الكتاب: شرح معاني الآثار
المؤلف: أحمد بن محمد بن سلمة
الجزء: ٣
الوفاة: ٣٢١
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمد زهري النجار
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٤١٦ - ١٩٩٦ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات: مصدر بكتاب أماني الأخبار بشرح معاني الآثار

شرح
معاني الآثار
للامام
أبي جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي
الحجري المصري الطحاوي الحنفي
المولود سنة 229 ه‍ والمتوفى سنة 321 ه‍
الجزء الثالث
حققه وضبطه، ونسقه وصححه
محمد زهري النجار
من علماء الأزهر الشريف
دار الكتب العلمية
1

الطبعة الثالثة
1416 ه‍ - 1996 م‍.
2

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب النكاح
صلى الله عليه وسلم باب ما نهي عنه من سوم الرجل على سوم أخيه
وخطبته على خطبة أخيه
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا مسدد بن مسرهد قال ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله
بن عمر قال حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبيع الرجل على بيع
أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه *
حدثنا يونس وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب قالا ثنا عبد الله بن وهب قال حدثني الليث قال حدثني
يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة المهري أنه سمع عقبة بن عامر يقول على المنبر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
المؤمن أخو المؤمن لا يحل له أن يبتاع على بيع أخيه حتى يذر أي يترك ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر
حدثنا يونس قال أخبر بن وهب قال أخبرني بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب فذكر بإسناده مثله *
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا علي بن الجعد قال أخبرنا صخر بن جريرة عن نافع عن ابن عمر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبيع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب
أو يأذن له فيخطب
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا عبد العزيز بن محمد عن داود بن صالح بن دينار
عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يسوم الرجل على سوم أخيه
3

حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس هو بن يزيد عن ابن شهاب قال حدثني
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله يعني أنه قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الله بن بكير قال ثنا هشام بن حسان عن محمد عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم على سوم أخيه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله *
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه
حدثنا يونس أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا بشر بن بكر قال حدثني الأوزاعي قال سمعت أبا كثير يقول سمعت
أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستام الرجل على سوم أخيه حتى يشتري أو يترك ولا يخطب
على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك
حدثنا يونس قال أخبرني عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن أبي سعيد مولى عبد الله بن عامر
بن كرير عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبيع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب بعضكم
على خطبة بعض
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا وقالوا لا يحل لأحد أن يسوم بشئ قد يساوم به غيره حتى يتركه
الذي قد ساوم به
فكذلك لا ينبغي له أن يخطب امرأة قد خطبها غيره حتى يتركها الخاطب لها واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إن كان المساوم أو الخاطب قد ركن إليه فلا يحل لأحد أن يسوم
على سومه ولا يخطب على خطبته حتى يترك
قالوا وهذا السوم والخطبة المذكوران في الآثار الأول المنهي عنهما إنما النهي فيها عما ذكرناه
4

فأما من ساوم رجلا بشئ أو خطب إليه امرأة هو وليها فلم يركن إليه فمباح لغيره من الناس أن يسوم
بما ساوم به ويخطب بما خطب
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا سفيان عن أبي بكر
بن أبي الجهم قال سمعت فاطمة بنت قيس تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إذا أنقضت عدتك فآذنيني
قالت فخطبني خطاب جمع خاطب فيهم معاوية وأبو الجهم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن معاوية خفيف الحال أي فقير وأبو الجهم يضرب النساء أو فيه شدة
على النساء ولكن عليك بأسامة بن يزيد
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن أبي بكر بن أبي الجهم
عن فاطمة نحوه
حدثنا فهد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن أبي كثير الأنصاري عن محمد بن عمرو عن
أبي سلمة عن فاطمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة
عن فاطمة بنت قيس أنها لما انقضت عدتها خطبها أبو الجهم ومعاوية كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم أين أنت من أسامة
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن فاطمة بنت قيس قالت لما حللت أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه من عاتقه وأما معاوية
فصعلوك لا مال له ولكن أنكحي أسامة بن زيد
قالت فكرهته ثم قال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به
5

حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة
ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن فاطمة بنت قيس قالت لما حللت خطبني معاوية ورجل من قريش
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكحي أسامة فكرهته فقال انكحيه فنكحته
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال ثنا المجالد بن سعيد
عن عامر عن فاطمة بنت قيس أن رجلا من قريش خطبها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أزوجك رجلا أحبه
فقالت بلى فزوجها أسامة
قال أبو جعفر فلما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة على أسامة بعد علمه بخطبة معاوية
وأبي الجهم إياها كان في ذلك دليل على أن تلك الحال يجوز للناس أن يخطبوا فيها وثبت أن المنهي عنه بالآثار
الأول خلاف ذلك فيكون ما تقدم ذكرنا له في هذا الباب ما فيه الركون إلى الخاطب وما ذكرنا
بعد ذلك ما ليس فيه ركون إلى الخاطب حتى تصبح هذه الآثار وتتفق معانيها ولا تضاد
وكذلك المساومة هي على هذا المعنى أيضا قد بين ذلك ما قد حدثنا محمد بن بحر بن مطر البغدادي
قال حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال أخبرنا الأخضر بن عجلان قال أخبرني أبو بكر الحنفي عن أنس
بن مالك رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه الفاقة ثم عاد فقال يا رسول الله لقد
جئت من عند أهل بيت ما أرى أن أرجع إليهم حتى يموت بعضهم جوعا قال انطلق هل تجد من شئ
فانطلق فجاء بحلس وقدح فقال يا رسول الله هذا الحلس كانوا يفترشون بعضه ويلتفون ببعضه
وهذا القدح كانوا يشربون فيه
فقال من يأخذهما مني بدرهم فقال رجل أنا فقال من يزيد على درهم فقال رجل أنا آخذهما
بدرهمين قال هما لك
فدعا بالرجل فقال أشتر بدرهم طعاما لأهلك وبدرهم فأسا ثم إيتني ففعل ثم جاء فقال انطلق إلى هذا
الوادي فلا تدعن فيه شوكا ولا حطبا ولا تأتني إلا بعد عشر ففعل ثم أتاه فقال بورك فيما أمرتني به
قال هذا خير لك من أن تأتي يوم القيامة وفي وجهك نكت من المسألة أو خموش من المسألة الشك
من محمد بن بحر
فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المزايدة وفي ذلك سوم بعد
سوم إلا أن ما تقدم من ذلك السوم سوم لا ركون معه
فدل ذلك أيضا أن ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم مسوم الرجل على سوم أخيه بخلاف ذلك
فبان بهذا الحديث معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه من سوم الرجل على سوم أخيه
وبحديث فاطمة بنت قيس ما نهى عنه من خطبة الرجل على خطبة أخيه
6

وهذا المعنى الذي صححنا عليه هذه الآثار فيما أبحنا فيه من السوم والخطبة وفيما منعنا فيه من السوم والخطبة
قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
وقد روي في إجازة بيع من يزيد عمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم أيضا
حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا ابن المبارك عن الليث بن سعد
عن عطاء بن أبي رباح قال أدركت الناس يبيعون الغنائم فيمن يزيد
حدثنا محمد بن خزيمة قال أخبرنا يوسف قال حدثنا ابن المبارك عن إبراهيم عن نافع عن ابن
أبي نجيح عن مجاهد قال لا بأس أن يسوم على سوم الرجل إذا كان في صحن السوق يسوم هذا وهذا
فأما إذا خلا به رجل فلا يسوم عليه
باب النكاح بغير ولي عصبة
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري
عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة نكحت
بغير إذن وليها فنكاحها باطل فإن أصابها فلها مهرها بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان
ولي من لا ولي له
حدثنا فهد قال حدثنا أحمد بن يونس قال حدثنا زهير بن معاوية قال حدثنا يحيى بن سعيد
عن ابن جريج فذكر بإسناده مثله *
حدثنا أبو بشر الرقي قال حدثنا المعتمر بن سليمان الرقي عن الحجاج بن أرطأة عن الزهري
فذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال حدثنا أسد قال حدثنا ابن لهيعة قال حدثنا جعفر بن ربيعة عن ابن
شهاب فذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع الجيزي قال حدثنا أبو الأسود قال أخبرنا بن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن ابن
شهاب فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب إلى هذا قوم فقالوا لا يجوز تزويج المرأة نفسها إلا بإذن وليها
وممن قال ذلك أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهما واحتجوا في ذلك بهذا الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا للمرأة أن تزوج نفسها ممن شاءت وليس لوليها أن يعترض عليها في ذلك
إذا وضعت نفسها ممن شاءت ولي لوليها أن يعترض عليها في ذلك
إذا وضعت نفسها حيث كان ينبغي لها أن تضعها
7

وكان من الحجة لهم في ذلك أن حديث بن جريج الذي ذكرناه عن سليمان بن موسى قد ذكر بن جريج
أنه سأل عنه بن شهاب فلم يعرفه
حدثنا بذلك بن أبي عمران قال أخبرنا يحيى بن معين عن ابن علية عن ابن جريج بذلك
قال أبو جعفر وهم يسقطون الحديث بأقل من هذا وحجاج بن أرطأة فلا يثبتون له سماعا عن الزهري
وحديثه عنه عندهم مرسل وهم لا يحتجون بالمرسل وابن لهيعة فهم ينكرون على خصمهم الاحتجاج عليهم
بحديثه فكيف يحتجون به عليه في مثل هذا
ثم لو ثبت ما رووا من ذلك عن الزهري لكان قد روي عن عائشة رضي الله عنها ما يخالف ذلك
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها زوجت حفصة بنت عبد الرحمن المنذر بن الزبير وعبد الرحمن غائب بالشام
فلما قدم عبد الرحمن قال أمثلي يصنع به هذا ويفتات عليه فكلمت عائشة عن المنذر فقال المنذر
إن ذلك بيد عبد الرحمن فقال عبد الرحمن ما كنت أرد أمرا قضيتيه فقرت حفصة عنده ولم
يكن ذلك طلاقا
وحدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني الليث عن عبد الرحمن بن القاسم فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني حنظلة وأفلح عن القاسم بن محمد في حفصة
بمثل ذلك
فلما كانت عائشة رضي الله عنها قد رأت أن تزويجها بنت عبد الرحمن بغيره جائز ورأت ذلك العقد مستقيما
حتى أجازت فيه التمليك الذي لا يكون إلا عن صحة النكاح وثبوته استحال عندنا أن يكون ترى ذلك
وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم قال لا نكاح إلا بولي
فثبت بذلك فساد ما روي عن الزهري في ذلك
واحتج أهل المقالة الأولى أيضا لقولهم بما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر
وحدثنا أبو بكرة ومحمد بن خزيمة قالا ثنا عبد الله بن رجاء قال أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق
عن أبي بردة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي أي إلا بإذنه
فكان من الحجة عليهم في ذلك أن هذا الحديث على أصلهم أيضا لا تقوم به حجة
وذلك أن من هو أثبت من إسرائيل وأحفظ منه مثل سفيان وشعبة قد رواه عن أبي إسحاق منقطعا
8

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا نكاح إلا بولي
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فصار أصل هذا الحديث عن أبي بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم برواية شعبة وسفيان
وكل واحد منهما عندهم حجة على إسرائيل فكيف إذا اجتمعا جميعا
فإن قالوا فإن أبا عوانة قد رواه مرفوعا كما رواه إسرائيل
وذكروا في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا إسرائيل وأبو عوانة ح
وحدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا أبو عوانة ح
وحدثنا أحمد بن داود قال ثنا أبو الوليد قال ثنا أبو عوانة عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن
أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي
قيل لهم قد روي عن أبي عوانة هذا كما ذكرتم ولكنا نظرنا في أصل ذلك فإذا هو عن أبي عوانة
عن إسرائيل عن أبي إسحاق فرجع حديث أبي عوانة أيضا إلى حديث إسرائيل
حدثنا بذلك أبو أمية قال ثنا المعلى بن منصور الرازي قال ثنا أبو عوانة عن إسرائيل عن أبي إسحاق
فذكر بإسناده مثله
فانتفى بذلك أن يكون عند أبي عوانة في هذا عن أبي إسحاق شئ
فإن قالوا فإنه قد رواه قيس بن الربيع عن أبي إسحاق أيضا كما رواه إسرائيل
وذكروا في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا محمد بن الصلت الكوفي ح
وحدثنا أحمد بن داود ثنا أبو الوليد قالا ثنا قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن أبي بردة
عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نكاح إلا بولي
قيل لهم صدقتم قد رواه قيس كما ذكرتم وقيس عندهم دون إسرائيل فإذا انتفى أن يكون إسرائيل
مضادا لسفيان ولشعبة كان قيس أحرى أن لا يكون مضادا لهما
فإن قالوا فإن بعض أصحاب سفيان قد رواه عن سفيان مرفوعا كما رواه إسرائيل وقيس وذكروا في ذلك
ما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو كامل قال ثنا بشر بن منصور عن سفيان عن أبي إسحاق عن
أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا نكاح إلا بولي
قيل لهم قد صدقتم قد روي هذا بشر بن منصور عن سفيان كما ذكرتم ولكنكم لا ترضون من خصمكم
بمثل هذا إن احتجوا عليه بما رواه أصحاب سفيان أو أكثرهم عنه على معنى ويحتج هو عليكم بما رواه
9

بشر بن منصور عن سفيان بما يخالف ذلك المعنى وتعدون المحتج عليكم بمثل هذا جاهلا بالحديث فكيف
تسوغون أنفسكم على مخالفكم مالا يسوغونه عليكم إن هذا لجور بين
وما كلامي في هذا إرادة مني الإزراء على أحد ممن ذكرت ولا أعد مثل هذا طعنا
ولكني أردت بيان ظلم هذا المحتج وإلزامه من حجة نفسه ما ذكرت ولكني أقول إنه لو ثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال لا نكاح إلا بولي لم يكن فيه حجة لما قال الذين احتجوا به لقولهم في هذا الباب لأنه
قد يحتمل معاني
فيحتمل ما قال هذا المخالف لنا إن ذلك الولي هو أقرب العصبة إلى المرأة
ويحتمل أن يكون ذلك الولي من تولية المرأة من الرجال قريبا كان منها أو بعيدا
وهذا المذهب يصح به قول من يقول لا يجوز للمرأة أن تتولى عقد نكاح نفسها وإن أمرها وليها بذلك
ولا عقد نكاح غيرها ولا يجوز أن يتولى ذلك إلا الرجال
وقد روى عن عائشة رضي الله عنها مثل ذلك ك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن عبد الرحمن
بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكحت رجلا من بني أخيها جارية من بني أخيها
فضربت بينهما بستر ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا النكاح أمرت رجلا فأنكح ثم قالت ليس إلى
النساء النكاح
ويحتمل أيضا قوله لا نكاح إلا بولي أن يكون الولي هو الذي إليه ولاية البضع من والد الصغيرة أو مولى
الأمة أو بالغة حرة لنفسها
فيكون ذلك على أنه ليس لأحد أن يعقد نكاحا على بضع الأولى ذلك البضع وهذا جائز في اللغة قال الله
تعالى فليملل وليه بالعدل)
* فقال قوم ولي الحق هو الذي له الحق فإذا كان من له الحق يسمى وليا كان من له البضع أيضا
يسمى وليا له
فلما أحتمل ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لا نكاح إلا بولي هذه التأويلات انتفى أن يصرف
إلى بعضه دون بعض إلا بدلالة تدل على ذلك إما من كتاب وإما من سنة وإما من إجماع
واحتج الذين قالوا لا نكاح إلا بولي لقولهم أيضا بما حدثنا فهد ثنا محمد بن سعيد
قال أخبرنا شريك ح
10

وحدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا شريك عن سماك بن حرب عن ابن أخي معقل عن معقل
بن يسار أن أخته كانت تحت رجل فطلقها ثم أراد أن يراجعها فأبى عليه معقل فنزلت هذه الآية
فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف)
* قالوا فلما أمر الله تعالى وليها بترك عضلها دل ذلك أن إليه عقد نكاحها
وكان ذلك عندنا قد يحتمل ما قالوا ويحتمل غير ذلك
يحتمل أن يكون عضل معقل كان تزهيده لأخته في المراجعة فتقف عند ذلك فأمر بترك ذلك
فلما لم يكن في هذه الآثار دليل على ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى نظرنا فيما سواها هل نجد فيه شيئا يدل
على الحكم في هذا الباب كيف هو
فإذا يونس قد حدثنا قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير
بن مطعم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر
تستأذن في نفسها وإذنها صماتها
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا القعنبي قال ثنا مالك فذكر بإسناده مثله
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا حفص بن غياث عن عبد الله بن عبد الله
بن موهب عن نافع بن جبير فذكر بإسناده مثله
فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله الأيم أحق بنفسها من وليها أن أمرها
في تزويج نفسها إليها لا إلى وليها وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما يدل
على هذا المعنى أيضا
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا حماد بن سلمة ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل قال ثنا حماد بن سلمة ح
وحدثنا ابن أبي داود أيضا قال ثنا آدم بن أبي إياس قال ثنا سليمان بن المغيرة قالا ثنا ثابت
عن عمر بن أبي سلمة عن أم سلمة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم بعد وفاة أبي سلمة
فخطبني إلى نفسي
11

فقلت يا رسول الله إنه ليس أحد من أوليائي شاهدا فقال إنه ليس منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك
قالت قم يا عمر فزوج النبي صلى الله عليه وسلم فتزوجها
فكان في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم خطبها إلى نفسها ففي ذلك دليل أن الامر
في التزويج إليها دون أوليائها
فإنما قالت له إنه ليس أحد من أوليائي شاهدا قال إنه ليس منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك
فقالت قم يا عمر فزوج النبي عليه السلام
وعمر هذا ابنها وهو يومئذ طفل صغير غير بالغ لأنها قد قالت للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم في هذا
الحديث إني امرأة ذات أيتام يعني عمر ابنها وزينب بنتها والطفل لا ولاية له فولته هي أن يعقد
النكاح عليها ففعل
فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم جائزا وكان عمر بتلك الوكالة قام مقام من وكله
فصارت أم سلمة رضي الله عنها كأنها عقدت النكاح على نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم
ولما لم ينتظر النبي صلى الله عليه وسلم حضور أوليائها دل ذلك أن بضعها إليها دونهم
ولو كان لهم في ذلك حق أو أمر لما أقدم النبي صلى الله عليه وسلم على حق هو لهم قبل إباحتهم ذلك له
فإن قال قائل إن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم كان أولى بكل مؤمن من نفسه
قيل له صدقت هو أولى به من نفسه يطيعه في أكثر مما يطيع فيه نفسه فأما أن يكون هو أولى به
من نفسه في أن يعقد عليه عقدا بغير أمره من بيع أو نكاح أو غير ذلك فلا وإنما كان سبيله في ذلك
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم كسبيل الحكام من بعده ولو كان ذلك كذلك ك لكانت وكالة عمر إنما تكون
من قبل النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم لا مقبل أم سلمة لأنه هو وليها
فلما لم يكن ذلك كذلك وكانت الوكالة إنما كانت مقبل أم سلمة فعقد بها النكاح فقبله رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم دل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم إنما كان ملك ذلك البضع بتمليك
أم سلمة إياه لا بحق ولاية كانت له في بضعها
أو لا ترى أنها قد قالت إنه ليس أحد من أوليائي شاهدا فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم
إنه ليس أحد منهم شاهد ولا غائب يكره ذلك
ولو كان هو أولى بها منهم لم يقل لها ذلك ولقال لها أنا وليك دونهم ولكنه لم ينكر ما قالت وقال لها
إنهم لا يكرهون ذلك
فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار
12

ولما ثبت أن عقد أم سلمة رضي الله عنها النكاح على بضعها كان جائزا دون أوليائها وجب أن يحمل
معاني الآثار التي قدمنا ذكرها في هذا الباب على هذا المعنى أيضا حتى لا يتضاد شئ منها ولا يتنافى ولا يختلف
وأما النظر في ذلك فإنا قد رأينا المرأة قبل بلوغها يجوز أمر والدها عليها في بضعها ومالها فيكون العقد
في ذلك كله إليه لا إليها وحكمه في ذلك كله حكم واحد غير مختلف فإذا بلغت فكل قد أجمع أن ولايته
على مالها قد ارتفعت
وأن ما كان إليه من العقد عليها في مالها في صغرها قد عاد إليها فالنظر على ذلك أن يكون كذلك العقد
على بضعها يخرج ذلك من يد أبيها ببلوغها
فيكون ما كان إليه من ذلك قبل بلوغها قد عاد إليها ويستوي حكمها في مالها وفي بضعها بعد بلوغها
فيكون ذلك إليها دون أبيها ويكون حكمها مستويا بعد بلوغها كما كان مستويا قبل بلوغها
فهذا حكم النظر في هذا الباب وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله أيضا إلا أنه كان يقول إن زوجت المرأة
نفسها من غير كفء فلوليها فسخ ذلك عليها وكذلك إن قصرت في مهرها فتزوجت بدون مهر مثلها فلوليها
أن يخاصم في ذلك حتى يلحق بمهر مثل نسائها
وقد كان أبو يوسف رحمة الله عليه كان يقول إن بضع المرأة إليها الولاء في عقد النكاح عليه لنفسها
دون وليه
يقول إنه ليس للولي أن يعترض عليها في نقصان ما تزوجت عليه عن مهر مثلها ثم رجع عن قوله هذا
كله إلى قول من قال لا نكاح إلا بولي
وقوله الثاني هذا قول محمد بن الحسن رحمة الله تعالى عليه والله أعلم بالصواب
باب الرجل يريد تزوج المرأة هل يحل له النظر إليها أم لا
حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني قال ثنا يحيى بن حسان قال ثنا أبو شهاب الحناط عن الحجاج
بن أرطأة عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه سليمان بن أبي حثمة قال رأيت محمد بن مسلمة يطارد
ثبيتة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصرة طردا شديدا
فقلت أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
13

فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن سليمان الواسطي عن زهير بن معاوية قال ثنا عبد الله
بن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن أبي حميد وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة
وإن كانت لا تعلم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو
بن سعد بمعاذ عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب أحدكم المرأة فقدر على أن يرى
منها ما يعجبه فليفعل
قال جابر فلقد خطبت امرأة من بني سلمة فكنت أتخبأ أي أختفي في أصول النخل حتى رأيت
منها بعض ما يعجبني فخطبتها فتزوجتها
حدثنا محمد بن النعمان السقطي قال ثنا الحميدي قال ثنا سفيان قال ثنا يزيد بن كيسان اليشكري
عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من نساء الأنصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظر
إليها فإن في أعين نساء الأنصار شيئا يعني الصغر
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا سفيان بن عاصم الأحول عن بكر
بن عبد الله المزني أن المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنظر إليها فإنه أحرى
أن يؤدم بينكما
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا أبو معاوية عن عاصم عن بكر بن عبد الله عن المغيرة
بن شعبة قال خطبت امرأة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم هل نظرت إليها فقلت لا
فقال فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما
قال أبو جعفر ففي هذه الآثار إباحة النظر إلى وجه المرأة لمن أراد نكاحها فذهب إلى ذلك قوم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجوز ذلك لمن أراد نكاح المرأة ولا لغير من أراد نكاحها إلا أن يكون
زوجا لها أو ذا رحم محرم منها
واحتجوا في ذلك ك بما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان بن مسلم قال ثنا حماد بن سلمة عن محمد
بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن سلمة بن أبي طفيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
14

قال لهيا علي إن لك كنزا في الجنة وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست
لك الأخرى
حدثنا أبو العوام محمد بن عبد الله بن عبد الجبار المرادي قال ثنا يحيى بن حسان قال ثنا وهيب
بن خالد وأبو شهاب عن يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير
قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم عن نظرة الفجأة قال اصرف بصرك
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا وهيب عن يونس فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا إسماعيل بن علية عن يونس فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أخبرنا شريك عن أبي ربيعة الأيادي عن أبي بريدة
عن أبيه رفعه مثله
يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية
وحدثنا أبو أمية قال حدثنا علي قادم قال أخبرنا شريك عن أبي ربيعة عن ابن بريدة عن أبيه
عن علي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم النظرة الأولى لك والآخرة عليك
قالوا فلما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم النظرة الثانية لأنها تكون باختيار الناظر وخالف
بين حكمها وبين حكم ما قبلها إذا كانت بغير اختيار من الناظر دل ذلك على أنه ليس لأحد أن ينظر إلى وجه
المرأة إلا أن يكون بينه وبينها من النكاح أو الحرمة ما لا يحرم ذلك عليه منها
فكان من الحجة عليهم في ذلك لأهل المقالة الأولى إن الذي أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم
في الآثار الأول هو النظر للخطبة لا لغير ذلك فذلك نظر بسبب هو حلال
ألا ترى أن رجلا لو نظر إلى وجه امرأة لا نكاح بينه وبينها ليشهد عليها وليشهد لها أن ذلك جائز
فكذلك إذا نظر إلى وجهها ليخطبها كان ذلك جائزا له أيضا
فأما المنهي عنه في حديث علي وجرير وبريدة فذلك لغير الخطبة ولغير ما هو
حلال فذلك مكروه محرم
وقد رأيناهم لا يختلفون في نظر الرجل إلى صدر المرأة الأمة إذا أراد أن يبتاعها أن ذلك له جائز حلال لأنه
إنما ينظر إلى ذلك منها ليبتاعها لا لغير ذلك
ولو نظر إلى ذلك منها لا ليبتاعها ولكن لغير ذلك كان ذلك عليه حراما
فكذلك نظره إلى وجه المرأة إن كان فعل ذلك لمعنى هو حلال فذلك غير مكروه له وإن كان فعله لمعنى
هو عليه حرام فذلك مكروه له
15

وإذا ثبت أن النظر إلى وجه المرأة ليخطبها حلال خرج بذلك حكمه من حكم العورة ولأنا رأينا ما هو عورة
لا يباح لمن أراد نكاحها النظر إليها
ألا ترى أن من أراد نكاح امرأة فحرام عليه النظر إلى شعرها وإلى صدرها وإلى ما هو أسفل من ذلك
في بدنها كما يحرم ذلك منها على من لم يرد نكاحها
فلما ثبت أن النظر إلى وجهها حلال لمن أراد نكاحها ثبت أنه حلال أيضا لمن لم يرد نكاحها إذا كان
لا يقصد بنظره ذلك لمعنى هو عليه حرام
وقد قيل في قول الله عز وجل ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها أن ذلك المستثنى هو
الوجه والكفان فقد وافق ما ذكرنا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم هذا التأويل
وممن ذهب إلى هذا التأويل محمد بن الحسن رحمة الله عليه كما حدثنا سليمان بن شعيب بذلك عن أبيه
عن محمد
وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب التزويج على سورة من القرآن
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب ب أن مالكا حدثه عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا
فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عندك من شئ تصدقها إياه فقال ما عندي إلا إزاري هذا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئا فقال لا أجد شيئا
قال فالتمس ولو خاتم حديد قال فالتمس فلم يجد شيئا
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل معك من القرآن شئ فقال نعم سورة كذا وسورة كذا السورة سماها
16

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجتك بما معك من القرآن
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم عن سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم
مثله غير أنه قال قد أنكحتك مع ما معك من القرآن
حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني هشام
بن سعد عن أبي حازم عن سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال الليث لا يجوز هذا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوج بالقرآن
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن التزويج على سورة من القرآن مسماة جائز وقالوا معنى ذلك على أن
يعلمها تلك السورة واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك ك آخرون فقالوا من تزوج على ذلك فالنكاح جائز وهو في حكم من لم يسم مهرا فلها
مهر مثلها إن دخل بها أو ماتا أو مات أحدهما وإن طلقها قبل أن يدخل بها فلها المتعة
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى أن الذي في حديث سهل من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوجتك
على ما معك من القرآن أن حمل ذلك على الظاهر وكذلك مذهب أهل المقالة الأولى في غير هذا فذلك
على السورة لا على تعليمها وإن كان ذلك على السورة فهو على حرمتها وليست من المهر في شئ كما تزوج
أبو طلحة أم سليم على إسلامه
حدثنا بذلك بن أبي داود قال ثنا الخطاب بن عثمان الفودي قال أخبرنا إسماعيل بن عياش عن
عتبة بن حميد عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس عن أنس بن مالك أن أبا طلحة تزوج أم سليم على إسلامه
فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فحسنه
فلم يكن ذلك الاسلام مهرا في الحقيقة وإنما معنى تزوجها على إسلامه أي تزوجها لاسلامه وقد زاد
بعضهم في حديث أنس هذا
قال أنس والله ما كان لها مهرا غيره
فمعنى ذلك عندنا والله أعلم أي ما أرادت منه مهرا غيره فكذلك معنى حديث سهل في المرأة التي ذكرنا
ومن الحجة لأهل هذه المقالة على أهل المقالة الأولى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يؤكل بالقرآن
أو يتعوض به شئ من أمور الدنيا
حدثنا أبو أمية قال ثنا أبو عاصم قال أخبرنا مغيرة بن دينار قال أخبرني عبادة بن نسي
عن الأسود بن ثعلبة عن عبادة قال كنت أعلم ناسا من أهل الصفة القرآن فأهدى إلي رجل منهم قوسا
على أن أقبلها في سبيل الله
فذكرت ذلك ك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أردت أن يطوقك الله بها طوقا من النار فاقبلها
17

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير
عن زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرأوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به
حدثنا محمد بن خزيمة قال مسلم بن إبراهيم قال ثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير ح
وحدثنا زيد بن أبي داود قال ثنا أبو مسلمة موسى بن إسماعيل قال ثنا أبان قال ثنا يحيى
قال بن خزيمة في حديثه عن زيد وقال بن أبي داود قال ثنا زيد
ثم اجتمعا جميعا فقالا عن أبي سلام عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبلان رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقول اقرأوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تأكلوا به
فحظر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعوضوا بالقرآن شيئا من عوض الدنيا
فعارض ذلك ما حمل عليه المخالف معنى الحديث الأول لو ثبت أن معناه كذلك ولم يثبت ذلك إذ كان
يحتمل تأويله بما وصفنا
وقد يحتمل أيضا معنى آخر وهو أن الله عز وجل أباح لرسوله صلى الله عليه وسلم ملك البضع بغير صداق ولم يجعل
ذلك لأحد غير قال الله عز وجل وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن
يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين
فيحتمل أن يكون قد كان مما خصه الله عز وجل به من ذلك ك أن يملك غيره ما كان له تملكه بغير صداق
فيكون ذلك خاصا للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال الليث
ومما يدل على ذلك أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم قد وهبت نفسي لك فقام إليه ذلك الرجل فقال له إن لم يكن لك
بها حاجة فزوجنيها
فكان هذا ما ذكر في ذلك الحديث ولم يذكر فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاورها في نفسها ولا أنها
قالت له زوجني منه
فدل ذلك إذا كان تزويجه إياها منه لا بقول تأتي به بعد قولها قد وهبت نفسي لك وإنما هو بقولها
الأول ولم تك قالت له قد جعلت لك أن تهبني لمن شئت بالهبة التي لا توجب مهرا جاز النكاح
وقد أجمعوا أن الهبة خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكرنا من اختصاص الله تعالى إياه بها دون المؤمنين
18

غير أن قوما قالوا خالصة لك أي بلا مهر وجعلوا الهبة نكاحا لغيره يوجب المهر
وقال آخرون خالصة لك أي أن الهبة تكون لك نكاحا ولا تكون نكاحا لغيرك
فلما كانت المرأة المذكور أمرها في حديث سهل منكوحة بهبتها نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم
على ما ذكرنا ثبت أن ذلك النكاح خاص كما قال الذين ذهبوا إلى ذلك
فإن قال قائل فقد يجوز أن يكون مع ما ذكرنا في الحديث سؤال من النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم لها
أن يزوجه منه وإن كان ذلك لم ينقل إلينا في ذلك الحديث
قيل له وكذلك يحتمل أيضا أيكون النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم قد جعل لها مهرا غير السورة
وإن كان ذلك لم ينقل إلينا في الحديث
فإن حملت الحديث على ظاهره على ما تذهب إليه أنت لزمك ما ذكرنا من أن ذلك النكاح كان
بالهبة التي وصفنا
وإن حملت ذلك على التأويل على ما وصفت فلغيرك أن يحمله أيضا من التأويل على ما ذكرنا ثم لا تكون
أنت بتأويلك أولى منه بتأويله
فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فإنا قد رأينا النكاح إذا وقع على مهر مجهول لم يثبت المهر ورد حكم المرأة
إلى حكم من لم يسم لها مهرا فاحتيج إلى أن يكون المهر معلوما كما تكون الأثمان في البياعات معلومة وكما
تكون الأجرة في الإجارات معلومة
وكان الأصل المجتمع عليه أن رجلا لو أستأجر رجلا
على أن يعلمه سورة من القرآن سماها بدرهم لا يجوز وكذلك لو أستأجره على أن يعلمه شعرا بعينه بدرهم كان ذلك غير جائز أيضا لان الإجارات لا تجوز إلا على أحد معنيين
إما على عمل بعينه مثل غسل ثوب بعينه أو على خياطته أو على وقت معلوم لا بد فيها من أن يكون الوقت
معلوما أو العمل معلوما
وكان إذا استأجره على تعليم سورة فتلك إجارة لا على وقت معلوم ولا على عمل معلوم إنما استأجره
على أن يعلمه ذلك وقد يتعلم بقليل التعليم وبكثيره وفي قليل الأوقات وكثيرها
وكذلك لو باعه داره على أن يعلمه سورة من القرآن لم يجز ذلك للمعاني التي ذكرناها في الإجارات
فلما كان ذلك كذلك في الإجارات والبياعات وقد وصفنا أن المهر لا يجوز على أموال ولا على منافع
19

إلا على ما يجوز عليه البيع والإجارة وغير ذلك وكان التعليم لا تملك به المنافع ولا أعيان الأموال ثبت بالنظر
على ذلك أن لا يملك به الأبضاع
فهذا هو النظر وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب الرجل يعتق أمته على أن عتقها صداقها
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا أبان وحماد بن زيد قالا ثنا شعيب
بن الحبحاب عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أعتق أمته على أن عتقها صداقها جاز ذلك فإن تزوجها
فلا مهر لها غير العتاق
وممن قال بهذا القول سفيان الثوري وأبو يوسف رحمة الله عليهما
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ليس لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم أن يفعل هذا
فيتم له النكاح بغير صداق سوى العتاق وإنما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم خاصا
لان الله عز وجل جعل له أن يتزوج بغير صداق ولم يجعل ذلك لأحد من المؤمنين غيره قال عز وجل
وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من
دون المؤمنين
فلما أباح الله عز وجل لنبيه أن يتزوج بغير صداق كان له أن يتزوج على العتاق الذي ليس بصداق
ومن لم يبح الله له أن يتزوج على غير صداق لم يكن له أن يتزوج على العتاق الذي ليس بصداق
وممن قال بهذا القول أبو حنيفة وزفر ومحمد رحمة الله عليهم
ومن الحجة لهم في ذلك أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى
آله وسلم أنه فعل في جويرية ذلك مثل ما روى عنه أنس أنه فعله في صفية
حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا يعقوب بن حميد قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد
عن ابن عون قال كتب إلي نافع أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ جويرية في غزوة بني المصطلق
فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها أخبرني بذلك عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش
فقد روى هذا بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم كما ذكرنا ثم قال هو
من بعد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم في مثل هذا أن يجدد لها صداقا
20

حدثنا بذلك سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله عن نافع
عن ابن عمر مثل ذلك
فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قد ذهب إلى أن الحكم في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله
وسلم على غير ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم
فيحتمل أن يكون ذلك سماعا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم
ويحتمل أن يكون دله على ذلك المعنى الذي استدللنا به نحن على خصوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك
بما وصفنا دون الناس
ثم نظرنا في عتاق رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية التي تزوجها عليه وجعله صداقها كيف كان
فإذا ربيع المؤذن قد حدثنا قال ثنا أسد قال ثنا يحيى بن زكريا هو بن أبي زائدة قال ثنا محمد
بن إسحاق قال حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في سهم لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له
فكاتبت على نفسها قالت وكانت امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم
تستعينه في كتابتها فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب الحجرة فكرهتها وعرفت أنه سيرى منها مثل ما رأيت
فقالت يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من الامر ما لم يخف
فوقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته فجئت رسول الله أستعينه على كتابتي
قال فهل لك من خير من ذلك قالت وما هو يا رسول الله قال أقضي عنك كتابتك وأتزوجك
قالت نعم قال فقد فعلت
وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث فقالوا صاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأرسلوا ما في أيديهم
قالت فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فلا نعلم امرأة كانت أعظم بركة
على قومها منها
فبينت عائشة رضي الله عنها العتاق الذي ذكره عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
تزوجها عليه وجعله مهرها كيف هو وأنه إنما هو أداؤه عنها مكاتبتها إلى الذي كان كاتبها لتعتق بذلك الأداء
ثم كان ذلك العتاق الذي وجب بأداء رسول الله صلى الله عليه وسلم المكاتبة إلى الذي كان كاتبها مهرا لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
على ما في حديث بن عمر رضي الله عنهما
21

وليس هذا لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفع عن مكاتبة مكاتبتها إلى مولاها على أن تعتق بأدائه ذلك
عنها ويكون ذلك العتاق مهرا لها من قبل الذي أدى عنها مكاتبتها وتكون بذلك زوجة له
فلما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل هذا مهرا على أن ذلك خاص له دون أمته كان له أن يجعل العتاق الذي
تولاه هو أيضا مهرا لمن أعتقه على أن ذلك خاص له دون أمته
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فإن أبا يوسف رحمة الله عليه قال النظر عندي في هذا أن يكون العتاق
مهرا للمعتقة عليه ليس لها معه غيره
وذلك لأنا رأيناها إذا وقع العتاق على أن تزوجه نفسها ثم أبت التزويج أن عليها أن تسعى في قيمتها
قال فما كان يجب عليها أن تسعى فيه إذا أبت التزويج يكون مهرا لها إذا أجابت إلى التزويج
قال وإن طلقها بعد ذلك قبل أن يدخل كان عليها أن تسعى في نصف قيمتها
وقد روي هذا أيضا عن الحسن
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن أشعث عن الحسن في رجل أعتق أمته
وجعل عتقها صداقها ثم طلقها قبل أن يدخل بها قال عليها أن تسعى في نصف قيمتها
وكان من الحجة في هذا على أبي يوسف رحمة الله عليه أن ما ذكره من وجوب السعاية عليها إذا أبت
في قيمتها قد قال هو أبو حنيفة ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهما فما لزمهما من ذلك في قولها إذا أجابت
إلى التزويج فهو لازم لهما
وأما زفر فكان يقول لا سعاية عليها إذا أبت لأنه وإن كان شرط عليها النكاح في أصل العتاق فإنما شرط
ذلك عليها ببدل شرطه لها على نفسه وهو الصداق الذي يجب لها في قوله إذا أجابت فكان العتاق واقعا عليها
لا ببدل والنكاح المشروط عليها له بدل غير العتاق
فصار ذلك كرجل أعتق عبده على أن يخدمه سنة بألف درهم فقبل ذلك العبد ثم أبى أن يخدمه فلا شئ
له عليه لأنه لو خدمه لكان يستحق عليه باستخدامه إياه أجرا بدلا من الخدمة
فكذلك إذا كان من قول زفر في الأمة المعتقة على التزويج أنه إذا أجابت إلى التزويج وجب لها مهر بدلا
من بضعها فإذا أبت لم يجب عليها بدل من رقبتها لان رقبتها عتقت لا ببدل وأشترط عليها نكاح ببدل
ولا يثبت البدل من النكاح إلا بثبوت النكاح كما لا يثبت البدل على الخدمة إلا بثبوت الخدمة
22

فليس بطلانهما ولا بطلان واحد منهما بموجب في العتاق الذي وقع على غير شئ بدلا
فهذا هو النظر في هذا الباب كما قال زفر لا كما قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد كان أيوب السختياني يذهب في تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم صفية على عتقها إلى ما
ذهب إليه أبو حنيفة وزفر ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين أيضا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد قال أعتق هشام بن حسان أم ولد له
وجعل عتقها صداقها
فذكرت ذلك لأيوب فقال لو كان أبت عتقها فقلت أليس النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها
فقال لو أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك له
فأخبرت بذلك هشاما فأبت عتقها وتزوجها وأصدقها أربع مائة
فإن قال قائل قد رأيت الرجل يعتق أمته على مال وتقبل ذلك منه فتكون حرة ويجب له عليها ذلك
المال فما تنكر أن يكون إذا أعتقها على أن عتقها صداقها فقبلت ذلك منه أن تكون حرة ويجب له ذلك
المال عليها
قيل له إذا أعتقها على مال فقبلت ذلك منه وجب لها عليه العتاق ووجب له عليها المال فوجب لكل
واحد منهما بذلك العقد الذي تعاقدا بينهما شئ أوجبه له ذلك العقد لم يكن مالكا له قبل ذلك
وإذا أعتقها على أن عتقها صداقها فقد ملكها رقبتها على أن ملكته بضعها فملكها رقبة هو لها مالك
ولم تكن هي مالكة لها قبل ذلك على أن ملكته بضعها هو له مالك قبل ذلك فلم تملكه بذلك العتاق شيئا
لم يكن مالكا له قبله إنما ملكته بعض ما قد كان له
فكذلك لم يجب له عليها بذلك العتاق شئ وليكن ذلك العتاق لها صداقا
هذه حجة على من يقول تكون زوجة له بالعتاق الذي هو لها صداق
فأما من يقول لا تكون زوجته إلا بنكاح مستأنف بعد العتاق والصداق له واجب عليها بالعتاق ويتزوجها
عليه متى أحب فإن الحجة عليه في ذلك أن يقال له فلمعتقها أن يأخذها بغرم ذلك الصداق الذي قد وجب له
عليها بالعتاق
فإن قال له أن يأخذها به خرج بذلك من قول أهل العلم جميعا
وإن قال ليس له أن يأخذها به قيل له فما الصداق الذي أوجب له عليها العتاق أمال هو أم غير مال
فإن كان مالا فله أن يأخذها بماله عليها من المال متى أحب وإن كان غير مال فليس له أن يتزوجها على غير مال
فثبت بما ذكرنا فساد هذا القول أيضا والله تعالى أعلم
23

باب نكاح المتعة
حدثنا علي بن معبد قال ثنا الوليد بن القاسم بن الوليد قال إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم
عن عبد الله بن مسعود قال كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء فقلنا يا رسول الله ألا نستخصي
فنهانا عن ذلك ورخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل ثم قرأ هذه الآية لا تحرموا طيبات ما أحل
الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشام قال أخبرنا أبو بشر عن
سعيد بن جبير قال سمعت عبد الله بن الزبير يخطب وهو يعرض بابن عباس يعيب عليه قوله في المتعة
فقال بن عباس يسأل أمه إن كان صادقا فسألها فقالت صدق بن عباس قد كان ذلك
فقال بن عباس رضي الله عنهما لو شئت لسميت رجالا من قريش ولدوا فيها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أمية بن بسطام قال ثنا يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن عمرو
بن دينار عن الحسن بن محمد عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم فأذن لهم في المتعة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا لا بأس أن يتمتع الرجل من المرأة أياما معلومة بشئ معلوم
فإذا مضت تلك الأيام حرمت عليه لا بطلاق ولكن بانقضاء المدة التي كانا تعاقدا على المتعة فيها ولا يتوارثان
بذلك في قولهم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجوز هذا النكاح واحتجوا بأن الآثار التي احتج بها عليهم أهل
المقالة الأولى قد كانت ثم نسخت بعد ذلك وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن المتعة
وذكروا ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه عنها مما لم يذكر فيها النسخ ما قد حدثنا ابن أبي داود
قال ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال ثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن عبد الله بن محمد بن علي بن
أبي طالب ومحمد بن علي أخبراه أن أباهما أخبرهما أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس إنك رجل تابه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس وأسامة ومالك عن ابن شهاب
فذكر بإسناده مثله غير أنه لم يقل إنك رجل تابه
24

حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشام قال أخبرنا يحيى بن سعيد
عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية عن أبيهما أن عليا مر بابن عباس وهو يفتي بالمتعة متعة
النساء أنه لا بأس بها
فقال له علي قد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني عمر بن محمد العمري عن ابن شهاب قال أخبرني
سالم بن عبد الله أن رجلا سأل عبد الله بن عمر عن المتعة فقال حرام
قال فإن فلانا يقول فيها قال والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين
ففي هذه الآثار النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة
فاحتمل أن يكون ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاذن فيها كان ذلك منه قبل النهي ثم نهى عنها فكان
ذلك النهي ناسخا لما كان من الإباحة قبل ذلك
فنظرنا في ذلك فإذا يونس قد حدثنا قال ثنا أنس بن عياض الليثي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة في حجة الوداع فأذن لنا في المتعة
فانطلقت أنا وصاحب لي إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عنطاء فعرضنا عليها أنفسنا
فقالت ما تعطيني فقلت ردائي وقال صاحبي ردائين وكان رداء صاحبي أجود من ردائي وكنت
أشب منه فإذا نظرت إلى ردائي صاحبي أعجبها وإذا نظرت إلي أعجبتها فقالت أنت ورداؤك تكفيني
فمكثت معها ثلاثة أيام
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كان عنده شئ من هذه النساء اللاتي يتمتع بهن فليخل سبيلها
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن الربيع بن سبرة الجهني
عن أبيه مثله
25

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن متعة النساء يوم الفتح
فقلت ممن سمعته فقال حدثني رجل عن أبيه عن عمر بن عبد العزيز وزعم معمر أنه الربيع بن سبرة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن عبد العزيز
بن عمر عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في المتعة فتزوج رجل امرأة فلما كان بعد ذلك
إذا هو يحرمها أشد التحريم ويقول
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يونس بن محمد قال أخبرنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا أبو عميس
عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال اذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء ثم نهى عنها
حدثنا أبو بكرة قال حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال ثنا عكرمة بن عمار عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فنزل ثنية الوداع فرأى مصابيح ونساء
يبكين فقال ما هذا فقيل نساء تمتع بهن أزواجهن وفارقوهن
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حرم أو هدر المتعة بالطلاق والنكاح والعدة والميراث
ففي هذه الآثار تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم المتعة بعد إذنه فيها وإباحته إياها
فثبت بما ذكرنا نسخ ما في الآثار الأول التي ذكرناها في أول هذا الباب
ثم قد روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم النهي عنها أيضا
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال ثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن
عطاء عن ابن عباس قال ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها هذه الأمة ولولا نهي عمر بن الخطاب عنها
ما زنى إلا شقي
قال عطاء كأني أسمعها من بن عباس إلا شقي
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا شجاع بن الوليد عن ليث بن أبي سليم عن طلحة بن مصرف عن
خيثمة بن عبد الرحمن عن أبي ذر رضي الله عنه قال إنما كانت متعة النساء لنا خاصة
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد قال هشام أخبرنا عبد الملك عن عطاء عن جابر أنهم
كانوا يتمتعون من النساء حتى نهاهم عمر
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن أبي جمرة قال سألت بن عباس عن متعة
النساء فقال مولى له إنما كان ذلك في الغزو والنساء قليل فقال بن عباس رضي الله عنهما صدقت
26

قال أبو جعفر فهذا عمر رضي الله عنه قد نهى عن متعة النساء بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر
ذلك عليه منهم منكر وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك وفي إجماعهم على النهي في ذلك
عنها دليل على نسخها وحجة
ثم هذا بن عباس رضي الله عنهما يقول إنما أبيحت والنساء قليل أي فلما كثرن ارتفع المعنى الذي
من أجله أبيحت
وقال أبو ذر رضي الله عنه إنما كانت لنا خاصة فقد يحتمل أن يكون كانت لهم للمعنى الذي ذكره عبد الله
بن عباس أنه أبيحت من أجله
وأما قول جابر رضي الله عنه كنا نتمتع حتى نهانا عنها عمر فقد يجوز أن يكون لم يعلم بتحريم
رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها حتى علمه من قول عمر رضي الله عنه
وفي تركه ما قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أباحه لهم دليل على أن الحجة قد قامت عنده على نسخ ذلك وتحريمه
فوجب بما ذكرنا نسخ ما روينا في أول هذا الباب من إباحة متعة النساء
وقد قال بعض أهل العلم إن النكاح إذا عقد على متعة أيام فهو جائز على الأبد والشرط باطل
فمن الحجة على هذا القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن المتعة قال لهم من كان عنده من هذه النساء اللاتي
يتمتع بهن شئ فليفارقهن
فدل ذلك على أن ذلك العقد المتقدم لا يوجب دوام العقد للأبد لأنه لو كان يوجب دوام العقد للأبد
لكان يفسخ الشرط الذي كانا تعاقدا بينهما ولا يفسخ النكاح إذا كان قد ثبت على صحة وجواز قبل النهي
ففي أمره إياهم بالمفارقة دليل على أن مثل ذلك العقد لا يجب به ملك بضع وهذا قول أبي حنيفة
وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
باب مقدار ما يقيم الرجل
عند الثيب أو البكر إذا تزوجها
حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال للبكر سبع
وللثيب ثلاث
حدثنا صالح قال ثنا سعيد قال ثنا هشام قال أخبرنا خالد عن أبي قلابة عن أنس قال إذا
تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا
27

قال خالد في حديثه ولو قلت إنه قد رفع الحديث لصدقت ولكنه قال السنة كذلك
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن خالد الحذاء قال سمعت أبا قلابة
يحدث عن أنس قال السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا
حدثنا أبو أمية قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس مثله
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الله بن سلمة القعنبي قال ثنا مالك عن حميد الطويل
عن أنس قال للبكر سبع وللثيب ثلاث
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا خالد بن عبد الله عن حميد عن أنس
قال سنة البكر سبع والثيب ثلاثا
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير قال ثنا حميد عن أنس قال إذا تزوج الرجل البكر
وعنده غيرها فلها سبع ثم يقسم
وإذا تزوج الثيب فثلاث ثم يقسم
حدثنا صالح قال ثنا سعيد قال ثنا هشام قال أخبرنا حميد قال سمعت أنسا يقول ما ذلك
وزاد أنه قال ولو قلت إنه قد رفع الحديث لصدقت ولكنه قال السنة كذلك
حدثنا صالح قال ثنا سعيد قال ثنا هشام قال أخبرنا حميد قال سمعت أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما أصاب صفية بنت حيي واتخذها أقام عندها ثلاثا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا تزوج الثيب أنه بالخيار إن شاء سبع لها وسبع لسائر نسائه
وإن شاء أقام عندها ثلاثا ودار على بقية نسائه يوما يوما أو ليلة ليلة واحتجوا فيما ذكروا بهذا الحديث
وبحديث أم سلمة رضي الله عنها
كما حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن
قال لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة قال لها ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك
وإلا فثلثت ثم أدور
حدثنا صالح قال ثنا القعنبي قال ثنا مالك ح
28

وحدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الملك
بن أبي بكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن هو بن الحارث بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج
أم سلمة فأصبحت عنده قال ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت
ثلثت ثم درت قالت ثلث
حدثنا أبو أمية قال ثنا علي بن عبد الله بن جعفر قال ثنا يحيى بن سعيد قال ثنا سفيان قال ثنا
محمد بن أبي بكر قال حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن
أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لام سلمة حين تزوجها ما بك على أهلك هوان إن شئت
سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي
قالوا فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت سبعت لك وإلا فثلثت ثم أدور دل ذلك على أن الثلاث حق
لها دون سائر النساء
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إن ثلث لها ثلث لسائر نسائه وإن سبع لها سبع لسائر نسائه
واحتجوا في ذلك بحديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إن سبعت عندك
سبعت عندهن
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا حماد بن سلمة ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل المنقري قال ثنا حماد بن سلمة
عن ثابت ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا آدم بن أبي إياس قال ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عمر
بن أبي سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها لما بنى بها وأصبحت عنده إن شئت سبعت لك
وإن سبعت لك سبعت لنسائي
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أحمد بن صالح قال ثنا عبد الرازق قال أخبرنا جريج قال أخبرني
حبيب بن أبي ثابت أن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو والقاسم بن محمد بن عبد الرحمن أخبراه أنهما سمعا
أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث يخبر عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها أنها أخبرته فذكر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قالوا فلما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سبعت لك سبعت لنسائي أي أعدل بينك وبينهن فأجعل
لكل واحدة منهن سبعا كما أقمت عندك سبعا كان كذلك أيضا إذا جعل لها ثلاثا جعل لكل واحدة
منهن كذلك أيضا
وقال أصحاب المقالة الأولى فما معنى قول ثم أدور
29

قيل لهم يحتمل ثم أدور بالثلاث عليهن جميعا لأنه لو كانت الثلاث حقا لها دون سائر النساء لكان
إذا أقام عندها سبعا كانت ثلاث منهن غير محسوبة عليها ولوجب أن يكون لسائر النساء أربع أربع
فلما كان الذي للنساء إذا أقام عندها سبعا سبعا لكل واحدة منهن كان كذلك إذا أقام عندها ثلاثا
لكل واحدة منهن ثلاث ثلاث
هذا هو النظر الصحيح مع استقامة تأويل هذه الآثار عليه وهو قول أبي حنيفة أبي يوسف ومحمد
رحمة الله عليهم أجمعين
باب العزل
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس وصالح بن عبد الرحمن قالا ثنا عبد الله بن يزيد المقري قال ثنا
سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة قالت حدثتني جدامة
قالت ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم العزل فقال ذلك الوأد الخفي
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا يحيى بن أيوب قال أخبرني أبو الأسود
قال ثنا عروة عن عائشة عن جدامة بنت وهب الأسدية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو زرعة قال قال أخبرنا حياة عن أبي الأسود أنه سمع عروة يحدث
عن عائشة عن جدامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فكره قوم العزل لهذا الأثر المروي في كراهة ذلك
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا به بأسا إذا أذنت الحرة لزوجها فيه فإن منعته من ذلك لم يسعه
أن يعزل عنها
وقد خالفهم في هذا قوم آخرون فقالوا له أن يعزل عنها إن شاءت أو أبت
والقول الأول في هذا عندنا أصح القولين وذلك أنا رأينا الزوج له أن يأخذ المرأة بأن يجامعها وإن كرهت
ذلك وله أن يأخذها بأن يفضي إليها ولا يعزل عنها
فكان له أن يأخذها بأن يفضي إليها في جماعه إياها كما يأخذها بأن يجامعها وكان للمرأة أن تأخذ زوجها بأن يجامعها
فكان لها أن تأخذه بأن يفضي إليها كما له أن يأخذها بأن
يجامعها وأن يفضي إليها
وكان حق كل واحد منهما في ذلك على صاحبه سواء وكان من حقه أن يفضي إليها في جماعها إن أحبب
وإن هرت أي كرهت هي ذلك
30

فالنظر على ما ذكرنا أن يكون كذلك من حقها هي أيضا عليه ان يفضي إليها في جماعه إياها إن أحب
ذلك وإن كره
وهذا هو النظر في هذا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
وللمولى في قولهم جميعا عند مكره العزل أصلا أن يجامع أمته ويعزل عنها في جماعه ولا يستأذنها في ذلك
وإن كانت لرجل زوجة مملوكة فأرادت أن يعزل عنها فإن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا رحمة الله عليهم
كانوا يقولون في ذلك فيما حدثني محمد بن العباس عن علي بن معبد عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف
عن أبي حنيفة رحمة الله عليهم أن الاذن في ذلك إلى مولى الأمة
وقد روي عن أبي يوسف خلاف هذا القول
حدثني بن أبي عمران قال حدثني محمد بن شجاع عن الحسن بن زياد عن أبي يوسف رحمة الله عليهم
قال الاذن في ذلك إلى الأمة لا إلى مولاها
قال بن أبي عمران هذا هو النظر على أصول ما بني عليه هذا الباب لأنها لو أباحت زوجها ترك جماعها
كان من ذلك في سعة ولم يكن لمولاها أن يأخذ زوجها بأن يجامعها
فلما كان الجماع الواجب على زوجها إليه أخذ زوجها به لا إلى مولاها كان ذلك الافضاء في ذلك الجماع
الاخذ به إليها لا إلى مولاها فهذا هو النظر في هذا
وأنكر هؤلاء جميعا الذين أباحوا العزل ما في حديث جدامة مما روته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله فيه
إنه الوأد الخفي ورووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكار ذلك القول على من قاله
وذكروا في ذلك ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا هشام بن أبي عبد الله ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن
عن أبي رفاعة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال يا رسول الله إن عندي
جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأشتهي ما يشتهي الرجال وإن اليهود يقولون هي
الموؤودة الصغرى
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت يهود لو أن الله أراد أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه
حدثنا ابن مرزوق قال حدثنا هارون بن إسماعيل قال ثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير
عن محمد بن عبد الرحمن عن أبي مطيع بن رفاعة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله *
(حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني عياش بن عقبة الحضري عن موسى بن وردان
عن أبي سعيد الخدري قال بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إن العزل هو الموؤودة الصغرى
31

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت يهود ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أفضيت لم يكن إلا بقدر
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عياش الرقام قال ثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري قال أقمت جارية لي بسوق
بني قينقاع فمر بي يهودي فقال ما هذه الجارية قلت جارية لي
قال أكنت تصيبها قلت نعم قال فلعل في بطنها منك سخلة قال قلت إني كنت أعزل
عنها قال تلك الموؤودة الصغرى
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال كذبت يهود كذبت يهود
فهذا أبو سعيد رضي الله عنه قد حكى عن النبي صلى الله عليه وسلم إكذاب من زعم أن العزل موؤودة
ثم قد روي عن علي رضي الله عنه رفع ذلك والتنبيه على فساده بمعنى لطيف حسن
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني الليث قال حدثني معمر
بن أبي حبيبة عن عبد الله بن عدي بن الخيار قال تذاكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عمر العزل
فاختلفوا فيه
فقال عمر قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار فكيف بالناس بعدكم إذ تناجى رجلان فقال عمر ما هذه
المناجاة قال إن اليهود تزعم أنها الموؤودة الصغرى
فقال علي إنها لا تكون موؤودة حتى تمر بالتارات السبع ولقد خلقنا الانسان من سلالة
من طين إلى آخر الآية
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الله بن يزيد المقري قال ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب
عن معمر بن أبي حبيبة قال سمعت عبيد بن رفاعة الأنصاري قال تذاكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم العزل
ثم ذكر مثله فتعجب عمر من قوله وقال جزاك الله خيرا
فأخبر علي رضي الله عنه أنه لا موؤودة إما قد نفخ فيه الروح قبل ذلك وأما ما لم ينفخ فيه الروح فإنما
هو موات غير موؤودة
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا نظير ما ذكرناه عن علي رضي الله عنه
حدثنا أبو بكرة قال أخبرنا سفيان قال ثنا الأعمش عن أبي الوداك أن قوما سألوا بن عباس
عن العزل فذكر مثل كلام علي سواء
فهذا علي وابن عباس قد اجتمعا في هذا على ما ذكرنا وتابع عليا على ما قال من ذلك
عمر رضي الله عنهما ومن كان بحضرتهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
32

ففي هذا دليل على أن العزل غير مكروه من هذه الجهة
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العزل أيضا ما حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا أسباط عن مطرف
عن أبي إسحاق عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أصبنا نساء فكنا
نطؤهن فنعزل عنهن
فقال بعضنا لبعض أتفعلون هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبكم لا تسألونه
قال فسألوه عن ذلك فقال ليس من كل الماء يكون الولد إن الله إذا أراد أن يخلق شيئا لم يمنعه شئ
فلا عليكم ألا تعزلوا
حدثنا ربيع المؤذن قال حدثنا ابن وهب قال وأخبرني بن أبي الزناد عن أبيه قال حدثني محمد
بن يحيى بن حبان أن بن محيريز حدثه أن أبا سعيد حدثه أن بعض الناس كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن العزل
وذلك ك لشأن غزوة بني المصطلق فأصابوا سبايا وكرهوا أن يلدن منهم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عليكم أن لا تعزلوا فإن الله قد قدر ما هو خالق إلى يوم القيامة
حدثنا ابن أبي داود قال حدثني بن أبي مريم قال أخبرني بن أبي الزناد قال حدثني أبي عن يحيى
بن يحيى بن حبان أن بن محيريز حدثه أن أبا سعيد أخبرهم ثم ذكر مثله *
(حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ربيعة بن عبد الرحمن عن محمد بن يحيى بن حبان
فذكر بإسناده مثله
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب قال ثنا وهيب عن موسى بن عقبة عن محمد بن يحيى بن
حبان عن ابن المحيريز عن أبي سعيد الخدري أنهم أصابوا سبايا يوم أوطاس فأرادوا أن يستمتعوا منهن
ولا تحملن
فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا عليكم أن لا تفعلوا فإن الله عز وجل قد كتب من هو خالق إلى
يوم القيامة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال أخبرني
عبد الله بن محيريز الجمحي أن أبا سعيد الخدري أخبره أنه بينا هو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من الأنصار
فقال يا رسول الله إنا نصيب سبيا ونحب الأثمان فكيف ترى في العزل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو أنكم لتفعلون ذلك لا عليكم أن لا تفعلوا ذلكم فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج
إلا هي خارجة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود عن شعبة عن أنس بن سيرين قال سمعت معبد بن سيرين
33

يحدث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال لا عليكم ألا تفعلوه فإنما
هو القدر
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي قال سمعت أبا الوداك
يحدث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال لما أصبنا سبى خيبر سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال
ليس من كل الماء يكون الولد فإذا أراد الله أن يخلق شيئا لم يمنعه شئ
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الوداك عن أبي سعيد
قال أصبنا سبيا يوم خيبر فكنا نعزل عنهن نريد الفداء فقلنا لو سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو ظفر قال ثنا جرير بن حازم عن محمد بن سيرين عن أبي العالية
عن أبي سعيد قال تذاكرنا العزل
فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا عليكم ألا تفعلوا فإنما هو القدر
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن أبي الفيض قال سمعت عبد الله
بن مرة عن أبي سعيد الزرقي أن رجلا من أشجع سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال ما يقدر الله
في الرحم يكن
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا جعفر بن أبي المغيرة عن عبد الله بن أبي الهذيل عن جرير
رضي الله عنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال ما وصلت إليك من المشركين إلا بغنية لي أو بقينة أعز عنها أريد
بها السوق فقال جاءها ما قدر
قال أبو جعفر ففي هذه الآثار أيضا ما يدل على أن العزل غير مكروه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبروه أنهم
يفعلونه لم ينكر ذلك عليهم ولم ينههم عنه وقال لا عليكم ألا تفعلوه فإنما هو القدر
أي فإن الله إذا كان قد قدر أنه يكون ذلك كان ذلك الولد ولم يمنعه عزل ولا غيره لأنه قد يكون مع
العزل إفضاء بقليل الماء الذي قد قدر الله عز وجل أن يكون منه ولد فيكون منه ولد ويكون ما بقي من الماء الذي
قد يمتنعون من الافضاء به بالعزل فضلا
وقد يكون الله عز وجل قد قدر أن لا يكون من ماء ولد فيكون الافضاء بذلك الماء والعزل سواء في أن
لا يكون منه ولد
فكان الافضاء بالماء لا يكون منه ولد إلا بأن يكون في تقدير الله عز وجل أن لا يكون من ذلك الماء ولد
فيكون كما قدر
وكان العزل إذا كان قد تقدم في تقدير الله عز وجل أن يكون من ذلك الماء الذي يعزل ولدا وصل الله إلى الرحم
منه شيئا وإن قل فيكون منه الولد
فأعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الافضاء لا يكون به ولد إلا أن يكون قد سبق ذلك في تقدير الله عز وجل
34

وأن العزل لا يمنع أن يكون ولد إذا كان قد سبق في علم الله أنه كائن ولم ينههم في جملة ذلك عزل
ثم قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إباحته أيضا ما قد حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا محمد بن
حازم عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن جابر قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من الأنصار فقال يا رسول الله
إن لي جارية تسير تستقي على ناضحي وأنا أصيب منها أفأعزل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فاعزل
فلم يلبث الرجل أن جاء فقال يا رسول الله قد عزلت عنها فحملت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قدر الله عز وجل لنفس أن يخلقها إلا وهي كائنة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن جابر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فهذا جابر رضي الله عنه قد حكى عن النبي صلى الله عليه وسلم نظير ما حكى عنه أبو سعيد رضي الله عنه
ومن ذكرنا معه في الفصل الذي قبل هذا أنه قد أذن مع ذلك في العزل
ثم قد روي عن جابر رضي الله عنه في إباحة العزل أيضا ما قد حدثنا أحمد بن داود قال ثنا أبو بكر بن
أبي شيبة قال ثنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي عن أبيه عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أذن في العزل
حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن جابر قال كنا نعزل على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال أخبرنا شعبة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله
قال كنا نعزل والقرآن ينزل
قال شعبة فقلت لعمرو أسمعت هذا من جابر فقال لا
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا أبو داود قال ثنا هشام عن أبي الزبير عن جابر قال كنا
نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا عن ذلك
فلما انتفى المعنى الذي به كره العزل وما ذكر من ذكر في ذلك أنه من الموؤودة وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما قد ذكرناه عنه من إباحته ثبت أن لا بأس بالعزل لمن أراده على الشرائط التي ذكرناها وفصلناها في أول
هذا الباب
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
35

باب الحائض ما يحل لزوجها منها
حدثنا أبو بكرة قال أخبرنا أبو داود قال أخبرنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود
عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا أن تتزر وهي حائض ثم يضاجعها
قال شعبة وقال مرة يباشرها
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يعلى بن عبيد قال ثنا حريث بن عمرو عن الشعبي عن مسروق عن
عائشة قالت ربما باشرني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا حائض فوق الإزار
حدثنا ربيع المؤذن قال أخبرنا أسد قال ثنا أسباط ح
وحدثنا محمد بن عمر بن يونس قال ثنا أسباط عن أبي إسحاق الشيباني عن عبد الله بن شداد عن
ميمونة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهي حيض
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس والليث عن ابن شهاب عن حبيب مولى
عروة بن الزبير عن ندبة قال بن وهب إن الليث يقول بدية مولاة ميمونة عن ميمونة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار يبلغ أنصاف
الفخذين أو الركبتين وفي حديث الليث محتجزة به
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا الليث فذكر مثل ما ذكره بن وهب عن الليث سواء
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الحائض لا ينبغي لزوجها أن يجامعها إلا كذلك ولا يطلع منها على عورة
واحتجوا في ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرنا وممن قال به أبو حنيفة رحمة الله عليه
واحتجوا في ذلك أيضا بما روي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا علي
36

بن الجعد قال أخبرنا زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عاصم بن عمرو الشامي عن أحد النفر
الذين أتوا عمر بن الخطاب وكانوا ثلاثة فسألوهما للرجل من امرأته إذا أحدثت يعنون الحيض
فقال سألتموني عن شئ ما سألني عنه أحد منذ سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له منها ما فوق الإزار
من التقبيل والضم ولا يطلع على ما تحته
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عاصم بن عمرو البجلي
أن قوما أتوا عمر بن الخطاب فسألوه ثم ذكر مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا المسعودي قال ثنا عاصم بن عمرو البجلي أن قوما أتوا
عمر ثم ذكر مثله
حدثنا فهد قال أخبرنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن
أبي إسحاق عن عاصم عن ابن عمرو عن عمير مولى لعمر عن عمر مثله
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بما فوق الإزار منها وما تحت الإزار إذا اجتنب مواضع الدم
وقالوا أما ما ذكرتم من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حجة لكم في ذلك لأنا نحن لا ننكر أن لزوج الحائض
منها ما فوق الإزار فيكون هذا الحديث حجة علينا
بل نحن نقول له منها ما فوق الإزار وما تحته إذا اجتنب مواضع الدم كما له أن يفعل ذلك قبل
حدوث الحيض
وإنما ذلك الحديث حجة على من أنكر أن لزوج الحائض منها ما فوق الإزار
فأما من أباح ذلك له فإن هذا الحديث ليس بحجة عليه وعليكم البرهان بعد لقولكم إنه ليس له
منها إلا ذلك
فقد روي عن عائشة رضي الله عنها في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما ذهبنا إليه نحن ويخالف ما ذهبتم
أنتم إليه وهي أحد من رويتم عنها مما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسائه إذا حضن ما ذكرتم من
ذلك
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زهير قال ثنا أبو إسحاق عن أبي ميسرة عن عائشة
قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشرني وأنا في شعار واحد وأنا حائض ولكنه كان أملككم لإربه
أو أملك لإربه
فهذا على أنه كان يباشرها في إزار واحد ففي ذلك إباحة ما تحت الإزار
37

فلما جاء هذا عنها وقد جاء عنها أنه كان يأمرها أن تتزر ثم يباشرها كان هذا عندنا على أنه كان يفعل
هكذا مرة وهكذا مرة وفي ذلك إباحة المعنيين جميعا
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه ما يوافق هذا القول الذي صححنا عليه حديثي عائشة
رضي الله عنها للذين ذكرنا
0) حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا أبو الوليد الطيالسي قال ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن اليهود
كانوا لا يأكلون ولا يشربون ولا يقعدون مع الحيض في بيت
فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا
النساء في المحيض
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اصنعوا كل شئ ما خلا الجماع
ففي هذا الحديث أنهم كانوا قد أبيحوا من الحائض كل شئ منها غير جماعها خاصة وذلك على جماع
الفرج دون ما سواه
وقد روي هذا القول بعينه عن عائشة رضي الله عنها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن أيوب عن أبي قلابة
أن رجلا سأل عائشة ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا فقالت كل شئ إلا فرجها
حدثنا ابن أبي داود قال أخبرنا عمرو بن خالد قال ثنا عبيد الله عن أيوب عن أبي معشر
عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة مثل ذلك
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن بكير عن أبي مرة مولى عقيل
عن حكيم بن عقال قال سألت عائشة ما يحرم علي من امرأتي إذا حاضت قالت فرجها
فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فإنا رأينا المرأة قبل أن تحيض لزوجها أن يجامعها في فرجها وله منها ما فوق
الإزار وما تحت الإزار أيضا
ثم إذا حاضت حرم عليه الجماع في فرجها وحل له منها ما فوق الإزار باتفاقهم
واختلفوا فيما تحت الإزار على ما ذكرنا فأباحه بعضهم فجعل حكمه حكم ما فوق الإزار ومنع منه بعضهم
فجعل حكمه حكم الجماع في الفرج
فلما اختلفوا في ذلك وجب النظر لنعلم أي الوجهين هو أشبه به فيحكم له بحكمه
38

فرأينا الجماع في الفرج يوجب الحد والمهر والغسل ورأينا الجماع فيما سوى الفرج لا يوجب من ذلك شيئا
ويستوي في ذلك حكم ما فوق الإزار وما تحت الإزار
فثبت بما ذكرنا أن حكم ما تحت الإزار أشبه بما فوق الإزار منه بالجماع في الفرج
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك هو في حكم الحائض فيكون حكمه حكم الجماع فوق الإزار لا حكم
الجماع في الفرج
وهذا قول محمد بن الحسن رحمة الله عليه وبه نأخذ
قال أبو جعفر رضي الله عنه ثم نظرت بعد ذلك في هذا الباب وفي تصحيح الآثار فيه فإذا هي تدل
على ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمة الله عليه لا على ما ذهب إليه محمد
وذلك أنا وجدناها على ثلاثة أنواع
فنوع منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يباشر نساءه وهن حيض فوق الإزار فلم يكن في ذلك
دليل على منع المحيض من المباشرة تحت الإزار لما قد ذكرناه في موضعه من هذا الباب
ونوع آخر منها وهو ما روى عمير مولى عمر عن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
على ما ذكرناه في موضعه
فكان في ذلك ك دليل على المنع من جماع الحيض تحت الإزار لان ما فيه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره
ما فوق الإزار فإنما هو جواب لسؤال عمر رضي الله عنه إياه ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا
فقال له ما فوق الإزار فكان ذلك جواب سؤاله لا نقصان فيه ولا تقصير
ونوع آخر ما هو ما روى عن أنس رضي الله عنه على ما قد ذكرناه عنه فذلك مبيح لاتيان
الحيض دون الفرج وإن كان تحت الإزار
فأردنا أن ننظر أي هذين النوعين تأخر عن صاحبه فنجعله ناسخا له
فنظرنا في ذلك فإذا حديث أنس فيه إخبار عما كانت اليهود عليه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب
موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بخلافهم قد روينا ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما في كتاب الجنائز
وكذلك أمره الله تعالى في قوله أولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده
فكان عليه اتباع من تقدمه من الأنبياء حتى يحدث له شريعة تنسخ شريعته
فكان الذي نسخ ما كانت اليهود عليه من اجتناب كلام الحائض ومؤاكلتها والاجتماع معها في بيت
هو ما هو في حديث أنس رضي الله عنه لا واسطة بينهما
ففي حديث أنس رضي الله عنه إباحة جماعه فيما دون الفرج
39

وكان الذي في حديث عمر الإباحة لما فوق الإزار والمنع ما تحت الإزار
فاستحال أن يكون ذلك متقدما لحديث أنس رضي الله عنه إذا كان حديث أنس رضي الله عنه هو الناسخ
لاجتناب الاجتماع مع الحائض ومؤاكلتها ومشاربتها
فثبت أنه متأخر عنه وناسخ لبعض الذي أبيح فيه
فثبت بذلك ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمة الله عليه من هذا بتصحيح الآثار وانتفى ما ذهب إليه محمد
رحمة الله عليه
باب وطئ النساء في أدبارهن
حدثنا أحمد بن داود قال أخبرنا يعقوب بن حميد قال ثنا عبد الله بن نافع عن هشام بن سعد
عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه
وقالوا أتعزبها فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)
* قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن وطئ المرأة في دبرها جائز
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وتأولوا هذه الآية على إباحة ذلك
وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا وطئ النساء في أدبارهن ومنعوا من ذلك وتأولوا هذه الآية
على غير هذا التأويل
فحدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر أن اليهود قالوا من أتى امرأته
في فرجها من دبرها خرج ولدها أحول فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم
أنى شئتم)
* حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال ثنا سفيان الثوري أن محمد بن المنكدر حدثه عن جابر مثله
حدثنا محمد بن زكريا أبو شريح قال ثنا الفريابي قال ثنا سفيان الثوري فذكر بإسناده مثله *
(حدثنا محمد بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قالت اليهود
إذا أتى الرجل أهله باركة جاء الولد أحول فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله
قالوا فإنما كان من قول اليهود ما ذكرنا فأنزل الله عز وجل ذلك دفعا لقولهم وإباحة للوطئ في الفرج
من الدبر ومن القبل جميعا
وقد روى آخرون هذا الحديث عن ابن المنكدر على ما ذكرنا وزاد فيه إذا كان ذلك في الفرج
40

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت النعمان
بن راشد يحدث عن الزهري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن يهوديا قال إذا نكح الرجل
امرأة مجبية خرج ولدها أحول فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم
أنى شئتم إن شئتم مجبية وإن شئتم غير مجبية إذا كان ذلك في صمام واحد
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن جريج أن محمد بن المنكدر حدثه عن جابر بن عبد الله
أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولدها أحول فأنزل الله عز وجل نساؤكم
حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج
ففي توقيف النبي صلى الله عليه وسلم إياهم في ذلك على الفرج إعلام منه إياهم أن الدبر بخلاف ذلك
وقد قيل في تأويل هذه الآية أيضا غير هذا التأويل
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا مسدد قال ثنا أبو الأحوص قال ثنا أبو إسحاق عن زائدة
قال سألت بن عباس عن العزل فقال نساؤكم حرث لكم إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل
وكان من حجة أهل المقالة الأولى أيضا لقولهم في ذلك ما قد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
من إباحة ذلك
كما حدثنا أبو قرة محمد بن حميد بن هشام الرعيني قال ثنا أصبغ بن الفرج وأبو زيد عبد الرحمن
بن أبي العمر قالا قال أبو القاسم وحدثني مالك بن أنس قال حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن
أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل بن عمر عنه يعني عن وطئ النساء في أدبارهن فقال لا بأس به
قال أبو جعفر قد روي هذا عن ابن عمر كما ذكرتم وروي عنه خلاف ذلك
حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح ح
وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا عبد الله بن وهب قالا ثنا الليث قال بن وهب في حديثه عن الحارث
بن يعقوب وقال عبد الله بن صالح قال حدثني الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار أبي الحباب
قال قلت لابن عمر ما تقول في الجواري الحمض بهن قال وما التحميض فذكرت الدبر
فقال وهل يفعل ذلك من المسلمين
فقد ضاد هذا عن ابن عمر رضي الله عنهما ما قد رواه عنه أهل المقالة الأولى مما قد ذكرناه في ذلك
والدليل على صحة هذا إنكار سالم بن عبد الله أن يكون ذلك كان من أبيه
41

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا عطاف بن خالد عن موسى بن عبيد الله
بن الحسن أن أباه سأل سالم بن عبد الله أن يحدثه بحديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يرى
بأسا بإتيان النساء في أدبارهن
فقال سالم كذب العبد أو أخطأ إنما قال لا بأس أن يؤتين في فروجهن من أدبارهن
ولقد قال ميمون بن مهران إن نافعا إنما قال ذلك بعدما كبر وذهب عقله
حدثنا بذلك فهد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الله عن ميمون بن مهران
فقد يضعف ما هو أكثر من هذا بأقل من قول ميمون
ولقد أنكره نافع ابتداء على من رواه عنه أيضا
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا زكريا بن يحيى كاتب العمري قال ثنا المفضل بن فضالة عن عبد الله
بن عياش عن كعب بن علقمة عن أبي النضر أنه أخبره أنه قال لنافع مولى عبد الله بن عمر إنه قد أكثر
عليك القول أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن
قال نافع كذبوا علي ولكن سأخبرك كيف الامر إن بن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)
* فقال يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية قلت لا قال إنا كنا معشر قريش نحبي النساء فلما
دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكانت
نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود وإنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث
لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)
* ففي هذا الحديث إنكار نافع لما قد روي عنه عن ابن عمر رضي الله عنهما من إباحة وطئ النساء في أدبارهن
وإخبار منه عن ابن عمر أن تأويل قوله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ليس على ما تأوله أهل
المقالة الأولى ولكن على إباحة وعلى النساء بأركان فروجهن
وقد روي عن أم سلمة رضي الله عنها أيضا نحو من ذلك
حدثنا فهد قال ثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي قال ثنا وهيب قال ثنا عبد الله
بن عثمان بن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط قال اتيت حفصة بنت عبد الرحمن فقلت لها إني أريد أن أسألك
عن شئ وأنا أستحي منك فقالت سل يا بن أخي عن ما بدا لك
قلت عن إتيان النساء في أدبارهن قالت حدثتني أم سلمة أن الأنصار كانوا لا يجبون وكان المهاجرون
يجبون وكانت اليهود تقول من جبى خرج ولده أحول
42

فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا نساء الأنصار فنكح رجل من المهاجرين المرأة من الأنصار فجبا
فأبت وأتت أم سلمة فذكرت لها ذلك
فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له أم سلمة فاستحيت الأنصارية وخرجت
فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدعيها فدعتها فقال نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم صماما واحدا
فقد أخبرت أم سلمة رضي الله عنها بتأويل هذه الآية أيضا وبتوقيف النبي صلى الله عليه وسلم إياه بقوله صماما واحدا
فذلك دليل أن حكم ضد ذلك الصمام بخلاف حكم ذلك الصمام ولولا ذلك لما كان لقوله صماما
واحدا معنى
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل هذه الآية ما يرجع معناه إلى هذا المعنى أيضا
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو الأسود قال أخبرنا بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عامر
بن يحيى المعافري حدثه أن حنش بن عبد الله الشيباني حدثه أنه سمع بن عباس أن ناسا من حمير أتوا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن النساء فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم
قال النبي صلى الله عليه وسلم أيتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج
ثم جاءت الآثار متواترة بالنهي عن إتيان النساء في أدبارهن
فمن ذلك ما حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن ابن الهاد عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثني عمر
مولى عفرة بنت رباح أخت بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن علي بن السائب عن عبد الله بن الحصين
عن عبد الله بن حرمي الخطمي عن خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر مثله
حدثنا روح قال ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي قال حدثني محمد بن علي قال كنت مع محمد بن كعب
القرظي فسأله رجل فقال يا أبا حمزة ما ترى في إتيان النساء في أدبارهن فأعرض أو سكت
فقال هذا شيخ قريش فسأله يعني عبد الله بن علي بن السائب فقال عبد الله اللهم قذرا ولو كان حلالا
قال حرمي ولم يكن سمع في ذلك شيئا قال ثم أخبرني عبد الله بن علي أنه لقي عمرو بن أبي أحيحة بن الجلاح فسأله
عن ذلك فقال أشهد لسمعت خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين يقول أتى رجل
النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله آتي امرأتي من دبرها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قالها مرتين أو ثلاثا
43

قال ثم فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال في أي الخرطتين أو في أي الخرزتين أما من دبرها في قبلها
فنعم وأما في دبرها فإن الله تعالى نهاكم أن تأتوا النساء في أدبارهن
حدثنا عبد الرحمن بن الجارود قال ثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث بن سعد قال حدثني
عبيد الله بن عبد الله بن الحسين الأنصاري ثم الوائلي عن حرمي بن عبد الله الوائلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لا تأتوا النساء في أدبارهن
حدثنا بكر بن إدريس قال ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال ثنا حياة بن لهيعة قال أخبرنا حسين
مولى محمد بن سهل عن سعيد بن أبي هلال عن عبد الله بن علي عن حرمي بن علي الخطمي عن خزيمة بن ثابت
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا أبو عبد الرحمن فذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو زرعة قال أخبرنا حياة قال أخبرنا حسان فذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو الأسود قال أنا ابن لهيعة عن حسان مولى سهل بن عبد العزيز
عن سعيد فذكر بإسناده مثله
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا همام عن قتادة عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي اللوطية الصغرى يعني وطئ النساء في أدبارهن
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا معلى بن أسد قال ثنا عبد العزيز بن المختار عن سهيل بن أبي صالح
عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تأتوا النساء في أدبارهن
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا معلى بن أسد قال ثنا عبد العزيز بن المختار عن سهيل بن أبي صالح عن
الحارث بن مخلد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله عز وجل إلى رجل
وطئ امرأة في دبرها
حدثنا ربيع الجيزي قال أنا أبو زرعة قال أنا حياة بن شريح قال أخبرني يزيد بن الهاد فذكر بإسناده
مثله غير أنه قال امرأته
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا الليث عن ابن الهاد عن سهيل فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا إسماعيل بن عياش عن سهيل عن الحارث
بن مخلد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما
أنزل الله على محمد
44

فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا حماد عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح
عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء
في محاشهن
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح وعمر مولى
عفرة عن محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يستحي من الحق لا يحل إتيان النساء
في حشوشهن أي أدبارهن
حدثنا محمد بن عمر بيونس قال أخبرنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم
بن سلام عن علي بن طلق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن
حدثنا أبو أمية قال ثنا المعلى بن منصور قال ثنا جرير عن عاصم الأحول ح
وحدثنا أبو أمية قال ثنا محمد بن الصباح قال ثنا إسماعيل بن زكريا عن عاصم الأحول فذكر
بإسناده مثله
وقد أحتج أهل المقالة الأولى أيضا لقولهم بما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا
بن لهيعة عن محمد بن يزيد بن المهاجر عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بأسا بإتيان النساء في أدبارهن
ويحتج في ذلك بقوله عز وجل أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم
من أزواجكم بل أنتم قوم عادون أي من أزواجكم مثل ذلك إن كنتم تشتهون
قيل لهم ومن يوافق محمد بن كعب على هذا التأويل قد قال مخالفوه وتذرون ما خلق لكم ربكم من
أزواجكم مما قد أحل لكم من جماعهن في فروجهن
وهذا التأويل عندنا أولى من التأويل الأول لموافقته لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مما قد ذكرنا
ولئن وجب أن نقلد في هذا القول محمد بن كعب فإن تقليد سعيد بن المسيب أولى
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال كان سعيد بن المسيب
وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأكثر ظني أنه أبو بكر ينهيان أن تؤتى المرأة في دبرها
أشد النهي وكيف وقد قال بذلك من هو أجل منهما
45

حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية الضرير عن الحجاج عن أبي القعقاع الجرمي عن عبد الله
بن مسعود قال محاش النساء حرام
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يحيى بن سعيد القطان قال حدثني بن أبي عروبة عن قتادة عن
أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال في الذي يأتي امرأته في دبرها قال اللوطية الصغرى
وما في هذا الباب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم وتابعيهم في موافقة هذا المعنى إلى هنا فأكثر
من أن يستقصى ولكنا حذفنا ذلك من كتابنا لكثرته وطوله
فلما تواترت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن وطئ المرأة في دبرها ثم جاء عن أصحابه وعن تابعيهم
ما يوافق ذلك وجب القول به وترك ما يخالفه
وهذا أيضا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين والله أعلم بالصواب
باب وطئ الحبالى
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا ابن أبي غنية عبد الملك بن حميد عن محمد بن المهاجر الأنصاري
عن أبيه عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تقتلوا أولادكم سرا فإن قتل
الغيل يدرك الفارس البطل أي الشجاع فيدعثره عن ظهر فرسه
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر عن أبيه عن أسماء
بنت يزيد بن السكن الأنصارية قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تقتلوا أولادكم سرا فإن قتل الغيل يدرك
الفارس على ظهر فرسه فيدعثره
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فكرهوا وطئ الرجل امرأته أو جاريته إذ كانت حبلى واحتجوا
في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بذلك
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا يحيى بن أيوب قال أخبرني
أبو النضر عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أسلمة بن زيد أخبر والده سعد بن أبي وقاص قال إن رجلا
جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أعزل عن امرأتي قال لم قال شفقة على الولد
46

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان كذلك فلا ما كان ليضر فارس والروم
ففي هذا الحديث إباحة وطئ الحبالى وإخبار من النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك إذا كان لا يضر فارس والروم فإنه
لا يضر غيرهم
فخالف هذا الحديث حديث أسماء فأردنا أن ننظر أيهما الناسخ للآخر فنظرنا في ذلك
فوجدنا يونس قد حدثنا قال ثنا ابن وهب أن مالكا أخبر
ووجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا قال ثنا أبو مسهر قال ثنا مالك بن أنس ح
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال ثنا مالك بن أنس عن محمد بن عبد الرحمن بن
نوفل عن عروة عن عائشة عن جدامة بنت وهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد هممت أن أنهى عن الغيلة
حتى ذكرت أن فارس والروم يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرني يحيى بن أيوب قال حدثني أبو الأسود
محمد بن عبد الرحمن بن نوفل قال ثنا عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن جدامة بنت وهب الأسدية
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه هم أن ينهى عن الغيل قال فنظرت فإذا فارس والروم يغيلون فلا يضر ذلك أولادهم
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس وصالح بن عبد الرحمن قالا ثنا المقرئ يعني أبا عبد الرحمن قال ثنا
سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة أنها قالت حدثتني جدامة فذكر نحوه
* حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو زرعة قال أخبرنا حياة عن أبي الأسود أنه سمع عروة يحدث عن
عائشة رضي الله عنها عن جدامة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم هم بالنهي عن ذلك حتى بلغه أو حتى ذكر أن فارس والروم يفعلونه
فلا يضر أولادهم
ففي ذلك إباحة ما قد حظره الحديث الأول
وأحتمل أن يكون أحد الامرين ناسخا للآخر
فنظرنا في ذلك فإذا روح بن الفرج قد حدثنا قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال ثنا سفيان بن
عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن الاغتيال ثم قال لو ضر
أحدا لضر فارس والروم
فثبت بهذا الحديث ث الإباحة بعد النهي فهذا أولى من غيره وجاء نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أنه كان من جهة
خوفه الضرر من أجله ثم أباحه لما تحقق عنده أنه لا يضر
ودل ذلك أنه لم يكن منع منه في وقت ما منع منه من طريق الوحي ولا من طريق ما يحل ويحرم ولكنه
47

على طريق ما وقع في قلبه صلى الله عليه وسلم منه شئ فأمر به على الشفقة منه على أمته لا غير ذلك كما قد كان أمر في ترك
تأبير النخل
فإنه قد حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو عامر قال ثنا إسرائيل قال ثنا سماك عن موسى بن
طلحة عن أبيه أنه قال مررت مع النبي صلى الله عليه وسلم في نخل المدينة فإذا أناس في رؤوس النخل يلقحون النخل
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما يصنع هؤلاء فقيل يأخذون من الذكر فيجعلونه في الأنثى فقال ما أظن ذلك
يغني شيئا فبلغهم فتركوه ونزعوا عنها
فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنما هو ظن ظننته إن كان يغني شيئا فليصنعوه فإنما أنا بشر مثلكم وإنما
هو ظن ظننته والظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله
حدثنا يزيد قال ثنا أحمد بن عبدة قال أخبرنا حفص بن جميع قال ثنا سماك أنه سمع موسى بن طلحة
يحد ث عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا يزيد قال ثنا أبو الوليد ويحيى بن حماد قال ثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن موسى بن
طلحة عن أمه عن النبي صلى الله عليه وسلم فحدث مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود الطيالسي قال ثنا أبو عوانة عن سماك فذكر بإسناده مثله
فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن ما قاله من جهة الظن فهو فيه كسائر الناس في ظنونهم وأن الذي
يقوله مما لا يكون على خلاف ما يقوله هو ما يقوله عن الله عز وجل
فلما كان نهيه عن الغيلة لما كان خاف منها على أولاد الحوامل ثم أباحها لما علم أنها لا تضرهم دل ذلك
على أن ما كان نهى عنه لم يكن من قبل الله عز وجل وأنه لو كان من قبل الله عز وجل لكان يقف به على
حقيقة ذلك
ولكنه من قبل ظنه الذي قد وقف بعده على أن ما في الحقيقة مما نهى عما نهي عنه من ذلك من أجله
بخلاف ما وقع في قلبه من ذلك
فثبت بما ذكرناه أن وطئ الرجل امرأته وأمته حاملا حلال لم يحرم عليه قط
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
48

با ب انتهاب ما ينثر على القوم مما يفعله الناس في النكاح
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير
عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا ينتهب
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زهير قال ثنا حميد الطويل عن الحسن عن عمران
بن حصين قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من انتهب فليسمنها
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا علي بن الجعد قال ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس وحميد
عن أنس قال إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النهبة وقال من انتهب فليس منا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر عن ابن أبي ذئب عن مولى لجهينة عن عبد الرحمن بن زيد
بن خالد الجهني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليسة والنهبة
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير قال ثنا سماك بن حرب قال أنبأني ثعلبة بن الحكم
أخبرني ليث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مر بقدور فيها لحم غنم انتهبوها فأمر بها فأكفئت فقال إن النهبة
لا تحل
حدثنا ابن مرزوق حدثنا وهب قال ثنا شعبة عن سماك عن ثعلبة بن الحكم قال أصاب الناس
على عهد النبي صلى الله عليه وسلم غنما فانتهبوها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تصلح النهبة ثم أمر بالقدور فأكفئت
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا الفريابي قال ثنا إسرائيل قال ثنا سماك فذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا يحيى بن أبي زكريا بن أبي زائدة قال ثنا أبي وغيره عن
سماك فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا نثر على قوم شيئا وأباحهم أخذه إن أخذه مكروه لهم وحرام
عليهم وذهبوا في ذلك إلى أنه من النهبة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا النهبة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار هي نهبة ما لم يؤذن
في انتهابه
فأما ما نثره رجل على قوم وأباحهم انتهابه وأخذه فليس كذلك لأنه مأذون فيه والأول ممنوع منه
49

وقد وجدنا مثل ذلك قد أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا أبو عاصم قال ثنا ثور بن يزيد عن راشد بن سعد عن
عبد الله بن لحي عن عبد الله بن قرط قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الأيام إلى الله يوم النحر ثم يوم عرفة
فقربت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمسا أو ستا فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ فلما وجبت أي سقطت
جنوبها قال كلمة خفيفة لم أفهمها
فقلت للذي كان إلى جنبي ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قال من شاء اقتطع
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من شاء اقتطع وأباح ذلك دل هذا أن ما أباحه ربه للناس
من طعام أو غيره فلهم أن يأخذوا من ذلك وهذا خلاف النهبة التي نهى عنها في الآثار الأول
فثبت بما ذكرنا أن النهبة التي في الآثار الأول هي نهبة ما لم يؤذن فيه وأن ما أبيح من ذلك وأذن فيه
فعلى ما في هذا الأثر الثاني
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث منقطع قد فسر حكم النهبة النهي عنها والنهبة المباحة وإنما أردنا بذكره
ههنا تفسيره لمعنى هذا المتصل
حدثنا عبد العزيز بن معاوية العتابي قال ثنا عون بن عمارة قال ثنا زياد بن المغيرة عن ثور بن يزيد
عن خالد عن معدان عن معاذ بن جبل قال شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملاك شاب من الأنصار فلما زوجوه
قال على الألفة والطير الميمون والسعة في الرزق بارك الله لكم دففوا على رأس صاحبكم فلم يلبث أن جاءت
الجواري معهن الاطباق عليها اللوز والسكر فأمسك القوم أيديهم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تنتهبون فقالوا يا رسول الله إنك كنت نهيت عن النهبة قال تلك نهبة
العساكر فأما العرسات فلا قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاذبهم ويجاذبونه
وقد روي عن جماعة من المتقدمين في ذلك اختلاف أيضا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر قال أنا إسرائيل عن أبي حصين عن عبد الله بن يسار
أنه كان لابن مسعود صبيان في الكتاب فأراد أن ينتهبوا عليهم فاشترى لهم جوزا بدرهمين وكره أن ينتهبوا
مع الصبيان
فقد يجوز أن يكون ذلك على الخوف منه عليهم من النهبة لا لغير ذلك
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا المسعودي عن الهيثم أنه كان يستحب أن يوضع السكر
في الملك ويكره أن ينثر
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن الجعد قال أخبرنا سعيد عن حصين عن عكرمة أنه كرهه
50

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن الجعد قال ثنا سعيد عن الحكم قال كنت أمشي بين إبراهيم
والشعبي فتذاكرا إنثار العرس فكرهه إبراهيم ولم يكرهه الشعبي
فقد يجوز أيضا أن يكون إبراهيم كره ذلك من أجل ما ذكرنا من خوف العطب على المنتهبين
فنظرنا في ذلك فإذا صالح بن عبد الرحمن قد حدثنا قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشام عن
مغيرة عن إبراهيم في النهاب في العرس قال كانوا يأخذونه للصبيان
فدل ما روي عن إبراهيم في هذا مع ذكره عمن كان قبله ممن يقتدي به أنهم كانوا يأخذونه للصبيان
في هذا الحديث أن كراهته له في الباب الأول ليس من جهة تحريمه ولكن من جهة ما ذكرناه
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم عن يونس عن الحسن أنه كان
لا يرى بذلك بأسا
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يحيى بن سعيد القطان عن أشعث عن الحسن قال لا بأس بانتهاب
الجوز وقال محمد بن سيرين يضعون في أيديهم
وما فيه الإباحة من هذه الآثار عندنا أوجه في النظر مما فيه الكراهية منها وهذا قول أبي حنيفة
وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمه الله عليهم
كتاب الطلاق
باب الرجل يطلق امرأته وهي حائض
ثم يريد أن يطلقها للسنة متى يكون له ذلك
حدثنا أبو بكرة وإبراهيم بن مرزوق قالا ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير قال سمعت
عبد الرحمن بن أيمن يسأل عبد الله بن عمر عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض قال فعل ذلك عبد الله بن عمر
فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها حتى تطهر ثم يطلقها قال ثم تلا
* إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) * أي في قبل عدتهن
حدثنا فهد قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال ثنا وكيع عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن
مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها
ثم ليطلقها وهي طاهر أو حامل
51

حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال ثنا أبو بشر عن سعيد
بن جبير عن ابن عمر قال طلقت امرأتي وهي حائض فردها علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلقتها وهي طاهر
حدثنا فهد قال ثنا يحيى بن حميد الحماني قال ثنا هشيم عن أبي بشر ثم ذكر بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا هاشم بن حسان عن محمد بن سيرين عن
يونس بن جبير قال سألت بن عمر عن رجل طلق امرأته وهي حائض فقال هل تعرف عبد الله بن عمر
قلت نعم قال فإنه طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال مره فليراجعها
فإذا طهرت فليطلقها قلت ويعتد بتلك التطليقة قال فمه أرأيت إن عجز واستحمق
ولم يذكر أبو بكرة في حديثه هذا غير ما ذكرناه فيه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن منهال قال أخبرنا شعبة قال أخبرني أنس بن سيرين
قال سمعت بن عمر يقول طلق بن عمر امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مره
فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها فقيل أيحتسب بها قال فمه
حدثنا فهد قال ثنا الفضل قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا عبد الملك بن سليمان عن أنس
بن سيرين قال سألت بن عمر كيف صنعت في امرأتك التي طلقت
قال طلقتها وهي حائض فذكر ذلك لعمر فأتى عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال مره فليراجعها
ثم ليطلقها عند طهر
52

قال فقلت جعلت فدا ك فيعتد بالطلاق الأول قال وما يمنعني إن كنت أسأت واستحمقت
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال حدثني
مغيرة بن يونس هو بن جبير قال سألت عبد الله بن عمر قلت رجل طلق امرأته وهي حائض
قال أتعرف عبد الله بن عمر فقلت نعم قال فإن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر
النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يطلقها في قبل عدتها
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا من طلق امرأته وهي حائض فقد أثم وينبغي له
أن يراجعها فإن طلاقه ذلك طلاق خطأ فإن تركها تمضي في العدة بانت منه بطلاق خطأ ولكنه يؤمر
أن يراجعها ليخرجها بذلك من أسباب الطلاق الخطأ ثم يتركها حتى تطهر من هذه الحيضة ثم يطلقها طلاقا
صوابا فتمضي في عدة من طلاق صواب فإن شاء راجعها فكانت امرأته وبطلت العدة وإن شاء تركها
حتى تبين منه بطلاق صواب
فهذا قول أبي حنيفة رحمة الله عليه
وخالفهم في ذلك آخرون منهم أبو يوسف رحمة الله عليه فزعموا أنه إذا طلقها حائضا لم يكن له بعد ذلك
أن يطلقها حتى تطهر من هذه الحيضة ثم تحيض حيضة أخرى ثم تطهر منها
وعارضوا الآثار التي رويناها في موافقة القول الأول بما حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود
قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني سالم
بن عبد الله أن عبد الله بن عمر أخبره أنه طلق امرأة له وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له
أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو صالح فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه طلق
امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال مره فليراجعها ثم
ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا القعنبي قال ثنا مالك فذكر بإسناده مثله غير أنه قال ثم
يتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أيوب وعبيد الله ح
وحدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب قال ثنا حماد عن أيوب وعبيد الله عن نافع
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
53

حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن البرقي قال ثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد
قال أخبرني يحيى بن سعيد وموسى بن عقبة وعبيد الله بن عمر عن نافع أن عبد الله بن عمر ثم ذكر مثله
وزاد قبل أن يجامعها
حدثنا فهد وحسين بن نصر قالا ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زهير قال ثنا موسى بن عقبة
قال حدثني نافع أن عبد الله بن عمر ثم ذكر مثله
فقد أخبر سالم ونافع عن ابن عمر رضي الله عنهما في هذه الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يمسكها حتى
تطهر ثم تحيض ثم تطهر
فزاد ذلك على ما في الآثار الأول فهو أولى منها
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فإنا وجدنا الأصل في ذلك أن الرجل نهي أن يطلق امرأته حائضا ونهي
أن يطلقها في طهر قد طلقها فيه وقد نهي عن الطلاق في الطهر الذي قد طلقها فيه كما نهي عن الطلاق
في الحيض
ثم رأيناهم لا يختلفون في رجل جامع امرأته حائضا ثم أراد أن يطلقها للسنة أنه ممنوع من ذلك حتى
تطهر من هذه الحيضة التي كان الجماع فيها ومن حيضة أخرى بعدها وجعل جماعه إياها في الحيضة كجماعه
إياها في الطهر الذي يعقب تلك الحيضة
فلما كان حكم الطهر الذي بعد كل حيضة كحكم نفس الحيضة في وقوع الطلاق في الجماع في ذلك وكان
من جامع امرأته وهي حائض فليس له أن يطلقها بعد ذلك حتى يكون بين ذلك الجماع وبين الطلاق الذي يوقعه
حيضة كاملة مستقبلة كان كذلك في النظر أنه إذا طلق امرأته وهي حائض ثم أراد بعد ذلك أن يطلقها
لم يكن له ذلك حتى يكون بين الطلاق الأول الذي كان يطلقها إياه وبين طلاقه إياها الثاني حيضة مستقبلة
فهذا وجه النظر عندنا في هذا الباب مع موافقة الآثار وهو قول أبي يوسف رحمة الله عليه
وفي منع النبي صلى الله عليه وسلم بن عمر أن يطلق امرأته بعد الطلاق الأول حتى يكون بعد ذلك حيض مستقبلة
فيكون بين التطليقتين حيضة مستقبلة دليل أن حكم طلاق السنة أن لا يجمع منه تطليقتان في طهر واحد
فافهم ذلك فإنه قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
54

باب الرجل يطلق امرأته ثلاثا معا
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أحمد بن صالح قال ثنا عبد الرازق قال أخبرنا بن جريج
قال أخبرني بن طاوس عن أبيه أن أبي الصهباء قال لابن عباس أتعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وثلاثا من إمارة عمر
قال بن عباس نعم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا معا فقد وقعت عليها واحدة إذا كانت في وقت
سنة وذلك أن تكون طاهرا في غير جماع
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وقالوا لما كان الله عز وجل إنما أمر عباده أن يطلقوا لوقت على صفة
فطلقوا على غير ما أمرهم به لم يقع طلاقهم
وقالوا ألا ترون أن رجلا لو أمر رجلا أن يطلق امرأته في وقت على صفة فطلقها في غيره أو أمره
أن يطلقها على شريطة فطلقها على غير تلك الشريطة أن ذلك لا يقع إذ كان قد خالف ما أمر به
قالوا فكذلك الطلاق الذي أمر به العباد فإذا أوقعوه كما أمروا به وقع وإذا أوقعوه على خلاف
ذلك لم يقع
وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم فقالوا الذي أمر به العباد من إيقاع الطلاق فهو كما ذكرتم إذا كانت
المرأة طاهرا من غير جماع أو كانت حاملا وأمروا بتفريق الثلاث إذا أرادوا إيقاعهن ولا يوقعونهن معا
فإذا خالفوا ذلك فطلقوا في الوقت الذي لا ينبغي لهم أن يطلقوا فيه وأوقعوا من الطلاق أكثر مما أمروا
بإيقاعه لزمهم ما أوقعوا من ذلك وهم آثمون في تعديهم ما أمرهم الله عز وجل
وليس ذلك كالوكالات لان الوكلاء إنما يفعلون ذلك للموكلين فيحلون في أفعالهم تلك محلهم فإن فعلوا ذلك
كما أمروا لزم وإن فعلوا ذلك على غير ما أمروا به لم يلزم
والعباد في طلاقهم إنما يفعلونه لأنفسهم لا لغيرهم لا لربهم عز وجل ولا يحلون في فعلهم ذلك محل غيرهم
فيراد منهم في ذلك إصابة ما أمرهم به الذين يحلون في فعلهم ذلك محله
فلما كان ذلك كذلك لزمهم ما فعلوا وإن كان ذلك مما قد نهوا عنه لأنا قد رأينا أشياء مما قد
نهى الله تعالى العباد عن فعلها أوجب عليهم إذا فعلوها أحكاما
من ذلك أنه نهاهم عن الظهار ووصفه بأنه منكر من القول وزور ولم يمنع ما كان كذلك أن تحرم به
المرأة على زوجها حتى يفعل ما أمره الله تعالى به من الكفارة
55

رأينا الظهار قولا منكرا وزورا وقد لزمت به حرمة كان كذلك الطلاق المنهي عنه هو منكر
من القول وزورا والحرمة به واجبة
وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن طلاق عبد الله امرأته وهي حائض
أمره بمراجعتها وتواترت عنه بذلك الآثار وقد ذكرتها في الباب الأول ولا يجوز أن يؤمر بالمراجعة
من لم يقع طلاقه
فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ألزمه الطلاق في الحيض وهو وقت لا يحل إيقاع الطلاق فيه كان كذلك من طلق
0 امرأته ثلاثا فأوقع كلا في وقت الطلاق لزمه من ذلك نفسه وإن كان قد فعله على خلاف ما أمر به
فهذا هو النظر في هذا الباب
وفي حديث بن عباس رضي الله عنهما ما لو اكتفينا به كان حجة قاطعة وذلك أنه قال فلما كان زمان
عمر رضي الله عنه قال أيها الناس قد كانت لكم في الطلاق أناة وإنه من تعجل أناة الله في الطلاق
ألزمناه إياه
حدثنا بذلك بن أبي عمران قال ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال أخبرنا عبد الرزاق ح
وحدثنا عبد الحميد بن عبد العزيز قال ثنا أحمد بن منصور الرمادي قال ثنا عبد الرزاق عن معمر
عن طاوس عن أبيه عن ابن عباس مثل الحديث الذي ذكرناه في أول هذا الباب غير أنهما لم يذكرا
أبا الصهباء ولا سؤاله بن عباس رضي الله عنهما وإنما ذكر مثل جواب بن عباس رضي الله عنهما الذي
في ذلك الحديث وذكرا بعد ذلك من كلام عمر رضي الله عنه ما قد ذكرناه قبل هذا الحديث
فخاطب عمر رضي الله عنه بذلك الناس جميعا وفيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم الذين قد علموا
ما تقدم من ذلك في ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه منهم منكر ولم يدفعه دافع فكان ذلك
أكبر الحجة في نسخ ما تقدم من ذلك
لأنه لما كان فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا فعلا يجب به الحجة كان كذلك أيضا إجماعهم على القول
إجماعا يجب به الحجة
وكما كان إجماعهم على النقل بريئا من الوهم والزلل كان كذلك إجماعهم على الرأي بريئا من الوهم والزلل
وقد رأينا أشياء قد كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاني فجعلها أصحابه من بعده
على خلاف تلك المعاني لما رأوا فيه مما قد خفي على من بعدهم فكان ذلك حجة ناسخا لما تقدمه
من ذلك تدوين الدواوين والمنع من بيع أمهات الأولاد وقد كن يبعن قبل ذلك
56

والتوقيت في حد الخمر ولم يكن فيه توقيت قبل ذلك
فلما كان ما عملوا به من ذلك ووقفنا عليه لا يجوز لنا خلافه إلى ما قد رأيناه مما قد تقدم فعلهم له
كان كذلك ما وقفونا عليه من الطلاق الثلاث الموقع معا انه يلزم لا يجوز لنا خلافه إلى غيره مما قد
روي أنه كان قبله على خلاف ذلك
ثم هذا بن عباس رضي الله عنهما قد كان من بعد ذلك يفتي من طلق امرأته ثلاثا معا أن طلاقه
قد لزمه وحرمها عليه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن الأعمش عن مالك بن الحارث
قال جاء رجل إلى بن عباس فقال إن عمي طلق امرأته ثلاثا فقال إن عمك عصى الله فأتمه الله وأطاع الشيطان
فلم يجعل له مخرجا
فقلت كيف ترى في رجل يحلها له فقال من يخادع الله يخادعه
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان
عن محمد بن إياس بن البكير قال طلق رجل امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها ثم بدا له أن ينكحها فجاء
يستفتي فذهبت معه أسأل له أبا هريرة وعبد الله بن عباس عن ذلك
فقالا لا ترى أن تنكحها حتى تتزوج زوجا غيرك
فقال إنما كان طلاقي إياها واحدة
فقال بن عباس رضي الله عنهما إنك أرسلت من يدك ما كان لك من فضل
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن يحيى بن سعيد أن بكير بن الأشج أخبره
عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري أنه كان جالسا مع عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر فجاءهما محمد بن إياس
بن البكير فقال إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها فماذا تريان
فقال بن الزبير إن هذا الامر مالنا فيه من قول فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة
فاسألهما ثم ائتنا فأخبرنا
فذهب فسألهما فقال بن عباس لأبي هريرة أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة أي مسألة صعبة مشكلة
فقال أبو هريرة الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال أخبرنا بن أبي ذئب عن الزهري عن محمد
بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس بن البكير أن رجلا سأل بن عباس وأبا هريرة وابن عمر
عن طلاق البكر ثلاث وهو معه فكلهم قال حرمت عليك
57

حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وابن عباس أنهما
قالا في الرجل يطلق البكر ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير أن رجلا
سأل بن عباس أن رجلا طلق امرأته مائة
فقال ثلاث تحرمها عليه وسبعة وتسعون في رقبته إنه اتخذ آيا ت الله هزوا
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو نعيم قال ثنا إسرائيل عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن ابن أبي نجيح وحميد الأعرج عن مجاهد
أن رجلا قال لابن عباس رجل طلق امرأته مائة فقال عصيت ربك وبانت منك امرأتك لم تتق الله
فيجعل لك مخرجا من يتق الله يجعل له مخرجا قال الله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء
فطلقوهن في قبل عدتهن
ثم قد روي عن غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ما يوافق ذلك أيضا
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا سفيان وأبو عوانة عن منصور
عن أبي وائل عن عبد الله أنه قال فيمن طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها قال لا تحل له حتى
تنكح زوجا غيره
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن علقمة
عن عبد الله أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة قال ثلاث تبينها منك وسائرها عدوان
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج
عن النعمان بن أبي عياش الأنصاري عن عطاء بن يسار أنه قال جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو فسأله عن رجل
طلق امرأته ثلاثا قبل أن يمسها
قال عطاء فقلت له طلاق البكر واحدة فقال عبد الله إنما أنت قاص الواحدة تبينها والثلاث تحرمها
حتى تنكح زوجا غيره
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا بن لهيعة ويحيى بن أيوب قالا ثنا ابن الهاد
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو قال الواحدة تبينها والثلاث تحرمها
58

حدثنا صالح قال ثنا سعيد هو بن منصور قال ثنا أبو عوانة عن شقيق عن أنس قال لا تحل له
حتى تنكح زوجا غيره
قال وكان عمر بن الخطاب إذا أتى برجل طلق امرأته ثلاثا أوجع ظهره
حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن عاصم بن بهدلة عن شقيق عن عبد الله بن مسعود
قال في الرجل يطلق البكر ثلاثا إنها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره
حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان قال حدثني شقيق عن أنس بن مالك عن عمر مثله
فإن قال قائل قد رأينا العباد أمروا أن لا ينكحوا النساء إلا على شرائط منها أنهم منعوا من نكاحهن
في عدتهن فكان من نكح امرأة في عدتها لم يثبت نكاحه عليها وهو في حكم من لم يعقد عليها نكاحا
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك هو إذا عقد عليها طلاقا في وقت قد نهي عن إيقاع الطلاق فيه أن لا يقع
طلاقه ذلك وأن يكون في حكم من لم يوقع طلاقا
فالجواب في ذلك أن ما ذكر من عقد النكاح كذلك هو وكذلك العقود كلها التي يدخل العباد بها في أشياء
يدخلون فيها إلا من حيث أمروا بالدخول فيها
وأما الخروج منها فقد يجوز بغير ما أمروا بالخروج به من ذلك أنا قد رأينا الصلوات قد أمر العباد
بدخولها أن لا يدخلوها إلا بالتكبير والأسباب التي يدخلون فيها وأمروا أن لا يخرجوا منها إلا بالتسليم
فكان من دخل في الصلاة بغير طهارة وبغير تكبير لم يكن داخلا فيها وكل من تكلم فيها بكلام مكروه
أو فعل فيها شيئا مما لا يفعل فيها من الأكل والشرب والمشي وما أشبهه خرج به من الصلاة وكان مسيئا
فيما فعل من ذلك في صلاته
فكذلك الدخول في النكاح لا يكون إلا من حيث أمر العباد بالدخول فيه والخروج منه قد يكون بما
أمروا بالخروج منه وبغير ذلك
فهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب الأقراء
قال أبو جعفر اختلف الناس في الأقراء التي تجب على المرأة إذا طلقت
فقال قوم هي الحيض وقال آخرون هي الأطهار
فكان من حجة من ذهب إلى أنها الأطهار قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر حين طلق عبد الله بن عمر امرأته
وهي حائض مره أن يراجعها ثم يتركها حتى تطهر ثم ليطلقها إن شاء فتلك العدة التي أمر الله
عز وجل أن تطلق لها النساء وقد ذكرنا ذلك بإسناده في الباب الذي قبل هذا الباب
59

قالوا: فلما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلقها في الطهر وجعله العدة دونها ونهاه أن يطلقها في الحيض
وأخرجه من أن يكون عدة ثبت بذلك أن الأقراء هي الأطهار
فكان من الحجة عليهم للآخرين أن هذا الحديث قد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما كما ذكروا
وقد روي عنه ما هو أتم من ذلك
فروي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يأمره أن يراجعها ثم يمهلها حتى تطهر
ثم تحيض ثم تطهر ثم ليطلقها إن شاء وقال تلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء
وقد ذكرنا ذلك أيضا بإسناده في الباب الذي قبل هذا الباب
فلما نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيقاع الطلاق في الطهر الذي بعد الحيضة التي طلق فيها حتى يكون طهر
وحيضة أخرى بعدها ثبت بذلك أنه لو كان أراد بقوله فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء
الأطهار إذ الجعل له أن يطلقها بعد طهرها من هذه الحيضة ولا ينتظر ما بعدها لان ذلك طهر
فلما لم يبح له الطلاق في ذلك الطهر حتى يكون طهرا آخر بينه وبين ذلك الطهر حيضة ثبت بذلك أن تلك
العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء إنما هي وقت ما تطلق النساء وليس لأنها عدة تطلق لها النساء
يجب بذلك أن تكون هي العدة التي تعتد بها النساء لأن العدة مختلفة
منها عدة المتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشر
ومنها عدة المطلقة ثلاثة قروء
ومنها عدة الحامل أن تضع حملها فكانت العدة اسما واحدا لمعان مختلفة
ولم يكن كل ما لزمه اسم عدة وجب أن يكون قرءا
فكذلك لما لزم اسم الوقت الذي تطلق فيه النساء اسم عدة لم يثبت له بذلك اسم القرء
فهذه معارضة صحيحة ولو أردنا أن نكثر ههنا فنحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة دعي الصلاة
أيام أقرائك فنقول الأقراء هي الحيض على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان ذلك ما قد تعلق به بعض من تقدم
ولكنا لا نفعل ذلك لان العرب قد تسمى الحيض قرءا وتسمى الطهر قرءا وتجمع الحيض والطهر
فتسميهما قرءا
حدثني بذلك محمود بن حسان النحوي قال ثنا عبد الملك بن هشام عن أبي زيد عن أبي عمرو بن العلاء
وفي ذلك أيضا حجة أخرى أن عمر رضي الله عنه هو الذي خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فتلك العدة
التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء ولم يكن ذلك عنده دليلا أن الأقراء الأطهار إذا قد جعل الأقراء
الحيض فيما روى عنه
60

فإذا كان هذا عند عمر رضي الله عنه وقد خاطبه رسول الله صلى الله عليه وسلم به لا دليل فيه على أن القرء الطهر
كان من بعده فيه أيضا كذلك وسنذكر ما روي عن عمر رضي الله عنه في هذا في موضعه من هذا الباب
إن شاء الله تعالى
وكان مما احتج به الذين جعلوا الأقراء الأطهار أيضا ما قد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن
مالكا أخبره عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها نقلت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر حين دخلت
في الدم من الحيضة الثالثة
قال بن شهاب فذكرت ذلك لعمرة فقالت صدق عروة قد جادلها في ذلك أناس وقالوا إن الله
تعالى يقول ثلاثة قروء
فقالت عائشة صدقتم أتدرون ما الأقراء إنما الأقراء الأطهار
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه قال قال بن شهاب سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن
يقول ما أدركت أحدا من فقهائنا إلا وهو يقول هذا يريد الذي قالت عائشة
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن نافع عن ابن عمر أنه قال إذا طلق الرجل
امرأته فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سليمان بن
يسار عن زيد بن ثابت قال إذا طعنت أي دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبرئ منها
حدثنا يونس قال ثنا سفيان فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال حدثني بن أبي ذئب عن ابن شهاب قال قضى زيد
بن ثابت فذكر مثله
قال بن شهاب وأخبرني بذلك عروة عن عائشة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن نافع أن معاوية كتب
إلى زيد بن ثابت يسأله فكتب إنها إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد بانت منه قال نافع وكان بن عمر يقوله
قالوا فهذه أقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم في ذلك تدل على ما ذكرناه
قيل لهم هذا لو لم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأما إذا اختلفوا فيه فقال بعضهم ما ذكرتم
وقال آخرون منهم بخلاف ذلك لم يجب بما ذكرتم لكم حجة فمما روي خلاف ما احتجوا به من هذه الآثار
المذكورة عمن رويت عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على أن الأقراء غير الأطهار
61

حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب قال زوجها
أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا سفيان بن سعيد عن منصور عن إبراهيم عن
علقمة أن رجلا طلق امرأته فحاضت حيضتين فلما كانت الثالثة ودخلت المغتسل أتاها زوجها فقال قد راجعتك
ثلاثا فارتفعا إلى عمر فأجمع عمر وعبد الله على أنه أحق بها ما لم تحل لها الصلاة فردها عمر عليه
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن نافع عن عبد الله بن عمر كان يقول إذا طلق
العبد امرأته ثنتين فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره حرة كانت أو أمة وعدة الحرة ثلاث حيض
وعدة الأمة حيضتان
قال أبو جعفر فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهو الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله لعمر رضي الله
عنه فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء لم يدله ذلك على أن الأقراء الأطهار إذا كان
قد جعلها الحيض
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا محمد بن راشد عن مكحول أنه قدم المدينة فذكر له
سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت كان يقول إذا طلق الرجل امرأته فرأت أول قطرة من دم حيضتها الثالثة
فلا رجعة له عليها
قال فسألت عن ذلك بالمدينة فبلغني أن عمر بن الخطا ب ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء كانوا يجعلون له عليها الرجعة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني قبيصة
بن أبي ذؤيب أنه سمع زيد بن ثابت يقول الطلاق إلى الرجل والعدة إلى المرأة إن كان الرجل حرا وكانت
المرأة أمة فثلاث تطليقات والعدة عدة الأمة حيضتان وإن كان عبدا وامرأته حرة طلق طلاق العبد
تطليقتين واعتدت عدة الحرة ثلا ث حيض
فلما جاء هذا الاختلاف عنهم ثبت أنه لا يحتج في ذلك بقول أحد منهم لأنه متى احتج في ذلك
بقول بعضهم احتج مخالف عليه بقول مثله فارتفع ذلك كله أن يكون فيه حجة لأحد الفريقين على الفريق الآخر
وكان من حجة من جعل الأقراء الحيض على مخالفه أن قال فإذا كانت الأقراء الأطهار فإذا طلق الرجل
62

المرأة وهي طاهرة فحاضت بعد ذلك بساعة فحسب ذلك لها قرء مع قرءين متتابعين كانت عدتها قرأين وبعض
قرء وإنما قال الله عز وجل ثلاثة قروء
فكان من حجة من ذهب إلى أن الأقراء الأطهار في ذلك أن قال فقد قال الله عز وجل الحج أشهر معلومات
فكان ذلك على شهرين وبعض شهر فكذلك جعلنا الأقراء الثلاثة على قرأين وبعض قرء
فكان من حجتنا عليهم في ذلك أن الله عز وجل قال في الأقراء ثلاثة قروء ولم يقل في الحج ثلاثة أشهر
وإن قال في ذلك ثلاثة أشهر فأجمعوا أن ذلك على شهرين وبعض شهر ثبت بذلك ما قال المخالف لنا ولكنه إنما
قال أشهر ولم يقل ثلاثة
فأما ما حصره بالثلاثة فقد حصره بعدد معلوم فلا يكون أقل من ذلك العدد كما أنه لما قال
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي
لم يحضن)
* فحصر ذلك بالعدد فلم يكن ذلك على أقل من ذلك العدد فكذلك لما حصر الأقراء بالعدد فقال ثلاثة
قروء فلم يكن ذلك على أقل من ذلك العدد
وكان من حجة من ذهب إلى أن الأقراء الأطهار أيضا أن قال لما كانت الهاء تثبت في عدد المذكر فيقال
ثلاثة رجال وتنتفي من عدد المؤنث فيقال ثلاث نسوة فقال الله تعالى ثلاثة قروء فأثبت الهاء
ثبت أنه أراد بذلك مذكرا وهو الطهر لا الحيض
فكان من الحجة عليهم في ذلك أن الشئ إذا كان له إسمان أحدهما مذكر والآخر مؤنث فإن جمع بالمذكر
أثبتت الهاء وإن جمع بالمؤنث أسقطت الهاء
من ذلك أنك تقول هذا ثوب وهذه ملحفة فإن جمعت ت بالثوب قلت ثلاثة أثواب وإن جمعت بالملحفة
قلت ثلاث ملاحف وكذلك هذه دار وهذا منزل لشئ واحد
فكان الشئ قد يكون واحدا يسمى باسمين مختلفين أحدهما مذكر والآخر مؤنث فإذا جمع بالمذكر
فعل فيه كما يفعل في جمع المذكر فأثبتت الهاء وإن جمع بالمؤنث فعل فيه كما يفعل في جمع المؤنث
فأسقطت الهاء
فكذلك الحيضة والقرء هما إسمان بمعنى واحد وهو الحيضة فإن جمع بالحيضة سقطت الهاء فقيل
ثلاث حيض وإن جمع بالقرء ثبتت الهاء فقيل ثلاثة قروء وذلك كله إسمان لشئ واحد فانتفى بذلك ما ذكرنا
مما احتج به المخالف لنا
وأما وجه هذا الباب من طريق النظر فإنا قد رأينا الأمة جعل عليها في العدة نصف ما جعل على الحرة
فكانت الأمة إذا كانت ممن لا تحيض كان عليها نصف عدة الحرة إذا كانت ممن لا تحيض وذلك
شهر ونصف
63

فإذا كانت ممن تحيض جعل عليها باتفاقهم حيضتان وأريد بذلك نصف ما على الحرة ولهذا قال عمر
رضي الله عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قدرت أن أجعلها حيضة ونصفا لفعلت
فلما كان ما على هذه الأمة هو الحيض لا الأطهار وذلك نصف ما على الحرة ثبت أن ما على الحرة أيضا
هو من جنس ما على الأمة وهو الحيض لا الأطهار
فثبت بذلك قول الذين ذهبوا في القرء إلى أنها الحيض وانتفى قول مخالفهم وهذا قول أبي حنيفة
وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة الأمة ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن
جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تعتد الأمة حيضتين
وتطلق تطليقتين
فدل ذلك أيضا على ما ذكرنا
وقد حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا الصلت بن مسعود الجحدري عن عمر بن شبيب المسلي
عن عبد الله بن عيسى عن عطية عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
فدل ذلك أيضا على ما ذكرنا وبالله التوفيق
باب المطلقة طلاقا بائنا ماذا لها على زوجها في عدتها
حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال ثنا مغيرة
وحصين وأشعث وإسماعيل بن أبي خالد وداود ويسار ومجالد عن الشعبي قال دخلت على فاطمة بنت
قيس بالمدينة فسألتها عن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها
قالت طلقني زوجي البتة فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكنى والنفقة فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة
وأمرني أن أعتد في بيت بن مكتوم
وقال مجالد في حديثه يا ابنة قيس إنما النفقة والسكنى على من كان له الرجعة
حدثنا محمد بن عبيد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى قال حدثني
64

أبو سلمة قال حدثتني فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص المخزومي طلقها ثلاثا فأمر لها بنفقة فاستقلتها
وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه نحو اليمن
فانطلق خالد بن الوليد في نفر من بني مخزوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت ميمونة فقال يا رسول الله إن
أبا عمرو بن حفص طلق فاطمة ثلاثا فهل لها نفقة
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ليس لها نفقة ولا سكنى وأرسل إليها أن تنتقل إلى أم شريك ثم أرسل إليها أن أم
شريك يأتيها المهاجرون الأولون فانتقلي إلى بن أم مكتوم فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا بشر بن بكر قال ثنا الأوزاعي فذكر بإسناده مثله
* (حدثنا بحر بن نصر قال قرئ على شعيب الليث أخبرك أبوك عن عمران بن أبي أنس عن أبي سلمة
أنه قال سألت فاطمة بنت قيس فأخبرتني أن زوجها المخزومي طلقها وأنه أبى أن ينفق عليها فجاءت إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفقة لك انتقلي إلى بن أم مكتوم فكوني عنده فإنه رجل أعمى
تضعين ثيابك عنده
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا الليث فذكر بإسناده مثله
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني الليث عن أبي الزبير المكي أنه
سأل عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو بن الحفص عن طلاق جده أبي عمر وفاطمة بنت قيس
فقال له عبد الحميد طلقها البتة ثم خرج إلى اليمن ووكل عياش بن أبي ربيعة فأرسل إليها عياش ببعض
النفقة فسخطتها
فقال لها عياش مالك علينا من نفقة ولا مسكن فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عما قال فقال ليس لك نفقة ولا مسكن ولكن متاع بالمعروف أخرجي عنهم
فقالت أأخرج إلى بيت أم شريك فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم إن بيتها يوطأ انتقلي إلى بيت عبد الله بن أم
مكتوم الأعمى فهو أولى
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى قال حدثني الليث عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس نفسها بمثل حديث الليث عن أبي الزبير حرف بحرف
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله
بشعير فسخطته فقال والله ما لك علينا من شئ
65

فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له فقال ليس لك عليه نفقة واعتدي في بيت أم شريك
حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني
عقيل عن ابن شهاب قال حدثني أبو سلمة أن فاطمة بنت قيس حدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء
حدثنا روح بن الفرج قال حدثني يحيى بن عبد الله قال حدثني الليث فذكر بإسناده مثله وزاد
فأنكر الناس عليها ما كانت تحدث من خروجها قبل أن تحل
حدثنا فهد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن أبي كثير عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي
سلمة عن فاطمة بنت قيس أنها كانت رجل من بني مخزوم فطلقها البتة فأرسلت إلى أهله تبتغي النفقة
فقالوا ليس لك علينا نفقة
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ليس لك عليهم النفقة وعليك العدة فانتقلي إلى أم شريك
ثم قال إن أم شريك يدخل عنها إخوتها من المهاجرين انتقلي إلى بن أم مكتوم
حدثنا ربيع المؤذن وسليمان بن شعيب قالا ثنا أسد قال ثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن
عن أبي سلمة ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن فاطمة بنت قيس أنها استفتت النبي صلى الله عليه وسلم حين طلقها زوجها فقال لها
النبي صلى الله عليه وسلم لا نفقة لك عنده ولا سكنى وكان يأتيها أصحابه فقال اعتدي عند بن أم مكتوم فإنه أعمى
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أحمد بن صالح قال ثنا عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني
عبد الرحمن بن عاصم عن ثابت أن فاطمة بنت قيس أخبرته وكانت عند رجل من بني مخزوم فأخبرته أنه
طلقها ثلاثا وخرج إلى بعض المغازي وأمر وكيلا له أن يعطيها بعض النفقة فاستقلتها
فانطلقت إلى إحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهي عندها فقالت يا رسول الله هذه فاطمة بنت
قيس طلقها فلان فأرسل إليها بعض النفقة فردتها وزعم أنه شئ تطول به قال صدق
وقال النبي صلى الله عليه وسلم انتقلي إلى أم شريك فاعتدي عندها ثم قال إن أم شريك يكثر عوادها ولكن
انتقلي إلى عبد الله بن أم مكتوم فإنه أعمى فانتقلت إلى عبد الله فاعتدت عنده حتى أنقضت عدتها
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا سعيد عن أبي بكر بن أبي الجهم قال دخلت
أنا وأبو سلمة على فاطمة بنت قيس فحدثت أن زوجها طلقها طلاقا بائنا وأمر أبا حفص بن عمرو أن يرسل إليها
بنفقتها خمسة أوساق فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن زوجي طلقني ولم يجعل لي السكنى ولا النفقة فقال صدق
فاعتدي في بيت بن أم مكتوم ثم قال إن بن أم مكتوم رجل يغشى فاعتدي في بيت أم فلان
حدثنا فهد قال حدثني محمد بن سعيد قال أنا شريك عن أبي بكر بن صخيرة قال دخلت أنا
66

وأبو سلمة على فاطمة بنت ت قيس وكان زوجها قد طلقها ثلاثا فقالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة
حدثنا فهد قال ثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة عن فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فقلدوها وقالوا لا تجب النفقة ولا السكنى إلا لمن كانت
عليه الرجعة
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا كل مطلقة فلها في عدتها السكنى إلا لمن كانت حتى تنقضي عدتها وسواء
كان الطلاق بائنا أو غير بائن
فأما النفقة فإنما تجب لها أيضا إن كان الطلاق غير بائن وأما إذا كان الطلاق بائنا فهم مختلفون في ذلك
فقال بعضهم لها النفقة أيضا مع السكنى حاملا كانت أو غير حامل وممن قال ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف
ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقال بعضهم لا نفقة لها إلا أن تكون حاملا
واحتجوا في دفع حديث فاطمة بنت قيس بما أخبرنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن
الزبير قال ثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحاق قال كنت عند الأسود بن يزيد في المسجد الأعظم ومعنا
الشعبي فذكروا المطلقة ثلاثا
فقال الشعبي حدثتني فاطمة بنت قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها لا سكنى لك ولا نفقة
قال فرماه الأسود بحصاة قال ويلك ك أتحدث بمثل هذا قد رفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال لسنا
بتاركي كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم بقول امرأة لا ندري لعلها كذبت قال الله تعالى لا تخرجوهن من
بيوتهن ولا يخرجن الآية
حدثنا ابن مرزوق قال أخبرنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن سلمة عن الشعبي عن فاطمة
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يجعل لها حين طلقها زوجها سكنى ولا نفقة
فذكرت ذلك لإبراهيم فقال قد رفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال لا ندع كتاب ربنا عز وجل وسنة
نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لها السكنى والنفقة
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص بن غياث قال أنا أبي قال أنا الأعمش عن إبراهيم عن عمر
وعبد الله أيهما كانا يقولان المطلقة ثلاثا لها النفقة والسكنى
وكان الشعبي يذكر عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس لها نفقة ولا سكنى
67

حدثنا نصر بن مرزوق وسليمان بن شعيب قالا ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا حماد بن سلمة عن
حماد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا نفقة ولا سكنى
قال فأخبرت بذلك النخعي فقال قال عمر بن الخطا ب وأخبر بذلك لسنا بتاركي آية من كتاب الله تعالى
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لعلها أوهمت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها السكنى والنفقة
حدثنا نصر قال حدثني الخصيب قال حدثني أبو عوانة عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن
الأسود أن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود قالا في المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة
قالوا فهذا عمر رضي الله عنه قد أنكر حديث فاطمة هذا ولم يقبله وقد أنكره عليها أيضا أسامة
بن زيد
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن
هرمز عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال كانت فاطمة بنت قيس تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لها
اعتدي في بيت بن أم مكتوم
وكان محمد بن أسامة بن زيد يقول كان أسامة إذا ذكرت فاطمة من ذلك شيئا رماها بما كان في يده
قال أبو جعفر فهذا أسامة بن زيد قد أنكر من ذلك أيضا ما أنكره عمر رضي الله عنه
وقد أنكرت ذلك أيضا عائشة رضي الله عنها
حدثنا يونس قال ثنا أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد قال سمعت القاسم بن محمد وسليمان بن يسار
يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم
فأرسلت عائشة إلى مروان وهو أمير المدينة أن أتق الله وأردد المرأة إلى بيتها
فقال مروان في حديث سليمان إن عبد الرحمن غلبني وقال في حديث القاسم أما بلغك حديث فاطمة بنت
قيس فقالت عائشة لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة بنت قيس
فقال مروان إن كان بك الشر فحسبك ما بين هذين من الشر
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن يحيى بن سعيد فذكر بإسناده مثله
68

حدثنا ابن مرزوق قال أخبرنا بشر بن عمر قال ثنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قالت
عائشة ما لفاطمة من خبر في أن تذكر هذا الحديث يعني قولها لا نفقة ولا سكنى
فهذه عائشة رضي الله عنها لم تر العمل بحديث فاطمة أيضا وقد صرف ذلك سعيد بن المسيب إلى خلاف
المعنى الذي صرفه إليه أهل المقالة الأولى
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا معاوية الضرير عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال قلت لسعيد بن
المسيب أين تعتد المطلقة ثلاثا
فقال في بيتها فقلت له أليس قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت بن أم مكتوم
فقال تلك المرأة أفتنت الناس واستطالت على أحمائها بلسانها فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت
بن أم مكتوم وكان رجلا مكفوف البصر
قال أبو جعفر فكان ما روت فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لها لا سكنى لك ولا نفقة
لا دليل فيه عند سعيد بن المسيب أن لا نفقة للمطلقة ثلاثا ولا سكنى إذا كان قد صرف ذلك إلى المعنى الذي
ذكرناه عنه
وقد حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني
عقيل عن ابن شهاب قال حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن فاطمة بنت قيس أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال اعتدي في بيت بن أم مكتوم فأنكر الناس عليها ما كانت تحدث به من خروجها قبل أن تحل
فهذا أبو سلمة يخبر أيضا أن الناس قد كانوا أنكروا ذلك على فاطمة وفيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن
لحق بهم من التابعين
فقد أنكر عمر وأسامة وسعيد بن المسيب مع من سمينا معهم في حديث فاطمة بنت قيس هذا ولم يعملوا
به وذلك من عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه منهم منكر
فدل تركهم النكير في ذلك عليه أن مذهبهم فيه كمذهبه
فقال الذين ذهبوا إلى حديث فاطمة وعملوا به إن عمر رضي الله عنه إنما أنكر ذلك عليها لأنها خالفت عنده
كتاب الله عز وجل يريد قول الله عز وجل أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم
فهذا إنما هو في المطلقة طلاقا لزوجها عليها فيه الرجعة
وفاطمة كانت مبتوتة لا رجعة لزوجها عليها وقد قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها إنما النفقة والسكنى
لمن كانت عليه الرجعة وما ذكر الله تعالى في كتابه من ذلك إنما هو في المطلقة التي لزوجها عليها الرجعة
وفاطمة لم تكن عليها رجعة
69

فما روت من ذلك فلا يدفعه كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
وقد تابعها غيرها على ذلك منهم عبد الله بن عباس والحسن
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال ثنا حجاج عن عطاء
عن ابن عباس ح
وحدثنا صالح قال ثنا سعيد قال ثنا هشيم قال ثنا يونس عن الحسن أنهما كانا يقولان في المطلقة
ثلاثا والمتوفى عنها زوجها نفقة لهما وتعتدان حيث شاءتا
قالوا فإن كان عمر وعائشة وأسامة أنكروا على فاطمة ما روت عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقالوا بخلافه
فهذا بن عباس رضي الله عنهما قد وافقها على ما روت من ذلك فعمل به وتابعه على ذلك الحسن
فكان من حجتنا على أهل هذه المقالة أن ما احتج به عمر رضي الله عنه في دفع حديث فاطمة بنت قيس حجة
صحيحة وذلك أن الله عز وجل قال يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن
ثم قال لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
وأجمعوا أن ذلك الامر هو المراجعة
ثم قال أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ثم قال لا تخرجوهن من
بيوتهن ولا يخرجن يريد في العدة
فكانت المرأة إذا طلقها زوجها اثنتين للسنة على ما أمره الله عز وجل به ثم راجعها ثم طلقها أخرى
للسنة حرمت عليه ووجبت عليها العدة التي جعل الله لها فيها السكنى أو أمرها فيها أن لا تخرج وأمر
الزوج أن لا يخرجها
ولم يفرق الله عز وجل بين هذه المطلقة للسنة التي لا رجعة عليها وبين المطلقة للسنة التي عليها الرجعة
فلما جاءت فاطمة بنت قيس فروت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لها إنما السكنى والنفقة لمن كانت عليها الرجعة
خالفت بذلك كتاب الله نصا لان كتاب الله تعالى قد جعل السكنى لمن لا رجعة عليها وخالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لان عمر رضي الله عنه قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما روت فخرج المعنى الذي منه أنكر عليها عمر
رضي الله عنه ما أنكر خروجا صحيحا وبطل حديث فاطمة فلم يجب العمل به أصلا لما ذكرنا وبينا
فقال قائل لم يجئ تخليط حديث فاطمة إلا مما رواه الشعبي عنها وذلك أنه هو الذي روى عنها أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة
قال أوليس ذلك في حديث أصحابنا الحجازيين
قال أبو جعفر فأغفل في ذلك أو ذهب عنه لأنه لم يرو ما في هذا الباب بكماله كما رواه غيره فتوهم أنه
جمع كما روي في هذا الباب فتكلم على ذلك فقال ما حكيناه عنه مما وصفنا وليس كما توهم لان الشعبي
70

أضبط مما يظن وأتقن وأوثق وقد وافقه على ما روى من ذلك من قد ذكرناه في حديثه في أول هذا
الباب ما يغنينا ذلك عن إعادته في هذا الموضع
ويقال له إن حديث مالك عن عبد الله بن يزيد الذي لم يذكر فيه لا سكنى لك قد رواه الليث
بن سعد عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة عن فاطمة بمثل ما رواه الشعبي عنها
فما جاء من الشعبي في هذا تخليط وإنما جاء التخليط ممن روى عن أبي سلمة عن فاطمة فحذف بعض
ما فيه وجاء ببعض فأما أصل الحديث فكما رواه الشعبي
وكان من قول هذا المخالف لنا أيضا أن قال ولو كان أصل حديث فاطمة كما رواه الشعبي لكان موافقا أيضا
لمذهبنا لان معنى قوله صلى الله عليه وسلم لا نفقة لك أي لأنك غير حامل ولا سكنى لك لأنك بذيئة والبذاء
هو الفاحشة التي قال الله عز وجل إلا أن يأتين بفاحشة مبينة
وذكر في ذلك ما قد حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا سليمان بن بلال عن عمرو
بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة
مبينة فقال الفاحشة المبينة أن تفحش على أهل الرجل وتؤذيهم فقال ففاطمة حرمت السكنى لبذائها
والنفقة لأنها غير حامل
قال وهذا حجة لنا في قولنا إن المبتوتة لا يجب لها النفقة إلا أن تكون حاملا
قيل له لو خرج معنى حديث فاطمة من حيث ذكرت لوقع الوهم على عمر وعائشة وأسامة ومن أنكر
ذلك على فاطمة معهم وقد كان ينبغي أن يترك أمرهم على الصواب حتى يعلم يقينا ما سوى ذلك
فكيف ولو صح حديث فاطمة لكان قد يجوز أن يكون معناه على غير ما حملته أنت عليه
وذلك أنه قد يجوز أن يكون معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها السكنى لبذائها كما ذكرت ورأي أن ذلك هو
الفاحشة التي قال الله عز وجل وحرمها النفقة لنشوزها ببذائها الذي خرجت به من بيت زوجها لان المطلقة
لو خرجت من بيت زوجها في عدتها لم يجب لها عليه نفقة حتى ترجع إلى منزله
فكذلك فاطمة منعت من النفقة لنشوزها الذي به خرجت من منزل زوجها
فهذا معنى قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراده إن كان حديث فاطمة صحيحا وقد يجوز أن يكون أراد
ما وصفت أنت وقد يجوز أن يكون أراد معنى غير هذين مما لا يبلغه علمنا
ولا يحكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أراد في ذلك معنى بعينه دون معنى كما حكمت أنت عليه لان القول عليه
بالظن حرام كما أن القول بالظن على الله حرام
وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما في الفاحشة المبينة غير ما قال بن عباس رضي الله عنهما
71

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن موسى بن عقبة عن نافع أن بن عمر
قال في قوله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة
قال خروجها من بيتها فاحشة مبينة
وقد قال آخرون إن الفاحشة المبينة أن تزني فتخرج ليقام عليها الحد
فمن جعل لك أن تثبت ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما في تأويل هذه الآية وتحتج به على مخالفك
وتدع ما قال بن عمر رضي الله عنهما
وقد روي عن فاطمة بنت قيس في حديثها معنى غير ما ذكرنا وذلك أن أبا شعيب البصري صالح بن شعيب
حدثنا قال ثنا محمد بن المثنى الزمن قال ثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة
بنت قيس قالت قلت يا رسول الله إن زوجي طلقني وإنه يريد أن يقتحم قال انتقلي عنه
فهذه فاطمة تخبر في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمرها أن تنتقل حين خافت زوجها عليها
فقال قائل وكيف يجوز هذا وفي بعض ما قد روي في هذا الباب أنه طلقها وهو غائب أو طلقها ثم غاب
فخاصمت بن عمه في نفقتها وفي هذا أنها كانت تخافه فأحد الحديثين يخبر أنه كان غائبا والآخر يخبر أنه كان
حاضرا فقد تضاد هذان الحديثان
قيل له ما تضادا لأنه قد يجوز فاطمة لما طلقها زوجها خافت على الهجوم عليها وسألت
النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها بالنفقة ثم غاب بعد ذلك ووكل بن عمه بنفقتها فخاصمت حينئذ في النفقة وهو غائب
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سكنى لك ولا نفقة
فاتفق معنى حديث عروة هذا ومعنى حديث الشعبي وأبي سلمة ومن وافقهما على ذلك عن فاطمة
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا قد رأيناهم أجمعوا أن المطلقة طلاقا بائنا وهي حامل من زوجها أن لها
النفقة على زوجها وبذلك حكم الله عز وجل لها في كتابه فقال وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن
حتى يضعن حملهن
فاحتمل أن تكون تلك النفقة جعلت على المطلق لان يكون عنها ما يغذي الصبي في بطن أمه فيجب ذلك
عليه لولده كما يجب عليه أن يغذيه في حال رضاعه بالنفقة على من ترضعه وتوصل الغذاء عليه ثم يغذيه بعد ذلك
بمثل ما يغذي به مثله من الطعام والشراب
فيحتمل أيضا إذا كان حملا في بطن أمه أن يجب على أبيه غذاؤه بما يغذي به مثله في حالة تلك من النفقة
على أمه لان ذلك يوصل الغذاء إليه
72

ويحتمل أن يكون تلك النفقة إنما جعلت للمطلقة خاصة لعلة العدة لا لعلة الولد الذي في بطنها
فإن كانت النفقة على الحامل إنما جعلت لها لمعنى العدة ثبت قول الذين قالوا للمبتوتة النفقة والسكنى حاملا
كانت أو غير حامل
وإن كانت العلة التي بها وجبت النفقة هي الولد فإن ذلك لا يدل على أن النفقة واجبة لغير الحامل فاعتبرنا
ذلك لنعلم كيف الوجه فيما أشكل من ذلك
فرأينا الرجل يجب عليه أن ينفق على ابنه الصغير في رضاعه حتى يستغني عن ذلك وينفق عليه بعد ذلك
ما ينفق على مثله ما كان الصبي محتاجا إلى ذلك
فإن كان غنيا عنه بمال له قد ورثه عن أمه أو قد ملكه بوجه سوى ذلك من هبة أو غيرها لم يجب
على أبيه أن ينفق عليه من ماله وأنفق عليه مما ورث أو مما وهب له
فكان إنما ينفق عليه من ماله لحاجته إلى ذلك فإذا أرتفع ذلك لم يجب عليه الانفاق عليه من ماله
ولو أنفق عليه الأب من ماله على أنه فقير إلى ذلك بحكم القاضي عليه ثم علم أن الصبي قد كان وجب له
مال قبل ذلك بميراث أو غيره كان للأب أن يرجع بذلك المال الذي أنفقه في مال الصبي الذي وجب له
بالوجه الذي ذكرنا
وكان الرجل إذا طلق امرأته وهي حامل فحكم القاضي لها عليه بالنفقة فأنفق عليها حتى وضعت ولدا
حيا وقد كان أخ له من أمه مات قبل ذلك فورثه الولد وأمه حامل به لم يكن للأب في قولهم جميعا
أن يرجع على ابنه بما كان أنفق على أمه بحكم القاضي لها عليه بذلك إذا كانت حاملا به
فثبت بذلك أن النفقة على المطلقة الحامل هي لعلة العدة التي هي فيها من الذي طلقها لا لعلة ما هي
به حامل منه
فلما كان ما ذكرنا كذلك ثبت أن كل معتدة من طلاق بائن فلها من النفقة مثل ما للمعتدة من الطلاق
إذا كانت حاملا قياسا ونظرا على ما ذكرنا مما وصفنا وبينا
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد روي ذلك عن عمر وعبد الله وقد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا وروي ذلك عن سعيد
بن المسيب وإبراهيم النخعي
(0 حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري
عن سعيد بن المسيب قال المطلقة ثلاثا لها النفقة والسكنى
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا شجاع بن الوليد عن المغيرة عن إبراهيم مثله
73

باب المتوفى عنها زوجها هل لها أن تسافر في عدتها
وما دخل ذلك من حكم المط في وجوب الاحداد عليها في عدتها
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم ح
وحدثنا أحمد بن داود قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى بن سعيد قالا جميعا عن ابن جريج
قال أخبرني أبو الزبير عن جابر قال طلقت خالة لي فأرادت أن تخرج في عدتها إلى نخل لها فقال لها
رجل ليس ذلك لك
فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال أخرجي إلى نخلك وجديه فعسى أن تصدقي وتصنعي معروفا
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا أبو الزبير قال سمعت جابرا يقولا
خبرتني خالتي أنه طلقت البتة فأرادت أن تجد نخلها فزجرها رجال أن تخرج فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال بلى فجدي نخلك فإنك عسى أن تصدقي وتفعلي معروفا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن للمطلقة وللمتوفى عنها زوجها أن تسافرا في عدتهما إلى حيث ما شاءتا
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا أما المتوفى عنها زوجها فإن لها أن تخرج في عدتها من بيتها نهارا
ولا تبيت إلا في بيتها
وأما المطلقة فلا تخرج من بيتها في عدتها لا ليلا ولا نهارا
وفرقوا بينهما لان المطلقة في قولهم لها النفقة والسكنى في عدتها على زوجها الذي طلقها فذلك يغنيها
عن الخروج من بيتها
والمتوفى عنها زوجها لا نفقة فلها أن تخرج في بياض نهارها وتبتغي من فضل ربها
وكان من الحجة لهم في حديث جابر الذي احتج به عليهم أهل المقالة الأولى أنه قد يجوز أن يكون
ما ذكر فيه كان في وقت ما لم يكن الاحداد يجب في كل العدة فإنه قد كان ذلك كذلك
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حبان بن هلال ح
وحدثنا أبو بكرة أيضا قال ثنا حبان ح
وحدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس ح
74

وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا جبارة بن المغلس ح
وحدثنا ربيع المؤذن وسليمان بن شعيب قالا ثنا أسد قالوا ثنا محمد بن طلحة عن الحكم
بن عتيبة عن عبد الله بن شداد عن أسماء بنت عميس قالت لما أصيب جعفر أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم
تسكني ثلاثا ثم اصنعي ما شئت
ففي هذا الحديث أن الاحداد لم يكن على المعتدة في كل عدتها وإنما كان في وقت منها خاص ثم نسخ ذلك
وأمرت بأن تحد عليه أربعة أشهر وعشرا
فمما روي في ذلك ما حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوج
فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا
حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة
قالت لما جاء نعي أبي سفيان دعت أم حبيبة بصفرة فمسحت بذراعيها وعارضيها وقالت إني عن هذا
لغنية لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت مثل حديث عائشة رضي الله عنها سواء
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن أيوب بن موسى عن حميد بن نافع
عن زينب بنت أم سلمة قالت بينما أنا عند أم حبيبة ثم ذكرت مثل حديث يونس
قال حميد وحدثتني زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة أنها قالت جاءت امرأة اسمها عاتكة من قريش
بنت النحام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنا نخاف على بصرها فقال لا أربعة أشهر وعشرا قد كانت إحداكن
تحد على زوجها السنة ثم ترمي على رأس السنة بالبعر
حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن يحيى بن سعيد عن حميد بن نافع
مولى الأنصار أنه سمع زينب بنت أم سلمة تحدث عن أمها وأم حبيبة اسمها رملة مثل ما في حديث ربيع عنهما
قال حميد فقلت لزينب وما رأس الحول فقالت كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها عمدت إلى
شر بيت لها فجلست فيه سنة فإذا مرت بها سنة خرجت ورمت ببعرة من ورائها
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن عبد الله بن أبي بكر عن حميد بن نافع
75

عن زينب بنت أبي سلمة أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة قالت دخلت على أم حبيبة ثم ذكرت عنها مثل
ما ذكرناه عنها فيما تقدمه من هذه الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
قالت وسمعت أم سلمة تقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرت نحو ما ذكرناه عنها فيما تقدم
من هذه الأحاديث
قالت دخلت على زينب بنت جحش فذكرت عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث يونس عن علي وفي حديث
ربيع عن شعيب مما ذكرناه في حديثهما عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في بنت النحام
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن الهاد
عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن حفصة بنت عمر زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
أو عنهما كليهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على متوفي فوق
ثلاث ليال إلا على زوج
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا عبد الله بن بكر السهمي قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن أيوب
عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد
فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت نافعا يحدث عن صفية
بنت أبي عبيد عن بعض أمهات المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد
على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوج
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عارم أبو النعمان قال ثنا حماد بن زيد قال ثنا أيوب عن نافع
فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد عن أيوب عن حفصة عن أم عطية
قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج ولا تكتحل ولا تطيب
ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب قال ثنا هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم
مثله غير أنه لم يذكر قوله إلا ثوب عصب
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا حسان بن غالب قال ثنا ابن لهيعة عن الأسود أنه سمع بن محمد
76

يخبر عن زينب أن أمها أم سلمة أخبرتها أن بنت نعيم بن عبد الله العدوي أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن ابنتي
توفي عنها زوجها وهي محدة وقد اشتكت عينيها أفتكتحل فقال لا
فقالت يا نبي الله إنها تشتكي عينيها فوق ما تظن أفتكتحل قال لا يحل لمسلمة أن تحد فوق
ثلاثة أيام إلا على زوج ثم قال أو نسيتن كنتن في الجاهلية تحد المرأة السنة وتجعل في السنة في بيت وحدها
إلا أنها تطعم وتسقى حتى إذا كان رأس السنة أخرجت ثم أتيت بكلب أو دابة فإذا مستها ماتت فخفف
ذلك عنكن وجعل أربعة أشهر وعشرا
ففي هذه الآثار ما قد دل أن إحداد المتوفي عنها زوجها قد جعل في كل عدتها وقد كان قبل ذلك
في ثلاثة أيام من عدتها خاصة على ما في حديث أسماء
ثم قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الفريعة بنت مالك ما قد حدثنا يونس قال أخبرني أنس
بن عياض قال أخبرني سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة الأنصاري عن زينب بنت كعب قالت أخبرتني
الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أنه أتاها نعي زوجها خرج في طلب
أعلاج له فأدركهم بطرف القدوم فقتلوه
قالت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إنه أتاني نعي زوجي وأنا في دار من دور الأنصار
سامتعة أي بعيدة عن دور أهلي وأنا أكره القعدة فيها وأنه لم يتركني في مسكن ولا مال يملكه
ولا نفقة تنفق علي فإن رأيت أن الحق بأخي فيكون أمرنا جميعا فإنه أجمع لي في شأني وأحي إلي
قال إن شئت فالحقي بأهلك
قالت فخرجت مستبشرة بذلك حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو دعيت له
فقال كيف زعمت فرددت عليه الحديث من أوله فقال امكثي في البيت الذي جاءك فيه نعي زوجك
حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا
قالت فأرسل إليها عثمان فسألها فأخبرته فقضى به
77

حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال حدثني الليث عن زيد بن أبي حبيب عن يزيد
بن محمد عن سعد بن إسحاق بن كعب ثم ذكر بإسناده نحوه
حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن يحيى بن سعيد عن سعد
بن إسحاق فذكر بإسناده مثله
* (حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني شعبة وروح
بن القاسم جميعا عن سعد بن إسحاق فذكر بإسناده نحوه
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم عن سعد بن إسحاق
فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن سعد فذكر بإسناده مثله
(0 حدثنا علي بن شيبة قال ثنا قبيصة بن عقبة قال ثنا سفيان الثوري عن سعد فذكر بإسناده مثله
غير أنه لم يذكر سؤال عثمان إياها ولا تضاد به
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن سعد فذكر بإسناده مثله غير أنه
قال الفريمة ولم يقل الفريعة وذكر أيضا سؤال عثمان إياها ولم يذكر قضاءه به
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا زهير بن معاوية عن سعد بن إسحاق
أو إسحاق بن سعد ثم ذكر بإسناده مثله وقال الفريعة ولا أدري أذكر سؤال عثمان إياها وقضاءه به أم لا
قال أبو جعفر فمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفريعة من الانتقال من منزلها في عدتها وجعل ذلك من إحدادها
وقد ذكرنا في حديث أسماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها تسكني ثلاثا ثم اصنعي ما شئت حين توفي عنها زوجها
وهو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه
ففي ذلك أنه ليس عليها أن تحد أكثر من ثلاثة وكل قد أجمع أن ذلك منسوخ لتركهم ذلك واستعمالهم
حديث زينب بنت جحش وعائشة وأم سلمة وأم حبيبة
وما ذكرنا مع ذلك مما يوجب الاحداد في العدة كلها وكل ما ذكرنا في الاحداد إنما قصد بذكره إلى المتوفي
عنها زوجها
فاحتمل أن يكون ذلك في العدة التي تجب بعقد النكاح فتكون كذلك المطلقة عليها في ذلك من الاحداد
في عدتها مثل ما على المتوفي عنها زوجها
واحتمل أن يكون ذلك خصت به العدة من الوفاة خاصة
فنظرنا في ذلك إذ كانوا قد تنازعوا في ذلك واختلفوا
78

فقال قائلون لا يجب على المطلقة في عدتها إحداد
وقال آخرون بل الاحداد عليها في عدتها كما هو على المتوفي عنها زوجها
فرأينا المطلقة منهية عن الانتقال من منزلها في عدتها كما نهيت المتوفي عنها زوجها وذلك حق عليها ليس
لها تركه كما ليس لها ترك العدة
فلما ساوت المتوفي عنها زوجها في وجوب بعض الاحداد عليها ساوتها في وجوب كلتيه عليها
فثبت بما ذكرنا وجوب الاحداد على المطلقة في عدتها وقد قال بذلك جماعة من المتقدمين
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا أبو الزبير قال سألت جابرا أتعتد
المطلقة والمتوفى عنها زوجها أم تخرجان
فقال جابر لا فقلت أتتربصان حيث أرادتا فقال جابر لا
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عبد الله بن محمد الفهمي قال أخبرنا بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر
أنه قال في المطلقة إنها لا تعتكف ولا المتوفي عنها زوجها ولا تخرجان من بيوتهما حتى توفيا أجلهما
فهذا جابر بن عبد الله قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في إذنه لخالته في الخروج في جداد نخلها في عدتها
ما قد ذكرناه فيما تقدم من هذا الكتاب ثم قد قال هو بخلاف ذلك فهذا دليل على ثبوت نسخ ذلك عنده
وفي حديث جابر رضي الله عنه أيضا الذي ذكرناه عنه من قوله تسويته بين المطلقة والمتوفى عنها
زوجها في ذلك
فلما كانتا في عدتهما سواء في بعض الاحداد كانتا كذلك في كل الاحداد وقد كان قبل ذلك في بعض
العدة على ما ذكرنا في حديث أسماء ثم نسخ ذلك وجعل الاحداد في كل العدة
فيحتمل أن يكون ما أمرت به خالة جابر رضي الله عنه كان والاحداد إنما هو في الثلاثة الأيام من العدة
ثم نسخ ذلك وجعل الاحداد في كل العدة
وقد روي في ذلك أيضا عن المتقدمين ما قد حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة
قال ثنا منصور ح
وحدثنا علي بن شيبة قال ثنا قبيصة قال ثنا سفيان عن منصور عن مجاهد عن سعيد بن المسيب
أن عمر رد نسوة من ذي الحليفة توفي عنهن أزواجهن فخرجن في عدتهن
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا بشر بن بكر قال حدثني الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير
قال حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان أن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت قالا في المتوفي عنها زوجها وبها
فاقة شديدة فلم يرخصا لها أن تخرج من بيتها إلا في بياض نهارها وتصيب من طعامهم ثم ترجع
إلى بيتها فتبيت فيه
79

حدثنا علي بن شيبة قال ثنا قبيصة قال ثنا سفيان عن عبيد الله وابن أبي ليلى وموسى بن عقبة عن
نافع عن ابن عمر أنه قال المتوفي عنها زوجها لا تبيت في غير بيتها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن يزيد بن قسيط عن مسلم بن السائب
عن أمه قالت لما توفي السائب ترك زرعا بقناة فجئت بن عمر فقلت يا أبا عبد الرحمن إن السائب توفي
وترك ضيعة من زرع بقناة وترك غلمانا صغارا ولا حيلة لهم وهي لنا دار ومنزل أفأنتقل إليها فقال
لا تعتدي إلا في البيت الذي توفي فيه زوجك اذهبي إلى ضيعتك بالنهار وارجعي إلى بيتك بالليل فبيتي فيه
فكنت أفعل ذلك
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت أم مخرمة
تقول سمعت أم مسلم بن السائب تقول توفي السائب فسألت بن عمر عن الخروج فقال لا تخرجي من بيتك
إلا لحاجة ولا تبيتي إلا فيه حتى تنقضي عدتك
حدثنا أبو بكرة قال ثنا حسين بن مهدي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري
عن سالم عن ابن عمر قال لا تنتقل المبتوتة من بيت زوجها في عدتها
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال في المتوفي
عنها زوجها والمطلقة ثلاثا لا تنتقلان ولا تبيتان إلا في بيوتهما
حدثنا سليمان قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا زهير بن معاوية عن منصور عن إبراهيم
قال كانت امرأة في عدتها فاشتكى أي مرض أبوها فأرسلت إلى أم سلمة أم المؤمنين أن ما ترين فإن
أبي اشتكى أفآتيه فأمرضه فقالت بيتي في بيتك طرفي الليل
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مخرمة عن أبيه أنه سمع القاسم بن محمد يرى أن تخرج
المطلقة إلى المسجد
قال بكير وقالت عمره عن عائشة تخرج من غير أن تبيت عن بيتها
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن نافع أن بنت سعيد كانت تحت عبد الله بن عمر
فطلقها البتة فانتقلت فأنكر ذلك عليها عبد الله بن عمر
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن حميد بن قيس عن عمرو بن شعيب عن سعيد
بن المسيب أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفي عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن من الحج
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن ابن عمر قال لا تبيت المتوفي عنها
80

زوجها ولا المطلقة إلا في بيتهما
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال ثنا الليث عن أيوب بن موسى عن
محمد بن عبد الرحمن الديلي أن علقمة بن عبد الرحمن بن أبي سفيان طلق امرأة من أهله البتة ثم خرج إلى العراق
فسألت بن المسيب والقاسم وسالما وخارجة وسليمان بن يسار هل تخرج من بيتها
فكلهم يقول لا تقعد في بيتها
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام قال ثنا حماد عن إبراهيم قال المطلقة
ثلاثا والمختلعة والمتوفى عنها زوجها والملاعنة لا تختضبن ولا تتطيبن ولا يلبسن ثوبا مصبوغا ولا يخرجن من بيوتهن
فهؤلاء الذين روينا عنهم هذه الآثار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين قد منعوا المتوفي عنها زوجها من
السفر والانتقال من بيتها في عدتها ورخصوا لها في الخروج في بياض نهارها على أن تبيت في بيتها
وقد قرن بعضهم معها المطلقة المبتوتة فجعلها كذلك في منعه إياها من السفر والانتقال من بيتها في عدتها
ولم يرخص أحد منهم لها في الخروج من بيتها نهارا كما رخص للمتوفي عنها زوجها
فثبت بذلك ما ذكرنا من منعهما من السفر في عدتهما والخروج من منزلهما إلا ما رخص للمتوفي
عنها زوجها من الخروج من بيتها في بياض نهارها على الضرورة
وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
فإن قال قائل فإن عائشة رضي الله عنها قد كانت سافرت بأختها أم كلثوم في عدتها
وذكر في ذلك ما قد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أحمد بن يونس قال حدثني جرير بن حازم
قال سمعت عطاء يقول إن عائشة حجت بأختها أم كلثوم في عدتها
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو غسان قال حدثني جرير قال سمعت عطاء يقول حجت
عائشة بأختها في عدتها من طلحة بن عبيد الله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا أفلح عن القاسم عن عائشة أنها حجت بأختها
أم كلثوم في عدتها
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن أيوب بن موسى عن عطاء بن أبي
رباح عن عائشة مثله
قيل له إنما كان ذلك للضرورة لأنهم كانوا في فتنة قد بين ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي
قال ثنا ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال لما قتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل وسارت
81

عائشة إلى مكة بعثت عائشة إلى أم كلثوم وهي بالمدينة فنقلتها إليها لما كانت تتخوف عليها من الفتنة وهي في عدتها
فهكذا نقول إذا كانت فتنة يخاف على المعتدة من الإقامة فيها من تلك الفتنة فهي في سعة من الخروج
فيها إلى حيث أحبت من الأماكن التي تأمن فيها من تلك الفتنة وبالله التوفيق
باب الأمة تعتق وزوجها حر هل لها خيار أم لا
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أنها قالت
كان زوج بريرة حرا فلما أعتقت خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فجعلوا للمعتقة الخيار حرا كان زوجها أو عبدا
وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا إن كان زوجها عبدا فلها الخيار وإن كان حرا فلا خيار لها
وقالوا إنما كان زوج بريرة عبدا
وذكروا في ذلك ما حدثنا أحمد بن أبي داود قال ثنا إسماعيل بن سالم قال ثنا جرير بن عبد الحميد
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان زوج بريرة عبدا ولو كان حرا لم يخيرها
رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أحمد قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا عبد العزيز بن محمد وابن أبي حازم عن هشام بن عروة
عن عبد الرحمن بن القاسم عن عبد العزيز عن أبيه قال الأعمش عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أعتقت بريرة
خيرها وكان زوجها عبدا
قالوا فهذه عائشة رضي الله عنها تخبر أن زوج بريرة كان عبدا فهذا خلاف ما رويتموه عن الأسود عنها
ثم قالت عائشة رضي الله عنها لو كان حرا لم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل لهم أما هذا الحرف فقد يجوز أن يكون من كلام عائشة رضي الله عنها وقد يجوز أيكون من
كلام عروة
واحتج أهل هذه المقالة في تثبيت ما رووه في زوج بريرة أنه كان عبدا بما حدثنا علي بن عبد الرحمن
قال ثنا عفان قال ثنا همام قال ثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود
يسمى مغيثا فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أخبرنا خالد عن عكرمة عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال لما خيرت بريرة رأينا زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته
82

فكلم له العباس النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب إليها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجك وأبو ولدك
فقالت أتأمرني به يا رسول الله
فقال إنما أنا شافع قالت إن كنت شافعا فلا حاجة لي فيه واختارت نفسها وكان يقال له مغيث
وكان عبدا لآل المغيرة من بني مخزوم
قالوا فإنما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن زوجها كان عبدا
فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأولى أن أولى الأشياء بنا إذا جاءت الآثار هكذا فوجدنا السبيل
إلى أن نحملها على غير طريق التضاد أن نحملها على ذلك ولا نحملها على التضاد والتكاذب ويكون حال
رواتها عندنا على الصدق والعدالة فيما رووا حتى لا نجد بدا من أن نحملها على خلاف ذلك
فلما ثبت أن ما ذكرنا كذلك وكان زوج بريرة قد قيل فيه إنه كان عبدا وقيل فيه إنه كان حرا
جعلناه على أنه قد كان عبدا في حال حرا في حال أخرى
فثبت بذلك تأخر إحدى الحالتين عن الأخرى فكان الرق قد يكون بعده الحرية والحرية لا يكون
بعدها رق
فلما كان ذلك كذلك جعلنا حال العبودية متقدمة وحال الحرية متأخرة
فثبت بذلك أنه كان حرا في وقت ما خيرت بريرة عبدا قبل ذلك هكذا تصحيح الآثار في هذا الباب
ولو اتفقت الروايات كلها عندنا على أنه كان عبدا لما كان في ذلك ما ينفي أن يكون إذا كان حرا
زال حكمه عن ذلك لأنه لم يجئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما خيرتها لان زوجها عبد
ولو كان ذلك كذلك لانتفى أن يكون لها خيار إذا كان زوجها حرا
فلما لم يجئ من ذلك شئ وجاء عنه أنه خيرها وكان زوجها عبدا نظرنا هل يفترق في ذلك حكم
الحر وحكم العبد
فنظرنا في ذلك فرأينا الأمة في حال رقها لمولاها أن يعقد النكاح عليها للحر والعبد ورأيناها
بعد ما تعتق ليس له أن يستأنف عليها عقد نكاح لحر ولا لعبد فاستوى حكم ما إلى المولى في العبيد والأحرار
وما ليس إليه في العبيد والأحرار في ذلك
فلما كان ذلك كذلك ورأيناها إذ أعتقت بعد عقد مولاها نكاح العبد عليها يكون لها الخيار
في حل النكاح عليها كان كذلك في الحر إذا أعتقت يكون لها حل نكاحه عنها قياسا ونظرا
على ما بينا من ذلك
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
83

وقد روي ذلك أيضا عن طاوس
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن ابن طاو س عن أبيه قال للأمة الخيار إذا أعتقت وإن كانت
تحت قرشي
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني بن طاوس عن أبيه
أنه قال لها الخيار يعني في العبد والحر قال وأخبرني الحسن بن مسلم مثل ذلك
باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر متى يقع الطلاق
حدثنا محمد بن حميد وفهد بن سليمان قالا ثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا محمد بن جعفر بن أبي كثير
قال أخبرني موسى بن عقبة عن أبي إسحاق الهمداني عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر فقال هي في كل رمضان
ففي هذا الحديث أنها في كل رمضان
فقال قوم هذا دليل على أنها قد تكون في أوله وفي وسطه كما قد تكون في آخره
وقد يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم في كل رمضان هذا المعنى ويحتمل أنها في كل رمضان تكون إلى يوم القيامة
مع أن أصل هذا الحديث موقوف كذلك رواه الاثبات عن أبي إسحاق
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا حسن بن صالح عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن
عمر مثله ولم يرفعه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا شعبة عن أبي إسحاق الهمداني
فذكر بإسناده مثله
وقد روى هذا الحديث أبو الأحوص عن أبي إسحاق بلفظ غير هذا اللفظ
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن
سعيد بن جبير قال سألت بن عمر عن ليلة القدر فقال هي في رمضان كله
فإن كان هذا هو لفظ هذا الحديث فقد ثبت به أن معنى قوله هي في كل رمضان يريد أنها في كل الشهر
وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك
حدثنا عبد الرحمن بن الجارود قال ثنا سعيد بن عفير قال حدثني سليمان بن بلال عن عبد الله
بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ليلة القدر فقال تحروها في السبع الأواخر من رمضان
84

حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
(0 حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني الزهري عن حديث سالم
بن عبد الله عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسوا ليلة القدر في السبع الأواخر
حدثنا يزيد بن سنان وابن أبي داود قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني
عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا القعنبي قال قرأت على مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله *
(حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو صالح قال حدثني الليث عن نافع عن ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
وقد روي عن غير بن عمر رضي الله عنهما أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل هذا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال ثنا عكرمة بن عمار قال حدثني
أبو زميل عمالك بن مرثد عن أبيه قال سألت أبا ذر فقلت أسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر
قال نعم كنت أسأل الناس عنها قال عكرمة يعني أشبع سؤالا
قلت يا رسول الله أخبرني عن ليلة القدر أفي رمضان هي أو في غيره قال في رمضان
قلت وتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا رفعوا رفعت قال بل هي إلى يوم القيامة
قلت في أي رمضان هي قال في العشر الأول أو في العشر الأواخر
ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثت فقلت يا رسول الله في أي العشرين هي قال التمسوها في العشر
الأواخر لا تسألني عن شئ بعدها
ثم حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحد ث فقلت يا رسول الله أقسمت عليك بحقي عليك لتخبرني في أي
العشر هي فغضب علي غضبا لم يغضب علي قبل ولا بعد ثم قال إن الله لو شاء لأطلعكم عليها التمسوها
في السبع الأواخر لا تسألني عن شئ بعدها
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا أبو الزبير قال أخبرني جابر أن
عبد الله بن أنيس الأنصاري سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وقد خلت اثنتان وعشرون ليلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
التمسوها في هذه السبع الأواخر التي يبقين من الشهر
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن
85

إسحاق عن معاذ بن عبد الله بن حبيب عن عبد الله بن عبد الله بن حبيب عن عبد الله بن أنيس أنه
سئل عن ليلة القدر فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول التمسوها الليلة وتلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين
فقال رجل هذا إذا أولى ثمان فقال بل أولى سبع فإن الشهر لا يتم
فقد ثبت بهذا الحديث أيضا أنها في السبع الأواخر وأنه إنما قصد ليلة ثلاث وعشرين لان ذلك الشهر
كان تسعا وعشرين
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أبو زيد بن أبي القمر قال ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبيه
قال كنت جالسا مع أبي على الباب إذ مر بنا بن عبد الله بن أنيس فقال أبي ما سمعت من أبيك يذكر عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر
فقال سمعت أبي يقول أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني رجل ينازعني البادية فمرني
بليلة آت فيها المدينة فقال إيت في ليلة ثلاث وعشرين
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن معاذ بن عبد الله عن أخيه عبد الله
بن عبد الله وكان رجل في زمن عمر قال جلس إلينا عبد الله بن أنيس في مجلس جهينة في آخر رمضان
فقلت له يا أبا يحيى هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة شيئا
فقال نعم جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الشهر فقلنا يا نبي الله متى نلتمس هذه الليلة المباركة
فقال التمسوها هذه الليلة لمساء ثلاث وعشرين
فقال رجل من القوم فهي إذا أولى ثمان فقال إنها ليست بأولى ثمان ولكنها أولى سبع ما تريد
بشهر لا يتم
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى بن أيوب عن ابن الهاد عن أبي بكر
بن محمد بن عمرو بن حزم أنه أخبره عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عبد الله بن أنيس قال كنا
بالبادية فقلنا إن قدمنا بأهلنا شق ذلك علينا وإن خلفناهم أصابهم ضيعة فبعثوني وكنت أصغرهم
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأمرنا بليلة ثلاث وعشرين
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن يوسف قال حدثني بن لهيعة قال ثنا بكير بن الأشج
قال سألت ضمرة بن عبد الله بن أنيس عن ليلة القدر فقال سمعت أبي يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال تحروها
ليلة ثلاث وعشرين فكان ينزل كذلك
86

حدثنا فهد قال ثنا يحيى الحماني قال ثنا عبد العزيز بن محمد عن موسى بن عقبة عن سالم
بن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن بشر بن سعيد عن عبد الله بن أنيس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
رأيتني في ليلة القدر كأني أسجد في ماء وطين فأصابنا ليلة مطر فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فرأيته يسجد في ماء وطين
فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين
فأما ما رويناه في هذا الكتاب عن ابن عمر وأبي ذر رضي الله عنهما فإن فيه الامر بتحريها في السبع
الأواخر من شهر رمضان
فقد يحتمل أن تكون في تلك السبع دون سائر الشهر ويحتمل أن تكون في تلك السبع وأن يكون
في غيرها من الشهر إلا أنها أكثر ما تكون في تلك السبع فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحري فيها كذلك
وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم أن يتحروها في العشر
الأواخر من الشهر
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال رأى رجل ليلة القدر في النوم
كأنها في العشر الأواخر في سبع وعشرين أو تسع وعشرين
فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني أرى رؤياكم قد تواطأت بالهمز أي اتفقت فالتمسوها في العشر الأواخر
في الوتر
فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روى عنه بن عمر رضي الله عنهما في هذا الحديث أن تتحرى في العشر
الأواخر كما أمر فيما قد روينا عنه قبل هذا من حديث بن عمر رضي الله عنهما أيضا أن يتحروا
في السبع الأواخر
فلم يكن ما روي عنه من أمره إياهم بالتماسها في السبع الأواخر ما ينفي أن يكون تلتمس أيضا فيما قبله
من العشر الأواخر
فلم يدلنا ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنها في السبع الأواخر دون سائر الشهر إلا أنه قد يجوز
أن تكون السبع الأواخر أمر بالتماسها فيها بعد ما أمر بالتماسها في العشر الأواخر علما في حديث أبي ذر
فتكون في السبع الأواخر تتحرى دون ما سواها من الشهر وذلك تحر لا حقيقة معه
فأردنا أن نعلم هل روي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك
فإذا بكر بن إدريس قد حدثنا قال ثنا آدم قال ثنا شعبة قال ثنا عقبة بن حريث قال سمعت
87

بن عمر يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال التمسوها في العشر الأواخر فإن عجز أحدكم وضعف فلا يغلبن
على السبع البواقي
فدل ما ذكرنا من هذا عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها قد تكون في السبع الأواخر
أحرى من أن تكون فيما قبله من العشر الأواخر
وأما ما ذكرنا عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه فإن فيه الامر من رسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يلتمسها ليلة
ثلاث وعشرين وأحتمل أن تكون تلتمس في كل شهر رمضان في تلك الليلة بعينها
فإن كان كذلك فقد يجوز أن تكون قبل السبع الأواخر فيخرج ذلك مما أمر فيه بالتماسها في السبع
الأواخر لان الشهر قد يجوز أن لا ينقص عن ثلاثين فتكون تلك الليلة أولى ثمان بقين
فدل على معنى ما أشكل من ذلك ما قد رويناه فيما قد تقدم في هذا الباب عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمره بذلك في شهر كان تسعا وعشرين فكانت تلك الليلة أولى سبع لا أولى ثمان
فقد دخل ذلك أيضا فيما أمر فيه بالتماس تلك الليلة في السبع الأواخر وذلك كله على التحري لا على اليقين
وقد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي
قال حدثني بن عبد الله بن أنيس عن أبيه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني أكون ببادية يقال لها الوطأة
وإني بحمد الله أصلي بهم فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى المسجد فأصليها فيه
قال أنزل ليلة ثلا ث وعشرين فصلها فيه وإن أحببت أن تستتم آخر الشهر فأفعل وإن أحببت فكف
فكان إذ صلى صلاة العصر دخل المسجد فلا يخرج إلا لحاجة حتى يصلي الصبح فإذا صلى الصبح
كانت دابته بباب المسجد
ففي هذا الحديث أنه قد جعل لليلة ثلاث وعشرين في التحري ما لم يجعل لسائر السبع الأواخر
وقد حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أحمد بن صالح قال ثنا ابن أبي فديك قال حدثني عبد العزيز
بن بلال بن عبد الله بن أنيس عن أبيه بلال بن عبد الله عن عطية بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن أنيس
أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال إني رأيتها فأنسيتها فتحرها في النصف الآخر
ثم عاد فسأله فقال في ثلاث وعشرين تمضي من الشهر
قال عبد العزيز فأخبرني أبي أن عبد الله بن أنيس كان يحيى ليلة ست عشرة إلى ليلة ثلاث وعشرين
ثم تقصر
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يتحراها في النصف الأخير من الشهر ثم أمره بعد ذلك
أن يتحراها ليلة ثلاث وعشرين
88

فقد رجع معنى هذا الحديث إلى معنى ما روينا قبله عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه
وقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أمر عبد الله بن أنيس يتحرى ليلة القدر في الليلة التي ذكرنا
على أن تحريه ذلك إنما تكون في تلك السنة كذلك لرؤياه التي كان رآها النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت قد تكون
في غيرها من السنين بخلاف ذلك
فأما ما روي عنه في رؤياه التي كان رآها مما قد ذكرناها عنه في حديث بشر بن سعيد عن عبد الله
بن أنيس رضي الله عنه فقد روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال ثنا يحيى أن أبا سلمة
حدثه قال أتيت أبا سعيد الخدري فقلت هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر فقال نعم اعتكفنا مع
النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من شهر رمضان فلما كان صبيحة عشرين قام النبي صلى الله عليه وسلم فينا فقال من كان خرج
فليرجع فإني أريت الليلة وإني أنسيتها وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين فالتمسوها في العشر الأواخر
من شهر رمضان في وتر
قال أبو سعيد وما نرى في السماء قزعة فلما كان الليل إذا سحاب مثل الجبال فمطرنا حتى سأل سقف
المسجد وسقفه يومئذ من جريد النخل حتى رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في ماء وطين حتى رأيت أثر الطين
في أنف النبي صلى الله عليه وسلم
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث أنها كانت عامئذ في ليلة إحدى وعشرين
فقد يجوز أن يكون ذلك العام هو عام آخر خلاف العام الذي كانت فيه في حديث بن أنيس رضي الله
عنه ليلة ثلاث وعشرين وذلك أولى ما حمل عليه هذان الحديثان حتى لا يتضادا
وقد حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير قال ثنا حميد عن أنس على عبادة بن الصامت
قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان فقال خرجت لأخبركم بليلة القدر
فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن تكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا يعقوب بن إسحاق قال ثنا حماد بن سلمة قال ثنا ثابت وحميد
عن أنس عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
89

ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها في ليلة بعينها وقد أمرهم بعد رؤيته إياها أن يتحروها فيما بعد
في التاسعة والسابعة والخامسة
فدل ذلك أنه قد تكون في عام في ليلة بعينها ثم تكون فيما بعد في ليلة غير تلك الليلة
فدل ذلك ك على المعنى الذي ذهبنا إليه في حديث بن أنيس رضي الله عنه
وقد روي في ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه ما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال ثنا
يونس عن سفيان عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أريت ليلة القدر
ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها فالتمسوها في العشر الغوابر جمع غابر أي البواقي
حدثنا أبو أمية قال ثنا يحيى بن صالح قال ثنا إسحاق بن يحيى عن الزهري قال حدثني أبو سلمة
أن أبا هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أريت ليلة القدر فأنسيتها فالتمسوها في العشر الغوابر
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا المسعودي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نسي الليلة التي كانت أريها أنها ليلة القدر وذلك قبل كون تلك
الليلة فأمر بالتماس ليلة القدر فيما بعد من ذلك الشهر في العشر الأواخر
فهذا خلاف ما في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه إلا أنه قد يجوز أن يكون ذلك كان في عامين
فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحدهما ما ذكره عنه أبو هريرة رضي الله عنه قبل كون الليلة التي هي ليلة القدر وذلك
لا ينفي أن تكون فيما بعد ذلك العام من الأعوام الجائية فيما قبل ذلك من الشهر
ويكون ما ذكره عباد على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في ذلك العام على ليلة القدر بعينها ثم خرج ليخبرهم بها
فرفعت ثم أمرهم بالتماسها فيما بعد ذلك من الأعوام في السابعة والخامسة والتاسعة وذلك أيضا كله على
التحري لا على اليقين
وقد حدثنا بحر بن نصر قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن أبي نضرة عن أبي سعيد
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر تسعا يبقين وسبعا يبقين وخمسا يبقين
فقد يجوز أن يكون أراد بذلك العام الذي كان اعتكف فيه وأري ليلة القدر فأنسيها إلا أنه كان علم أنها
في وتر فأمرهم بالتماسها في كل وتر من ذلك العشر ثم جاء المطر فاستدل بها أنها كانت في عامه ذلك في تلك
الليلة بعينها
وليس في ذلك دليل على وقتها في الأعوام الجائية بعد ذلك هل هي في تلك الليلة بعينها أو فيما قبلها
أو فيما بعدها
90

وقد يجوز أيضا أن يكون ما حكاه أبو نضرة في هذا عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأعوام كلها
فيعود معنى ذلك إلى معنى ما رويناه متقدما في هذا الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما إلا أن في حديث
أبي سعيد رضي الله عنه زيادة معنى واحد وهو إنما تكون في الوتر من ذلك
وقد حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال ثنا حسين بن علي الجعفي عن
عن زائدة عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس عن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسوا ليلة
القدر في العشر الأواخر من رمضان وترا
قال أبو جعفر فالكلام في هذا أيضا مثل الكلام في حديث أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم تحروها لعشر يبقين من شهر رمضان
فالكلام في هذا أيضا مثل الكلام في حديث أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه
وقد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال تحروها ليلة سبع وعشرين يعني ليلة القدر
حدثنا بكر بن إدريس قال أنا آدم قال حدثنا شعبة قال ثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر
أن النبي صلى الله عليه وسلم مثله *
(حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عارم أبو النعمان قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أرى رؤياكم قد تواطأت أنها ليلة السابعة في العشر الأواخر فمن كان متحريها
فليتحرها ليلة السابعة من العشر الأواخر
فقد يحتمل أن يكون هذا أيضا أن يكون في عام بعينه ويحتمل أن يكون في كل الأعوام كذلك إلا أن
ذلك كله على التحري لا على اليقين
وكذلك ما ذكرناه قبل هذا عن عبد الله بن أنيس مما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك يحتمل أن يكون
ذلك على التحري من رسول الله صلى الله عليه وسلم لها في ذلك العام لما قد كان أريه من وقتها الذي تكون فيه فأنسيها
فلم يكن في شئ من هذه الآثار ما يدلنا على ليلة القدر أي ليلة هي بعينها غير أن في حديث أبي ذر
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له هي عشر الأول أو في العشر الأواخر من رمضان إذ سأله عن وقتها
على ما قد ذكرناه في حديثه الذي رويناه عنه في أول هذا الباب
فنفى بذلك أن يكون في العشر الأوسط وثبت أنها في إحدى العشرين إما في الأول وإما في الآخر
وفي هذا الحديث أيضا رجوع أبي ذر رضي الله عنه بالسؤال على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أي العشرين هي
وجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بأن يتحراها في العشر الأواخر
91

فنظرنا فيما روي في غير هذه الآثار هل فيه ما يدل على أنها في ليلة من هذين العشرين بعينها
فإذا بن أبي داود قد حدثنا قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب
عن أبي الخير الصنابحي عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة القدر ليلة أربع وعشرين
ففي هذا الحديث أنها في هذه الليلة بعينها وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك
حدثنا أبو أمية قال ثنا يزيد بن عبد ربه قال ثنا بقية عن أبي ثوبان قال حدثني عبدة
بن أبي لبابة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة القدر ليلة سبع وعشرين
وعلامتها أن الشمس تصعد ليس لها شعاع كأنها طست
حدثنا يونس قال ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي قال حدثني عبدة بن أبي لبابة قال حدثني
زر بن حبيش قال سمعت أبي بن كعب وبلغه أن بن مسعود قال من قام السنة كلها أصاب ليلة القدر
فقال أبي والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان والله الذي لا إله إلا هو إني لأعلم أي ليلة هي
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقومها ليلة صبيحة سبع وعشرين
حدثنا أبو أمية قال ثنا محمد بن سابق قال ثنا مالك بن مغول عن عاصم بن أبي النجود عن زر
بن حبيش قال قلت لأبي بن كعب إن عبد الله كان يقول في ليلة القدر من قام الحول أدركها
فقال رحمة الله على أبي عبد الرحمن أما والذي يحلف به لقد علم أنها لفي رمضان وإنها ليلة سبع وعشرين
قال فلما رأيته يحلف لا يستثنى قلت ما علمك بذلك قال بالآية التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فحسبنا وعددنا فإذا هي ليلة سبع وعشرين يعني أن الشمس ليس لها شعاع
قال أبو جعفر فهذا أبي بن كعب رضي الله عنه يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ليلة سبع وعشرين وينفى
قول عبد الله من يقم الحول يصبها
غير أنه قد روي عن عبد الله * (في ليلة القدر أنها في رمضان على ما قد حلف عليه أبي رضي الله عنه
أن عبد الله قد علمه ولكنه في خلاف ليلة سبع وعشرين
حدثنا أبو أمية قال ثنا أبو نعيم عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن حجير التغلبي عن الأسود
عن عبد الله قال التمسوا ليلة القدر في ليلة تسع وعشرة من رمضان صبيحتها صبيحة بدر وإلا ففي ليلة
إحدى وعشرين أو في ثلاث وعشرين
92

فأما ما ذكرنا عن عبد الله رضي الله عنه أنها في ليلة تسع عشرة فقد نفاه ما حكاه أبو ذر رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها في العشرين من الشهر الأول والآخر
وقد روي عن عبد الله رضي الله عنه أيضا في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا
المسعودي عن سعد بن عمر بن جعدة عن أبي عبيدة عن عبد الله قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة
القدر فقال أيكم يذكر ليلة الصهباوات قال عبد الله أنا والله بأبي أنت وأمي يا رسول الله وبيدي
تمرات أتسحر بهن وأنا مستتر بمؤخرة رحلي من الفجر وذلك حين يطلع الفجر
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ليلة القدر أخبرهم أي ليلة هي وأنها ليلة الصهباوات
فوصفها عبد الله رضي الله عنه بما وصفها به من ضوء القمر عند طلوع الفجر وذلك لا يكون إلا
في آخر الشهر
فقد دل ذلك أيضا على ما قال أبي رضي الله عنه
وفي كتاب الله عز وجل ما يدل أن ليلة القدر في شهر رمضان خاصة
قال الله عز وجل حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين
فيها يفرق كل أمر حكيم
فأخبر الله عز وجل أن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم فهي ليلة القدر وهي الليلة التي أنزل فيها القرآن
ثم قال شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
فثبت بذلك أن تلك الليلة في شهر رمضان واحتجنا إلى أن نعلم أي ليلة هي من لياليه
فكان الذي يدل على ذلك ما قد رويناه عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم انها ليلة أربع وعشرين والذي روي
عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها ليلة سبع وعشرين
وقد روي عن معاوية أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما روي عن أبي رضي الله عنه في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبيد الله بن معاذ قال ثنا أبي قال ثنا شعبة عن قتادة قال سمعت
مطرف بن عبد الله يحدث عن معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال ليلة سبع وعشرين
93

فهذا منتهى ما وقفنا عليه من علم ليلة القدر أي ليلة هي مما دلنا عليه كتا ب الله عز وجل وسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأما ما روي بعد ذلك عن الصحابة وتابعيهم فمعناه داخل في المعاني التي ذكرنا
وإنما احتجنا إلى ذكر ما روي في ليلة القدر لما قد أختلف فيه أصحابنا رحمهم الله في قول الرجل لامرأته
أنت طالق في ليلة القدر متى يقع به الطلاق
فقال أبو حنيفة رحمه الله إن قال لها ذلك قبل شهر رمضان لم يقع الطلاق حتى يمضي شهر رمضان
لما قد أختلف في موضع ليلة القدر من ليالي شهر رمضان على ما قد ذكرنا في هذا الباب مما روي أنها في الشهر
كله ومما قد روي أنها في خاص منه
قال رحمه الله فلا أحكم بوقوع الطلاق إلا بعد مضي الشهر لأني أعلم بذلك أنه قد مضى الوقت الذي
أوقع الطلاق فيه وأن الطلاق قد وقع
قال رحمه الله وإن قال ذلك لها في شهر رمضان في أوله أو في آخره أو في وسطه لم يقع الطلاق
حتى يمضي ما بقي من ذلك الشهر وحتى يمضي شهر رمضان أيضا كله من السنة القابلة
قال رحمه الله لأنه قد يجوز أن تكون فيما مضى من هذا الشهر الذي هو فيه فلا يقع الطلاق حتى يمضي شهر
رمضان كله من السنة الجائية وقد يجوز أن تكون فيما بقي من ذلك الشهر الذي هو فيه فيقع الطلاق فيها
فيكون كمن قال لامرأته قبل شهر رمضان أنت طالق ليلة القدر فيكون الطلاق لا يحكم به عليه إلا بعد
مضي شهر رمضان
قال رحمه الله فلما أشكل ذلك لم أحكم بوقوع الطلاق إلا بعد علمي بوقوعه ولا أعلم ذلك إلا بعد
مضي شهر رمضان الذي هو فيه وشهر رمضان الجائي بعده
فهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله في هذا الباب
وقد كان أبو يوسف رحمه الله قال مرة بهذا القول أيضا وقال مرة أخرى إذا قال لها ذلك القول
في بعض شهر رمضان لم يحكم بوقوع الطلاق حتى يمضي مثل ذلك الوقت من شهر رمضان من السنة الجائية
قال لان ذلك إذا كان فقد كمل حول منذ قال ذلك القول وهي في كل حول فعلمنا بذلك وقوع الطلاق
قال أبو جعفر وهذا قول عندي ليس بشئ لأنه لم يقل لنا إن كل حول يكون ففيه ليلة القدر
على أن ذلك الحول ليس فيه شهر رمضان بكماله من سنة واحدة
وإنما قيل لنا إنها في شهر رمضان من كل سنة هكذا دلنا عليه كتاب الله عز وجل وقاله لنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قد ذكرناه فيما تقدم من هذا الباب
فلما كان ذلك كذلك أحتمل أن يكون إذا قال لها في بعض شهر رمضان أنت طالق ليلة القدر
أن تكون ليلة القدر فيما مضى من ذلك الشهر
94

فيكون إذا مضى حول من حينئذ إلى مثله من شهر رمضان من السنة الجائية لا ليلة قدر فيه
ففسد بما ذكرنا قول أبي يوسف رحمه الله الذي وصفنا وثبت على هذا الترتيب ما ذهب إليه أبو حنيفة
رضي الله عنه
وقد كان أبو يوسف رحمه الله قال مرة أخرى إذا قال لها القول في بعض شهر رمضان إن الطلاق لا يقع
حتى يمضي ليلة سبع وعشرين
وذهب في ذلك فيما نرى والله أعلم إلى أن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أنها في ليلة من شهر رمضان بعينها
هو حديث بلال وحديث أبي بن كعب
فإذا مضت ليلة سبع وعشرين علم أن ليلة القدر قد كانت فحكم بوقوع الطلاق وقبل ذلك فليس يعلم كونها
فكذلك لم يحكم بوقوع الطلاق
وهذا القول تشهد له الآثار التي رويناها في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم
باب طلاق المكره
حدثنا ربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا بشر بن بكر قال أخبرنا الأوزاعي عن عطاء عن عبيد
بن عمير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاوز الله لي عن أمتي الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أكره على طلاق أو نكاح أو يمين أو إعتاق أو ما أشبه
ذلك حتى فعله مكرها أن ذلك كله باطل لأنه قد دخل فيما تجاوز الله فيه للنبي صلى الله عليه وسلم عن أمته واحتجوا
في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يلزمه ما حلف به في حال الاكراه من يمين وينفذ عليه طلاقه
وعتاقه ونكاحه ومراجعته لزوجته المطلقة إن كان راجعها
وتأولوا في هذا الحديث معنى غير المعنى الذي تأوله أهل المقالة الأولى
فقالوا إنما ذلك في الشرك خاصة لان القوم كانوا حديثي عهد بكفر في دار كانت دار كفر فكان
المشركون إذا قدروا عليهم استكرهوهم على الاقرار بالكفر فيقرون بذلك بألسنتهم قد فعلوا ذلك بعمار
بن ياسر رضي الله عنه وبغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم فنزلت فيهم إلا من أكره وقلبه
مطمئن بالايمان
وربما سهوا فتكلموا بما جر ت عليه عادتهم قبل الاسلام وربما أخطأوا فتكلموا بذلك أيضا فتجاوز
الله عز وجل لهم عن ذلك لأنهم غير مختارين لذلك ولا قاصدين إليه
95

وقد ذهب أبو يوسف رحمه الله إلى هذا التفسير أيضا حدثناه الكيساني عن أبيه
فالحديث يحتمل هذا المعنى ويحتمل مقال أهل المقالة الأولى فلما أحتمل ذلك احتجنا إلى كشف معانيه
ليدلنا على أحد التأويلين فنصرف معنى هذا الحديث إليه
فنظرنا في ذلك فوجدنا الخطأ هو ما أراد الرجل غيره ففعله لا عن قصد منه إليه ولا إرادة منه إياه
وكان السهو ما قصد إليه ففعله على القصد منه إليه على أنه ساه عن المعنى الذي يمنعه من ذلك الفعل
وكان الرجل إذا نسي أن تكون هذه المرأة له زوجة فقصد إليها فطلقها فكل قد أجمع أن طلاقه عامل
ولم يبطلوا ذلك لسهوه ولم يدخل ذلك السهو في السهو المعفو عنه
فإذا كان السهو المعفو عنه ليس فيه ما ذكرنا من الطلاق والايمان والعتاق كان كذلك الاستكراه
المعفو عنه ليس فيه أيضا من ذلك شئ
فثبت بذلك فساد قول الذين أدخلوا الطلاق والعتاق والايمان في ذلك
واحتج أهل المقالة الأولى أيضا لقولهم بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم
بن الحارث التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي أنه سمع عمر بن الخطاب على المنبر يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله
ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد
فذكر بإسناده مثله
قالوا فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات ثبت أن عملا لا ينفذ من طلاق ولا عتاق
ولا غيره إلا أن تكون معه نية
فكان من الحجة للآخرين في ذلك أن هذا الكلام لم يقصد به إلى المعنى الذي ذكره هذا المخالف وإنما
قصد به إلى الأعمال التي يجب بها الثواب
ألا تراه يقول الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى يريد من الثواب
ثم قال فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها
أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه فذلك لا يكون إلا جوابا لسؤال كان النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما
للمهاجر في عمله أي في هجرته فقال إنما الأعمال بالنيات حتى أتى على الكلام الذي في الحديث وليس ذلك
من أمر الاكراه على الطلاق والعتاق والرجعة والايمان في شئ
96

فانتفى هذا الحديث أيضا أن يكون فيه حجة لأهل المقالة التي بدأنا بذكرها على أهل المقالة التي ثنينا بذكرها
وكان مما احتج به أهل المقالة الثانية لقولهم الذي ذكرنا ما حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة
قال ثنا أبو أسامة عن الوليد بن جميع قال ثنا أبو الطفيل قال ثنا حذيفة بن اليمان قال ما منعني أن
أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي فأخذنا كفار قريش فقالوا إنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريد
إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه
فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال انصرفا من الوفاء نفي ضد الغدر لهم بعهودهم ونستعين الله عليهم
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبد الرحمن بن صالح قال حدثني يونس بن بكير عن الوليد عن أبي
الطفيل عن حذيفة قال خرجت وأنا وأبي حسيل ونحن نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه
قالوا فلما منعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من حضور بدر لاستحلاف المشركين القاهرين لهما على ما استحلفوهما
عليه ثبت بذلك أن الحلف على الطواعية والاكراه سواء وكذلك الطلاق والعتاق
وهذا أولى ما فعل في الآثار إذا وقف على معاني بعضها أن يحمل ما بقي منها على ما لا يخالف ذلك المعنى
متى ما قدر على ذلك حتى لا تضاد
فثبت بما ذكرنا أن حديث بن عباس رضي الله عنهما في الشرك وحديث حذيفة رضي الله عنه في الطلاق
والايمان وما أشبه ذلك
وأما حكم ذلك من طريق النظر فإن فعل الرجل مكرها لا يخلو من أحد وجهين
إما أن يكون المكره على ذلك الفعل إذا فعله مكرها في حكم من لم يفعله فلا يجب عليه شئ
أو يكون في حكم من فعله فيجب عليه ما يجب عليه لو فعله غير مستكره
فنظرنا في ذلك فرأيناهم لا يختلفون في المرأة إذا أكرهها زوجها وهي صائمة في شهر رمضان أو حاجة
فجامعها أن حجها يبطل وكذلك صومها
ولم يراعوا في ذلك الاستكراه فيفرقوا بينه وبين الطواعية ولا جعلت المرأة فيه في حكم من لم يفعل شيئا
بل قد جعلت في حكم من قد فعل فعلا يجب عليه الحكم ورفع عنها الاثم في ذلك خاصة
وكذلك لو أن رجلا أكره رجلا على جماع امرأة اضطرت إلى ذلك كان المهر في النظر على المجامع
لا على المكره ولا يرجع به المجامع على المكره لان المكره لم يجامع فيجب عليه بجماعه مهر وما يجب
في ذلك الجماع فهو على المجامع لا على غيره
فلما ثبت في هذه الأشياء أن المكره عليها محكوم عليه بحكم الفاعل كذلك في الطواعية فيوجبون عليه فيها
من الأموال ما يجب على الفاعل لها في الطواعية ثبت أنه كذلك المطلق والمعتق والمراجع في الاستكراه يحكم
عليه بحكم الفاعل فيلزم أفعاله كلها
97

فإن قال قائل فلم لا أجزت بيعه وإجارته
قيل له إنا قد رأينا البيوع والإجارات قد ترد بالعيوب وبخيار الرؤية وبخيار الشرط وليس النكاح
كذلك ولا الطلاق ولا المراجعة ولا العتق
فما كان قد تنقض بالخيار للشروط فيه وبالأسباب التي في أصله من عدم الرؤية والرد بالعيوب نقض
بالاكراه وما لا يجب نقضه بشئ بعد ثبوته لم ينقض بإكراه ولا بغيره وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف
ومحمد رحمهم الله وقد رأينا مثل هذا قد جاءت به السنة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوحاظي قال ثنا سليمان بن بلال قال ثنا عبد الرحمن بن حبيب بن أردك
أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول أخبرني يوسف بن ماهك أنه سمع أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث
جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب وأسد قالا ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبد الرحمن
بن حبيب بن أردك عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن أبي كثير الأنصاري عن حبيب بن أردك
عن عطاء بن أبي رباح عن ابن ماهك عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد فمنع النكاح من البطلان بعد وقوعه وكذلك
الطلاق والمراجعة
ولم نر البيوع على ذلك المعنى بل حملت ضده فجعل من باع لاعبا كان بيعه باطلا وكذلك من
أجر لاعبا كانت إجارته باطلة
فلم يكن ذلك عندنا والله أعلم إلا لان البيوع والإجارات مما ينقض بالأسباب التي ذكرنا فنقضت
بالهزل كما نقضت بذلك
وكانت الأشياء الاخر من الطلاق والعتاق والرجعة لا يبطل بشئ من ذلك فجعلت غير مردود بالهزل
فكذلك أيضا في النظر ما كان ينقض بالأسباب التي ذكرنا نقض بالاكراه وما كان لا ينقض بتلك
الأسباب لم ينقض بالاكراه
98

وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن عبد الرحمن العلاف قال ثنا ابن سواء قال ثنا أبو سنان
قال سمعت عمر بن عبد العزيز يقول طلاق السكران والمكره جائز
* (باب الرجل ينفي حمل امرأته أن يكون منه
قال أبو جعفر ذهب قوم إلى أن الرجل إذا نفى حمل امرأته أن يكون منه لاعن القاضي بينها وبينه بذلك
الحمل وألزمه أمه وأبان المرأة من زوجها
واحتجوا في ذلك بحديث يحدثه عبدة بن سليمان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أن
النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بالحمل
وقد كان أبو يوسف رحمه الله قال بهذا القول مرة وليس هو بالمشهور من قوله
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يلاعن بحمل لأنه قد يجوز أن لا يكون حملا لان ما يظهر من المرأة
مما يتوهم به أنها حامل ليس يعلم به حمل على حقيقة إنما هو توهم فنفي المتوهم لا يوجب اللعان
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى أن الحديث الذي احتجوا به عليهم حديث مختصر اختصره
الذي رواه فغلط فيه
وإنما أصله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بينهما وهي حامل فذلك عندنا لعان بالقذف لا لعان بنفي الحمل
فتوهم الذي رواه أن ذلك لعان بالحمل فاختصر الحديث كما ذكرنا
وأصل الحديث في ذلك ما قد حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا حماد قال ثنا أبو عوانة عن سليمان
عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال بينا نحن عشية في المسجد إذ قال رجل إن أحدنا رأى مع
امرأته رجلا فإن قتله قتلتموه وإن هو تكلم جلدتموه وإن هو سكت سكت على غيظ لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسأله فقال يا رسول الله إن أحدنا رأى مع امرأته رجلا فإن قتله قتلتموه وإن هو تكلم جلدتموه وإن
سكت سكت على غيظ اللهم أحكم فأنزلت آية اللعان قال عبد الله فكان ذلك الرجل أول من
ابتلي به
حدثنا يزيد قال ثنا حكيم بن سيف قال ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة
عن عبد الله قال قام رجل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة فقال أرأيتم إن وجد رجل مع امرأته رجلا
ثم ذكر نحوه وزاد فيه وقال عبد الله فابتلي به وكان رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاعن
99

امرأته فلما أخذت امرأته تلتعن قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم مه فالتعنت فلما أدبرت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعلها أن تجئ به اسود جعدا فجاءت به أسود جعدا
حدثنا يزيد قال ثنا الحسن بن عمر بن شقيق قال ثنا جرير عن الأعمش فذكر بإسناده مثله
فهذا هو أصل حديث عبد الله رضي الله عنه في اللعان وهو لعان بقذف كان من ذلك الرجل لامرأته
وهي حامل لا بحملها
وقد رواه على ذلك أيضا غير بن مسعود رضي الله عنه
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا بوهب قال أخبرني بن أبي الزناد عن أبيه قال ثنا القاسم بن محمد
عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته وكانت حبلى
فقال زوجها والله ما قربتها منذ عفرنا والعفر أن يسقى النخل بعد أن تترك من السقي بعد الآبار بشهرين
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بين
فزعموا أن زوج المرأة كان حمش الذراعين والساقين أصهب الشعرة وكان رميت به بن السحماء
قال فجاءت بغلام أسود جعدا قططا عبل الذراعين خدل الساقين
قال القاسم فقال بن شداد بن الهاد يا أبا عباس أهي المرأة التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت راجما
بغير بينة لرجمتها
فقال بن عباس لا ولكن تلك امرأة كانت قد أعلنت في الاسلام
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن
القاسم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه *
(حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا بن أبي الزناد قال حدثني أبي أن القاسم
بن محمد حدثه عن ابن عباس مثله غير أنه لم يذكر سؤال عبد الله بن شداد إلى آخر هذا الحديث
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عاصم قال ثنا ابن جريج قال أخبرني يحيى بن سعيد عن القاسم
100

بن محمد عن ابن عباس أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالي عهد بأهلي منذ عفرنا النخل فوجدت مع
امرأتي رجلا
وزوجها نضو حمش سبط الشعر والذي رميت به إلى السواد جعد قطط شديد الجعودة أو حسنه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بين ثم لاعن بينهما فجاءت به يشبه الذي رميت به
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن كثير عن مخلد بن حسين عن هشام عن ابن سيرين عن أنس
بن مالك أن هلال بن أمية قذف شريك ك بن سحماء بامرأته فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إيت بأربعة
شهداء وإلا فحد في ظهرك
فقال والله يا رسول الله إن الله يعلم إني لصادق
قال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول له أربعة وإلا فحد في ظهرك
قال والله يا رسول الله إن الله يعلم إني لصادق يقول ذلك مرارا ولينزلن الله عليك ما يبرئ به ظهري
من الجلد فنزلت آية اللعان والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم
قال فدعي هلال فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان
من الكاذبين
قال ثم دعيت المرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فلما كان عند الخامسة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قفوها فإنها موجبة
قال فتكأكأت حتى ما شككنا أن ستقر ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت على اليمين
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا فإن جاءت به أبيض سبط قضئ العينين فهو لهلال بن أمية وإن
جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء
101

قال فجاءت به أكحل جعدا حمش الساقين
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا ما سبق من كتاب الله تعالى كان لي ولها شأن
قال القضئ العينين طويل شعر العينين ليس بمفتوح العينين
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا هشام عن محمد عن أنس بن مالك أن هلال
بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنظروها فإن جاءت به أبيض سبطا قضئ العينين فهو لهلال بن أمية وإن
جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به أكحل جعدا حمش الساقين
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أسد ح
وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قالا ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سهل
بن سعد الساعدي أن عويمر جاء إلى عاصم بن عدي فقال أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أتقتلونه به
سل لي يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجاء عاصم فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة وعابها فقال عويمر والله لآتين النبي صلى الله عليه وسلم
فقال قد أنزل الله فيكم قرآنا فدعاهما فتقدما فتلاعنا ثم قال كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها
ففارقها وما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها فجرت السنة في المتلاعنين
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انظروا فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة فلا أراه إلا وقد كذب عليها
وإن جاءت به أشجم أعين ذا اليدين فلا أحسبه إلا وقد صدق عليها قال فجاءت به على الامر المكروه
فقد ثبت بما ذكرنا أن لا حجة في شئ من ذلك لمن يوجب اللعان بالحمل
فإن قال قائل فإن في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن جاءت به كذا فهو لزوجها وإن جاءت به كذا فهو لفلان
دليل على أن الحمل هو المقصود إليه بالقذف واللعان
فجوابنا له في ذلك أن اللعان لو كان بالحمل إذا لكان منتفيا من الزوج غير لا حق به أشبهه
أو لم يشبهه
ألا ترى أنها لو كانت وضعته قبل أن يقذفها فنفي ولدها وكان أشبه الناس به أنه يلاعن بينهما ويفرق
بينهما ويلزم الولد أمه ولا يلحق بالملاعن لشبهة به
فلما كان الشبه لا يجب به ثبوت نسب ولا يجب بعدمه انتفاء نسب وكان في الحديث الذي ذكرنا
102

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن جاءت به كذا فهو للذي لاعنها دل ذلك أنه لم يكن اللعان نافيا له لأنه لو كان
نافيا له إذا لما كان شبهه به دليلا على أنه منه ولا يعد شبهه إياه دليلا على أنه من غيره
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي سأله فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود ما حدثنا يونس
قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة
أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته
فقال له هل لك من إبل قال نعم
قال ما ألوانها
قال حمر قال هل فيها من أورق قال إن فيها لورقا
قال فأنى ترى ذلك جاءها قال يا رسول الله عرق نزعها
قال فلعل هذا عرق نزعه
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك وابن أبي ذئب وسفيان عن ابن شهاب
عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرخص له في نفيه لبعد شبهه منه وكان الشبه غير دليل على شئ
ثبت أن جعل النبي صلى الله عليه وسلم ولد الملاعنة من زوجها إن جاءت به على شبهه دليل على أن اللعان لم يكن نفاه منه
فقد ثبت بما ذكرنا فساد ما احتج به الذين يرون اللعان بالحمل
وفي ذلك حجة أخرى وهي أن في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنظروها
فإن جاءت به كذا فلا أراه إلا وقد كذ ب عليها وإن جاءت به كذا فلا أراه إلا وقد صدق عليها
فكان ذلك القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم على الظن لا على اليقين وذلك مما قد دل أيضا أنه لم يكن منه جرى
في الحمل حكم أصلا
فثبت فساد قول من ذهب إلى اللعان بالحمل
وإنما احتججنا به لمن ذهب إلى خلافه في أول هذا الباب ممن أبى اللعان بالحمل وهو قول أبي حنيفة
ومحمد وقول أبي يوسف المشهور
103

باب الرجل ينفي ولد امرأته حين يولد هل يلاعن به أم لا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا حبان ح
وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا مهدي بن ميمون عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب
عن الحسن بن سعد قال ربيع في حديثه مولى الحسن بن علي عن رباح قال أتيت عثمان بن عفان فقال
لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الولد للفراش
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب الزهري عن عروة عن
عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الولد للفراش وللعاهر الحجر
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا علي بن الجعد قال ثنا شعبة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة
يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد ثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني عن
أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس عن سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن
أبيه سمع عمر يقول قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالولد للفراش
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا نفى ولد امرأته لم ينتف به ولم يلاعن به واحتجوا في ذلك
بما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب
وقالوا فالفراش يوجب حق الولد في ثبات نسبه من الزوج والمرأة فليس لهما إخراجه منه للعان ولا غيره
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يلاعن به وينتفي نسبه ويلزم أمه وذلك إذا كان لم يقر به ولم يكن
منه ما حكمه حكم الاقرار ولم يتطاول ذلك
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن ابن عمر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين وألزم الولد أمه
104

قالوا فهذه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم نعلم شيئا عارضها ولا نسخها
فعلمنا بها أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش لا ينفي أن يكون اللعان به واجبا إذا نفي إذ كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك وأجمع أصحابه من بعده على ما حكموا في ميراث بن الملاعنة
فجعلوه لا أب له وجعلوه من قوم أمه وأخرجوه من قوم الملاعن به
ثم اتفق على ذلك تابعوهم من بعدهم ثم لم يزل الناس على ذلك إلى أن شذ هذا المخالف لهم فالقول عندنا
في ذلك على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده وتابعوهم من بعدهم على ما قد ذكرناه وهو قول
أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
كتاب العتاق
باب العبد يكون بين رجلين فيعتقه أحدهما
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن يحيى النيسابوري قال ثنا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع
عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق شقصا له في مملوك
ضمن لشركائه حصصهم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال حدثني داود بن عبد الرحمن عن عمرو
بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق عبدا بينه وبين شركائه قوم عليه قيمته وعتق
حدثنا فهد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن
عم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أعتق جزءا له من عبد أو أمة حمل عليه ما بقي في ماله
حتى يعتق كله جميعا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن العبد إذا كان بين رجلين فأعتق أحدهما نصيبه ضمن قيمة نصيب شريكه
موسرا كان أو معسرا
وقالوا قد جعل العتاق من الشريك جناية على نصيب شريكه يجب عليه بها ضمان قيمته في ماله وكان
من جنى على مال لرجل وهو موسر أو معسر وجب عليه ضمان ما أتلف بجنايته ولم يفترق حكمه في ذلك
إن كان موسرا أو معسرا في وجوب الضمان عليه
قالوا فكذلك لما وجب على الشريك ضمان قيمة نصيب شريكه لعتاقه لما كان موسرا وجب عليه ضمان
ذلك أيضا إذا كان معسرا
105

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجب الضمان عليه لقيمة نصيب شريكه لعتاقه إلا أن يكون موسرا
وقالوا حديث بن عمر رضي الله عنهما هذا إنما الضمان المذكور فيه على الموسر خاصة دون المعسر
قد بين ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما في غير هذه الآثار
فمما روي عنه في ذلك ما قد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن نافع عن
عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه
قيمة العبد فأعطى شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق
حدثنا يزيد بن سنان قال أخبرنا أبو بكر الحنفي قال ثنا ابن أبي ذئب قال حدثني نافع عن ابن
عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق شركا له في مملوك وكان للذي يعتق نصيبه ما يبلغ ثمنه فهو عتيق كله
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا أبو أسامة وعبد الله نمير عن عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا له في مملوك فعليه عتقه كله إن كان له
مال يبلغ ثمنه وإن لم يكن له مال فيقوم قيمة عدل على المعتق وقد عتق به ما عتق
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعتق شركا له في مملوك فقد عتق كله فإن كان للذي أعتقه من المال ما يبلغ
ثمنه فعليه عتقه كله
حدثنا أبو بكرة قال أخبرنا روح بن عبادة قال ثنا صخر بن جويرية عن نافع أن بن عمر
كان يفتي في العبد أو الأمة يكون أحدهما بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه منه فإنه يجب عتقه على الذي أعتقه
إذا كان له من المال ما يبلغ ثمنه يقوم في ماله قيمة عدل فيدفع إلى شركائه أنصباءهم ويخلي سبيل العبد يخبر
بذلك عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار
عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسرا
فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة ثم يعتق
قال سفيان وربما قال عمرو بن دينار قيمة عدل لا وكس فيها ولا شطط
فثبت بتصحيح هذه الآثار أن ما رواه بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك إنما هو
في الموسر خاصة
فأردنا أن ننظر في حكم عتاق المعسر كيف هو
106

فقال قائلون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فقد عتق منه ما عتق دليل على أن ما بقي من العبد لم يدخله عتاق
فهو رقيق للذي لم يعتق على حاله
وخالفهم آخرون في ذلك آخرون فقالوا بل يسعى العبد في نصف قيمته للذي لم يعتقه
وكان من الحجة لهم في ذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه قد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه بن عمر
رضي الله عنهما وزاد عليه شيئا بين به كيف حكم ما بقي من العبد بعد نصيب المعتق
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يحيى بن سعيد القطان قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن
النضر بن أنس س عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق نصيبا أ شركا له
في مملوك فعليه خلاصه كله في ماله فإن لم يكن له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا أبان بن يزيد عن قتادة فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث بن سعد قال حدثني جرير بن حازم
عن قتادة فذكر بإسناده مثله *
(حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الرحيم بن سليمان الرازي عن حجاج
بن أرطأة عن قتادة فذكر بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن النعمان قال ثنا الحميدي قال ثنا سفيان بن عيينة عن سعيد بن أبي عروبة ويحيى
بن صبيح عن قتادة فذكر بإسناده مثله
فكان هذا الحديث فيه ما في حديث بن عمر رضي الله عنهما وفيه وجوب السعاية على العبد
إذا كان معتقه معسرا
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو الوليد قال ثنا همام عن قتادة
عن أبي المليح عن أبيه أن رجلا أعتق شقصا له في مملوك فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم كله عليه وقال ليس لله شريك
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا همام فذكر بإسناده مثله
فدل قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس لله شريك على أن العتاق إذا وجب به بعض العبد لله انتفى أن يكون لغيره
على بقيته ملك
فثبت بذلك أن إعتاق الموسر والمعسر جميعا يبرءان العبد من الرق
107

فقد وافق هذا الحديث أيضا حديث أبي هريرة رضي الله عنه وزاد حديث أبي هريرة عليه وعلى حديث
بن عمر رضي الله عنهما وجوب السعاية للشريك الذي لم يعتق إذا كان المعتق معسرا
فتصحيح هذه الآثار يوجب العمل بذلك ويوجب الضمان على المعتق الموسر لشريكه الذي لم يعتق
ولا يوجب الضمان على المعتق المعسر ولكن العبد يسعى في ذلك للشريك الذي لم يعتق وهذا قول أبي يوسف
ومحمد رحمة الله عليهما وبه نأخذ
فأما أبو حنيفة رضي الله عنه فكان يقول إن كان المعتق موسرا فالشريك بالخيار إن شاء أعتق كما أعتق
وكان الولاء بينهما نصفين
وإن شاء استسعى العبد في نصف القيمة فإذا أداها عتق وكان الولاء بينهما نصفين
وإن شاء ضمن المعتق نصف القيمة فإذا أداها عتق ورجع بها المضمن على العبد فاستسعاه فيها
وكان ولاؤه للمعتق
وإن كان المعتق معسرا فالشريك بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته
فأيهما فعل فالولاء بينهما نصفان
واحتج في ذلك بما حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن
بن يزيد قال كان لنا غلام قد شهد القادسية فأبلى فيها وكان بيني وبين أمي وبين أخي الأسود فأرادوا
عتقه وكنت يومئذ صغيرا فذكر ذلك الأسود لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أعتقوا أنتم فإذا
بلغ عبد الرحمن فإن رغب فيما رغبتم أعتق وإلا ضمنكم
ففي هذا الحديث أن لعبد الرحمن بعد بلوغه أن يعتق نصيبه من العبد الذي قد كان دخله عتاق أمه وأخيه
قبل ذلك
فأبو حنيفة رحمة الله عليه قال فلما كان له أن يعتق بلا بدل كان له أن يأخذ العبد بأداء قيمة ما بقي له فيه
حتى يعتق بأداء ذلك إليه
ولما كان للذي ليعتق أن يعتق نصيبه من العبد فضمن الشريك المعتق رجع إلى هذا المضمن من هذ
العبد مثل ما كان الذي ضمنه فوجب له أن يستسعي العبد في قيمة ما كان لصاحبه فيه وفيما كان لصاحبه
أن يستسعيه فيه
فهذا مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في هذا الباب
والقول الأول الذي ذهب إليه أبو يوسف ومحمد رحمهما الله أصح القولين عندنا لموافقته لما قد رويناه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم
108

با ب الرجل يملك ذا رحم محرم منه هل يعتق عليه أم لا
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا يحيى بن عيسى عن سفيان هو الثوري ح
وحدثنا إبراهيم قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن سهيل فذكر بإسناده مثله *
(حدثنا علي بن معبد قال ثنا علي بن الجعد قال ثنا زهير بن معاوية عن سهيل فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن من ملك أباه لم يعتق عليه حتى يعتقه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا يعتق عليه بملكه إياه
وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا يحتمل ما قالوا ويحتمل فيشتريه فيعتقه بشرائه
هذا في الكلام صحيح وهو أولى ما حمل عليه هذا الحديث حتى يتفق هو وغيره مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
في هذا المعنى فإنه
حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال ثنا أبو عمير بن النحاس قال ثنا ضمرة عن سفيان الثوري
عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم فهو حر
حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال ثنا إبراهيم بن الحجاج وعبد الواحد بن غياث قالا ثنا حماد
بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم فهو حر
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج ح
وحدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة فذكر بإسناده
حدثنا محمد بن عبد الله بن مخلد الأصبهاني قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا يزيد بن هارون عن
حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم فهو حر
فتصحيح حديثي سمرة هذين يوجب أن ذا الرحم المذكور فيهما هو ذو الرحم المحرم وأن ذا الرحم المذكور
فيهما هو ذو المحرم من الرحم فيكون معناهما لما جمع ما فيهما هو مثل ما في حديث بن عمر رضي الله عنهما
من ملك ذا رحم محرم فهو حر
109

وقد بلغني أن محمد بن بكر البرساني كان يحدث عن حماد بن سلمة عن عاصم الأحول عن الحسن عن سمرة
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم من ذي محرم فهو حر
فدل ذلك على ما ذكرناه
وقد روي عمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه وتابعيهم ما يوافق هذا أيضا
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو عاصم عن أبي عوانة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن
عمر رضي الله عنه قال من ملك ذا رحم محرم فهو حر
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا شعبة قال ثنا سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل
عن المستورد أن رجلا زوج بن أخيه مملوكته فولدت أولادا فأراد أن يسترق أولادها فأتى بن أخيه
عبد الله بن مسعود فقال إن عمي زوجني وليدته وإنها ولدت لي أولاد فأراد أن يسترق ولدي
فقال عبد الله كذ ب ليس له ذلك
حدثنا أحمد بن الحسن قال ثنا أسباط بن محمد قال ثنا سفيان الثوري عن إسماعيل بن أمية عن عطاء
بن أبي رباح قال إذا ملك الرجل عمته أو خالته أو أخاه أو أخته فقد عتقوا وإن لم يعتقهم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أبو جعفر أظنه عن حجاج عن عطاء
والشعبي مثله قال وقال إبراهيم لا يعتق إلا الوالد والولد
فلما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا ووافق ذلك ما روينا عمن ذكرنا من أصحابه وتابعيهم
ولم نعلم في ذلك خلافا عن مثلهم وجب القول بما روي عنهم من ذلك وترك خلافهم
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب المكاتب متى يعتق
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن عكرمة عن ابن
عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دين عبد
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولم يذكر بن عباس
110

حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن يحيى بن أبي كثير بن حسان النيسابوري قال ثنا وكيع عن علي
بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكاتب قتل
بدية الحر بقدر ما عتق منه
قال بن عباس ويقام على المكاتب حد المملوك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني الحجاج الصواف عن يحيى بن
أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يودي المكاتب بقدر
ما أدى دية الحر وبقدر ما رق منه دية العبد
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويكون حكمه فيه حكم الحر ويكون
حكم فيما لم يؤد حكم العبد
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يعتق المكاتب إلا بأداء جميع الكتابة
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود قال حدثنا الخطاب بن عثمان قال ثنا إسماعيل بن عياش
عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المكاتب عبد ما بقي
عليه من كتابته درهم
فكانت هذه الآثار قد أختلف فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرنا فيما روي عن أصحابه من ذلك
فإذا علي بن شيبة قد حدثنا قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن معبد
الجهني عن عمر بن الخطاب قال المكاتب عبد ما بقي عليه درهم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن سفيان عن عبد الرحمن بن عبد الله عن القاسم بن
عبد الرحمن عن جابر بن سمرة عن عمر رضي الله عنه قال إذا أدى المكاتب النصف فهو غريم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن جابر بن سمرة
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال أيها الناس إنكم تكاتبون مكاتبين فأيهم أدى النصف فلا رد
عليه في الرق
فهذا خلاف ما قد رويناه قبله عن عمر رضي الله عنه
111

حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال ثنا ابن أبي ذئب عن عمران بن بشير عن سالم سبلان أنه
قال لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ما أراك أن لا تستحي مني فقالت مالك فقال كاتبت قالت إنك عبد ما بقي
عليك شئ
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية وشجاع بن الوليد عن عمرو بن ميمون عن سليمان بن يسار
قال استأذنت أنا على عائشة فقالت كم بقي عليك من كتابتك قلت عشر أواق فقالت أدخل فإنك
عبد ما بقي عليك
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أخبرنا عمرو بن ميمون فذكر بإسناده مثله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم
قال قال عبد الله إذا أدى المكاتب ثلثا أو ربعا فهو غريم
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا سفيان عن المغيرة عن إبراهيم قال قال
عبد الله إذا أدى المكاتب قيمة رقبته فهو غريم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن سفيان عن جابر عن الشعبي قال كان عبد الله وشريح
يقولان في المكاتب إذا أدى الثلث فهو غريم
حدثنا يونس قال أخبرني عبد الله بن نافع عن أبي معشر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري أن أم سلمة
رضي الله عنها قالت المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شئ
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد ومالك عن نافع عن ابن عمر
قال المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شئ
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
قال كان زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول المكاتب عبد ما بقي عليه شئ من كتابته
وكان جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول شروطهم جائزة فيما بينهم
فلما كانوا اختلفوا في ذلك كما ذكرنا وكل قد أجمع أن المكاتب لا يعتق بعقد المكاتبة وإنما يعتق
بحال ثانية
فقال بعضهم تلك الحال هي أداء جميع المكاتبة
وقال بعضهم هي أداء بعض المكاتبة وقال بعضهم يعتق منه بقدر ما أدى من مال المكاتبة
ثبت أن حكم ذلك قد خرج من حكم المعتق على مال لان المعتق على مال يعتق بالقول قبل أن يؤدي شيئا
والمكاتب ليس كذلك لاجماعهم على ما ذكرنا
112

فلما ثبت أن المكاتب لا يستحق العتاق بعقد المكاتبة وإنما يستحقه بحال ثانية نظرنا في ذلك وفي سائر
الأشياء التي لا تجب بالعقود وإنما تجب بحال أخرى بعدها كيف حكمها
فرأينا الرجل يبيع الرجل العبد بألف درهم فلا تجب للمشتري قبض العبد بنفس العقد حتى يؤدي جميع الثمن
ولا يكون له قبض بعض العبد بأدائه بعض الثمن
وكذلك الأشياء التي هي محبوسة بغيرها مثل الرهن المحبوس بالدين فكل قد أجمع أن الراهن لو قضى
المرتهن بعض الدين فأراد أن يأخذ الرهن أو بعضه بقدر ما أدى من الدين لم يكن له ذلك إلا بأدائه جميع الدين
فكان هذا حكم الأشياء التي تملك بأشياء إداء وجب احتباسها فإنما تحبس حتى يؤخذ جميع ما جعل بدلا منها
فلما خرج المكاتب من أن يكون في حكم المعتق على المال الذي يعتق بالعقد لا بحال ثانية وثبت أنه في حكم
من يحبس لأداء شئ ثبت أن حكمه في المكاتبة وفي احتباس المولى إياه كحكم المبيع في احتباس البائع إياه
فكما كان المشتري غير قادر على أخذه إلا بعد أداء جميع الثمن كان كذلك المكاتب أيضا غير قادر على أخذ
شئ من رقبته من ملك المولى إلا بأداء جميع المكاتبة
فثبت بما ذكرنا قول الذين قالوا لا يعتق من المكاتب شئ إلا بأداء جميع المكاتبة وهو قول أبي حنيفة
وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب الأمة يطؤها مولاها ثم يموت وقد كانت جاءت بولد في حياته
هل يكون ابنه وتكون به أولد أم لا
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله
عنها أنها قالت كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه أي وصى إليه سعد بن أبي وقاص أن بن وليدة
زمعة مني فاقبضه إليك
فلما كان عام الفتح أخذه سعد وقال بن أخي قد كان عهد إلي فيه
فقام إليه عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه
فتساوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد يا رسول الله بن أخي قد كان عهد إلي فيه
وقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه
113

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لك يا عبد بن زمعة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش
وللعاهر الحجر
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما رأى به من شبهة بعتبة فأتت فما رآها حتى
لقي الله تعالى
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الأمة إذا وطئها مولاها فقد لزمه كل ولد يجئ به بعد ذلك ادعاه
أو لم يدعه
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هو لك يا عبد بن زمعة ثم قال الولد
للفراش وللعاهر الحجر
فألحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بزمعة لا لدعوة ابنه لان دعوة الابن للنسب لغيره من أبيه غير مقبولة
ولكن لان أمه كانت فراشا لزمعة بوطئه إياها
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا يونس قال أخبرنا بوهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن
سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يعزلونهن
لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا قد ألحقت به ولدها فاعزلوا أو اتركوا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال حدثني سالم بن عبد الله
أن عبد الله بن عمر قال سمعت عمر بن الخطاب يقول فذكر مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد أن عمر بن
الخطاب قال ما بال رجال يطؤون ولائدهم ثم يدعونهن يخرجن لا تأتيني وليدة يعترف سيدها أن قد ألم
بها إلا ألحقت به ولدها فأرسلوهن بعد أو أمسكوهن
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر قال من
وطئ أمة ثم ضيعها فأرسلها تخرج ثم ولدت فالولد منه والضيعة عليه
قال نافع فهذا قضاء عمر بن الخطاب وقول بن عمر
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ما جاءت به هذه الأمة من ولد فلا يلزم مولاها إلا أن يقر به وإن
مات قبل أن يقربه لم يلزمه
114

وكان من الحجة لهم في الحديث الأول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال لعبد بن زمعة هو لك يا عبد بن زمعة
ولم يقل هو أخوك
فقد يجوز أن يكون أراد بقوله هو لك أي هو مملوك لك لحق مالك عليه من اليد ولم يحكم في نسبه بشئ
والدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر سودة بنت زمعة بالحجاب منه
فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جعله بن زمعة إذا لما حجب بنت زمعة منه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمر بقطع الأرحام
بل كان يأمر بصلتها ومن صلتها التزاور فكيف يجوز أن يأمرها وقد جعله أخاها بالحجاب منه
هذا لا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم
وكيف يجوز ذلك عليه وهو يأمر عائشة رضي الله عنها أن تأذن لعمها من الرضاعة عليها ثم يحجب
سودة ممن قد جعله أخاها وابن أبيها
ولكن وجه ذلك عندنا والله أعلم أنه لم يكن حكم فيه بشئ غير اليد التي جعله بها لعبد بن زمعة
ولسائر ورثة زمعة دون سعد
فإن قال قائل فما معنى قوله الذي وصله بهذا الولد للفراش وللعاهر الحجر
قيل له ذلك على التعليم منه لسعد أي أنك تدعى لأخيك وأخوك لم يكن له فراش وإنما يثبت النسب منه
لو كان له فراش فإذا لم يكن له فراش فهو عاهر وللعاهر الحجر
وقد بين هذا المعنى وكشفه ما قد حدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة قال ثنا محمد بن قدامة
قال ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن يوسف بن الزبير عن عبد الله بن الزبير قال كانت
لزمعة جارية يطؤها وكان يظن برجل آخر أنه يقع عليها فمات زمعة وهي حبلى فولدت غلاما كان
يشبه الرجل الذي كان يظن بها فذكرته سودة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما الميراث فله وأما أنت فاحتجبي منه
فإنه ليس لك بأخ
ففي هذا الحديث أن زمعة كان يطأ تلك الأمة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسودة ليس هو لك بأخ يعني
بن الموطوءة
فدل هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قضى في نسبه على زمعة بشئ وأن وطئ زمعة لم يكن عنده
بموجب أن ما جاءت به تلك الموطوءة من ولد منه
فإن قال قائل ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما الميراث فله فهذا يدل على قضائه بنسبه
قيل له ما يدل ذلك على ما ذكرت لان عبد بن زمعة قد كان ادعاه وزعم أنه بن أبيه لان عائشة
115

رضي الله عنها قد أخبرت في حديثها الذي ذكرناه عنها في أول هذا الباب أن عبد بن زمعة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
حين نازعه سعد بن أبو قاص أخي بن وليدة أبي ولد على فراش أبي
فقد يجوز أن تكون سودة قالت مثل ذلك وهما وارثا زمعة فكانا مقرين له بوجوب الميراث
مما ترك زمعة
فجاز ذلك عليهما في المال الذي كان يكون لهما لو لم يقر بما أقرا به من ذلك ولم يجب بذلك ثبوت نسب
يجب به حكم فيخلى بينه وبين النظر إلى سودة
فإن قال قائل إنما كان أمرها بالحجاب منه لما كان رأى من شبهه ب عتبة كما في حديث عائشة
رضي الله عنها
قيل له هذا لا يجوز أن يكون كذلك لان وجود الشبه لا يجب به ثبوت نسب ولا يجب بعدمه
انتفاء نسب
ألا ترى إلى الرجل الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن امرأتي ولدت غلاما أسود
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لك من إبل فقال نعم قال فما ألوانها فذكر كلاما
قال فهل فيها من أورق قال إن فيها لورقة
قال مم ترى ذلك جاءها قال من عرق نزعه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل هذا من عرق نزعه وقد ذكرنا هذا الحديث بإسناده في باب اللعان
فلم يرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفيه لبعد شبهه منه ولا منعه من إدخاله على بناته وحرمه بل ضربه له
مثلا أعلمه به أن الشبه لا يوجب ثبوت الأنساب وأن عدمه لا يجب به انتفاء الأنساب
فكذلك بن وليدة زمعة لو كان وطئ زمعة لامه يوجب ثبوت نسبه منه إذا لما كان لبعد شبهه منه
معنى ولكان نسبه منه ثابت الدخل على بناته كما يدخل عليهن غيره من بنيه
وأما ما احتجوا به عن عمرو وابن عمر رضي الله عنهما في ذلك مما قد رويناه عنهما فإنه قد خالفهما
في ذلك عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ثنا شعبة عن عمارة بن أبي حفصة
عن عكرمة عن ابن عباس قال كان بن عباس يأتي جارية له فحملت فقال ليس مني إني أتيتها إتيانا
لا أريد به الولد
حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي قال ثنا سفيان عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد أن أباه كان يعزل
عن جارية فارسية فحملت بحمل فأنكره وقال إني لم أكن أريد ولدك وإنما أستطيب نفسك فجلدها
وأعتقها وأعتق الولد
116

حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت
مثله غير أنه لم يقل فأعتقها وأعتق ولدها
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة قال ثنا قتادة عن سعيد
بن المسيب قال ولدت جارية لزيد بن ثابت رضي الله عنه فقال إنه ليس مني وإني كنت أعزل عنها
فهذا زيد بن ثابت وعبد الله بن عباس قد خالفا عمر وابن عمر رضي الله عنهما في ذلك
فقد تكافأت أقوالهم ووجب النظر لنستخرج من القولين قولا صحيحا
فرأينا الرجل إذا أقر بأن هذا ولده من زوجته ثم نفاه بعد ذلك لم ينتف
وكذلك لو أدعى أن حملها منه ثم جاءت بولد من ذلك الحمل لم يكن له بعد ذلك أن ينفيه بلعان
ولا بغيره لان نسبه قد ثبت منه
فهذا حكم ما قد وقعت عليه الدعوة مما ليس لمدعيه أن ينفيه ورأيناه لو أقر أنه وطئ امرأته ثم جاءت
بولد فنفاه لكان الحكم في ذلك أن يلاعن بينهما ويخرج الولد من نسب الزوج ويلحق بأمه
فلم يكن إقراره بوطئ امرأته يجب به ثبوت نسب ما يلد منه ولم يكن في حكم ما قد لزمه مما
ليس نفيه
فلما كان هذا حكم الزوجات كان حكم الإماء أحرى أن يكون كذلك
فإن أقر رجل بولد أمته أنه منه أو أقر وهي حامل أن ما في بطنها منه لزمه ولم ينتف منه
بعد ذلك أبدا
وإن أقر أنه قد وطئها لم يكن ذلك في حكم إقراره بولدها أنه منه بل يكون بخلاف ذلك فيكون له
أن ينفيه ويكون حكمه
وإن أقر بوطئ أمته كحكمه لو لم يكن أقر بوطئها قياسا على ما وصفنا من الحرائر
وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
117

كتاب الايمان والنذور
باب المقدار الذي يعطى كل مسكين من الطعام والكفارات
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا هشام بن سعد عن الزهري عن
أبي سلمة عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله إني وقعت بأهلي في رمضان
قال له أعتق رقبة قال ما أجدها يا رسول الله قال فصم شهرين متتابعين قال ما أستطيع
قال فأطعم ستين مسكينا قال ما أجده يا رسول الله
قال فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل فيه قدر خمسة عشر صاعا تمرا فقال خذها فتصدق به
قال أعلى أحوج مني وأهل بيتي قال فكله أنت وأهل بيتك وصم يوما مكانه واستغفر الله
قال أبو جعفر رحمه الله فذهب قوم إلى أن الاطعام في كفارات الايمان إنما هو مد لكل مسكين لان
النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجل في الحديث الذي ذكرنا أن يطعم ستين مسكينا خمسة عشر صاعا فالذي يصيب كل
مسكين منهم مد مد
قالوا وقد ذهب جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في كفارات الايمان إلى ما قلنا
فذكروا في ذلك ما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يعقو ب بن عبد الرحمن أن
أبا حازم حدثه عن أبي جعفر مولى بن عباس عن ابن عباس أنه كان يقول في كفارات الايمان إطعام
عشرة مساكين كل مسكين مد بيضاء
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني سفيان الثوري عن داود بن أبي هند عن عكرمة
عن ابن عباس مثله
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن نافع عن ابن عمر أنه كان
إذا كفر يمينه فأطعم عشرة مساكين بالمد الأصغر رأى أن ذلك يجزي عنده
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا أخبره عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول
118

من حلف بيمين فوكدها ثم حنث فعليه عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين ومن حلف على يمين
فلم يوكدها ثم حنث فعليه إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن زيد بن ثابت
أنه قال يجزي في كفارة اليمين مد من حنطة لكل مسكين
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني الخليل بن مرة أن يحيى بن أبي كثير حدثه
فذكر بإسناده مثله
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجزي في الاطعام في كفارة الايمان إلا مدين مدين لكل مسكين
ويجزي من التمر صاع كامل وكذا من الشعير
وكان من الحجة لهم في ذلك على أهل المقالة الأولى أنه قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لما علم حاجة الرجل
أعطاه ما أعطاه من التمر ليستعين به فيما وجب عليه لا على أنه جميع ما وجب عليه كالرجل يشكو إلى الرجل
ضعف حاله وما عليه من الدين فيقول له خذ هذه العشرة الدراهم فاقض بها دينك ليس على أنها تكون
قضاء عن جميع دينه ولكن على أن يكون قضاء بمقدارها من دينه
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مقدار ما يجب من الطعام في كفارة من الكفارات وهي ما يجب في حلق الرأس
في الاحرام من أذى فجعل ذلك مدين من حنطة لكل مسكين
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر الزهراني قال ثنا شعبة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني
قال سمعت عبد الله بن مغفل قال قعدت إلى كعب بن عجرة في المسجد فسألته عن هذه الآية ففدية
من صيام أو صدقة أو نسك
فقال في أنزلت حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى
119

أن الجهد بلغ بك هذا وبلغ بك ما أرى فنزلت في خاصة ولكم عامة فأمرني أن أحلق رأسي وأنسك
نسكه وأصوم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل بن إسماعيل قال ثنا سفيان الثوري عن ابن الأصبهاني عن عبد الله
بن مغفل عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه قال وأطعم فرقا في ستة مساكين
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب قال ثنا وهب بن خالد عن داود بن أبي هند عن عامر
الشعبي قال حدثني كعب بن عجرة مثله غير أنه قال كل مسكين نصف صاع من تمر
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة عن أبي بشر عن مجاهد عن أبي ليلى
عن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولم يذكر التمر
حدثنا أبو شريح محمد بن زكريا قال ثنا الفريابي قال ثنا سفيان الثوري ح
وحدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب قال ثنا وهب قالا جميعا عن أبي أيوب عن مجاهد
فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد
فذكر بإسناده مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو داود قال ثنا هشيم عن أبي بشر عن مجاهد فذكر بإسناده مثله
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس قال أنا مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد
فذكر بإسناده مثله
حدثنا يزيد قال ثنا سعيد بن سفيان الجحدري قال ثنا ابن عون عن مجاهد فذكر بإسناده مثله
حدثنا يزيد قال ثنا أبو عاصم قال أخبرنا بن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار عن يحيى
بن جعدة عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن نافع قال حدثني أسامة بن زيد الليثي عن محمد بن كعب القرظي
عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد وقد علم أنه ليس عندي ما أنسك به
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن مجاهد
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه لم يذكر الزيارة التي فيه
على ما الأحاديث التي قبله
فكان الذي أمره به النبي صلى الله عليه وسلم من الاطعام في هذه الآثار مع تواترها هو نصف صاع من حنطة لكل
مسكين وأجمعوا على العمل بذلك في كفارة حلق الرأس
120

وجاء عنه في إطعام المساكين في الظهار من التمر ما حدثنا فهد قال ثنا فروة عن أبي المغيرة
قال أنا يحيى بن زكريا عن محمد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله عن يوسف بن عبد الله بن سلام
حدثتني خولة ابنة مالك بن ثعلبة بن أخي عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعان زوجها حين ظاهر منها
بعرق من تمر وأعانته هي بفرق آخر وذلك ستون صاعا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق به وقال اتقي الله وارجعي إلى زوجك
فالنظر على ما ذكرنا أن يكون كذلك إطعام كل مسكين في كل الكفارات من الحنطة نصف صاع
ومن التمر صاع
وقد روي في ذلك عن نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن يسار بن نمير
قال قال لي عمر إني أحلف أن لا أعطي أقواما ثم يبدو لي أن أعطيهم فإذا رأيتني فعلت ذلك فأطعم عني
عشرة مساكين كل مسكين صاعا من تمر
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة عن سليم عن أبي وائل عن يسار
بن نمير عن عمر مثله غير أنه قال عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع حنطة أو صاع تمر
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن منصور قال سمعت أبا وائل عن يسار
فذكر بإسناده مثله وزاد أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن منصور عن أبي وائل عن يسار مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا هلال بن يحيى قال ثنا أبو يوسف عن الأعمش عن أبي وائل
عن يسار مثله
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا بشر بن الوليد وعلي بن صالح قال ثنا أبو يوسف عن ابن أبي ليلى
عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي في كفارات الايمان فذكر نحوا مما روي عن عمر
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا حسين بن صالح عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس
في كفارة اليمين قال نصف صاع من حنطة
وهذا خلاف ما روينا عن ابن عباس في الفصل الذي قبل هذا
فهذا عمر وعلي رضي الله عنهما قد جعلا الاطعام في كفارات الايمان من الحنطة مدين مدين لكل
مسكين ومن الشعير والتمر صاعا صاعا فكذلك نقول
121

وكذلك كل إطعام في كفارة أو غيرها هذا مقداره على ما أجمع من كفارة الأدنى
وقد شد ذلك أيضا ما قد بيناه في كتاب صدقة الفطر من مقدارها وما ذكرنا في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه من بعده
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله رضي الله عنه
باب الرجل يحلف أن لا يكلم رجلا شهرا كم عدد ذلك الشهر من الأيام
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال ثنا محمد بن بشر عن إسماعيل بن أبي خالد
عن محمد بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا ونقص
في الثالثة أصبعا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا هشام بن إسماعيل الدمشقي قال ثنا مروان بن معاوية عن أبي يعقوب
قال تذاكرنا عند أبي الضحى الشهر
فقال بعضنا تسع وعشرون وقال بعضنا ثلاثون
قال أبو الضحى حدثنا ابن عباس قال أصبحنا يوما ونساء النبي صلى الله عليه وسلم يبكين عند كل امرأة منهن أهلها
فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه فصعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غرفة له فسلم عليه فلم يجبه أحد
ثم سلم فلم يجبه أحد فلما رأى ذلك انصرف
فدعاه بلال فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أطلقت نساءك قال لا ولكن آليت منهن شهرا
فمكث تسعا وعشرين ليلة ثم نزل فدخل على نسائه
حدثنا بكر بن إدريس قال ثنا آدم قال ثنا شعبة قال ثنا جبلة بن سحيم قال سمعت بن عمر
يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهر هكذا وهكذا وهكذا وضم إبهامه في الثالثة
حدثنا بكر قال ثنا آدم قال ثنا شعبة قال ثنا الأسود بن قيس قال سمعت سعيد بن عمرو
يقول سمعت عبد الله بن عمر يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أحمد بداود قال ثنا مسدد قال ثنا بشر بن المفضل عن سلمة بن علقمة عن نافع عن ابن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهر تسع وعشرون فإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا
122

فإن غم عليكم فاقدروا له
وقد ذكرنا في هذا أيضا آثارا فيما تقدم من كتابنا هذا
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة قال ثنا أبو سلمة بن كهيل قال سمعت
أبا الحكم السلمي يحدث عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا فأتاه جبريل فقال يا محمد
الشهر تسع وعشرون
0) حدثنا فهد قال ثنا يحيى بن صالح الوحاظي قال ثنا معاوية بن سلام قال ثنا يحيى بن أبي كثير
عن أبي سلمة أنه سمع عبد الله بن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الشهر تسع وعشرون
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا ابن جريج قال أخبرني يحيى بن عبد الله بن محمد
بن صيفي أن عكرمة بن عبد الرحمن أخبره أن أم سلمة أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف أن لا يدخل على بعض أهله
شهرا فلما مضى تسع وعشرون يوما غدا عليهم أو راح
فقيل له حلفت يا نبي الله أن لا تدخل عليهن شهرا فقال إن الشهر تسع وعشرون يوما
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا زكريا بن إسحاق قال ثنا أبو الزبير أنه سمع
جابر بن عبد الله يقول هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا وكان يكون في العلو ويكن في السفل
فنزل إليهن في تسع وعشرين
فقال رجل إنك مكثت تسع وعشرين ليلة فقال إن الشهر هكذا وهكذا بأصابع يديه وهكذا
وقبض في الثالثة إبهامه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح قال ثنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا
فذكر مثله
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس
قال آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه فأقام في مشرية تسعا وعشرين ثم نزل
فقالوا يا رسول الله آليت شهرا فقال الشهر تسع وعشرون
قال أبو جعفر رحمه الله فذهب قوم إلى أن الرجل إذا حلف لا يكلم رجلا شهرا فكلمه بعد مضي
تسعة وعشرين يوما أنه لا يحنث واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إن كان حلف مع رؤية الهلال فهو على ذلك الشهر الذي كان ثلاثين يوما
123

أو تسعا وعشرين يوما وإن كان حلف في بعض شهر فيمينه على ثلاثين يوما واحتجوا في ذلك بالحديث الذي
ذكرناه في أول هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهر تسع وعشرون فإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه
فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين يوما
أفلا تراه قد أوجب عليهم إذا غم ثلاثين وجعله على الكمال حتى يروا الهلال ذلك وكذلك فعل أيضا
في شعبان أمر بالصوم بعد ما يرى هلال شهر رمضان فإذا أغمي عليهم لم يصوموا وكان شعبان على الثلاثين
إلا أن ينقطع ذلك برؤية الهلال
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك غير ما في الآثار الأول
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة
عن عائشة قالت حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهجرنا شهرا فدخل علينا لتسع وعشرين فقلنا يا رسول الله
إنك حلفت أن لا تكلمنا شهرا وإنما أصبحت من تسع وعشرين فقال إن الشهر لا يتم
فأخبر أنه إنما فعل ذلك لنقصان الشهر فهذا دليل على أنه كان حلف عليهن مع غرة الهلال فكذلك نقول
وقد روي في هذا ما هو أبين من هذا
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة قالت وقولهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشهر تسع وعشرون لا والله ما كذلك قال
أنا والله أعلم بما قال في ذلك إنما قال حين هجرنا لأهجركن شهرا
فجاء حتى ذهب تسع وعشرون ليلة
فقلت يا نبي الله إنك أقسمت شهرا وإنما غبت تسعا وعشرين ليلة
فقال إن شهرنا هذا كان تسعا وعشرين ليلة
فثبت بذلك أن يمينه كانت مع رؤية الهلال وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من هذا شئ
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا عمر بن يونس قال ثنا عكرمة بن عمار عن سماك بن زميل
قال حدثني عبد الله بن عباس قال حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر إيلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
من نسائه وأنه نزل لتسع وعشرين وقال إن الشهر قد يكون تسعا وعشرين
وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا هارون بن إسماعيل
قال ثنا علي بن المبارك قال ثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال إن الشهر يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين وإذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا
فإن غم عليكم فأكملوا العدة
124

فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أنه إنما يكون تسعا وعشرين برؤية الهلال قبل الثلاثين
فقد دلت هذه الآثار لما كشفت عما ذكرنا
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
وقد روي ذلك أيضا عن الحسن
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا معاذ بن معاذ عن أشعث عن الحسن في رجل نذر أن يصوم شهرا
قال إن ابتدأ لرؤية الهلال صام لرؤيته وأفطر لرؤيته وإن ابتدأ في بعض الشهر صام ثلاثين يوما
والله تعالى أعلم
باب الرجل يوجب على نفسه أن يصلي في مكان فيصلي في غيره
حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا حماد بن سلمة عن حبيب المعلم
عن عطاء عن جابر أن رجلا قال يوم الفتح يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي
في بيت المقدس
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم صل ههنا فأعادها على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه وسلم شأنك إذا
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذي نذر أن يصلي في بيت المقدس أن يصلي في غيره
فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن من جعل لله عليه أن يصلي في مكان فصلى في غيره
أجزأه ذلك
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
غير أن أبا يوسف قد قال في إملائه من نذر أن يصلي في بيت المقدس فصلى في المسجد الحرام أو في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم أجزاه ذلك لأنه صلى في موضع الصلاة فيه أفضل من الصلاة في موضع الذي أوجب الصلاة
فيه على نفسه
ومن نذر أن يصلي في المسجد الحرام فصلى في بيت المقدس لم يجزه ذلك لأنه صلى في مكان ليس للصلاة
فيه من الفضل ما للصلاة في ذلك المكان الذي أوجب على نفسه الصلاة فيه
واحتج في ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
125

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عمرو بن مرزوق قال ثنا شعبة عن أبي عبد العزيز الزبيدي عن عمرو
بن الحكم عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه
إلا المسجد الحرام
حدثنا علي بن معبد قال ثنا مكي وشجاع ح
وحدثنا عبد الرحمن بن الجارود قال ثنا مكي قالا ثنا موسى بن عبيدة عن داود بن مدرك عن عروة
عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال ثنا يعلى بن عبيد عن موسى الجهني عن نافع
عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله *
(حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عاصم قال أخبرنا بن جريج قال سمعت نافعا مولى بن عمر
يقول حدثني إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن ميمونة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني الليث قال حدثني نافع فذكر بإسناده مثله *
(حدثنا الربيع الجيزي قال ثنا حسان بن غالب قال ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة
عن نافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال موسى وحدثني هذا الحديث أبو عبيد الله عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا يحيى بن عبد الحميد قال ثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن سهم بن منجاب
عن قزعة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن النعمان قال ثنا الحميدي قال ثنا سفيان قال ثنا الزهري عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو أمية قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال سمعت أبا سلمة يحدث
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال ثنا أفلح بن حميد ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر ح
وحدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا القعنبي قالا ثنا أفلح قال حدثني أبو بكر بن حزم عن
سلمان الأغر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن زيد بن رباح وعبد الله
بن أبي عبيد الله عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
126

حدثنا يونس قال ثنا أنس بن عياض عن محمد بن عمرو عن سلمان الأغر عن أبي هريرة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
(حدثنا أبو أمية قال ثنا خالد بن مخلد القطواني قال ثنا سليمان بن بلال قال حدثني عبد الله بن
سلمان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا القعنبي قال ثنا محمد بن هلال عن أبيه عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن عياش قال ثنا إسماعيل بن عياش قال حدثني يحيى بن سعيد
قال سألت أبا صالح هل سمعت أبا هريرة يذكر فضل الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لا ولكن حدثني إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أنه سمع أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكر مثله
قال أبو جعفر فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فضل الصلاة في مسجده على الصلاة في غيره بألف صلاة غير
المسجد الحرام
فأحتمل أن يكون لا فضل للصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجده أو تكون الصلاة في أحدهما
أفضل من الصلاة في الآخر
فنظرنا في ذلك فإذا أحمد بداود قد حدثنا قال ثنا مسدد قال ثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم
عن عطاء بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من
المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في ذلك أفضل من مائة صلاة في هذا
حدثنا محمد بن النعمان قال ثنا الحميدي قال ثنا سفيان قال حدثني زياد بن سعد قال حدثني
سليمان بن عتيق قال سمعت عبد الله بن الزبير على المنبر يقول سمعت عمر بن الخطاب فذكر مثله ولم يرفعه
قال سفيان فيرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا في مسجد
الرسول صلى الله عليه وسلم فإنما فضله عليه بمائة صلاة
حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك عن عطاء
بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلا
فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة فيما سواه
قال فلما كان فضل الصلاة في بعض هذه المساجد على بعض ما قد ذكر في هذه الآثار لم يجز لمن أوجب
على نفسه صلاة في شئ منها إلا أن يصليها حيث أوجب أو فيما هو أفضل منه من المواضع
127

وكان من الحجة لأبي حنيفة ومحمد على أهل هذا القول أن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي
هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إنما ذلك على الصلوات المكتوبات لا على النوافل
ألا ترى إلى قوله في حديث عبد بن سعد لان أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد
وقوله في حديث زيد بن ثابت خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وذلك أنه حين أراد أن يقوم بهم
في شهر رمضان في التطوع
وقد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع من هذه الآثار
فلما روى ذلك على ما ذكرنا كان تصحيح الآثار يوجب أن الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لها الفضل
على الصلاة في البيوت هي الصلاة التي هي خلاف هذه الصلاة وهي المكتوبة
فثبت بذلك فساد ما احتج به أبو يوسف وثبت أن من أوجب على نفسه صلاة في مكان فصلاها في غيره
أجزأه فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فإنا رأينا الرجل إذا قال لله علي أن أصلي ركعتين في المسجد الحرام فالصلاة
التي أوجبها قربة حيث ما كانت فهي عليه واجبة
ثم أردنا أن ننظر في الموطن الذي أوجب على نفسه أن يصليها فيه هل يجب عليه كما يجب عليه تلك
الصلاة أم لا
فرأيناه لو قال لله علي أن ألبث في المسجد الحرام ساعة لم يجب ذلك ك عليه وإن كان ذلك اللبث هو
لو فعله قربة
فكان اللبث وإن كان قربة لا يجب بإيجاب الرجل إياه على نفسه
فلما كان ما ذكرنا كذلك كان من أوجب لله على نفسه صلاة في المسجد الحرام وجبت عليه الصلاة
ولم يجب عليه اللبث بها في المسجد الحرام
فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة ومحمد رحمة الله عليهما والله أعلم
باب الرجل يوجب على نفسه المشي إلى بيت الله
حدثنا علي بن الرحمن قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الهفل بن زياد قال حدثني الأوزاعي
قال حدثني عبد الرحمن بن اليمامي عن يحيى بن سعيد أن حميد الطويل أخبره أنه سمع أنس بن مالك يقول مر
128

رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يهادى بين ابنين له فسأل عنه فقالوا نذر أن يمشي فقال إن الله عز وجل لغني
عن تعذيب هذا نفسه وأمره أن يركب أي لعجزه عن المشي
حدثنا الربيع الجيزي قال ثنا عبد الله بن صالح فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة وابن أبي داود قالا ثنا مسدد قال ثنا يحيى بن حميد عن ثابت عن أنس
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
* حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عيسى بن إبراهيم قال ثنا عبد العزيز بن مسلم قال ثنا يزيد بن أبي
منصور عن دخين الحجري عن عقبة بن عامر الجهني قال نذرت أختي أن تمشي إلى الكعبة
حافية حاسرة
فأتى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال هذه قالوا نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة
فقال مروها فلتركب ولتختمر
قال أبو جعفر رحمه الله فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا من نذر أن يحج ماشيا أمر أن يركب ولا شئ
عليه غير ذلك
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا يركب كما جاء في هذا الحديث فإن كان أراد بقوله لله علي معنى اليمين
فعليه مع ذلك كفارة يمين لان معنى لله علي قد يكون في معنى والله لان النذر معناه معنى اليمين
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في النذر كفارة يمين
فمما روي في ذلك ما () حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أنا جرير بن حازم عن محمد بن الزبير
التميمي عن أبيه عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين
حدثنا يونس قال ثنا يحيى بن حسان قال ثنا حماد بن زيد عن محمد الزبير فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو سلمة المنقري قال ثنا أبان قال ثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثني
محمد بن الزبير الحنظلي فذكر بإسناده مثله
حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي قال ثنا علي بن الحسين قال ثنا عبادة بن العوام قال ثنا محمد بن
الزبير فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا خالد بن عبد الله ح
129

وحدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء قالا أخبرنا محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه
عن رجل عن عمران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أيوب بن سليمان بن بلال قال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان
بن بلال عن محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن ابن شهاب عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير
الذي كان يسكن اليمامة أنه حدثه أنه سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن يخبر عن عائشة قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن
بن شماسة المهدي عن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كفارة النذر كفارة اليمين
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال سمعت يحيى بن عبد الله بن سالم يحدث عن إسماعيل بن رافع
عن خالد بن سعيد عن عقبة بن عامر قال أشهد لسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من نذر نذرا لم يسمه
فكفارته كفارة اليمين
وذكروا في ذلك أيضا ما قد حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يحيى بن عبد الله المعافري
عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عقبة بن عامر الجهني أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية غير مختمرة
فذكر ذلك عقبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مر أختك فلتركب ولتختمر ولتصم ثلاثة أيام
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن زحر
أنه سمع أبا سعيد الرعيني يذكر عن عقبة بن عامر مثله *
(حدثنا الحسن بن عبيد الله بن منصور قال ثنا الهيثم بن جميل قال ثنا هشيم عن يحيى بن سعيد
عن عبيد الله بن زحر عن أبي سعيد اليحصبي عن عبد الله بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قالوا فتلك الثلاثة الأيام إنما كانت كفارة ليمينها التي كانت بها حالفة بقولها لله علي أن أحج ماشية
وقد دل على ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن سليمان عن شريك عن محمد بن عبد الرحمن
مولى آل طلحة عن كريب عن ابن عباس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله
إن أختي
نذرت أن تحج ماشية
فقال إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا لتحج راكبة وتكفر عن يمينها
130

وخالف هؤلاء أيضا آخرون فقالوا بل نأمر هذا الذي نذر أن يحج ماشيا أن يركب ويكفر يمينه إن كان
أراد يمينا ونأمره مع هذا بالهدي
وكان من الحجة لهم في ذلك أن علي بن شيبة قد حدثنا قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا همام بن يحيى
عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عقبة بن عامر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن أخته نذرت
أن تمشي إلى الكعبة حافية ناشرة شعرها
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مرها فلتركب ولتختمر ولتهد هديا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عيسى بن إبراهيم قال ثنا عبد العزيز بن مسلم قال ثنا مطر الوراق
عن عكرمة عن عقبة بن عامر الجهني قال نذرت أختي أن تمشي إلى الكعبة فأتى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال ما لهذه قالوا نذرت أن تمشي إلى الكعبة فقال إن الله لغني عن مشيها مرها فلتركب ولتهد
بدنة
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالهدى لمكان ركوبها
فتصحيح هذه الآثار كلها يوجب أن يكون حكم من نذر أن يحج ماشيا أن يركب إن أحب ذلك ويهدى
هديا لتركه المشي ويكفر عن يمينه لحنثه فيها
وبهذا كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد يقولون
وأما وجه النظر في ذلك فإن قوما قالوا ليس المشي فيما يوجبه نذر لان فيه تعبا للأبدان وليس الماشي
في حال مشيه في حرمة إحرام فلم يوجبوا عليه المشي ولا بدلا من المشي
فنظرنا في ذلك فرأينا الحج فيه الطواف بالبيت والوقوف بعرفة وبجمع
وكان الطواف منه ما يفعله الرجل في حال إحرامه وهو طواف الزيارة ومنه ما يفعله بعد أن يحل من
إحرامه وهو طواف الصدر
وكان ذلك كله من أسباب الحج قد أريد أن يفعله الرجل ماشيا وكان من فعله راكبا مقصرا وجعل
عليه الدم هذا إذا كان فعله لا من علة
وإن كان فعله من علة فإن الناس مختلفون في ذلك
فقال بعضهم لا شئ عليه وممن قال بذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقال بعضهم عليه دم وهذا هو النظر عندنا لان العلل إنما تسقط الآثام في انتهاك الحرمات
ولا تسقط الكفارات
ألا ترى أن قال ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله وكان
131

حلق الرأس حراما على المحرم في إحرامه إلا من عذر فإن حلقه فعليه الاثم والكفارة وإن اضطر إلى حلقه
فعليه الكفارة ولا إثم عليه
فكان العذر يسقط به الآثام ولا يسقط به الكفارات فكان يجب في النظر أن يكون كذلك حكم الطواف
بالبيت إذا كان من طافه راكبا للزيارة لا من عذر فعليه دم إلا أن يكون من طافه من عذر راكبا كذلك أيضا
فهذا حكم النظر في هذا الباب وهو قياس قول زفر
ولكن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمد لم يجعلوا على من طاف بالبيت طواف الزيارة راكبا من عذر شيئا
فلما ثبت بالنظر ما ذكرنا كان كذلك المشي لما رأيناه قد يجب بعد فراغ الاحرام إذ كان من أسبابه كما
يجب في الاحرام كان كذلك المشي الذي قبل الاحرام من أسباب الاحرام حكمه حكم المشي الواجب في الاحرام
فكما كان على تارك المشي الواجب في الاحرام دم كان على تارك هذا المشي الواجب في الاحرام دم كان على تارك هذا المشي الواجب قبل الاحرام دم أيضا
وذلك واجب عليه في حال قوته على المشي وفي حال عجزه عنه في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أيضا
وذلك دليل لنا صحيح على ما بيناه من حكم الطواف بالحمل في حال القوة عليه وفي حال العجز عنه
فإن قال قائل فإذا وجب عليه المشي بإيجابه على نفسه أن يحج ماشيا وكان ينبغي إذا ركب أن يكون في معنى
ما لم يأت بما أوجب على نفسه فيكون عليه أن يحج بعد ذلك ماشيا فيكون كمن قال لله علي أن أصلي
ركعتين قائما فصلاهما قاعدا
فمن الحجة عندنا على قائل هذا القول أنا رأينا الصلوات المفروضات التي علينا أن نصليها قياما لو صليناها
قعودا لا نعذر وجب علينا إعادتها وكنا في حكم من لم يصلها
وكان من حج منا حجة الاسلام التي يجب علينا المشي في الطواف لها فطاف ذلك الطواف راكبا ثم رجع
إلى أهله لم يجعل في حكم من لم يطف ويؤمر بالعود بل قد جعل في حكم من طاف وأجزأه طوافه ذلك إلا أنه
جعل عليه دم لتقصيره
فكذلك الصلاة الواجبة بالنذر والحج بالنذر هما مقيسان على الصلاة والحج الواجبين بإيجاب الله عز وجل
فما كان من ذلك مما يجب بإيجاب الله يكون المقصر فيه في حكم تاركه كان كذلك ما يوجب عليه من ذلك
الجنس بإيجابه إياه على نفسه فقصر فيه يكون بتقصيره فيه في حكم تاركه فعليه إعادته
وما كان من ذلك مما يجب بإيجاب الله عليه مقصر فيه فلم يجب عليه إعادته ولم يكن بذلك التقصير
في حكم تاركه كان كذلك ما وجب عليه من ذلك الجنس بإيجابه إياه على نفسه فقصر فيه فلا يكون بذلك
التقصير في حكم تاركه فيجب عليه إعادته ولكنه في حكم فاعله وعليه لتقصيره ما يجب عليه من التقصير
في أشكاله من الدماء
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
132

باب الرجل ينذر وهو مشرك نذرا ثم يسلم
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يحيى بن سعيد القطان قال ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر
أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام
فقال ف بنذرك
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال ثنا حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر أراه عن عمر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية نذرا وقد
جاء الله بالاسلام فقال ف بنذرك
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني جرير بن حازم أن أيوب حدثه أن نافعا حدثه
أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة فقال يا رسول الله
إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوما في المسجد الحرام
فقال النبي صلى الله عليه وسلم اذهب فاعتكف يوما
قال أبو جعفر رحمه الله فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أوجب على نفسه في حال شركه من اعتكاف أو صدقة
أو شئ مما يوجبه المسلمون لله ثم أسلم أن ذلك واجب عليه واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجب عليه من ذلك شئ واحتجوا في ذلك بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(0 حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا يحيى بن حسان قال ثنا مالك بن أنس عن طلحة بن عبد الملك الأيلي
عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن
نذر أن يعصي الله فلا يعصه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر قال ثنا مالك فذكر بإسناده مثله *
(حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن
طلحة بن عبد الملك فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني مالك عن طلحة فذكر بإسناده مثله
(حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو سلمة المنقري قال ثنا أبان قال ثنا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن أبان
عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول من نذر أن يعصي الله فلا يعصه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا حرب بن شداد قال ثنا يحيى فذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا يعقوب بن كعب الحلبي قال ثنا حاتم بن إسماعيل عن ابن حرملة عن عمرو
بن شيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما النذر ما ابتغى به وجه الله
133

قالوا فلما كانت النذور إنما تجب إذا كانت مما يتقرب به إلى الله تعالى ولا تجب إذا كانت معاصي الله
وكان الكافر إذا قال لله علي صيام أو قال لله علي اعتكاف فهو لو فعل ذلك لم يكن به متقربا إلى الله
وهو في الوقت ما أوجبه إنما قصد به إلى ربه الذي يعبده من دون الله وذلك معصية
فدخل ذلك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذر في معصية
وقد يجوز أيضا أن يكون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر ف بنذرك ليس من طريق أن ذلك كان واجبا عليه
ولكن أنه قد كان سمح في حال ما نذره أن يفعله فهو في معصية الله عز وجل فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله الآن
على أنه طاعة لله عز وجل
فكان ما أمر به خلاف ما إذا كان أوجبه هو على نفسه وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
رحمهم الله تعالى
كتاب الحدود
باب حد البكر في الزنا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن الجعد قال أخبرنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن حطان
بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا
البكر بالبكر والثيب بالثيب البكر تجلد وتنفى والثيب تجلد وترجم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا يحيى الحماني قال ثنا وكيع عن الفضل بن دلهم عن الحسن عن قبيصة
بن حريث عن سلمة بن المحبق قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر
جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
حدثنا يونس وعيسى بن إبراهيم الغافقي قالا ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن
أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وشبل قالوا كنا قعودا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام إليه رجل فقال أنشدك الله
134

إلا قضيت بيننا بكتاب الله عز وجل
فقال خصمه وكان أفقه منه فقال صدق اقض بيننا بكتاب الله وإيذن لي
قال قل قال إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم ثم سألت رجالا
من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأة هذا الرجم
فقال والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله المائة الشاة والخادم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة
وتغريب عام واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس ومالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله
بن عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن البكر إذا زنى فعليه جلد مائة وتغريب عام جميعا واحتجوا في ذلك
بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا حد البكر إذا زنى جلد مائة ولا نفي عليه مع الجلد إلا أن يرى الامام
أن ينفيه للدعارة التي كانت منه فينفيه إلى حيث أحب كما ينفى الدعار وغير الزناة
واحتجوا في ذلك بما (0) حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن ابن شهاب عن عبيد الله
بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت
ولم تحصن
فقال إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير
قال مالك قال بن شهاب لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله
بن عبد الله بن عتبة أن شبل بن خالد أخبره أن عبد الله بن مالك الأوسي أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الوليدة إذا زنت مثله إلا أنه قال في الثالثة أو الرابعة البيع وأخبره زيد بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثل ذلك
قال أبو جعفر هذا خطأ شبل هذا بن خليد المزني
حدثنا فهد قال ثنا حياة بن شريح قال ثنا بقية هو بن الوليد عن الزبيدي عن الزهري
135

عن عبيد الله بن عبد الله أن شبل بن خليد المزني أخبره أن عبد الله بن مالك الأوسي أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الوليدة إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير
والضفير الحبل
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني أسامة بن زيد الليثي عن مكحول عن عراك بن مالك
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها قال ذلك
ثلاث مرات ثم قال في الثالثة أو الرابعة ثم بيعوها ولو بضفير
حدثنا بحر بن نصر حدثنا شعيب بن الليث أن أباه أخبره عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
أنه سمعه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني أسامة عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا علي بن معبد قال ثنا معلى بن منصور قال أخبرنا أبو أويس عن عبد الله بن أبي بكر عن
عباد بن تميم عن عمه وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زنت الأمة فاجلدوها ثم إذا زنت
فاجلدوها ثم إذا زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير
حدثنا علي قال ثنا معلى بن منصور عن أبي أويس عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله
عن زيد بن خالد مثله
* (حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمارة
بن أبي فروة ان محمد بن مسلم حدثه أن عروة حدثه أن عمرة بنت عبد الرحمن حدثته أن عائشة حدثتها
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم ذكر مثله
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو الأحوص عبد الأعلى التغلبي عن
أبي حميد عن علي قال أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمة لهم فجرت فأرسلني إليها فقال اذهب فأقم عليها الحد
فانطلقت فوجدتها لم تجف من دمها فرجعت إليه فقال لي فرغت فقلت وجدتها لم تجف من دمها
فقال إذا هي جفت من دمها فاجلدها
قال علي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم
136

قالوا فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمة إذا زنت أن تجلد ولم يأمر مع الجلد بنفي وقد قال الله عز وجل
فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب فعلمنا بذلك أن ما يجب على الإماء إذا زنين هو نصف ما يجب
على الحرائر إذا زنين
ثم ثبت ان لا نفي على الأمة إذا زنت كان كذلك أيضا أن لا نفي على الحرة إذا زنت
وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تقدم من كتابنا هذا أنه نهى أن تسافر امرأة ثلاثة أيا إلا مع محرم
فذلك دليل أيضا أن لا تسافر المرأة ثلاثة أيام في حد الزنا بغير محرم وفي ذلك إبطال النفي عن النساء في الزنا
فإذا انتفى أن يكون يجب على النساء اللاتي غير المحصنات نفي في الزنا انتفى ذلك أيضا عن الرجال
وكان درء النبي صلى الله عليه وسلم إياه عن الإماء فيما ذكرنا كان درءا عن الحرائر وفي درئه إياه عن الحرائر دليل
على درئه إياه عن الأحرار وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
فإن قال قائل فإن نفي الأمة إذا زنت ستة أشهر مثل ما تنفى الحرة وقال لم ينف النبي صلى الله عليه وسلم النفي
فيما ذكرتموه عنه من جلد الأمة إذا زنت ولا بقوله ثم بيعوها في المرة الرابعة
فكان هذا القائل يخالف كل من تقدمه من أهل العلم وخرج من أقاويلهم
فيقال له بل فيما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثم قال في الرابعة فليبعها
دليل على أن لا نفي عليها لأنه إنما علمهم في ذلك ما يفعلون بإمائهم إذا زنين
فمحال أن يكون يقصر في ذلك عن جميع ما يجب عليهن ومحال أن يأمر ببيع من لا يقدر مبتاعه على قبضه
من بائعه ولا تصل إلى ذلك إلا بعد مضي ستة أشهر
ويقال له أيضا قد زعمت أنت أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لأنيس رضي الله عنه أغد على امرأة هذا فإن
اعترفت فارجمها دليل على أن لا جلد عليها مع ذلك وإن كان إبطال الجلد لم يذكر في هذا الحديث وجعلت
ذلك معارضا لما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله الثيب بالثيب جلد مائة والرجم
فإذا كان هذا عندك دليلا على ما ذكرنا فما تنكر على خصمك أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا زنت أمة
أحدكم فليجلدها عنده دليلا على إبطال النفي على الأمة
فإذا كان ما ذكرنا في السكوت عن نفي الأمة ليس يرفع النفي عنها فيما ذكرت أنت أيضا في السكوت
عن الجلد مع الرجم لا يرفع الجلد عن الثيب الزاني مع الرجم
وما يلزم خصمك في قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها شئ إلا لزمك مثله في قول النبي صلى الله عليه وسلم
لأنيس رضي الله عنه فإن اعترفت فارجمها
ويقال له قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النفي في غير الزنا ما قد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد
137

بن عبد العزيز الواسطي قال ثنا إسماعيل بن عياش قال ثنا الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده أن رجلا قتل عبده متعمدا فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مائة ونفاه سنة ومحا أراه سهمه من المسلمين وأمره
أن يعتق رقبة
فلم يكن ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا من نفيه القاتل سنة دليلا عندنا ولا عندك على أن ذلك حد
واجب لا ينبغي تركه
وإنما كان على أنه للدعارة لا لأنه حد
فما تنكر أيضا أن يكون ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما أمر به من نفي الزاني على أنه للدعارة لا لأنه حد
واجب كوجوب الجلد والرجم
باب حد الزاني المحصن ما هو؟
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال سمعت بن جريج يحدث عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا زنى
فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فجلد ثم أخبر أنه قد كان أحصن فأمر به فرجم
قال أبو جعفر فذهب إلى هذا قوم فقالوا هكذا حد المحصن إذا زنى الجلد والرجم جميعا
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل حده الرجم دون الجلد
وقالوا قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما رجمه لما أخبر أنه محصن لان الجلد الذي كان جلده إياه ليس
من حده في شئ لان حده كان الرجل دون الجلد ويجوز أن يكون رجمه لان ذلك الرجم هو حده مع الجلد
واحتج أهل المقالة الأولى أيضا لقولهم بما حدثنا يونس قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا شعبة عن
قتادة عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خذوا عني
فقد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر يجلد وينفى والثيب بالثيب يجلد ويرجم
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أخبرنا منصور بن زاذان
عن الحسن قال ثنا حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني
فقد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم
138

قالوا فبهذا نقول نرى أن يجلد المحصن ثم يرجم بعد ذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان من الحجة للآخرين عليهم في ذلك ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره أنيسا الأسلمي برجم
المرأة التي أمره أن يغدو عليها فيرجمها إن اعترفت ولم يأمره أن يجلدها
وقد ذكرت ذلك بإسناده في البا ب الأول وفي ذلك الحديث أيضا أن الذي قام إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له إني
سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أن على امرأة هذا الرجم ولم يذكر معه الجلد فلم ينكر ذلك عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدل هذا أن جميع ما كان عليها من الجلد في الزنا الذي كان منها هو الرجم دون الجلد
وقد شد ذلك أيضا مقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعل ب ماعز رضي الله عنه
حدثنا علي بن معبد قال ثنا الأسود عن عامر قال أخبرنا حماد بن سلمة عن سماك عن جابر بن سمرة
أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا ولم يذكر جلدا
ففيما ذكرنا من ذلك ما يدل أن حد المحصن هو الرجم دون الجلد
فإن قال قائل ولم لا كان ما فيه الرجم والجلد أولى مما فيه الرجم خاصة
قيل له لدلالة دلت على نسخ الجلد مع الرجم وهي أنا رأينا أصل ما كان على الزاني قبل أن نفرق بين حكمه إذا كان محصنا وبين حكمه
إذا كان غير محصن ما وصف الله عز وجل في كتابه بقوله واللاتي يأتين
الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن
في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا
فكان هذا هو حد الزانية أتمسك في البيوت حتى تموت أو يجعل الله لهن سبيلا
ثم نسخ بقوله خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا فذكر ما قد ذكرناه في حديث عبادة بن الصامت
فكان ذلك هو السبيل الذي قال الله تعالى أو يجعل الله لهن سبيلا فجعل الله ذلك السبيل على ما قد
بينه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وفرض في ذلك الجلد والرجم على الثيب والجلد والنفي على غير الثيب
فعلمنا أن ذلك القول قد كان من النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية وأنه لم يتقدم نزول الآية وجوب الرجم
على الزاني لان حده كان على ما وصف الله عز وجل في كتابه من الحبس في البيوت
ولم يكن بين قوله أو يجعل الله لهن سبيلا وبين حديث عبادة حكم آخر فعلمنا أن حديث عبادة كان بعد
نزول هذه الآية وأن حديث ماعز الذي سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه عن إحصانه لتفرقته بين حد المحصن
وغير المحصن وحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنه فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بين حكم البكر والثيب
فجعل على البكر جلد مائة وتغريب عام وعلى الثيب الرجم متأخر عنه
فكان ذلك ناسخا له لان ما تأخر من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ ما تقدم منه
139

فلهذا كان ما ذكرنا من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد وحديث ماعز أولى من حديث
عبادة مع ما قد شد من النظر الصحيح
وذلك أنا رأينا العقوبات المتفق عليها في انتهاك الحرمات كلها إنما هي شئ واحد
من ذلك أنا رأينا أن السارق عليه القطع لا غير والقاذف عليه الجلد لا غير
فكان النظر على ذلك أيضا أن يكون كذلك الزاني المحصن عليه شئ واحد لا غير فيكون عليه الرجم
الذي قد اتفق انه عليه وينتفي عنه الجلد الذي لم يتفق أنه عليه
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
فإن قال قائل وكيف يجوز أن يكون ذلك منسوخا وقد عمل به علي رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكر ما قد حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن يحيى قال ثنا أبو الأحوص عن سماك عن عبد الرحمن
بن أبي ليلى قال جاءت امرأة من همدان يقال لها شراحة إلى علي رضي الله عنه فقالت إني زنيت فردها
حتى شهدت على نفسها أربع شهادات فأمر بها فجلدت ثم أمر بها فرجمت
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو الأحوص فذكر بإسناده مثله
حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال ثنا محمد بن بكار بن بلال قال ثنا سعيد بن بشر عن قتادة
عن الرضراض بن أسعد قال شهدت عليا رضي الله عنه جلد شراحة ثم رجمها
حدثنا محمد بن حميد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا موسى بن أعين عن مسلم الأعور عن حبة العوفي
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال أتته شراحة فأقرت عنده أنها زنت فقال لها علي فلعلك غضبت
نفسك قالت أتيت طائعة غير مكرهة قال فأخرها حتى ولدت وفطمت ولدها ثم جلدها الحد بإقرارها
ثم دفنها في الرحبة أي الفضاء الواسع إلى منكبها ثم رماها هو أول الناس ثم قال ارموا ثم قال جلدتها
بكتاب الله تعالى ورجمتها بسنة محمد صلى الله عليه وسلم
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا شعبة عن سلمة عن الشعبي قال جلد
علي رضي الله عنه شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال جلدتها بكتاب الله تعالى ورجمتها بسنة
رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل له إن هذا وإن كان قد روي عن علي رضي الله عنه كما ذكرنا فإن غير علي رضي الله عنه من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روي عنه في ذلك خلاف ما قد روي عن علي رضي الله عنه
فمن ذلك ما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عبيد الله
بن عبد الله أن أبا واقد الليثي ثم الأشجعي أخبره وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما نحن عند عمر
140

مقدمه الشام بالجابية أتاه رجل فقال يا أمير المؤمنين إن امرأتي زنت بغلامي فهي هذه تعترف بذلك
فأرسلني في رهط إليها نسألها عن ذلك فجئتها فإذا هي جارية حديثة السن
فقلت اللهم أفرج فاها اليوم عما شئت فسألتها وأخبرتها بالذي قال زوجها فقالت صدق فبلغنا ذلك
عمر فأمر برجمها
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد عن سليمان
بن يسار عن أبي واقد الليثي أن عمر بن الخطاب أتاه رجل وهو بالشام فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلا
فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته ليسألها عن ذلك فأتاها وعندها نسوة حولها فذكر لها الذي
قاله زوجها لعمر بن الخطاب وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنتزع فأبت أن تنتزع
وثبتت على الاعتراف فأمر بها عمر فرجمت
فهذا عمر رضي الله عنه بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجلدها قبل رجمه إياها
فهذا خلاف لما فعل علي رضي الله عنه بشراحة من جلده إياها قبل رجمها فهذا أولى الفعلين عندنا لما قد
ذكرنا في هذا الباب
باب الاعتراف بالزنا الذي يجب به الحد ما هو
قال أبو جعفر ذهب قوم إلى أن الرجل إذا أقر بالزنا مرة واحدة أقيم عليه حد الزنا
واحتجوا في ذلك بما قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب من قوله لأنيس رضي الله عنه
أغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها
قالوا ففي هذا دليل على أن الاعتراف بالزنا مرة واحدة يوجب الحد
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجب حد الزنا على المعترف بالزنا حتى يقر به على نفسه أربع مرات
وقالوا ليس فيما ذكرتم من حديث أنيس دليل على ما قد وصفتم وذلك أنه قد يجوز أن يكون أنيس
قد كان علم الاعتراف الذي يوجب حد الزنا على المعترف به ما هو بما أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم في ماعز وغيره
فخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب بعد علمه أنه قد علم الاعتراف الذي يوجب الحد ما هو
وقد جاء غير هذا الأثر من الآثار ما قد بين الاعتراف بالزنا الذي يوجب الحد على المعترف ما هو
فمن ذلك ما قد حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو أحمد الزبيري قال ثنا إسرائيل عن جابر عن الشعبي
عن عبد الرحمن بن أبزي عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ماعزا أربع مرات
141

حدثنا أحمد بن الحسن قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا الحجاج بن أرطأة عن عبد الملك بن المغيرة
الطائفي عن عبد الله بن المقدام عن ابن شداد عن أبي ذر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأتاه رجل
فأقر عنده بالزنا فرده أربعا ثم نزل فأمرنا فحفرنا له حفرة ليست بالطويلة فأمر به فرجم
فارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم كئيبا حزينا فسرنا حتى نزلنا منزلا فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر ألم تر
إلى صاحبكم غفر له وأدخل الجنة
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن عبد الحميد قال ثنا إبراهيم الزبرقان وأبو خالد الأحمر عن الحجاج
فذكر بإسناده مثله
حدثنا إبراهيم بن محمد الصيرفي قال ثنا أبو الوليد قال ثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن عكرمة
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لماعز أحق ما بلغني عنك قال وما بلغك عني قال بلغني أنك
أتيت جارية آل فلان فأقر على نفسه أربع مرات فأمر به فرجم
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا أبو عوانة فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني أبو سلمة
بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلا من أسلم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد
فناداه فحدثه أنه زنى فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحى لشقه الذي أعرض قبله فأخبره أنه زنى وشهد
على نفسه أربع مرات
فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل بك جنون قال لا قال فهل أحصنت قال نعم
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أيرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة جمز حتى أدرك بالحرة فقتل بها رجما
(0 حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر وعثمان بن عمر قالا ثنا شعبة عن سماك بن حرب عن جابر
بن سمرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أشعر قصير ذو عضلات فأقر له بالزنا فأعرض عنه فأتاه من قبل وجهه
الآخر فأعرض عنه قال لا أدري مرتين أو ثلاثا فأمر به فرجم
قال فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال رده أربع مرات
142

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة فذكر بإسناده غير أنه قال رده مرتين
فقال قائل ففي هذا أنه حد بعد إقراره أقل من أربع مرات
قيل له في هذا الحديث علة وذلك أن ربيعا المؤذن حدثنا قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا إسرائيل
عن سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعز بن مالك فأعترف
مرتين فقال إذهبوا به ثم ردوه فاعترف مرتين حتى اعترف أربعا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا به فارجموه
ففي هذا الحديث أنه أقر مرتين ثم ذهبوا به ثم ردوه فأقر مرتين
فيجوز أن يكون جابر بن سمرة رضي الله عنه حضر المرتين الآخرتين ولم يحضر ما كان منه قبل ذلك
وحضر بن عباس رضي الله عنهما الاقرار كله وكذلك من وافقه على أنه كان أربعا
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن
عبد الرحمن بن هضاض عن أبي هريرة أن ماعز بن مالك زنى فأتى هزالا فأقر له أنه زنى فقال له هزال
إيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره قبل أن ينزل فيك بقرآن
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني زنيت فأعرض عنه حتى قال ذلك أربعا فأمر به فرجم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال أخبرني
أبو سلمة وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال أتى رجل من أسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فحدثه
أنه زنى فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحى لشقه الذي أعرض قبله فأخبره بأنه زنى وشهد
على نفسه أربع مرات
فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل بك جنون قال لا قال فهل أحصنت قال نعم
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أيرجم بالمصلى
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا أبو نعيم قال ثنا بشير بن المهاجر الغنوي قال حدثني عبد الله بن بريرة
عن أبيه قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل يقال له ماعز بن مالك فقال يا نبي الله إني قد زنيت
وإني أريد أن تطهرني فقال له ارجع
فلما كان من الغد أتاه أيضا فاعترف عنده بالزنا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ارجع ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه
فسألهم عنه فقال ما تقولون في ماعز بن مالك هل ترون به بأسا أو تنكرون من عقله شيئا فقالوا يا رسول
الله ما نرى به بأسا وما ننكر من عقله شيئا
143

ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم الثالثة فاعترف أيضا عنده بالزنا فقال يا رسول الله طهرني
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه فسألهم عنه فقالوا له كما قالوا في المرة الأولى ما نرى به بأسا وما ننكر من
عقله شيئا
ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرابعة فاعترف عنده بالزنا فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فحفرت له حفرة فجعل فيها إلى صدره
ثم أمر الناس أن يرجموه
قال بريدة كنا نتحدث بيننا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن ماعز بن مالك لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث
مرات لم يطلبه وإنما رجمه عند الرابعة
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرجمه بإقراره مرة ولا مرتين ولا ثلاثا دل ذلك أن الحد لم يكن وجب عليه
بذلك الاقرار ثم رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقراره في المرة الرابعة
فثبت بذلك أن الاقرار بالزنا الذي يوجب الحد على المقر هو إقراره به أربع مرات
فمن أقر كذلك حد ومن أقر أقل من ذلك لم يحد
وقد ذكر هذا المعنى ما رويناه عن بريدة مما كان يقوله هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سواه في ذلك مما قد
ذكرنا في حديث فهد عن أبي نعيم عن بشر بن المهاجر
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد عمل بذلك علي رضي الله عنه في شراحة فردها أربع مرات
باب الرجل يزني بجارية امرأته
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا بكر بن بكار قال ثنا شعبة عن قتادة عن الحسن عن جون بن قتادة
عن سلمة بن المحبق كالمحدث صحابي أن رجلا زنا بجارية امرأته فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن كان استكرهها
فهي حرة وعليها مثلها وإن كانت طاوعته فعليه مثلها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا القاسم بن سلام بن مسكين قال حدثني أبي قال سألت الحسن عن
الرجل يقع بجارية امرأته
فقال حدثني قبيصة بن حريث الأنصاري عن سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله وزاد ولم
يقم عليه حدا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا وقالوا هذا الحكم فيمن زنا بجارية امرأته على ما في حديث سلمة هذا
144

وقالوا قد عمل بذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وذكروا في ذلك ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال أخبرنا وهب عن شعبة عن منصور عن عمه بن
حيان أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود فقال إني زنيت فقال كيف صنعت قال وقعت على جارية امرأتي
فقال عبد الله بن مسعود الله أكبر إن كنت استكرهتها فأعتقها وإن كانت طاوعتك فأعتق
وعليك مثلها
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل نرى عليه الرجم إن كان محصنا والجلد إن كان غير محصن
وكان ما ذهبوا إليه في ذلك من الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة
قال ثنا هشيم بن بشير عن أبي بشر عن حبيب بن سالم أن رجلا وقع بجارية امرأته فأتت امرأته النعمان بن
بشير فأخبرته
فقال أما إن عندي في ذلك خبرا ثابتا أخذته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن كنت أذنت له جلدته مائة وإن كنت لم تأذني له رجمته
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا همام قال سئل قتادة عن رجل وطئ جارية
امرأته فحدثنا عن حبيب بن يساف عن حبيب بن سالم أنها رفعت إلى النعمان بن بشير فقال لأقضين فيها بقضاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن كانت أحلتها له جلدته مائة وإن لم تكن أحلتها له رجمته
ففي هذا الحديث خلاف ما في الحديث الأول لان فيه أنها إن لم تكن أذنت له رجم
وأما قوله وإن كنت أذنت له جلدناه مائة فتلك المائة عندنا تعزير كأنه درء عنه الحد بوطئه بالشبهة
وعزره بركوبه ما لا يحل له
فإن قال قائل أفيجوز التعزير بمائة
قيل له نعم قد عزر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة في حديث قد ذكرناه عنه في رجل قتل عبده متعمدا في باب
حد البكر في هذا الكتاب
فهذا الذي ذكر النعمان عندنا ناسخ لما رواه سلمة بن المحبق
وذلك أن الحكم كان في أول الاسلام يوجب عقوبات بأفعال في أموال ويوجب عقوبات في أبدان
باستهلاك أموال
من ذلك ما قد ذكرناه في باب تحريم الصدقة على بني هاشم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مانع الزكاة
إنا آخذوها منه وشطر ماله عقوبة له لما قد صنع
145

ومن ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا نعيم عن ابن ثور عن معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة
أحسبه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث وهشام عن سعيد عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص أن رجلا من مزينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله
كيف ترى في حريسة الجبل
فقال ليس في شئ من الماشية قطع إلا ما أواه المراح فبلغ ثمنه ثمن المجن ففيه قطع اليد وما لم يبلغ
ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال
قال يا رسول الله كيف ترى في الثمر المعلق قال هو ومثله معه والنكال وليس في شئ من الثمر
المعلق قطع إلا ما أواه الجرين فما أخذ من الجرين فبلغ ثمنه ثمن المجن ففيه القطع وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه
غرامة مثليه وجلدات نكال
فكانت العقوبات جارية فيما ذكر في هذه الآثار على ما ذكر فيها حتى نسخ ذلك بتحريم الربا فعاد الامر
إلى أن لا يؤخذ ممن أخذ شيئا إلا مثل ما أخذ وإن العقوبات لا تجب في الأموال بانتهاك الحرمات التي
هي غير أموال
فحديث سلمة عندنا كان في الوقت الأول فكان الحكم على من زنا بجارية امرأته مستكرها لها عليه
أن تعتق عقوبة له في فعله ويغرم مثلها لامرأته
وإن كانت طاوعته ألزمها جارية زانية وألزمه مكانها جارية طاهرة ولم تعتق هي بطواعيتها إياه وفرق
في ذلك بينما إذا كانت مطاوعة له وبينما إذا كانت مستكرهة ثم نسخ ذلك فردت الأمور إلى أن لا يعاقب
أحد بانتهاك حرمة لم يأخذ فيها مالا بأن يغرم مالا ووجبت عليه العقوبة التي أوجب الله على سائر الزناة
فثبت بما ذكرنا ما روى النعمان ونسخ ما روى سلمة بن المحبق
وأما ما ذكروا من فعل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ومذهبه في ذلك إلى مثل ما روى سلمة فقد خالفه
فيه غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب
عن أبي عبد الرحمن السلمي قال كان علي بن أبي طال ب يقول لا أوتى برجل وقع على جارية امرأته إلا رجمته
146

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا بن أبي الزناد قال حدثني أبي عن محمد
بن حمزة عن عمرو الأسلمي عن أبيه أن عمر بعثه مصدقا على سعد بن هذيم
فأتى حمزة بمال ليصدقه
فإذا رجل يقول لامرأته أدي صدقة مال مولاك وإذا المرأة تقول له بل أنت أد صدقة مال ابنك
فسأل حمزة عن أمرها وقولهما فأخبر أن ذلك الرجل زوج تلك المرأة وأنه وقع على جارية لها فولدت
ولدا فأعتقته امرأته
قالوا فهذا المال لابنه من جاريتها
فقال حمزة لأرجمنك بأحجارك
فقيل له أصلحك الله إن أمره قد رفع إلى عمر بن الخطاب فجلده عمر رضي الله عنه مائة ولم ير عليه الرجم
فأخذ حمزة بالرجل كفيلا حتى قدم على عمر رضي الله عنه فسأله عما ذكر من جلد عمر رضي الله عنه
إياه ولم ير عليه الرجم
فصدقهم عمر رضي الله عنه بذلك من قولهم وقال إنما درأ عنه الرجم أنه عذره بالجاهلية
فهذا حمزة بن عمرو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى أن على من زنى بجارية امرأته الرجم ولم
ينكر عليه
عمر رضي الله عنه ما كان عمر رأى من ذلك حين كفل الرجل حتى يجئ أمر عمر رضي الله عنه في إقامة
الحد عليه
فقد وافق ذلك أيضا ما روي عن علي رضي الله عنه وما رواه النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم
ثم ما في حديث حمزة أيضا من جلد عمر رضي الله عنه ذلك الرجل مائة جلدة تعزير بحضرة من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد دل ذلك على ما روى النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم من جلد الزاني بجارية امرأته مائة أنه أراد بذلك
التعزير أيضا
فقد وافق كل ما في حديث حمزة هذا ما روى النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم
وأما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فكان علم الحكم الأول الذي رواه سلمة بن المحبق رضي الله عنه
ولم يعلم ما نسخه مما رواه النعمان وعلم ذلك عمر وعلي وحمزة بن عمرو فقالوا به
وقد أنكر على علي عبد الله رضي الله عنه في هذا قضاءه بما قد نسخ
حدثنا أحمد بن الحسن قال ثنا علي بن عاصم عن خالد الحذاء عن محمد بن سيرين قال ذكر لعلي شأن
الرجل الذي أتى بن مسعود وامرأته قد وقع على جارية امرأته فلم ير عليه حدا
147

فقال علي لو أتاني صاحب بن أم عبد لرضخت رأسه بالحجارة فلم يدر بن أم عبد ما حدت بعده فلم
يعلم بن مسعود بذلك
فأخبر علي رضي الله عنه أن بن مسعود رضي الله عنه تعلق في ذلك بأمر قد كان ثم نسخ بعده فلم يعلم
بن مسعود رضي الله عنه بذلك
وقد خالف علقمة في ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أيضا ومال إلى قول من خالفه على أنه أعلم أصحابه
رضي الله عنه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب عن شعبة عن منصور عن إبراهيم عن علقمة أنه سئل
عن رجل أتى جارية امرأته
فقال ما أبالي إياها أتيت أو جارية امرأة عوسجة
فهذا علقمة رحمه الله وهو أجل أصحاب عبد الله رضي الله عنه وأعلمهم قد ترك قول عبد الله في ذلك مع
جلالة عبد الله رضي الله عنه عنده وصار إلى غيره
وذلك عندنا لثبوت نسخ ما كان ذهب إليه عبد الله في ذلك عنده فكذلك نقول من زنى بجارية
امرأته حد إلا أن يدعى شبهة مثل أن يقول ظننت أنها تحل لي أو تكون المرأة أحلتها له فيدرأ عنه الحد
ويعزر ويجب عليه العقر
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب من تزوج امرأة أبيه أو ذات محرم منه فدخل بها
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا الحسن بن صالح عن السدي عن عدي بن ثابت عن البراء
قال لقيت خالي ومعه الراية
فقلت أين تذهب فقال أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب
عنقه أو أقتله
حدثنا فهد قال ثنا يوسف هو بن منازل وأبو سعيد الأشج قالا ثنا حفص بن غياث عن أشعث
عن عدي بثابت عن البراء قال مر بي خالي أبو بردة بن نيار الأسلمي معه اللواء فذكر مثله إلا أنه
قال آتيه برأسه
حدثنا محمد بن علي بن داود قال ثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني قال هشيم حدثناه قال أخبرنا
الأشعث عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال مر بي الحارث بن عمرو ومعه لواء قد عقده له
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إلى أي شئ بعثك قال إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن أضرب عنقه
148

حدثنا فهد قال ثنا يوسف هو بن منازل قال ثنا حفص بن غياث عن أشعث فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا أبو بكر بن عياش عن مطرف عن أبي الجهم عن
البراء بن عازب قال ضلت إبل لي فخرجت في طلبها فإذا الخيل قد أقبلت فلما رأى أهل الماء الخيل
انضموا إلي وجاءوا إلى خباء من تلك الأخبية فاستخرجوا منها رجلا فضربوا عنقه قالوا هذا رجل أعرس
بامرأة أبيه فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى من تزوج ذات محرم منه وهو عالم بحرمتها عليه فدخل بها أن حكمه حكم
الزاني وأنه يقام عليه حد الزنا الرجم أو الجلد واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وممن قال بهذا القول أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجب في هذا حد الزنا ولكن يجب فيه التعزير والعقوبة البليغة
وممن قال بذلك أبو حنيفة وسفيان الثوري رحمهما الله
حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة بذلك
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال سمعت سفيان يقول في رجل تزوج محرم منه فدخل بها
قال لا حد عليه
وكان من الحجة على الذين احتجوا عليهما بما ذكرنا أن في تلك الآثار أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل وليس فيها
ذكر الرجم ولا ذكر إقامة الحد
وقد أجمعوا جميعا أن فاعل ذلك لا يجب عليه قتل إنما يجب عليه في قول من يوجب عليه الحد عليه
الرجم إن كان محصنا
فلما لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الرسول بالرجم وإنما أمره بالقتل ثبت بذلك أن ذلك القتل ليس بحد للزنا
ولكنه لمعنى خلاف ذلك
وهو أن ذلك المتزوج فعل ما فعل من ذلك على الاستحلال كما كانوا يفعلون في الجاهلية فصار بذلك
مرتدا فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل به ما يفعل بالمرتد
وهكذا كان أبو حنيفة وسفيان رحمهما الله يقولان في هذا المتزوج إذا كان أتى في ذلك على الاستحلال
أنه يقتل
فإذا كان ليس في هذا الحديث ما ينفي ما يقول أبو حنيفة وسفيان لم يكن فيه حجة عليهما لان مخالفهما
ليس بالتأويل أولى منهما
149

وفي ذلك الحديث ث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لأبي بردة الراية ولم تكن الرايات تعقد إلا لمن أمر بالمحاربة
والمبعوث على إقامة حد الزنا غير مأمور بالمحاربة
وفي الحديث أيضا أنه بعثه إلى رجل تزوج امرأة أبيه وليس فيه أنه دخل بها
فإذا كانت هذه العقوبة وهي القتل مقصودا بها إلى المتزوج لتزوجه دل ذلك أنها عقوبة وجبت بنفس
العقد لا بالدخول ولا يكون ذلك إلا والعاقد مستحل لذلك
فإن قال قائل فهو عندنا على أنه تزوج ودخل بها
قيل له وهو عند مخالفك على أنه تزوج واستحل
فإن قال ليس للاستحلال ذكر في الحديث
قيل له ولا للدخول ذكر في الحديث فان جاز ان تحمل معنى الحديث على دخول مذكور في الحديث
جاز لخصمك أن يحمله على استحلال غير مذكور في الحديث
وقد روي في ذلك حرف زائد على ما في الآثار الأول
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة
عن جابر الجعفي عن يزيد بن البراء عن أبيه قال لقي خاله ومعه راية فقلت له إلى أين تذهب
فقال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه أن أقتله وآخذ ماله
وقد روي نحو ذلك أيضا عن غير البراء ما حدثنا محمد بن علي بن داود وفهد ومحمد بن الورد
قالوا حدثنا يوسف بن منازل الكوفي قال ثنا عبد الله بن إدريس عن خالد بن أبي كريمة عن معاوية
بن قرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جده معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه أن يضرب عنقه ويخمس ماله
فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين بأخذ مال المتزوج وتخميسه دل ذلك أن المتزوج كان بتزوجه
مرتدا محاربا فوجب أن يقتل لردته وكان ماله كمال الحربيين لان المرتد الذي لم يحارب كل قد أجمع في أخذ
ماله على خلاف التخميس
فقال قوم وهم أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله ومن قال بقولهم ماله لورثته من المسلمين
وقال مخالفوهم ماله كل فئ ولا تخميس فيه لأنه لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب
ففي تخميس النبي صلى الله عليه وسلم مال المتزوج الذي ذكرنا دليل على أنه قد كانت منه الردة والمحاربة جميعا
فانتفى بما ذكرنا أن يكون على أبي حنيفة وسفيان رحمهما الله في ذلك الحديث حجة
فإن قال قائل فقد رأينا ذلك النكاح نكاحا لا يثبت فكان ينبغي إذا لم يثبت أن يكون في حكم
ما لم ينعقد فيكون الواطئ عليه كالواطئ لا على نكاح فيحد
150

قيل له إن كان ذلك كذلك فلم كان سؤالك إيانا ما ذكرت ذكر التزويج كان ينبغي أن تقول رجل
زنى بذات محرم منه
فإن قلت ذلك كان جوابنا لك ان نقول عليه الحد وإن أطلقت أسم التزوج وسميت ذلك النكاح
نكاحا وإن لم يكن ثابتا فلا حد على واطئ على نكاح جائز ولا فاسد
وقد رأينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في المتزوج في العدة التي لا يثبت فيها نكاح الواطئ على ذلك
ما يدل على خلاف مذهبك
وذلك أن إبراهيم بن مرزوق حدثنا قال ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب قال ثنا مالك عن ابن شهاب
عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طليحة نكحت في عدتها فأتي بها عمر بن الخطاب فضربها
ضربات بالمخفقة وضرب زوجها وفرق بينهما وقال أيما امرأة نكحت في عدتها فرق بينها وبين زوجها
الذي نكحت ثم اعتدت بقية عدتها من الأول ثم اعتدت من الآخر وإن كان دخل بها الآخر ثم لم ينكحها
أبدا وإن لم يكن دخل بها اعتدت من الأول وكان الآخر خاطبا من الخطاب
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب فذكر بإسناده مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا هشام بن أبي عبيد الله عن قتادة
عن سعيد بن المسيب أن رجلا تزوج امرأة في عدتها فرفع إلى عمر فضربها دون الحد وجعل لها الصداق
وفرق بينهما وقال لا يجتمعان أبدا
قال وقال علي رضي الله عنه إن تابا وأصلحا جعلتهما مع الخطاب
أفلا ترى أن عمر رضي الله عنه قد ضرب المرأة والزوج المتزوج في العدة بالمخفقة فاستحال أن يضربهما وهما
جاهلان بتحريم ما فعلا لأنه كان أعرف بالله عز وجل من أن يعاقب من لم تقم عليه الحجة
فلما ضربهما دل ذلك أن الحجة قد كانت قامت عليهما بالتحريم قبل أن يفعلا ثم هو رضي الله عنه لم يقم
عليهما الحد وقد حضره أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتابعوه على ذلك ولم يخالفوه فيه
فهذا دليل صحيح أن عقد النكاح إذا كان وإن كان لا يثبت وجب له حكم النكاح في وجوب المهر بالدخول
الذي يكون بعده وفي العدة منه وفي ثبوت النسب وما كان يوجب ما ذكرنا من ذلك فيستحيل أن يجب
فيه حد لان الذي يوجب الحد هو الزنا والزنا لا يوجب ثبوت نسب ولا مهر ولا عدة
فإن قال قائل إن هذا الذي ذكرت من وطئ ذات المحرم منه على النكاح الذي وصفته وإن لم يكن زنا
فهو أغلظ من الزنا فأحرى أن يجب فيه ما يجب في الزنا
151

قيل له قد أخرجته بقولك هذا من أن يكون زنا وزعمت أنه أغلظ من الزنا وليس ما كان مثل الزنا
أو ما كان أعظم من الزنا من الأشياء المحرمة يجب في انتهاكها من العقوبات ما يجب في الزنا لان العقوبات
إنما تؤخذ من جهة التوقيف لا من جهة القياس
ألا ترى أن الله عز وجل قد حرم الميتة والدم ولحم الخنزير كما حرم الخمر وقد جعل على شارب الخمر حدا
لم يجعل مثله على أكل لحم الخنزير ولا على أكل لحم الميتة وإن كان تحريم ما أتى به كتحريم ما أتى ذلك
وكذلك قذف المحصنة جعل الله فيه جلد ثمانين وسقوط شهادة القاذف وإلزام أسم الفسق
ولم يجعل ذلك فيمن رمى رجلا بالكفر والكفر في نفسه أعظم وأغلظ من القذف
فكانت العقوبات قد جعلت في أشياء خاصة ولم يجعل في أمثالها ولا في أشياء هي أعظم منها وأغلظ
فكذلك ما جعل الله تعالى من الحد في الزنا لا يجب به أن يكون واجبا فيما هو أغلظ من الزنا
فهذا الذي ذكرنا في هذا الباب هو النظر وهو قول أبي حنيفة وسفيان رحمهما الله تعالى
باب حد الخمر
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد بن مسرهد قال ثنا يحيى قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن
الداناج عن حضين بن المنذر الرقاشي أبي ساسان عن علي قال جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين
وأبو بكر أربعين وكملها عمر ثمانين وكل سنة
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا عبد العزيز بن المختار الأنصاري قال ثنا عبد الله
بن الداناج قال ثنا حضين بن المنذر الرقاشي قال شهدت عثمان بن عفان وقد أتي بالوليد بن عقبة وقد
صلى بأهل الكوفة الصبح أربعا وقال أزيدكم قال فشهد عليه حمران ورجل آخر
قال فشهد أحدهما أنه رآه يشربها وشهد الآخر أنه رآه يقيئها
قال فقال عثمان إنه لم يقئها حتى شربها فقال عثمان لعلي أقم عليه الحد فقال علي لابنه الحسن
أقم عليه الحد
قال فقال الحسن ول حارها من تولى قارها
152

قال فقال علي لعبد الله بن جعفر أقم عليه الحد فأخذ السوط فجعل يجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين
ثم قال له أمسك
ثم قال إن النبي صلى الله عليه وسلم جلد أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الحد الذي يجب على شارب الخمر هذا أربعون واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون وأدعوا فساد هذا الحديث وأنكروا أن يكون علي رضي الله عنه قال من ذلك
شيئا لأنه قد روي عنه ما يخالف ذلك ويدفعه
وهو ما حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا عبد العزيز بن مسلم عن مطرف
عن عمير بن سعيد النخعي قال قال علي من شرب الخمر فجلدناه فمات وديناه لأنه شئ صنعناه
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال أخبرنا شريك عن أبي حصين عن عمير بن سعيد
عن علي قال ما حددت أحدا حدا فمات فيه فوجدت في نفسي شيئا إلا الخمر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يسن فيها شيئا
فهذا علي رضي الله عنه يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن سن في شرب الخمر حدا
ثم الرواية عن علي رضي الله عنه في حديث شارب الخمر فعلى خلا ف ما في الحديث الأول أيضا من
اختياره الأربعين على الثمانين
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه قال أتى
علي بالنجاشي قد شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين ثم أمر به إلى السجن ثم أخرجه من الغد فضربه
عشرين ثم قال إنما جلدتك هذه العشرين لإفطارك في رمضان وجرأتك على الله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا سفيان عن أبي مصعب عن أبيه أن رجلا
شرب الخمر في رمضان ثم ذكر نحوه
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد الليثي أن بن شهاب حدثه أن حميد
بن عبد الرحمن بن عوف حدثه أن رجلا من كلب اسم قبيلة من العرب يقال له وبرة أخبره أن أبا بكر
الصديق كان يجلد في الشراب أربعين
وكان عمر يجلد فيها أربعين قال فبعثني خالد بن الوليد إلى عمر بن الخطاب فقدمت عليه فقلت يا أمير المؤمنين إن خالدا بعثني إليك
قال فيم قلت إن الناس قد تخاوفوا العقوبة وانهمكوا في الخمر فما ترى في ذلك
فقال عمر لمن حوله ما ترون فقال علي بن أبي طالب نرى يا أمير المؤمنين ثمانين جلدة فقبل ذلك عمر
فكان خالد أول من جلد ثمانين ثم جلد عمر بن الخطاب ناسا بعده
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا أسامة بن زيد الليثي فذكره بإسناده مثله
153

غير أنه قال فأتيت عمر فوجدت عنده عليا وطلحة والزبير أو عبد الرحمن بن عوف وهم متكئون في المسجد
فذكر مثل ما في حديث يونس
غير أنه زاد في كلام علي أنه قال إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون وتابعه أصحابه
ثم ذكر الحديث
أفلا ترى أن عليا رضي الله عنه لما سئل عن ذلك ضرب أمثال الحدود كيف هي ثم استخرج منها حدا
برأيه فجعله كحد المفتري
ولو كان عنده في ذلك شئ موقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لأغناه عن ذلك ولو كان عند أصحابه
في ذلك أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ إذا لأنكروا عليه أخذ ذلك من جهة الاستنباط وضرب الأمثال
فدل ما ذكرنا منه ومنهم أنه لم يكن عندهم في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ فكيف يجوز أن يقبل
بعد هذا عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذا
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال أخبرنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب
عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال شرب نفر من أهل الشام الخمر وعليهم يومئذ يزيد بن أبي سفيان
وقالوا هي حلال وتأولوا ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية
فكتب فيهم إلى عمر
فكتب عمر أن أبعث بهم إلي قبل أن يفسدوا من قبلك
فلما قدموا على عمر استشار فيهم الناس فقالوا يا أمير المؤمنين نرى أنهم قد كذبوا على الله وشرعوا
في دينهم ما لم يأذن به الله فاضرب أعناقهم وعلي ساكت
فقال ما تقول يا أبا الحسن قال أرى أن تستتيبهم فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين لشربهم الخمر
وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم فإنهم قد كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله فاستتابهم فتابوا
فضربهم ثمانين ثمانين
ففي هذا الحديث أن عليا رضي الله عنه لما سأله عمر رضي الله عنه عن حدهم أجابه أنه ثمانون ولم يقل
إن شئت جعلته أربعين وإن شئت جعلته ثمانين
فهذا ينفي ما في حديث الداناج مما ذكر فيه عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأربعين ومن
اختياره هو من بعد ذلك
وقد روي أن السوط الذي ضرب به الوليد كان له طرفان فكانت الضربة ضربتين
(0) حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب بناصح قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد
بن علي أن عليا جلد الوليد أربعين بسوط له طرفان
154

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا ابن لهيعة قال حدثني أبو الأسود عن
عروة أن عليا جلد الوليد بن عقبة بسوط له ذنبان أربعين جلدة في الخمر قال وذلك في زمن عثمان بن عفان
رضي الله عنه
ففي هذا الحديث أن عليا رضي الله عنه ضربه ثمانين لان كل سوط من تلك الأسواط سوطان
فاستحال أيضا أن يكون علي رضي الله عنه يقول إن الأربعين أحب إلي من الثمانين ثم يجلد هو ثمانين
فهذا دليل أيضا على فساد حديث الداناج
وقد روى آخرون عن علي رضي الله عنه خلاف ذلك كله
حدثنا فهد قال ثنا حسين بن عبد الله ح
وحدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الغفار بن داود وعثمان بن صالح قالوا حدثنا ابن لهيعة
عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن نبيه بن وهب عن محمد بن علي بن أبي طالب عن علي
بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جلد رجلا في الخمر ثمانين
غير أن صالحا قال في حديثه جلد رجلا من بني حارث بن الخزرج
وهذا عندنا أيضا فاسد لا يثبت عن علي رضي الله عنه لما قد رواه عنه سعيد من قوله إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولم يسن في الخمر حدا وأنه جعلوه بعده ثمانين بالتمثيل الذي قد ذكرناه عنه
في هذا الباب
ولا يجوز عندنا والله أعلم عن علي رضي الله عنه أن يكون يحتاج في استخراج حد الخمر من ذلك
وعنده فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما في هذا الحديث
وقد جاءت الآثار متواترة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقصد في حد الشارب إلى عدد من الضرب معلوم
حتى لقد بين في بعض ما روي عنه نفي ذلك مثل ما رويناه عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات
ولم يسن فيه حدا
فمما روي في ذلك ما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن ابن
شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر قال كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآن وهو في الرحال يلتمس
رحل خالد بن الوليد يوم حنين
فبينما هو كذلك أتي برجل قد شرب الخمر فقال للناس اضربوه
155

فمنهم من ضربه بالنعال ومنهم من ضربه بالعصا ومنهم من ضربه بالميتحة يريد الجريدة الرطبة
ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ترابا من الأرض فرمى به في وجهه
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا أسامة بن زيد قال حدثني بن شهاب
قال حدثني عبد الرحمن بن أزهر الزهري قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين يتخلل الناس أي
يدخل
بينهم يسأل عن منزل خالد بن الوليد
فأتي بسكران فأمر من كان عنده فضربوه بما كان في أيديهم ثم حثى عليه التراب أي رمى بيده
عليه التراب ثم أتى أبو بكر بسكران فتوخى الذي كان من ضربهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه أربعين
أفلا ترى أن أبا بكر إنما كان ضرب بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين على التحري منه لضرب النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان
لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن وقفهم في ذلك على شئ بينه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة بن التياح عن أبي الوداك عن أبي سعيد
قال لا أشرب نبيذ الجر بعد إذ أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنشوان فقال يا رسول الله ما شربت خمرا إنما
شربت نبيذ تمر وزبيب في دباء
فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فنهر بالأيدي وخفق بالنعال
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا نافع بن يزيد قال حدثني بن الهاد
عن محمد بن إبراهيم حدثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشارب
فقال اضربوه فمنهم من ضربه بيده وبثوبه وبنعله
حدثنا يونس قال أخبرنا أنس بن عياض عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا محمد بن بشر قال ثنا محمد بن عمرو قال ثنا
أبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن إبراهيم والزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال اتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
بشارب يوم حنين
156

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس قوموا إليه فقام الناس فضربوه بنعالهم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا المعلى بن الأسد قال ثنا وهيب عن أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة
عن عقبة بن الحارث قال اتي بالنعمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو سكران
قال فشق على النبي صلى الله عليه وسلم مشقة شديدة قال فأمر من كان في البيت أن يضربوه قال فضربوه
بالنعال والجريد
قال عقبة كنت فيمن ضربه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا وهيب فذكر بإسناده مثله غير أنه قال
بالنعمان أو بن النعمان
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا وهيب فذكر بإسناده مثله
فدل ما ذكرنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقفهم في حد الخمر على ضرب معلوم كما وقفهم في حد الزنا لغير
المحصن وفي حد القذف
فان قال قائل فقد روي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين أربعين
فجعل عمر رضي الله عنه بكل نعل سوطا
قيل له قد صدقت قد حدثنا بذلك محمد بن بحر هو بن مطر قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا
المسعودي عن زيد العمي عن أبي الصديق أو أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك
وليس في هذا الحديث أيضا ما يدل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصد بذلك الضرب إلى ثمانين
قد يجوز أن يكون قصد إلى ضرب غير معلوم فضرب الناس فكان ضربهم في جملته ثمانين
فتوخى عمر رضي الله عنه ذلك لما أراد أن يوقف الناس في ذلك على شئ معلوم فجعل مكان كل نعل سوطا
والدليل على ذلك أيضا أن عبد الله بن محمد بن حشيش حدثنا قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام
عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين
فلما ولي عمر دعا الناس فقال ما ترون في حد الخمر فقال له عبد الرحمن بن عوف أرى أن تجعله كأخذ
الحدود وتجعل فيه ثمانين
فلو كان عمر رضي الله عنه قد علم أن ما في حديث أبي سعيد الذي ذكرناه توقيفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم
الناس على حد الخمر أنه ثمانون إذا لما احتاج في ذلك إلى شورى
ولكنه إنما شاور ليستنبطوا وقتا معلوما في ذلك لا يجاوزه إلى ما هو أكثر منه ولا ينقصه إلى أقل منه
وقد حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة ح
157

وحدثنا فهد قال ثنا موسى بن داود قال ثنا همام قالا جميعا عن قتادة عن أنس بن مالك أن
النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل شرب الخمر فأمر به فضرب بجريدتين نحوا من أربعين ثم صنع أبو بكر مثل ذلك
فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف يا أمير المؤمنين أخف الحدود ثمانون ففعل ذلك
فثبت بما ذكرنا أن التوقيف في حد الخمر على جلد معلوم إنما كان في زمن عمر رضي الله عنه وأن ما وقفوا
عليه من ذلك كان ثمانين ولم يخالفهم في ذلك أحد منهم
فلا ينبغي لأحد أن يدع ذلك ويقول بخلافه لان إجماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة إذا كان بريئا
من الوهم والزلل
وهو كنقلهم الحديث البرئ من الوهم والزلل
فكما كان نقلهم الذي نقلوه جميعا حجة لا يجوز لأحد خلافه فكذلك رأيهم الذي رأوه جميعا حجة
لا يجوز لأحد خلافه
وقد حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا سليمان بن بلال عن ربيعة عن السائب
بن يزيد أن عمر صلى على جنازة فلما انصرف أخذ بيد بن له ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إني
وجدت من هذا ريح الشراب وإني سائل عنه فإن كان سكر جلدناه
قال السائب فرأيت عمر جلد ابنه بعد ذلك الحد ثمانين
حدثنا فهد قال ثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال ثنا السائب فذكر مثله
وهذا بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه منهم منكر فدل ذلك على متابعتهم له
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا في التوقيف على حد الخمر أنه ثمانون حديث إن كان ثابتا
وهو ما قد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال ثنا هشام بن يوسف عن
عبد الرحمن بن صخر الإفريقي عن جميل بن كريب عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال من شرب بسقة خمر فاجلدوه ثمانين
فهذا الذي وجدنا فيه التوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حد الخمر وهو ثمانون
فإن كان ذلك ثابتا فقد ثبت به الثمانون وإن لم يكن ثابتا فقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد
تقدم ذكرنا له في هذا البا ب من إجماعهم على الثمانين ومن استنباطهم إياها من أخف الحدود فذلك من إجماعهم
بعد ما كان خلافه كإجماعهم على المنع من بيع أمهات الأولاد وتكبيرات الجنائز وقد كان خلافه
فكما لا ينبغي خلافهم في ترك بيع أمهات الأولاد فكذلك لا ينبغي خلافهم في توقيتهم الثمانين
في حد الخمر
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله
158

باب من سكر أربع مرات ما حده
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء قال أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن عاصم عن
ذكوان عن أبي صالح عن معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن شربوا خمرا فاجلدوهم ثم إن
شربوا فاجلدوهم ثم إن شربوا عند الرابعة فاقتلوهم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سهل بن بكار قال ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن معبد القاص عن
عبد الرحمن بن عبد الله الجدلي عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب قال أخبرنا قرة بن خالد عن الحسن عن عبد الله بن عمرو
بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال فقال عبد الله بن عمرو إيتوني برجل أقم عليه الحد ثلاث مرات فإن لم أقتله فأنا كذاب
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا هدبة بفتح أوله وسكون الدال وبعدها موحدة قال ثنا همام عن قتادة
عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولم يذكر قول عبد الله بن عمرو
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا بشر بن عمرو الزهراني ح
وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قالا ثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن
عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا مكي بن إبراهيم قال ثنا داود بن يزيد الأودي عن سماك بن حرب عن
خالد بن جرير عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا ابن هبيرة أن أبا سليمان مولى أم سلمة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثه أن أبا رمثة البلوي أخبره أن رجلا منهم شرب الخمر فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه
ثم شرب الثانية فأتوا به فضربه ثم شرب فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أدري قال في الثالثة أو الرابعة
فأمر به فجعل على العجل ثم ضرب عنقه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فقلدوها وزعموا أن من شرب الخمر أربع مرات فحده القتل
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا حده في الرابعة كحده في الأولى
واحتجوا عليهم في ذلك بما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا حبان بن هلال
وبما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عارم بن الفضل قالا ثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد أن
أمامة بن سهل بن حنيف هكذا قال بن مرزوق في حديثه
159

وقال يزيد في حديثه عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال كنا مع عثمان وهو محصور فقال علام
تقتلوني وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس
والثيب الزاني والمفارق دينه التارك للجماعة
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص بن غياث قال ثنا أبي عن الأعمش عن عبد الله بن مرة بن مسروق
عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن شيبة وأبو أمية قالا ثنا عبد الله بن موسى قال أخبرنا شيبان عن الأعمش
فذكر بإسناده مثله
160

حدثنا أبو أمية قال ثنا قبيصة بن عقبة قال ثنا سفيان عن الأعمش ش فذكر بإسناده مثله
وحدثنا أبو أمية قال ثنا محمد بن سابق قال ثنا زائدة ح
وحدثنا علي بن شيبة قال ثنا عبيد الله ح
وحدثنا أبو أمية أيضا قال ثنا عبيد الله قال ثنا زائدة قال محمد بن سابق في حديثه قال ثنا سليمان
عن الأعمش وقال عبيد الله في حديثه عن الأعمش فذكر بإسناده مثله
قال سليمان فحدثت به إبراهيم فقال حدثني الأسود عن عائشة مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن غالب
قال دخل الأشتر على عائشة فقالت أردت قتل بن أختي
فقال لقد حرص على قتلي وحرصت على قتله
فقالت أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكرت مثله
فهذه الآثار التي ذكرنا تعارض الآثار الأول لان النبي صلى الله عليه وسلم قد منع في هذه الآثار أن يحل الدم إلا بإحدى
الثلاث الخصال المذكورة فيها غير أنه قد يحتمل أن تكون هذه الآثار التي ذكرنا ناسخة للآثار الأول فنظرنا
في ذلك هل نجد شيئا من الآثار يدل عليه
فإذا بن أبي داود قد حدثنا قال ثنا أصبغ بن الفرج قال ثنا حاتم بن إسماعيل عن شريك عن محمد
بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر فاجلدوه
ثم إن عاد فاجلدوه ثم إن عاد فاجلدوه ثم إن عاد فاجلدوه قال فثبت الجلد ودرئ القتل
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن محمد بن المنكدر حدثه أنه
بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شارب الخمر إن شرب الخمر فاجلدوه ثلاثا ثم قال في الرابعة فاقتلوه
فأتي ثلاث مرات برجل قد شرب الخمر فجلده ثم أتي به الرابعة فجلده ووضع القتل عن الناس
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب الكعبي
أنه حدثه أنه بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء
فثبت بما ذكرنا أن القتل بشرب الخمر في الرابعة منسوخ فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
ثم عدنا إلى النظر في ذلك لنعلم ما هو فرأينا العقوبات التي تجب بانتهاك الحرمات مختلفة
فمنها حد الزنا وهو الجلد في غير الاحصان فكان من زنى وهو غير محصن فحد ثم زنى ثانية كان حده
كذلك أيضا ثم كذلك حده في الرابعة لا يتغير عن حده في أول مرة
وكان من سرق ما يجب فيه القطع فحده قطع اليد ثم إن سرق ثانية فحده قطع الرجل ثم إن سرق
ثالثة ففي حكمه اختلاف بين الناس
161

فمنهم من يقول تقطع يده ومنهم من يقول لا تقطع فهذه حقوق الله التي تجب فيما دون الأنفس
وأما حدود الله التي تجب في الأنفس س وهي القتل في الردة والرجم في الزنا إذا كان الزاني محصنا
فكان من زنى ممن قد أحصن رجم ولم ينتظر به أن يزني أربع مرات وكان من ارتد عن الاسلام قتل
ولم ينتظر به أن يرتد أربع مرات
وأما حقوق الآدميين فمنها أيضا ما يجب فيما دون النفس
فمن ذلك حد القذف فكان من قذف مرات فحكمه فيما يجب عليه بكل مرة منها فهو حكم واحد
لا يتغير ولا يختلف ما يجب في قذفه إياه في المرة الرابعة وما يجب عليه بقذفه إياه في المرة الأولى
فكانت الحدود لا تتغير في انتهاك الحرم وحكمها كلها حكم واحد
فما كان منها جلد في أول مرة فحكمه كذلك أبدا وما كان منها قتل قتل الذي وجب عليه ذلك الفعل أول
مرة ولم ينتظر به أن يتكرر فعله أربع مرات
فلما كان ما وصفنا كذلك وكان من شرب الخمر مرة فحده الجلد لا القتل كان في النظر أيضا عقوبته
في شربه إياها بعد ذلك أبدا كلما شربها الجلد لا القتل ولا تزيد عقوبته بتكرر أفعاله كما لم تزد عقوبة من
وصفنا بتكرر أفعاله
فهذا الذي وصفنا هو النظر وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
با ب المقدار الذي يقطع فيه السارق
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا عبد الله بن نمير قال ثنا عبد الله العمري عن نافع عن ابن
عمر قال قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن قيمته ثلاثة دراهم
حدثنا أبو بكرة قال ثنا سعيد بن عامر قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن نافع عن ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا القعنبي قال ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
(0 حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه فذكر بإسناده مثله
(0 حدثنا علي بن معبد قال ثنا ابن هارون قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر
162

قال اتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد سرق جحفة ثمنها ثلاثة دراهم فقطعه
قال أبو جعفر فكان الذي في هذه الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في جحفة قيمتها ثلاثة دراهم وليس
فيها أنه لا يقطع فيما هو أقل من ذلك
فنظرنا في ذلك ك فإذا أحمد بن داود قد حدثنا قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا وهيب بن خالد
قال ثنا صالح أبو واقد عن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقطع السارق إلا في ثمن المجن
فعلمنا بهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفهم عند قطعه في المجن على أنه لا يقطع فيما قيمته أقل من قيمة المجن
فذهب قوم إلى أن السارق يقطع في هذا المقدار الذي قدره بن عمر رضي الله عنهما في ثمن المجن وهو ثلاثة
دراهم ولا يقطع فيما هو أقل من ذلك واحتجوا في ذلك بما رووه من هذا عن ابن عمر رضي الله عنهما
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يقطع السارق إلا فيما يساوي عشرة دراهم فصاعدا
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قالا ثنا أحمد بن خالد الوهبي
قال ثنا محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال كان قيمة المجن الذي قطع
فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم
حدثنا ابن أبي داود وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قالا ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده مثله
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال أخبرني معاوية بن هشام عن سفيان عن
منصور عن مجاهد وعطاء عن أيمن الحبشي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدنى ما يقطع فيه السارق ثمن المجن
قال وكان يقوم يومئذ دينارا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال ثنا شريك عن منصور عن عطاء
عن أيمن بن أم أيمن عن أم أيمن قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع يد السارق إلا في جحفة وقومت
يومئذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا أو عشرة دراهم
فلما اختلف في قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم احتيط في ذلك فلم يقطع إلا فيما قد أجمع أن فيه
وفاء بقيمة المجن التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدارا لا يقطع فيما هو أقل منها وهي عشرة دراهم
وقد ذهب آخرون إلى أنه لا يقطع إلا في ربع دينار فصاعدا
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة
قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع في ربع دينار فصاعدا
163

قيل لهم ليس هذا حجة أيضا على من ذهب إلى أنه لا يقطع إلا في عشرة دراهم لان عائشة رضي الله عنها
إنما أخبرت عما قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيحتمل أن يكون ذلك لأنها قومت ما قطع فيه فكانت قيمته عندها ربع دينار فجعلت ذلك مقدار
ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع فيه
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن
شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا
فقالوا هذا إخبار من عائشة رضي الله عنها عن قول النبي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك أن ما ذكرنا عنها
في الحديث الأول من قطع النبي صلى الله عليه وسلم في ربع دينار فصاعدا إنما أخذت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما وقفها عليه
على ما في هذا الحديث لا من جهة تقويمها لما كان قطع فيه
قيل لهم هذا كما ذكرتم لو لم يختلف في ذلك عنها
فقد روى بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة ما قد ذكرناه في الفصل الذي قبل هذا الفصل
فكان ذلك إخبارا منها عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا عن قوله
ويونس بن يزيد عندكم لا يقارب بن عيينة فكيف تحتجون بما روى وتدعون ما روى بن عيينة
قالوا فقد روى هذا الحديث أيضا من غير هذا الوجه عن عمرة عن عائشة كما رواه يونس بن يزيد
فذكروا ما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن
سليمان بن يسار عن عمرة عن عائشة أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يقطع يد السارق إلا
في ربع دينار فصاعدا
قيل لهم كيف تحتجون بهذا وأنتم تزعمون أن مخرمة لم يسمع من أبيه حرفا وأن ما روي عنه مرسل
وأنتم لا تحتجون بالمرسل
فمما يذكرون مما ينفون به سماع مخرمة عن أبيه ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم
عن خاله موسى بن سلمة قال سألت مخرمة بن بكير هل سمعت من أبيك شيئا فقال لا
قالوا فإنه قد روى هذا الحديث عن عمرة كما رواه يونس بن يزيد عن الزهري عنها يحيى بن سعيد أيضا
وذكروا في ذلك ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا أبان بن يزيد قال ثنا
يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا
قيل لهم قد روى هذا الحديث عن يحيى من هو أثبت من أبان فأوقفه على عائشة ولم يرفعه إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم
164

حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن
أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت ما طال علي أي ما طال الزمان علي ولا نسيت القطع في ربع دينار فصاعدا
حدثنا محمد بن إدريس المكي قال ثنا الحميدي عن سفيان قال ثنا أربعة عن عمرة عن عائشة
لم يرفعه عبد الله بن أبي بكر وزريق بن حكيم الأيلي ويحيى وعبد ربه ابنا سعيد والزهري أحفظهم كلهم
إلا أن في حديث يحيى ما قد دل على الرفع ما نسيت ولا طال عليا لقطع في ربع دينار فصاعدا
حدثنا يونس قال أخبرنا أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد قال حدثتني عمرة أنها سمعت عائشة
تقول القطع في ربع دينار فصاعدا
فكان أصل حديث يحيى عن عمرة هو ما ذكرنا مما رواه عنه أهل الحفظ والاتقان مالك وابن عيينة
لا كما رواه أبان بن يزيد
فقد عاد حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها إلى نفسها إما لتقويمها ما قد خولف
في توقيته ولم يثبت فيه عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ
وأما ما استدل به بن عيينة على أن حديث عائشة رضي الله عنها مما رواه يحيى بن سعيد عن عمرة عنها
مرفوع بقولها ما طال علي ولا نسيت
فإن ذلك عندنا لا دلالة فيه على ما ذكر وقد يجوز أن يكون معناها في ذلك ما طال علي ولا نسيت
ما قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كانت قيمته عندها ربع دينار وقيمته عند غيرها أكثر من ذلك فيعود
معنى حديثها هذا إلى معنى ما قد روينا عنها قبل هذا من ذكرها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع فيه ومن تقويمها
إياه بربع دينار
فإن قالوا فقد رواه أبو بكر بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها مثل ما رواه أبان
بن يزيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها
وذكروا في ذلك ما حدثنا محمد بن إدريس المكي قال ثنا الحميدي قال ثنا عبد العزيز بن أبي حازم
قال حدثني بن الهاد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا عبد الله بن جعفر عن يزيد بن الهاد
فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن الهاد
فذكر بإسناده مثله
165

* (حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن محمد بن إسحاق عن أبي بكر
بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قيل لهم قد روى هذا كما ذكرتم ولكنه لا يجب على أصولكم أن تعارضوا بهذا الحديث ما روى
الزهري ولا ما روى يحيى وعبد ربه ابنا سعيد لان أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ليس له من الاتقان
ولا من الحفظ ما لواحد من هؤلاء ولا لمن روى هذا الحديث أيضا عن أبي بكر بن محمد وهو بن الهاد
ومحمد بن إسحاق عندكم من الاتقان للرواية والحفظ ما لمن روى حديث الزهري ويحيى وعبد ربه
ابني سعيد عنهم
وقد خالف أيضا أبا بكر بن محمد فيما روى عن عمرة من هذا ابنه عبد الله بن أبي بكر
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة
قالت قالت عائشة القطع في ربع دينار فصاعدا
وقد خالفه في ذلك أيضا رزيق بن حكيم فرواه عن عمرة مثل ما رواه عبد الله بن أبي بكر ويحيى
وعبد ربه عنها
قال فإن كان هذا الامر يؤخذ من جهة كثرة الرواة فإن من روى حديث عمرة عنها بخلاف ما رواه عنها
أبو بكر بن محمد أكثر عددا
وإن كان يؤخذ من جهة الاتقان في الرواة والحفظ فإن لمن روى حديث عمرة عنها من يحيى وعبد ربه
من الاتقان في الرواية والضبط لها ما ليس لأبي بكر بن محمد
فإن قالوا فقد رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن وغيره عن عمرة مثل ما رواه عنها أبو بكر بن محمد
فذكروا في ذلك ما حدثنا علي بن شيبة قال ثنا عبيد الله بن صالح قال حدثني يحيى بن أيوب عن
جعفر بن ربيعة عن العلاء بن الأسود بن حارثة وأبي سلمة بن عبد الرحمن وكثير بن حنيش أنهم تنازعوا
في القطع فدخلوا على عمرة يسألونها
فقالت قالت عائشة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قطع إلا في ربع دينار
قيل لهم أما أبو سلمة فلا نعلم لجعفر بن ربيعة منه سماعا ولا نعلمه لقيه أصلا فكيف يجوز لكم أن
تحتجوا بمثل هذا على مخالفكم وتعارضوا به ما قد رواه عن عمرة من قد ذكرنا
وإن احتجوا في ذلك أيضا بحديث الزهري فإنه حدثنا محمد بن إدريس قال ثنا الحميدي قال ثنا
سفيان قال ثنا الزهري قال أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة تقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا
166

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا سفيان عن الزهري عن عمرة عن عائشة
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السارق إذا سرق ربع دينار قطع
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا إبراهيم بسعد عن الزهري عن عمرة عن عائشة
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع اليد في ربع دينار فصاعدا
قيل لهم قد روينا هذا الحديث عن الزهري في هذا البا ب من حديث بن عيينة على غير هذا اللفظ مما
معناه خلاف هذا المعنى
وهو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تقطع في ربع الدينار فصاعدا
فلما إضطرب حديث الزهر على ما ذكرنا واختلف عن غيره عن عمرة على ما وصفنا ارتفع ذلك كله
فلم تجب الحجة بشئ منه إذا كان بعضه ينفي بعضا
ورجعنا إلى أن الله عز وجل قال في كتابه والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما
كسبا نكالا من الله
فأجمعوا أن الله عز وجل لم يعن بذلك كل سارق وأنه إنما عني به خاصا من السراق لمقدار من المال معلوم
فلا يدخل فيما قد أجمعوا عليه أن الله تعالى عني به خاصا إلا ما قد أجمعوا أن الله تعالى عناه
وقد أجمعوا أن الله تعالى قد عني سارق العشرة الدراهم واختلفوا في سارق ما هو دونها
فقال قوم هو ممن عنى الله تعالى وقال قوم ليس هو منهم
فلم يجز لنا لما اختلفوا في ذلك أن نشهد على الله تعالى أنه عني ما لم يجمعوا أنه عناه
وجاز لنا أن نشهد فيما أجمعوا أن الله عناه على الله عز وجل أنه عناه
فجعلنا سارق العشرة الدراهم فما فوقها داخلا في الآية فقطعناه بها وجعلنا سارق ما دون العشرة خارجا
من الآية فلم نقطعه
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين وقد روى ذلك عن ابن مسعود
وعطاء وعمرو بن شعيب
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن أن عبد الله
بن مسعود قال لا تقطع اليد إلا في الدينار أو عشرة دراهم
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال كان قول عطاء على قول عمرو
بن شعيب لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم والحمد لله رب العالمين
167

با ب الاقرار بالسرقة التي توجب القطع
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا سعيد بن عون مولى بني هاشم قال ثنا الدراوردي عن يزيد بن خصيفة
عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال أتي بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله
إن هذا سرق فقال ما أخاله سرق فقال السارق بلى يا رسول الله قال إذهبوا به فاقطعوه ثم
احسموه ثم إيتوني به قال فذهب به فقطع ثم حسم ثم أتى به فقال تب إلى الله عز وجل
فقال تبت إلى الله فقال تاب الله عليك
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن خصيفة عن محمد
بن عبد الرحمن بن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن يزيد بن خصيفة فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال سمعت بن جريج يحدث أن يزيد بن خصيفة أخبره أنه سمع
محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا يزيد بن حبيب عن عبد الرحمن
بن ثعلبة الأنصاري عن أبيه أن عمرو بن سمرة بن حبيب بن عبد نحس أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني
سرقت جملا لبني فلان
فأرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إنا فقدنا جملا لنا فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت يده
قال ثعلبة أنا أنظر إليه حين قطعت يده وهو يقول الحمد لله الذي طهرني مما أراد أن يدخل جسدي النار
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أقر بالسرقة مرة واحدة قطع واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وممن ذهب إلى ذلك أبو حنيفة ومحمد بن الحسن رحمهما الله
وخالفهم في ذلك آخرون ومنهم أبو يوسف رحمه الله فقالوا لا تقطع حتى يقر مرتين
واحتجوا في ذلك بما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا إبراهيم بن الحجاج ومحمد بن عون الزبيري
قالا ثنا حماد بن سلمة قال أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي المنذر مولى أبي ذر عن
أبي أمية المخزومي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلص اعترف اعترافا ولم يوجد معه المتاع
168

فقال له رسول الله ما أخالك سرقت قال بلى يا رسول الله فأعادها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين
أو ثلاثا قال بلى يا رسول الله فأمر به فقطع
ثم جئ به فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قل أستغفر الله وأتوب إليه قال أستغفر الله وأتوب إليه ثم قال
اللهم تب عليه
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعه بإقراره مرة واحدة حتى أقر ثانية
فهذا أولى من الحديث الأول لان فيه زيادة على ما في الأول
وقد يجوز أن يكون أحدهما قد نسخ الآخر
فلما احتمل ذلك رجعنا إلى النظر فوجدنا السنة قد قامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقر بالزنا أنه رده أربعا
وأنه لم يرجمه بإقراره مرة واحدة وأخرج ذلك من حكم الاقرار بحقوق الآدميين التي يقبل فيها الاقرار مرة
واحدة ورد حكم الاقرار بذلك إلى حكم الشهادة عليه
فكما كانت الشهادة عليه غير مقبولة إلا من أربعة فكذلك جعل الاقرار به لا يوجب الجلد إلا بإقراره
أربع مرات
فثبت بذلك أن حكم الاقرار بالسرقة أيضا لذلك يرد إلى حكم الشهادة عليها
فكما كانت الشهادة عليه لا يجوز إلا من اثنين فكذلك الاقرار بها يقبل إلا مرتين
وقد رأيناهم جميعا لما رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقر بالزنا لما هرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لولا خليتم سبيله
فكان ذلك ك عندهم على أن رجوعه مقبول واستعملوا ذلك في سائر حدود الله عز وجل فجعلوا من أقر بها
ثم رجع قبل رجوعه ولم يخصوا الزنا بذلك دون سائر حدود الله
فكذلك لما جعل الاقرار في الزنا لا يقبل إلا بعدد ما يقبل عليه من البينة ثبت أنه لا يقبل الاقرار بسائر
حدود الله إلا بعدد ما يقبل عليها من البينة
فأدخل محمد بن الحسن رحمه الله في هذا على أبي يوسف رحمه الله فقال لو كان لا يقطع في السرقة حتى
يقر بها سارقها مرتين لكان إذا أقر أول مرة صار ما أقر به عليه دينا ولم يجب عليه القطع بعد ذلك
إذا كان السارق لا يقطع فيما قد وجب عليه بأخذه إياه دينا
فكان من حجتنا لأبي يوسف رحمة الله عليه في ذلك أنه لو لزم ذلك أبا يوسف في السرقة للزم محمدا
مثله في الزنا أيضا إذ كان الزاني في قولهم لا يحد فيما وجب عليه فيه مهرا كما لا يقطع السارق فيما قد
وجب عليه دينا
169

فلو كانت هذه العلة التي احتج بها محمد بن الحسن رحمه الله على أبي يوسف يجب بها فساد قول أبي يوسف
رحمه الله في الاقرار بالسرقة للزم محمدا مثل ذلك في الاقرار بالزنا
وذلك أنه لما أقر بالزنا مرة لم يجب عليه حد وقد أقر بوطئ لا يحد فيه بذلك الاقرار فوجب عليه مهر
فلا ينبغي أن يحد في وطئ قد وجب عليه فيه مهر
فإذا كان محمد رحمه الله لم يجب ب عليه بذلك حجة في الاقرار بالزنا فكذلك أبو يوسف رحمه الله
لا يجب عليه بذلك حجة في الاقرار بالسرقة
وقد رد علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي أقر عنده بالسرقة مرتين
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن علي
بن أبي طالب أن رجلا أقر عنده بسرقة مرتين فقال قد شهدت على نفسك شهادتين قال فأمر به فقطع
وعلقها في عنقه
أفلا ترى أن عليا رضي الله عنه رد حكم الاقرار بالسرقة إلى حكم الشهادة عليها في عدد الشهود
فكذلك الاقرار بحدود الله كلها لا يقبل في ذلك إلا بعدد ما يقبل من الشهود عليها
باب الرجل يستعير الحلي فلا يرده هل عليه في ذلك قطع أم لا
قال أبو جعفر روى عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن امرأة كانت تستعير الحلي
ولا ترده قال فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت
حدثنا عبيد بن رحال قال ثنا أحمد بن صالح قال ثنا عبد الرزاق قال ثنا معمر عن الزهري عن
عروة عن عائشة قالت كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها
فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم أسامة النبي صلى الله عليه وسلم فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أسامة لا أراك
تكلمني في حد من حدود الله عز وجل
ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال إنما أهلك من كان قبلكم أنه إذا
سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها فقطع يد المخزومية
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن من استعار شيئا فجحده وجب أن يقطع فيه وكان عندهم بذلك في معنى
السارق واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يقطع ويضمن
170

وكان من الحجة لهم أن هذا الحديث قد رواه معمر كما ذكروا وقد رواه غيره فزاد فيه أن تلك المرأة
التي كانت تستعير الحلي فلا ترده سرقت فقطعها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسرقتها
فمما روي في ذلك ما قد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب
أن عروة بن الزبير أخبره عن عائشة أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الفتح فأمر بها
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع
فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلون أي تغير من الغضب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتشفع في حد من
حدود الله عز وجل
فقال له أسامة استغفر لي يا رسول الله
فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما أهلك الناس من
قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد والذي نفسي بيده
لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها
حدثنا يونس قال حدثنا شعيب بن الليث عن أبيه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة
أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يجترئ يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومن
يجترئ عليه إلا أسامة ثم ذكر مثل معناه
فثبت بهذا الحديث أن القطع كان بخلاف المستعار المجحود
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدفع القطع في الخيانة ما قد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب
قال سمعت بن جريج يحدث عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس على الخائن ولا على
المختلس ولا على المنتهب قطع
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا مكي بن إبراهيم البلخي قال ثنا ابن جريج فذكر بإسناده مثله
حدثنا عبيد بن رحال حدثنا إسماعيل بن سالم حدثنا شبابة بن سوار قال ثنا المغيرة بن مسلم
عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فلما كان الخائن لا قطع عليه وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين السارق وأحكمت السنة أمر السارق الذي
171

يجب عليه القطع أنه الذي يسرق مقدارا من المال معلوما من حرز وكان المستعير أخذ المال المستعار من غير
حرز ثبت أنه لا قطع عليه في ذلك لعدم الحرز
وهذا الذي ذكرنا مما صححنا عليه معاني هذه الآثار قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله
عليهم أجمعين
باب سرقة الثمر
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان
أن عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فخرج صاحب الودي يلتمس ودية فوجده
فاستعدى على العبد عند مروان بن الحكم فسجن العبد وأراد قطع يده فأنطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج
فأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر فقال الرجل فإن مروان بن الحكم أخذ غلامي
وهو يريد قطع يده وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمشى معه رافع حتى أتى مروان فقال أخذت عبدا لهذا فقال نعم قال ما أنت صانع به
قال أردت قطع يده
فقال له رافع إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر فأمر مروان بالعبد فأرسل
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس الشافعي عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد
عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان أن عبدا سرق وديا من حائط رجل فجاء به فغرسه
في مكان آخر
فأتي به مروان فأراد أن يقطعه فشهد رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا قطع في ثمر ولا كثر
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أنه لا يقطع في شئ من الثمر ولا من الكثر وسواء عندهم أخذ من
حائط صاحبه أو منزله بعد ما قطعه وأحرزه فيه
172

وقالوا لا قطع أيضا في جريد النخل ولا في خشبة لان رافعا لم يسأل عن قيمة ما كان في الودية المسروقة
من الجريد ولا عن قيمة جذعها ودرأ القطع عن السارق في ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لا قطع في كثر
وهو الجمار
فثبت بذلك أنه لا قطع في الجمار ولا فيما يكون عنده من الجريد والخشب والثمر
وممن قال ذلك أبو حنيفة رحمة الله عليه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا هذا الذي حكاه رافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول لا قطع في ثمر ولا كثر
وهو على الثمر والكثر المأخوذين من الحائط التي ليست بحرز لما فيها
فأما ما كان من ذلك مما قد أحرز فحكمه حكم سائر الأموال ويجب القطع على من سرق من ذلك المقدار
الذي يجب القطع فيه
واحتجوا في ذلك بما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب في غير هذا الباب لما سئل عن الثمر
المعلق فقال لا قطع فيه إلا ما أواه الجرين وبلغ ثمن المجن ففيه القطع وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة
مثله وجلدات نكال
وقد حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أيضا
ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثمار المسروقة بين ما أواه الجرين منها وبين ما لم يأوه وكان في شجره فجعل
فيما أواه الجرين منها القطع وفيما لم يأوه الجرين الغرم والنكال
فتصحيح هذا الحديث وما رواه رافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لا قطع في ثمر ولا كثر أن يجعل
ما روى رافع هو على ما كان في الحوائط التي لم يحرز ما فيها على ما في حديث عبد الله بن عمرو مما زاد على
ما في حديث رافع فهو خلاف ما في حديث رافع ففي ذلك القطع ولا قطع فيما سوى ذلك يستوي هذان
الأثران ولا يتضادان وهذا قول أبي يوسف رحمه الله
173

كتاب الجنايات
باب ما يجب في قتل العمد وجراح العمد
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي قال ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال حدثني يحيى
بن أبي كثير ح
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير قال ثنا
أبو سلمة قال حدثني أبو هريرة قال لما فتح الله على رسوله مكة قتلت هذيل رجلا من بني ليث
بقتيل كان لهم في الجاهلية
فقام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فقال في خطبته من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل وإما أن يودي
واللفظ لمحمد بن عبد الله وقال أبو بكرة في حديثه قتلت خزاعة رجلا من بني ليث
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث ذكر ما يجب في النفس خاصة
وقد روي عن أبي شريح الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب قال حدثني سعيد
المقبري قال سمعت أبا شريح الكعبي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم فتح مكة ألا إنكم معشر
خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله فمن قتل له بعد مقالتي قتيل فأهله بين خيرتين بين أن
يأخذوا العقل وبين أن يقتلوا
وقد روي عن أبي شريح الخزاعي من غير هذا الوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما دون النفس مثل ذلك أيضا
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن
سفيان بن أبي العوجاء عن أبي شريح الخزاعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصيب بدم أو بخبل يعني
174

بالخبل الجراح فوليه بالخيار بين إحدى ثلاث بين أن يعفو أو يقتص أو يأخذ الدية فإن أتى الرابعة
فخذوا على يديه فإن قبل واحدة منهن ثم عدى بعد ذلك فله النار خالدا فيها مخلدا
حدثنا علي بن معبد قال ثنا سعيد بن سليمان قال ثنا عباد عن أبي إسحاق قال أخبرني الحارث
بن فضيل عن سفيان بن أبي العرجاء عن أبي شريح عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
ففي هذا الحديث أن حكم الجراح العمد فيما يجب في كواحد منهما من القصاص والدية
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا قتل عمدا فوليه بالخيار بين أن يعفو أو يأخذ الدية
أو يقتص رضي بذلك القاتل أو لم يرض واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ليس له أن يأخذ الدية إلا برضاء القاتل
وكان من الحجة لهم أن قوله أو يأخذ الدية قد يجوز أن يكون على ما قال لأهل المقالة الأولى ويجوز أن
يأخذ الدية إن أعطيها كما يقال للرجل خذ بدينك إن شئت دراهم وإن شئت دنانير وإن شئت عروضا
وليس يراد بذلك أنه يأخذ ذلك رضي الذي عليه الدين أو كره ولكن يراد إباحة ذلك له إن أعطيه
فإن قال قائل وما حاجتهم إلى ذكر هذا
قيل له لما قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عباس قال كان القصاص
في بني إسرائيل ولم يكن فيهم دية
فقال الله عز وجل لهذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر إلى قوله
فمن عفي له من أخيه شئ والعفو في أن يقبل الدية في العمد ذلك تخفيف من ربكم
مما كان كتب على من كان قبلكم
فأخبر بن عباس رضي الله عنهما أن بني إسرائيل لم يكن فيهم دية أي إن ذلك كان حراما عليهم أن
يأخذوه أو يتعرضوا بالدم بدلا أو يتركوه حتى يسفكوه وأن ذلك مما كان كتب عليهم
فخفف الله تعالى عن هذه الأمة ونسخ ذلك الحكم بقوله فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع
بالمعروف وأداء إليه بإحسان
معناه إذا وجب الأداء
وسنبين ما قيل في ذلك في موضعه من هذا الباب إن شاء الله تعالى
فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أيضا على هذه الجهة فقال من قتل له ولي فهو بالخيار بين أ يقتص
أو يعفو أو يأخذ الدية التي أبيحت لهذه الأمة وجعل لهم أخذها إذا أعطوها
175

هذا وجه يحتمله هذا الحديث وليس لأحد إذا كان حديث مثل هذا يحتمل وجهين متكافئين أن يعطفه
على أحدهما دون الآخر إلا بدليل من غيره يدل أن معناه على ما عطفه عليه
فنظرنا في ذلك هل نجد من ذلك شيئا يدل على شئ من ذلك
فقال أهل المقالة الأولى فقد قال الله عز وجل فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف
وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة الآية
فأخبر الله عز وجل في هذه الآية أن للولي أن يعفو أو يتبع القاتل بإحسان فاستدلوا بذلك أن للولي إذا
عفى ان يأخذ الدية من القاتل وإن لم يكن اشترط ذلك عليه في عفوه عنه
قيل لهم ما في هذا دليل على ما ذكرتم وقد يحتمل ذلك وجوها أحدها ما وصفتم
ويحتمل أيضا فمن عفي له من أخيه شئ على الجهة التي قلنا برضاء القاتل أن يعفو عنه على ما يؤخذ منه
وقد يحتمل أيضا أن يكون ذلك في الدم الذي يكون بين جماعة فيعفو أحدهم فيتبع الباقون القاتل
بحصصهم من الدية بالمعروف ويؤدى ذلك إليهم بإحسان
هذه تأويلا ت قد تأولت العلماء هذه الآية عليها فلا حجة فيها لبعض على بعض إلا بدليل آخر في آية
أخرى متفق على تأويلها أو سنة أو إجماع
وفي حديث أبي شريح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو بالخيار بين أن يعفو أو يقتل أو يأخذ الدية فجعل عفوه
غير أخذه الدية
فثبت بذلك أنه إذا عفا فلا دية له وإذا كان لا دية له إذا عفا عن الدم ثبت بذلك أن الذي كان وجب له
هو الدم وأن أخذه الدية التي أبيحت له هو بمعنى أخذها بدلا من القتل
والابدال من الأشياء لم نجدها تجب إلا برضاء من تجب عليه ورضاء من تجب له
فإذا ثبت ذلك في القتل ثبت ما ذكرنا وانتفى ما قال المخالف لنا
ولما لم يكن فيما احتج به أهل المقالة الأولى لقولهم ما يدل عليه نظرنا هل للآخرين خبر يدل على ما قالوا
فإذا أبو بكرة وإبراهيم بن مرزوق قد حدثانا قالا ثنا عبد الله بن بكر السهمي ح
وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قالا ثنا حميد الطويل عن أنس
بن مالك بن النضر أن عمته الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها فطلبوا إليهم العفو فأبوا
والأرض فأبوا إلا القصاص
176

فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص
فقال أنس بن النضر يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص فرضى القوم فعفوا
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره يزيد بعضهم على بعض
فلما كان الحكم الذي حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم على الربيع للمنزوعة ثنيتها هو القصاص ولم يخيرها بين القصاص
وأخذ الدية وهاج أنس بن النضر حين أبى ذلك فقال يا أنس كتاب الله القصاص فعفا القوم فلم
يقض لهم بالدية
ثبت بذلك أن الذي يجب بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله في العمد هو القصاص لأنه لو كان يجب
للمجني عليه الخيار بين القصاص وبين العفو مما يأخذ به الجاني إذا لخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعلمها
بما لها أن تختاره من ذلك
ألا ترى أن حاكما لو تقدم إليه رجل في شئ يجب له فيه أحد شيئين فثبت عنده حقه أنه لا يحكم له
بأحد الشيئين دون الآخر وإنما يحكم له بأن يختار ما أحب من كذا ومن كذا فإن تعدى ذلك فقد قصر
عن فهم الحكم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحكم الحكماء
فلما حكم بالقصاص وأخبر أنه كتاب الله عز وجل ثبت بذلك أن الذي في مثل ذلك هو القصاص لا غيره
فلما ثبت هذا الحديث على ما ذكرنا وجب أن يعطف عليه حديث أبي شريح وأبي هريرة رضي الله عنهما
فيجعل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما فهو بالخيار بين أن يعفو أو بين أن يقتص أو يأخذ الدية على
الرضاء من الجاني بغرم الدية حتى تتفق معاني هذين الحديثين ومعنى حديث أنس رضي الله عنه
فإن قال قائل فإن النظر يدل على ما قال أهل المقالة الأولى وذلك أن على الناس أن يستحيوا أنفسهم
فإذا قال الذي له سفك الدم قد رضيت بأخذ الدية وترك سفك الدم وجب على القاتل استحياء نفسه فإذا
وجب ذلك عليه أخذ من ماله وإن كره
فالحجة عليه في ذلك أن على الناس استحياء أنفسهم كما ذكرت بالدية وبما جاوز الدية وجميع ما يملكون
وقد رأيناهم أجمعوا أن الولي لو قال للقاتل قد رضيت أن آخذ دارك هذه على أن لا أقتلك أن الواجب
177

على القاتل فيما بينه وبين الله تسليم ذلك له وحقن دم نفسه فإن أبى لم يجبر عليه باتفاقهم على ذلك ولم يؤخذ منه
ذلك كرها فيدفع إلى الولي
فكذلك الدية إذا طلبها الولي فإنه يجب على القاتل فيما بينه وبين ربه أن يستحي نفسه بها وإن أبى ذلك
لم يجبر عليه ولم يؤخذ منه كرها
ثم رجعنا إلى أهل المقالة الأولى في قولهم إن للولي أن يأخذ الدية وإن كره ذلك الجاني
فنقول لهم ليس يخلو ذلك من أحد وجوه ثلاثة إما أن يكون ذلك لان الذي له على القاتل هو القصاص
والدية جميعا فإذا عفا عن القصاص فأبطله بعفوه كان له أخذ الدية
وإما أن يكون الذي وجب له هو القصاص خاصة وله أن يأخذ الدية بدلا من ذلك القصاص
وإما أن يكون الذي وجب له هو أحد أمرين إما القصاص وإما الدية يختار من ذلك ما شاء ليس
يخلو ذلك من أحد هذه الثلاثة الوجوه
فإن قلتم الذي وجب له هو القصاص والدية جميعا فهذا فاسد لان الله عز وجل لم يوجب على أحد فعل
فعلا أكثر مما فعل فقد قال عز وجل وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين
والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص
فلم يوجب الله عز وجل على أحد بفعل يفعله أكثر مما فعل ولو كان ذلك كذلك لوجب أن يقتل
ويأخذ الدية
فلما لم يكن له بعد قتله أخذ الدية دل ذلك على أن الذي كان وجب له خلاف ما قلتم
وإن قلتم إن الذي وجب له هو القصاص ولكن له أن يأخذ الدية بدلا من ذلك القصاص فإنا لا نجد
حقا لرجل يكون له أن يأخذ به بدلا بغير رضاء من عليه ذلك الحق فبطل هذا المعنى أيضا
وإن قلتم إن الذي وجب له أحد أمرين إما القصاص وإما الدية يأخذ منهما ما أحب ولم يجب له
أن يأخذ واحدا منهما دون الآخر
فإنه ينبغي إذا عفا عن أحدهما بعينه أن لا يجوز عفوه لان حقه لم يكن هو العفو عنه بعينه فيكون له
إبطاله إنما كان له أن يختاره فيكون هو حقه أو يختار غيره فيكون هو حقه فإذا عفا عن أحدهما قبل
اختياره إياه وقبل وجوبه له بعينه فعفوه باطل
ألا ترى أن رجلا لو جرح أبوه عمدا فعفا عن جارح أبيه ثم مات أبوه من تلك الجراحة ولا وارث له غير
أن عفوه باطل لأنه إنما عفا قبل وجوب المعفو عنه له
فلما كان ما ذكرنا كذلك وكان العفو من القاتل قبل اختياره القصاص أو الدية جائزا ثبت بذلك
178

أن القصا ص قد كان وجب له بعينه قبل عفوه عنه ولولا وجوبه له إذا لما كان له إبطاله بعفوه كما لم يجز عفو
الابن عن دم أبيه قبل وجوبه له
ففي ثبوت ما ذكرنا وانتفاء هذه الوجوه التي وصفنا ما يدل أن الواجب على القاتل عمدا أو الجارح عمدا
هو القصا ص لا غير ذلك من دية وغيرها إلا أن يصلح هو إن كان حيا أو وارثه إن كان ميتا والذي وجب
ذلك عليه على شئ فيكون الصلح جائزا على ما اصطلحا عليه من دية أو غيرها
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب الرجل يقتل رجلا كيف يقتل
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا همام عن قتادة عن أنس أن يهوديا رض رأس صبي
بين حجرين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقلدوه وقالوا يقتل كل قاتل بما قتل به
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا كل من وجب عليه قود لم يقتل إلا بالسيف
وقالوا هذا الحديث الذي رويتموه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن ذلك القاتل يجب قتله لله إذ كان
إنما قتل على مال قد بين ذلك في بعض الحديث
حدثنا إبراهيم بن داود قال ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال ثنا إبراهيم بن سعد عن شعبة
عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك قال عدا يهودي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جارية فأخذ أوضاحا
كانت عليها ورضخ رأسها
فأتى بها أهلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في آخر رمق وقد أصمتت وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتلك
أفلان لغير الذي قتلها فأشارت برأسها أي لا
فقال لرجل آخر غير الذي قتلها فأشارت برأسها أي لا فقال ففلان لقاتلها فأشارت أي نعم
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بين حجرين
فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل دم ذلك اليهودي قد وجب لله عز وجل كما يجب دم قاطع الطريق لله تعالى
فكان له أن يقتل كيف شاء بسيف أو بغير ذلك والمثلة حينئذ مباحة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين
179

فإنه حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس
قال قدم ثمانية رهط من عكل فاستوخموا المدينة فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذود له فشربوا
من ألبانها
فلما صحوا ارتدوا عن الاسلام وقتلوا راعي الإبل وساقوا الإبل
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم حتى ماتوا
حدثنا أبو بكرة قال ثنا عبد الله بن بكر قال ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك عن
النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا أبو أمية قال ثنا قبيصة عن سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس إنما جزاء
الذين يحاربون الله ورسوله قال هم من عكل قطع النبي صلى الله عليه وسلم أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال ثنا حميد عن أنس ح
وحدثنا صالح قال ثنا سعيد قال ثنا هشيم قال ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم
قطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وتركهم حتى ماتوا
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا سماك بن حرب عن
معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من حي من أحياء العرب فأسلموا وبايعوه
قال فوقع النوم وهو البرسام فقالوا يا رسول الله هذا الوجع قد وقع فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل
فكنا فيها يعني قال نعم أخرجوا فكونوا فيها
قال فخرجوا فقتلوا أحد الراعيين وذهبوا بالإبل قال وجاء الآخر وقد خرج فقال قد قتلوا صاحبي
وذهبوا بالإبل
قال وعنده شبان من الأنصار قريب من عشرين
قال فأرسل إليهم الشبان النبي صلى الله عليه وسلم وبعث معهم قائفا فقص آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم
وسمر أعينهم
180

ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين ما فعل بهم من هذا فلما حل له من سفك دمائهم فكان له أن يقتلهم كيف
أحب وإن كان ذلك تمثيلا بهم لان المثلة كانت حينئذ مباحة ثم نسخت بعد ذلك ونهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلم يكن لأحد أن يفعلها
فيحتمل أن يكون فعل باليهودي ما فعل من أجل ذلك ثم نسخ ذلك بعد نسخ المثلة
ويحتمل أيضا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ما وجب على اليهودي من ذلك لله تعالى ولكنه رآه واجبا لأولياء
الجارية فقتله لهم
فاحتمل أن يكون قتله كما فعل لان ذلك هو الذي كان وجب عليه
واحتمل أن يكون الذي كان وجب عليه هو سفك الدم بأي شئ مما شاء الولي يسفكه به فاختاروا
الرضخ ففعل ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه وجوه يحتملها هذا الحديث ولا دلالة معنا يدلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بعضها دون بعض
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قتل ذلك اليهود بخلاف ما كان قتل به الجارية
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قالا ثنا أبو يعلى محمد بن الصلت قال ثنا أبو صفوان محمد بن سعيد
بن عبد الملك بن مروان قال بن أبي داود وكان ثقة ورفع به عن ابن جريج عن معمر عن أيوب
عن أبي قلابة عن أنس أن رجلا من اليهود رضخ رأس جارية على حلي لها فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجم
حتى قتل
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قتل ذلك اليهودي رجما بقتله الجارية على ما ذكرنا في هذا الأثر
وفيما تقدمه من الآثار وهو رضخه رأسها والرجم قد يصيب الرأس وغير الرأس فقد قتله بغير ما كان
قتل به الجارية
فدل ذلك أن ما كان فعل كان حلالا يومئذ ثم نسخ بنسخ المثلة
فمما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسخ المثلة ما قد حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا ابن أبي مريم
قال أخبرنا نافع بن يزيد قال أخبرني بن جريج عن عكرمة قال قال بن عبا س رضي الله عنهما نهى
النبي صلى الله عليه وسلم عن المجثمة والمجثمة الشاة ترمي بالنبل حتى تقتل
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء العدائي قالا أخبرنا شعبة عن عدي بن ثابت
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا
181

حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أخبرنا شعبة فذكر بإسناده مثله
حدثنا سليمان بن شعيب قال أخبرنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول
وسماك عن عكرمة قال أحدهما عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال ثنا شعبة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص قال حدثني أبي عن الأعمش قال حدثني المنهال بن عمرو
عن سعيد بن جبير أو مجاهد قال مر بن عمر بدجاجة قد نصبت ترمى فقال بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينهى أن يمثل بالبهائم
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال حدثني عمي وهو بن وهب قال حدثني عمرو بن الحارث
وابن لهيعة أن بكر بن عبد الله حدثهما عن أبيه عن ابن يعلى أنه قال غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
فأتي بأربعة أعلاج من العد فأمر بهم عبد الرحمن فقتلوا صبرا بالنبل
فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل الصبر والذي نفسي بيده
لو كانت دجاجة ما صبرتها
فبلغ ذلك عبد الرحمن فأعتق أربع رقاب
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن بكر فذكر بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر قال أخبرني يزيد بن أبي حبيب عن
بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبيه عن عبيد بن يعلى عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن صبر الدابة
قال أبو أيوب ولو كانت دجاجة ما صبرتها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن منصور عن الحسن عن عمران
بن الحصين قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطبنا فيأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون قال ثنا هشيم عن حميد عن الحسن قال ثنا سمرة
بن جندب قال قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمرنا فيها بالصدقة ونهانا فيها عن المثلة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا يزيد بن إبراهيم قال ثنا الحسن قال قال سمرة
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما قام فينا يخطب إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة
182

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن هشام بن يزيد عن أنس بن مالك
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتصبر البهائم
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا القاسم يعني بن مالك عن مسلمة بن نوفل
الثقفي قال ثنا المغيرة بن صفية عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة
حدثنا ابن أبي عمران وابن أبي داود قالا ثنا عثمان بن أبي شيبة قال ثنا غندر عن شعبة
عن مغيرة عن شباك عن إبراهيم عن هني بن نويرة عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحسن
الناس قتلة أهل الايمان
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون قال ثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم ولم يذكر شيئا
عن هني عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فقد ثبت بهذه الآثار نسخ المثلة بعد أن كانت مباحة على ما قد رويناه في حديث العرنيين
فإن قال قائل لم يدخل ما اختلفنا نحن وأنتم فيه من القصاص في هذا لان الله عز وجل قال
وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به
قيل له ليست هذه الآية يراد بها هذا المعنى إنما أريد بها ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رواه بن عباس
وأبي هريرة
حدثنا فهد قال ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال ثنا قيس عن ابن أبي ليلى عن الحكم
عن مقسم عن ابن عباس قال لما قتل حمزة ومثل به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن ظفرت بهم لأمثلن
بسبعين رجلا منهم
فأنزل الله عز وجل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير
للصابرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نصبر
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج بن المنهال ح
وحدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور قال ثنا الهيثم بن جميل قالا ثنا صالح المري عن سليمان التيمي
عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين أستشهد فنظر إلى أمر لم ينظر قط
إلى أمر أوجل قلبه منه
فقال يرحمك الله إن كنت لوصولا للرحم فعولا للخيرات ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك
183

حتى تحشر من أفواج شتى وأيم الله لأمثلن بسبعين منهم مكانك
فنزل عليه جبرائيل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعد بخواتيم سور النحل وإن عاقبتم فعاقبوا
بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين * إلى آخر السورة فصبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكفر عن يمينه
فإنما نزلت هذه الآية في هذا المعنى لا في المعنى الذي ذكرت
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا قود إلا بالسيف
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم قال ثنا سفيان الثوري عن جابر عن أبي عازب عن
النعمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قود إلا بالسيف
فدل هذا الحديث أن القود لكل قتيل ما كان لا يكون إلا بالسيف وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد
دل على ما ذكرنا أيضا
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا سليمان بن حرب عن ابن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجراح فأمرهم أن يستأنوا بها سنة
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا مهدي بن جعفر قال ثنا عبد الله بن المبارك عن عنبسة بن سعيد
عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستقاد من الجرح حتى يبرأ
فلو كان يفعل بالجاني كما فعل كما قال أهل المقالة الأولى لم يكن للاستيناء معنى لأنه يجب على القاطع قطع
يده إن كانت جنايته قطعا برأ من ذلك المجني عليه أو مات
فلما ثبت الاستيناء لينظر ما يؤول إليه الجناية ثبت بذلك أن ما يجب فيه القصاص هو ما يؤول إليه الجناية
لا غير ذلك
فإن طعن طاعن في يحيى بن أبي أنيسة وأنكر علينا الاحتجاج بحديثه فإن علي بن المديني قد ذكر عن
يحيى بن سعيد أنه أحب إليه في حديث الزهري من محمد بن إسحاق
وقد حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن
عبد المجيد الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس قال قال رسول الله
184

صلى الله عليه وسلم إن الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح
وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بأن يحسنوا القتلة وأن يريحوا ما أحل الله لهم ذبحه من الانعام فما أحل لهم قتله
من بني آدم فهو أحرى أن يفعل به ذلك
فإن قال قائل لا يستأني برء الجراح وخالف ما ذكرنا في ذلك من الآثار فكفى به جهلا في خلافه
كل من تقدمه من العلماء
وعلى ذلك فإنا نفسد قوله من طريق النظر وذلك أنا رأينا رجلا لو قطع يد رجل خطأ فبرأ منها وجبت عليه
دية اليد ولو مات منها وجبت عليه دية النفس ولم يجب عليه في اليد شئ ودخل ما كان يجب في اليد فيما
وجب في النفس
فصار الجاني كمن قتل وليس كمن قطع وصارت اليد لا يجب لها حكم إلا والنفس قائمة ولا يجب لها حكم
إذا كانت النفس تالفة
فصار النظر على ذلك أن يكون كذلك إذا قطع يده عمدا فإن برأ فالحكم لليد وفيها القود وإن مات
منها فالحكم للنفس وفيها القصاص لا في اليد قياسا ونظرا على ما ذكرنا من حكم الخطأ
ويدخل أيضا على من يقول إن الجاني يقتل كما قتل أن يقول إذا رماه بسهم فقتله أن ينصب الرامي فيرميه
حتى يقتله وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صبر ذي الروح فلا ينبغي أن يصبر أحد لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك
ولكن يقتل قتلا لا يكون معه شئ من النهي
ألا ترى أن رجلا لو نكح رجلا فقتله بذلك أنه لا يجب للولي أن يفعل بالقاتل كما فعل ولكن يجب له أن
يقتله لان نكاحه إياه حرام عليه
فكذلك صبره إياه فيما وصفنا حرام عليه ولكن له قتله كما يقتل من حل دمه بردة أو بغيرها
هذا هو النظر وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
غير أن أبا حنيفة رضي الله عنه كان لا يوجب القود على من قتل بحجر وسنبين قوله هذا والحجة له
في باب شبه العمد إن شاء الله تعالى
باب شبه العمد الذي لا قود فيه ما هو
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن يحيى قال ثنا هشيم عن خالد الحذاء عن قاسم بن ربيعة بن
جوشن عن عقبة بن أوس المسدوسي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح
185

مكة فقال في خطبته ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه دية مغلظة مائة من الإبل
منها أربعون خلفة في بطونها أولادها
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا لا قود على من قتل رجلا بعصا أو حجر وممن
قال بذلك أبو حنيفة رضي الله عنه
وخالفهم في ذلك آخرون منهم أبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهما فقالوا إذا كانت الخشبة مثلها
يقتل فعلى القاتل بها القصاص وذلك عمد
وإن كان مثلها لا يقتل ففي ذلك الدية وذلك شبه العمد
وقالوا ليس فيما احتج به علينا أهل المقالة الأولى من قول النبي صلى الله عليه وسلم ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط
والعصا والحجر فيه مائة من الإبل دليل على ما قالوا لأنه قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك العصا
التي لا تقتل مثلها التي هي كالسوط الذي لا يقتل مثله
فإن كان أراد ذلك فهو الذي قلنا وإن لم يكن أراد ذلك وأراد ما قلتم أنتم فقد تركنا الحديث وخالفناه
فنحن بعد لم نثبت خلافنا لهذا الحديث إذ كنا نقول إن من العصا ما إذا قتل به لم يجب به على
القاتل قود
وهذا المعنى الذي حملنا عليه معنى هذا الحديث أولى مما حمله عليه أهل المقالة الأولى لان ما حملناه عليه
لا يضاد حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في إيجابه القود على اليهودي الذي رضخ رأس الجارية بحجر
وما حمله عليه أهل المقالة الأولى يضاد ذلك وينفيه
ولان يحمل الحديث على ما يوافق بعضه بعضا أولى على ما يضاد بعضه بعضا
فإن قال قائل فأنت قد قلت إن حديث أنس رضي الله عنه منسوخ في الباب الأول فكيف أثبت
العمل به ههنا
قيل له لم نقل إن حديث أنس رضي الله عنه هذا منسوخ من جهة ما ذكرت وقد ثبت وجوب القود والقتل
بالحجر في حديث أنس
وإنما قلت إن القصاص بالحجر قد يجوز أن يكون منسوخا لما قد ذكرت من الحجة في ذلك
فحديث أنس رضي الله عنه في إيجاب القود عندنا غير منسوخ
وفي كيفية القود الواجب قد يحتمل أن يكون منسوخا على ما فسرنا وبينا في الباب الذي قبل هذا الباب
فكان من الحجة للذين قالوا إن القتل بالحجر لا يوجب القود في دفع حديث أنس رضي الله عنه
186

أنه قد يحتمل أن يكون ما أوجب النبي صلى الله عليه وسلم من القتل في ذلك حقا لله عز وجل وجعل اليهودي كقاطع
الطريق الذي يكون ما وجب عليه حدا من حدود الله عز وجل
فإن كان ذلك كذلك فإن قاطع الطريق إذا قتل بحجر أو بعصا وجب عليه القتل في قول الذي يزعم أنه
لا قود على من قتل بعصا وقد قال بهذا القول جماعة من أهل النظر
وقد قال أبو حنيفة رضي الله عنه في الخناق إن عليه الدية وأنه لا يقتل إلا أن يفعل ذلك غير مرة فيقتل
ويكون ذلك حدا من حدود الله عز وجل
فقد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قتل اليهودي على ما في حديث أنس رضي الله عنه لأنه وجب عليه القتل
لله عز وجل كما يجب على قاطع الطريق
فإن كان ذلك كذلك فإن أبا حنيفة رضي الله عنه يقول كل من قطع الطريق فقتل بعصا أو حجر
أو فعل ذلك في المصر يكون حكمه فيما فعل حكم قاطع الطريق وكذلك الخناق الذي قد فعل ذلك غير
مرة أنه يقتل
وقد كان ينبغي في القياس على قوله أن يكون يجب على من فعل ذلك مرة واحدة القتل ويكون ذلك حدا
من حدود الله عز وجل كما يجب إذا فعله مرارا لأنا رأينا الحدود يوجبها انتهاك الحرمة مرة واحدة ثم لا يجب
على من انتهك تلك الحرمة ثانية إلا ما وجب عليه في انتهاكها في البدء
فكان النظر فيما وصفنا أن يكون الجاني الخناق كذلك أيضا وأن يكون حكمه في أول مرة هو حكمه
في آخر مرة هذا هو النظر في هذا الباب
وفي ثبوت ما ذكرنا ما يرفع أن يكون في حديث أنس رضي الله عنه حجة على من يقول من قتل رجلا
بحجر فلا قود عليه
وكان من حجة أبي حنيفة رضي الله عنه أيضا في قوله هذا ما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب
قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال اقتتلت امرأتان
من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية
جنينها عبدا وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم
فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق
ولا أستهل فمثل ذلك بطل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجعه
187

حدثنا الحسين بن نصر قال ثنا الفريابي قال ثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عبيد
بن نضلة الخزاعي عن المغيرة بن شعبة أن امرأتين ضربت إحداهما الأخرى بعمود الفسطاط فقتلتها
فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على عصبة القاتلة وقضى ما في بطنها بغرة والغرة عبد أو أمة
فقال الاعرابي أغرم من لا طعم ولا شرب ولا صاح ولا أستهل ومثل ذلك بطل
فقال سجع كسجع الاعراب
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال أخبرنا زائدة عن منصور عن إبراهيم عن
عبيد بن نضلة عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قالوا فهذه الآثار تخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المرأة القاتلة بالحجر ولا بعمود الفسطاط وعمود الفسطاط
يقتل مثله فدل ذلك على أنه لا قود على من قتل بخشبة وإن كان مثلها يقتل
فكان من حجة من خالفهم في ذلك أن قال فقد روي حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف هذا فذكر ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نشد الناس أي سألهم وأقسم عليهم قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الجنين فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال إني كنت بين امرأتين وإن إحداهما ضربت الأخرى بمسطح فقتلتها
وجنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وأن تقتل مكانها
حدثنا محمد بن النعمان قال ثنا الحميدي قال ثنا هشام بن سليمان المخزومي عن ابن جريج عن عمرو
بن دينار عن طاوس عن ابن عباس مثله غير أنه لم يذكر قوله وأن تقتل مكانها
فهذا حمل بن مالك رضي الله عنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل المرأة بالتي قتلتها بالمسطح
فقد خالف أبا هريرة والمغيرة رضي الله عنهما فيما رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قضائه بالدية في ذلك
فقد تكافأت الاخبار في ذلك
فلما تكافأت واختلفت وجب النظر في ذلك لنستخرج من القولين قولا صحيحا فاعتبرنا ذلك
فوجدنا الأصل المجمع عليه أن من قتل رجلا بحديدة عمدا فعليه القود وهو آثم في ذلك ولا كفارة عليه
في قول أكثر العلماء
وإذا قتله خطأ فالدية على عاقلته والكفارة عليه ولا إثم عليه فكانت الكفارة تجب حيث يرتفع الاثم
188

وترتفع الكفارة حيث يجب الاثم
ورأينا شبه العمد قد أجمعوا أن الدية فيه وأن الكفارة فيه واجبة واختلفوا في كيفيتها ما هي
فقال قائلون هو الرجل يقتل رجلا متعمدا بغير سلاح
وقال آخرون هو الرجل يقتل الرجل بالشئ الذي لا يرى أنه يقتله كأنه يتعمد ضرب رجل بسوط أو بشئ
لا يقتل مثله فيموت من ذلك فهذا شبه العمد عندهم
فإن كرر عليه الضرب بالسوط مرارا حتى كان ذلك مما قد يقتل مثله كان ذلك عمدا ووجب
عليه فيه القود وكل من جعل منهم شبه العمد على جنس من هذين الجنسين أوجب فيه الكفارة
وقد رأينا الكفارة فيما قد أجمع عليه الفريقان تجب حيث لا يجب الاثم وتنتفي حيث يكون الاثم وكان
القاتل بحجر أو بعصا أو مثل ذلك يقتل عليه إثم النفس وهو فيما بينه وبين ربه كمن قتل رجلا بحديدة
وكان من قتل رجلا بسوط ليس مثله يقتل غير آثم إثم القتل ولكنه آثم إثم الضرب فكان إثم القتل
في هذا عنه مرفوعا لأنه لم يرده وإثم الضرب عليه مكتوب لأنه قصده وأراده
فكان النظر أن يكون شبه العمد الذي قد أجمع أن فيه كفارة في النفس هو ما لا إثم فيه وهو القتل
بما ليس مثله يقتل الذي يتعمد به الضرب ولا يراد به تلف النفس فيأتي ذلك على تلف النفس
فقد ثبت ت بذلك قول أهل هذه المقالة وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهما
وقد روي ذلك أيضا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عيسى بن إبراهيم البركي قال ثنا عبد الواحد قال ثنا الحجاج
قال حدثني زيد بن جبير الجشمي عن حروة بن حميد عن أبيه قال قال عمر بن الخطاب يعمد أحدكم
فيضرب أخاه مثل آكلة اللحم قال الحجاج يعني العصا ثم يقول لا قود علي لا أوتى بأحد فعل
ذلك إلا أقدته وقد روي عن علي رضي الله عنه خلاف ذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا شريك عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة
عن علي قال شبه العمد بالعصا والحجر الثقيل وليس فيهما قود والله أعلم بالصواب
باب شبه العمد
هل يكون فيما دون النفس كما يكون في النفس
قال أبو جعفر فإن قال قائل لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النفس قد يكون فيها شبه عمد كا كذلك
فيما دون النفس وذكر في ذلك الآثار التي قد رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي فيها ألا إن قتيل خطأ العمد
189

بالسوط والعصا والحجر فيه مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها
فكان من حجتنا عليه في ذلك أنه قروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النفس ما قد روي عنه فيها
وقد روي عنه فيما دون النفس ما يخالف ذلك وهو ما قد ذكرناه بإسناده في أول هذا الكتاب في خبر
الربيع أنها لطمت جارية فكسرت ثنيتها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص
وقد رأينا اللطمة إذا أتت على النفس لم يجب فيها قود ورأيناها فيما دون النفس قد أوجبت القود
فثبت بذلك أن ما كان في النفس شبه عمد أنه فيما دون النفس عمد على تصحيح هذه الآثار
وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن أجمعين
باب الرجل يقول عند موته إن مت ففلان قتلني
قال أبو جعفر قد روينا فيما تقدم من هذا الكتاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأل الجارية التي رضخ رأسها
من رضخ رأسك أفلان هو فأومت برأسها أي نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برضخ رأسه بين حجرين
فذهب قوم إلى هذا الحديث فزعموا أنهم قلدوه وقالوا من أدعى وهو في حال الموت أن فلانا قتله
ثم مات قبل قوله في ذلك وقتل الذي ذكر أنه قتله
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سأل اليهودي فأقر بما ادعت الجارية عليه
من ذلك فقتله بإقراره لا بدعوى الجارية
فاعتبرنا الآثار التي قد جاءت في ذلك هل نجد فيها على شئ من ذلك دليلا
فإذا بن أبي داود قد حدثنا قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا همام عن قتادة عن أنس عن
النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد قال فسأله فأقر بما ادعت فرضخ رأسه بين حجرين
حدثنا فهد قال ثنا أبو الوليد الطيالسي قال ثنا همام عن قتادة عن أنس أن يهوديا رضخ رأس
جارية بين حجرين فقيل لها من فعل بك هذا أفلان أفلان حتى ذكروا اليهودي فأتي به فأعترف
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قتله بإقراره بما أدعى عليه لا بدعوى الجارية
وقد بين ذلك أيضا ما قد أجمعوا عليه
190

ألا ترى أن رجلا لو أدعى على رجل دعوى قتلا أو غيره فسأل المدعى عليه عن ذلك فأومى برأسه أي نعم
أنه لا يكون بذلك مقرا
فإذا كان إيماء المدعى عليه برأسه لا يكون منه إقرارا يجب به عليه حق كان إيماء المدعي برأسه
أحرى أن لا يوجب له حقا
وقد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس
قال قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين
على المدعى عليه
فمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطى أحد بدعواه دما أو مالا ولم يوجب للمدعي فيه بدعواه إلا باليمين
فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار
وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنهم قد أجمعوا أن رجلا لو أدعى في حال موته أن له على رجل دراهم
ثم مات أن ذلك غير مقبول منه وأنه في ذلك كهو في دعواه في حال الصحة
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك هو في دعواه الدم في تلك الحال كهو في دعواه ذلك في حال الصحة
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا خالد بن نزار قال أخبرنا نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة
قال كنت عاملا لابن الزبير على الطائف فكتبت إلى بن عباس في امرأتين كانتا في بيت تخرزان حريرا لهما
فأصابت إحداهما يد صاحبتهما بالإشفى فجرحتها فخرجت وهي تدمي وفي الحجرة حدات فقالت أصابتني
فأنكرت ذلك الأخرى
فكتبت في ذلك إلى بن عباس فكتب إلي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعي عليه
ولو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعي ناس من الناس دماء رجال وأموالهم فأدعها فأقرأ هذه الآية عليها
إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية فقرأت عليها الآية فاعترفت
قال نافع فحسبت أنه قال فبلغ ذلك بن عباس فسره
أفلا ترى أن بن عباس رضي الله عنهما قد رد حكمها في ذلك إلى حكم سائر ما يدعى الناس بعضهم
على بعض والله أعلم
191

باب المؤمن يقتل الكافر متعمدا
حدثنا إسماعيل بن يحيى قال ثنا محمد بن إدريس قال أخبرنا سفيان ح
وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا أسباط عن مطرف بن طريف عن الشعبي عن أبي
جحيفة قال سألت عليا هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى القرآن
فقال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى القرآن وما في هذه الصحيفة
قال قلت وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن المسلم إذ قتل الكافر متعمدا لم يقتل به واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يقتل به
وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذا الكلام الذي حكاه أبو جحيفة في هذا الحديث عن علي رضي الله عنه
لم يكن منفردا ولو كان منفردا لاحتمل ما قالوا ولكنه كان موصولا بغيره
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن ابن أبي عروبة قال ثنا قتادة عن الحسن
عن قيس بن عباد قال انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا لم يعهده
إلى الناس عامة قال لا إلا ما كان في كتابي هذا فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه المؤمنون
تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده
ومن أحدث حدثا فعلى نفسه ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
فهذا هو حديث علي رضي الله عنه بتمامه والذي فيه من نفى قتل المؤمن بالكافر هو قوله لا يقتل مؤمن
بكافر ولا ذو عهد في عهده
192

فاستحال أن يكون معناه على ما حمله عليه أهل المقالة الأولى لأنه لو كان معناه على ما ذكروا لكان ذلك
لحنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس من ذلك ولكان لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذي عهد في عهده
فلما لم يكن لفظه كذلك وإنما هو ولا ذو عهد في عهده علمنا بذلك أن ذا العهد هو المعنى بالقصاص
فصار ذلك كقوله لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر
وقد علمنا أن ذا العهد كافر فدل ذلك أن الكافر الذي منع النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل به المؤمن في هذا الحديث
هو الكافر الذي لا عهد له
فهذا مما لا اختلاف فيه بين المؤمنين أن المؤمن لا يقتل بالكافر الحربي وأن ذا العهد الكافر الذي قد صار
له ذمة لا يقتل به أيضا
وقد نجد مثل هذا كثيرا في القرآن قال الله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم
إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن)
* فكان معنى ذلك واللائي يئسن من المحيض واللائي لم يحضن إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر فقدم وأخر
فكذلك قوله لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده إنما مراده فيه والله أعلم لا يقتل مؤمن
ولا ذو عهد في عهده بكافر فقدم وأخر
فالكافر الذي منع أن يقتل به المؤمن هو الكافر غير المعاهد
فإن قال قائل قوله ولا ذو عهد في عهده إنما معناه لا يقتل مؤمن بكافر فانقطع الكلام ثم قال
ولا ذو عهد في عهده كلاما مستأنفا أي ولا يقتل المعاهد في عهده
فكان من حجتنا عليه أن هذا الحديث إنما جرى في الدماء المسفوك بعضها ببعض لأنه قال المسلمون يد
على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ثم قال لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده
فإنما أجر الكلام على الدماء التي تؤخذ قصاصا ولم يجر على حرمة دم بعهد فيحمل الحديث على ذلك
فهذا وجه
وحجة أخرى أن هذا الحديث إنما روي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نعلم أنه روي عن غيره
من طريق صحيح فهو كان أعلم بتأويله
وتأويله فيه إذ كان محتملا عندكم يحتمل هذين المعنيين الذين ذكرتم دليل على أن معناه في الحقيقة
هو ما تأوله عليه
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن
193

بن شهاب أنه قال أخبرني سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال حين قتل عمر مررت
على أبي لؤلؤة ومعه هرمزان
فلما بغتهم ثاروا فسقط من بينهم خنجر له رأسان ممسكه في وسطه
قال قلت فانظروا لعله الخنجر الذي قتل به عمر فنظروا فإذا هو الخنجر الذي وصف عبد الرحمن
فانطلق عبيد الله بن عمر حين سمع ذلك من عبد الرحمن ومعه السيف حتى دعا الهرمزان
فلما خرج إليه قال انطلق حتى تنظر إلى فرس لي ثم تأخر عنه إذا مضى بين يديه علاه بالسيف فلما وجد
مس السيف قال لا إله إلا الله قال عبيد الله ودعوت حفينة وكان نصرانيا من نصارى الحيرة فلما خرج
إلي علوته بالسيف فصلت بين عينيه ثم انطلق عبيد الله فقتل ابنة أبي لؤلؤة صغيرة تدعي الاسلام
فلما استخلف عثمان دعا المهاجرين والأنصار فقال أشيروا علي في قتل هذا الرجل الذي فتق في
الدين ما فتق
فأجتمع المهاجرون فيه على كلمة واحدة يأمرونه بالشدة عليه ويحثون عثمان على قتله وكان فوج الناس الأعظم
مع عبيد الله يقولون لحفينة والهرمزان أبعدهما الله فكان في ذلك الاختلاف
ثم قال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين إن هذا الامر قد أعفاك الله من أن تكون بعد ما قد بويعت
وإنما كان ذلك قبل أن يكون لك على الناس سلطان فأعرض عن عبيد الله
وتفرق الناس عن خطبة عمرو بن العاص وودي الرجلين والجارية
ففي هذا الحديث أن عبيد الله رضي الله عنه قتل حفينة وهو مشرك وضرب الهرمزان وهو كافر ثم كان
إسلامه بعد ذلك
فأشار المهاجرون على عثمان رضي الله عنه بقتل عبيد الله وعلي فيهم
فمحال أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتل مؤمن بكافر يراد به غير الحربي ثم يشير المهاجرون وفيهم
علي على عثمان بقتل عبيد الله بكافر ذي عهد ولكن معناه هو على ما ذكرنا من إرادته الكافر الذي لا ذمة له
فإن قال قائل ففي هذا الحديث أن عبيد الله رضي الله عنه قتل بنتا لأبي لؤلؤة صغيرة تدعى الاسلام
فيجوز أن يكون إنما استحلوا سفك دم عبيد الله بها لا بحفينة والهرمزان
194

قيل له في هذا الحديث ما يدل على أنه أراد قتله بحفينة والهرمزان وهو قولهم أبعدهما الله
فمحال أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد أن يقتله بغيرهما ويقول الناس له أبعدهما الله ثم لا يقول لهم
إني لم أرد قتله بهذين إنما أردت قتله بالجارية ولكنه أراد قتله بهما وبالجارية
ألا تراه يقول فكثر في ذلك الاختلاف
فدل ذلك أن عثمان رضي الله عنه إنما أراد قتله بمن قتل وفيهم الهرمزان وحفينة
فقد ثبت بما ذكرنا ما صح عليه معنى هذا الحديث أن معنى حديثه على الأول على ما وصفنا فانتفى أن
يكون فيه حجة تدفع أن يقتل المسلم بالذمي
وقد وافق ذلك أيضا رشده ما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان منقطعا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن
عن عبد الرحمن بن البيلماني أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل من المسلمين قد قتل معاهدا من أهل الذمة فأمر به
فضرب عنقه وقال أنا أولى من وفي بذمته حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا يحيى بن سلام عن محمد بن أبي حميد المدني عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
والنظر عندنا شاهد لذلك أيضا وذلك أنا رأينا الحربي دمه حلال وماله حلال فإذا صار ذميا حرم
دمه وماله كحرمة دم المسلم ومال المسلم
ثم رأينا من سرق من مال الذمي ما يجب فيه القطع قطع كما يقطع في مال المسلم
فلما كانت العقوبات في انتهاك المال الذي قد حرم بالذمة كالعقوبات في انتهاك المال الذي حرم بالاسلام
كان يجئ في النظر أيضا أن تكون العقوبة في الدم الذي قد حرم بالذمة كالعقوبة في الذي قد حرم بالاسلام
فإن قال قائل فإنا قد رأينا العقوبات الواجبات في انتهاك حرمة الأموال قد فرق بينهما وبين العقوبات
الواجبات في انتهاك حرمة الدم وذلك أنا رأينا العبد يسرق من مال مولاه فلا يقطع ويقتل مولاه فيقتل
ففرق بين ذلك فما تنكرون أيضا أن يكون قد فرق بين ما يجب في انتهاك مال الذمي ودمه
قيل له هذا الذي ذكرت قد زاد ما ذهبنا إليه توكيدا لأنك ذكرت أنهم أجمعوا أن العبد لا يقطع
في مال مولاه وأنه يقتل بمولاه وبعبيد مولاه
فما وصفت من ذلك كما ذكرت فقد خففوا أمر المال ووكدوا أمر الدم فأوجبوا العقوبة في الدم
حيث لم يوجبوها بالمال
فلما ثبت توكيد أمر الدم وتخفيف أمر المال ثم رأينا مال الذمي يجب في انتهاكه على المسلم من العقوبة
195

كما يجب عليه في انتهاك مال المسلم كان دمه أحرى أن يكون عليه في انتهاك حرمته من العقوبة ما يكون عليه
في انتهاك حرمة دم المسلم
وقد أجمعوا أن ذميا لو قتل ذميا ثم أسلم القاتل أنه يقتل بالذمي الذي قتله في حال كفره ولا يبطل
ذلك إسلامه
فلما رأينا الاسلام الطارئ على القتل لا يبطل القتل الذي كان في حال الكفر وكانت الحدود تمامها أحدها
ولا يوجد على حال لا يجب في البدء مع تلك الحال
ألا ترى أن رجلا لو قتل رجلا والمقتول مرتد أنه لا يجب عليه شئ وأنه لو جرحه وهو مسلم ثم ارتد
عياذا بالله فمات لم يقتل
فصارت ردته التي تقدمت الجناية والتي طرأت عليها في درء القتل سواء
فكان كذلك في النظر أن يكون القاتل قبل جنايته وبعد جنايته سواء
ولما كان إسلامه بعد جنايته قبل أن يقتل بها لا يدفع عنه القود كان كذلك إسلامه المتقدم لجنايته
لا يدفع عنه القود
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال
بن سبرة قال قتل رجل من المسلمين رجلا من العباد فذهب أخوه إلى عمر فكتب عمر أن يقتل فجعلوا
يقولون أقتل جبير فيقول حتى يجئ الغيظ قال فكتب عمر أن يودى ولا يقتل
فهذا عمر رضي الله عنه قد رأى أيضا أن يقتل المسلم بالكافر وكتب به إلى عامله بحضرة أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه منهم منكر
فهذا عندنا منهم على المتابعة منهم له على ذلك وكتابه بعد هذا لا يقتل فيحتمل أن يكون ذلك كان
منه على أنه كرة أن يبيحه دمه لما كان من وقوفه عن قتله وجعل ذلك شبهة منعه بها من القتل وجعل له
ما يجعل في القتل العمد الذي تدخله شبهة وهو الدية
وقد قال أهل المدينة إن المسلم إذا قتل الذمي قتل غيلة على ماله أنه يقتل به
فإذا كان هذا عندهم خارجا من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم بكافر
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط من الكفار
أحدا فكما كان لهم أن يخرجوا من الكفار من أريد ماله كان لمخالفيهم أن يخرج أيضا من وجبت ذمته
196

باب القسامة
هل تكون على ساكني الدار الموجود فيها القتيل أو على مالكها
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد سمع بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة
قال وجد عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر
فجاء أخوه عبد الرحمن بن سهل وعماه حويصة ومحيصة ابنا مسعود رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذهب عبد الرحمن ليتكلم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر فتكلم أحد عميه إما حويصة وإما محيصة تكلم الكبير منهما
قال يا رسول الله إنا وجدنا عبد الله بن سهل قتيلا في قليب من قلب خيبر وذكر عداوة يهود لهم
قال أفتبرئك يهود بخمسين يمينا أنهم لم يقتلوه قال قلت وكيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون
قال فيقسم منكم خمسون أنهم قتلوه قالوا كيف نقسم على ما لم نر فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أنه أخبره
أن عبد الله بن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما فقتل عبد الله بن سهل
فبلغ محيصة
فأتى هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن ليتكلم لمكانه
من أخيه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر كبر
197

فتكلم حويصة ومحيصة فذكرا شأن عبد الله بن سهل فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحلفون خمسين يمينا
أو تستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم
قالوا يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا
قالوا يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار
قال مالك قال يحيى بن سعيد فزعم بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وداه من عنده
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سعيد بن عبيد الطائي عن بشير بن يسار أن رجلا من
الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفر من قومه إنطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها فوجدوا
أحدهم قتيلا
فقالوا للذين وجدوه عندهم قتلتم صاحبنا قالوا والله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا
فانطلقوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا نبي الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر الكبر فقال لهم تأتون بالبينة على من قتل قالوا ما لنا بينة
قال أفيحلفون لكم قالوا لا نرضى بأيمان اليهود
فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن
عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد
أصابهم فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قتل وطرح في فقير أو عين
فأتى يهودا فقال أنتم والله قتلتموه فقالوا والله ما قتلناه
فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل
فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة كبر كبر يريد السن
198

فتكلم حويصة قبل ثم تكلم محيصة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب
فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فكتبوا إنا والله ما قتلناه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم قالوا لا
قال أفتحلف لكم يهود قالوا ليسوا بمسلمين
فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار
قال أبو يوسف رحمه الله فقد علمنا أن خيبر كانت للمسلمين لأنهم افتتحوها وكانت اليهود عمالهم فيها
فلما وجد فيها هذا القتيل جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم القسامة فيه على اليهود السكان لا على المالكين
قال فكذلك نقول كل قتيل وجد في دار أو أرض فيها ساكن مستأجر أو مستعير فالقسامة
في ذلك والدية على الساكن لا على ربها المالك
وكان أبو حنيفة ومحمد بن الحسن رحمهما الله يقولان الدية والقسامة في ذلك على المالك لا على الساكن
وكان من حجتهما على أبي يوسف رحمه الله أن ذلك القتيل لم يذكر لنا في هذا الحديث أنه وجد بخيبر
بعد ما افتتحت أو قبل ذلك
فقد يجوز أن يكون أصيب فيها بعد ما افتتحت فيكون ذلك كما قال أبو يوسف رحمه الله
ويجوز أن يكون أصيب في حال ما كانت صلحا بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهلها
فإن كان موجودا في حال ما كانت صلحا قبل أن تفتتح فلا حجة لأبي يوسف رحمه الله في هذا الحديث
وفي حديث أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن ما يدل أنها كانت يومئذ صلحا وذلك أنه فيه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب ولا يقال هذا إلا
لمن كان في أمان وعهد في دار هي صلح بين أهلها وبين المسلمين
وقد بين ذلك سليمان بن بلال في حديثه عن يحيى بن سعيد
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال ثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد
أن عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مسعود بن زيد الأنصاري من بني حارثة خرجا إلى خيبر في زمن
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي يومئذ صلح وأهلها يهود فتفرقا لحاجتهما
فقتل عبد الله بن سهل فوجد في شربه مقتولا فدفنه صاحبه ثم أقبل إلى المدينة
فمشى أخو المقتول عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأن عبد الله
بن سهيل وكيف قتل
199

فزعم بشير بن يسار وهو يحدث عمن أدرك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لهم تحلفون خمسين يمينا
وتستحقون دم قتيلكم أو صاحبكم
فقالوا يا رسول الله ما شهدنا ولا حضرنا
قال أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالوا يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار
فزعم بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقله
فبين لنا هذا الحديث ث أنها كانت في وقت وجود عبد الله بن سهل فيها قتيلا دار صلح ومهادنة فانتفى بذلك
أن يلزم أبا حنيفة ومحمدا شئ مما أحتج به عليهما أبو يوسف رحمة الله عليه من هذا الحديث لان فتح
خيبر إنما كان بعد ذلك
قال أبو يوسف رحمة الله عليه والنظر يد على ما قلنا أيضا
وذلك أنا رأينا الدار المستأجرة والمستعارة في يد مستأجرها ومستعيرها لا في يد ربها
ألا ترى أنهما وربها لو اختلفا في ثوب وجد فيها أن القول فيه قولهما لا قول رب الدار
فكذلك ما وجد فيها من القتلى فهم موجودون فيها وهي في يد مستأجرها ويد مستعيرها لا في يد ربها
فما وجب بذلك من قسامة ودية فهي على من هي في يده لا على من ليست في يده وإن كان ملكها له
فكان من حجة محمد بن الحسن رحمه الله في ذلك أن قال رأيت إجماعهم قد دل على أن القسامة تجب
على المالك لا على الساكن
وذلك أن رجلا وامرأته لو كانت في أيديهما دار يسكنانها وهي للزوج فوجد فيها قتيل كانت القسامة
والدية على عاقلة الزوج خاصة دون عاقلة المرأة
وقد علمنا أن أيديهما عليهما وأن ما وجد فيها من ثياب فليس أحدهما أولى به من الآخر إلا لمعنى ليس
من قبل الملك واليد في شئ
فلو كانت القسامة يحكم بها على من الدار في يده لحكم بها على المرأة والرجل جميعا لان الدار في أيديهما
ولأنهما سكناها
فلما كان ما يجب في ذلك على الزوج خاصة دون المرأة إذ هو المالك لها كانت القسامة والدية في كل
المواضع الموجود فيها القتلى على مالكها لا على ساكنها
200

باب القسامة كيف هي
قال أبو جعفر اختلف الناس في القتيل الموجود في محلة قوم كيف القسامة الواجبة فيه
فقال قوم يحلف المدعي عليهم بالله ما قتلنا فإن أبوا أن يحلفوا استحلف المدعون واستحقوا ما ادعوا
واحتجوا في ذلك بحديث سهل بن أبي حثمة الذي ذكرنا في الباب الذي قبل هذا الباب
وقال آخرون بل يستحلف المدعي عليهم فإذا حلفوا غرموا الدية
وقالوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار أتحلفون وتستحقون إنما كان على النكير منه عليهم كأنه قال
أتدعون وتأخذون
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا بالله ما قتلنا
فقالوا كيف نقبل أيمان قوم كفار فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتحلفون وتستحقون
أي إن اليهود وإن كانوا كفارا فليس عليهم فيما تدعون عليهم غير أيمانهم
وكما لا يقبل منكم وإن كنتم مسلمين أيمانكم فتستحقون بها كذلك لا يجب على اليهود بدعواكم
عليهم غير أيمانهم
والدليل على صحة هذا التأويل ما قد حكم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة أصحابه
فلم ينكره عليه منهم منكر
ومحال أن يكون عند الأنصار من ذلك علم ولا سيما مثل محيصة وقد كان حيا يومئذ وسهل
بن أبي حثمة ولا يخبرونه به ويقولون ليس هكذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا على اليهود
فمما روي عن عمر رضي الله عنه في ذلك ما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال أخبرنا وهب بن جرير
قال ثنا شعبة عن الحكم عن الحارث بن الأزمع أنه قال لعمر أما تدفع أموالنا أيماننا ولا أيماننا عن أموالنا
قال لا وعقله
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا أبو إسحاق عن الحارث بن الأزمع
قال قتل قتيل بين وادعة وحي آخر والقتيل إلى وادعة أقرب
فقال عمر لوادعة يحلف خمسون رجلا منك بالله ما قتلنا ولا نعلم قاتلا ثم أغرموا الدية
فقال له الحارث نحلف وتغرمنا فقال نعم
201

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عثمان بن مطر عن أبي جرير عن الشعبي
عن الحارث الوادعي قال أصابوا قتيلا بين قريتين فكتبوا في ذلك إلى عمر بن الخطاب
فكتب عمر أن قيسوا بين القريتين فأيهما كان إليه أدنى فخذوا خمسين قسامة فيحلفون بالله
ثم غرمهم الدية
قال الحارث فكنت فيمن أقسم ثم غرمنا الدية
فهذه القسامة التي حكم بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد وافق ذلك ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع أنه قال لو يعطى الناس بدعواهم
لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه
فسوى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بين الأموال والدماء وحكم فيها بحكم واحد فجعل اليمين في ذلك كله
على المدعي عليه
فثبت بذلك أن معنى حديث سهل أيضا على ما قد تأولناه عليه
وقد دل على ذلك أيضا ما قد ذكرناه في الباب الذي قبل هذا عن سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار
عن سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاهم بالبينة فلما ذكروا أن لا بينة لهم قال أفيحلفون لكم
فدل ما ذكرنا أن ما كان من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك هو هذا وكان ما زاد عليه مما في حديث يحيى
بن سعيد وأبي ليلى بن عبد الله ليس على الحكم ولكن على المعنى الذي تأولناهما عليه
ثم هذا الزهري قد علم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة
فمما روي عنه في ذلك ما قد حدثنا يونس قال ثنا أيوب بن سويد عن الأوزاعي عن ابن شهاب
عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن أناس من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القسامة كانت في الجاهلية
فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه وقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أناس في قتيل أدعوه على اليهود
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا بشر بن بكر قال ثنا الأوزاعي قال ثنا الزهري قال ثنا أبو سلمة
بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن أناس من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
ثم قال الزهري في القسامة أيضا ما قد حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية الضرير عن ابن
أبي ذئب عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالقسامة على المدعي عليهم
فدل ذلك على أن القسامة على المدعي عليهم لا على المدعين على ما بين الزهري في حديثه هذا
وإنما كان أخذ القسامة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان هذا مما أخذه عنهم
202

وقد وافق ذلك ما رويناه عن عمر رضي الله عنه مما فعله وحكم به بحضرة سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورضي عنهم فلم ينكره عليه منهم منكر
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب ما أصابت البهائم في الليل والنهار
حدثنا يونس قال ثنا أيوب بن سويد عن الأوزاعي عن الزهري عن حرام بن محيصة
عن البراء بن عازب أن ناقة لرجل من الأنصار دخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الحائط
لحفظها بالنهار وعلى أهل المواشي ما أفسدت مواشيهم بالليل
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة
أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا لرجل فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها
بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضمان على أهلها
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا ما أصابت البهائم نهارا فلا ضمان على أحد فيه
وما أصابت ليلا ضمن أرباب تلك البهائم واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا ضمان على أرباب المواشي فيما أصابت مواشيهم في الليل والنهار
إذا كانت منفلتة
واحتجوا في ذلك بما قد حدثنا فهد قال ثنا الحضر بن محمد الحراني قال ثنا عباد بن عباد
قال ثنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السائمة عقلها جبار
والمعدن جبار
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب
وأبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العجماء جبار والمعدن جبار
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال له السائل يا أبا محمد معه أبو سلمة فقال إن كان معه فهو معه
203

حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وعبد الله
بن عبد الله عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
* حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا شجاع بن الوليد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء قال أخبرنا محمد بن عمرو فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا حماد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
* (حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا الحجاج قال ثنا حماد عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة يقول سمعت
أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول فذكر مثله
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا الفريابي قال ثنا سفيان عن ابن ذكوان عن عبد الرحمن الأعرج
عن أبي هريرة يرفعه مثله
قال أبو جعفر فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابت العجماء جبارا والجبار هو الهدر فنسخ ذلك ما تقدم
مما في حديث أبي محيصة وإن كان منقطعا لا يكون بمثله عند المحتج به علينا حجة
وإن كان الأوزاعي قد وصله فإن مالكا والاثبات من أصحاب الزهري قد قطعوه
ومع ذلك فإن الحكم المذكور فيه مأخوذ من حكم سليمان النبي عليه السلام في الحرث إن نفشت فيه الغنم
فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك الحكم حتى أحدث الله له هذه الشريعة فنسخت ما قبلها
فمما دل على هذا الذي رويناه عن جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما أنه كان بعد ما في حديث حرام بن محيصة
من قوله فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل المواشي حفظ مواشيهم بالليل وعلى أهل الزرع حفظ زرعهم بالنهار
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الماشية إذا كان على ربها حفظها مضمونا ما أصابت وإذا لم يكن عليها حفظها غير
مضمون ما أصابت في ذلك ضمان فأوجب في ذلك ضمان ما أصاب المنفلتة بالليل إذ كان على صاحبها حفظها
ثم قال في حديث العجماء جرحها جبار فكان ما أصابت في انفلاتها جبارا فصارت لو هدمت حائطا
أو قتلت رجلا لم يضمن صاحبها شيئا وإن كان عليه حفظها حتى لا تنفلت إذا كانت مما يخاف عليه مثل هذا
204

فلما لم يراع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وجوب حفظها عليه وراعي انفلاتها فلم يضمنه فيها شيئا مما أصابت
رجع الامر في ذلك إلى استواء الليل والنهار
فثبت بذلك أن ما أصابت ليلا أو نهارا إذا كانت منفلتة فلا ضمان على ربها فيه وإن كان هو سببها فأصابت
شيئا في فورها أو في سيبها ضمن ذلك كله
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين وهو أولى ما حملت عليه هذه الآثار
لما ذكرنا وبينا
باب غرة الجنين المحكوم بها فيه لمن هي
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة
أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو وليدة
حدثنا يونس قال أخبرنا شعيب بن الليث عن أبيه عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة
قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة وأن التي قضى عليها
بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة
فقال الذي قضى عليه أنعقل من لا شرب ولا أكل ولا صاح فاستهل فمثل ذلك بطل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا يقول بقول شاعر فيه غرة عبد أو أمة
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن
عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة أن رجلا كانت له امرأتان فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط
أو بحجر فأسقطت
فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الذي يخاصم كيف يعقل أو كيف يودى من لا صاح فاستهل ولا شرب
ولا أكل
205

فقال النبي صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الاعراب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بغرة فجعله على قومها
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الغرة الواجبة في الجنين إنما تجب لام الجنين لان الجنين لم يعلم أنه كان
حيا في وقت وقوع الضربة بأمه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل تلك الغرة المحكوم بها للجنين ثم يرثها من كان يرثه لو كان حيا
وكان من الحجة لهم في ذلك ما قد ذكرناه في هذه الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى على المحكوم عليه
بالغرة قال كيف يعقل من لا أكل ولا شرب ولا نطق
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه غرة عبد أو أمة ولم يقل للذي سجع ذلك السجع إنما حكمت بهذا للجناية
على المرأة لا في الجنين
وقد دل على ذلك أيضا ما رويناه فيما تقدم في هذا الكتاب أن المضروبة ماتت بعد ذلك من الضربة فقضى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالدية مع قضائه بالغرة
فلو كانت الغرة للمرأة المقتولة إذا لما قضى لها بالغرة ولكان حكمها حكم امرأة
ضربتها امرأة فماتت من ضربها فعليها ديتها ولا يجب عليها للضربة أرش
فلما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع دية المرأة بالغرة ثبت بذلك أن الغرة دية للجنين لا لها فهي موروثة عن الجنين
كما يورث ماله لو كان حيا فمات اتباعا لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
كتاب السير
رضي الله عنه
باب الامام يريد قتال أهل الحرب
هل عليه قبل ذلك أن يدعوهم أم لا
حدثنا أبو بشر عبد الملك بن مروان الرقي قال ثنا محمد بن يوسف الفريابي قال ثنا سفيان بن سعيد
الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر رجلا على سرية
قال له إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن أجابوك إليها
فاقبل منهم وكف عنهم أدعهم إلى الاسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم ثم أدعهم إلى التحول
من دارهم إلى دار المسلمين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك أن عليهم ما على المهاجرين ولهم ما لهم فإن هم أبوا
فأخبرهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الفئ والغنيمة
206

شئ إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا أن يدخلوا في الاسلام فسلهم إعطاء الجزية فإن أجابوا
فاقبل منهم وكف عنهم فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
قال علقمة فحدثت به مقاتل بن حيان فقال حدثني مسلم بن هيصم عن النعمان بن مقرن عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان فذكر بإسناده مثله غير أنه لم يذكر حديث
علقمة عن مقاتل عن مسلم بن هيصم
حدثنا فهد أبو صالح ح
وحدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال كل واحد منهما حدثني الليث بن سعد
قال حدثني جرير بن حازم عن شعبة بن الحجاج عن علقمة بن مرثد الحضرمي فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد
الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجه علي بن أبي طالب إلى خيبر وأعطاه الراية فقال علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أقاتلهم
حتى يكونوا مثلنا
قال أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم أدعهم إلى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله
عز وجل فوالله لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن تكون لك حمر النعم
حدثنا محمد بن النعمان السفطي قال ثنا الحميدي قال ثنا سفيان عن عمرو بن ذر عن ابن أخي أنس
بن مالك عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ث علي بن أبي طالب إلى قومهم يقاتلهم ثم بعث في أثره يدعوه وقال له
لا تأته من خلفه وائته من بين يديه
قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أن لا يقاتلهم حتى يدعوهم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى يدعوهم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عيسى بن إبراهيم قال ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا الحجاج
قال ثنا عبد الله بن أبي نجيح فذكر بإسناده مثله
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا
حجاج بن إبراهيم قال ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال ثنا حجاج عن ابن أبي نجيح فذكر بإسناده مثله
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا حفص بن غياث عن حجاج فذكر
بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الامام وأهل السرايا إذا أرادوا قتال العدو دعوهم قبل ذلك إلى مثل
ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة واحتجوا في ذلك بهذه الآثار وقالوا إ قاتلهم الامام أو أحد
من أهل سراياه من غير هذا الدعاء فقد أساءوا في ذلك
207

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بقتالهم والغارة عليهم وإن لم يدعوا قبل ذلك
واحتجوا في ذلك بما حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا يحيى بن حسان قال أخبرنا عيسى بن يونس عن
صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسامة بن زيد قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أغر
على ابني صباحا ثم حرق
حدثنا محمد بن الحجاج قال ثنا خالد بن عبد الرحمن ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج وعبيد الله بن محمد التيمي ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو الوليد ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس
بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير على العدو عند صلاة الصبح فيستمع فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا حماد بن سلمة عن الحجاج عن عمرو بن مرة عن
زاذان عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس عن ابن إسحاق قال حدثني حميد
الطويل عن أنس بن مالك قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك
وإن لم يسمع أذانا أغار
فنزلنا خيبر فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبنا معه فركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاستقبلنا عمال خيبر قد أخرجوا مساحيهم ومكاتلهم فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم والجيش قالوا محمد والخميس
فأدبروا هرابا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين
حدثنا فهد قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس قال ثنا محمد بن إسحاق عن يعقوب
بن عتبة عن مسلم بن عبد الله بن حبيب الجهني عن جندب بن مكيث الجهني قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
غالب بن عبد الله الليثي في سرية كنت فيهم وأمره أن يشن الغارة علي بن الملوح بالكديد
قال فراحت ت الماشية من إبلهم وغنمهم فلما احتلبوا وعطنوا واطمأنوا نياما شننا عليهم الغارة
فقتلنا واستقنا النعم
208

حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أسد قال ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال جاء أبو العالية
إلي وإلى صاحب لي فانطلقنا معه حتى أتينا نصر بن عاصم الليثي فقال أبو العالية حدث هذين حديثك
قال ثنا عقبة بن مالك الليثي قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأغارت على القوم فشد رجل وأتبعه رجل
من السرية ثم ذكر حديثا طويلا أردنا منه ما فيه من ذكر الغارة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة الأكوع
عن أبيه قال لما قربنا من المشركين أمرنا أبو بكر الصديق فشننا عليهم الغارة
ففي هذه الآثار أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغارة والغارة لا تكون وقد تقدمها الدعاء والانذار
فيحتمل أن يكون أحد الامرين مما روينا ناسخا للآخر فنظرنا في ذلك فإذا يزيد بن سنان قد حدثنا
قال ثنا سعيد بن سفيان الجحدري ح
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا بكر بن بكار ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو إسحاق الضرير قالوا أخبرنا عبد الله بن عون قال كتبت إلى نافع
أسأله عن الدعاء قبل القتال
فقال إنما كان ذلك في أول الاسلام أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم على الماء
فقتل مقاتلهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث
وحدثني بهذا الحديث عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش وإذا بن مرزوق قد حدثنا قال ثنا بشر
بن عمر قال ثنا حماد بن زيد عن ابن عون مثله *
وإذا روح بن الفرج قد حدثنا قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا ابن المبارك عن سليمان التيمي عن أبي عثمان
النهدي قال كل ذلك قد كان قد كنا نغزو فندعو ولا ندعو
وإذا محمد بن خزيمة قد حدثنا قال ثنا أبو عمر الضرير قال أخبرنا حماد بن سلمة أن سليمان التيمي أخبرهم
عن أبي عثمان النهدي قال كنا نغزو فندعو ولا ندعو
وإذا بن مرزوق قد حدثنا قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا مبار ك قال كان الحسن يقول ليس على الروم
دعوة لأنهم قد دعوا
وإذا بن مرزوق قد حدثنا قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا محمد بن طلحة عن أبي حمزة قال قلت
لإبراهيم إن ناسا يقولون إن المشركين ينبغي أن يدعوا
فقال قد علمت الروم على ما يقاتلون وقد علمت الديلم على ما يقاتلون
وإذا محمد بن خزيمة قد حدثنا قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري
عن منصور قال سألت إبراهيم عن دعاء الديلم فقال قد علموا ما الدعاء
209

قال أبو جعفر فبين ما روينا من هذا أن الدعاء إنما كان في أول الاسلام لان الناس حينئذ لم تكن
الدعوة بلغتهم ولم يكونوا يعلمون على ما يقاتلون عليه فأمر بالدعاء ليكون ذلك تبليغا لهم وإعلاما لهم
ما يقاتلون عليه ثم أمر بالغارة على آخرين فلم يكن ذلك إلا لمعنى لم يحتاجوا معه إلى الدعاء لأنهم قد علموا
ما يدعون إليه لو دعوا وما لو أجابوا إليه لم يقاتلوا فلا معنى للدعاء
وهكذا كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين يقولون كل قوم قد بلغتهم الدعوة
فأراد الامام قتالهم فله أن يغير عليهم وليس عليه أن يدعوهم وكل قوم لم تبلغهم الدعوة فلا ينبغي قتالهم
حتى يتبين لهم المعنى الذي عليه يقاتلون والمعنى الذي إليه يدعون
وقد تكلم الناس في المرتد عن الاسلام أيستتاب أم لا فقال قوم إن استتاب الامام المرتد فهو
أحسن فإن تاب وإلا قتل
وممن قال ذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
وقال الآخرون لا يستتاب وجعلوا حكمه كحكم الحربيين على ما ذكرنا من بلوغ الدعوة إياهم
ومن تقصيرها عنهم
وقالوا إنما تجب الاستتابة لمن خرج عن الاسلام لا عن بصيرة منه به فأما من خرج منه إلى غيره
على بصيرة فإنه يقتل ولا يستتاب
وهذا قول قال به أبو يوسف في كتاب الاملاء قال أقتله ولا أستتيبه إلا أنه إن بدرني بالتوبة
خليت سبيله ووكلت أمره إلى الله
وقد حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف بذلك أيضا
وقد روي في استتابة المرتد وفي تركها اختلاف عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمن ذلك ما قد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون قال أخبرنا هشيم عن داود بن أبي هند
عن الشعبي قال حدثني أنس بن مالك قال لما فتحنا تستر بعثني أبو موسى إلى عمر فلما قدمت عليه
قال ما فعل حجيبة وأصحابه وكانوا ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين فقتلهم المسلمون
فأخذت به في حديث آخر فقال ما فعل النفر البكريون قلت يا أمير المؤمنين إنهم ارتدوا عن
الاسلام ولحقوا معهم بالمشركين فقتلوا
فقال عمر لان يكون أخذتهم سلما أحب إلي من كذا وكذا
قلت يا أمير المؤمنين ما كان سبيلهم لو أخذتهم سلما إلا القتل قوم ارتدوا عن الاسلام ولحقوا بالمشركين
فقال لو أخذتهم سلما لعرضت عليهم الباب الذي خرجوا منه فإن رجعوا وإلا استودعتهم السجن
210

حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله
بن عتبة قال اخذ بالكوفة رجال يفشون حديث مسيلمة الكذاب فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان
فكتب عثمان أن أعرض عليهم دين الحق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فمن قبلها وتبرأ
من مسيلمة فلا تقتله ومن لزم دين مسيلمة فاقتله فقبلها رجال منهم فتركوا ولزم دين مسيلمة رجال فقتلوا
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري عن أبيه عن جده
قال لما افتتح سعد وأبو موسى تستر أرسل أبو موسى رسولا إلى عمر فذكر حديثا طويلا
قال ثم أقبل عمر على الرسول فقال هل كانت عندكم معربة خبر قال نعم يا أمير المؤمنين أخذنا رجلا
من العرب كفر بعد إسلامه
فقال عمر فما صنعتم به قال قدمناه فضربنا عنقه
فقال عمر أفلا أدخلتموه بيتا ثم طينتم عليه ثم رميتم إليه برغيف ثلاثة أيام لعله أن يتوب أو يراجع
أمر الله اللهم إني لم آمر ولم أشهد ولم أرض إذ بلغني
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ
عن أبيه عن جده أنه قال قدم على عمر رجل من قبل أبي موسى ثم ذكر نحوه
فهذا سعد وأبو موسى رضي الله عنهما لم يستتيباه وأحب عمر أن يستتاب
فقد يحتمل أن يكون ذلك لأنه كان يرجو له التوبة ولم يوجب عليهم بقتلهم شيئا لأنهم فعلوا ما لهم
أن يروه فيفعلوه وإن خالف رأي إمامهم
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان ح
وحدثنا سليمان بن شعيب قال حدثني علي بن معبد قالا ثنا أبو بكر بن عياش قال ثنا عاصم
بن بهدلة قال حدثني أبو وائل قال حدثني بن مغير السعدي قال خرجت أطلب فرسا لي بالسحر
فمررت على مسجد من مساجد بني حنيفة فسمعتهم يشهدون أن مسيلمة رسول الله
قال فرجعت إلى عبد الله بن مسعود فذكرت له أمرهم فبعث الشرط فأخذوهم فجئ بهم إليه
فتابوا ورجعوا عما قالوا وقالوا لا نعود فخلي سبيلهم
وقدم رجلا منهم يقال له عبد الله بن النواحة فضرب عنقه
فقال الناس أخذت قوما في أمر واحد فخليت سبيل بعضهم وقتلت بعضهم
فقال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فجاء بن النواحة ورجل معه يقال له حجر بن وثال وافدين
من عند مسيلمة
211

فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهدان أني رسول الله فقالا أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله فقال لهما
آمنت بالله وبرسوله لو كنت قاتلا وفدا لقتلتكما فلذلك قتلت هذا
فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قد قتل بن النواحة ولم يقبل توبته إذ علم أن هكذا خلقه
يظهر التوبة إذا ظفر به ثم يعود إلى ما كان عليه إذا خلى
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال ثنا صالح بن عمر قال أخبرنا مطرف
عن أبي الجهم عن البراء أن عليا بعثه إلى أهل النهروان فدعاهم ثلاثا
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال ثنا زائدة بن قدامة عن عمر بن قيس الماضري
عن زيد بن وهب قال اقبل علي حتى نزل بذي قار فأرسل عبد الله بن عباس إلى أهل الكوفة فأبطأوا عليه
ثم دعاهم عمار فخرجوا
قال زيد فكنت فيمن خرج معه
قال فكف عن طلحة والزبير وأصحابهم ودعاهم حتى بدءوا فقاتلهم
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا شريك بن عبد الله عن جابر عن الشعبي
أن رجلا كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر فأتي به علي رضي الله عنه فقال ما حملك على ما صنعت قال وجدت
دينهم خيرا من دينكم فقال له ما تقول في عيسى قال هو ربي أو هو رب علي
فقال اقتلوه فقتله الناس
فقال علي بعد ذلك إن كنت لمستتيبه ثلاثا ثم قرأ إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا
ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود الطيالسي قال ثنا سليمان بن معاذ الضبي عن عمار بن أبي معاوية
الدهني عن أبي الطفيل أن قوما ارتدوا وكانوا نصارى فبعث إليهم علي بن أبي طالب معقل بن قيس التيمي
فقال لهم إذا حككت رأسي فاقتلوا المقاتلة واسبوا الذرية فأتى على طائفة منهم فقال ما أنتم فقالوا كنا قوما نصارى فخيرنا بين الاسلام وبين ديننا
فاخترنا الاسلام ثم رأينا أن لا دين أفضل من ديننا الذي كنا عليه فنحن نصارى
فحك رأسه فقتلت المقاتلة وسبيت الذرية
قال عمار فأخبرني أبو شعبة أن عليا أتى بذراريهم فقال من يشتريهم مني فقام مستقلة بن هبيرة
الشيباني فاشتراهم من علي بمائة ألف فأتاه بخمسين ألفا
فقال علي إني لا أقبل المال إلا كاملا فدفن المال فداره وأعتقهم ولحق بمعاوية فنفذ علي عتقهم
212

باب ما يكون الرجل به مسلما
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير عن أبيه قال سمعت النعمان يحدث عن الزهري عن عطاء
بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد بن عمرو قال قلت يا رسول الله أرأيت إن
اختلفت أنا ورجل من المشركين ضربتين فضربني فأبان يدي ثم قال لا إله إلا الله أقتله أم أتركه
قال بل أتركه
قلت وقد أبان يدي قال نعم فإن قتلته فأنت مثله قبل أن يقولها وهو بمنزلتك قبل أن تقتله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا عبد الله بن بكر قال ثنا حاتم بن أبي صغيرة عن النعمان بن عمرو بن أوس
أخبره أن أباه أوسا قال انا لقعود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفة وهو يقص علينا ويذكرنا إذ أتاه رجل
فساره فقال إذهبوا فاقتلوه
فلما ولى الرجل دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما تشهد أن لا إله إلا الله فقال الرجل نعم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذهبوا فخلوا سبيله فإني أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله
ثم يحرم دماؤهم وأموالهم إلا بحقها
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال ثنا سعيد المسيب
أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله
إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله (0
) حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يعلى بن عبيد قال ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر وعن أبي صالح
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يحيى بن سعيد قال ثنا ابن عجلان قال سمعت أبي يحدث عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فقد ذهب قوم إلى أن من قال لا إله إلا الله فقد صار بها مسلما له ما للمسلمين وعليه
ما على المسلمين واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
213

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لهم لا حجة لكم في هذا الحديث لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يقاتل
قوما لا يوحدون الله تعالى فكان أحدهم إذا وحد الله علم بذلك تركه لما قوتل عليه وخروجه منه ولم يعلم
بذلك دخوله في الاسلام أو في بعض الملل التي توحد الله تعالى ويكفر بجحدها وغير ذلك من الوجوه التي يكفر
بها أهلها مع توحيدهم لله
فكان حكم هؤلاء أن لا يقاتلوا إذا وقعت هذا الشبهة حتى تقوم الحجة على من يقاتلهم وجوب قتالهم
فلهذا كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتال من كان يقاتل بقولهم لا إله إلا الله
فأما من سواهم من اليهود فإنا قد رأيناهم يشهد وأن لا إله إلا الله ويجحدون بالنبي صلى الله عليه وسلم
فليسوا بإقرارهم بتوحيد الله مسلمين إن كانوا جاحدين برسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أقروا برسول الله صلى الله عليه وسلم علم
بذلك خروجهم من اليهودية ولم يعلم به دخولهم في الاسلام لأنه قد يجوز أن يكونوا انتحلوا قول من يقول
إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العرب خاصة
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب حين بعثه إلى خيبر وأهلها يهود بما حدثنا يونس قال ثنا ابن
وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم لما دفع الراية إلى علي حين وجهه إلى خيبر قال أمض ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك
فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ يا رسول الله على ماذا أقاتل
قال قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم
وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أباح له قتالهم وإن شهدوا أن لا إله إلا الله حتى
يشهدوا مع ذلك أن محمدا رسول الله لأنهم قوم كانوا يوحدون الله ولا يقرون برسول الله فأمر رسول الله
صلى الله عليه وسلم عليا بقتالهم حتى يعلم خروجهم مما أمر بقتالهم عليه من اليهودية كما أمر بقتال عبدة الأوثان حتى يعلم
خروجهم مما قوتلوا عليه
وليس في إقرار اليهود أيضا بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ما يجب أن يكونوا مسلمين
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بترك قتالهم إذا قالوا ذلك لأنه قد يجوز أن يكونوا أرادوا به الاسلام أو غير الاسلام
فأمر بالكف عن قتالهم حتى يعلم ما أرادوا بذلك كما ذكرنا فيما قد تقدم من حكم مشركي العرب
وقد أتى اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقروا بنبوته ولم يدخلوا في الاسلام فلم يقاتلهم على إبائهم الدخول في الاسلام
إذ لم يكونوا عنده بذلك الاقرار مسلمين
214

حدثنا إبراهيم بن مرزوق وإبراهيم بن أبي داود وأبو أمية وأحمد بن داود وعبد العزيز بن معاوية
قالوا حدثنا أبو الوليد وحدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود ح
وحدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا حجاج بن محمد ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن مرزوق قال ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة
عن صفوان بن عسال أن يهوديا قال لصاحبه تعال نسأل هذا النبي
فقال له الآخر لا تقل له نبي فإنه إن سمعها صارت له أربعة أعين
فأتاه فسأله عن هذه الآية ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات
فقال لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تسحروا
ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرئ إلى سلطان ليقتله ولا تقذفوا المحصنة ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة
اليهود أن لا تعدوا في السبت
قال فقبلوا يده وقالوا نشهد أنك نبي قال فما يمنعكم أن تتبعوني
قالوا إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخشى إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث أن اليهود قد كانوا أقروا بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع توحيدهم لله فلم يقاتلهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقروا بجميع ما يقر به المسلمون
فدل ذلك أنهم لم يكونوا بذلك القول مسلمين وثبت أن الاسلام لا يكون إلا بالمعاني التي تدل على الدخول
في الاسلام وترك سائر الملل
وقد روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يحيى بن أيوب عن حميد الطويل عن أنس بن مالك
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا
شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا حرمت
علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم
قال أبو جعفر فدل ما ذكر في هذا الحديث على المعنى الذي يحرم به دماء الكفار ويصيرون به مسلمين
لان ذلك هو ترك ملل الكفر كلها وجحدها
والمعنى الأول من توحيد الله خاصة هو المعنى الذي نكف به عن القتال حتى نعلم ما أراد به قائله الاسلام
أو غيره حتى تصح هذه الآثار ولا تتضاد
فلا يكون الكافر مسلما محكوما له وعليه بحكم الاسلام حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
ويجحد كل دين سوى الاسلام ويتخلى منه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثنا حسين بن نصر قال ثنا نعيم
215

بن حماد قال ثنا مروان بن معاوية قال ثنا أبو مالك سعد بن طارق بن أشيم عن أبيه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويتركوا ما يعبدون من دون الله فإذا
فعلوا ذلك حرمت علي دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الله بن بكر قال ثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت
يا رسول الله ما آية الاسلام
قال أن تقول أسلمت وجهي لله وتخليت وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتفارق المشركين إلى المسلمين
فلما كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حيدة لما سئل عن آية الاسلام أن تقول أسلمت وجهي لله
وتخليت وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتفارق المشركين إلى المسلمين وكان التخلي هو ترك كل الأديان إلى الله
ثبت بذلك أن كل من لم يتخل مما سوى الاسلام لم يعلم بذلك دخوله في الاسلام
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب بلوغ الصبي بدون الاحتلام
فيكون به في معنى البالغين في سهمان الرجال وفي حل قتله في دار الحرب إن كان حربيا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا محمد بن صالح التمار عن سعد بن إبراهيم
عن عامر بن سعد عن أبيه أن سعد بن معاذ حكم على بني قريظة أن يقتل منهم من جرت عليه الموسى
وأن يقسم أموالهم وذراريهم
فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لقد حكم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات
حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عطية رجل من بني قريظة
أخبره أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جردوه يوم قريظة فلم يروا الموسى جرت على شعره يريد عانته فتركوه
من القتل
حدثنا يونس قال أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي قال كنت غلاما
يوم حكم سعد بن معاذ في بني قريظة أن يقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم فشكوا في فلم يجدوني نابت الشعر
فها أنا بين أظهركم
حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن عطية مثله
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير قال حدثني عطية
القرظي فذكره مثله *
216

(حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن جريج عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن
عطية نحوه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أخبرنا عبد الملك بن عمير قال حدثني
عطية فذكر مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج ح
وحدثنا أحمد بن داود قال ثنا سليمان بن حرب قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي
عن عمارة بن خزيمة عن كثير بن السائب قال حدثني أبناء قريظة أنهم عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة
فمن كان محتلما أو نبتت عانته قتل ومن لم يكن احتلم أو لم تنبت عانته ترك
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا لا يحكم لأحد بالبلوغ إلا بالاحتلام أو بإنبات عانته
ذكروا في ذلك أيضا عمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه ما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب
قال حدثني عمر بن محمد عن نافع عن أسلم مولى عمر قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء
الأجناد أن لا تضربوا الجزية إلا من جرت عليه الموسى
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج قال ثنا حماد قال أخبرنا أيوب وعبيد الله عن نافع
عن أسلم عن عمر مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن أبي حصين عن عبد الله بن عبيد بن عمير
عن أبيه أحسبه قال إن عثمان أتي بغلام قد سرق فقال أنظروا أخضر ميزره فإن كان قد أخضر
فاقطعوه وإن لم يكن أخضر فتقطعوه
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال حدثني حرملة بن عمران التجيبي أن تميم بن فرع الفهري
حدثه أنه كان في الجيش التي فتحوا الإسكندرية في المرة الأخيرة فلم يقسم لي عمرو بن العاص من الفئ شيئا
وقال غلام لم يحتلم حتى كاد يكون بين قومي وبين ناس من قريش في ذلك ثائرة
فقال القوم فيكم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلوهم فسألوا أبو نضرة الغفاري وعقبة بن عامر
الجهني صاحبي النبي صلى الله عليه وسلم فقالا أنظروا فإن كان قد أنبت الشعر فأقسموا له
قال فنظر إلي بعض القوم فإذا أنا قد أنبت فقسم لي
قال أبو جعفر وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا قد يكون البلوغ بهذين المعنيين وبمعنى ثالث وهو أن
يمر على الصبي خمس عشرة سنة فلا يحتلم ولا ينبت فهو أيضا بذلك في حكم البالغين
واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية الضرير عن عبيد الله بن عمرو عن نافع
217

عن ابن عمر قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا بن أربع عشرة سنة فلم يجزني في المقاتلة وعرضت
عليه يوم الخندق وأنا بن خمس عشرة سنة فأجازني في المقاتلة
قال نافع فحدثت عمر بن عبد العزيز بهذا الحديث فقال هذا أشبه للحد بين الذراري والمقاتلة فأمر
أمراء الأجناد أن يفرض لمن كان في أقل من خمس عشرة سنة في الذرية ومن كان في خمس عشرة سنة
في المقاتلة
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أبي عن يعقوب بن إبراهيم أبي يوسف عن عبيد الله فذكر
بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك عن عبيد الله فذكر بإسناده مثله
ولم يذكر ما فيه من قول نافع فحدثت بذلك عمر بن عبد العزيز إلى آخر الحديث
قالوا فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بن عمر لخمس عشرة سنة ورده لما دونها ثبت بذلك أن حكم
بن خمس عشرة سنة حكم البالغين في أحكامه كلها وأن حكم من كان سنه دونها حكم غير البالغين في أحكامه
كلها إلا من ظهر بلوغه قبل ذلك لمعنى من المعنيين الأولين
قالوا وقد شد هذا المعنى أخذ عمر بن عبد العزيز به وتأويله ذلك الحديث عليه
وهذا قول أبي يوسف وجماعة من أصحابنا غير أن محمد بن الحسن كان لا يرى الانبات دليلا على البلوغ
وغير أبي حنيفة فإنه كان لا يرى من مرت عليه خمس عشرة سنة ولم يحتلم ولم ينبت في معنى المحتلمين
حتى يأتي عليه تسع عشرة سنة فيما حدثني سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد بن الحسن
وقد روي عنه أيضا خلاف ذلك
حدثنا أحمد بن أبي عمران قال ثنا محمد بن سماعه قال سمعت أبي يوسف يقول قال أبو حنيفة إذا
أتت عليه ثماني عشرة سنة فقد صار بذلك في أحكام الرجال
ولم يختلفوا عنه جميعا في هاتين الروايتين في الجارية أنها إذا مر ت عليها سبع عشرة سنة أنها تكون بذلك
كالتي حاضت
وكان أبو يوسف رحمة الله عليه يجعل الغلام والجارية سواء في مرور الخمس عشرة سنة عليهما ويجعلهما
بذلك في حكم البالغين
وكان محمد بن الحسن رحمة الله عليه يذهب في الغلام إلى قول أبي يوسف ف رحمه الله وفي الجارية إلى قول
أبي حنيفة رحمة الله عليه
وكان من الحجة لأبي حنيفة على أبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم في حديث بن عمر أنه قد يجوز
218

أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رده وهو بن أربع عشرة سنة ليس لأنه غير بالغ ولكن لما رأى من ضعفه
وأجازه وهو بن خمس عشرة سنة ليس لأنه بالغ لكن لما رأى من جلده وقوته
وقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علم كم سنه في الحالين جميعا
وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في سمرة بن جندب ما يدل على هذا أيضا
حدثنا أحمد بن مسعود الخياط قال ثنا محمد بن عيسى الطباع قال ثنا هشيم عن عبد الحميد بن جعفر
عن أبيه عن سمرة بن جند بأن أمه كانت امرأة جميلة من بني فزارة فذهبت به إلى المدينة وهو صبي وكثر خطابها
فجعلت تقول لا أتزوج إلا من يكفل لي بابني هذا فتزوجها رجل على ذلك
فلما فرض النبي صلى الله عليه وسلم لغلمان الأنصار ولم يفرض له كأنه استضعفه فقال يا رسول الله قد فرضت لصبي
ولم تفرض لي أنا أصرعه قال صارعه فصرعته ففرض له النبي صلى الله عليه وسلم
فلما أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم سمرة بن جندب لما صارع الأنصاري فصرعه لا لأنه قد بلغ احتمل أن يكون
كذلك أيضا ما فعل في بن عمر رضي الله عنهما أجازه حين أجازه لقوته لا لبلوغه ورده حين رده لضعفه
لا لعدم بلوغه
فانتفى بما ذكرنا أن يكون في ذلك الحديث حجة لأبي يوسف رحمة الله عليه لاحتماله ما ذهب إليه أبو حنيفة
لان أبا حنيفة رحمة الله عليه لا ينكر أن يفرض للصبيان إذا كانوا يحتملون القتال ويحضرون الحرب
وإن كانوا غير بالغين
وقد روي عن البراء بن عازب رضي الله عنه فيما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر بن عمر خلاف ما روى
عن ابن عمر رضي الله عنهما
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن إدريس عن مطرف عن
أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم انا وابن عمر يوم بدر فاستصغرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم أجازنا يوم أحد
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز بن عمر يوم أحد وهو يومئذ بن أربع عشرة سنة
فخالف ذلك ما روينا في حديث بن عمر رضي الله عنهما
فلما انتفى أن يكون في ذلك الحديث حجة لأحد الفريقين على الفريق الآخر التمسنا حكم ذلك من طريق
النظر لنستخرج من القولين الذين ذهب أبو حنيفة إلى أحدهما وأبو يوسف إلى الآخر منهما قولا صحيحا
فاعتبرنا ذلك فرأينا الله قد جعل عدة المرأة إذا كانت ممن تحيض ثلاثة قروء وجعل عدتها إذا كانت
ممن لا تحيض من صغر أو كبر ثلاثة أشهر فجعل بدلا من حيضة شهرا وقد تكون المرأة تحيض في أول
الشهر وفي آخره فيجتمع لها في شهر واحد حيضتان وقد يكون بين حيضتيها شهران والأكثر
فجعل الخلف في الحيضة على أغلب أمور النساء لان أكثرهن تحيض في كل شهر حيضة واحدة
219

فلما كان ذلك كذلك ورأينا الاحتلام يجب به للصبي حكم البالغين فإذا عدم الاحتلام وأجمع أن هناك
خلفا منه فقال قوم هو بلوغ خمس عشرة سنة وقال آخرون بل هو أكثر من ذلك من السنين جعل ذلك
الخلف على أغلب ما يكون فيه الاحتلام فهو خمس عشرة سنة لان أكثر الاحتلام احتلام الصبيان وحيض
النساء في هذا المقدار يكون ولا يجعل على أقل من ذلك ولا على أكثر لان ذلك إنما يكون في الخاص
ولا نعتبر حكم الخاص في ذلك ولكن نعتبر أمر العام كما لم نعتبر أمر الخاص فيما جعل خلفا في الحيض
وأعتبر أمر العام
فثبت بالنظر الصحيح في هذا الباب كله ما ذهب إليه أبو يوسف رحمة الله عليه بالنظر لا بالأثر وانتفى
ما ذهب إليه أبو حنيفة ومحمد رحمة الله عليهما
وقد روي عن سعيد بن جبير رحمة الله عليه في هذا نحو من قول أبي حنيفة رحمة الله عليه الذي رواه
أبو يوسف عنه
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال ثنا عبد الله بن لهيعة عن عطاء بن دينار
عن سعيد بن جبير قال ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده
أي ثماني عشرة سنة ومثلها في سورة بني إسرائيل
با ب ما ينهى عن قتله من النساء والولدان في دار الحرب
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا همام عن قتادة عن عكرمة قال كتب نجدة إلى بن
عباس يسأله عن قتل الولدان
فكتب إليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقتلهم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا أبي قال سمعت قيسا يحدث عن يزيد بن هرمز قال كتب
نجدة إلى بن عباس يسأله هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقتل من صبيان المشركين أحدا
فكتب إليه بن عباس وأنا حاضر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقتل منهم أحدا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر الزهراني قال ثنا إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن حصين
عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال لا تقتلوا الولدان
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا محمد بن بشر العبدي قال ثنا عبيد الله قال
ثنا نافع عن ابن عمر قال وجدت امرأة مقتولة في بعض المغازي فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا مالك عن نافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ولم
يذكر بن عمر
220

حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا جويرية عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم قال ثنا مالك بن أنس وغيره عن نافع
عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل النساء والصبيان
حدثنا يونس قال ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال أخبرني بن كعب بن مالك عن عمه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والولدان حين بعث إلى بن أبي الحقيق
حدثنا محمد بن عبد الله قال ثنا الوليد قال ثنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن
مالك عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الذين قتلوا بن أبي الحقيق حين خرجوا إليه عن قتل
الولدان والنسوان
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا اصبغ بن الفرج قال ثنا علي بن عابس عن أبان بن ثعلب عن علقمة
بن مرثد عن أبي بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية قال لهم لا تقتلوا وليدا ولا امرأة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة ح
وحدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا الفريابي قال ثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة
عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشا كان مما يوصيهم به أن لا تقتلوا وليدا
قال أبو بشر الرقي حديثه قال علقمة فحدثت به مقاتل بن حيان فقال حدثني مسلم بن هشيم عن
النعمان بن مقرن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح ح
وحدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قالا ثنا الليث قال ثنا جرير بن حازم عن
شعبة بن الحجاج عن علقمة بن مرثد الحضرمي عن سليمان بن بريدة الأسلمي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
إذا بعث أميرا على جيش أو سرية كان مما يوصيه به أن لا تقتلوا وليدا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا أبو الوليد قال ثنا قيس بن الربيع قال حدثني عمير بن عبد الله
عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان
قال هما لمن غلب
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم قال ثنا المغيرة بن عبد الرحمن القرشي عن
أبي الزناد قال حدثني المرقع بن صيفي عن جده رباح بن حنظلة الكاتب أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
غزاة غزاها وخالد بن الوليد على مقدمته حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته فأفرجوا عن امرأة ينظرون إليها
مقتولة فبعث إلى خالد بن الوليد ينهاه عن قتل النساء والولدان
221

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا المغيرة عن أبي الزناد قال أخبرني المرقع بن
صيفي عن جده رباح بن ربيع أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله غير أنه قال لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا *
(حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا المغيرة فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك عن سفيان عن عبد الله بن ذكوان
عن المرقع بن صيفي عن حنظلة الكاتب قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بامرأة لها خلق وقد اجتمعوا عليها
فلما جاء أفرجوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت هذه تقاتل
ثم اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا أن لا تقتل امرأة ولا عسيفا
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا الفريابي قال ثنا سفيان فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أنه لا يجوز قتل النساء والولدان في دار الحرب على حال وأنه لا يحل أن يقصد
إلى قتل غيرهم إذا كان لا يؤمن في ذلك تلفهم
من ذلك أن أهل الحرب إذا تترسوا بصبيانهم فكان المسلمون لا يستطيعون رميهم إلا بإصابة صبيانهم
فحرام عليهم رميهم في قول هؤلاء
وكذلك إن تحصنوا بحصن وجعلوا فيه الولدان فحرام علينا رمي ذلك الحصن عليهم إذا كنا نخاف من
ذلك إصابة صبيانهم ونسائهم واحتجوا بالآثار التي رويناها في صدر هذا الباب
ووافقهم آخرون على صحة هذه الآثار وعلى تواترها وقالوا وقع النهي في ذلك إلى القصد إلى قتل النساء
والولدان
فأما على طلب قتل غيرهم ممن لا يوصل إلى ذلك منه إلا بتلف صبيانهم ونسائهم فلا بأس بذلك
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن
عباس عن الصعب بن جثامة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار من المشركين يبيتون ليلا فيصاب
من نسائهم وصبيانهم فقال هم منهم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله
عنهما عن الصعب بن جثامة قال قيل يا رسول الله أوطأت خيلنا أولادا من المشركين
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم من آبائهم
حدثنا أبو أمية قال ثنا شريح بن النعمان قال ثنا ابن أبي الزناد عن
عبد الرحمن بن الحارث عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة
قال قلنا يا رسول الله الدار من دور المشركين نفتحها في الغارة فنصيب الولدان تحت بطون الخيل ولا نشعر
فقال إنهم منهم
222

قال أبو جعفر فلما لما ينههم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغارة وقد كانوا يصيبون فيها الولدان والنساء الذين يحرم
القصد إلى قتلهم دل ذلك أن ما أباح في هذه الآثار لمعنى غير المعنى الذي من أجله حظر ما حظر في الآثار الأول
وأن ما حظر في الآثار الأول هو القصد إلى قتل النساء والولدان والذي أباح هو القصد إلى المشركين وإن كان
في ذلك تلف غيرهم ممن لا يحل القصد إلى تلفه حتى تصح هذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتضاد
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغارة على العدو وأغار على الآخرين في آثار عدد قد ذكرناها في باب الدعاء
قبل القتال ولم يمنعه من ذلك ما يحيط به علمنا أنه قد كان يعلم أنه لا يؤمن من تلف الولدان والنساء في ذلك
ولكنه أباح ذلك لهم لان قصدهم كان إلى غير تلفهم
فهذا يوافق المعنى الذي ذكر ت مما في حديث الصعب والنظر يدل على ذلك أيضا
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي عض ذراعه رجل فانتزع ذراعه فسقطت ثنيتا العاض أنه أبطل
ذلك وتواترت عنه الآثار في ذلك
فمنها ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن أبي إسحاق عن عطاء بن أبي رباح عن
صفوان بن عبد الله بن صفوان عن عميه سلمة بن أمية ويعلى بن أمية قال أخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في غزوة
تبوك ومعنا صاحب لنا فقاتل رجلا من المسلمين فعض الرجل ذراعه فجبذها من فيه فنزع ثنيته
فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس العقل فقال ينطلق أحدكم إلى أخيه فيضعه عضيض الفحل ثم يأتي يطلب
العقل لا عقل لهما فأبطلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن صفوان
بن يعلى بن أمية حدثه عن يعلى بن أمية قال كان لي أجير فقاتل إنسانا فعض أحدهما صاحبه فانتزع إصبعه
فسقطت ثنيتاه
فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته
قال عطاء حسبت أن صفوان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيدع يده في فيك فتقضمها كقضم الجمل
حدثنا ابن مرزوق قال حدثني أبو عامر العقدي قال ثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن يعلى
بن أمي فذكر نحوه إلا أنه قال كقضم البكر
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حبان قال ثنا أبان بن يزيد قال ثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن
عمران بن حصين أن رجلا عض ذراع رجل فانتزع ذراعه فسقطت ثنيتا الذي عضه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أردت أن تقضم يد أخيك كما يقضم الفحل فأبطلها
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء قال أخبرنا شعبة عن قتادة فذكر بإسناده مثله
223

قال أبو جعفر فلما كان المعضوض نزع يده وإن كان في ذلك تلف ثنايا غيره وكان حراما عليه القصد
إلى نزع ثنايا غيره بغير إخراج يده من فيه ولم يكن القصد في ذلك إلى غير التلف كالقصد إلى التلف في الاثم
ولا في وجوب العقل كان كذلك كل من له أخذ شئ وفي أخذه إياه تلف غيره مما يحرم عليه القصد إلى تلفه
كان له القصد إلى أخذ ماله أخذه من ذلك وإن كان فيه تلف ما يحرم عليه القصد إلى تلفه
فكذلك العدو قد جعل لنا قتالهم وحرم علينا قتل نسائهم وولدانهم
فحرام علينا القصد إلى ما نهينا عن من ذلك وحلال لنا القصد إلى ما أبيح لنا وإن كان فيه تلف ما قد حرم
علينا من غيرهم ولا ضمان علينا في ذلك وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب الشيخ الكبير هل يقتل في دار الحرب أم لا
حدثنا فهد قال ثنا أبو كريب قال ثنا أبو أسامة عن يزيد بن عبد الله بن أبي بردة
عن أبي بردة عن أبي موسى قال لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين بعث أبا عامر على جيش إلى أوطاس فلقي دريد
بن الصمة فقتل دريد وهزم الله أصحابه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فقالوا لا بأس بقتل الشيخ الكبير في الحرب
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وبان دريدا قد كان حينئذ في حال من لا يقاتل
ورووا في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا يوسف بن بهلول قال عبد الله بن إدريس قال ثنا محمد
بن إسحاق قال وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أوطاس فأدرك دريد بن الصمة ربيع بن رفيع فأخذ بخطام جمله
وهو يظن أنه امرأة فإذا هو شيخ كبير قال ماذا تريد مني قال أقتلك ثم ضربه بسيفه
قال فلم يغن شيئا
قال بئسما سلحتك أمك خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي ثم أضرب وارفع عن العظام وارفع عن الدماغ
فإني كذلك كنت أقتل الرجال
قالوا فلما قتل دريد وهو شيخ كبير فان لا يدفع عن نفسه فلم يعب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم دل ذلك
أن الشيخ الفاني يقتل في دار الحرب وأن حكمه في ذلك حكم الشبان لا حكم النسوان
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا ينبغي قتل الشيوخ في دار الحرب وهم في ذلك كالنساء والذرية
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا اصبغ بن الفرج قال ثنا علي بن عابس عن أبان
بن ثعلب ب عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية يقول
لا تقتلوا شيخا كبيرا
224

ففي هذا الحديث المنع من قتل الشيوخ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا في حديث مرقع بن صيفي في المرأة
المقتولة ما كانت هذه تقاتل
فدل ذلك أن من أبيح قتله هو الذي يقاتل ولكن لما روى حديث دريد هذا وهذه الأحاديث الاخر وجب
أن تصحح ولا يدفع بعضها ببعض
فالنهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الشيوخ في دار الحرب ثابت في الشيوخ الذين لا معونة لهم على شئ
من أمر الحرب من قتال ولا رأي
وحديث دريد على الشيوخ الذين لهم معونة في الحرب كما كان لدريد فلا بأس بقتلهم وإن لم يكونوا يقاتلون
لان تلك المعونة التي تكون منهم أشد من كثير من القتال ولعل القتال لا يلتئم لمن يقاتل إلا بها فإذا كان
ذلك كذلك قتلوا
والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رباح أخي حنظلة في المرأة المقتولة ما كانت هذه تقاتل
أي فلا تقتل فإنها لا تقاتل فإذا قاتلت قتلت وارتفعت العلة التي لها منع من قتلها
وفي قتلهم دريد بن الصمة للعلة التي ذكرنا دليل على أنه لا بأس بقتل المرأة إذا كانت أيضا ذات تدبير
في الحرب كالشيخ الكبير ذي الرأي في أمور الحرب
فهذا الذي ذكرنا هو الذي يوجبه تصحيح معاني هذه الآثار
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أصحاب الصوامع
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي عن
داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيوشه قال لا تقتلوا
أصحاب الصوامع
فلما جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك قتل أصحاب الصوامع الذين حبسوا أنفسهم عن الناس
وانقطعوا عنهم وأمن المسلمون من ناحيتهم دل ذلك أيضا على أن كل من أمن المسلمون من ناحيته من امرأة
أو شيخ فان أو صبي كذلك أيضا لا يقتلون
فهذا وجه هذا الباب وهذا قول محمد بن الحسن وهو قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمة الله
عليهم أجمعين
باب الرجل يقتل قتيلا في دار الحرب هل يكون له سلبه أم لا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال ثنا يوسف بن الماجشون قال ثنا صالح
بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل السلب للقاتل
225

حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور قال ثنا الهيثم بن جميل عن شريك عن عبد الكريم عن
عكرمة عن ابن عباس قال انتدب رجل من المشركين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الزبير فخرج إليه فقتله فجعل له
النبي صلى الله عليه وسلم سلبه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو السكسكي
عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن خالد بن الوليد وعوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى
بالسلب للقاتل
(0) حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا الوليد بن مسلم قال ثنا صفوان بن عمرو قال حدثني
عبد الرحمن بن جبير بن نفيل عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال قلت لخالد بن الوليد يوم موته
ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب قال بلى
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن كثير بن أفلح عن
أبي محمد عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم نفل أبا قتادة سلب قتيل قتله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن كثير بن أفلح
عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة بن ربعي أنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين
فلما التقينا كانت للمسلمين جولة
قال فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته
السيف على حبل عاتقه ضربة حتى قطعت حبل الدرع فأقبل علي فضمني ضمة حتى وجدت منها ريح الموت
ثم أدركه الموت فأرسلني
فلقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقلت ما بال الناس فقال أمر الله ثم إن الناس رجعوا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه
قال فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال ذلك الثانية ثم قال ذلك الثالثة فقمت
فقال رسول صلى الله عليه وسلم ما بالك يا أبا قتادة فقصصت عليه القصة
فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله وسلب ذلك القتيل عندي فأرضه مني يا رسول الله
فقال أبو بكر الصديق لا هاء الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله
فيعطيك سلبه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق فأعطه إياه
فقال أبو قتادة فأعطانيه فبعث الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الاسلام
226

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف قال ثنا المبارك عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر
عن الأعرج عن أبي قتادة أنه قتل رجلا من المشركين فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه ودرعه فباعه بخمس أواق
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا أبو داود عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله
بن أبي طلحة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين من قتل قتيلا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ
عشرين رجلا فأخذ أسلابهم
حدثنا يزيد بن منان قال ثنا عمر بن يونس قال ثنا عكرمة بن عمار قال حدثني إياس بن سلمة
قال حدثني سلمة بن الأكوع قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن فقتلت رجلا منهم ثم جئت بجمله
أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال من قتل الرجل فقالوا
بن الأكوع فقال له سلبه أجمع
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا أبو عميس عن ابن الأكوع عن أبيه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
عين من المشركين وهو فسفر فجلس يتحدث عند أصحابه ثم أنسل فقال نبي الله اطلبوه فاقتلوه
فسبقتهم إليه فقتلته وأخذت سلبه فنفلني إياه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن كل من قتل قتيلا في دار الحرب فله سلبه واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يكون السلب للقاتل إلا أن يكون الإمام قال من قتل
قتيلا فله سلبه
فإن كان قال ذلك ليحرض الناس على القتال في وقت يحتاج فيه إلى تحريضهم على ذلك فهو كما قال
وإن لم يقل من ذلك شيئا فمن قتل قتيلا فسلبه غنيمة وحكمه حكم الغنائم
وكان من الحجة لهم فيما احتج به عليهم أهل المقالة الأولى من الآثار التي رويناها أ قول خالد بن الوليد
وعوف بن مالك قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلب للقاتل فقد يجوز أن يكون ذلك لقول كان تقدم منه قبل ذلك
جعل به سلب كل مقتول لمن قتله وكذلك ما ذكر فيه من هذه الآثار جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم السلب للقاتل فقد
يجوز أن يكون لهذا المعنى أيضا
ومما يدل على أن السلب لا يجب للقاتل ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري
قال ثنا يوسف بن ماجشون قال حدثني صالح بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف قال إني
لقائم يوم بدر بين غلامين حديثة أسنانهما تمنيت لو أني بين أضلع منهما
فغمزني أحدهما فقال يا عم أتعرف أبا جهل فقلت ما حاجتك إليه يا بن أخي قال أخبرت أنه يسب
رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا فعجبت لذلك
فغمزني الآخر فقال مثلها
227

فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يترجل في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكم الذي تسألان عنه
فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه
ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته
فقال أمسحتما سيفيكما قالا لا قال فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ
بن عمرو بن الجموح
والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح والآخر معاذ بن عفراء
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لهما في هذا الحديث أنتما قتلتماه ثم قضى بالسلب لأحدهما دون الآخر
ففي هذا دليل أن السلب لو كان واجبا للقاتل بقتله إياه لكان قد وجب سلبه لهما ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم
ينتزعه من أحدهما فيدفعه إلى الآخر
ألا ترى أن الامام لو قال من قتل قتيلا فله سلبه فقتل رجلان قتيلا أن سلبه لهما نصفين وأنه ليس
للامام أن يحرمه أحدهما ويدفعه إلى الآخر لان كل واحد منهما له فيه من الحق مثل ما لصاحبه وهما
أولى به من الامام
فلما كان للنبي صلى الله عليه وسلم في سلب أبي جهل أن يجعله لأحد قاتليه دون الآخر دل ذلك أنه كان أولى به منهما
لأنه لم يكن قال يومئذ من قتل قتيلا فله سلبه
وقد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرني بن أبي الزناد قال ثنا عبد الرحمن
بن الحارث عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت
رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقي العدو فلما هزمهم الله تعالى أتبعتهم طائفة
من المسلمين يقتلونهم وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم واستولت طائفة بالعسكر والنهب
فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا لنا النفل نحن طلبنا العدو وبنا نفاهم الله وهزمهم
وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأحق منا بل هو لنا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينال
منه العدو غرة
وقال الذين استولوا على العسكر والنهب والله ما أنتم بأحق به منا نحن حويناه واستوليناه
فأنزل الله تبارك وتعالى * (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول إلى قوله
إن كنتم مؤمنين فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم عن فواق
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفضل في ذلك الذين تولوا القتل على الآخرين
فثبت بذلك أن سلب المقتول لا يجب للقاتل بقتله صاحبه إلا بجعل الامام إياه له على ما فيه صلاح المسلمين
من التحريض على قتال عدوهم
228

وقد حدثنا فهد قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا حماد بن سلمة عن بديل بن ميسرة العقيلي عن
عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى فقلت يا رسول الله لمن المغنم
قال لله سهم ولهؤلاء أربعة أسهم فقلت فهل أحد أحق بشئ من المغنم من أحد
قال لا حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس هو بأحق به من أخيه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن المبارك عن خالد الحذاء عن عبد الله
بن شقيق عن رجل من بلقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الغنيمة خمسا منها لله تعالى وأربعة أخماس لأصحابه
وبين في ذلك فقال حتى لو أن أحدكم رمي بسهم في جنبه فنزعه لم يكن أحق به من أخيه
فدل ذلك أن كل ما تولاه الرجل في القتال وكل ما تولى غيره ممن هو حاضر القتال أنهما فيه سواء
فإن قال قائل إن الذي ذكرتموه من سلب أبي جهل ومما ذكرتموه في حديث عبادة إنما كان ذلك
في يوم بدر قبل أن يجعل الأسلاب للقاتلين ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين الأسلاب للقاتلين
فقال من قتل قتيلا فله سلبه فنسخ ذلك ما تقدمه
قيل له ما دل ما ذكرت على نسخ شئ مما تقدمه لان ذلك القول الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين
قد يجوز أن يكون أراد به من قتل قتيلا في تلك الحرب لا غير ذلك كما قال يوم فتح مكة من ألقى سلاحه
فهو آمن فلم يكن ذلك على كل من ألقى سلاحه في غير تلك الحرب
ولما ثبت أن حكم ما كان قبل حنين أن الأسلاب لا تجب للقاتلين ثم حدث في يوم حنين هذا القول
من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أن يكون ناسخا لما تقدم واحتمل أن لا يكون ناسخا له لم نجعله ناسخا له
حتى نعلم ذلك يقينا
ومما قد دل أيضا على أن ذلك القول ليس بناسخ لما كان قبله من الحكم أن يونس حدثنا قال ثنا سفيان
عن أيوب عن ابن سيرين عن أنس بن مالك أن البراء بن مالك أخا أنس بن مالك بارز مرزبان
الضرارة فطعنه طعنة فكسر القربوس وخلصت إليه فقتله فقوم سلبه ثلاثين ألفا فلما صلينا
الصبح غدا علينا عمر فقال لأبي طلحة إنا كنا لا نخمس الأسلاب وإن سلب البراء قد بلغ مالا ولا أرانا
إلا خامسيه فقومناه ثلاثين ألفا فدفعنا إلى عمر رضي الله عنه ستة آلاف
فهذا عمر رضي الله عنه يقول إنا كنا لا نخمس الأسلاب ثم خمس سلب البراء
فدل ذلك أنهم كانوا لا يخمسون ولهم أن يخمسوا وأن الأسلاب لا يجب للقاتلين دون أهل العسكر
229

وقد حضر عمر رضي الله عنه ما كان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من قتل قتيلا فله سلبه
فلم يكن ذلك عنده على كل من قتل قتيلا في تلك الحرب خاصة
وقد كان أبو طلحة حضر ذلك أيضا بحنين وقضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسلاب القتلى الذين قتلهم
فلم يكن ذلك عنده موجبا بخلاف ما أراد عمر رضي الله عنه في سلب المرزبان
وقد كان أنس بن مالك رضي الله عنه حاضرا ذلك أيضا من رسول الله بحنين ومن عمر في يوم البراء
فكان ذلك عنده على ما رأى عمر على خلاف ذلك
فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لم يجعلوا قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين من قتل قتيلا فله
سلبه على النسخ للحكم المتقدم لذلك في يوم بدر
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا يحيى بن حمزة قال حدثني عبد الرحمن
بن ثابت بن ثوبان أن أباه أخبره أنه سأل مكحولا أيخمس السلب
فقال حدثني أنس بن مالك أن البراء بن مالك بارز رجلا من عظماء فارس فقتله فأخذ البراء سلبه
فكتب فيه إلى عمر
فكتب عمر إلى الأمير أن أقبض إليك خمسه وأدفع إليه ما بقي فقبض الأمير خمسه
فهذا مكحول قد ذهب أيضا في الأسلاب إلى ما ذكرنا
وقد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد قال سمعت
رجلا يسأل بن عباس عن الأنفال
فقال بن عباس الفرس من النفل ثم عاد لمسألته فقال بن عبا س ذلك
أيضا ثم قال الرجل الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي قال القاسم فلم يزل يحاله حتى كاد يخرجه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا مالك عن الزهري عن القاسم بن محمد أن رجلا سأل
بن عباس عن الأنفال فقال السلب والفرس من الأنفال
حدثنا يونس وربيع المؤذن قالا ثنا بشر بن بكر قال حدثني الأوزاعي قال أخبرني الزهري عن
القاسم بن محمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت جالسا عنده فأقبل رجل من أهل العراق فسأله عن
السلب فقال السلب من النفل وفي النفل الخمس
فهذا بن عباس رضي الله عنهما قد جعل في السلب الخمس وجعله من الأنفال وقد كان علم
من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد ذكرناه في أول هذا الباب من تسليمه إلى الزبير سلب القتيل الذي كان قتله
فدل ذلك أن ما تقدم مرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر لم يكن عند بن عباس رضي الله عنهما منسوخا
وأن ما قضى به من سلب القتيل الذي قتله الزبير إنما كان يقول كان قد تقدم منه أو لمعنى غير ذلك
230

فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار
وأما وجه النظر في ذلك فإنا قد رأينا الامام لو بعث سرية وهو في دار الحرب وتخلف هو وسائر
العسكر عن المضي معها فغنمت تلك السرية غنيمة كانت تلك الغنيمة بينهم وبين سائر أهل العسكر وإن لم
يكونوا تولوا معهم قتالا ولا تكون هذه السرية أولى بما غنمت من سائر أهل العسكر وإن كانت قاتلت
حتى كان عن قتالها ما غنمت
ولو كان الامام نفل تلك السرية لما بعثها الخمس مما غنمت كان ذلك لها على ما نفلها إياه الامام وكان
ما بقي مما غنمت بينها وبين سائر أهل العسكر
فكانت السرية المبعوثة لا تستحق مما غنمت دون سائر أهل العسكر إلا ما خصها به الامام دونهم
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك كل من كان من أهل العسكر في دار الحرب لا يستحق أحد منهم شيئا
مما تولى أخذه من أسلاب القتلى وغيرها إلا كما يستحق منه سائر أهل العسكر إلا أن يكون الامام نفله من
ذلك شيئا فيكون ذلك له بتنفيل الامام لا بغير ذلك
فهذا هو النظر في هذا الباب أيضا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي قال ثنا دحيم قال ثنا الوليد بن مسلم قال ثنا صفوان
عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف
قال الوليد وحدثني ثور عن خالد بن معدان عن جبير عن عوف وهو بن مالك أن مدديا رافقهم
في غزوة مؤتة وأن روميا كان يشد على المسلمين ويقري بهم فتلطف له ذلك المددي فقعد له تحت صخرة
فلما مر به عرقب فرسه وخر الرومي لقفاه فعلاه بالسيف فقتله فأقبل بفرسه وسيفه وسرجه ولجامه
ومنطقته وسلاحه كل ذلك مذهب بالذهب والجوهر إلى خالد بن الوليد فأخذ منه خالد طائفة ونفله بقيته
فقلت يا خالد ما هذا أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل القاتل السلب كله
قال بلى ولكني استكثرته فقلت إني والله لأعرفنكما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال عوف فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته خبره فدعاه وأمره أن يدفع إلى المددي بقية سلبه فولى
خالد ليدفع سلبه
فقلت كيف رأيت يا خالد أو لم أف لك بما وعدتك فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا خالد لا تعطه
فأقبل علي فقال هل أنتم تاركوا أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أمر خالدا بدفع بقية السلب إلى المددي فلما تكلم عوف بما تكلم به
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا أن لا يدفعه إليه
231

فدل ذلك أن السلب لم يكن واجبا للمددي بقتله الذي كان ذلك السلب عليه لأنه لو كان واجبا له بذلك
إذا لما منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام كان من غيره
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالدا بدفعه إليه وله دفعه إليه وأمره بعد ذلك بمنعه منه وله منعه منه
كقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأبي طلحة في حديث البراء بن مالك الذي قد ذكرناه فيما تقدم من
هذا الباب إنا كنا لا نخمس الأسلاب وإن سلب البراء قد بلغ مالا عظيما ولا أرانا إلا خامسيه قال فخمسه
فأخبر عمر أنهم كانوا لا يخمسون الأسلاب ولهم أن يخمسوها وأن تركهم تخميسها إنما كان بتركهم ذلك
لا لان الأسلاب قد وجبت للقاتلين كما تجب لهم سهمانهم من الغنيمة
فكذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عوف بن مالك من أمره خالدا بما أمره به ومن نهيه إياه
بعد ذلك عما نهاه عنه إنما أمره بما له أن يأمر به ونهاه عما له أن ينهاه عنه
وفيما ذكرنا دليل صحيح أن السلب لا يجب للقاتلين من هذه الجهة
حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة
قال ثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل
كذا وكذا فله كذا وكذا
فذهب شبان الرجال وجلست الشيوخ تحت الرايات
فلما كانت الغنيمة جاءت الشبان يطلبون نفلهم
فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا تحت الرايات ولو انهزمتم كنا ردءا لكم فأنزل الله عز وجل
يسألونك عن الأنفال فقرأ حتى بلغ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا
من المؤمنين لكارهون
يقول أطيعوني في هذا الامر كما رأيتم عاقبة أمري حيث خرجتم وأنتم كارهون فقسم بينهم بالسواء بما قسم
ففي هذا الحديث منع رسول الله صلى الله عليه وسلم الشبان ما كان جعله لهم
ففي هذا الحديث دليل على أن الأسلاب لا تجب للقاتلين ولولا ذلك لما منعهم منها ولا أعطاهم أسلاب
من استأثروا بقتله دون من سواهم ممن تخلف عنهم
فإن قال قائل فما وجه منعه صلى الله عليه وسلم إياهم ما كان جعله لهم
قيل له لان ما كان جعله لهم فإنما كان لان يفعلوا ما هو صلاح لسائر المسلمين وليس من صلاح المسلمين
تركهم الرايات والخروج عنها وإضافة الحافظين لها
فلما خرجوا عن ذلك كانوا قد خرجوا عن المعنى الذي به يستحقون ما جعل لهم فمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
لذلك والله تعالى أعلم
232

باب سهم ذوي القربى
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن الحكم قال سمعت
عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدث عن علي بن أبي طالب أن فاطمة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو إليه أثر الرحى في يدها
وقد بلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه سبي فأتته تسأله خادما فلم تلقه ولقيتها عائشة فأخبرتها الحديث
فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك قال فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا لنقوم فقال مكانكما
فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري
فقال ألا أدلكما على خير مما سألتما تكبرا الله أربعا وثلاثين وتسبحان ثلاثا وثلاثين وتحمدان ثلاثا
وثلاثين إذا أخذتما مضاجعكما فإنه خير لكما من خادم
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبيه عن علي
أنه قال لفاطمة ذات يوم قد جاء الله أباك بسعة ورقيق فأتيه فاطلبي منه خادما فأتته فذكرت ذلك له فقال
والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة يطوون بطونهم ولا أجد ما أنفق عليهم ولكن أبيعها وأنفق عليهم
ألا أدلكما على خير مما سألتما علمنيه جبرائيل كبرا في دبر كل صلاة عشرا وسبحا عشرا وأحمدا عشرا
وإذا آويتما إلى فراشكما ثم ذكر مثل ما في حديث سليمان
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال ثنا زيد بن الحباب قال حدثني عياش
بن عقبة قال حدثني الفضل بن حسن بن عمرو بن الحكم أن أمه حدثته أنها ذهبت هي وأمها حتى دخلت
على فاطمة فخرجن جميعا فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقبل من بعض مغازيه ومعه رقيق فسألته أن يخدمهن
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقكن يتامى أهل بدر
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن ذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سهم لهم من الخمس معلوم ولاحظ لهم منه
خلاف حظ غيرهم
قالوا وإنما جعل الله لهم ما جعل من ذلك بقوله واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه
وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وبقوله ما أفاء الله على رسوله
من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين بحال فقرهم وحاجتهم
فأدخلهم مع الفقراء والمساكين
فكما يخرج الفقير واليتيم والمسكين من ذلك لخروجهم من المعنى الذي به استحقوا ما استحقوا من ذلك
فكذلك ذوو قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المضمومون معهم إنما كانوا ضموا معهم لفقرهم فإذا استغنوا خرجوا
من ذلك
233

وقالوا لو كان لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حظ لكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم إذ كانت أقربهم
إليه نسبا وأمسهم به رحما فلم يجعل لها حظا في السبي الذي ذكرنا ولم يخدمها منه خادما ولكنه وكلها
إلى ذكر الله عز وجل لان ما تأخذ من ذلك وإنما حكمها فيه حكم المساكين فيما تأخذ من الصدقة فرأى أن
تركها ذلك والاقبال على ذكر الله عز وجل وتسبيحه وتهليله خير لها من ذلك وأفضل
وقد قسم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الخمس فلم يريا لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ذلك حقا خلاف حق سائر المسلمين
فثبت بذلك أن هذا هو الحكم عندهما وثبت إذ لم ينكره عليهما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم
يخالفهما فيه أن ذلك كان رأيهم فيه أيضا
وإذا ثبت الاجماع في ذلك من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ومن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبت القول به
ووجب العمل به وترك خلافه
ثم هذا علي رضي الله عنه لما صار الامر إليه حمل الناس على ذلك أيضا
وذكروا في ذلك ما قد حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن المبارك
عن محمد بن إسحاق قال سألت أبا جعفر فقلت رأيت علي بن أبي طالب حيث ولي العراق وما ولي من أمور
الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى
قال سلك به والله سبيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
قلت وكيف وأنتم تقولون ما تقولون قال إنه والله مكان أهله يصدرون إلا عن رأيه
قلت فما منعه قال كره والله أن يدعى عليه خلاف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد أجراه على ما كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أجرياه عليه لأنه
رأى ذلك عدلا
ولو كان رأيه خلاف ذلك مع علمه ودينه وفضله إذا لرده إلى ما رأى
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك عن
سفيان عن قيس بن مسلم قال سألت الحسن بن محمد بن علي عن قول الله عز وجل واعلموا أنما غنمتم
من شئ فأن لله خمسه
قال أما قوله فأن لله خمسه فهو مفتاح كلام لله الدنيا والآخرة وللرسول ولذي القربى واليتامى
والمساكين
وأختلف الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قوم منهم سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة
وقال قوم سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده
234

ثم أجمعوا رأيهم أن جعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله عز وجل وكان ذلك في إمارة
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
قالوا أفلا ترى أذلك مما قد أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رجع إلى الكراع والسلاح الذي تكون عدة
للمسلمين لقتال عدوهم
ولو كان ذلك لذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما منعوا منه ولما صرفوا إلى غيرهم ولا خفي ذلك على الحسن بن
محمد مع علمه في أهله وتقدمه فيهم
وقد قال ذلك أيضا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في جوابه لنجدة لما كتب إليه يسأله عن سهم
ذوي القربى
وذكروا في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال ثنا عمي جويرية بن أسماء
عن مالك بن أنس عن ابن شهاب أن يزيد بن هرمز حدثه أن نجدة صاحب اليمامة كتب إلى بن عباس يسأله
عن سهم ذوي القربى
فكتب إليه بن عباس إنه لنا وقد كان دعانا عمر بن الخطاب لينكح منه أيمنا ويقضي عنه من غارمنا
فأبينا إلا أن يسلمه لنا كله ورأينا أنه لنا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت قيسا يحدث عن يزيد بن هرمز
قال كتب نجدة بن عامر إلى بن عباس رضي الله عنهما يسأله عن سهم ذوي القربى الذي ذكر الله وفرض لهم
فكتب إليه وأنا شاهد كنا نرى أنهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى ذلك علينا قومنا
فهذا بن عباس رضي الله عنهما يخبر أن قومهم أبوا عليهم أن يكون لهم ولم يظلم من أبى ذلك عليه
فدل ذلك أن ما أريد في ذلك بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما ذكرنا من الفقر والحاجة
فهذه حجج من ذهب إلى أن ذوي القربى لا سهم لهم من الخمس وأن ذلك لم يكن لهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا من بعده
وقد خالفهم في ذلك آخرون فقالوا قد كان لهم سهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خمس الخمس وكان
لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضعه فيمن شاء منهم
وذكروا في ذلك ما حدثنا محمد بن بحر بن مطر وعلي بن شيبة البغداديان قالا ثنا يزيد بن هارون
قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
سهم ذوي القربى أعطى بني هاشم وبني المطلب ولم يعط بني أمية شيئا وبني نوفل
فأتيت أنا وعثمان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم فضلهم الله بك
فما بالنا وبني المطلب وإنما نحن وهم في النسب شئ واحد
235

فقال إن بني المطلب لم يفارقوني في الجاهلية ولا في الاسلام
قالوا فلما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك السهم بعض القرابة وحرم من قرابته منه كقرابتهم ثبت بذلك
أن الله لم يرد بما جعل لذوي القربى كل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أراد به خاصا منهم وجعل الرأي في ذلك
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه فيمن شاء منهم وإذا مات فانقطع رأيه انقطع ما جعل لهم من ذلك كما قد جعل
لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصطفى من المغنم لنفسه سهم الصفي فكان ذلك ما كان حيا يختار لنفسه من المغنم ما شاء
فلما مات انقطع ذلك
وممن ذهب إلى هذا القول أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل ذوو القربى الذين جعل الله لهم من ذلك ما جعل هم بنو هاشم
وبنو المطلب
فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاهم من ذلك بجعل الله عز وجل ذلك لهم ولم يكن له حينئذ أن يعطى
غيرهم من بني أمية وبني نوفل لأنهم لم يدخلوا في الآية وإنما دخل فيها من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو هاشم
وبنو المطلب خاصة
فلما اختلفوا في هذا هذا الاختلاف فذهب كل فريق إلى ما ذكرنا واحتج لقوله بما وصفنا وجب
أن نكشف كل قول منها وما ذكرنا من حجة قائله لنستخرج من هذه الأقاويل قولا صحيحا
فنظرنا في ذلك فابتدأنا بقول الذي نفى ان يكون لهم في الآية شئ بحق القرابة وأنه إنما جعل لهم فيها
ما جعل لحاجتهم وفقرهم كما جعل للمسكين واليتيم فيها ما جعل لحاجتهما وفقرهما فإذا ارتفع الفقر عنهم جميعا
ارتفعت حقوقهم من ذلك
فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسم سهم ذوي القربى حين قسمه فأعطى بني هاشم وبني المطلب وعمهم
بذلك جميعا وقد كان فيهم الغني والفقير
فثبت بذلك أنه لو كان ما جعل لهم في ذلك هو لعلة الفقر لعلة القرابة إذا لما دخل أغنياؤهم في فقرائهم
فيما جعل لهم من ذلك ولقصد إلى الفقراء منهم دون الأغنياء فأعطاهم كما فعل في اليتامى
فلما أدخل أغنياء هم في فقرائهم ثبت بذلك أنه قصد بذلك إلى أعيان القرابة لعلة قرابتهم لا لعلة فقرهم
وأما ما ذكروا من حديث فاطمة رضي الله عنها حيث سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخدمها خادما من السبي
الذي كان قدم عليه فلم يفعل ووكلها إلى ذكر الله عز وجل والتسبيح فهذا ليس فيه عندنا دليل لهم
على ما ذكروا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل لها حين سألته لا حق لك فيه
ولو كان ذلك كذلك لبين ذلك لها كما بينه للفضل بن العباس وربيعة بن الحارث حسن سألا أن
236

يستعملهما على الصدقة ليصيبا منها فقال لهما إنما هي أوساخ الناس وأنها لا تحل لمحمد ولا لأحد
من أهل بيته
وقد يجوز أيضا أن يكون لم يعطها الخادم حينئذ لأنه لم يكن قسم فلما قسم أعطاها حقها من ذلك
وأعطى غيرها أيضا حقه
فيكون تركه إعطاءها إنما كان لأنه لم يقسم ودلها على تسبيح الله وتحميده وتهليله الذي يرجو لها به
الفوز من الله تعالى والزلفى عنده
وقد يجوز أن يكون قد أخدمها من ذلك بعد ما قسم ولا نعلم في الآثار ما يدفع شيئا من ذلك
وقد يجوز أن يكون منعها من ذلك إن كان منعها منه لأنها ليست قرابة ولكن أقرب من القرابة لان
الولد لا يقال هو من قرابة أبيه إنما يقال ذلك لمن غيره أقرب إليه منه
ألا ترى إلى قول الله عز وجل قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين فجعل الوالدين
غير الأقربين لأنهم أقرب من الأقربين
فكما كان الوالد يخرج من قرابة ولده فكذلك الولد يخرج من قرابة والده
وقد قال محمد بن الحسن رحمة الله عليه نحوا مما ذكرنا في رجل قال قد أوصيت بثلث مالي لقرابة فلان
أن والديه وولده لا يدخلون في ذلك لأنهم أقرب من القرابة وليسوا بقرابة واحتج في ذلك بهذه الآية
التي ذكرناها فهذا وجه آخر
فارتفع بما ذكرنا أن يكون لهم أيضا بحديث فاطمة رضي الله عنها هذا حجة في نفي سهم ذوي القربى
وأما ما احتجوا به في حديث أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من فعلهما وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم ينكروا ذلك عليهما فإن هذا مما يسع فيه اجتهاد الرأي فرأياهما ذلك واجتهدا فكان ما أداهما إليه
اجتهادهما هو ما رأيا في ذلك فحكما به وهو الذي كان عليهما وهما في ذلك مثابان مأجوران
وأما قولهم ولم ينكر ذلك عليهما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يجوز أن ينكر ذلك عليهما
أحد وهما إمامان عدلان رأيا رأيا فحكما به ففعلا في ذلك الذي كلفا
ولكن قد رأى في ذلك غيرهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف ما رأيا فلم يعنفوهما فيما حكما به من ذلك
إذ كان الرأي في ذلك واسعا والاجتهاد للناس جميعا
فأدى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما رأيهما في ذلك إلى ما رأيا وحكما وأدى غيرهما ممن خالفهما اجتهاده
في ذلك إلى ما رآه وكل مأجور في اجتهاده في ذلك مثاب مؤد للفرض الذي عليه ولم ينكر بعضهم
على بعض قوله لان ما خالف إليه هو رأي والذي قاله مخالفه هو رأي أيضا ولا توقيف مع واحد منهما
لقوله من كتاب ولا سنة ولا إجماع
237

والدليل على أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما
قد كانا خولفا فيما رأيا من ذلك قول بن عباس رضي الله عنهما قد كنا نرى أنا نحن هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى ذلك علينا قومنا
فأخبر أنهم رأوا في ذلك رأيا أباه عليهم قومهم وأن عمر دعاهم إلى أن يزوج منه أيمهم ويكسو منه
عاريهم قال فأبينا عليه إلا أن يسلمه لنا كله
فدل ذلك أنهم قد كانوا على هذا القول في خلافة عمر بعد أبي بكر وأنهم لم يكونوا نزعوا عما كانوا رأوا
من ذلك لرأي أبي بكر ولا رأي عمر رضي الله عنهما
فدل ما ذكرنا أن حكم ذلك كان عند أبي بكر وعمر وعند سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كحكم الأشياء
التي تختلف فيها التي يسع فيها اجتهاد الرأي
وأما قولهم ثم أفضى الامر إلى علي رضي الله عنه فلم يغير شيئا من ذلك عما كان وضعه عليه أبو بكر
وعمر رضي الله عنهما
قالوا فذلك دليل على أنه قد كان رأي في ذلك أيضا مثل الذي رأيا
فليس ذلك كما ذكروا لأنه لم يكن بقي في يد علي مما كان وقع في يد أبي بكر وعمر من ذلك شئ لأنهما
لما كان ذلك وقع في أيديهما أنفذاه في وجوهه التي رأياها في ذلك الذي كان عليهما ثم أفضى الامر
إلى علي رضي الله عنه فلم يعلم أنه سبي أحدا ولا ظهر على أحد من العدو ولا غنم غنيمة يجب فيها خمس لله
لأنه إنما كان شغله في خلافته كلها بقتال من خالفه ممن لا يسبي ولا يغنم
وإنما يحتج بقول علي رضي الله عنه في ذلك لو سبي وغنم ففعل في ذلك مثل ما كان أبو بكر وعمر فعلا
في الأخماس
وأما إذا لم يكن سبي ولا غنم فلا حجة لأحد في تغيير ما كان فعل قبله من ذلك
ولو كان بقي في يده من ذلك شئ مما كان غنمه من قبله فحرمه ذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان
في ذلك أيضا حجة تدل على مذهبه في ذلك كيف كان لان ذلك إنما صار إليه بعد ما نفذ فيه الحكم من الامام
الذي كان قبله فلم يكن له إبطال ذلك الحكم وإن كان هو يرى خلافه لان ذلك الحكم مما يختلف فيه العلماء
ولو كان علي رضي الله عنه رأى في ذلك ما كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما رأياه في قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من
قد خالفه لقول بن عباس رضي الله عنهما كنا نرى أنا نحن هم فأبى ذلك علينا قومنا فهذه
جوابات الحجج التي احتج بها الذين نفوا سهم ذوي القربى أن يكون واجبا لهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا في حياته وأنهم كانوا في ذلك كسائر الفقراء
فبطل هذا المذهب فثبت أحد المذاهب الاخر فأردنا أن ننظر في قول من جعله لقرابة الخليفة من بعد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده هل لذلك وجه
238

فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان فضل بسهم الصفي وبخمس الخمس وجعل له مع ذلك في الغنيمة سهم كسهم
رجل من المسلمين
ثم رأيناهم قد أجمعوا أن سهم الصفي ليس لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن حكم رسول الله في ذلك خلاف
حكم الامام من بعده
فثبت بذلك أيضا أن حكمه في خمس الخمس خلاف حكم الامام من بعده ثبت أن حكمه فيما وصفناه
خلاف حكم الامام من بعده ثبت أن حكم قرابته في ذلك خلاف حكم قرابة الامام من بعده قلب أحد القولين من الآخرين
فنظرنا في ذلك فإذا الله عز وجل قال وأعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فكان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريا له ما كان
حيا إلى أن مات وانقطع بموته وكان سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما
كان قبل ذلك
ثم اختلفوا في سهم ذوي القربى فقال قوم هو لهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان لهم في حياته
وقال قوم قد انقطع عنهم بموته وكان الله عز وجل قد جمع كل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله ولذي القربى
فلم يخص أحدا منهم دون أحد
ثم قسم ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأعطى منهم بني هاشم وبني المطلب خاصة وحرم بني أمية وبني نوفل
وقد كانوا محصورين معدودين وفيمن أعطى الغني والفقير وفيمن حرم كذلك
فثبت أن ذلك السهم كان للنبي صلى الله عليه وسلم فجعله في أي قرابته شاء فصار بذلك حكمه حكم سهمه الذي كان
يصطفى لنفسه
فكما كان ذلك مرتفعا بوفاته غير واجب لأحد من بعده كان هذا أيضا كذلك مرتفعا بوفاته غير
واجب لأحد من بعده
وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب النفل بعد الفراغ من قتال العدو وإحراز الغنيمة
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ثور بن يزيد عن سليمان بن موسى عن زياد
بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل في بدأته الربع وفي رجعته الثلث
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الامام له أن ينفل من الغنيمة ما أحب بعد إحرازه إياها قبل أن يقسمها
كما كان له قبل ذلك واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ليس للامام أن ينفل بعد إحراز الغنيمة إلا من الخمس فأما من غير
الخمس فلا لان ذلك قد ملكته المقاتلة فلا سبيل للامام عليه
239

وقالوا قد يحتمل أن يكون ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينفله في الرجعة هو ثلث الخمس بعد الربع الذي نفله كان
في البدأة فلا يخرج مما قلنا
فقال لهم الآخرون إن الحديث إنما جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث
وكما كان الربع الذي كان ينفله في البدأة هو الربع قبل الخمس فكذلك الثلث الذي ينفله في الرجعة
هو الثلث أيضا قبل الخمس وإلا لم يكن لذكر الثلث معنى
قيل لهم بل له معنى صحيح وذلك أن المذكور من نفله في البدأة هو الربع مما يجوز له النفل منه
فكذلك نفله في الرجعة هو الثلث مما يجوز له النفل منه وهو الخمس
وقال أهل المقالة الأولى فقد روى حديث حبيب هذا بلفظ يدل على ما قلنا فذكروا ما حدثنا أبو أمية
قال ثنا علي بن الجعد قال أخبرنا بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث بعد الخمس
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن سفيان عن يزيد بن جابر عن مكحول عن زياد بن جارية
عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الثلث بعد الخمس
حدثنا فهد وعلي بن عبد الرحمن قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن العلاء
بن الحارث عن مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل في الغزو
الربع بعد الخمس وينفل إذا قفل الثلث بعد الخمس
قالوا فدل ما ذكرنا أن ذلك الثلث الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفل في الرجعة هو الثلث بعد الخمس
قيل لهم قد يحتمل هذا أيضا ما ذكرنا واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن
أبي مريم قال أخبرنا بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى عن مكحول
عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفلهم إذا خرجوا باديين
الربع وينفلهم إذا قفلوا الثلث
قيل لهم وهذا الحديث أيضا قد يحتمل ما أحتمله حديث حبيب بن مسلمة الذي أرسله أكثر الناس عن
مكحول أنه كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث
وقد يجوز أيضا أن يكون عبادة عني بقوله وينفلهم إذا قفلوا الثلث فيكون ذلك على قفول من
قتال إلى قتال
فإن كان ذلك كذلك وكان الثلث المنفل هو الثلث قبل الخمس فذلك جائز عندنا أيضا لأنه يرجى
بذلك صلاح القوم وتحريضهم على قتال عدوهم
فأما إذا كان القتال قد ارتفع فلا يجوز النفل لأنه لا منفعة للمسلمين في ذلك
واحتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضا بما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر وعبيد الله
240

بن عبد المجيد الحنفي قالا ثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال لما قربنا من
المشركين أمرنا أبو بكر فشننا الغارة عليهم فنفلني أبو بكر امرأة من فزارة أتيت بها من الغارة فقدمت بها
المدينة فاستوهبها مني رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبتها له ففادي بها أناسا من المسلمين
فكان من الحجة في ذلك للآخرين عليهم أنه لم يذكر في ذلك الحديث أن أبا بكر كان نفل سلمة قبل انقطاع
الحرب أو بعد انقطاعها فلا حجة في ذلك
واحتجوا لقولهم أيضا بما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك عن
عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها بن عمر فغنموا غنائم
كثيرة فكانت غنائمهم لكل إنسان اثني عشر بعيرا ونفل كل إنسان منهم بعيرا بعيرا سوى ذلك
قالوا فهذا بن عمر رضي الله عنهما يخبر أنهم قد نفلوا بعد سهامهم بعيرا بعيرا فلم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
قيل لهم ما لكم في هذا الحديث من حجة ولهو إلى الحجة عليكم أقرب منه إلى الحجة لكم لأنه فيه
فبلغت سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلوا بعيرا بعيرا
ففي ذلك دليل أن ما نفلوا من ذلك كان من غير ما كانت فيه سهمانهم وهو الخمس فلا حجة لكم
بهذا الحديث في النفل من غير الخمس
فلما لم يكن في شئ مما احتج به أهل المقالة الأولى لقولهم من الآثار ما يجب به ما قالوا أردنا أن ننظر
فيما أحتج به أهل المقالة الأخرى لقولهم من الآثار أيضا فنظرنا في ذلك
فإذا بن أبي داود قد حدثنا قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا بن أبي الزناد عن عبد الرحمن
بن الحارث عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم حنين وبرة من جنب بعير ثم قال يا أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله
عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم فأدوا الخيط والمخيط
قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الأنفال وقال ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس فدل ذلك أن ما سوى الخمس
من الغنائم للمقاتلة لا حكم للامام في ذلك
ثم كره رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنفال وقال ليرد قوي المسلمين على ضعيفهم أي لا يفضل أحد من أقوياء المؤمنين
مما أفاء الله عليهم لقوته على ضعيفهم لضعفه ويستوون في ذلك
واستحال أيضا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل من الأنفال ما كان يكره فكان النفل الذي ليس بمكروه
هو النفل في الخمس
فثبت بذلك أن ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفله مما رواه عبادة عنه في هذا الحديث هو من الخمس
241

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ما يدل على صحة هذا المذهب
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سهل بن بكار قال ثنا أبو عوانة عن عاصم بن كليب عن
أبي الجويرية عن معن بن يزيد السلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نفل إلا بعد الخمس
ومعنى قوله إلا بعد الخمس عندنا والله أعلم أي حتى يقسم الخمس وإذا قسم الخمس إنفرد حتى
المقاتلة وهو أربعة أخماس
فكان ذلك النفل الذي ينفله الامام من بعد أن آثر به أن يفعل ذلك من الخمس لا من الأربعة الأخماس
التي هي حق المقاتلة
وقد دل على ذلك أيضا ما قد حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك
عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن أنس بن مالك كان مع عبيد الله بن أبي بكرة في غزاة غزاها فأصابوا
سبيا فأراد عبيد الله أن يعطى أنسا من السبي قبل أن يقسم
فقال أنس لا ولكن أقسم ثم أعطني من الخمس
قال فقال عبيد الله لا إلا من جميع الغنائم فأبى أنس أن يقبل منه وأبى عبيد الله أن يعطيه
من الخمس شيئا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن كهمس بن الحسن عن محمد بن سيرين عن أنس نحوه
فهذا أنس رضي الله عنه لم يقبل النفل إلا من الخمس وقد روى مثل ذلك أيضا عن جبلة بن عمرو
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك عن ابن لهيعة عن بكير
بن الأشج عن سليمان بن يسار أنهم كانوا مع معاوية بن خديج في غزوة المغرب فنفل الناس ومعنا أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يردوا ذلك غير جبلة بن عمرو
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف قال ثنا ابن المبارك عن ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران
قال سألت سليمان بن يسار عن النفل في الغزو فقال لم أر أحدا صنعه غير بن خديج نفلنا بأفريقية النصف
بعد الخمس ومعنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الأولين أناس كثير فأبى جبلة بن عمرو
أن يأخذ منها شيئا
فإن قال قائل ففي هذا الحديث أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى جبلة بن عمرو قد قبلوا
قيل له قد صدقت ونحن فلم ننكر أن الناس قد اختلفوا في ذلك فمنهم من أجاز للامام النفل قبل الخمس
ومنهم من لم يجزه وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانوا في ذلك مختلفين
وإنما أردنا بما روينا عن أنس وجبلة أنهما يخيران قولنا هذا مع من قد ذكرنا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن قال قائل فقد روي أيضا عن سعد بن أبي وقاص في هذا فذكر ما حدثنا يونس قال أخبرنا
242

سفيان عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه يقال له بشر بن علقمة قال بارزت رجلا يوم القادسية
فقتلته فبلغ سلبه أثني عشر ألفا فنفلنيه سعد بن أبي وقاص
قيل له قد يجوز أن يكون سعد نفله ذلك والقتال لم يرتفع فإن كان ذلك كذلك فهذا قولنا أيضا
وإن كان إنما نفله بعد ارتفاع القتال فقد يحتمل أن يكون جعل ذلك من الخمس
فإن كان جعله من غير الخمس فهذا فيه الذي ذكرنا من الاختلاف فلم يكن في ذلك الحديث لأحد
الفريقين حجة إذ كان قد يحتمل ما قد صرفه إليه مخالفه
ووجب بعد ذلك أن يكشف وجه هذا الباب لنعلم كيف حكمه من طريق النظر
فكان الأصل في ذلك أن الامام إذا قال في حال القتال من قتل قتيلا فله سلبه أن ذلك جائز
ولو قال من قتل قتيلا فله كذا وكذا درهما كان ذلك جائزا أيضا
ولو قال من قتل قتيلا فله عشر ما أصبنا لم يجز ذلك لان هذا لو جاز جاز أن تكون الغنيمة كلها
للمقاتلين فيبطل حق الله تعالى فيها من الخمس
فكان النفل لا يكون قبل القتال إلا فيما أصابه النفل بسيفه ولا يجوز فيما أصاب غيره إلا أن يكون
فيما حكمه حكم الإجارة فيجوز ذلك كما تجوز الإجارة كقوله من قتل قتيلا فله عشرة دراهم فذلك جائز
فلما كان ما ذكرنا كذلك ولم يجز النفل إلا فيما أصابه المنفل بسيفه أو فيما جعل له لعمله ولم يجز أن ينفل
مما أصابه غيره كان النظر على ذلك أن يكون بعد إحراز الغنيمة أحرى أن لا يجوز أن ينفل مما أصاب غيره
ففسد بذلك قول من أجاز النفل بعد إحراز الغنيمة ورجعنا إلى حكم ما أصابه هو فكان ذلك قبل أن ينفله
الامام إياه قد وجب حق الله تعالى في خمسه وحق المقاتلة في أربعة أخماسه
فلو أجزنا النفل إذا لكان حقهم قد بطل بعد وجوبه وإنما يجوز النفل فيما يدخل في ملك المنفل
من ملك العدو
وأما ما قد زال عن ملك العدو قبل ذلك وصار في ملك المسلمين فلا نفل في ذلك لأنه من
مال المسلمين
فثبت بذلك أن لا ينفل بعد إحراز الغنيمة على ما قد فصلنا في هذا الباب وبينا
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
243

باب المدد يقدمون بعد الفراغ من القتال في دار الحرب
بعد ما ارتفع القتال قبل قفول العسكر هل يسهم لهم أم لا
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن ابن
شهاب الزهري ان عنبسة بن سعيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص
قال أبو هريرة بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبان بن سعيد على سرية من المدينة قبل نجد فقدم أبان أصحابه على
النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما فتحنا وأن حزم خيلهم لليف
فقال أبان أقسم لنا يا رسول الله فقال أبو هريرة فقلت لا تقسم لهم شيئا يا نبي الله
قال أبان أتيت بهدايا وفد نجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم اجلس يا أبان فلم يقسم لهم شيئا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أنه لا يسهم من الغنيمة إلا لمن حضر الوقعة
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا يقسم لكل من شهد الوقعة ولمن كان غائبا عنها في شئ من أسبابها
فمن ذلك من خرج يريدها فلم يلحق بالامام حتى ذهب القتال غير أنه لحق به في دار الحرب قبل خروجه
منها قسم له
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عيسى بن إبراهيم قال ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا
كليب بن وائل قال حدثني هاني بن قيس عن حبيب بن أبي مليكة قال كنت قاعدا إلى جنب بن عمر
فأتاه رجل فقال هل شهد عثمان بدرا
فقال لا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله فضرب له
بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره
حدثنا أبو أمية قال ثنا أبو معاوية بن عمرو الأزدي قال ثنا أبو إسحاق الفزاري عن كليب بن وائل
ثم ذكر بإسناده مثله إلا هنا
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضرب لعثمان في غنائم بدر بسهم ولم يحضرها لأنه كان غائبا في حاجة الله
وحاجة رسوله فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن حضرها
فكذلك كل من غاب عن وقعة المسلمين بأهل الحرب بشغل يشغله به الامام من أمور المسلمين مثل أن يبعثه
إلى جانب آخر من دار الحرب لقتال قوم آخرين فيصيب الامام غنيمة بعد مفارقة ذلك الرجل إياه أو يبعث
برجل ممن معه من دار الحرب إلى دار الاسلام ليمده بالسلاح والرجال فلا يعود ذلك الرجل إلى الامام حتى يغنم
غنيمة فهو شريك فيها وهو كمن حضرها
وكذلك من أراده فرده الامام عنها وشغله شئ من أمور المسلمين فهو كم حضرها
244

وعلى هذا الوجه عندنا والله أعلم أسهم النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان في غنائم بدر ولولا ذلك لما أسهم له
كما لم يسهم لغيره ممن غاب عنها لان غنائم بدر وكانت وجبت لمن حضرها دون من غاب عنها إذا لما ضرب
النبي صلى الله عليه وسلم لغيرهم فيها بسهم ولكنها وجبت لمن حضر الوقعة ولكل من بذل نفسه لها فصرفه الامام عنها وشغله
بغيرها من أمور المسلمين كمن حضرها
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فإنما ذلك عندنا والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه أبانا إلى نجد قبل
أن يتهيأ خروجه إلى خيبر
فتوجه أبان في ذلك ثم حدث من خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ما حدث فكان ما غاب فيه أبان من ذلك
عن حضور خيبر وليس هو شغلا شغله النبي صلى الله عليه وسلم عن حضورها بعد إرادته إياه فيكون كمن حضرها
فهذان الحديثان أصلان فكل من أراد الخروج مع الامام إلى قتال العدو فرده الامام على ذلك بأمر آخر
من أمور المسلمين فتشاغل به حتى غنم الامام غنيمة فهو كمن حضر مع الامام يسهم له في الغنيمة كما
يسهم لمن حضرها
وكل شئ تشاغل به رجل من شغل نفسه أو شغل المسلمين مما كان دخوله فيه متقدما ثم حدث للامام
قتال العدو فتوجه له فغنم فلا حق لذلك الرجل في الغنيمة وهي بين من حضرها وبين من حكمه حكم الحاضر لها
واحتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضا بما حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا
شعبة عن قيس بن مسلم قال سمعت طارق بن شهاب أن أهل البصرة غزوا نهاوند وأمدهم أهل
الكوفة فظفروا
فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة وكان عمار على أهل الكوفة فقال رجل من بني عطارد
أيها الأجدع تريد أن تشاركنا في غنائمنا فقال أذني سينبت قال فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه
فكتب عمر إن الغنيمة لمن شهد الوقعة
قالوا فهذا عمر رضي الله عنه قد ذهب أيضا إلى أن الغنيمة لمن شهد الوقعة فقد وافق هذا قولنا
قيل لهم قد يجوز أن تكون نهاوند فتحت وصارت دار الاسلام وأحرزت الغنائم وقسمت
قبل ورود أهل الكوفة
فإن كان ذلك كذلك فإنا نحن نقول أيضا إن الغنيمة في ذلك لمن شهد الوقعة وإن كان جواب عمر رضي الله
عنه الذي في هذا الحديث لما كتب به إليه إنما هو لهذا السؤال فإن ذلك مما لا اختلاف فيه
وإن كان على أن أهل الكوفة لحقوا بهم قبل خروجهم من دار الشرك بعد ارتفاع القتال فكتب عمر
رضي الله عنه إن الغنيمة لمن شهد الوقعة فإن في ذلك الحديث ما يدل على أن أهل الكوفة قد كانوا طلبوا
245

أن يقسم لهم وفيهم عمار بن ياسر ومن كان فيهم غيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم ممن يكافأ قول عمر
رضي الله عنه بقولهم
فلا يكون واحد من القولين أولى من الآخر إلا بدليل عليه إما من كتاب أو من سنة وإما من نظر صحيح
فنظرنا في ذلك فرأينا السرايا المبعوثة من دار الحرب إلى بعض أهل الحرب أنهم ما غنموا فهو بينهم
وبين سائر أصحابهم
وسواء في ذلك من كان خرج في تلك السرية ومن لم يخرج لأنهم قد كانوا بذلوا من أنفسهم ما بذل الذين
أسروا فلم يفضل في ذلك بعضهم على بعض
وإن كان ما لقوا من القتال مختلفا فالنظر على ذلك أن يكون كذلك من بذل
نفسه بمثل ما بذل به نفسه من حضر الوقعة فهو في ذلك كمن حضر الوقعة إذا كان على الشرائط التي ذكرنا في هذا الباب والله أعلم
باب الأرض تفتتح كيف ينبغي للامام أن يفعل فيها
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم
عن أبيه عن عمر قال لولا أن يكون الناس يبابا ليس لهم شئ ما فتح الله على قرية إلا قسمتها كما قسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك عن هشام بن سعد عن زيد
بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر بن الخطاب يقول فذكر نحوه
فذهب قوم إلى أن الامام إذا فتح أرضا عنوة وجب عليه أن يقسمها كما يضم الغنائم وليس له احتباسها
كما ليس له احتباس سائر الغنائم واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا الامام بالخيار إن شاء خمسها وقسم أربعة أخماسها وإن شاء تركها أرض
خراج ولم يقسمها
حدثنا بذلك محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك عن أبي حنيفة وسفيان
بذلك وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
وكان من الحجة لهم في ذلك ما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمن ذلك ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال حدثني يحيى بن زكريا عن الحجاج عن الحكم
عن القاسم عن ابن عباس قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر ثم أرسل بن رواحة فقاسمهم
حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر عامل أهل خيبر بشطر ما خرج من الزرع
246

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن عون الزيادي قال ثنا إبراهيم بن طهمان قال ثنا أبو الزبير
عن جابر قال أفاء الله خيبر فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا وجعلها بينه وبينهم
فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم
حدثنا أبو أمية قال ثنا محمد بن سابق قال ثنا إبراهيم بن طهمان ثم ذكر بإسناده مثله
فثبت بما ذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قسم خيبر بكمالها ولكنه قسم طائفة منها على ما احتج به عمر
في الحديث الأول وترك طائفة منها فلم يقسمها على ما روي عن ابن عباس وابن عمر وجابر
في هذه الآثار الاخر
والذي كان قسم منها هو الشق والبطاه وترك سائرها فعلمنا بذلك أنه قسم وله أن يقسم
وترك وله أن يترك
فثبت بذلك أنه هكذا حكم الأرضين المفتتحة للامام فيقسمها إن رأى ذلك صلاحا للمسلمين كما قسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قسم من خيبر
وله تركها إن رأى في ذلك صلاحا للمسلمين أيضا كما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك من خيبر يفعل ذلك
ما رأى من ذلك على التحري منه لصلاح المسلمين
وقد فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أرض السواد مثل ذلك أيضا فتركها للمسلمين أرض خراج لينتفع
بها من يجئ من بعده منهم كما ينتفع بها من كان في عصره من المسلمين
فإن قال قائل فقد يجوز أن يكون عمر رضي الله عنه لم يفعل في السواد ما فعل من ذلك من جهة ما قلتم
ولكن المسلمين جميعا رضوا بذلك
والدليل على أنهم قد كانوا رضوا بذلك أنه جعل الجزية على رقابهم فلم يخل ذلك من أحد وجهين
إما أن يكون جعلها عليهم ضريبة للمسلمين لأنهم عبيد لهم
أو يكون جعل ذلك عليهم كما يجعل الجزية على الأحرار ليحقن بذلك دماءهم
فرأينا قد أهمل نساؤهم ومشائخهم وأهل الزمانة منهم وصبيانهم وإن كانوا قادرين على الاكتساب
أكثر مما يقدر عليه بعض البالغين
فلم يجعل على أحد ممن ذكرنا من ذلك شيئا فدل ما بقي من ذلك أن ما أوجب ليس لعلة الملك ولكنه
لعلة الذمة وقبل ذلك جميع ما أفتتح تلك الأرض أخذهم ذلك منهم دليل على إجارتهم لما كان عمر فعل ذلك
ثم رأيناه وضع على الأرض شيئا مختلفا فوضع على جريب الكرم شيئا معلوما ووضع على جريب الحنطة
شيئا معلوما وأهمل النخل فلم يأخذ منها شيئا
247

فلم يخل ذلك من أحد وجهين إما أن يكون ملك به القوم الذين قد ثبت حرمتهم بثمار أرضيهم والأرض
ملك للمسلمين
أو يكون جعل ذلك عليهم كما جعل الخراج على رقابهم ولا يجوز أن يكون الخراج يجب إلا فيما ملكه
لغير أخذ الخراج
فإن حملنا ذلك على التمليك من عمر رضي الله عنه إياهم ثمر النخل والكرم بما جعل عليهم مما ذكرنا
جعل فعله ذلك قد دخل فيما قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيع السنين ومن بيع ما ليس عندك فاستحال
أن يكون الامر على ذلك
ولكن الامر عندنا على أن تمليكه لهم الأرض التي أوجب هذا عليهم فيما قد تقدم على أن يكون ملكهم
لذلك ملك خراجي
فهذا حكمه فيما يجب عليهم فيه وقبل الناس جميعا منه ذلك وأخذوا منه ما أعطاهم مما أخذ منهم
فكان قبولهم لذلك إجازة لفعله
قالوا فلهذا جعلنا أهل السواد مالكين لأرضهم وجعلناهم أحرارا بالعلة المتقدمة وكل هذا إنما كان بإجازة
القوم الذين غنموا تلك الأرض ولولا ذلك لما جاز ولكانوا على ملكهم
قالوا فكذلك نقول كل أرض مفتتحة عنوة فحكمها أن تقسم كما تقسم الأموال خمسها لله
وأربعة أخماسها للذين افتتحوها ليس للامام منعهم من ذلك إلا أن تطيب أنفس القوم بتركها كما طابت أنفس
الذين افتتحوا السواد لعمر بما ذكرنا
فكان من الحجة للآخرين عليهم أنا نعلم أن أرض السواد لو كانت كما ذكر أهل المقالة الأولى لكان
قد وجب فيها خمس الله بين أهله الذين جعله الله لهم وقد علمنا أنه لا يجوز للامام أن يجعل ذلك الخمس ولا شيئا
منه لأهل الذمة
وقد كان أهل السواد الذين أقرهم عمر رضي الله عنه صاروا أهل الذمة وقد كان السواد بأسره في أيديهم
فثبت بذلك أن ما فعله عمر رضي الله عنه من ذلك كان من جهة غير الجهة التي ذكروا وهو على أنه لم يكن
وجب لله عز وجل في ذلك خمس
وكذلك ما فعل في رقابهم فمن عليهم بأن أقرهم في أرضيهم ونفي الرق منهم وأوجب الخراج عليهم
في رقابهم وأرضيهم فملكوا بذلك أرضيهم وانتفى الرق عن رقابهم
فثبت بذلك أن للامام أن يفعل هذا بما أفتتح عنوة فنفى عن أهلها رق المسلمين وعن أرضيهم ملك المسلمين
ويوجب ذلك لأهلها ويضع عليهم ما يجب عليهم وضعه من الخراج كما فعل عمر رضي الله عنه بحضرة
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
248

واحتج عمر رضي الله عنه في ذلك بقول الله عز وجل ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله
وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل
ثم قال للفقراء المهاجرين فأدخلهم معهم ثم قال والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم
يريد بذلك الأنصار فأدخلهم معهم
ثم قال والذين جاءوا من بعدهم فأدخل فيها جميع من يجئ من المؤمنين من بعدهم فللامام أن يفعل
ذلك ويضعه حيث رأى وضعه فيما سمى الله في هذه السورة
فثبت بما ذكرنا ما ذهب إليه أبو حنيفة وسفيان وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم
فإن احتج في ذلك محتج بما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك
عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال لما وفد جرير بن عبد الله وعمار بن ياسر في أناس من
المسلمين إلى عمر بن الخطاب قال عمر لجرير يا جرير والله لولا أني قاسم مسؤول لكنتم على ما قسمت لكم
ولكني أرى أن أرده على المسلمين فرده
وكان ربع السواد لجبيلة فأخذه منهم وأعطاهم ثمانين دينارا
حدثنا فهد قال ثنا ابن الأصبهاني قال أخبرنا أبو أسامة قال ثنا إسماعيل عن قيس عن جرير
قال كان عمر قد أعطى بجيلة ربع السواد فأخذناه ثلاث سنين
فوفد بعد ذلك جرير إلى عمر ومعه عمار بن ياسر فقال عمر رضي الله عنه والله لولا أني قاسم مسؤول
لتركتكم على ما كنت أعطيتكم فأرى أن نرده على المسلمين ففعل قال فأجازني عمر بثمانين دينارا
قالوا فهذا يدل على أن عمر قد كان قسم السواد بين الناس ثم أرضاهم بعد ذلك بما أعطاهم على أن
يعود للمسلمين
قيل له ما يدل هذا الحديث ظاهره على ما ذكرتم ولكن يجوز أن يكون عمر رضي الله عنه فعل من
ذلك ما فعل في طائفة من السواد فجعلها لبجيلة ثم أخذ ذلك منهم للمسلمين وعوضهم منهم عوضا من
مال
المسلمين
فكانت تلك الطائفة التي جرى فيها هذا الفعل للمسلمين بما عوض عمر أهلها ما عوضهم منها من ذلك
وما بقي بعد ذلك من السواد فعلى الحكم الذي قد بينا فيما تقدم من هذا الباب ولولا ذلك لكانت أرض السواد
أرض عشر ولم يكن أرض خراج
فإن احتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود قال حدثني عمرو بن عون قال ثنا هشيم عن إسماعيل
بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال جاءت امرأة من بجيلة إلى عمر رضي الله عنه فقالت إن قومي رضوا
249

منك من السواد بما لم أرض ولست أرضي حتى تملأ كفى ذهبا أو جملي طعاما أو كلاما هذا معناه
ففعل ذلك بها عمر رضي الله عنه
قيل لهم ذلك أيضا عندنا والله أعلم بالجزء الذي كان سلمه عمر لبجيلة فملكوه ثم أراد انتزاعه منهم
بطيب أنفسهم فلم يخرج حق تلك المرأة منها إلا بما طابت به نفسها فأعطاها عمر ما طلبت حتى رضيت فسلمت
ما كان لها من ذلك كما سلم سائر قومها حقوقهم
فهذا عندنا وجه هذا الباب كله من طريق الآثار ومن طريق النظر على ما بينا وهو قول أبي حنيفة
وسفيان وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أرض مصر أيضا ما حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن
أبي مريم قال ثنا نعيم بن حماد قال ثنا محمد بن حميد عن عمرو بن قيس السكوني عن أبيه عن عبد الله
بن عمرو بن العاص قال لما فتح عمرو بن العاص أرض مصر جمع من كان معه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
واستشارهم في قسمة أرضها بين من شهدها كما قسم بينهم غنائمهم وكما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بين من شهدها
أو يوقفها حتى راجع في ذلك رأي أمير المؤمنين
فقال نفر منهم فيهم الزبير بن العوام والله ما ذاك إليك ولا إلى عمر إنما هي أرض فتح الله علينا
وأوجفنا عليها خيلنا ورجالنا وحوينا ما فيها فما قسمتها بأحق من قسمة أموالها
وقال نفر منهم لا نقسمها حتى نراجع رأي أمير المؤمنين فيها
فاتفق رأيهم على أن يكتبوا إلى عمر في ذلك ويخبروه في كتابهم إليه بمقالتهم
فكتب إليهم عمر بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فقد وصل إلي ما كان من إجماعكم على أن تغتصبوا عطايا
المسلمين ومؤن من يغزو أهل العدو وأهل الكفر وإني أن قسمتها بينكم لم يكن لمن بعدكم من المسلمين
مادة يقوون به على عدوكم ولولا ما أحمل عليه في سبيل الله وأدفع عن المسلمين من مؤنهم وأجري على
ضعفائهم وأهل الديوان منهم لقسمتها بينكم فأوقفوها فيئا على من بقي من المسلمين حتى ينقرض آخر
عصابة تغزو من المؤمنين والسلام عليكم
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث ما قد دل في حكم الأرضين المفتتحة على ما ذكرنا وأن حكمهما خلاف
حكم ما سواها من سائر الأموال المغنومة من العدو
فإن قال قائل ففي هذا الحديث ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان قسم خيبر بين من
كان شهدها فذلك ينفي أن يكون فيما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر حجة لمن ذهب إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة
وسفيان ومن تابعهما في إيقاف الأرضين المفتتحة لنوائب المسلمين
قيل له هذا حديث لم يفسر لنا فيه كل الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر
250

وقد جاء غيره فبين لنا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها
حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة
قال حدثني سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
خيبر نصفين نصفا لنوائبه وحاجته ونصفا بين المسلمين فقسمها بينهم على ثمانية عشر سهما
ففي هذا الحديث بيان ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وأنه أوقف نصفها لنوائبه وحاجته وقسم نصفها
بين من شهدها من المسلمين
فالذي كان أوقفه منها هو الذي كان دفعه إلى اليهود مزارعة على ما في حديث بن عمر وجابر
اللذين ذكرناهما وهو الذي تولى عمر قسمته في خلافته بين المسلمين لما أجلى اليهود عن خيبر
وفيما بينا من ذلك تقوية لما ذهب إليه أبو حنيفة وسفيان في إيقاف الأرضين وترك قسمتها إذا رأى
الامام ذلك
باب الرجل يحتاج إلى القتال على دابة من المغنم
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن ابن مرزوق
التجيبي عن حنش بن عبد الله عن رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عام خيبر من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فلا يأخذ دابة من المغانم فيركبها حتى إذا أنقصها ردها في المغانم ومن كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يلبس ثوبا من المغانم حتى إذا أخلقه ردها في المغانم
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يحيى بن أيوب عن ربيعة بن سليم التجيبي عن
حنش عن رويفع بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
فذهب قوم منهم الأوزاعي إلى أنه لا بأس أن يأخذ الرجل السلاح من الغنيمة فيقاتل به في معمعة القتال
ما كان إلى ذلك محتاجا ولا ينتظر برده الفراغ من الحرب فتعرضه للهلاك وانكساد الثمن في طول مكثه
في دار الحرب واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون منهم أبو حنيفة رحمة الله عليه فيما حدثني سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي
يوسف فقالوا لا بأس أن يأخذ ذلك الرجل من الغنيمة السلاح إذا احتاج إليه بغير إذن الإمام فيقاتل به
حتى يفرغ من الحرب ثم يرده في المغنم
قال أبو يوسف وقد بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أحتج به الأوزاعي ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معان ووجوه وتفسير
لا يفهمه ولا يبصره إلا من أعانه الله عليه
251

فهذا الحديث عندنا على من يفعل ذلك وهو عنه غني يبقى بذلك على دابته وعلى ثوبه أو يأخذ ذلك
يريد به الخيانة
فأما رجل مسلم في دار الحرب ليس معه دابة وليس مع المسلمين فضل يحملونه إلا دواب الغنيمة ولا يستطيع
أن يمشي فإن هذا لا يحل للمسلمين تركه ولا بأس أن يركبها هذا شاءوا أو كرهوا وكذلك هذه الحال
في الثياب وكذلك هذه الحال في السلاح والحال أبين وأوضح
ألا ترى أن قوما من المسلمين لو تكسرت سيوفهم أو ذهبت ولهم غنى عن المسلمين أنه لا بأس أن
يأخذوا سيوفا من الغنيمة فيقاتلوا بها ما داموا في دار الحرب
أرأيت ولو لم يحتاجوا إليها في معمعة القتال واحتاجوا إليها بعد ذلك بيومين أغار عليهم العدو أيقومون
هكذا في وجوه العدو بغير سلاح كيف يصنعون أيستأسرون هذا الرأي فيه توهين لمكيدة المسلمين
وكيف يحل هذا في المعمعة ويحرم بعد ذلك
وقد حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف قال ثنا أبو إسحاق الشيباني عن محمد بن
أبي المجالد عن عبد الله بن أبي أوفي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر يأتي أحدنا إلى
طعام من الغنيمة فيأخذ منه حاجته
فإذا كان الطعام لا بأس بأخذه وأكله واستهلاكه لحاجة المسلمين إلى ذلك كان كذلك أيضا لا بأس بأخذ
الدواب والسلاح والثياب واستعمالها للحاجة إلى ذلك حتى لا يكون الذي أريد من حديث بن أبي أوفي هذا
غير ما أريد به من حديث رويفع حتى لا يتضادان
وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم وبه نأخذ
باب الرجل يسلم في دار الحرب وعنده أكثر من أربع نسوة
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا بكر بن خلف قال ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي عن معمر عن
الزهري عن سالم عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي عليه السلام خذ
منهن أربعا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة قد كان تزوجهن في دار
الحرب وهو مشرك أنه يختار منهن أربعا فيمسكهن ويفارق سائرهن وسواء عندهم كان تزويجه إياهن
في عقدة واحدة أو في عقد متفرقة وممن قال هذا القول محمد بن الحسن رحمه الله
252

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إن كان تزوجهن في عقدة واحدة فنكاحهن كلهن باطل ويفرق
بينه وبينهن
وإن كان تزوجهن في عقد متفرقة فنكاح الأربع الأول منهن ثابت ويفرق بينه وبين سائرهن وممن ذهب
إلى هذا القول أبو حنيفة وأبو يوسف رحمة الله عليهما
وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذا الحديث منقطع ليس كما رواه عبد الأعلى وأصحابه البصريون عن معمر
إنما أصله ما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب أنه قال بلغنا أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من ثقيف أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن
حدثنا أحمد بن داود المكي قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا ابن عيينة عن معمر عن ابن شهاب
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أحمد قال ثنا يعقوب قال ثنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فهذا هو أصل هذا الحديث كما رواه مالك عن الزهري وكما رواه عبد الرزاق وابن عيينة عن معمر
عن الزهري وقد رواه أيضا عقيل عن الزهري ما يدل على الموضع الذي أخذه الزهري منه
حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود قالا ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثني الليث
قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال بلغني عن عثمان بن محمد بن أبي سويد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغيلان
بن سلمة الثقفي حين أسلم وتحته عشر نسوة خذ منهن أربعا وفارق سائرهن
فبين عقيل في هذا عن الزهري مخرج هذا الحديث وأنه إنما أخذه عما بلغه عن عثمان بن محمد
عن النبي صلى الله عليه وسلم
فاستحال أن يكون الزهري عنده في هذا شئ عن سالم عن أبيه فيدع الحجة به ويحتج بما بلغه عن
عثمان بن محمد بن أبي سويد عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولكن إنما أتى معمر في هذا الحديث لأنه كان عنده عن الزهري في قصة غيلان حديثان هذا أحدهما
والآخر عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة طلق نساءه وقسم ماله فبلغ ذلك عمر فأمره أن
يرتجع نساءه وماله وقال لو مت على ذلك لرجمت قبرك كما رجم قبر أبي رغال في الجاهلية
فأخطأ معمر فجعل إسناد هذا الحديث الذي فيه كلام عمر للحديث الذي فيه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففسد هذا
الحديث من جهة الاسناد
ثم لو ثبت على ما رواه عبد الأعلى عن معمر عن الزهري لما كانت أيضا فيه حجة عندنا على من
ذهب إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف رحمة الله عليهما في ذلك لان تزويج غيلان ذلك إنما كان
في الجاهلية قد بين ذلك سعيد بن أبي عروبة عن معمر في هذا الحديث
253

حدثنا خلاد بن محمد الواسطي قال ثنا محمد بن شجاع عن يزيد بن هارون قال أخبرنا سعيد بن أبي عروبة
عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أحمد بن داود وزاد إنه كان
تزوجهن في الجاهلية
فكان تزويج غيلان للنسوة اللاتي كن عنده حين أسلم في وقت كان تزويج ذلك العدد جائزا والناكح
عليه ثابت
ولم يكن للواحدة حينئذ من ثبوت النكاح إلا ما للعاشرة مثله ثم أحدث الله عز وجل حكما آخر وهو
تحريم ما فوق الأربع فكان ذلك حكما طارئا طرأت به حرمة حادثة على نكاح غيلان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم
لذلك أن يمسك من النساء العدد الذي أباحه الله ويفارق ما سوى ذلك وجعل كرجل له أربع نسوة فطلق
إحداهن فحكمه أن يختار منهن واحدة فيجعل ذلك الطلاق عليها ويمسك الأخرى
وكذلك أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله يقولان في هذا
فأما من تزوج عشر نسوة بعد تحريم الله ما جاوز الأربع في عقدة واحدة فإنه إنما عقد النكاح عليهن عقدا
فاسدا فلا يثبت بذلك له نكاح
ألا ترى أنه لو تزوج ذات رحم محرم منه في دار الحرب وهو مشرك ثم أسلم أنها لا تقر تحته وإن كان
عقده لذلك كان في دار الحرب وهو مشرك
فلما كان هذا يرد حكمه فيه إلى حكم نكاحات المسلمين فيما يعقدون في دار الاسلام كان كذلك أيضا حكمه
في العشر نسوة اللاتي تزوجهن وهو مشرك في دار الحرب يرد حكمه في ذلك إلى حكم المسلمين في نكاحاتهم
فإن كان تزوجهن في عقدة واحدة فنكاحهن باطل وإن كان تزوجهن في عقد متفرقة جاز نكاح الأربع
الأول منهن وبطل نكاح سائرهن
فإن قال قائل فقد ترك أبو حنيفة وأبو يوسف قولهما في شئ قالاه في هذا المعنى
وذلك أنهما قالا في رجل من أهل الحرب سبي وله أربع نسوة وسبين معه إن نكاحهن كلهن قد فسد
ويفرق بينه وبينهن
قال فقد كان ينبغي على ما حملا عليه حديث غيلان أن يجعلا له أن يختار منهن اثنين فيمسكهما ويفارق
الاثنتين الباقيتين لان نكاح الأربع قد كان كله ثابتا صحيحا وإنما طرأ الرق عليه فحرم عليه ما فوق الاثنتين
كما أنه لما طرأ حكم الله في تحريم ما فوق الأربع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غيلان باختيار أربع من نسائه
وفراق سائرهن
قيل له ما خرج أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله بما ذكرت عن أصلهما ولكنهما ذهبا إلى ما قد
خفي عليك
وذلك أن هذا كان تزوج الأربع في وقت ما تزوجهن بعد ما حرم على العبد تزوج ما فوق الاثنتين
254

فإذا تزوج وهو حربي في دار الحرب ما فوق اثنتين ثم سبي وسبين معه رد حكمه في ذلك إلى حكم
تحريم قد كان قبل نكاحه فصار كأنه تزوجهن في عقدة بعد ما صار رقيقا وهو في ذلك كرجل تزوج صبيتين
صغيرتين فجاءت امرأة فأرضعتهما معا فإنهما تبينان منه جميعا ولا يؤمر بأن يختار إحداهما فيمسكها ويفارق
الأخرى لان حرمة الرضاع طرأت عليه بعد نكاحه إياهما
وكذلك الرق الطارئ على النكاح الذي وصفنا حكمه حكم هذا الرضاع الذي ذكرنا
وهما جميعا مفارقان لما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في غيلان بن سلمة لان غيلان لم يكن حرمة الله لما فوق
الأربع تقدمت نكاحه فيرد حكم نكاحه إليها وإنما طرأت الحرمة على نكاحه بعد ثبوته كله فردت حرمة
ما حرم عليه من ذلك إلى حكم حادث بعد النكاح فوجب له بذلك الخيار كما يجب له في الطلاق الذي ذكرنا
فإن احتجوا أيضا في ذلك بما حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم
قال أخبرنا بن أبي ليلى عن حميضة بنت الشمردل عن الحارث بن قيس قال أسلمت وعندي ثماني نسوة
فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أختار منهن أربعا
حدثنا صالح قال ثنا سعيد قال ثنا هشيم قال أخبرنا مغيرة عن بعض ولد الحارث بن قيس
عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
قيل له قد يحتمل ذلك ما قد ذكرناه في حديث غيلان
وقد يجوز أيضا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله له أختر منهن أربعا أي أختر منهن أربعا
فتزوجهن
ولا دلالة في هذا الحديث على واحد من هذين المعنيين
وإن احتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو الأسود وحسان بن غالب قالا ثنا ابن
لهيعة عن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه قال أسلمت وعندي أختان فأتيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال طلق إحداهما
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا يحيى بن معين قال ثنا وهب بن جرير عن أبيه عن يحيى بن أيوب
عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه قال أسلمت وعندي
أختان فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فقال طلق أيتهما شئت
قيل لهم هذا يوجب الاختيار كما ذكرتم وهو أوضح من حديث حارث بن قيس
ولكنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خيره لان نكاحه كان في الجاهلية قبل تحريم الله عز وجل
ما فوق الأربع
فيكون معنى هذا الحديث مثل معنى حديث غيلان بن سلمة
255

فقد ثبت بما بينا في هذا الباب ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله وفسد ما ذهب إليه
محمد بن الحسن رحمه الله
وقد ذهب إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف بعض المتقدمين
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا بكر بن خلف قال ثنا غندر أو عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة
قال يأخذ الأولى والثانية والثالثة والرابعة
الله تبارك وتعالى
باب الحربية تسلم في دار الحرب فتخرج إلى دار الاسلام
ثم يخرج زوجها بعد ذلك مسلما
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع على النكاح الأول
بعد ثلاث سنين
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن
قال رد النبي صلى الله عليه وسلم على عكرمة بن أبي جهل أم حكيم بنت الحارث بن هشام بعد أشهر أو قريب من سنة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن المرأة إذا أسلمت في دار الحرب وجاءتنا مسلمة ثم جاء زوجها بعد ذلك
فأدركها وهي في العدة فهي امرأته على حالها وإن لم يدركها حتى تخرج من العدة فلا سبيل له عليها واحتجوا
في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا سبيل له عليها في الوجهين جميعا وخروجها عندهم من دار الحرب
يقطع العصمة التي كانت بينها وبين زوجها ويبينها منه
واحتجوا في ذلك بما حدثنا فهد قال ثنا يحيى الحماني قال ثنا حفص يعني بن غياث عن الحجاج
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد زينب على أبي العاص بنكاح جديد
حدثنا فهد قال ثنا يحيى قال ثنا حفص عن داود عن الشعبي مثله
قالوا ففي حديث عبد الله بن عمرو هذا خلاف ما في حديث بن عباس رضي الله عنهما
وقد وافق عبد الله بن عمرو على ذلك عامر الشعبي مع علمه بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا فهذا أولى مما قد خالفه لمعان سنبينها في هذا الباب إن شاء الله تعالى
وكان من الحجة لهم في ذلك على من ذهب إلى القول الأول أن بن عباس رضي الله عنهما إنما في حديثه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص على النكاح الأول
256

فليس في ذلك دليل أنه ردها إليه لأنها في العدة ولا كيف كان الحكم يومئذ في المشركة تسلم وزوجها
مشرك أيبينها ذلك منه أو تكون زوجة له على حالها
وإنما يكون حديث بن عباس حجة لأهل المقالة الأولى لو كان فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها على أبي العاص
لأنه أدركها وهي في العدة
فأما إذا لم يتبين لنا العلة التي لها ردها عليه فقد يجوز أن يكون هي العدة وقد يجوز أن تكون لان
الاسلام لم يكن حينئذ يبينها منه ولا يزيلها عن حكمها المتقدم
ولقد حدثنا أبو بكر محمد بن عبدة بن عبد الله بن زيد قال حدثني أبو توبة الربيع بن نافع
قال قلت لمحمد بن الحسن من أين جاء اختلافهم في زينب
فقال بعضهم ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي العاص على النكاح الأول وقال بعضهم ردها بنكاح جديد
أترى كل واحد منهم سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما قال
فقال محمد بن الحسن لم يجئ اختلافهم من هذا الوجه وإنما جاء اختلافهم أن الله إنما حرم أن ترجع
المؤمنات إلى الكفار في سورة الممتحنة بعد ما كان ذلك جائزا حلالا فعلم ذلك عبد الله بن عمرو ثم رأى أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رد زينب على أبي العاص بعد ما كان علم حرمتها عليه بتحريم الله المؤمنات على الكفار
فلم يكن ذلك عنده إلا بنكاح جديد فقال ردها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنكاح جديد
ولم يعلم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بتحريم الله عز وجل المؤمنات على الكفار حتى علم برد
النبي صلى الله عليه وسلم زينب على أبي العاص فقال ردها عليه بالنكاح الأول لأنه لم يكن عنده بين إسلامه وإسلامها
فسخ للنكاح الذي كان بينهما
قال محمد رحمه الله فمن ههنا جاء اختلافهم لا من اختلاف سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم في ذكره ما رد زينب به
على أبي العاص أنه النكاح الأول أو النكاح الجديد
قال أبو جعفر وقد أحسن محمد في هذا وتصحيح الآثار في هذا الباب على هذا المعنى الصحيح يوجب
صحة ما قال عبد الله بن عمرو
والدليل على ذلك أن بن عباس رضي الله عنهما قد كان يقول في النصرانية إذا أسلمت في دار الاسلام
وزوجها كافر
ما قد حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب
عن عكرمة عن ابن عباس في اليهودية والنصرانية تكون تحت النصراني أو اليهودي فتسلم هي قال يفرق
بينهما الاسلام يعلو ولا يعلى عليه
257

وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود قال ثنا قيس بن الربيع عن عبد الكريم الجوزي عن
عكرمة عن ابن عباس مثله غير أنه لم يقل الاسلام يعلو ولا يعلى
أفيجوز أن تكون النصرانية عنده إذا أسلمت في دار الاسلام وزوجها نصراني أنها تبين منه ولا ينتظر
بها إسلامه إلى أن تخرج من العدة وتكون الحربية التي ليست بكتابية إذا أسلمت في دار الحرب ثم جاءتنا
مسلمة ينتظر بها إلحاق زوجها بها مسلما فيما بينه وبين خروجها من العدة
هذا محال لان إسلامها في دار الاسلام إذا كان يبينها من زوجها النصراني الذمي فإسلامها في دار الحرب
وخروجها إلى دار الاسلام وتركها زوجها المشرك في دار الحرب أن يبينها
فثبت بهذا من قول بن عباس رضي الله عنهما أنه كان يرى العصمة منقطعة بإسلام المرأة
لا لخروجها من العدة
وإذا ثبت ذلك من قوله استحال أن يكون ترك ما قد كان ثبت عنده من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رده
زينب على أبي العاص على النكاح الأول وصار إلى خلافه إلا بعد ثبوت نسخ ذلك عنده
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما النظر في ذلك فإنا رأينا المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر فقد صارت إلى حال لا يجوز أن يستأنف
نكاحه عليها لأنها مسلمة وهو كافر
فأردنا أن ننظر إلى ما يطرأ على النكاح مما لا يجوز معه الاستقبال للنكاح كيف حكمه
فرأينا الله عز وجل قد حرم الأخوات من الرضاعة وكان من تزوج امرأة صغيرة لا رضاع بينه وبينها
فأرضعتها أمه حرمت عليه بذلك وانفسخ النكاح فكان الرضاع الطارئ على النكاح في حكم الرضاع المتقدم
للنكاح في أشباه لذلك يطول الكتاب بذكرها
وكانت ثمة أشياء يختلف فيها الحكم إذا كانت متقدمة للنكاح أو طرأت على النكاح
من ذلك أن الله عز وجل حرم نكاح المرأة في عدتها من زوجها وأجمع المسلمون أن العدة من الجماع في النكاح
الفاسد يمنع من النكاح كما يمنع إذا كانت بسبب نكاح صحيح
وكانت المرأة لو وطئت بشبهة ولها زوج فوجبت عليها بذلك عدة لم تبن بذلك من زوجها ولم يجعل هذه
العدة كالعدة المتقدمة للنكاح
ففرق في هذا بين حكم المستقبل والمستدبر
فأردنا أن ننظر في المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر هل تبين منه بذلك ويكون حكم مستقبل ذلك ومستدبره
سواء كما كان ذلك في الرضاع الذي ذكرنا أو لا تبين منه بإسلامها فلا يكون حكم إسلامها الحادث كهو
إذا كان قبل النكاح كالعدة التي ذكرنا التي فرق بين حكم المستقبل فيها وحكم المستدبر
فنظرنا في ذلك فوجدنا العدة الطارئة على النكاح لا يجب فيها فرقة في حال وجوبها ولا بعد ذلك
258

وكان الرضاع الذي ذكرنا يجب به الفرقة في حال كونه ولا ينتظر بها شئ بعده وكان الاسلام الطارئ
على النكاح كل قد أجمع أن فرقة تجب به
فقال قوم تجب في وقت إسلام المرأة وهو قول بن عباس رضي الله عنهما
وقال آخرون لا تجب الفرقة حتى تعرض على الزوج الاسلام فيأباه فيفرق بينه وبين المرأة أو تختاره
فتكون امرأته على حالها وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وقال آخرون هي امرأته ما لم يخرجها من أرض الهجرة وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسنأتي
بأسانيد هذه الروايات في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى
فلما ثبت أن إسلام الزوجة الطارئ على النكاح يوجب الفرقة بين المرأة وبين زوجها في حال ما ثبت
أن حكم ذلك بحكم الرضاع أشبه منه بحكم العدة
فلما كان الرضاع تجب به الفرقة ساعة يكون ولا ينتظر به خروج المرأة من عدتها كان كذلك الاسلام
فهذا وجه النظر في هذا الباب ان المرأة تبين من زوجها بإسلامها في دار الاسلام كانت أو في دار الحرب
وقد كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله يخالفون هذا ويقولون في الحربية إذا أسلمت
في دار الحرب وزوجها كافر إنها امرأته ما لم تحض ثلاث حيض أو تخرج إلى دار الاسلام فأي ذلك كانت
بانت به من زوجها
وقالوا كان النظر في هذا أن تبين من زوجها بإسلامها ساعة أسلمت
وقالوا إذا أسلمت وزوجها في دار الاسلام فهي امرأته على حالها حتى يعرض القاضي على زوجها
الاسلام فيسلم فتبقي تحته أو يأبى فيفرق بينهما
وقالوا كان النظر في ذلك أن تبين منه بإسلامها ساعة أسلمت ولكنا قلدنا ما روي عن عمر رضي الله عنه
فذكروا ما حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية الضرير عن أبي إسحاق الشيباني عن السفاح
عن داود بن كردوس قال كان رجل منا من بني تغلب نصراني تحته امرأة نصرانية فأسلمت فرفعت إلى عمر
فقال له أسلمت وإلا فرقت بينكما
فقال له لم أدع هذا إلا استحياء من العرب أن يقولوا إنه أسلم على بضع امرأة قال ففرق عمر بينهما
حدثنا أبو بكرة قال ثنا هلال بن يحيى قال ثنا أبو يوسف قال ثنا أبو إسحاق الشيباني عن
السفاح عن كردوس بن داود التغلبي عن عمر نحوه
فقلدوا ما روي عن عمر رضي الله عنه في هذا الذي أسلمت امرأته في دار الاسلام وجعلوا للذي أسلمت
امرأته في دار الحرب أجلا إن أسلم فيه وإلا وقعت الفرقة بينه وبين امرأته بدلا من العرض الذي كانوا
259

يعرضونه عليه لو كان في دار الاسلام وهو العدة إلا أن تخرج المرأة قبل ذلك إلى دار الاسلام فينقطع الاجل
بذلك وتجب به البينونة
ونحن في هذا على ما روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما من وجوب البينونة بالاسلام ساعة
يكون من المرأة
وأما ما روي عن علي رضي الله عنه في ذلك فما حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب بن ناصح
قال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن عليا قال هو أحق بنكاحها ما كانت في دار هجرتها
وقد روي عن الزهري وقتادة في رد رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على أبي العاص أن ذلك منسوخ
واختلفا فيما نسخه
حدثنا عبيد الله بن محمد بن المؤدب قال ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري أن
أبا العاص بن ربيعة أخذ أسيرا يوم بدر فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه ابنته
قال الزهري وكان هذا قبل أن ينزل الفرائض يعني ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وردها على زوجها
وحدثنا عبيد الله قال ثنا علي قال ثنا عباد بن العوام عن سعيد عن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد
على أبي العاص ابنته
قال قتادة كان هذا قبل أن تنزل سورة براءة
باب الفداء
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر الزهراني قال ثنا عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة
بن الأكوع عن أبيه قال نفلني أبو بكر امرأة من فزارة أتيت بها من الغارة فقدمت بها المدينة فاستوهبها
مني رسول الله صلى الله عليه وسلم ففادي بها أناسا من المسلمين
حدثنا أبو بكرة قال ثنا عمير بن يونس قال ثنا عكرمة فذكر بإسناده مثله وزاد كانوا
أسارى بمكة
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا سفيان عن أيوب عن أبي قلابة عن عمه عن عمران بن حصين
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فادى برجل من العدو رجلين من المسلمين
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا مسدد قال ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال أخبرنا أبو عوانة عن
أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين
من بني عقيل
260

حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أخبرنا مجالد قال أخبرنا
أبو الوداك جبر بن نوف عن أبي سعيد الخدري قال أصبنا سبيا فأردنا نفادي بهن فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم
فقلنا يا رسول الله الرجل يكون له الأمة فيصيب منها فيعزل عنها مخافة أن تعلق منه
فقال أفعلوا ما بدا لكم فما يقضى من أمر يكن وإن كرهتم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أنه لا بأس أن يفدي ما في أيدي المشركين من أسرى المسلمين بمن قد ملكه
المسلمون من أهل الحرب من الرجال والنساء واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وممن ذهب إلى هذا القول أبو يوسف رحمة الله عليه
وكره آخرون أن يفادى بمن قد وقع ملك المسلمين عليه لأنه قد صارت له ذمة بملك المسلمين إياه فمكروه
أن يرد حربيا بعد أن كان ذمة
وقالوا إنما كان الفداء المذكور في هذه الآثار في وقت كان لا بأس أن يفادى فيه بمن أسلم من أهل الحرب
فيردوا إلى المشركين على أن يردوا إلى المسلمين من أسروا منهم كما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة على أن يرد
إليهم من جاء إليه منهم وإن كان مسلما
فمما بين أن ذلك كذلك أن محمد بن خزيمة حدثنا قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن المبارك
عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال أسرت ثقيف رجلين من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عامر بن صعصعة فمر به النبي صلى الله عليه وسلم
وهو موثق
فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال على م أحتبس قال بجريرة حلفائك ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه
فأقبل إليه فقال له الأسير إني مسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداه أيضا فأقبل فقال إني جائع فأطعمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذك حاجتك
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم فأداه بالرجلين اللذين كانت ثقيف أسرتهما
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن
عمران بن حصين قال كانت العضباء لرجل من بني عقيل أسر فأخذت العضباء منه فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا محمد على م تأخذوني وتأخذون سابقة الحاج وقد أسلمت
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذك بجريرة حلفائك وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار عليه قطيفة
فقال يا محمد إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حاجتك
ثم أن الرجل فدى برجل وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لرحله
261

قال أبو جعفر فهذا الحديث مفسر قد أخبر فيه عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم فادى بذلك
المأسور بعد أن أقر بالاسلام وقد أجمعوا أن ذلك منسوخ وأنه ليس للامام أن يفدى من أسر من المسلمين
بمن في يديه من أسرى أهل الحرب الذين قد أسلموا وأن قول الله تعالى لا ترجعوهن إلى الكفار
قد نسخ أن يرد أحد من أهل الاسلام إلى الكفار
فلما ثبت بذلك وثبت أن لا يرد إلى الكفار من جاءنا منهم بذمة وثبت أن الذمة تحرم ما حرمه الاسلام
من دماء أهلها وأموالهم وأنه يجب علينا منع أهلها من نقضها والرجوع إلى دار الحرب كما يمنع المسلمون من
نقض إسلامهم والخروج إلى دار الحرب على ذلك وكان من أصبناه من أهل الحرب فملكناه صار بملكنا
إياه ذمة لنا ولو أعتقناه لم يعد حربيا على ذلك وكان لنا أخذه بأداء الجزية إلينا كما نأخذ بسائر ذمتنا وعلينا
حفظه مما يحفظهم منه وكان حراما علينا أن نفادي بعبيدنا الكفار الذين قد ولدوا في دارنا لما قد صار لهم
من الذمة
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك هذا الحربي إذا أسرناه فصار ذمة لنا وقع ملكنا عليه أن يحرم علينا
المفاداة به ورده إلى أيدي المشركين
وهذا قول أبي حنيفة رحمة الله عليه
باب ما أحرز المشركون من أموال المسلمين هل يملكونه أم لا
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن
عمران بن حصين قال كانت العضباء من سوابق الحاج فأغار المشركون على سرح المدينة فذهبوا به وفيه
العضباء وأسروا امرأة من المسلمين وكانوا إذا نزلوا يرسلون إبلهم في أفنيتهم
فلما كانت ذات ليلة قامت المرأة وقد نوموا فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا رغا حتى إذا أتت على العضبا
فأتت على ناقة ذلول فركبتها وتوجهت قبل المدينة ونذرت لئن نجاها الله عليها لتنحرنها
فلما قدمت عرفت الناقة فأتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته المرأة بنذرها فقال بئس ما جزيتها أو وفيتها لا وفاء
لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك بن آدم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن غنيمة أهل الحرب من أموال المسلمين مردود على المسلمين قبل القسمة
وبعدها لان أهل الحرب في قولهم لا يملكون أموال المسلمين بأخذهم إياها من المسلمين
وقالوا قول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي أخذت العضباء لا نذر لابن آدم فيما لا يملك دليل على أنها لم تكن
ملكتها بأخذها إياها من أهل الحرب وأن أهل الحرب لم يكونوا ملكوها على النبي صلى الله عليه وسلم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ما أخذه أهل الحرب من أموال المسلمين فأحرزوه في دارهم فقد ملكوه
وزال عنه ملك المسلمين
262

فإذا أوجف عليهم المسلمون فأخذوه منهم فإن جاء صاحبه قبل أن يقسم أخذه بغير شئ وإن جاء بعد
ما قسم أخذه بالقيمة
وكان من الحجة لهم في الحديث الأول أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا نذر لابن آدم فيما لا يملك إنما كان قبل أن
تملك المرأة الناقة لأنها قالت ذلك وهي في دار الحرب وكل الناس يقول إن من أخذ شيئا من أهل الحرب
فلم يتحول به إلى دار الاسلام أنه غير محرز له وغير مالك وإن ملكه لا يقع عليه حتى يخرج به إلى دار الاسلام
فإذا فعل ذلك فقد غنمه وملكه
فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المرأة ما قال لأنها نذرت قبل أن تملكها لئن نجاها الله عليها لتنحرنها فقال لها
رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذر لابن آدم فيما لا يملكه لان نذرها ذلك كان منها قبل أن تملكها
فهذا وجه هذا الحديث وليس فيه دليل على أن المشركين قد كانوا ملكوها على النبي صلى الله عليه وسلم بأخذهم إياها منه
أم لا ولا على أن أهل الحرب يملكون ما أوجفوا عليه من أموال المسلمين أيضا أم لا
والذي فيه الدليل على ذلك ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبيد الله بن محمد التيمي قال أخبرنا حماد
بن سلمة عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة الطائي أن رجلا أصاب له العدو بعيرا فاشتراه رجل منهم
فجاء به فعرفه صاحبه فخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن شئت أعطيته ثمنه الذي اشتراه به وهو لك
وإلا فهو له
حدثنا أبو بكرة قال ثنا حسين بن حفص الأصبهاني قال ثنا سفيان الثوري عن سماك عن تميم
بن طرفة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
فهذا هو الذي فيه وجه الحكم في هذا الباب كيف هو وقد روى هذا عن جماعة من المتقدمين
فمما روي عنهم في ذلك ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك عن سعيد
بن أبي عروبة عن قتادة عن رجاء بن حياة عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب قال فيما أحرز المشركون
فأصابه المسلمون فعرفه صاحبه قال إن أدركه قبل أن يقسم فهو له وإن جرت فيه السهام فلا شئ له
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا محمد بن خزيمة قال ثنا أزهر بن سعد السمان عن ابن عون عن رجاء
بن حياة أن عمر بن الخطاب وأبا عبيدة قالا ذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف قال ثنا ابن المبارك عن ابن لهيعة عن بكير بن عبد الله
بن الأشج عن سليمان بن يسار عن زيد بن ثابت مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف قال ثنا ابن المبارك عن زائدة بن قدامة عن ليث عن مجاهد
قال إذا أصاب المشركون السبي للمسلمين فأصابه المسلمون فقد رد عليه صاحبه قبل أن يقسم فهو له
وإن قدر عليه بعد القسمة فهو أحق به بالثمن الذي أخذ به
263

حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس قال ثنا محمد بن سليمان الأسدي قال بن أبي زائدة قال ثنا
عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن غلاما لابن عمر رضي الله عنهما أبق إلى العدو وظهر
المسلمون عليه فرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن قسم
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبيد الله بن محمد قال أخبرنا حماد عن أيوب وحبيب وهشام عن محمد
أن رجلا ابتاع جارية من العدو فوطئها فولدت منه فجاء صاحبها فخاصمه إلى شريح فقال المسلم أحق أن يرد
على أخيه بالثمن قال فإنها قد ولدت منه فقال أعتقها قضاء الأمير عمر بن الخطاب رضي الله عنه
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبيد الله قال أخبرنا حماد عن الحجاج عن ابن إبراهيم وعامر
قال وقال قتادة عن عمر أنهم قالوا فيما أصاب المشركون من المسلمين ثم أصابه المسلمون بعد قالوا إن جاء صاحبه
قبل أن يقسم فهو أحق به
حدثنا أحمد قال ثنا عبيد الله قال أخبرنا حماد عن أيوب عن نافع أن المشركين أصابوا فرسا
لعبد الله بن عمر فأصابه المسلمون بعد فأخذه عبد الله بن عمر قبل أن يقسم القاسم
ولم يذكر نافع هنا قبل أن يقسم القاسم إلا أن الحكم بعد ما يقع القاسم بخلاف ذلك عنده
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبيد الله قال أخبرنا حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس أن علي
بن أبي طالب قال من اشترى ما أحرز العدو فهو جائز
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف قال ثنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري والحسن
قالا ما أحرز المشركون فهو فئ للمسلمين لا يرد منه شئ
فكل هؤلاء الذين روينا عنهم هذه الآثار قد ثبت ملك المشركين لما أحرزوا من أموال المسلمين وإنما
اختلافهم فيما بعد ذلك
فقال الحسن والزهري إن ما أحرز المشركون من أموال المسلمين ثم قدر المسلمون عليه بعد ذلك فلا سبيل
لصاحبه عليه
وقد خالفهما في ذلك شريح ومجاهد وإبراهيم وعامر ومن تقدمهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر
وعلي وأبو عبيدة وابن عمر وزيد بن ثابت أجمعين
وشد ما قالوه من ذلك ما قد رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث تميم بن طرفة فذلك أولى مما ذهبنا إليه
وإن كان النظر مخالفا لما ذهب إليه الفريقان جميعا
وذلك أنا رأينا المسلمين يسبون أهل الحرب وأموالهم فيملكون أموالهم كما يملكون رقابهم وكان
المشركون إذا أسروا المسلمين لم يملكوا رقابهم
فالنظر على ذلك أن لا يملكون أموالهم ويكون حكم أموال المسلمين كحكم رقابهم كما كان حكم أموال
المشركين كحكم رقابهم
264

ولكنا منعنا من ذلك بما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما حكم به المسلمون من بعده
فلما ثبت ما حكموا به من ذلك فنظرنا إلى ما أختلف فيه من حكم ما قدر عليه المسلمون في ذلك فأخذوه
من أيدي المشركين فجاء صاحبه بعد ما قسم هل له أن يأخذه بالقيمة كما قال بعض من روينا عنه في هذا الباب
أو لا يأخذه بقيمة ولا غيرها كما قد قال بعض من روينا عنه في هذا الباب أيضا
فنظرنا في ذلك فرأينا النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم في مشتري البعير من أهل الحرب أن لصاحبه أن يأخذه منه بالثمن
وكان ذلك البعير قد ملكه المشتري من الحربيين كما يملك الذي يقع في سهمه من الغنيمة ما يقع في سهمه منها
فالنظر على ذلك أن يكون الامام إذا قسم الغنيمة فوقع شئ منها في يد رجل وقد كان أسر ذلك من يد
آخر أن يكون المأسور من يده كذلك وأن يكون له أخذ ما كان أسر من يده من يدي الذي وقع في سهمه
بقيمته كما يأخذه من يد مشتريه الذي ذكرنا بثمنه
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
باب ميراث المرتد لمن هو
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن
عمرو بن عثمان عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يرث المسلم الكافر
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن المرتد إذا قتل على ردته أو مات عليها كان ماله لبيت مال المسلمين
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ميراثه لورثته من المسلمين
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى أن ذلك الكافر الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لم يبين لنا
فيه أي كافر هو
فقد يجوز أن يكون هو الكافر الذي له ملة ويجوز أن يكون هو الكافر كل كفر كان ما كان
ملة أو غير ملة
فلما احتمل ذلك لم يجز أن يصرف إلى أحد المعنيين دون الآخر إلا بدليل يدل على ذلك
فنظرنا هل في شئ من الآثار ما يدل على ما أراد به من ذلك
265

فإذا ربيع المؤذن قد حدثنا قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا هشيم عن الزهري قال حدثني علي
بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوارث أهل ملتين لا يرث
المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم
فلما جاء هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا علمنا أنه أراد الكافر ذا الملة
فلما رأينا الردة ليست بملة ورأيناهم مجمعين أن المرتدين لا يرث بعضهم بعضا لان الردة ليست بملة ثبت
أن حكم ميراثهم حكم ميراث المسلمين
فإن قال قائل فأنت لا تورثهم من المسلمين فكذلك لا تورث المسلمين منهم
قيل له ما في هذا دليل لك على ما ذكرت لأنا قد رأينا من يمنع الميراث بفعل كان منه ولا يمنع ذلك
الفعل أن يورث
من ذلك أنا رأينا القاتل لا يرث من قتل ورأينا لو جرح رجلا جراحة ثم مات المجروح من الجراحة
والجارح أبو المجروح أنه يرثه
فقد صار المقتول يرث ممن قتله ولا يرث القاتل ممن قتل لان القاتل عوقب بقتله فمنع الميراث ممن قتله
ولم يمنع المقتول من الميراث ممن جرحه الجراحة التي قتلته إذ كان لم يفعل شيئا
فكذلك المرتد منع من ميراث غيره عقوبة لما أتاه ولم يمنع غيره من الميراث منه إذ لم يكن منه
ما يعاقب عليه
فثبت بذلك قول من يورث من المرتد ورثته من المسلمين وقد روى في ذلك عن جماعة من المتقدمين أيضا
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي عمرو
الشيباني عن علي أنه جعل ميراث المستورد لورثته من المسلمين
حدثنا فهد ثنا محمد بن سعيد قال أخبرنا شريك عن سماك عن ابن عبيد بن الأبرص
أن عليا قال للمستورد على دين من أنت
قال علي دين عيسى قال علي وأنا علي دين عيسى فمن ربك فزعم القوم أنه قال إنه ربه فقال اقتلوه
ولم يتعرض لما له
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أخبرنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع عن القاسم
بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال إذا مات المرتد ورثه ولده
حدثنا علي بن زيد قال ثنا عبدة بن سليمان قال ثنا عبد الله بن المبارك قال أخبرنا شعبة
عن الحكم بن عتيبة أن بن مسعود قال ميراثه لورثته من المسلمين
266

حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا شريك عن موسى بن أبي كثير قال سألت سعيد
بن المسيب عن ميراث المرتد فقال هو لأهله
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن موسى بن أبي كثير قال سألت سعيد بن المسيب
عن المرتدين فقال نرثهم ولا يرثوننا
حدثنا علي بن زيد قال ثنا عبدة قال أخبرنا بن المبارك قال أخبرنا شعبة وسفيان عن موسى
بن أبي كثير عن سعيد بن المسيب مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن موسى بن الصباح وقال مرة عن أبي الصباح
عن سعيد بن المسيب مثله
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا معاذ بن معاذ عن أشعث عن الحسن في المرتد يلحق بدار الحرب
فقال ماله بين ولده من المسلمين على كتاب الله
حدثنا علي بن زيد قال ثنا عبدة قال أخبرنا بن المبارك قال أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
أن الحسن قال ميراثه لوارثه من المسلمين إذا ارتد عن الاسلام
فهؤلاء الذين ذكرنا قد جعلوا ميراث المرتد لورثته من المسلمين وشد ذلك من قولهم ما قد وصفته في هذا
الباب مما يوجبه النظر
وفي ذلك حجة أخرى من طريق النظر أيضا وهي أنا رأيناهم قد أجمعوا أن المرتد قبل ردته محظور دمه
وماله ثم إذا ارتد فكل قد أجمعوا أن الحظر المتقدم قد أرتفع عن دمه وصار دمه مباحا وماله محظورا
في حالة الردة بالحظر المقدم
وقد رأينا الحربيين حكم دمائهم وحكم أموالهم سواء قتلوا أو لم يقتلوا
فلم يكن الذي يحل به أموالهم هو القتل بل كان الكفر وكان المرتد لا يحل ماله بكفره فلما ثبت أن ماله
لا يحل بكفره ثبت أنه لا يحل بقتله
وقد رأينا أموال الحربيين تحل بالغنائم فتملك بها ورأينا ما وقع من أموالهم في دارنا ملكناه عليهم
وغنمناه بالدار وإن لم نقتلهم
فلما كان مال المرتد غير مغنوم بردته كان في النظر أيضا غير مغنوم بسفك دمه
فلما ثبت أن ماله لا يدخل في حكم الغنائم لم يخل من أحد وجهين إما أن يرثه ورثته الذين يرثونه لو مات
على الاسلام أو يصير للمسلمين
فإن صار لورثته من المسلمين فهو كما قلنا وإن صار لجميع المسلمين فقد ورث المسلمون مرتدا
267

فلما كان المرتد في حال من يرثه من المسلمين ولم يخرج بردته من ذلك كان الذين يرثونه هم ورثته الذين
كانوا يرثونه لو مات في الاسلام لا غيرهم
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
وإنما زال ملك المرتد باللحوق بدار الحرب لخروجه من دارنا إلى دار الحرب على طريق الاستحقاق مع
كونه مقاتلا لنا مباح الدم في دارنا بدليل الحربي يدخل إلينا إذا عاد إلى دار الحرب وخلف مالا ههنا
لم يزل عنه ملكه مع وجود هذا ولم يخرج مستحقا لأنه في أماننا إلى أن يدخل دار الحرب
باب إحياء الأرض الميتة
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا محمد بن بشر قال ثنا سعيد قال ثنا قتادة عن
سليمان اليشكري عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاط حائطا على أرض فهي له
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال ثنا كثير بن عبد الله عن أبيه
عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا مواتا من أرض فهي له وليس لعرق ظالم حق
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن
قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاط على شئ فهو له
قال أبو جعفر فذهب ذاهبون إلى أن من أحيى أرضا ميتة فهي له أذن له الامام في ذلك أو لم يأذن
وجعلها له الامام أو لم يجعلها له واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وممن ذهب إلى ذلك أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهما وقالوا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
أحيا أرضا ميتة فهي له فقد جعل حكم إحياء ذلك إلى من أحب فلا أمر للامام في ذلك وقالوا قد دلت
على هذا أيضا شواهد النظر
ألا ترى أن الماء الذي في البحار والأنهار من أخذ منه شيئا ملكه بأخذه إياه وإن لم يأمره الامام بأخذه
ويجعله له
وكذلك الصيد من اصطاده فهو له ولا يحتاج في ذلك إلى إباحة من الامام ولا إلى تمليك والامام
في ذلك وسائر الناس سواء
قالوا فكذلك الأرض الميتة التي لا ملك لأحد عليها فهي كالطير الذي ليس بمملوك فمن أخذ من ذلك
شيئا فهو له بأخذه إياه ولا يحتاج في ذلك إلى أمر من الامام ولا إلى تمليكه كما لا يحتاج إلى ذلك منه في الماء
والصيد اللذين ذكرنا
268

وخالفهم في ذلك آخرون منهم أبو حنيفة رحمة الله عليه فقالوا لا تكون الأرض تحيا إلا بأمر الإمام
في ذلك لمن يحييها وجعلها له
وقالوا ليس ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكر في هذا الباب بدافع لما قلنا لان ذلك الاحياء الذي
جعل به رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرض للذي أحياها في هذا الحديث لم يفسر لنا ما هو
فقد يجوز أن يكون هو ما فعل من ذلك بأمر الإمام فيكون قوله من أحيا أرضا ميتة فهي له أي من
أحياها على شرائط الاحياء فهي له
ومن شرائطه تحظيرها وإذن الامام له فيها وتمليكه إياها
فقد يجوز أن يكون هذا هو معنى الحديث ويجوز أن يكون على ما تأوله أبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهما
إلا أنه لا يجوز أن يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول أنه أراد معنى إلا بالتوقيف منه أو بإجماع ممن بعده أنه
أراد ذلك المعنى
فنظرنا إذ لم نجد في هذا الحديث حجة لأحد الفريقين في غيره من الأحاديث هل فيها ما يدل على شئ
من ذلك
فإذا يونس قد حدثنا قال ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن
عباس عن الصعب بن جثامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا حمى إلا لله ورسوله
* (حدثنا يزيد وابن أبي داود قالا ثنا سعيد بن منصور قال ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن
بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله
عنهما عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم البقيع وقال لا حمى إلا لله ولرسوله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن عياش قال ثنا شعيب بن أبي جمرة عن أبي الزناد عن الأعرج
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا لله ولرسوله
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا لله ولرسوله والحمى ما حمى من الأرض دل ذلك أن حكم الأرضين
إلى الأيمة لا إلى غيرهم وأن حكم ذلك غير حكم الصيد
وقد بينا ما يحتمله الأثر الأول فكان الأولى من الأشياء بنا أن نحمل وجهه على ما لا يخالف
هذا الأثر الثاني
وأما ما يدخل لأبي حنيفة في ذلك من جهة النظر مما يفرق به بين الأرض الموات وبين ماء الأنهار والصيد
أنا رأينا الصيد وماء الأنهار لا يجوز للامام تمليك ذلك أحدا
ورأيناه لو ملك رجلا أرضا ميتة ثم ملكها لرجل آخر جاز وكذلك لو احتاج الامام إلى بيعها في نائبة
للمسلمين جاز بيعه لها ولا يجوز ذلك في ماء نهر ولا صيد بر ولا بحر
269

فلما كان ذلك إلى الامام في الأرضين دل ذلك أن حكمها إليه وأنها في يده كسائر الأموال التي في يده
للمسلمين لا رد لها بعينه ولا يملكها أحد بأخذه إياها حتى يكون الامام يملكها إياه على حسن النظر منه
للمسلمين
ولما كان الصيد والماء ليس إلى الامام بيعهما ولا تمليكهما أحدا كان الامام فيهما كسائر الناس وكان
ملكهما يجب بأخذهما دون الامام
فثبت بذلك ما ذهب إليه أبو حنيفة لما وصفنا من الآثار والدلائل التي ذكرنا
فإن احتج محتج في ذلك بما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا ويونس بن يزيد أخبراه عن ابن
شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال من أحيا أرضا ميتة فهي له
وذلك أن رجالا كانوا يتحجرون من الأرض
حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال ثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه
عن عمر مثله
قيل له لا حجة لك في هذا ومعنى هذا عندنا على ما ذكرناه
من معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له
وقد روي عن عمر رضي الله عنه في غير هذا الحديث ما يدل على أن مراده في هذا الحديث هو ما ذكرناه
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن عبيد الله قال خرج
رجل من أهل البصرة يقال له أبو عبد الله إلى عمر فقال إن بأرض البصرة أرضا لا تضر بأحد المسلمين وليست
من أرض الخراج فإن شئت أن تقطعنيها أتخذها قضبا وزيتونا ونخلا في نخيلي فأفعل فكان أول من أخد
الفلايا بأرض البصرة
قال فكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري إن كانت حمى فأقطعها إياه
أفلا ترى أن عمر لم يجعل له أخذها ولا جعل له ملكها إلا بإقطاع خليفته ذلك الرجل إياها ولولا ذلك
لكان يقول له وما حاجتك إلى إقطاعي إياك لان لك أن تحييها دوني وتعمرها فتملكها
فدل ذلك أن الاحياء عند عمر هو ما أذن الامام فيه للذي يتولاه وملكه إياه
وقد دل ذلك أيضا ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أزهر السمان عن ابن عون عن محمد قال قال عمر
رضي الله عنه لنا رقاب الأرض
قال أبو جعفر فدل ذلك أن رقاب الأرضين كلها إلى أيمة المسلمين وأنها لا تخرج من أيديهم إلا بإخراجهم
إياها إلى ما رأوا على حسن المنظر منهم للمسلمين في عمارة بلادهم وصلاحها فهذا قول أبي حنيفة
رحمة الله عليه
270

باب إنزاء الحمير على الخيل
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير
عن أبي رزين عن علي بن أبي طالب قال أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها فقال علي لو حملنا الحمير
على الخيل لكان لنا مثل هذه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا شريك عن عثمان عن سالم عن عثمان بن علقمة عن علي
عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد ح
وحدثنا أحمد بن داود قال ثنا سليمان بن حرب قالا ثنا حماد بن زيد عن أبي جهضم عن عبد الله
بن عبيد الله بن عباس عن ابن عباس قال ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ دون الناس إلا بثلاث إسباغ
الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي الحمر على الخيل
فذهب قوم إلى هذا فكرهوا إنزاء الحمر على الخيل وحرموا ذلك ومنعوا منه واحتجوا بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بذلك بأسا وكان من الحجة لهم في ذلك لو كان مكروها لكان
ركوب البغال مكروها لأنه لولا رغبة الناس في البغال وركوبهم إياها لما أنزيت الحمر على الخيل
ألا ترى أنه لما نهى عن إخصاء بني آدم كره بذلك اتخاذ الخصيان لان في اتخاذهم ما يحمل من تحضيضهم
على إخصائهم لان الناس إذا تحاموا اتخاذهم لم يرغب أهل الفسق في إخصائهم
وقد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا القواريري قال ثنا عفيف بن سالم قال ثنا العلاء بن عيسى الذهبي
قال أتى عمر بن عبد العزيز بخصي فكره أن يبتاعه وقال ما كنت لأعين على الإخصاء
فكل شئ في ترك كسبه ترك لبعض أهل المعاصي لمعصيتهم فلا ينبغي كسبه
فلما أجمع على إباحة اتخاذ البغال وركوبها دل ذلك على أن النهي الذي في الآثار الأول لم يرد به التحريم
ولكنه أريد به معنى آخر
فمما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوب البغال ما قد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا القواريري قال ثنا
يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي إسحاق قال قال رجل للبراء يا أبا عمارة وليتم يوم حنين
فقال لا والله ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن ولى سرعان الناس تلقتهم هوازن بالنبل ولقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته البيضاء وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها وهو يقول أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
271

حدثنا فهد قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة قال أخبرنا أبو إسحاق فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن الجعد قال ثنا زهير بن أبي إسحاق عن البراء مثله
حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن بن خالد عن ابن
شهاب عن كثير بن عباس أن أباه العباس بن عبد المطلب قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين
فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له
فروة بن نفاثة الجذامي
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان قال سمعت الزهري يحدث عن كثير
بن العباس عن أبيه نحوه
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عفان قال ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا الحارث بن حصين
قال ثنا القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال قال عبد الله بن مسعود كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين
ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان
بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عند جمرة العقبة وهو على بغلته
حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن عبد الله بن بشر عن أبيه
أنه قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم وهو راكب على بغلته
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا آدم بن إياس قال ثنا حماد بن سلمة قال ثنا ثابت البناني وحميد
الطويل عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته شهباء فمر على حائط لنبي النجار فإذا قبر يعذب
صاحبه فحاصب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله يسمعكم عذاب القبر
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا إبراهيم بن محمد الشافعي قال ثنا معن بن عيسى قال ثنا فائد عن
عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن أبيه أنه رأى بغلة النبي صلى الله عليه وسلم شهباء وكانت عند علي بن حسين
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار قال حدثني إياس بن سلمة
قال حدثني أبي قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فذكر حديثا طويلا فيه فمررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
منهزما وهو على بغلته الشهباء
حدثنا بحر بن نصر قال ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن أسلم
بن أبي عمران عن عقبة بن عامر قال ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته فأتبعته ثم ذكر الحديث
فقد تواترت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإباحة ركوب البغال
272

وقد روي في ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما قد حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا
عائذ بن حبيب عن الحجاج عن سعيد بن أشوع عن حنش بن المعتمر قال رأيت عليا أتى ببغلة
يوم الأضحى فركبها فلم يزل يكبر حتى أتى الجبانة
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا الحجاج بن محمد عن شعبة عن الحكم قال سمعت يحيى بن الجزار
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الصلاة فجاء رجل فأخذ بخطام
بغلته فسأله عن يوم الحج الأكبر فقال هو يومك هذا خل سبيلها
فإن قال قائل فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون
قيل له قد قال أهل العلم في ذلك معناه إن الخيل قد جاء في ارتباطها واكتسابها وعلفها الاجر وليس
ذلك في البغال فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما ينزأ فرس على فرس حتى يكون عنهما ما فيه الاجر ويحمل حمارا على فرس
فيكون عنهما بغل لا أجر فيه الذين لا يعلمون أي لأنهم يتركون بذلك إنتاج ما في ارتباطه الاجر وينتجون
ما لا أجر في ارتباطه
فمما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الثواب في ارتباط الخيل ما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني
هشام بن سعيد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخيل
فقال هي لثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر فأما من ربطها عدة في سبيل الله فإنه لو طول لها
في مرج خصيب أو روضة خصيبة كتب الله له عدد ما أكلت حسنات وعدد أرواثها حسنات ولو انقطع
طولها ذلك فاعتلت شرفا أو شرفين كتب الله عدد آثارها حسنات ولو مرت بنهر عجاج لا يريد السقي به
فشربت منه كتب الله له عدد ما شربت حسنات ومن ارتبطها تغنيا وتعففا ثم لم ينس حق الله في رقابها
وظهورها كانت له سترا من النار ومن ارتبطها فخرا ورياء ونواء على المسلمين كانت له بورا يوم القيامة
قالوا فالخمر يا رسول الله قال لم ينزل علي في الخمر شئ إلا هذه الآية الفاذة فمن يعمل مثقال
ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير عن أبي صالح
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ذلك أيضا
حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
273

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الله بن سلمة القعنبي قال ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال ثنا طلحة بن أبي سعيد أن سعيد المقبري حدثه عن أبي هريرة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعود الله كان شبعه وريه
وروثه حسنات في ميزانه يوم القيامة
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا بن لهيعة قال أخبرني عتبة بن أبي حكيم عن
الحصين بن حرملة المهدي عن أبي المصبح عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيل في نواصيها
الخير والنيل إلى يوم القيامة وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا الفريابي عن سفيان عن يونس بن عبيد الله عن عمر بن سعيد عن
أبي زرعة عن جرير بن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم
القيامة الاجر والغنيمة
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبيد الله بن محمد التيمي قال ثنا يزيد بن زريع عن يونس فذكر
بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال سمعت معاوية بن صالح يحدث قال حدثني زياد بن نعيم
أنه سمع أبا كبشة يحدث صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم الخيل معقود في نواصيها الخير وأهلها
معانون عليها والمنفق عليها كالباسط يديه بالصدقة
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا بكر بن إدريس وابن فضيل عن حصين
عن الشعبي عن عروة البارقي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير معقود في نواصي الخيل
فقيل يا رسول الله مم ذلك قال الاجر والغنيمة إلى يوم القيامة وزاد فيه بن إدريس والإبل عز
لأهلها والغنم بركة
حدثنا فهد قال ثنا إبراهيم قال ثنا قطر عن أبي إسحاق قال وقف علينا عروة البارقي ونحن
في مجلسنا فحدثنا فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخير معقود في نواصي الخيل أبدا إلى يوم القيامة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث
عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
274

حدثنا ابن أبي داود الوحاظي قال ثنا زهير عن جابر بن عامر عن عروة البارقي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
وزاد الاجر والغنيمة
حدثنا محمد بن حميد قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا عبد الله بن سالم قال ثنا إبراهيم بن سليمان
الأفطس قال ثنا الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير قال حدثني سلمة بن قيس السكوي
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها
فإن قال قائل فما معنى اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم بالنهي عن إنزاء الحمير على الخيل
قيل له لما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا المرجي هو بن رجاء قال ثنا
أبو جهضم قال حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلا بثلاث أن لا نأكل الصدقة وأن نسبغ الوضوء وأن لا ننزي حمارا على فرس
قال فلقيت عبد الله بن الحسن وهو يطوف بالبيت فحدثته فقال صدق كانت الخيل قليلة في بني هاشم
فأحب أن تكثر فيهم
فبين عبد الله بن الحسن بتفسيره هذا المعنى الذي له أختص رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم أن لا تنزوا الحمار
على فرس وأنه لم يكن للتحريم وإنما كانت العلة قلة الخيل فيهم فإذا ارتفعت تلك العلة وكثرت الخيل
في أيديهم صاروا في ذلك كغيرهم
وفي اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن ذلك دليل على إباحته إياه لغيرهم
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل في ارتباط الخيل ما ذكرنا من الثواب والاجر وسئل عن ارتباط الحمير فلم يجعل
في ارتباطها شيئا والبغال التي هي خلاف الخيل مثلها كان من ترك أن تنتج ما في ارتباطه وكسبه ثواب
وأنتج ما لا ثواب في ارتباطه وكسبه من الذين لا يعلمون
فقد ثبت بما ذكرنا إباحة نتج البغال لبني هاشم وغيرهم وإن كان إنتاج الخيل أفضل من ذلك وهو قول
أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين
كتاب وجوه الفئ وخمس الغنائم
قال الله عز وجل ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل
وقال الله عز وجل وأعلموا أنما غنمتم من شئ فان لله خمسة وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل
275

قال أبو جعفر فكان ما ذكر الله عز وجل في الآية الأولى هو فيما صالح عليه المسلمون أهل الشرك من
الأموال وفيما أخذوه منهم في جزية رقابهم وما أشبه ذلك
وكان ما ذكره في الآية الثانية هو خمس ما غلبوا عليه بأسيافهم وما أشبهه من الركاز الذي جعل الله فيه
على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الخمس وتواترت بذلك الآثار عنه صلى الله عليه وسلم
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا ابن وهب قال حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد
بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الركاز الخمس
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فقال له السائل يا أبا محمد أمعه أبو سلمة فقال إن كان معه فهو معه فكان حكم جميع الفئ وخمس
الغنائم حكما واحدا
ثم تكلم الناس بعد ذلك في تأويل قوله عز وجل في آية الفئ فلله وفي الغنيمة فان لله
فقال بعضهم قد وجب لله عز وجل بذلك سهم في الفئ وفي خمس الغنيمة فجعل ذلك السهم
في نفقة الكعبة
ورووا ذلك عن أبي العالية كتب علي بن عبد العزيز حدثني عن أبي عبيد الله عن حجاج عن أبي جعفر
الرازي عن الربيع عن أبي العالية قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة فيضرب بيده فما وقع فيها
من شئ جعله للكعبة وهو سهم بيت الله ثم يقسم ما بقي على خمسة فيكون للنبي صلى الله عليه وسلم سهم ولذي القربى
سهم ولليتامى سهم وللمساكين سهم ولابن السبيل سهم
قال والذي جعله للكعبة هو السهم الذي جعله الله عز وجل
وذهب آخرون إلى ما أضاف الله جل ثناؤه إلى نفسه من ذلك أنه مفتاح كلام أفتتح به ما أمر من قسمة
الفئ وخمس الغنائم فيه قالوا وكذلك ما أضافه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورووا ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما
حدثنا محمد بن الحجاج بن سليمان الحضرمي ومحمد بن خزيمة بن راشد البصري وعلي بن عبد الرحمن
بن المغيرة الكوفي رحمة الله عليهم قالوا حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس فأربعة منها لمن قاتل عليها وخمس
واحد يقسم على أربعة فربع لله ولرسوله ولذي القربى يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم فما كان لله وللرسول فهو
لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئا والربع الثاني لليتامى والربع الثالث للمساكين
والربع الرابع لابن السبيل وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين
وذهب قوم إلى أن معنى قول الله عز وجل فأن لله خمسه مفتاح كلام وأن قوله وللرسول
يجب به لرسول الله سهم وكذلك ما أضافه إلى من ذكره في آية خمس الغنائم جميعا
276

ورووا ذلك عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال ثنا سفيان الثوري ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن قيس
بن مسلم قال سألت الحسن بن محمد بن علي عن قول الله عز وجل واعلموا أنما غنمتم من شئ
فأن لله خمسه الآية
قال أما قوله فأن لله خمسه فهو مفتاح كلام الله في الدنيا والآخرة وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل
فاختلف الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قائل سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة
وقال قائل سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده
ثم أجمع رأيهم على أن جعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله عز وجل فكان ذلك في إمارة
أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
فلما اختلفوا فيما يقسم عليه الفئ وخمس الغنائم هذا الاختلاف فقال كل فريق منهم ما قد ذكرناه عنه
وجب أن ننظر في ذلك لنستخرج من أقوالهم فيه قولا صحيحا
فاعتبرنا قول الذين ذهبوا إلى أنهما يقسمان على ستة أسهم وجعلوا ما أضافه الله عز وجل إلى نفسه من ذلك
يجب به سهم يصرف في حق الله تعالى كما ذكروا هل له معنى أم لا
فرأينا الغنيمة قد كانت محرمة على من سوى هذه الأمة من الأمم ثم أباحه الله لهذه الأمة رحمة منه إياها
وتخفيفا منه عنها وجاءت بذلك الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة عن سفيان عن الأعمش عن ذكوان عن أبي هريرة
رضي الله عنه أنه قال لم تحل الغنيمة لأحد سود الرؤس قبلنا كانت الغنيمة تنزل النار فتأكلها فنزلت لولا
كتاب من الله سبق لمسكم في الكتاب السابق
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا محمد بن يوسف الفريابي قال ثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن
أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحل الغنيمة لقوم سود الرؤس قبلكم
كانت تنزل نار من السماء فتأكلها حتى كان يوم بدر فوقعوا في الغنائم فاختلف بهم فأنزل الله تعالى لولا
كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا
ثم إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الأنفال فانتزعها الله منهم ثم جعلها لرسوله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله فيه
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا بن أبي الزناد قال حدثني
277

عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت
رضي الله عنهما قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فلقي العدو
فلما هزمهم الله أتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم واستولت طائفة
بالعسكر والنهب
فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا لنا النفل نحن طلبنا العدو وبنا نفاهم الله عز وجل وهزمهم
وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأحق منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم
لا ينال العدو
منه غرة
وقال الذين استولوا على العسكر والنهب والله ما أنتم أحق به منا نحن حويناه واستوليناه
فأنزل الله عز وجل يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول إلى قوله إن كنتم
مؤمنين) * فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم عن فواق
حدثنا مالك بن يحيى قال ثنا أبو النصر قال ثنا الأشجعي قال ثنا سفيان عن عبد الرحمن
بن الحارث بن أبي ربيعة عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام عن أبي أمامة رضي الله
عنه نحوه
ولم يذكر عبادة غير أنه قال فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم عن فواق بينهم ونزل القرآن يسألونك عن الأنفال
قل الأنفال لله والرسول
وقد قال قوم إن هذه الآية نزلت في غير هذا المعنى
حدثنا يحيى بن عثمان قال ثنا نعيم بن حماد قال ثنا عبد الله بن المبارك قال ثنا عبد الملك بن سليمان
عن عطاء في قوله يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول
قال ما ند من المشركين إلى المسلمين من غير قتال من دابة ونحو ذلك فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم
وقال والدليل على صحة هذا التأويل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر أبي بكرة
حدثنا فهد قال ثنا عثمان بن حفص بن غياث قال ثنا أبي عن حجاج عن الحكم عن مقسم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان من خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف أعتقه فكان أبو بكرة
منهم فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا فهد قال ثنا إسماعيل بن الخليل الكوفي قال أخبرنا علي بن مسهر عن الحجاج عن الحكم
عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف من خرج إليه من عبيد
الطائف فكان ممن عتق يومئذ أبو بكرة وغيره فكانوا موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أحمد بن داود بن موسى قال ثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال ثنا يحيى بن آدم عن الفضل
278

بن مهلهل عن المغيرة عن الشباك عن الشعبي عن رجل من ثقيف قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد إلينا
أبا بكرة فأبى علينا وقال هو طليق الله وطليق رسوله
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعتق أبا بكرة ومن نزل إليه من عبيد الطائف عتقا صاروا به مواليه
فدل ذلك على أن ملكهم كان وجب له قبل العتاق دون سائر من كان معه من المسلمين وأنهم إذا أخذوا
بغير قتال كما لو لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وذلك لرسوله صلى الله عليه وسلم دون من سواه وممن كان معه من المسلمين
وقد قال قوم إن تأويل هذه الآية أريد به معنى غير هذين المعنيين
حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا يحيى بن زكريا
بن أبي زائدة قال ثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما كان يوم بدر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا
فذهب شبان الرجال وجلس شيوخ تحت الرايات
فلما كانت الغنيمة جاء الشبان يطلبون نفلهم فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا تحت الرايات
لو انهزمتم كنا ردءا لكم فأنزل الله عز وجل يسألونك عن الأنفال فقرأ حتى بلغ كما
أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون
يقول أطيعوا في هذا الامر كما رأيتم عاقبة أمري حيث خرجتم وأنتم كارهون فقسم بينهم بالسوية
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسمه كله بينهم كما أنزل الله تعالى يسألونك عن الأنفال
قل الأنفال لله والرسول
وكان ما أضافه الله إلى نفسه على سبيل الفرض وما أضافه إلى رسوله على سبيل التمليك
وقد روي في ذلك وجه آخر أيضا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن سماك بن حرب عن مصعب
بن سعد عن أبيه قال نزلت في أربع آيات أصبت سيفا يوم بدر فقلت يا رسول الله نفلنيه
فقال ضعه من حيث أخذته
ثم قلت يا رسول الله نفلنيه فقال ضعه من حيث أخذته قلت يا رسول الله نفلنيه فقال ضعه
من حيث أخذته أتجعل كمن لا غنى له أو قال أو جعل كمن لا غني له الشك من بن مرزوق قال ونزول
يسألونك عن الأنفال إلى آخر الآية
قال أبو جعفر ففي هذه الآثار كلها التي أباحت الغنائم إنما جعلت في بدء تحليلها لله والرسول
فلم يكن ما أضاف منها إلى نفسه على أن يصرف شئ منها في حق الله تعالى فيصرف
ذلك في ذلك الحق بعينه لا يجوز أن يتعدى إلى غيره ويصرف بعينها إلى سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتكون مقسمة
279

على سهمين مصروفة في وجهين بل جعلت كلها متصرفة في وجه واحد وهو إن جعلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلم
يستأثر بها على أصحابه ولم يخص بها بعضهم دون بعض بل همهم بها جميعا وسوى بينهم فيها ولم يخرج
منها لله خمسا لان آية الخمس فئ الأفياء وآية الغنائم لم تكن نزلت عليه حينئذ
ففيما ذكرنا ما يدل على أنه لما نزلت آية الغنائم وهي التي وقع في تأويلها من الاختلاف ما قد ذكرنا
أن لا يكون ما أضاف الله تعالى منها إلى نفسه من الغنائم يجب به لله فيها سهم فيكون ذلك السهم خلاف
سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها
ولكنه كان منه على أنه له عز وجل فرض أن يقسم على ما سماه من الوجوه التي ذكرناها
فبطل بذلك قول من ذهب إلى أن الغنيمة تقسم على ستة أسهم
ثم رجعنا إلى قول من ذهب إلى أنها تقسم على أربعة أسهم إلى ما احتجوا به في ذلك من خبر بن عباس
رضي الله عنهما الذي رويناه في صدر هذا الكتاب وإن كان خبرا منقطعا لا يثبت مثله غير أن قوما من أهل
العلم بالآثار يقولون إنه صحيح وإن علي بن أبي طلحة وإن كان لم يكن رأى عبد الله بن عباس رضي الله
عنهما فإنما أخذ ذلك عن مجاهد وعكرمة مولى بن عباس رضي الله عنهما
حدثنا علي بن الحسين بن عبد الرحمن بن فهم قال سمعت أحمد بن حنبل يقول لولا أن رجلا رحل إلى
مصر فانصرف منها بكتاب التأويل لمعاوية بن صالح ما رأيت رحلته ذهبت باطلة
فوجدنا ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والتحية في آية الأنفال قد كان التمليك لا على ما سواه
فقد كان في هذا حجة قاطعة تغنينا عن الاحتجاج بما سواها على أهل هذا القول
ولكنا نريد في الاحتجاج عليهم فنقول قد وجدنا الله عز وجل أضاف إلى رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا من الفئ في غير
الآيتين اللتين قدمنا ذكرهما في أول هذا الباب فكان ذلك على التمليك منه إياه ما أضافه إليه من ذلك
عز وجل قال ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب
حدثنا يزيد بن سنان وأبو أمية قالا ثنا بشر بن عمر الزهراني قال ثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب
عن مالك بن أوس النضري قال أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال إنه قد حضر المدينة أهل
أبيات قومك وقد أمرنا لهم برضخ فاقسمه بينهم
فبينا أنا كذلك إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال هذا عثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير وطلحة يستأذنون
عليك فقال إيذن لهم
ثم مكثنا ساعة فقال هذا العباس وعلي يستأذنان عليك فقال إيذن لهما
فدخل العباس قال يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الرجل وهما حينئذ فيما أفاء الله على رسوله
من أموال بني النضير
فقال القوم اقض بينهما يا أمير المؤمنين وأرح كل واحد منهما عن صاحبه
280

فقال عمر رضي الله عنه أنشدكم الله الذي بإذنه تقوم السماوات والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لا نورث ما تركنا صدقة قالوا قد قال ذلك ثم قال لهما مثل ذلك فقالا نعم
قال فإني سأخبركم عن هذا الفئ إن الله خص نبيه بشئ لم يعطه غيره فقال ما أفاء الله على رسوله
منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب فوالله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم
ولقد قسمها بينكم وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال وكان ينفق منه على أهله رزق سنة ثم يجمع ما بقي
مجمع مال الله
أفلا ترى أن قوله عز وجل وما أفاء الله على رسوله منهم هو على فئ تملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم دون
سائر الناس ليس على مفتاح الكلام الذي يجب له به ملك
فكذلك ما أضافه إليه أيضا في آية الفئ وفي آية الغنيمة اللتين قدمنا ذكرهما في صدر هذا الكتاب هو على
التمليك منه ليس له على افتتاح الكلام الذي لا يجب له به ملك
فثبت بما ذكرنا أن الفئ والخمس من الغنائم قد كانا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفان في خمسة أوجه
لا في أكثر منها ولا فيما دونها
وقد كتب إلي علي بن عبد العزيز يحدثني عن أبي عبيد عن سعيد بن عفير عن عبد الله بن لهيعة عن
عبيد الله بن أبي جعفر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رأيت الغنائم تجزأ خمسة أجزاء ثم تسهم
عليهم فما أصاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له لا تحتاز
ثم حدثنيه يحيى بن عثمان قال ثنا أبي وسعيد بن عفير فذكره بإسناده ومتنه عنهما
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا نعيم بن حماد قال ثنا ابن المبارك قال أخبرنا بن لهيعة فذكر
بإسناده مثله
غير أنه قال مما أصاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له ويقسم البقية بينهم
وقد روي ذلك أيضا عن يحيى بن الجزار وعن عطاء بن أبي رباح
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن
موسى بن أبي عائشة قال سمعت يحيى بن الجزار يقول سهم النبي صلى الله عليه وسلم خمس الخمس
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك عن عبد الملك بن أبي سليمان عن
عطاء قال خمس الله عز وجل وخمس الرسول واحد
ثم تكلموا في تأويل قوله عز وجل ولذي القربى من هم
فقال بعضهم هم بنو هاشم الذين حرم الله عليهم الصدقة لا من سواهم من ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم
جعل الله لهم من الفئ ومن خمس الغنائم ما جعل لهم منها بدلا مما حرم الله عليهم من الصدقة
وقال قوم هم بنو هاشم وبنو المطلب خاصة دون من سواهم من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
281

وقال قوم هم قريش كلها الذين يجمعه وإياهم أقصى آبائه من قريش دون من سواهم ممن يقاربه من
قبل أمهاته ممن ليس من قريش غير أنه لم يكن عليه أن يعمهم إنما كان عليه أن يعطى من رأى إعطاءه منهم
دون بقيتهم
وقال قوم هم قرابته من قبل آبائه إلى أقصى أب له من قريش ومن قبل أمهاته إلى أقصى أم لكل أم منهن
من العشيرة التي هي منها
غير أنه لم يكن عليه أن يعمهم بعطيته إنما يعطي من رأى إعطاءه منهم
وقد احتج كل فريق منهم لما ذهب إليه في ذلك بما سنذكره في كتابنا هذا ونذكر مع ذلك ما يلزمه من
مذهبه إن شاء الله تعالى
فأما أهل القول الأول الذين جعلوه لبني هاشم خاصة فاحتجوا في ذلك بأن الله عز وجل اختصهم بذلك
بتحريمه الصدقة عليهم
فإن قولهم هذا عندنا فاسد لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرمت الصدقة على بني هاشم قد حرمها على مواليهم
كتحريمه إياها عليهم وتواترت عنه الآثار بذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم
عن المقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال استعمل أرقم بن أرقم على الصدقات فاستتبع أبا رافع فأتى
النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال يا أبا رافع إن الصدقة حرام على محمد وآل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم
حدثنا بكار بن قتيبة وإبراهيم بن مرزوق قالا ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن الحكم عن ابن
أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال
لأبي رافع أصحبني كيما نصيب منها
فقال حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال إن آل محمد لا يحل لهم الصدقة وإن مولى القوم من أنفسهم
حدثنا ربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا ورقاء بن عمر عن عطاء بن السائب
قال دخلت على أم كلثوم ابنة علي رضي الله عنهما فقالت إن مولى لنا يقال له هرمز أو كيسان أخبر أنه
مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فدعاني فقال يا أبا فلان إنا أهل بيت قد نهينا أن نأكل الصدقة وإن مولى القوم
من أنفسهم فلا تأكل الصدقة
فلما كانت الصدقة المحرمة على بني هاشم قد دخل فيهم مواليهم ولم يدخل مواليهم معهم في سهم ذوي القربى
باتفاق المسلمين ثبت بذلك فساد قول من قال إنما جعلت لذوي القربى في آية الفئ وفي آية خمس الغنيمة بدلا
مما حرم عليهم الصدقة
ويفسد هذا القول أيضا من جهة أخرى وذلك أنا رأينا الصدقة لو كانت حلالا لبني هاشم كهي لجميع المسلمين
لكانت حراما على أغنيائهم كرحمتها على أغنياء جميع المسلمين ممن سواهم
282

وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل بني هاشم في سهم ذوي القربى جميعا وفيهم العباس بن عبد المطلب
وقد كان موسرا في الجاهلية والاسلام جميعا
ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تعجل منه زكاة ماله عامين
فلما رأينا يساره لم يمنعه من سهم ذوي القربى وكان ذلك اليسار يمنعه من الصدقة قبل تحريم الله إياها على
بني هاشم فدل ذلك أن سهم ذوي القربى لم يجعل لمن يجعل له خلفا من الصدقة التي حرمت عليه
وأما الذين ذهبوا إلى أن ذوي القربى في الآيتين اللتين قدمنا في أول هذا الكتاب هم بنو هاشم وبنو المطلب
خاصة فإنهم احتجوا لقولهم بما روى جبير بن مطعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك
حدثنا علي بن شيبة ومحمد بن بحر بن مطر البغداديان قالا ثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا محمد بن
إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم قال لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى
به أعطى بني هاشم وبني المطلب ولم يعط بني أمية شيئا
فأتيت أنا وعثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم فصلهم الله بك فما بالنا وبني المطلب
وإنما نحن وهم في النسب شئ واحد
فقال إن بني المطلب لم يفارقوني في الجاهلية والاسلام
قالوا فلما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عم بعطيته ما أمر أن يعطيه ذوي قرباه بني هاشم وبني المطلب وحرم
من فوقهم فلم يعطه شيئا دل ذلك أن من فوقهم ليسوا من ذوي قرباه
وهذا القول أيضا عندنا فاسد لأنا قد رأيناه قد حرم بني أمية وبني نوفل ولم يعطهم شيئا لأنهم
ليسوا قرابة وكيف لا يكونون قرابة وموضعهم منه كموضع بني المطلب
فلما كان بنو أمية وبنو نوفل لم يخرجوا من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم بتركه إعطاءهم كان كذلك من فوقهم من
سائر بطون قريش لا يخرجون من قرابته بتركه إعطاءهم وقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا من سهم ذوي القربى
من ليس من بني هاشم ولا من بني المطلب ولكنه من قريش ممن يلقاه إلى أب هو أبعد من الأب من
الذي يلقاه عنه بنو أمية وبنو نوفل وهو الزبير بن العوام
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن هشام
بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده أنه كان يقول ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر
للزبير بن العوام بأربعة أسهم سهم للزبير وسهم لذي القربى لصفية بنت عبد المطلب أم الزبير
وسهمين للفرس
حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي قال ثنا سعيد بن داود الزبيري قال ثنا مالك بن أنس عن
أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير بن العوام يوم خيبر أربعة أسهم
سهما له مع المسلمين وسهمين للفرس وسهما لذي القرى
283

حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الأنصاري قال ثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال ثنا سفيان عن
هشام بن عروة عن أبيه قال كان الزبير يضرب له في الغنم بأربعة أسهم سهمين لفرسه وسهما لذي القربى
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطى الزبير بن العوام لقرابته منه من سهم ذوي القربى والزبير ليس من
بني هاشم ولا بني المطلب وقد جعله فيما أعطاه من ذلك كبني هاشم وبني المطلب دل ذلك أن ذوي القربى
لرسول الله صلى الله عليه وسلم هم بنو هاشم وبنو المطلب ومن سواهم من ذوي قرابته
فإن قال قائل إن الزبير وإن لم يكن من بني هاشم فإن أمه منهم وهي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم
فبهذا أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاه فقام عنده بموضعه منه بأمه مقام غيره من بني هاشم
قيل له لو كان ما وصفت كما ذكرت إذا لأعطى من سواه من غير بني هاشم ممن أمه من بني هاشم
وقد كان بحضرته من غير بني هاشم ممن أمهاتهم هاشميات ممن هو أمس برسول الله صلى الله عليه وسلم بنسب أمه رحما
من الزبير منهم أمامة ابنة أبي العاص بن الربيع وقد حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعطها شيئا من سهم ذوي القربى
إذ حرم بني أمية وهي من بني أمية ولم يعطها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمها الهاشمية وهي زينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورضي عنها
وحرم أيضا جعدة بن هبيرة المخزومي فلم يعطه شيئا وأمه أم هانئ ابنة أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم
فلم يعطه بأمه شيئا إذ كانت من بني هاشم
فدل ذلك أن المعنى الذي أعطى به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام ما أعطاه من سهم ذوي القربى ليس
لقرابته لامه ولكنه لمعنى غير ذلك
فثبت بما ذكرنا أن ذوي القربى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هم بنو هاشم وبنو المطلب ومن سواهم ممن هو له قرابة
من غير بني هاشم ومن غير بني المطلب
وقد أمر الله عز وجل رسوله في غير هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين فلم يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالنذارة بني هاشم وبني المطلب خاصة بل قد أنذر من قومه ممن هو أبعد منه رحما من بني أمية
ومن بني نوفل
حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال ثنا عباد بن يعقوب قال ثنا عبد الله بن عبد القدوس عن
الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله قال قال علي رضي الله عنه لما نزلت وأنذر عشيرتك
الأقربين قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي أجمع لي بني هاشم وهم أربعون رجلا أو أربعون إلا رجلا
ثم ذكر الحديث
قال أبو جعفر رضي الله عنه ففي هذا الحديث أنه قصد بالنذارة إلى بني هاشم خاصة
فحدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال ثنا محمد بن حميد قال ثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق
284

عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس عن
علي مثله غير أنه قال أجمع لي بني المطلب
حدثنا أحمد بن داود بن موسى قال ثنا مسدد بن مسرهد قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا سليمان
التيمي عن أبي عثمان النهدي عن قبيصة بن مخارق وزهير بن عمرو قالا لما نزلت وأنذر عشيرتك
الأقربين انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رضفة من جبل فعلا أعلاها ثم قال يا بني عبد مناف
إني نذير
ففي هذا الحديث إدخاله بني عبد مناف مع من هو أقرب إليه منهم من قرابته
حدثنا ربيع بن سليمان قال ثنا أبو الأسود وحسان بن غالب قالا ثنا صمام بن إسماعيل عن ابن
وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا بني هاشم يا بني قصي يا بني عبد مناف
أنا النذير والموت المغير والساعة الموعد
ففي هذا الحديث أنه دعا بني قصي مع من هو أقرب إليه منهم
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو الوليد وعفان عن أبي عوانة عبد الملك بن عمير عن موسى
بن طلحة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين قام نبي الله صلى الله عليه وسلم
فنادى يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم
أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة ابنة محمد أنقذي نفسك من النار
فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلاله
ففي هذا الحديث أنه أنذر بني كعب بن لؤي مع من هو أقرب إليه منهم
وفي الحديث أيضا أنه جعلهم جميعا ذوي أرحام
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا عمر بن حفص بن غياث قال ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
على الصفا فجعل ينادي يا بني عدي يا بني فلان لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع
أن يخرج أرسل رسولا لينظر
وجاء أبو لهب وقريش فاجتمعوا فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم
أكنتم مصدقي
قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد
ففي هذا الحديث أنه دعا بطون قريش كلها
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا سلامة بن روح قال ثنا ابن خالد قال حدثني الزهري
285

قال ثنا سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين أنزل عليه وأنذر عشيرتك الأقربين يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم
من الله شيئا يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب
لا أغني عنك من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله
لا أغني عنك من الله شيئا يا فاطمة ابنة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد وأبو سلمة
أن أبا هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله غير أنه قال يا صفية يا فاطمة
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمره الله عز وجل أن ينذر عشيرته الأقربين أنذر قريشا بعيدها وقريبها
دل ذلك أنهم جميعا ذوو قرابته ولولا ذلك لقصد بإنذاره إلى ذوي
قرابته منهم وترك من ليس منهم بذوي قرابة له فلم ينذره كما لم ينذر من يجمعه وإياه أب غير قريش
فإن قال قائل إنه إنما جمع قريشا كلها فأنذرها لان الله عز وجل أمره أن ينذر عشيرته الأقربين
ولا عشيرة له أقرب من قريش فلذلك دعا قريشا كلها إذ كانت بأجمعها عشيرته التي هي أقرب العشائر إليه
قيل له لو كان كما ذكرت إذا كان يقول وأنذر عشيرتك القربى ولكنه عز وجل لم يقل له كذلك
وقال له وأنذر عشيرتك الأقربين
فأعلمه أن كل أهل هذه العشيرة من أقربيه
فبطل بما ذكرنا قول من جعل ذا قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم وبني المطلب خاصة
وفيما ذكرنا من بعد هذه الحجة التي احتججنا بها ما يغنينا عن الاحتجاج لقول من قال إن ذوي قربى
رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قريش كلها
وقد روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تأويل قول الله عز وجل قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى ما يدل على هذا المعنى أيضا
حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي مريم قال ثنا الفريابي قال ثنا سفيان عن داود بن أبي هند عن الشعبي
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة
في القربى قال أن يصلوا قرابتي ولا يكذبوني فهذا على الخطاب لقريش كلها فقد دل ذلك على أن قريشا
كلها ذوو قرابته
وقد روي في ذلك أيضا عن عكرمة ما يدل على هذا المعنى أيضا
حدثنا ابن أبي مريم قال ثنا الفريابي قال ثنا يحيى بن أيوب البجلي قال سألت عكرمة عن قول الله
عز وجل قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال كانت قرابات النبي صلى الله عليه وسلم
من بطون قريش كلها فكانوا أشد الناس له أذى فأنزل الله تعالى فيهم قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة
في القربى
286

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا الحجاج بن نصير عن عمر بن فروخ عن حبيب بن الزبير قال أتى
رجل عكرمة فقال يا أبا عبد الله قول الله عز وجل قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى
قال أسبائي أنت قال لست بسبائي ولكني أريد أن أعلم
قال إن كنت تريد أن تعلم فإنه لم يكن حي من أحياء قريش إلا وقد عرق فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد كانت قريش يصلون أرحامهم من قبله فما عدا إذا جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الاسلام فقطعوه ومنعوه
وحرموه فقال الله عز وجل قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى أن تصلوني لما كنتم تصلون به
قرابتكم قبلي
وقد روي عن مجاهد في ذلك أيضا ما يدل على هذا المعنى
حدثنا ابن أبي مريم قال ثنا الفريابي قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله قل
لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى أن تتبعوني وتصدقوني وتصلوا رحمي
ففي ما روينا عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وعن عكرمة وعن مجاهد في تأويل هذه الآية
ما يدل على أن قريشا كلها ذوو قرابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد وافق ذلك ما ذكرناه في تأويل قول الله عز وجل وأنذر عشيرتك الأقربين غير أنه قد
روى عن الحسن في تأويل هذه الآية وجه يخالف هذا الوجه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن هشيم عن منصور بن زاذان
عن الحسن في قوله قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال التقرب إلى الله بالعمل الصالح
فأما من ذهب إلى أن قريشا من ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن من ذوي القربى أيضا من مسه برحم من
قبل أمهاته إلى أقصى كل أب لكل أم من أمهاته من العشيرة التي هي منها فإنه احتج لما ذهب إليه من ذلك
بالنظر وقال رأيت الرجل بنسبته من أبيه ومن أمه مختلفا ولم يمنعه اختلاف نسبه منهما أن كان ابنا لهما
ثم رأيناه يكون له قرابة لكل واحد منهما فيكون بموضعه من أبيه قرابة لذي قرابة أبيه ويكون بموضعه
من أمه قرابة لذي قربى أمه
ألا ترى أنه يرث إخوته لأبيه وإخوته لامه وترثه إخوته لأبيه وإخوته لامه وإن كان ميراث فريق
ممن ذكرنا مخالفا لميراث الفريق الآخر وليس اختلاف ذلك بمانع منه القرابة
فلما كان ذوو قربى أمه قد صاروا له قرابة كما أن ذوي قربى أبيه قد صاروا له قرابة كان ما يستحقه
ذوو قربى أبيه بقرابتهم منه يستحق ذوو قربى أمه بقرابتهم منه مثله
وقد تكلم أهل العلم في مثل هذا في رجل أوصى لذي قرابة فلان بثلث ماله فقالوا في ذلك أقوالا سنبينها
ونبين مذهب صاحب كل قول منها الذي أداه إلى قوله الذي قاله منها في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى
287

فكان أبو حنيفة رحمة الله عليه قال هي كل ذي رحم محرم من فلان الموصى لقرابته بما أوصى لهم به
من قبل أبيه ومن قبل أمه غير أنه يبدأ في ذلك بمن كانت قرابته منه من قبل أبيه على من كانت قرابته منه
من قبل أمه
وتفسير ذلك أن يكون له عم وخال فقرابة عمه منه من قبل أبيه كقرابة خاله منه من قبل أمه فيبدأ
في ذلك عمه على خاله فيجعل الوصية له
وكان زفر بن الهذيل يقول الوصية لكل من قرب منه من قبل أبيه أو من قبل أمه دون من كان أبعد
منه منهم وسواء في ذلك من كان منهم ذا رحم للموصى لقرابته ومن لم يكن منهم ذا رحم
وقال أبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهما الوصية في ذلك لكل من جمعه وفلانا أب واحد منذ كانت الهجرة
من قبل أبيه أو من قبل أمه
وسويا في ذلك بين من بعد منهم وبين من قرب وبين من كانت رحمه محرمة منهم وبين من كانت رحمه
منهم غير محرمة
ولم يفضلا في ذلك بين من كانت رحمه منهم من قبل الأب على من كانت رحمه منهم من قبل الام
وكان آخرون يذهبون في ذلك إلى أن الوصية بما وصفنا لكل من جمعه والموصى لقرابته أبوه الثالث إلى
من هو أسفل من ذلك
وكان يذهبون في ذلك إلى أن الوصية لكل من جمعه وفلانا الموصى لقرابته أبوه الرابع إلى من هو
أسفل من ذلك
وكان آخرون يذهبون في ذلك إلى أن الوصية فيما ذكرنا لكل من جمعه وفلانا الموصى لقرابته أب واحد
في الاسلام أو في الجاهلية ممن يرجع بآبائه أو بأمهاته إليه إما عن أب وإما عن أم إلى أن يلقاه يثبت به المواريث
ويقوم به الشهادات
فأما ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمة الله عليه مما ذكرنا في هذا الفصل ففاسد عندنا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما قسم سهم ذوي القربى أعطى بني هاشم وبني المطلب وأكثرهم غير ذوي أرحام محرمة
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أبا طلحة أن يجعل شيئا من ماله فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم لله ولرسوله
فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل في فقراء قرابته فجعله أبو طلحة لأبي بن كعب ولحسان بن ثابت
فأما حسان فيلقاه عند أبيه الثالث وأما أبي فيلقاه عند أبيه السابع وليسا بذوي أرحام منه محرمة
وجاءت بذلك الآثار
فمنها ما حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا أحمد بن خالد الوهبي قال ثنا الماجشون عن إسحاق
بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية لن البر
288

حتى تنفقوا مما تحبون جاء أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر قال وكان دار بن جعفر والدار
التي تليها قصر حديلة حوائط
قال وكان قصر حديلة حوائط لأبي طلحة فيها بير كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها فيشرب من مائها ويأكل ثمرها
فجاءه أبو طلحة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال إن الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما
تحبون فإن أحب أموالي إلي هذه البير فهي لله ولرسوله أرجو بره وذخره أجعله يا رسول الله
حيث أراك الله
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ يا أبا طلحة مال رابح قد قبلناه منك ورددناه عليك فاجعله في الأقربين
قال فتصدق أبو طلحة على ذوي رحمه فكان منهم أبي بن كعب وحسان بن ثابت
قال فباع حسان نصيبه من معاوية فقيل له إن حسانا يبيع صدقة أبي طلحة فقال لا أبيع صاعا
بصاع من دراهم
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال ثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك
رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال أو قال من ذا الذي
يقرض الله قرضا حسنا جاء أبو طلحة فقال يا رسول الله حائطي الذي بمكان كذا وكذا لو استطعت
أن أسره لم أعلنه قال أجعله في فقراء قرابتك وفقراء أهلك
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال ثنا أبي عن ثمامة قال قال أنس كانت
لأبي طلحة أرض فجعلها لله عز وجل
فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال اجعلها في فقراء قرابتك فجعلها لحسان وأبي قال أبي عن ثمامة عن أنس
رضي الله عنه وكانا أقرب إليه مني
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالكا حدثه عن إسحاق بن عبد الله
بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل
وكان أحب أمواله إليه حائطا حديلة وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من
ماء فيها طيب
قال أنس فلما نزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الله عز وجل يقول في كتابه لن تنالوا البر حتى تنفقوا
مما تحبون وإن أحب الأموال إلي الحائط فإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله
حيث شئت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذلك مال رابح بخ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت فيه وأنا أرى
أن تجعلها في الأقربين
289

فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه
قال أبو جعفر فهذا أبو طلحة رضي الله عنه قد جعلها في أبي وحسان وإنما يلتقي هو وأبي عند أبيه
السابع لان أبا طلحة أسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن
مالك بن النجار
وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وكلاهما
ليس بذي رحم محرم منه
فدل ذلك على فساد قول من زعم أن القرابة ليست إلا من كانت رحمه رحما محرمة
وأما ما ذهب إليه زفر بن الهذيل بما قد حكينا عنه في هذا الفصل ففاسد أيضا لأنا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما أعطى بني هاشم وبني المطلب ما أعطاهم من سهم ذوي القربى قد سوى بين من قربت رحمه منه وبين
من بعدت رحمه منهم منه وهم جميعا له ذوو قرابة
فلو كان من قرب منه يحجب من بعد منه إذا لما أعطاء بعيدا مع قريب لان الله عز وجل إنما أمره أن يعطى
ذا قرابته ولم يكن ليخالف ما أمره به
وهذا أبو طلحة فقد جمع في عطيته أبي بن كعب وحسان بن ثابت وأحدهما أقرب إليه من الآخر إن
كانا من ذوي قرابته
ولم يكن لما فعل من ذلك مخالفا لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعطائه بني المطلب
مع بني هاشم مخالفا أمره الله في إعطائه من أمره بإعطائه من قرابته
وأما ما ذهب إليه الذين قالوا قرابة الرجل كل من جمعه وإياه أبوه الرابع إلى من هو أسفل منه من آبائه
ففاسد أيضا لان أهله الذين ذهبوا إليه أيضا ولهم عليه فيما ذكروا إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من سهم ذوي القربى
بني المطلب وهم بنو أبيه الرابع ولم يعط بني أبيه الخامس ولا بني أحد من آبائه الذين فوق ذلك
وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم حرم بني أمية وبني نوفل فلم يعطهم شيئا ليس لأنهم ليسوا من ذوي قرابته
فكذلك يحتمل أيضا أن يكون إذ حرم من فوقهم أن يكون ذلك منه ليس لأنهم ليسوا من قرابته
وهذا أبو طلحة فقد أعطى ما أمره الله والنبي صلى الله عليه وسلم بإعطائه إياه ذا قرابته الفقراء بعض بني أبيه السابع
فلم يكن بذلك أبو طلحة رضي الله عنه لما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفا ولا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما فعله من ذلك
فأما ما ذهب إليه أن قرابة الرجل كل من جمعه وإياه أبوه الثالث إلى من هو أسفل من ذلك فإنهم
290

قالوا لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى أعطى بني هاشم جميعا وهم بنو أبيه الثالث فكانوا قرابتهم
منه وأعطى بني المطلب ما أعطاهم لأنهم حلفاؤه ولو كان أعطاهم لأنهم قرابته لأعطى من هو في القرابة
مثلهم من بني أمية وبني نوفل
فهذا القول عندنا فاسد لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان أعطى بني المطلب بالحلف لا بالقرابة لأعطى جميع
حلفائه فقد كانت خزاعة حلفاؤه ولقد ناشده عمرو بن سالم الخزاعي بذلك الحلف
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة
قال لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة وكانت خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وكانت بنو بكر حلفاء
قريش فدخلت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في صلح قريش
فكانت بين خزاعة وبين بكر بعد قتال فأمدتهم قريش بسلاح وطعام وظللوا عليهم وظهرت بنو بكر على
خزاعة فقتلوا فيهم
فقدم وافد خزاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر بما صنع القوم ودعاه إلى النصرة وأنشد في ذلك
لا هم إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا
والدا كنا وكنت ولدا * إن قريشا أخلفوك الموعدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا * ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وجعلوا لي بكداء رصدا * وهم أذل وأقل عددا
وهم أتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا
ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا * فانصر رسول الله نصرا أعتدا
وابعث جنود الله تأتي مددا * في فيلق كالبحر يأتي مزبدا
فيهم رسول الله قد تجردا * إن سيم خسفا وجهه تربدا
قال حماد وهذا الشعر بعضه عن أيوب وبعضه عن يزيد بن حازم وأكثره عن محمد بن إسحاق
291

حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن
الزهري وغيره نحوه غير أنه ذكر أن المناشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الشعر عمرو بن سالم
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدخل خزاعة في سهم ذوي القربى للحلف الذي بينه وبينهم استحال أن يكون
إعطاء بني المطلب للحلف ولو كان إعطاءهم للحلف أيضا لأعطى موالي بني هاشم وهو فلم يعطهم شيئا
وأما ما ذهب أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهما مما قد ذكرناه عنهما فهو أحسن هذه الأقوال
كلها عندنا لأنا رأينا الناس في دهرنا هذا ينسبون إلى العباس وكذلك آل علي وآل جعفر وآل عقيل
وآل الزبير وطلحة كل هؤلاء لا ينسب أولادهم إلا إلى أبيهم الأعلى فيقال بنو العباس وبنو علي وبنو
من ذكرنا حتى قد صار ذلك يجمعهم وحتى قد صاروا بآبائهم متفرقين كأهل العشائر المختلفة
فإن قال قائل رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذوي القربى إنما جعله فيمن يجمعه وإياه أب جاهلي فكان
بنو ذلك الأب من ذوي قرابته وكذلك من أعطاه أبو طلحة ما أعطاه ممن ذكرنا فإنما يجمعهم وإياه
أب جاهلي
292

فلم قلتم إن قرابة الرجل هي من جمعه وإياه أقصى آبائه في الاسلام
قيل له قد ذكرنا فيما تقدم منا في كتابنا هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى قرابة ومنع قرابة وقد كان كل
من أعطاه وكل من حرمه ممن لم يعطه ممن موضعه منه وموضع الذي أعطاه يجمعه وإياهم عشيرة واحدة
ينسبون إليها حتى يقال لهم جميعا هؤلاء القريشيون ولا ينسبون إلى ما بعد قريش فيقال هؤلاء الكنانيون
فصار أهل العشيرة جميعا بني أب واحد وقرابة واحدة وبانوا ممن سواهم فلم ينسبوا إليه فكذلك أيضا كل
أب حدث في الاسلام صار فخذا أو صار عشيرة ينسب ولده إليه في الاسلام فكان هو وولده ينسبون جميعا إلى
عشيرة واحدة قد تقدمت الاسلام فهم جميعا من أهل تلك العشيرة هذا أحسن الأقوال في هذا الباب عندنا
والله نسأله التوفيق
ثم رجعنا إلى ما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذوي قرباه فوجدنا الناس قد اختلفوا في ذلك
فقال بعضهم أعطاه بحق قد وجب لهم بذكر الله عز وجل إياهم في آية الغنائم وفي آية الفئ ولم يكن لرسول
الله صلى الله عليه وسلم منعهم من ذلك ولا التخطي به عنهم إلى غيرهم ولأنفسهم من خمس
جميع الفئ ومن خمس خمس جميع الغنائم كما ليس له منه منع المقاتلة من أربعة أخماس الغنائم ولا التخطي به عنهم إلى غيرهم
وقال آخرون لم يجب لذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حق في الفئ ولا في خمس الغنائم بالآيتين اللتين ذكرتهما
في أول كتابنا هذا وإنما وكد الله أمرهم بذكره إياهم في هاتين الآيتين ثم لا يجب بعد ذلك لهم في الفئ وخمس
الغنائم إلا كما يجب لغيرهم من سائر فقراء المسلمين الذين لا قرابة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روي هذا القول
عن عمر بن عبد العزيز
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني ثابت بن يعقوب عن داود
بن سعيد بن أبي الزبير عن مالك بن أنس رحمة الله عليه عن عمه أبي سهيل بن مالك قال هذا كتاب عمر بن
عبد العزيز في الفئ والمغنم
أما بعد فإن الله عز وجل أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بصائر ورحمة لقوم يؤمنون فشرع فيه الدين وأبهج
به السبيل وصرف به القول وبين ما يؤتى مما ينال به من رضوانه وما ينتهي عنه من مناهيه ومساخطه
ثم أحل حلاله الذي وسع به وحرم حرامه فجعله مرغوبا عنه مسخوطا على أهله وجعل مما رحم به هذه
الأمة ووسع به عليهم ما أحل من المغنم وبسط منه ولم يحظره عليهم كما ابتلى به أهل النبوة والكتاب ممن
كان قبلهم
فكان من ذلك ما نفل رسول الله صلى الله عليه وسلم لخاصة دون الناس مما غنمه من أموال بني قريظة والنضير إذ يقول
الله حينئذ ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله
يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير
فكانت تلك الأموال خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجب فيها خمس ولا مغنم ليولي الله ورسوله أمره
وأختار أهل الحاجة بها السابقة على ما يلهمه من ذلك ويأذن له به فلم يضر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخترها
293

لنفسه ولا لأقاربه ولم يخصص بهذا منهم بفرض ولا سهمان ولكن آثر بأوسعها وأكثرها أهل الحق
والقدمة من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله
ورسوله أولئك هم الصادقون
وقسم الله طوائف منها في أهل الحاجة من الأنصار وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم فريقا منها لنائبته وحقه
وما يعروه أي يعرض له ويعتريه غير مفتقد شيئا منها ولا مستأثر به ولا مريد أن يؤتيه أحد بعده فجعله صدقة
لا يورث لأحد فيه هادة في الدنيا ومحقرة لها وأثرة لما عند الله فهذا الذي لم يوجف فيه خيل ولا ركاب
ومن الأنفال التي آثر الله بها رسوله ولم يجعل لأحد فيها مثل الذي جعل له من المغنم الذي فيه اختلاف
من أختلف قول الله عز وجل ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي
القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم
ثم قال وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد
العقاب
فأما قوله فلله فإن الله تبارك وتعالى غني عن الدنيا وأهلها وكل ما فيها وله ذلك كله ولكنه يقول
اجعلوه في سبيله التي أمر بها
وقوله وللرسول فإن الرسول لم يكن له حظ في المغنم إلا كحظ العامة من المسلمين ولكنه يقول إلى
الرسول قسمته والعمل به والحكومة فيه
فأما قوله ولذي القربى فقد ظن جهلة من الناس أن لذي قربى محمد صلى الله عليه وسلم سهما مفروضا من المغنم
قطع عنهم ولم يؤته إياهم
ولو كان كذلك لبينه كما بين فرائض المواريث في النصف والرابع والسدس والثمن ولما نقص
حظهم من ذلك عناء كان عند أحدهم أو فقر كما لا يقطع ذلك حظ الورثة من سهامهم
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نفل لهم في ذلك شيئا من المغنم من العقار والسبي والمواشي
والعروض والصامت
ولكنه لم يكن في شئ من ذلك فرض يعلم ولا أثر يقتدى به حتى قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلا أنه قد قسم فيهم
قسما يوم خيبر لم يعم بذلك يومئذ عامتهم ولم يخصص قريبا دون آخر أحوج منه
لقد أعطى يومئذ من ليست له قرابة وذلك لما شكوا له من الحاجة وما كان منهم في جنبه من قومهم
وما خلص إلى حلفائهم من ذلك فلم يفضلهم عليهم لقرابتهم
ولو كان لذي القربى حق كما ظن أولئك لكان أخواله ذوي قربى وأخوال أبيه وجده وكل من ضربه
برحم فإنها القربى كلها
وكما لو كان ذلك كما ظنوا لأعطاهم إياه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بعدما وسع الفئ وكثر
294

وأبو الحسن رضي الله عنهما أي علي رضي الله عنه حين ملك ما ملك ولم يكن عليه فيه قائل أفلا علمهم
من ذلك أمرا يعمل به فيهم ويعرف بعده
ولو كان ذلك كما زعموا لما قال الله تعالى كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم فإن من
ذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان غنيا وكان في سعة يوم ينزل القرآن وبعد ذلك
فلو كان ذلك السهم جائزا له ولهم كانت تلك دولة بل كانت ميراثا لقرابته لا يحل لأحد قطعها ولا نقضها
ولكنه يقول لذي قربى بحقهم وقرابتهم في الحاجة
والحق اللازم كحق المسلمين في مسكنته وحاجته فإذا استغنى فلا حق له
واليتيم في يتمه وإن كان اليتيم ورث عن وارثه فلا حق له
وابن السبيل في سفره وصيرورته إن كان كبير المال موسعا عليه فلا حق له فيه ورد ذلك الحق
إلى أهل الحاجة
وبعث الله الذين بعث وذكر اليتيم ذا المقربة والمسكين ذا المتربة كل هؤلاء هكذا لم يكن نبي الله صلى الله عليه وسلم
ولا صالح من مضى ليدعوا حقا فرضه الله عز وجل لذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقومون لهم بحق الله فيه
كما قال أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأحكام القرآن ولقد أمضوا على ذلك عطايا من عطايا وضعها
في أفياء الناس وأن بعض من أعطى من تلك العطايا لمن هو على غير دين الاسلام فأمضوا ذلك لهم فمن زعم
غير هذا كان مفتريا متقولا على الله عز وجل ورسوله وصالح المؤمنين من الذين اتبعوا غير الحق
وأما قول من يقول في الخمس إن الله عز وجل فرضه فرائض معلومة فيها حق من سمى فإن الخمس في هذا
الامر بمنزلة المغنم
وقد آتي نبيه صلى الله عليه وسلم سبيا فأخذ منه أناسا وترك ابنته وقد أرأته يديها من محل الرحى فوكلها
إلى ذكر الله تعالى والتسبيح فهذه ادعت حقا لقرابته
ولو كان هذا الخمس والفئ على ما أظن من يقول هذا القول كان ذلك حيفا على المسلمين واعتزاما لما
أفاء الله عليهم ولما عطل قسم ذلك فيمن يدعى فيه بالقرابة والنسب والوراثة ولدخلت فيه سهمان العصبة والنساء
أمهات الأولاد
ويرى من تفقه في الدين أن ذلك غير موافق لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما سألتكم من أجر فهو لكم
وما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين وقول الأنبياء لقومهم مثل ذلك
وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعي ما ليس له ولا ليدع حظا ولا قسما لنفسه ولا لغيره واختاره الله لهم
وامتن عليهم فيه ولا ليحرمهم إياه
ولقد سأله نساء بني سعد بن بكر الفكاك وتخلية المسلمين من سباياهم بعد ما كانوا فيئا
ففكهم وأطلقهم
295

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل من أنعامهم شجرة بردائه فظن أنهم نزعوه عنه لو كان عدد شجر تهامة
نعما لقسمته بينكم وما أنا بأحق به منكم بقدر وبرة آخذها من كاهل البعير إلا الخمس فإنه مردود فيكم
ففي هذا بيان مواضع الفئ التي وجهها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بحكم الله تعالى وعدل قضائه
فمن رغب عن هذا أو ألحد فيه وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير ما سماه به ربه كان بذلك مفتريا مكذبا
محرفا لقول الله عز وجل عن مواضعه مصبرا بذلك ومن تابعه عليه على التكذيب وإلى ما صار إليه ضلال أهل
الكتابين الذين يدعون على أنبيائهم
قال أبو جعفر وقال آخرون إنما جعل الله أمر الخمس إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ليضعه فيمن رأى وضعه فيه من قرابته
غنيا كان أو فقيرا مع من أمر أن يعطيه من الخمس سواهم ممن تبين في آية الخمس ولذلك أمره في آية
الفئ أيضا
فلما اختلفوا في هذا الاختلاف الذي وصفنا وجب أن ننظر في ذلك لنستخرج من أقوالهم هذه
قولا صحيحا
فاعتبرنا قول من قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من قرابته من أعطى ما أعطاه بحق واجب لهم لم يذكر الله
إياهم في آية الغنائم وفي آية الفئ
فوجدنا هذا القول فاسدا لأنا رأيناه صلى الله عليه وسلم أعطى قرابة ومنع قرابة
فلو كان ما أضافه الله عز وجل إليهم في آية الغنائم وفي آية الفئ على طريق الفرض منه لهم إذا لما حرم
رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أحدا ولعمهم بما جعل الله لهم حتى لا يكون في شئ من ذلك خارجا عما أمره
الله به فيهم
ألا يرى أن رجلا لو أوصى لذي قرابة فلان بثلث ماله وهم يخصون ويعرفون أن القائم بوصيته ليس له وضع
الثلث في بعض القرابة دون بقيتهم حتى يعمهم جميعا بالثلث الذي يوصى لهم به ويسوى بينهم فيه وإن فعل فيه
ما سوى ذلك كان مخالفا لما أمر به
وحاش لله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ من فعله لما أمره الله به مخالفا ولحكمه تاركا
فلما كان ما أعطى مما صرفه في ذوي قرباه لم يعم به قرابته كلها استحال بذلك أن يكون الله عز وجل
لقرابته صلى الله عليه وسلم ما قد منعهم منه لان قرابته لو كان جعل لهم شئ بعينه كانوا كذوي قرابة فلان الموصى لهم بثلث
المال الذي ليس للوصي منع بعضهم ولا إيثار أحدهم دون أحد
فبطل بذلك هذا القول
ثم اعتبرنا قول الذين قالوا لم يجب لذي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حق في آية الفئ ولا في آية الغنائم
وإنما وكد أمره بذكر الله إياهم أي فيعطون لقرابتهم ولفقرهم ولحاجتهم
فوجدنا هذا القول فاسدا لأنه لو كان ذلك كما قالوا لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أغنياء بني هاشم منهم العباس
296

بن عبد المطلب فقد أعطاه معهم وكان موسرا في الجاهلية والاسلام حتى لقد تعجل
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذي القربى ليس للفقر لكن لمعنى سواه
ولو كان للفقر أعطاهم لكان ما أعطاهم ما سبيله سبيل الصدقة والصدقة محرمة عليهم
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن يزيد بن أبي مريم عن أبي الجوزاء
السعدي قال قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما ما تحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة فجعلتها في في فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقاه في التمر
فقال رجل يا رسول الله ما كان عليك في هذه التمرة لهذا الصبي
فقال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة
حدثنا بكار بن قتيبة وإبراهيم بن مرزوق قالا ثنا أبو عاصم عن ثابت بن عمارة عن ربيعة بن سنان
قال قلت للحسن فذكر نحوه إلا أنه قال في آخره ولا لأحد من أهله
حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا حماد وسعيد ابنا زيد عن أبي جهضم
موسى بن سالم عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس قال دخلنا علي بن عباس رضي الله عنهما
فقال ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ دون الناس إلا بثلاث إسباغ الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن
لا ننزي الحمر على الخيل
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا شبابة بن سوار وحدثنا محمد بن خزيمة
قال ثنا علي بن الجعد
وحدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال اخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من
تمر الصدقة فأدخلها في فيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كخ كخ ألقها ألقها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة
حدثنا بكار بن قتيبة وإبراهيم بن مرزوق قالا ثنا عبد الله بن بكر السهمي عن بهز بن حكيم عن أبيه
عن جده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون من أعطاها مؤتجرا فله
أجرها ومن معها فأنا آخذها منه وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لأحد منا منها شئ
حدثنا علي بن معبد قال ثنا الحكم بن مروان الضرير ح
وحدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قالا ثنا معروف بن واصل السعدي
قال سمعت حفصة في سنة تسعين قال بن أبي داود في حديثه ابنة طلق تقول ثنا رشيد بن مالك وأبو عمير قال
كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بطبق عليه تمر فقال أصدقة أم هدية فقال بل صدقة قال فوضعه بين يدي القوم
والحسن بين يديه فأخذ الصبي تمرة فجعلها في فيه فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعه وجعله يترفق به فأخرجها
فقذفها ثم قال إنا آل محمد لا نأكل الصدقة
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا علي بن حكيم الأودي قال أخبرنا شريك عن عبد الله بن عيسى
297

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت الصدقة فتناول الحسن تمرة فأخرجها من
فيه وقال إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال أخبرنا شريك فذكر بإسناده مثله
غير أنه قال إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة ولم يشك
قال أبو جعفر رضي الله عنه أفلا يرى أن الصدقة التي تحل لسائر الفقراء من غير بني هاشم من جهة الفقر
لا تحل لبني هاشم من حيث تحل لغيرهم
فكذلك الفئ والغنيمة لو كان ما يعطون منها على جهة الفقر إذا لما حل لهم
فأما ما أحتج به أهل هذا القول لقولهم من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بالتسبيح عندما سألته أن يخدمها
خادما عند قدوم السبي عليه فوكلها إذا بما أمرها به من التسبيح ولم يخدمها من السبي أحدا
فذكر في ذلك ما حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن الحكم
قال سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدث عن علي أن فاطمة رضي الله عنهما أتت رسول الله صلى الله عليه
وسلم تشكو إليه
أثر الرحى في يديها وبلغها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه سبي فأتته تسأله خادما فلم تلقه ولقيتها عائشة رضي الله عنهما
فأخبرتها الحديث
فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته بذلك
قال فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا أن نقوم فقال ألا أدلكما على خير مما سألتما
تكبران الله أربعا وثلاثين وتسبحان الله ثلاثا وثلاثين وتحمدان ثلاثا وثلاثين إذا أخذتما مضاجعكما فإنه
خير لكما من خادم
حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب
عن أبيه عن علي رضي الله عنه أنه قال لفاطمة ذات يوم قد جاء الله أباك بسعة من رقيق فاستخدميه فأتته
فذكرت ذلك له فقال والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة يطوون بطونهم ولا أجد ما أنفق عليهم ولكن أبيعها
وأنفق عليهم ألا أدلكما على خير مما سألتما علمنيه جبريل صلوات الله عليه كبرا في دبر كل صلاة عشرا وأحمدا
عشرا وسبحا عشرا فإذا أويتما إلى فراشكما ثم ذكر مثل ما ذكر في حديث سليمان بن شعيب
قال أبو جعفر فإن قال قائل أفلا يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخدمها من السبي خادما ولو كان لها فيه حق
بما ذكر الله من ذوي القربى في آية الغنيمة وفي آية الفئ إذا منعها من ذلك وآثر غيرها عليها
ألا تراه يقول والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة يطوون بطونهم ولا أجد ما أنفق عليهم
قيل له منعه إياها يحتمل أن يكون لأنها لم تكن عنده قرابة ولكنها كانت عنده أقرب من القرابة
لان الولد لا يجوز أن يقال هو قرابة أبيه وإنما القرابة من بعد الولد
298

ألا يرى إلى قول الله عز وجل في كتابه قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين
فجعل الوالدين غير الأقربين
فكما كان الولدان يخرجان من قرابة ولدهما فكذلك ولدهما يخرج من قرابتهما
ولقد قال محمد بن الحسن رحمة الله عليه في رجل أوصى بثلث ماله لذي قرابة فلان إن والديه وولده
لا يدخلون في ذلك لأنهم أقرب من القرابة
فيحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعط فاطمة ما سألته لهذا المعنى
فإن قال قائل فقد روى عنه أيضا في غير فاطمة من بني هاشم مثل هذا أيضا فذكر ما حدثنا ابن
أبي داود قال ثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال ثنا زيد بن الحباب قال حدثني عياش بن عقبة
قال حدثني الفضل بن الحسن عن عمرو بن الحكيم أن أمه حدثته أنها ذهبت هي وأمها حتى دخلتا على
فاطمة رضي الله عنها فخرجن جميعا فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقبل من بعض مغازيه ومعه رقيق فسألنه أن
يخدمهن فقال صريعكن يتامى أهل بدر
حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال ثنا محمد بن سلمة المرادي قال أملى علينا عبد الله بن وهب عن عياش
بن عقبة الحضرمي أن الفضل بن الحسن بن عمرو بن أمية حدثه أن بن أم الحكيم أو ضباعة ابنتي الزبير
بن عبد المطلب حدثه عن إحداهما أنها قالت أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيا فذهبت أنا وأختي فاطمة ابنة
النبي صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه ما نحن فيه وسألنا أن يعطينا شيئا من السبي
فقال النبي صلى الله عليه وسلم سبقكن يتامى بدر ولكن سأدلكن على ما هو خير لكن تكبرن الله على إثر كل
صلاة ثلاثا وثلاثين تكبيرة وثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة ولا إله إلا الله وحده لا شريك
له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير واحدة
قال عياش وهما ابنتا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا يحيى بن عثمان قال ثنا أصبغ بن الفرج قال ثنا عبد الله بن وهب فذكر بإسناده مثله
غير أنه قال ولا أدري ما أسم الرجل ولا أسم أبيه
قيل له ليس هذا حجة لك على من أوجب سهم ذوي القربى لأنه إنما يوجبه لمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم
إيثاره به
فقد يجوز أن يكون آثر به ذا قرباه من يتامى أهل بدر ومن الضعفاء الذين قد صاروا لضعفهم من أهل الصفة
فلما انتفى قول من رأى سهم ذوي القربى واحد بجملتهم على أنهم عنده بنو هاشم وبنو المطلب خاصة
لا يتخطون إلى غيرهم وقول من قال إن حق ذوي القربى في خمس في الغنائم وفي الفئ بفقرهم ولحاجتهم
بما احتججنا به على كل واحد من القولين
ثبت القول الآخر وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان له أن يخص به من شاء منهم
299

وحرم من منهم فإن قال قائل وما دليلك على ذلك قيل له قد ذكرنا من الدلائل على ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب
ما يغنينا عن إعادته ها هنا مع أنا نزيد في ذلك بيانا أيضا
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال ثنا جويرية بن أسماء عن مالك
بن أنس عن الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث
حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال أجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا لو بعثنا هذين الغلامين لي والفضل بن عباس
على الصدقة فأديا ما يؤدي الناس وأصابا ما يصيب الناس
قال فبينا هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب ووقف عليهما فذكر ذلك له فقال علي لا تفعلا فوالله
ما هو بفاعل
فقالا ما يمنعك هذا إلا نفاسة علينا فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسنا عليك
فقال علي أنا أبو حسن أرسلاهما فانطلقا وأضطجع فلما صلى صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا
عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا فقال أخرجا ما تضمران ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب ابنة جحش
فتواكلنا الكلام
ثم تكلم أحدنا فقال يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وبلغنا النكاح وقد جئناك لتؤمرنا
على بعض الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدون ونصيب كما يصيبون فسكت حتى أردنا أن نكلمه وجعلت زينب
تلمع إلينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه فقال إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس أدع إلي
محمية وكان على الخمس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب فجاءاه
فقال لمحية أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس فأنكحه
وقال نوفل بن الحارث أنكح هذا الغلام فأنكحني
فقال لمحمية أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا
أفلا يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر محمية أن يصدق عنهما من الخمس ولم يقسم الخمس بعد ذلك عن عدد
بني هاشم وبني المطلب فيعلم مقدار ما لكل واحد منهم
فدل ذلك على أنه أتى ما سمى الله لذوي القربى في الآيتين اللتين ذكرناهما في صدر كتابنا هذا ليس لقوم
بأعيانهم لقرابتهم
لو كان ذلك كذلك إذا لوجب التسوية فيه بينهم وإذا لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبسه في يد محمية دون
أهله حتى يضعه فيهم كما لم يحبس أربعة أخماس الغنائم عن أهلها ولم يول عليها حافظا دون أهلها
ففي تولية النبي صلى الله عليه وسلم على الخمس من الغنائم من يحفظه حتى يضعه فيمن بأمره النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه فيه دليل
على أن حكمه إليه فيمن يرى في ذوي قرباه ولو كان لذوي القربى حق بعينه لا يجوز أن يصرف سهم عن كل
واحد منهم حظه منه إلى من سواه وإن كانوا أولي قربى لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبس حقا للفضل بن العباس
300

بن عبد المطلب ولا لعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ولا عن غيرهما حتى يؤدي إلى كل واحد منهم حقه
ولما أحتاج الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة أن يصدق عنهما شيئا قد جعله الله لهما بالآية التي ذكرهم فيها
ففي انتفاء ما ذكرنا دليل صحيح وحجة قائمة أن ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله في ذوي قرباه الذين جعله
فيهم وما قد كان له صرفه عنهم إلى ذوي قرباه مثلهم وأن بعضهم لم يكن أولى به من بعض إلا من رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه فيه منه فيكون بذلك أولى ممن رأى يحظيه به منهم
وفي ذلك أيضا حجة أخرى وهي أن فهد بن سليمان بن يحيى قد حدثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا
حماد بن سلمة عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن رجل من بلقين قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو
بوادي القربى فقلت يا رسول الله لمن المغنم فقال لله سهم ولهؤلاء أربعة أسهم
قلت فهل أحد أحق بشئ من المغنم من أحد قال لا حتى السهم يأخذه أحدكم من جنه فليس بأحق
به من أخيه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن المبارك عن خالد الحذاء عن عبد الله
بن شقيق عن رجل من بلقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا شعبة عن أبي حمزة قال كنت
أقعد مع بن عباس رضي الله عنهما فقال إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال من القوم أو من الوفد
قالوا ربيعة قال مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا نادمين
قالوا يا رسول الله إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأصل فصل نخبر به من وراءنا
وندخل به الجنة
قال أتدرون ما الايمان بالله وحده قالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن يعطوا من المغنم الخمس
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن زيد عن أبي حمزة عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلم أنه قد أضاف الخمس من الغنيمة إلى الله عز وجل ولم يضف
إليه أربعة أخماسها وأن ما سواه منها لقوم بغير أعيانهم يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم على ما يرى ولو كان
لذي القربى المعلوم عددهم لم يكن كذلك
أفلا يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الخمس ليضعه فيما يرى وضعه ويقسم ما بقي بعده على السهمان
فدل أن ما كان يقسمه على السهمان أنه لقوم بأعيانهم لا يجوز لأحد منعهم منه وأن الذي يأخذه لا يقسمه
حتى يدخل فيه رأيه هو الذي ليس لقوم بأعيانهم وأنه مردود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يضعه فيما يرى
ثم تكلم الناس في حكم ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضعه في ذوي قرباه في حياته كيف حكمه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
فقال قائلون هو راجع من قرابته إلى قرابة الخليفة من بعده
301

وقال آخرون هو لبني هاشم ولبني المطلب خاصة
وقال آخرون وهم الذين ذهبوا إلى أن ما كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم وضعه فيه من قرابته
هو منقطع عنهم بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فنظرنا في هذه الأقوال لنستخرج منها قولا صحيحا فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حياته في المغنم سهم
الصفي لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك
وقد روي عنه فيه ما حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا أبو هلال
الراسبي عن أبي حمزة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا إن
بيننا وبينك هذا الحي من مضر وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام فمرنا بأمر نأخذ به ونحدث به
من بعدنا
قال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع شهادة أن لا إله إلا الله وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة
وتعطوا سهم الله من الغنائم والصفي وأنهاكم عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت
حدثنا أحمد بن داود بن موسى قال ثنا أبو الوليد الطيالسي قال ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن
عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفل صفة ذا الفقار يوم بدر
حدثنا مالك بن يحيى الهمداني قال ثنا أبو النذر قال ثنا الأشجعي عن سفيان عن مطرف
قال سألت الشعبي عن سهم النبي صلى الله عليه وسلم كسهم رجل من المسلمين وكان الصفي يصفي به إن شاء عبدا وإن شاء
أمة وإن شاء فرسا
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن
عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة ذا الفقار يوم وهو
الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عبد العزيز بن محمد عن أسامة بن زيد الليثي عن ابن
شهاب عن مالك بن أوس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال فيما يحتج به كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاث صفايا بني النضير وخيبر وفدك
فأما بنو النضير فكانت فجزأها ثلاثة أجزاء فقسم منها جزءا بين المسلمين وحبس جزءا للنفقة
فما فضل عن أهله رده إلى فقراء المهاجرين
حدثنا مالك بن يحيى الهمداني قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء قال أخبرنا الجريري عن أبي العلاء
قال بينما أنا مع مطرف بأعلى المربد في سوق الإبل إذ أتي علينا أعرابي معه قطعة أديم أو قطعة جراب
شك الجريري
فقال هل فيكم من يقرأ فقلت أنا أقرأ قال ها فاقرأه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه لنا
302

فإذا فيه من محمد النبي لبني زهير بن قيس حي من عكل إنهم شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله وفارقوا المشركين وأقروا بالخمس في غنائمهم وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفية فإنهم آمنون بأمان الله
فقال له بعضهم هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا تحدثنا
قال نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن يذهب عنه وخر الصدر فليصم شهر الصبر وثلاثة أيام
من كل شهر
فقال رجل من القوم أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألا أراكم تروننا أني أكذب
على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حدثتكم اليوم حديثا فأخذها ثم أنطلق
قال أبو جعفر وأجمعوا جميعا أن هذا السهم ليس للخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ليس فيه كالنبي صلى الله عليه وسلم
فلما كان الخليفة لا يخلف النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان له مما خصه الله به دون سائر المقاتلين معه كانت قرابته
أحرى أن لا تخلف قرابة النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان لهم في حياته من الفئ والغنيمة
فبطل بهذا قول من قال إن سهم ذوي القربى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لقرابة الخليفة من بعده
ثم رجعنا إلى ما قال الناس سوى هذا القول من هذه الأقوال التي ذكرناها في هذا الفصل
فأما من خص بني هاشم وبني المطلب دون من سواهم من ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل سهم ذوي
القربى لهم خاصة فقد ذكرنا فساد قوله فيما تقدم في كتابنا هذا فأغنانا ذلك عن إعادته ها هنا
وكذلك من جعله لفقراء قرابة النبي صلى الله عليه وسلم دون أغنيائهم وجعلهم كغيرهم من سائر فقراء المسلمين
فقد ذكرنا أيضا فيما تقدم من هذا الكتاب فساد قوله فأغنانا عن إعادته ها هنا
وبقى قول الذين يقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له أن يضعه فيمن رأى وضعه فيه من ذوي قرابته وأن
أحدا منهم لا يستحق منه شيئا حتى يعطيه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان له أن يصطفي من المغنم لنفسه ما رأى
فكان ذلك منقطعا بوفاته غير واجب لأحد من بعد وفاته
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك ماله أن يخص به من رأى من ذوي قرباه دون من سواه من ذوي قرباه
في حياته إلا أن يكون ذلك إلى أحد من بعد وفاته
ولما بطل أن يكون ذلك إلى أحد بعد وفاته بطل أن يكون ذلك السهم لأحد من ذوي قرابته بعد وفاته
فإن قال قائل فقد أبى ذلك عليكم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم ذكر
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثني عمي جويرية بن أسماء
عن مالك عن ابن شهاب عن يزيد بن هرمز حدثه أن نجدة صاحب اليمامة كتب إلى بن عباس رضي الله
عنهما يسأله عن سهم ذوي القربى
فكتب إليه بن عباس رضي الله عنهما إنه لنا وقد كان عمر بن الخطاب دعانا لينكح منه أيمنا ويقضي
منه غارمنا فأبى أن يسلمه لنا كله ورأينا أنه له
303

حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت قيسا يحدث عن يزيد
بن هرمز قال كتب نجدة إلى بن عباس رضي الله عنهما يسأله عن سهم ذوي القربى الذين ذكرهم الله
عز وجل وفرض لهم
فكتب إليه وأنا شاهد كتابه إنهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى ذلك علينا قومنا
قيل له إنا لم ندفع أن يكون قد خولفنا فيما ذهبنا إليه مما ذكرنا ولكن عبد الله بن عباس رأى في ذلك
أن سهم ذوي القربى ثابت وأنهم بنو هاشم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته وقد أخبر أن قومه أبوا ذلك عليه
وفيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن تابعه منهم
وعلى ذلك فمثل من ذكرنا يكون قوله معارضا لقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
ولقد حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن ابن حميد
قال وقعت جرة فيها ورق من دير حرب فأتيت بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال أقسمها على خمسة أخماس
فخذ أربعة وهات خمسا
فلما أدبرت قال أفي ناحيتك مساكين فقراء فقلت نعم قال فخذه فاقسمه بينهم
أفلا يرى أن عليا رضي الله عنه قد أمره أن يقسم الخمس من الركاز في فقراء ناحيته فلم يوجب عليه
دفع شئ منه إلى أحد من ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهذا خلاف ما كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما رآه في ذلك
وقد حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أزهر بن سعد السمان عن ابن عون قال حدثني عمير بن إسحاق
قال حدثني عبد الله بن عبد الله بن أمية اللهم أو حدث القوم وأنا فيهم قال حدثني عبد الرحمن بن عوف
قال أرسل إلي عمر ظهرا فأتيته فلما انتهيت إلى الباب سمعت نحيبا شديدا فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون
أعيرى عمر أمير المؤمنين فدخلت حتى جئت فوقعت يدي عليه فقلت لا بأس بك يا أمير المؤمنين فقال أعجبك
ما رأيت قلت نعم قال ها إن الخطاب على الله لو كرسنا عليه كان حذا إلى صاحبي قبلي
قال ثم قال اجلس بنا نتفكر فكتبنا المحقين في سبيل الله وكتبنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومن دون ذلك
فأصاب المحقين في سبيل الله أربعة آلاف وأصاب أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن ومن دون ذلك ألفا
حتى وزعن المال
أفلا ترى أن عمر وعبد الرحمن بن عوف قد سويا بين المحقين وبين أهل الدرجة التي بعدهم ولم يدخل
في ذلك ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقرابتهم كما أدخلا الاستحقاق باستحقاقهم
وقد حدثنا أيضا يزيد بن سنان قال ثنا محمد بن أبي رجاء الهاشمي قال ثنا أبو معشر عن زيد
بن أسلم عن أبيه عن عمر بن عبد الله مولى غفرة قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبو بكر رضي الله
عنه قدم عليه مال من البحرين فقال من كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليأتني وليأخذ
304

فأتى جابر بن عبد الله فقال وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه مال من البحرين أعطاني هكذا وهكذا وهكذا
ثلاث مرات ملء كفيه قال خذ بيدك فأخذ بيده فوجدها خمسمائة فقال أعدد إليها ألفا
ثم أعطى من كان وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ثم قسم بين الناس ما بقي فأصاب كل إنسان منهم عشرة دراهم
فلما كان العام المقبل جاءه مال كثير أكثر من ذلك فقسمه بين الناس فأصاب كل إنسان عشرون درهما
وفضل من المال فضل
فقال يا أيها الناس قد فضل فضل ولكم قدم يعالجون لكم ويعملون لكم فإن شئتم رضخنا لهم
فرضخ لهم خمسة دراهم خمسة دراهم
فقيل يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لو فضلت المهاجرين والأنصار بفضلهم
قال إنما أجورهم على الله إنما هذا مغانم والأسوة في المغانم أفضل من الأثرة
فلما توفي أبو بكر رضي الله عنه واستخلف عمر فتحت عليه الفتوح وجاءهم مال أكثر من ذلك فقال
كان لأبي بكر رضي الله عنه في هذا المال رأي ولي رأي آخر رأي أبو بكر أن يقسم بالسوية ورأيت أن
أفضل المهاجرين والأنصار ولا أجعل من قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كمن قاتل معه
ففضل المهاجرين والأنصار فجعل لمن شهد بدرا منهم خمسة آلاف ومن كان له إسلام مع إسلامهم إلا أنه
لم يشهد بدرا أربعة آلاف أربعة آلاف وللناس على قدر إسلامهم ومنازلهم
وفرض لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفا لكل امرأة منهن إلا صفية وجويرية فرض لهما ستة آلاف
ستة آلاف فأبتا أن تأخذا
فقال إنما فرضت لكن بالهجرة فقالتا إنما فرضت لهن لمكانهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنا مثل مكانهن
فأبصر ذلك عمر رضي الله عنه فجعلنه سواء
وفرض للعباس بن عبد المطلب اثني عشر ألفا لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض لنفسه خمسة آلاف
وفرض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه خمسة آلاف وربما زاد الشئ وفرض للحسن والحسين رضي الله
عنهما خمسة آلاف خمسة آلاف ألحقهما بأبيهما لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرض لأسامة بن زيد رضي الله
عنه أربعة آلاف وفرض لعبد الله بن عمر
رضي الله عنهما ثلاثة آلاف فقال له عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بأي شئ زدته علي قال فبما فما كان لأبيه من الفضل
ما لم يكن لك ولم يكن له من الفضل ما لم يكن لي فقال إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك وكان هو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك
وفرض لأبناء المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرا ألفين ألفين فمر به عمر بن أبي سلمة فقال زده ألفا يا غلام
وقال محمد بن عبد الله بن جحش لأي شئ زدته علي والله ما كان لأبيه من الفضل ما لم يكن لآبائنا
قال فرضت لأبي سلمة ألفين وزدته لام سلمة ألفا فلو كانت لك أم مثل أم سلمة زدتك ألفا
305

وفرض لأهل مكة ثماني مائة في الشرف منهم ثم الناس على قدر منازلهم وفرض لعثمان
بن عبد الله بن عثمان بن عمرو ثماني مائة وفرض للنضر بن أنس في ألفي درهم
فقال له طلحة بن عبيد الله جاءك بن عثمان بن عمرو ونسبه إلى جده ففرضت له ثماني مائة وجاءك هنبة
من الأنصار ففرضت له في الفين
فقال إني لقيت أبا هذا يوم أحد فسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما أراه إلا قد قتل فسل سيفه
وكسر غمده وقال إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل فإن الله حي لا يموت وقاتل حتى قتل وهذا يرعى الغنم بمكة
أفتراني اجعلهما سواء
قال فعمل عمر عمره كله بهذا حتى إذا كان في آخر السنة التي قتل فيها سنة ثلاث وعشرين حج
فقال أناس من الناس لو مات أمير المؤمنين قمنا إلى فلان بن فلان فبايعناه
قال أبو معشر يعنون طلحة بن عبيد الله
فلما قدم عمر المدينة خطب فقال في خطبته رأى أبو بكر في هذا المال رأيا رأى أن يقسم بينهم بالسوية
ورأيت أن أفضل المهاجرين والأنصار بفضلهم فإن عشت هذه السنة أرجع إلى رأي أبي بكر فهو خير
من رأي
أفلا ترى أن أبا بكر رضي الله عنه لما قسم سوى بين الناس جميعا فلم يقدم ذوي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم على
من سواهم ولم يجعل لهم سهما في ذلك المال أبانهم به عن الناس
فذلك دليل على أنه كان لا يرى بهم بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا في مال الفئ سوى ما يأخذونه كما يأخذ
من ليس بذوي القربى
ثم هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أفضى إليه الامر ورأي التفضيل بين الناس على المنازل لم يجعل
لذوي القربى سهما يبينون أي يمتازون به على الناس ولكنه جعلهم وسائر الناس سواء وفضل بينهم بالمنازل غير
ما يستحقونه بالقرابة لو كان لأهلها سهم قائم
فدل ذلك على ما ذهبنا إليه من ارتفاع سهم ذوي القربى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث روى عن عمر رضي الله
عنه
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا ابن هلال قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة بن خالد عن مالك
بن أوس قال كنت جالسا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجاءه علي والعباس رضي الله عنهما يختصمان
قال العباس يا أمير المؤمنين أقض بيني وبين هذا الكذا الكذا
قال حماد أنا أكني عن الكلام
فقال والله لأقضين بينكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي وولي أبو بكر صدقته فقوي عليها وأدى فيها الأمانة
فزعم هذا أنه خان وفجر وكلمة قالها أيوب قال والله يعلم أنه ما خان ولا فجر ولا كذا
306

قال حماد وحدثنا عمرو بن دينار عن مالك وغير واحد عن الزهري أنه قال لقد كان فيها راشدا تابعا
للحق ثم رجع إلى حديث أيوب
فلما توفي أبو بكر رضي الله عنه وليتها بعده فقويت عليها فأديت فيها الأمانة وزعم هذا أتى خنت
ولا فجرت ولا تيك الكلمة
وفي حديث عمرو عن الزهري ولقد كنت فيها راشدا تابعا للحق
ثم رجع إلى حديث عكرمة ثم أتياني فقالا أدفع إلينا صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعتها إليهما فقال هذا
لهذا أعطني نصيبي من بن أخي وقال هذا لهذا أعطني نصيبي من امرأتي من أبيها وقد علم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم
لا يورث ما ترك صدقة
وفي حديث عمرو عن الزهري إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنا لا نورث ما تركنا صدقة
ثم رجع إلى حديث عكرمة ثم تلا عمر رضي الله عنه إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين
عليها الآية
فهذه لهؤلاء ثم تلا وأعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى
آلى آخر الآية
ثم قال وهذه لهؤلاء
وفي حديث عمرو عن الزهري قال ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل
ولا ركاب إلى آخر الآية
فكانت هذه خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يوجف المسلمون فيه خيلا ولا ركابا فكان يأخذ من ذلك قوته
وقوت أهل ويجعل بقية المال لأهله ثم رجع إلى حديث أيوب ثم تلا ما أفاء الله على رسوله من أهل
القرى فلله وللرسول ولذي القربى إلى آخر الآية ثم للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من
ديارهم وأموالهم حتى بلغ أولئك هم الصادقون فهؤلاء المهاجرون ثم قرأ والذين تبوؤا
الدار والايمان من قبلهم حتى بلغ حماء * (فأولئك هم المفلحون قال فهؤلاء الأنصار
قال ثم قرأ والذين جاؤوا من بعدهم حتى بلغ رؤوف رحيم)
* فهذه الآية استوعبت المسلمين الاله حق إلا ما يملكون من رقيقكم فإن أعش إن شاء الله لم يبق أحد
من المسلمين إلا سآتيه حقه حتى راعى الثلة يأتيه حظه أو قال حقه
قال فهذا عمر رضي الله عنه قد تلا في هذا الحديث وأعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه
وللرسول ولذي القربى إلى آخر الآية
ثم قال وهذه لهؤلاء
فدل ذلك أن سهم ذوي القربى قد كان ثابتا عنده لهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما كان لهم في حياته
307

قيل له ليس فيما ذكرت على ما ذهبت إليه وكيف يكون لك فيه دلالة على ما ذهبت إليه وقد كتب
عبد الله بن عباس رضي الله عنهما إلى نجدة حين كتب يسأله عن سهم ذوي القربى قد كان عمر بن الخطاب دعانا
إلى أن ينكح منه أيمنا ويكسو منه عارينا فأبينا عليه إلا أن يسلمه لنا كله فأبى ذلك علينا
فهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يخبر أن عمر أبى عليهم دفع السهم إليهم لأنهم لم يكن عنده لهم
فكيف يتوهم عليه فيما روي عنه مالك بن أوس غير ذلك
ولكن معنى ما روى عنه مالك بن أوس في هذا الحديث من قوله فهذه لهؤلاء أي فهي لهم على معنى
ما جعلها الله لهم في وقت إنزاله الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وعلى مثل ما عني به عز وجل ما جعل لرسول
الله صلى الله عليه وسلم فيها من السهم الذي أضافه إليه
فلم يكن ذلك السهم جاريا له صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد وفاته غير منقطع إلى يوم القيامة بل كان جاريا له في حياته
منقطعا عنه بموته
وكذلك ما أضافه فيها إلى ذوي قرباه كذلك أيضا واجبا لهم في حياته يضعه عليه السلام فيمن شاء منهم
مرتفعا بوفاته كما لم يكن قول عمر فهذه لهؤلاء لا يجب به بقاء سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الوقت الذي قال فيه ما قال
كان ذلك قوله فهي لهؤلاء لا يجب به بقاء سهم ذوي القربى إلى الوقت الذي قال فيه ما قال معارضة صحيحة
باقية أن يكون حديث مالك بن أوس هذا عن عمر مخالفا لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله
عنه في سهم ذوي القربى
ولقد حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا حماد بن سلمة عن الكلبي عن أبي صالح
عن أم هانئ أن فاطمة رضي الله عنها قالت يا أبا بكر من يرثك إذا مت قال ولدي وأهلي
قالت فما لك ترث النبي صلى الله عليه وسلم دوني
قال يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ورث أبوك دارا ولا ذهبا ولا غلاما
قالت ولا سهم الله عز وجل الذي جعله لنا وصافيتنا التي بيدك
فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما هي طعمة أطعمنيها الله عز وجل فإذا مت كانت بين المسلمين
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا موسى بن إسماعيل قال ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن السائب عن
أبي صالح عن أم هانئ أن فاطمة رضي الله عنها قالت لأبي بكر من يرثك إذا مت قال ولدي وأهلي
قالت فمالك ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم دوننا
قال يا ابنة رسول الله ما ورث أبوك دارا ولا مالا ولا غلاما ولا ذهبا ولا فضة
قالت فدك التي جعلها الله لنا وصافيتنا التي بيدك لنا
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنما طعمة أطعمنيها الله عز وجل فإذا مت فهي بين المسلمين
أفلا يرى أن أبا بكر رضي الله عنه قد أخبر في هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ما كان يعطيه ذوي قرباه
فإنما كان من طعمة أطعمها الله إياه وملكه إياها حياته وقطعها عن ذوي قرابته بموته
308

وقد ذكرنا في صدر هذا الكتاب عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب أنه قال أختلف
الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قائل سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة وقال قائل سهم النبي صلى الله عليه وسلم
للخليفة من بعده ثم أجتمع رأيهم على أن جعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله فكان ذلك في إمارة
أبي بكر رضي الله عنه
فلما أجمعوا بعد ما كانوا اختلفوا كان إجماعهم حجة
وفيما اجمعوا عليه من ذلك بطلان سهم ذوي القربى من المغانم والفئ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن قال قائل فأما ما رويتموه عن علي رضي الله عنه فإنما كان فيما ذهب إليه من ذلك متابعا لأبي بكر
وعمر رضي الله عنهما كراهة أن يدعى عليه خلافهما
وذكر في ذلك ما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن المبارك عن محمد
بن إسحاق قال سألت أبا جعفر قلت أرأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث ولى العراق وما ولى من
أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى
قال سلك به والله سبيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
قلت وكيف وأنتم تقولون قال أما والله ما كان أهله يصدرون إلا عن رأيه
قلت فما منعه قال كره والله أن يدعى عليه خلاف أبي بكر رضي الله عنه
قيل له هذا تأوله محمد بن علي علي علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تركه خلاف أبي بكر وعمر رضي الله
عنهما وهو يرى في الحقيقة خلاف ما رأيا
لا يجوز ذلك عندنا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا يتوهم على مثله فكيف يتوهم عليه وقد
خالف أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في أشياء وخالف عمر وحده في أشياء أخر
منها ما رأى من جواز بيع أمهات الأولاد بعد نهي عمر عن بيعهن ومن ذلك ما رأى من التسوية بين
الناس في العطاء وقد كان عمر رضي الله عنه يفضل بينهم على قدر سوابقهم
ولعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كان أعرف بالله من أن يجري شيئا على ما الحق عنده في خلافه ولكنه
أجرى الامر بسهم ذوي القربى على ما رآه حقا وعدلا فلم يخالف أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فيه ولقد كان
علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيه يخالف أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في حياتهما في أشياء قد رأيا في ذلك
خلاف ما رأى فلا يرى الامر عليه في ذلك دنفا ولا يمنعانه من ذلك ولا يؤخذانه عليه فكيف يسعه هذا
في حال الامام فيها غيره ثم بصق عليه في حال هو الامام فيها نفسه هذا عندنا محال
ولقد حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا جرير بن حازم عن عيسى بن عاصم
عن زاذان قال كنا عند علي فتذاكرنا الخيار فقال أما أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قد سألني عنه
فقلت إن اختارت زوجها فهي واحدة وهي أحق بها وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة
309

فقال عمر ليس كذلك ولكنها إن اختارت نفسها فهي واحدة وهو أحق بها وإن اختارت زوجها
فلا شئ فلم أستطع إلا متابعة أمير المؤمنين
فلما آل الامر إلي عرفت أني مسؤول عن الفرو فأخذت بما كنت أرى
فقال بعض أصحابه رأي رأيته تابعك عليه أمير المؤمنين أحب إلي من رأي انفردت به
فقال أما والله لقد أرسل إلى زيد بن ثابت فخالفني وإياه فقال إذا اختارت زوجها فواحدة وهو أحق بها
وإن اختارت نفسها فثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره
أفلا يرى أن عليا رضي الله عنه قد أخبر في هذا الحديث أنه لما خلص إليه الامر وعرف أنه مسؤول عن الفرج
أخذ بما كان يرى وأنه لم ير تقليد عمر فيما يرى خلافه رضي الله عنهما
وكذلك أيضا لما خلص إليه الامر استحال مع معرفته بالله ومع علمه أنه مسؤول عن الأموال أن يكون
يبيحها من يراه من غير أهلها ويمنع منها أهلها
ولكنه كان القول عنده في سهم ذوي القربى كالقول فيما كان عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فأجرى
الامر على ذلك لا على ما سواه
فأما أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمة الله عليهم فإن المشهور عنهم في سهم ذوي القربى
أنه قد أرتفع بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الخمس من الغنائم وجميع الفئ يقسمان في ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين
وابن السبيل
وكذلك حدثني محمد بن العباس بن الربيع اللؤلئي قال ثنا محمد بن معبد قال ثنا محمد بن الحسن
قال أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن أبي حنيفة
وهكذا يعرف عن محمد بن الحسن في جميع ما روى عنه في ذلك من رأيه ومما حكاه عن أبي حنيفة
وأبي يوسف رحمة الله عليهما
فأما أصحاب الاملاء فإن جعفر بن أحمد حدثنا قال ثنا بشر بن الوليد قال أملى علينا أبو يوسف في رمضان
في سنة إحدى وثمانين ومائة قال في قوله تعالى وأعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه
وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فهذا فيما بلغنا والله أعلم فيما أصاب
من عساكر أهل الشرك من الغنائم والخمس منها على ما سمى الله عز وجل في كتابه أربعة أخماسها بين الجند
الذي أصابوا ذلك للفرس سهما وللرجل سهم على ما جاء من الأحاديث والآثار
وقال أبو حنيفة رحمة الله عليه للرجل سهم وللفرس سهم والخمس يقسم على خمسة أسهم خمس الله
والرسول واحد وخمس ذوي القربى لكل صنف سماه الله عز وجل في هذه الآية خمس الخمس
ففي هذه الرواية ثبوت سهم ذوي القربى
قالوا وأملى علينا أبو يوسف في مسألة قال أبو حنيفة إذا ظهر الامام على بلد من بلاد أهل الشرك فهو
310

بالخيار يفعل فيه الذي يرى أنه أفضل وخير للمسلمين إن رأى أن يخمس الأرض والمتاع ويقسم أربعة أخماسه
بين الجند الذي افتتحوا معه فعل ويقسم الخمس على ثلاثة أسهم للفقراء والمساكين وابن السبيل
وإن رأى أن يترك الأرضين ويترك أهلها فيها ويجعلها ذمة ويضع عليهم وعلى أرضهم الخراج وكما فعل
عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالسواد كان ذلك كله
قال أبو جعفر ففي هذه الرواية سقوط سهم ذوي القربى وهذا القول هو المشهور عنهم
والذي اتفقت عليه هاتان الروايتان في الفئ وفي خمس الغنيمة أنهما إذا خلصا جميعا وضع خمس
الغنائم فيما يجب وضعه فيه مما ذكرنا
وأما الفئ فيبدأ منه بإصلاح القناطر وبناء المساجد وأرزاق القضاة وأرزاق الجند وجوائز الوقود
ثم يوضع ما بقي منه بعد ذلك في مثل ما يوضع فيه خمس الغنائم سواء
فهذه وجوه الفئ وأخماس الغنائم التي كانت تجري عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن توفي
وما يجب أن يمتثل فيها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة فقد بينا ذلك وشرحناه بغاية ما ملكنا والله
نسأل التوفيق
وأما سفيان الثوري فإنه ثنا مالك بن يحيى قال ثنا أبو النضر قال ثنا الأشجعي قال ثنا سفيان
سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس هو خمس الخمس وما بقي فلهذه الطبقات التي سمى الله والأربعة الأخماس
لمن قاتل عليه
كتاب الحجة
في فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة
قال أبو جعفر اجتمعت الأمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل مكة قبل افتتاحه إياها ثم افتتحها بعد ذلك
فقال قوم كان افتتاحه إياها بعد أن نقض أهل مكة العهد وخرجوا من الصلح فافتتحها يوم افتتحها
وهي دار حرب لا صلح بينه وبين أهلها ولا عقد ولا عهد
وممن قال هذا القول أبو حنيفة والأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان بن سعيد الثوري وأبو يوسف
ومحمد بن الحسن رحمهم الله
وقال قوم بل افتتحها صلحا
311

ثم أحتج كل فريق من هذين الفريقين لقوله من الآثار بما سنبينه في كتابي هذا ونذكر مع ذلك صحة
ما أحتج به أو فساده إن شاء الله تعالى
وكان حجة من ذهب إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتحها صلحا أن قال أما الصلح فقد كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبين أهل مكة فأمن كل فريق منه ومن أهل مكة من الفريق الآخر ثم لم يكن من أهل مكة في ذلك
ما يوجب نقض الصلح
وإنما كانت بنو نفاثة وهم غير من أهل مكة قاتلوا خزاعة وأعانهم على ذلك رجال من قريش وثبت
بقية أهل مكة على صلحهم وتمسكوا بعهدهم الذي عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت بنو نفاثة ومن تابعهم
على ما فعلوا من ذلك من الصلح وثبت بقية أهل مكة على الصلح الذي كانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا والدليل على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتحها لم يقسم فيها فيئا ولم يستعبد فيها أحدا
وكان من الحجة عليهم في ذلك لمخالفهم أن عكرمة مولى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ومحمد بن مسلم
بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري وعليهما يدور أكثر أخبار المغازي قد روي عنهما
ما يدل على خروج أهل مكة من الصلح الذي كانوا صالحوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحداث أحدثوها
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة
قال لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة وكانت خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وكانت بنو بكر
حلفاء قريش
فدخلت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت بنو بكر في صلح قريش فكان بين خزاعة وبين
بني بكر بعد قتال فأمدهم قريش بسلاح وطعام وظللوا عليهم وظهرت بنو بكر على خزاعة فقتلوا فيهم
فخافت قريش أن يكونوا على قوم قد نقضوا فقالوا لأبي سفيان اذهب إلى محمد فأجد الحلف وأصلح بين
الناس وأن ليس في قوم ظللوا على قوم وأمدوهم بسلاح وطعام ما إن يكونوا نقضوا
فانطلق أبو سفيان وسار حتى قدم المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم أبو سفيان وسيرجع
راضيا
بغير حاجة
فأتى أبا بكر رضي الله عنه فقال يا أبا بكر أجد الحلف وأصلح بين الناس أو بين قومك قال فقال أبو بكر
رضي الله عنه الامر إلى الله تعالى وإلى رسوله وقد قال فيما قال له بأن ليس في قوم ظللوا على قوم وأمدوهم بسلاح
وطعام ما إن يكونوا نقضوا
قال فقال أبو بكر رضي الله عنه الامر إلى الله عز وجل وإلى رسوله
قال ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر له نحوا مما ذكر لأبي بكر رضي الله عنه
312

فقال عمر رضي الله عنه أنقضتم فما كان منه جديدا فأبلاه الله تعالى وما كان منه شديدا أو قال متينا
فقطعه الله تعالى
فقال أبو سفيان وما رأيت كاليوم شاهد عشرة
ثم أتى فاطمة رضي الله عنها فقال لها يا فاطمة هل لك في أمر تسودين فيه نساء قومك ثم ذكر لها نحوا
مما قال لأبي بكر رضي الله عنه ثم قال لها فتجد دين الحلف وتصلحين بين الناس
فقالت رضي الله عنها ليس إلا إلى الله وإلى رسوله
قال ثم أتى عليا رضي الله عنه فقال له نحوا مما قال لأبي بكر رضي الله عنه
فقال علي رضي الله عنه ما رأيت كاليوم رجلا أصل أنت سيد الناس فأجد الحلف وأصلح بين الناس
فضرب أبو سفيان إحدى رجليه على الأخرى وقال قد أخذت بين الناس بعضهم من بعض
قال ثم أنطلق حتى قدم والله ما أتيتنا بحرب فيحذر ولا أتيتنا بصلح فيأمن أرجع أرجع
قال وقدم وفد خزاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع القوم ودعاه بالنصرة وأنشد في ذلك
لا هم إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا
والدا كنا وكنت ولدا * إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا * وجعلوا لي بكداء رصدا
وزعموا أن لست تدعوا أحدا * وهم أذل وأقل عددا
وهم أتونا بالوتير هجدا * نتلوا القرآن ركعا وسجدا
ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا * فأنصر رسول الله نصرا أعتدا
وأبعث جنود الله تأتي مددا * في فيلق كالبحر يأتي مزبدا
فيهم رسول الله قد تجردا * إن سيم خسفا وجهه تربدا
قال حماد هذا الشعر بعضه عن أيوب وبعضه عن يزيد بن حازم وأكثره عن محمد بن إسحاق
ثم رجع إلى حديث أيوب عن عكرمة قال ما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه
أتاني ولم أشهد ببطحاء مكة * رجال بني كعب تحز رقابها
وصفوان عود خر من ودق استه * فذاك أوان الحرب حان غضابها
313

فياليت شعري هل لنا مرة * سهيل بن عمرو حولها وعقابها
قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل فارتحلوا فساروا حتى نزلوا بمر الظهران
قال وجاء أبو سفيان حتى نزل ليلا فرأى العسكر والنيران فقال ما هذا قيل هذه تميم أمحلت بلادها
فانتجعت بلادكم
قال هؤلاء والله أكثر من أهل منا أو مثل أهل منا
فلما علم أنه النبي صلى الله عليه وسلم تنكر وقال دلوني على العباس بن عبد المطلب وأتى العباس فأخبره الخبر وأنطلق به
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له فقال يا أبا سفيان أسلم تسلم قال وكيف اصنع
باللات والعزى
قال أيوب حدثني أبو الخليل عن سعيد بن جبير رحمه الله قال قال عمر رضي الله عنه وهو خارج من التيه
ما قلتها أبدا
قال أبو سفيان من هذا قالوا عمر رضي الله عنه فأسلم أبو سفيان فانطلق به العباس فلما أصبحوا
ثار الناس لظهورهم
قال فقال أبو سفيان يا أبا الفضل ما للناس أمروا في شئ قال فقال لا ولكنهم قاموا إلى الصلاة
فأمره فتوضأ وأنطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
314

فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة كبر فكبر الناس ثم ركع فركعوا ثم رفع فرفعوا
فقال أبو سفيان ما رأيت كاليوم طاعة قوم جمعهم من ها هنا وها هنا ولا فارس الأكارم ولا الروم
ذات القرون بالطوع منهم
قال حماد وزعم يزيد بن حازم عن عكرمة قال قال أبو سفيان يا أبا الفضل أصبح والله بن أخيك عظيم
الملك قال ليس بملك ولكنها نبوة قال أو ذاك أو ذاك
قال ثم رجع إلى حديث أيوب عن عكرمة قال فقال أبو سفيان وا صباح قريش
قال فقال العباس رضي الله عنه يا رسول الله لو أذنت لي فأتيت أهل مكة فدعوتهم وأمنتهم وجعلت
لأبي سفيان شيئا يذكر به
قال فانطلق فركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء وانطلق
قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا علي أبي ردوا على أبي إن عم الرجل صنوا أبيه إني أخاف
أن تفعل بك قريش كما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود دعاهم إلى الله فقتلوه أما والله لئن ركبوها منه
لأضرمنها عليهم نارا
قال فانطلق العباس رضي الله عنه فقال يا أهل مكة أسلموا تسلموا فقد استبطنتم بأشهب بازل
قال وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الزبير من قبل أعلى مكة وبعث خالد بن الوليد من قبل أسفل مكة
قال فقال لهم هذا الزبير من قبل أعلى مكة وهذا خالد من قبل أسفل مكة وخالد وما خالد وخزاعة
مجدعة الأنوف
ثم قال من ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن
ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم فتراموا بشئ من النبل ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر عليهم فأمن الناس إلا خزاعة عن
بني بكر وذكر أربعة مقيس بن ضبابة وعبد الله بن أبي سرح وابن خطل ومارة مولاة بني هاشم
قال حماد سبارة في حديث أيوب أو في حديث غيره
قال فقاتلهم خزاعة إلى نصف النهار فأنزل الله عز وجل ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم
وهموا بإخراج الرسول إلى قوله عز وجل ويشف صدور قوم مؤمنين قال خزاعة
ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس قال سمعت بن إسحاق
يقول حدثنا محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وغيره قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صالح قريشا عام الحديبية
على أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش
وعهدهم دخل فيه
فتواثبت خزاعة وبنو كعب وغيرهم معهم فقالوا نحن في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وعهده
315

وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم
وقامت قريش على الوفاء بذلك سنة وبعض سنة ثم إن بني بكر عدوا على خزاعة على ما لهم بأسفل مكة
فقال له الزبير بيتوهم فيه فأصابوا منهم رجلا وتجاوز القوم فاقتتلوا ورفدت قريش بني بكر بالسلاح
وقاتل معهم من قاتل من قريش بالنبل مستخفيا حتى جاوزوا خزاعة إلى الحرم وقائد بني بكر يومئذ نوفل
بن معاوية فلما انتهوا إلى الحرم قالت بنو بكر يا نوفل إلهك إلهك إنا قد دخلنا الحرم
فقال كلمة عظيمة لا إله له اليوم يا بني بكر أصيبوا ثأركم قد كانت خزاعة أصابت قبل الاسلام نفرا
ثلاثة وهم متحرفون دويبا وكلثوما وسليمان بن الأسود بن زريق بن يعمر فلعمري يا بني بكر إنكم
تسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه
قال وقد كانوا أصابوا منهم رجلا ليلة بيتوهم بالوتير ومعه رجل من قومه يقال له منبه رجلا مفردا فخرج
هو وتميم
فقال منبه يا تميم أنج بنفسك فأما أنا فوالله إني لميت قتلوني أو لم يقتلوني
فأنطلق تميم فأدرك منبه فقتلوه وأفلت تميم فلما دخل مكة لحق إلى دار بديل بن ورقاء ودار رافع
مولى لهم
وخرج عمرو بن سالم حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد فقال عمرو
لا هم إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الا تلدا
والدا كنا وكنت ولدا * ثمة أسلمنا فلم ننزع يدا
فأنصر رسول الله نصرا أعتدا * وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا * إن سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يأتي مزبدا * إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا * وجعلوا لي في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعو أحدا * وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا * فقتلونا ركعا وسجدا
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نصرت بني كعب
ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأخبروه بما أصيب منهم
وقد رجعوا
316

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنكم بأبي سفيان قد قدم ليزيد في العهد ويزيد في المدة
ثم ذكر نحوا مما في حديث أيوب عن عكرمة في طلب أبي سفيان الجواب من أبي بكر ومن عمر ومن علي
ومن فاطمة أجمعين وجواب كل واحد منهم له بما أجابه في ذلك على ما في حديث أيوب عن
عكرمة ولم يذكر خبر أبي سفيان مع العباس رضي الله عنه ولا أمان العباس إياه ولا إسلامه ولا بقية الحديث
قال أبو جعفر في هذين الحديثين أن الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة دخلت خزاعة
في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم للحلف الذي كان بينهم وبينه ودخلت بنو بكر في صلح قريش للحلف الذي كان
بينهم وبينه فصار حكم حلفاء كل فريق من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قريش في الصلح كحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم قريش
وكان بين حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حلفاء قريش من القتال ما كان فكان ذلك نقضا من حلفاء قريش
للصلح الذي كانوا دخلوا فيه وخروجا منهم بذلك منه
فصاروا بذلك حربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
ثم أمدت قريش حلفاءها هؤلاء بما قووهم به على قتال خزاعة حتى قتل منهم من قتل وقد كان الصلح منعهم
من ذلك
فكان فيما فعلوا من ذلك نقضا للعهد وخروجا من الصلح فصارت قريش بذلك حربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
ولأصحابه
فقال الآخرون وكيف يكون بما ذكرتم كما وصفتم وقد رويتم أن أبا سفيان وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
بعد أن كان بين بني بكر وبين خزاعة من القتال ما كان وبعد أن كان من قريش لبني بكر من المعونة لهم ما كان
علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموضعه فلم يصله ولم يعرض له
فدل ذلك على أنه كان عنده في أمانه على حاله غير خارج منه مما كان من بني بكر في قتال خزاعة وما كان
من قريش في معونة بني بكر بما أعانوهم به من الطعام والسلاح والتظليل غير ناقض لأمانه بصلحه الذي كان بينه
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير مخرج له منه
فكان من الحجة عليهم للآخرين أن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم التعرض لأبي سفيان لم يكن لان الصلح الذي كان
بين رسول الله وبين أهل مكة قائم ولكنه تركه لأنه كان وافدا إليه من أهل مكة طالبا الصلح الثاني سوى
الصلح الأول لانتقاض الصلح الأول فلم يعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل ولا غيره لان من سنة الرسل أن
لا يقتلوا
ثم قد روي عنه في ذلك ما حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال ثنا أبو بكر بن عياش قال ثنا عاصم
بن بهدلة قال حدثني أبو وائل قال ثنا ابن معير السعدي قال خرجت أستبق فرسا لي بالشجر فمررت
على مسجد من مساجد بني حنيفة فسمعتهم يشهدون أن مسيلمة رسول الله فرجعت إلى عبد الله بن مسعود
317

رضي الله عنه فذكرت له أمرهم فبعث الشرط فأخذوهم وجئ بهم إليه فتابوا ورجعوا عما
قالوا وقالوا لا نعود فخلي سبيلهم
وقدم رجل منهم يقال له عبد الله بن النواحة فضرب عنقه فقال الناس أخذت قوما في أمر واحد فخليت
سبيل بعضهم وقتلت بعضهم
فقال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا فجاءه بن النواحة ورجل معه يقال له بن وثال بن حجر وافدين
من عند مسيلمة
فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهدان أني رسول الله فقالا أتشهد أنت أن مسيلمة رسول الله
فقال آمنت بالله وبرسوله لو كنت قاتلا وفدا لقتلتكما فلذلك قتلت هذا
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج أن الحسن بن علي
بن أبي رافع حدثه أن أبا رافع أخبره أنه أقبل بكتاب من قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فلما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الاسلام فقلت يا رسول الله إني والله لا أرجع إليهم أبدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن أرجع فإن كان في قلبك الذي
في قلبك الآن فأرجع
قال فرجعت ثم أقبلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت
قال بكير وأخبرني أن أبا رافع كان قبطيا
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا أبو كريب قال ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال حدثني
سعد بن طارق عن مسلمة بن نعيم عن أبيه قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه رسول مسيلمة بكتابه
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما وأنتما تقولان مثل ما يقول فقالا نعم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما
والدليل على خروج أهل مكة من الصلح بما كان بين بني بكر وبين خزاعة وبما كان من معونة قريش
لبني بكر في ذلك طلب أبي سفيان تجديد الحلف وتوكيد الصلح عند سؤال أهل مكة إياه ذلك
ولو كان الصلح لم ينتقض إذا لما كان بهم إلى ذلك حاجة ولكان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب
وعلي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألهم أبو سفيان ما سألهم من ذلك يقولون ما حاجتك وحاجة أهل
مكة إلى ذلك إنهم جميعا في صلح وفي أمان لا تحتاجون معهما إلى غيرهما
ثم هذا عمرو بن سالم واحد خزاعة يناشد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرنا من مناشدته إياه في حديث
عكرمة والزهري وسأله في ذلك النصر ويقول فيما يناشده من ذلك
إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكر ذلك عليه
318

ثم كشف له عمرو بن سالم المعنى الذي به كان نقض قريش ما كانوا عاهدوه عليه ووافقوه بأن قال
وهم أتونا بالوتير هجدا فقتلونا ركعا وسجدا
ولم يذكر في ذلك أحدا غير قريش من بني نفاثة ولا من غيرهم
ثم أنشد حسان بن ثابت في الشعر الذي ذكرناه عنه في حديث عكرمة المعنى الذي ذكره عمرو بن سالم
في الشعر الذي ناشد به رسول الله صلى الله عليه وسلم
ففي ذلك دليل أن رجال بني كعب أصابهم من نقض قريش الذي به خرجوا من عهدهم ببطن مكة
ألا تراه يقول
أتاني ولم أشهد ببطحاء مكة * رجال بني كعب تحز رقابها
ثم ذكر ما بيناه لمن كان سببا من ذلك قريش ورجالها فقال
فياليت شعري هل لنا لزمرة * سهيل بن عمرو حولها وعقابها
وسهيل بن عمرو هو كان أحد من عاقده رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح
فأما ما ذكر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتحها لم يقسم مالا ولم يستعبد أحدا ولم يغنم أرضا فكيف يستعبد
من قد من عليه في دمه وماله
فأما أرض مكة فإن الناس قد اختلفوا في ترك النبي صلى الله عليه وسلم التعرض لها
فمن يذهب إلى أنه افتتحها عنوة فقال تركها منة عليهم كمنته عليهم في دمائهم وفي سائر أموالهم
وممن ذهب إلى ذلك أبو يوسف لأنه كان يذهب إلى أن أرض مكة تجري عليها الأملاك كما تجري
على سائر الأرضين
وقال بعضهم لم تكن أرض مكة مما وقعت عليه الغنائم لان أرض مكة عندهم لا تجري عليها الأملاك
وممن ذهب إلى ذلك أبو حنيفة وسفيان الثوري رحمهما الله
وقد ذكرنا في هذا الباب الآثار التي رواها كل فريق ممن ذهب إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف
رحمهما الله في كتاب البيوع من شرح معاني الآثار المختلفة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاحكام فأغنانا ذلك
عن إعادته ها هنا
ثم رجع الكلام إلى ما يثبت أن مكة فتحت عنوة
فإن قلتم إن حديثي الزهري وعكرمة اللذين ذكرنا منقطعان
قيل لكم وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما حديث يدل على ما رويناه
حدثنا فهد بن سليمان بن يحيى قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس قال حدثني
محمد بن إسحاق قال قال الزهري حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما
319

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى لسفرة وخرج لعشر مضين من رمضان فصام وصام الناس معه حتى إذا كان بالكديد
أفطر ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين فسمعت سليم ومزينة
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران وقد عميت الاخبار على قريش فلا يأتيهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا يدرون ما هو فاعل وخرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء ينظرون
هل يجدون خيرا أو يسمعونه
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قلت وا صباح قريش لئن
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر
قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء فخرجت عليها حتى دخلت الأراك فلقي بعض الحطابة
أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتيهم يخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه
قال فإني لأشير عليه وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل وهما يتراجعان وأبو سفيان
يقول ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا
قال بديل هذه والله خزاعة حمشتها الحرب
فقال أبو سفيان خزاعة والله أذل من أن يكون هذه نيرانهم
فعرفت صوت أبي سفيان فقلت يا أبا حنظلة قال فعرف صوتي فقال أبو الفضل قال قلت نعم
قال مالك فداك أبي وأمي
قال قلت ويلك هذا والله رسول الله في الناس وا صباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة
عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر
قال فما الحيلة فداك أبي وأمي قال قلت لا والله إلا أن تركب في عجز هذه الدابة فآتي بك
رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك
قال فركب في عجز البغلة ورجع صاحباه
قال وكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا فإذا نظروا قالوا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته
حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال من هذا وقام إلي فلما رآه على عجز الدابة عرفه
وقال أبو سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك
وخرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركضت البغلة فسبقته كما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطئ ثم
اقتحمت عن البغلة ودخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وجاء عمر رضي الله عنه فدخل فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عقد ولا عهد
فدعني فأضرب عنقه
قال قلت يا رسول الله إني قد أجرته
320

قال ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت برأسه فقلت والله لا يناجيه رجل دوني
قال فلما أكثر عمر رضي الله عنه في شأنه فقلت مهلا يا عمر والله لو كان رجلا من بني عدي بن كعب
ما قلت هذا ولكن قد عرفت أنه رجل من بني عبد مناف
قال فقال مهلا يا عباس لأسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب ومالي إلا أني
قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أذهب به إلى رحلك فإذا أصبحت فأتنا به
قال فلما أصبحت غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تشهد
أن لا إله إلا الله
قال بابي أنت وأمي فما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما والله لقد كاد يقع في نفسي أن لو كان مع الله غيره
لقد أغنى شيئا بعد
وقال ويلك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تشهد أني رسول الله
قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما والله هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئا
قال العباس رضي الله عنه قلت ويلك أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن
يضرب عنقك
قال فشهد شهادة الحق وأسلم
قال العباس رضي الله عنه فقلت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له شيئا
قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن
فلما ذهبت لانصرف قال يا عباس أحبسه بمضيق الوادي عند حطيم الجند حتى يمر به
جنود الله فيراها
قال فحبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ومرت به القبائل على راياتها بها فكلما مرت قبيلة
قال من هذه قلت بنو سليم قال يقول مالي ولبني سليم ثم تمر به قبيلة فيقول من هذه فأقول مزينة
فقال مالي ولمزينة
حتى نفدت القبائل لا تمر به قبيلة إلا سألني عنها فأخبره إلا قال مالي ولبني فلان
حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء كتيبة فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم
إلا الحدق في الحديد
فقال سبحان الله من هؤلاء يا عباس قلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار
فقال ما لأحد بهؤلاء قبل والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك بن أخيك الغداة عظيما
321

قال قلت ويلك يا أبا سفيان إنها النبوة قال فنعم
قال قلت التجأ إلى قومك أخرج إليهم حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد
قد جاءكم فيما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن
فقامت إليه هند بنت عتبة بن ربيعة فأخذت شاربه فقالت اقتلوا الحميت الدسم فبئس طليعة قوم
قال ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم وإنه قد جاء ما لا قبل لكم به من دخل دار أبي سفيان
فهو آمن
قالوا قاتلك الله وما يغني غناء دارك قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن
فهذا حديث متصل الاسناد صحيح ما فيه معنى يدل على فتح مكة عنوة وينفي أن يكون صلحا ويثبت
أن الهدنة التي كانت تقدمت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش قد كانت انقطعت وذهبت قبل ورود
رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة
ألا يرى إلى قول العباس رضي الله عنه وا صباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل
أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر
أفترى العباس على فضل رأيه وعقله يتوهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعرض قريشا وهم منه في أمان
وصلح وهدنة
هذا من المحال الذي لا يجوز كونه ولا ينبغي لذي لب أو لذي عقل أو لذي دين أن يتوهم ذلك عليه
ثم هذا العباس رضي الله عنه قد خاطب أبا سفيان بذلك فقال والله لئن ظفر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنك
والله إنه لهلاك قريش إن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة
فلا يدفع أبو سفيان قوله ولا يقول له وما خوفي وخوف قريش من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ونحن
في أمان منه
إنما يقصد بدخوله أن ينتصف خزاعة من بني نفاثة دون قريش وسائر أهل مكة
ولم يقل له أبو سفيان ولم يضرب عنقي إذ قال له العباس رضي الله عنه والله لئن ظفر بك
رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربن عنقك وأنا في أمان منه
ثم هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى أبا سفيان يا رسول الله هذا
أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه
ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليه إذ كان أبو سفيان عنده ليس في أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا في صلح منه
ثم لم يحاج أبو سفيان عمر رضي الله عنه بذلك ولا حاجة عنه العباس رضي الله عنه بل قال له العباس
رضي الله عنه إني قد أجرته
322

فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر ولا على العباس ما كان منهما من القول الذي ذكرناه عنهما
فدل ذلك أنه لولا جوار العباس رضي الله عنه إذا لما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فيما أراد
من قتل أبي سفيان
فأي خروج من الصلح منعدم وأي نقض له يكون أبين من هذا
ثم أبو سفيان لما دخل مكة بعد ذلك نادى بأعلى صوته بما جعله له رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دار أبي سفيان
فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن
ولم يقل له قريش وما حاجتنا إلى دخولنا دارك وإلى إغلاقنا أبوابنا ونحن في أمان قد أغنانا عن طلب
الأمان بغيره
ولكنهم عرفوا خروجهم من الأمان الأول وانتقاض الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم
عندما خوطبوا بما خوطبوا به من هذا الكلام غير آمنين إلا أن يفعلوا ما جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم به آمنين
أن يفعلوه من دخولهم دار أبي سفيان أو من إغلاقهم أبوابهم
ثم قد روي عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وهي
دار حرب لا دار أمان
حدثنا فهد قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق قال حدثني
سعيد بن أبي هند عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها
قالت لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فر إلى رجلان من أحمائي من بني مخزوم وكانت عند هبيرة
بن أبي وهب المخزومي فدخل علي أخي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال لأقتلنهما
فغلقت عليهما بيتي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فوجدته يغتسل في جفنة إن فيها أثر العجين
وفاطمة ابنته رضي الله عنها تستره بثوب
فلما أغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ثم صلى صلى الله عليه وسلم من الضحى ثماني ركعات ثم أنصرف إلي فقال مرحبا
وأهلا بأم هانئ ما جاء بك فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي رضي الله عنه فقال قد أجرنا من أجرت
وأمنا من أمنت
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر الزهراني قال ثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري
رضي الله عنه عن أبي مرة مولى عقيل عن فاختة أم هانئ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل يوم
فتح مكة ثم صلى ثماني ركعات في ثوب واحد مخالفا بين طرفيه
قالت فقلت إني أجرت حموي من المشركين وأن عليا رضي الله عنه يفلت عليهما ليقتلهما
قالت فقال ما كان له ذلك قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت
أفلا ترى أن عليا رضي الله عنه قد أراد قتل المخزوميين لمكة ولو كانا في أمان لما طلب ذلك منهما
323

فأمنتهما أم هانئ رضي الله عنها ليحرم بذلك دماؤهما على علي رضي الله عنه ولم تقل له مالك إلى قتلهما
من سبيل لأنهما وسائر أهل مكة في صلح وأمان
ثم أخبرت أم هانئ رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من علي رضي الله عنه وبما كان من جوار
هذين المخزوميين
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت ولم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله
عنه في إرادته قتلهما قبل جوار أم هانئ إياهما
فدل ذلك أنه لولا جوارها لصح قتلهما ومحال أن يكون له قتلهما وثمة أمان قائم وصلح متقدم
لهما وهذا دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأي شئ أبين من هذا
ثم قد روى أبو هريرة رضي الله عنه في هذا الباب ما هو أبين من هذا
حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم قال ثنا أمية بن موسى قال ثنا يحيى بن زكريا
بن أبي زائدة قال أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح قال وفدنا إلى معاوية
وفينا أبو هريرة فقال ألا أخبركما بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار ثم ذكر فتح مكة فقال أقبل
النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فبعث الزبير بن العوام على إحدى المجنبتين وبعث خالد بن الوليد على المجنبة الأخرى
وبعث أبا عبيدة على الحيين فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة فنظر فرآني فقال يا أبا هريرة
فقلت يا نبي الله قال اهتف لي بالأنصار ولا يأتني إلا أنصاري
قال فهتف بهم حتى إذا طافوا به وقد وبشت قريش أوباشها وأتباعها فقالوا تقدم هؤلاء فإن كان
لهم شئ كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سألنا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار حين طافوا به أنظروا إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال
بإحدى يديه على الأخرى احصدوهم حصادا حتى توافوني بالصفا فانطلقوا فما يشاء أحد منا أن يقتل ما شاء
إلا قتل وما توجه إلينا أحد منهم
فقال أبو سفيان يا رسول الله أبيحت خضراء قريش ولا قريش بعد اليوم
فقال النبي صلى الله عليه وسلم من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فأغلق الناس أبوابهم
وأقبل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت فأتى على صنم إلى جنب البيت يعبدونه وفي يده
قوس فهو آخذ بسية القوس
فلما أن أتى على الصنم جعل يطعن في عينيه ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا
324

حتى إذا فرغ من طوافه أتى الصفا فصعد عليها حتى نظر إلى البيت فرفع يديه فجعل يحمد الله ويدعوه
بما شاء الله والأنصار تحته
فقالت الأنصار بعضهم لبعض أما الرجل فقد أدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته
فقال أبو هريرة رضي الله عنه وجاءه الوحي به وكان إذا جاء لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع
رأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقضي الوحي
قال النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار أقلتم أما الرجل فقد أدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته
قالوا لو كان ذكر
قال كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله عز وجل وإليكم والمحيا محياكم والممات مماتكم
فأقبلوا يبكون إليه ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا إلا ضنا بالله ورسوله قال فإن الله ورسوله يصدقانكم
ويعذرانكم
فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يخبر أن قريشا عند دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وبشت أوباشها وأتباعها
فقالوا تقدم هؤلاء فإن كان لهم شئ كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف
على ذلك منهم فقال للأنصار أنظروا إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال بإحدى يديه على الأخرى احصدوهم
حصادا حتى توافوني بالصفا فما يشاء أحد منا أن يقتل من شاء إلا قتل وما توجه إلينا أحد منهم فيكون
من هذا دخولا على أمان ثم كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك المن عليهم والصفح
وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذا الحديث وزيادة على ما في حديث سليمان بن المغيرة
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا القاسم بن سلام بن مسكين قال حدثني أبي قال ثنا ثابت
البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى مكة ليستفتحها
فسرح أبا عبيدة بن الجراح والزبير بن العوام وخالد بن الوليد
فلما بعثهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه أهتف بالأنصار فنادي يا معشر الأنصار
أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءوا كما كانوا على معتاد
ثم قال اسلكوا هذا الطريق ولا يشرفن أحد إلا أي قتلتموه
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح الله عليهم من قتل يومئذ الأربعة
قال ثم دخل صناديد قريش من المشركين الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم ثم طاف
وصلى ركعتين ثم أتى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال ما تقولون وما تظنون
فقالوا نقول أخ وابن عم حليم رحيم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول كما قال يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو
أرحم الراحمين
325

قال فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الاسلام
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الباب الذي يلي الصفا فخطب والأنصار أسفل منه
فقالت الأنصار بعضهم لبعض أما إن الرجل أخذته الرأفة بقومه وأدركته الرغبة في قرابته
قال فأنزل الله عز وجل عليه الوحي فقال يا معشر الأنصار أقلتم أخذته الرأفة بقومه وأدركته الرغبة
في قرابته فما نبي أنا إذا كلا والله إني رسول الله حقا إن المحيا لمحياكم وإن الممات لمماتكم
قالوا والله يا رسول الله ما قلنا إلا مخافة أن تفارقنا إلا ضنا بك
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم صادقون عند الله ورسوله
قال فوالله ما بقي منهم رجل إلا نكس نحره بدموع عينيه
أفلا يرى أن قريشا بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قد كانوا يظنون أن السيف لا يرفع عنهم أفتراهم كانوا
يخافون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمنهم قبل ذلك
هذا والله غير مخوف منه صلى الله عليه وسلم ولكنهم علموا أن إليه قتلهم إن شاء وأن إليه المن عليهم إن شاء
وأن الله عز وجل قد أظهره عليهم وصيرهم في يده يحكم فيهم بما أراد الله تعالى من قبل ومن بعد ذلك
عليهم وعفا عنهم
ثم قال لهم يومئذ لا تغزى مكة بعد هذا اليوم أبدا
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا حامد بن يحيى قال ثنا سفيان بن عيينة عن زكريا بن أبي زائدة
عن الشعبي عن الحارث بن البرصاء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقول لا تغزى مكة بعد
هذا اليوم أبدا
قال أبو سفيان تفسير هذا الحديث لأنهم لا يكفرون أبدا فلا يغزون على الكفر هذا لا يكون إلا
ودخوله إياها دخول غزو
ثم قال صلى الله عليه وسلم لا يقتل قرشي بعد هذا اليوم صبرا
حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي مريم قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا يحيى بن زكريا قال ثنا أبي
عن الشعبي قال قال عبد الله بن مطيع سمعت مطيعا يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقول لا يقتل
قرشي صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة
قال فدل ذلك أن دماء قريش إنما حرمت بعد ذلك اليوم لما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمته يومئذ عليهم
ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خطبة بين فيها حكم مكة قبل دخوله إياها وحكمها وقت دخوله إياها
وحكمها بعد ذلك
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون بن إسماعيل أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله
326

حرم مكة يوم خلق الله عز وجل السماوات والأرض والشمس والقمر ووضعها بين هذين الأخشبين ثم لم تحل
لأحد قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ولا يختلي خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفر صيدها ولا يرفع
لقطتها إلا منشدها
فقال العباس رضي الله عنه إلا الإذخر
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا يحيى عن أبي ذئب قال ثنا سعيد المقبري قال سمعت أبا شريح الكعبي
يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسفكان
فيها دما ولا يعضدن فيها شجرا فإن ترخص مترخص فقال قد أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله أحلها لي
ولم يحلها للناس وإنما أحلها لي ساعة
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق
قال وحدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي قال لما بعث عمرو بن سعيد البعث إلى مكة
لعروة بن الزبير أتاه أبو شريح الخزاعي فكلمه بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى نادي قومه فجلس
فقمت إليه فجلست معه فحدث عما حدث عمرو بن سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما جاء به عمرو بن سعيد
قال قلت له إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة
على رجل من هذيل فقتلوه بمكة وهو مشرك
قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا فقال أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض
فهي حرام إلى يوم القيامة لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا
لم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا ألا ثم عادت كحرمتها
ألا فمن قال لكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحلها فقولوا إن الله قد أحلها لرسوله ولم يحلها لك يا معشر
خزاعة كفوا أيديكم فقد قتلتم قتيلا لا دينه فمن قتل بعد مقامي هذا فهو بخير نظرين إن أحب فدم
قاتله وإن أحب فعقله
قال انصرف أيها الشيخ فنحن أعلم بحرمتها منك إنها لا تمنع سافك دم ولا مانع حرمة
لا خالع طاعة
قال قلت قد كنت شاهدا وكنت غائبا قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا
قد أبلغتك
حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث بن سعد عن
سعيد المقبري أنه قال سمعت أبا شريح الخزاعي يقول لعمرو بن سعيد وهو على المنبر حين قطع بعثا إلى
لقتال بن الزبير
يا هذا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولان مكة حرام حرمها الله ولم يحرمها الناس وإن الله إنما أحل لي
327

القتال بها ساعة من النهار ولعله أن يكون بعدي رجال يستحلون القتال بها فمن فعل ذلك منهم فقولوا إن الله
أحلها لرسوله ولم يحلها لك وليبلغ الشاهد الغائب
ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليبلغ الشاهد الغائب ما حدثتك بهذا الحديث
قال عمرو إنك شيخ قد خرفت وقد هممت بك قال أما والله لنتكلمن بالحق وإن شددت رقابنا
حدثنا بحر بن نصر عن شعيب بن الليث عن أبيه عن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معنى حديث فهد الذي قبل هذا الحديث
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا الدراوردي قال ثنا محمد بن عمرو
بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجون
ثم قال والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله لم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد بعدي
وما أحلت لي إلا ساعة من النهار وهي بعد ساعتها هذه حرام إلى يوم القيامة
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال وأبو سلمة قالا ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو
فذكر بإسناده مثله
(حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى قال حدثني
أبو سلمة قال حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال لما فتح الله عز وجل على رسوله مكة قتلت هذيل رجلا
من بني ليث بقتيل كان لهم في الجاهلية
قال فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله عز وجل حبس عن أهل مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين
وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وإنها ساعتي هذه حرام لا يعضد
شجرها ولا يختلى شوكها ولا يلتقط ساقطتها إلا لمنشدها
حدثنا بكار بن قتيبة قال ثنا أبو داود قال ثنا حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير
فذكر بإسناده مثله غير أنه قال إن الله عز وجل حبس عن أهل مكة الفيل وقال لا يلتقط ضالتها
إلا لمنشد
أفلا يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر به في خطبته هذه أن الله تعالى أحل له مكة ساعة من النهار ثم عادت
حراما إلى يوم القيامة
فلو كان لا حاجة به إلى القتال في تلك الساعة إذا لكانت في تلك الساعة وفيما قبلها وفيما بعدها على معنى
واحد وكان حكمها في تلك الأوقات كلها حكما واحدا
فإن قال قائل إنما أبيح له إظهار السلاح بها لا غير
قيل له وأي حاجة به إلى إظهار السلاح إذا كان لا يستطيع أن يقاتل به أحدا فيها
هذا محال عندنا ولا يجوز إظهار السلاح بها إلا وهو مباح له القتال به
328

وقد بين هشام بن سعد في حديثه الذي روينا عنه في هذا الفصل عن أبي سعيد المقبري هذا المعنى فقال فيه
وإن الله إنما أحل لي القتال فيها ساعة من نهار
أفيجوز له أن يحل له قتال من هو في هدنة منه وأمان هذا لا يجوز
ثم قد كان دخوله إياها صلى الله عليه وسلم دخول محارب لا دخول آمن لأنه دخلها وعلى رأسه المغفر
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا عبد الله بن وهب أن مالكا أخبره عن ابن شهاب عن أنس
بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر
فلما نزعه جاءه رجل فقال يا رسول الله هذا بن خطل متعلق بأستار الكعبة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتلوه
قال مالك قال بن شهاب ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرما
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو الوليد قال ثنا مالك بن أنس فذكر بإسناده مثل
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرما
وقيل إنه دخلها وعليه عمامة سوداء
حدثنا علي بن معبد قال ثنا معلى بن منصور قال ثنا شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن
جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال ثنا شريك بن عبد الله عن عمار الدهني
عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال ثنا حماد بن سلمة عن جابر رضي الله عنه قال دخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عمامة سوداء
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا علي بن حكيم الأودي قال ثنا شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير
عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فلو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخوله إياها غير محارب إذا لما دخلها
وهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو أحد من روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إحلال الله مكة له كما قد
روينا عنه في هذا الفصل قد منع الناس أن يدخل الحرم غير محرمين
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال حماد عن قيس عن عطاء عن ابن عباس رضي الله
عنهما قال لا يدخل أحد مكة إلا محرما
حدثنا محمد قال ثنا عثمان بن الهيثم بن الجهم قال ثنا ابن جريج قال قال عطاء قال بن عباس رضي الله
عنهما لا عمرة على المكي إلا أن يخرج من الحرم فلا يدخله إلا حراما
329

فقيل لابن عباس رضي الله عنهما فإن خرج رجل من مكة قريبا قال نعم يقضي حاجته ويجعل مع
قضائها عمرة
حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أخبرنا عبد الملك
عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول لا يدخل مكة تاجر ولا طالب حاجة
إلا وهو محرم
فدل ما ذكرنا أن إحلال الله إياها لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان لحاجته إلى القتال منها لا لغير ذلك
فإن قال قائل فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن الناس جميعا إلا ستة نفر وذكر في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا
أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا أحمد بن الفضل قال ثنا أسباط بن نصر قال زعم السدي عن مصعب بن
سعد عن أبيه قال لما كان يوم فتح مكة آمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وقال اقتلوهم
وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن ضبابة
وعبد الله بن سعد بن أبي سرح
فأما عبد الله بن خطل فأتى وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق
سعيد عمارا وكان أشد الرجلين فقتله
وأما مقيس بن ضبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه
وأما عكرمة بن أبي جهل فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة أخلصوا
فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ههنا
فقال عكرمة والله لئن لم ينجني في البحر إلا الاخلاص لم ينجني في البر غيره اللهم إنا لك علي عهدا
إن أنت أنجيتني مما أنا فيه أني آتي محمدا ثم أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما فأسلم
قال وأما عبد الله بن أبي سرح اختبى عند عثمان بن عفان رضي الله عنه فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال يا رسول الله بايع عبد الله قال فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا كل ذلك نائيا فبايعه بعد ثلاث
ثم أقبل على أصحابه فقال أما كان فيكم رجل يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله
قالوا ما درينا يا رسول الله ما في نفسك فهلا أومأت إلينا بعينك
فقال إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة عين
330

حدثنا أبو أمية قال ثنا أحمد بن الفضل فذكر بإسناده مثله
قيل له هذا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أظفره الله عليهم
ألا يرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان صالح أولا قد كان دخل في صلحه ذلك هؤلاء الستة النفر وان دماءهم
قد حلت بعد ذلك بأسباب حدثت منهم بعد الصلح وكذلك أبو سفيان أيضا كان في الصلح
ثم قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه به العباس رضي الله عنه يا رسول الله
هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد
فلم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجاره العباس بعد ذلك بحقن دمه لجواره
وكذلك هبيرة بن أبي وهب المخزومي وابن عمه اللذان كانا لحقا بعد دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة إلى
أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها فأراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يقتلهما وقد كانا دخلا في الصلح
الأول ثم قد حلت دماؤهما بعد ذلك بالأسباب التي كانت منهما حتى أجارتهما أم هانئ رضي الله عنها فحرمت
بذلك دماؤهما
وكذلك من لم يدخل دار أبي سفيان يوم فتح مكة ولا من يغلق عليه بابه قد كان دخل في الصلح الأول على غير
إشراط عليه فيه دخول دار أبي سفيان ولا يغلق باب نفسه عليه ثم حل دمه بعد الصلح الأول بالأسباب التي
كانت منه بعد ذلك
فدل بما حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي قال ثنا محمد بن منصور الطوسي قال ثنا يعقوب
بن إبراهيم بن سعد قال ثنا أبي عن أبي إسحاق قال حدثني سعيد عن عبد الله بن أبي السفر عن
الشعبي عن عبد الله بن مطيع بن الأسود عن أبيه وكان أسمه العاص فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول لا تغزى مكة بعد اليوم أبدا ولا يقتل رجل
من قريش صبرا بعد العام
فهذا يدل على أنه كان غزوها في ذلك العام بخلافه فيما بعده من الأعوام
وفي ذلك ما قد دل على أنه كان لا أمان لأهلها في ذلك العام لأنه لا يغزى من هو في أمان
وقوله لا يقتل رجل من قريش صبرا بعد ذلك العام لذلك
وفيما روينا وذكرنا من الآثار وكشفنا من الدلائل ما تقوم الحجة به في كشف ما اختلفا فيه وإيضاح
فتح مكة أنه عنوة وبالله التوفيق
ولقد روي في أمر مكة ما يمنع أن يكون صلحا ما حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال ثنا عبد الله
بن صالح ح
وحدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قالا ثنا عبد الله بن لهيعة قال حدثني
محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن المسور بن مخرمة عن أبيه قال لقد أظهر نبي الله صلى الله عليه وسلم فأسلم
331

أهل مكة وذلك قبل أن تفرض الصلاة حتى إن كان ليقرأ بالسجدة ويسجد فيسجدون فما يستطيع بعضهم
أن يسجد من الزحام وضيق المكان لكثرة الناس حتى قدم رؤوس قريش الوليد بن المغيرة وأبو جهل
وغيره فكانوا بالطائف في أرضيهم فقال أتدعون دين أبي بكر فكفروا
قال أبو جعفر رحمه الله ففي هذا الحديث أن إسلام أهل مكة قد كان تقدم وأنهم كفروا بعد ذلك
فكيف يجوز أن يؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما مرتدين بعد قدرته عليهم هذا لا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم
ولقد أجمع المسلمون جميعا أن المرتد يحال بينه وبين الطعام إلا ما يقوم بنفسه وأنه يحال بينه وبين سعة العيش
والتصرف في أرض الله حتى يراجع دين الله تعالى أو يأبى ذلك فيمضي عليه حكم الله تعالى وأنه لو سأل الامام
أن يؤمنه على أن يقيم مرتدا آمنا في دار الاسلام أن الامام لا يجيبه إلى ذلك ولا يعطيه ما سأل
ففي ثبوت ما ذكرنا من إجماع المسلمين على ما وصفنا دليل صحيح وحجة قاطعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمن
أهل مكة بعد قدرته عليهم وظفره بهم والله أعلم بالصواب
تم - بعون الله وتوفيقه - الجزء الثالث من كتاب (شرح معاني الآثار) للامام الطحاوي رحمه الله،
ويليه - إن شاء الله - الجزء الرابع، وأوله " كتاب البيوع " نسأل الله تعالى أن يعيننا على إتمامه.
332