليهم فحدثتني أنهم تكلفوا له طعاما فيه بعض هذه البقول فأتوه فكرهه فقال
لأصحابه كلوه فإني لست كأحدكم إني أخاف أن أؤذي صاحبي
حدثنا يونس مرة أخرى قال ثنا سفيان عن عبيد الله قال سمعت أم أيوب الأنصارية قالت نزل
علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقربت إليه طعاما فيه من بعض هذه البقول فلم يأكله وقال إني أكره أن
أؤذي صاحبي
وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير
عن أبي رهم السماعي أن أبا أيوب حدثه قال قلت يا رسول الله كنت ترسل بالطعام فأنظر فإذا رأيت أثر
أصابعك وضعت يدي فيه حتى كان هذا الطعام الذي أرسلت به فنظرت فيه فلم أر فيه أثر أصابعك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل إن فيه بصلا فكرهت أن آكله من أجل الملك الذي يأتيني وأما
أنتم فكلوه
حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري قال ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال حدثني بن لهيعة
عن يزيد بن أبي حبيب فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عياش بن وليد الرقام قال ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى قال ثنا ابن
إسحاق قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثله غير أنه لم يسم الشجرة
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة أن سفيان
بن عبد الله حدثه عن أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه إلا أنه قال بصل أو كراث
وزاد في آخره وليس بمحرم
فقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار للناس أكل البصل والكراث وأن ذلك غير محرم
فإن قال قائل هذا الذي ذكرت إنما هو على ما كان منهما قد طبخ
239

فأما ما كان غير مطبوخ فهو داخل في النهي الذي في الآثار الأول
قيل له قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرنا عنه في هذه الآثار إنما كرهه لريحه وقد أباح أصحابه
أكله
فما كانت ريحه فيه قائمة بعد الطبخ كان على حكمه قبل الطبخ إذ كان إنما كره أكله فيهما جميعا من
أجل ريحه
فدل إباحته أكله لهم بعد الطبخ وريحه موجودة على أن أكلهم إياه قبل الطبخ مباح لهم أيضا
وقد حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني عطاء بن
أبي رباح أن جابر بن عبد الله قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو يعتزل
مسجدنا فيقعد في بيته وأنه أتى بقدر أو ببدر فيه خضراوات من بقول فوجد لها ريحا فسأل عنها فأخبر بما
فيها من البقول فقال قربوها إلى بعض أصحابه كان معه فلما رآه كره أكله قال كل فإني أناجي من لا تناجي
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
من أكل من الكراث فلا يغشنا في مساجدنا حتى يذهب ريحها فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه
الانسان
حدثنا عبد العزيز بن معاوية العتابي قال ثنا عبد الله بن صالح ح
وحدثنا حسين بن نصر قال ثنا سباب بابة بن سوار قال ثنا إسرائيل عن مسلم الأعور عن حبة عن
علي قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأكل الثوم وقال لولا أن الملك ينزل علي لأكلته
فقد دل ما ذكرنا على إباحة أكلها مطبوخا كان أو غير مطبوخ لمن قعد في بيته وكراهة حضور المسجد
وريحه موجود لئلا يؤذي بذلك من يحضره من الملائكة وبني آدم فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف
ومحمد رحمهم الله تعالى
باب الرجل يمر بالحائط أله أن يأكل منه أم لا
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا علي بن عاصم قال ثنا الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري
قال أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أتى أحدكم علي حائط فليناد صاحبه ثلاث مرات فإن أجابه وإلا فليأكل
من غير أن يفسد وإذا أتى على غنم فليناد صاحبه ثلاث مرات فإن أجابه وإلا فليشرب من غير أن يفسد
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فجعلوا لمن مر بالحائط أن ينادي صاحبه ثلاثا فإن أجابه وإلا فأكل
وكذلك في الغنم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا ينبغي أن يأكل من غير ضرورة فإن كانت ضرورة فالاكل له من
ذلك والشرب له مباح
240

قالوا وقد روى عن أبي سعيد الخدري في غير هذا الحديث ما يدل على أن الإباحة المذكورة في هذا الحديث
هي على الضرورة
فذكروا ما حدثنا فهد قال ثنا مخول بن إبراهيم قال ثنا إسرائيل عن عبد الله بن عصمة قال
سمعت أبا سعيد الخدري يقول إذا أرمل القوم فصبحوا الإبل فلينادوا الراعي ثلاثا فإن لم يجدوا الراعي
ووجدوا الإبل فليتصبحوا لبن الراوية إن كان في الإبل راوية ولا حق لهم في بقيتها فإن جاء الراعي
فليمسكه رجلان ولا يقاتلوه ويشربوا فإن كان معهم دراهم فهو حرام عليهم إلا بإذن أهلها
ففي هذا الحديث دليل على أن ما أبيح من ذلك في هذا الحديث الأول إنما هو على الضرورة
وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحديث ما يدل على هذا المعنى أيضا
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا إسحاق بن بكر بن مضر قال ثنا أبي عن يزيد بن الهاد عن مالك
بن أنس عن نافع عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحتلبن أحدكم ماشية أخيه بغير إذنه أيحب
أحدكم أن يؤتى معا مشربته فيكسر خزانته فيحمل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم
فلا يحتلبن أحدكم ماشية امرئ إلا بإذنه
حدثنا بكار قال ثنا موسى بن إسماعيل قال ثنا الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن الصباح قال ثنا شريك بن عبيد الله عن عبد الله بن عصيم قال سمعت
أبا سعيد الخدري رفعه قال لا يحل لأحد نخل صوار ناقة إلا بإذن أهلها فإنه خاتمهم عليها
حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا أبو عامر العقدي قال ثنا سليمان بن بلال عن سهيل عن عبد الرحمن
بن سعيد عن أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه
قال وذلك لشدة ما حرم الله على المسلمين من مال المسلم
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أصبغ بن الفرج قال ثنا حاتم بن إسماعيل قال ثنا عبد الملك بن الحسن عن
عبد الرحمن بن أبي سعيد عن عمارة بن حارثة عن عمرو يثربي قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا يحل لامرئ
من مال أخيه شئ إلا بطيب نفس منه قال قلت يا رسول الله إن لقيت غنم بن عمي آخذ منها شيئا
فقال إن لقيتها يحمل شفره وزنا والجنب الخميس كذا في النسخ المنقول عنها فلا تهجها
فهذه الآثار التي ذكرنا تمنع ما توهم من ذهب في تأويل الحديث الأول إلى ما ذكرنا
241

ولو ثبت ما ذهب إليه من ذلك لاحتمل أن يكون ذلك الحديث كان في حال وجوب الضيافة حين أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بها وأوجبها للمسافرين على من حلوا به
فإنه حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر ووهب بن جرير قالا ثنا شعبة عن منصور عن
الشعبي عن المقدام أبي كريمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم
فإن أصبح بفنائه فإنه دين إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه
حدثنا بكار قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة فذكر بإسناده مثله
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب قال ثنا وهيب عن منصور فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال ثنا معاوية بن صالح أن أبا طلحة حدثه عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال ثنا عمي قال ثنا معاوية بن صالح عن نعيم بن زياد عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو مسهر قال ثنا يحيى بن حمزة عن الزبيدي عن مروان بن روية
أنه حدثه عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما
رجل ضاف بقوم فلم يقروه كان له أن يعقبهم بمثل قراه
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير
عن عقبة بن عامر قال قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فنمر بقوم
قال إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف
الذي ينبغي
فأوجب صلى الله عليه وسلم الضيافة في هذه الآثار وجعلها دينا وجعل للذي وجبت له أخذها كما يأخذ الدين
ثم نسخ ذلك
فمما روى في نسخه ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا سليمان بن المغيرة قال ثنا ثابت
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال ثنا المقداد بن الأسود قال جئت أنا وصاحب لي قد كادت أن تذهب أسماعنا
وأبصارنا من الجوع فجعلنا نتعرض للناس فلم يضفنا أحد
فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله أصابنا جوع شديد فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد فأتيناك
242

فذهب بنا إلى منزله وعنده أربعة أعنز فقال يا مقداد احلبهن وجزء اللبن لكل اثنين جزءا
وذكر حديث طويلا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن المقداد
بن عمرو قال قدمت المدينة أنا وصاحب لي ثم ذكر مثله
أفلا ترى أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يضيفوهم وقد بلغت بهم الحاجة إلى ما ذكر في هذا الحديث
ثم لم يعنفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك
فدل ما ذكرنا على نسخ ما كان أوجب على الناس من الضيافة
وقد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مال المسلم على المسلم كحرمة دمه
وقد حدثنا ربيع قال ثنا أسد قال بن أبي ذئب عن عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده أنه سمع
النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يأخذ أحدكم متاع صاحبه لاعبا ولا جادا وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه
فليردها إليه
وقد عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضيافة بما حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا أبان بن يزيد
العطار قال ثنا يحيى بن أبي كثير قال ثنا عبد الرحمن مولى سعد
بن أبي وقاص قال كنت مع سعد بن أبي وقاص في سفر فآوانا الليل إلى قرية دهقان وإذا الإبل عليها أحمالها
فقال لي سعد إن كنت تريد أن تكون مسلما حقا فلا تأكل منها شيئا فبتنا جائعين
فهذا سعد يقول إن سرك أن تكون مسلما حقا فلا تأكل منها شيئا فلا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده
حقيقة علمه به إذ كان عنده من أمور الاسلام ولم يأخذ أهل القرية بحق الضيافة
فذلك دليل أنه لم تكن حينئذ الضيافة واجبة والله سبحانه وتعالى أعلم
باب لبس الحرير
حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت
عليه أقبية فبلغ ذلك أبي مخرمة فقال يا بني إنه قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت عليه أقبية فهو يقسمها فاذهب بنا إليه
قال فذهبنا فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله فقال لي أبي يا بني أدع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال المسور فأعظمت ذلك وقلت أدعو لك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا بني إنه ليس بجبار
243

فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج وعليه قباء من ديباج مزر بذهب فقال يا مخرمة هذا خبأته لك
فأعطاه إياه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فقالوا لا بأس بلبس الحرير للرجال والنساء واحتجوا في ذلك
بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا لبس الحرير للرجال واحتجوا في ذلك بالآثار المتواترة المروية في النهي
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
فمنها ما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا معاذ بن هشام قال ثنا أبي عن قتادة عن عامر الشعبي
عن سويد بن غفلة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بالجابية فقال نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم عن لبس
الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع
حدثنا يزيد قال ثنا معاذ قال ثنا أبي عن قتادة عن أبي عثمان النهدي عن عمر بن الخطاب قال
نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي قال
قال عمر بن الخطاب إياكم والحرير فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه وقال لا تلبسوا منه إلا ما كان
هكذا وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعيه
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون فذكر بإسناده مثله
حدثنا يزيد قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن قتادة عن أبي عثمان النهدي قال أتانا
كتاب عمر وأنا بآذربيجان مع عتبة بن فرقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبس الحرير إلا هكذا قال
فأعلمنا أنها الاعلام
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير عن أبيه عن حميد بن مرة عن أبي الوضئ قال رأيت
عليا ورآى على رجل بردا يتلألأ فقال فيه حرير فقال نعم فأخذه فجمع صنفيته بين أصبعيه فشقه
فقال أما إني لم أحسدك عليه ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عارم قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر
قال يا رسول الله إني مررت بعطارد أو بلبيد وهو يعرض عليه حلة حرير فلو اشتريتها للجمعة وللوفود
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه
غير أنه لم يذكر عطاردا ولا لبيدا
244

حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس وعمرو عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وذكر أن الرجل عطارد أو لبيد
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو معمر قال ثنا عبد الوارث بن سعيد قال ثنا يحيى بن أبي إسحاق
قال قال لي سالم بن عبد اللهما الإستبرق
قلت ما غلظ من الديباج وخشن منه
فقال سمعت عبد الله بن عمر يقول رأى عمر بن الخطاب على رجل حلة من إستبرق فأتى بها فقال يا رسول
الله اشتر هذه فالبسها لوفد الناس إذا قدم عليك
فقال إنما يلبس الحرير من لا خلاق له قال فمضى لذلك ما مضى
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه بحلة فأتاه بها فقال يا رسول الله بعثت إلي بهذه وقد قلت في مثل
هذا ما قلت
فقال إنما بعثت إليك بها لتصيب بها مالا
وكان عبد الله بن عمر يكره العلم في الثوب من أجل هذا الحديث
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا أبي قال سمعت السقعب بن زهير يحدث عن زيد بن أسلم
عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمر قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي عليه جبة مكفوفة بحرير أو قال
مزررة بديباج فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا وأخذ بمجامع جبته فجذبها به ثم قال لا أرى عليك ثياب من
لا يعقل وهو حديث طويل فاختصرنا منه هذا المعنى
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا همام عن قتادة عن أبي شيخ الهنائي
قال كنت في ملا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند معاوية فقال أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن
لبس الحرير قال قالوا اللهم نعم قال وأنا أشهد
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا همام فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أخبرني حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما يلبس الحرير من لا خلاق له
حدثنا محمد بن حميد قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا يحيى بن حمزة قال ثنا الأوزاعي قال
حدثني يحيى بن أبي كثير قال ثنا حمران قال حج معاوية فدعا نفرا من الأنصار في الكعبة فقال
أنشدكم الله ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثياب الحرير فقالوا اللهم نعم قال وأنا أشهد
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى قال
استسقى حذيفة بالمدائن فأتاه دهقان بإناء من فضة فرمى به ثم قال إني كنت نهيته عنه فأبى أن ينتهي
245

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب في آنية الذهب والفضة وعن لبس الحرير والديباج وقال دعوه لهم
في الدنيا وهي لكم في الآخرة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى مثله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو غسان قال ثنا مسعود بن سعد الجعفي عن يزيد بن أبي زياد عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو إسحاق الضرير قال ثنا ابن عوف عن مجاهد عن ابن أبي ليلى مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عمر بن سعيد عن أبيه عن علي بن عبد الله عن أبيه
عن معاوية قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والذهب
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن أبي التياح عن رجل من بني ليث عن عمران
بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال ثنا أبو التياح عن حفص الليثي عن
عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عياش الرقام قال ثنا عبد الأعلى قال ثنا سعيد عن مطر عن الحسن عن
عمران بن الحصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ألبس القميص المكفف بالحرير وأومي الحسن إلى
جيب قميصه
حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود ووهب قالا ثنا شعبة عن الأشعث بن أبي الشعثاء عن معاوية
بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والديباج والشرب في آنية
الذهب والفضة
حدثنا محمد بن النعمان قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني قال سمعت
عبد الله بن الزبير يقول قال محمد صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة
حدثنا بكار قال ثنا أبو داود قال ثنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة عن داود السراج عن أبي
سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ولو دخل الجنة يلبسه
أهل الجنة ولا يلبسه هو
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو معمر قال ثنا عبد الوارث قال ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس
246

قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة
حدثنا ميسر بن الحسن قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا شعبة عن عبد العزيز بن صهيب وسألته
عن الحرير فقال سمعت أنسا فقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال سديدا ثم ذكر مثله
حدثنا يونس قال ثنا أسد قال ثنا شعبة عن حميد الطويل عن أنس قال كنا نتحدث بذلك حدثنا يونس وبحر قال يونس أخبرنا بن وهب وقال بحر ثنا ابن وهب قال أخبرني عمر وبن الحارث
أن هشام بن أبي رقية اللخمي حدثه قال سمعت مسلمة بن مخلد يخطب وهو يقول أما لكم في القطن في
الكتان ما يغنيكم عن لبس الحرير وهذا فيكم رجل يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عقبة
فقام عقبة بن عامر فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من لبس الحرير في الدنيا حرمه أن يلبسه
في الآخرة
حدثنا محمد بن حميد بن هشام قال ثنا عبد الله بن يوسف قال حدثني يحيى بن حمزة عن الوليد بن
السائب أن الوليد أبا عمار قال ثنا أبو أمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يلبس الحرير في الدنيا
إلا من لا خلاق له
حدثنا حسين بن نصر ومحمد بن حميد قالا ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا يحيى بن حمزة قال حدثني
زيد بن واقد أن خالد بن عبد الله بن أبي حسن حدثه قال حدثني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة ومن شرب
في آنية الفضة والذهب لم يشرب بهما في الآخرة
ثم قال لباس أهل الجنة وشراب أهل الجنة وآنية أهل الجنة
ففي هذه الآثار المتواترة النهي عن لبس الحرير
فاحتمل أن يكون نسخت ما فيه الإباحة للبسه واحتمل أن يكون ما فيه الإباحة هو الناسخ
فنظرنا في ذلك لنعلم الناسخ من ذلك من المنسوخ
فإذا بن أبي داود قد حدثنا قال ثنا محمد بن عبد الرحمن العلاف قال ثنا ابن سوار عن سعيد عن قتادة
عن أنس أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة من سندس وذلك قبل أن ينهي عن الحرير
فلبسها فعجب الناس منها
فقال والذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن لهيعة والليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب
247

عن أبي الخير أنه سمع عقبة بن عامر يقول خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعليه فروج حرير فصلى
فيه ثم انصرف فنزعه وقال لا ينبغي لباس هذه للمتقين
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عاصم قال حدثني عبد الحميد بن جعفر قال ثنا يزيد بن أبي حبيب
وذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن
عقبة بن عامر أنه قال أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير فلبسه ثم ذكر مثله
فدلت هذه الآثار أن لبس الحرير كان مباحا وأن
النهي عن لبسه كان بعد إباحته فعلمنا أن ما جاء في النهي عن لبسه هو الناسخ لما جاء في إباحة لبسه
وهذا أيضا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأكثر العلماء
وقد روى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب قال ثنا شعبة
عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عمه إسماعيل بن عبد الرحمن دخل مع عبد الرحمن على عمر وعليه قميص
من حرير وقلبان من ذهب فشق القميص وفك القلبين وقال أذهب إلى أمك
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أحمد قال ثنا مسعر عن وبرة بن عبد الرحمن عن عامر عن سويد بن غفلة
قال اتينا عمر وعلينا من ثياب أهل فارس أو قال كسرى فقال برح الله هذه الوجوه فرجعنا فألقيناها
ولبسنا ثياب العرب فرجعنا إليه فقال أنتم خير من قوم أتوني وعليهم ثياب قوم لو رضيها الله لهم
لم يلبسهم إياها لا يصلح أو لا يحل إلا إصبعين أو ثلاثا أو أربعا يعني الحرير
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد قال ثنا سفيان عن إسماعيل بن سميع عن مسلم البطين عن أبي
عمرو الشيباني قال رأى علي بن أبي طالب على رجل جبة في صدره لينة من ديباج
فقال له على ما هذا الشئ الذي تحت لحيتك فجعل الرجل ينظر فقال له رجل إنما يعني الديباج
حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان عن عمرو عن صفوان بن عبد الله
بن صفوان قال استأذن سعد بن أبي وقاص علي بن عامر وتحته مرافق من حرير فأمر بها فرفعت فدخل
عليه سعد وعليه مطرف شطره حرير
فقال له بن عامر يا أبا إسحاق استأذنت علي وتحتي مرافق من حرير فأمرت بها فرفعت
فقال نعم الرجل أنت يا بن عامر إن لم تكن من الذين قال الله عز وجل أذهبتم طيباتكم في
حياتكم الدنيا واستمتعتم بها لان أضطجع على جمر الغضاء أحب إلي من أن اضطجع على
مرافق حرير
قال فهذا عليك مطرف شطره خز وشطره حرير قال إنما يلي جلدي منه الخز
248

حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طلق بن حبيب قال قلت
لابن عمر أرأيت هذا الذي تقول في هذا الحرير أشئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو وجدته في كتاب
الله عز وجل
قال ما وجدته في كتاب الله ولا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني رأيت أهل الاسلام يكرهونه
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا ابن الخصيب قال ثنا يزيد بن زريع عن عبد الله بن عون قال
لا أعلمه إلا قال عن الحسن قال دخلنا علي بن عمر بالبطحاء فقال له رجل إن ثيابنا هذه يخالطها الحرير
قال دعوه قليله وكثيره
قال أبو جعفر فذهب ذاهبون إلى أن حرم من ذلك فقد دخل فيه النساء والرجال جميعا واحتجوا في
ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ولم يخص في ذلك الرجال دون النساء
قالوا قد رأينا آنية الذهب والفضة حرمت على المسلمين لأنها آنيات الكفار فاستوى في ذلك
النساء والرجال
فكذلك الحرير لما حرم على المسلمين لأنه لباس الكفار استوى فيه الرجال والنساء جميعا
فكان من الحجة على من ذهب إلى هذا القول أنه قد نهى عن لبس الثياب المصبغات وقيل إنها
لباس الكفار
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن هشام
عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن عبد الله بن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين قال هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا هارون بن إسماعيل الخزار قال ثنا علي بن المبارك قال ثنا يحيى فذكر
بإسناده مثله
ففي هذا الحديث أن الثياب المصبغة ثياب الكفار
فنظرنا في ذلك هل حرم لبسها لهذه العلة على النساء أم لا
فإذا سليمان بن شعيب قد حدثنا قال ثنا الخصيب قال ثنا عمارة بن زاذان عن زياد النميري عن أنس
بن مالك قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب معصفر فقال له لو أن ثوبك هذا كان في تنور لكان خيرا لك
فذهب الرجل فجعله تحت القدر أو في التنور فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قال ما فعل ثوبك قال صنعت
به ما أمرتني
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهذا أمرتك أولا ألقيته على بعض نسائك
249

فكان ذلك التحريم على الرجال دون النساء
وقد روى في ذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثنا أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز قال ثنا بندار قال
ثنا ابن أبي عدي عن سعيد بن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم النخعي قال دخلت على عائشة فرأيت
عليها ثيابا مصبغة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم قال أخبرني بن جريج عن موسى بن عقبة قال كانت أم سلمة
وعائشة وأم حبيبة يلبسن المعصفرات
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول
لأهله لا تلبسوا ثياب الطيب وتلبسوا الثياب المعصفرة من غير الطيب
حدثنا يونس قال ثنا بوهب أن مالكا حدثه عن هشام عن عروة عن أبيه عن أسماء بنت
أبي بكر الصديق أنها كانت تلبس الثياب المعصفرات وهي محرمة ليس فيهن زعفران
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم عن هشام بن عروة عن فاطمة
بنت المنذر أنها قالت ما رأيت أسماء لبست إلا المعصفر حتى لقيت الله عز وجل وإن كانت لتلبس الثوب
يقوم قياما من العصفر
فما ينكرون أن يكون الحرير كذلك فيكون لبسه مكروها للرجال غير مكروه للنساء
فإن قالوا لنا فلم لا تشبهون حكم لباس الحرير في هذا الباب بحكم استعمال آنية الذهب والفضة
قيل لهم لان الثياب المصبغة هي من اللباس وكذلك ثياب الحرير والديباج والذهب والفضة هما من الأواني
واللباس بعضه ببعض أشبه منه بالآنية
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد روى في ذلك أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث
عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الصعبة عن رجل من همدان يقال له أفلح عن ابن زرير أنه سمع علي بن
أبي طالب يقولان نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في يساره ثم قال إن هذين
حرام على ذكور أمتي
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن
عبد العزيز بن أبي الصعبة عن أبي أفلح عن عبد الله بن زرير الغافقي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرني بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد العزيز بن أبي
الصعبة القرشي عن أبي علي الهمداني عن عبد الله بن زرير قال سمعت علي بن أبي طالب يقول خرج علينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفي إحدى يديه ذهب وفي الأخرى حرير فقال هذان حرام على ذكور أمتي وحل لإناثها
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا يزيد بن أبي حبيب أن عبد العزيز بن
أبي الصعبة القرشي حدثه ثم ذكر بإسناده مثله
250

حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع
عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا إبراهيم بن منقذ وصالح بن عبد الرحمن قالا ثنا المقرئ عن عبد الرحمن بن زياد فذكر
بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي عمران وابن أبي داود وعلي بن عبد الرحمن وأبو زرعة الدمشقي ومحمد بن خزيمة
قالوا ثنا سعيد بن سليمان الواسطي عن عباد بن العوام قال ثنا سعيد بن أبي عروبة قال حدثني
ثابت بن أرقم قال حدثني عمتي أنيسة بنت زيد بن أرقم عن أبيها زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
وزاد علي بن عبد الرحمن فقال له رجل إنك لتقول هذا وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ينهى عنه
قالت وكان في يدي قلبان من ذهب فقال ضعيهما وركب حميرا له فانطلق ثم رجع فقال أعيديهما
فقد سألته فقال لا بأس به
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا يحيى بن أيوب قال حدثني الحسن بن ثوبان
وعمرو بن الحارث عن هشام بن أبي رقية قال سألت مسلمة بن مخلد يقول لعقبة بن عامر قم فحدث
الناس بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني فقام عقبة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كذب علي
متعمدا فليتبوأ بيته من جهنم
وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحرير والذهب حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج بن المنهال الأنماطي قال ثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله
بن عمر عن نافع عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الحرير والذهب
حلال لإناث أمتي حرام على ذكورها
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا محمد بن جعفر قال أخبرني عبد الله بن سعيد بن أبي هند
عن أبيه عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فبين في هذه الآثار من قصد إليه بالنهي في الآثار الأول وأنهم الرجال دون النساء
فقال الآخرون فقد روى عن ابن عمر وابن الزبير أنهما جعلا قول النبي صلى الله عليه وسلم من لبس الحرير في الدنيا
لم يلبسه في الآخرة على الرجال والنساء
وذكروا في ذلك ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا هشيم عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك
قال سألت امرأة بن عمر قالت أتحلي بالذهب
قال نعم قالت فما تقول لي في الحرير قال يكره ذلك قالت ما يكره أخبرني أحلال هو أم حرام
قال كنا نتحدث أن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة
251

حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا خالد بن بزار قال ثنا عبد العزيز بن أبي داود عن نافع عن ابن عمر أن امرأة سألته عن لبس الحرير فكرهه
فقالت ولم فقال لها أما إذ أبيت فسأخبرك كنا نقول من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة قال أخبرني أبو دينار قال سمعت بن الزبير
يخطب يقول يا أيها الناس لا تلبسوا نساءكم الحرير فإني سمعت عمر بن الخطاب يقول سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة
قال بن الزبير وأنا أقول من لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة لان الله عز وجل قال ولباسهم
فيها حرير
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد بن سلمة قال حدثني الأزرق بن قيس الحارثي
قال سمعت عبد الله بن الزبير يخطب يوم التروية وهو يقولا أيها الناس لا تلبسوا الحرير ولا تلبسوه
نساءكم ولا أبناءكم فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة
وذكروا في ذلك أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا بحر بن نصر قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو
بن الحارث أن أبا غسانة المعافري حدثه أنه سمع عقبة بن عامر الجهني يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمنع أهله
الحلية والحرير ويقول إن كنتن تحببن حلية الجنة وحريرها فلا تلبسنها في الدنيا
قيل لهم أما قول النبي صلى الله عليه وسلم من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة فقد روى ذلك
وقد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد به الرجال خاصة ويجوز أن يكون أراد به الرجال والنساء
وما ذكرنا من حديث علي وعبد الله بن عمر وزيد بن أرقم وأبي موسى يخبرون أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما
أراد به الرجال دون النساء فهو أولى
وهذا المعنى أولى أن يحمل عليه وجه هذا الحديث حتى لا يضاد ما ذكرنا قبله
ولئن كان ما ذكروه عن ابن عمر وابن الزبير في ذلك حجة فإن ما قد ذكرناه عن علي مما يخالف ذلك
أحرى بأن يكون حجة
وقد روى في هذا أيضا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك
حدثنا يزيد بن سنان وابن مرزوق قالا ثنا وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت نافعا يحدث
عن ابن عمر قال رأى عمر عطارد التميمي يقيم في السوق حلة سيراء
فقال عمريا رسول الله لو اشتريتها لوفد العرب إذا قدموا عليك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة
فلما كان بعد ذلك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء فبعث إلى عمر بحلة وإلى أسامة بحلة وأعطى عليا حلة
فأمره أن يشقها خمرا بين نسائه
252

قال وراح أسامة بحلته فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا عرف أنه كره ما صنع فقال إني لم أبعث بها
إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشقها خمرا بين نسائك
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا حامد بن يحيى قال ثنا سفيان قال ثنا أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر قال أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء على عطارد فكرهها له ونهاه عنها ثم إنه كسا عمر مثلها
فقال يا رسول الله قلت في حلة عطارد ما قلت وتكسوني هذه
فقال لم أكسكها لتلبسها إنما أعطيتكها لتلبسها النساء
فأخبر بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن قوله إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له إنما
قصد به الرجال دون النساء وقد روى هذا عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا وكيع عن مسعر عن أبي عون عن أبي
صالح الحنفي عن علي أن أكيدر دومة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه إياه وقال أشققه خمرا
بين النساء
وروي عن علي بن أبي طالب في ذلك ما حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا أبو داود الطيالسي قال ثنا
شعبة عن أبي عون الثقفي قال سمعت أبا صالح الحنفي يقول سمعت عليا يقول أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلة
سيراء من حرير فبعث بها إلي فلبستها فرأيت الكراهة في وجهه فأطرتها خمرا بين نسائي
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة قال أخبرني أبو عون محمد بن
عبد الله فذكر بإسناده مثله
حدثنا سليمان قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن زيد بن وهب عن
علي فذكر مثله
حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن إبراهيم بن
عبد الله بن حنين حدثه أن أباه حدثه أنه سمع علي بن أبي طالب يقول كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة سيراء
فرحت فيها
فقال لي يا علي إني لم أكسكها لتلبسها
فرجعت إلى فاطمة رضي الله عنها فأعطيتها طرفها كأنها تطوى معي فشققتها فقالت تربت يداك يا بن
أبي طالب ماذا جئت به
قلت نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ألبسها فالبسيها وأكسي نساءك
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا عمران بن عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن
253

أبي فاختة عن جعدة عن علي قال أهدى أمير أذربيجان إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة مسيرة بحرير إما سداها
وإما لحمتها فبعث بها إلي فأتيته فقلت يا رسول الله ألبسها
قال لا أكره لك ما أكره لنفسي ولكن اجعلها خمرا بين الفواطم
قال فقطعت منها أربع خمر خمارا لفاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب وخمارا لفاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وخمارا لفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب وخمارا لفاطمة أخرى قد نسيتها
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا القعنبي قال ثنا عبد العزيز بن مسلم عن يزيد بن أبي زياد عن أبي
فاختة عن جعدة بن هبيرة عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت له حلة لحمتها أو سداها إبريسم
فقلت يا رسول الله ألبسها قال لا أكره لك ما أكره لنفسي ولكن اقطعها خمرا لفلانة
وفلانة وفلانة وذكر فيهن فاطمة قال فشققتها أربع خمر
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن أبي بشر قال سمعت مجاهدا يحدث عن ابن
أبي ليلى قال سمعت عليا يقول اتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلة حرير فبعث بها إلي فلبستها فرأيت الكراهة في
وجهه فأطرتها خمرا بين النساء
وقد روى في ذلك عن أنس بن مالك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال ثنا شعيب بن أبي
حمزة عن الزهري عن أنس أنه رأى على أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم برد حرير سيراء
حدثنا محمد بن حميد قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا يحيى بن حمزة عن الزبيدي عن الزهري عن
أنس مثله
حدثنا أبو أمية قال ثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال ثنا عيسى بن يوسف عن الأوزاعي ومعمر عن
الزهري عن أنس مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الخطاب بن عثمان وحياة بن شريح قال ثنا بقية عن الزبيدي عن
الزهري عن أنس مثله
قال قال والسيراء المضلع بالقز
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري
عن أنس بن مالك قال رأيت على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بردا سيراء من حرير
فقد ثبت بهذه الآثار مما قدمنا في ذلك من النظر إباحة لبس الحرير للنساء وهذا قول أبي حنيفة وأبي
يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
وقد حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد قال ثنا مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن عمرو بن دينار أن
جابر بن عبد الله نزع الحرير عن الغلام وتركه على الجواري
254

قال مسعر وسألت عنه عمرو بن دينار فلم يعرفه
باب الثوب يكون فيه علم الحرير أو يكون فيه شئ من الحرير
قال أبو جعفر قد روينا في غير هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن الحرير
فذهب قوم إلى أن ذلك النهي قد وقع على قليله وكثيره فكرهوا بذلك لبس المعلم بعلم الحرير
والثوب الذي لحمته غير حرير
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا قد وقع النهي من ذلك على ما جاوز الاعلام وعلى ما كان سداه
غير حرير لا على غير ذلك
واحتجوا في ذلك بما قد روينا في باب لبس الحرير عن عمر في استثنائه مما حرم عليهم من الحرير الاعلام
وبما حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا القاسم بن مالك المزني عن داود بن أبي
هند عن حميد بن عبد الرحمن عن سعد بن هشام قال حدثتني عائشة قالت كانت لنا قطيفة علمها
حرير فكنا نلبسها
حدثنا يونس قال ثنا يحيى بن حسان قال ثنا عيسى بن يونس عن المغيرة بن زياد عن أبي عمر
مولى أسماء قال رأيت بن عمر أشتري جبة فيها خيط أحمر فردها
فأتيت أسماء فذكرت ذلك لها
فقالت بؤسا لابن عمر يا جارية ناوليني جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخرجت إلينا جبة مكفوفة الجيب والكمين والفروج بالديباج
حدثنا الحسين بن عبد الله بن منصور قال ثنا الهيثم بن جميل ح
وحدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا شريك عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال إنما
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت وأما السدي والعلم فلا
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير بن معاوية عن خصيف فذكر بإسناده مثله
ففي هذه الآثار إباحة لبس الثوب من غير
الحرير إذا كان فيه من الحرير مثل العلم أو كانت لحمته غير حرير إذا كان سداه حريرا
ومما دل على صحة ما قالوا من ذلك ما قد روى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في لبسهم الخز
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر قال سمعت أبي يذكر عن الشعبي
قال رأيت على الحسين بن علي جبة خز
255

حدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو نعيم قال ثنا يونس بن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث قال رأيت
على الحسين بن علي مطرف خز
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الله بن صالح قال ثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث
عن بكير بن عبد الله أن بشر بن سعيد حدثه أنه رأى على سعد بن أبي وقاص جبة شامية قيامها قز
قال بشر ورأيت على زيد بن ثابت خمائص معلمة
حدثنا علي قال ثنا يحيى بن معين قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا عبد الله بن عمر عن وهب
بن كيسان قال رأيت سعد بن أبي وقاص وأبا هريرة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك يلبسون الخز
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها
كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت عائشة تلبسه
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا يحيى بن حسان قال ثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار مولى
بني هاشم قال قدمت على مروان بن الحكم مطارف خز فكساها ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأني
أنظر إلى أبي هريرة وعليه منها مطرف أغبر كأني أنظر إلى طرائق الإبريسم فيه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا صالح بن حاتم بن وردان قال ثنا يزيد بن زريع قال حدثني عبد الله
بن عوف قال رأيت على أنس بن مالك جبة خز ومطرف خز وعمامة خز
حدثنا ابن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا مهدي بن ميمون عن شعيب بن الحبحاب قال رأيت على
أنس بن مالك جبة خز ومطرف خز أو قال وبرنس خز
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا شعبة عن محمد بن زياد أنه رأى على أبي هريرة
مطرف خز
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانوا يلبسون الخز وقيامه حرير
وكان من الحجة للآخرين على أهل هذه المقالة أن الخز يومئذ لم يكن فيه حرير
فيقال لهم وما دليلكم على ما ذكرتم وقد ذكرنا في بعض هذه الآثار أن جبة سعد كان قيامها قزا
وروينا عنه في كتابنا هذا في غير هذا الباب أنه دخل علي بن عامر وعليه جبة شطرها خز
وشطرها حرير
فكلمه بن عامر في ذلك فقال إنما يلي جلدي منه الخز
فدل ذلك أن خزهم كان كخز الناس من بعدهم فيه حرير وفيه خز
256

ففي ثبوت ذلك ثبوت ما ذهب إليه من أباح لبس الثوب من غير الحرير المعلم بالحرير ولبس الثوب الذي
قيامه حرير وظاهره غير حرير
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب الرجل يتحرك سنه هل يشدها بالذهب أم لا
قال أبو جعفر قد اختلف الناس في الرجل يتحرك سنه فيريد أن يشدها بالذهب
فقال أبو حنيفة ليس له ذلك وأن يشدها بالفضة كذلك
حدثنا محمد بن العباس قال ثنا علي بن معبد عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة
وقال أصحاب الاملاء منهم بشر بن وليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه لا بأس أن
يشدها بالذهب
وقال محمد بن الحسن لا بأس أن يشدها بالذهب كذلك
وكان من الحجة لأبي حنيفة في قوله الذي رواه محمد عن أبي يوسف عنه أنه قد نهي عن الذهب
والحرير فنهى عن استعمالهما وكان ما نهى عنه من الحرير قد دخل فيه لباسه وعصب الجراح به
فكذلك ما نهى عنه من استعمال الذهب يدخل فيه شد السن به
وكان من الحجة لمحمد فيما ذهب إليه من ذلك على أبي حنيفة في روايته عن أبي يوسف عنه أن ما ذكر
من تعصيب الجراح بالحرير إن كان ما فعل لأنه علاج للجراح فلا بأس به لان ذلك دواء كما أباح رسول
الله صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف لبس الحرير من الحكة التي كانت بهما كذلك عصائب
الحرير إن كانت علاجا للجرح لتقل مدته كما أن الثوب الحرير علاج للحكة فلا بأس بها وإن يكن
علاجا للجرح فكانت هي وسائر العصائب في ذلك سواء فهي مكروهة
فكذلك ما ذكرنا من الذهب إن كان يراد منه أنه لا ينتن كما تنتن الفضة فلا بأس به
وقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم لعرفجة بن أسعد أن يتخذ أنفا من ذهب
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا أبو الأشهب ح
وحدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا غسان بن عبيد المصلي قال ثنا أبو الأشهب ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا أبو الأشهب عن عبد الرحمن بن طرفة
257

عن جده عرفجة بن أسعد أنه أصيب أنفه يوم الكلاب في الجاهلية فاتخذ أنفا من ورق فأنتن عليه فشكا
ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتخذ أنفا من ذهب ففعل
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد والخصيب بن ناصح وأسد بن موسى قالوا
ثنا أبو الأشهب عن عبد الرحمن بن طرفة عن عرفجة مثله
فقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم لعرفجة بن أسعد أن يتخذ أنفا من ذهب إذا كان تنتن الفضة
فلما كان ذلك في الانف كان كذلك السن لا يشدها بالذهب إذا كان أي غيره لا ينتن فيكون
النتن الذي من الفضة مبيحا لاستعمال الذهب كما كان النتن الذي يكون منها في الانف مبيحا لاستعمال الذهب
مكانها فهذه حجة
وفي ذلك حجة أخرى أنا رأينا استعمال الفضة مكروها كما استعمال الذهب مكروها
فلما كانا مستويين في الكراهة وقد عممهما النهي جميعا وكان شد السن بالفضة خارجا من الاستعمال
المكروه كان كذلك شدها بالذهب أيضا خارجا من الاستعمال المكروه
فإن قال قائل فقد رأينا خاتم الفضة أبيح للرجال ومنعوا من خاتم الذهب فقد أبيح لهم من الفضة
ما لم يبح لهم من الذهب
قيل له قد كان النظر ما حكينا وهو إباحة خاتم الذهب للرجال كخاتم الفضة
ولكنا منعنا من ذلك وجاء النهي عن خاتم الذهب نصا فقلنا به وتركنا له النظر ولولا ذلك لجعلناه
في الإباحة كخاتم الفضة
فكذلك شد السن لما أبيح بالفضة ثبت أن شدها بالذهب كذلك حتى يأتي بالتفرقة بين ذلك سنة يجب
بها ترك النظر كما جاء في خاتم الذهب سنة نهت عنه فتمت بها الحجة ووجب لها ترك النظر فثبت
بما ذكرنا ما قال محمد
فإن قال قائل وما الذي روى في النهي من خاتم الذهب
قيل له قد رويت عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك آثار متواترة جاءت مجيئا صحيحا وسنذكرها في باب النهي
عن خاتم الذهب إن شاء الله تعالى
وقد روى عن جماعة من المتقدمين إباحة شد الأسنان بالذهب
فمن ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان وموسى بن داود قالا ثنا طعمة بن عمرو قال رأيت
صفرة الذهب بين ثنايا أو قال بين ثنيتي موسى بن طلحة
258

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن سليمان قال ثنا حماد بن سلمة عن حميد الطويل قال رأيت
الحسن شد أسنانه بالذهب
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أسد قال ثنا أبو الأشهب عن حماد قال رأيت المغيرة بن عبد الله
أمير الكوفة قد ضبب أسنانه بالذهب
فذكرت ذلك لإبراهيم فقال لا بأس به
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا شعبة قال رأيت أبا التياح وأبا حمزة
وأبا نوفل بن أبي عقرب قد ضببوا أسنانهم بالذهب
حدثنا سليمان قال ثنا الخصيب قال رأيت عبيد الله بن الحسن قاضي البصرة قد شد أسنانه بالذهب
فقد وافق ما روينا عنهم من هذا ما ذهب إليه محمد بن الحسن فيه نأخذه
باب التختم بالذهب
حدثنا علي بن معبد قال ثنا إسحاق بن منصور قال ثنا أبو رجاء عن محمد بن مالك قال رأيت علي
البراء خاتما من ذهب فقيل له
قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنيمة فألبسنيه وقال البس ما كساك الله ورسوله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى إباحة لبس خواتم الذهب للرجال واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وقالوا قد روى عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يلبسون خواتيم الذهب
فذكروا في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا القواريري قال ثنا ابن عيينة عن إسماعيل
بن محمد عن مصعب بن سعد قال رأيت في يد طلحة بن عبيد الله خاتما من ذهب ورأيت في يد صهيب خاتما
من ذهب ورأيت في يد سعد خاتما من ذهب
حدثنا علي بن معبد قال ثنا النضر بن عبد الجبار قال ثنا ابن لهيعة عن محمد بن زيد عن عيسى
بن طلحة أنه أخبره أن طلحة بن عبيد الله قتل وفي يده خاتم من ذهب
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن خالد عن جعفر بن ربيعة عن ابن شهاب عن يحيى بن سعيد
بن العاص أن سعيد بن العاص قتل وفي يده خاتم من ذهب
حدثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن عمر قال ثنا مالك بن مغول قال ثنا أبو السفر ح
259

وحدثنا علي قال ثنا خلاد بن يحيى قال ثنا يونس بن أبي إسحاق قال ثنا أبو السفر قال رأيت
علي البراء خاتما من ذهب
فذهبوا إلى تقليد هذه الآثار مع ما تعلقوا به في ذلك من حديث البراء الذي ذكرناه في أول هذا الباب
ولهم في ذلك من النظر أنه قد نهى عن استعمال الذهب والفضة نهيا واحدا ومنع من الاكل
في آنية الفضة كما منع من الاكل في آنية الذهب
فلما كان قد سوى في ذلك بين الذهب والفضة وجعل حكمهما واحدا ثم ثبت أن خاتم الفضة ليس
ما نهى عنه كان كذلك خاتم الذهب
وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا خواتيم الذهب للرجال
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال أخبرني عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن إبراهيم
بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن محمد بن عجلان قال حدثني إبراهيم
بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن ابن عباس عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن
أبيه عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا داود بن قيس عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن
أبيه عن ابن عباس عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (
حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف ح
وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قالا ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن إبراهيم
بن عبد الله بن حنين حدثه أن أباه حدثه أنه سمع عليا يقول نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن هبيرة بن مريم عن
علي قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب
حدثنا علي بن معبد قال ثنا إسحاق بن منصور قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث
عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتختم بالذهب
حدثنا فهد قال ثنا النفيلي قال ثنا زهير قال ثنا يزيد بن أبي زياد عن أبي سعيد الأزدي عن أبي
الكنود قال أتيت عبد الله بن مسعود فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حلقة الذهب
260

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن يزيد فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا أبو غسان قال ثنا ابن عجلان عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا جلس إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس خاتم حديد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه لبسة أهل النار
فرجع فلبس خاتم ورق فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا عبد الغني بن رفاعة قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن أشعث بن أبي الشعثاء عن معاوية بن
سويد بن مقرن عن البراء بن عازب قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب
فهذا البراء قد روينا عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا خلاف ما روينا عنه في أول هذا الباب
حدثنا علي بن معبد قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا شعبة قال ثنا أبو التياح قال سمعت رجلا
من بني ليث يقول أشهد على عمران بن حصين أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن خاتم الذهب
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أبي التياح عن حفص الليثي عن عمران بن
حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا الحجاج بن محمد قال أخبرني شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس
عن بشر بن نهيك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا أبي قال سمعت النعمان بن راشد يحدث عن الزهري
عن عطاء بن يزيد عن أبي ثعلبة الخشني قال جلس رجل إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب فقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بقضيب كان في يده ثم غفل عنه فرمى الرجل بخاتمه ثم نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
أين خاتمك فقال ألقيته
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أظننا إلا وقد أوجعناك وأغرمناك
حدثنا بحر بن نصر قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن لهيعة عن عمارة بن غزية الأنصاري عن
سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من ذهب فأعرض
عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق فلبس خاتما من حديد ثم جاء فأعرض عنه
فانطلق فنزعه ولبس خاتما من ورق فأقره النبي صلى الله عليه وسلم وأقبل إليه
261

فقد رويت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن التختم بالذهب
منها حديث البراء الذي قد ذكرناه فيها وهو أصح وأثبت مما رويناه عنه في الإباحة
فاحتمل أن يكون ما ذهب إليه أحد الفريقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخا لما قد رواه الفريق الآخر
فنظرنا في ذلك فإذا فإذا بابن أبي داود قد حدثنا قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال
حدثني نافع عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب وجل فصه مما يلي كفه فاتخذه الناس
فرمى به واتخذ خاتما من ورق أو فضة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد قال ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن نافع عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله *
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا القعنبي قال قرأت على مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار عن ابن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتما من ذهب ثم قام فنبذه فقال لا ألبسه أبدا فنبذ الناس خواتيمهم
حدثنا نصر بن مرزوق عن علي بن معبد عن إسماعيل بن جعفر عن نافع عن ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن المغيرة بن زياد أنه حدثه قال حدثني نافع عن ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتم من ذهب فاتخذ أصحابه خواتيم من ذهب ثم رمى به واتخذ خاتما من ورق
وكتب فيه محمد رسول الله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا عبد الواحد بن غياث قال ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن نافع
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فثبت بهذه الآثار أن خواتيم الذهب قد كان لبسها مباحا ثم نهى عنه بعد ذلك
فثبت أن ما فيه تحريم لبسها هو الناسخ لما فيه إباحة لبسها فهذا
وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما النظر في ذلك فقد ذكرناه فيما تقدم ذكرنا له في غير هذا الموضع وأنه يوافق ما ذهب إليه من ذهب
في ذلك إلى الإباحة
ولكن السنة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك قد حظرت ذلك ومنعت منه
ومما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن ذلك أيضا ما حدثنا محمد بن خزيمة
قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن عبيد الله بن عمر عن نافع مولى بن عمر عن حنين مولى بن عباس عن علي عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهاه عن التختم بالذهب
حدثنا محمد قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن محمد بن عمر عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه
عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
262

فإن قال قائل فهل تجد عن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك نهيا
قيل له نعم حدثنا علي بن معبد قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا همام عن قتادة عن عبد الرحمن
مولى أم برثن عن زياد عامل البصرة قال وفدنا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الأشعري فرأى
علي خاتما من ذهب
فقال عمر لقد تشبهتم بالعجم ثلاثا يقولها تختموا بهذا الورق
قال فقال الأشعري أما أنا فخاتمي حديد فقال عمر ذاك أخبث وأنتن
باب نقش الخواتيم
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا محمد بن الصباح قال ثنا هشيم عن العوام بن حوشب عن الأزهر
بن راشد عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تستضيئوا بنيران أهل الشرك ولا تنقشوا عربيا
قال فسألت الحسن عن ذلك فقال قوله لا تنقشوا عربيا لا تنقشوا في خواتيمكم محمد رسول الله
وقوله لا تستضيئوا بنيران أهل الشرك يقول لا تشاوروهم في أموركم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى كراهة نقش الخواتيم بشئ من العربية واحتجوا في ذلك بهذا لحديث
ولم يروا بنقش غير العربية بأسا واحتجوا في ذلك بما كان على خواتيم نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا علي بن معبد قال ثنا معلى عن منصور قال أخبرني عبد الواحد بن زياد قال حدثتنا أم
نافع بنت أبي الجعد مولى النعمان بن مقرن عن أبيها قال كان نقش خاتم النعمان بن مقرن إبلا قابضا
إحدى يديه باسطا الأخرى
حدثنا علي بن معبد قال ثنا علي بن جعد قال ثنا شعبة عن جابر عن القاسم قال كان نقش خاتم
عبد الله ذبابان
حدثنا علي قال ثنا شريك عن الأعمش عن عبد الله بن يزيد قال كان نقش خاتم حذيفة كركيان
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بنقش العربية على الخواتيم غير ما منع منه رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الانتقاش على خاتمه
وقالوا لا حجة لأهل المقالة الأولى فيما احتجوا به في ذلك لان حديثهم الذي رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم
لا يثبت من طريق الاسناد وإنما أصله عن عمر لا عن النبي صلى
263

وذكروا في ذلك ما حدثنا علي بن معبد قال ثنا شريح بن النعمان قال ثنا أبو عوانة عن قتادة عن
أنس بن مالك قال قال عمر بن الخطاب لا تنقشوا في خواتيمكم العربية
فهذا هو أصل حديث أنس هذا عن عمر لا عن النبي صلى الله عليه وسلم
ثم لو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان تفسيره عندنا ما قال الحسن لان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كذلك
فنهى أن ينقش عليه
حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن أبيه عن ثمامة عن أنس
قال كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسطر سطر محمد وسطر رسول وسطر الله فهذا كان
نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب قال ثنا سعد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن
يكتب إلى كسرى وقيصر
فقيل له إنهم لا يقبلون كتابك إلا بخاتم فاتخذ خاتما من فضة نقشه محمد رسول الله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا شبابة قال ثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب
كتابا إلى الروم ثم ذكر مثله
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انتقش في خاتمه العربية ثم قد فعل ذلك أصحابه من بعده
حدثنا علي
بن معبد قال ثنا إبراهيم بن محمد القرشي عن عمرو بن يحيى عن جده قال قدم عمرو بن سعيد مع أخيه على النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى
حلقة في يده فقال ما هذه الحلقة في يدك قال هذه حلقة يا رسول الله
قال فما نقشها قال محمد رسول الله قال أرنيه فتختمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات وهو في يده
ثم أخذه أبو بكر بعد ذلك فكان في يده ثم أخذه عمر فكان في يده ثم أخذه عثمان فكان في يده عامة
خلافته حتى سقط منه في بير أريس
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على خالد بن سعيد لبس ما هو منقوش بالعربية
حدثنا علي بن معبد قال ثنا علي بن الجعد قال ثنا الربيع بن صبيح عن حيان الصائغ قال كان
نقش خاتم أبي بكر الصديق نعم القادر الله
حدثنا علي قال ثنا خالد بن عمرو قال ثنا إسرائيل عن جابر عن أبي جعفر قال كان نقش خاتم
علي رضي الله عنه لله الملك
حدثنا علي قال ثنا عبد الوهاب قال ثنا شعبة عن قتادة قال كان نقش خاتم أبي عبيدة بن الجراح
الحمد لله
264

فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون المهديون قد نقشوا على خواتيمهم العربية
فدل ما فعلوا من ذلك على أنه غير محظور عليهم وأنه إنما أريد بالنهي أن لا ينقش على خاتم الامام
لئلا يفتعل فيما بيده من الأموال التي للمسلمين
ألا ترى أن عمر قد روينا عنه النهي عن ذلك ثم قد لبس هو من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو
منقوش بالعربية
فدل ذلك على أن ما كره من العربية هو العربية الموضوعة على خاتم إمام المسلمين خاصة لا غير ذلك
وأما ما روي مما كان نقش خاتم النعمان بن مقرن وابن مسعود وحذيفة فإنه قد يجوز أن يكونوا فعلوا
ذلك ولهم أن ينقشوا مكانهم عربيا
ولقد حدثني بن أبي داود قال ثنا القواريري قال ثنا عبد الوارث عن عمرو عن الحسن أنه كان
يكره أن ينقش الرجل على خاتمه صورة
وقال إذا ختمت لها فقد صورت بها
باب لبس الخاتم لغير ذي السلطان
حدثنا علي بن معبد قال ثنا معلى بن منصور قال ثنا مفضل بن فضالة قال ثنا عياش بن عياش
عن الهيثم بن شفي الحجري عن أبي عامر عن أبي ريحانة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبوس الخاتم
إلا لذي سلطان
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى كراهة لبس الخاتم إلا لذي سلطان واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بلبسه لسائر الناس من سلطان وغيره بأسا
وكان من حجتهم في ذلك الحديث الذي قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الباب الذي قبل هذا الباب
أنه ألقي خاتمه فألقى الناس خواتيمهم
فقد دل هذا على أن العامة قد كانت تلبس الخواتيم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن قال قائل فكيف تحتج بهذا وهو منسوخ
قيل له إن الذي احتججنا به عنه ليس بمنسوخ وإنما المنسوخ ترك لبس الخاتم من الذهب للنبي صلى الله عليه وسلم
ولغيره من أمته
وقبل ذلك فقد كان هو وهم في ذلك سواء
265

فلما نسخ لبس خواتيم الذهب كان الحكم متقدما في لبسه ولبسهم الخواتيم سواء وكان النسخ
لم يمنعه هو صلى الله عليه وسلم من لبس خاتم الفضة فكذلك أيضا لا يمنعهم من لبس الخواتيم من فضة
فهذا الذي أرادنا من هذا الحديث
وقد روى عن جماعة ممن لم يكن لهم سلطان أنهم كانوا يلبسون الخواتيم
فمما روى في ذلك ما حدثنا علي بن معبد قال ثنا محمد بن جعفر المدائني قال ثنا حاتم بن إسماعيل
عن جعفر بن محمد عن أبيه أن الحسن والحسين كانا يتختمان في يسارهما وكان في خواتيمهما ذكر الله
حدثنا علي قال ثنا يعلى بن عبيد قال ثنا رشد بن كريب أنه قال رأيت بن الحنفية يتختم في يساره
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوحاظي قال ثنا سليمان بن بلال قال ثنا جعفر بن محمد عن أبيه
قال كان الحسن والحسين يتختمان في يسارهما
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن إبراهيم بن عطاء عن أبيه قال كان نقش خاتم عمران
بن حصين رحلا متقلدا بسيف
حدثنا علي قال ثنا خالد بن عمرو قال ثنا يونس بن أبي إسحاق قال رأيت قيس بن أبي حازم
وعبد الرحمن بن الأسود وقيس بن ثمامة والشعبي يتختمون بيسارهم
حدثني علي قال ثنا علي بن الجعد قال ثنا شعبة عن مغيرة قال كان نقش خاتم إبراهيم
نحن بالله وله
فهؤلاء الذين روينا عنهم هذه الآثار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم قد كانوا يتختمون وليس
لهم سلطان
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما من طريق النظر فإن السلطان إذا كان له لبس الخاتم لأنه ليس بحلية فكذلك أيضا غير السلطان
له أيضا لبسه لأنه ليس بحلية
وقد رأينا ما نهى عنه من استعمال الذهب والفضة يستوي فيه السلطان والعامة
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك ما أبيح للسلطان من لبس الخاتم يستوي فيه هو والعامة
وإن كان إنما أبيح الخاتم لاحتياجه إليه ليختم به مال المسلمين وأنه أيضا مباح للعامة لاحتياجهم إليه
للختم على أموالهم وكتبهم فلا فرق في ذلك بين السلطان وغير السلطان
266

باب البول قائما
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم ح
وحدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت
ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما منذ أنزل عليه القرآن
قال أبو جعفر فكره قوم البول قائما واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا به بأسا
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن
حذيفة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بال وهو قائم على سباطة قوم ثم أتى بوضوء فتوضأ ومسح على خفيه
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا سعيد بن عامر قال ثنا شعبة عن سليمان فذكر بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو الوليد قال ثنا أبو عوانة عن سليمان فذكر بإسناده مثله حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان الثوري قال ثنا منصور عن أبي وائل عن حذيفة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
ففي هذا الحديث إباحة البول قائما وهذا أولى مما ذكرنا قبله عن عائشة
لان حديث عائشة إنما فيه من حدثك أن رسول الله بال قائما بعد ما أنزل عليه القرآن فلا تصدقه
أي أن القرآن لما نزل عليه أمر فيه بالطهارة واجتناب النجاسة والتحرز منها
فلما رأت عائشة ذلك وعلمت تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر الله وكان الأغلب عندها أن من بال قائما
لا يكاد يسلم من إصابة البول ثيابه وبدنه قالت ذلك وليس فيه حكاية منها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافق ذلك
ثم جاء حذيفة فأخبر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد نزول القرآن عليه يبول قائما
فثبت بذلك إباحة البول قائما إذا كان البائل في ذلك يأمن من النجاسة على بدنه وثيابه
وقد روى عن عائشة في هذا ما يدل على ما ذهبنا إليه من معنى حديثها الذي ذكرنا
حدثنا أحمد بن داود وقال ثنا ابن صالح قال ثنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة
قالت من حدثك أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول قائما فكذبه فإني رأيته يبول جالسا
ففي هذا الحديث ما يدل على ما دفعت به عائشة رواية رؤية من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول قائما
وإنما رؤيتها إياه
يبول جالسا
267

فليس في هذا الحديث عندنا دليل على ذلك لأنه قد يجوز أن يبول جالسا في وقت ويبول قائما في
وقت آخر
فلم تحك عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا شيئا يدل على كراهية البول قائما
وقد روى عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بال قائما
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر عن شعبة أنه حدث عن سليمان عن زيد بن وهب قال رأيت
عمر بال قائما فأنجح حتى كاد يصرع
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب وأبو داود قالا ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي ظبيان أنه رأى
عليا بال قائما
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر قال ثنا شعبة عن سليمان فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص قال ثنا أبي عن الأعمش فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا يحيى بن اليمان عن معمر عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب
قال رأيت زيد بن ثابت يبول قائما
حدثنا يونس قال ثنا معن ابن عيسى قال ثنا مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال رأيت عبد الله بن عمر
يبول قائما
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانوا يبولون قياما وذلك عندنا على أنهم كانوا يأمنون أن يصيب
شئ من ذلك ثيابهم وأبدانهم
فإن قال قائل فقد روى عن عمر بن الخطاب ما يخالف ما رويت عنه في هذا الباب
فذكر ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله عن
نافع عن ابن عمر قال قال عمر ما بلت قائما منذ أسلمت
قيل له قد يجوز أن يكون عمر لم يبل قائما منذ أسلم حتى قال هذا القول ثم بال بعد ذلك قائما على ما رواه
عنه زيد بن وهب
ففي ذلك ما يدل على أنه لم يكن يرى بالبول قائما بأسا
وقد دل على ذلك أيضا ما قد رويناه عن ابن عمر في هذا البا ب من بوله قائما
وقد حدث عن عمر بن الخطاب بما قد ذكرنا
فدل ذلك على رجوع عمر عن كراهية البول قائما إذا كان ذلك لما رواه عنه عبد الله بن عمر
268

ولم يكن عبد الله بن عمر يترك ما سمعه من عمر إلا إلى ما هو أولى عنده من ذلك
باب القسم
حدثنا إسحاق بن الحسين الطحان قال ثنا سعيد بن أبي مريم قال ثنا سفيان بن عيينة عن يونس بن
يزيد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس في حديث طويل فيه ذكر رؤيا عبرها
أبو بكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال أصبت يا رسول الله قال أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال أقسمت عليك يا رسول الله
قال لا تقسم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى كراهة القسم وقالوا لا ينبغي لأحد أن يقسم على شئ وأعظموا ذلك
وكان ممن أعظم ذلك الليث بن سعد فذكر لي غير واحد من أصحابنا عن عيسى بن حماد زغبة
قال أتيت بكر بن مضر لأعوده فجاء الليث فهم بالصعود إليه فقال له بكر أقسمت عليك أن تفعل فقال له الليث أو تدري ما القسم أو تدري ما القسم
أو تدري ما القسم
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بالقسم بأسا وجعلوه يمينا وحكموا له بحكم اليمين وقالوا قد ذكر الله في
غير موضع في كتابه فقال عز وجل لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة
وقال فلا أقسم بمواقع النجوم وقال لا أقسم بهذا البلد
فكان تأويل ذلك عند العلماء جميعا أقسم بيوم القيامة ولا صلة وقال الله عز وجل وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا
عليه حقا فلم يعبهم بقسمهم ورد عليهم كفرهم فقال بلى وعدا عليه حقا
وكان في ذكره جهد أيمانهم دليل على أن ذلك القسم كان منهم يمينا
وقال الله عز وجل إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين فلم يعب ذلك عليهم
ثم قال ولا يستثنون
فحدثني سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد بن الحسن قال في هذه الآية دليل على أن القسم يمين لان
الاستثناء لا يكون إلا في اليمين
وإذا كانت يمينا كانت مباحة فيما سائر الايمان فيه مباحة ومكروهة فيما سائر الايمان فيه مكروهة
269

ولا حجة عندنا على أهل هذه المقالة في حديث بن عباس الذي ذكرنا فإنه يجوز أن يكون الذي كره
رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسم لأبي بكر من أجله هو أن التعبير الذي صوبه في بعضه وخطأه في بعضه لم يكن
ذلك منه من جهة الوحي ولكن من جهة ما يعبر له الرؤيا كما نهى أن توطأ الحوامل على الاشفاق منه أن يضر ذلك
بأولادهم
فلما بلغه أن فارس والروم يفعلون ذلك فلا يضر بأولادهم أطلق ما كان حظر من ذلك
وكما قال في تلقيح النخل ما أظن أن ذلك يغني شيئا فتركوه ونزعوا عنه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال
إنما هو ظن ظننته إن كان يعني شيئا فليصنعوه فإنما أنا بشر مثلكم وإنما هو ظن ظننته والظن يخطئ
ويصيب ولكن ما قلت قال الله عز وجل فلن أكذب على الله
حدثنا بذلك يزيد بن سنان قال ثنا أبو عامر قال ثنا إسرائيل عن سماك عن موسى بن طلحة
عن أبيه
فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما قاله من جهة الظن فهو كسائر البشر في ظنونهم وأن الذي يقوله عن الله
عز وجل فهو الذي لا يجوز خلافه
وكانت الرؤيا إنما تعبر بالظن والتحري وقد روى ذلك عن محمد بن سيرين واحتج بقول الله عز وجل
وقال للذي ظن أنه ناج منهما
فلما كان التعبير من هذه الجهة التي لا حقيقة فيها كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أن يقسم عليه ليخبره
بما يظنه صوابا على أنه عنده كذلك وقد يكون في الحقيقة بخلافه
ألا ترى أن رجلا لو نظر في مسألة من الفقه واجتهد فأداه اجتهاده إلى شئ وسعه القول به ورد
ما خالفه وتخطئة قائله إذا كانت الدلائل التي بها يستخرج الجواب في ذلك رافعة له
ولو حلف على أن ذلك الجواب صواب كان مخطئا لأنه لم يكلف إصابة الصواب فيكون ما قاله هو
الصواب ولكنه كلف الاجتهاد
وقد يؤديه الاجتهاد إلى الصواب وإلى غير الصواب فمن هذه الجهة كره رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي
بكر الحلف
عليه ليخبره بصوابه ما هو لا من جهة كراهية القسم
وقد روى في ذلك ما يدل على ما ذكرناه
حدثنا بحر بن نصر قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس مثل حديث إسحاق بن الحسين غير أنه قال والله لتخبرني بما أصبت مما أخطأت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقسم
فدل ذلك على أن ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحلف فيه على إخباره بصوابه أو خطئه في شئ
270

لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي الذي يلم به حقيقة الأشياء لا لذكره القسم
وحدثنا ابن أبي مريم قال ثنا الفريا بي قال ثنا شريك عن يزيد بن زياد عن عبد الرحمن بن
الحارث عن ابن عباس قال القسم يمين
فهذا بن عباس وهو الذي روى عنه الحديث الأول قد جعل القسم يمينا ففي ذلك دليل على إباحة الحلف
به وأنه عنده كسائر الايمان
فثبت بذلك ما تأولنا الحديث الأول عليه وانتفى قول من تأوله على غير ما تأولناه عليه
قال أبو جعفر وقد روى في إباحة القسم ما قد حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال
ثنا شعبة عن أشعث بن سليم عن معاوية بن سويد بن مقرن عن البراء بن عازب قال أمرنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم بإبرار القسم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود ووهب قالا ثنا شعبة فذكر بإسناده مثله
غير أنه قال بإبرار القسم
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بإبرار القسم ولو كان المقسم عاصيا لما كان ينبغي أن يبر قسمه
وقد حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا عبد الله بن بكر السهمي قال ثنا حميد الطويل عن أنس
بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره
فلو كان القسم مكروها لكان قائله عاصيا ولما أبر الله قسم من عصاه
وقد روينا فيما تقدم من كتابنا هذا عن المغيرة بن شعبة أنه قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد
ريح ثوم
فلما فرغ من الصلاة قال من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا في مسجدنا حتى يذهب ريحها
فأتيته فقلت أقسمت عليك يا رسول الله لما أعطيتني يدك فأعطانيها فأريته جبائر على صدري
فقال إن لك عذرا ولم ينكر عليه إقسامه عليه
حدثنا جعفر بن سليمان النوفلي قال ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال حدثنا عمر بن أبي بكر الموصلي عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن عمرة عن عائشة أنها قالت أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم فقال أهدى لزينب
بنت جحش قالت فأهديت لها فردته فقال أقسمت عليك لا رددتها فرددتها
فدل ما ذكرنا على إباحة القسم وأن حكمه حكم اليمين وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم
الله تعالى
271

وقد روى ذلك عن إبراهيم النخعي
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أبي عن محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال أقسم
وأقسمت به يمين وكفارة ذلك كفارة يمين
وقد أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو حفص القلاس قال ثنا أبو قتيبة
قال ثنا عبد الرحمن بن أبي الرحال قال ثنا أبي عمرة عن عائشة قالت كان إيلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أقسم بالله
لا أقربكن شهرا
باب الشرب قائما
حدثنا ابن أبي عمران ومحمد بن علي بن داود قالا أنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني قال ثنا خالد
بن الحارث عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي مسلم عن الجارود أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن
الشرب قائما
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا خالد بن الحارث قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
عن أبي مسلم عن الجارود بن المعلى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبد الرحمن بن المبارك قال ثنا خالد بن الحارث عن سعيد عن قتادة
عن أبي مسلم عن الجارود عن سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الصمد قال ثنا همام وهشام قالا ثنا قتادة عن أنس بن مالك
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة
فذكر بإسناده مثله *
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود قال ثنا هشام الدستوائي فذكر بإسناده مثله
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال ثنا همام عن قتادة عن أنس وعن قتادة
عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا موسى بن إسماعيل ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قالا ثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
272

قال أبو جعفر فذهب قوم إلى كراهة الشرب قائما واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بالشرب قائما بأسا
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن جريج عن محمد بن علي بن حسين عن
أبيه عن جده قال قال لي بن أبي طالب إيتني بوضوء فأتيته به فتوضأ ثم قام بفضل وضوئه فشرب
قائما فعجبت لذلك فقال أتعجب يا بني إني رأيت أباك رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة
قال رأيت عليا شرب فضل وضوئه قائما
ثم قال إن ناسا يكرهون أن يشربوا قياما وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ما فعلت
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد قال ثنا مسعر عن عبد الملك فذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ورقاء بن عمر عن عطاء بن السائب عن زاذان وميسرة عن
علي أنه شرب قائما فقيل له في ذلك
فقال إن أشرب قائما فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائما وإن أشرب جالسا فقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن زاذان عن علي
مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن عاصم الأحول عن الشعبي عن عبد الله بن عباس قال رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم يشرب وهو قائم
حدثنا فهد قال ثنا ابن الأصبهاني قال ثنا شريك عن الشيباني عن عامر عن ابن عباس قال
ناولت النبي صلى الله عليه وسلم دلوا من ماء زمزم فشرب وهو قائم
حدثنا ابن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن الشعبي عن ابن عباس مثله
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا إسحاق بن أبي فروة المدني قال حدثتنا عبيدة بنت نابل عن
عائشة بنت
سعد عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب قائما
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا حفص عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
قال كنا نشرب ونحن قيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم وعثمان بن عمر رضي الله عنه قالا ثنا عمران بن جرير عن
273

أبي البزري وهو يزيد بن عطارد عن ابن عمر قال كنا نشرب ونحن قيام ونأكل ونحن نسعى على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن عمران بن جرير عن يزيد بن عطارد
عن ابن عمر مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني عبد الكريم بن مالك قال أخبرني
البراء بن زيد أن أم سليم حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب وهو قائم من قربة
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا عبد الكريم الجزري قال حدثني
البراء بن بنت أنس وهو بن زيد عن أنس بن مالك قال حدثتني أمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها
وفي بيتها قربة معلقة فشرب من القربة قائما
حدثنا أبو أمية قال ثنا أبو غسان قال ثنا شريك عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من
قربة معلقة وهو قائم
ففي هذه الآثار إباحة الشرب قائما وأولى الأشياء بنا إذا روى حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتملا
الاتفاق واحتملا التضاد أن نحملهما على الاتفاق لا على التضاد وكان ما روينا في هذا الفصل عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم إباحة الشرب قائما وفيما روينا عنه في الفصل الذي قبله النهي عن ذلك
فاحتمل أن يكون ذلك النهي لم يرد به هذه الإباحة ولكن أريد به معنى آخر فنظرنا في ذلك
فإذا فهد قد حدثنا قال ثنا أبو غسان قال ثنا خالد عن بيان عن الشعبي قال إنما أكره الشرب
قائما لأنه داء
فأخبر الشعبي في هذا المعنى الذي من أجله كان النهي وأنه لما يخاف منه من الضرر وحدوث الداء
لا غير ذلك
فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك النهي الاشفاق على أمته وأمره إياهم بما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم كما قد
قال لهم أما أنا فلا آكل متكئا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سهل بن بكار ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قالا ثنا أبو عوانة عن رقية عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فلا آكل متكئا
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن علي بن الأقمر عن
أبي جحيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مثله
274

حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا مسعر بن كدام عن علي بن الأقمر قال سمعت أبا جحيفة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله
فليس ذلك على طريق التحريم منه عليهم أن يأكلوا كذلك ولكن لمعنى في الاكل متكئا خافه عليهم
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا إسحاق بن إسماعيل قال ثنا جرير بن عبد الحميد قال قال الشعبي إنما
كره الاكل متكئا مخافة أن تعظم بطونهم
فأخبر الشعبي بالمعنى الذي كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجله الاكل متكئا وأنه إنما هو لما يحدث عنه من
عظم البطن
فكذلك ما روى عنه من النهي عن الشرب قائما إنما هو لمعنى يكون من ذلك كرهه من أجله لا غير ذلك
وقد روى في هذا أيضا عن عبد الله بن عمرو
حدثنا محمد بن الحجاج قال ثنا أسد ح
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قالا ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن شعيب بن عبد الله بن
عمرو عن أبيه قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط
فقد يجوز أن يكون اجتنب ذلك لما قال الشعبي وقد يجوز في ذلك معنى آخر
فإنه حدثنا يحيى بن عثمان قال ثنا أبي قال ثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن إسماعيل الأعور
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال انظروا إلى هذا العبد كيف
يأكل متكئا قال فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد يجوز أن يكون هذا هو المعنى الذي من أجله قال لا أكل متكئا لأنه فعل الملوك الجبابرة وفعل
الأعاجم فكره ذلك ورغب في فعل العرب كما روى عن عمر
فإنه حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال ثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي
قال أتانا كتاب عمر بن الخطاب اخشوشنوا واخشوشبوا واخلولقوا وتمعددوا كأنكم معد وإياكم
والتنعم وزي العجم
أفلا ترى أنه نهاهم عن زي العجم وأمرهم بالتمعدد وهو العيش الخشن الذي تعرفه العرب فكذلك الاكل متكئا نهوا عنه لأنه فعل العجم
وأما الشرب قاعدا فأمروا به خوفا مما يحدث عليهم في صدورهم وليس في ذلك شئ من زي العجم
وقد روى في إباحة الشرب قائما عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثنا روح بن الفرج قال ثنا
يوسف بن عدي قال ثنا أبو الأحوص عن عبد الأعلى عن بشر بن غالب قال دخلت على الحسين بن علي داره
فقام إلى بخيتة له فمسح ضرعها حتى إذا درت دعا بإناء فحلب ثم شرب وهو قائم ثم قال يا بشر إني
إنما فعلت ذلك لتعلم أنا نشرب ونحن قيام
275

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا ملك عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال رأيت أبي
يشرب وهو قائم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن علي بن عبد الله
البارقي قال ناولت بن عمر إداوة فشرب منها قائما من فيها
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يشرب من في السقاء
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن أبي هريرة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم مثله
فلم يكن هذا النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريم ذلك على أمته حتى يكون من فعله منهم عاصيا له
ولكن لمعنى قد اختلف فيها ما هو
فحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن الشرب من في السقاء لأنه ينتنه فهذا معناه
وقد روى في ذلك معنى آخر وهو ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن ليث عن
مجاهد قال كان يكره الشرب من ثلمة القدح وعروة الكوز وقال هما مقعدا الشيطان
فلم يكن هذا النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق التحريم بل كان على طريق الاشفاق منه على أمته
والرأفة بهم والنظر لهم
وقد قال قوم إنما نهى عن ذلك لأنه الموضع الذي يقصده الهوام فنهى عن ذلك خوف أذاها
فكذلك ما ذكرنا عنه في صدر هذا الباب من نهيه عن الشرب قائما ليس على التحريم الذي يكون فاعله
عاصيا ولكن للمعنى الذي ذكرناه في ذلك
وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تقدم من هذا الباب أنه أتى بيت أم سليم فشرب من قربة وهو
قائم من فيها
فدل ذلك على أن نهيه الذي روى عنه في ذلك ليس على النهي الذي يجب على منتهكه أن يكون عاصيا
ولكنه على النهي من أجل الخوف فإذا ذهب الخوف ارتفع النهي فهذا عندنا معنى هذه الآثار
والله أعلم
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا أنه نهى عن اختناث الأسقية وهو أن يكسر فيشرب
من أفواهها
276

حدثنا بذلك إسماعيل بيحيى المزني قال ثنا الشافعي عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن
عبد الله عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اختناث الأسقية
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري فذكر بإسناده مثله
قال بن أبي ذئب اختناثها أن تكسر فيشرب منها
فالوجه الذي نهى عن ذلك هو الوجه الذي من أجله نهى عن الشرب من في السقاء
باب وضع إحدى الرجلين على الأخرى (0)
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان قال ثنا أبو الزبير عن جابر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كره أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى
حدثنا يونس قال أخبرني شعيب بن الليث عن أبيه عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثله وزاد وهو مضطجع
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد ح وحدثنا
محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قالا ثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا المعتمر عن أبيه عن خداش عن أبي الزبير عن جابر
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أمية بن بسطام قال ثنا يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن عمرو
بن دينار عن أبي بكر بن حفص عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يثنى الرجل إحدى رجليه
على الأخرى
قال أبو جعفر فكره قوم وضع إحدى الرجلين على الأخرى لهذه الآثار
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن واصل عن أبي
وائل قال كان الأشعث وجرير بن عبد الله وكعب قعودا فرفع الأشعث إحدى رجليه على الأخرى
وهو قاعد
فقال له كعب بن عجرة ضمها فإنه لا يصلح لبشر
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بذلك بأسا واحتجوا في ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستلقيا
في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى
277

حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عبد الرحمن بن يعقوب عن أبي عباد قال ثنا سفيان
قال حدثني الزهري قال حدثني عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو بكر الحنفي قال ثنا ابن أبي ذئب قال ثنا الزهري قال حدثني
عباد بن تميم عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله * (
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني مالك بن أنس ويونس عن ابن شهاب عن عباد بن تميم عن عمه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر رضي الله عنه قال ثنا مالك عن ابن شهاب فذكر
بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون ح
وحدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا علي بن الجعد قال ثنا عبد العزيز بن عبد الله عن ابن شهاب قال
حدثني محمود بن لبيد عن عباد بن تميم عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قالوا فهذه الآثار قد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإباحة ما منعت منه الآثار الأول
وأما ما ذكروه مما احتجوا به من قول كعب بن عجرة فإنه قد روي عن جماعة من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني مالك ويونس عن ابن شهاب سعيد بن المسيب
أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما كانا يفعلان ذلك
حدثني بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن عبد الله بن عمر قال حدثني سالم أبو النضر قال كان
أبو بكر وعمر وعثمان يجلس أحدهم متربعا وإحدى رجليه على الأخرى
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا عبيد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن سعيد
عن عبد الرحمن بن يربوع أنه رأى عثمان بن عفان فعل ذلك
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عمر بن عبد العزيز
أن محمد بن نوفل حدثه أنه رأى أسامة بن زيد بن حارثة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن نافع أنه رأى بن عمر رضي الله
عنه يفعل ذلك
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر عن سفيان عن جابر عن عبد الرحمن بن الأسود عن عبد الرحمن
بن يزيد قال رأيت عبد الله مضطجعا بالأراك واضعا إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول ربنا
لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين
278

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا سفيان عن عمران بن مسلم قال رأيت أنس بن مالك
قاعدا قد وضع إحدى رجليه على الأخرى
فقد روينا عن هؤلاء الجلة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا مما لا يصل إلى تبيينه من طريق النظر
فنستعمل فيه ما استعملناه في غيره من أبواب هذا الكتاب
ولكن لما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصفنا في الفصل المتقدم وروى عن كعب بن عجرة أنه قال
إنه لا يصلح لبشر فكان معنى هذا عندنا والله أعلم أنها لا تصلح لبشر لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها
لأنه لا يصلح لبشر أن يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قد جاء ما ذكرناه في الفصل الثاني من إباحتها باستعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها
فاحتمل أن يكون أحد الامرين قد نسخ الآخر فلما وجدنا أبا بكر وعمر وعثمان وهم الخلفاء
الراشدون المهديون على قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمهم بأمره قد فعلوا ذلك بعده بحضرة أصحابه جميعا
وفيهم الذي حدث بالحديث الأول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكراهة فلم ينكر ذلك أحد منهم ثم فعله عبد الله
بن مسعود وابن عمر وأسامة بن زيد وأنس بن مالك فلم ينكر عليهم منكر
ثبت بذلك أن هذا هو ما عليه أهل العلم من هذين الخبرين المرفوعين وبطل بذلك ما خالفه لما
ذكرنا وبينا
وقد روى عن الحسن في ذلك ما يدل على غير هذا المعنى
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا خالد بن نزار الأيلي قال حدثني السري بن يحيى قال ثنا عقيل
قال قيل للحسن قد كان يكره أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى
فقال الحسن ما أخذوا ذلك إلا عن اليهود
فيحتمل أن يكون كان من شريعة موسى عليه السلام كراهة ذلك الفعل فكانت اليهود على ذلك
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع ما كانوا عليه لان حكمه أن يكون على شريعة النبي الذي كان قبله حتى يحدث
الله له شريعة تنسخ بشريعته
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك وبإباحة ذلك الفعل لما أباح الله عز وجل له ما قد كان حظره على
من كان قبله
وقد روى عن الحسن خلاف ذلك أيضا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن حميد عن الحسن أنه كان يفعله يعني يضع
279

إحدى الرجلين على الأخرى وقال إنما كره له ذلك أن يفعله بين يدي القوم مخافة أينكشف
والوجه الأول عندي أشبه من هذا
ألا ترى إلى قول كعب إنها لا تصلح لبشر فلو كان ذلك المعنى الذي روى عن الحسن في هذا الحديث
لم يقل ذلك كعب
ولكنه إنما قال ذلك لعلمه بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان عليه من اتباع من قبله ثم نسخ الله عز وجل
فلم يعلمه كعب فكان على الأمر الأول وعلمه غيره فرجع إليه وترك ما تقدمه
باب الرجل يتطرق في المسجد بالسهام
حدثنا أبو بكرة وعلي بن معبد قالا ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير قال ثنا يزيد بن عبد الله
بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في مساجدنا
وفي يده سهام فليمسك بنصالها لا يعقر بها أحدا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أنه لا بأس أن يتخطى الرجل المسجد وهو حامل ما أراد حمله واحتجوا
في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا لا ينبغي لأحد أن يدخل المسجد وهو حامل شيئا من ذلك إلا أن يكون
دخل به يريد بدخوله الصلاة أو أن يكون إذا دخله يريد به الصدقة فأما أن يدخل به يريد تخطي المسجد
فإن ذلك مكروه
وقالوا قد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بما ذكرنا في حديث أبي موسى الادخال للصدقة
فنظرنا في ذلك هل نجد شيئا من الآثار يدل عليه
فإذا يونس قد حدثنا قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث والليث بن سعد يزيد
أحدهما على الآخر عن أبي الزبير عن جابر قال كان الرجل يتصدق بنبل في المسجد فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يمر بها إلا وهو آخذ بنصولها
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث عن الليث عن أبي الزبير عن جابر عن النبي
صلى الله عليه وسلم نحوه
فبين جابر في هذا الحديث أن الذين كانوا يدخلون بها المسجد إنما كانوا يريدون بها الصدقة
فيه لا التخطي
فهذا هو ما ما أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم مما في حديث أبي موسى
280

باب المعانقة
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد ويزيد بن زريع عن
حنظلة السدوسي عن أنس بن مالك أنهم قالوا يا رسول الله أينحني بعضنا لبعض إذا التقينا
قال لا قالوا فيعانق بعضنا بعضا قال لا قالوا أفيصافح بعضنا لبعض قال تصافحوا
حدثنا أبو أمية قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا أبو هلال عن حنظلة عن أنس قال قلنا
يا رسول الله ثم ذكر مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فكرهوا المعانقة منهم أبو حنيفة ومحمد رحمة الله عليهما
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بها بأسا وممن ذهب إلى ذلك أبو يوسف رحمة الله عليه
وكان مما احتجوا به في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال ثنا أسد بن عمرو
عن مجالد بن سعيد عن عامر عن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال لما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم من عند النجاشي
تلقاني فاعتنقني
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبيد الله بن محمد التميمي قال ثنا أبو عوانة عن الأجلح عن الشعبي
قال وافق قدوم جعفر فتح خيبر
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أدري بأي الشيئين أنا أشد فرحا بفتح خيبر أو بقدوم جعفر ثم تلقاه فاعتنقه
وقبل بين عينيه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد الشجري قال حدثني محمد بن يحيى بن عبادة
قال أخبرني بن إسحاق عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها
قالت قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب باب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
عريانا والله ما رأيته عريانا قبله فاعتنقه وقبله
وقد روى في ذلك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثني محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال
ثنا شعبة عن غالب التمار عن الشعبي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا التقوا تصافحوا وإذا قدموا من
سفر تعانقوا
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا أبو الوليد ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا يحيى بن حماد قالا ثنا شعبة فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا حماد بن سلمة قال ثنا أبو غالب عن
أم الدرداء قالت قدم علينا سلمان فقال أين أخي قلت في المسجد فأتاه فلما رآه اعتنقه
281

فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانوا يتعانقون
فدل ذلك على أن ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إباحة المعانقة متأخر عما روى عنه من النهي عن ذلك
فبذلك نأخذ وهو قول أبي يوسف رحمه الله
باب الصور تكون في الثياب
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال ثنا شعبة عن علي بن مدرك قال سمعت أبا زرعة
بن عمرو بن جرير عن عبد الله بن يحيى عن أبيه قال سمعت عليا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا
فيه صورة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا يعقوب بن إسحاق وحبان بن هلال قالا ثنا شعبة فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا أبو بكر بن عياش قال ثنا مغيرة بن مقسم قال حدثني
الحارث العكلي عن عبد الله بن يحيى عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال لي جبريل عليه السلام إنا لا ندخل
بيتا فيه كلب ولا صورة ولا تمثال
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير عن كريب مولى بن عباس
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل البيت وجد فيه صورة إبراهيم وصورة مريم فقال أما هم
فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة إبراهيم فما له يستقسم
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن أبي طلحة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة قال ثنا سهيل بن أبي صالح عن سعيد
بن يسار عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أمية بن بسطام قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا روح بن القاسم عن
سهيل بن أبي صالح عن سعيد بن يسار عن زيد بن خالد عن أبي أيوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن أبي
سلمة عن عائشة رضي الله عنها أن جبريل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا ندخل بيتا فيه صورة
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أبو يزيد بن أبي العمرة قال ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى
بن عقبة عن نافع عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت اشتريت نمرقة فيها تصاوير فلما دخل علي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآها تغير ثم قال يا عائشة ما هذه
282

فقلت نمرقة اشتريتها لك تقعد عليها قال إنا لا ندخل بيتا فيه تصاوير
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا بشر بن بكر قال حدثني الأوزاعي قال حدثني بن شهاب قال أخبرني
القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام ستر فيه صورة
فهتكه ثم قال إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله عز وجل
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن كريب
مولى بن عباس عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن الجعد قال ثنا ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران عن
عمير مولى بن عباس عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دخل الكعبة فرأى فيها صورة فأمرني فأتيته
بدلو من ماء فجعل يضرب به الصور يقول قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال حدثني عمر بن محمد أن سالم بن عبد الله حدثه عن أبيه أن جبريل
قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا ندخل بيتا فيه صورة
حدثنا يونس قال لنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن السباق عن ابن عباس
عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا أبو الزبير قال سألت جابرا عن الصور في
البيت وعن الرجل يفعل ذلك
فقال زجر رسول الله عن ذلك
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني قال ثنا محمد بن الفضل عن عمارة عن القعقاع
عن أبي زرعة قال دخلت مع أبي هريرة دار مروان بن الحكم فإذا بتماثيل
فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي فليخلقوا ذرة
أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة
قال أبو جعفر فذهب ذاهبون إلى كراهية اتخاذ ما فيه الصور من الثياب وما كان يوطأ من ذلك
ويمتهن وما كان ملبوسا وكرهوا كونه في البيوت واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ما كان من ذلك يوطأ ويمتهن فلا بأس به وكرهوا ما سوى ذلك
وكان من الحجة لهم في ذلك ما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد الليثي
عن عبد الرحمن بن القاسم عن أمه أسماء بنت عبد الرحمن وكانت في حجر عائشة رضي الله عنها
عن عائشة رضي الله عنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وعندي نمط لي فيه صورة فوضعته على سهوتي
فاجتبذه وقال لا تستري الجدار
283

قالت فصنعته وسادتين فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتفق عليهما
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني عمرو عن بكير الأشج عن ربيعة 2 بن عطاء مولى بني الأزهر أنه سمع القاسم بن محمد يذكر عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يرتفق عليهما
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني بكر بن مضر عن عمرو بن
الحارث عن بكير أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه أن أباه حدثه عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت نصبت
سترا فيه تصاوير فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعه فقطعته وسادتين
فقال رجل في المجلس حينئذ يقال له ربيعة بن عطاء مولى بني أزهر
سمعت أبا محمد يذكر أن عائشة رضي الله عنها قالت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتفق عليهما
فقال لا ولكن سمعت القاسم بن محمد يذكر ذلك عنها
حدثني بن مرزوق قال ثنا محمد بن أبي الوزير قال ثنا محمد بن مسلم عن عبد الرحمن بن القاسم
عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها جعلت سترا فيه تصاوير إلى القبلة
فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعته وجعلت منه وسادتين فكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عليهما
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين
رضي الله عنها أنها استترت بنمرقة فيها تصاوير
فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهة
فقلت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال هذه النمرقة قلت اشتريتها لك لتقعد عليها وتتوسدها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يقدمون يوم القيامة فيقال لهم أحيوا ما خلقتم
ثم قال إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر قال ثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال
قالت عائشة كان ثوب فيه تصاوير فجعلته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فكرهه أو قالت فنهاني
فجعلته وسائد
فقال أهل هذه المقالة فما كان مما يوطأ فلا بأس لهذه الآثار وما كان من غير ما يوطأ فهو الذي جاءت
فيه الآثار الأول
284

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه استثنى مما نهي عنه من الصور إلا ما كان رقما في ثوب
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه أن بشر بن
سعيد حدثه أن زيد بن خالد الجهني حدثهم ومع بشر بن سعيد عبيد الله الخولاني أن أبا طلحة حدثه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة
قال بشر فمرض زيد بن خالد فعدناه فإذا نحن في بيته بستر فيه تصاوير
فقلت لعبيد الله الخولاني ألم تسمعه حدثنا في التصاوير قال إنه قد قال إلا رقما في ثوب ألم تسمعه
قلت لا بلى قد ذكر ذلك
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن سالم أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله
بن عتبة قال اشتكي أبو طلحة بن سهيل فقال لي عثمان بن حنيف هل لك في أبي طلحة تعوده فقلت نعم
قال فجئناه فدخلنا عليه وتحته نمط فيه صورة فقال انزعوا هذا النمط فألقوه عني
فقال له عثمان بن حنيف أو ما سمعت يا أبا طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى عن الصورة قال إلا رقما
في ثوب أو ثوبا فيه رقم
قال بلى ولكنه أطيب لنفسي فأميطوه عني
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن أبي النضر فذكر بإسناده مثله غير أنه قال
مكان عثمان بن حنيف سهل بن حنيف
فثبت بما روينا خروج الصور التي في الثياب من الصور المنهي عنها وثبت أن المنهي عنه الصور التي
هي نظير ما يفعله النصارى في كنائسهم من الصور في جدرانها ومن تعليق الثياب المصورة فيها
فأما ما كان يوطأ ويمتهن ويفرش فهو خارج من ذلك وهذا مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف
ومحمد رحمهم الله تعالى
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو كامل قال ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا الليث قال دخلت
على سالم بن عبد الله وهو متكئ على وسادة حمراء فيها تصاوير قال فقلت أليس هذا يكره
فقال لا إنما يكره ما يعلق منه وما نصب من التماثيل وأما ما وطئ فلا بأس به
قال ثم حدثني عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة حتى ينفخوا
فيها الروح يقال لهم أحيوا ما خلقتم
فدل هذا من قول سالم على ما ذكرنا ثم اختلف الناس بعد ذلك في هذه الصورة ما هي
285

فقال قوم قد دخل في ذلك صورة كل شئ مما له روح ومما ليس له روح قالوا لان الأثر جاء
في ذلك مبهما
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا وكيع ويحيى بن عيسى عن
الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابا يوم
القيامة المصورون
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة قال ثنا عون بن أبي جحيفة أخبرني عن أبيه
قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصور
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ما لم يكن له من ذلك روح فلا بأس بتصويره وما كان له روح فهو
المنهي عن تصويره
واحتجوا في ذلك بما روى عن ابن عباس
حدثنا بكار قال ثنا عبد الله بن حمران قال ثنا عون بن أبي جميلة عن سعيد بن أبي الحسن قال
كنت عند بن عباس إذ أتاه رجل فقال يا بن عباس إنما معيشتي من صنعة يدي وأنا أصنع
هذه التصاوير
فقال بن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صور صورة فإن الله معذبه عليها
يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ أبدا
قال فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بالشجر
وكل شئ ليس فيه روح
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا قبيصة قال ثنا سفيان عن عون فذكر بإسناده مثله
وقد دل على صحة ما قال بن عباس من هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله معذبه عليها حتى ينفخ
فيها الروح
فدل ذلك على أن ما نهى من تصويره هو ما يكون فيه الروح
وقد روى في ذلك أيضا عن غير بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المصورون يعذبون يوم القيامة ويقال
لهم أحيوا ما خلقتم
حدثنا فهد قال ثنا القعنبي قال ثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال المصورون يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم
286

حدثنا أحمد بن داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا موسى بن إسماعيل قال ثنا حماد بن سلمة عن أيوب فذكر
بإسناده مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن عكرمة
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صور صورة عذب يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ
فمعنى هذه الآثار معنى ما رويناه عن ابن عباس
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا ما يدل على هذا المعنى
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوحاظي قال ثنا عيسى بن يونس قال ثنا أبي قال لما قدم مجاهد
الكوفة أتيته أنا وأبي فحدثنا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل فقال يا محمد
إني جئتك البارحة فلم أستطع أن أدخل البيت لأنه كان في البيت تمثال رجل فمر بالتمثال فليقطع رأسه
حتى يكون كهيئة الشجرة
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا علي بن معبد قال ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق
عن مجاهد عن أبي هريرة قال استأذن جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ادخل فقال كيف
أدخل وفي بيتك ستر فيه تماثيل خيل ورجال فإما أن تقطع رؤوسها وإما أن تجعلها بساطا فإنا معشر
الملائكة لا ندخل بيتا فيه تماثيل
فلما أبيحت التماثيل بعد قطع رؤوسها الذي لو قطع من ذي الروح لم يبق دل ذلك على إباحة تصوير
ما لا روح له وعلى خروج مالا روح لمثله من الصور مما قد نهى عنه في الآثار التي ذكرنا في هذا الباب
وقد روي عن عكرمة في هذا الباب أيضا ما حدثنا محمد بن النعمان قال ثنا أبو ثابت المدني قال
ثنا حماد بن زيد عن رجل عن عكرمة عن أبي هريرة قال الصورة الرأس فكل شئ ليس له رأس
فليس بصورة
وفي قول جبريل صلوات الله عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة إما أن تجعلها بساطا
وإما أن تقطع رؤوسها دليل على أنه لم يبح من استعمال ما فيه تلك الصور إلا بأن يبسط
فإن قال قائل ففي حديث أبي طلحة أنه كان في بيته ستر فيه تصاوير ولم يدخل ذلك عنده فيما سمع من
النبي صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إلا ما كان رقما في ثوب
قيل له أما ما ذكرت من الستر فإنما هو فعل أبي طلحة وقد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقفه على أن
ذلك الثوب المستثنى هو الستر
وقد يجوز أن يكون الستر أيضا فيما استثنى
287

فلما احتمل ما ذكرناه وكان في حديث مجاهد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وصفنا علمنا أن
الثياب المبسوطة كهيأة البسط لا ما سواها من الثياب المعلقة الملبوسة وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف
ومحمد رحمهم الله تعالى
باب الرجل يقول أستغفر الله وأتوب إليه
قال أبو جعفر سمعت أبا جعفر بن أبي عمران يكره أن يول الرجل استغفر الله وأتوب إليه ولكنه
يقول أستغفر الله وأسأله التوبة
وقال رأيت أصحابنا يكرهون ذلك ويقولون التوبة من الذنب هي تركه وترك العود عليه وذلك غير
موهوم من أحد
فإذا قال أتوب إليه فقد وعد الله أن لا يعود إلى ذلك الذنب فإذا عاد إليه بعد ذلك كان كمن
وعد الله ثم أخلفه
ولكن أحسن ذلك أن يقول أسأل الله التوبة أي أسأل الله أن ينزعني عن هذا الذنب ولا يعيدني
إليه أبدا
وقد روى ذلك أيضا عن الربيع بن خثيم
حدثني موسى بن المبارك قال ثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال ثنا حسين بن علي
الجعفي عن زائدة عن منذر عن الربيع بن خثيم قال لا يقول أحدكم إني أستغفر الله وأتوب إليه ثم
يعود فيكون كذبه ويكون ذنبا ولكن ليقل اللهم أغفر لي وتب علي
وكان من الحجة لهم في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي رضي الله عنه قال ثنا
خالد بن عبد الله الواسطي عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
التوبة من الذنب أن يتوب الرجل من الذنب ثم لا يعود إليه
فهذه صفة التوبة وهذا غير مأمون على أحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه معصوم ولذلك كان يقول فيما
قد روى عنه ما قد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا خطاب بن عثمان وحياة بن شريح قالا ثنا بقية
بن الوليد عن الزبيدي عن الزهري عن عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة أنه كان
يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأتوب في اليوم مائة مرة وقال أنس إنما قال سبعين مرة حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أيوب بن سليمان بن بلال قال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن
سليمان عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن ابن شهاب عن أبي عن أبي بكر بن عبد الرحمن
288

عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من
سبعين مرة
حدثنا يونس قال ثنا سلامة بن روح قال ثنا عقيل قال ثنا الزهري أن أبا بكر بن عبد الرحمن
بن الحارث بن هشام أخبره أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا محمد بن جعفر قال أخبرني موسى بن عقبة
عن أبي إسحاق حدثه عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني لأستغفر الله وأتوب
إليه في اليوم مائة مرة
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا مروان بن معاوية قال ثنا زياد بن المنذر قال ثنا أبو بردة
بن أبي موسى قال ثنا الأغر المزني قال خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه وهو يقول يا أيها الناس
استغفروا ربكم ثم توبوا إليه فوالله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة
قالوا فهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله لأنه معصوم من الذنوب وأما غيره فلا ينبغي أن يقول ذلك
لأنه غير معصوم من العود فيما تاب منه
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا به بأسا أن يقول الرجل أتوب إلى الله عز وجل
وكان من الحجة لهم في ذلك ما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن سهيل
بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من جلس مجلسا كثر فيه لغطه ثم قال
قبل أن يقوم سبحانك ربنا لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك غفر له ما كان في مجلسه ذلك
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال ثنا عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كفارة المجلس سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد بن سليمان قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني
بن الهاد عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من إنسان يكون في مجلس
فيقول حين يريد أن يقوم سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له
ما كان في ذلك المجلس
قال فحدثنا بهذا الحديث يزيد بن خصيفة فقال هكذا حدثني السائب بن يزيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
289

حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن الهاد
عن يحيى بن سعيد عن زرارة عن عائشة رضي الله عنها قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من المجلس إلا قال
سبحانك اللهم ربي وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
فقلت له يا رسول الله ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت
فقال إنه لا يقولهن أحد حين يقم من مجلسه إلا غفر له ما كان في ذلك المجلس
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روى عنه أيضا ما ذكرنا وهو أولى القولين عندنا لان الله عز وجل قد أمر
بذلك في كتابه فقال فتوبوا إلى بارئكم وقال توبوا إلى الله توبة نصوحا
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في الآثار التي ذكرنا فلهذا أبحنا ذلك وخالفنا أبا جعفر فيما ذهب إليه
على ما ذكرنا في أول هذا الباب
فإن قال قائل فإن الله عز وجل إنما أمرهم في كتابه أن يتوبوا والتوبة هي ترك الذنوب وترك العود إليها
وليس ذلك بقولهم قد تبنا إنما ذلك الخروج عن الذنوب وترك العود إليها قال وكذلك روى
في قول الله عز وجل توبوا إلى الله توبة نصوحا
فذكر ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا موسى بن زياد المخزومي قال ثنا إسرائيل قال ثنا سماك عن النعمان
بن بشير قال سمعت عمر يقول التوبة النصوح أن يجتنب الرجل أي شئ كان يعمله فيتوب إلى الله
عز وجل منه ثم لا يعود إليه أبدا
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن سماك عن النعمان عن عمر مثله
فهذه صفة التوبة التي أمرهم الله عز وجل بها في كتابه
فأما قولهم نتوب إلى الله ليس من هذا في شئ
قيل لهم إن ذلك وإن كان كما ذكرتم فإنا لم نبح لهم أن يقولوا نتوب إلى الله عز وجل على أنهم
معتقدون للرجوع إلى ما تابوا منه
ولكنا أبحنا لهم ذلك على أنهم يريدون به ترك ما وقعوا فيه من الذنب ولا يريدون العودة في شئ منه
فإذا قالوا ذلك واعتقدوا هذا بقلوبهم كانوا في ذلك مأجورين مثابين
فمن عاد منهم بعد ذلك في شئ من تلك الذنوب كان ذلك ذنبا أصابه ولم يحبط ذلك أجره المكتوب له
بقوله الذي تقدم منه واعتقاده معه ما أعتقد
فأما من قال أتوب إلى الله عز وجل وهو معتقد أنه يعود إلى ما تاب منه فهو بذلك القول فاسق معاقب
عليه لأنه كذلك على الله فيما قال
290

وأما إذا قال وهو معتقد لترك الذنب الذي كان وقع فيه وعازم أن لا يعود إليه أبدا فهو صادق في قوله
مثاب على صدقه إن شاء الله تعالى
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الندم توبة
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن عبد الكريم الجزري قال أخبرني زياد بن أبي مريم عن عبد الله
بن معقل قال دخلت مع أبي على عبد الله بن مسعود فقال له أبي أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول الندم توبة
فقال نعم
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب عن مالك عن عبد الكريم عن شرحبيل عن أبيه عن ابن
مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن
زياد بن أبي مريم وابن الجراح عن عبد الله بن مغفل فذكر بإسناده مثله
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا الهيثم بن جميل قال ثنا زهير بن معاوية عن عبد الكريم عن زياد
وليس بابن أبي مريم فذكر بإسناده مثله
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا زهير قال ثنا عبد الكريم عن عبد الله
بن مغفل نحوه
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل الندم توبة
فدل ذلك على أن من قال أتوب إلى الله من ذنب كذا وكذا وهو نادم على ما أصاب من ذلك الذنب
أنه محسن مأجور على قوله ذلك
باب البكاء على الميت
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك أن عتيك بن الحارث
بن عتيك وهو جد عبد الله بن عبد الله أبو أمه أخبره أن جابر بن عتيك أخبره أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت فوجده قد غلب فصاح به فلم يجبه
فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال غلبنا عليك يا أبا الربيع فصاح النسوة وبكين فجعل بن عتيك يسكتهن
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهن فإذا وجب فلا تبكين باكية
قالوا يا رسول الله وما الوجوب قال إذا مات
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى كراهة البكاء على الميت واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وبما قد روى عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه
291

حدثنا ربيع بن سليمان الجيزي قال ثنا أحمد بن محمد بن الأزرقي قال ثنا عبد الجبار بن الورد قال
سمعت بن أبي مليكة يقول لما ماتت أم أبان بنت عثمان بن عفان حضرت مع الناس فجلست بين يدي
عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعبد الله بن عباس فبكى النساء
فقال بن عمر رضي الله عنه ألا تنهي هؤلاء عن البكاء إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الميت
ليعذب ببعض بكاء أهله عليه
فقال بن عباس قد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول ذلك فخرجت مع عمر رضي الله عنه حتى إذا
كنا بالبيداء إذا ركب
فقال يا بن عباس من الركب فذهبت فإذا هو صهيب وأهله
فرجعت فقلت يا أمير المؤمنين هذا صهيب وأهله
فلما دخلنا المدينة وأصيب عمر رضي الله عنه جلس صهيب يبكي عليه وهو يقول وا حباه وا صاحباه
فقال عمر رضي الله عنه لا تبك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الميت ليعذب ببعض بكاء
أهله عليه
قال فذكر ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت أم والله ما تحدثون هذا الحديث عن الكاذبين ولكن
السمع يخطئ وإن لكم في القرآن لما يشفيكم ألا تزر وازرة وزر أخرى ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
إن الله عز وجل ليزيد الكافر عذابا ببعض بكاء أهله عليه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة
فذكر نحوه غير أنه لم يذكر قضية صهيب
قالوا فلما كان الميت يعذب ببكاء أهله عليه كان بكاؤهم عليه مكروها لهم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بالبكاء على الميت إذا كان بكاء لا معصية معه من قول
فاحش ولا نياحة
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن
الحارث الأنصاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود
فلما دخل عليه وجده في غشيته فقال قد قضى فقالوا لا والله يا رسول الله فبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا فقال ألا تسمعون أن الله تعالى لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب
ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم
292

حدثنا أحمد بن الحسن قال سمعت سفيان يقول حدثنا ابن عجلان عن وهب بن كيسان عن أبي
هريرة أن عمر رضي الله عنه أبصر امرأة تبكي على ميت فنهاها
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم دعها يا أبا حفص فإن النفس مصابة والعين باكية والعهد قريب
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني أسامة بن زيد الليثي عن نافع عن عبد الله بن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بنساء بني عبد الأشهل يبكين هلكاهن يوم أحد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن حمزة لا بواكي له فجاء نساء الأنصار يبكين حمزة
فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ويحهن ما انقلبن بعد مرورهن فلينقلبن ولا يبكين على هالك بعد اليوم
حدثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن عمر قال ثنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن القاسم
عن عائشة رضي الله عنها قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون بعد موته ودموعه تسيل على لحيته
ففي هذه الآثار التي ذرنا إباحة البكاء على الموتى وذلك أن ذلك غير ضار لهم ولا سبب لعذابهم
ولولا ذلك لما بكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أباح البكاء ولمنع من ذلك
فإن قال قائل فإن في حديث بن عمر رضي الله عنه الذي ذكرت ما يدل على نسخ ما كان أباح من ذلك
وهو قوله ولا يبكين على هالك بعد اليوم
قيل له ما في ذلك دليل على ما ذكرت قد يجوز أن يكون قوله ولا يبكين على هالك بعد اليوم أي من
هلكاهن الذين قد بكين عليهم منذ هلكوا إلى هذا الوقت لان في ذلك البكاء ما قد أتين به على ما جلا
عنهن حزنهن
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير البكاء الذي قصد إلى النهي في نهيه عن البكاء على الموتى
ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال ثنا إسرائيل عن محمد بن عبد الرحمن
عن عطاء عن جابر بن عبد الله عن عبد الرحمن بن عوف قال اخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلقت معه إلى ابنه
إبراهيم وهو يجود بنفسه
فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره حتى خرجت نفسه فوضعه ثم بكى
فقلت يا رسول الله أتبكي وأنت تنهي عن البكاء
فقال إني لم أنه عن البكاء ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير
شيطان وصوت عند مصيبة لطم وجوه وشق جيوب وهذا رحمة من لا يرحم لا يرحم يا إبراهيم لولا إنه
وعد صادق وقول حق وإن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا وإنا بك
لمحزونون تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب
293

فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالبكاء الذي نهى عنه في الأحاديث الأول وأنه البكاء الذي معه
الصوت الشديد ولطم الوجوه وشق الجيوب
وبين أن ما سوى ذلك من البكاء فما فعل من جهة الرحمة أنه بخلاف ذلك البكاء الذي نهى عنه
وأما ما ذكرناه عن عمرو عن ابن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه
فقد ذكرنا عن عائشة رضي الله عنها إنكار ذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل ليزيد الكافر عذابا
في قبره ببعض بكاء أهله عليه
وقد يجوز أن يكون ذلك البكاء الذي يعذب به الكافر في قبره يزداد به عذابا على عذابه بكاء قد كان أوصى به
في حياته
فإن أهل الجاهلية قد كانوا يوصون بذلك أهليهم أن يفعلوه بعد وفاتهم
فيكون الله عز وجل يعذبه في قبره بسبب قد كان سببه في حياته فعل بعد موته
وقد روى هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها بغير هذا اللفظ حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا ابن وهب
قال أخبرني بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها
قالت يغفر الله لأبي عبد الرحمن بن عمر رضي الله عنه يقول إن الميت ليعذب ببكاء الحي
والله ما ذاك إلا إيهاما من عبد الله بن عمر رضي الله عنه يغفر الله له إن الله عز وجل يقول ولا تزر
وازرة وزر أخرى
وما ذاك إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على قبر يهودي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم تبكون عليه وإنه ليعذب
في قبره يقول بعمله
فأخبرت عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخبر أن ذلك الكافر يعذب في قبره
بعمله وأهله يبكون عليه وقد منع الله عز وجل أن تزر وازرة وزر أخرى
فدل ذلك على أن ميتا لا يعذب في قبره ببكاء حي لم يأمر به في حياته ومات لحديث جابر عن عبد الرحمن بن
عوف البكاء المكروه ما هو وأنه هو الذي معه اللطم والشق
فقد ثبت بما ذكرنا إباحة البكاء على الميت إذا لم يكن معه سبب مكروه من شق ثوب ولطم وجه
ونياحة وما أشبه ذلك
وقد حدثنا فهد قال ثنا عبد الحميد الحماني قال ثنا شريك عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد قال
دخلت على قرظة بن كعب وعلى أبي مسعود الأنصاري وثابت بن قيس وعندهم جوار يغنين
فقلت أتفعلون هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا إن كنت تسمع وإلا فأمض فإن رسول الله صلى الله عليه
وسلم رخص في اللهو عند العرس وفي البكاء على الميت
294

فإن قال قائل فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب في قبره بنياحة أهله عليه
وذكر ما حدثنا علي بن معبد قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا سعيد بن عبيد أبو الهذيل الطائي عن
علي بن ربيعة قال نيح على قرظة بن كعب فخطب المغيرة بن شعبة فقال ما بال النياحة في هذه الأمة إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولان كذبا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ومن
ينح عليه عذب بما نيح عليه أو لما نيح عليه
قيل له هذا عندنا والله أعلم على النياحة التي كانوا يوصون بها أهليهم فتكون مفعولة بعدهم
بوصيتهم بها في حياتهم فيعذبون على ذلك والله أعلم
باب رواية الشعر هل هي مكروهة أم لا
حدثنا علي بن عبد الرحمن ومحمد بن سليمان الباغندي قالا ثنا خلاد بن يحيى قال ثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن عمرو بن حريث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لان
يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا
حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا شعبة عن قتادة عن يونس
بن جبير عن محمد بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه
خير له من أن يمتلئ شعرا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر عن شعبة فذكر بإسناده مثله غير أنه لم يقل حتى يريه
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال سمعت حنظلة قال سمعت سالم بن عبد الله يقول سمعت عبد الله
بن عمر رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله * (
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن الجعد قال ثنا أبو جعفر الرازي عن عاصم عن أبي صالح
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن إسماعيل قال ثنا مسلم قال ثنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله وزاد حتى يريه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن صالح قال ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب
عن عبد الرحمن بن شياسة عن عوف بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لان يمتلئ جوف أحدكم
من عانته إلى لهاته قبحا يتمخض مثل السقاء خير له من أن يمتلئ شعرا
295

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش عن أبي صالح
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا
قال أبو جعفر فكره قوم رواية الشعر واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس برواية الشعر الذي لا فدع فيه
وقالوا هذا الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو على خاص من الشعر
فذكروا في ذلك ما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني إسماعيل بن عياش عن محمد
بن السائب عن أبي صالح قال قيل لعائشة رضي الله عنها إن أبا هريرة يقول لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا
خير له من أن يمتلئ شعرا
فقالت عائشة رضي الله عنه يرحم الله أبا هريرة حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخره إن المشركين كانوا
يهاجون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا من مهاجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا علي بن عبد العزيز البغدادي قال ثنا أبو عبيد قال سمعت يزيد يحدث عن الشرقي بن القطامي
عن مجالد عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا يعني
من الشعر الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم
قالوا وقد روى في إباحة الشعر آثار
فمنها ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا إبراهيم بن المنذر بن الحزامي قال ثنا معن ابن عيسى قال
حدثني عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عام الفتح رأى نساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر فتبسم فقال يا أبا بكر كيف قال حسان بن ثابت فأنشد
أبو بكر
عدمت بنيتي إن لم تروها * تثير النقع من كنفي كداء
ينازعن الأعنة مسرجات * يلطمهن بالخمر النساء
هكذا حدثنا أحمد بن داود وأهل العلم بالعربية يرون البيت الأول على غير ذلك
تثير النقع موعدها كداء
حتى تستوي قافية هذا البيت مع قافية البيت الذي بعده
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخلوها من حيث قال
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن هشام
بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الشعر حكمة * (
296

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه قال قلت لعائشة
رضي الله عنها أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشئ من الشعر فقالت نعم من شعر بن رواحة وربما
قال هذا البيت
ويأتيك بالاخبار من لم تزود
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا يحيى بن معين قال ثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة رضي الله عنها قالت استأذن حسان النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين
قال فكيف بنسبي فيهم قال أسلك منهم كما تسل الشعرة من العجين
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا يحيى بن حسان قال ثنا إبراهيم بن سليمان التيمي عن مجالد بن سعيد
عن الشعبي قال كنا جلوسا بفناء الكعبة أحسبه قال مع أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا
يتناشدون الاشعار
فوقف بنا عبد الله بن الزبير فقال في حرم وحول الكعبة يتناشدون الاشعار
فقال رجل منهم يا بن الزبير إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الشعر الذي إذا أتيت فيه النساء
وتزدري فيه الأموات
فقد يجوز أن يكون الشعر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا في أول هذا الباب من الشعر الذي نهى
عنه في هذا الحديث
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الحماني قال ثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة
عن عبد الله وعن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن من الشعر حكما
حدثنا ابن أبي داود وفهد وإسحاق بن إبراهيم قالوا حدثنا عبد الله بن سعيد قال ثنا ابن عيينة
عن أبيه عن عاصم عن زر عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم إن من الشعر حكمة
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن
مروان عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال إن
من الشعر حكما
حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري فذكر بإسناده
مثله غير أنه قال عن عبد الله بن الأسود بن عبد يغوث
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال ثنا إبراهيم بن سعد فذكر بإسناده مثله
غير أنه قال عن عبد الله بن
الأسود بن عبد يغوث
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال ثنا ابن فضيل عن مجالد عن الشعبي
عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحمي أعراض المؤمنين
297

قال كعب أنا قال بن رواحة أنا قال إنك لتحسن الشعر
قال حسان بن ثابت أنا إذا قال أهجهم فإنه سيعينك عليهم روح القدس
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا أبو إبراهيم الترجماني قال ثنا ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع لحسان بن ثابت منبرا في المسجد ينشد عليه الشعر
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن حميد قال ثنا محمد بن فضيل فذكر مثل حديث بن أبي داود الذي قبل
هذا الحديث عن ابن نمير عن ابن فضيل
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عفان ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج وعبد الله بن رجاء قالوا حدثنا شعبة قال أخبرني عدي
بن ثابت قال سمعت البراء يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان اهجههم أو هاجهم وجبريل معك
حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن عدي فذكر بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد قال ثنا عيسى بن عبد الرحمن قال حدثني عدي بن ثابت
يعني قال سمعت البراء بن عازب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت لا يزال معك روح
القدس ما هجوت المشركين
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه مر على حسان وهو ينشد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فانتهره عمر رضي الله عنه
فأقبل عليه حسان فقال قد كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك فانطلق عنه عمر
فقال حسان لأبي هريرة يا أبا هريرة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا حسان أجب عن رسول الله
اللهم أيده بروح القدس قال اللهم نعم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا عبد الأعلى قال ثنا معمر عن الزهري عن عروة أن
حسان ثم ذكر مثله غير قوله قد كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك فإنه لم يذكره
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال ثنا شعيب عن الزهري قال حدثني أبو سلمة
بن عبد الرحمن أنه سمع حسان بن ثابت يستنشد أبا هريرة فذكر مثله
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن عبد الواحد بن عنبسة القرشي قال حدثني جدي عنبسة عن يونس بن عبيد عن الحسن عن الأسود بن سريع وكان شاعرا أنه قال يا رسول الله ألا أنشدك محامد
حمدت بها ربي
قال له النبي صلى الله عليه وسلم أما إن ربك يحب الحمد وما استزاده على ذلك شيئا
298

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن الأسود بن
سريع مثله غير أنه قال فجعلت أنشده
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو مسهر قال حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي الرجال قال
حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد قال ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال عبد الله بن
رواحة فأحسن ثم قال كعب فأحسن ثم قال حسان فشفى فاستشفى
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال ثنا ابن عبدة بن سليمان عن محمد بن إسحاق
عن يعقوب عن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس قال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أمية بن أبي الصلت في
شعره وقال
رجل ونور تحت رجل يمينه * واليسرى للأخرى وليث مرصد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق وقال
والشمس تطلع كل آخر ليلة * حتى الصباح ولونها يتورد
يأبى فما تطلع لنا في رسلها * إلا معذبة وأن لا يخلد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا أبو معشر البراء عن صدقة بن طيسلة قال حدثني معن ابن ثعلبة والحر بعده قال حدثني أعشى المازني قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته
يا مالك الناس وديان العرب * إني لقيت دربة من الدب
خرجت أتعبها الطعام في رجب * أخلفت العهد ولطت بالذنب
وهن شر غالب لمن غلب قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
وهن شر غالب لمن غلب
حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور قال ثنا الهيثم بن حميد قال ثنا شريك عن سماك عن عكرمة
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الشعر حكما
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الحماني قال ثنا قيس عن الأعمش عن إبراهيم بن عبيدة
عن عبد الله ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا قيس عن الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
299

حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا الفريابي عن سفيان عن يعلى بن عبد الرحمن عن عمرو بن الشريد عن
أبيه قال استنشدني النبي صلى الله عليه وسلم شعر أمية بن أبي الصلت فأنشدته فكلما أنشدته بيتا قال هيه حتى أنشدته
مائة قافية قال حتى كاد بن أبي الصلت يسلم
حدثنا محمد بن علي بن داود قال ثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي قال ثنا عبد الحميد بن جعفر عن
عمرو بن الحكم عن جابر بن عبد الله قال قال الأقرع بن حابس لشاب من شبانهم قم فاذكر فضلك وفضل
قومك فقام فقال
نحن الكرام فلا حي يعادلنا * نحن الكرام وفينا يقسم الربع
ونطعم الناس عند القحط كلهم * من الشريف إذا لم يونس القرع
إذا أبينا فلا يعدل بنا أحد * إنا كرام وعند الفخر نرتفع
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حسان أجبه فقال
نصرنا رسول الله والدين عنوة * على رغم عات من بعيد وحاضر
بضرب كإنزاع المخاض مشاشة * وطعن كأفواه اللقاح الصوادر
ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى * إذا صار برد الموت بين العساكر
ونضرب هام الدارعين وننتمي * إلى حسب من حرم غسان باهر
ولولا حبيب الله قلفا تكرما * على الناس بالحنين هل من مفاخر
فأحباؤنا من خير من وطئ الحصى * وأمواتنا من خير أهل المقابر
فلما جاءت هذه الآثار متواترة بإباحة قول الشعر ثبت أن ما نهى عنه في الآثار الأول ليس لان الشعر
مكروه ولكن لمعنى كان في خاص من الشعر قصد بذلك النهي إليه
وقد ذهب قوم في تأويل هذه الآثار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول هذا الباب إلى خلاف التأويل
الذي وصفنا
فقالوا لو كان أريد بذلك ما هجي به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشعر لم يكن لذكر الامتلاء معنى لان قليل
ذلك وكثيره كفر ولكن ذكر الامتلاء يدل على معنى في الامتلاء ليس فيما دونه
قال فهو عندنا على الشعر الذي يملأ الجوف فلا يكون فيه قرآن ولا تسبيح ولا غيره
300

فأما ما كان في جوفه القرآن والشعر مع ذلك فليس ممن امتلأ جوفه شعرا فهو خارج من قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا
حدثنا ابن أبي عمران قال سمعت عبيد الله بن محمد بن عائشة رضي الله عنها يفسر هذا الحديث على هذا
التفسير وسمعت بن أبي عمران أيضا وعلي بن عبد العزيز يذكران ذلك عن أبي عبيد أيضا * * (
باب العاطس يشمت كيف ينبغي أن يرد على من يشمته
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا ورقاء عن منصور عن هلال بن يساف عن خالد بن
عرفجة قال كنا مع سالم بن عبيد فعطس رجل من القوم
فقال السلام عليكم فقال سالم وعليك وعلى أمك ما شأن السلام وشأن ما ههنا
ثم سار ساعة ثم قال للرجل أعظم عليك ما قلت لك قال وددت لم تذكر أمي بخير ولا غيره
قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقال السلام عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
عليك وعلى أمك إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين أو على كل حال وليردوا عليك
يرحمك الله ولترد عليهم يغفر الله لكم
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا قيس بن الربيع عن منصور عن هلال بن يساف عن شيخ
من أشجع قال كنا مسالم فذكر مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حبان بن هلال قال ثنا أبو عوانة عن منصور فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فقالوا هكذا ينبغي أن يقول العاطس ويقال له على ما في هذا الحديث
هكذا مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يقول العاطس بعد أن يشمت يهديكم الله ويصلح بالكم
واحتجوا في ذلك بما حدثنا عبد الرحمن بن الجارود قال ثنا سعيد بن أبي مريم قال ثنا عبد الله بن
لهيعة عن أبي الأسود أنه سمع عبيد بن أم كلاب يقول سمعت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس حمدا لله فيقال له يرحمك الله فيقول لهم يهديكم الله ويصلح بالكم
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني أبو معشر عن عبد الله بن أبي يحيى عن عمرة بنت
عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت عطس رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال ماذا أقول يا نبي الله قال قل الحمد لله قال القوم ماذا نقول له يا رسول الله قال قولوا يرحمك الله
قال ماذا أقول لهم قال قل يهديكم الله ويصلح بالكم
301

فقال أهل المقالة الأولى إنما كان قول النبي صلى الله عليه وسلم يهديكم الله ويصلح بالكم لان الذين كانوا بحضرته
يهود وكان تعليمه للعاطس في حديث عائشة رضي الله عنها من قوله يهديكم الله ويصلح بالكم إنما هو لان
من كان بحضرته حينئذ كانوا يهودا
واحتجوا في ذلك بما حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال ثنا سفيان عن حكيم
بن الديم عن أبي بردة عن أبي موسى قال كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم
الله وكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم
حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا سفيان عن حكيم بن الديلم عن الضحاك
عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قالوا فإنما كان قول النبي صلى الله عليه وسلم يهديكم الله ويصلح بالكم لليهود على ما في هذا الحديث
فأما المسلمون فيقولون على ما في حديث سالم بن عبيد الذي ذكرناه في أول هذا الباب وليست لهم عندنا
حجة في هذا الحديث على أهل المقالة الأخرى لان الذي في هذا الحديث أن اليهود كانوا يتعاطسون عند
النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله فكان يقول لهم يهديكم الله ويصلح بالكم
فإنما كان هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم لليهود وإن كانوا عاطسين
وليس يختلفون هم ومخالفوهم فيما يقول المشمت للعاطس
وإنما اختلافهم فيما يقول العاطس بعد التشميت وليس في حديث أبي موسى من هذا شئ فلم يضاد
حديث أبي موسى هذا حديث عبد الله بن جعفر ولا حديث عائشة رضي الله عنها اللذين ذكرنا
واحتجوا في ذلك بما روى عن إبراهيم النخعي حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا يحيى بن
عيسى ح
وحدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا الفرياني قالا ثنا سفيان عن واصل عن إبراهيم قال يهديكم
الله ويصلح بالكم عند العاطس قالته الخوارج لأنهم كانوا لا يستغفرون للناس
هكذا لفظ حديث أبي بشر وليس في حديث محمد بن عمرو رضي الله عنه ولأنهم كانوا
لا يستغفرون للناس
قيل لهم وكيف يجوز أن يكون الخوارج أحدثت هذا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله ويعلمه أصحابه
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر ووهب
بن جرير قالا ثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أخيه عن أبيه عبد الرحمن بن أبي ليلى
عن أبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه
أو صاحبه يرحمك الله وليقل يهديكم الله ويصلح بالكم حدثنا حسين بن نصر قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة فذكر بإسناد مثله
302

حدثنا ربيع المؤذن وحسين بن نصر قالا ثنا يحيى بن حسان قال ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن
عبد الله بن دينار عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فثبت بذلك انتقاء ما قال إبراهيم وكان ما روى من هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح مجيئا وأظهر مما روى
في خلافه فهو أحب إلينا مما خالفه
باب الرجل يكون به الداء هل يجتنب أم لا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال ثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال قال أبو سلمة
سمعت أبا هريرة يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تورد الممرض على المصح
فقال له الحارث بن أبي ذباب فإنك قد كنت حدثتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى فأنكر ذلك
أبو هريرة فقال الحارث بلى
فتمارى هو وأبو هريرة حتى اشتد أمرهما فغضب أبو هريرة وقال للحارث ذكره مسلم فرطن بالحبشية
ثم قال للحارث أتدري ما قلت قال الحارث لا قلت تريد منا بذلك أني لم أحدثك ما تقول
قال أبو سلمة لا أدري أنسى أبو هريرة أم شابه غير أني لم أر عليه كلمة نسيها بعد أن كان يحدثنا بها
عن النبي صلى الله عليه وسلم غير إنكاره ما كان يحدثنا في قوله لا عدوى
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب أن أبا سلمة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لا عدوى وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يورد ممرض على مصح
قال أبو سلمة كان أبو هريرة يحدث بهما كليهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن
قوله لا عدوى وأقام على أن لا يورد ممرض على مصح ثم حدث مثل حديث بن أبي داود
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فكرهوا إيراد الممرض على المصح وقالوا إنما كره ذلك مخافة
الأعداء وأمروا باجتناب ذي الداء والفرار منه
واحتجوا في ذلك أيضا بما روى عن عمر في الطاعون في رجوعه بالناس فارا منه
فذكروا ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقبل إلى الشام فاستقبله أبو طلحة وأبو عبيدة بن الجراح
فقالا يا أمير المؤمنين إن معك وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيارهم وإنا تركنا من بعدنا مثل حريق النار
فارجع العام يعني فرجع عمر فلما كان العام المقبل جاء فدخل يعني الطاعون
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن
بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب
303

خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء
قد وقع بالشام
قال بن عباس فقال عمر أدع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم فأخبرهم أن الوباء قد وقع
بالشام فاختلفوا عليه
فقال بعضهم قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه
وقال بعضم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء فقال
ارتفعوا عني
ثم قال ادعوا لي الأنصار فدعوتهم له فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم فقال
ارتفعوا عني
ثم قال أدع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف عليه
منهم رجلان
قالوا نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء
فنادى عمر في الناس في مصبح على ظهر فأصبحوا عليه
قال أبو عبيدة أفرارا من قدر الله فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله
أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة
رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله
قال فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان غائبا في بعض حاجته فقال إن عندي من هذا علما إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا
منه قال فحمد الله عمر ثم انصرف
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن ابن شهاب عن عبد الله بن عامر بن ربيعة
أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام فلما
جاء بسرغ بلغه أن الوباء قد وقع بالشام فأخبره عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر
ما في حديث يونس الذي قبل هذا من حديث عبد الرحمن خاصة قال فرجع عمر من سرغ
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني هشام بن سعد عن ابن شهاب عن حميد
بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب حين أراد الرجوع من سرغ واستشار الناس
فقالت طائفة منهم أبو عبيدة بن الجراح أمن الموت تفر إنما نحن بقدر ولن يصيبنا إلا ما كتب
الله لنا
304

فقال عمر يا أبا عبيدة لو كنت بواد إحدى عدوتيه مخصبة والأخرى مجدبة أيهما كنت ترعى
قال المخصبة
قال فإنا إن تقدمنا فبقدر وإن تأخرنا فبقدر وفي قدر نحن
حدثنا الحسين بن الحكم الجيزي قال ثنا عاصم بن علي ح
وحدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قالا ثنا شعبة بن الحجاج عن قيس بن مسلم
قال سمعت طارق بن شهاب قال كنا نتحدث إلى أبو موسى الأشعري
فقال لنا ذات يوم لا عليكم أن تخفوا عني فإن هذا الطاعون قد وقع في أهلي فمن شاء منكم أن يتنزه
فليتنزه واحذروا اثنتين أن يقول قائل خرج خارج فسلم وجلس جالس فأصيب لو كنت خرجت لسلمت
كما سلم آل فلان أو يقول قائل لو كنت جلست لأصبت كما أصيب آل فلان وإني سأحدثكم ما ينبغي للناس
في الطاعون إني كنت مع أبي عبيدة وأن الطاعون قد وقع بالشام وأن عمر كتب إليه إذا أتاك كتابي هذا
فإني أعزم عليك إن أتاك مصبحا لا تمسي حتى تركب وإن أتاك ممسيا لا تصبح حتى تركب إلى فقد
عرضت لي إليك حاجة لا غنائي عنك فيها
فلما قرأ أبو عبيدة الكتاب قال إن أمير المؤمنين أراد أن يستبقي من ليس بباق
فكتب إليه أبو عبيدة إني في جند من المسلمين إني فررت من المناة والسير لن أرغب بنفسي عنهم وقد
عرفنا حاجة أمير المؤمنين فحللني من عزمتك
فلما جاء عمر الكتاب بكى فقيل له توفى أبو عبيدة قال لا وكان قد كتب إليه عمر إن الأردن
أرض عمقة وإن الجابية أرض نزهة فانهض بالمسلمين إلى الجابية
فقال لي أبو عبيدة انطلق فبوئ المسلمين منزلهم فقلت لا أستطيع
قال فذهب ليركب وقال لي رجل من الناس قال فأخذه أخذة فطعن فمات وانكشف الطاعون
قالوا فهذا عمر رضي الله عنه قد أمر الناس أن يخرجوا من الطاعون ووافقه على ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروى عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما ذهب إليه من ذلك
وقد روى عن غير عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا ما روى عبد الرحمن
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي
عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا كان الطاعون بأرض وأنتم
بها فلا تفروا منها وإذا كان بأرض فلا تهبطوا عليها
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حبان قال ثنا أبان قال ثنا يحيى الحضرمي أن لاحقا حدثه أن سعيد
بن المسيب حدثه عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
305

حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي
وقاص عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن هذا الوجع والسقم رجز عذب به بعض هذه
الأمم قبلكم ثم بقي في الأرض فيذهب المرة ويأتي الأخرى فمن سمع بها في أرض فلا يقدمن عليه ومن
وقع بأرض وهو بها فلا يخرجه الفرار منه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن إبراهيم بن سعد
قال سمعت أسامة بن زيد يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن هذا الطاعون رجز وعذاب عذب به قوم فإذا
كان بأرض فلا تهبطوا عليه وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا عنه
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث رضي الله عنه عن أبي النضر عن عامر
بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أباه يسأل أسامة بن زيد أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الطاعون قال نعم
قال كيف سمعته قال سمعته يقول هو رجز سلطه الله على بني إسرائيل أو على قوم فإذا سمعتم به
بأرض فلا تقدموا عليه وإن وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا فرارا منه
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن المنكدر وأبي النضر فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن الهاد
عن محمد بن المنكدر عن عامر بن سعد عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الطاعون عنده
فقال إنه رجس أو رجز عذب به أمة من الأمم وقد بقيت منه بقايا
ثم ذكر مثل حديث يونس وزاد قال لي محمد فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال لي هكذا
حدثني عامر بن سعد
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد بن سلمة قال ثنا عكرمة بن خالد المخزومي عن
أبيه أو عن عمه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم بها فلا
تخرجوا منها وإذا كنتم بغيرها فلا تقدموا عليها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو الوليد قال حدثنا شعبة عن يزيد بن حمير قال سمعت شرحبيل
بن حسنة يحدث عن عمرو بن العاص إن الطاعون وقع بالشام فقال عمرو تفرقوا عنه فإنه رجز
فبلغ ذلك شرحبيل بن حسنة فقال قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول إنها رحمة ربكم ودعوة
نبيكم وموت الصالحين قبلكم فاجتمعوا له ولا تفرقوا عليه فقال عمرو رضي الله عنه صدق
قالوا فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار أن لا يقدم على الطاعون وذلك للخوف منه
قيل لهم ما في هذا دليل على ما ذكرتم لأنه لو كان أمره بترك القدوم للخوف منه لكان يطلق لأهل
306

الموضع الذي وقع فيه أيضا الخروج منه لان الخوف عليهم منه كالخوف على غيرهم
فلما منع أهل الموضع الذي وقع فيه الطاعون من الخروج منه ثبت أن المعنى الذي من أجله منعهم من القدوم
غير المعنى الذي ذهبتم إليه
فإن قال قائل فما معنى ذلك المعنى
قيل له هو عندنا والله أعلم على أن لا يقدم عليه رجل فيصيبه بتقدير الله عز وجل عليه أن يصيبه
فيقول لولا أني قدمت هذه الأرض ما أصابني هذا الوجع ولعله لو أقام في الموضع الذي خرج منه لأصابه فأمر
أن لا يقدمها خوفا من هذا القول
وكذلك أمر أن لا يخرج من الأرض التي نزل بها لئلا يسلم فيقول لو أقمت في تلك الأرض لأصابني ما أصاب أهلها ولعله لو كان أقام بها
ما أصاب به من ذلك شئ
فأمر بترك القدوم على الطاعون للمعنى الذي وصفنا وبترك الخروج عنه للمعنى الذي ذكرنا
وكذلك ما روينا عنه في أول هذا الباب من قوله لا يورد ممرض على مصح فيصيب المصح ذلك المرض فيقول الذي أورده عليه لو أني لم أورده عليه لم يصبه من هذا المرض شئ ولعله لو لم يورده أيضا لأصابه كما
أصابه لما أورده
فأمر بترك إيراده وهو صحيح على ما هو مريض لهذه العلة التي لا يؤمن على الناس وقوعها في قلوبهم وقولهم
ما ذكرنا بألسنتهم
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفي الأعداء ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى
عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي أن سعيد بن المسيب قال سألت سعيدا عن الطيرة فانتهرني
وقال من حدثك فكرهت أن أحدثه
فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا عدوى ولا طيرة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حبان قال ثنا أبان قال ثنا يحيى فذكر بإسناده مثله وزاد
ولا هامة * (
حدثنا فهد قال ثنا عثمان بن أبي شيبة ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قالا ثنا الوليد بن عقبة الشيباني قال ثنا
حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحماني عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعدي سقيم صحيحا
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله لا طيرة ولا هامة ولا عدوى
307

فقال رجل تطرح الشاة الجرباء في الغنم فتجربهن
قال النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس فالأولى من أجربها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا أبو عوانة عن سماك فذكر بإسناده مثله غير
أنه لم يشك في شئ منه وذكره كله عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا أبو أمية قال ثنا شريح بن النعمان قال ثنا هشيم عن ابن شبرمة عن أبي زرعة بن عمرو بن
جرير عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى
فقال رجل يا رسول الله فإن النقية من الجرب تكون بجنب البعير فيشمل ذلك الإبل كلها جربا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أعدى الأول خلق الله عز وجل كل دابة فكتب أجلها ورزقها وأثرها
حدثنا أبو أمية قال ثنا قبيصة عن سفيان عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن رجل عن
عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا حسان بن إبراهيم الكرماني قال ثنا سعيد بن
مسروق عن عمارة عن أبي زرعة عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال ثنا مالك ويونس عن ابن شهاب عن حمزة وسالم ابني
عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا عدوى
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج ح
وحدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج أن أبا الزبير حدثه عن
جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام قال ثنا قتادة عن أنس
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر قال ثنا شعبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا يحيى بن أيوب قال أخبرني بن عجلان قال حدثني
308

القعقاع بن حكيم وزيد بن أسلم وعبيد الله بن مقسم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله وزاد
ولا هامة ولا غول ولا صفر
قال أبو صالح فسافرت إلى الكوفة ثم رجعت فإذا أبو هريرة ينتقص لا عدوى لا يذكرها
فقلت ولا عدوى فقال أبيت
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يعقوب بن إبراهيم قال ثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني
أبو سلمة وغيره أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى
فقال أعرابي يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيأتي البعير الأجرب فيجربها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أعدى الأول
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني يونس قال قال بن شهاب حدثني أبو سلمة عن
أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني معروف بن سويد الحزامي عن علي بن رباح اللخمي قال
سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال ثنا شعيب عن الزهري قال أخبرني السائب
بن يزيد بن أخت نمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى قال ثنا هشام وسعيد عن قتادة عن أنس
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن علقمة بن مرثد قال سمعت أبا الربيع يحدث
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعهن الناس الطعن في
الأنساب والنياحة ومطرنا بنوء كذا وكذا والعدوي يكون البعير في الإبل فيجرب فيقول
من أعدى الأول
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن علقمة فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو سعيد الأشج قال ثنا أبو أسامة قال ثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن
القاسم عن أبي أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى وقال فمن أعدى الأول
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا يونس بن محمد عن مفضل بن فضالة عن حبيب بن
الشهيد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال اخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد مجذوم فوضعها في القصعة وقال بسم الله
ثقة بالله وتوكلا على الله
309

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال ثنا إسماعيل بن مسلم عن أبي الزبير عن
جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن زيد قال ثنا موسى بن داود قال ثنا يعقوب بن إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن
أبي مسلم الخولاني عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن مع صاحب البلاء تواضعا لربك وإيمانا
فقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم العدوي في هذه الآثار التي ذكرناها وقد قال فمن أعدى الأول
أي لو كان إنما أصاب الثاني لما أعداه الأول إذا لما أصاب الأول شئ لأنه لم يكن معه ما يعديه
ولكنه لما كان ما أصاب الأول إنما كان بقدر الله عز وجل كان ما أصاب الثاني كذلك
فإن قال قائل فنجعل هذا مضادا لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورد ممرض على مصح كما جعله
أبو هريرة
قلت لا ولكن يجعل قوله لا عدوى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم نفى العدوي أن يكون أبدا ويجعل قوله
لا يورد ممرض على مصح على الخوف منه أن يورد عليه فيصيبه بقدر الله ما أصاب الأول فيقول الناس
أعداه الأول
فكره إيراد المصح على الممرض خوف هذا القول
وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار أيضا وضعه يد المجذوم في القصعة
فدل فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا على نفي الأعداء لأنه لو كان الأعداء مما يجوز أن يكون إذا لما فعل
النبي صلى الله عليه وسلم ما يخاف ذلك منه لان في ذلك جر التلف إليه وقد نهى الله عز وجل عن ذلك فقال ولا تقتلوا
أنفسكم
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدف مائل فأسرع فإذا كان يسرع من الهدف المائل مخافة الموت فكيف يجوز
عليه أن يفعل ما يخاف منه الأعداء
وقد ذكرت فيما تقدم من هذا الباب أيضا معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعون في نهيه عن الهبوط
عليه وفي نهيه عن الخروج منه وأن نهيه عن الهبوط عليه خوفا أن يكون قد سبق في علم الله عز وجل أنهم
إذا هبطوا عليه أصابهم فيهبطون فيصيبهم فيقولون أصابنا لأنا هبطنا عليه ولولا أنا هبطنا عليه لما أصابنا
وأن نهيه عن الخروج منه لئلا يخرج فيسلم فيقول سلمت لأني خرجت لولا أني خرجت لم أسلم
فلما كان النهي عن الخروج عن الطاعون وعن الهبوط عليه بمعنى واحد وهو الطيرة لا الأعداء
كان كذلك قوله لا يورد ممرض على مصح هو الطيرة أيضا لا الأعداء
فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه كلها عن الأسباب التي من أجلها يتطيرون
وفي حديث أسامة الذي رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا وقع بأرض وهو بها فلا يخرجه الفرار منه
دليل على أنه لا بأس أن يخرج أن يخرج منها لا عن الفرار منه
310

وقد دل على ذلك أيضا ما حدثنا يونس قال ثنا بشر بن بكر قال ثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى
بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أنس أن نفرا من عكل قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فاجتووها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو خرجتم إلى ذود لنا فشربتم من ألبانها وأبوالها ففعلوا وصحوا
ثم ذكر الحديث
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا سماك بن حرب عن معاوية بن قرة
عن أنس بن مالك قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر مرضى من حي من أحياء العرب فأسلموا وبايعوه وقد وقع
الموم وهو البرسام
فقالوا يا رسول الله هذا الوجع قد وقع لو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل فكنا فيها
قال نعم اخرجوا فكونوا
فيها ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالخروج إلى الإبل وقد وقع الوباء بالمدينة فكان ذلك عندنا
والله أعلم على أن يكون خروجهم للعلاج لا للفرار
فثبت بذلك أن الخروج من الأرض التي وقع بها الطاعون مكروه للفرار منه ومباح لغير الفرار
وعلى هذا المعنى والله أعلم رجع عمر بالناس من سرغ لا على أنه فار مما قد نزل بهم
والدليل على ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن عياش الحمصي قال ثنا شعيب بن أبي حمزة
عن زيد بن أسلم عن أبيه قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه اللهم إن الناس يخلون ثلاث خصال
وأنا أبرأ إليك منهن زعموا أني فررت من الطاعون وأنا أبرأ إليك من ذلك وأني أحللت لهم الطلاء وهو
الخمر وأنا أبرا إليك من ذلك وأني أحللت لهم المكس وهو النجس وأنا أبرأ إليك من ذلك
فهذا عمر يخبر أنه يبرأ إلى الله أن يكون فر من الطاعون فدل ذلك أن رجوعه كان لأمر آخر
غير الفرار
وكذلك ما أراد بكتابه إلى أبي عبيدة أن يخرج هو ومن معه من جند المسلمين إنما هو لنزاهة الجابية
وعمق الأردن
فقد بين أبو موسى الأشعري في حديث شعبة المكروه في الطاعون ما هو وهو أن يخرج منه خارج
فيسلم فيقول سلمت لأني خرجت ويهبط عليه هابط فيصيبه فيقول أصابني لأني هبطت
وقد أباح أبو موسى مع ذلك للناس أن يتنزهوا عنه إن أحبوا فدل ما ذكرناه على التفسير الذي وصفنا
فهذا معنى هذه الآثار وعندنا والله أعلم
وأما الطيرة فقد رفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت الآثار بذلك مجيئا متواترا
311

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير وروح قالا ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن
عيسى رجل من بني أسد عن زر عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الطيرة من الشرك وما منا
إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل
حدثنا أبو أمية قال حدثنا شريح قال ثنا هشيم عن ابن شبرمة عن أبي زرعة عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا طيرة * (
حدثنا أبو أمية قال ثنا قبيصة عن سفيان عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن رجل عن
عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني مالك ويونس عن ابن شهاب عن حمزة وسالم
ابني عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا ابن أبي الزناد قال حدثني علقمة بن
أبي علقمة عن أمه عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يبغض الطيرة ويكرهها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى قال ثنا هشام وشعبة عن قتادة عن أنس
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا طيرة * (
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يعقوب بن إبراهيم قال ثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب قال
أخبرني أبو سلمة وغيره عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني معروف بن سويد عن علي بن رباح اللخمي قال
سمعت أبا هرير يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا مسلم قال ثنا هشام عن قتادة عن أنس عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن قتادة فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو سعيد الأشج قال ثنا أبو أسامة قال حدثني عبد الرحمن بن يزيد عن
القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الحماني قال ثنا مروان بن معاوية بن الحارث قال حدثنا ابن المبارك
312

عن عوف عن حبان بن قطن عن قبيصة بن المخارق قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول العيافة والطيرة
والطرق من الجيت
فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطيرة وأخبر أنها من الشرك نهى الناس عن الأسباب التي تكون عنها
الطيرة مما ذكر في هذا الباب
فإن قال قائل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم الشؤم في الثلاث
قيل له قد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرت
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس ومالك عن ابن شهاب عن حمزة وسالم
ابني عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما الشؤم في ثلاثة في المرأة
والفرس والدار
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا القعنبي قال ثنا مالك عن ابن شهاب فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن شهاب فذكر بإسناده مثله غير أنه
لم يذكر حمزة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال ثنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سالم أن عبد الله
بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر مثله
حدثنا يزيد قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا محمد بن جعفر قال أخبرني عتبة بن مسلم عن حمزة بن
عبد الله بن عمر عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
وقد روى أيضا على خلاف هذا المعنى من حديث بن عمر وغيره
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي
أن سعيد بن المسيب قال سألت سعد بن مالك عن الطيرة فانتهرني فقال من حدثك
فكرهت أن أحدثه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا طيرة وإن كانت الطيرة في شئ ففي
المرأة والدار والفرس
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا سليمان بن بلال قال حدثني عتبة بن مسلم عن
حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن كان الشؤم في شئ ففي ثلاث في
الفرس والمسكن والمرأة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير سمع جابرا يحدث عن النبي
صلى الله عليه وسلم مثله *
313

حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا يحيى بن أيوب عن أبي حازم أنه سمع
سهل بن سعد يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو حازم فكأن سهل بن سعد لم يكن يثبته وأما الناس فيثبتونه
حدثنا إن مرزوق قال ثنا حبان قال ثنا أبان قال ثنا يحيى بن الحضرمي عن لاحق حدثه
أن سعيد بن المسيب حدثه قال سألت سعدا عن الطيرة فانتهرني وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا طيرة
وإن كانت الطيرة في شئ ففي المرأة والدار والفرس
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير بن معاوية عن عتبة بن حميد قال حدثني عبد الله
بن أبي بكر أنه سمع أنس بن مالك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن كان الشؤم في شئ ففي ثلاث في المرأة والفرس والدار
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى حدثني أبي عن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا عدوى ولا طيرة وإن كان في شئ ففي المرأة والفرس والدار
ففي هذا الحديث ما يدل على غير ما في الفصل الذي قبل هذا الفصل
وذلك أن سعدا انتهر سعيدا حين ذكر له الطيرة وأخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا طيرة ثم قال
إن تكن الطيرة في شئ ففي المرأة والفرس والدار
فلم يخبر أنها فيهن وإنما قال إن تكن في شئ ففيهن أي لو كانت تكون في شئ لكانت في هؤلاء فإذا لم تكن
في هؤلاء الثلاثة فليست في شئ
وقد روى عن عائشة رضي الله عنها ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كان على غير هذا اللفظ
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن أبي حسان قال
دخل رجلان من بني عامر على عائشة رضي الله عنها فأخبراها أن أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
إن الطيرة في المرأة والدار والفرس
فغضبت وطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض فقالت والذي نزل القرآن على محمد ما قالها رسول
الله صلى الله عليه وسلم قط إنما قال أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك
فأخبرت عائشة أن ذلك القول كان من النبي صلى الله عليه وسلم حكاية عن أهل الجاهلية لأنه عنده كذلك
314

باب التخيير بين الأنبياء عليهم السلام
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد قال ثنا سفيان عن المختار بن فلفل قال سمعت أنسا يقول جاء
رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا خير البرية فقال ذاك أبي إبراهيم عليه السلام
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن سفيان عن المختار بن فلفل عن أنس
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق وإبراهيم بن محمد بن يونس قالا ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان فذكر
بإسناده مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا عبد الواحد بن زياد عن المختار بن فلفل عن أنس
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أنه لا بأس بالتخيير بين الأنبياء فيقال إن فلانا خير من فلان على ما جاء
مما كان في كل واحد منهم
وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا التخيير بين الأنبياء
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا نعيم بن حماد قال ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن
يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تخيروا بين أنبياء الله
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا وكيع عن سفيان عن عمرو بن يحيى بن عمارة
عن أبيه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا الماجشون عن عبد الله بن الفضل قال أخبرني
الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله في حديث طويل غير أنه قال لا تفضلوا
فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفضل بين الأنبياء
وروى عنه أنه قال لا تفضلوني على موسى
315

عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون يوم
القيامة فأكون أول من يفيق فإذا موسى عليه السلام باطش بجانب العرش فلا أدري أصعق فيمن كان
صعق فأفاق قبلي أو كان فيمن استثنى الله عز وجل
فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفضلوه على موسى وقال لهم إني أول من يفيق من الصعقة فأجد موسى قائما
فلا أدري أكان فيمن صعق قبلي فأفاق قبلي أم كان فيمن استثنى الله عز وجل
فكان ذلك عندنا على أنه جاز عنده أن يكون فيما استثنى الله عز وجل فلم تصبه الصعقة ففضل بذلك
أو صعق فأفاق قبله فكان في منزلته لأنهما قد صعقا جميعا
فكره النبي صلى الله عليه وسلم لذلك تفضيله عليه لما احتمل تخطي الصعقة إياه
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال
سمعت حميد بن عبد الرحمن يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله عز وجل ما ينبغي لعبد أن يقول
أنا خير من يونس بن متى
حدثنا سليمان قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا شعبة عن عمرو بن مرة رضي الله عنه قال سمعت عبد الله
بن سلمة يحدث عن علي رضي الله عنه كأنه عن الله عز وجل فذكر مثله وزاد قد سبح الله عز وجل في الظلمات
فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التخيير بينه وبين أحد من الأنبياء بعينه وأخبر بفضيلة
لكل من ذكره منهم لم تكن لغيره
فإن قال قائل فيجعل مضادا لحديث المختار بن فلفل
قلت ليس هذا عندي بمضاد له لان حديث المختار إنما هو على أن إبراهيم خير البرية فلم يقصد في ذلك
إلى أحد دون أحد
وفي الآثار الاخر تفضيل نبي على نبي ففي تفضيل أحدهم بعينه على آخر منهم إزراء على المفضول وليس
في تفضيل رجل على الناس إزراء على أحد منهم
هذا يحتمل أن يكون هو المعنى حتى لا تتضاد هذه الآثار
وقد يحتمل أن يكون الله عز وجل أطلع رسوله على أن إبراهيم عليه السلام خير البرية ولم يطلعه على تفضيل
بعض الأنبياء غيره على بعض
فوقف فيما لم يطلعه الله عز وجل عليه فأمر بالوقف عنده وأطلق الكلام فيما أطلعه الله عز وجل عليه
316

باب إخصاء البهائم
حدثنا أبو خالد يزيد بن سنان قال ثنا أبو بكر الحنفي قال ثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يخصى الإبل والبقر والغنم والخيل
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يقول منها نشأت الخلق ولا تصلح الإناث إلا بالذكور
حدثنا يزيد قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا عيسى بن يونس عن عبد الله بن نافع فذكر
بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فقالوا لا يحل إخصاء شئ من الفحول واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
ويقول الله عز وجل فليغيرن خلق الله قالوا وهو الإخصاء
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ما خيف عضاضه من البهائم أو ما أريد شحمه منها فلا بأس بإخصائه
وقالوا هذا الحديث الذي احتج به علينا مخالفنا إنما هو عن ابن عمر موقوف وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم
فذكروا ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال ثنا مالك بن أنس عن نافع
عن ابن عمر رضي الله عنه مثله ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فصار أهل هذا الحديث إنما هو عن ابن عمر رضي الله عنه
لا عن النبي صلى الله عليه وسلم
فأما ما ذكروا من قول الله عز وجل فليغيرن خلق الله فقد قيل تأويله ما ذهبوا إليه
وقيل إنه دين الله
وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين وهما المرضوضان خصاهما والمفعول به ذلك
قد انقطع أن يكون له نسل فلو كان إخصاؤهما مكروها إذا لما ضحى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لينتهي الناس عن ذلك
فلا يفعلونه لأنهم متى ما علموا أن ما أخصى تجتنب أو تجافى أحجموا عن ذلك فلم يفعلوه
ألا ترى أن عمر بن عبد العزيز فيما رويناه عنه في باب ركوب البغال أنه أتى بعبد خصى يشتريه
فقال ما كنت لأعين على الاخصاء
فجعل ابتياعه إياه عونا على إخصائه لأنه لولا من يبتاعه لأنه خصى لم يخصه من أخصاه فكذلك إخصاء
الغنم لو كان مكروها لما ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قد أخصى منها
ولا يشبه إخصاء البهائم إخصاء بني آدم لان إخصاء البهائم إنما يراد به ما ذكرنا من سمانتها وقطع
عضها فذلك مباح
وبنو آدم فإنما يراد بإخصائهم المعاصي فذلك غير مباح
317

ولو كان ما روينا في أول هذا الباب صحيحا لاحتمل أن يكون أريد الاخصاء الذي لا يبقى معه شئ من
ذكور البهائم حتى يخصى فذلك مكروه لان فيه انقطاع النسل
ألا تراه يقول في ذلك الحديث منها نشأت الخلق أي فإذا لم ينشأ شئ من ذلك الخلق فذلك مكروه
فأما ما كان من الاخصاء الذي لا ينقطع منه نشئ الخلق فهو بخلاف ذلك
وقد روى في إباحة إخصاء البهائم عن جماعة من المتقدمين
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن هشام بن عروة عن عروة أنه أخصى
بغلا له
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا عبد الله بن عمر قال ثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه مثله
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا عبيد الله قال ثنا سفيان عن ابن طاوس أن أباه أخصى جملا له
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا عبيد الله قال ثنا سفيان عن مالك بن مغول عن عطاء قال لا بأس
بإخصاء الفحل إذا خشي عضاضه
باب كتابة العلم هل تصلح أم لا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن زيد عن
أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب العلم فلم يأذن له
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى كراهة كتابة العلم ونهوا عن ذلك واحتجوا فيه بما ذكرناه
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بكتابة العلم بأسا وعارضوا ما احتج به عليهم مخالفهم من الأثر الذي
ذكرناه بما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا شريك عن المخارق عن طارق قال خطبنا علي رضي الله عنه
فقال ما عندنا من كتاب نقرؤه عليكم إلا كتاب الله وهذه الصحيفة يعني الصحيفة في دواته
وقال في غلاف سيف عليه أخذناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فرائض الصدقة
حدثنا أبو أمية قال ثنا عبيد الله بن موسى قال ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه
عن علي قال ليس عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب إلا كتاب الله عز وجل وشئ في هذه الصحيفة
المدينة حرام ما بين عير إلى ثور وفي الحديث غير هذا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن المغيرة بن حكيم
ومجاهد أنهما سمعا أبا هريرة يقول ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا ما كان من عبد الله
318

بن عمرو فإني كنت أعي بقلبي وكان يعي بقلبه ويكتب بيده استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأذن له
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عبد الرحمن بن سليمان عن عمرو بن شعيب أن شعيبا حدثه
ومجاهدا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقال قلت يا رسول الله أكتب ما سمعت منك قال نعم
قلت عند الغضب والرضاء قال إنه لا ينبغي أن أقول إلا حقا
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال وأخبرني يعني عبد الرحمن بن سليمان عن عقيل بن خالد عن
المغيرة بن حكيم أنه سمع من أبي هريرة فذكر نحوا من ذلك
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرني يحيى بن أيوب عن عثمان بن عطاء عن أبيه
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله إني أسمع منك أشياء أخاف أن أنساها
أفتأذن لي أن أكتبها قال نعم
ففي هذه الآثار الإباحة لكتابة العلم وخلاف لحديث أبي سعيد الذي ذكرناه في أول هذا الباب
وهذا أولى بالنظر لان الله عز وجل قال في الدين ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا
إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا
فلما أمر الله عز وجل بكتابة الدين خوف الريب كان العلم الذي حفظه أصعب من حفظ الدين أحرى
أن تباح كتابته خوف الريب فيه والشك
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد روى في ذلك أيضا عمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق هذا
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا حفص بن عمر العدني قال ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن
عباس أن ناسا من أهل الطائف أتوه بصحف من صحفه ليقرأها عليهم
فلما أخذها لم ينطلق فقال إني لما ذهب بصري بلهت فأقرؤها علي ولا يكن في أنفسكم من ذلك
حرج فإن قراءتكم علي كقرائتي عليكم
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا نعيم بن حماد قال ثنا ابن المبارك قال ثنا سليمان التيمي عن طاوس
قال كان سعيد بن جبير يكتب عند بن عباس فقيل له إنهم يكتبون فقال يكتبون وكان أحسن شئ خلقا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو الربيع الزهراني قال ثنا يعقوب القمي قال ثنا عبد الله بن محمد بن
عقيل قال كنا نأتي جابر بن عبد الله فنسأله عن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكتبها
حدثنا حسين قال ثنا نعيم قال ثنا ابن المبارك قال ثنا سليمان التيمي عن ثابت عن أنس قال ثنا
محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال أنس فلقيت عتبان فحدثني به فأعجبني فقلت لابني
أكتبه فكتبه
319

حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا إبراهيم بن بشار قالا ثنا سفيان عن عمرو رضي الله عنه عن وهب
بن منبه عن أخيه سمع أبا هريرة يقول ليس أحد من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني ما خلا عبد الله بن عمرو رضي الله عنه فإنه كان يكتب ولا أكتب
حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد قال ثنا شعيب بن إسحاق الدمشقي عن عمران بن حدير عن بشير
بن نهيك قال كنت آخذ الكتب من أبي هريرة فأكتبها فإذا فرغت قرأتها عليه فأقول الذي قرأته
عليك أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول نعم
باب الكي هل هو مكروه أم لا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله أن
ناسا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بصاحب لهم فسألوه أنكويه فسكت فسألوه فسكت ثم سألوه فقال ارضفوه
أو حرقوه وكره ذلك
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله
قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر فقالوا إن صاحبا لنا مريض ووصف له الكي أفنكويه فسكت
ثم عاودوا فسكت ثم قال لهم في الثالثة اكووه إن شئتم وإن شئتم فارضفوه بالرضف
قال أبو جعفر ومعنى هذا عندنا على الوعيد الذي ظاهره الامر وباطنه النهي كما قال الله عز وجل
واستفزز من استطعت منهم الآية وكقوله اعملوا ما شئتم
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا أبو سعيد محمد بن أسعد الثعلبي قال ثنا زهير بن معاوية عن
عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن كان في شئ مما تداوون به شفاء ففي شرطة
محجم أو شربة عسل أو لذعة نار وما أحب أن أكتوي
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا هشام بن حسان عن الحسن عن عمران بن حصين
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب
قيل يا رسول الله من هم قال هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم
يتوكلون
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا همام قال ثنا قتادة عن الحسن عن
عمران بن حصين قال نهينا عن الكي
320

حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عمرو بن خالد قال حدثنا ابن لهيعة عن أبي هريرة عن عبد الرحمن
بن جبير عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي
فذهب قوم إلى أن الكي مكروه وأنه لا يجوز لأحد أن يفعله على حال من الأحوال واحتجوا في ذلك
بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بالكي لما علاجه الكي
وكان من الحجة لهم في ذلك ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا محمد بن خازم عن الأعمش
عن أبي سفيان عن جابر قال اشتكى أبي بن كعب فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيبا فقطع منه عرقا
ثم كواه عليه
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عياش الرقام قال ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن
جابر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص قال ثنا أبي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال اشتكى
أبي بن كعب فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيبا فقد عرقه الأكحل وكواه عليه
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زهير قال ثنا أبو الزبير عن جابر قال رمى سعد بن معاذ
في أكحله فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده بمشقص ثم ورمت فحسمه الثانية
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة عن ابن الزبير عن جابر أن أبي بن كعب
أو سعدا رمى رمية في يده فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيبا فكواه عليها
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب قال ثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر قال رمى يوم الأحزاب
سعد بن معاذ فقطعوا أكحله فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار فانتفخت يده فحسمه مرة أخرى
حدثنا فهد قال ثنا يحيى بن عبد الحميد قال ثنا يزيد بن زريع عن معمر عن الزهري عن أنس
أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن زرارة من شوكة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن ذريع فذكر بإسناده مثله غير أنه
قال من شوصة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن مرزوق قال ثنا عمران عن قتادة عن أنس قال كواني
أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فما نهيت عنه
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زهير قال ثنا أبو الزبير عن عمرو بن شعيب عن
بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كوى رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا أو أسعد بن زرارة من الذبحة في حلقه
321

ففي هذه الأخبار إباحة الكي للداء المذكور فيها وفي الآثار الأول النهي عن الكي
فاحتمل أن يكون المعنى الذي كانت له الإباحة في هذه الآثار غير المعنى الذي كان له النهي في الآثار الأول
وذلك أن قوما كانوا يكتوون قبل نزول البلاء بهم يرون أن ذلك يمنع البلاء أن ينزل بهم
كما فعل الأعاجم
فهذا مكروه لأنه ليس على طريق العلاج وهو شرك لأنهم يفعلونه ليدفع قدر الله عنهم
فأما ما كان بعد نزول البلاء إنما يراد به الصلاح والعلاج مباح مأمور
وقد بين ذلك جابر بن عبد الله في حديث رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عامر العقدي وابن مرزوق قالا ثنا عبد الرحمن بن سليمان عن عاصم
بن عمر عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن يكن في شئ من أدويتكم هذه خير ففي شرطة محجم
أو شربة عسل أو لذعة نار توافق داء وما أحب أن أكتوي
فإذا كان في هذا الحديث أن لذعة النار التي توافق الداء مباحة والكي مكروه وكانت اللذعة بالنار كية
ثبت أن الكي الذي وافق الداء مباح وأن الكي الذي لا يوافق الداء مكروه
ويحتمل أن يكون الكي منهيا عنه على ما في الآثار الأول ثم أبيح بعد ذلك على ما في هذه الآثار الاخر
وذلك أن بن أبي داود حدثنا قال ثنا خطاب بن عثمان قال ثنا إسماعيل بن عياش عن سليمان
بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن في الكي فقال
لا تكتو
فقال يا رسول الله بلغ بي الجهد ولا أجد بدا من أن أكتوي
قال ما شئت أما إنه ليس من جرح إلا وهو آتي الله يوم القيامة يدمي يشكو الألم الذي كان سببه
وأن جرح الكي يأتي يوم القيامة يذكر أن سببه كان من كراهة لقاء الله ثم أمره أن يكتوي
ففي هذا الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكي وإباحته إياه بعد ذلك
فاحتمل أن يكون ما في الآثار الأول كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال النهي المذكور في هذا الحديث
وما كان من الإباحة في الآثار الاخر كان بعد ما كانت منه الإباحة المذكورة في هذا الحديث فتكون
الإباحة ناسخة للنهي
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كوى سارقا بعدما قطعه
حدثنا ابن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا أبو بكر بن علي قال ثنا الحجاج بن أرطأة عن
مكحول عن ابن محيريز قال قلت لفضالة بن عبد أمن السنة أن يقطع السارق ويعلق في عنقه
322

فقال نعم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسارق فأمر به فقطعت يده ثم حسمه ثم علقها في عنقه
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن
بن ثوبان قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل سرق شملة فقال أسرقت ما إخال سرقت اذهبوا به فاقطعوه
ثم احسموه ثم قال تب إلى الله
ففي هذه أيضا دليل على إباحة الكي الذي يراد به العلاج لأنه دواء
وقد سأل الاعراب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ألا نتداوى
فكان جوابه لهم في ذلك ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان قال
ثنا زياد بن علاقة قال سمعت أسامة بن شريك يقول شهدت النبي صلى الله عليه وسلم والاعراب يسألونه فقالوا هل علينا
جناح أن نتداوى
فقال تداووا عباد الله فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء إلا الهرم
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أيها الناس تداووا فإن الله عز وجل لم يخلق داء إلا خلق له شفاء إلا السام
والسام الموت
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن سعد عن أبي الزبير
عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله
فأباح لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتداووا والكي مما كانوا يتداوون به
وقد اكتوى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بعده
فممن روي عنه في ذلك ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل بن إسماعيل قال ثنا سفيان قال ثنا ابن
الحر عن أبي حمزة عن قيس بن أبي حازم عن جرير قال أقسم علي عمر لأكتوين
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زهير قال ثنا أبو الزبير قال رأيت عبد الله بن عمر
اكتوى من اللقوة في أصل أذنيه
حدثنا فهد قال ثنا أحمد قال زهير قال ثنا موسى بن عقبة عن نافع أن بن عمر رضي الله عنه
اكتوى من اللقوة
حدثنا شعيب بن إسحاق بن يحيى قال ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال ثنا أبو حنيفة عن نافع أن بن
عمر رضي الله عنه اكتوى من اللقوة ورقى من العقرب
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه مثله
323

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال دخلت
على خباب وقد اكتوى
حدثنا محمد بن حميد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا موسى بن أعين عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم
عن خباب أنه أتاه يعوده وقد اكتوى سبعا في بطنه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب عن أبيه قال سمعت حميدا قال بن مرزوق أظنه عن مطرف قال
قال لي عمران بن حصين أشعرت أنه كان يسلم علي فلما اكتويت انقطع عني التسليم
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اكتووا وكووا غيرهم وفيهم بن عمر وقد روينا عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ما أحب أن أكتوي
فدل فعله ذلك على ثبوت نسخ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم كرهه من ذلك
وفيهم عمران بن حصين وهو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مدحه للذين لا يكتوون
فدل ذلك أيضا على علمه بإباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك
فإن قال قائل فكيف يكون ذلك وقد روى عن عمران بن حصين
فذكر ما حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أبو جابر قال ثنا عمران بن جرير عن أبي مخلد قال كان
عمران بن حصين ينهي عن الكي فابتلي فكان يعقد ويقول لقد اكتويت كية بنار فما أبرأتني من إثم
ولا شفتني من سقم
قيل له قد يجوز أن يكون الكي الذي كان عمران ينهى عنه هو الكي يراد به لا العلاج من البلاء الذي قد حل
ولكن لما يفعل قبل حلول البلاء مما كانوا يرون أنه يدفع البلاء فلما ابتلى به اكتوى على أن
ذلك كان علاجا لما به من البلاء
فلما لم يبرأ بذلك علم أن كيه لم يوافق بلاء ولم يكن علاجا له فأشفق أن يكون بها إثما فقال
ما شفتني من سقم ولا أبرأتني من إثم
أي لم أعلم أني برئ من الاثم مع أنه لم يحقق أنه صار آثما بها لأنه إنما كان أراد بها الدواء لا غير ذلك
والدواء مباح للناس جميعا وهم مأمورون به
وقد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار تنهي عن التمائم
فمما روى في ذلك ما حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أم قيس
بنت محصن قالت دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لي وقد علقت عليه من العذرة فقال على ما تذر عن أولادكن
بهذا العلاق عليكن بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب يسعط من العذرة ويلد ذات الجنب
324

فقد يحتمل أن يكون ذلك العلاق كان مكروها في نفسه لأنه كتب فيه ما لا يحل كتابته فكرهه رسول الله
صلى الله عليه وسلم لذلك لا لغيره
وقد روى في ذلك أيضا ما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يحيى بن أيوب عن عبيد الله
بن زحر عن بكر بن سوادة عن رجل من صدا قال اتينا النبي صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا فبايعناه وترك
رجلا منا لم يبايعه
فقلنا بايعه يا نبي الله فقال لن بايعه حتى ينزع الذي عليه إنه من كان منا مثل الذي عليه كان مشركا
ما كانت عليه
فنظرنا فإذا في عضده سير من لحى شجرة أو شئ من الشجرة
حدثنا إبراهيم بن منقذ قال ثنا المقرئ عن حياة قال أخبرني خالد بن عبيد قال سمعت مشرح
بن هاعان يقول سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تعلق تميمة فلا أتم
الله له ومن تعلق ودعة فلا أودع الله له
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم أن أبا بشر
الأنصاري أخبره أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره قال عبد الله بن أبي بكر حسبت أنه قال والناس في
مبيتهم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ألا لا يبقين في عنق بعير قلادة ولا وتر إلا قطعت
قال مالك أرى ذلك من العين
فكان ذلك عندنا والله أعلم ما علق قبل نزول البلاء ليدفع وذلك مالا يستطيعه غير الله عز وجل
فنهى عن ذلك لأنه شرك فأما ما كان بعد نزول البلاء فلا بأس لأنه علاج
وقد روى هذا الكلام بعينه عن عائشة رضي الله عنها
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث رضي الله عنه وابن لهيعة عن بكير
بن الأشج عن القاسم بن محمد أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت ليست بتميمة ما علق بعد
أن يقع البلاء
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد عن عبد الله بن المبارك عن طلحة بن أبي سعيد أو سعد
عن بكير فذكر بإسناده مثله
فقد يحتمل أيضا ان يكون الكي نهيه عنه إذا فعل قبل نزول البلاء وأبيح إذا فعل بعد نزول البلاء لان
ما فعل بعد نزول البلاء فإنما هو علاج
325

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العلاج ما قد ذكرناه في هذا الباب
وروى عنه أيضا ما حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا الفريابي قال ثنا سفيان عن قيس بن مسلم عن
طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء
فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس قال ثنا المقرئ قال ثنا أبو حنيفة فذكر بإسناده مثله
وقد كره قوم الرقي واحتجوا في ذلك بحديث عمران بن حصين الذي ذكرناه في الفصل الأول
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بها بأسا
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود قال ثنا أبو الأحوص عن مغيرة عن
إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخص في رقية الحية والعقرب
ففي هذا الحديث الرخصة في رقية الحية والعقرب والرخصة لا تكون إلا بعد النهي
فدل ذلك على أن ما أبيح من ذلك منسوخ من النهي عنه في حديث عمر ان
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الامر بالرقية للذعة العقرب ما حدثنا محمد بن سليمان الباغندي قال
ثنا أبو الوليد قال ثنا ملازم بن عمرو رضي الله عنه قال ثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه
قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلدغتني عقرب فجعل يمسحها ويرقيه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال ثنا ملازم فذكر بإسناده مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال لدغت
رجلا منا عقرب عند النبي صلى الله عليه وسلم
فقال رجل يا رسول الله أرقيه فقال من استطاع منك أن ينفع أخاه فليفعل
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب قال ثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر نحوه
ففي حديث جابر ما يدل أن كل رقية يكون فيها منفعة فهي مباحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع
منكم أن ينفع أخاه فليفعل
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إباحة الرقية من النملة
حدثنا فهد قال ثنا ابن الأصبهاني قال ثنا أبو معاوية عن عمر بن عبد العزيز عن صالح بن كيسان عن
أبي بكر بن أبي حثمة عن الشفاء امرأة وكانت بنت عم لعمر قالت كنت عند حفصة فدخل علينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الا تعلميها رقية النملة كما علمتيها الكتابة
326

حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عامر قال ثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن أبي بكر بن سليمان بن أبي
حثمة عن حفصة أن امرأة من قريش يقال لها الشفاء كانت ترقى من النملة فقال النبي صلى الله عليه وسلم
علميها حفصة
ففي هذا الحديث إباحة الرقية من النملة
فاحتمل أن يكون ذلك كان بعد النهي فيكون ناسخا للنهي أو يكون النهي بعده فيكون
ناسخا له
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إباحة الرقية من الجنون ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال
ثنا فضيل بن سليمان عن محمد بن زيد عن عمير مولى أبي اللحم قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم رقية كنت أرقي بها
من الجنون فأمرني ببعضها ونهاني عن بعضها وكنت أرقي بالذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهذا يحتمل أيضا ما ذكرنا فيما روى في الرقية من النملة
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين ما حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قال ثنا
سفيان عن معبد بن خالد قال سمعت عبد الله بن شداد عن عائشة رضي الله عنها قالت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن أسترقي من العين
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن معبد عن عبد الله بن شداد عن عائشة
رضي الله عنها مثله
أو قال قال عبد الله بن شداد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها أن تسترقي من العين
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا يحيى بن معين قال ثنا عبد الرزاق بن إبراهيم عن ابن جريج عن أبي
الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عميس مالي أرى أجسام بني أخي نحيفة صارعة
أتصيبهم الحاجة
قالت لا ولكن العين تسرع إليهم فأرقيهم قال بماذا فعرضت عليه كلاما لا بأس به فقال
أرقيهم
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان وأحمد بن يونس قالا ثنا زهير قال ثنا أبو إسحاق عن ابن أبي
نجيح عن عبد الله بن باباه عن أسماء بنت عميس قالت قلت يا رسول الله إن العين تسرع إلى بني جعفر
فاسترقي لهم قال نعم فلو أن شيئا 00 يسبق القدر لقلت إن العين تسبقه
فهذا يحتمل ما ذكرنا في رقية النملة والجنون
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا الرخصة في الرقية من كل ذي حمة
327

حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا أسباط بن محمد عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن
عائشة رضي الله عنها قالت رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن الشيباني فذكر
بإسناده مثله
فهذا فيه دليل على أنه كان بعد النهي لان الرخصة لا تكون إلا من شئ محظور
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إباحة الرقي كلها ما لم يكن شرك ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا
عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي
قال كنا نرقى في الجاهلية
فقلنا يا رسول الله كنا نرقى في الجاهلية فما ترى في ذلك
قال أعرضوا علي رقاكم فلا بأس بالرقي ما لم يكن شرك
فهذا يحتمل أيضا ما احتمله ما روينا قبله فاحتجنا أن نعلم هل هذه الإباحة للرقي متأخرة عما روى في النهي عنها أو ما روى في
النهي عنها متأخر عنها فيكون ناسخا لها
فنظرنا في ذلك فإذا ربيع المؤذن حدثنا قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا أبو الزبير عن جابر
أن عمرو بن حزم دعي لامرأة بالمدينة لدغتها حية ليرقيها فأبى فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه
فقال عمرو يا رسول الله إنك تزجر عن الرقي فقال اقرأها علي فقرأها عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا بأس بها إنها هي مواثيق فأرق بها
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال لما نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقي أتاه خالي فقال يا رسول الله إنك نهيت عن الرقي وأن أرقي من العقرب
قال من استطاع منك أن ينفع أخاه فليفعل
حدثنا أبو بكرة قال ثنا يحيى بن حماد قال ثنا أبو عوانة عن سليمان عن أبي سفيان عن جابر قال
كان أهل بيت من الأنصار يرقون من الحية فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقي
فأتاه رجل فقال يا رسول الله إني كنت أرقي من العقرب وإنك نهيت عن الرقي
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل
قال وأتاه رجل كان يرقى من الحية فقال أعرضها علي فعرضها عليه فقال لا بأس بها إنما
هي مواثيق
فثبت بما ذكرنا أن ما روى في إباحة الرقي ناسخ لما روى في النهي عنها
328

ثم أردنا أن ننظر في تلك الرقي كيف هي
فإذا عوف بن مالك حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا أنه لا بأس بها ما لم يكن شرك
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الحماني قال ثنا عبد الواحد بن
زياد قال ثنا عثمان بن حكيم قال حدثتني الرباب قالت سمعت سهل بن حنيف يقول مررنا بسيل
فدخلنا نغتسل فخرجت منه وأنا محموم فنمى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروا أبا ثابت فليتعوذ
فقلت يا سيدي إن الرقي صالحة فقال لا رقية إلا من ثلاثة من النظرة والحمة واللدغة
فاحتمل أن يكون ما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرقي هو التعوذ
فأما قول سهل لا رقية إلا من ثلاث فيحتمل أن يكون علم ذلك من إباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نهيه
المتقدم ولم يعلم ما سوى ذلك مما روينا عن غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيه
حدثنا محمد بن علي بن داود قال ثنا عفان قال ثنا عبد الوارث قال ثنا عبدا لعزيز بن صهيب قال
ثنا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اشتكيت يا محمد قال نعم
قال بسم الله أرقيك من كل شئ يؤذيك من شر كل ذي نفس ونفس وعين الله يشفيك
بسم الله أرقيك
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا معاوية بن صالح عن أزهر بن سعيد عن عبد الرحمن بن السائب
بن أخي ميمونة قالت إن ميمونة قالت له ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بلى
قالت بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء فيك أذهب البأس رب الناس وأشف
أنت الشافي لا شافي إلا أنت
فهذا وما أشبهه من الرقي لا بأس به
وقد دل على ذلك أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عوف لا بأس بالرقي ما لم يكن شرك فدل ذلك أن
كل رقية لا شرك فيها فليست بمكروهة والله أعلم
باب الحديث بعد العشاء الآخرة
حدثنا عبد الغني بن رفاعة اللخمي قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن سيار بن سلامة
قال دخلت مع أبي على أبي برزة فسمعته يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء الآخرة
والحديث بعدها
329

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد بن سلمة عن سيار فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا أما الكلام الذي ليس بقربة إلى الله عز وجل وإن كان ليس بمعصية
فهو مكروه حينئذ لأنه مستحب للرجل أن ينام على قربة وخير وفضل يختم به عمله
فأفضل الأشياء له أن ينام على الصلاة فتكون هي آخر عمله
واحتجوا في إباحة الحديث بعد العشاء بما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا
وهيب عن عطاء بن السائب عن أبي وائل قال قال ثنا عبد الله ح
وحدثنا يزيد بن سنان قال ثنا هدبة بن خالد قال ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي
وائل قال ثنا عبد الله قال حدب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد صلاة العتمة وقال مسلم بعد صلاة العشاء
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدب لهم السمر بعد العشاء الآخرة وفي الحديث الأول أنه كان
يكره ذلك
فوجههما عندنا والله أعلم أنه كره لهم من السمر ما ليس بقربة وحدب لهم ما هو قربة على المعنى الذي
ذكرناه عن أهل المقالة الثانية المذكورة في هذا الباب
وقد حدثنا إبراهيم بن محمد الصيرفي قال أبو الوليد قال ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم
عن علقمة عن عبد الله قال ربما سمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر ذات ليلة في لأمر يكون من أمر المسلمين
فبين هذا الحديث سمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يسمره وأنه من أمور المسلمين فذلك من أعظم
الطاعات
فدل ذلك أن السمر المنهي عنه خلاف هذا
وقد روى في ذلك أيضا عن عمر رضي الله عنه ما حدثنا محمد بن خزيمة ثال ثنا حجاج قال ثنا
حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال حدب إلينا عمر السمر بعد العشاء الآخرة
ففي هذا الحديث أن عمر حدب إليهم السمر بعد العشاء الآخرة ولم يبين لنا في هذا الحديث أي
سمر ذلك فنظرنا في ذلك
فإذا سليمان بن شعيب قد حدثنا قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن الجريري قال سمعت
أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد مولى الأنصار قال كان عمر لا يدع سامرا بعد العشاء يقول ارجعوا لعل
الله يرزقكم صلاة أو تهجدا
فانتهى إلينا وأنا قاعد مع بن مسعود وأبي بن كعب وأبي ذر فقال ما يقعدكم قلنا أردنا أن
نذكر الله فقعد معهم
330

فهذا عمر قد كان ينهاهم عن السمر بعد العشاء ليرجعوا إلى بيوتهم ليصلوا أو ليناموا نوما ثم يقومون
لصلاة يكونون بذلك متهجدين
فلما سألهم ما الذي أقعدهم فأخبروه أنه ذكر الله لم ينكر ذلك عليهم وقعد معهم لان ما كان يقيمهم
له هو الذي هم قعود له
فثبت بذلك أن السمر الذي في حديث أبي وائل عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر حدباه إليهم وهو
الذي فيه قربة إلى الله عز وجل والنهي عنه في حديث أبي برزة هو ما لا قربة فيه ليستوي معاني هذه الآثار
لتتفق ولا تتضاد
وقد روينا عن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة أنهما سمرا إلى طلوع الثريا
فذلك عندنا على السمر الذي هو قربة إلى الله عز وجل وقد ذكرنا ذلك الحديث بإسناده فيما تقدم
من كتابنا هذا
وقد روى عن عائشة رضي الله عنها أيضا من طريق ليس مثله يثبت أنها قالت لا سمر إلا لمصل أو مسافر
فذلك عندنا إن ثبت عنها غير مخالف لما روينا وذلك أن المسافر يحتاج إلى ما يدفع النوم عنه
ليسير فأبيح بذلك السمر وإن كان ليس بقربة ما لم تكن معصية لاحتياجه إلى ذلك
فهذا معنى قولها لا سمر إلا لمسافر
وأما قولها أو مصل فمعناه عندنا على المصلي بعد ما يسمر فيكون نومه إذا نام بعد ذلك على الصلاة
لا على السمر
فقد عاد هذا المعنى إلى المعنى الذي صرفنا إليه معاني الآثار الأول والله أعلم
باب نظر العبد إلى شعور الحرائر
حدثنا المزني قال ثنا الشافعي قال ثنا سفيان عن الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه
قال سفيان سمعته من الزهري وثبتنيه معمر
قال أبو جعفر فذهب قوم من أهل المدينة إلى أن العبد لا بأس أن ينظر إلى شعور مولاته ووجهها
وإلى ما ينظر إليه ذو محرمها منها
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وقالوا في قول النبي صلى الله عليه وسلم لام سلمة فلتحتجب منه دليل على أنها
قد كانت قبل ذلك غير محتجبة منه
وقالوا قد روى ذلك عن ابن عباس وعمل به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بعده
331

فذكروا في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا ابن الأصبهاني قال ثنا شريك عن السدي عن أبي مالك
عن ابن عباس قال لا بأس أن ينظر العبد إلى شعور مولاته
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا ابن وهب قال أخبرني ميمون بن يحيى عن آل الأشج عن
مخرمة بن بكير عن أبيه عن عمرو بن شعيب رضي الله عنه ويزيد بن عبد الله وعمرة بنت عبد الرحمن أنهم
قالوا لو أن امرأة جلست عند عبد زوجها بغير خمار لم يكن بذلك بأسا
قال بكير وأخبرني عبد الرحمن بن القاسم أن أسماء بنت عبد الرحمن كانت تجلس عند عبد لقاسم وهو زوجها
بغير خمار قال بكير عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت كانت عائشة رضي الله عنها يراها العبيد لغيرها
قال بكر قالت أم علقمة مولاة عائشة رضي الله عنها تدخل عليها عبيد المسلمين وإن كان عبيد الناس ليرون
عائشة رضي الله عنها بعد أن يحتلم أحدهم وإنها لتمتشط
قال بكير عن عبد الله بن رافع لم تكن أم سلمة تحتجب من عبيد الناس
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا ينظر العبد من الحرة إلا إلى ما ينظر إليه منها الحر الذي لا محرم
بينه وبينها
وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكروا في حديث أم سلمة لا يدل على ما قال أهل
تلك المقالة لأنه قد يجوز أن يكون أراد بذلك حجاب أمهات المؤمنين فإنهن قد كن حجبن عن الناس جميعا
إلا من كان منهم ذو رحم محرم
فكان لا يجوز لأحد أن يراهن أصلا إلا من كان بينهن وبينه رحم محرم وغيرهن من النساء لسن كذلك
لأنه لا بأس أن ينظر الرجل من المرأة التي لا رحم بينه وبينها وليست عليه بمحرمة إلى وجهها وكفيها
وقد قال الله عز وجل ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها
فقد قيل في ذلك ما حدثنا سليمان قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق
عن أبي الأحوص عن عبد الله ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها
قال الزينة القرط والقلادة والسوار والخلخال والدملج ما ظهر منها الثياب والجلباب
حدثنا محمد بن حميد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا موسى بن أعين عن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها الكحل والخاتم
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عاصم قال ثنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم ولا يبدين
زينتهن إلا ما ظهر منها قال هو ما فوق الدرع فأبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من
النساء إلى وجوههن وأكفهن وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى ا لله عليه وسلم لما نزلت آية الحجاب ففضلن بذلك
على سائر الناس
332

حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا عبد الله بن بكير السهمي قال ثنا حميد عن أنس قال قال
عمر قلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو حجبت أمهات المؤمنين فأنزل الله عز وجل آية الحجاب
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال ثنا حميد فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إلى المناصع
وهو صعيد أفيح وكان عمر يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم احجب نساءك
فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل
فخرجت سودة ذات ليلة وكانت امرأة طويلة فناداها عمر ألا قد عرفناك يا سودة حرصا على أن
ينزل الله الحجاب
قالت عائشة رضي الله عنها فأنزل الله الحجاب
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا الليث فذكر بإسناده مثله
حدثنا روح قال ثنا يحيى قال حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أنس بن مالك
قال كنت أعلم الناس بشأن الحجاب فيما أنزل وكان أول ما أنزل في مبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت
جحش أصبح بها عروسا
فدعا القوم فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقى رهط منهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطالوا المكث
فقام رسول الله فخرج وخرجت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة رضي الله عنها ثم ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه حتى دخل على زينب فإذا هم جلوس فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعت
معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم قد خرجوا رجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا
فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينه بالستر وأنزل الحجاب
حدثنا أبو بكرة قال ثنا عبد الله بن بكر قال ثنا حميد الطويل عن أنس قال أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين بنى بزينب بنت جحش ثم خرج إلى حجر أمهات المؤمنين فلما رجع إلى بيته رأى رجلين قد مد بهما
الحديث فوثبا مسرعين فرجع حتى دخل البيت وأرخى الستر وأنزلت آية الحجاب
حدثنا إبراهيم بن منقذ قال ثنا المقرئ عن جرير عن سالم العلوي عن أنس بن مالك قال كنت
خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أدخل عليه بغير إذن
فجئت يوما أدخل فقال كما أنت فإنه قد حدث بعدك أمر فلا تدخل علينا إلا بإذن
333

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد عن سالم العلوي عن أنس بن مالك قال لما
أنزلت آية الحجاب جئت أدخل كما أدخل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم رويدا وراءك يا بني
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبيد الله بن معاذ قال ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي مجالد
عن أنس بن مالك قال لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون
فأخذ كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا
فلما رأى ذلك قام وقام من قام معه القوم وقعد الثلاثة
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فدخل فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا وانطلقوا
فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا فجاء فدخل وأنزلت آية الحجاب يا أيها الذين آمنوا
لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن الآية
قال أبو جعفر فكن أمهات المؤمنين قد خصصن بالحجاب ما لم يجعل فيه سائر الناس مثلهن
فإن قال قائل فقد قال الله عز وجل وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن
فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ثم قال ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن
أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني
أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن فجعل ما ملكت أيمانهن كذي الرحم المحرم فيهن
قيل له ما جعلهن كذلك ولكنه ذكر جماعة مستثنين من قوله عز وجل ولا يبدين وزينتهن
فذكر البعول وذكر الآباء ومن ذكر معهم مثل ما ذكره وما ملكت أيمانهن
فلم يكن جمعه بينهم بدليل على استواء أحكامهم لأنا قد رأينا البعل قد يجوز أن ينظر من امرأته إلى
ما لا ينظر إليها أو بها منها
ثم قال أو ما ملكت أيمانهن فلا يكون ضمه أولئك مع ما قبلهم بدليل أن حكمهم مثل حكمهم
ولكن الذي أبيح بهذه الآية للمملوكين من النظر إلى النساء إنما هو ما ظهر من الزينة وهو
الوجه والكفان
وفي إباحته ذلك للمملوكين وليسوا بذوي أرحام محرمة دليل أن الأحرار الذين ليسوا بذوي أرحام
محرمة من النساء في ذلك كذلك
وقد بين هذا المعنى ما في حديث عبد بن زمعة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسودة احتجبي منه فأمرها
بالحجاب منه وهو بن وليدة أبيها وليس يخلو أن يكون أخاها أو ابن وليدة أبيها فيكون مملوكا لها
ولسائر ورثة أبيها
334

فعلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحجبها منه لأنه أخوها ولكن لأنه غير أخيها وهو في تلك الحال مملوك
فلم يحل له برقه النظر إليها
فقد ضاد هذا الحديث حديث أم سلمة وخالفه وصارت الآية التي ذكرنا على قول هذا الذاهب إلى حديث
سودة أنها على سائر النساء دون أمهات المؤمنين وأن عبيد أمهات المؤمنين كانوا في حكم النظر إليهن في حكم
القرباء منهن الذين لا رحم بينهم وبينهن لا في حكم ذوي الأرحام منهن المحرمة
وكل من كان بينه وبينهن محرمة فهو عندنا في حكم ذوي الأرحام المحرمة في منع ما وصفنا
ثم رجعنا إلى النظر لنستخرج به من القولين قولا صحيحا
فرأينا ذا الرحم لا بأس أن ينظر إلى المرأة التي هو لها محرم إلى وجهها وصدرها وشعرها
وما دون ركبتها
ورأينا القريب منها ينظر إلى وجهها وكفيها فقط
ثم رأينا العبد حرام عليه في قولهم جميعا أن ينظر إلى صدر المرأة مكشوفا أو إلى ساقيها سواء
كان رقه لها أو لغيرها
فلما كان فيما ذكرنا كالأجنبي منها لا كذي رحمهما المحرم عليها كان في النظر إلى شعرها أيضا كالأجنبي
لا كذي رحمها المحرم عليها
فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد وافقهم في ذلك من المتقدمين الحسن والشعبي
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال ثنا مغيرة عن الشعبي
ويونس عن الحسن أنهما كرها أن ينظر العبد إلى شعر مولاته
باب التكني بأبي القاسم هل يصح أم لا
حدثنا أبو أمية قال ثنا علي بن قادم قال ثنا قطر عن منذر الثوري عن محمد بن الحنفية عن علي
قال قلت يا رسول الله إن ولد لي بن أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم
قال وكانت رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أنه لا بأس بأن يكتني الرجل بأبي القاسم وأن يتسمى مع ذلك بمحمد
واحتجوا في ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
335

وقالوا أما ما ذكر من أن ذلك رخصة فلم يذكر ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ذكر عن علي
أن ذلك كان رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول ممن بعد علي
وقد يجوز أن يكون ذلك على ما قال ويجوز أن يكون على خلاف ذلك
والدليل على أنه خلاف ذلك أنه قد كان في زمن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة فقد كانوا مسمين بمحمد
متكنين بأبي القاسم منهم محمد بن طلحة ومحمد بن الأشعث ومحمد بن أبي حذيفة
فلو كان ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول خاصا إذا لما سوغه غيره ولا نكره على فاعله وأنكره
معه من كان بحضرته من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال الذين ذهبوا إلى أن ذلك كان خاصا لعلي قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما قلنا
فذكروا في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح بن أسلم قال ثنا أيوب بن واقد قال ثنا فطر
بن خليفة عن منذر الثوري عن محمد بن الحنفية عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ولد لك بعدي
بن فسمه باسمي وكنه بكنيتي وهي لك خاصة دون الناس
قالوا ففي هذا الحديث 0 الخصوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بذلك دون الناس
قيل لهم هذا كما ذكرتم لو ثبت هذا الحديث على ما رويتم ولكنه ليس بثابت عندنا لان أيوب
بن واقد لا يقوم مقام من خالفه في هذا الحديث ممن رواه عن فطر على ما ذكرنا في أول هذا الباب
فقال الذين ذهبوا إلى أن ذلك كان خاصا لعلي بعد أن افترقوا فرقتين
فقالت فرقة لا ينبغي لأحد أن يتكنى بأبي القاسم سواء كان اسمه محمدا أو لم يكن
وقالت الفرقة الأخرى لا ينبغي لأحد ممن سمى بمحمد أن يكنى بأبي القاسم ولا بأس لمن لم يتسم
بمحمد أن يتكنى بأبي القاسم
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما قلنا في خصوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك عليا
فذكروا ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن عبد الله بن يزيد النخعي
عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير رضي الله عنه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت سموا باسمي
ولا تكنوا بكنيتي
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب قال ثنا هشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
مثله غير أنه قال سموا باسمي
336

حدثنا أبو أمية قال ثنا الحسين بن محمد قال ثنا جرير بن حازم عن محمد عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس بن وهب وابن نافع قالا ثنا داود بن قيس ح
وحدثنا ربيع الجيزي قال ثنا القعنبي قال ثنا داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإني أنا أبو القاسم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا أحمد بن أشكاب الكوفي قال ثنا معاوية عن الأعمش عن
أبي سفيان عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي
حدثنا محمد قال ثنا أبو ربيعة قال ثنا أبو عوانة عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله (
0)
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا شعبة عن قتادة ومنصور عن سالم بن أبي الجعد
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله قالوا
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكنى بكنيته وأباح أن يتسمى باسمه وجاء ذلك عنه مجيئا ظاهرا
متواترا فدل ذلك على خصوصية ما خالفه
ثم رجعنا إلى الكلام بين الذين ذهبوا إلى ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بن الحنيفة أنه كان
خاصا لعلي
فكان من حجة الفرقة الذين ذهبوا إلى أن النهي المذكور في حديث أبي هريرة وجابر إنما هو على
الكنية خاصة كان اسم المكتني بها محمدا أو لم يكن ما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا بكار قال ثنا أبو عاصم قال ثنا ابن جريج قال أخبرني عبد الكريم عن عبد الرحمن بن عبد الله
بن أبي عمرة عن عمه عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتني بكنيته
فقصد بالنهي في هذا الحديث إلى الكنية خاصة فدل ذلك أن ما قصد بالنهي إليه في الآثار التي ذكرناها
قبله هي الكنية أيضا
وقد دل على ذلك أيضا ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن عجلان عن أبي هريرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي أنا أبو القاسم الله يعطي وأنا أقسم
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن حصين عن سالم بن أبي الجعد
عن جابر بن عبد الله قال ولد لرجل من الأنصار غلام فسماه محمدا
337

فقال النبي صلى الله عليه وسلم أحسنت الأنصار تسموا
باسمي ولا تكنوا بكنيتي إنما أنا قاسم أقسم بينكم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا محمد بن خازم عن الأعمش عن ابن أبي الجعد عن جابر بن
عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنما جعلت قاسما أقسم بينكم
فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعنى الذي من أجله نهى أن يكتني بكنيته وإنما هو لأنه يقسم بينهم
فثبت بذلك أن قصده كان في النهي إلى الكنية دون الجمع بينهما وبين الاسم
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل وحسين بن نصرة قالا ثنا عبد الرحمن بن زياد
قال ثنا شعبة عن حميد الطويل قال سمعت أنس بن مالك يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال له رجل
يا أبا القاسم
فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يعني الرجل إنما أدعو ذاك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال ثنا حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال ثنا حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فهذا يدل أيضا على أن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو عن التكني بكنيته خاصة دون الجمع بينها
وبين اسمه
وقد ذهب إلى هذا المذهب إبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين
حدثنا أحمد بن الحسن الكوفي قال ثنا وكيع بن الجراح عن محل قال قلت لإبراهيم كانوا يكرهون
أن يكنى الرجل بأبي القاسم إن لم يكن أسمه محمدا قال نعم
فهذا إبراهيم يحكى هذا أيضا عمن كان قبله يريد بذلك أصحاب عبد الله أو من فوقهم
وقد حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي
قال ورأيت محمد بن سيرين يكره أن يكتني الرجل أبا القاسم كان اسمه محمدا أو لم يكن
وكان من حجة من ذهب إلى أن النهي في ذلك أيضا هو الجمع بين الكنية والاسم جميعا ما حدثنا أحمد بن
داود قال ثنا عبد العزيز بن الخطاب الكوفي قال ثنا قيس عن أبي ليلى عن حفصة بنت عبيد عن عمها
البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع بين اسمه وكنيته
338

حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا يحيى بن أيوب قال حدثني محمد بن عجلان عن أبيه
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي قال ثنا هشام بن أبي عبد الله قال ثنا
أبو الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تسمى باسمي فلا يكتني بكنيتي ومن اكتنى بكنيتي
فلا يتسم باسمي
قالوا فثبت بهذه الآثار أن ما نهي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك هو الجمع بين كنيته مع اسمه
وفي حديث جابر إباحة التكني بكنيته إذا لم يتسم معها باسمه
فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأخرى أنه يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد بنهيه ذلك المذكور في
حديث البراء وأبي هريرة وجابر إلى الجمع بين الكنية والاسم وأباح أفراد كل واحد منهما ثم نهى بعد
ذلك عن التكني بكنيته فكان ذلك زيادة فيما كان تقدم من نهيه في ذلك
فإن قال قائل فما جعل ما قلت أولى من أن يكون نهى عن التكني بكنيته ثم نهى عن الجمع بين اسمه
وكنيته وكان ذلك إباحة لبعض ما كان وقع عليه نهيه قبل ذلك
قيل له لان نهيه عن التكني بكنيته في حديث أبي هريرة فيما ذكرنا معه من الآثار لا يخلو من
أحد وجهين
إما أن يكون متقدما للمقصود فيه إلى الجمع بين الاسم والكنية أو متأخرا عن ذلك
فإن كان متأخرا عنه فهو زائد عليه غير ناسخ له وإن كان متقدما له فقد كان ثابتا ثم روى هذا
بعده فنسخه
فلما احتمل ما قصد فيه إلى النهي عن الكنية أن يكون منسوخا بعد علمنا بثبوته كان عندنا على أصله
المتقدم وعلى أنه غير منسوخ حتى نعلم يقينا أنه منسوخ
فهذا وجه هذا الباب من طريق معاني الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فقد رأينا الملائكة لا بأس أن يتسموا بأسمائهم وكذلك سائر أنبياء الله
عليهم السلام غير نبينا صلى الله عليه وسلم فلا بأس أن يتسمى بأسمائهم ويكنى بكناهم ويجمع بين اسم كل واحد
منهم وكنيته
فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم لا بأس أن يتسمى باسمه
فالنظر على ذلك أن لا بأس أن يتكنى بكنيته وأن لا بأس أن يجمع بين اسمه وكنيته
فهذا هو النظر في هذا الباب غير أن اتباع ما قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى
فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا ما حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن ابن المنكدر
339

سمع جابر بن عبد الله يقول ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم فقلت لا نكنيك أبا القاسم ولا ننعمك عينا
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال سم ابنك عبد الرحمن
فهذه الأنصار قد أنكرت على هذا الرجل أن يسمى ابنه القاسم لئلا يكتني به وقصدوا بالكراهة في
ذلك إلى الكنية خاصة ثم
لم ينكر ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه
فدل ذلك أن نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التكني بكنيته يتسمى مع ذلك باسمه ولم يتسم به
فإن قال قائل ففي هذا الحديث ما يدل على كراهة التسمي بالقاسم
قيل له قد يجوز أن يكون ذلك مكروها كما ذكرت لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا قاسم بينكم
وقد يجوز أن يكون كره ذلك لأنهم كانوا يكنون الآباء بأسماء الأبناء وقد كان أكثرهم لا يكتني حتى
يولد له فيكتني باسم ابنه
والدليل على ذلك ما حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله
بن محمد بن عقيل عن حمزة بن صهيب عن أبيه صهيب قال قال لي عمر نعم الرجل أنت يا صهيب
لولا خصال فيك ثلاث
قلت وما هي يا أمير المؤمنين قال تكنيت ولم يولد لك وفيك سرف في الطعام وانتميت إلى العرب
ولست منهم
قلت أما قولك تكنيت ولم يولد لك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى
وأما قولك انتميت إلى العرب ولست منهم فإني رجل من بني النمر بن قاسط سبتنا الروم من
الطائف بعد ما عقلت أهلي ونسبي
وأما قولك فيك سرف في الطعام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خياركم من أطعم الطعام
فهذا عمر قد أنكر على صهيب أن يتكنى قبل أن يولد له فدل ذلك أنهم أو أكثرهم كانوا
لا يتكنون حتى يولد لهم فيكتنون بأبنائهم
فلما ولد لذلك الأنصاري بن فسمى القاسم أنكرت الأنصار ذلك عليه لأنه إنما سمى به ليكنى به
فأبوا ذلك وأنكروه عليه فأثنى عليه فأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك
وقد دل على ذلك أيضا ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن خالد رضي الله عنه قال ثنا ابن لهيعة
عن أسامة بن زيد أن أبا الزبير المكي أخبره عن جابر بن عبد الله قال ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم
وتكنى به فأبت الأنصار أن تكنيه بذلك
340

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت الأنصار تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي
ففي هذا الحديث ما قد دل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما حول اسم ذلك الصبي لان أباه تكنى به فحوله
إلى اسم يجوز لأبيه التكني به
وفيه ما يدل على أن النهي إنما يقصد به إلى الكنية خاصة لا إلى الجمع بينها وبين الاسم والله تعالى أعلم
باب السلام على أهل الكفر (
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عمرو بن رومي قال ثنا محمد بن ثور قال ثنا معمر عن
الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين واليهود والمشركين
من عبدة الأوثان فسلم عليهم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أنه لا بأس أن يبتدأ أهل الكفر بالسلام واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا أن يبتدؤا بالسلام وقالوا لا بأس بأن يرد عليهم إذا سلموا
واحتجوا في ذلك بما حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا شريك وأبو بكر يعني بن عياش
عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبدؤهم بالسلام يعني اليهود والنصارى
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن سهيل فذكر بإسناده مثله * (
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني يحيى بن أيوب عن سهيل فذكر بإسناده مثله (
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عياش الرقام قال ثنا عبد الأعلى قال ثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي
حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الرحمن الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا راكب غدا إلى
يهود فلا تبدؤهم فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الرحيم عن محمد بن إسحاق فذكر
بإسناده مثله غير أنه قال فلا تبدؤهم بالسلام
حدثنا فهد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو رضي الله عنه عن محمد بن إسحاق
عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي نضرة الغفاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله غير
أنه لم يقل بالسلام
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير أنه
سمع أبا نضرة الغفاري يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اني راكب إلى يهود فإذا أتيتموهم فسلموا
عليكم فقولوا وعليكم
341

حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عبد الحميد بن جعفر قال أخبرني يزيد بن أبي حبيب
فذكر بإسناده مثله
ففي هذه الآثار النهي عن ابتداء اليهود والنصارى بالسلام من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم عليهم في قول أسامة
فقد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بسلامه من كان فيهم من المسلمين ولم يرد اليهود ولا النصارى
ولا عبدة الأوثان حتى لا تتضاد هذه الآثار وهذا الذي وصفنا جائز
فقد يجوز أن يسلم رجل على جماعة وهو يريد بعضهم وقد يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سلم عليهم أجمعين
لان ذلك كان في وقت قد أمر فيه أن لا يجادلهم إلا بالتي هي أحسن فكان السلام من ذلك ثم أمر بقتالهم
ومنابذتهم فنسخ ذلك ما كان تقدم من سلامه عليهم
فنظرنا في ذلك فإذا بن أبي داود قد حدثنا قال ثنا أبو اليمان قال ثنا شعيب بن أبي حمزة عن
الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار عليه إكاف
على قطيفة وأردف أسامة بن زيد وراءه يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن خزرج قبل وقعة بدر
فسار حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول في ذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي بن سلول
فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفي المجلس عبد الله بن رواحة
فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خمر بن أبي بن سلول أنفه بردائه ثم قال لا تعبروا علينا
فسلم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله عز وجل وقرأ عليهم القرآن
قال عبد الله بن أبي بن سلول أيها المرء إنه لحسن ما تقول إن كان حقا فلا تؤذينا به في مجالسنا
أرجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه
فقال عبد الله بن رواحة بل يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك
فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتبارزون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا
ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا سعد ألم تسمع إلى ما
يقول أبو حباب يعني بن أبي بن سلول قال كذا وكذا
قال سعد يا رسول الله اعف عنه واصفح فوالذي نزل عليك الكتاب لقد جاءك بالحق الذي أنزل
عليك ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيعصبوه بالعصابة فلما رد الله عز وجل
ذلك بالحق الذي
أعطاك شرق بذلك فذلك فعل ما رأيت فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب ويصبرون على الأذى حتى قال الله
342

عز وجل ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى
كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور
وقال الله عز وجل ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا
حسدا من عند أنفسهم الآية
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأول العفو كما أمره الله عز وجل به حتى أذن الله فيهم
فلما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بدرا فقتل الله عز وجل به من قتل من صناديد كفار قريش قال بن أبي بن سلول
ومن معه من المشركين عبدة الأوثان هذا أمر قد توجه فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الاسلام وأسلموا
ففي هذا الحديث أن ما كان من تسليم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم وكان في الوقت الذي أمره الله بالعفو عنهم
والصفح وترك مجادلتهم إلا بالتي هي أحسن ثم نسخ الله ذلك وأمره بقتالهم فنسخ مع ذلك السلام عليهم
وثبت قوله لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام ومن سلم عليكم منهم فقولوا وعليكم حتى تردوا عليه
مال قال ونهوا أن يزيدوهم على ذلك
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا ابن عون عن حميد بن زادويه عن أنس
بن مالك قال نهينا أن نزيد أهل الكتاب على وعليكم
فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
كتاب الزيادات
باب صلاة العيدين كيف التكبير فيها
حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة قال ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير قال ثنا عبد الله
بن عبد الرحمن الثقفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين
اثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة سوى تكبيرتي الصلاة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن التكبير في صلاة العيدين كذلك واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وبما حدثنا عبد الرحمن بن الجارود قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال أخبرنا بن لهيعة عن أبي
الأسود عن عروة عن أبي وافد الليثي وعائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس يوم
الفطر والأضحى فكبر في الأولى سبعا وقرأ ق والقرآن المجيد وفي الثانية خمسا وقرأ اقتربت
الساعة وانشق القمر
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن لهيعة عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب عن
343

عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيدين سبعا وخمسا سوى
تكبيرتي الركوع
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا ابن لهيعة فذكر بإسناده مثله
حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال ثنا حرملة عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد
عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله * (
حدثنا يحيى بن عثمان قال ثنا عبدوس العطار عن الفرج بن فضالة عن عبد الله بن عامر الأسلمي
عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تكبير العيدين في الركعة الأولى سبعا وفي الثانية
خمس تكبيرات
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال كتب إلى كثير بن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه
يحدثني عن أبيه عن جده قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر في الأضحى سبعا وخمسا في الفطر مثل ذلك
قالوا وقد روى ذلك أيضا عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكروا ما قد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن نافع أنه قال شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة رضي الله عنه فكبر في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة
خمس تكبيرات قبل القراءة
حدثنا أبو بكرة قال حدثنا روح قال ثنا مالك وصخر بن جويرية عن نافع عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله
قالوا فبهذه الآثار نقول وإليها نذهب
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل التكبير في العيدين تسع تكبيرات خمسا في الأولى وأربعا
في الآخرة ويوالي بين القراءتين
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به عليهم من الآثار التي ذكرنا أن حديث
عبد الله بن عمر وإنما يدور على عبد الله بن عبد الرحمن وليس عندهم بالذي يحتج بروايته
ثم هو أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وذلك عندهم أيضا ليس بسماع
فكيف يحتجون على خصمهم بما لو احتج به عليهم لم يسوغوه ذلك
وأما حديث بن لهيعة فبين الاضطراب مرة يحدث عن عقيل ومرة عن خالد بن يزيد عن
344

بن شهاب ومرة عن خالد بن يزيد عن عقيل عن ابن شهاب ومرة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة
رضي الله عنها وأبي وافد رضي الله عنه فذكرنا ذلك كله في هذا الباب
وبعد فمذهبهم في بن لهيعة ما قد شرحناه في غير موضع من هذا الكتاب
وأما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فإنما يدور على ما رووه عن عبد الله بن عامر وهو
عندهم ضعيف
وإنما أصل هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن نفسه
حدثنا يحيى بن عثمان قال ثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم
عن نافع بن أبي نعيم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما مثله ولم يرفعه فهذا هو أصل الحديث
وأما حديث كثير بن عبد الله فإنما هو عن كتابه إلى بن وهب وهم لا يجعلون ما سمع منه حجة فكيف
ما لم يسمع منه
فلما انتفى أن يكون في هذه الآثار شئ يدل على كيفية التكبير في العيدين لما بينا من وهائها وسقوطها
نظرنا في غيرها هل فيه ما يدل على شئ من ذلك
فإذا علي بن عبد الرحمن ويحيى بن عثمان قد حدثانا قالا ثنا عبد الله بن يوسف عن يحيى بن حمزة قال
حدثني الوضين بن عطاء أن القاسم أبا عبد الرحمن حدثه قال حدثني بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فكبر أربعا وأربعا ثم اقبل علينا بوجهه حين أنصرف قال لا تنسوا
كتكبير الجنائز وأشار بأصابعه وقبض إبهامه
فهذا حديث حسن الاسناد
وعبد الله بن يوسف ويحيى بن حمزة والوضين والقاسم كلهم أهل رواية معروفون بصحة الرواية ليس
كمن روينا عنه الآثار الأول
فإن كان هذا الباب من طريق صحة الاسناد يؤخذ فإن هذا أولى أن يؤخذ به مما خالفه
غير أنه ذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في كل ركعة أربعا وأخبرهم أن ذلك كتكبير الجنائز
فاحتمل بأن يكون الأربع سوى تكبيرة الافتتاح فيكون ذلك قد وافق قول الذين احتججنا بهذا
الحديث لقولهم
وأحتمل أن يكون ذلك على أربع بتكبيرة الافتتاح فيكون مخالفا لقولهم
فنظرنا فيما روى من الآثار في هذا الباب سوى هذا الأثر أيضا
فإذا محمد بن أحمد الجوزجاني قد حدثنا قال ثنا غسان بن الربيع قال ثنا عبد الرحمن بن ثابت
345

بن ثوبان عن أبيه أنه سمع مكحولا يقول حدثني أبو عائشة رضي الله عنها أن سعيد بن العاص رضي الله عنه
دعا أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما فسألهما كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في
الأضحى والفطر
فقال أبو موسى أربعا كتكبيره على الجنائز وصدقه حذيفة
فقال أبو موسى كذلك كنت أكبر لأهل البصرة إذ كنت أميرا عليهم
فلم يكن في هذا أيضا زيادة على ما في الحديث الأول
فنظرنا في ذلك أيضا فإذا يحيى بن عثمان قد حدثنا قال ثنا نعيم بن حماد قال ثنا محمد بن زيد
الواسطي عن النعمان بن المنذر عن مكحول قال حدثني رسول حذيفة وأبي موسى رضي الله عنهما أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيدين أربعا وأربعا سوى تكبيرة الافتتاح
فبين هذا الحديث أن تكبيرة الافتتاح خارجة من التكبيرات المذكورات في حديث الجوزجاني
وفي حديث علي بن عبد الرحمن ويحيى بن عثمان
فهذا ما ثبت عندنا في التكبير في العيدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نعلم شيئا روى عنه مما يثبت
مثله يخالف شيئا من ذلك
وأما ما احتجوا به من حديث نافع عن أبي هريرة وابن عمر فإنه قد روى عن جماعة
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك منهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود الطيالسي قال ثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر في النحر خمس تكبيرات ثلاثا في الأولى وثنتين في الثانية لا يوالي بين القراءتين فهكذا
كان علي رضي الله عنه يكبر في النحر وقد كان يكبر في الفطر خلاف ذلك
حدثنا يحيى بن عثمان قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن الحارث
عن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر يوم الفطر إحدى عشرة تكبيرة يفتتح بتكبيرة واحدة ثم يقرأ ثم يكبر
خمسا يركع بإحداهن ثم يقوم فيقرأ ثم يكبر خمسا يركع بإحداهن ثم ذكر عنه فيما كان يكبر في الأضحى
نحوا مما ذكره أبو بكرة فهكذا كان علي رضي الله عنه يكبر في الفطر
ودل ما ذكر يحيى في حديثه هذا على أن ترك علي رضي الله عنه الموالاة بين القراءتين إنما هو لأنه كان
يكبر بعض التكبير الذي كان يكبره في الركعة الأولى قبل القراءة وبعضه بعد القراءة وأنه كان يبتدئ بالقراءة
في الركعة الثانية قبل التكبير الذي كان يكبره فيها
وقد روي عن عمر رضي الله عنه خلاف ذلك أيضا
346

حدثنا يحيى بن عثمان قال حدثنا العباس بن طالب قال ثنا عبد الواحد بن زياد عن أبي إسحاق
الشيباني عن عامر أن عمر وعبد الله رضي الله عنهما اجتمع رأيهما في تكبير العيدين على تسع تكبيرات
خمس في الأولى وأربع في الآخرة ويوالي بين القراءتين
وقد روى خلاف ذلك أيضا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ثنا شعبة قال ثنا قتادة وخالد
الحذاء عن عبد الله بن الحارث أنه صلى خلف بن عباس رضي الله عنهما في العيد فكبر أربعا ثم قرأ ثم كبر
فرفع ثم قام في الثانية فقرأ ثم كبر ثلاثا ثم كبر فرفع
حدثنا صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث قال ثنا سعيد بن منصور قال حدثنا هشيم قال
أخبرنا خالد الحذاء عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا ما يخالف هذا القول وقول أهل المقالة الأولى
حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان بن عيينة قال ثنا عمرو عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكبر يوم الفطر ثلاثا عشر تكبيرة سبعا في الأولى قبل القراءة وستا في
الآخرة بعد القراءة
حدثنا صالح قال ثنا سعيد قال ثنا هشيم قال ثنا عبد الملك وحجاج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله ولم يذكر القراءة
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا في ذلك من قوله ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح
قال ثنا سعيد عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال من
شاء كبر سبعا ومن شاء كبر تسعا وإحدى عشرة وثلاث عشرة
فهذا بن عباس رضي الله عنهما قد روى عنه عكرمة ما ذكرنا فدل ذلك على أنه كبر على ما روى
عنه كل واحد من عبد الله بن الحارث وعطاء وله أن يكبر علي ما رواه عنه الفريق الآخر
وقد اختلفا عنه في موضع القراءة فروى عنه كل واحد منهما ما قد ذكرناه في حديثه
فاحتمل أن يكون كان الحكم في ذلك عنده أن يفعل من هذين ما شاء
واحتمل أن يكون كان الحكم عنده فيمن كبر تسعا أن يوالي بين القراءتين وفيمن كبر ثلاثا عشرة أن
يخالف بين القراءتين
وقد روى خلاف ذلك أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق
عن إبراهيم بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن سعيد بن العاص دعاهم يوم عيد فدعا الأشعري وابن مسعود
وحذيفة بن اليمان
347

فقال إن اليوم عيدكم فكيف أصلي
قال حذيفة سل الأشعري وقال الأشعري سل عبد الله
فقال عبد الله تكبر وذكر الحديث وهو يكبر تكبيرة ويفتتح بها الصلاة
ثم يكبر بعدها ثلاثا ثم يقرأ ثم يكبر تكبيرة يركع بها ثم يسجد ثم يقوم فيقرأ ثم يكبر ثلاثا ثم يكبر تكبيرة يركع بها
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي موسى عن
عبد الله رضي الله عنه في التكبير يوم العيد فذكر نحو ذلك
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا هشام بن أبي عبد الله عن حماد عن إبراهيم عن علقمة
بن قيس قال خرج الوليد بن عقبة بن أبي معيط علي بن مسعود وحذيفة والأشعري فقال
إن العيد غدا فكيف التكبير
فقال بن مسعود رضي الله عنه فذكر نحو ذلك وزاد فقال الأشعري وحذيفة رضي الله عنهما صدق
أبو عبد الرحمن
فهذا حذيفة وأبو موسى رضي الله عنهما قد وافقا عبد الله على ما ذهب إليه من التكبير وكيفية
صلاة العيد
وقد روى خلاف ذلك أيضا عن عبد الله بن الزبير
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح عن ابن جريج قال ثنا يوسف بن ماهك أخبرني أن بن الزبير لم يكن
يكبر إلا أربعا سوى تكبيرتين للركعتين سمع ذلك منه زعم
فقد يحتمل أن يكون الأربع التي كان يكبرهن في الركعة الأولى سوى تكبيرة الافتتاح فيكون ما فعل من
ذلك موافقا لما ذهب إليه بن مسعود وحذيفة وأبو موسى ويحتمل أن تكون تكبيرة الافتتاح
داخلة فيهن فيكون ذلك مخالفا لمذهبهم
وأولى بنا أن نحمله على ما وافق قولهم لا على ما خالفه
وقد روى خلاف ذلك أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا الأشعث عن محمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال
تسع تكبيرات خمس في الأولى وأربع في الأخيرة مع تكبيرة الصلاة
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد قال ثنا هشيم قال أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن
مالك عن جده أنس بن مالك رضي الله عنه قال إذا كان في منزله بالطف فلم يشهد العيد إلى مصره جمع مواليه
وولده ثم يأمر مولاه عبد الله بن أبي عتبة فيصل بهم كصلاة أهل المصر فذكر مثل حديث عبد الله بن
348

الحارث عن ابن عباس رضي الله عنهما الذي ذكرناه في هذا الباب سواء
وقد روى عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما خلاف ذلك أيضا
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا سعيد عن قتادة عن جابر بن عبد الله ومسروق وسعيد
بن المسيب أنهم قالوا عشر تكبيرات مع تكبيرة الصلاة وبه يأخذ قتادة
وقد خالف ذلك غيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (0
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا ابن عون عن مكحول قال حدثني من أرسله سعيد بن العاص
فاتفق له أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على ثماني تكبيرات
فهذا الحديث هو الحديث الذي قد رويناه فيما تقدم من هذا الباب وفي الأربعة أبو موسى وحذيفة
رضي الله عنهما وقد صدقا أبا عبد الرحمن فيما أفتى به الوليد بن عقبة وفيما أفتى به أن تكبيرة الافتتاح سوى هذه
الثماني تكبيرات
فثبت بذلك أن التكبيرات التي في هذا الحديث وفي حديث الجوزجاني غير تكبيرة الافتتاح
فهذا ما روى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكبير العيدين
وقد روى عن تابعيهم في ذلك اختلاف
فمما روى عنهم في ذلك ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا عتاب بن بشير عن خصيف أن عمر بن
عبد العزيز رحمه الله كان يكبر سبعا وخمسا
فقال أهل المقالة الأولى فهذا عمر بن عبد العزيز قد وافق مذهبنا مذهبه
قيل لهم فقد روى عن أكثر التابعين خلاف هذا
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم أن
مسروق بن الأجدع رحمه الله كان يكبر في العيدين تسع تكبيرات
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا شعبة قال سمعت منصورا يحدث عن إبراهيم عن الأسود ومسروق أنهما كانا يكبران في العيدين
تسع تكبيرات
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا الأشعث عن الحسن رحمه الله قال تسع تكبيرات خمس في الأولى وأربع في الآخرة مع تكبيرة الصلاة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال
تسع تكبيرات
349

حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا شعبة قال سمعت حمزة أبا عمارة قال سمعت الشعبي رحمه الله
يقول ثلاثا ثلاثا سوى تكبيرة الصلاة حدثنا أبو بكرة قال ثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا يزيد بن إبراهيم قال ثنا محمد وهو بن
سيرين في تكبير العيدين فذكر مثل حديث تكبير بن مسعود رضي الله عنه ووافقه أيضا على الموالاة
بين القراءتين
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح عن ابن عون عن محمد بنحوه
فهذا أكثر من روينا عنه من التابعين قد وافق قوله قول بن مسعود رضي الله عنه
ولما اختلف في التكبير في صلاة العيدين هذا الاختلاف أردنا أن ننظر في ذلك لنستخرج من أقاويلهم
هذه قولا صحيحا
فنظرنا في ذلك فلم يرو عن أحد منهم أنه فرق بين الصلاة في الفطر والأضحى غير علي رضي الله عنه
وكانت صلاة الفطر وصلاة النحر صلاتي عيد مفعولتين لمعنى واحد وهما مستويتان في ركوعهما وسجودهما
فكان النظر أن يكونا سواء لا اختلاف بين إحداهما وبين الأخرى في سائر حكمهما
فثبت بما ذكرنا التسوية بين الصلاتين في يوم النحر ويوم الفطر
ثم نظرنا في عدد التكبير فيهما فرأينا سائر الصلوات خالية من هذا التكبير ورأينا صلاة العيدين قد أجمع
أن فيهما تكبيرات زائدة على غيرهما من الصلوات
فكان النظر أن لا يزاد في الصلاة للعيدين على ما في سائر الصلوات غيرهما إلا ما أتفق على زيادته فكل
قد أجمع على زيادة التسع تكبيرات على ما ذهب إليه بن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو موسى ومن
سمعنا معهم واختلفوا في الزيادة على ذلك 0 فزدنا في هذه الصلاة ما أتفق على
زيادته فيها ونفينا عنها ما لم يتفق على
زيادته فيها
فثبت بذلك ما ذهب إليه أهل هذه المقالة
ثم نظرنا في موضع القراءة منها فقال الذين ذهبوا إلى أنها في الركعة الأولى بعد التكبير وفي الثانية
كذلك قد رأيناكم قد اتفقتم ونحن أن القراءة في الركعة الأولى مؤخرة عن التكبير فالنظر أن تكون
في الثانية كذلك
فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأخرى أن التكبير ذكر يفعل في الصلاة وهو غير القراءة
فنظرنا في موضع الذكر من الركعة الأولى من الصلاة ومن الركعة الثانية أين موضعه
فوجدنا الركعة الأولى فيها الاستفتاح والتعوذ على ما قد روينا في غير هذا الموضع من كتابنا هذا
350

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن رويناه عنه من أصحابه فكان ذلك في أول الصلاة قبل القراءة
فثبت بذلك أن كذلك موضع التكبير في صلاة العيدين في الركعة الأولى هو ذلك الموضع منها
ووجدنا القنوت في الوتر يفعل في الركعة الأخيرة من صلاة الوتر فكل قد أجمع أنه بعد القراءة
وأن القراءة مقدمة عليه
وإنما اختلفوا في تقديم الركوع عليه وفي تقديمه على الركوع
فأما في تأخيره عن القراءة فلا
فثبت بذلك أن موضع التكبير من الركعة الآخرة من صلاة العيد هو بعد القراءة يستوي موضع سائر الذكر في الصلوات ويكون موضع كل ما اختلفوا في موضعه منه كموضع ما قد أجمع على موضعه
وكل ما بينا في هذا الباب فهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليم أجمعين
باب حكم المرأة في مالها
حدثنا يونس قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني الليث بن سعد عن عبد الله بن يحيى
الأنصاري عن أبيه عن جده أن جدته أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلي لها فقالت إني تصدقت بهذا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لا يجوز للمرأة في مالها أمر إلا بإذن زوجها فهل استأذنت زوجك
فقالت نعم
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل أذنت لامرأتك أن تتصدق بحليها هذا فقال نعم
فقبله منها رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا لا يجوز للمرأة هبة شئ من مالها ولا الصدقة به
دون إذن زوجها
وخالفهم في ذلك آخرون فأجازوا أمرها كله في مالها وجعلوها في مالها كزوجها في ماله
واحتجوا في ذلك يقول الله عز وجل وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن
شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا
فأباح الله للزوج ما طابت له به نفس امرأته
وبقوله عز وجل وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة
فنسف ما فرضتم إلا أن يعفون
351

فأجاز عفوهن عن مالهن بعد طلاق زوجها إياها بغير استئمار من أحد
فدل ذلك على جواز أمر المرأة في مالها وعلى أنها في مالها كالرجل في ماله
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق هذا المعنى أيضا
وهو ما قد رويناه في كتاب الزكاة في امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين أخذت حليها
لتذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتصدق به
فقال عبد الله رضي الله عنه هلمي تتصدقي به علي
فقالت لا حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنته في ذلك فقال تصدقي به عليه وعلى الأيتام الذين في حجره
فإنهم له موضع
فقد أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة بحليها على زوجها وعلى أيتامه ولم يأمرها باستئماره فيما تصدق
به على أيتامه
وفي هذا الحديث أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظ النساء فقال تصدقن ولم يذكر في ذلك
أمر أزواجهن
فدل ذلك أن لهن الصدقة بما أردن من أموالهن بغير أمر أزواجهن
وقد حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح وأبو الوليد قالا ثنا شعبة قال سمعت أيوب يحدث عطاء
قال أشهد علي بن عباس رضي الله عنهما
أو حدث به عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوم فطر فصلى ثم
خطب ثم أتى النساء فأمرهن أن يتصدقن
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عباس قال قلت لابن عباس
رضي الله عنهما شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال نعم ولولا مكاني منه ما شهدته من صغرى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد فصلى ثم خطب
ثم أتى النساء مع بلال رضي الله عنه فوعظهن
فجعلت المرأة تهوى بيدها إلى رقبتها والمرأة تهوى بيدها إلى إذنها فتدفعه إلى بلال رضي الله عنه وبلال
يجعله في ثوبه ثم انطلق به مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا ابن جريج قال حدثني الحسن بن مسلم عن طاوس
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال شهدت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان
فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب بعد
352

قال ونزل نبي الله صلى الله عليه وسلم فكأني أنظر إليه يجلس الرجل بيده ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء ومعه
بلال رضي الله عنه فقال يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله
شيئا إلى قوله غفور رحيم
فقال حين فرغ أنتن على ذلك
فقالت امرأة واحدة لم تجبه غيرها نعم يا رسول الله قال فتصدقن
فبسط بلال رضي الله عنه ثوبه ثم قال لهن ألقين فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال
رضي الله عنه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما قال سمعته يقولان النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس فلما
فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم قام فأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على بلال وبلال باسط ثوبه فجعل النساء
يلقين فيه صدقاتهن
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبيد بن جناد الحلبي قال ثنا عبيد الله بن عمرو رضي الله عنه
عن زيد بن أبي أنيسة عن زيد بن رفيع عن حرام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم
النساء ذات يوم فأمرهن بتقوى الله عز وجل والطاعة لأزواجهن وأن يتصدقن
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر النساء بالصدقات وقبلها منهن ولم ينتظر في ذلك رأي أزواجهن
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك أيضا
حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا بكير بن الأشج عن
كريب مولى بن عباس رضي الله عنهما قال سمعت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول أعتقت وليدة على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو أعطيتها أختك الاعرابية كان أعظم لاجرك
حدثنا ربيع قال ثنا أسد قال ثنا محمد بن حازم عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله
بن عبد الله عن ميمونة رضي الله عنها مثله
فلو كان أمر المرأة لا يجوز في مالها بغير إذن زوجها لرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاقها وصرف الجارية إلى
الذي هو أفضل من العتاق
فكيف يجوز لأحد ترك آيتين من كتاب الله عز وجل وسنن ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق على صحة
مجيئها إلى حديث شاذ لا يثبت مثله
ثم النظر من بعد يدل على ما ذكرنا
353

وذلك أنا رأيناهم لا يختلفون في المرأة في وصاياها من ثلث مالها أنها جائزة من ثلثها كوصايا الرجال
ولم يكن لزوجها عليها في ذلك سبيل ولا أمر وبذلك نطق الكتاب العزيز
قال الله عز وجل ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان
لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين
فإذا كانت وصاياها في ثلث مالها جائزة بعد وفاتها فأفعالها في مالها في حياتها أجوز من ذلك
فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين رضي الله عنهما
باب ما يفعله المصلي بعد رفعه من السجدة الأخيرة من الركعة الأولى
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو الربيع الزهراني قال ثنا حماد بن زيد قال حدثني أيوب عن
أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه كان يقول لأصحابه ألا أريكم كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإن ذلك لفي غير حين لصلاة
فقام فأمكن القيام ثم ركع فأمكن الركوع ثم رفع رأسه وانتصب قائما هنيهة ثم سجد ثم رفع
رأسه فتمكن في الجلوس ثم انتظر هنيهة ثم سجد
قال أبو قلابة فصلى كصلاة شيخنا هذا يعني عمرو بن سلمة رضي الله عنه
قال فرأيت عمرو بن سلمة يصنع شيئا لا أراكم تصنعونه إنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى
والثالثة التي لا يقعد فيها استوى قاعدا ثم قام
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أخبرنا خالد عن أبي
قلابة قال أخبرنا مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم
ينهض حتى يستوي قاعدا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى والثالثة
قعد حتى يطمئن قاعدا ثم يقوم بعد واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يقوم منها ولا ينتظر أن يستوي قاعدا
واحتجبوا في ذلك بما حدثني به غير واحد من أصحابنا رحمهم الله منهم علي بن سعيد بن بشر الرازق
قال ثنا أبو همام الوليد بن شجاع الكوفي قال ثنا أبي قال ثنا أبو خيثمة قال ثنا الحسين الكوفي
بن الحر قال حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك عن محمد بن عمرو بن عطاء رضي الله عنه حدثني مالك عن ابن عياش بن سهل الساعدي وكان في مجلس فيه أبوه وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي المجلس
أبو هريرة وأبو أسيد وأبو حميد الساعدي والأنصار أنهم تذاكروا الصلاة
354

فقال أبو حميد أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا فأرنا فقام يصلي وهم ينظرون فكبر ورفع يديه في أول التكبير ثم ذكر حديثا طويلا ذكر
فيه أنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى قام ولم يتورك
فلما جاء هذا الحديث على ما ذكرنا وخالف الحديث الأول احتمل أن يكون ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الحديث الأول لعلة كانت به فقعد من أجلها لا لان ذلك من سنة الصلاة كما قد كان بن عمر رضي الله
عنهما يتربع بالصلاة فلما سئل عن ذلك قال إن رجلي لا تحملاني
فكذلك يحتمل أن يكون ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك القعود كان لعلة أصابته حتى لا يضاد ذلك
ما روى عنه في الحديث الآخر ولا يخالفه
وهذا أولى بنا من حمل ما روى عنه على التضاد والتنافي
وحديث أبي حميد أيضا فيه حكاية أبي حميد ما حكى بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر ذلك عليه
أحد منهم
فدل ذلك أن ما عندهم في ذلك غير مخالف لما حكاه لهم
وفي حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه في كلام أيوب أن ما كان عمرو بن سلمة يفعل من ذلك لم يكن
يرى الناس يفعلونه وهو فقد رأى جماعة من جملة التابعين
فذلك حجة في دفع ما روى عن أبي قلابة عن مالك أن يكون سنة
ثم النظر من بعد هذا يوافق ما روى أبو حميد رضي الله عنه
وذلك أنا رأينا الرجل إذا خرج في صلاته من حال إلى حال استأنف ذكرا
من ذلك أنا رأيناه إذا أراد الركوع كبر وخر راكعا وإذا رفع رأسه من الركوع قال سمع الله
لمن حمده وإذا خر من القيام إلى السجود فقال الله أكبر وإذا رفع رأسه من السجود قال الله أكبر
وإذا عاد إلى السجود فعل ذلك أيضا وإذا رفع رأسه لم يكبر من بعد رفعه رأسه إلى أن يستوي قائما غير
تكبيرة واحدة
فدل ذلك أنه ليس بين سجوده وقيامه جلوس
ولو كان بينهما جلوس لاحتاج أن يكون تكبيره بعد رفعه رأسه من السجود للدخول في ذلك الجلوس
ولاحتاج إلى تكبير آخر إذا نهض للقيام
فلما لم يؤمر بذلك ثبت أن لا قعود بين الرفع من السجدة الأخيرة والقيام إلى الركعة التي بعدها ليكون
حكم ذلك وحكم سائر الصلوات مؤتلفا غير مختلف
355

فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهم أجمعين
باب ما يجب للمملوك على مولاه من الكسوة والطعام
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد ح
وحدثنا حسين بن نصر قال ثنا مهدي بن جعفر قالا ثنا حاتم بن إسماعيل قال ثنا يعقوب بن مجاهد
المدني أبو حزرة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال خرجت أنا وأبي نطلب هذا العلم في هذا الحي
من الأنصار قبل أن يهلكوا
فكان أول من لقينا أبو اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غلام له وعليه بردة ومعافري وعلى
غلامه بردة ومعافري
قال فقلت له يا عم لو أخذت بردة غلامك وأعطيته معافريك وأخذت معافريه وأعطيته بردتك
فكانت عليك حلة وعليه حلة
قال فمسح رأسي وقال اللهم بارك فيه
ثم قال يا بن أخي بصرت عيناي هاتان وسمعته أذناي هاتان ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول
أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون فكان إن أعطيته من متاع الدنيا أحب إلي من أن يأخذ من
حسناتي يوم القيامة
حدثنا محمد بن سنان الشيزري قال ثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي قال ثنا عيسى بن يونس عن
الأعمش عن المعرور بن سويد قال خرجنا حجاجا أو معتمرين فلقينا أبا ذر رضي الله عنه بالربذة فإذا عليه
برد وعلى غلامه برد مثله
فقلنا له يا أبا ذر لو أخذت هذا البرد إلى بردك لكانت حلة وكسوته بردا غيره
فقال أبو ذر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إخوانكم جعلهم الله عز وجل تحت أيديكم
فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه فإن كلفه
ما يغلبه فليعنه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن على الرجل أن يسوي بين مملوكه وبين نفسه في الطعام والكسوة
واحتجوا في ذلك بما رويناه في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما رويناه من مذهب أبي اليسر وأبي ذر
رضي الله عنهما الذي ذكرنا في ذلك
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا الذي يجب للمملوك على مولاه هو طعامه وكسوته لا غير ذلك مما
يوسع به الرجل على نفسه
356

واحتجوا في ذلك بما حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس الشافعي قال ثنا سفيان
بن عيينة قال ثنا ابن عجلان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عجلان أبي محمد عن أبي هريرة
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق
قالوا فهذا الذي يجب للمملوك على سيده
وكان أولى الأشياء بنا لما روى هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحمل ما رويناه قبله في هذا الباب على
ما يوافقه ما وجدنا إلى ذلك سبيلا
فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون قد يحتمل أن يكون أراد
بذلك الخبز والأدم والثياب من الكتان والقطن فإذا شركوا مواليهم في ذلك فقد أكلوا مما يأكلون ولبسوا
مما يلبسون فوافق ذلك معنى حديث أبي هريرة
وإنما تجب المساواة لو كان قال أطعموهم مثل ما تأكلون واكسوهم مثل ما تلبسون
فلو كان قال هذا لم يجز للموالي أن يفضلوا عبيدهم في طعام أو كسوة ولكنه إنما قال أطعموهم مما
تأكلون واكسوهم مما تلبسون
فلم يكن في ذلك وجوب المساواة بينهم في الكسوة والطعام وإنما فيه وجوب الكسوة مما يلبسون ووجوب
الطعام مما يأكلون وإن كانوا في ذلك غير متساويين
وقد دل على ذلك أيضا ما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس الشافعي عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه
فليجلسه فليأكل معه فإن أبى فليأخذ لقمة فليروعها ثم ليطعمها إياه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة
أو أكلتين أو قال لقمة أو لقمتين فإنه ولى حره وعلاجه
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وسع على المولى أن يطعم عبده من طعامه الذي قد ولى صنعته له عبده لقمة
واحدة ثم يستأثر هو بما بقي من ذلك الطعام بعد تلك اللقمة
فدل ذلك أن معنى ما أراد بقوله صلى الله عليه وسلم أطعموهم مما تأكلون إنه لم يرد المساواة وكذلك معنى قوله واكسوهم
مما تلبسون وأما
ما فعل أبو اليسر فعلى الاشفاق منه والخوف لا على غير ذلك
وهذا الذي صححنا عليه معاني هذه الآثار قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
357

باب إنشاد الشعر في المساجد
حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف قال حدثني الليث قال حدثني محمد بن عجلان عن
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنشد الاشعار في المسجد وأن
يباع فيه السلع وأن يتحلق فيه قبل الصلاة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى كراهة إنشاد الشعر في المساجد واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بإنشاد الشعر في المسجد بأسا إذا كان ذلك الشعر مما لا بأس بروايته
وإنشاده في غير المسجد
واحتجوا في ذلك بما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع أنه وضع لحسان منبرا
في المسجد
ينشد عليه الشعر وبما رويناه مع ذلك من حديث حسان رضي الله عنه حين مر به عمر رضي الله عنه وهو ينشد
الشعر في المسجد فزجره
فقال له حسان رضي الله عنه قد كنت أنشد فيه الشعر لمن هو خير منك وذلك بحضرة أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر ذلك عليه منهم أحد ولا أنكره عليه أيضا عمر رضي الله عنه
وكان حديث يونس الذي قد بدأنا بذكره في أول هذا الباب قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد
بذلك الشعر الذي نهى عنه أن ينشد في المسجد هو الشعر الذي كانت قريش تهجوه به
ويجوز أن يكون هو من الشعر الذي تؤبن فيه النساء وتزرأ فيه الأموال على ما قد ذكرناه في باب رواية
الشعر من جواب الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن الزبير رضي الله عنه بذلك حين أنكر عليهم
إنشاد الشعر حول الكعبة
وقد يجوز أيضا أن يكون أراد بذلك الشعر الذي يغلب على المسجد حتى يكون كل من فيه أو أكثر من
فيه متشاغلا بذلك كمثل ما تأول عليه بن عائشة وأبو عبيد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لان يمتلئ جوف أحدكم
قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا على ما قد ذكرنا ذلك عنهما في غير هذا الموضع
فيكون الشعر المنهي عنه في هذا الحديث هو خاص من الشعر وهو الذي فيه معنى من هذه
المعاني الثلاثة التي ذكرنا حتى لا يضاد ذلك ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إباحة ذلك وما عمل به
أصحابه من بعده
فإن قال قائل فإذا كان كما ذكرت فلم قصد إلى المسجد والذي ذكرت من الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم
358

والذي أبنت فيه النساء ورزئت فيه الأموال مكروه في غير المسجد ولو كان كما ذكرت لم يكن لذكره
في المسجد معنى
قيل له قد يجري الكلام كثيرا بذكر معنى فلا يكون ذلك المعنى بذلك الحكم الذي جرى في ذلك
الذكر مخصوصا
من ذلك قول الله عز وجل وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم
بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم
فذكر الربيبة التي قد كانت في حجر ربيبها فلم يكن ذلك على خصوصيتها لأنها كانت في حجره بذلك
الحكم وأخرجها منه إذا لم تكن في حجره
ألا ترى أنها لو كانت أسن منه أنها عليه حرام كحرمتها لو كانت صغيرة في حجره
وقال عز وجل أيضا في الصيد ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل
من النعم
فأجمعت العلماء إلا من شذ منهم أن قتله إياه ساهيا كذلك في وجوب الجزاء
فلم يكن ذكره ما ذكرنا من هاتين الآيتين يوجب خصوص الحكم
فكذلك ما روينا من ذكره المسجد في الشعر المنهي عن روايته ليس فيه دليل على خصوصية
المسجد بذلك
وكذلك أيضا ما نهي عنه من البيع في المسجد هو البيع الذي يعمه أو يغلب عليه حتى يكون كالسوق
فذلك مكروه
فأما ما سوى ذلك فلا
قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على إباحة العمل الذي ليس من القرب في المسجد
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال ثنا شريك عن منصور عن ربعي بن حراش
عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا معشر قريش ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن الله
به الايمان يضرب رقابكم على الدين
فقال أبو بكر رضي الله عنه أنا هو يا رسول الله قال لا
فقال عمر رضي الله عنه أنا هو يا رسول الله قال لا ولكنه خاصف النعل في المسجد
قال وكان قد ألقي إلى علي رضي الله عنه نعله يخصفها
359

أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عليا رضي الله عنه عن خصف النعل في المسجد وأن الناس لو اجتمعوا
حتى يعموا المسجد بخصف النعال كان ذلك مكروها
فلما كان ما لا يعم المسجد من هذا غير مكروه وما يعمه منه أو يغلب عليه مكروها كان ذلك في
البيع وإنشاد الشعر والتحلق فيه قبل الصلاة مما عمه من ذلك فهو مكروه وما لم يعمه منه ولم يغلب
عليه فليس بمكروه والله أعلم بالصواب
باب شراء الشئ الغائب
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عمر بن يونس بن القاسم اليمامي قال ثنا أبي عن إسحاق بن عبد الله
بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس عن سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد
عن أبي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع بن سليمان الجيزي قال ثنا حسان بن غالب ويحيى بن عبد الله بن بكير قالا حدثنا
يعقوب بن عبد الرحمن القارئ عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا ابتاع ما لم يره لم يجز ابتياعه إياه وذهبوا في ذلك إلى تأويل
تأولوه في هذا الحديث
فقال الملامسة ما لمسه مشتريه بيده من غير أن ينظر إليه بعينه
قالوا والمنابذة هي من هذا المعنى أيضا وهو قول الرجل للرجل انبذ إلى ثوبك وأنبذ إليك ثوبي
على أن كل واحد منهما مبيع لصاحبه من غير نظر من كل واحد من المشترين إلى ثوب صاحبه
وممن ذهب إلى هذا التأويل مالك بن أنس رحمه الله
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا من اشترى شيئا غائبا عنه فالبيع جائز وله فيه خيار الرؤية إن شاء
أخذه وإن شاء تركه وذهبوا في تأويل الحديث الأول إلى أن الملامسة المنهي عنها فيه هي بيع كان أهل الجاهلية يتبايعونه فيما بينهم فكان الرجلان يتراوضان على الثوب فإذا لمسه
360

المساوم به كان بذلك مبتاعا له
ووجب على صاحبه تسليمه إليه
وكذلك النابذة كانوا أيضا يتقاولون في الثوب وفيما أشبهه ثم يرميه ربه إلى الذي قاوله عليه
فيكون ذلك بيعا منه إياه ثوبه ولا يكون له بعد ذلك نقضه
فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دلك وجعل الحكم في البياعات أن لا يجب إلا بالمعاقدات المتراضى عليها
فقال البيعان بالخيار ما لم يتفرقا
فجعل إلقاء أحدهما إلى صاحبه الثوب قبل أن يفارقه غير قاطع لخياره
ثم اختلف الناس بعد ذلك في كيفية تلك الفرقة على ما قد ذكرنا من ذلك في موضعه من كتابنا هذا
وممن ذهب إلى هذا التأويل أبو حنيفة رضي الله عنه
ولما اختلفوا في ذلك أردنا أن ننظر فيما سوى هذا الحديث من الأحاديث هل فيه ما يدل على أحد القولين
اللذين ذكرنا
فنظرنا في ذلك
فإذا إبراهيم بن محمد الصيرفي قد حدثنا قال ثنا أبو الوليد الطيالسي قال ثنا حماد عن حميد عن
أنس رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد
فدل ذلك على إباحة بيعه بعدما يشتد وهو في سنبله لأنه لو لم يكن ذلك كذلك لقال حتى يشتد ويبرأ
من سنبله
فلما جعل الغاية في البيع المنهي عنه هي شدته ويبوسته دل ذلك أن البيع بعد ذلك بخلاف ما
كان عليه في البدء
فلما جاز بيع الحب المغيب في السنبل الذي لم يبع دل هذا على جواز بيع مالا يراه المتبايعان إذا كانا
يرجعان معه إلى معلوم كما يرجعان من الحنطة المبيعة المغيبة في السنبل إلى حنطة معلومة
وأولى الأشياء بنا في مثل هذا إذ كنا قد وقفنا على تأويل هذا الحديث واحتمل الحديث الآخر
موافقته أو مخالفته أن نحمله على موافقته لا على مخالفته
وقد حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب في تفسير
الملامسة والمنابذة
قال كان القوم يتبايعون السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها
والمنابذة أن يتنابذ القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها فهذا من أبواب القمار
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ربيعة قال كان هذا من أبواب القمار
فنهي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
361

فهذا الزهري وهو أحد من روى عنه هذا الحديث قد أجاز للرجل أن يشتري ما قد أخبر عنه وإن
لم يكن عاينه
ففي ذلك دليل على جواز إبتياع الغائب
فقال قائل ممن ذهب إلى التأويل الذي قدمنا ذكره في أول هذا الباب من أين أجزتم بيع الغائب
وهو مجهول
قيل له ما هو بمجهول في نفسه لأنه متى رجع إليه رجع إلى معلوم فهو كبيع الحنطة في سنبله
المرجوع منها إلى حنطة معلومة
وإنما الجهل في هذا هو جهل البائع والمشتري فأما المبيع في نفسه فغير مجهول
وإنما المجهول الذي لا يجوز بيعه هو المجهول في نفسه الذي لا يرجع منه إلى معلوم كبعض طعام غير مسمى
باعه رجل من رجل
فذلك البعض غير معلوم وغير مرجوع منه إلى معلوم فالعقد على ذلك غير جائز
وقد وجدنا البيع يجوز عقده على طعام بعينه على أنه كذا وكذا قفيزا والبائع والمشتري لا يعلمان
حقيقة كيله
فيكون من حقوق البيع وجوب الكيل للمشتري على البائع ولا يكون جهلهما به ويوجب وقوع البيع على
كيل مجهول إذا كانا يرجعان من ذلك إلى كيل معلوم
فذلك الطعام الغائب إذا بيع والمشتري والبائع به جاهلان لا يكون جهلهما به يوجب وقوع العقد على
شئ مجهول إذا كانا يرجعان منه إلى طعام معلوم
فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد روينا فيما تقدم من كتابنا هذا أن عثمان وطلحة رضي الله عنهما تبايعا مالا بالكوفة
فقال عثمان لي الخيار لأني بعت ما لم أر
وقال طلحة لي الخيار لأني ابتعت ما لم أر
فحكما رضي الله عنهما بينهما جبير بن مطعم فقضى الخيار لطلحة ولا خيار لعثمان رضي الله عنه
فاتفق هؤلاء الثلاثة بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على جواز بيع شئ غائب عن بائعه وعن مشتريه
وقد حدثنا فهد قال ثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال أخبرني سالم أن
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ركب يوما مع عبد الله بن بحينة وهو رجل من أزد شنوءة حليف لبني المطلب
بن عبد مناف وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض له بريم
362

فابتاعها منه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما على أن ينظر إليها وريم من المدينة على قريب من
ثلاثين ميلا
فهذا عبد الله بن عمر وعبد الله بن بحينة قد تبايعا ما هو غائب عنهما ورأيا ذلك جائزا
فإن قال قائل إنما جاز ذلك لاشتراط بن عمر رضي الله عنهما الخيار
قيل له إن ذلك الخيار لم يجب لابن عمر رضي الله عنهما من جهة الاشتراط ولو كان من جهة الاشتراط
وجب لكان البيع فاسدا
ألا ترى أن رجلا لو اشترى من رجل عبدا أو أرضا على أنه بالخيار فيها لا إلى وقت معلوم أن
البيع فاسد
وابن عمر رضي الله عنهما في هذا الحديث الذي رويناه عنه لم يشترط خيار الرؤية إلى وقت معلوم
فدل ذلك أن ذلك الخيار الذي اشترطه هو خيار يجب له يحق العقد وهو خيار الرؤية الذي ذهب إليه طلحة
وجبير فيما رويناه عنهما لا خيار شرط
وقد حدثنا فهد قال ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني يونس عن ابن شهاب عن سالم قال قال بن عمر رضي الله عنهما كنا إذا تبايعنا كان كل واحد منا بالخيار ما لم
يتفرق المتبايعان
قال فتبايعت أنا وعثمان فبعته مالا لي بالوادي بما له بخيبر
قال فلما بايعته طفقت أنكص على عقبي نكص القهقري خشية أن يترادني البيع عثمان قبل أن أفارقه
فهذا عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر قد تبايع ما هو غائب عنهما ورأيا ذلك جائزا
وذلك بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليهما منكر
حدثنا ربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا أبو الأحوص عن أشعث بن أبي الشعثاء عن
محمد بن عمير قال قال أبو هريرة رضي الله عنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين أن يقول الرجل للرجل
أنبذ إلي ثوبك
وأنبذ إليك ثوبي من غير أن يقلبا أو يتراضيا
ويقول دابتي بدابتك من غير أن يقلبا أو يتراضيا
ففي هذا الحديث إجازة البيع بالتراضي ودليل على أن المنابذة المنهي عنها ما ذهب إليه أبو حنيفة
رضي الله عنه لا ما ذهب إليه مخالفه والحمد لله رب العالمين
363

باب تزويج الأب ابنته البكر هل يحتاج في ذلك إلى استيمارها
حدثنا أبو زر عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال ثنا يونس بن أبي
إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت
فقد أذنت وإن أنكرت لم تكره
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبيد الله بن محمد التيمي قال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن
أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اليتيمة تستأمر فإن رضيت فلها رضاها وإن أنكرت
فلا جواز عليها
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو قال حدثني
أبو سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن للرجل أن يزوج ابنته البكر البالغة بغير أمرها ولا استئذانها ممن
رأى ولا رأى لها في ذلك معه عندهم
قالوا ولما قصد النبي صلى الله عليه وسلم في الأثرين المذكورين في أول هذا الباب بما ذكر فيهما من الصمات
والمحكوم له بحكم الاذن إلى اليتيمة وهي التي لا أب لها دل ذلك أن ذات الأب في ذلك بخلافها وأن أمر
أبيها عليها أوكد من أمر سائر أوليائها بعد أبيه
وممن ذهب إلى هذا القول مالك بن أنس رحمة الله عليه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ليس لولي البكر أبا كان أو غيره أن يزوجها إلا بعد استيماره إياها في
ذلك وبعد صماتها عند استيماره إياها
وقالوا ليس في قصد النبي صلى الله عليه وسلم في الأثرين المرويين في ذلك في أول هذا الباب إلى اليتيمة ما يدل أن غير
اليتيمة في ذلك على خلاف حكم اليتيمة
إذ قد يجوز أن يكون أراد بذلك سائر الأبكار اليتامى وغيرهن
وخص اليتيمة بالذكر إذ كان لا فرق بينها في ذلك وبين غيرها ولان السامع ذلك منه في اليتيمة البكر
يستدل به على حكم البكر غير اليتيمة
وقد رأينا مثل هذا في القرآن قال الله عز وجل فيما حرم من النساء وربائبكم اللاتي في حجورك من
نسائكم اللاتي دخلتم بهن
فذكر الربيبة التي في حجر الزوج فلم يكن ذلك على تحريم الربيبة التي في حجر الزوج دون الربيبة التي
هي أكبر منه
364

بل كان التحريم عليهما جميعا
فكذلك ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في البكر اليتيمة ليس على اليتيمة البكر خاصة بل هو على البكر
اليتيمة وغير اليتيمة
وكان ما سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك في اليتيمة البكر دليلا لهم أن ذات الأب فيه كذلك إذ
كانوا قد علموا أن البكر قبل بلوغها إلى أبيها عقد البياعات على أموالها وعقد النكاح على بضعها
ورأوا بلوغها يرفع ولاية أبيها عليها في العقود على أموالها فكذلك يرفع عنها العقود على بضعها
ومع هذا فقد روى أهل هذا المذهب لمذهبهم آثارا احتجوا له بها غير أن في بعضها طعنا على مذهب أهل
الآثار وأكثرها سليم من ذلك وسنأتي بها كلها وبعلها وفساد ما يفسده أهل الآثار منها في هذا الباب
إن شاء الله تعالى
فمما روى في ذلك مما طعن فيه أهل الآثار ما حدثنا أبو أمية ومحمد بن علي بن داود قالا ثنا الحسين
بن محمد المروزي قال ثنا جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا زوج
ابنته وهي بكر وهي كارهة فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فخيرها
فكان من طعن من يذهب إلى الآثار والتمييز بين رواتها وتثبيت ما روى الحفاظ منهم وإسقاط ما روى
من هو دونهم أن قالوا هكذا روى هذا الحديث جرير بن حازم وهو رجل كثير الغلط
وقد رواه الحفاظ عن أيوب على غير ذلك منهم سفيان الثوري وحماد بن زيد وإسماعيل بن علية
فذكروا في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبد الرحمن بن عبد الوهاب قال ثنا وكيع عن
سفيان عن أيوب السختياني عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين رجل وبين امرأة زوجها أبوها وهي
كارهة وكانت ثيبا
فثبت بذلك عندهم خطأ جرير في هذا الحديث من وجهين
أما أحدهما فإدخاله بن عباس فيه
وأما الآخر فذ كر فيه أنها كانت بكرا وإنما كانت ثيبا
وما روى في ذلك أيضا ما حدثنا أحمد بن أبي عمران وإبراهيم بن أبي داود وعلي بن عبد الرحمن قالوا أخبرنا
أبو صالح الحكم بن أبي موسى قال ثنا شعيب بن إسحاق الدمشقي عن الأوزاعي عن عطاء عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلا زوج ابنته وهي بكر بغير أمرها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما
فكان من حجة من يذهب في ذلك إلى تتبع الأسانيد أن هذا الحديث لا يعلم أن أحدا ممن رواه عن شعيب
ذكر فيه جابرا غير أبي صالح هذا
365

فممن رواه وأسقط منه جابرا علي بن معبد
حدثنا محمد بن العباس عن علي بن معبد عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم
مثله ولم يذكر جابرا
وقد رواه عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي فبين من فساده ما هو أكبر من هذا
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال أخبرنا عمرو بن أبي سلمة قال ثنا الأوزاعي عن إبراهيم بن مرة
عن عطاء بن أبي رباح عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
فصار هذا الحديث عن الأوزاعي عن إبراهيم بن مرة عن عطاء وإبراهيم بن مرة هذا فضعيف الحديث
ليس عند أهل الآثار من أهل العلم أصلا
ومما رووا في ذلك أيضا مما لا طعن لأحد فيه ما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا
أخبره ح وحدثنا إبراهيم بن مرزوق وصالح بن عبد الرحمن الأنصاري قالا أخبرنا القعنبي عبد الله بن مسلمة ح
وحدثنا محمد بن العباس قال ثنا القعنبي إسماعيل بن مسلمة قالا ثنا مالك بن أنس عن عبد الله بن الفضل
عن نافع بن جبير بن مطعم يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيم أحق
بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها
حدثنا الحسين بن نصر قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا حفص بن غياث عن عبد الله بن عبد الله
بن موهب عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا عيسى بن يونس عن ابن موهب فذكر
بإسناده مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل
سمع نافع بن جبير يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الثيب أحق بنفسها من
وليها والبكر تستأمر
فلما كانت الأيم المذكورة في هذا الحديث هي التي وليها أي ولي كان من أب أو غيره كان كذلك
البكر المذكورة فيه هي البكر التي وليها
أي ولي كان من أب أو غيره أي لم يكن غاية فيه وقياسه أن يكون غاية فكذلك البكر المقرونة إليها
وقد روى هذا الحديث عن صالح بن كيسا ن عن نافع بن جبير يلفظ غير هذا اللفظ
حدثنا فهد قال ثنا يحيى بن عبد الحميد قال ثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن صالح بن كيسان
عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس للأب مع الثيب أمر والبكر
تستأذن وإذنها صماتها
366

فهذا معناه معنى الأول سواء
والبكر المذكورة في هذا الحديث هي البكر ذات الأب كما أن الثيب المذكورة فيه كذلك
فهذا ما روي لنا في هذا الباب عن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأما عائشة رضي الله عنها فروى في ذلك عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا حجاج
بن محمد عن ابن جريج قال سمعت بن أبي مليكة يقول قال ذكوان مولى عائشة سمعت عائشة رضي الله
عنها تقول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها أتستأمر أم لا قال نعم تستأمر
فقلت إنها تستحيي فتسكت قال فذاك إذنها إذا هي سكتت
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سوى بين أهل البكر جميعا في تزويجها ولم يفصل في ذلك بين حكم أبيها
ولا حكم غيره من سائر أهلها
وأما أبو هريرة رضي الله عنه فروى في ذلك عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا أبو بكرة
قال ثنا أبو داود قال ثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال لا تنكح الثيب حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن
قالوا وكيف إذنها يا رسول الله قال الصمت
حدثنا أحمد بن داود قال أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الوهاب عن وكيع عن علي بن المبارك عن يحيى
بن أبي كثير فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم ح
وحدثنا محمد بن الحجاج وربيع المؤذن قالا ثنا بشر بن بكر قال ثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن
أبي كثير قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
فقد جمع في ذلك بين سائر الأولياء ولم يجعل للأب في ذلك حكما زائدا عن حكم من سواه منهم
فدل ذلك أن المعنى الذي ذكرنا في حديث أبي هريرة الذي رويناه عن محمد بن عمرو في أول هذا الباب
كما ذكرنا ليوافق معناه معنى هذا الحديث ولا يضاده
ولئن كان هذا الامر يؤخذ من طريق فضل بعض الرواة على بعض في الحفظ والاتقان والجلالة فإن
يحيى بن أبي كثير أجل من محمد بن عمرو وأتقن وأصح رواية لقد فضله أيوب السختياني على أهل زمان
ذكره فيه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا موسى بن إسماعيل المنقري قال ثنا وهيب بن خالد قال سمعت أيوب
يقول ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير رحمه الله
وليس محمد بن عمرو في هذه المرتبة ولا في قريب منها بل قد تكلم فيه جماعة منهم مالك بن أبي أنس
رحمه الله
367

فروى عنه ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا سليمان بن داود المنقري قال ثنا عبد الرحمن بن عثمان
البدراوي قال كنت عند مالك بن أنس فذكر عنده محمد بن عمرو
فقال حمله يعني الحديث فتحمل
وأما عدي الكندي فروى عنه في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب
قال حدثني الليث بن سعد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن عدي بن عدي الكندي عن
أبيه عدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الثيب تعرب عن نفسها والبكر رضاها صمتها
حدثنا بحر عن شعيب عن الليث بإسناده مثله
حدثنا يحيى بن عثمان قال ثنا عمرو بن الربيع بن طارق قال ثنا يحيى بن أيوب عن عبد الله
بن عبد الرحمن عن عدي بن عدي عن أبيه عن الفرس وهو بن عميرة وقد كان من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم مثله
فهذا كنحو ما روى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
فهذا تصحيح الآثار في هذا الباب قد دل أن أبا البكر لا يزوجها بعد بلوغها إلا كما يزوجها سائر
أوليائها بعده
وقد قدمنا من ذكر النظر في ذلك في أول هذا الباب ما يغنينا عن إعادته هاهنا فبذلك كله نأخذ نرى
أن لا يزوج أب البكر ابنته البكر البالغة إلا بعد استيماره إياها في ذلك وعند صماتها عند ذلك الاستيمار
وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد احتج قوم في ذلك بما روى في بنت نعيم بن النحام رضي الله عنه
حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم قال حدثني سعيد بن أبي مريم قال أخبرني بن لهيعة
عن يزيد بن أبي حبيب عن إبراهيم عن نعيم أن عبد الله بن النحام أخبره أن أباه أخبره عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اخطب على ابنة عبد الله بن النحام فقال له إن
له بن أخ ولم يكن لينكحك ويتركهم
فذهب بن عمر رضي الله عنهما إلى زيد بن الخطاب فكلمه فخطب عليه
فقال بن النحام ما كنت لأترب لحمي ودمي وأرفع لحمكم فأنكحها بن أخيه وكان هوى الجارية
وأمها بن عمر رضي الله عنهما
فذهبت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن أباها أنكحها ولم يؤامرها فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم نكاحها
368

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا على النساء في أنفسهن فكانت الجارية بكرا
فقال بن النحام يا رسول الله إنما يكرهونه من أجل أنه لا مال له فإن له في مالي مثل ما أعطاهم
بن عمر رضي الله عنهما
قالوا ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز عليها نكاح أبيها وهي كارهة له إذ كانت بكرا ولم يجعل لها مع
أبيها رأيا في عقد النكاح عليه قيل له لو كان هذا الحديث صحيحا ثابتا على ما روينا وكيف يكون ذلك كذلك
وقد رواه الليث بن سعد فخالف عبد الله بن لهيعة في إسناده وفي متنه
حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال حدثنا الليث بن سعد عن يزيد
بن أبي حبيب عن إبراهيم بن صالح بن عبد الله واسمه الذي يعرف به نعيم بن النحام ولكن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سماه صالحا أنه أخبره أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اخطب
على ابنة صالح فقال له إن له يتامى ولم يكن ليؤثرنا عليهم
فانطلق عبد الله إلى عمه زيد بن الخطاب ليخطب عليه فانطلق زيد بن الخطاب إلى صالح فقال إن
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أرسلني إليك يخطب ابنتك
فقال لي يتامى ولم أكن لأترب لحمي وأرفع لحمكم إني أشهدك أني قد أنكحتها فلانا وكان هوى أمها
في عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله خطب عبد الله بن عمر ابنتي فأنكحا
أبوها يتيما في حجره ولم يؤامرها
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صالح فقال أنكحت ابنتك ولم تؤامرها فقال نعم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا على النساء في أنفسهن وهي بكر فقال صالح إنما فعلت هذا لما أصدقها بن عمر
رضي الله عنهما فإن لها في مالي مثل ما أعطاها
ففي هذا الحديث الأول من الاسناد ومن المتن جميعا لان هذا الحديث إنما هو موقوف على إبراهيم بن صالح
والأول قد جوز به إبراهيم بن صالح إلى أبيه وإلى بن عمر رضي الله عنهما
فقد كان ينبغي على مذهب هذا المخالف لنا أن يجعل ما روى الليث بن سعد في هذا أولى مما رواه عبد الله
بن لهيعة لثبت الليث وضبطه وقلة تخليط حديثه ولما في حديث عبد الله بن لهيعة من ضد ذلك
وأما ما في متن هذا الحديث مما يخالف حديث عبد الله بن لهيعة فإن فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنعيم لما بلغه
ما عقد على ابنته من النكاح بغير رضاها أشيروا على النساء في أنفسهن فكان بذلك ردا على نعيم لان نعيما
لم يشاور ابنته في نفسها
فهذا اختلاف ما في حديث عبد الله بن لهيعة
369

فإن قال قائل فليس في هذا الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم فسخ النكاح
قيل له ذلك عندنا والله أعلم أن ابنة نعيم لم تحضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتسأله ذلك
وإنما كانت حضرته أمها لا عن توكيل منها إياها بذلك حتى كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم يجب لها به الكلام عنها
فكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من الكلام لنعيم على جهة التعليم
ولم يفسخ النكاح إذ كان في دلك من جهة القضاء وإن كان القضاء لا يجب إلا لحاضر باتفاق
المسلمين جميعا
ولقد روى الوليد بن مسلم عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا زوج ابنته
وهي بكر وهي كارهة فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه عنها
فكيف يجوز أن يجعل حديث نعيم بن النحام على ما رواه عبد الله بن لهيعة إذ كان قد رده إلى عبد الله بن عمر
وهذا واقع فقد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما خلاف ذلك
ثم قد وجدنا حديثا قد روى في أمر ابنة نعيم بن النحام ما يدل على أنها كانت أيما
حدثنا القاسم بن عبد الله بن مهدي قال ثنا أبو مصعب الزهري قال ثنا حاتم بن إسماعيل عن الضحاك
بن عثمان عن يحيى بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال
إني قد خطبت ابنة نعيم بن النحام وأريد أن تمشي معي فتكلمه لي
فقال عمر رضي الله عنه إني أعلم بنعيم منك إن عنده بن أخ له يتيما ولم يكن ليقض لحوم الناس
ويترب لحمه
فقال إن أمها قد خطبت إلي فقال عمر رضي الله عنه إن كنت فاعلا فاذهب معك بعمك زيد
بن الخطاب
قال فذهبا إليه فكلماه قال فكأنما يسمع مقالة عمر رضي الله عنه فقال مرحبا بك وأهلا وذكر
من منزلته وشرفه
ثم قال إن عندي بن أخ لي يتيم ولم أكن لأنقض لحوم الناس وأترب لحمي
فقالت أمها من ناحية البيت والله لا يكون هذا حتى يقضي به علينا رسول الله لي الله عليه وسلم أتحبس أيما من بني
عدي علي بن أخيك سفيه قالت وأضعيف
قال ثم خرجت حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر
370

فدعا نعيما فقص عليه كما قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنعيم صل رحمك وأرض أيمك وأمها فإن لهما من أمرها نصيبا
ففي هذا الحديث أن بنت نعيم بن النحام كانت أيما فذلك أبعد من أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز نكاح
أبيها عليها وهي كارهة وبالله التوفيق
باب المقدار الذي يحرم الصدقة على مالكه
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أيوب بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني ربيعة بن
يزيد عن أبي كبشة السلولي قال حدثني سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
من سأل الناس عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم
قلت يا رسول الله وما ظهر غنى
قال أن يعلم أن عند أهله ما يغديهم وما يعشيهم
حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال ثنا بشر بن بكر قال حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ثم ذكر مثله بإسناده
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن من ملك هذا المقدار حرمت عليه الصدقة ولم تحل له المسألة واحتجوا
في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا من ملك أوقية من الورق وهي أربعون درهما أو عدلها من الذهب
حرمت عليه الصدقة ولم تحل له المسألة ومن ملك ما دون ذلك لم تحرم عليه الصدقة
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن يزيد بن
أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول لرجل يسأل من
سأل منكم وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا والأوقية يومئذ أربعون درهما
وبما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا مالك بن أنس ثم ذكر بإسناده مثله
حدثنا يزيد قال ثنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان الثوري عن يزيد بن أسلم ثم ذكر
بإسناده مثله
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا من ملك خمسين درهما أو عدلها من الذهب حرمت عليه الصدقة
ولم تحل لهم المسألة ومن ملك ما دون ذلك لم تحرم عليه الصدقة
371

واحتجوا في ذلك بما حدثنا حسين بن نصر قال ثنا الفريابي ح
وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم قالا ثنا سفيان الثوري عن حكيم بن جبير عن
محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل
عبد مسألة وله ما يغنيه إلا جاءت شينا أو كدوحا أو خدوشا في وجهه يوم القيامة
قيل يا رسول الله وماذا غناه قال خمسون درهما أو حسابها من الذهب
حدثنا أحمد بن خالد البغدادي قال ثنا أبو هشام الرفاعي قال ثنا يحيى بن آدم قال ثنا سفيان
الثوري فذكر بإسناده مثله غير أنه قال كدوحا في وجهه ولم يشك وزاد فقيل لسفيان ولو كان عن غير
حكيم فقال حدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا من ملك مئتي درهم حرمت عليه الصدقة والمسألة ومن ملك دونها
لم تحرم عليه المسألة ولم تحرم عليه الصدقة أيضا
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو بكر الحنفي قال ثنا عبد الحميد بن جعفر قال
حدثني أبي عن رجل من مزينة أنه أتى أمه فقالت يا بني لو ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته
قال فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم يخطب الناس وهو يقول من استغنى أغناه الله ومن استعف
أعفه الله ومن سأل الناس وله عدل خمس أواق سأل إلحافا
قال أبو جعفر ولما اختلفوا في ذلك وجب الكشف عما اختلفوا فيه لنستخرج من هذه الأقوال
قولا صحيحا
فرأينا الصدقة لا تخلو من أحد وجهين
إما أن تكون حراما لا تحل من الأشياء المحرمات عند الضرورات إليها
أو تكون تحل له أن يملك مقدارا من المال فتحرم على مالكه
فرأينا من ملك دون ما يغديه أو دون ما يعشيه كانت الصدقة له حلالا باتفاق الفرق كلها
فخرج بذلك حكمها من حكم الأشياء المحرمات التي تحل عند الضرورة
ألا ترى أن من اضطر إلى الميتة أن الذي يحل له منها هو ما يمسك به نفسه لا ما يشجع حتى يكون له
غداء أو حتى يكون له عشاء
فلما كان الذي يحل من الصدقة هو بخلاف ما يحل من الميتة عند الضرورة ثبت أنها إنما تحرم على من
ملك مقدارا ما
فأردنا أن ننظر في ذلك المقدار ما هو فرأينا من ملك دون ما يعشى لم يكن بذلك غينا
372

وكذلك من ملك أربعين درهما أو خمسين درهما أو ما هو دون المئتي درهم فإذا ملك مئتي درهم
كان بذلك غنيا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه في الزكاة خذها من أغنيائهم
واجعلها في فقرائهم
فعلمنا بذلك أن مالك المئتين غني وأن ما دونها غير غني
فثبت بذلك أن الصدقة حرام على مالك المئتي درهم فصاعدا وأنها حلال لمن يملك ما هو دون ذلك وهو قول
أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب فرض الزكاة في الإبل السائمة فيما زاد على عشرين ومائة
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا حبيب بن أبي حبيب قال ثنا عمرو بن هرم قال
حدثني محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قال لما استخلف عمر بن عبد العزيز أرسل إلى المدينة يلتمس كتاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم في الصدقات وكتاب عمر
فوجد عند آل عمرو بن حزم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم في الصدقات
ووجد عند آل عمر كتاب عمر في الصدقات مثل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسخا
فحدثني عمرو أنه طلب آل محمد بن عبد الرحمن أن ينسخه ما في ذينك الكتابين فينسخ له ما في هذا الكتاب
فكان مما في ذلك الكتاب أن الإبل إذا زادت على تسعين واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى أن يبلغ
عشرين ومائة
فإذا بلغت الإبل عشرين ومائة فليس فيما زاد منها دون العشر شئ
فإذا بلغت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة إلى أن تبلغ أربعين ومائة
فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وابنة لبون إلى أن تبلغ خمسين ومائة
فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق ثم أجرى الفريضة كذلك حتى يبلغ ثلاثمائة
فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها من كل خمسين حقة ومن كل أربعين بنت لبون
قال أبو جعفر فذهب إلى هذا الحديث قوم فقالوا به
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ما زاد على العشرين والمائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين
بنت لبون
وتفسير ذلك أنه لو زادت الإبل بعيرا واحدا على عشرين ومائة وجب بزيادة هذا البعير حكم ثاني غير حكم العشرين والمائة
373

فوجب في كل أربعين بنت لبون ثم يجرون ذلك كذلك حتى تبلغ الزيادة تمام المائة والثلاثين فيجعلون فيها
حقة وبنتي لبون
ثم يكون ذلك كذلك حتى يتناهى الزيادة إلى أربعين ومائة فإذا كانت أربعين ومائة كان فيها حقتان
وبنت لبون إلى خمسين ومائة
فإذا كانت خمسين ومائة كان فيها ثلاث حقاق ثم يجرون الفرض في الزيادة على ذلك كذلك أبد
واحتجوا في ذلك من الآثار بما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني
أبي عن تمامة بن عبد الله عن أنس رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق لما استخلف وجه أنس بن
مالك رضي الله عنه وإلى البحرين فكتب له هذا الكتاب
هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله عز وجل بها رسوله فمن سئلها
من المؤمنين على وجهها فليعلمها ومن سئل فوقها فلا يعطه
كان في كتابه ذلك أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل
خمسين حقة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر الضرير قال ثنا حماد بن سلمة قال أرسلني ثابت البناني إلى ثمامة بن
عبد الله بن أنس الأنصاري رضي الله عنه ليبعث إليه بكتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي كتبه لأنس
بن مالك رضي الله عنه حين بعثه مصدقا
قال حماد فدفعه إلي فإذا عليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيه ذكر فرائض الصدقات ثم ذكر مثل حديث
بن مرزوق
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الحكم بن موسى أبو صالح قال ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود
قال حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم ثم ذكر فيما زاد
على العشرين والمائة من الإبل كذلك أيضا
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني عبد الله بن لهيعة عن عمارة بن غزية
الأنصاري عن عبد الله بن أبي بكر الأنصاري أخبره أن هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم
في الصدقات
فذكر فيما زاد على العشرين والمائة كذلك أيضا
حدثنا أحمد بن داود بن موسى قال حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء قال ثنا عبد الله بن المبارك
عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم
فرائض الإبل ثم ذكر فيما زاد على العشرين والمائة كذلك أيضا
374

حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذي كتب في الصدقة وهي عند آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أقرأنيها سالم وعد الله ابنا بن عمر
رضي الله عنهما فوعيتها على وجهها وهي الذي نسخ عمر بن عبد العزيز رحمه الله من سالم وعبد الله بن عمر
رضى الله إلى حين أمر على المدينة وأمر عماله بالعمل بها ثم ذكر هذا الحديث قالوا
وقد عمل بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وذكروا في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبد الله بن محمد بن إسماعيل قال ثنا عبد الله بن المبارك
عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يأخذ على هذا الكتاب
فذكر فرائض الإبل
وفيما ذكر منها أن ما زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ما زاد على العشرين والمائة من الإبل استؤنفت فيه الفريضة
فكان في كل خمس منها شاة حتى تتناهى الزيادة إلى خمس وعشرين فيكون فيها بنت مخاض إلى
تسع وأربعين ومائة
فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق ثم كذلك الزيادة ما كان دون الخمسين ففيها فرائض
مستأنفات على حكم أول فرائض الإبل فإذا كملت خمسين ففيها حقة
واحتجوا في ذلك من الآثار بما حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا حماد بن سلمة
قال قلت لقيس بن سعد أكتب لي كتاب أبي كر بن محمد بن عمرو بن حزم فكتبه لي في ورقة ثم جاء بها
وأخبرني أنه أخذه من كتاب أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه لجده عمرو بن
حزم رضي الله عنه في ذكر ما تخرج من فرائض الإبل فكان فيه أنه إذا بلغت تسعين ففيها حقتان إلى
أن تبلغ عشرين ومائة
فإذا كانت أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة فما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل فما كانت
أقل من خمس وعشرين ففيه الغنم في كل خمس ذود شاة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر الضرير قال ثنا حماد بن سلمة ثم ذكر مثله
قال أبو جعفر فلما اختلفوا في ذلك وجب النظر لنستخرج من هذه الثلاثة الأقوال قولا صحيحا
فنظرنا في ذلك فرأيناهم جميعا قد جعلوا العشرين والمائة نهاية لما وجب فيما زاد على التسعين
وقد رأيت ما جعل نهاية فيما قبل ذلك إذا زادت الإبل عليه شيئا وجب بزيادتها فرض غير
الفرض الأول
375

من ذلك أنما وجدناهم جعلوا في خمس من الإبل شاة ثم بينوا لنا أن الحكم كذلك فيما زاد على الخمس
إلى تسع
فإذا زادت واحدة أوجبوا بها حكما مستقبلا فجعلوا فيها شاتين
ثم بينوا لنا أن الحكم كذلك فيا زاد إلى أربع عشرة فإذا زادت واحدة أوجبوا بها حكما مستقبلا فجعلوا
فيها ثلاث شياه
ثم بينوا لنا أن الحكم كذلك فيما زاد إلى العشرين فإذا كانت عشرين ففيها أربع شياه
ثم أجروا الفرض كذلك فيما زاد إلى عشرين ومائة كلما أوجبوا شيئا بينوا أنه الواجب فيما أوجبوه فيه
إلى نهاية معلومة فكل ما زاد على تلك النهاية شئ انتقض به الفرض الأول إلى غيره أو إلى زيادة عليه
فلما كان كذلك وكانت العشرون والمائة قد جعلوها نهاية لما أوجبوه في الزيادة على التسعين ثبت أن
ما زاد على العشرين يجب به شئ إما زيادة على الفرض الأول وإما غير ذلك
فثبت بما ذكرنا فساد قول أهل المقالة الأولى وثبت تغير الحكم بزيادة على العشرين والمائة
ثم نظرنا بين أهل المقالة الثانية والمقالة الثالثة
فوجدنا الذين يذهبون إلى المقالة الثانية يوجبون بزيادة البعير الواحد على العشرين والمائة رد حكم جميع
الإبل إلى ما يجب فيه بنات اللبون في قولهم وهو ما ذكرنا عنهم أن في كل أربعين بنت لبون
فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الثالثة أنا رأينا جميع ما يزيد على النهايات المسماة في فرائض الإبل
فيما دون العشرين والمائة يتغير بتلك الزيادة الحكم وأن لتلك الزيادة حصة فيما وجب بها
من ذلك أن في أربع وعشرين أربعا من الغنم فإذا زادت واحدة كان فيها بنت مخاض إلى
خمس وثلاثين
فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون فكانت بنت المخاض واجبة في الخمس والعشرين لا في بعضها
وكذلك بنت اللبون واجبة في الستة والثلاثين كلها لا في بعضها وكذلك سائر الفروض في الإبل حتى
تتناهى إلى عشرين ومائة لا ينتقل الفرض بزيادة لا شئ فيها بل ينتقل بزيادة فيها شئ
ألا ترى أن في عشر من الإبل شاتين فإذا زادت بعيرا فلا شئ فيه ولا تتغير زيادته حكم العشرة
التي كانت قبله
فإذا كانت الإبل خمس عشرة كان فيها ثلاث شياه فكانت الفريضة واجبة في البعير الذي كمل به ما يجب
فيه ثلاث شياه وفيما قبله
376

فلما كان ما ذكرنا كذلك وكانت الإبل إذا زادت بعيرا واحدا على عشرين ومائة بعير فكل قد أجمع أنه
لا شئ في هذا البعير لان الذين أوجبوا استيناف الفريضة لم يوجبوا فيه شيئا ولم يغيروا به حكما
والذين لم يوجبوا استيناف الفريضة من أهل المقالة الثانية جعلوا في كل أربعين من العشرين والمائة بنت
لبون ولم يجعلوا في البعير الزائد على ذلك شيئا
فلما ثبت أن الفرض فيما قبل العشرين والمائة لا ينتقل إلا بما يجب فيه جزء من الفرض الواجب به وكان
البعير لزائد على العشرين والمائة لا يجب فيه شئ من فرض وجب به ثبت أنه غير مغير فرض غيره عما كان
عليه قبل حدوثه
فثبت بما ذكرنا قول من ذهب إلى المقالة الثالثة وممن ذهب إليها أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد
رحمة الله عليهم
وقد روى ذلك أيضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
حدثنا إسماعيل بن إسحاق بن سهل الكوفي قال ثنا أبو نعيم قال ثنا عبد السلام بن حرب عن
خصيف عن أبي عبيدة وزياد بن أبي مريم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
أنه قال في فرائض الإبل
إذا زادت على تسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا بلغت العشرين ومائة استقبلت الفريضة بالغنم في كل خمس شاة
فإذا بلغت خمسا وعشرين
ففرائض الإبل
فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة
وقد روى ذلك أيضا عن إبراهيم النخعي رحمه الله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر قال ثنا أبو عوانة عن منصور بن المعتمر قال قال إبراهيم النخعي
إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ردت إلى أول الفرض
فإن احتج أهل المقالة الثانية لمذهبهم فقالوا معنى الآثار المتصلة شاهدة لقولنا وليس ذلك مع مخالفنا
قيل لهم أما على مذهبكم فأكثرها لا يجب لكم به الحجة على مخالفكم لأنه لو احتج عليكم بمثل ذلك
لم تسوغوه إياه ولجعلتموه باحتجاجه بذلك عليكم جاهلا بالحديث
فمن ذلك أن حديث ثمامة بن عبد الله إنما وصله عبد الله بن المثنى وحده لا نعلم أحدا وصله غيره
وأنتم لا تجعلون عبد الله بن المثنى حجة ثم قد جاء حماد بن سلمة وقدره عند أهل العلم في العلم أجل من قدر عبد الله بن المثنى وهو ممن يحتج به
فروى هذا الحديث عن ثمامة منقطعا
فكان يجئ على أصولكم أن يكون هذا الحديث يجب أن يدخل في معنى المنقطع ويخرج من معنى
377

المتصل لأنكم تذهبون إلى أن زيادة غير الحافظ غير ملتفت إليها
وأما حديث الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فإنما رواه عن الزهري سليمان بن داود
وقد سمعت بن أبي داود يقول سليمان بن داود هذا وسليمان بن داود الحراني عندهم ضعيفان جميعا
وسليمان بن داود الذي يروى عن عمر بن عبد العزيز عندهم ثبت
ومما يدل أيضا على وهاء هذا الحديث أن أصحاب الزهري المأخوذ علمه عنهم مثل يونس بن يزيد ومن
روى عن الزهري في ذلك شيئا إنما روى عنه الصحيفة التي عند آل عمر رضي الله عنه
أفترى الزهري يكون فرائض الإبل عنده عن أبي بكر بن محمد بن حزم عن أبيه عن جده
وهم جميعا أئمة وأهل علم مأخوذ عنهم فيسكت عن ذلك ويضطره الامر إلى الرجوع إلى صحيفة عمر غير
مروية ليحدث الناس بها
هذا عندنا مما لا يجوز على مثله
فإن قال قائل فإن حديث معمر عن عبد الله بن أبي بكر حديث متصل لا مطعن لأحد فيه
قيل له ما هو متصل لان معمرا إنما رواه عن عبد الله
بن أبي بكر عن أبيه عن جده وجده محمد بن أبي بكر وهو لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ولا ولد إلا بعد أن كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب لأبيه لأنه إنما ولد
بنجران قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سنة عشر من الهجرة ولم ينقل في هذا الحديث إلينا أن محمد بن عمرو بن حزم
روى هذا الحديث عن أبيه
فقد ثبت انقطاع هذا الحديث أيضا والمنقطع فأنتم لا تحتجون به
فقد ثبت أن كل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب منقطع
فإن كنتم لا تسوغون لمخالفكم الاحتجاج بالمنقطع في غير هذا الباب فلم تحتجون عليه في هذا الباب
فلئن وجب أن يكون عدم الاتصال في موضع من المواضع يزيل قبول الخبر إنه ليجب أن يكون كذلك هو
في كل المواضع
ولئن وجب أن يقبل الخبر وإن لم يتصل إسناده لثقة من صمد به إليه
في باب واحد إنه ليجب أن يقبل في كل الأبواب
فإن قال قائل أما حديث عمرو بن حزم فقد اضطرب واختلف فيه فلا حجة فيه لواحد من أهل هذه
المقالات وغيره مما روى في هذا الباب أولى منه
قيل له ومن أين اضطرب حديث عمرو بن حزم أما قيس بن سعد قد رواه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عي ما قد ذكرنا عنه وقيس
حجة حافظ
378

وأما حديث الزهري الذي خالفه فإنما رواه عن الزهري من لا تقبلون أنتم روايته عن الزهري
لضعفه عندكم
وأما حديث معمر فإنما رواه عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه وعبد الله بن أبي بكر فليس في الثبت
والاتقان كقيس بن سعد
ولقد حدثني يحيى بن عثمان قال سمعت بن الوزير يقول سمعت الشافعي يقول سمعت سفيان بن عيينة
يقول كنا إذا رأينا الرجل يكتب الحديث عن واحد من أربعة ذكر فيهم عبد الله بن أبي بكر سخرنا منه
لأنهم كانوا لا يعرفون الحديث
فلما لم يكافئ عبد الله بن أبي بكر قيسا في الضبط والحفظ صار الحديث عندنا على ما رواه قيس لا سيما
وقد ذكر قيس أن أبا بكر بن محمد كتبه له والله أعلم
كتاب الوصايا
باب ما يجوز فيه الوصايا من الأموال وما يفعله المريض في مرضه الذي
يموت فيه من الهبات والصدقات والعتاق
حدثنا علي بن عبد الأعلى قال ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص
عن أبيه قال مرضت عام الفتح مرضا أشفيت منه على الموت
فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني فقلت يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنتي أفأتصدق
بمالي كله قال لا
قال أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال فالشطر قال لا قال فالثلث قال والثلث كثير
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا أبو بكر بن أبي بكر قال ثنا الحسين بن علي عن زائدة
عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه قال عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أوصى بمالي كله
قال لا قلت فالنصف قال لا قلت فالثلث قال نعم والثلث كثير
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر قال ثنا محمد بن فضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن قال
قال سعد ثم ذكر نحوه
قال أبو جعفر فتكلم الناس في الرجل هل يسعه أن يوصي بثلث ماله أو ينبغي أن يقصر عن ذلك
فقال قوم له أن يوصي بثلث ماله كاملا فيما أحب بما يجوز فيه الوصايا
واحتجوا في ذلك بإباحة النبي صلى الله عليه وسلم لسعد أن يوصي بثلث ماله بعد منعه أن يوصي بما هو أكثر من
ذلك على ما ذكرنا في الآثار
379

وبما حدثنا يونس بن عبد الأعلى وبحر بن نصر قالا ثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني طلحة
بن عمرو الحضرمي عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ا لله عز وجل جعل لكم ثلث
أموالكم آخر أعماركم زيادة في أعمالكم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ينبغي للموصي أن يقصر في وصيته عن ثلث ماله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
الثلث والثلث كثير
فمما روى في ذلك عمن ذهب إليه من المتقدمين ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد
عن هشام بن عروة عن عروة قال كان ابن عباس يقول استقصروا عن قول النبي صلى الله عليه وسلم إنه لكثير
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا حميد عن بكير بن عبد الله قال أقصيت
أبي حميد بن عبد الرحمن الحميري قال ما كنت لأقبل وصية رجل له ولد يوصى بالثلث
فمن الحجة لأهل المقالة الأولى على أهل هذه المقالة أن الوصية بالثلث لو كانت جورا إذا لأنكر رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذلك على سعد ولقال له أقصر عن الثلث فلما ترك ذلك كان قد أباحه إياه
وفي ذلك ثبوت ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى وممن ذهب إلى ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
ثم تكلم الناس بعد هذا في هبات المريض وصدقاته إذا مات في مرضه ذلك فقال قوم وهم أكثر العلماء هي من الثلث كسائر الوصايا وممن ذهب إلى ذلك أبو حنيفة
وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقالت فرقة هو من جميع المال كأفعاله وهو صحيح وهذا قول لم نعلم أحدا من المتقدمين قاله
وقد روينا فيما تقدم من كتابنا هذا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت نحلني أبو بكر جداد عشرين
وسقا من ماله بالعالية
فلما مرض قال لي إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي بالعالية فلو كنت جددتيه وحزتيه
كان لك وإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه بينكم على كتاب الله تعالى
فأخبر أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنها لو قبضت ذلك من ماله في ملكه ملكته وجعل ذلك غير
جائز كما لا تجوز الوصية لها ولم تنكر ذلك عائشة رضي الله عنها ولا سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدل ذلك أن مذهبهم جميعا فيه كان مثل مذهبه
فلو لم يكن ذهب إلى ما ذكرنا من الحجة لقولهم الذي ذهبوا إليه إلا ما في هذا الحديث وما ترك
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانكار في ذلك على أبي بكر لكان فيه أعظم الحجة
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك أيضا
380

حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال ثنا منصور بن زاذان عن
الحسن عن عمران بن حصين أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند الموت لا مال له غيرهم
فأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن
عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال ثنا عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب
وأيوب عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين وقتادة وحميد وسماك بن حرب عن الحسن عن
عمران بن حصين فذكر مثله
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا مسدد وسليمان بن حرب قالا ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي
قلابة عن أبي المهلب عن عمران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل العتاق في المرض من الثلث فكذلك الهبات والصدقات
وقد احتج بعض من ذهب إلى هذه المقالة أيضا بحديث الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم عاده في مرضه فقال أتصدق بمالي كله فقال لا حتى رده إلى الثلث على ما قد ذكرنا في أول
هذا الباب
قال ففي هذا الحديث أنه قد جعل صدقته في مرضه من الثلث كوصاياه من الثلث من بعد موته
ويدخل المخالفة عليه أن مصعب بن سعد روى هذا الحديث عن أبيه أن سؤاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك
إنما كان على الوصية بالصدقة بعد الموت على ما ذكرنا عنه في أول هذا الباب
فليس ما احتج هو به من حديث عامر بأولى مما احتج به عليه مخالفه من حديث مصعب
ثم تكلم الناس بعد هذا فيمن أعتق ستة أعبد له عند موته لا مال له غيرهم فأبى الورثة أن يجيزوا
فقال قوم يعتق منهم ثلثهم ويسعون فيما بقي من قيمتهم وممن قال ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف
ومحمد رحمهم الله تعالى
وقال آخرون يعتق منهم ثلثهم ويكون ما بقي منهم رقيقا لورثة المعتق
وقال آخرون يقرع بينهم فيعتق منهم من قرع من الثلث ورق من بقي
واحتجوا في ذلك بما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عمران
فكان من الحجة لأهل المقالتين الأوليين على أهل هذه المقالة أن ما ذكروا من القرعة المذكورة في حديث
381

عمران منسوخ لان القرعة قد كانت في بدء الاسلام لتستعمل في أشياء فحكم بها فيها ويجعل ما قرع
منها وهو الشئ الذي كانت القرعة من أجله بعينه
من ذلك ما كان علي بن بن أبي طالب رضي الله عنه حكم به في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمن
ما قد حدثنا إسماعيل بن إسحاق الكوفي قال ثنا جعفر بن عون أو يعلى بن عبيد أنا أشك عن
الشعبي عن عبد الله بن الأجلح عن عبد الله بن الخليل الحضرمي عن زيد بن أرقم قال بينا أنا عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل من اليمن وعلي يومئذ بها
فقال يا رسول الله أتى عليا ثلاثة نفر يختصمون في ولد قد وقعوا على امرأة في طهر واحد فأقرع بينهم
فقرع أحدهم فدفع إليه الولد
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه أو قال أضراسه
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر على علي رضي الله عنه ما حكم به في القرعة في دعوى النفر الولد
فدل ذلك أن الحكم حينئذ كان كذلك ثم نسخ بعد باتفاقنا واتفاق هذا المخالف لنا
ودل على نسخه ما قد رويناه في باب القافة من حكم علي في مثل هذا بأن جعل الولد بين المدعيين
جميعا يرثهما ويرثانه فدل ذلك أن الحكم كان يومئذ حكم على بما حكم في كل شئ مثل النسب الذي يدعيه
النفر والمال الذي يوصي به النفر بعد أن يكون قد أوصى به لكل واحد على حدة أو العتاق الذي يعتقه
العبيد في مرض معتقهم أن يقرع بينهم فأيهم قرع استحق ما أدعى وما كان وجب بالوصية والعتاق
ثم نسخ ذلك بنسخ الربا إذ ردت الأشياء إلى المقادير المعلومة التي فيها التعديل الذي لا زيادة فيه
ولا نقصان
وبعد هذا فليس يخلو ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من العتاق في المرض من القرعة وجعله إياه من
الثلث من أحد وجهين
إما أن يكون حكما دليلا على سائر أفعال المريض في مرضه من عتاقه وهباته وصدقاته
أو يكون ذلك حكما في عتاق المريض خاصة دون سائر أفعاله وهباته وصدقاته
فإن كان خاصا في العتاق دون ما سواه فينبغي أن لا يكون ما جعله النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من العتاق
في الثلث دليلا على الهبات والصدقات أنها كذلك فثبت قول الذي يقول إنها من جميع المال إذ كان النظر شهد له وإن كان هذا لا يدرك فيه خلاف ما قال
إلا بالتقليد ولا شئ في هذا الباب نقله غير هذا الحديث
382

وإن كان قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك العتاق في الثلث دليلا لنا على أن هبات المريض وصدقاته كذلك
فكذلك هو دليل لنا على أن القرعة قد كانت في ذلك كله جارية يحكم بها
ففي ارتفاعها عندنا وعند هذا المخالف لنا من الهبات والصدقات دليل أن ارتفاعها أيضا من العتاق
فبطل بذلك قول من ذهب إلى القرعة وثبت أحد القولين الآخرين
فقال من ذهب إلى تثبيت القرعة وكيف تكون القرعة منسوخة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل بها فيما
قد أجمع المسلمون على العمل بها فيه من بعده
فذكروا ما حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن راشد
عن الزهري عن عروة وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعلقمة بن وقاص عن عائشة
قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه
حدثنا فهد قال ثنا أبو صالح قال ثنا الليث قال حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب فذكر
بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق قال ثنا محمد
بن مسلم عن عروة بن الزبير عن عائشة وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعن علقمة بن وقاص وسعيد
بن المسيب وعبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة ويحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه
عن عائشة مثله
حدثنا محمد بن حميد قال ثنا سعيد بن عيسى بن تليد قال ثنا المفضل بن فضالة القتباني عن أبي الطاهر
عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمه عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال
حدثتني خالتي عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة مثله
قالوا فهذا ما ينبغي للناس أن يفعلوه إلى اليوم وليس بمنسوخ فما ينكرون أن القرعة في العتاق
في المرض كذلك قيل لهم قد ذكرنا في ذلك في موضعه ما يغني ولكنا نذكر ههنا ما فيه أيضا دليل أن لا حجة لكم
في هذا إن شاء الله تعالى
أجمع المسلمون أن للرجل أن يسافر إلى حيث أحب وإن طال سفره ذلك وليس معه أحد من نسائه وأن
حكم القسم يرتفع عنه بسفره
فلما كان ذلك كذلك كانت قرعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نسائه في وقت احتياجه إلى الخروج بإحداهن
لتطيب نفس من لا يخرج بها منهن وليعلم أنه لم يحاب التي خرج بها عليهن لأنه لما كان له أن يخرج ويخلفهن
383

جميعا كان له أن يخرج ويخلف من شاء منهن
فثبت بما ذكرنا أن القرعة إنما تستعمل فيما يسع تركها وفيما له أن يمضيه بغيرها
ومن ذلك الخصمان يحضران عند الحاكم فيدعى كل واحد منهما على صاحبه دعوى
فينبغي للقاضي أن يقرع بينهما فأيهما قرع بدأ بالنظر في أمره وله أن ينظر في أمر من شاء منهما
بغير قرعة
فكان الأحسن به لبعد الظن به في هذا استعمال القرعة كما استعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نسائه
وكذلك عمل المسلمون في أقسامهم بالقرعة فيما قد عدلوه بين أهلهم بما لو أمضوه بينهم لا ن قرعة
كان ذلك مستقيما
فأقرعوا بينهم لتطمئن قلوبهم وترتفع الظنة عمن تولى لهم قسمتهم
ولو أقرع بينهم على طوائف من المتاع الذي لهم قبل أن يعدل ويسوي قيمته على أملاكهم منه كان
ذلك القسم باطلا
فثبت بذلك أن القرعة إنما فعلت بعد أن تقدمها ما يجوز القسم به وأنها إنما أريدت لانتفاء الظن
لا بحكم يجب بها
فكذلك نقول كل قرعة تكون مثل هذا فهي حسنة وكل قرعة يراد بها وجوب حكم وقطع حقوق
متقدمة فهي غير مستعملة
ثم رجعنا إلى القولين الآخرين فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم في العبد إذا كان بين اثنين فأعتقه
أحدهما فإنه حر كله ويضمن إن كان موسرا أو إن كان معسرا
ففي ذلك من الاختلاف ما ذكرناه في كتاب العتاق ثم
وجدنا في حديث أبي المليح الهذلي عن أبيه أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم هو حر كله ليس له شريك
فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم العلة التي لها عتق نصيب صاحبه
فدل ذلك أن العتاق متى وقع في بعض العبد انتشر في كله
وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم في العبد بين اثنين إذا أعتقه أحدهما ولا مال له يحكم عليه فيه بالضمان
بالسعاية على العبد في نصيب الذي لم يعتق
فثبت بذلك أن حكم هؤلاء العبيد في المرض كذلك وأنه لما استحال أن يجب على غيرهم ضمان
ما جاوز الثلث الذي للميت أن يوصي به ويملكه في مرضه من حب من قيمتهم وجب عليهم السعاية
في ذلك للورثة وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
384

باب الرجل يوصي بثلث ماله لقرابته أو لقرابة فلان منهم
قال أبو جعفر اختلف الناس في الرجل يوصي بثلث ماله لقرابة فلان منهم القرابة الذين يستحقون
تلك الوصية
فقال أبو حنيفة رحمه الله هم كل ذي رحم محرم من فلان من قبل أبيه أو من قبل أمه غير أنه يبدأ
في ذلك بمن كانت قرابته منهم من قبل أبيه على من كانت قرابته منه من قبل أمه
وتفسير ذلك أن يكون للموصي لقرابته عم وخال فقرابة عمه من قبل أبيه كقرابة خاله منه من
قبل أمه فليبدأ في ذلك بعمه على خاله فيجعل الوصية له
وقال زفر رحمه الله الوصية لكل من قرب منه من قبل أبيه أو من قبل أمه دون من كان أبعد منه
وسواء كان في ذلك بين من كان منهم ذا رحم محرم وبين من كان ذا رحم غير محرم
وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى الوصية في ذلك لكل من جمعه وفلانا أب واحد
منذ كانت الهجرة من قبل أبيه أو من قبل أمه
وسواه في ذلك بين من بعد منهم وبين من قرب وبين من كانت رحمه غير محرمة
ولم يفضلا في ذلك من كانت رحمه من قبل الأب على من كانت رحمه من قبل الام
وقال آخرون الوصية في ذلك لكل من جمعه وفلانا أبوه الرابع إلى ما هو أسفل من ذلك
وقال آخرون الوصية في ذلك لكل من جمعه وفلانا أب واحد في الاسلام أو في الجاهلية ممن
يرجع بآبائه أو بأمهاته إليه أبا غير أب أو أما غير أم إلى أن تلقاه مما ثبتت به المواريث أو تقوم
به الشهادات
وإنما جوز أهل هذه المقالات الوصية للقرابة على ما ذكرنا من قول كل واحد منهم إذا كانت تلك القرابة
قرابة تحصي وتعرف
فإن كانت لا تحصي ولا تعرف فإن الوصية بها باطلة في قولهم جميعا إلا أن يوصي بها لفقرائهم فتكون
جائزة لمن رأى الوصي دفعها إليه منهم
وأقل من يجوز له أن يجعلها منهم اثنان فصاعدا في قول محمد بن الحسن رحمه الله
وقال أبو يوسف رحمه الله إن دفعها إلى واحد منهم أجزاه ذلك
فلما اختلفوا في القرابة منهم هذا الاختلاف وجب أن ننظر في ذلك لنستخرج من أقاويلهم هذه
قولا صحيحا
385

فنظرنا في ذلك فكان من حجة الذين ذهبوا إلى أن القرابة هم الذين يلتقونه ومن يقاربونه عند أبيه
الرابع فأسفل من ذلك
إنما قالوا ذلك فيما ذكروا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذي القربى أعطى بني هاشم وبني المطلب
وإنما يلتقي هو وبنو المطلب عند أبيه الرابع لأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
والآخرون بنو المطلب بن عبد مناف يلتقونهم وهو عند عبد مناف وهو أبوه الرابع
فمن الحجة عليهم في ذلك للآخرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أعطى بني هاشم وبني المطلب قد حرم
بني أمية وبني نوفل وقرابتهم منه كقرابة بني المطلب
فلم يحرمهم لأنهم ليسوا قرابة ولكن لمعنى غير القرابة
فكذلك من فوقهم لم يحرمهم لأنهم ليسوا قرابة ولكن لمعنى غير القرابة
ثم قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرابة من غير هذا الوجه ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا محمد بن
عبد الله الأنصاري قال ثنا حميد عن أنس قال لما نزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما
تحبون أو قال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا جاء أبو طلحة فقال يا رسول الله حائطي
الذي بمكان كذا وكذا لله ولو استطعت أن أسره لم أعلنه
فقال أجعله في فقراء قرابتك أو فقراء أهلك
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا محمد بن عبد الله قال حدثني أبي عن ثمامة قال قال أنس كانت
لأبي طلحة أرض فجعلها لله عز وجل
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها جعلها في فقراء قرابتك فجعلها لحسان وأبي
قال أبي عن ثمامة عن أنس قال فكانا أقرب إليه مني
فهذا أبو طلحة قد جعلها لأبي وحسان وإنما يلتقي هو وأبي عند أبيه السابع
لان أبا طلحة اسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك
بن النجار
وأبي بن كعب بن قيس بن عتيك بن زيد بن معاوية بن عون بن مالك بن النجار
فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي طلحة ما فعل من ذلك
فدل ما ذكرنا على أن من كان يلقى الرجل إلى أبيه الخامس أو السادس أو إلى من فوق ذلك من الآباء
المعروفين قرابة له كما أن من يلقاه إلى أب دونه قرابة أيضا
وقد أمر الله عز وجل نبيه أيضا صلى الله عليه وسلم أن ينذر عشيرته الأقربين
فروى عنه في ذلك ما حدثنا محمد بن عبد الله بن مخلد الأصفهاني قال ثنا عباد بن يعقوب قال
386

ثنا عبد الله بن القدوس عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عباد قال قال علي لما أنزلت *
(وأنذر عشيرتك الأقربين
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي أجمع لي بني هاشم وهم أربعون رجلا أو أربعون إلا رجلا
ثم ذكر الحديث
ففي هذا الحديث أنه قصد بني أبيه الثالث
وقد روى عنه أيضا في ذلك ما حدثنا محمد بن عبد الله بن مخلد أبو الحسن الأصبهاني قال ثنا محمد
بن حميد الرازي قال ثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال عن
عمرو بن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
غير أنه قال أجمع لي بني عبد المطلب قال وهم أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه
ففي هذا الحديث أنه قصد بني أبيه الثاني
وقد روى عنه أيضا في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا مسدد قال ثنا يزيد بن زريع قال
حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن قبيصة بن مخارق وزهير بن عمرو قالا لما نزلت وأنذر
عشيرتك الأقربين انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رضمة من جبل فعلا أعلاها ثم قال يا بني عبد مناف
إني نذير
ففي هذا الحديث أنه قصد بني أبيه الرابع
وقد روي عنه أيضا في ذلك ما حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو الأسود وحسان بن غالب قالا
ثنا همام عن موسى بن وردان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا بني هاشم يا بني قصي يا
بني عبد مناف أنا النذير والموت المغير والساعة الموعود
ففي هذا الحديث أنه دعا بني أبيه الخامس
وقد روى عنه أيضا في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد وعفان عن أبي عوانة
عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين
قام نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من
النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم
من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها
ففي هذا الحديث أنه دعاهم معهم بني أبيه السابع لأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن
عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي
387

وقد روى عنه أيضا في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص بن غياث قال حدثني أبي عن الأعمش
عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين
صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني عدي يا بني فلان لبطون من قريش
حتى اجتمعوا
فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر وجاء أبو لهب وقريش فاجتمعوا
فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم تصدقوني
قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا
قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد
ففي هذا الحديث أنه دعا بطون قريش كلها
وقد روى مثل ذلك عن أبي هريرة
حدثنا يونس قال ثنا سلامة بن روح قال ثنا عقيل قال حدثني الزهري قال قال سعيد وأبو سلمة
بن عبد الرحمن إن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه وأنذر عشيرتك الأقربين
يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله
لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني
عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئا
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد وأبو سلمة
أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله غير أنه قال يا صفية يا فاطمة
ففي هذا الحديث أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين دعا عشائر قريش
وفيهم من يلقاه عند أبيه الثاني وفيهم من يلقاه عند أبيه الثلث وفيهم من يلقاه عند أبيه الرابع وفيهم من
يلقاه عند أبيه الخامس وفيهم من يلقاه عند أبيه السادس وفيهم من يلقاه عند آبائه الدين فوق ذلك إلا أنه
ممن قد جمعته وإياه قريش
فبطل بذلك قول أهل هذه المقالة وثبت إحدى المقالات الاخر
ونظرنا في قول من قدم من قرب رحمه على من هو أبعد رحما منه
فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذوي القربى عم به بني هاشم وبني المطلب وبعض بني هاشم أقرب
إليه من بعض وبعض بني المطلب أيضا أقرب إليه من بعض
388

فلما لم يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك من قرب رحمه منه على من هو أبعد إليه رحما منه وجعلهم
كلهم قرابة له لا يستحقون ما جعل الله عز وجل لقرابته
فكذلك من بعدت رحمه في الوصية لقرابة فلان لا يستحق بقرب رحمه منه شيئا مما جعل لقرابته إلا كما
يستحق سائر قرابته ممن رحمه منه أبعد من رحمه فهذه حجة
وحجة أخرى أن أبا طلحة لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل أرضه في فقراء القرابة جعلها
لحسان ولأبي
وإنما يلتقي هو وأبي عند أبيه السابع ويلتقي هو وحسان عند أبيه الثالث
ولان حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام
وأبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام
فلم يقدم أبو طلحة في ذلك حسانا لقرب رحمه منه على أبي لبعد رحمه منه ولم يروا أحدا منهما مستحقا
لقرابته منه في ذلك منه إلا كما يستحق منه الآخر
فثبت بذلك فساد هذا القول
ثم رجعنا إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذوي القربى أعطى
بني هاشم جميعا وفيهم من رحمه منه رحم محرمة وفيهم منه من رحمه منه غير محرمة
وأعطى بني المطلب معهم وأرحامهم جميعا منه غير محرمة
وكذلك أعطى أبو طلحة أبيا وحسانا ما أعطاهما على أنهما قرابة ولم يخرجهما من قرابته ارتفاع
الحرمة من رحمهما منه
فبطل بذلك أيضا ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله
ثم رجعنا إلى ما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد رحمهما الله فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى سهم ذوي
القربى بني هاشم وبني المطلب ولا يجتمع هو وواحد منهم إلى أب منذ كانت الهجرة
وإنما يجتمع هو وهم عند آباء كانوا في الجاهلية
وكذلك أبو طلحة وأبي وحسان لا يجتمعون عند أب إسلامي وإنما يجتمعون عند أب كان في الجاهلية
ولم يمنعهم ذلك أن يكونوا قرابة له يستحقون ما جعل للقرابة
فكذلك قرابة الموصي لقرابته لا يمنعهم من تلك الوصية إلا أن لا يجمعهم وإياه أب منذ كانت الهجرة
فبطل بذلك قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وثبت القول الآخر
389

فثبت أن الوصية بذلك لكل من توقف على نسبه أبا غير أب وأما غير أم حتى يلتقي هو والموصي لقرابته
إلى جد واحد في الجاهلية أو في الاسلام بعد أن يكون أولئك للآباء يستحق بالقرابة هم المواريث
في حال ويقوم بالانسان منهم الشهادات على سياقه ما بين الموصي لقرابته وبينهم من الآباء ومن الأمهات
فهذا القول هو أصح القولين عندنا
كتاب الفرائض
باب الرجل يموت ويترك بنتا وأختا وعصبة سواها
حدثنا محمد بن خزيمة قال أنا المعلى بن أسد قال ثنا وهب بن خالد عن ابن طاوس عن أبيه
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألحقوا المال بالفرائض فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أمية بن بسطام قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا روح بن القاسم عن
عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولم يذكر
بن عباس
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا سفيان الثوري فذكر بإسناده مثله
حدثنا علي بن زيد قال ثنا عبدة بن سليمان قال أنا معمر وسفيان عن ابن طاوس
فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن رجلا لو مات وترك ابنته وأخاه لأبيه وأخته لأبيه وأمه كان
لابنته النصف وما بقي فلأخيه لأبيه وأمه دون أخته لأبيه وأمه واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وقالوا أيضا لو لم يكن مع الابنة أخ وكانت معها أخت وعصبة كان للابنة النصف وما بقي فللعصبة
وإن بعدوا واحتجوا في ذلك أيضا بما روى عن ابن عباس
حدثنا علي بن زيد قال ثنا عبدة بن سليمان قال أنا ابن المبارك عن معمر عن بطاوس قال أخبرني
أبي عن ابن عباس أنه قال قال الله عز وجلان أمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها
نصف ما ترك
قال بن عباس فقلتم أنتم لها النصف وإن كان له ولد
390

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل للابنة النصف وما بقي بين الأخ والأخت للذكر مثل
حظ الأنثيين
وإن لم يكن مع الابنة غير الأخت كان للابنة النصف وللأخت ما بقي
وكان من الحجة لهم في ذلك أن حديث بن عباس الذي ذكروا على ما ذكرنا في أول هذا الباب ليس
معناه عندنا على ما حملوه عليه
ولكن معناه عندنا والله أعلم ما أبقت الفرائض بعد السهام فلأولى رجل ذكر كعمه وعم فالباقي
للعم دون العمة لأنهما في درجة واحدة متساويان في النسب وفضل العم على العمة في ذلك بأن
كان ذكرا
فهذا معنى قوله ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر وليس الأخت مع أخيها بداخلين في ذلك
والدليل على ما ذكرنا من ذلك أنهم أجمعوا في بنت وبنت بن وابن بن أن للابنة النصف وما بقي
فبين بن الابن وابنة الابن للذكر مثل حظ الأنثيين
ولم يجعلوا ما بقي بعد نصيب الابنة لابن الابن خاصة دون ابنة الابن
ولم يكن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر على ذلك إنما هو على
غيره
فلما ثبت أن هذا خارج منه باتفاقهم وثبت أن العم والعمة داخلان في ذلك باتفاقهم إذ جعلوا ما بقي بعد
نصيب الابنة للعم دون العمة ثم اختلفوا في الأخت مع الأخ فقال قوم هما كالعمة مع العم وقال آخرون هما كابن الابن
وابنة الابن
فنظرنا في ذلك لنعطف ما اختلفوا فيه منه على ما أجمعوا عليه
فرأينا الأصل المتفق عليه أن بن الابن وابنة الابن لو لم يكن غيرهما كان المال بينهما للذكر مثل
حظ الأنثيين
فإذا كان معهما ابنة كان لها النصف وكان ما بقي بعد ذلك النصف بين بن الابن وابنة الابن
على مثل ما يكون لهما من جميع المال لو لم يكن معهما ابنة
وكان العم والعمة لو لم يكن معهما ابنة كان المال باتفاقهم للعم دون العمة
فإذا كانت هناك ابنة كان لها النصف وما بقي بعد ذلك فهو للعم دون العمة
فكان ما بقي بعد نصيب الابنة للذي كان يكون له جميع المال لو لم يكن ابنة
391

فلما كان ذلك كذلك وكان الأخ والأخت لو لم يكن معهما ابنة كان المال بينهما للذكر مثل
حظ الأنثيين
فالنظر على ذلك أن يكونا كذلك إذا كانت معهما ابنة فوجب لها نصف المال لحق فرض الله عز وجل
لها وأن يكون ما بقي بعد ذلك النصف بين الأخ والأخت كما كان يكون لهما جميع المال لو لم يكن ابنة
قياسا ونظرا على ما ذكرنا من ذلك
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد دل على ما ذكرنا
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون وعبيد الله بن موسى العيسى ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن يوسف الفريابي قال أنا سفيان عن أبي قيس عن هذيل بن
شرحبيل قال أتى سليمان بن ربيعة وأبو موسى الأشعري في ابنة وابنة بن وأخت
فقالا للابنة النصف وللأخت النصف ثم قالا إيت عبد الله فإنه سيبتاعنا فأتاه
فقال عبد الله لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ولكن سأقضي فيها بما قضى به
رسول الله صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة للثلثين وما بقي فل لأخت
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن أبي قيس عن هذيل مثله
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للأخوات من قل الأب مع الابنة عصبة فيصرن مع البنات
في حكم الذكور من الاخوة من قبل الأب
فصار قول النبي صلى الله عليه وسلم فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر لأنه عصبة ولا عصبة أقرب منه
فإذا كان هناك عصبة هي أقرب من ذلك الرجل فالمال لها
وعلى هذا المعنى ينبغي أن يحمل هذا الحديث حتى لا يخالف حديث بن مسعود هذا ولا يضاده
وسبيل الآثار أن تحمل على الاتفاق ما وجد السبيل إلى ذلك ولا تحمل على التنافي والتضاد
ولو كان حديث بن عباس على ما حمله عليه المخالف لنا وجب على مذهبه أن يضاد به حديث بن مسعود
لان حديث بن مسعود هذا مستقيم الاسناد صحيح المجئ وحديث بن عباس مضطرب الاسناد لأنه قد قطعه من ليس بدون من رفعه على ما ذرنا في أول
هذا الباب
وأما ما احتجوا به من قول الله عز وجل إن أمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف
ما ترك فقالوا إنما ورث الله عز وجل للأخت إذا لم يكن له ولدا
فالحجة عليهم في ذلك أن الله عز وجل قال أيضا وهو يرثها إن لم يكن لها ولد
392

وقد أجمعوا جميعا على أنها لو تركت بنتها وأخاها لأبيها كان للابنة النصف وما بقي فللأخ
وأن معنى قول الله عز وجل إن لم يكن لها ولد إنما هو على ولد يحوز كل الميراث لا على الولد
الذي لا يحوز كل الميراث
فالنظر على ذلك أيضا أن يكون قوله عز وجل إن أمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها
نصف ما ترك هو على ولد يحوز جميع الميراث لا على ولد لا يحوز جميع الميراث
فأما ما احتجوا به من مذهب بن عباس في ذلك فإنه خالف فيه سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سواه
فمما روى عنهم في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا ابن لهيعة عن عقيل
أنه سمع بن شهاب يخبر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زيد بن ثابت أن عمر بن الخطاب قسم الميراث
بين الابنة والأخت نصفين
حدثنا علي بن زيد قال ثنا عبدة بن سليمان قال أنا ابن المبارك قال أنا يحيى بن أيوب قال أنا يزيد
بن أبي حبيب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم المال شطرين بين
الابنة والأخت
حدثنا علي قال ثنا عبدة قال أنا ابن المبارك قال أنا إسرائيل عن جابر عن الشعبي عن علي
وعبد الله في ابنة وأخت للابنة النصف وللأخت النصف
وقال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مثل ذلك إلا بن عباس وابن الزبير
حدثنا علي بن شيبة قال أنا يزيد بن هارون وأبو نعيم قالا ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم
عن مسروق عن عبد الله في ابنة وأخت وجد قال من أربعة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن أشعث بن أبي الشعثاء قال سمعت الأسود
بن يزيد يقول قضى فينا معاذ باليمن في رجل ترك ابنته وأخته فأعطى الابنة النصف وأعطى
الأخت النصف
قال شعبة وأخبرني الأعمش قال سمعت إبراهيم يحدث عن الأسود قال قضى فينا معاذ باليمن
ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي مثله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا سفيان الثوري عن أشعث بن أبي الشعثاء
عن الأسود بن يزيد قال قضى بن الزبير في ابنة وأخت فأعطى للابنة النصف وأعطى للعصبة
سائر المال
فقلت إن معاذا قضى فينا باليمن فأعطى للابنة النصف وأعطى للأخت النصف
393

فقال عبد الله بن الزبير فائت رسولي إلى عبد الله بن عتبة فتحدثه بهذا الحديث وكان قاضي الكوفة
فهذا عبد الله بن الزبير قد رجع عن قوله الذي وافق فيه بن عباس إلى قول الآخرين
حدثنا صالح بن عبد الرحمن وروح بن الفرج قالا ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو الأحوص عن
أشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن يزيد قال قدم معاذ إلى اليمن فسئل عن ابنة وأخت فأعطى للابنة
النصف وللأخت النصف
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا سفيان الثوري عن معبد بن خالد عن مسروق
عن عائشة رضي الله عنها في ابنتين وبنات بن وبني بن وفي أختين لأب وأم وإخوة وأخوات لأب
أنها أشركت بين بنات الابن وبني الابن وبني الاخوة والأخوات من الأب فيما بقي
قال وكان عبد الله لا يشرك بينهما
وقال قوم في ابنة وعصبة إن للابنة جميع المال ولا شئ للعصبة
فكفى بهم جهلا في تركهم قول كل الفقهاء إلى قول لم يعلم أنه قال به قبلهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا من تابعيهم مع أن ما ذهبوا إليه من ذلك فساده بنص القرآن لان الله عز وجل يقول يوصيكم الله
في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين
فبين الله عز وجل لنا بذلك كيف حكم الأولاد في المواريث إذا كانوا ذكورا أو إناثا
ثم قال الله عز وجل فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك فبين لنا حكم الأولاد
في المواريث إذا كانوا نساء
ثم قال الله عز وجل فإن كانت واحدة فلها النصف
فبين لنا كم ميراث الابنة الواحدة فلما بين لنا مواريث الأولاد على هذه الجهات علمنا بذلك أن حكم ميراث الواحدة لا يخرج من هذه
الجهات الثلاث
واستحال أن يسمي الله عز وجل للابنة النصف وللبنات الثلثين ولهن أكثر من ذلك إلا لمعنى آخر يبينه
في كتابه أو على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أبان في مواريث ذوي الأرحام
ولو كانت الابنة ترث المال كله دون العصبة لما كان لذكر الله عز وجل النصف معنى ولأهمل
أمرها كما أهمل الابن
فلما بين لها ما ذكرنا كان توقيفا منه عز وجل إيانا على ما سمى لها من ذلك هو سهمها كما كان ما سمى
للأخوات من قبل الأب والام بقوله وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل
واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فمهم شركاء في الثلث
394

فكان ما بقي بعد الذي سمى لهن للعصبات
وكذلك ما سمى للزوج والمرأة فيما بقي بعد الذي سمى لهما للعصبة
فكذلك الابنة أيضا ما بقي بعد الذي سمى لها للعصبة هذا دليل قائم صحيح في هذه الآية
ثم رجعنا إلى قوله عز وجل إن أمرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلم يبين لنا عز وجل ههنا
من ذلك الولد
فدلنا ما تقدم من قوله في الآية التي وقفنا فيها على أنصباء الأولاد أن ذلك الولد هو ما تقدم من الولد الذي سمى له الفرض في الآية الأخرى
ثم قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرنا أيضا
حدثنا يونس بن عبد الأعلى وبحر بن نصر قالا ثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني داود بن قيس
عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله أن امرأة سعد بن الربيع أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت
يا رسول الله إن سعدا قتل معك وترك ابنتيه وتركني وأخاه فأخذ أخوه ماله وإنما يتزوج النساء بما لهن
فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أعط امرأته الثمن وابنتيه الثلثين ولك ما بقي
حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن
جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فقد وافق هذا أيضا ما ذكرنا وبهذا كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله يقولون وبه
نقول أيضا
باب مواريث ذوي الأرحام
حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن
رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رجل هلك وترك عمته وخالته
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على حماره فوقف ثم رفع يديه وقال اللهم رجل هلك وترك عمته وخالته
فيسأله الرجل ويفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات ثم قال لا شئ لهما
حدثنا بحر بن نصر قال ثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني حفص بن ميسرة وهشام بن سعد
وعبد الرحمن بن زيد عن زيد بن أسلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم دعي إلى جنازة من الأنصار حتى إذا جاءها قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك قالوا ترك عمته وخالته
395

ثم تقدم فقال قفوا الحمار فوقفوا الحمار فقال اللهم رجل ترك عمته وخالته فلم ينزل عليه شئ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أجد لهما شيئا حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم ومحمد بن
عبد الرحمن بن المحبر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال أتى رجل من أهل العالية رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله إن رجلا هلك وترك عمة وخالة فانطلق فقسم ميراثه
فتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار فقال يا رب رجل
ترك عمة وخالة ثم سار هنيهة ثم قال يا رب رجل ترك عمة وخالة ثم سار هنيهة ثم قال يا رب رجل ترك عمة وخالة ثم قال لا أرى ينزل علي شئ لا
شئ لهما
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا مات وترك ذا رحم ليس بعصبة ولم يترك عصبة غيره أنه
لا يرث من ماله شيئا واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا يرث ذو الرحم إذا لم يكن عصبة بالرحم الذي بينه وبين الميت كما يورث
بالرحم الذي يدلي فيكون للعمة الثلثان وللخالة الثلث لأنها تدلي برحم الام
وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذا الحديث الذي يحتج به عليهم
مخالفهم حديث منقطع ومن مذهب هذا المخالف لهم ن لا يحتج بمنقطع
فكيف يحتج عليهم بما لو احتجوا به عليهم لم يسوغوهم إياه
ثم لو ثبت هذا الحديث لم يكن فيه أيضا عندنا حجة في دفع مواريث ذوي الأرحام لأنه قد يجوز لا شئ
لهما أي لا فرض لهما مسمى كما لغيرهما من النسوة اللاتي يرثن كالبنات والأخوات والجدات فلم ينزل
عليه شئ فقال لا شئ لهما على هذا المعنى
ويحتمل أيضا لا شئ لهما لا ميراث لهما أصلا لأنه لم يكن نزل عليه حينئذ وأولوا الأرحام
بعضهم أولى ببعض في كتاب الله
فلما نزلت عليه جعل لهما الميراث
فإنه قد روى عنه في مثل هذا أيضا ما حدثنا فهد قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبدة بن سليمان
عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حيان قال توفي بن الدحداح وكان
أتيا وهو الذي ليس له أصل يعرف فقال رسول الله لعاصم بن عدي هل تعرفون له فيكم نسبا
قال لا يا رسول الله
396

فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة بن عبد المنذر بن أخيه فأعطاه ميراثه
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ورث أبا لبابة من ثابت برحمه الذي بينه وبينه
فثبت بذلك مواريث ذوي الأرحام ودل سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى في حديث عطاء بن
يسار عن العمة والخالة هل لهما ميراث أم لا أنه لم يكن نزل عليه شئ فيما تقدم في ذلك
فثبت بما ذكرنا تأخر حديث واسع هذا عن حديث عطاء بن يسار فكان ناسخا له
فإن قلتم إن حديث واسع هذا منقطع
قيل لكم وحديث عطاء بن يسار منقطع أيضا فمن جعلكم أولى يثبت المنقطع فيما يوافقكم من
مخالفكم فيما يوافقه
وقد روى مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار متصلة الأسانيد
منها ما حدثنا علي بن شيبة قال ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال ثنا وكيع قال ثنا سفيان ح
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير قال ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث
بن عياش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم عن عبادة بن حنيف عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن
رجلا رمى رجلا بسهم فقتله وليس له وارث إلا خال
فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب
فكتب عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله ورسوله مولى من لا ولي له والخال وارث من
لا وارث له
حدثنا أبو أمية قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عمرو بن مسلم عن طاوس عن عائشة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخال وارث من لا وارث له
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم فذكر بإسناده مثله ولم يرفعه
حدثنا أبو يحيى بن أحمد بن زكريا بن الحارث بن أبي ميسرة المكي قال ثنا أبي قال ثنا هشام
بن سليمان عن ابن جريج فذكر بإسناده مثله قال أبو يحيى وأراه قد رفعه
حدثنا فهد قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة قال يزيد العقيلي أخبرني عن راشد بن سعد
عن أبي عامر الهوزني عن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك
كلا فعلي
397

قال شعبة ربما قال قال ومن ترك مالا فلورثته وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وارثه
والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه
حدثنا ابن أبي ميسرة قال ثنا بدل بن المخبر قال ثنا شعبة ثم ذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن بديل فذكر بإسناده
مثله إلا أنه قال أرث ماله وأفك عانه والخال وارث من لا وارث له ويفك عانه
حدثنا ابن أبي ميسرة قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد فذكر مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا معاوية بن صالح قال حدثني راشد بن سعد أنه سمع المقدام
بن معد يكرب يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الله ورسوله مولى من لا مولى له يرث ماله ويفك
عنوه والخال وارث من لا وارث له يرث ماله ويفك عنوه
فهذه آثار متصلة قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يوافق ما روى الواسع بن حبان ويخالف
ما روى عطاء بن يسار
وقد شد ذلك كله وبينه قول الله عز وجل وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله فقال المخالف لنا لا دليل لكم في هذه الآية على ما ذهبتم إليه من هذا لان الناس كانوا يتوارثون
بالتبني كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فكان من فعل هذا ورث المتبني ماله دون سائر أرحامه
وكان الناس يتعاقدون في الجاهلية على أن الرجل يرث الرجل فأنزل الله عز وجل وأولوا الأرحام بعضهم
أولى ببعض في كتاب الله دفعا لذلك وردا للمواريث إلى ذوي الأرحام وقال أدعوهم لآبائهم
هو أقسط عند الله
وذكروا في ذلك ما حدثنا علي بن زيد قال ثنا عبدة بن سليمان قال ثنا ابن المبارك قال أخبرنا
بن عون عن عيسى بن الحارث قال كان لأخي شريح بن الحارث جارية فولدت جارية فشبت فزوجها
فولدت غلاما وماتت الجدة
فاختصم شريح والغلام إلى شريح قال فجعل شريح يقول ليس له ميراث في كتاب الله تعالى إنما هو
بن بنت وقضى للغلام بالميراث قال وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله
قال فركب ميسرة بن زيد إلى عبد الله بن الزبير فحدثه بالذي قضى به شريح قال
فكتب بن الزبير إلى شريح إن ميسرة حدثني أنك قضيت كذا وقلت عند ذلك وأولوا الأرحام
398

بعضهم أولى ببعض في كتاب الله تعالى فإنما كانت تلك الآيات في العصبات في الجاهلية
وكان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول ترثني وأرثك فلما نزلت هذه الآية ترك ذلك
قال فقدم الكتاب إلى شريح فقرأه وقال إنما أعتقها حيتان بطنها وأبى أن يرجع عن قضائه
وكان من الحجة للآخرين على أهل هذه المقالة أن عبد الله بن الزبير قد أخبر في حديثه هذا أنهم كانوا
يتوارثون بالتعاقد دون الأنساب فأنزل الله عز وجل ردا لذلك وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض
في كتاب الله
فكان في هذه الآية دفع الميراث بالعاقدة وإيجابه لذوي الأرحام دونهم
ولم يبين لنا في هذه الآية أن ذوي الأرحام هم العصبة أو غيرهم
فقد يحتمل أن يكونوا هم العصبة ويحتمل أن يكون كل ذي رحم على ما جاء في تفصيل المواريث في
غير هذا الحديث
فلما كان ما ذكرنا كذلك ثبت أن لا حجة لأحد الفريقين في هذا الحديث وإنما هذا الحديث حجة على
ذاهب لو ذهب إلى ميراث المتعاقدين بعضهم من بعض لا غير ذلك فهذا معنى حديث بن الزبير
وقد ذهب أهل بدر إلى مواريث ذوي الأرحام
فمما روي عنهم في ذلك ما ذكرناه فيما تقدم من كتابنا هذا عن عمر في كتابه إلى أبي عبيدة بن الجراح
فلم يذكر أبو عبيدة ذلك عليه فدل أن مذهبه فيه كان كمذهبه
وقد حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا داود بن أبي هند عن الشعبي قال اتي زياد
في رجل مات وترك عمته وخالته فقال هل تدرون كيف قضى عمر فيها
قالوا لا
قال والله إني لأعلم الناس بقضاء عمر فيها جعل العمة بمنزلة الأخ والخالة بمنزلة الأخت فأعطى العمة
الثلثين والخالة الثلث
حدثنا علي قال ثنا يزيد قال أنا يزيد بن إبراهيم والمبارك بن فضالة عن الحسن عن عمر أنه
جعل للعمة الثلثين وللخالة الثلث
حدثنا علي قال ثنا يزيد قال أنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن مسروق قال أتى عبد الله
في إخوة لام وأم فأعطى الاخوة من ألام الثلث وأعطى الام سائر المال وقال الام عصبة من لا عصبة له
وكان لا يرد على الاخوة لام مع الام ولا على ابنة بن مع ابنة الصلب ولا على أخوات لأب مع أخت لأب
وأم ولا على جدة ولا على زوج
399

حدثنا علي قال ثنا يزيد قال أنا قيس بن الربيع عن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن مسروق
عن عبد الله قال الخالة والدة
حدثنا علي قال ثنا يزيد قال ثنا حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد أن
عمر قضى للعمة الثلثين وللخالة الثلث
حدثنا علي قال ثنا يزيد قال ثنا حميد الطويل عن بكر عن عبد الله عن عمر مثله
حدثنا علي قال ثنا يزيد قال أنا سفيان الثوري عن منصور عن فضيل عن إبراهيم قال كان عمر
وعبد الله يورثان الأرحام دون الولاء قلت إن كان علي رضي الله عنه يفعل ذلك
قال كان علي رضي الله عنه أشدهم في ذلك
حدثنا علي قال ثنا يزيد قال أنا عبيدة عن حبان الجعفي عن سويد بن غفلة أن رجلا مات
وترك ابنة وامرأة ومولاة
قال سويد إني جالس عند علي إذ جاءته مثل هذه القصة فأعطى ابنته النصف وامرأته الثمن ثم
ردما بقي على ابنته ولم يعط المولى شيئا
حدثنا علي بن زيد قال ثنا عبدة بن سليمان قال أنا ابن المبارك قال أنا سفيان عن حبان الجعفي
قال كان عند سويد بن غفلة فذكر مثله
حدثنا علي قال ثنا عبدة قال أنا ابن المبارك قال أنا شريك عن جابر عن أبي جعفر قال كان
علي يرد بقية المواريث على ذوي السهام من ذوي الأرحام
حدثنا علي قال ثنا عبدة قال أنا ابن المبارك قال أنا سفيان عن مطرف عن الشعبي قال أتى زياد
في عم لام وخالة
فقال ألا أخبركم بقضاء عمر فيها أعطى العم للام الثلثين وأعطى الخالة الثلث
حدثنا علي بن زيد قال ثنا عبدة قال أنا ابن المبارك قال أنا شعبة عن سليمان قال قال عبد الله
بن مسعود للعمة الثلثان وللخالة الثلث
قلت أسمعته من إبراهيم قال هو أدل ما سمعته منه
حدثنا علي قال ثنا عبدة قال ثنا ابن المبارك عن شعبة عن المغيرة عن إبراهيم عن عبد الله مثله
فهذا هؤلاء أهل بدر قد ورثوا ذوي الأرحام بأرحامهم وإن لم يكونوا عصبة
فإن كان إلى التقليد فتقليد هؤلاء أولى وإن كان إلى ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ذكرنا ما روى
عنه في هذا الباب
وإن كان إلى النظر فإنا قد رأينا العصبة يرثون إذا كانوا ذكورا ورأينا بعضهم إذا كان له من القرب
400

ما ليس لبعض كان بذلك القرب أولى بالميراث ممن هو أبعد منه
وكان المسلمون إذا لم يكن للميت عصبة يرثونه جميعا
فإذا كان بعضهم أقرب إليه من بعض فالنظر على ما ذكرنا أن يكون من قرب منه أولى بالميراث ممن
هو أبعد منه من المتوفي من المسلمين
فثبت بالنظر أيضا ما ذكرنا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد ذكرنا في هذه الآثار التي رويناها عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلافا بينهم في بعضها وبعد
اجتماعهم على الوراثة بالأرحام التي لا تعصب أهلها فممن اختلفوا فيه من ذلك في ميراث ذوي الأرحام دون الموالي
وقد ذكرنا ذلك عن عمر وعلي وعبد الله
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك
حدثنا علي بن زيد قال ثنا عبدة قال أنا ابن المبارك قال أنا أبان بن ثعلب عن الحكم عن عبد الله
بن شداد بن الهاد أن ابنة حمزة أعتقت مولى لها فمات المولى وتركها وترك ابنته فأعطاها النبي صلى الله عليه وسلم
النصف وأعطى بنت حمزة النصف
حدثنا علي قال ثنا عبدة قال ثنا ابن المبارك قال أنا شعبة عن الحكم قال سمعت عبد الله بن شداد
يقول هي أختي ثم ذكر مثله
حدثنا علي قال ثنا عبدة قال أنا ابن المبارك قال أنا سفيان عن سلمة بن كهيل قال انتهيت إلى
عبد الله بن شداد وهو يحدث القوم يقول هي أختي
فسألتهم فقالوا كان مولى لابنة حمزة ثم ذكر مثله
حدثنا علي قال ثنا عبدة قال أنا ابن المبارك قال أنا سفيان عن منصور بن حيان الأسدي عن
عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي قال ثنا عبدة قال أنا ابن المبارك قال أنا جرير بن حازم عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب
وأبي فزارة قالا ثنا عبد الله بن شداد فذكر مثله
ثم قال هل تدرون ما بيني وبينها هي أختي من أمي كانت أمنا أسماء بنت عميس الخثعمية
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ورث بنت حمزة مولاها ما بقي بعد نصيب ابنته بحق فرض الله عز وجل لها
ولم يرد ما بقي على البنت
فدلت هذه الآثار أن مولى العتاقة أولى بالميراث من الرحم الذي ليس بعصبة وقد روى مثل هذا أيضا
عن علي
401

حدثنا علي بن زيد قل ثنا عبدة قال انا بن المبارك قال أخبرنا فطر عن الحكم بن عتيبة قال
قضى علي في أناس منا في من ترك ابنته ومولاته فأعطى ابنته النصف والمولاة النصف حدثنا علي قال ثنا عبدة قال أنا ابن المبارك قال أنا سفيان عن سلمة بن كهيل قال رأيت المرأة التي
ورثها علي من أبيها النصف وورث مولاها النصف
وهذا هو النظر أيضا عندنا لأنا رأينا المولى إذا لم يكن معه بنت ورث بالتعصيب كما ترث العصبة من
ذوي الأرحام
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك هو إذا كانت معه ابنة يرث معها كما ترث العصبة من ذوي الأرحام
فهذا هو النظر في هذا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وأما ما ذكرناه أيضا عن عبد الله من أنه كان لا يرد على إخوة لام مع أم شيئا ولا على ابنة بن مع ابنة
الصلب ولا على أخوات لأب مع أخوات لأب وأم شيئا
فقد ذكرنا عن علي رضي الله عنه خلاف ذلك وأنه كان يرد بقية المواريث على ذوي السهام من
ذوي الأرحام
فإن النظر عندنا في ذلك ما ذهب إليه علي لأنهم جميعا ذوو أرحام
وقد رأيناهم في فرائضهم التي فرضها الله عز وجل لهم فقد ورثوها جميعا بأرحام مختلفة
ولم يكن بعضهم بقرب رحمه أولى بالميراث من غيره منهم ممن بعد رحمه
فالنظر على ذلك أن يكونوا جميعا فيما يرد عليهم من فضول المواريث كذلك وأن لا يقدم من قرب رحمه
علي من كان أبعد رحما من الميت منه
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد روى عن إبراهيم فيما ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعطائه بنت حمزة النصف وبنت مولاها النصف
أن ذلك إنما كان طعمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنة حمزة
حدثنا بذلك فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا حسن بن صالح عن منصور عن إبراهيم
وهذا عندنا كلام فاسد لان ابنة مولى ابنة حمزة إن كان وجب لها جميع ميراث أبيها برحمها منه فمحال
أن يطعمه النبي صلى الله عليه وسلم بنت حمزة
وإن كان ذلك لم يجب لها كله وإنما وجب لها نصفه فما بقي بعد ذلك النصف راجع إلى من أعتقه
وهي ابنة حمزة
402

فاستحال ما ذكر إبراهيم في ذلك وثبت أن ما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنت حمزة كان بالميراث لا بغيره
فإن قال قائل فقد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا آثار في توريث من ليس بعصبة ولا رحم
فذكر ما حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار رضي الله عنه قال سمعت عوسجة مولى بن عباس يحدث عن ابن عباس أن رجلا مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يترك قرابة إلا عبدا هو أعتقه فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه
قال فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ورث المولى الأسفل من المولى الأعلى وأنتم لا تقولون بهذا
قيل له إنه ليس في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المولى الأسفل يرث المولى الأعلى
وإنما فيه أنه دفع ميراثه وهو تركته إليه وليس كما روى عنه في الخال أنه قال هو وارث من
لا وارث له
فقد يحتمل وجوها
منها أن يكون دفعه إليه لأنه ورثه إياه بمال الميت عليه من الولاء
ويحتمل أن يكون مولاه ذا رحم له فدفع إليه ماله بالرحم وورثه له لا بالولاء
ألا تراه يقول في الحديث ولم يترك قرابة إلا عبدا هو أعتقه
فأخبر أن العبد كان قرابة له فورثه بالقرابة
ويحتمل أن يكون دفع إليه ميراثه لان الميت كان أمر بذلك فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله حيث
أمر بوضعه فيه كما قد روى عن عبد الله بن مسعود
فإنه حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش عن الشعبي عن عمرو بن شرحبيل
قال قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إنه ليس من حي من العرب أحرى أن يموت الرجل منهم ولا يعرف
له وارث منكم معشر همدان فإذا كان كذلك فليضع ماله حيث أحب
قال الأعمش فذكرت ذلك لإبراهيم فقال حدثني همام بن الحارث عن عمرو بن شرحبيل رضي الله عنه
عن عبد الله مثله
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي عمرو
الشيباني عن ابن مسعود مثله
حدثنا عبد الرحمن قال ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله مثله
حدثنا سليمان قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت أبا عمرو الشيباني
يحدث عن ابن مسعود قال السائبة يضع ماله حيث أحب
403

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر وأبو الوليد قالا ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن عمرو
بن شرحبيل عن عبد الله مثله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبي عمرو
الشيباني عن عبد الله مثله
ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أطعمه المولى الأسفل لفقره كما للامام أن يفعل ذلك فيما في يده من
الأموال التي لا رب لها
وقد سمعت بن أبي عمران يذكر أن هذا التأويل الآخر قد روى عن يحيى بن آدم
فلما احتمل هذا الحديث ما ذكرنا لم يكن لأحد أن يحمله على تأويل منها إلا بدليل يدله عليه من
كتاب الله أو من سنة رسوله أو من إجماع
وقد روى في نحو من هذا ما حدثنا يونس ومحمد بن خزيمة قالا ثنا عمرو بن خالد قال ثنا شريك
عن أبي بكر بن أحمد عن ابن بريدة عن أبيه قال توفي رجل من خزاعة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بميراثه
فقال أطلبوا له وارثا أو ذا قرابة هكذا قال يونس
وقال بن خزيمة أو ذا رحم فطلبوا فلم يجدوا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادفعوا إلى أكبر خزاعة
فهذا عندنا والله أعلم على ما قال يحيى بن آدم الذي قبل هذا
وقد حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الأصبهاني
عن مجاهد عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم وقع من نخلة فمات
فقال النبي صلى الله عليه وسلم انظروا هل له وارث قالوا لا قال أعطوا ماله بعض القرابة
فقد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك قرابته هؤلاء قرابة الميت فأراد أن يجعله صلة منه
لهم والله أعلم.
قد تم الكتاب بعون الله الوهاب
404

خاتمة الطبعة الأولى (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد الحمد لله على ما هدانا إلى سبله والصلاة على سيد رسله وآله وأصحابه، كملة دينه ونبله.
يقول العبد العاصي خادم الطلبة ممنو الشيحن مبلو المحن عملوا لإثم في السر والعلن المدعو بمحمد حسن ابن
محمد ظهور حسن الإسرائيلي نسبا، السنبل مسكنا، الكنعاني محتدا، الحنفي مذهبا، أذهب الله عنهما الحزن،
وتفضل عليهما في كل زمن، مهنيا الطلاب الحق الصريح، من أكناه الحديث الصحيح أنعموا صباحا، وأبشروا
رواحا، فقد ظلت أعناق الجماعة ممتدة إلى اقتناء كتاب يجمع إلى السنة، فقه الحديث ويميز الطيب من القول،
من الخبيث، يفحص عن عوارض المتون والأسانيد، ويشد المراسيل بالمسانيد، ويوفق بين السنن المتدافعة
الظواهر، ويجمع بين المرفوعات والموقوفات بالحجج القواهر، ويستوعب طرق الخبر، ويحيط بوجوه الأثر، ويبلغ
المجهود في اقتباس القول الصحيح من بين اجتهادات الأئمة الأخيار، ويخلص منه الاخبار إلى الآثار، ويستنير
منه مباني المسك النقي المنيف ومأخذ الحنفي، مما يعود به مطاعن المخالفة هباءا منثورا، مناديا به
الحنفية لطاعنيها " وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ".
ومع ذلك يكون مستندا إلى مستند من قدماء موابذة الاجتهاد، ومعتمدا مشار إليه من جهابذة النقاد
فقد قضى الاستقراء الصحيح بحصر ذلك في " شرح معاني الآثار " لامام المشايخ الكبار، ورأس المحدثين
الأبرار لمكان زوايا السنن الهاوي، وأعماق مباديها الحاوي الامام الحافظ الحجة الثبت الثقة أبي جعفر الطحاوي
عديم المساهم المساوي، رحمه الله، على ما نزهه عن المشائن والمساوي.
وهذا الكتاب، قلما يوجد نظيره، فإنه كما أنه كتاب الحديث، كذلك كتاب فقه الاخبار، بالكشف
الحثيث، جرى فيه بحر الآثار، ثم بحر الاجتهاد والتفقه بالأنظار، أجراهما يتموجان يتلاطمان " مرج البحرين
يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ".
وله فيه أنظار نظرة في فقه الحديث والخبر ونظرة في طرق الاحتجاج بمتن واحد على معان جمة،
بتمشية الفكر.
ونظرة في مجيئه من طرق ووجوه كثيرة، ونظرة في وجوه لطيفة، للجمع بين الاخبار الشهيرة.
ونظرة في استخراج القول الصحيح من الأقوال بالاجتهاد، ونظرة في صحة الحديث، وحسنه، وضعفه،
في المتن والاسناد.
هامس) 1) أثبتنا خاتمة الطبعة الأولى لما حوته من الفوائد التي تبين ما امتاز به هذا الكتاب وما أحرزه الامام الطحاوي من المكانة
العالية بين أئمة الفقهاء والمحدثين الأبرار.
405

ونظرة في أحد حكم من الآثار، وحكم من الرأي والأفكار، ثم رد أحدها على الاخر بالتوفيق، أو طرح
حكم الرأي عند تعذر التلفيق.
ثم توسعة نظر في السير والأنساب، والأيام، والمشاهد، والموصل، والقطع في السند وأمثالها
أبرز وأظهر.
وذيله عن القلة فيها أنظف وأطهر.
ولقد فجر من ينابيع ونكت التفقه، ما جلب بدائع الدهور، وترك فحول التحديث حيارى
في تحيق الأمور.
له تقارير منشطة أطرب من الأغاريد، وأطيب من حلب العنا قيد.
فهو كالحسن في لفظه ووعظه، والشعبي في علمه وحفظه.
يحقق الامر بعد ما يستخرج دفائنهم، ويستنثل في كنائنهم لو رأي مخالفة بقلبه الصافي ونظره الإنصافي
أطرق إطراق الحلبي أو رام إرمام العي.
وهو في معرفة المتون، وتمايز الرجال، رحيب الباع، خصيب الرباع.
ومن لم يعرفه بعد هذا الكتاب ويسنده إلى قلة معرفة الرجال أو الاخبار في الأبواب، فهو أفضح من حبقة
في حلقة، وأحير من بقة في حقة، وألام من مادر، وأشأم من قاشر، وأصرد من عين الحرباء، والعتر الجرباء
ووقعت عليه الداهية الدهياء
فد أخطأت أسته الحفرة ولم يصب سهمه الثغرة، وهو أغرق في الملامة، وأكذب من أبى ثمامة.
فنقول: " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما
تصفون ".
فنادي على هؤلاء " خذوا ما أتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون " فإن الطحاوي نور المسائل وأنبط
جفرها واعشوشب قفرها ومن أراد خلافه جاء أجبن من صافر وأطيش من طامر.
من يكن نال بالحماقة حظا * أو سما قدره لطيب الأصول
فبفضلي انتفعت لا بفضولي * وبقولي ارتفعت لا بقيولي
وهذا الزاعم، محجوج عليه، بعامة الكتاب وصفحاته، وأكثر مواضعه ومقاماته.
ولو تورط أحد في معاطب الكلام في رجاله، جرحا، وانتقد منهم رجلا، ضعفهم أهل النقد شرحا،
فجوابه من وجهين.
الأول: أن أصحاح صحيحا الشيخان ولا تخلو رجالهما عن غوائل الجرح والشين.
406

فلو قيل: إن ذلك في المتابعات والشواهد لا في الأصول.
فالجواب أولا، أنه مشترك الجدوى في عامة الفصول، بأن الطحاوي أيضا، يأتي بأمثالها في الشواهد،
جبرا للكسر، أو تتميما للقصر.
وثانيا: أن كثيرا منهم توجد أحاديثهم في الأصول، فأتي المفر، وأين المقر، وأين المقر، كفليح بن سليمان وأمثاله.
والثاني: أن الحافظ أبا جعفر، في معرفة المتون والأسانيد من أئمة النقد، وفى البحث عن خصائص الرجال،
ودسائسهم، وخسائس الرواة ونفائسهم، من أرباب الحل والعقد.
ألا ترى الحافظ ابن حجر، يذكر قوله في التنقيد، ويعتبره من نقاد الأئمة في الجرح والتسديد، ونظار
كلامه من شرح الآثار، ولو على وجه العبور على يقين بمشاهدتهم وعيانهم، أنه ليس له تأس، وتقلد لأقوالهم
في الرجال.
وله فيه أريكة عالية بالاستقلال، بل والنص أنه يجعلهم في سمت وجانب، ونفسه مع حزبه في جانب، عمدة
الثقات، قدوة الاثبات، متوج تاج التابعية المنيفة نعان بن ثابت الكوفي، أبو حنيفة.
ومن وقع فيه بجرحه، جهلا وحسدا، عد من الجرحى، ومن طعن فيه ببدعته، فهو بهذه الجهة من الطائفة
التالفة الهلكى.
والحمد لله، فقد شهدت بفضله الأعداء، واعترف بتسفيه أوليائهم، أكاملهم الاجلاء.
ألا ترى صاحب دراسات اللبيب، من رؤسهم النبل، وبطارقتهم الكمل، مع أنه أسلم على يدي البخاري،
في معرفة الطيب من الخبيث، وآمن بفضله الجم، وجعله قبلة نفسه، وشيعته في الحديث.
كيف تعقبه في جرحه ووقيعته في أبي حنيفة، بأنه كان مرجئيا، سكتوا عن رأيه وحديثه إلى أن قال بعد
بيان الفرق، بين المعنيين للإرجاء، كيف يتيقظ لذلك أهل الحديث، من أهل الظواهر الذين ذاقوا طعم الظاهر في الأحاديث، وحرموا دقيق
القياس، ولم يمارسوا الفنون العقلية.
قال: ولكن العدل في تحقيق المعاني العقلية، هو طرح الظواهر، لا سيما إذا كانت مما تدخل بها الوقيعة
على عرض مسلم.
إلى أن قال: وإني لأتحير أن أعزوا هذا القول مع بطلانه وخلافه، للكتاب، والسنة والاجماع، بل ومع
ضرورته بطلانه من ضروريات الدين، وحمق قائله، كحمق السوفسطائية إلى مثل أبي حنيفة رحمه الله، جبل من
جبال الله الشوامخ، في غزارة علوم النقل والعقل، من مثل الامام البخاري.
لكن الاقدار قد سبقت، ليس لها من النفاذ من راد، فرضينا بقضاء الله وقدره، والحق أحق أن يتبع اه‍
407

فانظر في هذا، أية مرتبة تخرج من الافراط في إبعاد الجارح بمراحل، عن مظان الفهم والعقل.
ثم أظهر، ظهور الشمس في رابعة النهار وأبرز شينه الباهر، حتى كاد بنيانه على شفا جرف هار، كمثل شجرة
خبيثة، اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار.
بل نادى بأندى صوت، على اعترافه بكذب نفسه، والله يحق الحق ويبطل الباطل، ويأتي إلا أن يتم نوره،
وينطق المخالف بما يخالفه، ويكذبه بقوله، من حيث لا يدري.
فقد قال صاحب الدراسات: وأما قوله: سكتوا عن رأيه وحديثه، فأنت قد سمعت منه عدة من كبار السلف،
مثل ابن المبارك، وهيثم، ووكيع، وغيرهم من الآخذين من حديثه وعد غيره مئين من العلماء، الآخذين منه.
وأما أخذ الرأي عنه فقد ملا الآفاق، على ما لا يحتاج إلى نقله، حتى لم نعرف في عدة أقاليم مذهبا غير مذهبه،
فلا أدرى ما عدة الساكتين عن رأيه وحديثه، بالنسبة إلى الآخذين، إن هي إلا كقطرة في يم اه.
فهذا مقام الإمعان بعد تلك الزيادة المترقبة في ذلك الايمان أي مرتبة في تكذيب القول الجارح، وبيان أنه
تكذيب العيان والشهود، واجتراء عظيم على نفى المشهود والموجود.
ثم ههنا وجهان آخران، مما أجليت فيه مسرح العين، حتى يلحق الجارح بالقارظين، ويصيرا أثرا بعد عين،
ويحين صكة عمى، ونفخ هجير، يذهل غيلان عن مى، وهما من الوهاء في ترجمة البخاري، في تاريخه،
لأبي حنيفة رحمه الله.
أحدهما أنه جعله من موالي بنى تيم الله وحفيد الامام إسماعيل بن حماد، يحلف جهد يمينه على أنا نحن أحرار،
من أبناء فارس، ما وقع علينا رق قط.
وثانيهما: أن البدعة غير جارحة، عند صدوق اللهجة والديانة والتقوى، بل ليست سببا لنزول الحديث عن
الصحة إلى الحسن أصلا، فضلا عن الضعف، فضلا عن ترك حديث صاحبها.
والسكوت عنه مطلقا، وجعله متروكا متمحضا.
ألم يتضح صحيحه الأصح بعد القرآن، من بين دفتيه، امتلأ من رواية عدى بن ثابت وهو من غلاة الروافض
كما قاله الدارقطني وغيره.
وفيه عمران بن حطان، أحد رؤس الخوارج الخبيثة، ولو أحصى أهل البدع، بلغ الامر مبلغا من
المتفق عليه.
فلم تستميل إلى من مال عن ريحك، وأضرم نار تباريحك؟
ولو كان ابن بوحك، أو شقيق روحك، فأين ذهب الجارح؟ جاء لابسا جلد النمر، وهاجما هجوم السيل
المنهمر وفر متشحا بجرابه، ومضطعنا أهبة تجوابه، وانكشفت عورة التغليظ، لا ترى فيه امتراء وجاء
كسراب بقيعة، يحسبه الظمآن ماء، بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
408

فلو لحزبه وأمته، شعبة من الحياء، لا يرفعوا رأسهم في سوء الأدب، غرق في الندم، ولا يبسطوا ألسنتهم
بالسوء والفحشاء.
وليكذبوا بما آمنوا، وليؤمنوا بما كذبوا من قبل، بعد أن نشر الصبح راياته، وجلا الأمر عن حالاته،
وشوهد ما سوله زمرهم، وعوين كيف عجرهم وبجرهم، وذهب حدهم هدرا، ولم يجد وردهم صدرا.
وبالجملة فكتاب الطحاوي هذا أجدى من تفاريق العصا، وكل الصيد في جوف الفرا، وطرزه في أبوابه أنه
يذكر غالبا أخبار القول المضعف أولا وأخبار مختارة آخرا، وبعض الأسانيد في خبر، وإن كان فيها ضعف
من وجه.
لكن احتجاجه لأرباب الأقوال، يكون بعد سرد جملة أسانيدها، وأكثرها.
فالضعف يزول بالمتابعات، وينجبر، ويشد بتعدد الطرق فيأتي صالحا، لان يقوم به الحجة أو الإسكات.
ولعله لم يكثر القول في الرجال إما لقليل جدواه لأنه ممكن الاخذ من مظانه ومأواه ككتب الرجال.
وإما لأنه من باب الاجتهاد في النقود ومباديها، ولكن وجهة هو موليها.
ولا يجب على المجتهد أن يقلد الاخر، وأكثر الرواة مختلف فيهم عمن تكلم فيه، والمجمع على ضعفه
قليل ما هو.
وإما لأنه لم تمس له حاجة إلى هذا البحث، من حيث إنه يورد لمتن أسانيد طرقا غالبا، فبعد المضامة، لا يبقى
كلام في قيام الحجة، إلا نادرا.
وعلى هذا فكتابه يفوق الصحاح كلها، بما لم من المزايا المذكورة، والمعالي المرضية المسطورة.
وأما بالنظر إلى المتن والسند، فملحق بالصحيحين، ومساهم مواز للسنن الأربعة من غير مرية ولا مين بل
لو قيل بعلوه عليها، لم يبعد بالنظر، إليها لما تمالأت على شديدة الوهاء، وتظافرت في الأسانيد على كثير من
المتروكين والكذابين من الضعفاء.
بل في سنن ابن ماجة، جملة من الموضوعات، وفى جامع الترمذي، شئ من الاخبار والمتروكات.
فلو علمتم ورواء القدام صفو المدام، لما بطرتم بتلك الذخائر، ولما زعمتم بضاعتنا مزجاة على هذه الأخاير، ولما
جاء كتابه على هذا السياق، وأزرى بكل مصنف وفاق.
حسده الحساد، وأكثروا الكلام فيه والانتقاد، وانكب عليه شيوخ التحديث، من النقاد، وانصب عليه
عبدة الظواهر، بسيوف مسلولة على العناد.
وطال الامر إلى أن جمع البيهقي كتابا ضخيما في الرد عليه، ثم جاء علاء الدين التركماني الحنفي، فتعقبه،
ولم يترك شيئا في يديه، فسماه " بالجوهر النقي، في الرد على البيهقي ".
أما هذا الزمان فأين طوق الرد فيه أو الامتحان، وإنما حظا غلاظ البيان أو سلاطة اللسان.
409

لم أبك والله على إلف نزح * ولا على فوت نعيم وفرح
وإنما مدمع أجفاني سفح * على غبي لحظة حين طمح
ورطه حتى تعنى وافتضح * وضيع المنقوشة البيض الوضح
فبعد هذا الوصف مسيس الحاجة، كأنه المصباح في الزجاجة، جاء رأس معاشر التجار، ناصر الحنفية
الأخيار، الشهير، فيما بين المسلمين باسم القاضي بنيامين الحنفي الفنجاني، ثم الدهلوي، سلمه الله العلى الولي،
يجوب مهامه الاسفار في طلبه، على الشغف والهوى، ويجتمل فيه نوائب النوى، ويقاسي بعد شق الأنفس
مكابد الجلاء، في هذا الجوى، ويعاني فيه ولو كادت النفائس على التوى.
ولم ينمح عن خلده هذه النقطة، حتى وجد ضالته لقطة، في ثلاث نسخ عتيقة إحداها لأكرم الأفاضل،
وأجل الأماثل، من أكابر الكملة، وأكامل النبلة، مولانا الحاج الحافظ أبى الحسنات المولوي محمد عبد الحي
أدام الله فيوضه على كل حي.
وثانيتها لشيخ المشائخ الصافية الظواهر، حائز البدائع والنوادر، المولوي الحافظ الحاج محمد عبد القادر رفاه
الله على كماله مقدسا عن البوادر والصوادر وهو من كملاء قطان البلدة الميمونة المسماة ببدايون.
وثالثتها لسيد مشاهير المحدثين في هذا الحين، مع ماله من الزين المولوي محمد نذير حسين، سلمه الله في
النشأتين عن الشين ثم بالغ في اهتمام تصحيح الأصل، حتى قام قدوة الحنفية وأسوة سعاة الملة الصفية المولوي محمد
وصى أحمد السورتي، لا زال فيضه الخفي والجلي.
والخبر الطمطام، محرز قصبات العلو في المقام لا سيما تصحيح كتب الكرام المولوي محمد عبد العلى المدارسي،
مصحح المطبع النظامي، ما برح كماله النامي على المقابلة بين تلك النسخ.
ثم أخذ نسخة مصححة بالهمة البالغة من تلك الثلاث لينقل منها في الطبع.
ثم عمل مقدمته المولوي وصى أحمد، المحمود، وحرر حواشي الكتاب ليجلو بصائر أولى الألباب، وعليه
حواش عديدة في موضعين أو مواضع لهذا العبد الضعيف أحقر الزمن، محمد حسن، أذهب الله عنه الحزن،
ثم فوض للطبع إلى مهتم المطبع المصطفى في اللكنؤ، محمد عبد الواحد خان بن محمد مصطفى خان ليطبعه
فيه، فشمر ذيله عن ساق الجد ومطبعه بنفسه في حسن صناعة الطبع والخط، والتصحيح، ونفاسة النفوس
والأوراق، أظهر من أن يخفى، وأشهر من أن يروى.
ثم إذا كتبت صفحات الكابي عاينه، مولانا أبو الحسنات محمد عبد الحي سلمه الله الحي، على التصحيح
أحيانا متفرقة على حسب الطبع.
وأخر أنظار التصحيح على وجه العبور عليه، عليه، نطر هذا العبد الضعيف، خادم الطلبة، رافع نعال العصاة
الفجرة، على ما وسعه في النظر العابر، والظواهر الكسور الجابر.
410

فادخرت أنا والقاضي هذا الكتاب لعاقبتنا أعظم قربة، لما لقيت في هموم تصحيحه، وتحشيته قليلا،
والقاضي في طبعه وصرف الأموال الغزيرة فيه عرق القربة،
ولكن المال غاد ورائح، وطيب النفع دهرا على الكل فائح، ولمعان بروق الفيض تحت أديم السماء لائح،
ووبل كشف الحق على معمورة القلوب سائح.
فجاء بحمد لله في أحسن تقويم، جميلا حسنا مطبوعا للطبائع، مشاغفا للقرائح بالطوارف والبدائع،
كيف لا ومصنفه أحفظ الحفاظ المحدثين، وإمام الفقهاء المجتهدين، مقارب العصر لأرباب الأمهات الست
إذ ولد سنة 229 ومات سنة 321.
والبخاري ولد سنة 197 ومات سنة 256 ومسلم ولد سنة 202 ومات سنة 261 وأبو داود ولد سنة 202
ومات سنة 275، والترمذي ولد سنة 209 ومات سنة 379، والنسائي ولد سنة 215 ومات سنة 303،
وابن ماجة ولد سنة 209 ومات سنة 273.
فالطحاوي أكثر منهم عمرا:
فيا أيها القوم، ابتلج صباح اليوم، وهب النوام من النوم، نوم الغفلة في الطعان واللوم.
فانظروا الان إلى بيت الحنفية عشاره تخور، وأعشاره تفور، وولائده تمور، وموائده تدور،
وفقنا الله لنشر كتب السنة الغراء والحمد لله رب العالمين بدءا وختاما وصلى الله عليه سيدنا محمد وآله وأصحابه
وسلم تسليما كثيرا
411