الكتاب: إصلاح غلط المحدثين
المؤلف: الخطابي البستي
الجزء:
الوفاة: ٣٨٨
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: د . محمد علي عبد الكريم الرديني
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٧
المطبعة:
الناشر: دار المأمون للتراث - دمشق
ردمك:
ملاحظات:

إصلاح الغلط
أو
إصلاح غلط المحدثين
للامام الحافظ محمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب
المعروف بالخطابي
تحقيق وتعليق
مجدي السيد إبراهيم
للطبع والنشر والتوزيع
3 شارع القماش بالفرناوي - بولاق
القاهرة - ت: 761962 - 768591
1

جميع الحقوق محفوظة
المكتبة القرآن
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله:
نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن
سيئات أعمالنا.
من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
* (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم
مسلمون) * * (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس
واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء،
واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم
رقيبا) *
" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم
أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا
عظيما ".
5

* (بين يدي الكتاب) *
في البدء نقول:
منذ أن صار للإسلام دولة بين دول الأرض، وصار له راية
ترفرف على أرضه من مشارقها إلى مغاربها، وأعداء الدين الإسلامي
يعملون بجد ودأب على محلولة تقويض أركان هذه الدولة
وبحق لقد استطاعوا الوصول إلى كثير من مآربهم، والحصول على
العديد مما يشتهون، لقد نجحت محاولاتهم في تفتيت الدولة الإسلامية
إلا دويلات صغيرة، متفرقة، لا تبحث إلا عن شؤونها، ولا تعرف.
إلا أهدافها الذاتية.
ولكن مع هذا الحال بقيت اللغة العربية ممثلة في كتاب الله عز
وجل، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، صامدة في وجه هذه الهجمات، قوية.
ونستطيع أن نقول إن العامل الأول في حفظ اللغة العربية، هو
وجود كتاب الله الكريم، حيث إن الكتاب محفوظ من قبل الله، كما
قال جل شأنه: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) *.
ولما سبق من نتيجة بقيت السنة النبوية معرضة للدس والإفساد،
ولكن وقف علماء الإسلام بالمرصاد لأهل الأهواء، وتنوعت طرق
المحافظة على السنة النبوية كما خرجت من فمه الشريفة صلى الله عليه وسلم.
فمن العلماء من صنف المصنفات التي لا تشتمل إلا على ما صح
من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كصحيح البخاري ومسلم.
ومنهم من ألف في الأحاديث الموضوعة والضعيفة، والتحذير
7

منها، وهؤلاء كثير. ومنهم من صنف في علم الجرح والتعديل، حتى
يقبل ما كان صحيحا على علم، ويرد ما كان خطأ.
ومنهم من صنف في إصلاح ما أخطأ فيه العوام، والعلماء على
السواء في طريقة نطقه من حيث الأداء.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا يقف فيه الإمام الخطابي، وهو
اللغوي، المحدث، الفقيه، المفسر، مدافعا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم
بإصلاح ما كان من غلطات في النطق، أو كان من أخطاء في
تصحيف، أو تحريف.
ولقد كان هذا الكتاب، ولا زال، من الكتب الأساسية في إصلاح
الغلط الأحاديث من الرواة والمحدثين، ولذا يكثر النقل عنه في كتب
الحديث، من ذلك ما تجده في ثنايا شرح الإمام النووي على مسلم،
في ثنايا تعليقات الإمام ابن حجر على البخاري، إلى غير ذلك من
كتب السنة.
وانطلاقا من أهمية هذا الكتاب رأينا - بعد توفيق الله بالثور على
مخطوطته. أن يخرج الكتاب في حلة زاهية، محققا، ومعلقا عليه.
8

* (ترجمة المصنف) *
1 - نسبه ومولده:
هو الإمام العلامة، الحافظ اللغوي، أبو سليمان، حمد بن محمد
ابن إبراهيم بن خطاب البستي، الخطابي، صاحب المؤلفات الذائعة.
ولد سنة بضع عشرة وثلاثمائة هجرية، في مدينة بست من بلاد
كابل.
2 - نشأته العلمية وشيوخه:
سمع - رحمة الله - علماء عصره من محدثين، ولغويين، فلقد
سمع من: أبى سعيد بن الأعرابي (*) بمكة، ومن إسماعيل بن محمد
الصفار وطبقته ببغداد، ومن أبى بكر بن داسة وغيره بالبصرة، ومن
أبى العباس الأصم، وعدة بنيسابور، وعنى بهذا الشأن متنا،
وإسنادا.
ورودي أيضا عن أبي عمرو بن السماك، ومكرم القاضي، وأبى
عمر غلام ثعلب، وحمزة بن محمد العقبى، وأبى بكر النجاد،
وجعفر بن محمد الخلدي.
9

وأخذ الفقه على مذهب الشافعي عن أبي بكر القفال الشاشي،
وأبى علي بن أبي هريرة، ونظرائهما.
ولقد رحل الإمام - رحمة الله - في طلب الحديث، وقراءة
العلماء، ولقد كان رحمة الله في عصره، يشبه بأبي عبيد القاسم بن
سلام في موضوعيته، وزهده، وورعه، وحبه للتعلم، ونشر
ما تعلمه.
3 - تلاميذه الذين أخذوا عنه:
لقد أخذ عنه العلم بعض شوامخ أهل العلم، من المحدثين،
والحفاظ، فلقد حدث عنه: أبو عبد الله الحاكم، صاحب المستدرك،
هو من أقرانه في السن والسند، والإمام أبو حامد الأسفراييني،
وأبو عمرو محمد بن عبد الله الرزجاهى، والعلامة أبو عبيد أحمد بن
محمد الهروي، وأبو مسعود الحسين بن محمد الكرابيسي، وأبو ذر
عبد بن أحمد، وأبو نصر محمد بن أحمد البلخي الغزنوي، وجعفر بن
محمد بن علي المروزي المجاور، وأبو بكر محمد بن الحسين الغزنوي
المقرئ، وعلي بن الحسن السجزي، الفقيه، ومحمد بن علي بن
عبد الملك الفارسي، وأبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي،
وطائفة سواهم.
4 - مؤلفاته العلمية:
كان الخطابي - رحمة الله - محدثا، فقيها، أديبا، له تصانيف
بديعة، منها:
1 - " معالم السنن " في شرح " سنن أبي داود " مطبوع.
10

2 - " غريب الحديث "، قال عنه الحافظ الذهبي: ذكر فيه ما لم
يذكره أبو عبيد، ولابن قتيبة في كتابيهما، وهو كتاب ممتع مفيد.
3 - " أعلام السنن " في شرح البخاري.
4 - كتاب " الشجاج ".
5 - كتاب " شأن الدعاء ".
6 - كتاب " شرح الأسماء الحسنى " مطبوع، ومنه نسخة في المكتبة
الظاهرية.
7 - كتاب " الغنية عن الكلام وأهله ".
8 - كتاب " العزلة " طبع في القاهرة سنة 1937 م.
9 - كتاب " إصلاح الغلط "، أو " إصلاح غلط المحدثين " وهو
الكتاب الذي بين أيدينا.
10 - كتاب " بيان إعجاز القرآن " طبع في عليكره سنة 1953 م،
ثم طبع مرة ثانية في القاهرة سنة 1955 م.
5 - شعره:
له - رحمة الله - بعض الأشعار التي تحث على معالي الأخلاق،
وتتسم بالطابع العلمي، أو ما يطلق عليه شعر العلماء.
ومن أشعاره التي وصلتنا قوله:
- ما دمت حيا فدار الناس كلهم * فإنما أنت في دار المداراة -
- ولا تعلق بغير الله في نوب * إن المهيمن كافيك المهمات -
11

منها قوله:
- فسامح ولا تستوف حقك دائما * وأفضل فلم يستوف قط كريم -
- ولا تغل في شئ من الأمر واقتصد * كلا طرفي قصد الأمور ذميم -
6 - وفاته:
بعد حياة علمية حافلة بالجد والمثابرة، والتأليف، والتدريس، وفى شهر
ربيع الأول، سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، توفى الإمام الخطابي، في مدينة
بست، فرحمة الله رحمة واسعة، وأجزل له العطاء على ما قدمه من خدمات
للإسلام والمسلمين.
ولمزيد من التفاصيل فعليك بالرجوع إلى المصادر والمراجع التالية:
1 - يتيمة الدهر: (4 / 3334) للثعالبي.
2 - معجم البلدان: (1 / 415).
3 - معجم الأدباء: (4 / 246) (10 / 268).
4 - إنباء الرواة: (1 / 125).
5 - اللباب: (1 / 151، 452).
6 - وفيات الأعيان: (2 / 214).
7 - تذكرة الحفاظ: (3 / 1018).
8 - العبر: (3 / 93).
10 - طبقات السبكي: (3 / 282).
11 - البداية ونهاية: (11 / 236).
12 - شذرات الذهب: (3 / 127).
12

13 - خزانة الأدب: (1 / 282).
14 - الرسالة المستطرقة: (44).
15 - بغية الحافظ: (1 / 546).
16 - النجوم الزاهرة: (4 / 199).
17 - تاريخ التراث العربي لسزكين (1 / 346).
والحمد لله رب العالمين.
13

* (نسخ الكتاب ومخطوطاته) *
1 - طبع الكتاب سنة 1936 في القاهرة.
طبع في سوريا، في مؤسسة الرسالة، وقد
اعتمد في تلك الطبعة على نسخ خطية من الظاهرية، مع المطبوعة
السابقة.
3 - مخطوطة دار الكتب المصرية، وهي التي اعتمدنا عليها في تحقيق
الكتاب، وسوف نرى عند وصفها أنها تعتبر أفضل النسخ الخطية،
إذ أن المطبوعة الثانية في دار الرسالة لا يوجد فيها الحديث رقم
(127)، وكذا الشأن في المطبوعة الأولى.
أما المخطوطة التي اعتمدنا عليها - مع الاهتمام بالقطع إذا حدث
جدت أي زيادة في المطبوعتين بالتنبيه إلى ذلك - مكتوبة بخط
متوسط، مقروء، يوجد بها الكثير من حركات الإعراب في المواضع
التي يجدر أن توجد بها، ولقد كتب على صفحتها الأولى: إصلاح
الغلط لأبي سليمان الخطابي. وقف هذا الكتاب لله تعالى كل من محمد
عبد العظيم السقا، وأخيه محمد إمام السقا، على روح والدهما.
ثم ذكر بعد ذلك أن تملكها تحت يد الذكور، لا الإناث، وأكد
على حرمة بيعها، أو رهنها، أو وهبها.
أما الصفحة الأخيرة:
وقد نقلت تلك المخطوطة عن أخرى مغربية، مودعة في دار الكتب
السلطانية. ولقد كتبها حافظ بن أحمد الطروي، ولقد كتبت سنة
14

1338 هجرية، ومن أطيب ما في المخطوطة من إضافات عما سبق من
المخطوطات التي اعتمد عليها أهل النسخ الأولى، هو وجود حواشي في
ثنايا أوراق المخطوطة، وفى تلك الحواشي الكثير من الإفادات.
ولقد عثرنا على مخطوطة الكتاب في دار الكتب المصرية تحت رمز
مصورات خارج الدار، على ميكروفيلم (1293)، مأخوذة عن
نسخة المكتبة الأزهرية برقم (1413) حديث.
وتحتوي المخطوطة على (28) صفحة، يوجد في كل صفحة
(21) سطر.
ولقد حاولنا خدمة هذا الكتاب ما استطعنا إلى ذلك سبيلا،
وما التوفيق إلا من عند الله العزيز الحكيم.
15

" عنوان الكتاب "
لقد واجهتني مشكلة، هي وأن الناشرين الذين سبقونا،
وأخرجوا هذا الكتاب، قد وضعوا عليه اسم (إصلاح غلط المحدثين)
واشتهر الكتاب بهذا الاسم، وعندما رأينا عنوان الكتاب في المخطوطة
التي بين أيدينا رأيناه (إصلاح الغلط)، فقلنا إننا إن وضعنا العنوان
الأول فقد خالفنا أدبا من آداب التحقيق العلمي، وهو إثبات المخطوط
بما هو عليه من عنوان، إن وضعنا العنوان الذي وجدنا على
المخطوطة التي اعتمدنا عليها، فربما يغتر بعض الناس، فيظن أنه مؤلف
جديد، من مصنفات الخطابي، فشرح الله صدورنا، فرأينا، وضع
العنوانين معا، إصلاح الغلط، أو إصلاح غلط المحدثين، وبهذا نكون
قد صرنا مع آداب البحث العلمي، وأبعدنا القارئ عن الوقوع في
الوهم والإيهام.
وما توفيق إلا من عند الله الملك الكريم..
16

* (عملي في الكتاب) *
1 - تم نسخ الكتاب من المخطوطة التي عثرنا عليها، ثم قابلناه على
ما طبع، وأثبتنا ما كان من اختلاف، أو قط، وهو والحمد لله في
هذه المخطوطة لا يكاد يذكر إلا قليلا، ثم نقلنا
المخطوطة، وهي على ما يبدو من وضع الناسخ الأول، والله أعلم.
2 - قمت بتخرج الآيات القرآنية، وتشكيلها، والأحاديث
النبوية، مع ذكر درجتها، ما أمكن إلى ذلك سبيلا.
3 - ترجمت لكثير من العلماء، والفقهاء، واللغويين، والمحدثين،
الذين يحسن الإحاد بهم، وتركت ما اشتهر منهم كالصحابة مثلا.
4 - نقلت بعض التعليقات الهامة في الرد على الإمام الخطابي في بعض
ما ذهب إليه، حتى تكتمل الصورة أمام القارئ، فيما ورد في هذه
المسألة، أو تلك.
5 - قدمت للكتاب بمقدمة، تحتوي على أهمية، وحياة المؤلف،
ونسخ الكتاب، ووصف المخطوطة التي عثرنا عليها،،،
والحمد لله رب العالمين
مجدي فتحي السيد إبراهيم
17

إصلاح الغلط أو غلط المحدثين للإمام الخطابي
21

" بسم الله الرحمن الرحيم "
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
* (سند المخطوطة) *
قال الفقيه الإمام العالم صفي الدين أبو الثناء محمود بن أبي بكر بن
حامد الأرموي: قرأت على شيخنا المسند الرحلة، ذي المناقب شمس
الدين أبى الغنائم المسلم بن محمد بن المسلم بن علان القيسي يوم
الأحد ثامن شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة قلت له:
أخبرك الشيخ الإمام تاج الدين أبو الفتح منصور بن عبد المنعم بن
عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي، إجارة قال: أنبأ جد أبى فقيه
الحرم أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي - رحمة الله - أنبأ أبو
الحسن عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي - أنبأ أبو سليمان
حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي الستي رحمة الله - قال:
هذه الألفاظ من الحديث يرويها أكثر الرواة والمحدثين ملحونة
ومحرفة، أصلحناها لهم، وأخبرنا بصوابها، وفيها حروف تحتمل
وجوها، اخترنا منها أبينها، وأوضحها والله الموفق للصواب.
23

* (الصواب في قوله الحل ميتته) *
1 - قوله صلى الله عليه وسلم في البحر " الطهور ماؤه، الحل ميتته " (1).
عوام الرواة يولعون بكسر الميم (2) بكسر الميم من الميتة يقولون ميتته، وإنما هو
ميتته مفتوحة الميم.
يريد (3) حيوان البحر إذا مات فيه.
سمعت أبا عمر (4) يقول: سمعت المبرد (5) يقول في هذا:
24

الميتة: الموت، وهو أمر الله جل وعز، يقع في البر، والبحر
لا يقال فيه حلال [ولا حرام] (6).
2 - قال أبو سليمان فأما قوله صلى الله عليه وسلم:
" من خرج عن الطاعة فمات فميتته جاهلية " (7).
فهي مكسورة الميم، يعنى الحال التي مات عليها، يقال: مات
فلان ميته حسنة، ومات ميتة سيئة، كما قالوا: فلان حسن
القعدة، والجلسة، والركبة، والمشية، والسيرة والنيمة، يراد
بها: الحال والهيئة.
فأحسنوا الذبحة وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة) الله الذبحة والقتلة بالفتح
25

* (من آداب الإسلام عند الذبح) *
3 - ومثله قوله صلى الله عليه وسلم:
" إذا ذبحتم فاحسنوا الذبحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة " (8).
فأما القتلة والذبحة مفتوحتين: فالمرة الواحد من الفعل.
4 - وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:
" ليست حيضتك في يدك " (9).
فإنهم قد يفتحون الحاء منه، وليس بالجيد، والصواب:
26

حيضتك، مكسورة الحاء (10).
والحيضة: الاسم أو الحال، يريد: ليست نجاسة المحيض، أو
أذاه (11) في يدك.
فأما الحيضة: فالمرة الواحدة من الحيض، أو الدفعة من الدم.
5 - وفي الحديث الذي يرويه سلمان - رضي الله عنه - في
الاستجماء: -
" أن رجلا من المشركين قال له: لقد علمكم صاحبكم
شئ حتى الخراءة " (12).
عوام الرواة يفتحون الخاء، فيفحش معناه. وإنما هو الخراءة:
مكسور الخاء، ممدود الألف.
يريد: الجلسة للتخلي، والتنظف منه، والأدب فيه.
27

* (دعاء دخول الخلاء) *
6 - قوله صلى الله عليه وسلم عند دخول الخلاء:
" اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث "
أصحاب الحديث (13) يروونه: الخبث، ساكنة الباء، وكذلك
رواه أبو عبيد (14) في كتابه وفسره فقال: أما الخبث: فإنه يعنى
الشر، والخبائث: فأنها الشياطين (15).
قال أبو سليمان: وإنما هو الخبث مضمومة الباء، جمع خبيث
والخبائث فأنه جمع خبيثة استعاذة من مردة الجن، ذكورهم
وإناثهم، وأما الخبث ساكنة فهو مصدر خبث الشئ، يخبث خبثا،
وقد يجعل اسم (16).
28

* (أصل الخبث عند العرب) *
قال ابن الأعرابي (17): أصل الخبث في كلام العرب: المكروه
فإن كان من الكلام: فهو الشتم، وإن كان من الملل: فهو الكفر
وإن كان من الطعام: فهو الحرام، وإن كان من الشراب: فهو
الضار (18).
وأما الخبث: مفتوحة الحاء والباء، فهو ما تنفيه النار من ردئ
الفضة والحديد، ونحوهما.
وأما الخبثة: فالريبة والتهمة، يقال: هو ولد الخبثة إذا كان لغير
رشدة. ويقال: بع، وقل: لا خبثة، أي لا تهمة فيه من غصب أو
سرقة أو نحوهما.
7 - قوله صلى الله عليه وسلم في الاستنجاء:
" وأعدوا النبل " (19).
يروى بضم النون وفتحها، وأكثر المحدثين يروونه النبل مفتوحة
النون، وأجودهما الضمة.
29

قال الأصمعي (20) إنما هو النبل بضم النون وفتح الباء (21)، واحدها
نبلة. وقال غيره: إنما سميت نبلة بالتناول من الأرض، يقال:
انتبلت حجرا من الأرض، إذا أنت أخذته، وأنبلت غيري حجرا،
ونبلته إذا أنت أعطيته إياه، واسم الشئ الذي نتناوله نبلة كما تقول:
اغترفت بيدي ماء، واسم ما في كفك: غرفة.
* (ما يقال للمرأة إذا حاضت) *
8 - قوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة حين حاضت:
" أنفست " (22).
إنما هو بفتح النون وكسر الفاء، معناه: حضت.
يقال: نفست المرأة إذا حاضت، ونفست مضمومة النون من
النفاس (23).
30

9 - وحديثه صلى الله عليه وسلم الذي يرويه علي رضي الله عنه في " المذي " (24)
العامة يقولون: المذي مكسورة الذال مثقلة الياء، وإنما هو
المذي ساكنة الذال، وهو: ما يخرج من قبل الإنسان عند نشاط أو
ملاعبة أهل ونحوهما، والودي: ساكنة الدال غير معجمة، ما يخرج
عقب البول، فأما المني ثقيلة الياء: فالماء الدافق الذي يكون منه
الولد، ويجب فيه الاغتسال.
يقال: ودي الرجل، ومذي بغير ألف، وأمنى بالألف.
قال الله تعالى: * (أفرأيتم ما تمنون) * (25)، وهذا قول أبي
31

عبيد (26). وأكثر أهل اللغة وهو اختيار ابن الأنباري (27).
وقد حكي عن بعضهم الودي والمذي مشددين.
* (من فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم) *
10 - قول عائشة رضي الله عنها:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أملككم لأربه " (28).
مفتوحة الألف، والراء، وهو الوطر، وحاجة النفس، وقد يكون
الإرب: الحاجة أيضا، والأول أبين (29).
32

11 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت " (30).
مكسورة النون وساكنة العين والتاء (31)، أي: نعمت الخلة.
العوام يروونه، ونعمت، يفتحون النون، ويكسرون العين. وليس
بالوجه ورواه بعضهم، ونعمت أي: نعمك الله (32).
12 - قوله صلى الله عليه وسلم في الجمعة:
" من غسل واغتسل " (33)
33

يرويه بعضهم غسل، بتشديد السين، وليس بجيد، وإنما هو
غسل واغتسل بالتخفيف، ويتأول على وجهين:
أحدهما: أن يكون أراد به إشباع اللفظ، والمعنى واحد.
كما قال صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث.
" واستمع وأنصت ومشى، ولم يركب ".
والوجه الآخر: أن يكون قوله غسل، إنما أراد غسل الرأس،
وخص الرأس بالغسل لما على رؤوسهم من الشعر، ولحاجتهم إلى
معالجته، وتنظيفه، وأما الاغتسال، فإنه عام للبدن كله.
* (الصواب في قوله " ما ولدت يا غلام ") *
13 - قوله صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط بن صبرة وافد بني المنتفق:
أراح الراعي غنمه، ومعه سخلة تيعر (34)، فقال صلى الله عليه وسلم:
" ما ولدت يا غلام؟ " قال: بهمة. قال صلى الله عليه وسلم " فاذبح لنا مكانها
شاة "، ثم قال: " لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها " (35).
الرواية ولدت بتشديد اللام، على وزن فعلت، خطاب المواجهة،
34

وأكثر المحدثين يقولون: ما ولدت، يريدون: ما ولدت الشاة وهو
غلط.
تقول العرب: ولدت الشاة: إذا نتجت عندك فوليت أمر
ولادها.
أنشدنا أبو عمر قال: أنشدنا أبو العباس ثعلب (36).
- إذا ما ولدوا يوما تنادوا *
أجدي تحت شاتك أم غلام -
ويقال: ولدت الغنم ولادا، وفي علي الآدميات: ولدت المرأة ولادة،
ومن الناس من يجعلها شيئا واحدا.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تحسبن أنا ذبحناها من أجلك ": معناه: نفي
الرياء، وترك الاعتداد بالقرى على الضيف.
* (هل الصواب أن يقال يلاومني، أم يلائمني) *
14 - حديث ابن أم مكتوم رضي الله عنه:
" إن لي قائدا لا يلاومني " (37).
35

هكذا يرويه المحدثون وهو خطا، والصواب: لا يلائمني، أي:
لا يوافقني، ولا يساعدني على حضور الجماعة.
قال أبو ذؤيب:
- أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا *
إلا أقض عليك ذاك المضجع -
أما الملاومة: إنما تكون من اللوم.
ومنه قوله تعالى:
* (فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) * (38).
* (قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة المغرب) *
15 - حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال:
(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب، بطولى الطوليين) (39).
يعني سورة الأعراف.
يرويه المحدثون بطول الطوليين، وهو خطأ فاحش، فالطول:
الحبل، وإنما هو بطولى: تأنيث أطول. والطوليين: تثنية الطولى،
يريد أنه يقرأ فيها بأطول السورتين. الأنعام والأعراف.
36

قال الشاعر:
- فأعضضته الطولى سناما وخيرها *
بلاء، وخير الخير ما يتخير (40)
* (نسيان الرسول صلى الله عليه وسلم لحكمة بليغة) *
16 - قوله:
" إنما أنسى لأسن " (41).
يرويه عوام الرواة: أنسى، خفيفة السين، على وزن أدعى،
وليس بجيد إنما معنى أنسى: أي ينسى ذكره، أو ينسى عهده،
وما أشبهه.
والأجود أن يقال: أنسى، أي أدفع إلى النسيان.
17 - ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
" لا يقولون أحدكم نسيت آية كيت وكيت، إنما نسي " (42).
37

* (حكم النهى عن الحلق يوم الجمعة) *
18 - " نهيه صلى الله عليه وسلم عن الحلق قبل الصلاة في الجمعة " (43)، وعن
التحلق أيضا كثير من المحدثين: عن الحلق يوم الجمعة، قبل
الصلاة، ويتأولونه على: حلق الشعر.
وقال لي بعض مشايخنا، لم أحلق رأسي قبل الصلاة نحوا من أربعين
سنة بعدما سمعت هذا الحديث.
قال أبو سليمان: وإنما هو الحلق مكسورة الحاء، مفتوحة اللام
جمع حلقة.
ويقال: حلقة وحلق، تقديره: بدرة، وبدر، وقصعة
وقصع (44)، نهاهم عن التحلق والاجتماع على المذاكرة والعلم قبل
الصلاة، واستحب أن يكون ذلك منهم بعد الصلاة.
19 - وفى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه ذو اليدين قال:
" فخرج سرعان الناس " (45).
38

يرويه العامة: سرعان الناس، مكسورة السين، ساكنة الراء،
وهو غلط، والأجود: سرعان الناس، بنصب السين وفتح الراء،
هكذا يقول الكسائي (46).
وقال غيره: سرعان ساكنة الراء، والأول أجود.
فأما قولهم سرعان ما فعلت، ففيه ثلاث لغات: يقال: سرعان
وسرعان وسرعان، والراء فيها ساكنة، والنون نصب أبدا.
* (كلمات يكثر فيها تصحيف الرواة) *
20 - ومما يكثر فيه تصحيف الرواة، حديث سمرة بن جندب، في
قصة كسوف الشمس، والصلاة لها قال:
(فدفعنا إلى المسجد فإذا هو بأزز) (47).
أي بجمع كثير غص بهم المسجد.
رواه غير واحد من المشهورين بالرواية، فإذا هو بارز من البروز،
وهو خطأ.
39

ورواه بعضهم: فإذا هو يتأزز، وقد فسرته في موضعه من
الكتاب وأعدت لك ذكره ليكون منك ببال.
* (الصلاة خير موضوع) *
21 - وفي حديث أبي ذر أنه رضي الله عنه:
أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة. فقال: " خير موضوع
فاستكثر منه " (48). يروى على وجهين:
أحدهما: أن يكون موضوع: نعتا لما قبله: يريد: أنها خير حاضر:
فاستكثر منه.
والوجه الآخر: أن يكون الخير مضافا إلى الموضوع.
يريد: أنها أفضل ما وضع من الطاعات، وشرع من العبادات.
22 - ومما يروى من هذا الباب أيضا على وجهين: حديث ابن
عباس (رضي الله عنه): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر منبوذ (49).
فمن رواه على أنه نعت للقبر أراد على قبر منتبذا من القبور.
ومن رواه على الإضافة: أراد بالمنبوذ: اللقيط، يريد: أنه صلى
على قبر لقيط.
40

23 - ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
" وليس العرق ظالم حق " (50).
من الناس من يرويه على إضافة العرق إلى الظالم، وهو الغارس
الذي غرس في غير حقه.
ومنهم: من يجعل الظالم من نعت العرق، يريد به: الغراس
والشجر، وجعله ظالما لأنه نبت في غير حقه.
24 - وفي حديثه صلى الله عليه وسلم:
أنه صلى إلى جدار فجاءت بهمة تمر بين يديه فما زال يدارئها
حتى لصق بطنه بالجدار (51).
قوله: يدارئها، مهموز من الدرء: ومعناه: يدافعها.
ومنه قوله تعالى:
* (وإذا قتلتم نفسا فادارأتم فيها) * (52).
ومن رواه: يداريها غير مهموز، أحال المعنى، لأنه لاوجه هاهنا
للمداراة التي تجري مجرى المساهلة في الأمور.
وأصل المداراة من قولك، دريت الصيد إذا ختلته لتصطاده.
41

* (كلمات لابد من همزها) *
25 - قال أبو سليمان: ومما سبيله أن يهمز لرفع الإشكال، وعوام
الرواة يتركون الهمز فيه، قوله صلى الله عليه وسلم:
كلوا، وادخروا، وائتجروا " (53).
أي تصدقوا طلب الأجر فيه:
والمحدثون يقولون: وأتجروا، فينقلب المعنى فيه عن الصدقة إلى
التجارة، وبيع لحوم الأضاحي فاسد غير جائز.
ولولا موضع الإشكال، وما تعرض من الوهم في تأويله لكان
جائز أن يقال: وأتجروا بالإدغام، كما قيل من الأمانة اتمن، إلا أن
الإظهار هاهنا واجب، وهو مذهب الحجازيين.
يقال: ائتزر فهو مؤتزر، وائتدع هذا فهو مؤتدع وائتجر فهو
مؤتجر، قال أبو دهبل:
- يا ليت أني بأثوابي ولا وراحلتي *
عبد لأهلك هذا الشهر مؤتجر.
42

* (حكم الجماعة إذا قتلوا واحدا) *
26 - ومن هذا الباب عمر - رضي الله عنه -:
(لو تمام عليه أهل صنعاء لقتلتهم به) (54).
مهوز من الملأ، أي: لو صاروا كلهم ملأ واحدا في قتله.
ويقال: مالأت الرجل على الشئ إذا واطأته عليه.
والمحدثون يقولون: لو تمالى عليه. غير مهموز.
والصواب: أن يهمز، والملا مقصور غير مهموز: الفضاء
الواسع، قال الشاعر:
- ألا غنياني. وارفعا الصوت بالملا * فإن الملا عندي يزيد المدى بعدا -
27 - ومن هذا الباب أيضا حديث ثوبان:
(استقاء رسول الله عامدا فانطر) (55).
مهموز ممدود، أي تعمد القئ، ومن قال: استقى على وزن
اشتكى فقد وهم.
28 - وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
43

" العائد في هبته كالعائد في قيئه " (56).
مهموز، والعامة ثقله، ولا تهمزه.
29 - ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
" تقاتلكم فئام الروم " (57).
يريد: جماعات الروم، مهموز بكسر الفاء.
وأصحاب الحديث يقولون: فيام الروم مفتوحة الفاء مثقلة الياء،
وهو غلط، وإنما الفئام مهموز، قال الشاعر:
- كان موضع الربلات منها *
فئام ينهضون إلى فئام -
30 - وفى حديثه صلى الله عليه وسلم حين قال لنسائه:
" أيتكن تنبحها كلاب الحوأب " (58).
أصحاب الحديث يقولون: الحوب، مضمومة الحاء مثقلة الواو،
وإنما هو الحوأب مفتوحة الحاء مهموزة: اسم بعض المياه أنشدني
الغنوي قال: أنشدنا أبو العباس ثعلب:
- ما هو إلا شربة بالحوأب * فصدى من بعدها أو صوبى -
والحوأب: الوادي الواسع.
44

قال: بعض رجاز الهذليين يصف حافر الفرس:
- يلتهم الأرض بواب حوأب *
كالقمعل المنكب فوق الأثلب -
الوأب: الخفيف، والقمعل: القدح الضخم بلغة هذيل.
* (من هدى الطب النبوي) *
31 - وقوله صلى الله عليه وسلم:
" الكماة من المن، وماؤها شفاء للعين " (59).
الكماة: مهموزة، والعامة تقول الكماة بلا همز.
32 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " (60).
والعامة تقول: النسيان على وزن الغليان، وإنما هو النسيان بكسر
النون، ساكنة السين.
45

والخطأ مهموز غير ممدود، يقال: أخطأ الرجل خطأ، إذا لم
يصب الصواب، أو جرى منه الذنب، وهو غير عامده، وخطئ
خطيئة. إذا تعمد الذنب، قال الله تعالى:
* (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا
وإثما مبينا) * (61).
33 - وقوله صلى الله عليه وسلم:
" لا صدقة في أقل من خمس أواقي " (62)
الأواقي مفتوحة الألف مشددة الياء، غير مصروفة، جمع أوقية،
مثل أضحية وأضاحي، وبختية وبخاتي، وربما خفف فقيل أواق،
وأضاح والعامة تقول: آواق ممدود الألف بغير ياء، والآواق إنما
هو: جمع أوق، وهو الثقل.
* (ما يجب تثقيله، والعوام تقرأه مخففا) *
34 - ومما يجب أن يثقل وهم يخففونه قوله صلى الله عليه وسلم:
" العارية مؤداة " (63).
46

مشددة الياء، وتجمع على العواري مشددة كذلك، وهي اللغة
العالية وقد يقال أيضا: هذه خفيفة، وعارة (64).
35 - ومن ذلك حديثه الآخر أنه: لما آتاهم نعي جعفر رضي الله عنه
. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اصنعوا لآل جعفر طعاما " (65).
النعي بتشديد الياء: الاسم، فأما النعي: فهو مصدر نعيت الميت
أنعاه.
36 - ومن هذا الباب: -
" نهيه صلى الله عليه وسلم عن لبس القسي " (66).
وأصحاب الحديث يقولون القسي مكسورة القاف، خفيفة
السين وهو غلط.
لأن القسي جمع قوس، وإنما هو القسي مفتوحة القاف، مثقلة
السين، وهي: ثياب تنسب إلى بلاد يقال لها: القس. ويقال: أنها
ثياب فيها حرير، يؤتى بها من مصر، وقيل أيضا: إن القسية هي:
القزية، فأما الدراهم القسية فإنها لرديئة. يقال: درهم قسي مخففة
السين، مشددة الياء، على وزن شقي وأراه مشتقا من قولهم: في
فلان قسوة، أي جفاء وغلظة. وإنما سمي الدرهم الزائف قسيا
47

لجفائه وصلابته، وذلك أن الجيد من الدراهم يلين وينثني (67)
37 - قول عمر - رضي الله عنه -:
" إن قريشا تريد أن تكون مغويات لمال الله ".
مشددة الواو مفتوحتها، جمع مغواة، وهي الحفيرة والوهدة
تكون في الأرض.
وعوامة الرواة يقولون: مغويات ساكنة الغين، مكسورة الواو،
وهو خطأ، والصواب هو الأول.
* (الواجب فيه التخفيف، والعوام يثقلونه) *
38 - ومما سبيله أن يخفف، وهم يثقلونه قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه:
" وأعوذ بك من شر المسيح الدجال " (68).
قد أولعت العامة فيه بتشديد السين، وكسر الميم، ليكون -
زعموا - فصلا بين مسيح الضلالة، وبين عيسى عليه السلام،
وليس ما أدعوه بشئ وكلاهما مسيح، مفتوحة الميم خفيفة السين.
فعيسى صلوات الله عليه، مسيح بمعنى، ماسح، فعيل بمعنى:
فاعل لأنه كان ذا مسح ذا عاهة عوفي، والدجال: مسيح، فعيل
بمعنى مفعول لأنه، ممسوح إحدى العينين.
48

ويقال: معنى المسيح في صفة الدجال: الكذاب. يقال: رجل
ممسح وتمسح، وماسح، ومسيح أي: كذاب، قاله: ابن
الأعرابي.
39 - ومن هذا الباب في حديث الذكاة:
" أمر الدم بما شئت " (69).
من قولك، مراه يمريه مريا، إذا أسأله.
ومريت عيني في البكاء، ومريت الناقة إذا حلبتها، وناقة مرية.
وأصحاب الحديث يقولون: أمر الدم مشددة يجعلونه من الإمرار،
وهو غلط. والصواب ما قلته لك (70).
40 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" المعول عليه يعذب ببكاء أهله " (71).
ساكنة العين خفيفة الواو، من أعول يعول: إذا رفع صوته
بالبكاء، والعامة ترويه المعول يشددون الواو، وليس بالجيد.
إنما المعول من التعويل بمعنى: الاعتماد.
يقال: ما علا فلان معول أي: محمل.
وقال بعضهم: عول بمعنى: أعول.
49

41 - وقول عمر - رضي الله عنه -:
لا ينكحن أحدكم إلا لمته من النساء.
أي مثله في السن.
اللمة خفيفة. ومن الرواة من يثقله، وهو خطأ.
قال الشاعر:
- فدع ذكر اللمات فقد تفانوا *
ونفسك فابكها قبل الممات -
فأما لمة الشعر فمكسورة اللام مثقلة الميم.
42 - وأما قوله صلى الله عليه وسلم:
" إن للملك لمة، وللشيطان لمة " (72)
فإنها مفتوحة اللام مثقلة الميم.
43 - وقوله صلى الله عليه وسلم:
" إن اللبن يشبه عليه " (73).
قد يثقله الرواة وهو مخفف يراد أن الطفل الرضيع ربما نزع به
الشبه إلى الظئر.
44 - ومما ثقلوه من الأسماء وهي خفيفة:
50

سنة الحديبية، وعمرة الجعرانة (74).
45 - وقوله في الحوض:
(ما بين بصرى وعمان) (75).
مفتوحة العين، خفيفة الميم، قال: بعضهم مشددة الميم.
وأما عمان التي فرضة البحر، فهي مضمومة العين، خفيفة.
قال ابن دريد (76) دومة الجندل، مضمومة الدال.
وأصحاب الحديث يغلطون فيها فيفتحون الدال، وهو غلط قال
الأصمعي:
بئر ذي أروان معروفة، وهي التي دفن فيها عقد السحر للنبي
صلى الله عليه وسلم. وبعضهم يقول ذروان، وهو غلط.
46 - وقوله صلى الله عليه وسلم:
" اختتن إبراهيم - عليه السلام - بالقدوم " (77).
مخففة، ويقال: أنه اسم موضع، وكذلك القدوم الذي يعتمل
به. خفيف أيضا (78)، وأنشد للأعشى.
51

- أطاف به شاهبور الجنود * حولين يضرب فيه القدم -
47 - فأما الحديث الذي يروى:
أن النبي صلى الله عليه وسلم " احتجم بلحي جمل " (79). فإنه اسم موضع.
48 - ومما يخفف والرواة يثقلونه، ما جاء في قصة بني إسرائيل في
تفسير قوله عز وجل:
* (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) * (80).
إنه السماني.
أصحاب الحديث يولعون بتشديد الميم فيه، وإنما هو السماني،
خفيف، اسم طائر، وواحد كل السلوى: سلواة.
49 - وفي حديثه في الكتاب الذي كتبه أبو بكر (رضي الله عنه) في
الصدقات أنه قال:
(ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس، إلا أن
يشاء المصدق) (82).
عامة الرواة والمحدثون يقولون: المصدق، بكسر الدال،
يريدون: العامل الذي يأخذ الصدقة.
ومعناه: إلا أن يرى العامل في أخذه خطأ لأهل الصدقة، فيأخذ
ذلك على النظر لهم.
52

وأخبرني الحسن بن صالح عن ابن المنذر قال:
كان أبو عبيد: ينكر قوله: إلا أن يشاء المصدق، يقول: هكذا
يقول المحدثون، وأنا أراه المصدق. يعني: رب الماشية.
50 - وفي حديثه الذي يرويه جبير بن مطعم في سهم ذوي القربى قال:
قلت: يا رسول الله ما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم، وتركتنا
وقرابتنا واحدة؟ فقال: " إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا
إسلام، إنما نحن وهم شئ واحد " (83). وشبك بين أصابعه.
هكذا يقول أكثر المحدثين، ورواه لنا ابن صالح عن ابن المنذر
فقال: إنما نحن وهم سي واحد، أي: مثل سواء، وهذا أجود.
يقال هذا سي فلان أي: مثله.
وأخبرني العتوي قال: ثنا أبو العباس ثعلب قال: يقال: وقع فلان
في سي رأسه من النعيم، أي في مثل رأسه وأنشدنا الحطيئة:
- فإياكم وحية بطن واد *
هموز الناب ليس لكم بسي -
51 - وفي حديثه:
" أنه ضحى بكبشين موجيين " (84).
53

وأصحاب الحديث يقولون موجيين، والصواب موجوءين (85)، من
وجأته أجاه، والاسم من الوجاء.
52 - وروى القتبي (86) حديث الاستسقاء عن عمر فذكر القصة
وقال فيها:
رأيت الأرنبة تأكلها صغرى الإبل.
وحكى عن الأصمعي: أن الأرنبة نبت.
وأنكر شمر بن حمدويه: أن تكون الأرنبة اسما لشئ من النبات
قال: وإنما هي الأرينة. سمعت ذلك من فصحاء العرب قال: وقالت
أعرابية من بطن مر، هي الأرينة، وهي الخطمي غسول الرأس.
53 - وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنه -:
يطرق الرجل فحله فيبقى حيري الدهر (87).
أخبرنا ابن الأعرابي قال ثنا عباس الدوري قال: رواه فلان، ونحن
عند يحيى بن معين فيبقى حير الدهر.
قال: وكان أبو خيثمة حاضرا، فقال: لنا عبد الرحمن بن
مهدي: حين الدهر قال أبو سليمان: والصواب، حيري الدهر،
54

وهي كلمة تقولها العرب في التأبيد، يريد: إن أجره يبقى ما بقي
الدهر.
ويقال: أيضا حيري الدهر، وحاري الدهر، والأول وهو كسر
الحاء أشهر. وقال ابن الأعرابي: حير الدهر، وهو جمع حيرى (88).
قال: معناه: دوام الدهر، أي ما دام الدهر متحيرا ساكنا.
* (حكم النية في الصيام) *
54 - قوله:
" لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل " (89)
وراه العامة: يبت، مضمومة الياء واللغة العالية يبت من بت يبت إذا
قطع، ومن رواه: يبت، فقد وهم، إنما يبت من بات يبيت.
وقد روي أيضا: " لمن لم يبيت الصيام من الليل ".
55 - ونظير هذا من رواية العامة قولهم في حديث العباس:
(لا يفضض الله فاك).
هكذا يقولون: مضمومة الياء، وإنما هو: لا يفضض الله فاك
مفتوحة الياء من: فض يفض.
55

56 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " (90).
أصحاب الحديث يقولون: خلوف، وإنما هو خلوف، مضمومة
الخاء، مصدر خلف فمه يخلف خلوفا إذا تغير. فأما الخلوف فهو
الذي يعد ثم يخلف.
قال النمر بن تولب:
- جزى الله عنا جمرة ابنة نوفل *
جزاء خلوف بالخلالة كاذب (91)
57 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" صيام عاشوراء كفارة سنة " (92).
عاشوراء ممدود، والعامة تقصره.
ويقال: ليس في الكلام (فاعولاء) ممدود إلا عاشوراء.
هكذا قال بعض البصريين، وهو اسم إسلامي لم يعرف في
الجاهلية.
56

* (كلمات واجبة مدها، والعوام يقصرونها) *
58 - ومما يمد، وهم يقصرونه قوله صلى الله عليه وسلم:
" أثبت حراء " (93).
سمعت أبا عمر يقول: أصحاب الحديث يخطئون في هذا الاسم،
وهو ثلاثة أحرف، في ثلاثة مواضع: يفتحون الحاء، وهي
مكسورة، ويكسرون الراء، وهي مفتوحة، ويقصرون الألف،
وهو ممدود. قال: وإنما هو حراء، قال الشاعر:
- بثور ومن أرسى ثبيرا مكانه *
وراق لبر في حراء ونازل -
وكذلك قباء لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ممدود (94).
59 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" الذهب بالذهب ربا، إلا هاء وهاء " (95).
57

ممدودان.
والعامة ترويه: ها وها، مقصورين، ومعنى هاء: خذ يقال
للرجل: هاء، وللمرأة: هائي، وللإثنين من الرجال والنساء هاؤما،
وللرجال: هائم، وللنساء: هاؤن.
وهذا يستعمل في الأمر، ولا يستعمل في النهى، فإذا قلت: هاك
قصرت وإذا حذفت الكاف مددت، فكانت المدة بدلا من كاف
المخاطبة.
60 - وفي حديث صلى الله عليه وسلم:
" أنه ركب ناقة القصواء يوم عرفة " (96).
القصواء مفتوحة القاف، ممدودة الألف، هي المقطوعة طرف
الأذن.
يقال: قصوت البعير فهو مقصو، ويقال: ناقة قصواء،
ولا يقال: جمل أقصى.
وأكثر المحدثين يقولون: القصوى، وهو خطأ فاحش، إنما
القصوى نعت تأنيث الأقصى، كالسفلى، في نعت تأنيث
الأسفل (97).
58

* (أين كان ربنا عز وجل) *
61 - حديث أبي رزين العقيلي - رضي الله عنه - أنه قال:
" يا رسول الله، أين كان ربنا - عز وجل - قبل أن يخلق
السماوات والأرض؟ قال: كان في عماء، ما تحته هواء،
وما فوقه هواء ".
يرويه بعض المحدثين: في عمى مقصور على وزن عصا وقفا يريد
أنه كان في عمى عن علم الخلق، وليس هذا بشئ.
وإنما هو في عماء ممدودا، هكذا رواه أبو عبيد وغيره من العلماء.
قال: والعماء السحاب، قال غيره: الرقيق من السحاب. ورواه
بعضهم في: غمام، وليس بمحفوظ.
وقال بعض أهل العلم: قوله: أين كان ربنا؟ يريد: أين كان
عرش ربنا؟ فحذف اتساعا واختصارا، كقوله تعالى:
* (واسأل القرية) * (99). يريد أهل القرية.
وكقوله تعالى:
* (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) * (100). أي: حب
العجل.
قال: ويدل على صحة هذا قوله تعالى:
59

* (وكان عرشه على الماء) * (101).
قال: وذلك أن السحاب محل الماء فكنى به عنه.
62 - ومما يمد وهم يقصرونه فيفسد معناه حديث الشارفين.
- (وأن القينة غنت حمزة فقالت
ألا يا حمز ذا الشرف النواء) (102) -
عوام الرواة: يقولون: ذا الشرف النوى. يفتحون الشين
ويقصرون النوى.
وفسره محمد بن جرير الطبري (103) فقال:
النوى: جمع نواة يريد الحاجة، وهذا وهم، وتصحيف.
وإنما هو الشرف النواء: جمع شارف، والنواء: جمع ناوية وهي
السمينة.
63 - ويصحفون أيضا في قوله عليه السلام:
(أناخ بكم الشرف الجون) (104).
يروونه الشرف الجون، وإنما الشرف الجون، مضمومة
الشين، والراء، جمع: شارف، والجيم من الجون مضمومة أيضا
يريد: الإبل المسان، والجون: السود، شبه به الفتن.
60

وقد يروي أيضا: الشرق الجون، بالقاف أي الجائية من قبل
المشرق.
* (خمس يقتلن في الحل والحرمة) *
64 - فأما ما سبيله أن يقصر وهم يمدونه كقوله صلى الله عليه وسلم في الحرم:
" لا يختلى خلاها " (105).
والخلي، مقصور الحشيش، والمخلى: الحديدة التي يحتش بها
من الأرض، وبه سميت المخلاة.
فأما الخلاء، ممدود، فهو المكان الخالي.
65 - وقوله عليه السلام:
" لا ثنى في الصدقة " (106).
مقصور مكسور الثاء، أي لا تؤخذ في السنة مرتين، قاله:
الأصمعي. ومن رواه: " لا ثناء في الصدقة " (107) ممدودا يذهب إلى أن
من تصدق على فقير طلب المدح والثناء، فقد بطل أجره فقد أبعد
الوهم.
66 - قوله صلى الله عليه وسلم:
61

" المؤمن يأكل في معي واحد " (108).
مكسور الميم، مقصور لا يمد المعي.
والمعنى أنه يتناول دون شبعه، ويؤثر على نفسه، ويبقي من زاده
لغيره.
67 - ومن هذا الباب حديثه الذي يروى:
" أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم عند أضاة بني غفار (109)
ثم
أضاة على وزن قطاة، يقال: أضاة، وأضا، كما قالوا: قطاة وقطا.
والعامة تقول: أضاءة ممدودة الألف، وهو خطأ (110).
* (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة) *
68 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" خمس لا جناح على من قتلهن في الحل والحرم، فذكر:
الحدأة " (111).
بعض الرواة الحدأة مفتوحة
العامة تقول الحداة مفتوحة الحاء، ساكنة الألف، وإنما هي
62

الحدأة مكسورة الحاء، مهموزة (112).
69 - قول عائشة رضي الله عنها:
" طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم " (113).
مضمومة الحاء، والحرم الإحرام، فأما الحرم بكسر الحاء، فهو
بمعنى الحرام. يقال: حرم، وحرام، كما يقال: حل وحلال.
70 - وقوله صلى الله عليه وسلم:
" لا يعضد شجرها ولا يخبط إلا الإذخر " (114).
مكسور الأول.
والعامة تقول: الأذخر مفتوح الأول، وإنما هو الإذخر.
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: (الإثمد) في قوله صلى الله عليه وسلم:
" عليكم بالإثمد، فإنه يجلو البصر " (115).
72 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" الرب ماله " (116).
63

يروى على وجوه:
إحداها: أرب ماله ومعناه: أنه ذو إرب، وخبرة، وعلم.
ويروى: أرب ماله ومعناه: احتاج فماله، وقال بعضهم معناه:
سقطت أعضاؤه وأصيبت.
ويروى: أرب ماله يريد أرب من الآراب جاء به و (ما) صلة.
وهذا في حديث: يروى أن رجلا اعتراض النبي صلى الله عليه وسلم ليسأله فصاح به
الناس، فقال عليه السلام عند ذلك هذا القول
73 - قوله صلى الله عليه وسلم في المدينة:
" من أحدث حدثا أو آوى محدثا " (117).
الوجه أن يقال محدثا بكسر الدال، وقد يحتمل أن يقال محدثا
بفتحها، والأول أجود.
ونظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم:
في قصة إبراهيم بن القبطية: -
" إن له مرضعا في الجنة " (118).
يروى على وجهين: مرضعا، من أرضعت المرأة فهي مرضع.
والمرضع: ذات اللبن. فأما المرضعة فهي التي لها ولد. ويروى
أيضا: مرضعا مفتوحة الميم، أي رضاعا.
64

75 - وقوله صلى الله عليه وسلم:
" لبيك إن الحمد والنعمة لك " (119).
إن مكسورة الألف أحسن.
ورواية العامة " أن الحمد " مفتوحة الألف.
أخبرني أبو عمر عن أبي العباس ثعلب قال:
من قال: أن ب
فتح الألف خص، ومن قال: إن بكسر إن عم.
وفى قصة سوق الهدي أن الأسلمي قال:
أرأيت أن أزحف علي منها شئ؟ قال: " تنحرها " ثم تصبغ
نعلها - في دمها - ثم اضر على صفحتها، ولا تأكل منها أنت،
ولا أحد من أهل رفقتك " (120).
يرويه المحدثون: أزحف. والأجود أن يقال: أزحف، مضمومة
الألف، يقال: زحف البعير، إذا قام من الإعياء، وأزحفه السفر.
وإنما منعه أهل رفقته أن يأكلوا منها شيئا، لئلا يتخذوه ذريعة إلى
نحرها.
77 - وفي حديث [سعد بن أبي وقاص] (12) حين قيل له: إن فلانا
65

ينهى عن المتعة فقال:
" تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفلان كافر بالعرش " (122).
يريد بالعرش: بيوت مكة، جمع عريش.
يريد: أنه كان كافرا، وهو مقيم بمكة.
وبعضهم يرويه وهو كافر بالعرش، وهو غلط.
78 - في حديث أبي بردة بن دينار في الجذعة التي أمره عليه السلام
أن يضحي بها قال:
" ولا تجزي عن أحد بعدك " (123).
تجزي، مفتوحة التاء من: جزى عني هذا الأمر، يجزي عني:
أي يقضي، يريد: أنها لا تقضي الواجب عن أحد بعدك.
فأما قولك: أجزأني الشئ مهموزا، فمعناه: كفاني.
79 - في حديث ابن عمر رضي الله عنهما:
" أضح لمن أحرمت له " (124).
يرويه أكثر المحدثين: أضح، مقطوعة الألف، مفتوحها، وهو
غلط، والصواب: اضح أي: أبرز للشمس، وأما أضح فإنما هو:
من أضحى يضحي، كما قيل: أمسى. يمسي.
80 - وفي قصة صفية بنت حيي رضي الله عنها حين قيل للنبي صلى الله عليه وسلم
يوم النفر، إنها قد حاضت فقال:
66

" عقرى حلقى، ما أراها إلا حابستنا " (125).
أكثر أصحاب الحديث يقولون: عقرى، حلقى على وزن
غضبى، وعطشى.
قال أبو عبيد: وإنما هو عقرا حلقا على معنى الدعاء معناه
عقرها الله وحلقها. فقوله: عقرها يعني عقر جسدها، وحلقها:
أصابها بوجع في حلقها.
قال أبو سليمان: وقال غيره: العرب تقول: لأمه العقر،
والحلق، أي ثكلته أمه، فتحلق شعرها، وهي عاقر لا تلد.
ورودي علي بن خشرم عن وكيع بن الجراح (126). قال:
قوله: حلقي، هي المشؤومة. والعقرى: التي لا تلد من العقر.
قال الخليل (127): يقال امرأة عقرى وحلقى: توصف بالخلاف
وشؤم. قال الليث صاحبه: إنما اشتقاقها من أنها تحلق قومها،
وتعقرهم أي تستأصلهم من شؤمها (128).
67

81 - وقوله صلى الله عليه وسلم:
" إذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع " (129).
عوام الرواة يقولون: إذا أتبع بتشديد التاء، على وزن افتعل. وإنما
هو أتبع، ساكنة التاء على وزن أفعل، من الإتباع.
ومعناه إذا أحيل على ملئ فليحتل.
82 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ". فذكر " المنفق سلعته
بالحلف الفاجرة " (130). المنفق: مشددة الفاء أجود، يريد:
المروج لها، من النفاق. فأما المنفق: ساكنة النون، فإنه يوهم
معنى الإنفاق.
83 - وفي حديث عثمان - رضي الله عنه -:
" لا تكلفوا الأمة غير الصناع كسبا، فإنها تكسب
بفرجها " (131)
والصناع: خفيفة النون: التي تصنع بيدها، ضد الخرقاء التي
لا تصنع.
يقال: رجل صنع، وامرأة صناع. قال الحطيئة:
68

- هم صنعوا لجارهم وليست *
يد الخرقاء مثل يد الصناع -
ورواية العامة غير الصناع مثقلة النون، لا وجه لها.
84 - وفي حديث الحجاج بن عمرو (132):
" ما يذهب عني مذمة الرضاع؟ " قال: " غزة عبد أو أمة " (133).
مذمة بكسر الذال: أجود، من الذمام، ومذمة: بفتحها من
الذم.
85 - قوله صلى الله عليه وسلم في قصة درة بنت أبي سلمة:
" أرضعتني، وأباها ثويبة " (134).
أخبرنا ابن الأعرابي عن عباس الدوري قال:
سألت يحيى بن معين عن حديث أم حبيبة: هل لك في درة بنت
69

أبي سلمة؟ فقال: " أرضعتني، وأباها ثويبة " فقلت ليحيى:
" أرضعتني، وإياها ثويبة ". فأبى وقال: " أرضعتني، وأباها
ثويبة ". يريد أنها ابنة أخيه من الرضاعة.
86 - حديث عبد الله بن عمرو في إتيان النساء في أدبارهن فقال:
" تلك اللوطية الصغرى " (135).
رواه بعض أصحابنا تلك الوطأة للصغرى، وهو خطأ فاحش وفيها
ما يوهم إباحة ذلك الفعل.
وإنما هو: " تلك اللوطية الصغرى " على التشبيه له بعمل قوم
لوط.
87 - حديث ابن المسيب:
" وهم ابن عباس - رضي الله عنه - في تزويج ميمونة " (136).
يقال: وهم الرجل إذا ذهب وهمه إلى الشئ.
ووهم فيه: مكسورة الهاء، إذا غلط وأوهم: إذا أسقط.
88 - ومن هذا حديث ابن عباس - رضي الله عنه -:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد للوهم، وهو جالس " (137).
70

أي للغلط. يقال: وهم يوهم وهما. متحركة الهاء، مثل
وجل، يوجل، وجلا.
* (أيهما أصح: وهل، أم وهم؟) *
89 - فأما قول عائشة - رضي الله عنها - حين ذكر لها قول ابن
عمر - رضي الله عنهما - قتلى بدر:
" وهل ابن عمر " (138).
فمعناه: غلط.
يقال: وهل الرجل يهل وهلا إذا غلط، ويقال: ذهب وهلي إلى
كذا، أي: وهمي. فأما وهل بكسر الهاء فمعناه: فزع. يقال وهل
يوهل وهلا.
90 - حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -:
(أن رجلا قال له: وما هذه الفتوى التي شعبت الناس) (139).
أي: فرقتهم.
كان شعبة (140) يرويه: شغبت بالغين معجمة، وهو غلط.
والصواب بالعين غير المعجمة
71

* (حكم من قتل نفسا بالمعاهدة) *
91 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" من قتل نفسا معاهدة لم يرح رائحة الجنة " (141).
أكثر المحدثين يرويه: لم يرح مكسورة الراء، ورواه بعضهم: لم
يرح. وأجودها لم يرح مفتوحة الراء، من رحت أراح إذا وجدت
الريح.
92 - قوله في حديث الجنين:
(كيف أعقل من لا شرب، ولا أكل، ولا صاح، ولا استهل،
فمثل ذلك يطل) (142).
عامة المحدثين يقولون: بطل من البطلان.
ورواه بعضهم: يطل أي: يهدر، وهو جيد في هذا الموضع.
يقال: طل دم الرجل إذا ذهب هدرا، ودم مطلول.
قال: الشنفري:
- إن بالشعب الذي دون سلع *
لقتيلا دمه ما يطل -
72

* (حكم سعد رضي الله عنه) *
94 - وفي قصة بني قريظة أنه صلى الله عليه وسلم قال لسعد - رضي الله عنه -:
" لقد حكمت فيهم بحكم الملك " (143).
يرويه بعضهم بحكم الملك، والأول أجود لأن الملك هو الله عز
وجل والحكم له.
ومن قال: الملك أراد الحكم الذي أوحاه الملك.
أي: أداه عن الله عز وجل.
94 - وفي هذه القصة:
(لقد حكمت بحكم الله فوق سبعة أرقعة) (144) بالقاف.
يريد: السماوات.
ومن قال: أرفعة، بالفاء، فقد غلط.
95 - حديث يزيد بن طارق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ما من أحد إلا وله شيطان) فقيل: ولك يا رسول الله؟ قال:
" ولي، إلا أن الله عز وجل أعانني عليه فأسلم " (145).
عامة الرواة يقولون: فأسلم على مذهب الفعل الماضي،
يريدون.. أن الشيطان قد أسلم إلا سفيان بن عيينة فإنه يقول:
فأسلم: أي سلم من شره، وكان يقول: الشيطان لا يسلم.
73

* (خوف أبى طالب من العار) *
96 - في قصة موت أبي طالب أنه قال:
" لولا أن تعيرني قريش، فتقول: أدركه الجزع لأقررت بها
عينك " (146). كان أبو العباس ثعلب يقول: إنما هو الخرع، يعني
الضعف، والخور (147).
97 - قوله عليه السلام:
" إن من عباد الله لأناسا، ما هم بأنبياء، ولا شهداء، يغبطهم
الأنبياء والشهداء "، قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: " قوم
تحابوا بروح الله عز وجل " (148).
الراء من الروح مضمومة، يريد القرآن.
ومنه قوله تعالى:
* (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا) * (149).
98 - ومن قوله، عليه السلام:
74

" فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل " (150).
الحبة مكسورة الحاء: بذور البقل والنبات.
فأما الحنطة ونحوها فهو الحب لا غير.
* (حرمت الخمر بعينها) *
99 - قول ابن عباس - رضي الله عنهما -:
" حرمت الخمر بعينها، والسكر من كل شراب " (151).
يرويه عوام المحدثين: والسكر من كل شراب، مضمومة السين
فيبيحون بعد به قليل المسكر، والصواب أن يقال: السكر مفتوحة
السين والكاف. كذلك رواه أحمد بن حنبل ومعناه: المسكر من
كل شراب.
قال الشاعر:
- بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم *
إذا جرى فيهم المزاء والسكر -
75

* (حكم نظر الفجاءة) *
100 - حديث جرير - رضي الله عنه - قال:
" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أطرق
بصري " (152).
هكذا يرويه أكثر الناس.
وأخبرنا ابن الأعرابي عن عباس الدوري عن يحيى بن معين (153)
قال:
إنما هو: " أمرني أن أصرف بصري " (154).
* (ما ينبغي أن يهمز، والعوام لا يهمزونه) *
101 - في الحديث:
أن رسول صلى الله عليه وسلم قال لبني ساعدة: " من سيدكم؟ " قالوا: جد
ابن قيس وإنا لنزنه على ذلك بشئ من البخل، فقال: " وأي داء
أدوى من البخل " (155).
76

هكذا يرويه: أصحاب الحديث لا يهمزونه، والصواب: أن
يهمز فيقال: أدوأ، لأن الداء أصله من تأليف دال، وواو، وهمزة.
يقال: دواء، وفى الجمع أدواء والفعل منه داء يداء دوأ، تقديره:
نام ينام نوما، ودوأه المرض مثل نومه.
أنشدني أبو عمر قال: أنشدنا أبو العباس ثعلب عن ابن الأعرابي
لرجل عقه ابناه (156).
- وكنت أرجي بعد نعمان جابرا *
فدوأ بالعينين والأنف جابر -
ويقال: دوي الرجل يدوي دوى. إذا كان به مرض باطن.
فأما الداء ممدود مهموز. فاسم جامع لكل مرض ظاهر وباطن.
قال عيسى بن عمر: سمعت رجلا يقول: برئت إليك من كل
داء تداءه الإبل.
102 - وفي الحديث:
" تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار يوم بدر (157)
77

كما مفتوحة، والعامة تكسرها.
وقد حكي أيضا عن أبي العباس ثعلب ذو الفقار، بكسر الفاء.
103 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" أنا سيد ولد آدم ولا فخر " (158).
ساكنة الخاء، يريد: أنه يذكر ذلك على مذهب الشكر
والتحدث بنعمة الله، دون مذهب الفخر، والكبر.
وسمعت قوما من العامة يقولون: ولا فخر، مفتوحة الخاء، وهو
خطأ ينقلب به المعنى، ويستحيل إلى ضد معنى الأول. أخبرني أبو
عمر أنبأ أبو العباس ثعلب، عن ابن الأعرابي قال: يقال: فخر
الرجل بآبائه يفخر فخرا. فإذا قلت: فخر بكسر الخاء قلت فخرا،
مفتوحتها كان معناه: أنف وأنشد:
- وتراه يفخر أن تحل بيوته *
بمحلة الزمر القصير عنانا -
أي: يأنف منه.
قال أبو العباس: ويقال: فخز الرجل، بزاي معجمة،
وفايش: إذا افتخر بالباطل، وأنشد:
ولا تفخروا فإن الفياش بكم مزرى.
104 - قوله صلى الله عليه وسلم:
78

" ما أذن الله لشئ كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن " (159)
الألف والذال مفتوحتان، مصدر أذنت للشئ أذنا، إذا سمعت
له، ومن قال: كإذنه، فقد وهم.
105 - في قصة أبي عامر الذي يلقب بالراهب: -
" أنه كان يدين الحنيفية، ويدعو إليها، فلما بلغه أن الأنصار
بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تغير، وخبت، وعاب الحنيفية ".
الرواية: خبت بالتاء، التي هي أخت الطاء، والعامة ترويه:
خبث، بالثاء، وهما قريبتان في المعنى، إلا أن المحفوظ، إنما هو خبت
بالتاء لا غير.
قال اللحياني (160): يقال رجل خبيث نبيت أي: خسيس حقير.
106 - في الحديث الذي يرويه عياض بن حمار - رضي الله عنه -
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما أمر بتبليغ الوحي. قال: " اللهم إن آتهم
به يفلغ رأسي، كما تفلغ العترة " (161)
أي: يشق رأسي من الفلغ وهو الشق.
ومن قال: يقلع، فقد صحف.
فأما قوله: " يثلغ رأسي " (162). فإنه من حديث آخر.
107 - وقوله صلى الله عليه وسلم حين رأى الملك:
79

" فجئثت فرقا " (163).
صحفه بعضهم: فجبنت من الجبن، وإنما هو: فجئثت، أي
فرقت، ويقال: رجل مجؤوث.
* (ما تتقارب فيه الروايات، والمعنى واحد) *
108 - وقوله صلى الله عليه وسلم:
" لا تحرم الملجة، والملجتان " (164).
وقد رويناه: الملحة، والملحتان، وفسرناه في كتابنا هذا.
* (ومما تقارب فيه الروايات ولا يختلف لها المعاني) *
109 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" إن شدة الحر من فيح جهنم " (165) ويروى " من فيخ جهنم ".
110 - وقيل لخباب - رضي الله عنه - أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يقرأ في الظهر، والعصر؟ قال: نعم. قيل له: بم كنتم تعرفون
80

ذلك؟ قال: " باضطراب لحيته " (166).
وقيل: " لحييه ". وكلاهما قريب.
111 - ومن هذا النحو قوله صلى الله عليه وسلم:
" لا ينبغي لامرأة أن تحد على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على
زوج " (167). ويروى: تجد، وتحد، بالحاء أجود (168).
112 - وقوله صلى الله عليه وسلم:
وأكثرهم في الرواية بالجيم، وأعرفهما في الكلام بالحاء وهو:
المثقل بالدين.
113 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن " (170).
يروى لا يغل، من الغل.
81

قال أبو عبيد: فمن قال: يغل بالفتح، فإنه يجعله من الغل، وهو
الضغن، والشحناء.
ومن قال: يغل، بضم الياء، جعله من الخيانة، من الإغلال.
قال: أبو سليمان: وكان أبو أسامة حماد بن أسامة القرشي (171)
يرويه: يغل، يجعله من وغل يغل وغولا (172).
114 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" لا تضارون في رؤيته " (173).
يروى: بالتخفيف، أي لا يصيبكم ضير.
وتضارون مشددة، من الضرار، أي: لا يضار بعضكم بعضا
بأن تتنازعوا، فتختلفوا فيه، فيقع بينكم الضرار.
115 - ومثله:
" تضامون في رؤيته، وتضامون " (174).
الأولى: خفيفة من الضيم، والأخرى: مشددة من التضام،
والتداخل.
82

116 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" من ترك مالا فلأهله، ومن ترك ضياعا فإلي " (175).
ضياعا بفتح الضاد: مصدر ضاع الشئ يضيع ضياعا. أي بما
هو برصد أن يضيع من عيال وذرية، ومن كسر الضاد أراد جمع
ضائع يقال: ضائع وضياع، كما قيل: جائع وجياع، والمحفوظ هو
الأول.
117 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" عجب ربكم من ألكم، وقنوطكم " (176).
يرويه المحدثون: من إلكم بكسر الألف، والصواب ألكم
بفتحها.
يريد: رفع الصوت بالدعاء.
118 - وروى بعض الرواة في حديث عائشة - رضي الله عنها -:
" والله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بخطها " (177).
فقال: في بقطة، والبقطة: البقعة من بقاع الأرض.
وهذا متوجه، والمشهور: في نقطة، بالنون.
119 - حديث عبادة:
83

" البر بالبر مدي بمدي " (178).
المدى غير المد، المدي: مكيال لأهل الشام، والمد: ربع
الصاع.
120 - وفي قصة تزويج فاطمة:
" أنه لما بنى بها علي - رضي الله عنه - فلما أصبحت دعا بها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت خرقة من الحياء " (179).
خرقة بالقاف أي: خجلة، وخرفة بالفاء، غلط لا وجه هاهنا.
121 - في الحديث:
" من جمع مالا من نهاوش " (*).
هكذا يقول أصحاب الحديث بالنون، وهو غلط.
إنما هو من تهاوش، وزنه: تفاعل، من الهوش: وهو
الاختلاط.
122 - قوله:
" الحرب خدعة " (180).
اللغة العالية: خدعة مفتوحة الخاء.
84

قال أبو العباس: وبلغنا أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية والعامة خدعة.
قال الكسائي وأبو زيد: يقال أيضا: خدعة، مضمومة الخاء،
مفتوحة الدال
123 - حديث عمر - رضي الله عنه -:
" أنه حمى غرز النقيع " (181).
النقيع: موضوع، بالنون وليس بالبقيع الذي هو: مدفن الموتى
بالمدينة.
124 - في الحديث:
(موتان الأرض لله ولرسوله) (182).
يعنى الموات من الأرض، وفيه لغتان: موتان، مفتوحة الميم،
ساكنة الواو. وموتان: الميم والواو متحركتان.
فأما الموتان. فهو الموت. يقال وقع الموتان في المال.
125 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" ما زالت أكلة خيبر تعادني " (183).
قال أبو العباس ثعلب: لم يأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الشاة إلا
85

لقمة واحدة، ولا يجوز أن يروى: أكلة خيبر، مفتوحة الألف، كما
رواه بعض أصحاب الحديث، إنما الأكلة بمعنى: المرة الواحدة من
الأكل، والأكلة اللقمة.
126 - وفي الحديث:
" من غير تخوم
الأرض حدودها الأرض " (184).
أي: حدودها، المعربون: يفتتحون التاء.
والمحدثون يقولون: تخوم على أنه جمع تخم (185).
127 - وفى الحديث (186).
" إن الله تعالى يبغض أهل البيت اللحمين " (187).
وهو جمع اللحم، يقال: رجل لحم: أي أكول اللحم.
وأصحاب الحديث: يروونه: اللحميين، وهو غلط.
128 - في حديث سؤال القبر:
" لا دريت ولا تليت " (188).
86

هكذا يقول المحدثون. والصواب: ولا ائتليت، تقديره
افتعلت، أي: لا استطعت، من قولك: ما ألوت هذا الأمر
وما استطعته. وفيه وجه آخر، وهو أن يقال: ولا أتليت. يدعوا عليه
بأن لا تتلى إبله، أي لا يكون لها أولاد تتلوها، أي: تتبعها.
129 - وفي حديث عبد الله بن مسعود
" أصل كل داء البردة " (189).
البردة مفتوحة الراء: التخمة، أصحاب الحديث يقولون:
البردة، وهو غلط.
130 - وفي حديث أبي هريرة:
" الراوية يومئذ يستقى عليها، أحب إلي من لاء،
وشاء " (190).
وكذا يرويه المحدثون: وإنما هو من ألآء قد تقديره ألعاء، وهي الثيران
واحدها لأي، تقديره لعا، مثل قفا، وأقفاء.
131 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" الذي يشرب في آنية الفضة، إنما يجرجر في بطنه
نارا " (191).
87

الرواة يرفعون نارا بمعنى: أن الذي يدخل جوفه هو النار. وإلى
هذا أشار أبو عبيد (192)، وعلى ذلك دل تفسيره لأنه قال:
الجرجرة: الصوت ومعنى يجرجر، يريد: صوت وقوع الماء في
جوفه. قال: ومنه قيل للبعير إذا صوت: يجرجر، بعض أهل
اللغة: إنما هو يجرجر في بطنه نارا، بنصب الراء، والجرجرة:
الصب يقال: جرجر في بطنه الماء إذا صبه، جرجرة، وجرجر
الجرة إذا صبها.
قال: ومعناه كأنه يصب في جوفه نار جهنم.
132 - قوله عليه السلام:
" قولوا بقولكم، ولا يستجرينكم الشيطان " (193).
معناه: لا يتخذنكم الشيطان جريا، والجري: الأجير، والوكيل
ويروى: لا يستجرنكم.
ورواه قطرب (194): لا يستحيرنكم فلا وفسره من الحيرة، وهو غير
محفوظ، والصواب لا يستجرينكم من الجري.
133 - قوله صلى الله عليه وسلم:
" الخال وارث من لا وارث له، يفك عنيه، ويرث ماله " (195).
88

رواه بعضهم: يفك عينه. الياء قبل النون. وإنما هو عنيه،
والعني: العاني، وهو الأسير.
وقد يروى: عنيه. مصدر عنا الأسير يعنو. عنوا وعنيا.
134 - حديث ميمون بن مهران أنه قال:
" عليك بكتاب الله، فإن الناس قد بهوا به " (196).
كذا يروى، وإنما هو بهأوا به، مهموز، أي: أنسوا به،
واستخفوا بحقه.
135 - أجمع أصحاب الحديث، والنحاة على كسر السين من سربه
في قوله:
" من أصبح آمنا في سربه " (197).
إلا الأخفش، فإنه قال: سر به، بالفتح، بمعنى: نفسه.
136 - وقوله صلى الله عليه وسلم:
" إن لكم رحما سأبلها ببلالها " (198).
89

الباء مفتوحة، من بله يبله، كالملال من مله يمله. ولغ
الكلب يلغ ولوغا، فإذا كثر قيل: ولوغا بالفتح لا غيره.
137 - قال الزهري:
(بلغني أنه من قال حين يصبح ويمسي: أعوذ بك من شر
السامة، والعامة، ومن شر ما خلقت لم تضره دابة).
السامة: الخاصة، ومنه قول امرئ القيس:
مسمة الدخل (199)
أي مخصته.
138 - قال عطاء:
(لا بأس أن يتداوى المحرم بالسنا والعتر).
السنا: نبت يتداوى به. والعتر: نبت ينبت متفرقا.
قال الهذلي وذكر غيبة قومه بمصر:
- وما كنت أخشى أن أعيش خلافهم *
بستة أبيات كما نبت العتر -
139 - وقال عليه السلام:
" اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله " (200).
90

140 - وفي الحديث:
" أن نبنى (201) المساجد جما " (202).
أي لا شرف لها.
141 - وفي حديث آخر:
(أن ابن عمر كان لا يصلي في مسجد فيه قذاف).
قال الأصمعي: إنما هو قذف: واحدتها: قذفة، وهي:
الشرف، والقذفات: رؤوس الجبال.
142 - وفي حديث كعب
(شر الحديث التجديف)
وهو: كفر النعم.
143 - قول الله عز وجل:
* (على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) * (203).
لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أسير إلا من المشركين.
فقد أثنى الله على من أحسن إليهم.
144 - وفي حديث عبد الله بن المغفل:
91

(لا ترجموا قبري) (204).
أي لا تجعلوا عليه الرجم، وهي: الحجارة، وهي الرجام أيضا
قال الزهري: الحديث: ذكر يحبه ذكور الرجال، ويكرهه
مؤنثوهم.
ثم والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم تسليما.
نقلت هذه الحزمة من نسخة مطبوعة من صورة مغربية مودعة
دار الكتب السلطانية، ووجدت بآخرها:
كتبه لنفسه محمد محمود بن التلاميذ الركزي. وكتبه محمد
محمود لطف الله به آمين غرة سنة 1303 ه‍ بقسطنطينة المحمية.
وقد نقلتها أنا لنفسي، ومن أراد النفع بها من دار الكتب
السلطانية بجمادى سنة 1338 هجرية.
كتبه حافظ بن أحمد حسين الطروي..
92