الكتاب: تصحيفات المحدثين
المؤلف: العسكري
الجزء: ١
الوفاة: ٣٨٢
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: محمود أحمد ميرة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٢ - ١٩٨٢ م
المطبعة:
الناشر: المطبعة العربية الحديثة - القاهرة
ردمك:
ملاحظات:

تصحيفات المحدثين
للعسكري
أبي أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري
المتوفى 382 ه‍.
(نضر الله امرأ سمع منا شيئا
فبلغه كما سمعه...)
رواه الترمذي
الجزء الأول والثاني
القسم الأول
دراسة وتحقيق
محمود أحمد ميرة
الأستاذ المساعد بالدراسات العليا
بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
حقوق الطبع محفوظة
مقدمة التحقيق 1

الطبعة الأولى
1402 ه‍ - 1982 م
المطبعة العربية الحديثة
8 شارع 47 بالمنطقة الصناعية بالعباسية
تليفون: 826280 القاهرة
مقدمة التحقيق 2

بسم الله الرحمن الرحيم
اختيار عنوان الكتاب
اضطربت النسخ الخطية في عنوان الكتاب، فقد جاء عنوان الكتاب
في النسخة الخديوية (كتاب التصحيفات)، ثم كتب تحته: تصحيف المحدثين
لأبي أحمد العسكري.
- - وفي النسخة الشنقيطية المحفوظة بدار الكتب المصرية (كتاب تصحيف
المحدثين.).
- وفي النسخة الآصفية الهندية (كتاب تصحيفات المحدثين).
- وكذلك جاء في نسخة عارف حكمة بالمدينة المنورة.
وقال المؤلف في آخر صفحة (115) من النسخة الخديوية:
(هذا آخر ما يقع فيه التصحيف من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم،
وأول الجزء الثالث في شرح ما يقع فيه التصحيف والإشكال، وقد ذكرت في
الجزء الأول جزءا من أخبار المصحفين وما روي من أوهام العلماء، وشرحت في
الجزء الثاني ما يشكل من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم فيقع فيه التصحيف،
وأنا أذكر بعده ما يصحف في الأسماء، والصحيح منها.
وختمت النسخ الأربع كلها بهذه العبارة (آخر كتاب التصحيفات)،
فاخترت تصحيفات المحدثين لوضوحه في عنوان النسخة الهندية، والنسخة
المدنية، وفي بعض مصادر ترجمته.
ورجحت هذا على ما جاء في عبارة المؤلف السابقة (شرح ما يقع فيه التصحيف
والإشكال) لتمييزه عن الكتاب المطبوع باسم (شرح ما يقع فيه التصحيف
والتحريف) وهو خاص بالتصحيفات الأدبية واللغوية.
وكتابنا يتعلق بتصحيفات المحدثين، فلذلك اخترت هذا العنوان.
مقدمة التحقيق 3

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق 4

ترجمة المؤلف
اسمه وأسرته ونسبته:
هو أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، رحمه الله تعالى.
اقتصر على سياقة نسبه هكذا إلى جده فقط غالب من ترجم له، وزاد عليهم
تلميذه الحافظ أبو نعيم في (تاريخ أصفهان) فذكر جد أبيه وسماه: الحسين
وسماه ابن كثير (11 / 320): أحمد، وسماه ياقوت الحموي في معجم البلدان،
وغيره: إسماعيل، وعليه الأكثر.
ورفع نسبه أكثر من هذا تلميذه الآخر أبو سعيد السقطي فسماه ونسبه:
الحسن بن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل بن زيد بن حكيم العسكري.
وأبوه عبد الله بن سعيد من أهل العلم والأدب والإتقان، يدل على هذا النقول
والروايات الكثيرة التي خلدها له ولده، أبو أحمد في كتبه الثلاثة التي وصلت
إلينا: كتابه هذا الذي بين أيدينا (تصحيفات المحدثين) وصنوه (شرح
ما يقع فيه التصحيف والتحريف) و (المصون) في الأدب، لكن لم أعثر له
على ترجمة.
وأخوه أبو علي محمد بن عبد الله العسكري كان من أهل العلم بالحديث
والأثر، ترجم له أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2 / 291)، وهو من تلامذته،
وروى حديثين من طريقه وأرخ وفاته سنة 358، ويبدو أن شهرته العلمية
كانت في عصره تزيد على شهرة أخيه أبي أحمد، بحيث إن أبا نعيم لما ترجم
لأبي أحمد (2 / 272) قال: أبو أحمد العسكري الأديب أخو أبي علي، فهو يريد
أن يعرف أبا أحمد بأخيه أبي علي. والله أعلم.
ومن أسرته أيضا - وله نباهة وشهرة علمية كبرى - تلميذه وابن أخته
أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري المتوفى سنة 395.
مقدمة التحقيق 5

فأبو أحمد من أسرة علمية، وصل إلينا معرفة هؤلاء منها، ولا ريب أن
صاحب التأثير الأكبر في حياته هو والده، ولأخيه أيضا أثر في تكوينه العلمي،
فهو - على ما يظهر من تاريخ وفاته سنة 358 - أكبر من أبي أحمد، وفي طبقة
صغار شيوخه.
ونسبته (العسكري) إلى عسكر مكرم، وهو بلد مشهور من نواحي خوزستان،
ومكرم الذي ينسب إليه البلد، هو: أول من اختطها من العرب، وهو مكرم
ابن مغراء بن الحارث، أحد بني جعونة بن الحارث بن نمير بن عامر بن
صعصعة، له ذكر وخبر في معجم البلدان عند الكلام على عسكر مكرم.
مولده ووفاته:
ولد الإمام أبو أحمد العسكري يوم الخميس لست عشرة ليلة خلت من شوال
من شهور سنة 293، وذلك في مدينة عسكر مكرم، وهذا التاريخ متفق عليه،
إذ لم يذكر أحد غيره.
أما تاريخ وفاته: فقد اختلف فيه، ولذا قال الجمال القفطي في إنباه
الرواة: عاش إلى حدود ثمانين وثلاث مائة، تخلصا مما وقع في تاريخ وفاته من
اختلاف.
وأرخه الحافظ أبو طاهر السلفي في جزئه الذي كتبه في سيرة العسكريين:
أبي أحمد وأبي هلال. ونقله عنه برمته ياقوت في معجم الأدباء (8 / 233 - 251).
أرخه: يوم الجمعة لسبع خلون من ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة
وتابعه كثيرون: ابن خلكان، والحافظ الذهبي في (سير أعلام النبلاء)،
واليافعي في (مرآة الجنان)، وابن تغري بردي في (النجوم الزاهرة)، وابن العماد
في (الشذرات).
وهذا التحديد الدقيق لتاريخ وفاته نقله السلفي عن أحمد بن إسماعيل بن
فضلان العسكري. وأرخه تلميذه الحافظ أبو نعيم في (تاريخ أصبهان) في صفر
مقدمة التحقيق 6

سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وذهب ابن الجوزي في المنتظم (7 / 191) إلى أنه
توفي سنة وثمانين وثلاثمائة، وتابعه ابن الأثير (9 / 137) (1) وأبو الفداء.
وترجمه ابن كثير في (البداية والنهاية) في وفيات سنة 382 وسنة 387
وقد جاء تحديد بلديه ابن فضلان العسكري لتاريخ وفاته تحديدا دقيقا: فيه
تسميته اليوم، وتاريخه، وتسميته الشهر، وتاريخ السنة: يوم الجمعة، السابع
من ذي الحجة، سنة 382، وهذا مرجح لقوله.
غير أن أبا نعيم - وهو تلميذه وتلميذ أخيه - أرخه في صفر سنة 383،
فتحديد الشهر وقرينة التلمذة: يرجحان قوله أيضا.
ومع هذا فمن الممكن ترجيح التاريخ الأول، فعل أبا أحمد توفي في سير
البلد التي كان فيها آنئذ أبو نعيم ولم يصل خبر وفاته إليه إلا بعد فترة، فقدر
أبو نعيم ذلك تقديرا، وليس بين التاريخين إلا شهران، أو أنه اعتمد على
كلام من نقل إليه الخبر ولم يكن دقيقا؟ والله أعلم.
وأما ما ذهب إليه ابن الجوزي - وتابعه عليه ابن الأثير وأبو الفداء - من
أنه توفي سنة 387 فلم أر له مستندا. ويدل على وهائه: أن الصاحب ابن
عباد رثى العسكري ببيتين من الشعر، كما سيأتي آخر الترجمة، وقد ذكر
ابن الجوزي نفسه - ومن تابعه - وفاة الصاحب هذا في حوادث عام 385،
فكيف يرثي من توفي سنة 387؟!.
وهذا الضبط الدقيق لتاريخ مولده وعدم الاختلاف فيه، إلى جانب الاختلاف
في تاريخ وفاته: أمر يثير الاستغراب، إذ إن الغالب في تراجم العلماء دقة تاريخ
وفياتهم دون اختلاف فيه، لأن الرجل يكون قد عرف ونبه ذكره، وكثيرا مالا يعرف
له تاريخ ولادة، أما أبو أحمد رحمه الله فقد ضبط تاريخ ولادته ولم يقع فيه

(1) وتحرف فيه أيضا (سابع ذي الحجة) إلى (تاسع ذي الحجة).
مقدمة التحقيق 7

اختلاف، وأما تاريخ وفاته وقد علا صيته وسمت شهرته فوقع فيه الاختلاف
والغموض في بعض الأقوال كما ترى.
ولعل سر الضبط لتاريخ مولده: كون والده من أهل العلم، ومن المعتاد لهم
تأريخ المهم من أحداث حياتهم، ومنها ولادة أولادهم.
شيوخه:
إن شيوخ العالم هم عمود نسبه، ورجال عشيرته الذين ينتمي إليهم في
العلوم والمعارف وبكثرتهم - مع الدراية - ينبل الرجل، ولذلك نرى العلماء
يعتنون بذكر شيوخ من يترجمونه دلالة على سعة دائرة معارفه، وعلى متانة
علمه ومدى تحقيقه، فإنهم علامة ذلك فيه.
ويرى المتتبع لشيوخ أبي أحمد في تراجمه، وفي كتبه خاصة، عندما يسوق
أخباره بالسند يرى أن شيوخه هم جلة ذلك القرن - القرن الرابع - وأئمته
فيما هو بسبيله.
فمن شيوخه: أبو بكر بن دريد، ونفطويه، وأبو الحسن الأخفش الصغير،
وأبو بكر الصولي، وأبو بكر بن الأنباري، وأبو عمرو غلام ثعلب، وابن
أبي حاتم الرازي، وعبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي الملقب (عبدان)،
وأبو بكر بن أبي داود (1)، وأبو القاسم البغوي، وابن جرير الطبري.
وكل واحد من هؤلاء إمام جليل في فنه الذي هو فيه، ولا ينقضي عجب
الناظر في سيرتهم رحمهم الله تعالى، والستة الأول منهم أئمة اللغة والأخبار والأدب
في عصرهم، والخمسة الأخيرون أئمة الحديث والأثر في وقتهم.
ومن شيوخه من لم يصل إلينا الكثير من أخباره العلمية، لكنه معروف

(1) وقع في مقدمة (المصون) للمترجم بقلم الأستاذ الكبير عبد السلام هارون صفحة د:
(وأبي داود) وهو سقط مطبعي، صوابه ما ذكرته، وتقدم أن ولادة العسكري سنة 293، ومعلوم
أن وفاة أبي داود سنة 275.
مقدمة التحقيق 8

بالعلم، فمنهم أبو عبيد الآجري الرواية عن أبي داود السجستاني لكثير من
أقواله في الجرح والتعديل، وهو صاحب الكتاب المعروف باسم (سؤالات الآجري
لأبي داود السجستاني) وهو مما لا يستغني عنه في هذا العلم، والفضل بن الخصيب،
ذكره ياقوت في (معجم الأدباء) لما نقل ترجمة العسكري من كتاب تاريخ
أصفهان لأبي نعيم، وسقط اسمه من النسخة المطبوعة لكتاب أبي نعيم، فليستدرك
وقد ترجم أبو نعيم نفسه للفضل بن الخصيب (2 / 154) وروى في ترجمته
حديثا عن العسكري، عن الفضل، بسنده إلى عمرو بن عبسة عن النبي صلى
الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) وأرخ وفاته
سنة 319.
وأقدم شيوخه وفاة من بين هؤلاء الذين ذكرتهم هو الإمام ابن جرير
الطبري رحمه الله تعالى، فقد كانت وفاته سنة 311، فيكون عمر أبي أحمد
حينئذ ثماني عشرة سنة، أي إنه رحل في طلب العلم قبل هذه السن، لأن ابن
جرير كان في بغداد، والعسكري في الأهواز.
لكن أقدم شيوخ أبي أحمد على الإطلاق - والله أعلم - هو أبو أحمد يحيى
ابن علي. فقد جاء في كتابه (المصون) صفحة 13 - 14 ما نصه:
(قال أبو أحمد الحسن بن عبد الله - هو المترجم -: وأنشدني أبو أحمد
يحيى بن علي:
إعرف الشعر قبل تعرضه * وأدر ما وكده وما سببه
وأعاريضه التي أخذت * من أساليبه وما شعبه
إنما الشعر حسن وحي إلى * حر معنى وبعده طنبه
وخلاه ألفاظه لا كمن ضمم * قماشا بالليل محتطبه
وعرف محققه الأستاذ عبد السلام هارون بيحيى بن علي هذا فقال: هو
المعروف بابن المنجم، ولد سنة 241 وتوفي سنة 300. وابن خلكان (2 / 235 - 236).
مقدمة التحقيق 9

فيكون عمر أبي أحمد سبع سنوات لما توفي ابن المنجم، ولا يستغرب هذا
العمر بالنسبة لهذه الأبيات الخفيفة، ولذا ذكره أبو أحمد في موضعين آخرين
من كتابه ص 12، 129 بواسطة بينهما، ولا يبعد أن يكون والده قد اصطحبه
معه في رحلة له إلى بغداد بلد ابن المنجم، فأدبه ابن المنجم بهذه الأبيات الواضحة
وأسس له بها الجانب الشكلي والمعنوي للشعر، وهل كان أخذه عن الإمام الطبري
في هذه السن الصغيرة أو في رحلة أخرى؟ لعل الكتب الأخرى للعسكري التي
تستنهض همم الباحثين تكشف عن هذا؟.
وذكر الحافط أبو نعيم أن أبا أحمد دخل أصفهان مرتين سنة 349 و 354،
وذكروا أنه رحل إلى البصرة أيضا، فهذه أسماء البلدان التي سموها بالتعيين وأن
العسكري دخلها: بغداد والبصرة وأصفهان، قالوا: (وغيرها) دون تعيين وتسمية،
على أن بغداد وحدها كانت حاضرة العلوم عامة، والحديث خاصة، وكذلك
البصرة، ولا سيما العربية وعلومها.
تلامذته:
تلامذة العالم عنوان في الغالب على الغاية العلمية التي وصل إليها، فنجابتهم
سمة دالة على مستواه العلمي، وكونهم أصحاب فنون مختلفة يدل على تفننه
الذي يجمع حوله رجالا مختلفي الثقافة. متعددي جوانب المعرفة، وكثرتهم
تدل على رفعة ذكره التي تجعله رحلة لطلاب المعرفة، وقد وقفت على أسماء عدد
وفير من تلامذته، ولا ريب أن الكشف عن تراجمهم، ومعرفة أحوالهم وألوان
ثقافتهم أمر يطول، فلذا أقتصر على ذكر المشهورين منهم مع الإشارة إلى
اختصاصاتهم العلمية، فمنهم: أبو هلال العسكري أشهر تلامذته ذكرا، حتى
اقترن ذكر أحدهما بالآخر، وهو يعطي الصورة العلمية عن الجانب الأدبي
واللغوي عند أبي أحمد. ومنهم الأئمة المحدثون: خلف الواسطي صاحب أطراف
الصحيحين، وأبو سعد الماليني، وأبو علي الأهوازي، وأبو نعيم الأصفهاني،
مقدمة التحقيق 10

ولا ريب أن لأبي نعيم مزيد اختصاص به مما جعل الحافظ السلفي يقول - كما
في معجم الأدباء (8 / 238) -: روى أبو نعيم عن أبي أحمد كثيرا.
ومنهم أبو بكر الباقلاني شيخ المتكلمين في عصره، أخذ عنه بالإجازة،
ومنهم عبد الواحد بن أحمد الباطرقاني أحد أئمة القراء، ومنهم أبو عبد الرحمن
السلمي صاحب (طبقات الصوفية) وغير هؤلاء كثير.
عقيدته:
ترجم ابن الجوزي في المنتظم (7 / 191) للعسكري وأثنى عليه علما وفضلا
وقال: كان يميل إلى المعتزلة، وجاء الحافظ ابن كثير بعده فقال (11 / 320):
ويقال: إنه كان يميل إلى الاعتزال، والجديد في عبارة ابن كثير أمران:
تصديره ما حكاه ابن الجوزي بصيغة التمريض (يقال)، وتغييره كلمة ابن الجوزي
(المعتزلة) إلى كلمة (الاعتزال)، فالاعتزال: مبدأ وعقيدة، والميل إليه ميل
واعتناق له، أما (المعتزلة) فأشخاص فيهم اعتناق لذاك المبدأ، وفيهم صفات
أخرى قد تجمع بينهم وبين آخرين، ولا يلزم من الميل إليهم من أجل هذه
الصفات الأخرى أن يكون ثمت ميل إلى ذلك المبدأ.
وقد وجدت ما يؤيد كلام ابن الجوزي على هذا الوجه الذي بينته، ولم أجد
ما يؤيد كلام ابن كثير، على مقتضى ما يفيده لفظه.
وجدت اتصالا بين أبي أحمد والصاحب بن عباد، وهو ينحو في رسالته
(الهداية والضلالة) - وهي مطبوعة - منحى القدرية والمعتزلة، وذكر الحافظ
السمعاني أنه دخل أصفهان مع أبي بكر الجعابي وهو رافضي، والرفض والاعتزال
توأمان في العقيدة، وشيخه ابن المنجم السابق الذكر معتزلي، وله تآليف في ذلك،
كما في ترجمته عند ابن خلكان (6 / 198).
أما أن في كتبه وثنايا كلامه ما يشم منه رائحة العقيدة الاعتزالية، فلم
أجد شيئا من هذا في كتبه الثلاثة المطبوعة: كتابنا الذي بين يديك (تصحيفات
المحدثين) و (شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف) و (المصون).
مقدمة التحقيق 11

ولم تكن صلته بابن عباد إلا أدبية، وستأتي قصة ذلك، ودخوله أصفهان
مع الجعابي كان في طريق الرحلة التي تجمع بين المختلفين بل والمتخالفين،
وسماعه من ابن المنجم كان في سن الطفولة بحيث لا يكون تأثر من التلميذ
بشيخه، ولا تأثير للشيخ في تلميذه.
بل لقد رأيت ما يدفع عنه تهمة الاعتزال، فقد ذكر الحافظ السلفي
- كما تقدم - أن أبا بكر الباقلاني أخذ عن العسكري، وكان أخذه عنه
بالإجازة، لا بالسماع، والباقلاني معروف في صلابته في عقيدته بحيث لا يتصور
منه حرص على أخذه عن العسكري - لو كان معتزليا - إلى حد أنه حرص على أن
يكون بينه وبينه ارتباط علمي ولو بالإجازة، إذ فاته الأخذ عنه بالتلقي والسماع.
وبعد هذا نرى أن عبارة ابن الجوزي كانت أدق من عبارة ابن كثير،
وعلى فرض أن ابن كثير أراد المعنى الذي أراده ابن الجوزي فيكون ابن كثير
قد غمز (هذا الميل) حيث صدره ب‍ (يقال) مضعفا له متبرئا من تبعته.
وليس الاتهام بعقيدة زائغة - كالاعتزال مثلا - بالأمر الذي يتساهل فيه
فيوصم الرجل به، اعتمادا على شبه وتشككات!! نسأل الله السلامة.
ثقافته:
كان الإمام أبو أحمد أحد أفذاذ عصره في علم الأدب بمعناه القديم وهو الذي
يجمع اللغة العربية بمختلف فنونها، إلى الشعر وما يتعلق به، إلى أخبار الأمم الماضية
وتاريخ العرب وأيامهم، ونوادر الناس وطرقهم، كما نجد هذا عند الجاحظ
وابن قتيبة والأصمعي والمبرد وأمثالهم.
قال عنه الإمام السمعاني في (الأنساب): أحد أئمة الأدب، وصاحب
الأخبار والنوادر. وقال ابن الجوزي في (المنتظم): الرواية العلامة صاحب
الفضل الغزير والتصنيف الحسن الكثير في الأدب واللغة والأمثال.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (11 / 312): أحد الأئمة في اللغة
مقدمة التحقيق 12

والأدب والنحو والنوادر، ويزيد أبو أحمد على هذا الصنف من العلماء
مشاركة جيدة في علم الحديث، فقد شارك المحدثين في جوانب هامة
جدا من جوانب علمهم وألف فيها تآليف تدل على رسوخ قدمه في هذا الفن،
مما جعل الحافظ الذهبي رحمه الله يصفه في سير أعلام النبلاء (10 / 251 / 2 ب):
الإمام المحدث الأديب العلامة.
وجاءت مشاركته في علم الحديث في (الرواية)، فكتابه (الحكم والأمثال)
لم نقف عليه مباشرة وإنما وقفنا على نقول كثيرة عنه، ولا سيما في (المقاصد
الحسنة) للحافظ السخاوي، فإنه أكثر من النقل عنه، بل سايرته النقول عنه
من أول الكتاب إلى آخره، ونجد في ثنايا هذه النقول جملا تدل على اطلاع
واسع كبير في رواية السنة، من ذلك ما جاء في ص 74 من الكتاب المذكور وهو
يخرج حديث (أكثر أهل الجنة البله) عزاه إلى (أمثال) العسكري أنه
قال عقب روايته له: غريب من حديث الزهري وهو من حديث يونس عنه
أغرب، لا أعلمه إلا من هذا الوجه.
كما شارك في فن هام من فنونه هو (معرفة الصحابة) فألف فيه كتابا
أكثر الحافظ ابن حجر رحمه الله النقل عنه في (الإصابة).
وجاء كتابه الذي بين أيدينا (تصحيفات المحدثين) جامعا للدلالة على سعة
روايته وعلى سعة اطلاعه على رواة السنة، مع غاية الضبط والإتقان.
فقد جاء في أوله التنبيه على تصحيفات الرواة في المتون، وجاء القسم الأخير
منه في ضبط أسماء الرواة الذين قد يقع فيها تصحيف أو وهم.
وهنا نستذكر ما سبق من تعداد طائفة من أئمة الحديث تلمع أسماؤهم بين
شيوخه وتلامذته، فكان المحدثون من شيوخه أصحاب أثر في ترسيخ هذا العلم
في نفسه، وكان المحدثون من تلامذته ناهلين من معارفه فيه، ولا ريب أن
شهرة الرجل بعلم ما، لا يعني عدم اعتنائه بعلوم أخرى، ولا سيما في العلماء
مقدمة التحقيق 13

المتقدمين، وقد قال الحافظ السلفي في أبي أحمد: كان من الأئمة المذكورين
بالتصرف في أنواع الفنون والتبحر في فنون الفهوم.
ومما يحسن التنبيه إليه أن الأستاذ الزركلي وصف أبا أحمد ب‍ (الفقيه)
وهذا ما لم أجد أحدا وصفه به، ولم أجد ما يدل عليه، وكأنه التبس عليه الأمر،
فقد وصف تلميذه أبو هلال العسكري ب‍ (العلم والفقه معا) (1) كما جاء في معجم
الأدباء (8 / 259) وغيره.
مصنفاته:
اتفقت كلمة المترجمين لأبي أحمد على الثناء على تصانيفه عامة، وخصت
بعضها بالذكر، فيقول الحافظ السلفي عنه: من المشهورين بجودة التأليف
وحسن التصنيف. وقال السمعاني في (الأنساب): صاحب التصانيف الحسنة
المليحة. ونحوه كلمة ابن القفطي، وقال ابن خلكان - وتابعه ابن كثير
وابن العماد في (الشذرات) - له التصانيف المفيدة.
وجاء قول ابن الجوزي نحو هذا وزيادة فقال: الرواية العلامة صاحب
الفضل الغزير، والتصنيف الحسن الكثير، في الأدب واللغة والأمثال،
ونحن نعلم (الرقم القياسي) الذي وصل إليه عدد مؤلفات ابن الجوزي، فمثله
لا يرفع رأسا إلا لمكثر كثرة بالغة في التصنيف، لكن لم نقف إلا على عدد
يسير من مؤلفاته، أذكرها على الترتيب الهجائي مسرودة:
1 - البديع: ذكره صاحب (كشف الظنون).
2 - تصحيح الوجوه والنظائر: ذكره السلفي.
3 - تصحيفات المحدثين: وهو كتابنا هذا الذي تستقبلك دراسة عنه.
4 - التفضيل بين بلاغتي العرب والعجم: ذكره الأستاذ الزركلي، ورمز له
بأنه مطبوع، لم أقف عليه.

(1) وهل يراد بالفقه العلم المعروف، أو مطلق الفهم للعلم؟
مقدمة التحقيق 14

5 - الحكم والأمثال: ذكره السلفي وابن خلكان وغيرهما، وتقدم أن الحافظ
السخاوي يكثر من النقل عنه، ويسميه (الأمثال)، وقد يعزو إليه دون
ذكر لاسم الكتاب فيقول: رواه العسكري، ويبدو من النقول عنه أنه
كتاب علم وتأديب. وذكره الجنيني في (مختصر إتقان ما يحسن) ورقة
60 فقال: ذكر العسكري في كتابه (الأمثال) ألف حديث مثل على
ألف مثل من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
6 - راحة الأرواح: ذكره السلفي والسيوطي في (بغية الوعاة).
7 - الزواجر والمواعظ: ذكره السلفي والسمعاني وغيرهما.
8 - شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف: وهو مطبوع بهذا الاسم، حققه
الأستاذ عبد العزيز أحمد كبير مفتشي اللغة العربية في وزارة التربية
والتعليم بمصر وتاريخ طبعه سنة 1383 ه‍ - 1963 م بمطبعة مصطفى البابي
الحلبي وأولاده، وقد ذكر ابن خلكان هذا الكتاب باسم (التصحيف)
وأثنى عليه بقوله: جمع فيه فأوعب.
9 - صناعة الشعر: ذكره السلفي، وذكر أنه رآه، وذكره السيوطي وسماه
(صناعة الشعراء).
10 - علم المنطق: ذكره ابن خلكان والسيوطي وصاحب (كشف الظنون).
11 - علم النظم: ذكره القفطي وأثنى عليه: هو في غاية الجودة، ومن أحسن
ما يستعمله الشعراء، ويرى الأستاذ عبد العزيز أحمد أنه هو (صناعة
الشعر) السابق الذكر، وهو قريب، ويعتبره المعلق على ابن خلكان
أنه هو (علم المنطق) - والله أعلم - فلو لفقت هذه الاعتبارات لنتج أن
الثلاثة الأخيرة كتاب واحد.
12 - كتاب في معرفة الصحابة: لم نقف على تسميته وإنما رأينا العسكري
ذكره في الورقة 62 ب من التصحيفات باسم: كتاب القبائل فيمن روى
مقدمة التحقيق 15

عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحافظ ابن حجر رحمه الله يكثر من النقل
عنه في كتابه (الإصابة) وذكر السخاوي في (الإعلان) ص 542 أنه
مرتب على القبائل.
13 - ما لحن فيه الخواص من العلماء: ذكره الجمال القفطي وأثنى عليه فقال:
هو كتاب معتبر.
14 - المختلف والمؤتلف: ذكره هكذا ابن خلكان والسيوطي، وسماه صاحب
كشف الظنون: (المختلف والمؤتلف في مشتبه أسماء الرجال). وذكره
القفطي وأثنى عليه فقال: (المختلف والمؤتلف مما يدخل منه الوهم على
المحدثين) وهو كتاب جليل.
15 - المصون في الأدب: طبع بالكويت بتحقيق الأستاذ الكبير عبد السلام هارون
سنة 1960 للميلاد.
16 - نوادر اللغة: ذكره إسماعيل البغدادي في هدية العارفين (1 / 273).
فليحقق.
17 - الورقة: ذكره تلميذه أبو هلال العسكري في كتابه ديوان المعاني (1 / 28).
وبعد النظر في أسماء هذه المؤلفات وفي ثنايا اليسير المطبوع منها، يمكن
الجزم بنتيجة، هي أن أبا أحمد رحمه الله كان يحرص على التأليف في
المهم من مسائل العلم، ليقدم الجديد المفيد.
فكتابه الذي بين أيدينا (تصحيفات المحدثين) وصنوه (شرح ما يقع فيه
التصحيف والتحريف) و (تصحيح الوجوه والنظائر) و (ما لحن فيه الخواص
من العلماء) و (المختلف والمؤتلف): واضح من هذه الكتب وأسمائها أنها مؤلفة
للخاصة والعلية من العلماء.
وكتابه (الحكم والأمثال) و (الزواجر والمواعظ) و (راحة الأرواح)
و (المصون) يبدو من أسمائها أنها كتب غذائية للعقول والأرواح والأنفس،
مقدمة التحقيق 16

وهي مفيدة لعامة الناس من علماء وغيرهم، وكتابه (معرفة الصحابة) و (صناعة
الشعر) و (علم المنطق) و (علم النظم) إن صح أنها متغايرة أو متحدة: فإن
المراد من تأليفها تثبيت علم خاص قائم بنفسه، وتأسيس لدعائمه.
ولعل الله تعالى ييسر الكشف عن هذا القسم الكبير الغامض من مؤلفات هذا
الإمام رحمه الله تعالى - وسائر علماء الإسلام - وجزاه خير الجزاء والمثوبة.
منزلته وشهرته العلمية:
توفرت للإمام العسكري رحمه الله أسباب المنزلة العلمية الرفيعة، والاشتهار
بها وهي ثلاثة:
1 - شيوخ أجلاء في فنين من فنون العلم: الأدب والحديث، وهذا مما يرغب
الناس في الأخذ عن أصحابهم.
2 - وإتقان وضبط، وتحقيق وتمحيص، أهله للأخذ على أئمة كبار، كما نجد
هذا في (تصحيفات المحدثين) و (شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف)
ونحوهما كتابه الآخر (ما لحن فيه الخواص من العلماء).
3 - وسن عالية وعمر مديد، فقد رأينا أنه ولد سنة 293، وتوفي على حسب
رواية الأكثرين سنة 382 (1) فيكون قد قارب التسعين، أو بلغها على مقتضى
رواية أبي نعيم سنة 383، أو جاوزها بأربع سنين إن أخذنا برواية ابن
الجوزي سنة 387، وعلى كل حال فهي سن تجعل صاحبها مقصودا بالأخذ
عنه، فكيف إذا اجتمعت فيه الأسباب الثلاثة؟
وقد ذكر الحافظ السلفي هذه الأسباب وأبان عما وصل إليه العسكري فقال:
بقي حتى علا به السن واشتهر في الآفاق بالدراية والإتقان، وانتهت إليه
رئاسة التحديث والإملاء للآداب والتدريس بقطر خوزستان، ورحل الأجلاء إليه
للأخذ عنه والقراءة عليه.

(1) وقد أخذ بهذه الرواية الذهبي في (سير أعلام النبلاء) كما تقدم، وبهذا تعلم ما في قوله آخر
ترجمته (أظنه جاوز التسعين).
مقدمة التحقيق 17

ومما ذكروه عن حرص ذوي الفضل على لقائهم به: قصة الصاحب بن عباد،
فقد حكى القصة كاملة ياقوت في (معجم الأدباء) بعضها من طريق السلفي،
وبعضها الآخر من طريق ابن الجوزي، وقد جاءت مشوشة مختصرة عند ابن كثير،
وأنا أنقلها من عند ياقوت مع تقديم وتأخير وأنقل جملة منها عن ابن خلكان.
قال أبو سعيد السقطي - تلميذ العسكري -: إن الصاحب بن عباد كان يتمنى
لقاء أبي أحمد ويكاتبه على ممر الأوقات ويستميل قلبه، فيعتل عليه بالشيخوخة
والكبر، إذ عرف أنه يعرض بالقصد إليه والوفود عليه، فلما يئس الصاحب
منه احتال في جذب السلطان إلى ذلك الصوب - أي البلدة التي فيها العسكري -
وبلغ من تحيله أنه قال للسلطان مؤيد الدولة بن بويه: إن عسكر مكرم قد
اختلت أحوالها، وأحتاج إلى كشفها بنفسي، فأذن له في ذلك، فتوجه إليها
ومعه فخر الدولة بن بويه، فلما قرب من عسكر مكرم كتب إلى أبي أحمد
كتابا وضمنه الشعر والنثر.
قال أبو الحسن البندنيجي: فبينا نحن جلوس نقرا على أبي أحمد، وصل
إليه ركابي (1)، ومعه رقعة، ففضها وقرأها وكتب على ظهرها جوابها، فقلت:
أيها الشيخ ما هذه الرقعة؟ فقال: رقعة الصاحب، كتب إلي:
ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم * ضعفا فما نقوى على الوخذان (2)
أتيناكم من بعد أرض نزوركم * وكم منزل بكر لنا وعوان (3)
نسائلكم هل من قرى لنزيلكم * بملء جفون لا بملء جفان
قال السقطي: فلما قرأ أبو أحمد الكتاب أقعد تلميذا له، فأملى عليه الجواب
عن النثر نثرا، وعن النظم شعرا، وبعث إليه في الحال، وكان في آخر جوابه:
أروم نهوضا ثم يثني عزيمتي * تعوذ أعضائي من الرجفان

(1) الركابي: منسوب إلى الركاب، وهي الإبل التي يسار عليها، واحدتها: راحة. فالمعني:
أن الصاحب أرسل ركابيا يحمل رسالة إلى أبي أحمد، ومعه راحلة ليأتيه به عليها.
(2) الوخذان: سرعة المشي، وسعة الخطو.
(3) يريد: وكم منزل جديد وقديم، ومع ذلك تركته وآثرت المجئ إليك.
مقدمة التحقيق 18

فضمنت بيت ابن الشريد كأنما * تعمد تشبيهي به وعناني (1)
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه * وقد حيل بين العير والنزوان (2)
فاستحسن الصاحب هذا التضمين ووقع منه موقعا عظيما وقال: لو - عرفت أن
هذا المصراع يقع في هذه القافية لم أتعرض لها، وكنت قد ذهلت عنه وذهل علي.
قال البندنيجي: ثم نهض أبو أحمد وقال: لابد من الحمل على النفس،
فإن الصاحب لا يقنعه هذا، وركب بغلة وقصده، فلم يتمكن من الوصول إلى
الصاحب لاستيلاء الحشم، فصعد تلعة ورفع صوته بقول أبي تمام:
مالي أرى القبة الفيحاء مقفلة * دوني، وقد طال ما استفتحت مقفلها
كأنها جنة الفردوس معرضة * وليس لي عمل ذاك فأدخلها
فناداه الصاحب: أدخلها يا أبا أحمد، فلك السابقة الأولى، فتبادر إليه
أصحابه فحملوه حتى جلس بين يديه، فسأله عن مسألة، فقال أبو أحمد:
الخبير صادفت. فقال الصاحب: يا أبا أحمد تغرب في كل شئ حتى في المثل
السائر؟ فقال: تفاءلت عن السقوط بحضرة مولانا، وإنما كلام العرب: سقطت.
قال السقطي: وتفاوضا في مسائل فزادت منزلته عنده، وأخذ أبو أحمد منه
بالحظ الأوفر، وأدر الصاحب على المتصلين به إدرارا كانوا يأخذونه إلى أن
توفي، وبعد وفاته فيما أظن، ولما نعي إليه أنشد فيه:
قالوا مضى الشيخ أبو أحمد * وقد رثوخ بضروب الندب
فقلت: ما من فقد شيخ مضى * لكنه فقد فنون الأدب
رحم الله أبا أحمد وأجزل مثوبته وأعلى مقامه في الأولين والآخرين والحمد
لله رب العالمين.

(1) ابن الشريد: هو صخر بن عمرو السلمي أخو الخنساء، وانظر أبياته وقصها عند العسكري
نفسه في (المصون) ص 177:
(2) العير: الحمار الوحشي والأهلي، والنزوان: الوثوب. وهو مثل يضرب لمن قصد أمرا
فعجز عنه ولم ينل مأربه منه.
مقدمة التحقيق 19

مصادر الترجمة:
1 - مختصر إتقان ما يحسن من بيان الأخبار الدائرة على الألسن للجنيني ورقة 60 مخطوط
2 - سير أعلام النبلاء - للذهبي (10 / 251) مخطوط
3 - وفيات الأعيان - لابن خلكان (2 / 83)
4 - وإنباه الرواة - للقفطي (1 / 310، 312)
5 - جزء في ترجمة العسكريين - للسلفي نقله ياقوت في ترجمته في معجم الأدباء
6 - معجم الأدباء - لياقوت الحموي (8 / 233، 258)
7 - معجم البلدان - لياقوت الحموي (4 / 123)
8 - المنتظم - لابن الجوزي (7 / 191)
9 - المصون - للعسكري
10 - البداية والنهاية - لابن كثير (11 / 302، 320)
11 - مختصر دول الإسلام - للذهبي (1 / 182)
12 - النجوم الزاهرة - ابن تغري بردي (4 / 175)
13 - شذرات الذهب - ابن العماد (3 / 102)
14 - الإعلان بالتوبيخ (1) - للسخاوي (542)
15 - الكامل - لابن الأثير (9 / 47)
16 - المختصر في أخبار البشر - لأبي الفداء (2 / 140)
17 - بغية الوعاة - للسيوطي (1 / 506)
18 - اللباب - لابن الأثير (2 / 136)
19 - إيضاح المكنون - للبغدادي (2 / 332)
20 - فهرس المخطوطات المصورة - لطفي عبد البديع (2 / 94)
21 - مفتاح السعادة - لطاش كبرى زاده (1 / 227)
22 - كشف الظنون - لحاجي خليفة (233، 411، 675، 801،
956، 1404، 1464، 1637

(1) المطبوع ضمن كتاب (علم التاريخ عند المسلمين).
مقدمة التحقيق 20

المقدمة
إن من أهم خصائص هذه الأمة أن قيض الله تعالى لها رجالا يحفظون دين الله
تعالى بدقة وإتقان، أكدوا من أجله أبدانهم، وأجهدوا قواهم، وسهروا له
ليلهم، وساروا نهارهم ولم يروا من الأمانة في تحمل دين الله وأدائه أن يتحملوه
ويؤدوه كما اتفق، بل رأوا أنه لا يتم ذلك ولا يكون حفظا وحفاظا بحق
وصدق إلا إذا كان آية في الضبط والإتقان.
ولذلك حرصوا على ضبط ألفاظه ونصوصه، وأعلامه وأسمائه، وكل حرف
يتصل به، وجاءوا بقواعد وضوابط وأصول في هذا الباب، وكتبوا أبحاثا
ضمن كتب علوم الحديث، وأفرد بعضهم كتبا خاصة ببيان المنهج العلمي
الذي رسموه لضبط التلقي والأداء، من جملة هذه الكتب (الإلماع في ضبط الرواية
وتقييد السماع)، لمفخرة المغرب القاضي عياض رحمه الله تعالى، وكتابه هذا
هو الذي دفع بحماسة وحرارة إنصاف أسد رستم - وهو من غير المسلمين - لتأليف
كتابه (مصطلح التاريخ) إعجابا بهذا الكتاب.
ولم يكتفوا بهذه القواعد والمناهج، بل ألفوا كتبا كثيرة طبقوا فيها الإتقان
والدقة التي ترسموها في حياتهم العلمية، فكتبوا في المشتبه والمؤتلف والمختلف.
ورأوا أن الإنسان - مهما سما قدره وتمكنت معارفه - فإنه لا بد واقع في
الخطأ ولو كان من ذوي التنبه والتنبيه، بل يقع له الخطأ وهو في تنبيهاته إلى
الصواب، وعلى أهل العلم أن ينبهوا إلى أوهامه وسقطاته بلسان عف نزيه،
وقلم مترفع أديب، حتى لا يسري خطؤه إلى من بعده، ويتلقى بالتوارد والتسليم،
مقدمة التحقيق 21

فيكون الخطأ في المتقدمين صوابا عند المتأخرين، وحينئذ تنقلب الحقائق
وتعظم المصيبة.
إلا أن شيئا من ذلك لم يكن، فقد نهض الجهابذة من أئمة العلم لبيان الزيف
ولا التلذذ بالدعة، ولم يثن عزمهم أن ذلك الواهم إمام من أئمة المسلمين لا يمس
جنابه بتصحيح وهمه، أو سلطان حاكم تخشى سطوته إذا ذكر لتصويب
خطئه، بل كان شعارهم (أحب الحق وأحب فلانا ما اجتمعا، فإذا افترقا
كان الحق أحب إلي من فلان).
ولهذه النتائج الخطيرة الأثر اهتم العلماء بالضبط والإتقان لما يتحملونه
حتى إذا رووه على الناس أو كتبوه في تصانيفهم جاء على الوجه الصحيح،
ومن لطيف صنيعهم أن في الرواة التابعين الثقات رجلين أحدهما (أبو الحوراء
- بحاء مهملة وراء - ربيعة بن شيبان السعدي) وثانيهما (أبو الجوزاء - بالجيم
والزاي - أوس بن عبد الله الربعي - بفتح الراء المهملة وفتح الموحدة عند
المحدثين، وسكون الموحدة عند أهل النسب -).
قال السيوطي: ذكر أبو علي الغساني أن عبد الله بن إدريس قال: لما
حدثني شعبة بحديث أبي الحوراء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما كتب
تحته: حور عين، لئلا أغلط فأقرأه أبو الجوزاء - بالجيم والزاي -.
ومن أعجب أخبار أئمتنا في حرصهم على الإتقان أن بعضهم كان يترك
الأخذ عمن لم يضبط ويقع في التحريف، قال الإمام أبو أحمد العسكري في
(شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف) ص 16 وهو هنا في ورقة 3 أ: (أخبرني أبو عبيد الآجري - هو محمد بن علي بن عثمان - سمعت سليمان بن الأشعث
يقول: قال لي أحمد بن صالح المصري: حدثنا سلامة بن روح في حديث
السقيفة: (بعزة أن يفيلا) تصحيف (تغرة أن يقتلا)، وكان أحمد بن
صالح كتب عنه خمسين ألف حديث فتركه).
مقدمة التحقيق 22

ويقرب من هذا الخبر خبران هما: - ورقة 2 أ و ب - عن مجاهد بن موسى
الخوارزمي أحد شيوخ مسلم في صحيحه، وأنه ترك من لم يتقن، ثم أسند إلى
ابن معين قوله: (من حدثك وهو لا يفرق بين الخطأ والصواب فليس بأهل
أن يؤخذ عنه).
وما ذاك إلا لعظم الخطر الناتج عن إهمال الإتقان في مختلف مواقف العالم
في التلقي أو في الرواية، أو في الكتابة أو في القراءة.
ألا ترى إلى ما حكاه الحافظ السيوطي رحمه الله في التدريب (2 / 68) قال:
(قيل: إن النصارى كفروا بلفظة أخطأوا في إعجامها وشكلها، قال الله في
الإنجيل لعيسى عليه السلام: (أنت نبيي ولدتك من البتول) فصحفوها وقالوا:
(أنت بنيي ولدتك من البتول) مخففا.
وقيل: أول فتنة وقعت في الإسلام سببها ذلك أيضا، وهي فتنة عثمان
رضي الله عنه، فإنه كتب للذي أرسله أميرا إلى مصر: إذا جاءكم فاقبلوه،
فصحفوها: فاقتلوه، فجرى ما جرى).
وللسلامة من هذه الآثار السيئة، وليبق شرع الله تعالى محفوظا، سلك الأئمة
طرقا متعددة في التعلم والتعليم، منها هذه المسالك الثلاثة، أتحدث عنها بالاختصار
الشديد.
1 - ضرورة أخذ العلم عن أهله المتقنين له تلقيا ومشافهة ومزاحمة لهم
بالركب مع الصحبة الطويلة، ومنعوا من أخذه عن الصحف، لان من تلقاه
عن أستاذ رشيد خبير إنما يتلقى عنه عصارة جهده، وعمره المديد، مضافا
إلى ما تلقاه هذا الأستاذ عن شيوخه السابقين وهم عمن قبلهم كذلك.
ومن تلقى علمه عن الشيوخ المتقنين ولازمهم لن تصل به الغفلة - مهما
كان مغفلا إلى حد أن يروي حديثا (عن جبريل عن الله عن رجل) فقيل له:
مقدمة التحقيق 23

(من هذا الذي يصلح أن يكون شيخا لله تعالى...؟ فإذا هو صحف، فإذا هو
(عن الله عز وجل (1)).
وقد حذر سلفنا رضي الله عنهم من الأخذ عن الصحف وأهلها، فقال
سعيد بن عبد العزيز التنوخي أحد الثقات الأثبات، وقد سواه الإمام أحمد
بالأوزاعي، وقدمه غيره عليه قال: (لا تحملوا العلم عن صحفي، ولا تأخذوا
القرآن عن مصحفي (2)).
وقال قائلهم:
من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة * يكن عن الزيف والتصحيف في حرم
ومن يكن آخذا للعلم عن صحف * فعلمه عند أهل العلم كالعدم (3)
واسمع كلام أبي أحمد العسكري في فاتحة كتابه (شرح ما يقع فيه التصحيف
والتحريف (4) قال: (شرحت في كتابي هذا الألفاظ والأسماء المشكلة التي
تتشابه في صورة الخط - فيصحفها عامة الناس، ويغلط فيها بعض الخاصة،
ولا يكمل لها إلا من افتن في العلوم ولقي العلماء والرواة والمتقدمين في صناعتهم
المتقنين لما حفظوه، وأخذ من أفواه الرجال، ولم يعول على الكتب الصحيفة
- يريد: التي دخلها التصحيف - واستقبح لذة الراحة والتقليد على تعب البحث
والتنفير).
ثم أسند (5) إلى الأصمعي أنه ذكر يوما بني أمية وشغفهم بالعلم فقال:
(ربما اختلفوا - وهم بالشام - في بيت من الشعر، أو خبر، أو يوم من أيام
العرب، فيبردون فيه بريدا إلى العراق) ولم يكن هذا مرة أو مرتين منهم، بل
كان ديدنا لهم في كل يوم.

(1) تصحيفات المحدثين ورقة 3 أ.
(2) تصحيفات المحدثين ورقة 2 أ.
(3) كيف يتلى القرآن ص 24.
(4) شرح ما يقع فيه التصحيف ص 3.
(5) شرح ما يقع فيه التصحيف ص 3.
مقدمة التحقيق 24

فقد روى العسكري عقبه كلمة أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: ما كنا
نفقد في كل يوم راكبا من ناحية بني أمية ينيخ على باب قتادة يسأله عن خبر
أو نسب أو شعر. وكان قتادة أجمع الناس.
ومن مشهور أمثلة التصحيف ما يذكر في كتب علوم الحديث، أن ابن
لهيعة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم في المسجد، وصوابه: (احتجر
في المسجد) فبين الإمام مسلم رحمه الله أن سبب تصحيف ابن لهيعة أخذه هذا
الحديث عن كتاب دون سماعه من الشيخ أو قراءة عليه. وهذا كلام مسلم بطوله
من كتابه (التمييز (1)):
(ومن فاحش الوهم لابن لهيعة: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا إسحاق
ابن عيسى، حدثنا ابن لهيعة، قال: كتب إلي موسى بن عقبة يقول: حدثني
بسر بن سعيد، عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم في
المسجد. قلت لابن لهيعة: مسجد بيته؟! قال: مسجد الرسول صلى الله عليه
وسلم.
قال مسلم: وهذه رواية فاسدة من كل جهة، فاحش خطؤها في المتن والإسناد
جميعا، وابن لهيعة المصحف في متنه المغفل في إسناده، وإنما الحديث (أن النبي
صلى الله عليه وسلم احتجر في المسجد بخوصة أو حصير يصلي فيها) وسنذكر
صحة الرواية في ذلك إن شاء الله.
ثم روى من طريق وهيب، عن موسى بن عقبة، وغندر، عن عبد الله
ابن سعيد، - كلاهما - عن سالم أبي النضر، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن
ثابت، نحوه، ثم قال: الرواية الصحيحة في هذا الحديث ما ذكرنا عن وهيب،
وذكرنا عن عبد الله بن سعيد، عن أبي النضر. وابن لهيعة إنما وقع في الخطأ
في هذه الرواية أنه أخذ الحديث من كتاب موسى بن عقبة إليه فيما ذكر،
وهي الآفة التي نخشى على من أخذ الحديث من الكتب من غير سماع من

(1) التمييز (صفحة 139 - 140).
مقدمة التحقيق 25

المحدث أو عرض عليه، فإذا كان أحد هذين - السماع أو العرض - فخليق أن
لا يأتي التصحيف القبيح وما أشبه ذلك من الخطأ الفاحش إن شاء الله.
وما أجدرنا أن نردد الان كلام أبي أحمد العسكري رحمه الله: (كان الناس
فيما مضى يغلطون في اليسير دون الكثير، ويصحفون في الدقيق دون الجليل،
لكثرة العلماء وعناية المتعلمين، فذهب العلماء وقلت العناية، فصار ما يصحفون
أكثر مما يصححون، وما يسقطون أكثر مما يضبطون (1)).
2 - تقييد ما يكتبه الراوي عن شيخه، وضبطه بالشكل والنقل وبعلامات
الإعجام والإهمال، وبقواعد الكتابة والمقابلة والإلحاق والتضبيب ونحو ذلك
مما رسمه علماؤنا وقعدوه ودنوه في كتب علوم الحديث، ومن لطيف ما ذكروه
في هذا الصدد ما تقدم عن عبد الله بن إدريس.
ولا ينقضي عجب الناظر من كثرة التقييد التي يجدها في شرح القاضي
عياض رحمه الله على صحيح مسلم، وفي كتابه (مشارق الأنوار) - وكان قد
استفاد ذلك من أبي علي الغساني صاحب الكتاب الأصيل الحفيل (تقييد المهمل) -
وكذلك في (مطالع الأنوار) لابن قرقول، الذي يكثر النووي من النقل عنه
في شرح صحيح مسلم).
وهذا نص طويل عن أبي أحمد العسكري يبين أهميته الضبط والنقط والشكل في
نظر علمائنا الأقدمين، قال رحمه الله في (شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف (2)):
(وأخبرني أبي، أخبرني عسل بن ذكوان، أخبرنا الحسن بن يحيى الأسدي
قال: قال علي بن المديني: مر بنا الجماز ونحن في مجلس للحديث، فقال:
يا صبيان، أنتم لا تحسنون أن تكتبوا الحديث، كيف تكتبون: أسيدا وأسيدا
وأسيدا؟ قال: فكان ذلك أول ما عرفت التقييد وأخذت فيه.

(1) شرح ما يقع فيه التصحيف ص 5.
(2) شرح ما يقع فيه التصحيف ص 14 - 16.
مقدمة التحقيق 26

قال: وكان الأوزاعي يقول: إعجام الكتاب نوره.
ومما قيل من الشعر في ذم إغفال الشكل والنقط، ومدح ما قيد منه: أخبرني
محمد بن يحيى بن العباس قال: أهدى أحمد بن إسماعيل الكاتب إلى صديق
له دفترا فيه حدود الفراء وكتب على ظهره:
خذه فقد سوغت منه مشبها * بالروض أو بالبرد في تفويفه
نظمت، كما نظم السحاب سطوره * وتأنق الفراء في تأليفه
وشكلته ونقطته فأمنت من * تصحيفه ونجوت من تحريفه
بستان خط غير أن ثماره * لا تجتنى إلا بشكل حروفه
وقال أبو تمام فأحسن إن كان أراد هذا المعنى:
إذا ما قيدت رتلت وليست * إذا ما أطلقت ذات انطلاق
وهذا معني مليح لمن صرفه إليه، يقول: إذا قيدت بالإعجام والشكل مشت
للقارئ وسهلت عليه، وإذا أغفلت وأطلقت لم تستبن ولم تنطلق للقارئ.
وعندي أن أبا تمام أخذ هذا من قول رؤبة، وهو أول من اخترع هذا المعنى
في قوله:
إذا تهجى قارئ بهينمه * أخرج أسماء البيان معجمه
وحلق الترفين أو موشمه * يبدي لعيني غابر تفهمه
يريد أن الإعجام هو الذي بينه وأخرج أسماءه.
الترقين: النقط في الكتاب، وأن تقرأه على نفسك، وتعتبره وتدبر
بعضه ببعض.
وأنشدني أبو بكر قال: أنشدني المبرد لمحمد بن عبد الملك الزيات كتبها
إلى الحسن بن وهب يصف كتابا منها:
وإذا وشوم في كتابك لم تدع * شكا لمعتسف ولا لمفكر
تنبيك عن رفع الكلام وخفضه * والنصب فيه بحاله والمصدر
وإذا كتاب أخيك من ذا كله * خلو فبئس لبائع أو مشتري
مقدمة التحقيق 27

وممن مدح كثرة الشكل أحمد بن إسماعيل نطاحة الكاتب فقال:
مستودع قرطاسه حكما * كالروض ميز بينه زهره
وكأن أحرف خطه شجر * والشكل في أضعافها ثمره
ومما يستحسن في هذا المعني وندر لابن المعتز:
بشكل يؤمن الإشكال فيه * كأن سطوره أغصان شوك
يقال: شكلته: فهو مشكول، ولا يقال أشكلته، وكذلك شكلت الدابة،
وأشكل علي: إذا التبس عليك ويقال: أعجمه فهو معجم، ولا يقال عجمته
ولا معجوم، ولا عجمته بالتشديد، وأعجمت الكلام: ذهبت إلى العجمة).
3 - أما الأمر الثالث الذي سلكه علماؤنا للحفاظ على العلم وليبقى سليما
وليتداول سليما: فهو إفرادهم بالتأليف كتبا خاصة بذلك، وجاءت مؤلفاتهم
على قسمين:
الأول: في التقييد والضبط، يذكرون فيها ضبط الأسماء والألفاظ وكيف
نطق بها أصحابها فإذا قرأها طالب العلم أمن من الغلط والتحريف، ومن كتب
هذا القسم: (تقييد المهمل) لأبي علي الغساني الجياني، و (مشارق الأنوار)
للقاضي عياض، و (مطالع الأنوار) لابن قرقول، و (تقييد) ابن نقطة
و (التقييدات) له أيضا، ونجد هذا كثيرا في كتب شروح السنة بالنسبة
لنصوص الأحاديث الشريفة.
والثاني: في التصحيفات والأوهام، وقد نشطت حركة التأليف في هذا
الجانب بالقرن الرابع فكتب حمزة بن الحسن الأصفهاني (280 - 360) كتابه
(التنبيه على حدوث التصحيف (6))، وكتب صاحبنا أبو أحمد العسكري

(1) طبعة مجمع اللغة العربية بدمشق سنة 1388 بتحقيق محمد أسعد طلس، ومراجعة أسماء
الحمصي، وعبد المعين الملوحي.
مقدمة التحقيق 28

(293 - 382) كتابيه (شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف (1)) و (تصحيفات
المحدثين (2))، وهو الذي بين يديك، وكتب الإمام الحافظ أبو الحسن الدارقطني
(305 أو 306 - 385) كتابا في التصحيف لم يطبع (3)، ويلحق بهذه الكتب رسالة
موجزة صنفها الإمام أبو سليمان الخطابي (319 - 388) سماها (إصلاح خطأ
المحدثين (4)) وقد ردد العلماء في كتبهم في الكلام عن المصحف والمحرف
ذكر كتاب الدارقطني وكتاب العسكري.
أما كتاب الدارقطني فقد قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح حمه الله في
مقدمته الشهيرة (5): (وهو تصنيف مفيد)، وقال السيوطي في التدريب (6):
(أورد الدارقطني في كتاب التصحيف كل تصحيف وقع للعلماء حتى في القرآن).
وأما الكتاب الأول لأبي أحمد فقد تقدم في ترجمته أن ابن خلكان وصفه
بالاستيعاب فقال فيه: (جمع فأوعب (7) وهو كذلك من حيث الكمية،
وأما من حيث الإفادة فإنك تجد فيه ما يدهشك من العلم والتحقيق وفتح
آفاق النقد.
ويبدو أن ابن خلكان يقصد هذا القسم الأول، المطبوع باسم (شرح ما يقع
فيه التصحيف والتحريف) لأنه ذكره قبل قليل (2 / 83) ونقل منه نصا،
وهو موجود في النسخة المطبوعة منه صفحة: 3.

(1) طبع بمطبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة سنة 1383 تحقيق عبد العزيز أحمد كبير
مفتشي اللغة العربية بوزارة التعليم، ثم أعلن مجمع اللغة العربية بدمشق عن إعادة طبعة محققا.
(2) وهو الكتاب الذي بين يديك. وقد أعلن عن طبعه في هامش النهاية في غريب الحديث لابن
الأثير سنة 1326 ولكنه لم يطبع، ثم طبع قسم منه بالقاهرة سنة 1389 بتحقيق عبد الرحمن عثمان
ولكنها لا تستحق الذكر.
(3) منه نسخة مصورة في المكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية فيها نقص وعكوسها غير واضحة.
(4) طبع في القاهرة بتحقيق برهان الدين محمد الداغستاني وهو في 35 صفحة من القطع الوسط.
(5) المقدمة بشرح العراقي طبعة حلب ص 241.
(6) تدريب الراوي (2 / 195).
(7) وتصحفت في توضيح الأفكار (2 / 419) إلى: (جمع فأوعى):
مقدمة التحقيق 29

وأما كتابه الثاني (تصحيفات المحدثين): فقد قال الحافظ ابن كثير
رحمه الله في (اختصار علوم الحديث) صفحة 170 أول (النوح الخامس
والثلاثون): المصحف والمحرف:
(وقد صنف العسكري في ذلك مجلدا كبيرا) والظاهر أنه يريد هذا. وقال
الحافظ السخاوي في (فتح المغيث) (3: 67): وأما أبو أحمد العسكري فله
في التصحيف عدة كتب أكبرها لسائر ما يقع فيه التصحيف من الأسماء والألفاظ
غير مقتصر على الحديث، ثم أفرد منه كتابا يتعلق بأهل الأدب، وهو ما يقع
فيه التصحيف من ألفاظ اللغة، والشعر وأسماء الشعراء أو الفرسان وأخبار العرب
وأيامها ووقائعها، وأما كنها وأنسابها، ثم آخر فيما يختص بالمحدثين من ذلك،
غير متقيد بما وقع فيه التصحيف فقط، بل ذكر فيه ما هو معرض لذلك.
أما أقسام الكتاب فقد قال المؤلف رحمه الله في ورقة 58 ب:
ذكرت في الجزء الأول جملة من أخبار المصحفين وما روي من أوهام العلماء،
وشرحت في الجزء الثاني ما يشكل من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم فيقع
فيه التصحيف، وأنا أذكر بعده ما يصحف في الأسماء والصحيح منها.
فهذه ثلاثة أجزاء، الأول في أخبار المصحفين، وأوهام العلماء، والثاني
ما يشكل من ألفاظ متون الأحاديث، والثالث ما يصحف في أسماء الرواة.
ولتوضيح ذلك أقول: جاء الجزء الأول من الكتاب بمثابة مقدمة له،
لكنها مقدمة طويلة استوعبت 17 ورقة ذكر فيها: ذم الأخذ عن الصحف وأهلها
والنهي عن الأخذ عمن لا يفرق بين الخطأ والصواب، ونوادر مضحكة عن
المصحفين، ثم جاء بمدح الضابط المتقن وذم غيره، ومعنى التصحيف والصحفي
وبعض من وقع فيه من الأئمة، وأمثلة كثيرة عن تصحيفاتهم في المتون والأعلام
والأماكن.
2 - أما الجزء الثاني فافتتحه بالورقة 17 (باب ما روي أنهم صحفوا
مقدمة التحقيق 30

فيه من القرآن) وأخذ منه صفحات قليلة إلى ورقة 18 أ، وهذا الباب لم
يذكره المؤلف في كلامه السابق قريبا لكونه مختصرا، فلم ير استحقاقه الذكر،
ثم قال في ورقة 18 أ: (باب ما يشكل من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم
فيقع فيه التصحيف) وأطال النفس في ذلك إلى ورقة 58 ب.
وطريقته فيه طريقة علمية ممتعة، بل هي من أمتع ما يقرؤه العالم،
حيث يجد فيها الرواية والإسناد، ويجد فيها المتن والنص، والضبط والشرح،
والحوار العلمي والمطارحات الانتقادية، وما إلى ذلك.
وأذكر مثالا على ذلك هو أول حديث ذكره المؤلف تحت عنوان: -
باب ما يشكل من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم فيقع فيه التصحيف
قال الحافظ أبو أحمد العسكري: أخبرني محمد بن يحيى بن عبد الله
ابن العباس، حدثنا محمد بن يزيد المبرد، حدثني العباس بن ميمون، عن
الأصمعي، عن سفيان قال: كنا عند الأعمش - وعنده أبو عمرو بن العلاء -
فحدث عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: (كان الني صلى الله عليه
وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة، ثم قال الأعمش في تفسير (يتخولنا)
يتعاهدنا، فقال له أبو عمرو: إن كان يتعهدنا، فيتخوننا، وأما يتخولنا
فيستصلحنا، فقال له الأعمش: وما يدريك..؟ فقال أبو عمرو: لئن شئت
يا أبا محمد أن أعلمك الساعة أن الله عز وجل ما علمك من جميع ما تدعيه
شيئا إلا حدثتك، فعلت.
قال - المصنف -: وحدثني أبي، حدثنا عسل بن ذكوان، أنبأنا العباس
ابن ميمون بن طابع حدثنا الأصمعي، حدثنا سفيان بن عيينة قال: حضرت
الأعمش - وعنده أبو عمرو بن العلاء -.. قال العباس: فذكرته لابن الشاذكوني
فقال: غلط الأصمعي، أنا حدثته عن سفيان بن عيينة عن أبي جزء، قال:
شهدت أبا عمرو عند الأعمش فحدث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه
مقدمة التحقيق 31

قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة، فقال أبو عمرو: إنما
هو يتخوننا، فقال الأعمش: وما يدريك..؟ فقال: والله لو شئت لأعلمتك أن
الله تعالى لم يعلمك من هذا كبير شئ، قال: فسأل عنه.؟ فقيل: أبو عمرو
ابن العلاء، فسكت.
قال: ثم قال الأصمعي: قد ظلمه أبو عمرو، يقال: يتخولنا ويتخوننا
جميعا، فمن قال: يتخولنا، يقول يستصلحنا، يقال: رجل خائل مال،
ومن قال يتخوننا، قال: يتعهدنا. وأنشد لذي الرمة:
لا ينعش الطرف إلا ما تخونه * داع يناديه باسم الماء مبغوم
وسمعت أبا بكر بن دريد يقول: التخول والتخون واحد.
قال المصنف: وأخبرني الحسن بن علي بن خلف، حدثنا نصر بن داود،
عن أبي عبيد قال: قال الفراء: الخائل: الراعي للشيء والحافظ له، يقال:
خال يخول خولا، قال أبو عبيد: وأظنها بالنون: يتخونهم: وهو التعهد
أيضا، قال أبو عبيد: أما معني الحديث فأخبرني به يحيى بن سعيد الأموي،
عن أبي عمرو بن العلاء: أنه كان يتخولهم بالموعظة أي: ينظر حالاتهم التي
ينشطون فيها للموعظة والذكر فيعظهم، ولا يكثر عليهم فيملوا. قلت أنا:
الرواية باللام أكثر من النون، وأما المعني فيتقارب. وترك جودة هذا النص
للقارئ يتذوقها بنفسه، خير من التعليق عليه لبيانها.
ومن فوائده في هذا القسم: أحاديثه الغريبة النادرة، ومنها ما لم أجد له
تخريجا فيما تيسر لي من كتب السنة، مثال ذلك الحديث الذي ذكره في
ورقة 19 ب (لا يترك المؤمن مفرجا حتى يضم إلى قبيلة يكون منها) فلذلك
تكلمت على الحديث من طريق المصنف، مع العلم أن الغالب على ما ينفرد به
المؤلف - فيما أعلم - الضعف كهذا الحديث المذكور فإنه من طريق كثير بن
عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، وكثير متهم كما بينته في التعليق عليه.

(1) وينظر مثال آخر في ورقة 93 أ.
مقدمة التحقيق 32

3 - وأما الفصل الثالث فأوله من ورقة 58 ب وينتهي بانتهاء الكتاب
ورقة 154 أ، وقد حدد المؤلف في كلامه السابق أنه يذكر فيه (ما يصحف في
الأسماء والصحيح منها) وقد جعل في أواخره ما يشبه الخاتمة بعنوان (باب
الأفراد) ذكر فيه الأسماء النادرة التي تحتاج إلى ضبط فهي عرضة للتصحيف،
وجاءت هذه الخاتمة من ورقة 144 ب إلى ورقة 154 أ وعاد بعد ذلك إلى طريقته
في عرض ما يحتمل التصحيف وضبطه.
وهذا الفصل الثالث هو الركن الركين للكتاب، فقد استوعب قرابة مائة
ورقة من أصل أربع وخمسين ومائة ورقة.
وطريقته فيه: طريقة أصحاب المؤتلف والمختلف، يذكر الاسم الواحد
بمختلف وجوهه، ثم يترجم لبعض من يدخل تحت كل رسم بمفرده، وقد قال
رحمه الله - كما سيأتي قريبا - إنه يذكر المشهورين ممن يسمى بذلك الاسم
وتكثر الرواية عنهم، في حين أننا رأينا يأتي بالغرائب - كما سنذكره بعد -
ولا يترجم للرسم الأصلي في الباب، كقوله في ورقة 86 أ: باب ما يشكل من
حصين وحضين وحصين وحضير - الضاد معجمة - فأما حصين: الصاد غير
معجمة فلا نحتاج إلى ذكره.
وقد يطيل في الترجمة وقد يختصر وقد يذكر شيئا من حديثه، وإذا تكلم
فخرج عن ذكر اسم الرجل ونسبه فإنه لابد آت بفائدة، فهذه خمس حالات
لطريقته في الترجمة: إما أن يطيل فيها، وإما أن يتوسط، وإما أن يذكر
حديثا له، وإما أن يقتصر على سياق اسم الرجل ونسبه وشيوخه وتلاميذه،
وإما أن يقتصر على سياق نسب الرجل، وهذه الأمثلة:
1 - أما المثال على تطويله الترجمة، فأول ترجمة ذكرها في القسم الثالث،
قال رحمه الله تعالى ورقة 58 ب:
الحباب والحتات وخبات وجناب، ومن لا يضبط يصحف بعضها ببعض،
فذكرت كل واحد منها في باب، وأتيت بالمشهورين ممن يسمى بذلك الاسم
مقدمة التحقيق 33

وتكثر الرواية عنهم، فتدور على أفواه الناس وكتبهم فيعرف ويحترس فيه
من التصحيف إن شاء الله تعالى.
فأما الحباب - الحاء معجمة، وتحت الباء نقطة واحدة - فمنهم (الحباب
ابن المنذر بن الجموح الأنصاري وهو القائل يوم سقيفة بني ساعدة:
أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، وكان يسمى ذا الرأي لمشورته في
بدر، وأخبرنا أبو بكر بن دريد، أخبرنا أبو طلحة موسى بن عبد الله الخزاعي
في كتاب المغازي، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما نزل دون بدر، وأتاه خبر
قريش، استشار الناس، فأشار عليه أصحابه، ثم قال الحباب بن المنذر:
يا نبي الله أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلك الله ليس لنا أن نتقدم ولا نتأخر
عنه، أم هو الحرب والمكيدة..؟ بل هو الحرب والمكيدة قال: فإن هذا
ليس لك بمنزل فانهض حتى نأتي أدني قليب إلى القوم فننزله ثم نعور ما سواه
من القلب، ثم نبني عليه حوضا ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون.. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشرت بالرأي، فنهض وسار حتى أتى أدنى ماء
إلى القوم وأمر بالقلب فعورت وبني حوضا على القليب.
وأخبرنا أبو بكر بن دريد فقال: قرأت على أبي طلحة موسى بن عبد الله
الخزاعي - ولم يخبر به الرياشي - قال: قام الحباب بن المنذر لما اختلف
الناس في يوم السقيفة فقال: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب. وأخبرني
محمد بن دليل بن بشر بن سابق، عن محفوظ بن بحر الأنطاكي، عن المسيبي
صاحب المغازي بزيادة في الخبر - قال: فقام الحباب فقال: منا أمير ومنكم
أمير: أنا جذيلها المحك وعذيقها المرحب، وقد دفت علينا منكم دافة،
أرادوا أن يخرجوننا - كذا - من أصلنا ويحضنونا من هذا الأمر فإن شئتم كررناها
جذعة. قوله: أنا جذيلها المحكك. هذا مثل، والجذيل تصغير جذل، وهو
ساق الشجرة العظيمة وذلك أن راعي الإبل إذا أرعى أرضا ليس فيها شجر
حمل جذلا فأثبته في الأرض لتحتك به الإبل، فيكون لها بمنزلة التمريغ للخيل
مقدمة التحقيق 34

فيريد أن رأيي يستشفى به كما تستشفى هذه الإبل باحتكاك الجذل، وقوله: (عذيقها المرجب) عذيق: تصغير عذق، والعذق - بفتح العين - النخلة
بعينها، والعذق: الكباسة، والنخلة إذا كرمت على أهلها بني حولها شبيها
بالدكان لتميل عليه، يقول: فأنا في عشيرتي كريم، أرفد وأميل إلى منعة،
كما ترفد هذه النخلة بالبناء حولها.
وقوله: (دفت دافة) فالدافة من الناس الجماعة، تقبل من بلد إلى بلد،
ويقال: دف الطائر بجناحيه إذا ضرب بهما دفيه، يدف دفا ودفيفا، وقوله:
(يحضنوننا) أي يخرجوننا ومنه يقال: أحضنت الرجل عن كذا إذا نحيته
عنه، واستبددت به دونه، وفي وصيته عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (ولا تحضن
زينب عن هذه الوصية) أي لا تخرج منها.
2 - وأما توسطه في الترجمة فمثاله قوله ورقة 62 ب:
عبد الرحمن بن خباب السلمي، وقد أخرجته في كتاب القبائل فيمن
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من بني سليم، وأخبرني أبو بكر الجوهري
حدثنا أبو يعلى المنقري، حدثني القحدمي قال: وممن روى عن النبي صلى الله
عليه وسلم من مزينة: عبد الرحمن بن خباب المزني، هكذا حدثنا به الجوهري
في كتاب مصنف فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا أعرف في مزينة
عبد الرحمن بن خباب هذا، وأحسب أنه هو عبد الرحمن بن خباب السلمي.
ومن أمعن في هذا النص أدرك ما فيه من فوائد مع أنه قال: - على أبي بكر
الجوهري هذا في ورقة 65 أ كان ضابطا.
3 - مثال من يترجمه ويذكر له حديثا، قوله في ورقة 76 ب:
حازم بن إبراهيم البجلي، يعد في الكوفيين، وقد روى عنه أهل البصرة
روى عن سماك بن حرب وجابر الجعفي، روى عنه حماد بن زيد وسلم بن قتيبة
وغيرهما.
مقدمة التحقيق 35

حدثنا أبو صالح الأصفهاني محمد بن يعقوب، حدثنا عبد الله بن أحمد
ابن يزيد، حدثنا بكر بن بكار، حدثنا حازم بن إبراهيم البجلي، عن سماك
ابن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان يصلي على الخمرة ويسجد عليها.
4 - ومثال اختصار الترجمة واقتصاره على نسب الرجل وبعض شيوخه،
وبعض من يروى عنه قوله في ورقة 85 ب:
عبد الله بن يسار أبو هرم، روى عن عمرو بن حريث، روى عنه يعلى
ابن عطاء.
5 - ومثال اقتصاره في الترجمة على ذكر نسب الرجل، قوله في ورقة 88 ا:
نوح بن قيس بن رباح الحداني، من أهل البصرة، وأخوه خالد بن
قيس بن رباح.
وقد ظهر لنا خلال مراجعة نصوص الكتاب وتوثيقها أن المؤلف يعتمد
اعتمادا كبيرا جدا على كتاب (الجرح والتعديل) لشيخه بالإجازة عبد الرحمن
ابن أبي حاتم الرازي رحمهما الله تعالى، وكثيرا ما يصرح بالنقل عنه (1)،
وكثيرا جدا مالا يصرح به، ولذلك نرى ضرورة المقابلة بين نصه وضبطه،
ونص ابن أبي حاتم وضبطه.
نذكر على ذلك مثالين: قال في ورقة 93 ا:
فأما جراد - بالجيم وآخره دال تحتها نقطة (2) - ففي الصحابة رجل يسمى جرادا.
ثم قال في ورقة 93 ا: وإبراهيم بن جراد العدوي، روى عن ثابت بن ثوبان روى عنه محمد بن
شعيب بن شابور.

(1) انظر ورقة 97 ا.
(2) قال نصر الهوريني في المطالع النصرية ص 211: وكانوا يميزون المهمل تمييزا خطيا،
بوضع النقط تحته التي توضع فوق شريكه المعجم، لتحقق إهماله، وتعينه سوى الحاء فلا ينقطونها
أصلا لئلا تلتبس بالجيم في مثل الجاسوس والحاسوس. وانظر الإلماع ص 157 وتوجيه النظر ص 353.
مقدمة التحقيق 36

في حين أن النصل الذي جاء في الجرح والتعديل (1 / 1 / 91): إبراهيم بن
جدار العذري، وضبط المصنف له واضح أنه جراد.
وقال في ورقة 32 ا:
فأما زريق، الزاي منقوطة قبل الراء، ففي الأنصار قبيلة كبيرة ينسبون
إلى زريق... وعبيد الله بن أبي جروة العبدي، اسم أبي جروة: زريق...
وعبد العزيز بن زريق الزرقي، وابنه عبد الرحيم بن عبد العزيز بن زريق.
وقد جاء اسم أبي جروة في الجرح والتعديل (2 / 2 / 314): (رزيق) بتقديم
الراء كما اختلفت نسخه في والد عبد العزيز (2 / 2 / 341): وأما في ترجمة
عبد الرحيم ففيها تقديم الراء أيضا في اسم جده وفي نسبته: ابن رزيق الرزيقي.
على أنك تلمس شخصية المؤلف في كتابه فلا تجد فيه المتابعة التامة لابن
أبي حاتم بل قد يختار وجها إذا تردد ابن أبي حاتم، ففي ورقة 104 ب ذكر
عبيدة - بفتح العين - وقال: (جرير بن عبيدة شيخ بصري) ولما ترجمة ابن أبي حاتم (1 / 1 / 507) قال: (جرير بن عبيدة - بفتح العين - أو عبيدة -
بضم العين) وقال في ورقة 121 ب: (باب ما يشكل من أسيد وأسيد وأسيد -
مشدد الياء - فأما أسيد: السين مكسورة والياء ساكنة، فمنهم: أسيد بن
رافع الأنصاري، مع أن ابن أبي حاتم ترجمه بباب أسيد وأسيد (1 / 1 / 310
و 316) متابعا للبخاري في تاريخه الكبير (1 / 2 / 11 و 47).
وقد تقدم أن المؤلف رحمه الله قال في ورقة 58 ب: أتيت بالمشهورين
ممن يسمى بذلك الاسم وتكثر الرواية عنهم، وقصده من ذلك أن (يعرف
ويحترس فيه من التصحيف).
إلا أنه اعترضنا بعض التراجم ممن لم نقف لهم على ذكر أو ترجمة مع شدة
بحثنا لما وصلت إليه يدنا من مراجع، وهذا إن دل على شئ - فإنما يدل على
قصور المتأخر عن المتقدم مع توفر وتيسر أسباب الاستفادة عند المتأخر.
مقدمة التحقيق 37

فمن ذلك ما تجده في ورقة 80 ا (ترجمتان) في ورقة 114 ا (ترجمتان
أيضا)، وفي ورقة 116 ا (ثلاث تراجم) في ورقة 116 ب، 117 ا (ثلاث
تراجم أيضا). والله المستعان.
ولبيان الواقع وحق دراسة الكتاب ينبغي أن يذكر أنه قد طغى قلم المؤلف -
أو الناسخ - فوقع في أوهام نادرة في بعض الأسماء، مثال ذلك قوله في ورقة 90 ا
(وعثمان بن حريز الرحبي، شامي...) وصوابه: حريز بن عثمان، وهو من
مشاهير الرواة لا يغلط فيه، إنما يسبق القلم ويسهو الذهن.
وكذلك قوله في ورقة 96 ب: (وكذا رواية محمد بن يحيى الصدفي)،
وصوابه معاوية بن يحيى الصدفي.
ومن يعري عن الخطأ ويسلم من الزلات، فسبحان من سلم وعصم، وله الحمد
في الأولى والآخرة.
تنبيه: اضطررت في المقدمة لاستعمال أرقام أوراق النسخة الخطية التي
اعتبرتها أصلا في التحقيق، ورمزت لها ب‍ (د) لأني وضعت أرقام أوراقها
في متن الكتاب، وميزتها بخط مائل سميك (/) للدلالة على النهاية، سواء لوجه
الورقة أو لظهرها، ثم تلوته برقم الورقة، وأتبعت الرقم بحرف (ا) لوجهها
و (ب) لظهرها.
مقدمة التحقيق 38

كلمة عن التصحيف والتحريف
اتفقت كلمة العلماء من أهل اللغة والحديث على أن المحور الذي يدور
عليه المعنى الأولي للتصحيف والتحريف هو التغيير في الكلمة. واختلفت عباراتهم
في الدلالة على هذا المعني، مع جزئيات ناشئة عن اختلاف عباراتهم (1). ويمكن
تقريب ذلك وتلخيصه بما يلي:
التصحيف: هو تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط (2).
وذلك لأن الآخذ عن الصحيفة لا يمكنه التفريق بين لفظ الكلمة في السياق،
وصورة كلمة غير منقوطة يقرؤها الصحفي على غير وجهها مثل: فحمة، إذا لم
تنقط يقرؤها قحمة، ويقرؤها فخمة. ولا يضبط هذا إلا التلقي من أفواه
الشيوخ (3).
وقد قال الزمخشري في ربيع الأبرار: (التصحيف قفل ضل مفتاحه (4)).
قلت: ومفتاحه التلقي.
التحريف: هو العدول بالشئ عن جهته، وحرف الكلام تحريفا: عدل
به عن جهته، وهو قد يكون بالزيادة فيه، والنقص منه، وقد يكون بتبديل
بعض كلماته وقد يكون بحمله على غير المراد منه. فالتحريف أعم من التصحيف (5).

(1) انظر - مثلا - تهذيب اللغة (4 / 255) و (5 / 14) ومفردات الراغب ص 112 ولسان
العرب (1 / 611) و (2 / 412) وتاج العروس (6 / 69 و 161) والمزهر (2 / 353).
(2) مقدمة القسطلاني بشرحها نيل الأماني للأبياري ص 56.
(3) وقد ذكر حمزة الأصفهاني في كتابه (التنبيه) ص 28 أن رسم (س) يمكن تقليبه على ثلاثين
وجها، وذكرها.
(4) (ربيع الأبرار) (1 / 634).
(5) (توجيه النظر) للجزائري ص 365.
مقدمة التحقيق 39

فمثال الزيادة: ما جاء في حديث: (تجيء يوم القيامة أعز ما كانت)
رواه الثوري: أغزر ما كانت (1).
ومثال النقص: ما روي أنه: (مسح وجهه زمن الفتح) حرفه بعضهم
فقال: (من القبح (1)).
ومثال تبديل بعض الكلمات: ما حكاه أبو عمرو بن العلاء عن نفسه قال:
أنشدت الفرزدق، ويده في يدي، لابن أحمر:
فإما زال سرح عند معد * وأجدر بالحوادث أن تكونا
فلا تصلي بمطروق إذا ما * سرى بالقوم أصبح مستكينا
فقال لي: أرشدك أو أدعك؟ قلت: ترشدني. قال: إذا كان ممن يسرى بالقوم
فليس بمطروق، وإنما هو: إذا ما سرى في القوم. فعلمت أني أغفلت ذاك وأن
الأمر كما قال.
قال أبو أحمد العسكري معلقا على هذا التغيير: (وهذا من التحريف لا من
التصحيف (2)).
ومثال حمله على غير المراد منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى عنزة،
فتحرفت على بعضهم إلى: عنزة، ورواه آخر بالمعني فقال: صلى إلى شاة (3).
وخص الأدباء التصحيف بتبديل الكلمة بكلمة أخرى تشابهها في الخط
وتخالفها في النقط، وذلك كتبديل العذل بالعدل، والغدر بالعذر، والعيب
بالعتب، والتحريف بتبديل الكلمة بكلمة أخرى تشابهها في الخط والنقط،
وتخالفها في الحركات، كتبديل الخلق بالخلق، والفلك بالفلك، والقدم
بالقدم (4).

(1) (تصحيفات المحدثين) ورقة 16 ب.
(2) (شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف) للعسكري ص 77.
(3) التدريب (2 / 194) ومقدمة ابن الصلاح ص 242 وأصله في معرفة علوم الحديث للحاكم
ص 149.
(4) (توجيه النظر) ص 365.
مقدمة التحقيق 40

قلت: وهذا التفريق بين التصحيف والتحريف هو الذي مشى عليه الحافظ
ابن حجر في النخبة وشرحها، وتابعه عليه كثيرون.
وقد رأيت قبل أن الإمام العسكري خص التحريف بما وقع في تغيير حرف
بكامله مع حرف آخر: (سرى بالقوم) عن (سرى في القوم).
وجعل الحافظ ابن الصلاح في (مقدمته) التصحيف أقساما، هذا تعدادها
مع أمثلتها باختصار:
1 - تصحيف في السند: ومثاله: أن ابن جرير الطبري قال: عتبة بن البذر
بالباء والذال المعجمة - وإنما هو: ابن الندر - بالنون والدال غير المعجمة -
2 - تصحيف في المتن: ومثاله: أن غندرا روى حديث جابر: رمي أبي يوم
الأحزاب على أكلحه، فتصحف عليه وقال: رمي أبي.
3 - تصحيف السمع: ومثاله: أن بعضهم ذكر سندا فيه: عاصم الأحوال، فقال:
واصل الأحدب.
4 - تصحيف البصر: ومثاله: تصحيف ابن لهيعة حديث: احتجر رسول الله
صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقال: احتجم في المسجد. وسببه أنه
أخذه عن صحيفة.
5 - تصحيف لفظي ومثاله: إبدال الثاء - من كثر - بالسين، فتقول كسر.
6 - تصحيف معنوي: كما صحف بعضهم حديث (زر غبا تزدد حبا) إلى:
زرعنا تردد حنا. وفسره بأن قوما كانوا يمنعون زكاة زروعهم فصارت
كلها حناء (1).
أما أثر التصحيف على صاحبه وقبول خبره: فلا ريب أن التصحيف
لا يخلو منه إنسان، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (ومن يعرى
من الخطأ والتصحيف؟) إلا أن هذا يختلف قلة وكثرة، وخفة وفحشا.

(1) المقدمة لابن الصلاح ص 241 وما بعدها، والتدريب (2 / 194). ومعرفة علوم الحديث
للحاكم ص 148. وفي لقط الدرر ص 95 - 96 تفصيل جيد يحسن الرجوع إليه.
مقدمة التحقيق 41

فالراوي الذي يندر منه التصحيف ولا يؤثر على معنى ما يرويه تأثيرا
قبيحا يستهجن به: فهذا لا يؤثر عليه تصحيفه، ويبقى مقبول الرواية موصوفا
بالضبط.
ومثال التصحيف غير القبيح: ما حكاه ابن الصلاح وغيره أن أبا بكر
الصولي روى حديث: (من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال) فصحفه وقال:
وأتبعه شيئا من شوال.
أما فاحش التصحيف وكثيره فيقال فيه: سيئ الضبط، أو ما هو أشد من
ذلك، ويترك حديثه. قال أبو أحمد العسكري: (أخبرنا عبد الرحمن بن
أبي حاتم إجازة، أنبأنا أحمد بن عمير الطبري، حدثنا عبد الله بن الزبير
الحميدي في كلام ذكر فيه قال: فإن قال: فما الغفلة التي ترد بها حديث الرجل
الرضى الذي لا يعرف يكذب؟ قلت: هو أن يكون في كتابه غلط، فيقال له
في ذلك، فيترك ما في كتابه، فيحدث بما قالوا ويغيره بقولهم في كتابه،
لا يعرف فرق ما بين ذلك. أو يصحف تصحيفا فاحشا يقلب المعنى لا يعقل
ذلك، فيكف عنه).
قلت: ومثال هذا التصحيف الفاحش ما حكاه العسكري نفسه بعد قليل قال:
(حكى القاضي أحمد بن كامل، عن أبي العيناء قال: حضرت بعض
مشايخ الحديث من المغفلين فقال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن
جبريل، عن الله، عن رجل. قال: فنظرت من هذا الذي يصلح أن يكون
شيخا لله!! فإذا هو صحفه، وإذا هو عز وجل).
ولعل هذه النظرة السريعة العجلي تبل غلة الصادي، وتلقي ظلالا على
معنى (التصحيف والتحريف)، فتوضح المراد منهما، أو تقربه.
والله المستعان، وعليه الاتكال، والحمد له في البدء والختام، وصلى الله
وسلم على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
المدينة المنورة في 27 من جمادي الآخرة سنة 1401.
مقدمة التحقيق 42

وصف السخ الخطية
اعتمدت في إخراج هذا الكتاب على أربع نسخ خطية، ثلاث منها مصورة
عن النسخ الأصلية الخطية، اثنتان منها موجودتان في دار الكتب المصرية،
والثالثة في المكتبة (الآصفية) حيدر آباد الهند، والرابعة نسخة استنسخها من
مكتبة عارف حكمة بالمدينة المنورة.
وصف هذه النسخ:
1 - الأولى: موجودة بالكبتجانة الخديوية المصرية سابقا تحت رقم 455،
وهي نسخة بحالة سليمة، وتقع في 306 صفحة، وكتب في وسط ورقة مستقلة في
آخرها: (عدد أوراقها 156 ورقة). وعدد أسطر كل صفحة اثنان وعشرون
سطرا، وكلمات كل سطر تتراوح بين عشر واثنتي عشرة كلمة، خطها نسخي
جميل يميل إلى الوضوح وقد ضبطت الكلمات الهامة ضبطا واضحا دقيقا،
وعلى هامش بعض الصفحات تصحيحات وتصويبات وتعليقات بخط مغربي
وكلها هامة ومفيدة.
سبقت ورقة الغلاف ورقات عليها نقول أدبية لها علاقة بالموضوع وهي
مفيدة، وعلى صفحة العنوان أيضا تعليقات أدبية ونقول من كتب وفوائد،
بحيث غمرت العنوان، وتداخلت معه، ولولا كتابة العنوان بخط مغاير،
لما تبينه القارئ إلا بصعوبة.
واسم الكتاب كما في العنوان (كتاب التصحيفات)، ثم كتب تحته فائدة
استغرقت ثلاثة أسطر، ثم كتب بعدها بخط مغاير: (تصحيف المحدثين لأبي أحمد
العسكري).
مقدمة التحقيق 43

وبجواز العنوان الثاني كتب - هذا الكتاب بخط عامر الوتار رحمه الله -، وفي
منتصف الصفحة المقابلة كتب في منتصف الحاشية نظر فيه يحيى بن التاج
الحنفي، وعلى الزاوية العلوية اليمني للصفحة الأولى من الكتاب، كتب ما يلي: -
هذا ما أوقف العبد الفقير حسن بن محمد عفي الله عنه، وهو كتاب
الصحيفات وقفا صحيحا شرعيا، لا يوهب ولا يورث إلا... (1) ملكا لله لطلبة
العلم الشريف، وشرط النظر في ذلك للإمام محمد عرف بابن النقاش (2) عفا الله
عنه، وشرط على مستعيره برهن مقبوض ولا يعار إلا لثقة أمين، ولا... (1)
أكثر من ثلاثة أشهر، وعلى... (1) الله والترحم عليه، ويكون مقره بالجامع المنسوب
للعمارة (فمن بدله بعد سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه، إن الله سميع
عليم (3)) وكتبه يوم السبت سابع وعشرين جمادى الأولى سنة خمس وخمسين
وسبعمائة، وكفى بالله شهيدا.
وجاء في بدء النسخة بعد البسملة، سند النسخة هكذا:
(أخبرنا الحافظ أبو محمد القاسم بن الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن
الشافعي كتابة، أخبرنا الحافظ أبو بكر محمد بن أبي نصر شجاع بن أبي بكر
اللفتواني إجازة، أخبرنا أبو صادق محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد
الأصبهاني الفقيه، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن أبي بكر محمد بن زنجويه
الأصبهاني المعدل، أخبرنا الحافظ أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري
اللغوي رحمه الله قال: الحمد لله على....)

(1) بعض الكلمات قصت وبعضها لم أتبينها فاستظهرتها وبعضها غير واضح فتركت مكانها فراغا
ويمكن الرجوع إلى الراموز لهذه الورقة.
(2) لعله محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم الدكالي ثم المصري الشافعي المعروف
بابن النقاش توفى سنة 763. له ترجمة مطولة في الدرر الكامنة (4 / 190) وبغية الوعاة (1 / 183)
وشذرات الذهب (6 / 198).
(3) سورة البقرة آية 181.
مقدمة التحقيق 44

وختمت هذه النسخة بما يلي:
(آخر كتاب التصحيفات، والحمد لله على مننه وإحسانه، وصلى الله عليه
سيدنا محمد وآله وصحبه، وافق فراغه في يوم السبت رابع عشر ربيع الأول
سنة إحدى وعشرين وستمائة كتبه عامر بن حسان بن عامر). وهذه النسخة التي
اعتمدت عليها في إخراج الكتاب ورجحتها عند الاختلاف ورمزت لها بحرف
(د) أول حرف من دار الكتب المصرية.
2 - النسخة الثانية: صورتها من نسخة محفوظة بدار الكتب المصرية
تحت رقم 42615 عمومية وخصوصية 2 مصطلح ش، أي من مكتبة الشنقيطي
وعدد أوراقها مائتا ورقة وقد رقمت صفحاتها فبلغ عدد الصفحات أربعمائة
صفحة، وعدد أسطر كل صفحة تسعة عشر سطرا، وعدد كلمات كل سطر
تتراوح بين إحدى عشرة وثلاث عشرة كلمة، وهي بخط نسخي جميل جيد،
وهي فرع من النسخة السابقة وكل التعليقات التي كتبت على هوامش تلك
النسخة بخط مغربي كتبت على هامش هذه النسخة بخط مشرقي نسخي جميل،
وعلى هامش هذه النسخة بعض وقفات، رمز لها بثلاث نقط مثلثة هكذا.. أو
قف، أو قف ولابد، وفيها تصحيح لبعض الكلمات بعد كشطها، وآثار
الكشط واضحة جلية.
وسند هذه النسخة هو سند النسخة السابقة، واستفدت منها تسهيل قراءة كثير
من الهوامش التي كتبت بخط مغربي على هوامش النسخة السابقة. وأدرجت كل
التعليقات التي على غلاف النسخة الأولى في أوراق مستقلة بخط نسخي جميل،
وكتب عنوانها على صفحة مستقلة بخط نسخي واضح جميل.
وختمت هذه النسخة بما يلي:
(وهذا آخر كتاب التصحيفات والحمد لله على مننه وإحسانه، وصلى الله
مقدمة التحقيق 45

على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وكان الفراغ من هذا الكتاب في يوم
الخميس ثمانية عشر خلت من شهر محرم الحرام سنة 310 (1)).
3 - النسخة الثالثة: نسخة مصورة من المكتبة الآصفية ببلدة حيدر آباد -
الهند ورقمها فيها 18342 وتمتلكها الجامعة الإسلامية، وهي في خمس وأربعين
ومائتي صفحة، وفي كل صفحة اثنان وعشرون سطرا، وعدد كلمات كل سطر
تتراوح بين ثلاث عشرة وست عشرة كلمة، وخطها فارسي جميل. وتمتاز
بوضع خط أفقي فوق أول كل كلمة تبتدئ بها الجملة، وأول الاسم من كل
ترجمة، لكنها خلت من الضبط والشكل، ومن أي تعليقة أو توضيح على
هامش صفحاتها.
وسندها نفس سند النسختين السابقين، وختمت بما يلي:
(آخر كتاب التصحيفات، والحمد لله على نعمه وإحسانه، وصلى الله على
سيدنا محمد النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين وسلم).
ولم يكتب تاريخ الانتهاء من نسخها، وإن كنت أرجح أنها متأخرة النسخ.
4 - النسخة الرابعة: نسخة شيخ الإسلام عارف حكمة بالمدينة المنورة،
وهي تحت رقم 30 حديث وعدد أوراقها مائتا ورقة، وعدد أسطر كل صفحة
ثلاثة وعشرون سطرا، في كل سطر إحدى عشرة إلى ثلاث عشرة كلمة وخطها
غير واضح، وفيها تحريفات كثيرة، وقد استنسخت منها نسخة - أول قدومي
إلى المدينة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة وألف - بواسطة ولدي أبو اليسر أحمد فؤاد
ومحمد أبو الفضل وقابلت المنسوخ على الأصل، ثم قابلتها على النسخة الثانية
التي تقدم وصفها فرأيت بعد أن سرت فيها شوطا، أنها لا تصلح للاعتماد،

(1) قلت: ولا حاجة إلى التنبيه على ما وقع فيه من أوهام محقق القسم الذي طبع من الكتاب في
القاهرة سنة 1389، بمطبعة دار النصر للطباعة، فهي كثيرة تكشف عن قصور علمي وفني وانظر
مقدمة المحقق صفحة 8، ففي هذه الصفحة عدة أوهام تنبئ عما تقدم.
مقدمة التحقيق 46

فتركتها ونسخت نسخة ثانية من النسخة الثانية - الشنقيطية - التي تقدم وصفها،
وسندها نفس سند النسخ السابقة.
وقد ختمت هذه النسخة بما يلي:
(آخر كتاب التصحيفات والحمد لله على مننه وإحسانه، وصلى الله على
نبينا محمد وآله وصحبه، وقد وافق فراغه ليلة الجمعة المباركة، لثلاث ليال
خلون من جمادى الأولى الذي هو من شهور سنة ألف ومائتين وسبع وثلاثين
1237 من الهجرة، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، على يد أفقر العباد
وأحوجهم إلى الله تعالى الملك الوهاب مصطفى كساب السمهودي بلد الفزاري منشأ
الأزهري وطنا، الشافعي مذهبا، غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين، وصلى
الله عليه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين).
- وهناك نسخة خامسة ذكرت في فهرس أحمد تيمور (2 / 269) باسم
(تصحيفات المحدثين) كتبت سنة أربعين وثلاثمائة وألف ولم أرجع إليها لحداثة
خطها ولكونها نسخت من النسخة الثانية - الشنقيطية - نسختها دار الكتب
المصرية على نفقتها فيما يظهر. وقد رأيتها وقارنت بها بعض النصوص فرأيت
أنها طبق الأصل وقد حذف الناسخ كل الفوائد والتعليقات والتصحيحات التي
على هامش الأصل. وإليك رواميز المخطوطات الثلاث الأول: التي تقدمت.
وأعتذر عن تقديم رواميز نسخة عارف حكمة لعدم تمكني من ذلك.
مقدمة التحقيق 47

رواميز
من مخطوطات
تصحيفات المحدثين
مقدمة التحقيق 48

صفحة الغلاف من نسخة دار الكتب المصرية وهي النسخة المعتمدة في التحقيق ورمزها (د)
مقدمة التحقيق 49

الصفحة الأولى من نسخة دار الكتب المصرية وهي المعتمدة في التحقيق ورمزها (د)
مقدمة التحقيق 50

الصفحة الأخيرة من نسخة دار الكتب المصرية وهي المعتمدة في التحقيق ورمزها (د).
مقدمة التحقيق 51

صفحة الغلاف من نسخة دار الكتب المصرية ورمزها (ك)
مقدمة التحقيق 52

الصفحة الأولى من نسخة دار الكتب المصرية ورمزها (ك)
مقدمة التحقيق 53

الصفحة الأخيرة من نسخة دار الكتب المصرية ورمزها (ك)
مقدمة التحقيق 54

صورة الغلاف والصفحة الأولى من النسخة الآصفية الهندية ورمزها (ه‍)
مقدمة التحقيق 55

الصفحة الأخيرة من النسخة الآصفية الهندية ورمزها (ه‍).
مقدمة التحقيق 56

تصحيفات المحدثين
للعسكري
القسم الأول
ويشتمل على:
1 - أخبار المصحفين.
2 - أوهام العلماء.
3 - ما يشكل من ألفاظ متون الأحاديث.
1

بسم الله الرحمن الرحيم
[وبه به ثقتي]
أخبرنا الحافظ أبو محمد القاسم ابن الحافظ أبي القاسم
علي بن الحسن الشافعي كتابة "، أخبرنا الحافظ أبو بكر محمد
ابن أبي نصر شجاع بن أبي بكر اللفتواني إجازة "، أخبرنا
أبو صادق محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد الأصبهاني
الفقيه، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن أبي بكر محمد بن زنجويه
الأصبهاني المعدل، أخبرنا الحافظ أبو أحمد الحسن بن عبد الله
3

ابن سعيد العسكري اللغوي رحمه الله [تعالى] قال:
الحمد لله على سابغ فضله وجزيل صنعه، حمدا " يوجب
رضاه، ويمتري مزيده، وصلى الله على [سيدنا] محمد
نبيه وآله الطاهرين، وسلم.
هذا كتاب شرحت فيه الأسماء والألفاظ المشكلة التي تتشابه
في صورة الخط، فيقع فيها التصحيف، واختصرته من الكتاب
الكبير الذي كنت عملته في سائر ما يقع فيه التصحيف.
فسئلت بالري وبأصبهان إفراد ما يحتاج إليه رواة الحديث
ونقلة الأخبار، فانتزعت منه ما هو من علم أصحاب اللغة
والشعر وأهل النسب، وجعلته في كتاب مفرد، واقتصرت
في هذا الكتاب على ما يحتاج إليه أصحاب الحديث، ورواة
4

الأخبار من شرح ما يصحف فيه من ألفاظ الرسول صلوات
الله عليه وسلامه، وتبيين ما يصحف فيه، فذكرت منها
ما يشكل ويصحفها له من لا علم له، وشرحت بعدها من أسماء
الصحابة والتابعين ومن يتلوهم من الرواة والناقلين جل ما يقع
فيه التصحيف، مثل حباب وحتات، وخباب وجناب، وحيان
وحبان، وحبيب وخبيب، وحارثة وجارية، وبشر وبسر،
وعباس وعياش، وحمزة وجمرة، وحازم وخازم، ورباح
ورياح، وأشباهها، وجعلتها أبوابا " تبلغ المائة أو تقاربها،
وذكرت في كل باب اسما " منها، وشرحت ما يقيد منه وتضبط
به حروفه من الشكل والنقط والعجم، وذكرت أكثر من
يسمى بذلك الاسم من / المشهورين، فلا يشكل على من يقرؤه،
ويسلم به من قبح التصحيف وشناعته، فقد عير به جماعة
من العلماء، وفضح به كثير من الأدباء، وسموا الصحفية،
ونهى العلماء عن الحمل عنهم، واطرحوا حديثهم وأسقطوهم.
وبدأت بذكر جملة من أخبار المصحفين، وبعض ما وهم
فيه العلماء، غير قاصد للطعن على أحد منهم، ولا الوضع منه،
وما يسلم أحد من زلة ولا خطأ إلا من عصم الله.
5

حدثنا أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن عمار [الوراق]،
أنبأنا عبد الله ابن أبي سعد [الوراق]، [حدثنا] قعنب
ابن محرر، حدثنا أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز
التنوخي، عن سليمان بن موسى قال: كان يقال: لا تأخذوا
القرآن من المصحفين ولا العلم من الصحفيين.
6

وأخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير الحافظ، حدثنا
إسحاق بن الضيف حدثنا أبو مسهر سمعت سعيد بن
عبد العزيز التنوخي يقول: كان يقال: لا تحملوا العلم عن
صحفي، ولا تأخذوا القرآن من مصحفي.
وحدثني محمد بن علي بن الجارود بأصبهان، حدثنا أحمد
ابن الفرات، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي
7

السوار العدوي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه قال: سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الحياء لا يأتي الا بخير) قال
فقال بشير بن كعب العدوي: إن في الحكمة أن منه ضعفا "،
فقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن الصحف.
حدثنا عبد الله [بن] محمد بن الحجاج، حدثنا
أحمد بن علي الأبار، حدثنا مجاهد بن موسى، قال:
أتيت خالد بن القاسم المدائني فحدث، فقال: حدثني
8

ليث بن سعد عن محمد بن يحيى بن حبان. فقلت حبان فقال:
حبان وحبان واحد، فقمت وتركته.
قال أحمد: وسألت مجاهد بن موسى عن حماد بن عمرو
فقال: ذهبت به إليه وكان يروي عن زيد بن رفيع عن
عبيد الله في بيض النعام رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
9

فقلت له: إنما هو عبد الله. وقلت له: أخرج إلي كتاب
خصيف، فأخرج / إلي كتاب حصين، وإذا هو ليس يفصل
بين خصيف وحصين، فتركته.
ألا ترى أن مجاهد بن موسى وهو فاضل عالم، ترك
حديث هذا الرجل، ولم يره أهلا للحمل عنه لما صحف في
هذا الاسم، وأظهر التهاون به.
حدثني ابن الحجاج، حدثنا أحمد بن علي الأبار قال:
ذكرت لمجاهد بن موسى سعيد بن داود الزنبري بين قال: ذاك
10

لا يدري أي شيء يحدث قال: حدثنا سفيان عن عمرو عن
نخالة. يريد: بجالة. قلت: أنا: هو بجالة بن عبدة
كاتب جزء بن معاوية، مكي، ثقة، روى عن ابن عباس،
روى عنه [عمرو] عند بن دينار
حدثني محمد بن مخلد بن حفص، حدثنا علي بن عبدة
قال سمعت يحيى بن معين يقول: من حدثك وهو لا يفرق
بين الخطأ والصواب فليس بأهل أن يؤخذ عنه.
وأخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم إجازة، أنبأنا
أحمد بن عمير الطبري حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي في
كلام ذكر فيه قال: فان قال: فما الغفلة التي ترد بها حديث
الرجل الرضى الذي لا يعرف بكذب؟ قلت: هو أن يكون في
11

كتابه غلط، فيقال له في ذلك، فيترك ما في كتابه، ويحدث بما قالوا،
ويغيره بقولهم في كتابه، لا يعرف فرق ما بين ذلك، أو
يصحف تصحيفا " فاحشا يقلب المعنى، لا يعقل ذلك، فيكف عنه.
وأخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا
الحسن بن يحيى الأرزي لو قال سمعت علي بن المديني يقول:
أشد التصحيف التصحيف في الأسماء.
ووجدت بخط عسل مع بن ذكوان عن الأرزي قال: قال
12

ابن المديني: كنا في مجلس للحديث، فمر بنا أبو عبد الله
الجماز فقال: يا صبيان أنتم لا تحسنون أن تكتبوا الحديث،
فكيف تكتبون أسيدا " وأسيدا " وأسيدا "؟ فكان ذلك أول
ما عرفت [من] التقييد وأخذت فيه.
وأخبرنا أحمد بن عبيد الله بن عمار الكاتب قال:
انصرفت من مجلس عبد الله بن محمد بن أبان القرشي
المعروف بمشكدانة سنة ست / وثلاثين ومائتين فمررت بمحمد
ابن عباد بن موسى سندولة فقال: من أين أقبلت؟ فقلت:
من عند أبي عبد الرحمن مشكدانة، فقال: ذاك الذي يصحف
13

على جبريل! يريد قراءته: (ولا يغوث ويعوق وبشرا ")
وكانت حكيت عنه.
وحكى القاضي أحمد بن كامل عن أبي العيناء قال:
حضرت بعض مشايخ [الحديث] من المغفلين فقال: عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن الله عن رجل.
قال: فنظرت فقلت من هذا الذي يصلح أن يكون شيخا لله؟!
فإذا هو صحفه، وإذا هو: عز وجل.
وسمعت منه
أبا علي الرازي يقول حدث شيخ عندنا بالري
14

فقال: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام آجرة).
وحدثني شيخ من شيوخ بغداد أثق به قال: كان حيان بن
بشر [قاضي غير الشرقية ببغداد] قد ولي القضاء بأصبهان،
وكان من جلة أصحاب الحديث، قال: فروى يوما " أن عرفجة
قطع أنفه يوم الكلاب، كسر الكاف، وكان مستمليه رجلا يقال
له كجة، فقال: أيها القاضي إنما هو يوم الكلاب. فأمر
15

بحبسه، فدخل الناس إليه، وقالوا: ما دهاك؟ فقال: قطع أنف
عرفجة يوم الكلاب في الجاهلية، وامتحنت أنا به في الاسلام.
وقد ادعى خلف الأحمر
16

على العتبي يقول أنه صحف هذا فقال في قصيدة عدد تصحيفاته:
وفي يوم صفين تصحيفة وأخرى له في حديث الكلاب
وروى أحمد بن موسى بن إسحاق الأنصاري قاضي أصبهان
وقد سمعت منه الحديث ولم أحضر هذا المجلس، وسمعت
بعض شيوخ أصبهان يحكونه أنه قال: حدثني فلان عن هندان
المعتوه، يريد عن هند أن المغيرة.
أخبرني أبو عبيد الآجري - هو محمد بن علي بن عثمان -
17

سمعت سليمان بن الأشعث يقول: قال لي أحمد بن صالح
المصري، حدثنا سلامة بن روح في حديث السقيفة:
بعرة أن يفيلا. تصحيف: تغرة أن يقتلا، وكان أحمد بن
18

صالح كتب عنه خمسين ألف حديث / فتركه. قلت أنا:
التغرة: التغرير، يقال: غررت بالقوم تغريرا " وتغرة، كما
قيل حللته تحليلا " وتحلة، وعللته تعليلا " وتعلة، وإنما يقال في
المضاعف خاصة.
وقد فضح بالتصحيف جماعة وإن من العلماء وأهل الأدب
وهجوا به، وقد مدح بعض الشعراء خلفا " الأحمر بالتحفظ من
19

التصحيف، وعده من مناقبه فقال:
لا يهم الحاء بالقراءة بالخاء ولا يأخذ اسناده من الصحف
وقال فيه أيضا " يرثيه:
أودى جماع العلم مذ أودى خلق * راوية لا يجتني عن الصحف
وهجا شاعر آخر
20

أبا حاتم السجستاني وهو أوحد [عصره] في فنه
[بضد هذا] فقال:
إذا أسند القوم أخبارهم * فإسناده الصحف والهاجس
وهجا خلف الأحمر العتبي ونسبه إلى التصحيف، وقال
يعدد تصحيفاته وهي طويلة:
لنا صاحب مولع بالخلاف * كثير الخطاء قليل الصواب
ألج لجاجا " من الخنفساء، وأز * هي إذا ما مشى من غراب
[إذا ذكروا عنده عالما " * ربا حسدا " ورماه بعاب]
وليس من العلم في كفه * إذا ذكر العلم غير التراب
21

أحاديث ألفها شوكر * وأخرى مؤلفة " لابن دأب
فلو كان ما قد روى عنهما * سماعا " ولكنه من كتاب
رأى أحرفا " شبهت في الهجاء * سواء " إذا عدها في الحساب
فقال أبي الضيم يكنى بها * وليس قوله أبي، إنما هو آبي
وفي يوم صفين تصحيفة * وأخرى له في حديث الكلاب
[كتصحيف فيض بن عبد الحميد * في جنة الأرض أو في الذباب
وما جنة الأرض من حية * وما للذباب وصوت الذئاب
وعالى بذلك في صوته * كقعقعة الرعد بين السحاب]
ومثل ما قاله خلف الأحمر:
فلو كان ما قد روى عنهما * سماعا "، ولكنه من كتاب
22

ما حدثنا به ابن منيع، حدثنا سهل، حدثنا قراد أبو نوح
قال: سمعت / شعبة يقول: كل حديث ليس فيه (سمعت)
فهو خل وبقل.
وقوله: (أبي الضيم) إنما هو آبي الضيم. من الاباء،
ليست كنية "، إنما هو فاعل من أبى يأبى فهو آب. ومثله: آبي
اللحم الغفاري، ليست كنية، وإنما كان يأبى أن يأكل من
اللحم الذي ذبح لغير الله عز وجل. وآبي اللحم عليه هذا قد صحب
النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه، وله مولى يعرف بعمير
مولى آبي اللحم، وروى أيضا " عن النبي صلى الله عليه وسلم.
23

وأما معنى التصحيف وقولهم صحفي، فقد قال الخليل بن
أحمد: الصحفي الذي يروي الخطأ على قراءة الصحف باشتباه
الحروف. وقال غيره: أصل هذا أن قوما " أخذوا العلم
من الصحف من غير أن يلقوا فيه العلماء، فكان يقع فيما يروونه
التغيير. فيقال عندها قد صحفوا، أي قد رووه عن الصحف
فهو مصحف، ومصدره التصحيف.
حدثنا أبو العباس بن عمار، حدثنا ابن أبي سعد،
حدثنا إبراهيم بن حاتم التميمي، حدثني شريك عن عبد الملك
ابن عمير عن الحارث ما بن كلدة - وكان أطب العرب، وكان
24

يجلس في مقثأة له - قال: الشمس تتفل الريح، وتبلي الثوب،
وتخرج الداء الدفين. فقال شريك: الشمس تنقل الريح.
بالقاف، فقيل: يا أبا عبد الله ما تنقل الريح؟ قال: تغيره.
قال فقال لي عبد الرحيم بن أحمد: قد صحف في موضعين: في
قوله: وكان يجلس في مقثأة، وإنما هو في مقنأة بالنون، وهو
الموضع الذي لا تصيبه الشمس. وفي قوله: تنقل الريح، وإنما هي
تتفل الريح. بالفاء أي تغيره وتنتنه. ومنه قول النبي صلى
الله عليه وسلم:
(وليخرجن تقلات) أي غير متطيبات. ذهب شريك في
المقثأة إلى أنه الموضع الذي تزرع فيه القثاء، وإنما المقنأة
- بالنون - الموضع الذي لا تصيبه الشمس. وتقول العرب: لا خير
25

في شجرة في مقنأة، أي لا تصيبها الشمس، ولا خير في نبات
في مضحاة أي لا / يصيبها الظل.
وأخبرنا ابن عمار، حدثنا عبد الله بن أبي سعد، عن
إبراهيم بن سعيد، قال: سمعت يحيى بن سعيد الأموي يقول: كان
ابن إسحاق يصحف في الأسماء، لأنه إنما أخذها من الديوان.
وأخبرنا أبو بكر بن الأنباري قال: سمعت القاضي المقدمي
يحكي عن إبراهيم بن أورمة من الأصبهاني قال: قرأ عثمان بن أبي شيبة
26

(جعل السقاية في رجل أخيه) فقيل له: في رحل أخيه.
فقال: تحت الجيم واحدة.
حدثنا ابن عمار، حدثنا ابن أبي سعد الوراق عن العباس بن
ميمون يعرف بطابع، قال: صحف أبو موسى الزمن محمد بن المثنى
في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث أتاه أعرابي بن وعلى يده سخلة
27

تيعر، قال أبو موسى: تنعر بالنون. وتيعر بالياء تصيح.
قال أبو العباس: وقد أنشدنا الأصمعي:
وأما أشجع الخنثى فولوا * تيوسا بالحجاز لها يعار
قرأت على أبي بكر بن دريد. يقال: يعرت عمرو الشاة تيعر
يعارا ". واليعار: صوت الجدي.
أخبرني أبي رحمه الله، حدثنا قبل عسل بن ذكوان، عن الرياشي
28

قال: توفى ابن لبعض المهالبة، فأتاه شبيب بن شيبة
المنقري يعزيه، وعنده بكر بن حبيب السهمي، فقال
شبيب: بلغنا أن الطفل لا يزال محبنطيا " على باب الجنة يشفع
لأبويه. فقال بكر بن حبيب: إنما هو محبنطئ. بالطاء. فقال شبيب:
(أتقول لي هذا وما بين لابتيها أفصح مني؟!) فقال بكر: وهذا
29

خطأ ثان، ما للبصرة واللوب؟ لعلك غرك قولهم: ما بين
لابتي المدينة، يريدون الحرة. قال الشيخ: الحرة أرض تركبها
حجارة سود وهي اللابة، وجمعها لابات، فإذا كثرت فهي اللوب،
وللمدينة لابتان من جانبيها، وليس للبصرة لابة ولا حرة.
وأما قوله محبنطئ، فقال أبو عبيد: المحبنطي بغير
همز: هو المتغضب المستبطئ للشيء، والمحبنطئ / بالهمز:
هو العظيم البطن المنتفخ.
أخبرنا أبو العباس بن عمار، حدثنا ابن أبي سعد، حدثنا
العباس بن ميمون قال: قال لي ابن عائشة: جاءني أبو الحسن
المدائني فتحدث بحديث خالد بن الوليد - رضي الله عنه - حين أراد
أن يغير حديث على طرف من أطراف الشام. وقول الشاعر في دلالة رافع:
30

لله در رافع أنى اهتدى * فوز من قراقر إلى سوى
خمسا " إذا ما سارها الجبس بكى
فقال: الجيش. فقلت: لو كان الجيش لكان: بكوا،
وعلمت أن علمه من الصحف. قلت أنا: أما قوله ابن عائشة:
ان الرواية: الجبس بكى، فهو كما قال، وهو صحيح،
وأما قوله: لو كان الجيش لكان بكوا. فقد وهم في هذا،
ويجوز أن يقال للجيش: بكى، فيحمل على اللفظ، وقد قال
طفيل الخيل لأوس بن حجر حين عابه:
ان يك عارا بالقنان أتيته * فراري يكون فإن الجيش قد فر أجمع
أنبأنا أبو بكر بن دريد، أنبأنا الرياشي، عن
31

الأصمعي قال: كنت في مجلس شعبة فقال: فيسمعون جرش
32

طير الجنة. فقلت: جرس. فنظر إلى فقال: خذوها عنه فإنه
أعلم بهذا منا. يقال: سمعت جرس الطير إذا سمعت صوت منقاره
على شيء يأكله. وسميت النحل جوارس من هذا لأنها تجرس
الشجر، أي تأكل منه، والجرس: الصوت الخفي، واشتقاق
الجرس من الصوت والحس، يقال: ما سمعت منه حسا
ولا جرسا "، إذا أتبعوا اللفظ اللفظ كسروا الجيم، وإذا أفردوا
فتحوا الجيم. وكان شعبة متواضعا " في العلم معظما " لأهله.
وأخبرني الهزاني عن أبي حاتم عن الأصمعي قال: قال لي
33

شعبة لو أتفرغ لجئتك. قال الأصمعي: وحدث يوما " شعبة
بحديث فقال فيه: فذوي السواك. فقال له رجل حضره:
إنما هو فدوي. فنظر إلي شعبة، فقلت له: القول ما قلت.
فزجر القائل. هذا لفظ أبي بكر / وقال الهزاني: قال لمخالفه:
امش من ها هنا، وقال: وهي كلمة من كلام الفتيان. وكان
شعبة صاحب شعر قبل الحديث، وكان يحسن.
ووجدت بخط عسل بن ذكوان عن الأرزي قال: قال علي
ابن المديني: كان شعبة يخطئ في أسماء الرجال.
وحدثنا ابن أخي منه أبي زرعة، حدثنا حنبل بن إسحاق،
34

قال سألت أحمد بن حنبل عن عفان فقال: كان عفان وبهز
ابن أسد وحبان بن هلال من المتثبتين، قال: وقال عفان:
35

كنت أوقف شعبة على الأخبار، وكان يرجع إلى قول عفان،
وكان أضبط للرجال.
وحدثني أبو عبيد محمد بن علي بن عثمان، سمعت أبا داود
السجستاني يقول: روى حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء
فقال: عن وكيع بن حدس أحمد بالحاء. فقال: وهكذا قال
سفيان وأبو عوانة، وقال شعبة: وكيع بن عدس بالعين،
36

وقال هشيم: مثله. قال أبو داود: وسمعت أحمد بن حنبل يقول:
وهم فيه هشيم، أخذه عن شعبة.
أخبرنا أبو بكر بن الأنباري، حدثني أبي عن أحمد بن عبيد قال:
حضرت مجلس يزيد بن هارون، فأملى: عن شهر بن حوشب،
فقال لي رجل كان إلى جانبي: كيف قال عن شهر أو شهرين؟!
وأخبرنا ابن المغلس، حدثنا إسحاق بن وهب قال: كنا
عند يزيد بن هارون، وكان له مستمل يقال له: [أبو عقيل
لقبه] بربخ، فسأله رجل عن حديث، فقال يزيد بن هارون:
37

حدثنا به عدة. قال: فصاح به المستملي يا أبا خالد عدة
ابن من؟! فقال: عدة ابن فقدتك.
حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أحمد بن يحيى،
عن محمد بن سلام قال: كان لسهيل بن عمرو ابن
38

مضعوف فقال له إنسان يوما ": أين أمك؟ يريد: أين تؤم؟
فظن أنه يريد: أين أمك. فقال: ذهبت لتشتري دقيقا " فقال:
أساء سمعا " فأساء إجابة. وإلى ها هنا ليس من التصحيف ولكنه
يتعلق بما قبله. /
أخبرنا ابن دريد، أنبأنا أبو حاتم السجستاني قال:
ذكر شهر بن حوشب عند ابن عون فإن فقال: ذاك رجل
39

نزكوه يعني: طعنوا فيه، كأنهم ضربوه بالنيازك، قال
فصحف أصحاب الحديث وقالوا: ذاك رجل تركوه.
40

قلت [أنا]: وإنما تكلم فيه ابن عون. ويقال: رجل
نزك طعان في الناس كأنه يطعن بنيزك وهو دون الرمح له
سنان وزج، قال الراجز:
هز الغلام الديلي النيزكا
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه، وذكر الأبدال: ليسوا
ينزاكين. والنازكون: العيابون للناس.
41

قال أبو بكر: ومما يروى في تصحيف أصحاب الحديث
أنه جاء رجل بغريم له مصفود إلى عمر رضي الله عنه فقال
عمر رضي الله عنه: أتعترسه، أي تغصبه وتقهره، فصحفوه
ورووه: أبغير بينة. والعترسة: الغلبة والأخذ من فوق. وقال
الخليل: العترسة: الغصب.
وأخبرنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن يزيد،
42

عن التوزي، عن أبي عبيدة قال: سمعت ابن داب يقول:
خرج حمزة رضي الله عنه يوم أحد كأنه مجحوم. الجيم قبل الحاء
قال له قائل: ما المجحوم؟ قال: الذي به كلب على الشيء. فقلت
له: صحفت الحكاية وأحلت التفسير، إنما الخبر محجوم،
وقال: ما المحجوم؟ فقلت: رجل محجوم إذا كان جسيما " كأنه
أخذ من قولهم: له حجم. وبعير محجوم قد شد فمه لئلا يعض،
ورجل محجوم لأن المحاجم تجعل في رقبته.
ومما يحكى من تصحيفات ابن دأب ما أخبرنا به ابن الأنباري.
عن أبيه، عن أحمد بن عبيد قال: أنشدني ابن دأب مرة:
وهم من ولدوا أسنوا * بسر الحسب المحض
فبلغ ذلك أبا عمرو فقال: أخطأت استه الحفرة أما سمع قوله:
43

وذو الرمحين أشباك * من القوة والحزم /
حدثنا أبو عبيد محمد بن علي بن عثمان قال: سمعت
أبا داود السجستاني يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
روى ابن علية عن أبي الثورين. قال أحمد وشعبة:
44

أخطأ فيه، فقال عن أبي السوار، وإنما هو: عن أبي الثورين.
قلت أنا: أبو الثورين هو محمد بن عبد الرحمن القرشي
روى عن ابن عمر، روى عنه عمرو بن دينار أي وعثمان الأسود.
حدثنا الهزاني، حدثنا أحمد بن روح، حدثنا سفيان،
عن عمرو بن دينار، أخبرني أبو الثورين رجل من بني جمح،
قال: نهاني ابن عمر رضي الله عنهما عن صوم يوم عرفة،
45

ووجدت بخط عسل بن ذكوان عن الأرزي، سمعت علي بن
المديني يقول: في كتاب عبد الوارث بن سعيد خطأ كثير،
قلت: في الحديث؟ قال: في الإسناد وأسماء الرجال.
وحكى الأرزي عن علي بن المديني [أنه] قال: به سألت
أبا عبيدة عن جنوب بدر فقال: لعله جبوب بدر. قلت أنا
وجميعه خطأ، وإنما جبوب بدر الجيم مفتوحة وتحت الباء
46

نقطة، ويقال للمدر الجبوب، واحده جبوبة، وهذا
الخبر في المغازي.
وأخبرنا يحيى بن جعفر بن خلاد ولا النشائي، حدثنا سعدان
ابن نصر، حدثنا سفيان عن محمد بن قيس الأسدي، عن
عبد الرحمن بن الأصبهاني لم عن عكرمة: أن رجلا " قال للنبي
صلى الله عليه وسلم: إني مررت بجبوب بدر، فإذا برجل
أبيض رضراض، وإذا رجل أسود بيده مرزبة في حديث
طويل ذكره.
47

وأخبرني محمد بن [عبد] الواحد، حدثنا أحمد بن
يحيى قال: يروى عن بعض التابعين أنه قال: (اطلعت في قبر
النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت على قبره الجبوب) وربما جعل
الشاعر الجبوب الأرض. قال الراجز: - قرأته على ابن دريد -
آنافهم ملفخر في أسلوب * وشعر الأستاه في الجبوب
وقال آخر: ذا ميعة تلتهم الجبوبا
48

يصف فرسا /.
وسمعت أبي رحمه الله يحكي عن عسل بن ذكوان، عن
الحسن بن يحيى قال: كان علي بن المديني يحكي أنه سأل
أبا عبيدة عن نحض ذلك الجبل، فقال: لا أعرفه، وإنما
صحفه فلم يعرفه أبو عبيدة، إنما هو نحص الجبل النون
مضمومة والحاء ساكنة [غير إلى معجمة]، والصاد أيضا " غير معجمة.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من أحد:
(يا ليتني غودرت مع أهل نحص الجبل) يعني الذين
49

قتلوا من الشهداء هناك، والنحص ما علا عن السفح وانحدر عن
السند، وقال الخليل: النحص أصل الجبل.
أخبرني أبو العباس بن عمار، حدثنا عبد الله بن أبي سعد
حدثنا زيد بن سعيد قال: روى لنا سفيان بن عيينة، عن
الزهري قال: قيل لعبيد الله بن عبد عبد الله، أتقول الشعر
في سنك وشرفك؟ فقال: لا بد للمصدور أن ينفث عليه فصحف
50

فقال: ينعب. فوقفته عليه، فرجع عنه.
ووجدت بخط عسل بن ذكوان ولا إسناد لي فيه، حكاه
عن أبي [على] الحسن بن يحيى قال [قال علي بن المديني أخبرني
المعيطي] قال جاء الشاذكوني إلى عبدة بن سليمان، فقال:
كيف حديث بدنة؟ يريد ندبة مولى ابن عباس رضي الله عنهما.
51

قال علي: وحدث عبد الله بن داود يعني الخريبي بحديث فيه
(لا تباع الثمرة حتى تسفح) فسألت أبا عبيدة فلم يعرفها،
فلما قدم وكيع، حدثنا فقال: حتى تشقح، فلقيت ابن داود
فأخبرته فقال: متعت بك أنا أرجع إلى الحق كما هو عند الناس.
قلت أنا: التشقيح تلوين البسر إذا اصفر واحمر، ويقال:
شقحت النخلة تشقح تشقيحا "، وقالوا أشقح اشقاحا " إذا تغير البسر
للاصفرار بعد الاخضرار، وهو أقبح ما يكون في ذلك الوقت،
ولذلك قالوا: قبيح شقيح. وقرأت على أبي بكر الأعرابي في ابنه /:
أقبح به من ولد وأشقح * مثل جري الكلب، لا بل أقبح
وقد فسر هذا في الحديث المروي، حدثنا به عبد الله بن
52

حمدان المصاحفي في بتستر، حدثنا يعقوب بن إسحاق، حدثنا
عفان، حدثنا سليم بن حيان عن سعيد بن مينا عن جابر بن عبد الله
قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى تشقح)
[قلت لجابر ما تشقح]؟ قال تصفر وتحمر، ويؤكل منها.
أخبرنا أحمد بن محمد الهزاني، حدثنا أحمد بن روح
الأهوازي، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة عن عائشة
رضي الله عنها قالت: دخل مجزز سنة المدلجي على رسول الله
53

صلى الله عليه وسلم، فرأى أسامة وزيدا " عليهما قطيفة قد غطت
رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: (إن هذه الأقدام بعضها من
بعض) قالت: فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم مسرورا "، قال
ابن جريج هو محرز، فقال له سفيان بل هو مجزز، فخجل ورجع.
أخبرنا محمد بن يحيى، حدثنا علي بن الصباح الشيرازي،
54

حدثنا أبو محلم - قال الشيخ: هو أحمد بن هشام السعدي -
قال: حدثني من سمع شبعة يقول: حدثنا محمد بن المنكدر
قال: أهدى سعيد بن العاص هدايا لأهل المدينة، وقال
لرسوله: لا تعتذرن إلا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه،
وقل له ما فضلت عليك واحدا " في الهدية إلا أمير المؤمنين
عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال علي رضي عنه لما قال له
الرسول ذلك: لشد ما نفست علي أمية وضايقتني، والله
لئن وليتها لأنفضنها نفض القصاب التراب الوذمة. قال
55

فقال الأصمعي: الثراب - بالثاء المعجمة بثلاث - فقال
شعبة: ما سمعت إلا التراب بالتاء، فتحاكما إلى أبي عمرو،
فحكم كما قال شعبة: قال أبو محلم: الصواب ما قال شعبة،
وحكم به أبو عمرو.
وأخبرنا به عبد العزيز بن يحيى الجلودي، عن أبي ذكوان
عن التوزي، عن الأصمعي مثله، وقال التوزي:
صحف الأصمعي وأصاب / شعبة، والتراب: الكروش، يقال
هذه كروش تربة والوذمة ذوات زوايد، شبهت بوذام الدلو
وأنشد: قد صدرت مترعة وذامها
هذا مذهب أبي عبيد عند فيه. وقال أبو سعيد
56

المكفوف فيما رد على أبي عبيد وقال حكاية عنه وفسر التراب الوذمة
57

هي الحزة من الكروش أو الكبد، والتربة التي قد سقطت في
التراب فتتربت، ثم قال أبو سعيد والصحيح عندنا غير ما ذكر،
وإنما سميت الكروش التربة لأنها يحمل فيها التراب من المربع،
والوذمة التي قد أخمل باطنها بخملة وهي زئبرها، وكل كرش
وذمة لأنها مخملة. فيقول: لئن وليتهم لأطهرنهم مما هم فيه
من الدنس، ولأطيبنهم بعد الخبث، وسمعت أبا بكر بن
دريد يرد هذا كله ويقول: إن قولهم التراب الوذمة [مقلوب]
خطأ، وان أصحاب الحديث قلبوه، وإنما هو الوذام التربة،
58

قال: وأصله أن كل سير قددته مستطيلا " فهو، وذم، وكذلك
اللحم الكروش وما أشبهه. وهذا أراد.
وأخبرنا أبو عبد الله نفطويه حدثنا محمد بن يونس
عن العتبي قال: سمعت أعرابيا " يقول: اللهم لك الحمد على
سكون الليل، وحركة النهار، وتسبيح العروق، قال أبو
عبد الله نفطويه: هكذا قال المحدث: تسبيح العروق، وإنما
هو تسبيخ العروق بالخاء المعجمة، يعني سكونها، أي ليس
فيها ضربان يؤلم، ويقال: (سبخوا عنكم في الظهيرة) أي سكنوا.
وحدثنا أبو جعفر بن زهير، حدثنا عمروا بن علي، حدثنا
59

عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت
عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
سمعها تدعو على سارق سرقها، فقال (لا تسبخي عنه) قلت
أنا: معناه لا تخففي عنه بدعائك عليه، وهو مثل قوله صلى
الله عليه وسلم: (من دعا على من ظلمه فقد انتصر) / ويقال:
60

سبخ الله عنك الأذى أي خففه وكشفه، ولهذا قيل لقطع
القطن إذا ندفت سبائخ. قال الأخطل:
فأرسلوهن يذرين التراب كما يذري سبائخ قطن ندف أوتار
ووجدت هذا الحديث في كتاب عبدان القاضي في مسند
عائشة رضي الله عنها رواه عن سهل بن بحر عن محمد بن الصباح
عن هشيم عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله
عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبخي عنه
حتى توفين أجرك يوم القيامة) وهذا خطأ وليس بشيء.
أخبرني أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن عمار، حدثنا
ابن أبي سعد، حدثنا أبو الفضل ابن أبي طاهر قال: صحف
رجل قول النبي صلى الله عليه وسلم (عم الرجل
61

صنو أبيه) فقال: عم الرجل ضيق أبيه.
وأخبرنا ابن عمار، حدثنا ابن أبي سعد، عن زكريا
ابن مهران قال صحف بعضهم [قوله]: (لا يورث حميل
إلا ببينة) فقال: (لا يرث جميل الا بثينة) قلت:
62

أنا: الحميل ما يحمل من بلاد الروم وغيرها من السبي وهم
63

صغار فيدعي بعضهم أنساب بعض فلا يقبل ذلك منهم إلا
ببينة. وقالوا: الحميل المنبوذ يحمله قوم فيرثونه ويقال للدعي
أيضا " حميل. قال الكميت:
علام نزلتم من غير فقر * ولا ضراء منزلة الحميل
ويسمى الولد في بطن الأم إذا أخذت من بلاد الشرك:
حميلا "، والحميل أيضا ": الغثاء، وما يحمله السيل.
وفي الحديث (فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل)
والحبة مكسورة الحاء، هكذا أكثر الرواية، وهي بزور
64

البقل، ويقال: الحبة نبت ينبت في الحشيش صغار، وقالوا:
الحبة إذا كانت حبوبا " مختلفة من كل شئ، وتجمع حب
الرياحين حبة، الواحدة حبة. والرواية الصحيحة الحبة بكسر الحاء.
وأخبرنا أبو بكر محمد / بن عبدان، حدثنا محمد
ابن أحمد بن البراء [قال]: كان بواسط وراق ينظر في
الأدب الشعر ولا يعرف شيئا " من الحديث، وكان لعمرو بن
عون الواسطي وراق مستمل يلحن كثيرا "، فقال: أخروه،
وتقدم إلى الوراق الذي كان ينظر في الأدب أن يقرأ عليه،
فبدأ فقال: حدثكم هشيم. فقال: هشيم ويحك! فقال: عن
حصين. فقال: حصين ويلك، ثم قال [عمرو بن عون]:
ردوا إلي الوراق الأول فإنه وإن كان يلحن فليس يمسخ.
وحدثني علي بن محمد التستري قال حضرني أحمد بن يحيى
ابن زهير التستري ورجل من أصحاب الحديث يقول له: كيف
حدثت الزبير بن خريت؟ فقال ابن زهير: لا خريت ولا كنت
65

قلت أنا: إنما هو الزبير بن الخريت الخاء مكسورة والراء
مشددة وأخوه الحريش بن الخريت وأصحاب الحديث
يجمعون أحاديثهما لقلتها. والخريت: الدليل الحاذق،
من قولهم: دليل خريت كأنه يدخل في خرت الإبرة وهي ثقبها
من حذقه ودلالته.
أخبرنا محمد بن يحيى، أنبأنا الغلابي عن
66

[ابن] عائشة قال: قدم شريك البصرة، فقام إليه رجل
[فقال] حدثنا فيه بحديث ثابت البناني. فقال شريك بالنبطية:
لكوازي لكوازي، أي ليس هو سمك.
وأخبرنا أحمد بن عمار، حدثنا ابن أبي سعد عن عبد الله
ابن عبد الجبار قال: صحف إنسان قول عبيد بن الأبرص:
67

حال الجريض دون القريض. فقال: [حال] الحريص
دون القريص.
وأخبرنا أبو العباس بن عمار، حدثنا ابن أبي سعد،
68

عن الرياشي، حدثنا معمر، حدثنا عبد الوارث عن أبي معشر
عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: (إن
المؤمن لتجتمع عليه الذنوب فيحارف إذا بها عند الموت أو القتل).
قال الرياشي: يحارف يقايس، وأنشد:
ألا ليت أن الله ربي يحبني * وعمرا " كما أحببت أم حبيب /
69

إذا " ما دخلت النار الا تحلة " * ولا حورفت أعمالنا بذنوب
قال ابن أبي سعد: فسمعت رجلا " يقرؤه هذا على الرياشي
يجازف بالجيم والزاي، قال الرياشي: يأخذون هذا فيروونها
عني هكذا، فإذا قيل: يحارف، قال: حدثنا الرياشي!
أفترون الرياشي كان يخطئ ويصحف؟!.
قالت أنا: المحرف. وقيل: المحراف: رسول الميل الذي تسير به
الجراحات ليقايس ولا بها عند القصاص.
حدثنا عبد الله بن محمد بن الحجاج، حدثنا الأبار قال:
قال عفان: كان عثمان البري لم يغلط في الحديث، وكان
يقول: اكتب زييد بن المصلت، هيه والناس يقولون
زييد بن الصلت، ثم يضحك، قلت أنا: هذا مما يصحف
70

فيه كثير، وهو ذييد له بن الصلت الكندي أخو كثير بن
الصلت، بعد الزاي ياءان تحت كل واحدة منهما نقطتان وتضم
الزاي وتكسر.
أخبرنا محمد بن يحيى [حدثني يحيى] بن علي عن
حماد بن إسحاق قال: كتب سليمان بن عبد الملك إلى ابن
حزم أن أحص من قبلك من المخنثين. فصحف كاتبه فقرأ:
أخص من قبلك من المخنثين. قال: فدعاهم فخصاهم، وخصى
الدلال فيمن خصى، قال حماد بن إسحاق، فحدثني أبي،
قال: مر الماجشون بابن أبي عتيق وهو في المسجد، فصاح
به ابن أبي عتيق: أخصيتم الدلال، أما والله لقد كان يحسن:
71

لمن ربع بذات الجيش أمسى دارسا " خلقا "
قلت أنا: وقد روي هذا الخبر على خلاف هذا، فأخبرني
أبي رحمه الله، حدثنا عسل بن ذكوان، حدثنا الرياشي عن محمد
ابن سلام، حدثني ابن جعدبة قال: كان سليمان بن عبد الملك
غيورا "، فقيل له: ان المخنثين قد أفسدوا النساء بالمدينة،
فكتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم: أن احص فلانا " /
وفلانا " حتى عد أربعة، منهم الدلال وبرد الفؤاد ونومة الضحى
وطويس. قال ابن جعدبة: فقلت لكاتب ابن حزم: زعموا
أنه كتب إليه أن احصهم، فقال يا ابن أخي عليها [والله]
نقطة ان شئت أريتكها، قال: وقال الأصمعي عليها نقطة
مثل سهيل، وزادني غير أبي في هذا الحديث، قال: فقال
واحد من المخنثين لما اختلفوا في الحاء والخاء: لا أدري
ما حاؤكم وخاؤكم، قد ذهبت كذا من الحاء والخاء. لما يكنى
عنه.
72

أخبرني محمد بن خلف، حدثنا العباس بن يزيد البحراني،
حدثني سفيان بن عيينة بحديث ذكر فيه: (أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وجه عليا " والزبير رضي الله عنهما إلى روضة
خاخ)، فضحك علي بن المديني، فقال: يا أبا محمد إن هشيما "
يقول إلى روضة حاج، فضحك سفيان، وقال: وجد في كتابه
شيئا " لم يقيده، فصحفه.
73

ووجدت بخط عسل بن ذكوان، عن الحسن بن يحيى
الأرزي قال: دخل علي بن المديني مصر، قال روى سفيان بن
عيينة، عن منصور، عن مجاهد قال: الوقية أربعون
والنش عشرون والنواة خمس يعني وزن نواة من ذهب، فقال
سفيان: الشن، فقلت: له انه النش. هكذا وجدته بخط عسل
ابن ذكوان فيما حكى عن الأرزي. وقد روي هذا الحديث على
غير هذا الوجه، ونسبوا التصحيف إلى سفيان الثوري والله أعلم.
وقد ذكرته كما سمعته، فحدثني عبد الله بن [أحمد
74

ابن] أيوب، حدثنا محمد بن موسى بن حماد البربري،
حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثني عمي علي بن صالح صاحب
المصلى سمعت القاسم بن معن قال: صحف سفيان الثوري
في هذا الحديث: (لا بأس أن تزوج المرأة على الشن) قال
وإنما هو: لا بأس أن تزوج المرأة على النش. قال القاسم:
النش نصف الأوقية عشرون درهما وأنشد /:
إن التي زوجها المخش * من نسوة مهورهن النش
وحدثنا محمد بن غسان بن جبلة العتكي، حدثنا خالد
ابن يوسف السمتي، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة
عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (إذا سرق العبد فبعه ولو بنش) قال والنش عشرون،
75

والأوقية أربعون، والنواة عشرة وخمسة. وفي الأوقية ثلاث
لغات: الوقية والوقية والأوقية.
وحكى عبد الله بن الزبير الحميدي، عن سفيان بن عيينة
كان يضطرب في اسم محرش الكعبي، فحدثنا محمد بن علي
ابن عمر، عن المحمل بالبصرة، حدثنا يحيى بن يونس الشيرازي
قال: قال الحميدي: كان سفيان بن عيينة ربما يقول محرش
الكعبي، فان استفهمته قال: محرش الكعبي، وربما قال ذا،
وذا، وكان يضطرب في هذا الاسناد يعني إسناد حديث محرش
الكعبي، وأكثر الرواية تجيء بفتح الراء.
76

وحكى عن سفيان بن عيينة أيضا " أنه كان يقول: بشر بن
محجن، بالشين المعجمة، وخالفه في هذا مالك بن أنس
والدراوردي فقالا: بسر حدثنا ابن منيع، حدثنا عمي،
حدثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن بشر بن محجن الديلي،
عن أبيه [قال]: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد
صليت في أهلي) فذكر الحديث.
ومما حكى أبو عبيد القاسم بن سلام، عن سفيان بن
77

عيينة كان يغلط فيه، يروي في خبر عمر أنه قال لابن عباس
رضي الله عنهما: (شنشنة، أعرفها من أخشن).
وإنما هو من أخزم، وذكر أن هذا الشعر لجد حاتم طيئ،
78

وأن عقيل بن علفة تمثل به، وغيره يقول إن الشعر الموزون
لعقيل بن علفة، وأن المثل قيل لحاتم الطائي، وكان جده
جوادا "، ولما نشأ حاتم طيئ جوادا " قال الناس نزع حاتم إلى جده
أخزم، وسمعت أبا بكر يقول هو حاتم بن عبد الله بن سعد
ابن الحشرج بن أخزم.
والشنشنة: ما يتنشنش في الماء أي يبقى في القربة،
وهي ههنا النقطة، وقالوا الشنشنة مثل الطبيعة والسجية،
79

وقد حكى أن بعضهم رواه نشنشة، فقدم النون، وليس بشيء.
سمعت أبا بكر الجوهري يحكي بإسناد - ذهب عني - أن
حماد بن سلمة وهم في اسم ربيعة بن الحارث في خبر رواه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: (وكل دم كان
80

في الجاهلية فهو موضوع، وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث).
فرواه حماد بن سلمة: دم آدم بن ربيعة، وإنما كان في
كتابه دم ربيعة، فقرأه آدم بن ربيعة، ولم يرو هذا غيره،
وليس يعرف في بني هاشم قبل الاسلام من اسمه آدم، ولا لربيعة
ابن الحارث ابن يقال له آدم. وقد ذكر الجهمي أن ابن ربيعة
المقتول اسمه اياس بن ربيعة، [وقال غيره حارثة بن ربيعة،
ورواه غير حماد بن سلمة، فقال دم ربيعة] بن الحارث،
81

والمقتول هو ابن ربيعة، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم نسب
الدم إلى ربيعة بن الحارث، لأنه ولي الدم.
أخبرنا أحمد بن عبد العزيز، حدثنا ابن أبي سعد،
حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثني سفيان قال دخلت على
ابن شهاب، وكنا إذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثة،
فخرجنا من عنده ومعنا إسماعيل بن مسلم، فامتروا في حديث،
فقال بعضهم: عن أبي سلمة، وقال بعضهم عن سعيد بن المسيب،
فقال إسماعيل: سلوا الغلام فإنه حافظ. يعنيني، فسألوني،
فقلت: عن كلاهما، ولم أكن نظرت في النحو،
فضحكوا
مني: قال فنظرت بعد ذلك فيه.
وسمعت شيخا " من شيوخ البصرة يحكي ولم يذكر اسنادا "
قال: غبر المحدثون بالبصرة زمانا " يروون أن عليا " رضي الله
عنه قال: ألا إن خراب بصرتكم هذه يكون بالريح. فما أقلعوا
82

عن هذه التصحيفة / إلا بعد مائتي سنة عند معاينتهم أمر الزنج.
حدثنا أبو بكر النيسابوري، حدثنا أحمد بن سعيد بن
صخر الدارمي، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا شعبة عن
عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن العندلي أو ابن المندلي
- قال شعبة: فذكرت لأيوب فقال حجر المندلي - عن زيد
ابن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العمرى ميراث)
83

قلت أنا: فأتى بثلاثة شكوك، وليس فيها الصواب، وثلاثتها
خطأ، وإنما هو حجر بن قيس المدري، وهو مشهور من أهل
اليمن، ومدر قرية باليمن، ويقال له الحجوري أيضا ".
وأخبرنا النيسابوري، حدثنا يزيد بن سنان، حدثنا
أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو عن طاوس عن حجر
ابن قيس المدري، عن زيد بن ثابت مثله.
حدثنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا حنبل بن إسحاق سمعت
أحمد بن حنبل يقول هو حجر المدري من أهل اليمن،
قال: وقال لنا عبد الرازق، هذه قريته هاهنا، وأشار إلى
خلفه، ويقال له أيضا " الحجوري، وهو موضع باليمن.
حدثنا الزعفراني، حدثنا ابن أخي خيثمة، حدثنا هدبة،
حدثنا حماد بن الجعد قال سئل قتادة وأنا حاضر عن العمرى
84

فقال حدثني عمرو بن دينار عن طاوس عن الحجوري حجر
المدري، عن زيد أو ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه
وسلم (أنه قضى في العمرى أنها قد جائزة).
حدثنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا حنبل سمعت أحمد
ابن حنبل يقول: كان ورقاء بن عمر من أهل خراسان،
وقال لي حجاج بن محمد: كان ورقاء يقول: كيف هذا الحديث
عندك؟ فأقول كذا وكذا. قال أحمد: وهو يصحف في غير
حديث، يعني ورقاء.
حدثني ابن أخي أبي زرعة، حدثنا حنبل قال: قال لي
85

أحمد بن حنبل: كان في نسخة يعقوب فلا يعني الزهري عن
عبد الله بن عدي بن الخيار حديث وقف بالحزورة، فلما
رجع إلى أصله وجده عبد الله بن عدي بن الحمراء ويقال إن
86

إبراهيم بن سعد وهم فيه /، فحدثنا النيسابوري، حدثنا أحمد بن
منصور، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي عن
صالح، عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة أن عبد الله
ابن عدي بن الخيار أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم وهو واقف بالحزورة، فذكره. قلت أنا: وهم [فيه]
من وجهين: أن هذا الحديث هو لعبد الله بن عدي بن الحمراء،
والثاني أن عبد الله بن عدي بن الخيار لم يلحق النبي صلى الله
عليه وسلم ولم يسمع منه. والصحيح ما حدثنا به ابن أبي داود،
حدثنا عيسى بن حماد زغبة، حدثنا الليث بن سعد، عن
عقيل عن الزهري، عن أبي سلمة أن عبد الله بن عدي
ابن الحمراء الزهري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
واقفا " بالحزورة وهو يقول: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب
أرض الله إلي ولولا أني أخرجت منك ما خرجت) هذا هو الحديث.
87

حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني، حدثنا أحمد بن زهير
قال رأيت في كتاب علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد:
88

سألت سفيان عن قول إبراهيم: يصلي ويداه في ثيابه، فمطلني،
ثم قال حدثنا أبو الصباح قلت من أبو الصباح؟ قال: سليمان
ابن قسيم. وإنما هو سليمان بن يسير.
وحدثنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا حنبل بن إسحاق قال
قال لي أحمد بن حنبل: محمد بن عبيد يعني الطنافسي
89

كثير الخطأ الذي في كتبه، وكان في كتابه الشعبي عن شمر
يعني سمرة، وأشياء كثيرة في كتاب ابن إسحاق.
قال حدثنا حنبل بن إسحاق، حدثنا أحمد بن حنبل،
حدثنا وكيع، عن يحيى بن جعفر، عن ابن مصعب، عن هلال
ابن مزيد قال: رأيت أبا هريرة رضي الله عنه يقطع البسر من
التمر، فذكر الحديث، قال أحمد: قال أبو سعيد وعبد الصمد:
يحيى بن يعفر ووكيع لأن أخطأ فيه.
قال: وسمعت أحمد قال: اختلفوا فقال عبد الرحمن
90

ابن مهدي: نعيم بن هبار، وكذلك قال الحفاظ، وقال
الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز: ابن همار. وقال
أبو سعيد مولى بني هاشم عن محمد بن راشد: نعيم بن خمار.
91

بالخاء. قلت أنا: الصحيح وما عليه أهل النسب نعيم بن همار
بالهاء، وهو من غطفان، روى أن النبي صلى الله عليه وسلم - يعنى -
قال: (يقول الله عز وجل صل أربع ركعات حتى أول النهار
أكفك آخره).
92

قال وحدثنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا حنبل حدثنا
أحمد بن حنبل حدثنا يزيد، حدثنا يحيى بن سعيد أن سعد
ابن إبراهيم أخبره عن الحكم بن مينا أن يزيد بن جارية
93

أخبره أنه كان جالسا " في نفر من الأنصار حول بشر بن معاوية،
قال أحمد صحف فيه، إنما هو حول سرير معاوية.
قال وحدثنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا حنبل حدثنا أحمد
ابن حنبل حدثنا وكيع عن الأعمش عن سلام أبي شرحبيل
قال سمعت حبة وسواء فإن ابني خلف يقولان. قال أحمد: قال
94

أبو معاوية إنما هو سوار. أخطأ فيه أبو معاوية هكذا حكى الحكاية.
وحدثني محمد بن سهل بن مردويه، حدثنا الحسن بن
عرفة، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن سلام قال:
سمعت حبة وسواء " فذكر الحديث ولم يقل: عن سوار.
حدثنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا حنبل، حدثنا أحمد قال: قال
وكيع في حديث أبي جري النهدي. قال أحمد: أخطأ فيه وكيع.
95

قلت أنا: أبو جري الهجيمي من الصحابة اسمه سليم
ابن جابر ويقال جابر بن سليم روى عنه عقيل بن طلحة.
حدثنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا حنبل، حدثنا أحمد
ابن حنبل، حدثنا وكيع، حدثنا زكريا بن إسحاق، عن
عمرو بن أبي سفيان، عن مسلم بن ثفنة قال: استعمل
96

ابن علقمة أبي على عرافة قومه، فذكره. قال أحمد: إنما هو مسلم بن
شعبة أخطأ فيه وكيع. حدثنا روح، فقال فيه: مسلم بن شعبة.
حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني. حدثنا ابن أبي خيثمة
سمعت يحيى بن معين / يقول: كان شعبة يقول: كان
الثلب بالثاء، وإنما هو التلب.
97

حدثنا إبراهيم بن عرعرة، حدثنا غندر، حدثنا شعبة،
عن خالد الحذاء، عن الوليد أبي بشر، عن ابن التلب عن أبيه
أنه أعتق نصيبا " من مملوك، فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم.
98

وأخبرنا محمد بن يحيى قال كنا عند وكيع القاضي
فذكر بيتا " فقال: أخذه من الثلب، فقلت: إنه من التلب.
99

قال كذا يقول أصحاب الحديث. فقلت خطأ، قال الكلبي
وأبو اليقظان في نسبه: التلب، وأنشدته شعرا " فيه لابد
100

من أن يشدد اسمه:
يا رب إن كانت بنو عميره * رهط التلب هؤلاء مقصوره
فقال: أحسن الله جزاءك، وكان روى قبل ذلك في
حديث ذكره: أنبخانية. فقال أنبجانية بالجيم. فوقف
عليه، فرجع عنه.
حدثنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا حنبل، حدثنا أحمد
[ابن حنبل]، حدثنا يزيد، حدثنا يحيى بن سعيد عن
سعد بن إبراهيم عن الحكم بن مينا في حديث قال: فخرج
عليهم بسر بن معاوية. قال أحمد: أخطأ فيه، ليس لمعاوية
ابن يقال له بسر.
101

قال وحدثنا أحمد، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن
شعبة بن دينار عن عكرمة في قوله تعالى: (وأعدوا لهم
ما استطعتم من قوة) قال: الحصون (ومن رباط الخيل)
قال الإناث. قال أحمد: وبلغني أنه قال: الحصن، وهو
أشبه، يعني الخيل.
وقد صحف بعضهم قول عبد الله ابن مسعود رضي الله
102

عنه: ولا تحضن زينب - يعني امرأته - عن هذه الوصية، فرواه
تحصن بالصاد غير المعجمة، وإنما هو بالضاد المعجمة، أي
لا تحجب عنها، ولا تقطع دونها. يقال: حضنته عن
103

كذا، إذا اختزلته دونه، وفي كلام لعمر رضي الله عنه
104

يوم السقيفة. وتحضنونا عن هذا الأمر.
قال: وحدثنا أحمد، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا
شعبة، عن قتادة، عن قيس الحذاء، عن معاذ عن النبي
صلى الله عليه وسلم. قال أحمد: صحف فيه محمد بن جعفر،
إنما هو قيس الجزامي.
105

قال وحدثنا أحمد، [حدثنا] ابن أبي عدي، عن ابن
إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عطاء مولى أم
صفية، قال أحمد: هو خطأ، إنما هو أم صبية.
106

وحدثنا حنبل قال: قلت لأحمد حدثنا أبو حذيفة،
حدثنا أيوب بن ثابت، عن صفية بنت بحرة أن
أبا محذورة كانت له قصة فذكره. قال أحمد: إنما هي صفية
بنت أبي تجرأة وقد رأت النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري، حدثنا الليث
107

ابن الفرج، حدثنا حجاج بن نصير، عن مرحوم بن عبد العزيز
حدثني أبي، عن أبي الزبير مؤذن بيت المقدس، قال أتى
علينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: (يا أبا الزبير
إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحذم).
108

قال الليث بن الفرج لما قدم وكيع عبادان سنة تسعين
ومائة قال: حدثنا سفيان الثوري عن مرحوم، عن أبيه عن
أبي الزبير وقال: فإذا أقمت فاخذم، [فقيل إلى له يا أبا سفيان
إنك وصاحبك تصحفان في هذا الحديث إنما هو فاحذم]
قلت أنا: ورواه ابن عيينة عن مرحوم فقال: فاحذم على الصواب.
وحدثنيه إسماعيل بن يعقوب الصفار، حدثنا نصر بن علي
حدثنا مرحوم العطار فذكر نحوه.
وحدثني محمد بن الحسين بن سعيد، حدثنا أحمد بن
زهير بن حرب، حدثنا أحمد بن محمد الصفار، حدثنا يزيد
ابن زريع قال كان سفيان الثوري يقول فاخذم يصحفه. قال
وكان يزيد بن زريع يرويه عن مرحوم العطار.
110

قلت أنا: الحذم والحدر في الإقامة قطع التطويل، وأصله
الاسراع في المشي، والخذم بالخاء المعجمة القطع، وقد يكون
الحذم القطع أيضا " يقال خذمته وحذمته عبد وجذمته عليه بمعنى
قطعته، وجزمته بالزاي أيضا " قطعته.
وفي حديث إبراهيم: القراءة جزم، والتكبير جزم، والتسليم
111

جزم، ثلاثتها بالجيم والزاي المعجمة، أي: لا يمد المد
المفرط، ويجزم أي يقطع. وفي خبر آخر: الأذان جزم.
حدثنا أبو بكر بن الأنباري /، حدثنا عبد الله بن بنان،
أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن الربعي، أنبأنا أبو محمد
التوزي، أخبرنا أبو معمر صاحب عبد الوارث قال:
كان شعبة يحقرني إذا ذكرت شيئا "، فحدثني عن ابن عون
112

عن ابن سيرين أن كعب بن مالك قال:
قضينا من تهامة كل ريب * وخيبر ثم أغمدنا السيوفا
113

نسائلها ولو نطقت لقالت * قواطعهن دوسا " أو ثقيفا
فلست لمالك ان لم نزركم * بساحة داركم منا ألوفا
وننتزع العروس عروس و ج * وتصبح داركم منكم خلوفا
فقلت [له]: وأي عروس كانت ثم يا أبا بسطام: قال:
فما هي؟ قلت: وننتزع العروش عروش و ج، من قول الله تعالى:
(خاوية على عروشها) قال فكان بعد ذلك يكرمني ويرفع مجلسي.
ومما حكاه الكرابيسي أن شعبة غلط فيه، [قوله] في حديث
في صفة أهل النار: (فتقول بطونهم عوعو، وإنما هو غق غق)
وهو حكاية لما يغلى من نحو القار والحميم، وغيره يقول: غق
القار يغق غقيقا ".
114

حدثنا أبو محمد بن الحجاج، [حدثنا الأبار]، حدثنا
سعيد بن يعقوب الطالقاني، حدثنا [أبو محمد] عمر بن
هارون قال: حدث شعبة يوما " فقال: (فأما النار فتضيق على
أهلها حتى تقول بطونهم عوعو، كذا).
قال قتادة: صحفت يا أبا بسطام وأراد أن يقول فتقول
بطونهم غق غق، فقال: عو عو. فقال: لست أحدث لهذا أبدا ".
أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم فيما كتب إلينا، سمعت أبي
يحكي أن: عبد الرحمن بن مهدي وهم في اسم شهاب بن شرنفة
115

فقال: شهاب بن سرنفة.
حدثنا ابن الحجاج، حدثنا الأبار، حدثنا إبراهيم بن سعيد
سمعت عفان يقول: كان ابن مهدي كثير التصحيف.
وأخبرنا أيضا " ابن أبي حاتم قال: أدخل محمد بن إسماعيل
البخاري في كتاب (الطبقات والتاريخ) في باب من يسمى
رباحا " من الطبقة الأولى رباح بن الربيع. قال عبد الرحمن:
116

قال أبي: هذا غلط، وإنما غلط يوسف بن عدي أخو زكريا
ابن عدي في حديث رواه عن المرقع بن صيفي أن رباحا " حدثه:
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره قتل النساء في الغزو)
وذلك أنه رأى امرأة مقتولة، فظن البخاري أن ذلك صحيح،
فجعله في أول الترجمة فيمن اسمه رباح، وإنما هو رياح بن
الربيع. قلت أنا: الصواب ما قاله عبد الرحمن، وأبو حاتم،
وهو رياح بن الربيع أخو حنظلة بن الربيع بن صيفي بن رياح
من بني تميم، وكان حنظلة يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو
117

ابن أخي أكتم بن صيفي فقال فيه الشاعر يرثيه:
إن سواد الرأس أودى به * وجدي يا علي حنظلة الكاتب
وأخبرنا ابن منيع، حدثنا منصور بن أبي مزاحم، حدثنا
عبد الرحمن بن أبي الزناد عن مرقع بن صيفي عن رياح بن
الربيع عن جده قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
في غزوة وعلى المقدمة خالد بن الوليد رضي الله عنه، فأتينا على
امرأة مقتولة، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ما كانت هذه لتقاتل، فأمر رجلا "، فقال: الحق خالدا "، فقل:
لا تقتلن ذرية " ولا عسيفا ".
118

قال: العسيف الأجير.
أخبرنا أبو العباس بن عمار، حدثنا ابن أبي سعد قال
أحمد بن كلثوم رأيت أبا عثمان المازني، والجماز عند جدي
محمد بن أبي رجاء، فقال لهم: (ما اسم أبي دلامة. فلم يردوا
عليه شيئا "، فقال جدي: زند، إياك أن تصحف فيه فتقول
زيد. قلت أنا: أبو دلامة زند بن الجون مولى قصاقص
الأسدي صحب السفاح والمنصور ومدحهما.
وفي أجداد النبي صلى الله عليه وسلم في نسب إسماعيل زند
ابن بري بن أعراق الثرى بالنون أيضا ".
119

ومما شاهدته وحضرت شيخا " من المحدثين بالبصرة فيه
سلامة، وقد أملى عن الربيع بن سليمان عن الشافعي عن سفيان
يعني وفي ابن عيينة عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه
صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاءت
امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته عن الغسل من
المحيض، فقال خذي فرصة من مسك، فتطهري بها) فقال
120

قرصة " - بالقاف -، وقال: من مسك، فلما قام كلمته في خلوة
وبينت له، فقال لا أدري هكذا سماعي، وإنما الرواية الفرصة
الفاء مكسورة، وقد رواه بعضهم من مسك بفتح الميم، والمسك
الجلد، وقد روي فرصة من سك، وروي أيضا " فرصة
ممسكة، والفرصة قطعة من القطن أو الصوف أو غيره،
وإنما أخذ من فرصت الشيء أي قطعته.
121

وحضرت شيخا " [لنا] لا أحب ذكره من أهل الفضل
والعلم وقد أملى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه،
123

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل ليبيت القوم
بالنعمة، فيصبح أكثرهم بها كافرين، يقولون سقينا بنوء
المجدح). فقال هذا الشيخ: بنوء المخدج بضم الميم وبعدها
خاء معجمة، فكتبت في رقعة [إنما هو] بنوء المجدح وهو
كوكب في آخر الدبران، وكانت العرب تزعم أنها تمطر به،
ومنه قول عمر رضي الله عنه: لقد استسقيت بمجاديح السماء
124

إنما هو جمع مجدح أو مجداح. وقد قال الخليل: يقال له:
مجداح أيضا "، فأما المجدح غير فهو ذو الثدية الذي قتله علي
125

كرم الله وجهه بالنهروان، فقال الشيخ: غيروه وصيروه المجدح
وسمعت شيخا " بأصبهان يروي عن الدبري، عن عبد الرازق
عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن عبد الرحمن بن سعيد
126

ابن وهب عن أبيه قال: [رأى] علي أحمد رضي الله عنه قوما "
سادلين [فقال]: كأنهم اليهود خرجوا من نهارهم، فقلنا
لعبد الرازق: ما نهارهم؟ قال: كنائسهم. قلت أنا: فلم أدر أمن
الرواية أعجب أم من التفسير، وإنما الصواب: كأنهم اليهود
خرجوا من فهرهم - مضمومة الفاء - والفهر: مدارس اليهود.
127

وأما قولهم في حديث آخر: (إنه نهى عن الفهر)، فحدثني
به الجوهري، حدثنا القاسم بن الحسن الزبيري، عن أبي اليقظان
سحيم، حدثني سعد بن طريف، حدثني عمير بن
128

مأمون حتى عن الحسن بن علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم (أنه نهى عن الفهر). وروي عن أبي حاتم أنه قال: سألت
عنه الأصمعي فلم يعرفه، وقال غير الأصمعي: الفهر أن
يجامع الرجل امرأة ثم يتحول عنها إلى أخرى فينزل.
وأما الحديث الآخر: وكان على الحسن قميص من هذا
القهز فإن القاف مكسورة، والزاي معجمة، فهو جنس من الحرير.
129

وسمعت هذا الشيخ أيضا " في حديث النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (بعثت في نشر الساعة) بشين معجمة وبعدها راء
غير معجمة، وإنما هو في نسم الساعة يعني حين ابتدأت
130

وأقبلت أوائلها، ونسيم الريح أولها. وأما النشر بالنون
والشين المعجمة، فإنه يقال: ومن يملك نشر الماء أي ما انتشر
منه وتفرق، ويقال: اللهم اضمم نشري أي ما انتشر من أمري،
والنشر - بضم النون والشين - خروج المذي من الانتشار، والنشر
- بفتح النون والشين -: داء ينتشر في الإبل.
وفي حديث الحسن: (أنه نهى عن النشر) بضم النون وفتح
الشين، وهو جمع نشرة، يعني: ما يكتب بالزعفران والمسك وقد
فسرته فيما يصحف من ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أكرره.
سمعت رجلا " من أصحاب الحديث يقرأ على جعفر بن
131

محمد بن المغلس فقال: عن مخرفة العبدي. فقال له ابن
المغلس: ويحك إنما هو مخرفة العبدي. مشهور.
وأخبرنا ابن الأنباري، حدثني أبي قال قرأ القطربلي
المؤدب على أبي العباس ثعلب بيت الأعشى:
ولو كنت في حب ثمانين قامة * ورقيت عنه أسباب السماء بسلم
132

فقال له أبو العباس: خرب بيتك، هل رأيت حبا قط
ثمانين قامة، إنما هو جب بالجيم.
حدثني محمد بن يحيى، حدثنا أبو ذكوان، عن التوزي
قال: صحف بن عبد الحميد في حلقة يونس، فأنشد
بيت ذي الإصبع العدواني:
عذير الحي من عدوا * ن كانوا حية الأرض
فقال الفيض: كانوا جنة الأرض. فقال فيه خلف الأحمر:
كتصحيف فيض بن عبد الحميد
في جنة الأرض أو في الذباب
وما جنة الأرض من حية * وما للذباب وصوت الذئاب
وعالى بذلك في صوته * كقعقعة الرعد بين السحاب
133

أخبرنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا محمد بن حماد الطهراني،
حدثنا عبد الرازق، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن محمد بن
أبي عطاء، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات مريضا "
مات شهيدا "، ووقي فتاني القبر، وغدي عليه وريح برزقه من
الجنة) هذا هو: من مات مرابطا " مات شهيدا.
و إبراهيم بن محمد بن أبي عطاء هو إبراهيم بن أبي يحيى،
134

وإنما دلس ابن جريج باسمه بسبب المذهب.
حدثني ابن الحجاج، حدثنا الأبار، حدثني محمد بن
إبراهيم بن أبي سكينة الداري قال سمعت إبراهيم بن أبي يحيى
يقول: حكم الله بيني وبين مالك بن أنس، وهو سماني قدريا،
وأما ابن جريج فاني حدثته (من مات مرابطا " مات شهيدا ")
فحدث عني (من مات مريضا " مات شهيدا ").
حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، حدثنا حنبل
ابن إسحاق، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا ابن عيينة عن
إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس، عن أسامة
رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه من
136

جمع به فذكره، وقال: إني أخاف أن يصف عجم عظامها.
قال: وإنما هو: حجم عظامها.
وحدثنا عبد الله، حدثنا حنبل، حدثنا أحمد، حدثنا
عبد الله بن / الحارث قال: قرأت على يونس بن يزيد عن ابن
شهاب أخبرني عبد الله بن ثعلبة، وكان رسول الله صلى الله
137

عليه وسلم مسح وجهه من القبح... فذكر الحديث.
قال أحمد: أخطأ فيه وصحف، إنما هو (زمن الفتح).
قال وسمعت أحمد يقول: قال علي بن حفص يعني المديني
في حديث (وأما خالد فإنكم تظلمونه قد احتبس أدراعه
وأعتاده) أخطأ فيه وصحف، إنما هو: وأعتده.
138

وسمعت أحمد يقول في حديث النبي صلى الله عليه
وسلم: (بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص،
منها ما يبلغ البدن) كذا قال عبد الرازق عن معمر، وصحف
139

عبد الرازق وإنما هو (يبلغ الثدي)
وأخبرنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا حنبل، حدثنا أحمد قال
أحمد: صحف محمد بن جعفر يعني غندرا " في حديث شعبة: (من فارقت
روحه جسده وهو بريء من ثلاث [دخل قوله الجنة]، الكنز والغلول).
140

قال غندر: الكنز، صحف فيه، قال محمد بن بكر
وعبد الوهاب: الكبر.
وحدثنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا حنبل، حدثنا أحمد،
حدثنا عبد الرازق، عن معمر، عن همام بن منبه قال هذا
ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: تقاتلون خوز كرمان).. [فذكر الحديث
141

قال أحمد: الناس يقولون جور كرمان، ولكنه خوز كرمان].
قال أحمد، حدثنا عبد الرازق، أنبأنا ابن جريج قال
سليمان بن موسى، حدثنا مالك بن يخامر أن معاذ بن جبل
رضي الله عنه حدثهم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكر حديثا " وقال فيه: (تجئ يوم القيامة أغر ما كانت)
142

وقال حجاج: كأغر ما كانت، وقال الثوري: كأغزر ما كانت. أخبرنا ابن أبي حاتم إجازة [سمعت أو أبي يقول]:
سمعت يحيى بن معين يقول: وذكر إبراهيم بن أبي سويد فقال:
يقال: إنه كثير التصحيف لا يقيمها.
قال: وسمعت أبي يقول: قلت لأبي زرعة: لا تحدث / عن
إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، فاني ذهبت إلى قريته،
143

فأخرج إلي كتابا "، فزعم أنه سمعه من سعيد بن عبد العزيز،
فنظرت إلى حديثه، فاستحسنت منه من حديث الليث بن
سعد - يعني عن عقيل - فقلت له: أذكر هذا، فقال:
حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ليث بن سعد، عن عقيل - بالكسر -
قال: أبو حاتم، قلت له: هذه أحاديث سويد بن عبد العزيز،
فقال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سويد بن عبد العزيز،
فذكرت بعض هذا الحديث لعلي بن الحسن بن الجنيد، فقال:
صدق أبو حاتم ينبغي أن لا يحدث عنه،
باب
ما روى أنهم صحفوا فيه من القرآن
قال: سمعت أبا بكر محمد بن يحيى قال فيما يرويه
144

أعداء حمزة الزيات: أنه كان في أول تعلمه يتعلم من
المصحف فقرأ (ذلك الكتاب لا زيت فيه). فقال أبوه:
دع المصحف، وتلقن من أفواه الرجال. وحكى لنا أيضا "
في كتاب النوادر فقال: حدثني من سمع رجلا " يقرأ: (ضاد
والقرآن ذي الذكر)
فما ظننت أن أحدا " يخطئ في هذا.
وقد روى لنا ابن عمار أن مشكدانة على قرأ: (ولا يغوث
ويعوق وبشرا ").
وحكى لنا ابن الأنباري أن عثمان بن أبي شيبة قرأ:
145

(جعل السقاية في رجل أخيه) [فقيل له: في رحل] فقال:
تحت الجيم واحدة.
وأخبرنا ابن عمار، حدثنا ابن أبي سعد، حدثني إسماعيل
ابن الصلت بن حكيم سمعت عثمان بن أبي شيبة يقرأ: (واتبعوا
ما تتلوا الشياطين فقلت: واتبعوا. قال: واتبعوا واتبعوا واحد.
وأخبرنا ابن عمار، حدثنا ابن أبي سعد، [حدثنا محمد
ابن يوسف] حدثنا إسماعيل بن محمد بن السبري، سمعت
عثمان بن أبي شيبة يقرأ: (فإن لم يصبها وابل فظل)،
وقرأ مرة (والخوارج مكلبين).
و قال محمد بن يوسف، سمعت محمد بن عثمان الوراق،
قال: سمعت عثمان / بن أبي شيبة، يقرأ: (يا أيها المدبر)
فقلت: ذهب عقلك، أين المدبر؟
146

وأخبرنا محمد بن يحيى، حدثنا الغلابي، عن ابن عائشة
قال: خطب الوليد بن عبد الملك بن مروان يوما "، وعمر بن عبد
العزيز رضي الله عنه تحت المنبر، فقال الوليد: (يا ليتها كانت
القاضية)، فقال عمر: يا ليتها كانت عليك، وأراحتنا منك.
أخبرنا محمد قال: سمعت من يحكي أن حمادا "
الراوية قرأ يوما "، (والغاديات صبحا)، وأن بشارا " الأعمى
الشاعر سعي به إلى عقبة بن سلم أنه يروي جل أشعار
147

العرب، ولا يحسن من القرآن غير أم الكتاب، فامتحنه عقبة
بتكليفه القراءة في المصحف، فصحف فيه عدة آيات منها:
(ومن الشجر ومما تغرسون) وقوله: (وما كان استغفار
إبراهيم لأبيه الا عن موعدة وعدها أباه) و (ليكون لهم
عدوا وحربا) و (ما يجحد بآياتنا الا كل جبار كفور)
(بل الذين كفروا في غرة وشقاق) و (وتعززوه وتوقروه)
(وهم أحسن أثاثا وزيا) و (عذابي أصيب به من أساء)
و (يوم يحمى غليها) و (بادوا حين مناص)،
148

(ونبلوا أخياركم) و (صيغة الله، ومن أحسن من الله صيغة)
و (استعانه من شيعته) و (سلام عليكم لا نتبع
الجاهلين) و (أهليكم غير وكاسوتهم) و (أنا أول العائذين)
خبرنا محمد بن يحيى يقول حدثنا أصحابنا، قال [كان]
ثمامة بن أشرس - حين غضب الرشيد على البرامكة
149

في يد بعض خدم الرشيد موكلا به، وهو ياسر رجله، وكان
يتعهده من مائدة فيقع ذلك عنده موقعا " فقعد الخادم يوما "
يقرأ عليه، وقرأ (والمرسلات فإن عرفا ")... (ويل يومئذ للمكذبين)
كلما مر فيها، فقال له ثمامة: لك يا سيدي علي حق، وهذا
خلاف ما أنزل، المكذبون: الأنبياء، وهم الذين كذبوا عليهم
السلام، وإنما هو: (ويل يومئذ للمكذبين)، الذين كذبوا الأنبياء
فقال له الخادم: يا زنديق! قد / قيل لي فيك هذا، ولم
أصدق، فترك تعهده، فأضر ذلك به، ثم رضي عنه الرشيد
(بعد)، فقال: يا ثمامة! ما أشد الأشياء؟ قال: عالم يجري
عليه حكم جاهل، فغضب الرشيد، وظن أن ذلك تعريض
من ثمامة بالملوك، ففطن ثمامة، وعرفه خبر الخادم، فضحك
الرشيد، وقال: أنت معذور فيما قلت.
150

وسمعت أبا عبد الله بن عرفة يحكي عن أبي الحسن بن
البراء قال: حكي لنا أن أبا فرعون الأعرابي سمع رجلا " يقرأ:
(الأعراب أشد كفرا " ونفاقا ") فقال: إنما هو (الأعزاب
أشد كفرا " ونفاقا ")، فذكر ذلك الأصمعي للرشيد، فقال:
لقد لقي أبو فرعون من العزوبة شرا "
وحكى لنا ابن عمار، عن ابن أبي سعد، عن هارون بن
إبراهيم، عن أبي عمرو المقري أنه سمع معلما " يقول لصبي:
(أن السماوات والأرض كانتا زيفا ").
وأخبرني محمد بن يحيى، أنبأنا عمرو بن تركي، حدثنا
الفضل بن زيد، حدثنا عبد الله بن محمد التيمي، عن أبيه
قال: كنا عند أبي عمرو، فقرأ عليه رجل شعرا " فجعل مكان
مباديل مناديل، فقال رجل يا أبا عمرو، لو غيرك يقرأ عليه
هذا لقلنا: مباديل، فقال أبو عمرو: مباديل.. مناديل
لو كنت كلما أخطأت، سقطت في حجري جوزة، ما قمت
الا وحجري مملوء جوزا "!
آخر ما روي من التصحيفات في القرآن [وبه تم الجزء
الأول والحمد لله].
151

باب
ما يشكل من ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم
فيقع فيه التصحيف
قال الحافظ أبو أحمد العسكري، أخبرني محمد بن يحيى
ابن عبد الله بن العباس، حدثنا محمد بن يزيد المبرد، حدثني
العباس بن ميمون، عن الأصمعي، عن سفيان قال: كنا عند
الأعمش - وعنده أبو عمرو بن العلاء - فحدث عن /
أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: كان النبي صلى
الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة
152

[مخافة وهو السآمة] ثم قال الأعمش: يتعاهدنا، فقال له
أبو عمرو: إن كان يتعهدنا فيتخوننا، وأما يتخولنا فيستصلحنا:
فقال له الأعمش: وما يدريك؟ فقال: لئن شئت يا أبا محمد
أن أعلمك الساعة أن الله عز وجل ما علمك من جميع ما تدعيه
شيئا إلا حدثتك، فعلت.
قال: وحدثنا أبي، حدثنا عسل بن ذكوان، أنبأنا
العباس بن ميمون بن طابع حدثنا الأصمعي، حدثنا سفيان
ابن عيينة، قال: حضرت الأعمش وعنده أبو عمرو بن العلاء
قال العباس فذكرته لابن الشاذكوني فقال: غلط الأصمعي،
أنا حدثته عن سفيان بن عيينة، عن أبي جزء قال: شهدت
أبا عمرو عند الأعمش فحدث عن عبد الله بن مسعود أنه قال:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة) فقال أبو عمرو:
إنما هو يتخوننا، فقال الأعمش: وما يدريك؟ فقال: والله
لو شئت لأعلمتك أن الله تعالى لم يعلمك من هذا كبير شيء.
153

قال فسأل عنه، فقيل: أبو عمرو بن العلاء. فسكت. قال:
ثم قال الأصمعي، قد ظلمه أبو عمرو، يقال: يتخولنا،
ويتخوننا جميعا "، فمن قال: يتخولنا، يقول: يستصلحنا،
يقال: رجل خائل مال، ومن قال: يتخوننا، قال: يتعهدنا
وأنشد لذي الرمة:
لا ينعش الطرف الا ما تخونه * داع - يناديه باسم الماء - مبغوم
وسمعت أبا بكر بن دريد به يقول: التخول والتخون واحد.
قال: وأخبرني الحسن بن علي بن خلف، حدثنا نصر
ابن داود عن أبي عبيد قال: قال الفراء الخائل الراعي
للشيء، والحافظ له، يقال: خال يخول خولا "، قال
154

أبو عبيد: وأظنها بالنون: يتخونهم، وهو التعهد أيضا "
قال أبو عبيد: أما معنى الحديث فأخبرني به يحيى بن سعيد
الأموي عن أبي عمرو بن العلاء، أنه كان يتخولهم بالموعظة، أي
ينظر حالاتهم التي ينشطون فيها للموعظة والذكر /، فيعظهم
[فيها] ولا ولا يكثر عليهم فيملوا. قلت أنا: الرواية باللام
أكثر من النون، وأما المعنى فيتقارب.
ومما وقع فيه الاشكال والتغيير
ما حدثنا به عبد الله بن أحمد بن موسى عبدان، حدثنا
عبد الله بن الحسين الأنطاكي، حدثنا إبراهيم بن المبارك، حدثنا
تمام بن نجيح، عن الحسن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أصل كل داء البرد)
هكذا رواه البرد ساكنة الراء، وإنما الصحيح: أصل كل داء
البردة، بفتح الراء وزيادة هاء، والبردة: التخمة، هكذا
سمعته من أبي بكر بن دريد لم وغيره، ورواه الأعمش، عن
خيثمة، عن عبد الله، أنه قال: أصل كل داء البردة.
155

[قال الأعمش: سألت أعرابيا من كلب عن البردة]،
فقال: هي التخمة، وسميت التخمة: بردة، لأنها تبرد حرارة
الجوف، وجاءت بردة على فعلة كما قالوا: الشترة، والصلعة
156

والنزعة. والأبردة: برد يجده الرجل في أعضائه، وليس
لقولهم: أصل كل داء البرد - معنى، إذا ذهبت به إلى البرد
الذي هو ضد الحرارة - لأن في الأدواء ما يعلم أنه ليس من برد
الزمان ولا برد الطباع. وحكي عن الفراء: أنه قال: يجوز أن
يسمى الإكثار من الأكل: البرد، لأنه يبرد حرارة الجوع،
كما يسمى النوم بردا ": لأنه يبرد حرارة العطش.
فأما البردان في حديث آخر: حدثني أحمد بن محمد
الهزاني، حدثنا الرياشي، حدثنا أبو داود، حدثنا همام،
عن أبي جمرة، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه،
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى البردين دخل
الجنة) فإنه عنى طرفي النهار، وهما البردان والأبردان.
157

قال الشماخ:
إذا الأرطى توسد أبرديه * خدود إلى جوازيء بالرمل عين
ومما يصحف فيه قوله صلى الله عليه وسلم: (انه ليغان على
قلبي فأستغفر الله) يروونه
بالراء مرة وبالعين غير المعجمة
والنون، وإنما هو بالغين المنقوطة والنون، حدثنا أبو القاسم
ابن منيع حدثنا أبو نصر التمار، حدثنا حماد بن زيد عن ثابت
عن أبي بردة عن الأغر المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (إنه ليغان على قلبي، فأستغفر الله ي اليوم مرارا ").
158

وأخبرني أحمد بن محمد بن بكر، حدثنا الرياشي، قال
سأل رجل الأصمعي عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(انه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله)، فقال الأصمعي:
كان يكره من تفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكره
من تفسير القرآن: وأن العرب تقول: ان الغين والرين
السحاب الرقيق الذي دون السحاب.
وأخبرنا أبو عبد الله نفطويه، أنبأنا أحمد بن يحيى،
عن ابن الأعرابي قال: يغان على قلبي مثل يران أي يغطى، ويغام
مثله، وهو من الغيم في السحاب الرقيق، يقال غامت السماء وغانت.
وأخبرني الحسن بن علي، عن نصر، عن أبي عبيد في قوله:
يغان على قلبي، يعني: يتغشى القلب ما يلبسه.
وقال غيره: كأنه يعني السهو، وكذلك كل شيء يغشي
شيئا حتى يلبسه فقد غين عليه، يقال غينت عليه السماء غينا وأنشد:
159

كأنا بين خافيتي عقاب * أصاب حمامة في يوم غين
وقيل في معنى الحديث: انه صلى الله عليه وسلم أراد ما يغشاه
من أمور الدنيا، ما يشغل قلبه عن ذكر الله عز وجل، فيستغفر
الله تعالى من تركه التشاغل في جميع أوقاته الا بالآخرة.
ومما يقع فيه الاشكال قديما "، وقد روي على وجهين ما حدثنا
به أبو القاسم بن منيع، حدثنا داود بن عمرو الضبي، حدثنا
حفص بن غياث، عن كثير بن عبد الله بن / عمرو بن عوف،
عن أبيه عن جده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يترك
المؤمن مفرجا " حتى يضم إلى قبيلة يكون منها) حفظته عنه
160

بالجيم.. وحدثنا به الهزاني أيضا "، حدثنا الرياشي، حدثنا
ابن أبي سمينة، حدثنا حفص بن غياث، فذكر نحوه بالجيم
أيضا ". وسمعت أبا عبد الله بن عرفة يقول: يروى هذا الحديث
بالجيم والحاء، فأما الحاء فيقال رجل مفرح، وهو المثقل بالدين.
قال الشاعر:
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة " * وتضمر أخرى أفرحتك الودائع
وهكذا ذكره أبو عبيد أنه يروى مفرحا " ومفرجا ". وحكى
لنا أبو الحسن الأخفش، عن أحمد بن يحيى، قال: كان
ابن الأعرابي ينكر مفرحا " - بالحاء - ويقول: إن البيت الذي
فيه (أفرحتك الودائع) مصنوع، وأنشد لأبي سفيان بن حرب:
ولما تولى الجيش قلت ولم أكن * لأفرجه أبشر بعز ومغنم
يريد أغمم فأثقله، فقال: الآن صح.
161

وأخبرني علي بن سليمان، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي، قال:
المفرح: الذي لا مال له، والمفرج عن: الذي لا عشيرة له
وقرأت على ابن دريد، يقال: مفرج بالجيم إذا كان حميلا "
لا ولاء له إلى أحد ولا نسب، وقال الأصمعي: هو بالحاء الذي
أفرحه الدين، أي أثقله، قال: يقول أن يقضى دينه
من بيت المال ولا يترك مدينا "، وأنكر قولهم: مفرج بالجيم.
وقال أبو عمرو بن العلاء نحوه.
وحكى أبو عبيد أن الإمام محمد بن الحسن الشيباني قال
في مفرج - بالجيم -: انه القتيل يوجد بأرض فلاة، لا يكون عند
قرية، فإنه تؤدى ديته من بيت المال ولا يطل في دمه، وقال
بعضهم: الذي لا ديوان له.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم حتى يضم إلى قبيلة يكون منها، أي
يحالف قوما " أو يواليهم، وينضم إليهم ليمنعوه ويدفعوا عنه،
ولم يرد صلى الله عليه وسلم / الدعوة والانتساب وقال الشاعر:
162

اذن لرمت قيس ورائي بالحصى * وما أسلم الجاني لما جر بالأمس
وقد حكى لي [بعضهم] عن أبي عبيدة ما يؤيد هذا،
قال: المفرج أن يسلم الرجل ولا يوالي أحدا " فتكون جنايته
على بيت المال لأنه لا عاقلة له فهن مفرج.
ومما زيد فأزيل عن جهته ما حدثناه أبو يعلى محمد بن
زهير، حدثنا محمد بن موسى الحرشي، حدثنا عمر بن علي
المقدمي، عن السائب بن عمر، عن يحيى بن صيفي، أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان يقول: (من أزلت إليه نعمة فان عليه الحق
أن يكافئ، فإن لم يفعل فبالثناء، فإن لم يفعل فقد كفرها).
163

وقالت عائشة وكان رضي الله عنها: وكان صلى الله عليه وسلم
يستنشدني أبيات اليهودي، وتروى لورقة بن نوفل:
ارحم ضعيفك لا يحربك ضعفه * يوما " فتدركه العواقب قد نمى
يجزيك أو يثني عليك وان من * أثنى عليك بما فعلت فقد جزى
164

ورواه من لا علم له: من أنزلت إليه، وعنده: أن النعمة
أنزلت من السماء، فيزيد فيه نونا " ويفسد المعنى، وإنما هو من
أزلت أي: أسديت إليه واصطنعت عنده، يقال منه:
أزللت إلى فلان يدا " أزلها أزلا " لا. قال كثير:
وإني وإن صدت لمثن وصادق * عليها بما كانت إلينا أزلت
ومما يصحف فيه: ما حدثناه أبو جعفر أحمد بن يحيى بن زهير،
حدثنا عمرو بن علي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن
عمرو، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي رضي الله عنه
قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن لبس القسي)، القاف
165

مفتوحة والسين مكسورة مشددة والياء مشددة. وقال أبو عبيد
حكاه عن عاصم بن كليب قال: سألنا عن القسي، فقال: هي ثياب
يؤتى بها من مصر فيها حرير. وكان أبو عبيدة يقول نحوا من
هذا / ولم يعرفها الأصمعي، قال أبو عبيد: أصحاب الحديث
يقولون: القسي بكسر القاف، وأما أهل مصر فيقولون: القسي
فينسب إلى بلد يقال له قس، والصواب القسي، وأما القسي
بكسر القاف فجمع القوس فلا معنى له ها هنا. وأما الدرهم
166

القسي بكر بمعني الردئ فهو مخفف قد السين، مشدد
الياء.
على مثال شقي، قالوا وكأنه اعراب قاسي، يقال: قسا الدرهم يقسو
من القسوة، أي فضته صلبة رديئة ليست بلينة، وأنشد
أبو زبيد
كما
صاح القسيات في أيدي الصياريف * ومنه الحديث ما يسرني دين الذي يأتي العراف بدرهم
167

قاس).
وأخبرني الحسن بن علي أبو محمد، حدثنا محمد بن
خالد بن خداش، حدثنا سلم بن قتيبة، عن وهب بن حبيب،
عن الشعبي أنه قال لأبي الزناد: تأتينا بهذه الأحاديث قسية،
وتأخذها منه طازجة. قسية - وزنه فعيلة - أي ردية.
ومما يقع فيه الإشكال كثيرا " - وقد تنوزع فيه -:
ما حدثنا به الحسن بن علي بن خلف وأبو حذيفة قالا:
حدثنا نصر عن أبي عبيد عن محمد بن كثير عن الأوزاعي عن
حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقد سئل متى تحل لنا الميتة؟ قال: (ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا
أو تجتفئوا) بالجيم وهمز الياء أيضا ".
168

وقد روي أيضا تختفوا بالخاء معجمة ساكنة غير أي تقتلعونه
أحمد من الأرض يقال: اختفيت الشيء أي أخرجته من الأرض، ومنه
سمي النباش: المختفي، وكذلك: خفيت الشيء وأنشد:
خفاهن من أنفاقهن كأنما * خفاهن بعد ودق من عشي محلب
قال أبو عبيد: وسألت أبا عمرو فلم يعرف تختفئوا،
وسألت أبا عبيدة فلم يعرفها، ثم بلغني أنه قال: من الحفا
مهموز مقصور، وهو أصل البردي لأن الرطب، يقول: ما لم
تقتلعوا هذا فتأكلوه. وأنكر أبو سعيد المكفوف / هذا فيما
رده على أبي عبيد، وقال. هذا محال من الكلام، أين البردي في
أرض العرب، أو كل من يلجأ إلى الميتة يقدر على البردي؟!
وأنكر أيضا " تجتفئوا - بالجيم - قال: أين الاجتفاء؟ إنما
هو: كبك الإناء، وليس لهذا معنى في الحديث. وقال:
169

أبو عبيد: حدثني الهيثم بن عدي، أنه سأل أعرابيا فقال:
فلعلها تجتفئوا - بالجيم - يعني: أن يقتلع الشيء ثم يرمى فإن به،
ويقال: جفأت الرجل إذا صرعته وضربت به الأرض، قال
أبو سعيد المكفوف: والصواب عندنا تحتفوا بالحاء غير المعجمة
وخفيفة الفاء، قال: وكذلك كل شيء يستأصل أصله يقال: احتفيت
شعري، قال: والاحتفاء أخذه عن وجه الأرض بأطراف الأصابع.
قلت أنا: الرواية بالحاء غير المعجمة قليل، وهي بالخاء أكثر.
ومثل هذا الحديث مما يشكل ويتنازع فيه: قوله صلى الله
عليه وسلم في اتيان الغائط: (اتقوا الملاعن وأعدوا النبل) قال
170

الأصمعي: روي هذا بضم النون وفتح الباء، [يقال]: نبلني
أحجارا، أي أعطنيها، ونبلني عرقا "، أي أعطنيه. لم يعرف
الأصمعي منه إلا هذا. وقال ابن الأعرابي. نبلت الرجل وأنبلته
إذا ناولته النبل. قال: وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم
(كنت أنبل عمومتي) أي أناولهم عنه النبل. وقال محمد بن
الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة رحمة الله عليهما: النبل حجارة
الاستنجاء. وقال: أبو عبيد: وأصحاب الحديث يقولون:
وأعدوا النبل بفتح النون والباء ونراها سميت نبلا لصغرها
وهو من الأضداد، قلت أنا: النبل يقال للرفيع من الأشياء،
ويقال أيضا " للدون منها. وأنشدني أبو عبد الله المفجع،
أنشدنا إلا ثعلب عن ابن الأعرابي:
أفرح فيه أن أرزأ الكرام وأن * أورث ذودا شصائصا نبلا /
وقال ابن قتيبة: النبل بضم النون وفتح الباء، وإنما يقال
171

لها نبلة إذا تناولتها وأخذتها، وأنبلت فلانا " ونبلته إذا أعطيته
إياها، واستشهد بقول لبيد: كأن أم النبل.
وسمعت أبي يحكي عن أحمد بن غياث العسكري وكان
عالما " باللغة والشعر أنه قال: صحف القتيبي في هذا البيت
وإنما هو (كأرآم التبل). بتاء فوقها نقطتان، وهو اسم موضع.
172

وهكذا قرأت على أبي بكر بن دريد في شعر لبيد، وذكره
عن أبي حاتم عن ابن قردد الراوية.
ومما يقع الخطأ في إعرابه ما حدثنا به عبدان الجواليقي املاء "،
حدثنا هشام بن عمار ودحيم قالا: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا
ابن أبي غنية، حدثنا أبو إسحاق يعني السبيعي عن البراء
عن خاله أبي بردة بن نيار أنه (دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى
منزله قبل الصلاة يوم أضحى، فقال: يا جارية أطعميني من
أضحيتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (نسكنا بعد الصلاة،
فقال يا نبي الله عندي ثنية أو جذعة أفننحرها؟ فقال: نعم
ولن تجزي عن أحد بعدك) يجب أن تكون في تجزي التاء
173

مفتوحة ومن لا يعلم يرويه ولن تجزئ عن أحد بعدك
مضموم التاء، وهو خطأ، لأن معنى قوله (لن تجزي عن أحد)
أي لن تقضي عن أحد. ومثله قول الله عز وجل: (لا تجزي
نفس عن نفس شيئا ") ويقال: جزى هذا عن هذا يجزي،
174

غير مهموز أي قضى عنه، ومنه الحديث (وكان له كاتب
ومتجاز) فالمتجازي المتقاضي، وأما قولهم: تجزئ بضم التاء
وبالهمز، فهو من قولهم: أجزأني الشيء اجزاء ومعناه: كفاني،
ولا معنى لهذا في الحديث. ويقال في معنى الاجزاء: اجتزأت: به
وتجزأت به أي اكتفأت ابن به وتجزأت الإبل بالرطب
عن الماء. قال الشاعر /:
فإن الغدر في الأقوام عار * وإن ذلك الحر يجزأ بالكراع
وأخبرني إبراهيم بن حميد، حدثني الرياشي، حدثنا محمد بن
175

سلام في خبر قال: فقال الحسن: أي ذلك فعلت جزى عنك.
أي قضى، وأجزأني كفاني. قال الشاعر:
دع الخمر يشربها الغوي فإنني * رأيت أخاها مجزئا " لمكانها
ومما يقع فيه الاشكال: قوله صلى الله عليه وسلم في النهي عن
كسب الزمارة، والرمازة، وتفسيره في الحديث الزمارة الزانية
176

فأخبرني الحسن بن علي، حدثنا نصر بن داود، عن أبي عبيد
قال هو مثل قوله صلى الله عليه وسلم في النهي عن مهر البغي
أو قال أبو عبيد ولم أسمع هذا الحرف الا في هذا الحديث،
ولا أدري من أي شيء أخذ. ورواه ابن قتيبة الرمازة بالراء في
أولها والزاي في آخرها علي أنها المغنية. ثم قال: وقد قال قوم:
زمارة، واستشهد ببيت لشاعر كان محبوسا "
ولي مسمعان وزمارة * وظل مديد وحصن أمق
قال: فالزمارة في البيت الغل سماها زمارة تشبيها بالساجور،
لأنها في العنق.
وأما أبو بكر بن الأنباري فحدثنا عن أحمد بن الهيثم البزاز
177

حدثنا خالد بن يزيد المقرئ، حدثنا حماد بن زيد عن هشام
عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
(أنه نهى عن كسب الزمارة). قال أبو بكر: والذي رواه
ابن قتيبة الرمازة بالراء قبل الزاي خطأ، والاختيار عندي الزمارة
بالزاي المعجمة على ما قال أبو عبيد لحجج ثلاث:
إحداها: أن أصحاب الحديث أجمعوا عليها ولم يعرفوا الراء.
والثانية: أن الزمارة الفاجرة لأنها تحسن نفسها وكلامها،
والزمر عند العرب الحسن. قال ابن أحمر:
دنان حنانان بينهما * رجل أجش غناؤه زمر
قال ابن الأعرابي: الزمر الحسن، قال: ومن هذا قيل للفاجرة:
زمارة لأنها تزمر نفسها تحسنها. وقال الأصمعي في قوله غناؤه
زمر أي غناؤه حسن، كأنه من مزامير آل داود.
والحجة الثالثة: أنها سميت زمارة لمهانتها من وقلة ما فيها
من الخير، من قولهم زمر المروءة. وقال الخليل: الرمازة بتقديم
الراء خطأ في هذا الموضع، وإنما الرمازة في حديث آخر، ومعناه
مأخوذ من الرمز، وهي التي تومئ بعينها، ثم قال: وأي كسب
لها ههنا ينهى عنه، فلا وجه للحرف إلا على الزمارة يراد كسب
البغي، ومثله [قوله تعالى] (ولا تكروها فتياتكم على البغاء). ورد
178

ابن قتيبة هذا وقال الرمازة أيضا " الفاجرة التي تومئ بعينها قال:
ومنه [قوله تعالى]: (ثلاثة أيام إلا رمزا ") والرمازة صفة
من صفات الفاجرة واستشهد:
رمزت إلي مخافة من بعلها * من غير أن يبدو هناك كلامها
وقلت أنا وأكثر أصحاب الحديث على الزمارة بتقديم الزاي
حدثنا به عبدان إملاء ".
ومما لم يضبط، روى بعضهم في حديث (أن النبي صلى الله
عليه وسلم سحر، وجعل سحره في جب في طلعة) ورواه بعضهم
179

في جب. ولم يذكر الطلعة، وهو مما صحف ولم يضبط، وإنما
هو (جف طلعة) بعد الجيم فاء، والجف قشر الطلعة ووعاؤه
إذا جف، والجف في غير هذا: الجماعة من الناس. قال الشاعر:
في جف ثعلب واردي الأمرار
هكذا أنشدنا أبو بكر بن دريد في جف ثعلب الثاء منقوطة
بثلاث والعين غير معجمة، وقال لنا: رواه الكوفيون في جف
تغلب بالغين المعجمة وهو تصحيف، وإنما عنى ثعلبة بن عوف
ابن سعد بن ذبيان، والجف أيضا ": شيء من جلود كالإناء،
180

يؤخذ فيه ماء السماء إذا جاء المطر، وأنشد:
رب عجوز رأسها كالكفه * تحمل جفا معها هرشفه
الهرشفة: الخرقة ينشف بها الماء من الأرض، فتعصرها في الجف،
وذلك لقلة الماء، والجف أيضا " وعاء ينقر من جذوع النخل ينبذ
فيه، والجف أيضا " قربة تقطع من عند ثديها ينبذ فيها.
ومما يروى على وجهين، وأحدهما أقوى من الآخر: قوله
صلى الله عيه وسلم: (لا تسبقوني بالركوع والسجود، فمهما
سبقتكم لحقتموني، إني قد بدنت) قال أهل العلم والمعرفة
181

بالرواية: الصواب أني قد بدنت، وقولهم: إني قد بدنت - الدال
مضمومة - إنما معناه كثر لحمي، ولم يكن النبي صلى الله عليه
وسلم بهذه الصفة، ومعنى قوله (بدنت) بالفتح وتشديد الدال
أي: كبرت وأسننت، واستشهدوا عليه بقول لشاعر:
وكنت خلت الشيب والتبدينا * والهم مما يذهل القرينا
قالوا: ومما يدل على ذلك قول عائشة رضي الله عنها: إنه صلى الله
عليه وسلم كان يصلي بعض صلاته بالليل وهو جالس، وذلك
بعدما حطمته السن، ويرويه بعضهم: بعد ما حمل اللحم،
والأول أكثر، وأخبرني علي بن الحسين بن إسماعيل، حدثنا
محمد بن عبيد الله بن بسطام، حدثنا عبد الرحمن بن حماد
الشعيثي، حدثنا كهمس، عن عبد الله بن شقيق، قال:
قلت لعائشة رضي الله عنها: (أكان النبي صلى الله عليه وسلم
يصلي جالسا "، قالت: نعم، بعدما حطمته السن). قلت أنا:
182

فهذا يدل على بدنت بالتشديد، يقال بدن يبدن تبدينا إذا
أسن. وبدن يبدن بدونا " إذا حمل اللحم، والبدن: الشيخ المسن.
قال الأسود بن يعفر: أم ما بكاء البدن الأشيب
ومما يشكل، ويحتاج إلى شرح: ما حدثناه ابن منيع، حدثنا
شيبان بن فروخ - وهو الأبلي - حدثنا أبو أمية بن يعلى،
عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخنع الأسماء عند الله
عز وجل، رجل يقال له: ملك الأملاك) وهكذا قال: أخنع
183

الخاء معجمة قبل النون، وغيره يقول: أنخع فيقدم النون،
وأخبرني الحسن بن علي بن خلف، أنبأنا نصر عن أبي عبيد
أنه قال في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أنخع الأسماء
عند الله أن يسمى الرجل ملك الأملاك) قال أبو عبيد بعضهم
يرويه: إن أخنع، فمن رواه أنخع أراد: أقل الأسماء ومنه
النخع في الذبيحة، أن يجوز بالذبح إلى النخاع، ومن روى
أخنع الأسماء أراد أشد الأسماء ذلا، والخانع: الذليل.
وأما الحديث (فهم أبخع طاعة ") فليس من هذا، وهو بباء بعد
الألف، تحتها نقطة، ولا يجوز بالنون حدثنا أبو بكر بن أحمد بن
سعدويه، حدثنا نصر بن علي، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ،
عن حياة بن شريح، عن بكر بن عمرو، أن مشرح بن هاعان
أخبره أنه سمع عقبة بن عامر [قال]: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (أتاكم أهل اليمن: هم ألين قلوبا "، وأرق أفئدة، وأبخع
184

طاعة). قال نصر: فقلت للأصمعي: ما أبخع طاعة "؟ قال:
أنصح طاعة، فقلت له: فإن أبا أحمد حدثنا عن إسرائيل،
عن أبي يحيى، عن مجاهد (لعلك باخع نفسك) أي قاتل
نفسك، فقال الأصمعي: هذا قلت لك! بلغ بهم النصح أن
قتلوا أنفسهم، وفي كلام لعمر رضي الله عنه: فأصبحت بجنبتي
الناس، ومن لم يكن يبخع لنا بطاعة. قال أبو زيد: بخع
الرجل بالطاعة إذا أقبل [بها] وانقاد.
ومما يروى على وجهين قوله صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ
بك من الحور بعد الكور) يروى براء غير معجمة، والكون
بالنون، فحدثني أبو يعلى: محمد بن زهير بن الفضل،
حدثنا أحمد بن عبدة، حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن عاصم
185

الأحول، عن عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان إذا سافر أو خرج في وجه قال: (أعوذ بك من وعثاء السفر،
وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، وسوء المنظر في الأهل والمال)
186

هكذا رواه بالراء، وأما من رواه بالنون، فحدثنا الحسن بن علي
ابن خلف، حدثنا نصر بن داود، حدثنا أبو عبيد، حدثنا
عباد بن عباد، قال: سئل عاصم بن بهدلة عن هذا، قال: ألم
تسمع قوله: حار بعدما كان، يقول: إنه كان على حالة جميلة،
فحار عن ذلك أي رجع، قلت أنا: يقال حار إذا رجع.
وحار إذا تحير، وحار: إذا نقص.
وذكر الهيثم بن عدي: أن الحجاج بن يوسف، بعث رجلا " على
جيش أمره عليه إلى الخوارج، ثم بعثه بعد ذلك تحت لواء غيره،
فقال له الرجل: هو الحور بعد الكور؟ فقال له الحجاج: ما الحور بعد
الكور؟ قال: النقصان بعد الزيادة. فمن قال هذا أخذه من
كور العمامة يعني [أنه لأن قد تغيرت حال الرجل وانتقصت كما
ينقص كور العمامة] بعد الشد، وكل هذا قريب بعضه
من بعض في المعنى.
ومما يشكل من حديث رواه النواس بن سمعان في قصة
187

يأجوج ومأجوج، قوله صلى الله عليه وسلم: (فتصبح الأرض
كالزلفة البيضاء). الرواية بالفاء. وقد رواه بعضهم بالقاف،
والفاء أقرب، وأصوب، والزلفة بالفاء مصنعة الماء، قال لبيد:
حتى تحيرت الدبار كأنها * زلف حتى وألقي قتبها المحزوم
أراد صلى الله عليه وسلم: فيكثر المطر حتى تصير الأرض كأنها
مصنعة من مصانع الماء، وذكر بعضهم أن الزلفة: هي المحارة، وهي: الصدفة، وهو بعيد من معنى الحديث.
ومما يصحف أيضا ": قوله صلى الله عليه وسلم: (لشبر من
188

الجنة، خير من الدنيا وما فيها) يروونه (ليسير من الجنة،
خير من الدنيا وما فيها).
حدثنا بدر بن الهيثم القاضي، حدثنا عبد الله بن سعيد
الكندي، حدثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن عطية، عن
أبي سعيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لشبر من الجنة، خير من الدنيا وما فيها) لشبر،
أراد: لمقدار الشبر من الجنة، اللام، لام تأكيد، والشين
معجمة مكسورة، وهو مثل قوله: (لقاب قوس أحدكم من
الجنة) و (لموضع سوط أحدكم في الجنة).
ومما يصحف: قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله اليهود
189

حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها) جملوها: الجيم
مفتوحة، والميم غير مشددة معناه: أذابوها، وهذا هو الصحيح،
ومن رواه: حملوها أو حملوه. فهو خطأ، وتصحيف، وأما
من رواه جملوها، بالجيم وتشديد الميم، فليس بخطاء، ويحتمل
أن يكون على التكثير من جملوها - مخففة " - فتكون مثل:
قتلت، قتلت، وجميعا " بمعنى أذابوها، وهذا قريب، وأما
من رواه: جملوها، بالجيم وتشديد الميم، من تجميل الشيء
وتحسينه، فلا معنى له ها هنا، والصحيح جملوها، ويقال:
جملت الشحم إذا أذبته، وحكى أبو عبيد عن الكوفيين فيه
ثلاث لغات، قال: يقال جملت الشحم، واجتملته، وأجملته،
والجميل: الشحم المذاب، قال الشاعر:
وإنا وجدنا النيب لو تنحرنها * يعيش بنينا شحمها وجميلها
وقالت امرأة لابنتها: تعففي وتجملي أي: كلي الجميل يعني:
190

الشحم المذاب، وتعففي: اشربي العفافة، وهو ما بقي في الضرع من اللبن.
وأخبرنا أحمد بن محمد بن الفضل التستري حدثنا أحمد بن
يحيى، عن ابن الأعرابي، قال: دعت امرأة [عربية] على
رجل فقالت له: جملك الله، أي: أذابك الله كما يجمل الشحم.
ومما يصحف فيه كثيرا ": ما حدثنا به أبو الليث نصر بن
القاسم الفرائضي، حدثنا سريج بن يونس، حدثنا فضالة
ابن حسين، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما،
قال: لقد أتى علينا زمان، وما يرى أحدنا أنه أحق بالدينار
والدرهم من أخيه المسلم، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: (إذا تبايع الناس بالعينة) ومن لا يعلم يصحفه
191

فيقول: إذا تتابع الناس بالغيبة، فيصحف في موضعين،
ويحيل المعنى إلى معنى آخر، والصحيح: تبايع تحت الياء التي
تلي إن العين نقطتان من المبايعة، والعينة: العين غير معجمة
مكسورة، يريد السلف، ولا معنى للغيبة والتتابع ههنا.
وقريب من هذا: ما يصحف في حديث آخر روته أسماء بنت
يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يحملكم على أن
تتايعوا في الكذب كما تتايع الفراش في النار). قوله:
تتايعوا، أول الكلمة تاءان منقوطة فوقهما، والثانية مشددة،
ويجوز تخفيفها، وبعد الألف ياء تحتها نقطتان، ومن
192

لا يضبط يرويه: تتابعوا، فيجعل بعد الألف باء تحتها
نقطة. وفي حديث آخر أنه قال صلى الله عليه وسلم: (إني ممسك
بحجزكم عن النار، وتغالبوني، فتتايعون تتايع الفراش في
النار) وهذا - أيضا " - مثل الأول: بعد الألف ياء تحتها
نقطتان، وليس يضبط أمثال هذا الا المتحفظ المتحرز، والتتايع:
التهافت في الشيء، والمسارعة فيه، قال الشاعر:
وجاءت تتايع فرسانها * كما أتعب السابقون الحسيرا
وقال آخر: كما تتايع الريح بالقفل
وقال أبو عبيد: يقال في التتايع: إنه في اللجاج، وهو
يرجع إلى هذا المعنى ولم نسمعه في الخير، وإنما سمعناه في الشر.
أخبرنا نفطويه، أنبأنا أحمد بن يحيى، عن محمد
ابن سلام قال: قال أبو عمرو: التتابع بالباء في الخير،
والتتايع بالياء في الشر.
ومما يشكل ويصحف في موضعين من هذا الحديث: قوله
193

صلى الله عليه وسلم ضموا فواشيكم إذا
غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء يصحفون فواشيكم بمواشيكم أي وفحمة بقحمة
وإنما الرواية ثنا عند أهل الثبت والضبط ضموا فواشيكم به بالفاء
والواحدة فاشية وهي ما ينتشر ويفشو من الإبل والغنم وغيرها ومن لا يضبط يقول
ضموا مواشيكم على أنها جمع ماشية وأكثر العرب ليسوا أصحاب مواشي أخبرنا ابن
منيع حدثنا علي بن الجعد الجوهري حدثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت
الشمس حتى تذهب فحمة العشاء حدثناه بالفاء في موضعين وحدثنا علي بن إسماعيل
حدثنا أبو موسى حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال كفوا أهليكم وفواشيكم هذا إذا
194

غابت
الشمس حتى تذهب فحمة العشاء وأما قوله فحمة العشاء فمنهم من يرويه بضم الفاء
ومنهم من يرويه بفتحها والروايتان صحيحتان يقال فحمة وفحمة العشاء يعنى به سواد
الليل وظلمته وإنما يكون ذلك في أول الليل وأما من رواه قحمة بالقاف ثم فهو
خطأ وتصحيف وحكى لي الحسن بن علي بن خلف قال سمعت أحمد ابن غياث العسكري
وكان عالما " باللغة والشعر يقول إن عيسى بن عمر صحف فيه فقال قحمة بالقاف
وخالفه غيره في هذه الحكاية فأخبرني أبي عن عسل بن ذكوان عن الرياشي عن أبي معمر
عن عبد الوارث قال كنت أنا وعيسى بن عمر بباب بكر بن حبيب السهمي فقال
عيسى فحمة وقلت أنا فحمة جميعا بالفاء وإنما اختلفنا في الضم والفتح فسألنا بكر
بن حبيب السهمي فقال الفحمة
195

فورة العشاء، وهذا أشبه بالصحيح، لأن عيسى بن عمر،
أحد المتقدمين في علم النحو واللغة.
وأخبرني نفطويه، أنبأنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي،
قال: فحمة العشاء، من لدن المغرب إلى العشاء، قال ابن الأعرابي:
وقال الفزاري: من لدن العشاء إلى نصف الليل، وقد أفحم
القوم إذا أناخوا [في] فحمة الليل، وقال الغنوي:
إنما الفحمة في القيظ أول الليل، وليست لليل الشتاء فحمة،
لأنه لا حر فيه فتحبسهم، وإنما يفحمون إذا أقاموا فحمة العشاء
ليسكن عنهم الحر، ويبرد الليل ثم يسيرون ليلتهم.
ومما يصحف فيه ما رواه جابر بن عبد الله قال: (كنت
منيح أصحابي يوم بدر)، وسمعت بعض أصحاب الحديث
196

يصحف فيه، فقال: منيخ بالخاء المعجمة وضم الميم، وذهب
إلى الإناخة. والصواب: منيح الميم مفتوحة، والنون مكسورة،
والحاء غير معجمة.
حدثني به أبو عبد الله بن عرفة. حدثنا العباس بن محمد،
حدثنا محاضر بن المورع، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن
جابر، قال: كنت منيح أصحابي يوم بدر، أي لم يكن لي
سهم في الغنيمة ابن والمنيح السهم الذي لا نصيب له، وزعم
بعضهم أن المنيح: الثامن من القداح ولا نصيب له.
197

قال جرير
عطف المعلى صك بالمنيح له
وقال آخر
وخر المنيح وسطها يتقلقل
ومما يشكل ما رووا أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ذلك على أنه
من التبييت
198

من قولهم: بيتوا الرأي، هكذا ترويه الناقلة: يبيت، وينكر أهل
اللغة ذلك، ويقولون: إنما هو: (لا صيام لمن لم يبت الصيام من
الليل) قالوا: هو من البت أي القطع. فكأنه أراد: لمن لم يقطع
الصوم على نفسه قبل دخوله فيه بالنية، وأجاز الفراء بت، وأبت.
قال هما لغتان، وغيره يختار في المتعدي أبت فعلى هذا يجب أن
يكون يبت مضموم الياء، وعلى مذهب الفراء يجوز بفتح الياء.
ومما يروى على وجهين قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد
الله بعبد خيرا " عسله) بالعين غير المعجمة، ويروى: غسله
بالغين المعجمة، فحدثني إسماعيل بن يعقوب الصفار، حدثنا
عبدة بن عبد الله، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا معاوية بن
صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه عن
200

عمرو بن الحمق، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إذا أراد الله بعبد خيرا " عسله. قيل يا نبي الله، وما عسله؟
قال: يفتح له عملا " صالحا " بين يدي موته) قرأته عليه بالعين
غير المعجمة، فمن رواه هكذا، قال: عسله مخفف مأخوذ
من العسل، شبه العمل الذي يفتح للعبد، حتى يرضى عنه،
ويطيب ذكره بالعسل، يقال: عسلت الطعام: جعلت فيه
عسلا "، وقندته: جعلت فيه قندا " ومن روى غسله بالغين
المعجمة، قال: أراد: يوفقه لعمل يغسل به ما قبله.
ومما يروى على وجهين أيضا وهما صحيحان: قوله صلى الله
عليه وسلم (الثلث والثلث كبير) و (كثير) وقد سمعته من
جماعة بالباء تحتها نقطة، ومن جماعة بالثاء منقوطة بثلاث،
فأما من حفظت عنه بالباء تحتها نقطة فأخبرني أبو يعلى يعقوب
ابن إسحاق الذهبي، حدثنا محمد بن بزيع، حدثنا عبد الحكم
ابن منصور حدثنا عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد
عن أبيه رضي الله عنه قال: مرضت، فأتاني النبي صلى الله
عليه وسلم يعودني فقلت: أوصي بمالي كله؟ قال: لا، قلت:
فالنصف؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: (الثلث، والثلث كبير).
وحدثنا يوسف بن يعقوب الإمام بواسط حدثنا محمد
ابن خالد بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا الزهري
201

عن عامر بن سعد عن أبيه قال فقلت يا نبي الله أتصدق بشطر مالي قال لا فقلت
بثلث مالي قال الثلث والثلث كبير روياه جميعا بباء تحتها نقطة ومما يروى
على وجهين أيضا قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم بفتح
الياء وبضمها
202

وهما صحيحان يقال غل فؤاده يغل غلا إذا كان ذا غش
ويقال أغل يغل أغلالا إذا غدر وأنشد
حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن * بالغدر خائنة مغل الإصبع
والمغل الخائن فمن رواه يغل جعله من [الغل] عليه
وهو الضغن والشحناء ومن قال يغل جعله من الخيانة من الأغلال وأما الغلول فإنه من
المغنم خاصة يقال غل أبي غلولا وليس من هذا ويقال ليس على المؤتمن غير
المغل ضمان فالمغل الخائن
203

ومما يروى على وجهين أيضا " قوله صلى الله عليه وسلم:
(لم يرح رائحة الجنة) و (لم يرح) بالفتح والضم،
جميعا " صحيح، وقال أبو عمرو، يقال: (رحت الشيء فأنا
أريحه إذا وجدت ريحه) وقال الكسائي، هو: من راح
الرجل ريح الروضة وأراحها، إذا وجد ريحها، وقال الأصمعي:
لا أدري هو من رحت أو أرحت؟ وقال أبو عبيد: وأنا أحسبه
204

من غير هذه الثلاثة، انه لم يرح بفتح الراء، وأنشد لأبي كبير:
كمشي السبنتي يراح الشفيفا
قال: فهذا بين أنه من رحت أراح، قال: وحدثني
ابن علية: لم يرح، وغيره لم يرح.
ومما يجوز فيه الوجهان - وقد رويا جميعا " ما حدثنا به
أبو بكر بن دريد، حدثنا الرياشي، حدثنا الأصمعي، حدثنا
عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن
القاسم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قبض النبي
صلى الله عليه وسلم، وارتدت العرب واشرأب من النفاق، ونزل
205

بأبي ما لو نزل
بالراسيات لهاضها في فما اختلفوا في نقطة الا طار أبي بحظها وسنائها بن
ثم ذكرت عمر رضي الله عنه فقالت كان أحوزيا نسيج وحده قد أعد للأمور أقرانها
أحوزيا بالزاي وأحوذيا هذه بالذال فأما بالزاي فهو السابق الحسن السباق والأحوذي
بالذال المشمر في الأمور القاهر لها ويقال معناهما سنة الخفيف وأنشدنا
ابن دريد
يحوذهن وله حوزي * كما يحوذ الفئة الكمي
يروى البيت بالذال والزاي جميعا ومما يشكل ويصحف قوله صلى الله عليه وسلم لا
تحرم المصة ولا المصتان والمزة والمزتان والعيفة وكان والعيفتان روى
206

وكله مشكل فأول ما يغلط فيه قوله لا تحرم ويجب أن تكون الراء مشددة مكسورة
ويرويه من لا يعلم لا تحرم فيفتح ولم التاء ويسكن الحاء ويضم الراء وقوله
المزة والمزتان بالزاي المعجمة وكثيرا ما يصحفونه بالمرة بالراء غير المعجمة
فذكر عبدان القاضي الجواليقي ولم أسمعه منه وسمعت من يذكر عنه حدثنا هشام بن
عمار حدثنا سعيد بن يحيى اللخمي
207

حدثنا إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحرم العيفة والعيفتان.
قلنا: وما العيفة؟ قال: المرأة تلد فتحضن اللبن في ثديها،
فترضع جارتها المرة والمرتان) رواه بالراء غير المعجمة، وهو
غلط، والصحيح المزة والمزتان بالزاي المعجمة، والمزة المصة،
أخذ من قولهم: تمززت عند الشيء إذا مصصته قليلا " قليلا ".
قال الأعشى يصف شرابا ":
لأنه
تمززتها غير مستأثر * على الشرب، أو منكر ما علم
حدثني الحسن بن علي بن خلف، عن نصر، عن أبي عبيد،
عن سفيان عن ابن طاوس، عن أبيه قال: المزة الواحدة
تحرم يعني: المصة لو بالزاي المعجمة. وأما قوله: العيفة،
فإنه بالفاء، وقد أنكر أبو عبيد روايتهم: العيفة، وقال:
ليس تعرف العيفة في الرضاع، وأراه: العفة وهو: بقية اللبن
في الضرع، وهي: العفافة. وأنشد:
208

فما تعجوه يكون إلا عفافة مع أو فواق
ومما يشكل ويحتاج إلى ضبط
ما حدثنا به يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا محمد
ابن إبراهيم أبو أمية، حدثنا محمد بن الحسن، عن
المعلى بن زياد القردوسي، حدثنا الحسن بن أبي جعفر،
عن ليث، عن زبيد عن مرة، عن عبد الله رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ان الروح الأمين نفث
في روعي: أنه لا تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فأجملوا في
الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق، أن يتناول
ما حرم الله عز وجل، فإنه لن ينال ما عند الله تعالى
الا بطاعته). يشكل في موضعين /: قد في نفث، وفي روعي،
وأما قوله: نفث، فهو بالنون وقد رواه قوم: تفث، بالتاء فوقها
209

نقطتان وهو خطأ، والنفث بالفم شبيه بالنفخ، فأما التفل والنفث
فلا يكون إلا ومعه شيء من الريق. ومنه قولهم: تفل كل في فيه.
وأما تفث أول الكلمة تاء فوقها نقطتان، فحدثني فضل
ابن الخصيب، حدثنا أحمد بن الفرات، حدثنا عبد الرازق،
عن معمر، وحدثنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا بحر بن
نصر حدثنا ابن وهب، حدثنا يونس، جميعا " عن الزهري،
عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان إذا اشتكى، تفث على نفسه بالمعوذات،
فلما اشتكى، جعلت أتفث عليه) جميعا " بالتاء فوقها نقطتان.
وأما قوله: في روعي يجب أن تكون الراء مضمومة ولا يجوز ههنا:
في روعي بفتح الراء. ومعنى روعي أي: في خلدي ونفسي ونحو
ذلك، وهذا بالضم، وأما الروع بالفتح، فالفزع وليس من هذا.
ومما يجب أن يكون من هذا الذي بالفتح، ما حدثناه
عبد الرحمن بن داود بن منصور الفارسي، حدثنا علي بن الحسن
ابن معروف، حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب بن أبي حمزة،
210

عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (والذي نفسي بيده إن على الأرض مؤمن الا وأنا أولى
الناس به، و لا روع عليه وأنا مولاه) هذا بالفتح، أي لا خوف عليه.
ومن هذا أيضا " قوله: أفرخ روعك - بالفتح - ما حدثنا
به أبو حاتم الحضرمي، حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا
سفيان، عن داود الأودي، عن الشعبي، عن عروة بن مضرس،
قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين برق الفجر، فقال
لي: أفرخ روعك وانكشف) كأنه خرج الفرخ من ضيق البيضة
وانكشف عنه الغطاء.
ومما يشكل وربما صحف: ما حدثنا به ابن منيع،
حدثنا علي بن الجعد، أنبأنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت،
قال سمعت أبا العباس المكي يقول: سمعت عبد الله
ابن عمرو رضي الله عنه يقول /: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (يا عبد الله، انك لتصوم الدهر، وتقوم الليل،
انك إذا فعلت ذلك، هجمت له العين ونفهت له النفس.
لا صام من صام الأبد) قوله: نفهت النون مفتوحة، والفاء
مكسورة
211

مكسورة، ومن رواه بغير النون فقد أخطأ، وقوله: نفهت
أي ضعفت، منه وأنشدنا: أبو عبد الله بن عرفة، أنشدنا
محمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي على قوله نفهت أي ضعفت:
وأسقي فتية ومنفهات * أضر بجسمها سفر رجيع
وأنشدني غيره:
به تمطت غول كل ميله * بنا حراجيج المهارى النفه
واحدتها: نافه ونافهة ويقال: منفه، ونافه.
ومما يحتاج إلى تقييد وضبط، قوله صلى الله عليه وسلم:
(بعثت في نسم الساعة) النون مفتوحة، والسين مفتوحة غير
معجمة، رأيته في معجم بعض المحدثين بأصبهان (في نشر
212

الساعة) الشين معجمة، وبعدها راء غير معجمة فظننته غلطا
عليه، حتى سمعته يرويه كذاك، وبعضهم يرويه في قسم الساعة،
بالقاف والكسر، والسين غير معجمة، وهو خطأ، والصواب
ما حدثنا به ابن منيع، حدثنا محمد بن عباد المكي، حدثنا
سفيان عن إسماعيل عن قيس عن أبي جبيرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (بعثت في نسم الساعة) فقوله صلى
الله عليه وسلم: (في نسم الساعة) أي حين ابتدأت، وأقبلت
أوائلها، من: نسم الريح، وهو أولها حين تقبل بلين قبل
أن تشتد، وعلى هذا قال أكثر العلماء: إنه في أول وقتها،
والنسم: لين حركة الريح، والنسيم قريب منه، إلا أن
أبا عبد الله الأعرابي قال: فإنه في معنى قوله: في نسم الساعة،
واحد النسم نسمة، وذهب إلى أن النسمة النفس، كأنه قال
في نفس الساعة، وأنا أختار القول الأول.
ومما يشكل ما حدثنا به عبدان، حدثنا فطر بن حماد،
حدثنا واقد، حدثنا فهد بن ميمون، حدثنا غيلان بن
213

جرير، عن مطرف بن عبد الله، عن أبيه قال: جاء وفد بني عامر
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنت سيدنا / وابن سيدنا،
فقال صلى الله عليه وسلم: (قولوا قولكم ولا يستجرينكم الشيطان)
قوله: يستجرينكم بالجيم والياء غير مهموز، وفسروه من الجري،
والجري: الوكيل، يقال: جريت جريا، غير مهموز، فأراد
صلى الله عليه وسلم: تكلموا بما يحضركم من القول ولا تتنطعوا
فكأنكم تنطقون عن الشيطان
ومنه أيضا " حديث يروى عن سمرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (اللهم أنزل على أرضنا سكنها وزينتها). يرويه
214

أصحاب الحديث: سكنها بفتحتين، وقال بعض أهل
اللغة: إنما هو: (أنزل على أرضنا سكنها) السين مضمومة،
والكاف ساكنة، قال: وهو مأخوذ من قولهم: سكنت المكان
سكونا "، قال: وإنما قيل للمطر: سكن، لأن الأرض تسكن
به، وهو مثل قولهم: نزل العسكر، لأن النزول يكون به إذا
أقيم لأهل العسكر.
ومما وقع فيه الخلاف: قوله صلى الله عليه وسلم للحسن بن
علي رضي الله عنهما: (حبقه حبقه) بالحاء غير المعجمة والباء.
215

ورواه ابن قتيبة حزقه حزقه كما بالزاي وقال: هو الذي
يقارب المشي لضعفه. ورواه أبو العباس ثعلب، خبقه هو خبقه بالخاء المعجمة والباء
مكسورة، يقال: فرس خبق: سريع، ويروى حبقة.
ورواه أبو عبيد: حبقه بالحاء غير المعجمة وبالباء، وحبق:
بفتح الباء وكسرها، مشدد القاف في الجميع،
ومما يشكل وفيه خلاف: ما حدثنا به محمد بن الحسين
216

ابن سعيد، أنبأنا ابن أبي خيثمة، أنبأنا مصعب بن عبد الله
الزبيري قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة،
زوجها إياه النجاشي، فقيل لأبي سفيان وهو يومئذ مشرك
يحارب النبي صلى الله عليه وسلم: إن محمدا " قد نكح ابنتك،
فقال: ذلك الفحل لا يقرع أنفه، فدخل أبو سفيان على
217

ابنته بعد، فسمع يمازح النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول:
ما هو إلا أن تركتك فتركتك العرب! ورسول الله صلى الله
عليه وسلم يضحك ويقول: (أنت تقول ذاك يا أبا حنظلة)
هكذا رواه لنا بالراء غير المعجمة، وكذا يرويه أصحاب الحديث
ويرويه غيرهم من نقلة الأخبار واللغة: (أن ورقة بن نوفل قيل
له: إن محمدا " صلى الله عليه وسلم يخطب خديجة. فقال: ذاك
القرم لا يقدع أنفه) بدال تحتها نقطة، وإلى هذا يذهب أهل
اللغة. والأصل في القدع: أن يعترض الفحل الناقة، أو يقرع
عليها فيرغب عن فحلته، فيضرب أنفه بالرمح ويستشهد عليه
بقول الشماخ:
إذا ما استافهن ضربن منه * مكان الرمح من أنف القدوع
ومما يصحف: ما حدثنا به محمد بن الحسين، حدثنا أحمد
ابن زهير، حدثنا محمد بن الصلت الأسدي، حدثنا عثمان بن
218

زيد الهمداني عن جده، عن فاطمة بنت قيس، عن تميم الداري
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المدينة طيبة، وما من ثعب من
ثعابها إلا عليه ملك شاهر بسيفه لا يدخلها الدجال) هكذا قال:
(ثعب) الثاء إذا منقوطة بثلاث والعين غير معجمة وهو تصحيف،
ويرويه أهل الضبط والتقييد: (وما من نقب من نقابها) بالنون
وبعدها قاف، والنقب: مداخل الناس إلى المدينة قال الشاعر:
219

يتطالعن من ثغور النقاب
ومما يصحف كثيرا " قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد
إلا وفي رأسه عرق عن الجذام ينعر) الياء مفتوحة والنون
ساكنة والعين مكسورة غير معجمة، حدثنا أبو بكر بن الأنباري
حدثنا محمد بن يونس القرشي، حدثنا بشر بن حجر الشامي،
حدثنا فضيل بن عياض، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن
عباس عن عائشة رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: (ما من أحد إلا وفي رأسه عرق من الجذام ينعر،
فإذا هاج. سلط الله عليه الزكام، فلا تداووا منه) ينعر يسيل.
ويقال: جرح نعار، وقد نعر ينعر نعرا ".
وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(وأعوذ بك من شر كل عرق نعار) أي: يسيل فلا يسكن،
220

وأخبرنا ابن الأنباري، عن أحمد بن يحيى قال: يقال نعر
ينعر نعيرا " ونعرانا "، رسول إذا سال وأنشد:
غدا والعواصي من دم الجوف تنعر
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (لا يجيء
أحدكم يحمل شاة تيعر) بالياء ساكنة والعين غير معجمة،
وقد روي أن أبا موسى محمد بن المثنى صحف فيه فرواه: تنعر
بالنون، والصواب بالياء، فحدثنا أبو بكر النيسابوري،
حدثنا أحمد بن الأزهري، حدثنا الحارث بن منصور حدثنا
سفيان الثوري عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي حميد
الساعدي في قصة ابن اللتبية فخطب النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: (فلا أعرفن ما جاء رجل يحمل بعيرا " له رغاء، أو بقرة "
لها خوار أو، أو شاة تيعر)، يقال: يعرت الشاة تيعر يعارا "،
وفي حديث آخر:
221

(يحمل شاة " لها يعار) وقال بشر بن أبي خازم:
وأما أشجع الخنثى فولوا * تيوسا " بالشطي لها يعار
وأما الحديث الأخر: (مثل المنافق، مثل الشاة العائرة، تعير
إلى هذه مرة وإلى هذه مرة)، فحدثنا ابن منيع، حدثنا جدي،
حدثنا إسحاق الأزرق، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن
222

عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه
مرة وإلى هذه مرة)، قوله: تعير - التاء مفتوحة والعين مكسورة
غير معجمة - أي: تتردد حيث لا تدري.
ومنه: سهم عائر أي جاء من حيث لا يدرى.
ومما قلبوه قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا بنو إسرائيل لم يخنز
الطعام). وروي (لم يخزن) فرووه (لم يخبث) حدثنا أبو بكر
ابن أبي داود حدثنا أحمد بن حفص النيسابوري حدثنا أبي، حدثنا
إبراهيم بن طهمان، عن موسى بن عقبة، عن صفوان بن سليم عن عطاء
223

ابن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام) قال ابن أبي داود:
هكذا قال! وإنما هو (لم يخنز) خنز اللحم إذا أنتن، ووجدت
هذا الحديث قد رواه عبدان عن أبي داود عن أحمد بن حفص
بإسناده وقال فيه: (لولا بنو إسرائيل لم يخنث) بنون وثاء،
(ولم يخزن الطعام) بزاي وخاء. قلت أنا: يقال: خزن اللحم
مفتوح الزاي يخزن مضموم الزاي وخنز يخنز وخنز يخنز.
وأخبرنا ابن الأنباري، حدثنا إبراهيم الحربي، أنبأنا
عمرو بن أبي عمرو السيباني عن أبيه، يقال: صل اللحم،
وأصل، وخم وأخم، وخنز يخنز. وفي حديث آخر أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل ما رد عليك قوسك
ما لم يصل) ويرويه بعضهم: ما لم يمصل، بزيادة ميم وبضم
الصاد، وأما قوله: (ما لم يصل) ما لم ينتن. وحكي أن الحسن
قرأ: (أئذا صللنا في الأرض)، الصاد غير معجمة، واللام
224

الأولى مفتوحة، وقراءة العامة بالضاد المعجمة.
ومما تصحف الصاد فيه بالضاد قوله صلى الله عليه وسلم:
(هاتي
الذهب الذي في خضم الفراش) والصواب: خصم الفراش
بالصاد غير معجمة ومن رواه بضاد معجمة فقد صحف، وخصم الفراش
جانبه، وجمعه خصوم وأخصام، وفي كلام لسهل بن حنيف: أن هذا
أمر ما يسد [منه] عليه خصم، إلا انفتح خصم آخر. قال الأخطل:
إذا طلعت فيها الجنوب تحاملت * بأعجازها حتى تداعى خصومها
أي: جوانبها، والخصم في غير هذا: الزاوية.
225

ومما يخالف فيه أهل اللغة أهل الحديث ما حدثنا به يحيى
ابن صاعد، حدثنا محمد بن الجارود القطان، حدثنا عيسى
ابن جعفر قاضي الري، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن منصور
والمغيرة، عن إبراهيم، عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة
(أن امرأة ضربت ضرتها بعمود فسطاط، فأنزفتها، فقضى
رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاقلتها بالدية، وكانت حاملا "،
وقضى في الجنين بغرة. فقال بعض عصبتها: أندي من لأطعم
ولا شرب، ولا صاح فاستهل، فمثل ذلك لا يطل، فقال
226

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسجع كسجع الأعراب؟)
الخلاف في قوله: فمثل ذلك يطل، فأصحاب المعرفة بالحديث
يروونه: فمثل ذلك بطل، الباء مفتوحة تحتها نقطة لا يكادون
يشكون فيه، وأهل اللغة يزعمون أنه صحف فيه وإنما هو:
يطل، الياء مضمومة تحتها نقطتان والطاء مفتوحة واللام مشددة
من قولهم: طل دمه إذا أهدر. قالوا: ومنه الحديث الآخر:
(إن رجلا " عض يد رجل فانتزعها فسقطت ثنيته فخاصمه إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فطلها ويروى فأطلها أي أهدرها).
وسمعت ابن دريد وغيره ينصر هذا ويثبته ولا أعلم الرواية
جاءت إلا بالباء.
ومما فيه اختلاف أيضا " بين أهل الرواية وأهل اللغة قوله
صلى الله عليه وسلم: (من أصاب مالا " من نهاوش أذهبه الله
في نهابر) أما أهل الرواية فإنهم يقولون نهاوش بالنون، وفيهم
227

من يقول: مهاوش، وهم قليل. وكان العتبي يقول: إن من
المحدثين من يرويه من تهاوش قال فوق التاء نقطتان والواو مضمومة
ثم قال: وأكثرهم يرويه من مهاوش بالميم وهو الاختلاط.
وقد وهم في هذا القول لأن الأكثر رووه بالنون نهاوش. وأخبرني
نفطويه عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال في الحديث: (من
اكتسب مالا " من نهاوش) بالنون وقال: النهاوش الحرام،
والنهاوش بمنزلة الكلب الذي يختلس من الناس، والنهابر أن
ينفقه في مذاهب سوء. الواحدة نهبرة ونهبورة كالنهابر من
الأرض.
وكان ابن دريد يقول: إن قولهم نهاوش بالنون تصحيف
قال: وإنما هو: من تهاوش التاء منقوطة باثنتين والواو مضموم
قال والهوش القوم مجتمعون في حرب أو صخب وهم متهاوشون
أي مختلطون، ولذلك سمي ما ينتهب في الغارة هواشا ".
وحدثني ابن خلف عن نصر عن أبي عبيد أنه قال: ومنه حديث
ابن علاثة إن كان محفوظا ": من (أصاب مالا " من مهاوش
229

- بالميم - أذهبه الله في نهابر). قال: والمهاوش كل ما أصيب من
غير حله. قال: وهو شبيه بقول ابن مسعود رضي الله عنه: إياكم
وهوشات الأسواق. وقال الهوشة الفتنة والهيج والاختلاط.
وأما النهابر فالمهالك واحدها نهبور. وقال ابن الأعرابي: نهبر
ونهبورة. والنهبور أيضا ": القطعة العظيمة من الرمل، وجمعها
نهابر، ولا أعلم أحدا " روى النهابر بغير النون. ومما يحتاج إلى
ضبط، وقد يصحف كثيرا ": قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن كل بائلة تفيخ) بالخاء المعجمة والتاء المضمومة. وقال أبو عبيد:
230

يقال: أفاخ الرجل يفيخ إفاخة "، وهو الحدث من خروج الريح
خاصة، فإذا جعلت الفعل للصوت قلت: قد فاخ يفوخ. وقال
ابن الأعرابي: الرواية تفيخ بضم التاء، والإفاخة الريح تخرج
من الدبر. وأنشد:
231

أفاخوا من رماح الخط لما * رأونا قد شرعناها نهالا "
أي: عطاشا ".
ومما يصحف ويشكل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدبح
أحدكم في الصلاة كما يدبح الحمار) تحت الدال نقطة والباء
مشددة والحاء غير معجمة، والتدبيح: هو أن يطأطئ الرجل
رأسه في الركوع حتى تكون أخفض من ظهره. والتدبيح أيضا ":
تنكيس الرأس في المشي. قال الشاعر:
كمثل ظباء دبحت في مفازة * وألجأها فيها قطار وصاحب
وفي شعر رؤبة التدبيح التنكيس أيضا ".
وأما الحديث الآخر: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم ورضي عنهم يتبادحون بالبطيخ، فإذا جاء الجد كانوا هم
الرجال). فالبدح: ضربك الشيء بشيء فيه رخاوة، يعني
أنهم كانوا يترامون به.
ومما يشكل في ألفاظ الصلاة أيضا " قولهم: (كان النبي
صلى الله عليه وسلم إذا سجد جخ) بعد الجيم خاء مشددة
232

معجمة، هكذا يرويه أصحاب الحديث، والصحيح جخى
بالياء، وقد رواه بعضهم (جحى بمرفقيه عن جنبيه)
حدثنا أبو بكر بن الأنباري حدثنا محمد بن يونس القرشي
حدثنا حبان بن هلال، حدثنا سعيد بن زيد، عن يحيى بن
أبي أنيسة، عن إياد بن لقيط، عن البراء رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان إذا سجد جخى بمرفقيه عن
جنبيه). قال أبو بكر، قال محمد بن يونس: جخ،
والصواب: جخى بالياء، والخاء معجمة مشددة، ومعنى التجخية:
الميل، يريد أنه تجافى وتقوس حتى يرى ظهره بارزا " فيه تقوس
وميل، وتجافى عن الأرض، يقال للشيخ إذا انحنى جخى يجخي
تجخية وقد قال الشاعر:
لا خير في الشيخ إذا ما جخى
ويروى: إذا ما اجلخا.
وأما الحديث الآخر: (كان إذا سجد صلى الله عليه وسلم
خوى) الخاء معجمة والواو مشددة، معناه: رفع عجيزته
233

وتجافى عن الأرض، يقال إنه مأخوذ من خواء الفرس، وهو
ما بين قوائمه. قال الشاعر:
يسد خواء طبييها الغبار
ويقال: خوى البعير إذا تجافى عن الأرض في بروكه،
فصار بينه وبينها خواء، أي فجوة، فكأن قوله خوى جعل
بينه وبين الأرض خواء " أي هواء " وفجوة. وفي كلام
بعض الفصحاء: وأخوي تخوية الظليم، يعني عند البول.
ومما يشكل في ألفاظ الصلاة أيضا "، ويصحف كثيرا " قولهم:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه
وفتخ) بالخاء المعجمة، حدثناه الحسن بن علي، حدثنا
نصر، عن أبي عبيد قال: حدثنيه يحيى بن سعيد، عن عبد الحميد
ابن جعفر، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد
الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان إذا سجد جافى
عضديه عن جنبيه وفتخ) بالخاء المعجمة يعني أصابع رجليه.
قال يحيى بن سعيد: الفتخ أن يصنع هكذا: ونصب أصابعه
234

ثم غمز موضع المفصل منها إلى باطن الراحة [وثناها إلى باطن
الرجل] يعني أنه كان يفعل ذلك بأصابع رجليه في السجود.
وقال الأصمعي: وأما الفتخ اللين. قال أبو عبيد: ويقال للبراجم
إذا كان [فيها] لين وعرض: انها لفتخ. ومنه قيل للعقاب:
فتخاء، لأنها إذا انحطت كسرت جناحيها وغمزتهما، وهذا
لا يكون الا من اللين. قال الشاعر:
كأني بفتخاء الجناحين لقوة
وفي الحديث من الفقه: أنه كان ينصب قدميه في السجود نصبا "،
ولولا نصبه إياهما لم يكن هناك فتخ، وكانت الأصابع منحنية "،
فهذا الذي يراد من الحديث، وهو مثل الحديث الآخر: أنه أمر
بوضع الكفين ونصب القدمين في الصلاة.
وفي حديث آخر رواه لنا ابن الأنباري: (أن امرأة أتت
النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتوخ). قال أبو بكر الأنباري،
وأحسبه من غلط المحدثين، والصواب فتخ [أو فتخ] وهي
خواتيم تلبس في أصابع اليد والرجل، يقال فتخة وفتخات
وفتخ. قالت امرأة من العرب:
235

يسقط منه فتخي إلا في كمي
ومما يشكل اعرابه قولهم: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن بيع الثمرة حتى تزهو) روى بعضهم حتى تزهى،
236

وجميعا " خطأ. والصواب حتى تزهي بضم التاء وكسر الهاء،
لأنه من أزهى يزهي. ويقال: أزهى الثمر إذا " بدا صلاحه،
يزهي ازهاء، والاسم من النخل الزهو. ويقال: زها النبت يزهو
إذا طال واكتهل، وزهي الرجل يزهى إذا تكبر واختال.
ومما يروى على وجوه قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا تثلغ
قريش رأسي فتدعه كالخبزة) بالثاء المنقوطة بثلاث واللام
مفتوحة والغين معجمة، وفيه لغات إلا أن الرواية بالثاء،
وقد رواه قليل منهم يتلغوا أنه بتاء منقوطة باثنتين، ويفعلوا بالفاء
والأكثر والأشهر بالثاء المنقوطة بثلاث على ما ذكرناه، يقال
ثلغ رأسه إذا شدخه، وكذلك فلغه وثلغت البطيخة إذا شدختها
238

ومما يجوز فيه الوجهان ما حدثنا به علي بن الحسين بن
إسماعيل، حدثنا علي بن عبيد، حدثنا أبو اليسع حدثنا مبارك
ابن فضالة عن نصر بن راشد، عن جابر رضي الله عنه (أن
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تقصيص أي القبور) بالقاف.
239

وحدثنا ابن زهير، حدثنا ابن كرامة، حدثنا عبد الله بن
موسى، حدثنا مبارك، عن نصر بن راشد، عن رجل عن
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن تجصيص القبور) بالجيم.
وجميعا " صحيح، لأن القصة هي الجص، ويقال للجصاص
قصاص، وفي كلام لأم كلثوم بنت علي رضي الله عنها: يا قصة "
على ملحود، تريد: جصا " على قبر.
ومما يخالف فيه بعض أهل اللغة: قوله صلى الله عليه وسلم:
(إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا مأدبته) بضم الدال وفتحها،
240

أجاز فيه أبو عبيد الوجهين، وقال: من قال (مأدبة) بالفتح
أراد الأدب أي تعلموا من أدبه، ومن قال (مأدبة) أراد الصنيع
يصنعه الرجل يدعو إليه، فكأن القرآن صنيع صنعه الله عز وجل
للناس، لهم فيه خير ومنافع، وأبى أبو بكر بن دريد فيما قرأت
عليه إلا مأدبة بالفتح، لأنه عنده من الأدب، وما كان من
الطعام فإنه عنده مأدبة بالضم، وغيره يقول هما سواء. وقال
ابن الأعرابي: يقال مأدبة ومأدبة ومأدبة وأدب، وهو كل
ما دعوت إليه، يقال أدب يأدب أدبا ". وقال الأحمر: هما
لغتان بمعنى واحد.
ومما يجوز فيه الوجهان قوله: صلى الله عليه وسلم: (من
مس ذكره أو رفعه أو أنثييه فليتوضأ) روي دفعه ورفغه
بضم الراء وفتحها، والضم أعلى عندهم، والغين معجمة عندهم
بلا خلاف، والرفغ أصل الفخذ، والجمع أرفاغ ورفوغ،
242

وكل موضع اجتمع فيه الوسخ فهو رفغ.
ومنه الحديث الآخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ورفغ
أحدكم بين ظفره وأنملته) وبعض البصريين يختار الرفغ بالضم،
ويفرق بينهما ويقول: إنما الرفغ واحد الأرفاغ: وهم السفلة من
الناس، وأهل بغداد يقولون: رفغ ورفغ لغتان.
وأما الحديث الآخر في مس الذكر أنه قال صلى الله عليه
وسلم: (وهل هو إلا جذوة منك) لا أعرف بين الرواة خلافا " في
جذوة أنها بالجيم وفوق الذال نقطة، وذكر القتيبي أن بعضهم
رواه حذية، الحاء غير معجمة مكسورة.
ومما يصحف فيه بعض العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: (من
تنأ في أرض الأعاجم فعمل بنيروزهم ومهرجانهم فهو منهم)
تنأ: أوله تاء فوقها نقطتان، وبعدها نون وهمزة، ويرويه من
لا يعرف ولا يميز: من بنى في أرض الأعاجم بالباء، يذهب إلى
243

اتخاذ البناء والإقامة، ومعناه: من تنأ، أي أقام في أرض
الأعاجم يقال تنأ بالبلد إذا أقام به، ومنه سمي التناء لأهل الضياع
والإقامة بالبلدان. ومما يصحف قوله صلى الله عليه وسلم وسئل
اي الناس خير؟ فقال: (كل صادق اللسان مخموم القلب)
بالخاء معجمة، ومن لا يضبط يرويه: محموم القلب بالحاء
غير المعجمة، يقال خممت البيت إذا كنسته، والخمامة مثل
الكناسة ومعنى الحديث: كل نقي القلب لا غل فيه ولا حسد.
ومما لا يجوز فيه الا وجه واحد وهو من خطأ الاعراب قوله
صلى الله عليه وسلم: (من صلى الغداة فهو في ذمة الله عز وجل،
فلا تخفروا الله في ذمته) يرويه من لا يعلم (فلا تخفروا الله)
244

بفتح التاء وهو خطأ، والصواب: فلا تخفروا الله بضم التاء،
أي لا تفسدوا ذمة الله ولا تغدروا بمن هو في ذمته، يقال:
أخفرت بالرجل وأخفرته إذا غدرت به، ويقال خفرت الرجل
بلا ألف إذا أجرته وحفظته، ومنه قيل: الخفير، والخفراء،
والخفارة، وفي كلام أبي بكر رضي الله عنه أنه ذكر المسلمين
فقال: فمن ظلم منهم أحدا " فقد أخفر الله تعالى، ومن صلى
الصبح فهو في خفرة الله تعالى. فقوله: فقد أخفر الله أي
نقض ذمة الله وعهده، وقال زيد الخيل:
إذا أخفروكم مرة كان ذاكم * جيادا " على فرسانهن العمائم
يقول: إذا نقضوا ما بينكم وبينهم من الصلح كان ذلك النقض
فرسانا " يغيرون عليكم، والشاهد في قولهم: خفر إذا حفظ، قوله:
من أن يضام خفير
ومما يشكل ويصحف قوله صلى الله عليه وسلم للنساء: (علام
تعذبن أولادكن بالدغر) الدال مفتوحة تحتها نقطة والغين
245

معجمة يرويه من لا علم له: بالذعر؟ فوق / الذال نقطة والعين
غير معجمة، وإنما الدغر بالغين المعجمة: غمز الحلق، يقال:
دغر الطبيب الحلق إذا غمزه، والدغر الدفع باليد.
وفي حديث آخر أنه قال صلى الله عليه وسلم: (علام تعذبن
أولادكن بالعذرة) العين غير معجمة والذال منقوطة، والعذرة
داء يصيب الصبي في حلقه فيغمر، فإذا غمز فهو معذور. قال جرير:
غمز عليه الطبيب نغانغ المعذور
ومما يشكل قوله صلى الله عليه وسلم: (ان للشيطان نفثا "
وهمزا ") فهمزة الموتة غير مهموز والواو ساكنة وهي ضرب من
246

الجنون وسمي بذلك لأنه جعل كالنخس والغمز، وكل شيء
دفعته قد همزته.
وأما مؤتة مهموزة والهمزة ساكنة فهي: الأرض التي قتل فيها
جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
وفي حديث آخر (موتان يقع في الناس) على وزن فعلان
غير مهموز، وأما الموتان بفتحتين: فالأرض التي لم يحيها أحد.
ومنه الحديث (موتان الأرض لله ولرسوله، فمن أحيى منها
شيئا فهي له) وفي حديث آخر (من أحيى أرضا " ميتة فهي له)
247

الياء ساكنة غير مشدودة والميم مفتوحة، وليس فيها كلها همز
الا في الأرض التي قتل فيها جعفر رضي الله عنه، فإنها مهموزة.
ومما يغلط فيه من أسماء المواضع ويصحف قولهم: دومة
الجندل، فيفتحون الدال وهو خطأ وإنما هو دومة الجندل
الدال مضمومة، وقرأته على ابن دريد بالضم، ودومة الجندل:
مجتمعة ومستداره أن كما تدور الدوامة. قال أبو بكر: وأصحاب
248

الحديث يقولون: دومة بالفتح وهو خطأ، وإنما الدوم شجر
المقل، وأكيدر دومة وهو صاحب القصر بدومة الجندل نسب
إليه، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليه خالد بن الوليد رضي
الله عنه فأسره وله حديث.
ومما يغلط فيه من أسماء المواضع أيضا " قولهم: الجعرانة وهي
249

بكسر الجيم وإسكان العين، ومن لا يميز يرويه الجعرانة فيكسر
الجيم والعين ويشدد الراء، فيشبهه بجعرانة الدبر، وهو خطأ،
والصواب تسكين العين وتخفيف الراء. وسمعت أبا بكر
النيسابوري يقول سمعت محمد بن عبد الله بن ميمون يحكي
أنه سمع الإمام الشافعي المطلبي رضي الله عنه وأرضاه يقول:
إنما هي الجعرانة والحديبية بالتخفيف.
ومما يغلط فيه من أسماء المواضع أيضا " ما حدثنا به عبد الله بن
سليمان بن الأشعث، حدثنا عيسى بن حماد زغبة حدثنا الليث
ابن سعد، عن عقيل عن الزهري، عن أبي سلمة عن عبد الله
ابن عدي بن الحمراء الزهري قال: (سمعت رسول الله صلى الله
250

عليه وسلم وهو واقف بالحزورة يقول: إنك لأحب بلاد الله إلي
وأحب أرض الله إلي، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت).
251

قوله بالحزورة: الحاء مفتوحة غير معجمة والزاي ساكنة موضع
بمكة، وأكثرهم يغلطون فيه فيقولون: بالحزورة فيفتحون الزاي
ويشددون الواو وهو خطأ.
252

ومنها حديث رووه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى من مخنثا "
من المدينة إلى البقيع) رووه بباء تحتها نقطة، وإنما هو (النقيع)
253

بالنون موضع بالمدينة.
ورووا في حديث آخر، (حوضي ما بين نعمان وأيلة)
والصحيح عمان العين مفتوحة والميم مشددة.
254

ومما يشكل ويصحف قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه أمر
بالصدقة أن توضع في الأوفاض) بالفاء والضاد المعجمة،
255

وقد رواه بعضهم في الأوقاص بالصاد غير المعجمة والقاف،
وهو تصحيف.
واختلفوا في تفسير الأوفاض: فقال أبو عبيد: هم الفرق
من الناس والأخلاط، وقال الفراء: هم الذين مع كل واحد
وفضة، وهي مثل الكنانة يلقى فيها طعامه وشرابه، وقال
أبو عبيد: فبلغني عن شريك أنه قال - وقد روى هذا الحديث -:
256

هم أهل الصفة. وهذا قريب، ويمكن أن يكون أهل الصفة مع كل
واحد منهم وفضة. وقال أبو سعيد الضرير: هذا منكر في العربية،
لأن الوفضة تجمع وفاضا " قبل ووفاضات، يحيى قال: والصحيح أن الأوفاض
من الناس: الفقراء المطرحون في التراب، لا يقدرون أن ينبعثوا
لكسب ولا طلب، واحدهم وفض. فأما من رواه الأوقاص بالقاف
والصاد غير المعجمة فلا معنى له ها هنا، وإنما الأوقاص في الفرائض.
ومما يشكل ويصحف قول النبي صلى الله عليه وسلم: (استغنوا
عن الناس ولو بقصمة السواك) قوله بقصمة السواك بالقاف،
والصاد غير معجمة، يعني ما انكسر منه إذا استيك به. قال
أبو عبيد: روي بالقاف. وأما الفصمة بالفاء. أن ينصدع
257

الشيء من غير أن يبين). وفي حديث آخر: (فما ترتفع في
السماء فصمة إلا فتح لها باب من النار). فالفصمة مرقاة الدرجة
سميت فصمة " لأنها كسرة وكل شيء كسرته فقد فصمته، وقيل
للسيوف إذا كان بها فلول: بها فصم.
وأما الحديث الآخر في الوحي (فيفصم عني) بالفاء أيضا "
حدثناه محمد بن عبد العزيز الداركي، حدثنا أحمد بن الفرات،
حدثنا أبو أسامة، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة
رضي الله عنهما أن الحارث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: كيف يأتيك الوحي؟ فقال: (أحيانا " يأتيني مثل
258

صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت
ما قال. وأحيانا " يتمثل لي الملك فيكلمني)، قالت: ولقد رأيته
ينزل عليه في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه
(ليتفصد عرقا ") هكذا رواه يتقصد بالقاف، وأنا أحسبه بالفاء
يتفصد، وما كان الشيخ ممن يضبط، فإن كان محفوظا " بالقاف
فهو من قولهم: تقصد الشيء إذا تكسر وتقطع، وإن كان بالفاء
فهو من قولهم: (فصدت الناقة إذا استخرج دمها ليشربه).
وأما الحديث الآخر في ذكر علي كرم الله وجهه: (وإنه لقضم
ما يطاق) فإنه بالقاف وضاد معجمة أي يقضم كل شيء لشجاعته.
ومما يشكل قولهم في حديث: (ونحن في جلج
- بجيمين - لا ندري ما يصنع بنا) قال أبو حاتم: سألت
259

الأصمعي عن جلج؟ فقال: لا أعرفه ولم أسمع به. قال أبو حاتم:
ولا أعرفه أنا، غير أنه يقع في قلبي أنه أراد في اضطراب أو
أمر مضطرب لا يستقر عليه. وقال القتيبي: وجدته في حديث
مفسرا " رواه يحيى بن آدم أن أبا عبيدة رضي الله عنه فرض
على كل جلجة أربعة دراهم وعبادة. والجلجة: الجمجمة، يعني
على كل رأس أربعة دراهم، فكأن الجلج في الحديث الأول
جمع جلجة، يراد بذلك كل نفس ونسمة، يقول: فبقينا نحن في
عدة أمثالنا من المسلمين لا ندري ما يصنع بنا.
ومما يحتاج إلى ضبط قول المغيرة بن شعبة: (إنه وضأ النبي
صلى الله عليه وسلم فذهب يخرج ذراعيه فضاق عليه كما جمازة،
فأخرج يده من تحتها) وقد روي خمارة بالخاء المعجمة،
والجمازة بالجيم والزاي [مدرعة] من صوف، وقد أنشدوا:
يكفيل يكون من طاق كثير الأثمان * جمازة شمر منها الكمان
ومما يشكل قوله صلى الله عليه وسلم: (لتعودن فيها أساود صبا ")
260

يرويه أصحاب الحديث: صبا " بالتخفيف، وقال بعض أهل
اللغة: هو أساود صبا " بالتشديد، وقال: الأساود [الحيات]
وذكر أن قوله صبا " من الصب، وذكره عن الزهري وقال:
الحية السوداء التي إذا أرادت أن تنهش ارتفعت ثم صبت،
وكأنه على ما ذكر جمع صبوب أو صب، وهذا الذي ذكره
ينكره أهل الرواية، ويجوز أن يكون صبا " مثل صبابة
الحلوم أي صبت حلومهم مالت إلى الجهل، وقد قال الأعشى:
وكم دون بيتك من معشر * صباة الحلوم عداة غشم
ومما يشكل ويدخل بعضه في بعض قوله صلى الله عليه وسلم:
(لا تقولوا للحبلة الكرمة، فإن الكرم قلب المؤمن) الحبلة:
بفتحتين أصل الكرمة، وكذلك الحفنة بفتحتين.
وفي حديث آخر: (أن نوحا " عليه السلام لما خرج من السفينة
غرس الحبلة) أي الكرمة.
وفي حديث آخر: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع
حبل الحبلة) بفتحتين، وليس هذا من الأول في شيء، وإنما
262

هذا من الحبل، وهو جمع ناقة حابل، ونوق حبلة كما تقول:
حامل وحملة.
وأما حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (كنا نغزو
مع النبي صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا الحبلة وورق السمر)
والحبلة ها هنا مضمومة الحاء ساكنة الباء وهي ثمرة العضاة،
والحبلة أيضا " ضرب من الحلي يجعل في القلائد. قال الشاعر:
وكل خليل عليه الرعا * ث والحبلات كذوب ملق
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (الثيب يعرب عنها لسانه)
263

واختلفوا في يعرب بتسكين العين، وفي يعرب بتشديد الراء، فقال
أبو عبيد: يروى في الحديث يعرب بالتخفيف، وقال الفراء: يعرب
بالتشديد وقال: يقال عربت عن القوم إذا تكلمت عنهم.
وكذلك قوله: فإنما يعرب عما في قلبه لسانه، جميعا "
بالتشديد. قال أبو عبيد: وكان هشيم يقول: يعرب.
وأخبرني الحسن بن علي عن نصر عن أبي عبيد عن هشيم عن
مغيرة عن إبراهيم قال: (كانوا يحبون أن يلقنوا الصبي حين
يعرب عنه لسانه أن يقولوا لا إله إلا الله سبع مرات. قال أبو عبيد:
يقولون: يعرب مخففة، وليس هذا من إعراب الكلام في شيء،
والصواب يعرب إنما معناه أنه يبين ذلك القول ما في قلبها.
264

قال: وقد روي عن عمر رضي الله عنه فقال: (ما يمنعكم أن
تعربوا عليه) معناه ما يمنعكم أن تردوا عليه، يقال عربت على
الرجل إذا رددت عليه،
وحدثني أبو الليث الفرائضي، حدثنا سريج عمر بن يونس،
حدثنا عمر بن عبد الرحمن الأبار عن الأعمش عن شقيق عن
زيد بن صوحان قال: قال عمر رضي الله عنه: (ما يمنعكم إذا
رأيتم الرجل يمزق أعراض المسلمين أن تعيبوا عليه؟ قالوا: نتقي
ونخاف، قال: ذلك أدنى أن لا تكونوا شهداء) هكذا قال،
أن تعيبوا عليه، وعندي أنه تصحيف وإنما هو أن تعربوا عليه
265

أي تردوا عليه، واختار ابن قتيبة يعرب بالتخفيف. واحتج بقوله:
تأولها منا تقي ومعرب
ومما يصحف ويروى بالعين والغين، ولا يحتمل إلا وجها "
واحدا " بالغين المعجمة قوله صلى الله عليه وسلم: (في كل أمة
مغربون) ليس إلا بالغين معجمة، يرويه أصحاب الحديث
بتسكين العين، وقال بعض أهل اللغة: مغربون بفتح الغين وتشديد
الراء وكسرها. وقال: أصله من غرب يغرب إذا بعد. قال:
ولا أحسب الغريب إلا من هذا، لأنه بعيد عن وطنه، وكأن
قول: مغربون بمعنى جائين من نسب بعيد ومن موضع بعيد كما
يقال: (هل عندك من مغربة خبر) أي خبر جاء من بعد،
وشأو مغرب أي بعيد.
266

وأما حديث عمر رضي الله عنه فربما صحف أيضا " في قوله:
(إن قريشا " تريد أن تكون مغويات لمال الله عز وجل). فهو بغين
معجمة وبعدها واو مشددة مفتوحة، واحدتها مغواة وهي حفرة
كالزبية، ومنه قيل لكل مهلكة مغواة. قال رؤبة:
إلى مغواة الفتى بالمرصاد
يعني مهلكة، فأراد أن قريشا " تريد أن تكون مهلكة لمال الله عز
وجل كإهلاك تلك المغواة ما سقط فيها.
ومما يشكل في حديث آخر أنه قال صلى الله عليه وسلم: (كان
في الأمم محدثون) الدال مفتوحة، ولا يجوز كسرها.
267

حدثنا الحسين بن أحمد بن بسطام، حدثنا محمد بن بزيع
حدثنا ابن عيينة، عن ابن عجلان، عن سعد بن إبراهيم، عن
أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال نبي الله صلى الله
عليه وسلم: (إنه كان في الأمم محدثون، فإن يكن في أمتي
268

فعمر رحمة الله عليه) فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم (محدثون)
يريد ما يصيبون إذا ظنوا. يقال: رجل محدث يصيت رأيه
ويصدق ظنه إذا توهم، فكأنه حدث بشيء فقاله.
وفي حديث آخر: (محدثين مروعين) والمروع الذي يلقى
في روعه الشيء ومنه قوله عليه الصلاة والسلام (نفث في روعي)
أي في خلدي وفي نفسي، ومثله الألمعي والنقاب. وقال الشاعر:
نقاب وهو يحدث بالغائب
وأخبرني الحسين بن بسطام، حدثنا محمد بن ميمون، حدثنا
سفيان عن مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة عن طارق بن شهاب
قال: كان الرجل يحدث عمر رضي الله عنه بالحديث،
فيكذب فيه، فيقول عمر: اخنس هذه. فيقول الرجل: كل
ما حدثتك حق إلا ما قلت لي: اخنس.
وفي حديث آخر: (سبق المفردون - بفتح الراء - قيل:
269

وما المفردون؟ قال: الذين أهتروا بذكر الله عز وجل) وقال:
المفردون هم الشيوخ الهرمى الذين قد تقلل لداتهم [من الناس]
وذهب القرن الذين كانوا فيه فصاروا مفردين، وقد قال الشاعر:
إذا ما مضى القرن الذي أنت منهم * وخلفت في قرن فأنت غريب
270

وقوله: الذين أهتروا بذكر الله أي نسبوا إلى الخرف في كثرة
ذكر الله عز وجل ويقال: خرف فلان في ذكر الله يراد قد هرم
وهو يطيع الله عز وجل ويذكره، ويجوز أن يكون المفردون
الذين قد تفردوا وتحلوا بذكر الله تعالى واشتهروا بالذكر والتسبيح.
ومما يشكل ولا يضبطه إلا أهله ما حدثنا به أحمد بن إسحاق
ابن بهلول، حدثنا أبي، حدثنا وهب بن جرير، عن أبيه عن
يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عمرو بن تغلب قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة أن يفيض المال،
ويظهر القلم ويفشو التجار) قوله القلم القاف مفتوحة واللام
مفتوحة، ومن لا يميز يصحفه بالعلم، فيقلب المعنى واللفظ،
وإنما أراد صلى الله عليه وسلم القلم الذي يكتب به. قال عمرو
ابن تغلب: إن كان الرجل ليبيع البيع فيقول حتى أستأمر تاجر
بني فلان ويلتمس في الحواء العظيم الكاتب فلا يوجد.
وفي حديث آخر: (ويرفع العلم ويوضع الجهل) وليس من
هذا في شيء.
271

ومما يشكل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح المحرم ولا ينكح
ما حدثناه ابن منيع، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا ابن أبي
ذئب، عن نافع، عن نبيه بن وهب، عن أبان بن عثمان،
عن أبيه رضي عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب) الأول لا ينكح الياء
مفتوحة والكاف مكسورة من نكح ينكح إذا تزوج، وقد يقال:
نكح إذا جامع، وأنكح غيره إذا زوجه، والثاني لا ينكح الياء
مضمومة والكاف مكسورة " أيضا "، وهو من أنكح ينكح إذا
زوح غيره، ومن لا يعلم يرويه (لا ينكح ولا ينكح) بفتح
الكاف من الثاني وهو خطأ، والمعنى أنه لا يتزوج ولا يزوج غيره.
ومما يصحف فيه ما حدثناه الحسن بن علي حدثنا نصر عن
أبي عبيد، حدثنا هشيم، عن سيار، عن الشعبي عن جابر رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تطرقوا النساء ليلا "
حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة) ابن قوله صلى الله عليه وسلم
272

تستحد الحاء غير معجمة، وقد سمعت من يصحف ويقول تستجد
بالجيم وهو خطأ، وإنما هو تستحد من الإحداد، وهو استعمال
الحديد أي الموسى، وكذا كانت تفعل العرب.
ومنه الحديث الآخر (في سنة الرأس والجسد قص الشارب، والسواك،
والاستنشاق، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، والختان، والاستنجاء
بالأحجار، والاستحداد). والاستحداد ههنا: هو حلف العانة.
وأما الحديث الآخر (لا يحل لامرأة أن تحد على ميت
أكثر من ثلاثة أيام إلا على زوح) فيروى بضم التاء، وفتحها
فمن رواه تحد بضم التاء فهو من أحدت. ومن رواه بفتح التاء
فهو من حدت، وقد أجازهما أهل اللغة، يقال: حدت وأحدت
إذا تركت الزينة، وتحد بالضم أكثر في الرواية.
273

ومما يحتمل وجهين وفيه اختلاف، ما حدثنا به ابن أبي
داود، حدثنا عيسى بن حماد زغبة حدثنا الليث بن سعد، عن
هشام بن عروة، عن أبيه عن الحجاج الأسلمي حدثه عن أبيه
(أنه سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يذهب عني مذمة
الرضاع؟ قال: الغرة العبد أو الأمة) رواه لنا مذمة الرضاع
الذال مفتوحة، وأكثر أصحاب الحديث يروونه بفتح الذال
وكان أبو بكر بن دريد ينكر هذا ويقول هو مذمة الرضاع بكسر
الذال، ويفرق بين مذمة فيجعله من الذمام، وبين مذمة فيجعله
من الذم، وهو مذهب أبي زيد، حكي عنه أنه قال: المذمة
بالكسر من الذمام، والمذمة بالفتح من الذم، وحكي عن يونس
قال: يقال: أخذتني منه مذمة ومذمة، وقال غيره: أذهب
مذمتهم بشيء بالكسر أي أعطهم شيئا "، فإن لهم عليك ذماما ".
وقال ابن الأعرابي وغيره: هما واحد يقال لك مني ذمام وذمامة
274

مفتوح الذال، ومذمة: ومذمة، ويقال ذممتك إلى مذمة وذما " ومذمة.
وأما الحديث الآخر فليس من هذا، ولكن ربما صحف
275

(أن النبي صلى الله عليه وسلم مر ببئر ذمة)، وهي القليلة الماء
التي تذم وقد سمعت من يصحفه فيقول: مر ببئر رومة، وبئر
رومة أعذب بئر كانت بالمدينة وأغزرها، ولم تكن ذمة " وإنما
البئر الذمة ما تذم لقلة مائها. قال الشاعر:
وقد ضمرت حتى كأن عيونها * ذمام الركايا أنكزتها المواتح
ومما صحفوه وهو قريب من هذا لفظا " لا معنى له: ما أخبرنا به
أبو حذيفة، حدثنا نصر، عن أبي عبيد قال: سمعت مروان
276

ابن معاوية يحدث عن إسماعيل بن أبي خالد: (أنه كان لا يرى بأسا "
بالصلاة في ذمة الغنم) قال أبو عبيد: هكذا قال، وإنما هو دمنة
الغنم بالدال والنون. والدمن ما دمنته عليه الإبل والغنم من آثار البعر والبول.
ومما صحفوه: قول عائشة رضي الله عنها في صلاة الضحى:
يضرب عليها؟: (ما دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم إلا صلاهما)
277

تعني أنه يجب على الإمام أن يضرب عليها من تركها. يعني
صلاة الضحى، ومن لا يعلمه يرويه: نصرت عليها بنون وصاد
غير معجمة، والصحيح الأول.
ومما يصحف ويشكل: قوله صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي
رضي الله عنهما حين بال وهو صغير (لا تزرموا ابني) التاء
مضمومة والزاي قبل الراء، والازرام القطع، يقال: أزرم الرجل
بوله إذا قطعه، وزرم البول نفسه إذا انقطع، وأزرمه غيره قطعه.
قال الشاعر:
أو كماء المثمود بعد جمام * زرم الدمع لا يؤوب نزورا
ويروى: زرم الدمع بالرفع، والزرم على القليل، وأنشد للنابغة:
فإن البيع قد زرما
278

وأما الحديث الآخر: (إذا أكلتم فرازموا) الراء قبل الزاي
المرازمة في الأكل هي المعاقبة، وهي أن ترعى الإبل الحمض
مرة " والخلة مرة "، قال الشاعر:
279

كلي الحمض عام المقحمين ورازمي * إلى قابل ثم اعذري بعد قابل
وقيل: أراد المعاقبة بين الطعامين، وقيل: أراد بالمرازمة المعاقبة
بالجمع بين اللقمة واللقمة
ومما يغلط فيه حديث رووه: أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (يا بغايا العرب يا بغايا العرب) وهو خطأ، والصحيح
280

يا نعاء العرب على معنى: انع العرب، كأنه يأمر بنعي العرب.
قال الكميت وذكر جذام وانتقالهم إلى اليمن بنسبهم:
نعاء جذاما " غير موت ولا قتل * ولكن فراقا " للدعائم والأصل
وقال بعضهم: إذا قيل نعاء فلانا " فمعناه أنعى إليكم فلانا ".
وقال الأصمعي يا نعاء العرب تأويلها انع العرب يا من ينعاهم
كأنه يقول قد ذهب العرب. قالوا وخفض نعاء مثل قطام،
وفيه لغة أخرى: يا نعيان العرب بمعناه، فمن قال هذا فإنه
يريد المصدر نعيته نعيا " ونعيانا ".
ومما يصحف قوله صلى الله عليه وسلم: (إن لقيتك شاة
بخبت الجميش فلا تحلبها إلا باذن صاحبها) خبت: الخاء
281

معجمة، وتحت الباء نقطة، وبعدها تاء فوقها نقطتان.
والجميش بالشين المنقوطة، والجيم، ومن لا يدري يرويه:
بجنب الجميش وهو خطأ، وإنما الخبت الأرض الواسعة المستوية،
وخص الخبت لسعته وبعده وقلة من يسكنه، والجميش ذكر
بعضهم أنه مكان وأضاف الخبت إليه، وقال ابن قتيبة: خبت
الجميش أي لا نبات به كأنه جمش نباته أي حلق، والجميش
المحلوق. وذكروا أن بين مكة والحجاز صحراء تسمى الخبت.
ومما يصحف تصحيفا " فاحشا ": قوله صلى الله عليه وسلم في
حديث رووه في ذكر يأجوج ومأجوج فيه: (والذي نفسي بيده
ان دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا " من لحومهم). يروونه
283

بالسين غير المعجمة، ويذهبون إلى أنها تسكر من لحومهم، وهذا
تصحيف، وإنما الرواية تشكر شكرا " جميعا " بالشين المنقوطة،
ومعنى قوله تشكر أي تمتلئ، يقال شكرت الشاة تشكر شكرا "
إذا امتلأ ولم ضرعها لبنا، وشاة شكري، وشكرت الدابة إذا
امتلأ بطنها من علف أو غيره.
ومما يشكل: حديث رووه عن الزبير رضي الله عنه أن / النبي
صلى الله عليه و سلم قال: (إذا حم أحدكم فليشن عليه قربة " من
ماء). واختلفوا في السين والشين. فزعم ابن الأعرابي أن شن
284

وسن واحد وأنه الصب، فأما ابن السكيت فإنه فرق بينهما
فقال: شن الماء على وجهه خطأ، وإنما هو بالسين غير معجمة، أي
صبه صبا سهلا. وكذلك سن عليه درعه أي صبها، فعلى هذا
يجب أن يكون الحديث (فليسن عليه قربة من ماء) السين
غير معجمة، قال وإنما يقال شن عليهم الغارة بالشين المنقوطة،
أي فرقها. هذا كلام ابن السكيت، وأما الرواية فهي بالشين أكثر.
ومما يشكل حديث رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: (نام
النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعت فخيخه) لخاء معجمة،
285

وكذلك التي بعدها. قالوا: الفخيخ عند الغطيط. يقال فخ في نومه
يفخ لأنه فخيخا " إذا غط ونفخ، وأنشد أبو بكر بن دريد:
طوبى لمن كانت له مزخة * يزخها ثم ينام الفخة
وقد رواه بعضهم حتى سمعت فحيحه، بالحاء غير معجمة،
وذهبوا إلى قولهم: فحت سعيد الأفعى فحيحا "، والأول أصوب، وفي
286

حديث ابن عمر رضي الله عنهما حتى سمعت جخيفه، وفسروه
الصوت، والجخيف قد في غير هذا: الوعيد، ويكون الكبر أيضا ".
ورووا في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر
الله للمؤذن مد صوته). والصحيح مدى صوته بزيادة ياء،
287

والدال مخففة، ومداه: مقدار ما يبلغه الصوت، وحدثني به
أحمد بن إسحاق بن بهلول القاضي، حدثني أبي، حدثنا
سعيد بن منصور، حدثنا سفيان عن صفوان بن سليم عن عطاء
ابن يسار، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي
صلى الله عليه وسلم / قال (يغفر للمؤذن مدى صوته ويشهد له
ما يسمعه من رطب ويابس).
ورووا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله
عليه قال: (إذنك علي أن ترفع الحجاب، وتسمع سراري حتى
أنهاك) وإنما هو: أن تسمع سوادي حتى أنهاك، بعد السين
288

واو، وبعد الألف دال، والسواد هو السرار بعينه، ولكن الرواية بالواو
والدال، وإن كان المعنى واحدا ". والسين من السواد مكسورة،
ولا يجوز ها هنا بالفتح ولا الضم عند البصريين، وقال الأصمعي:
السواد: السرار. ساودته مساودة " وسوادا " إذا ساررته، ولم يعرف
السواد بضم السين. وقال أبو عبيد: يجوز ضم السين، وهو
مثل جوار وجوار، ولم يروه بالضم أحد. وكأن أبا عبيد جعل
السواد بالكسر المصدر، والسواد بالضم الاسم منه، وقال الأحمر:
هو من إدناء سوادك من سواده، وهو الشخص: قال أبو عبيد:
هو من السرار أيضا " لأن السرار لا يكون الا بإدناء السواد.
وأخبرنا نفطويه عن أحمد بن يحيى قال: قال ابن الأعرابي:
السواد السرار. وقال ابن الأعرابي: الكلام الخفي والمخالاة،
وقال: وكان مع ابنة الخس غليم أسود ترب لها تلاعبه،
289

فلما بلغا، إذا لها بطين قد نتأ، فقيل لها: ما هذا؟
فقالت: طول السواد، وقرب الوساد، وبعد البيت من الناد،
قال ابن الأعرابي: والسواد بالضم أن يكون عند الانسان أو
البعير الماء العذب ثم يشرب الماء الملح، فيرم عليه وجهه وكبده،
فذلك السواد، ورجل مسود: به هذا الداء. قال: والسواد،
والسواد: السرار أيضا "، وأنشدني محمد بن علي بن إسماعيل
المهرياني:
عن ذات أولية أساود ربها * وكأن لون الملح فوق شفارها
290

ومما يشكل ويحتاج إلى ضبط، قوله صلى الله عليه وسلم:
(ان الله عز وجل قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، وفخرها
بآبائها) عبية: العين غير معجمة والباء مشددة تحتها نقطة،
وتحت الياء نقطتان، هذه أكثر الروايات، وقد رواه بعضهم:
عمية الجاهلية بالميم، وعلى هذا فسره الخليل بن أحمد فقال:
هي الكبر والتعظم، ورواه القتيبي: عبية الجاهلية بكسر العين،
وزعم أنهما لغتان: عبية وعبية، بالضم والكسر. ويقال:
عبية العين مضمومة والباء مشددة، وهذا هو الأشهر والأكثر،
وفيه عنجهية وجبرية إذا كان فيه تكبر وتعظم.
أخبرنا نفطويه حدثنا أحمد عن ابن الأعرابي، قال خنزوان
291

الجاهلية وخنزوتها وعبية وأبهة واحد
ومما يروى على وجهين: أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (مضمضوا من اللبن، فان له دسما "). ومصمصوا
بالصاد غير معجمة، وهو قريب.
حدثني أبي، أخبرنا عسل بن ذكوان، حدثنا الرياشي،
قال: سألت الأصمعي عن المضمضة مثل المصمصة؟ فقال: نعم،
ذكره حماد بن زيد عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي عزة،
قال: كنا نمصمص من اللبن، ولا نمضمض من التمر.
يعني على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغيره يقول:
292

المصمصة حتى الدلك والغسل. وقرأت على أبي بكر بن دريد في
الجمهرة: فمضمضت الاناء ومصته فإن إذا غسلته ودلكته،
وقال بعض أهل العلم: المضمضة بالفم كله، والمصمصة بصاد
غير معجمة بطرف اللسان في الشفتين، قال: وفي حديث أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا قاتل العدو حتى يقتل
فتلك تمضمضه ذنوبه) أراد صلى الله عليه وسلم أن القتل طهور
له من الذنوب كما تطهر الفم المضمضة، قال: ومنه حديث /
أبي قلابة: كنا نمصمص من اللبن، بصاد غير معجمة.
وقال بعضهم: فرق ما بينهما شبيه بفرق القبضة والقبصة،
لأن القبضة بالكف كلها، والقبصة بأطراف الأصابع.
ومما روي بالصاد والضاد قول عمر رضي الله عنه: (دخلت
على أبي بكر رضي الله عنه وهو ينصنص لسانه، وينضنض.
النبي
293

رواه أبو عبيد بالصاد غير المعجمة، وزعم أن الحديث بالصاد
لا غير. وحدثنا ابن صاعد؟ حدثنا يعقوب بن إبراهيم،
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا أسامة بن زيد بن
أسلم عن أبيه عن جده أن عمر أطلع على أبي بكر رضي الله
عنهما وهو آخذ بلسانه ينصنص - كذا أملاه علينا بالصاد غير
معجمة - فقال: ما هذا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: هذا أوردني الموارد:
294

وحدثنا به الجواربي، حدثنا محمد بن الحسين بن
إشكاب، حدثنا عبد الصمد، حدثنا الدراوردي، عن زيد
ابن أسلم عن أبيه: (أن عمر رأى أبا بكر رضي الله عنهما وهو
ينضنض لسانه) بالضاد معجمة، وقد روى بالضاد المعجمة
أكثر مما روي بالصاد غير معجمة، بل أكثر الرواة على الضاد
المعجمة. وقال أبو عبيد: قوله ينصنص لسانه بالصاد غير
المعجمة معناه يحرك، والنضنضة بالضاد المعجمة أيضا ": هو
تحريك اللسان، وشبهوه بنضنضة وسلم الحية، ولم يرو أحد البيت
الذي يستشهد به إلا بالضاد المعجمة:
تبيت الحية النضناض منه * مكان الحب تستمع السرارا
295

واختلفوا في حديث فيه (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيم
بحراء، وكان ذلك مما تتحنث به قريش). ورواه بعضهم
تتحنف به قريش بالفاء.
فحدثنا أبو بكر ابن الأنباري، حدثنا محمد بن يحيى
المروزي، حدثنا أحمد بن أيوب، حدثنا إبراهيم بن سعد،
عن محمد بن إسحاق، عن وهب بن كيسان، سمعت عبد الله
ابن الزبير يقول لعبيد بن عمير الليثي، حدثنا ما كان بدء
ما ابتدأ الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من النبوة؟ فقال:
(إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم شهرا " من كل سنة بحراء
وكان ذلك ما تتحنث به قريش) بالنون، والثاء منقوطة بثلاث
296

قال أبو بكر: التحنث التبرر، وقال أبو طالب:
وراق ليرقى في حراء ونازل
297

وقال محمد بن الجهم، حدثنا السكوني أبو أحمد، قال
فسألت ابن الأعرابي عن (يتحنث) فقال: لا أعرفه، قال:
وسألت أبا عمرو الشيباني، وكان خيرا "، فقال: لا أعرف
يتحنث، وإنما هو يتحنف من الحنيفية، أي يتبع دين الحنيفية،
وهو دين إبراهيم عليه السلام، قال الله عز وجل: ملة إبراهيم
حنيفا). قال: فسألت الفراء: ما التحنث؟ فقال: أفي
شعر وجدته أم في كلام؟ فذكرت الحديث، فقال: يتجنب
الحنث. قال الله عز وجل: (وكانوا يصرون على الحنث
العظيم) أي الشرك. ويقال: تأثم الرجل في المأثم وإذا
تجنبه، فكذلك تحنث، فيحتمل الوجهين. قال ابن الأنباري:
298

القول عندنا ما قال الفراء: وحكى لنا أبو عمر عن أحمد بن
يحيى ثعلب أنه قال: فلان يتحنث إذا تعبد بأشياء تخرجه
من الحنث، قال: ومنه قولهم: كان يتحنث بحراء، أي
يتعبد، ويقال: فلان يتحنث، أي يحنث كثيرا " ويتعمد
ذلك. فكأنه عنده من الأضداد.
ومما يصحف قوله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد
الدينار والدرهم، تعس [وانتكس] وإذا شيك فلا انتقش)
299

بالقاف، والشين منقوطة. هذه الرواية الصحيحة. وقال عبد الله
ابن مسلم بن قتيبة: سمعت من يرويه فلا انتعش بالعين
غير معجمة. وقد سمعت أنا غير واحد يرويه فلا انتعش بالعين
[غير هذا معجمة] والصحيح القاف في قوله لا انتقش، يقال
نقشت الشوكة، إذا استخرجتها، ومنه سمي المنقاش، وفي
مثل (لا تنقش الشوكة بشوكة مثلها فإن ضلعها معها)، فأراد
صلى الله عليه وسلم بقوله: تعس عبد الدينار، أي عثر،
وقوله شيك، أي دخلت شوكة في رجله، فلا خرجت بالمنقاش،
وأما انتعش بالعين فهو ارتفع، ولا معنى له مع ذكر الشوكة،
ولو كان تعس فلا انتعش كان قريبا ".
ومما يشكل قوله صلى الله عليه وسلم عند ذكر عمر رضي الله
عنه: (فاستحالت في يده غربا ") استحالت الحاء غير
300

معجمة، وغربا " بالغين معجمة والراء ساكنة، ومن لا يعلم
يرويه استجالت رسول بالجيم، ويحرك الراء من الغرب.
حدثنا محمد بن القاسم بن بشار، حدثنا أبو بكر الوراق،
حدثنا قرة بن حبيب، حدثنا صخر بن جويرية، عن نافع، عن
ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(بينا أنا على بئر أنزع منها إذ جاء أبو بكر وعمر، فأخذ
أبو بكر الدلو، فنزع ذنوبا " أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله
يغفر له، ثم أخذ الدلو عمر فنزع فاستحالت غربا " في يده، فلم
أر عبقريا " من الناس يفري فريه، فنزع حتى ضرب الناس بعطن).
301

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: استحالت: تغيرت من
حال إلى حال، وانتقلت من الصغر إلى الكبر، وصارت في
يده غربا "، والغرب - ساكنة الراء - الدلو العظيم الذي يكون
من مسك ثور للسانية، أراد صلى الله عليه وسلم أن عمر رضي
الله عنه لما أخذ الدلو من أبي بكر رضي الله عنهما عظمت في يده، أي اتسع الإسلام، لأن الفتوح كانت في أيام عمر
رضي الله عنه، والغرب الماء الذي يسيل بين البئر والحوض
بفتح الراء، وقوله: (حتى ضرب الناس بعطن) أبي بركوا
آمنين مستريحي، والأعطان: مبارك الإبل، واحدها عطن.
ومما يشكل وفيه اختلاف. قوله صلى الله عليه وسلم:
(إذا تضيفت الشمس للغروب) بالضاد المعجمة، هذه الرواية
الكثيرة، ورواه بعضهم تصيفت بالصاد غير المعجمة، ومعنى
302

تضيفت بالضاد المنقوطة: مالت للغروب، يقال: ضافت
الشمس تضيف ضيفا "، إذا مالت، ويقال أيضا ": ضاف السهم
عن الهدف من هذا، وقال بعضهم: صاف لغة بمعنى ضاف،
واستشهد ببيت أبي زبيد:
كل يوم ترميه منها برشق * فمصيب أو صاف غير بعيد
صاف بالصاد غير معجمة.
303

ومما يشكل في مواضع منه، ما حدثناه محمد بن حمزة بن
عمارة الأصبهاني حدثنا العباس بن محمد، حدثنا أبو داود
الحفري، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن زيد بن وهب،
عن حذيفة رضي الله عنه، قال حدثنا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: (إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال،
ثم علموا من القرآن والسنة). ثم حدثنا عن رفعهما، فقال:
(ينام أحدهم النومة، فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها
كالمجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرا "،
وليس فيه شيء)، وذكر باقي الحديث.
304

يشكل في قوله: نزلت في جذر قلوب الرجال، وفي قوله:
مثل الوكت، وقوله: منتبرا ".
فالجذر: الجيم مفتوحة، والذال ساكنة منقوطة، وجذر
كل شيء أصله، وقال أبو عمرو: الجذر بكسر الجيم، والأصمعي
وغيره يقول: الجذر بالفتح.
305

والمنتبر: بعد الميم نون وبعدها تاء فوقها نقطتان وتليها
باء تحتها نقطة: المنتفط.
الوكت: جمع وكتة وهي الأثر اليسير. والمجل:
جراح شبه البثور.
ومما يصحف: ما حدثنا ابن أبي داود السجستاني، حدثنا
مؤمل بن إهاب، حدثنا عبد الله بن الوليد العدني، حدثنا
القاسم بن معن، حدثنا المسعودي عن أبي كثير مولى أم سلمة
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: علمني رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب: (اللهم هذا إقبال
ليلك وإدبار نهارك، وأصوات دعاتك فاغفر لي). فالتصحيف
يقع في (أصوات دعاتك)، بتاء فوقها نقطتان، فيروونه:
[وأصوات دعايك، بالياء وتحتها نقطتان، والصواب: دعاتك،
306

بتاء فوقها نقطتان]. وهكذا أملاه علينا ابن أبي داود وهو
الصحيح.
ومما يخالف فيه القليل في حديث الخوارج قولهم: ذو الثدية
رواه أكثر الناس بالثاء المنقوطة بثلاث، وعلى هذا عامة الرواة،
307

ورواه بعضهم (ذو اليدية) يجعل مكان الثاء المنقوطة بثلاث،
ياء تحتها نقطتان، على أنها تصغير يد، وزعم أن هذا أولى،
لتأنيث اليد ودخول الهاء في التصغير وقال: من رواه بالثاء
المنقوطة بثلاث: إنما أنث الثدي ها هنا على أنها لحمة،
فدخلت التاء في تصغيرها، ورواه أبو عبيد بالثاء المنقوطة
بثلاث، وقال: دخلتها الهاء لأنها كانت بقية ثدي قد ذهب
أكثره، فقللتها، كما تقول لحيمة وشحيمة، ثم قال أبو عبيد:
وبعضهم يقول ذو اليدية بالياء، ولا أرى الأصل كان إلا هذا،
ولكن الأحاديث تتابعت بالثاء المنقوطة بثلاث.
ومما يصحف قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم الفتح:
(قلتم أدركته رأفة بعشيرته، أثوب إلى الله وإليكم) قوله:
309

أثوب إلى الله) بالثاء المنقوطة بثلاث، ومن لا يضبط يرويه
(أتوب) بتاء فوقها نقطتان، ومعنى قوله: (أثوب إلى الله)
أرجع إلى الله عز وجل، ثاب يثوب ثوبا " إذا رجع، ومنه سمي
الثوب ثوبا "، ومن رواه (أتوب) من التوبة فقد صحف.
حدثني محمد بن عمارة الأصبهاني، حدثني علي بن سهل،
حدثنا عفان، حدثنا حماد، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح
قال: وفدنا إلى معاوية وفينا أبو هريرة رضي الله عنه، فقال
أبو هريرة في حديث الفتح.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(يا معشر الأنصار قلتم أما الرجل فأدركته رأفة بعشيرته،
ورعبة في قريته، فما أسمى إذا " عبد الله ورسوله. أثوب
إلى الله فالمحيا محياكم والممات مماتكم).
ومما يصحف ويشكل شديدا " قوله صلى الله عليه وسلم:
(يقر الشيطان في أذن وليه) ويقز الشيطان قزة " بالزاي المعجمة
310

ولا يكادون يفرقون بينهما. فحدثنا عبد الملك بن نصر الدقاق
وأخبرني عبد الله بن سيف، قالا حدثنا يونس بن عبد الأعلى،
حدثنا ابن وهب، حدثنا محمد بن عمرو، عن ابن جريج، عن
ابن شهاب، عن يحيى بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله
عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان،
فقال: ليسوا بشيء. فقال: إنهم يحدثون بأشياء تكون حقا "!!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلك الكلمة من الحق)
زاد ابن سيف في حديثه (يخطفها الجني، فيقرها في
أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة)
قوله فيقرها: القاف مضمومة والراء غير معجمة، ومعناه الصب.
311

يقال: قرت الحمامة فرخها إذا صبت في حلقه. ويقال: قر
عليه دلوا " من ماء إذا صبها عليه.
وأما يقز بضم القاف وبالزاي المعجمة فقد روي في حديث
لست أضمن عهدته: (إن إبليس ليقز هذه القزة من المشرق
إلى المغرب) أي يثب، يقال: قز يقز ويقز إذا وثب. وحكى
بعضهم: وقر يقز، وقال يقال: وقر وضفر وقفز وأبز ونقز
ونفز وقزل وضبر بالراء إذا وثب.
قال أبو أحمد الحسن بن عبد الله اللغوي العسكري. وأما
حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، حين قال له النبي صلى
الله عليه وسلم: (ما يفزك من أن يقال لا إله إلا الله) فهو
بالفاء والياء مضمومة، ومن لا يضبطه يرويه: (ما يفرك أن
يقال لا إله إلا الله) فيفتح الياء من يفرك وهو خطأ. قال
أبو عبيد: إن بعض المحدثين روى أن النبي صلى الله عليه
312

وسلم قال: (ما يفرك) بفتح الياء وضم الفاء، وهذا تصحيف
وقلب المعنى، والصواب يفزك بضمها. يقال أفززت الرجل
إذا فعلت ما يفز منه
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (ما كان الله
لينفر عن قاتل المؤمن) فإنه بزيادة نون ساكنة، والياء مضمومة
والفاء مكسورة والراء غير معجمة، ومعناه: ما كان الله ليقلع.
وقال الشاعر:
313

وما أنا عن أعداء قومي بمنفر
وسئل أبو عمرو عن قوله (لينفر) فقال: لا أعرفه.
ومما يغلط فيه كثيرا " في غير موضع منه حديث الشعبي أنه
قال (دخلنا على فاطمة بنت قيس، فأتحفتنا برطب ابن طاب).
ومن لا يعلم يرويه برطب يرطاب، الياء ويجعل
بعدها راء غير معجمة، وهو تصحيف: والصحيح: ابن طاب
بالنون، وإنما هو عذق يسمى بالمدينة (ابن طاب) فينسبونه
إلى طاب. وفي حديث أن حسان قال: (إني لأشتهي رطبات
محلقنات) القاف مكسورة - من بنات ابن طاب - ويقال
314

لعذق آخر: ابن حبيق، وأم حبيق.
وحدثنا ابن منيع، حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عفان،
حدثنا حماد بن سلمة / عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رأيت كأنا في دار عقبة بن
رافع، فأتينا برطب ابن طاب: فأولت أن لنا الرفعة في الدنيا
والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب).
315

ومما يصحف ويغلط في اعرابه، ما حدثنا به ابن صاعد،
وإسماعيل بن محمد الصفار، قالا: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا
عبد السلام بن حرب، عن النعمان بن خيثمة، عن زياد بن
قراد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر
أمتي الجنة أترونها للمتقين المنقائين! لا، ولكنها للمذنبين
316

الخطائين) هكذا رواه فهمز فقال: المنقائين بهمزة. والصواب
المنقين يا بلا همز، لأنه من نقي فهو منقى، فإذا جمعت
قلت: المنقين غير مهموز.
وأما ما يصحف من هذا الحديث فقوله المتلوثين: بالثاء
المنقوطة من قولهم تلوثت بالذنب، ومن رواه المتلونين بالنون
فقد صحف.
ومما يغلطون في اعرابه قوله صلى الله عليه وسلم: (أرهقوا
القبلة). أكثرهم يرويه: أرهقوا القبلة، فيفتح الألف ويكسر
الهاء، وهو غلط. والصحيح: ارهقوا بكسر الألف التي هي
الهمزة وفتح الهاء، يقال: رهقت الشئ غشيته، وأرهقته
شرا "، في المتعدي، قال الله عز وجل: (ولا ترهقني من
317

أمري عسرا ") وأرهق فلان الصلاة أخرها حتى تدنو من
الأخرى. ويقال: أرهقت الرجل أيضا ". أعجلته.
وأما الحديث الآخر فحدثنا به ابن صاعد، حدثنا العباس
ابن يزيد، حدثنا بشر بن السري، حدثنا مصعب بن ثابت
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، عن
النبي صلى الله عليه وسلم / قال: (ارهقوا القبلة) معناه اغشوا
بكر القبلة، وادنوا منها، ولا تبعدوا عنها.
وأخبرنا ابن الأنباري، حدثنا أحمد بن يحيى عن سلمة
عن الفراء قال: يقال رهقني الشيء يرهقني رهقا " إذا غشيك،
وأرهقت فلانا " بالشيء وأرهقت الصلاة، قال ابن الأنباري:
حفظناه عن أبي العباس برفع الصلاة، ومعناه أعجلت الصلاة
الناس لأن وقتها ضاق. قال الله عز وجل: (ولا يرهق وجوههم
قتر ولا ذلة).
ومما يقرب في الاعراب من هذا حديث آخر يروى عن ابن
عمر رضي الله عنهما أنه قال: إضح لمن أحرمت له.
318

قال أبو عبيد: المحدثون يقولون: أضح - بفتح الألف وكسر
الحاء - من أضحيت، قال الأصمعي: اضح - بكر الألف وفتح
الحاء - من ضحيت، وهو كما قال الأصمعي، لأنه أمره بالبروز
للشمس وهو الضح، يقال: أضحيت بالمكان، أي أقمت به
حتى أضحيت، ومنه قول عمر رضي الله عنه: (اضحوا بصلاة
الضحى) أي لا تصلوها إلى ارتفاع الضحى، ويدل على صحة
ما قلته ما حدثنا به عبدان، حدثنا محمد بن بكار العيشي،
حدثنا جعفر بن عون، حدثنا عبد الله بن عمر، وسفيان
الثوري، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر عن، أبيه،
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما ضحى مؤمن حتى تغرب
الشمس إلا غربت بذنوبه).
319

ومما يقع فيه زيادة فأحال المعنى: (لا اغرار في صلاة
ولا تسليم) بزيادة ألف، وإنما هي: لا غرار، أخبرنا الحسن
ابن علي بن خلف، أخبرنا نصر عن أبي عبيد، قال: روى
بعضهم هذا الحديث: (ولا اغرار في صلاة ولا تسليم) بزيادة
ألف، قال أبو عبيد: ولا أعرف هذا في الكلام، وليس له
عندي وجه، وإنما هو (لا غرار في صلاة ولا تسليم). فالغرار
ها هنا هو النقصان، ومعناه: لا نقصان في صلاة، يعني ركوعها
وسجودها وطهورها، والغرار / في التسليم أن يقال: السلام
320

عليك، فيقول: وعليك السلام، ولا يقول: وعليكم السلام.
وذهب بعضهم في قوله (لا غرار في صلاة ولا تسليم) إلى أن
المصلي لا ينقص التسليم، والغرار: النوم القليل. وأنشدنا
نفطويه:
ما بال نومك بالفراش غرارا " * لو أن قبلك يستطيع لطارا "
ومما ترك ضبطه فقلب إلى معنى آخر، ما حدثنا محمد بن
هارون الحضرمي، حدثنا بندار، حدثنا محمد بن مجيب،
: حدثنا سفيان، عن يونس بن عبيد، عن زياد بن جبير،
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قالت امرأة: يا نبي
الله إنا كل على آبائنا، وإخواننا، فما يحل لنا من أموالهم؟
321

قال: (من رطب ما يأكلن ويهدين).
وفي حديث آخر: (من الرطب، تأكلن وتهدين من رطب)،
والرطب جميعا " الراء مفتوحة والطاء ساكنة، فيصحفه من
لا علم له، ولا ضبط فيرويه الرطب فيضم الراء ويفتح الطاء،
ويذهب إلى أنه رطب النخيل، فيقلب المعنى، وليس في كل
حال يوجد الرطب و إنما أراد صلى الله عليه وسلم: الرطب
مما يؤكل ويستعمل.
ومما صحف فيه جماعة منهم قوله صلى الله عليه وسلم:
(أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار النادي يتحول).
رواه غير واحد: (فإن جار البادية يتحول). ورواه أبو خالد
الأحمر بالكوفة فقال: إن يقول جار البادية، وهو خطأ.
322

حدثنا ابن أخي أبي زرعة [حدثنا عمي، حدثنا ابن
الأصبهاني، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان عن
سعيد] عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: كان النبي صلى
الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من جار السوء
في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول). هكذا رواه لنا.
وأخبرنا ابن [أخي] أبي زرعة [حدثنا عمي]
حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا أبو خالد الأحمر، قال: جار
البادية، في الحديثين جميعا "، وهو خطأ، وإنما / هو جار النادي،
بالنون لا غير. والنادي والندي: المجلس، قال الشاعر:
كانوا جمالا " للجميع، وموئلا " * للخائفين، وسادة " في النادي
ومما يشكل ويصحف فيه بعض العلماء قوله صلى الله عليه
وسلم: (أناخت بكم الشرف الجون). الشرف الشين مضمومة
323

منقوطة والراء مضمومة وبعدها فاء، فالشرف ها هنا: جمع
شارف، وهي الناقة المسنة، وهم يشبهون الحرب والفتن بها.
والجون: السود ها هنا، فأراد صلى الله عليه وسلم فتنة أو حربا "
هكذا رواه أكثر أصحاب الحديث. ومما عجبت منه أن القتيبي
رواه: أتتكم الشرق الجون بالقاف، والراء ساكنة، وفسره
فقال: أمور تأتي من قبل المشرق. وقال: كل شيء جاء
من ناحية المشرق فهو شارق وشرق، ثم قال: وقد روي (الشرف)
بالفاء.
وروى أيضا " القتيبي في غريب الحديث أن النبي صلى الله
324

عليه وسلم قال: (اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سليل
الجنة) وفسره فقال: هو ماء في الجنة [ولا فإن أعلم أحدا " رواه من
سليل الجنة] وإنما الرواية: (من سلسبيل الجنة).
ومما خالف القتيبي فيه الجمهور أيضا ": قوله في حديث
النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن خير الماء الشبم).
325

فقال القتيبي: أنا أحسبه السنم بالسين غير المعجمة وبالنون.
وقال: ماء سنم. أي ظاهر على وجه الأرض. وكل شيء
علا شيئا " وقد خالف في هذا الرواة وأهل العلم،
فإنهم رووه (الشبم الشين) منقوطة وتحت الباء نقطة، وهو البارد.
ومما يشكل ما حدثنا به القاضي السراج، حدثنا العباس
ابن محمد الدوري، حدثنا محمد بن القاسم، حدثنا عمر بن
326

راشد عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن، أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال / النبي النبي صلى الله عليه وسلم: (أتتكم الدهيماء
- قالها ثلاثا " - ترمي بالنشف، والثانية ترمي بالرضف، والثالثة
سوداء مظلمة إلى يوم القيامة، قتلاها قتلى جاهلية). وقد
روي هذا عن ابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهما.
النشف النون مفتوحة والشين مفتوحة معجمة، ويروى
بالنشف، ساكنة الشين. واختار أبو عبيد (النشف) ساكنة
الشين، وهما جائزان، رويا جميعا ". والنشف: حجارة سود
على قدر الإبهام كما كأنها محترقة. وقال أبو عمرو: وهي التي
تدلك بها الأرجل، وأحدها نشفة وقال:
أفلح من كانت له هرشفه * ونشفة يملأ منها كفة
327

والنشفة أيضا " خرقة ينشف بها الماء من الأرض، وأما
الرضف: الضاد معجمة ساكنة، وقد روي بفتح الضاد،
والأجود تسكينها، فهي الحجارة المحماة بالنار أو الشمس،
واحدتها رضفة بفتحتين، وفي حديث آخر: (كان النبي صلى الله
عليه وسلم إذا سلم كأنه على الرضف حتى يقوم) أي على الجمر.
ومما يصحف فيه قديما " قوله صلى الله عليه وسلم: (أنهاكم
عن القزع) بالزاي المعجمة مفتوحة، وهو أن يحلق بعض
328

رأس الصبي ويترك بعضه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(احلقوا كله أو دعوه كله). وأصل القزع: قطع من السحاب
تبقى في السماء. واحدته قزعة بتسكين الزاي، فشبه ما بقي
من الشعر في الرأس به قال الراجز:
قالت لرأسي والكريم يصلع * ما رأسه إلا جبين أجمع
وفي النواحي قزع مقزع
وقال وأما الحديث الآخر: (ولو بلغت قنذعة رأسه) بالذال
فوقها نقطة فإنه تصحيف، وإنما هو) ولو بلغت قنزعة رأسه)
329

بالزاي، وهو أيضا " ما بقي في الرأس من الشعر متفرقا " في أماكن،
والجمع قنازع، يقال لما بقي من شعره: الأعناص وقنازع
واحدتها عنصوة، وقنزعة. قال أبو النجم:
ميز عنه قنزعا " عن قنزع
وصحفه بعض المحدثين فقال: قنذع بالذال المعجمة. أخبرني
به ابن أخي أبي زرعة، حدثني عمي، حدثنا الحوضي وسليمان بن
حرب، قالا: حدثنا شعبة عن يزيد بن خمير، عن زرعة أبي
330

عبد الرحمن أنه مر برجل علي أبي أيوب رضي الله عنه في
غزوة وقد حملوه على حمال رسول من الوجع، فقال: أبشر، فما
من مسلم يمرض في سبيل الله تعالى إلا حط الله عنه خطيئته ولو
بلغت قنذعة رأسه. كذا قال، بالذال المنقوطة، قال أبو زرعة
قال لنا سليمان بن حرب: سألت الأصمعي عن القنذعة، فلم
يدر ما هو، وقد روي في حديث آخر: (أنه صلى الله عليه
وسلم نهى عن القنازع) ومعناه مثل معنى القزع، حدثناه أحمد
ابن جعفر الأشعري، حدثنا روح بن عصام، حدثنا أبي عن
سفيان عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي
الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القنازع)، وهو
أن يؤخذ الشعر ويترك منه شيء متفرق في أماكن.
وفي حديث آخر يجري مع هذا: (لا فرع ولا عتيرة).
وفي حديث آخر: (لا فرعة) وجميعا " بالفاء، والراء غير
معجمة، والفرع: ذبيحة كانوا يذبحونها لأصنامهم.
ومما يغلط فيه: قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا ينفع
331

ذا الجد منك الجد). قوله: الجد بفتح الجيم لا غير،
332

ومن رواه بكسر الجيم فقد أخطأ، وقلب المعنى. وذكر
أبو عبيد [أن قوما " رووه بكسر الجيم، وقال: لا يجوز، وإنما
الجد بالفتح: الغنى] والرزق، يقول: إنما ينفعه
العمل بطاعتك، وهو كقول الله عز وجل: (قوله لا ينفع مال
ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم). قال أبو عبيد:
حدثنا محمد بن عمر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: لو علمت الجن أن في الانس جدا " ما قالت
(تعالى جد ربنا). قال أبو عبيد: فذهب ابن عباس إلى
أن الجد إنما هو الحظ والعظمة، ولم يكن يرى أبا الأب جدا
وإنما هو عنده أب.
قال أبو عبيد: وزعم بعض الناس أنما هو: ولا ينفع ذا الجد
بكسر الجيم، والجد إنما هو الاجتهاد، وهذا خلاف ما دعا الله
تعالى إليه المؤمنين ووصفهم به. لأنه قال في كتابه: (يا أيها
333

الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا "). فقد أمرهم بالجد
والعمل، فكيف يحثهم على العمل ويحمدهم عليه، ثم يقول
إنه لا ينفعهم؟!
وأما قولهم في القنوت: إن عذابك الجد بالكفار ملحق،
فمعناه أن عذابك الحق الذي ليس بالهزل، ولا يجوز ها هنا
الجد بالفتح.
ومما يشكل أيضا " ما حدثنا به عبدان، حدثنا عبد الله بن
عمر بن أبان، حدثنا سعيد بن سالم القداح، حدثنا ابن
جريج، عن صديق بن موسى، عن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن
حزم، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا تعضية على أهل الميراث إلا ما حمل القسم). قوله:
334

لا تعضية بالضاد المعجمة، والتاء مفتوحة والهاء التي في آخرها،
فهي تاء التأنيث، مثل قولك: تسوية، وتبرية، وتعضية، ومن
لا يعلم يرويه: لا تعضية، فيسكن الياء، ويجعل الهاء أصلية،
كأنها من أصل الكلمة، وهو خطأ "، وقوله لا تعضية هو: أن
يموت الرجل فيدع شيئا " إن قسم كانت تلك القسمة ضررا " على
بعض الورثة. فقال صلى الله عليه وسلم: (فلا يقسم ذلك
ولكن يباع ذلك الشيء ثم يقسم ثمنه بينهم). والتعضية:
التفريق، وهو مأخوذ من الإعضاء، يقال عضيت اللحم
335

أعضيه، إذا فرقته، وروي عن ابن عباس رضي الله
عنهما في قوله تعالى: (جعلوا القرآن عضين). قال: آمنوا
ببعضه وكفروا ببعضه، وهذا من التعضية أيضا "، والشيء
الذي لا يحتمل القسم مثل الجواهر والطيلسان والحمام أو
ما أشبهها.
ويدخل فيه الحديث الآخر: (لا ضرر ولا إضرار في
الاسلام.
ومما يقع فيه التصحيف حتى شكك ذلك بعض العلماء،
336

فجعل له تفسيرا " آخر: روي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم
أتاه الملكان فشقا بطنه ثم قال أحدهما: إيتني بالسكينة).
فرواه بعضهم (إيتني بالسكينة) بكسر السين على أنها مؤنث
سكين. وإنما هي السكنية بفتح السين والكاف غير مشددة،
ولما رأى ابن الأنباري بعض المحدثين قد رواه على تأنيثه
السكين، رأى إقامته عليه، ففسره في كتاب غريب الحديث
على ما رواه المحدث، وقال: (إن السكينة في لغة قوم من
العرب هي السكين، وأكثر أهل اللغة لا يعرفون إدخال الهاء
فيها، وقد روى إدخال الهاء فيها أبو هفان عن التوزي وأنشد:
الذئب سكينته في شدقه * ثم قرابا نصله في حلقه
وهذا ذهاب عن الصواب.
337

وفي حديث، حكي أن شعبة وهم فيه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (إن الشمس لتقرب يوم القيامة من الناس
حتى إن بطونهم تغق غقا "). وفي رواية أخرى: (حتى
تقول بطونهم غق غق). فذكروا أن شعبة قال فيه (عوعو)
بعين مضمومة غير معجمة بعدها واو، وأما غق بالقاف والغين،
فقال الخليل بن أحمد: تقول العرب غق القار يغق غقيقا "
إذا غلا، فسمعت له صوتا ".
ومما يشكل أيضا " قوله صلى الله عليه وسلم في ذكر أهل
المدينة: (ثم يجيء قوم فيبسون بأهل المدينة ليذهبوا معهم،
والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون
338

وقد خلطوا فيه، فروي: قوم ينشون. ذهبوا إلى النش
والصواب: يبسون بالضم، أو يبسون بفتح الياء، والسين غير
معجمة، يقال: أبسست بالرجل إذا دعوته إلى الطعام أو
غيره، وأصله من أبسست بالناقة إذا دعوتها للحلب، ويقال:
بسست وأبسست لغتان. وأنشدنا نفطويه:
ولم يك فيها للمبسين محلب
وهذا من أبس وفي مثل العرب: لا أفعل ذلك ما أبس
عبد بناقة. وفي مثل آخر: الايناس قبل الإبساس.
340

وقال أبو سعيد المكفوف: هو: إنما هو ينبسون، أو
ينبسون. يعني يسيحون في الأرض. وأنشد:
وانبس حياة الكثيب الأهيل
وأما الحديث الآخر: (أن عمر رضي الله عنه كان ينش
الناس بالدرة). قال أبو عبيد: من رواه بشين معجمة فهو
341

تصحيف أو غير محفوظ، وحكي لي أنه ينس بسين غير
معجمة. قال أبو عبيد: فإن كان هذا هكذا فهذا تصحيف
بين على المحدث، قال وأحسبه ينوش، ومعنى النوش صحيح،
لأنه التناول، والصواب ينس النون مضمومة والسين غير
معجمة. ومعناه يسوق الناس، قال الحطيئة:
وطال بها حوزي وتنساسي
342

يعني السوق الشديد. ومن رواه: (كان ينوش الناس
بالدرة) أراد يتناول، من قولهم: التناوش، غير مهموز،
ومن همز التناوش أراد التأخر.
ومما يروى فيه تصحيف فاحش قولهم في خبر نقادة الأسدي
أنه قال: (قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رجل
مغفل فأين أسم؟ ولم أرك تسم في الوجه، قال: في موضع
الجبين من السالفة). فقوله: مغفل الغين ساكنة والفاء
343

مكسورة. ومن رواه مغفلا " بالتشديد، فهو فاحش من
التصحيف، والمغفل الذي له إبل أغفال لا سمات عليها،
واحدها غفل، وفي كلام الأعراب: أنت غفل لم تمسك
التجارب.
ومما صحف فيه قديما ": ذكر أبو عبيد أن عبد الرحمن
ابن مهدي شك فيه، أخبرنا به ابن خلف. حدثنا نصر عن
أبي عبيد، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان عن
سعد بن إبراهيم عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن مثل الخامة من
الزرع تميلها الريح مرة هكذا ومرة هكذا، ومثل المنافق مثل
الأرز المجذية على الأرض حتى يكون انجعافها مرة). قال
344

عبد الرحمن بن مهدي: انجعافها أو انخعافها بالخاء المعجمة.
قال أبو عبيد: وليس انخعافها بشيء.
ويشكل من هذا الحديث ثلاثة مواضع: قوله الخامة،
الأرزة بفتح الهمزة والراء التي تليها ساكنة على ما رواه، وقوله:
المجذية الميم مضمومة، والجيم ساكنة، وتحت الياء نقطتان.
فأما الأرزة: فذكر أبو عبيدة أنها هي الآرزة على وزن الفاعلة،
قال: وهي الثابتة في الأرض، وقد أرزت تأرز، قال أبو عبيد:
والأرزة: غير ما قال أبو عبيدة، إنما هي الأرزة - بتسكين الراء
وفتح الهمزة - وهو شجر معروف بالشام، وقد رأيته يقال له الأرز،
واحدتها أرزة، وهو الذي يسمى بالعراق الصنوبر. ولا يحمل
شيئا "، وإنما الصنوبر ثمر الأرز. وقرأت في كتاب أبي حنيفة
الدينوري: الأرز ذكر الصنوبر ولا يحمل شيئا "، وإنما الحمل
للأنثى. وقال أبو عمرو: وهي الأرزة مفتوحة الراء من شجر
345

الأرزن، قال: والانجعاف الانقلاع، ومنه قيل: جعفت به
الأرض إذا صرعته، فضربت به الأرض، والخامة: الغضة
الرطبة، قال الشاعر:
إنما نحن مثل خامة زرع * فمتى يأن يأت محتصده
قوله خامة، روي في حديث آخر عن أبي هريرة: (مثل
المؤمن مثل خافت الزرع) بالفاء، قال: والخافت: هو الذي
قد لان ومات، ومنه قيل للميت: خفت، إذا انقطع كلامه
وسكن، وهذا أورده أبو عبيد في آخر الكتاب، قال: وهذا
346

مثل قوله: مثل الخامة من الزرع. وقال بعضهم: يروى من
حديث أبي هريرة: (مثل خافه الزرع) بالهاء، ولا أدري ما هو؟
ومن روى خافتة فهو مثل خافت، وهو صحيح. قال أبو عبيد:
والمعنى فيما نرى أنه شبه المؤمن بالخامة التي تميلها الرياح،
والكافر لا يرزأ شيئا "، وإن رزئ لم يؤجر عليه حتى يموت،
فشبه موته بانجعاف تلك، حتى يلقى الله تعالى بذنوبه.
والمجذية: الثابتة، والمنتصبة في الأرض، وهما لغتان:
جذى يجذو، وأجذت تجذي، وابن الأعرابي ينكر جذا. قال
الراعي:
وصناجة تجذو على أصل منسم
وأما الحديث الآخر: (ان النبي صلى الله عليه وسلم مر
على قوم يتجاذون مهراسا ". فقال: أتحسبون الشدة في حمل
347

الحجارة؟ وإنما الشدة أن يمتلئ أحدكم غيظا " ثم يغلبه).
وحدثنا ابن أخي أبي زرعة، حدثنا عمي، حدثنا أبو بكر
ابن أبي شيبة، حدثنا ابن عيينة، عن داود بن سابور، عن
مجاهد قال: (مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوم يجذون
حجرا "، فقال: ما هذا؟ قالوا: حجر الأشداء! فقال: ألا
أخبركم بأشد من هذا؟ الذي يكون بينه وبين أخيه شيء،
فيغلب شيطانه فيأتيه فيكلمه). ومن لا يضبط يرويه: يتجاذبون
حجرا "، بزيادة باء، والصحيح يتجاذون، بلا باء، يقال:
جذى فلان حجرا " إذا رفعه، والأصل في الجاذي أنه المقعي
على الشيء منتصب القدمين، وهكذا كانوا يرفعون الحجر،
وكل ثابت على شيء فقد جذا عليه. وأنشدنا أبو عبد الله
ابن عرفة قال أنشدنا ثعلب عن ابن الأعرابي:
348

لقد طال ما جربتني فوجدتني * على مرقب السوء المزلة جاذيا
قال ابن الأعرابي: أي ثابتا " قائما ". قال: والجثو، لا يكون
إلا على الركبتين. والجذو قد يكون لكل شيء لزم شيئا ".
وقال ثعلب: ولا يعرف ابن الأعرابي مجذي، ولا جذى
فلان حجرا "، وهو أجذى، زعم.
ومما يشاكل هذا الحديث في موضع فيه تصحيف قولهم:
(مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يربعون حجرا ") بالباء
تحتها نقطة، ومن لا يعلم يرويه: يرفعون، وليس بخطأ
في المعنى، ولكن الرواية المضبوطة بالباء لا بالفاء.
حدثنا بدر بن الهيثم القاضي، حدثنا محمد بن عبيد بن
عتبة الكندي، حدثنا إسماعيل بن صبيح، أحسبه عن أبي خالد
الواسطي، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي
كرم الله وجهه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم
يربعون حجرا " فقال: (إن أشدكم أملككم لنفسه عند الغضب،
وأحلمكم من عفا بعد قدرة).
349

وحدثنا عبدان، حدثنا إبراهيم بن المستمر، حدثنا
شعيب بن بيان، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يرفعون
حجرا "، فقال: (ما هذا؟ فقالوا: حجر لنا نسميه حجر الأشداء
فقال: ألا أدلكم على أشدكم؟ أملككم لنفسه عند الغضب).
350

هكذا رواه بالفاء يرفعون، والصواب يربعون، يقال للخشبة
التي يرفع بها العكم المربعة. قال الشاعر:
أين الشظاظان وأين المربعة * وأين وسق الناقة المطبعة
ومما تقلب حروفه فيختلف المعنى: قوله قول النبي صلى الله عليه
وسلم للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (إذا أردت أن تزوج
امرأة " فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) ومن لا يضبط
351

يرويه: (فإنه أحرى أن يدوم بينكما) ومعنى قوله: أن
يؤدم بينكما: أي تكون بينكما المحبة والاتفاق. أدم الله بينكما
يأدمه أدما ".
ومما يقع الخطأ في إعرابه فيفسد المعنى: قوله صلى الله
عليه وسلم: (لا يقتل قرشي بعد هذا اليوم صبرا "). يرويه
من لا يميز: لا يقتل قرشي بعد هذا اليوم صبرا "، فيجزم اللام،
فيصير كأنه أمر، وهذا خطأ فإنه يوجب للقرشي ألا يقتل
صبرا " إن ارتد وقتل، وألا يقتص منه، وهذا خلاف ما أمر
الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والصواب: لا يقتل
[قرشي، اللام مضمومة، فيكون إخبارا " عن قريش أنها
لا يرتد أحد بعد ذلك اليوم فيستحقون القتل صبرا ".
ومما يغلط في إعرابه أيضا ": قوله صلى الله عليه وسلم في
352

العمرى والرقبى: (فمن أعمر عمري، فهي لمن أعمرها)
353

الألف مضمومة والميم مكسورة، ومن لا يعلم يرويه: من أعمر
عمري بفتح الألف والميم، فيفسد المعنى، وإنما هو: من أعمر
عمري أو أرقب رقبى، أي من جعل له دار عمري، وهو مثل
قولهم: من أعطي، والعمري: أن يعطي الرجل أخاه دارا "
أو غيرها فيقول هي لك حياتك، فإذا مت رجعت إلي، فأبطل
النبي صلى الله عليه وسلم الشرط، وأجاز الهبة، وجعلها للموهوب
له بعد موته ولورثته، دون الواهب المشترط.
حدثنا ابن أبي داود، حدثنا سليمان بن خلاد، حدثنا محمد بن
مصعب، حدثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب
عن عروة بن الزبير، عن جابر رضي الله عنه: (من أعمر عمري
حياته، فهي له، ولعقبه من بعده، يرثها من يرثه).
ومما روي على ثلاثة أوجه قوله صلى الله عليه وسلم عند ذكر
الروم: (فيغدرون، فيوافونكم على ثمانين غياية ") بياءين،
354

وروي (ثمانين غاية) بياء واحدة، و (غابة) بباء:
حدثنا أحمد بن إسحاق بن بهلول، حدثنا أبي، حدثنا يعلى
بن عبيد، عن أبيه، عن بكير بن أبي كثير، عن زيد بن رفيع، عن
عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره أنه
قال: (وهدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، ثم يأتونكم على
ثمانين غياية "، تحت كل غياية ثمانون ألفا ") وأكثرهم يروونه
ثمانين غاية "، بياء واحدة تحتها نقطتان، فمن رواه هكذا
قال: الغاية الراية، ومن رواه غياية " بياءين قال: أراد السحابة.
وروى بعضهم: فإذا غياية ترهيأ يعني سحابة "، ومن رواه
غابة بباء تحتها نقطة واحدة، قال: أراد الأجمة.
ومما يشكل، ولا يضبطه إلا أهله قوله صلى الله عليه وسلم:
(ما أذن الله لشيء، كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به)
355

كأذنه: الألف مفتوحة والذال مفتوحة. ومن لا يضبط يرويه
كإذنه فيكسر الألف التي هي الهمزة، ويسكن الذال فيقلب
المعنى، والصواب كأذنه بفتحتين، والأذن: الاستماع، يقال
أذنت للشيء آذن له أذنا " إذا استمعت له، قال عدي بن زيد:
أيها القلب تعلل بددن * ان وقال همي في سماع وأذن
واطلاق هذا من الله تعالى على سبيل التوسع والمجاز وخاطبهم
على قدر تعارفهم، ومعناه الرضى من الله سبحانه بما يأتيه والاقبال
عليه بالرحمة والمغفرة. وقال بعض المفسرين في قوله عز وجل:
(وأذنب لربها وحقت) معناه استمعت لربها. قال الشاعر:
356

صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن إذا ذكرت بسوء عندهم أذنوا
أي استمعوا.
ومما يصحف، ما حدثنا به أحمد بن يحيى بن زهير،
حدثنا بشر بن آدم حدثنا أبو الوليد حدثنا قيس بن الربيع،
حدثنا امرؤ القيس المحاربي، حدثنا عاصم بن بحير عن أبي
شيخ أي يعنى المحاربي، قال: قال / رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (يا معشر محارب نضركم الله، لا تسقون حلب امرأة)
357

نضركم الله، الضاد منقوطة غير مشددة، فلا يجوز بالصاد غير
المعجمة.
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرءا سمع منا
حديثا " فوعاه) هو بالتخفيف أيضا "، يقال: نضر الله وجهه
وأنضر الله وجهه، فنضر هو، وهو ناضر، أي ناعم، ويكون
في كل الوجوه.
ومنه قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة) و (نضرة النعيم).
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسقون حلب امرأة)
لأن الحلب في النساء عند العرب عيب يعير به، قال الفرزدق:
كم عمة لك يا جرير وخالة * فدعاء قد حلبت علي عشاري
358

ويجوز أن يكون كره حلب المرأة من جهة الحيض، وقيل إنه
كره لأن المرأة تحلب قاعدة ".
ومما صحف فيه بعض العلماء: قول عمرو بن الأهتم
للزبرقان بن بدر: حدثنا إنه مطاع في أدنيه - تحت الدال نقطة -
وبعد النون ياء تحتها نقطتان، وقد سمعت جماعة " من أهل
الأدب وأصحاب الحديث يغلطون فيقولون: مطاع في أنديته،
فيذهبون إلى جمع الندي والنادي، وهما المجالس. وحضرت
شيخا " بأصبهان في جامعها قد أملى هذا الحديث عن محمد بن
موسى الإصطخري عن الحسن بن كثير، عن سعيد بن سليمان
السلمي عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، عن أبيه
عن أبي بكرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن الأهتم:
(ما تقول في الزبرقان؟ قال: مطاع في أنديته) فوقفته عليه،
فلم يرجع عنه وأقام على الخطأ!
ومعنى أدنيه: قومه، وعشائر أبويه.
359

ومما صحفوا فيه قديما "، ما حدثني به هبة الله بن محمد
الأصبهاني، حدثنا الحسن بن علوية، حدثنا إسماعيل بن عيسى،
حدثنا داود بن الزبرقان، عن حفص بن عمران، عن حبيب
ابن أبي ثابت، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى /
الله ذلك عليه وسلم قال: (ادهنوا غبا ") يروى أن بعض النقلة
رواه (اذهبوا عنا).
وحكى بعضهم أن روايتهم: (تختموا بالعقيق) تصحيف
وأنه إنما قال صلى الله عليه وسلم: (تخيموا بالعقيق) بالياء
تحتها نقطتان، أي: أنزلوا به: وأحسبه أنهما قد رويا جميعا ".
فأما تختموا بالتاء: فحدثنا ابن منيع، حدثنا الصلت بن
مسعود، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هشام بن عروة، عن
أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(تختموا بالعقيق، فإنه مبارك) ورواه بتاء فوقها نقطتان.
360

ومما يحكيه العامة أيضا " أنهم صحفوا فيه، قولهم: (أن النبي
361

صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم في القذر) يعنون: الثوم في القدر.
قالوا: وروى بعضهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يستحب العسل يوم الجمعة) وإنما هو الغسل. وهذه أشياء
مبتذلة في العامة، ولا أدري كيف صحفتها.
ومما يقع فيه التصحيف الفاحش، ما حدثناه ابن أخي
أبي زرعة، حدثنا عمي [حدثنا أو ثابت] حدثنا الدراوردي
عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رجلا " قال: (يا نبي الله،
إن لي قرابة " أصلهم ويقطعون، وأحسن إليهم ويسيئون،
ويجهلون علي وأحلم عنهم. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
(لكأنما تسقيهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت
على ذلك): هكذا حدثنا ابن أخي أبي زرعة، وهو تصحيف
362

فاحش جدا "، فلست أدري من قبل من هذا؟ ولا أحسب أبا زرعة
ذهب عليه هذا، أو لعله تبع فيه لفظ من حدثه، أو لعل
ابن أخيه لم يضبطه، وإنما الصحيح: (لكأنما تسفهم
المل): السين غير [معجمة وبعدها فاء مشددة. والمل:
اللام مشددة غير] مهموزة.
ومما يشكل قولهم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
رأى مخيلة " في السماء دخل وخرج) مخيلة بفتح الميم وهو
363

الأكثر. وروي مخيلة بضم الميم، والمخيلة بفتح الميم:
السحابة وجمعها مخايل، فإذا أرادوا أن السماء تغيمت قالوا
قد أخالت، فهي بالضم، وإذا أرادوا السحابة قالوا مخيلة
بفتحها. قال أبو سعيد الضرير: لا تكون مخيلة " حتى ترعد
وتبرق. والمخيلة بالضم التي تتغيم وليس فيها شيء من ذلك.
ومما يشكل ما حدثنا به ابن الأنباري حدثنا، محمد بن أحمد
ابن النضر، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، عن عاصم،
عن زر، عن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
أتاه بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعبد الله يصلي،
فافتتح سورة النساء فسجلها - بالجيم - فقال رسول الله صلى
364

الله عليه وسلم: (من سره أن يقرأ القرآن كما أنزل فليقرأ
بقراءة ابن أم عبد) قوله: فسجلها معناه قرأها وصبها،
وهو مأخوذ من السجل، وهو دلو عظيم ملأى، يقال: باتت
السماء تسجل يعني تصب الماء صبا "، قال ذو الرمة يذكر مطرا "
عند سقوط الثريا:
أصاب الأرض منقمس الثريا * بساحية وأتبعها طلالا
وأردفت الذراع له بغيث * سجوم الماء فانسجل انسجالا
يعني مطرا "، والمنقمس موضع الغوص، وساحية تسحو
الأرض أي تقشرها، وانسجل انصب. ويرويه بعض أصحاب
الحديث: فسحلها بحاء غير معجمة، وهو بمعنى سجلها،
يقال: قد سحله مائة دينار إذا أعطاه، وسحله مائة سوط.
ومما يصحف فيه: حديث روي عن أبي موسى رضي الله
عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من حلق
365

ولا سلق، ولا خرق) أكثر رواية المثبتين: خرق، الخاء معجمة،
والراء خفيفة.
وأما الحديث الآخر: (الحرق والغرق شهادة) فهو هاهنا
بحاء غير معجمة، ولا يجوز غيرها، والراء خفيفة
مفتوحة.
وأما حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فإنهم رووه:
366

(فخرقتهم السهام). أهل الخاء معجمة، وبعدها راء خفيفة،
غير معجمة، ورواه بعضهم (فحرقتهم السهام) الحاء غير معجمة
والراء مشددة، فيذكر أهل اللغة أنه إنما هو (فخزقتهم) الخاء
معجمة، وبعدها زاي خفيفة، ويقال: سهم خازق، وخاسق،
وهو المقرطس النافذ، ومنه قول الحسن: (لا تأكل صيد
المعراض إلا أن يخزق) بالزاي. وهكذا أيضا " حديث عدي
ابن حاتم رضي الله عنه: (إذا رميت فخزقت فكل، وإن لم
يخزق فلا تأكل).
حدثنا بكر بن أحمد بن سهيل، حدثنا أبو موسى،
حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن عدي
ابن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
367

(إذا أرسلت كلبك وسميت، فخالط كلابا " أخر فأخذته
جميعا ": فلا تأكل، فإنك لا تدري أيها، أخذه وإذا سميت
فرميت فخزقت فكل، وإن لم يخزق فلا تأكل، ولا تأكل
من المعراض إلا ما ذكيت، ولا تأكل من البندقة إلا
ما ذكيت).
ومما يشكل قوله صلى الله عليه وسلم: (إن هذه التمائم والتولة)
368

قال أبو عبيد: التولة: معاذة أو ورقة تعلق على الإنسان.
وقال أحمد بن يحيى ثعلب: التولة أيضا "، بكسر التاء، فأما
التؤلة بالضم والهمز فإنها الداهية. ومنها قول أبي جهل حين
قطعت رجله: (إن الله أراد بقريش تؤلة). أي داهية ".
ومما يصحف فيه من حديث عمر رضي الله عنه: (أنه
369

سافر في عقب شهر رمضان، وقال: إن الشهر قد تسعسع،
فلو صمنا بقيته)، السين غير معجمة، وقال أبو عبيد:
370

هذا حرف اختلف فيه المحدثون، بعضهم يقول: تسعسع بسينين
غير معجمتين، وبعض يقول: قد تشعشع بشينين منقوطتين، قال:
والصواب عندنا تسعسع - بالسين غير المعجمة - أدبر،
وفني إلا أقله. وأنشدنا:
يا هند ما أسرع ما تسعسعا
ومن قال تشعشع بشينين منقوطتين، أراد ذهب طول الشهر،
قال: وأما من قال: تشعسع. فجعل الأول شينا " منقوطة والثاني
سينا " غير منقوطة، فهو خطأ. ثم قال: ذهب إلى التشاسع،
ولو كان من التشاسع لكان يقول: تشسع، ولم يكن يزاد فيه
عين أخرى، ولست أدري كيف هذا، ولا أحسب أن أحدا "
371

رواه تشعسع، السين الأولى معجمة، والثاني غير معجمة، وليس
الصحيح الا تسعسع، السينان غير معجمتين.
ومما تشكل ألفاظه، ما أخبرنا به أبو بكر الجوهري،
حدثنا سليمان بن الربيع النهدي، حدثنا همام بن مسلم، عن
أبي العوام عمران بن داور [عن قتادة] عن الحسن، عن
372

عمران بن حصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(أنه كان يتعوذ من خمس: من العيمة، والغيمة، والأيمة،
والكزم، والقرم). فالعيمة - العين غير معجمة - شدة شهوة
اللبن، وألا يصبر الإنسان عنه. وأخبرنا الأخفش، حدثنا
ثعلب عن ابن الأعرابي قال: العرب تقول في الدعاء على الإنسان:
ماله، عام وغام أحمد وآم، وسقي بلزن ضاح. عام من شهوة
اللبن، وغام من شهوة العطش، وآم ماتت امرأته، وسقي
بلزن أي موضع ضيق، وضاح في الشمس. وقوله صلى الله عليه
وسلم: والغيمة، بالغين المعجمة - فهو أن يكون الإنسان شديد
العطش، كثير الاستسقاء. كما قال الشاعر يذكر حميرا ":
373

فظلت صوادي خزر العيون * إلي الشمس من رهبة أن تغيما
والأيمة: طول التعزب، والقرم: شدة الشهوة للحم، والكزم:
شدة الأكل، من قولهم: كزم الشيء يكزمه كزما "،
ويقال هو البخل، من قولهم رجل أكزم البنان، أي قصيرها
كما قيل: قصير البنان، جعد الكف
ومما يشكل، ما حدثناه أبو عمرو بن حمك، حدثنا
374

أبو أمية الطرسوسي، حدثنا يعقوب بن محمد، حدثنا عبد العزيز
ابن عمران، حدثنا عبد الله بن مصعب، قال أخبرني أبي، قال:
سمعت عقبة بن عامر رضي الله عنه يقول في حديث ذكره عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبرا "
ولا يذكر الله إلا هجرا "، ومن تتبع المشمعة يشمع الله به)،
هكذا رواه بالشين المعجمة فيها، وقوله: لا يأتي الصلاة
375

إلا دبرا "، قال بعضهم: يقال دابر القوم آخرهم، ويقال:
دبرهم يدبرهم دبرا "، إذا كان آخرهم. والمحدثون يقولون
دبرا "، بإسكان الباء، وقال أبو زيد: الصواب دبرا "، ومعناه
آخر الوقت.
وفي حديث آخر: (من يسمع الناس بعمله يسمع الله به
سامع خلقه) السين غير معجمة، أي من يحب اظهاره
376

ويرائي بعمله يشهره الله ويفضحه، وهذا غير الأول، وأما
المشمعة بالشين المنقوطة فالمزاح، قال الشاعر:
سأبدؤهم بمشمعة، وأثني * بجهدي من طعام أو بساط
أي أبدؤهم بالمزاح، ويقال شمع يشمع، وأنشد:
فتجد حينا " للعلاج وتشمع
وقيل امرأة شموع، فأراد: من كان شأنه العبث والاستهزاء
بالناس، أصاره الله تعالى إلى حال يعبث فيه بها ويستهزأ منه.
377

ومما يشكل قول ابن مسعود رضي الله عنه في صبر، وصير
الباب وقوله: سدرة المنتهى صبر الجنة. الصاد مضمومة
والباء ساكنة، وصبرها أعلاها. وقال: الصبر جانب الشيء
وصبر كل شيء أعلاه، وقال [النمر بن تولب:
عزبت وباكرها الربيع بديمة] وطفاء تملؤها إلى أصبارها
وفي حديث آخر: (من اطلع من صير باب) الصاد
378

مكسورة وتحت الياء نقطتان، فقالوا: الصير: الشق.
فأما قوله: (نهى عن صبر البهائم) الصاد مفتوحة، فهو
أن تحبس وترمى.
ومما يصحف قوله: (إذا صرفت الطرق) يروونه ضربت.
حدثنيه محمد بن حمزة بن عمار، حدثنا يعقوب بن سفيان
379

الفسوي حدثنا يعلى بن أسد، حدثنا عبد الواحد بن زياد،
حدثنا معمر عن الزهري، عن أبي سلمة عن جابر رضي الله عنه
قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم
يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) صرفت
بالفاء، والصاد غير معجمة.
فحدثنا به ابن منيع، حدثنا أبو كامل، حدثنا عبد الرحمن
ابن زياد عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي
صلى الله عليه وسلم بمثله، وقال: وصرفت، مثل الأول. ومن
قال: ضربت بالضاد المعجمة والباء فقد أخطأ.
ومما يصحف: قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس:
(إني أخاف عليك شقاشقة) بالشين المعجمة والقاف وإنما هو
380

سفاسقه بالسين غير المعجمة والفاء، فممن رواه لنا ولم يضبطه،
ما حدثناه الحسن بن محمد بن شعبة الأنصاري، حدثنا يحيى
ابن حكيم المقوم، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا ابن جريج،
أخبرني عطاء، أخبرني عبد الرحمن بن عاصم الثقفي، عن فاطمة
بنت قيس أنها قالت: (خطبها أبو الجهم ومعاوية، فجاءت إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأمره، فقال: (أما أبو الجهم
فإني أخشى شقاشقه، يعني العصا، وأما معاوية فمملق من
المال، فتزوجت أسامة بن زيد بعد ذلك). هكذا يرويه أكثر
أصحاب الحديث وهو وهم لأنه لا يوافق معنى ما في الحديث،
لأنه روي أنه كان يضرب نساءه، فقال لها: أخاف عليك
من عصاه، فإن كان هكذا فهي سفاسقه، والشقاشق لا تكون
للعصا، وإنما هو سفاسقه، السينان جميعا " غير معجمتين وبعد
السين الأول فاء وبعد السين الآخر قاف، وهي: سفاسق العصا
والسيف، الواحدة سفسقه، وهي شطبة كأنها عود في متنه
ممدود كالخيط، وقال بعضهم: بل هو ما بين الشطبتين على
صفحة السيف طولا "، قال امرؤ القيس في سفاسق السيف:
أقمت بعضب ذي سفاسق ميله
وأما الشقاشق بالشين المعجمة فواحدها شقشقة، وهي
382

ما يخرجه البعير من فيه، إذا هاج وهدر، وقال الشاعر:
أقطع من شقشقة الهادر
وسمي الرجال الخطباء شقاشق من هذا، وفي كلام لفاطمة
رضي الله عنها: ونطق زعيم الدين وخرس شقاشق الشيطان، فلو
كان النبي صلى الله عليه وسلم خاف عليها لسانه لكان هذا مستقيما "
وإن كان خاف عليها عصاه وضربه فهو سفاسق، وقد قال في
الحديث الذي رويناه أنه يعني العصا، وفي حديث آخر (أن أبا
الجهم لا يرفع عصاه عن أهله).
ومن الألفاظ التي تشكل ويدخل بعضها في بعض قولهم:
(كان النبي صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه للحسن بن علي رضي
الله عنهما) حدثني علي بن سعدان بن نصر، حدثنا الحسن بن أبي
الربيع، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن عمرو، عن
383

أبي سلمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدلع لسانه للحسن
ابن علي، فإذا رأى الصبي حمرة اللسان بهش إليه). قوله
يدلع لسانه الياء مضمومة واللام مكسورة، يقال أدلع لسانه،
ودلع لسانه، وبهش إليه: أي نظر إليه وأعجبه، واشتهاه،
فتناوله [بسرعة] وأسرع إليه.
وفي حديث آخر يشكل كثيرا " أن النبي صلى الله عليه وسلم
(كان يصلي حتى تزلع قدماه) بالزاي المنقوطة، يقال
تزلعت رجله إذا تشققت، والتزلع: الشقاق، وأنشدنا
الأخفش:
384

ثعالب موتى جلدها قد تزلعا
وأما الحديث الآخر عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي
صلى الله عليه وسلم غضب غضبا " شديدا " حتى خلت أن أنفه يتمزع)
رووه بالزاي المعجمة، والعين غير معجمة، فقال أبو عبيد:
أن قولهم يتمزع ليس بشيء، وأحسبه: يترمع، الراء والعين
385

غير معجمتين، وهو أن تراه [كأنه] يرعد عليه من شدة الغضب.
ومما صحفوه قوله صلى الله عليه وسلم: (عندما يصيب المؤمن
من الشدائد أتحبون أن تكونوا كالحمير الصالة) الصاد غير
معجمة، فرووه: كالحمير الضالة. الضاد معجمة، وهو خطأ،
ويقال للحمار الوحشي الحاد الصوت: صلصال.
ومما يشكل ما حدثنا به أبو الليث الفرائضي في حديث
أسنده (أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدي له أجر وضغابيس
في قناع). قولهم أهدي في قناع له أجر وضغابيس، الراء
386

غير معجمة مكسورة منونة. فالقناع لا بالنون: الطبق والقنع أيضا "،
وقالوا في جمعه أقناع. أن فأما قوله: أهدي له أجر وضغابيس،
فيقال للقثاء الصغار: أجر، وهو جمع جرو، وهكذا يسميه
أهل المدينة. والضغابيس شيء يشبه القثاء، وقيل بل هي القثاء
الصغار. وقال الأصمعي: هو نبت ينبت في أصل الثمام، يشبه
الهليون يصلق ويؤكل.
ومما يروى على وجهين وأحدهما أكثر: ما روي (أن النبي
صلى الله عليه وسلم عطس عنده رجلان، فشمت أحدهما ولم
يشمت الآخر) روي بالشين المعجمة وهو أكثر وأعلى،
وقد روي بالسين غير المعجمة، وكل من دعا لأخيه بخير هو
مسمت له. وفي حديث علي وفاطمة رضي الله عنهما (أن النبي
صلى الله عليه وسلم دعا لهما وشمت عليهما) بالشين المنقوطة.
387

وروى بعضهم في حديث عرفجة: أنه اتخذ أنفا " من
ورق فأنتن عليه. أصحاب الحديث يروونه بالكسر: من
ورق. بكسر الراء يعنون الفضة، وهكذا الرواية، وحكى
بعضهم عن يزيد بن عمرو الغنوي أنه قال: ذاكرت به الأصمعي
فقال: إنما هو من ورق بفتح الراء وقال: فأما الورق فإنه
388

بمنزلة الذهب لا ينتن، وهذا غلط من الأصمعي، أو غلط عليه،
لأنه متعارف بين أهل المعرفة بالطبائع أن الفضة تصدأ وتنتن في
أيام يسيرة، وأن الذهب لا يصدأ ولا يتغير وما سمعته الا بكسر
الراء من المحصلين وغيرهم.
ومما يروى على وجهين وأحدهما أقوى من الآخر قوله صلى الله
عليه وسلم: (أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فينتقل أو ينتثل
ما فيها). رويا جميعا "، وينتثل أقوى.
وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه: (فذهب
برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها) التي تلي اللام
ثاء منقوطة بثلاث.
389

وأما الحديث الآخر: فاستنتل رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمام القوم. عن فبعد السين تاء فوقها نقطتان، وبعد النون
أيضا " تاء مثلها. حدثني به صالح بن أحمد بن صالح، حدثنا
أزهر بن جميل، حدثنا الفضل بن العلاء عن ابن خثيم
عن سعيد بن أبي راشد عن يعلى بن مرة: (أن النبي صلى الله عليه
وسلم خرج من منزله فإذا حسين يلعب مع صبوة، فاستنتل رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم، فبسط يده، فطفق
الغلام يفر ههنا وههنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه
حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه، والأخرى في فأس
رأسه، ثم أقنعه فقبله). استنتل: تقدم، وبه سمي
390

الرجل: ناتلا "، وفأس الرأس: حرف القمحدوة المشرفة على
القفا.
ومما يشكل قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزجو صلاة
لا يرفع الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود). تزجو:
بالزاي والجيم. هكذا يرويه من يضبط من أصحاب الحديث،
ومن لا يضبط يرويه: ترجو بالراء غير المعجمة، وسمعت أبا بكر
ابن الأنباري، وقد ذكر هذا الحديث فقال: رواه المحدثون
بالزاي والجيم، قال: وقال بعض الشيوخ إنما الحديث لا تزكو
بالكاف، فإن كان لا تزجو بالجيم، معناه: لا تنساق ولا تتم،
أزجيت الشيء إذا سقته، وزجاء الخراج: سوق الخراج،
ولا تكاد العرب تقول: زجا النبت، ولعلها لغة قديمة درست،
وهي صحيحة في القياس.
وإن كان الحديث لا تزكو بالكاف فمعناه: لا تنمي
ولا يكمل ثوابها، يقال: زكا الشيء يزكو إذا زاد، وأنشد:
391

وما أخرت من دنياك نقص * وإن قدمت كان لك الزكاء
وكان ومما يقع فيه إشكال: قوله صلى الله عليه وسلم: (عجب
ربكم من ألكم وقنوطكم). الألف من ألكم مفتوحة، يقال:
أل يئل ألا وأللا وأليلا وهو: أن يرفع الصوت ويجأر فيه.
وأنشد:
إذا دعت إليها الكاعب الفضل
392

وترويه العامة (من إلكم) بكسر الألف، (ومن أزلكم)
يذهبون إلى الشدة فكأنه أراد من شدة قنوطكم.
ومما يحتاج إلى ضبط وتقييد: حديثان روي في أحدهما:
(مثل المؤمن مثل النخل) بالخاء المعجمة، وروي في الحديث الآخر:
(مثل المؤمن مثل النحلة) بالحاء غير المعجمة وجميعا " صحيح.
فأما بالخاء المعجمة، فحدثنا أبو جعفر بن زهير، حدثنا
يوسف بن موسى القطان، حدثنا جرير عن ليث عن محمد بن
طارق عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر رضي الله عنهما من مكة
إلى المدينة فما سمعته يحدث عن نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا
هذا الحديث: (مثل المؤمن كالنخلة: إن جالسته نفعك،
وإن شاورته نفعك، وإن صاحبته نفعك، وإن شاركته نفعك،
وكل شيء من شأنه منافع) أخبرنا في هذا الحديث معجمة
لا يجوز غيرها.
393

فأما النحلة بالحاء غير معجمة فحدثنا [به] ابن أخي
أبي زرعة، حدثنا محمد بن عيسى ابن حيان المدائني، حدثنا
سلام بن سليمان الثقفي، حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: (مثل المؤمن مثل النحلة تأكل طيبا " وتضع طيبا ")
وهذا بالحاء غير المعجمة، لا يجوز غيرها.
394

هذا آخر ما يقع فيه التصحيف من ألفاظ الرسول صلى الله
عليه وسلم. وأول الجزء الثالث من شرح ما يقع فيه التصحيف
والإشكال.
وقد ذكرت في الجزء الأول جملة من أخبار المصحفين،
وما روي من أوهام العلماء، وشرحت في الجزء الثاني ما يشكل من
ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم فيقع فيه التصحيف، وأنا
أذكر بعده ما يصحف في الأسماء، والصحيح منه.
395

تم الجزء الأول والثاني حسب تجزئة المؤلف، ويحتوي الجزء الأول على
أخبار المصحفين، وأوهام العلماء. والجزء الثاني على (ما يشكل من ألفاظ
متون الحديث). وهو القسم الأول حسب تجزئة المحقق، وبه ينتهى قسم
تصحيف المتون، ويتلوه إن شاء الله في القسم الثاني تصحيف الأسماء.
والحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة، وكان ذلك في المدينة
المنورة في الثالث عشر من شهر ربيع الآخر من سنة اثنين وأربعمائة
وألف للهجرة النبوية وصلى الله وسلم على خير خلقه محمد وآله وصحبه.
396