الكتاب: شرح معاني الآثار
المؤلف: أحمد بن محمد بن سلمة
الجزء: ٢
الوفاة: ٣٢١
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمد زهري النجار
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٤١٦ - ١٩٩٦ م
المطبعة:
الناشر: دار الكتب العلمية
ردمك:
ملاحظات: مصدر بكتاب أماني الأخبار بشرح معاني الآثار

شرح
معاني الآثار
للامام
أبى جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي
الحجري المصري الطحاوي الحنفي
المولود سنة 229 ه‍ - والمتوفى سنة 321 ه‍
الجزء الثاني
حققه وضبطه، ونسقه وصححه
محمد زهري النجار
من علماء الأزهر الشريف
دار الكتب العلمية
1

الطبعة الثالثة
1416 ه‍. - 1996 م‍.
2

بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الزكاة
باب الصدقة على بني هاشم
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال ثنا شريك عن سماك بن حرب،
عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدمت عير المدينة فاشترى منها النبي صلى الله عليه وسلم متاعا فباعه بربح
أواق فضة فتصدق بها على أرامل بنى عبد المطلب ثم قال لا أعود أن أشتري بعدها شئ أبدا وليس
ثمنه عندي.
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث وأباحوا الصدقة على بني هاشم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجوز الصدقة من الزكوات والتطوع وغير ذلك على بني هاشم وهم كالأغنياء
فما حرم على الأغنياء من الصدقة فهي على بني هاشم حرام فقراء كانوا أو أغنياء
وكل ما يحل للأغنياء من غير بني هاشم فهو حلال لبني هاشم فقرائهم وأغنيائهم
وليس على أهل هذه المقالة عندنا حجة في الحديث الأول لأنه يجوز أن يكون ما تصدق به النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك
على أرامل بنى عبد المطلب لم يجعله من جهة الصدقة التي تحرم على بني هاشم في قول من يحرمها عليهم ولكن جعلها
من جهة الصدقة التي تحل لهم.
فانا قد رأينا الأغنياء من غير بني هاشم قد يتصدق الرجل ذلك جائزا
حلالا ولا يحرمه عليه ماله
3

فكان ما يحرم عليه بماله من الصدقات هو الزكوات والكفارات والصدقات التي يتقرب بها إلى الله تعالى
فأما الصدقات التي يراد بها طريق الهبات وإن سميت صدقات فلا فكذلك بنو هاشم حرم عليهم لقرابتهم
من الصدقات مثل ما حرم على الأغنياء بأموالهم
فأما ما كان لا يحرم على الأغنياء بأموالهم فإنه لا يحرم على بني هاشم بقرابتهم
فلهذا جعلنا ما كان تصدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أراملهم من جهة الهبات وإن سمى ذلك صدقة وهذا الذي
ينبغي أن يحمل تأويل ذلك الحديث الأول عليه
لأنه قد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ما قد حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا سعيد
وحماد ابنا زيد عن أبي جهضم موسى بن سالم عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس قال دخلنا
علي بن عباس رضي الله عنهما فقال ما اختصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ دون الناس إلا بثلاث أشياء إسباغ
الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي الحمر على الخيل
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن أبي جهضم فذكر
بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا مرجا بن رجاء عن أبي جهضم
فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فهذا بن عباس يخبر في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختصهم أن لا يأكلوا الصدقة
فليس يخلو الحديث الأول من أن يكون على ما ذكرنا في الفصل الأول فيكون ما أباح لهم فيه غير ما حرم
عليهم في هذا الحديث الثاني ويكون معنى كل واحد منهما على ما ذكرنا
أو يكون الحديث الأول يبيح ما منع منه هذا الحديث الثاني فيكون هذا الحديث الثاني ناسخا له لان
عبد الله بن عباس يخبر فيه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مخصوصون به دون الناس فلا يجوز أن يكون ذلك إلا وهو
قائم في وقته ذلك
فان احتج محتج في إباحة الصدقة عليهم بصدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكر ما حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن
بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن فاطمة بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبى بكر رضي الله عنه تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أفاء الله على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة حينئذ تطلب صدقة رسول الله خمس خيبر
4

فقال أبو بكر رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنا لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد
في هذا المال
وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأعملن
في ذلك بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود قالا ثنا عبد الله بن صالح ح
وحدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قالا ثنا الليث قال حدثني عقيل
عن ابن شهاب فذكر بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا حسين بن مهدي قال ثنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن الزهري
قال أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النضري قال أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال إنه قد
حضر المدينة أهل أبيات من قومك وقد أمرنا لهم برضخ فاقسمه فيهم
فبينا أنا كذلك إذ جاءه يرفأ فقال هذا عثمان وعبد الرحمن وسعد والزبير ولا أدرى أذكر طلحة
أم لا يستأذنون عليك فقال إيذن لهم
قال ثم مكثنا ساعة فقال هذا العباس وعلى رضي الله عنهما يستأذنان عليك فقال إيذن لهما
فلما دخل العباس قال يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الرجل وهما حينئذ فيما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم
من أموال بنى النضير
فقال القوم اقض بينهما يا أمير المؤمنين وأرح كل واحد منهما من صاحبه
فقال عمر رضي الله عنه أنشدكم الله أي أسألكم بالله الذي بإذنه تقوم السماوات والأرض أتعلمون أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة قالوا قد قال ذلك
ثم قال لهما مثل ذلك فقالا نعم
قال فإني سأخبركم عن هذا الفئ إن الله عز وجل خص نبيه صلى الله عليه وسلم بشئ لم يعطه غيره فقال ما أفاء الله
على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب
فكانت هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد قسمها
5

بينكم وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان ينفق منه على أهله رزق سنة ثم يجمع ما بقي منه
فجمع مال الله عز وجل
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر أنا ولى رسول الله بعده أعمل فيها بما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل
ثم ذكر الحديث
حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان قال ثنا عمرو بن دينار عن ابن شهاب
فذكر مثله بإسناده وأثبت أن طلحة كان في القوم ولم يقل وبثها فيكم
حدثنا يزيد بن سنان وأبو أمية قالا ثنا بشر بن عمر قال ثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب فذكر
بإسناده مثله وقال فكان ينفق منها على أهله
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا أبو شهاب عن سفيان وورقا عن أبي الزناد عن
عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة أهلي
ومؤنة عاملي فهو صدقة
قالوا ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا ما يدل على أنها كانت صدقات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله
بعد مؤنة عاملي وعامله لا يكون إلا وهو حي
قالوا ففي هذه الآثار ما قد دل على أن الصدقة لبني هاشم حلال لان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله وفيهم فاطمة
بنته قد كانوا يأكلون من هذه الصدقة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدل ذلك على إباحة سائر الصدقات لهم فالحجة عليهم في ذلك أن تلك الصدقة كصدقات الأوقاف وقد
رأينا ذلك يحل للأغنياء
ألا ترى أن رجلا لو أوقف داره على رجل غنى أن ذلك جائز ولا يمنعه ذلك غناه وحكم ذلك خلاف حكم
سائر الصدقات من الزكوات والكفارات وما يتقرب به إلى الله عز وجل فكذلك من كان من بني هاشم ذلك
لهم حلال وحكمه خلاف حكم سائر الصدقات التي قد ذكرنا
ثم قد جاءت بعد هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترة بتحريم الصدقة على بني هاشم
فمما جاء في ذلك ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن يزيد
بن أبي مريم عن أبي الجوزاء السعدي قال قلت للحسن بن علي ما تحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال أذكر انى أخذت تمرة من تمر الصدقة فجعلتها في في فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابها فألقاها في التمر
قال رجل يا رسول الله ما عليك في هذه التمرة لهذا الصبي
قال انا الصدقة
6

حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا أبو عاصم عن ثابت بن عمارة عن ربيعة بن شيبان
قال قلت للحسن رضي الله عنه فذكر نحوه إلا أنه قال في آخره ولا لأحد من أهله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن كثير قال ثنا سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى عن الحكم
عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال استعمل أرقم بن أرقم الزهري على الصدقات فاستتبع أبا رافع
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال يا أبا رافع إن الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال ثنا جويرية بن أسماء عن مالك عن
الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث
حدثه قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا لو بعثنا هذين الغلامين لي وللفضل بن العباس
على الصدقة فأديا ما يؤدى الناس وأصابا ما يصيب الناس
قال فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوقف عليهما فذكرا له ذلك
فقال علي رضي الله عنه لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل
فقال ربيعة بن الحارث ما يمنعك من هذا إلا نفاسة علينا فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فما نفسناه عليك
فقال علي رضي الله عنه أنا أبو حسن أرسلاهما فانطلقا فاضطجع
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عند بابها حتى جاء فأخذ بآذاننا وقال اخرجا
ما تصرران
ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا
قال يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح وقد جئناك لتؤمرنا على بعض الصدقات
فنؤدي إليك كما يؤدون ونصيب كما يصيبون
فسكت حتى أردنا أن نكلمه وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه
فقال إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ونوفل
عبد المطلب
7

فجاءاه فقال لمحمية أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن العباس رضي الله عنهما فأنكحه
وقال لنوفل بن الحارث أنكح هذا الغلام ابنتك فأنكحني
وقال لمحمية أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا
فان قال قائل فقد أصدق عنهما من الخمس وحكمه حكم الصدقات
قيل له قد يجوز أن يكون ذلك من سهم ذوي القربى الذي في الخمس وذلك خارج من الصدقات المحرمة
عليهم لأنه حرم عليهم أوساخ الناس والخمس ليس كذلك
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أنا شريك عن عبيد المكتب عن أبي الطفيل عن سلمان
رضي الله عنه قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة فردها وأتيته بهدية فقبلها
حدثنا فهد قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس قال ثنا محمد بن إسحاق عن
عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال حدثني سلمان الفارسي رضي الله عنه
وذكر حديثا طويلا ذكر فيه أنه كان عبدا قال فلما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه فقلت انه بلغني أنه ليس بيدك شئ وأن معك
أصحابا لك وأنتم أهل حاجة وغربة وقد كان عندي شئ وضعته للصدقة فلما ذكر لي مكانكم رأيتكم أحق به
ثم وضعته له
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كله أو أمسكه
ثم أتيته بعد أن تحول إلى المدينة وقد جمعت شيئا فقلت رأيتك لا تأكل الصدقة وقد كان عندي شئ
أحببت أن أكرمك به كرامة ليست بصدقة فأكل وأكل أصحابه
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا وهب قال ثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي رافع مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بنى مخزوم على الصدقة
فقال لأبي رافع أصحبني كيما تصيب منها
فقال حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له من أنفسهم
8

حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ورقاء بن عمر عن عطاء بن السائب قال دخلت على أم كلثوم
بنت علي رضي الله عنهما فقالت إن مولى لنا يقال له هرمز أو كيسان أخبرني أنه مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فدعاني فجئت
فقال يا أبا فلان انا أهل بيت قد نهينا أن نأكل الصدقة وإن مولى القوم من أنفسهم فلا تأكل
الصدقة
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا شبابة بن سوار ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا علي بن الجعد ح
وحدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قالوا ثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال اخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فأدخلها في فيه فقال له
النبي صلى الله عليه وسلم كخ كخ ألقها ألقها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا مكي بن إبراهيم قال ثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بالشئ سأل أهدية هو أم صدقة فإن قالوا هدية بسط يديه وإن قالوا
صدقة قال لأصحابه كلوا
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا عبد الله بن بكر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في إبل سائمة في كل أربعين بنت لبون من أعطاها مؤتجرا أي طالب
أجره فله أجرها ومن منعها فانا آخذوها منه وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لأحد منا منها شئ
حدثنا ابن مرزوق وابن أبي داود قالا ثنا أبو الوليد قال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر في الطريق بالتمرة فما يمنعه من أخذها إلا مخافة أن تكون صدقة
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن سفيان قال ثنا منصور عن طلحة
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى تمرة فقال لولا أنى أخاف أتكون صدقة لأكلتها
حدثنا علي بن معبد قال ثنا الحكم بن مروان الضرير ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا أحمد بن يونس قال حدثتنا
9

حفصة رضي الله عنها في سنة تسعين قال بن أبي داود في حديثه ابنة طلق تقول ثنا رشيد بن مالك أبو عمير
قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بطبق عليه تمر فقال أصدقة أم هدية قال بل صدقة فوضعه بين يدي القوم
والحسن يتعفر بين يديه فأخذ الصبي تمرة فجعلها في فيه
فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعه وجعل يترفق به فأخرجها فقذفها ثم قال إنا آل محمد لا نأكل الصدقة
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا علي بن حكيم الأودي قال أنا شريك عن عبد الله بن عيسى
عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال دخلت مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت الصدقة فتناول الحسن تمرة فأخرجها
من فيه وقال إنا أهل بيت لا يحل لنا الصدقة أو لا نأكل الصدقة
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أنا شريك فذكر بإسناده مثله غير أنه قال إنا أهل
بيت لا يحل لنا الصدقة ولم يشك
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا نعيم قال ثنا ابن المبارك قال أنا معمر عن همام بن منبه عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لانقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي في بيتي
فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها
حدثنا أحمد بن عبد المؤمن الخراساني قال ثنا علي بن الحسن بن شقيق قال ثنا الحسين بن واقد
قال ثنا عبد الله بن بريدة قال سمعت أبي يقول جاء سلمان الفارسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة
بمائدة عليها رطب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا سلمان قال صدقة عليك وعلى أصحابك
قال ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة فرفعها
فجاءه من الغد بمثله فوضعه بين يديه فقال ما هذا يا سلمان قال هدية
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه انبسطوا
قال أبو جعفر فهذه الآثار كلها قد جاءت بتحريم الصدقة على بني هاشم ولا نعلم شيئا نسخها ولا عارضها
إلا ما قد ذكرناه في هذا الباب مما ليس فيه دليل على مخالفتها
فان قال قائل تلك الصدقة إنما هي الزكاة خاصة فأما ما سوى ذلك من سائر الصدقات فلا بأس به
قيل له في هذه الآثار ما قد دفع ما ذهبت إليه وذلك ما في حديث بهز بن حكيم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
أتى بالشئ سأل أهدية أم صدقة فان قالوا صدقة قال لأصحابه كلوا واستغنى بقول المسؤول انه صدقة
عن أن يسأله صدقة من زكاة أم غير ذلك
في ذلك سواء
10

وفي حديث سلمان رضي الله عنه فقال فجئت فقال أهدية أم صدقة فقلت بل صدقة لأنه بلغني أنكم
قوم فقراء فامتنع من أكلها لذلك وإنما كان سلمان رضى الله تعالى عنه يومئذ عبدا ممن لا يجب عليه زكاة
فدل ذلك على أن كل الصدقات من التطوع وغيره قد كان محرما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سائر
بني هاشم
والنظر أيضا يدل على استواء حكم الفرائض والتطوع في ذلك وذلك أنا رأينا غيبني هاشم من الأغنياء
والفقراء في الصدقات المفروضات والتطوع سواء من حرم عليه أخذ صدقة مفروضة حرم عليه أخذ صدقة
غير مفروضة
فلما حرم على بني هاشم أخذ الصدقات المفروضات حرم عليهم أخذ الصدقات غير المفروضات
فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد اختلف عن أبي حنيفة رحمه الله في ذلك فروى عنه أنه قال لا بأس بالصدقات كلها على بني هاشم
وذهب في ذلك عندنا إلى أن الصدقات إنما كانت حرمت عليهم من أجل ما جعل لهم في الخمس من سهم
ذوي القربى
فلما انقطع ذلك عنهم ورجع إلى غيرهم بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حل لهم بذلك ما قد كان محرما عليهم من أجل
ما قد كان أحل لهم
وقد (0) حدثني سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمهم الله في ذلك مثل
قول أبى يوسف رحمه الله فبهذا نأخذ
فان قال قائل أفتكرهها على مواليهم
قلت نعم لحديث أبى رافع الذي قد ذكرناه في هذا الباب وقد قال ذلك أبو يوسف رحمه الله في كتاب
الاملاء وما علمت أحدا من أصحابنا خالفه في ذلك
فان قال قائل أفتكره للهاشمي أن يعمل على الصدقة قلت لا
فإن قال ولم وفي حديث ربيعة بن الحارث والفضل بن عباس الذي ذكرت مع النبي صلى الله عليه وسلم إياهما من ذلك
قلت ما فيه منع من ذلك لأنهم سألوه أن يستعملهم على الصدقة ليسدوا بذلك فقرهم فسد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقرهم بغير ذلك
وقد يجوز أيضا أن يكون أراد بمنعهم أن يؤكلهم على العمل على أوساخ الناس لا لان ذلك يحرم عليهم
لاجتعالهم منه عمالتهم عليه
وقد وجدنا ما يدل على هذا
حدثنا أبو أمية قال ثنا قبيصة بن عقبة عن عبد الله
11

بن أبي رزين عن أبي رزين عن علي رضي الله عنه قال قلت للعباس سل النبي صلى الله عليه وسلم يستعملك على الصدقات
فسأله فقال ما كنت لاستعملك على غسالة ذنوب الناس
أفلا ترى أنه إنما كره له الاستعمال على غسالة ذنوب الناس لا لأنه حرم ذلك عليه لحرمة الاجتعال منه عليه
وقد كان أبو يوسف رحمه الله يكره لبني هاشم أن يعملوا على الصدقة إذا كانت جعالتهم منها قال لان
الصدقة تخرج من مال المتصدق إلى الأصناف التي سماها الله تعالى فيملك المصدق بعضها وهي لا تحل له
واحتج في ذلك أيضا بحديث أبى رافع حين سأله المخزومي أن يخرج معه ليصيب منها ومحال أن يصيب منها
شيئا إلا بعمالته عليها واجتعاله منها
وخالف أبو يوسف رحمه الله في ذلك آخرون فقالوا لا بأس أن يجتعل منها الهاشمي لأنه إنما يجتعل
على عمله وذلك قد يحل للأغنياء
فلما كان هذا لا يحرم على الأغنياء الذين يحرم عليهم غناهم الصدقة كان كذلك أيضا في النظر لا يحرم
ذلك على بني هاشم الذين يحرم عليهم نسبهم أخذ الصدقة
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تصدق به على بريرة أنه أكل منه وقال هو عليها صدقة ولنا هدية
حدثنا بذلك فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال أنا شريك عن منصور عن إبراهيم
عن الأسود عن عائشة قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجل شاة معلقة فقال ما هذه
فقلت تصدق به على بريرة فأهدته لنا
فقال هو عليها صدقة وهو لنا هدية ثم أمر بها فشويت
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد
عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والبرمة تفور بلحم وآدم من آدم البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ألم أر برمة فيها لحم
قالوا بلى يا رسول الله ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صدقة عليها وهو لنا هدية
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الله بن مسلمة قال ثنا سليمان بن بلال عن ربيعة فذكر
بإسناده مثله
12

حدثنا علي قال ثنا عفان قال ثنا همام قال ثنا قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال تصدق على بريرة بصدقة فأهدت منها لعائشة رضي الله عنها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال هو لنا
هدية ولها صدقة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد بن السابق
عن جويرية بنت الحارث قالت تصدق على مولاة لي بعضو من لحم فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل
عندكم من عشاء
فقلت يا رسول الله مولاتي فلانة تصدق عليها بعضو من لحم فأهدته لي وأنت لا تأكل الصدقة
فقال قد بلغت محلها فهاتيه أي ناولينيه فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان قال ثنا الزهري قال أخبرني
عبيد بن السباق عن جويرية مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا خالد الحذاء عن حفصة
بنت سيرين عن أم عطية قالت دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله عنها فقال هل عندكم شئ قالت لا
إلا شئ بعثت به إلينا نسيبة من الشاة التي بعثت إليها من الصدقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها قد بلغت محلها
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن أبي معن
بن يزيد بن يسار عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن عبد الله بن وهب عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم غنما من الصدقة فأرسل إلى زينب الثقفية بشاة منها فأهدت زينب من لحمها لنا
فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل عنكم شئ تطعمونا قلنا لا والله يا رسول الله فقال ألم أر
لحما آنفا أدخل عليكم
قلنا يا رسول الله ذاك من الشاة التي أرسلت بها إلى زينب من الصدقة وأنت لا تأكل الصدقة فلم نحب
أن نمسك ما لا تأكل منه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أدركته لأكلت منه
فلما كان ما تصدق به على بريرة جائزا للنبي صلى الله عليه وسلم أكله لأنه إنما ملكه بالهدية جاز أيضا للهاشمي أن يجتعل
من الصدقة لأنه إنما يملكه بعمله لا بالصدقة
في ذلك
13

باب ذي المرة السوي الفقير هل يحل له الصدقة لا
حدثنا أبو بكرة قال ثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا شعبة قال أخبرني سعد بن إبراهيم قال سمعت
ريحان بن يزيد وكان أعرابيا صدوقا قال قال عبد الله بن عمرو لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة
سوى
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن سعد عن رجل من بنى عامر عن عبد الله
بن عمرو يقول ذلك
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة ح
وحدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قالا ثنا سفيان الثوري عن سعد بن إبراهيم عن ريحان بن يزيد
عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا عكرمة بن عمار اليمامي عن سماك أبى زميل
عن رجل من بنى هلال قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا معلى بن منصور قال ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي
صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن سالم بن أبي الجعد
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا أبو بكر بن عياش فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الصدقة لا تحل لذي المرة السوي وجعلوه فيها كالغنى واحتجوا
في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا كل فقير من قوى وزمن فالصدقة له حلال وذهبوا في تأويل هذه
الآثار المتقدمة إلى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لذي مرة سوى أي أنها لا تحل له كما تحل للفقير
الزمن الذي لا يقدر على غيرها فيأخذها على الضرورة وعلى الحاجة من جميع الجهات منه إليها
فليس مثله ذي المرة السوي القادر على اكتساب غيرها في حلها له لان الزمن الفقير يحل له من
قبل الزمانة على غيرها
14

وذو المرة السوي إنما تحل له من جهة الفقر خاصة وإن كانا جميعا قد يحل لهما أخذها فان الأفضل
لذي المرة السوي تركها والاكل من الاكتساب بعمله
وقد يغلظ الشئ من هذا فيقال لا يحل أو لا يكون كذا على أنه غير متكامل الأسباب التي بها يحل
ذلك المعنى وإن كان ذلك المعنى قد يحل بما دون تكامل تلك الأسباب
من ذلك ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس المسكين بالطواف ولا بالذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة
واللقمتان ولكن المسكين الذي لا يسأل ولا يفطن له فيتصدق عليه
فلم يكن المسكين الذي يسأل خارجا من أسباب المسكنة وأحكامها حتى لا يحل له أخذ الصدقة وحتى
لا يجزئ من أعطاه منها شيئا مما أعطاه من ذلك ولكن ذلك على أنه ليس بمسكين متكامل أسباب المسكنة
فكذلك قوله لا تحل الصدقة لذي مرة سوى أي أنها لا تحل له من جميع الأسباب التي بها تحل
الصدقة وإن كان قد تحل له ببعض تلك الأسباب
واحتج أهل المقالة الأولى لمذهبهم أيضا بما حدثنا أبو أمية قال ثنا جعفر بن عون قال ثنا هشام بن
عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال حدثني رجلان من قومي أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم
الصدقة فسألاه منها فرفع البصر وخفضه فرأهما جلدين قويين فقال إن شئتما فعلت ولا حق فيها لغنى
ولا لقوي مكتسب
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث والليث بن سعد عن هشام بن عروة
فذكر بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا حماد بن سلمة وهمام عن هشام فذكر
بإسناده مثله
قالوا فقد قال لهما لا حق فيها لقوي مكتسب فدل ذلك على أن القوى المكتسب لاحظ له في الصدقة
ولا تجزئ من إعطاءه منها شيئا
فالحجة للآخرين عليهم في ذلك أن قوله إن شئتما فعلت ولا حق فيها لغنى أي أن غناكما يخفى على
فان كنتما غنيين فلا حق لكما فيها وإن شئتما فعلت لأني لم أعلم بغناكما فمباح لي إعطاؤكما وحرام عليكما أخذ
ما أعطيتكما إن كنتما تعلمان من حقيقة أموركما في الغنى خلاف ما أرى من ظاهركما الذي استدللت به على فقركما
فهذا معنى قوله إن شئتما فعلت ولا حق فيها لغنى
وأما قوله ولا لقوة مكتسب فذلك على أنه لا حق للقوى المكتسب من جميع الجهات التي يجب الحق
فيها فعاد معنى ذلك إلى معنى مرة قوى
15

وقد يقال فلان عالم حقا إذا تكاملت فيه الأسباب التي بها يكون الرجل عالما ولا يقال هو عالم حقا
إذا كان دون ذلك وإن كان عالما
فكذلك لا يقال فقير حقا إلا لمن تكاملت فيه الأسباب التي يكون بها الفقير فقيرا وإن كان فقيرا
ولهذا قال لهما ولا حق فيها لقوي مكتسب أي ولا حق له فيها حتى يكون به من أهلها حقا وهو
قوى مكتسب
ولولا أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم إعطاؤه للقوى المكتسب إذا كان فقيرا لما قال لهما إن شئتما فعلت
وهذا أولى ما حملت عليه هذه الآثار لأنها إن حملت على ما حملها عليه أهل المقالة الأولى ضادت سواها
مما قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فمن ذلك ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر الزهراني قال ثنا شعبة عن أبي حمزة عن هلال
بن حصين قال نزلت دار أبي سعيد الخدري بالمدينة فضمني وإياه المجلس فقال أصبحوا ذات يوم وقد عصبوا
على بطنه حجرا من الجوع
فقالت له امرأته أو أمه لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فقد أتاه فلان فسأله فأعطاه وأتاه فلان فسأله فأعطاه
فقلت لا والله حتى أطلب فطلبت فلم أجد شيئا فاستبقت إليه وهو يخطب وهو يقول من استغنى
أغناه الله ومن استعف أعفه الله ومن سألنا إما أن نبذل له وإما أن نواسيه ومن استعف عنا واستغنى أحب
إلينا ممن سألنا
قال فرجعت فما سألت أحدا بعد فما زال الله يرزقنا حتى ما أعلم بيتا في المدينة أكبر سؤالا منا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة عن هلال بن مرة عن أبي سعيد الخدري قال أعوزنا مرة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له
فقال النبي صلى الله عليه وسلم من استعف أعفه الله ومن استغنى أغناه الله ومن سألنا أعطيناه
قال قلت فلأستعف فيعفني الله ولاستغنى فيغنيني الله
قال فوالله ما كان إلا أياما حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم زبيبا فأرسل إلينا منه ثم قسم شعيرا فأرسل إلينا منه
ثم سالت علينا الدنيا فغرقتنا إلا من عصم الله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد قال ثنا هشام عن قتادة عن هلال بن
حصين أخي بنى مرة بن عباد عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
16

قال بن أبي داود هذا هو الصحيح
قال أبو جعفر فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سألنا أعطيناه ويخاطب بذلك أصحابه وأكثرهم صحيح
لا زمانة به إلا أنه فقير فلم يمنعهم منها لصحتهم فقد دل ذلك على ما ذكرنا وفضل من استعف ولم يسأل
على من سأل فلم يسأله أبو سعيد لذلك ولو سأله لاعطاه إذ قد كان بذل ذلك له ولأمثاله من أصحابه
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا من غير هذا الوجه ما يدل على ما ذكرنا
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن زياد بن نعيم أنه سمع
زياد بن الحارث الصدائي يقول امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومي فقلت يا رسول الله أعطني من صدقاتهم
ففعل وكتب لي بذلك كتابا
فأتاه رجل فقال يا رسول الله أعطني من الصدقة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو من
السماء فجزأها ثمانية أجزاء فان كنت من تلك الأجزاء أعطيتك منها
قال أبو جعفر فهذا الصدائي قد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه ومحال أن يكون أمره وبه زمانة
ثم قد سأله من صدقة قومه وهي زكاتهم فأعطاه منها ولم يمنعه منه لصحة بدنه
ثم سأله الرجل الآخر بعد ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت من الاجزاء الذين جزأ الله عز وجل
الصدقة فيهم أعطيتك منها
فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حكم الصدقات إلى ما ردها الله عز وجل إليه بقوله إنما الصدقات للفقراء
والمساكين الآية
فكل من وقع عليه اسم صنف من تلك الأصناف فهو من أهل الصدقة الذين جعلها الله عز وجل لهم
في كتابه ورسوله في سنته زمنا كان أو صحيحا
وكان أولى الأشياء بنا في الآثار التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفصل الأول من قوله لا تحل الصدقة
لذي مرة سوى ما حملناها عليه لئلا يخرج معناها من الآية المحكمة التي ذكرنا ولا من هذه الأحاديث
الاخر التي روينا
ويكون معنى ذلك كله معنى واحدا يصدق بعضه بعضا
ثم قد روى قبيصة بن المخارق عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد دل على ذلك أيضا
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن هارون بن رئاب عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن المخارق إنه تحمل
17

بحمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فيها فقال تخرجها عنك من إبل الصدقة أو نعم الصدقة
يا قبيصة إن المسألة حرمت إلا في ثلاث رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك ورجل
أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك ورجل
أصابته حاجة حتى تكلم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه أن حلت حلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش
أو سدادا من عيش ثم يمسك وما سوى ذلك من المسألة فهم سحت
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد عن هارون بن رئاب عن كنانة بن نعيم
العدوي عن قبيصة بن المخارق عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا الحجاج بن المنهال قال ثنا حماد بن سلمة عن هارون بن رئاب فذكر
بإسناده مثله وزاد رجل تحمل بحمالة عن قومه أراد بها الاصلاح
فأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لذي الحاجة أن يسأل لحاجته حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا
من عيش
فدل ذلك أن الصدقة لا تحرم بالصحة إذا أراد بها الذي تصدق بها عليه سد فقر
وإنما تحرم عليه إذا كان يريد بها غير ذلك من التكثر ونحوه ومن يريد بها ذلك فهو ممن يطلبها
لسوى المعاني الثلاثة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث قبيصة بن مخارق الذي ذكرنا فهو عليه سحت
وقد روى سمرة أيضا مثل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عفان بن مسلم قال ثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة
قال سمعت سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال السائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى
على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو يسأل في أمر لا يجد منه بدا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن زيد
بن عقبة عن سمرة بن جندب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فقد أباح هذا الحديث المسألة في كل أمر لا بد من المسألة فيه فدخل في ذلك ما أبيحت فيه
المسألة في حديث قبيصة بن وزاد هذا الحديث عليه ما سوى ذلك من الأمور التي لا بد منها وفي ذلك إباحة المسألة
بالحاجة خاصة لا بالزمانة
18

وقد روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى ما قد حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عبد الله
الأنصاري قال حدثني الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا
من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث لغرم موجع أو دم مفظع
أو فقر مدقع
قال أبو جعفر فكل هذه الأمور مما لا بد منه فقد دخل ذلك أيضا في معنى حديث سمرة
وقد روى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا ما قد حدثنا فهد هو بن سليمان
قال ثنا الحسن بن الربيع قال ثنا أبو إسحاق عن سفيان عن عمران البارقي عن عطية بن سعد عن أبي
سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحل الصدقة لغني إلا أن يكون في سبيل الله أو بن السبيل
أو يكون له جار فيتصدق عليه فيهدى له أو يدعوه
(0) حدثنا عبد الرحمن بن الجارود قال ثنا عبيد الله بن موسى قال أنا ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي
سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة للرجل إذا كان في سبيل الله أو بن السبيل فقد جمع ذلك الصحيح
وغير الصحيح
فدل ذلك أيضا على أن الصدقة إنما تحل بالفقر كانت معه الزمانة أو لم تكن
وقد روى عن وهب بن حنبش عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد حدثنا أبو أمية قال ثنا المعلى بن منصور
قال أخبرني يحيى بن سعيد قال أخبرني مجالد عن الشعبي عن وهب قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو واقف بعرفة فسأله رداءه فأعطاه إياه فذهب به ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم إن المسألة لا تحل إلا من مدقع
أو غرم مفظع ومن سأل الناس ليثرى به له فإنه خموش في وجهه ورضف يأكله من جهنم إن قليل
فقليل وإن كثير فكثير
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أيضا في هذا الحديث أن المسألة تحل بالفقر والغرم فذلك دليل على أنها تحل بهذين المعنيين
خاصة ولا يختلف في ذلك حال الزمن ولا غيره
وقد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مخول بن إبراهيم قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي
بن جنادة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سأل من غير فقر فإنما يأكل الجمر
(62) حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا إسرائيل فذكر بإسناده مثله
19

فهذا حبشي قد حكى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فوافق ما حكى من ذلك ما حكاه الآخرون من أن المسألة إنما
تحل بالفقر
وقد جاءت الآثار أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك متواترة
حدثنا الحسين بن نصر قال ثنا الفريابي ح
وحدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا أبو عاصم قالا جميعا عن سفيان عن حكيم بن جبير عن محمد
بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسأل
عبد مسألة وله ما يغنيه إلا جاءت شينا أو كدوحا أو خدوشا في وجهه يوم القيامة
قيل يا رسول الله وماذا غناه قال خمسون درهما وحسابها من الذهب
حدثنا أحمد بن خالد البغدادي قال ثنا أبو هشام الرفاعي قال ثنا يحيى بن آدم قال ثنا سفيان
فذكر بإسناده مثله
غير أنه قال كدوحا في وجهه ولم يشك وزاد فقيل لسفيان لو كانت عن غير حكيم فقال حدثناه
زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد مثله
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أيوب بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد قال حدثني ربيعة بن يزيد
عن أبي كبشة السلولي قال حدثني سهل بن الحنظلية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سأل الناس
عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم
قلت يا رسول الله وما ظهر غنى قال أن ح ح يعلم أن عند أهله ما يغديهم أو ما يعشيهم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل وله
ما يغنيه جاءت شينا في وجهه يوم القيامة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا ابن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن
بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال ثنا محمد بن الفضيل عن عمارة القعقاع
عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل الناس أمواله تكثرا فإنما
هو جمر فليستقل منه أو ليستكثر
20

حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من
بنى أسد قال نزلت وأهلي بقيع الغرقد فقال لي أهلي اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله لنا شيئا نأكله وجعلوا
يذكرون حاجتهم
فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده رجلا يسأله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أجد ما أعطيك فولى
الرجل وهو مغضب وهو يقول لعمري انك لتفضل من شئت
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انه ليغضب على أن لا أجد ما أعطيه من سأل منكم وعنده أوقية أو عدلها فقد
سألها إلحافا
قال الأسدي فقلت للقحة لنا خير من أوقية قال والأوقية أربعون درهما قال فرجعت ولم أسأله
فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزبيب وزبد فقسم لنا منه حتى أغنانا الله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي ثلاث فيد الله العليا ويد المعطى التي تليها ويد السائل السفلى إلى يوم
القيامة فاستعفف ما استطعت ولا تعجز عن نفسك ولا تلام على كفاف وإذا آتاك الله خيرا فلير عليك
قال أبو جعفر فكانت المسألة التي أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار كلها هي للفقر لا غيره
وكان تصحيح معاني هذه الآثار عندنا يوجب أن من قصد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لا تحل الصدقة لذي
مرة سوى هو غير من استثناه من ذلك في حديث وهب بن خنبش بقوله إلا من فقر مدقع أو غرم
مفظع وأنه الذي يريد بمسألته أن يكثر ماله ويستغنى من مال الصدقة حتى تصح هذه الآثار وتتفق معانيها
ولا تتضاد
وهذا المعنى الذي حملنا عليه وجوه هذه الآثار هو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
فان سأل سائل عن معنى حديث عمر المروي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحو من هذا
وهو ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو اليمان قال أنا شعيب عن الزهري قال ثنا السائب بن
يزيد أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه
في خلافته فقال له عمر ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا فإذا أعطيت العمالة كرهتها
فقال نعم
فقال عمر فما تريد إلى ذلك قلت إن لي أفراسا وأعبدا وأنا أتجر وأريد أن يكون عمالتي صدقة
على المسلمين
21

فقال عمر فلا تفعل فإني كنت أردت الذي أردت وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول أعطه
من
هو أفقر إليه منى حتى أعطاني مرة مالا فقلت له ذلك
فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذه فتموله فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه ومالا
فلا تتبعه نفسك
قال ففي هذا الحديث تحريم المسألة أيضا
قيل له ليس هذا على أموال الصدقات إنما هذا على الأموال التي يقسمها الامام على الناس فيقسمها على
أغنيائهم وفقرائهم
كما فرض عمر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دون الدواوين ففرض للأغنياء منهم وللفقراء فكانت تلك
الأموال يعطاها الناس لا من جهة الفقر ولكن لحقوقهم فيها
فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر حين أعطاه الذي كان أعطاه منها قوله أعطه من هو أفقر إليه منى
أي انى لم أعطك ذلك لأنك فقير إنما أعطيتك ذلك لمعنى آخر غير الفقر
ثم قال له خذه فتموله فدل ذلك أيضا أنه ليس من أموال الصدقات لان الفقير لا ينبغي له أن يأخذ
من الصدقات ما يتخذه مالا كان ذلك عن مسألة منه أو عن غير مسألة
ثم قال فما جاءك من هذا المال الذي هذا حكمه وأنت غير مشرف أي تأخذه بغير اشراف
والاشراف أن تريد به ما قد نهيت عنه
وقد يحتمل قوله ولا مشرف أي ولا تأخذ من أموال المسلمين أكثر مما يجب لك فيها فيكون ذلك شرفا
فيها ولا سائل أي ولا سائل منها ما لا يجب لك
فهذا وجه هذا الباب عندنا والله أعلم
فأما ما جاء في أموال الصدقات فقد أتينا بمعاني ذلك فيما تقدم ذكره من هذا الباب
باب المرأة هل يجوز لها أن تعطى زوجها من زكاة مالها أم لا
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص بن غياث قال ثنا أبي عن الأعمش قال حدثني شقيق عن
عمرو بن الحارث عن زينب امرأة عبد الله قال فذكرته لإبراهيم فحدثني إبراهيم عن أبي عبيدة عن عمرو
بن الحارث عن زينب امرأة عبد الله مثله سواء
22

قال كنت في المسجد فرآني النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال تصدقن ولو من حليكن
وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها فقالت لعبد الله سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيجزي عنى
إن أنفقت عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة
قال سلي أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت امرأة من الأنصار على الباب حاجتها مثل حاجتي
فمر علينا بلال فقلت سل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يجزى عنى أن أتصدق على زوجي وأيتام في حجري
من الصدقة وقلنا لا تخبر بنا
قالت فدخل فسأله فقال من هما قال زينب قال أي الزيانب هي قال امرأة عبد الله
فقال نعم يكون لها أجر القرابة وأجر الصدقة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن المرأة جائز لها أن تعطى زوجها مزكاة مالها واحتجوا في ذلك بهذا
الحديث وممن ذهب إلى ذلك أبو يوسف ومحمد رحمهما الله
وخالفهم في ذلك آخرون منهم أبو حنيفة رحمه الله فقالوا لا يجوز للمرأة أن تعطى زوجها من زكاة مالها
كما لا يجوز له أن يعطيها من زكاة ماله
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى في حديث زينب الذي احتجوا به عليهم أن تلك الصدقة التي
حض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث إنما كانت من غير الزكاة
وقد بين ذلك ما قد حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا الليث عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله عن رابطة بنت عبد الله امرأة عبد الله بن مسعود وكانت امرأة صنعاء
وليس لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه مال فكانت تنفق عليه وعلى ولده منها
فقالت لقد شغلتني والله أنت وولدك عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق معكم بشئ
فقال ما أحب إن لم يكن لك في ذلك أجر أن تفعلي
فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وهو فقالت يا رسول الله انى امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لولدي
ولا لزوجي شئ فشغلوني فلا أتصدق فهل لي فيهم أجر
23

فقال لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم فأنفقي عليهم
ففي هذا الحديث أن تلك الصدقة مما لم يكن فيه زكاة
ورابطة هذه هي زينب امرأة عبد الله لا نعلم أن عبد الله كانت له امرأة غيرها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم
والدليل على أن تلك الصدقة كانت تطوعا كما ذكرنا قولها كنت امرأة صنعاء أصنع بيدي فأبيع من ذلك
فأنفق على عبد الله
فكان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في هذا الحديث وفي الحديث الأول جوابا لسؤالها هذا
وفي حديث رابطة هذا كنت أنفق من ذلك على عبد الله وعلى ولده منى
وقد أجمعوا على أنه لا يجوز للمرأة أن تنفق على ولدها من زكاتها
فلما كان ما أنفقت على ولدها ليس من الزكاة فكذلك ما أنفقت على زوجها ليس هو أيضا من الزكاة
وقد روى أيضا عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل أن تلك الصدقة التي أباح لها رسول الله صلى الله عليه وسلم انفاقها
على زوجها كانت من غير الزكاة
حدثنا فهد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن أبي كثير الأنصاري عن عمرو بن نبيه الكعبي
عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الصبح يوما فأتى على النساء في المسجد
فقال يا معشر النساء ما رأيت من ناقصات عقول ودين أذهب بعقول ذوي الألباب منكن وإني قد رأيت
أنكن أكثر أهل النار يوم القيامة فتقربن إلى الله بما استطعتن
وكان في النساء امرأ عبد الله بن مسعود رضي الله عنها فانقلبت إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأخبرته
بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذت حليا لها
فقال بن مسعود رضي الله عنه أين تذهبين بهذا الحلي فقالت أتقرب به إلى الله والى رسوله لعل الله
أن لا يجعلني من أهل النار
قال هلمي بذلك ويلك تصدقي به على وعلى ولدى فقالت لا والله حتى أذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذهبت تستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله هذه زينب تستأذن فقال أي الزيانب هي
قالوا امرأة عبد الله بن مسعود
فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت انى سمعت منك مقالة فرجعت إلى بن مسعود فحدثته فأخذت حلي
أتقرب به إلى الله عز وجل وإليك رجاء أن لا يجعلني من أهل النار
24

فقال بن مسعود رضي الله عنه تصدقي به على وعلى بنى فإنا له موضع فقلت له حتى أستأذن
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقي به عليه وعلى بنيه فإنهم له موضع
حدثنا الحسين بن الحكم الجيزي قال ثنا عاصم بن علي قال ثنا إسماعيل بن جعفر قال أخبرني
بن أبي عمرو عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فبين أبو هريرة رضي الله عنه في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله تصدقي
في الصدقة التطوع التي تكفر الذنوب
وفي حديثه قال فجاءت بحلي لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله خذ هذا أتقرب به إلى الله
عز وجل والى رسوله
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقي به على عبد الله وعلى بنيه فإنهم له موضع فكان ذلك على الصدقة
بكل الحلي وذلك من التطوع لا من الزكاة لان الزكاة لا توجب الصدقة بكل المال وإنما توجب الصدقة
بجزء منه
فهذا أيضا دليل على فساد تأويل أبى يوسف رحمه الله ومن ذهب إلى قوله للحديث الأول
فقد بطل بما ذكرنا أن يكون في حديث زينب ما يدل أن المرأة تعطى زوجها من زكاة مالها إذا كان فقيرا
وإنما نلتمس حكم ذلك بعد من طريق النظر وشواهد الأصول فاعتبرنا ذلك فوجدنا المرأة باتفاقهم
لا يعطيها زوجها من زكاة ماله وإن كانت فقيرة ولم تكن في ذلك كغيرها لأنا رأينا الأخت يعطيها أخوها
من زكاته إذا كانت فقيرة وإن كان على أخيها أن ينفق عليها ولم تخرج بذلك من حكم من يعطى من الزكاة
فثبت بذلك أن الذي يمنع الزوج من أعطاء زوجته من زكاة ماله ليس هو وجوب النفقة لها عليه ولكنه
السبب الذي بينه وبينها فصار ذلك كالنسب الذي بينه وبين والديه في منع ذلك إياه من إعطائهما من الزكاة
فلما ثبت بما ذكرنا أن سبب المرأة الذي منع زوجها أن يعطيها من زكاة ماله وإن كانت فقيرة هو كالسبب
الذي بينه وبين والديه الذي يمنعه من إعطائهما من زكاته وإن كانا فقيرين ورأينا الوالدين لا يعطيانه أيضا
من زكاتهما إذا كان فقيرا فكان الذي بينه وبين والديه من النسب يمنعه من إعطائهما من الزكاة ويمنعهما
من إعطائه من الزكاة
فكذلك السبب الذي بين الزوج والمرأة لما كان يمنعه من إعطائهما من الزكاة كان أيضا يمنعها من إعطائه
من الزكاة
25

وقد رأينا هذا لسبب بين الزوج والمرأة يمنع من قبول شهادة كل واحد منهما لصاحبه فجعلا في ذلك
كذوي الرحم المحرم الذي لا يجوز شهادة كل واحد منهما لصاحبه
ورأينا أيضا كل واحد منهما لا يرجع فيما وهب لصاحبه في قول من يجيز الرجوع في الهبة فيما بين
القريبين
فلما كان الزوجان فيما ذكرنا قد جعلا كذوي الرحم المحرم فيما منع فيه من قبول الشهادة ومن الرجوع
في الهبة كانا في النظر أيضا في إعطاء كل واحد منهما صاحبه من الزكاة كذلك
فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة
باب الخيل السائمة هل فيها صدقة أم لا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا معلى بن أسد قال ثنا عبد العزيز بن المختار عن سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الخيل فقال هي لثلاثة لرجل أجر ولرجل
ستر وعلى رجل وزر فأما الذي هي له ستر فالرجل يتخذها تكرما وتجملا ولا ينسى حق ظهورها وبطونها
في عسرها ويسرها
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن زيد بن أسلم عن أبي صالح السمان عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه قال ولم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها فقط
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى وجوب الصدقة في الخيل إذا كانت ذكورا وإناثا وكان صاحبها
يلتمس نسلها
واحتجوا في إيجابهم الزكاة فيها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينس حق الله فيها
قالوا ففي هذا دليل أن لله فيها حقا وهو كحقه في سائر الأموال التي يجب فيها الزكاة
واحتجوا في ذلك بما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال ثنا جويرية عن مالك عن الزهري
أن السائب بن يزيد أخبره قال رأيت أبى يقوم الخيل ويدفع صدقتها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس
26

بن مالك أن عمر رضي الله عنه كان يأخذ من الفرس عشرة ومن البرذون خمسة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر والحجاج بن المنهال قالا ثنا حماد بن سلمة فذكر بإسناده مثله
وممن ذهب إلى هذا القول أيضا أبو حنيفة وزفر رحمهما الله
وخالفهم في ذلك آخرون منهم أبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهما الله فقالوا لا صدقة في الخيل
السائمة البتة
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به لقولهم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينس حق الله
فيها أنه قد يجوز أن يكون ذلك الحق حقا سوى الزكاة
فإنه قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا شريك بن عبد الله
عن أبي حمزة عن عامر عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المال حق سوى الزكاة وتلا هذه
الآية ليس البر أن تولوا وجوهكم إلى آخر الآية
فلما رأينا المال قد جعل فيه حق سوى الزكاة احتمل أن يكون ذلك الحق الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الخيل هو ذلك الحق أيضا
وحجة أخرى أن الزكاة في الحديث الذي رويناه عن أبي هريرة رضي الله عنه إنما هو في الخيل المرتبطة
لا في الخيل السائمة
وحجة أخرى أنا قد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الإبل السائمة أيضا فقال فيها حق فسئل عن ذلك الحق
ما هو فقال إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنيحة سمينها
حدثنا بذلك إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
فلما كانت الإبل أيضا فيها حق غير الزكاة احتمل أن يكون كذلك الخيل
وأما ما احتجوا به ومما رويناه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلا حجة لهم فيه أيضا عندنا لان عمر
لم يأخذ ذلك منهم على أنه واجب عليهم
وقد بين السبب الذي من أجله أخذ ذلك عمر بن الخطاب حارثة بن مضرب
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن القسم المعروف بسحيم الحراني قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا أبو إسحاق
27

عن حارثة بن مضرب قال حججت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فأتاه أشراف من أشراف أهل الشام
فقالوا يا أمير المؤمنين انا قد أصبنا دواب وأموالا فخذ من أموالنا صدقة تطهرنا بها وتكون لنا زكاة
فقال هذا شئ لم يفعله اللذان كانا قبلي ولكن انتظروا حتى أسأل المسلمين فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالوا حسن وعلى رضي الله عنه ساكت لم يتكلم معهم
فقال مالك يا أبا الحسن لا تتكلم قال قد أشاروا عليك ولا بأس بما قالوا إن لم يكن أمرا واجبا
ولا جزية راتبة يؤخذون بها
قال فأخذ من كل عبد عشرة ومن كل فرس عشرة ومن كل هجين ثمانية ومن كل برذن أو بغل
خمسة دراهم في السنة ورزقهم كل شهر للفرس عشرة دراهم والهجين ثمانية والبغل خمسة خمسة والمملوك
جريبين كل شهر
فدل هذا الحديث على أن ما أخذ منهم عمر رضي الله عنه من أجله ما كان أخذ منهم في ذلك أنه لم يكن زكاة
ولكنها صدقة غير زكاة
وقد قال لهم عمر رضي الله عنه إن هذا لم يفعله اللذان كانا قبلي يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه
فدل ذلك على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه لم يأخذا مما كان بحضرتهما من الخيل صدقة
ولم ينكر على عمر ما قال من ذلك أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
ودل قول علي لعمر رضي الله عنهما قد أشاروا عليك إن لم يكن جزية راتبة وخراجا واجبا
وقبول عمر ذلك منه أن عمر إنما كان أخذ منهم بسؤالهم إياه أن يأخذ منهم فيصرفه في الصدقات وأن لهم
منع ذلك منه متى أحبوا ثم سلك عمر بالعبيد أيضا في ذلك مسلك الخيل ولم يكن ذلك بدليل على أن العبيد
الذين لغير التجارة يجب فيهم صدقة وإنما كان ذلك على التبرع من مواليهم بإعطاء ذلك
وقد روى عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق
حدثنا بذلك فهد قال ثنا عمر بن حفص بن غياث قال ثنا أبي عن الأعمش قال ثنا أبو إسحاق
عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا علي بن أبي شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا سفيان وشريك عن أبي إسحاق عن
الحارث عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
28

حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي عبادة قال ثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي
إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فذلك أيضا ينفي أن يكون في الخيل صدقة
فان قال قائل فقد + 7 قرن مع ذلك الرقيق فلما كان ذلك لا ينفي أن تكون الصدقة واجبة في الرقيق إذا كانوا
للتجارة فكذلك لا ينفي ذلك أن تكون الزكاة واجبة في الخيل إذا كانت سائمة
وكما كان قوله قد عفوت لكم عن صدقة الرقيق إنما هو على الرقيق للخدمة خاصة فكذلك قوله
قد عفوت لكم عن صدقة الخيل إنما هو على خيل الركوب خاصة
قيل له هذا يحتمل ما ذكرت وإذا بطل أن ينتفى الزكاة بهذا الحديث انتفت بما ذكرنا قبله مما في حديث
حارثة لان فيه أن عليا قال لعمر ما قد ذكرنا فدل ذلك أن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كان عند علي
رضي الله عنه على نفى الزكاة منها وإن كانت سائمة
وقد روى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه قريب من معنى حديث عاصم والحارث
عن علي رضي الله عنه
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن عبد الله بن دينار قال سمعت
سليمان بن يسار يحدث عن عراك بن مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس على المسلم
في عبده ولا في فرسه صدقة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب وسعيد بن عامر قالا ثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن سليمان
عن عراك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار فذكر بإسناده مثله
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا القعنبي قال ثنا مالك عن عبد الله بن دينار فذكر بإسناده مثله
حدثني محمد بن عيسى بن فليح قال ثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار عن سلمان قال أحمد بن علي
هو بن بلال بن فليح عن عبد الله بن دينار فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد الليثي عن مكحول عن عراك
فذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن زيد عن خيثم بن عراك عن أبيه فذكر
بإسناده مثله
فلما لم يكن في شئ مما ذكرنا من هذه الآثار دليل على وجوب الزكاة في الخيل السائمة وكان فيها ما ينفى
الزكاة منها ثبت بتصحيح هذه الآثار قول الذين لا يرون فيها زكاة
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
29

وأما وجهه من طريق النظر فانا رأينا الذين يوجبون فيها الزكاة لا يوجبونها حتى تكون ذكورا
وإناثا يلتمس منها صاحبها نسلها ولا تجب الزكاة في ذكورها خاصة ولا في إناثها خاصة وكانت الزكوات
المتفق عليها في المواشي السائمة تجب في الإبل والبقر والغنم ذكورا كانت كلها أو إناثا
فلما استوى حكم الذكور خاصة في ذلك وحكم الإناث خاصة وحكم الذكور والإناث وكانت الذكور من
الخيل خاصة والإناث منها خاصة لا تجب فيها زكاة كان كذلك في النظر الإناث منها والذكور إذا اجتمعت
لا تجب فيها زكاة
وحجة أخرى أنا قد رأينا البغال والحمير لا زكاة فيها وإن كانت سائمة والإبل والبقر والغنم فيها الزكاة
إذا كانت سائمة وإنما الاختلاف في الخيل
فأردنا أن ننظر أي الصنفين هي به أشبه فنعطف حكمه على حكمه فرأينا الخيل ذوات حوافر وكذلك الحمير
والبغال هي ذوات حوافر أيضا وكانت المواشي من البقر والغنم والإبل ذوات أخفاف فذو الحافر بذي الحافر
أشبه منه بذي الخف
فثبت بذلك أن لا زكاة في الخيل كما لا زكاة في الحمير والبغال وهذا قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله
وهو أحب القولين إلينا وقد روى ذلك عن سعيد بن المسيب
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن عبد الله بن دينار وقال قلت لسعيد بن المسيب
أعلى البراذين صدقة فقال أو على الخيل صدقة
باب الزكاة هل يأخذها الامام أم لا
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا أبو الوليد قال ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسين عن عثمان
بن أبي العاص أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم لا تحشروا ولا تعشروا
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبد الرحمن بن صالح قال ثنا ابن أبي زائدة عن إسرائيل بن يونس
عن إبراهيم بن مهاجر البجلي عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا معشر العرب احمدوا الله إذ رفع عنكم العشور
30

حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد قال ثنا إسرائيل عن إبراهيم بن المهاجر عن رجل حدثه
عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكر مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن معبد والحماني قالا ثنا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب
عن حرب بن عبيد الله عن جده أبى أمه عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على المسلمين عشور
إنما العشور على أهل الذمة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الامام ليس له أن يبعث على المسلمين من يتولى على أخذ صدقاتهم ولكن
المسلمين بالخيار إن شاءوا أدوها إلى الامام فتولى وضعها في مواضعها التي أمره الله عز وجل بها وإن شاءوا
فرقوها في تلك المواضع
وليس للامام أن يأخذها منهم بغير طيب أنفسهم واحتجوا في ذلك بهذه الآثار التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أنا سفيان عن عمرو عن مسلم بن يسار قال قلت لابن عمر
أكان عمر يعشر المسلمين قال لا
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا للامام أن يولى أصحاب الأموال صدقات أموالهم حتى يضعوها مواضعها
وللامام أيضا أن يبعث عليها مصدقين حتى يعشروها ويأخذوا الزكاة منها
وكان من الحجة على أهل المقالة الأولى لهم أن العشر الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعه عن المسلمين هو العشر
الذي كان يؤخذ في الجاهلية وهو خلاف الزكاة وكانوا يسمونه المكس وهو الذي روى عقبة بن عامر فيه
عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا عبد الرحيم عن محمد بن إسحاق عن يزيد
بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة
صاحب مكس يعنى عاشرا
فهذا هو العشر المرفوع عن المسلمين وأما الزكاة فلا
وقد بين ذلك أيضا ما حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا حماد عن عطاء بن السائب
عن حرب بن عبيد الله عن رجل من أخواله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الصدقة وعلمه الاسلام وأخبره
بما يأخذ فقال يا رسول الله كل الاسلام قد علمته إلا الصدقة أفأعشر المسلمين
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يعشر اليهود والنصارى
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على الصدقة وأمره أن لا يعشر المسلمين وقال له إنما العشور
على اليهود والنصارى
فدل ذلك أن العشور المرفوعة عن المسلمين هي خلاف الزكاة
31

ومما يبين ذلك أيضا أن حسين بن نصر حدثنا قال ثنا الفريابي قال أنا سفيان عن عطاء بن السائب
عن حرب بن عبيد الله الثقفي عن خال له من بكر بن وائل قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن الإبل والغنم
أعشرهن قال إنما العشور على اليهود والنصارى وليس على المسلمين
فدل هذا على أن العشر الذي ليس على المسلمين المأخوذ من اليهود والنصارى هو خلاف الزكاة لان ما يؤخذ
من النصارى واليهود من ذلك إنما هو حق للمسلمين واجب عليهم كالجزية الواجبة لهم عليهم والزكاة ليست
كذلك لأنها إنما تؤخذ طهارة لرب المال وهو مثاب على أدائها
واليهود والنصارى ليس ما يؤخذ منهم من العشر طهارة لهم ولا هم مثابون عليه
فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يؤخذ منهم مما لا ثواب لهم عليه وأقر ذلك على اليهود والنصارى
حدثنا أبو بكرة وإبراهيم بن مرزوق قالا ثنا أبو عامر قال ثنا ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن
بن مهران أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أيوب بن شرحبيل أن خذ من المسلمين من كل أربعين دينارا
دينارا ومن أهل الكتاب من كل عشرين دينارا دينارا إذا كانوا يريدونها ثم لا تأخذ منهم شيئا حتى
رأس الحول فإني سمعت ذلك ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك
ففي هذ الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المصدقين أن يأخذوا من أموال المسلمين ما ذكرنا ومن أموال أهل
الذمة ما وصفنا
وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما قد وافق هذا
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا معاذ بن معاذ العنبري عن ابن عون عن أنس بن سيرين قال أرسل
إلى أنس بن مالك رضي الله عنه فأبطأت عليه ثم أرسل إلى فأتيته فقال إن كنت أرى أنى لو أمرتك
أن تعض على حجر كذا وكذا ابتغاء مرضاتي لفعلت أخبرت لك عملا فكرهته أو أكتب لك
سنة عمر رضي الله عنه قال قلت اكتب لي سنة عمر رضي الله عنه
قال فكتب خذ من المسلمين من أربعين درهما درهما ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما
درهما وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما
قال قلت من لا ذمة له قال الروم كانوا يقدمون من الشام
فلما فعل عمر رضي الله عنه هذا بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه منهم أحد منكر كان ذلك
حجة واجماعا منهم عليه فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فانا قد رأيناهم أنهم لا يختلفون أن للامام أن يبعث إلى أرباب المواشي السائمة
32

حتى يأخذ منهم صدقة مواشيهم إذا وجبت فيها الصدقة وكذلك يفعل في ثمارهم ثم يضع ذلك في مواضع
الزكوات على ما أمره به عز وجل لا يأبى ذلك أحد من المسلمين
فالنظر على ذلك أن يكون بقية الأموال أن الذهب والفضة وأموال التجارات كذلك
فأما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على المسلمين عشور إنما العشور على اليهود والنصارى
فعلى ما قد فسرته فيما تقدم من هذا الباب وقد سمعت أبا بكرة يحكى ذلك عن أبي عمر الضرير
وهذا كله قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله
وقد روى عن يحيى بن آدم في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس على المسلمين عشور إنما العشور على اليهود
والنصارى معنى غير المعنى الذي ذكرنا وذلك أنه قال إن المسلمين لا يجب عليهم بمرورهم علي العاشر
في أموالهم ما لم يكن واجبا عليهم لو لم يمروا بها عليه لا عليهم الزكاة على أي حال كانوا عليها
واليهود والنصارى لو لم يمروا بأموالهم على العاشر لم يجب عليهم فيها شئ
فالذي رفع عن المسلمين هو الذي يوجبه بالمال على العاشر ولم يرفع ذلك عن اليهود والنصارى
باب ذوات العوار هل تؤخذ في صدقات المواشي أم لا
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال ثنا عيينة عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عائشة قالت بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصدقا في أول الاسلام فقال خذ الشارف والبكر وذوات العيب
ولا تأخذ حزرات الناس
قال هشام أرى ذلك ليستا لفهم ثم جرت السنة بعد ذلك
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب قال ثنا وكيع عن هشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى تقليد هذا الخبر وقالوا هكذا ينبغي للمصدق أن يأخذ
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يأخذ في الصدقات ذات عيب وإنما يأخذ عدلا من المال
واحتجوا في ذلك بما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال حدثني أبي
عن ثمامة بن عبد الله عن أنس أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما استخلف وجه أنس بن مالك رضي الله
عنه إلى البحرين فكتب له هذا الكتاب
33

هذه فريضة يعنى الصدقة التي فرض رسول الله على المسلمين التي أمر الله عز وجل بها
رسوله صلى الله عليه وسلم
فمن سئلها من المؤمنين على وجهها فليعطها ومن سأل فوقها فلا يعطه فذكر فرائض الصدقة
وقال لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس الغنم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الحكم بن موسى قال ثنا يحيى بن حمزة قال ثنا سليمان بن داود
قال حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب
كتابا إلى أهل اليمن فيه الفرائض والسنن فكتب فيه لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار
ولا تيس الغنم
فهكذا كانت كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر تجرى من بعده وكتب علي رضي الله
عنه بعد ذلك
فدل ما ذكرنا على نسخ ما في حديث عائشة رضي الله عنها الذي بدأنا بذكره في هذا الباب
وفيه أيضا ما يدل على تقديمه بما رويناه بعده وهو قول عائشة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث
مصدقا في صدر الاسلام فأمره بذلك ونسخ ذلك بما ذكرنا في كتاب أبى بكر لأنس وفي كتاب
عمرو بن حزم
وهذا كله قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب زكاة ما يخرج من الأرض
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة وليس فيما دون خمس ذود
صدقة وليس فيما دون خمس أواق صدقة
(0) حدثنا أبو بكرة قال ثنا سعيد بن عامر قال ثنا همام عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن يحيى
فذكر بإسناده مثله
34

حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا يحيى بن سعيد عن عمرو فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم ومالك وسفيان الثوري
وعبد الله بن عمر أن عمرو بن يحيى حدثهم فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا روح بن القاسم عن
عمرو بن يحيى فذكر بإسناده مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن محمد
بن يحيى بن حباب عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن صعصعة
المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا سعيد بن أبي مريم قال ثنا محمد بن مسلم قال أنا عمرو بن دينار
عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صدقة في شئ من الزرع أو الكرم حتى يكون خمسة
أوسق ولا في الرقة حتى تبلغ مئتي درهم
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله
عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا الحسن بن موسى الأشيب قال ثنا شيبان بن عبد الرحمن عن ليث
بن أبي سليم عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس من
الإبل صدقة ولا خمس أواق ولا خمسة أوساق صدقة
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا أبو معمر قال ثنا عبد الوارث قال ثنا ليث فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر
رضي الله عنه نحوه ولم يرفعه
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا نعيم بن حماد قال ثنا ابن المبارك عن معمر عن سهيل
بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الحكم بن موسى قال ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود
قال حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب
إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن فكتب فيه ما سقت السماء أو كان سحا أو بعلا فيه العشر
إذا بلغ خمسة أوسق وما سقى بالرشاء أو بالدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أوسق
35

قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا لا تجب الصدقة في شئ من الحنطة والشعير والتمرة
والزبيب حتى يكون خمسة أوسق
وكذلك كل شئ مما تخرج الأرض مثل الحمص والعدس والماش وما أشبه ذلك فليس في شئ
منه صدقة حتى يبلغ هذا المقدار أيضا
وممن ذهب إلى ذلك أبو يوسف ومحمد رحمهما الله وأهل المدينة
وخالفهم في ذلك آخرون فأوجبوا الصدقة في قليل ذلك أو كثيره
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا أبو بكر بن عياش قال حدثني
عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمر في أن آخذ
مما سقت السماء العشر ومما سقي بعلا نصف العشر
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الحميد بن صالح قال ثنا أبو بكر بن عياش فذكر بإسناده مثله
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال ثنا عمي عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن
شهاب عن سالم عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء العشور وفيما سقى بالسانية
نصف العشور
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو الأسود قال ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب
عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض فيما سقت الأنهار والعيون أو كان عثريا يسقى بالسماء العشور
وفيما سقى بالناضح نصف العشور
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا سعيد بن أبي مريم قال أنا عبد الله بن وهب قال حدثني يونس
بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب
عن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
36

حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني عمرو بن الحارث أن أبا الزبير حدثه سمع جابر
بن عبد الله يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقي بالسانية نصف العشور
قال أبو جعفر ففي هذه الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فيما سقت السماء ما ذكر فيها ولم يقدر في ذلك مقدار
ففي ذلك ما يدل على وجوب الزكاة في كل ما خرج من الأرض قل أو كثر
فان قال قائل ممن يذهب إلى قول أهل المدينة إن هذه الآثار التي رويتها في هذا الفصل غير مضادة للآثار
التي رويتها في الفصل الأول إلا أن الأولى مفسرة وهذه مجملة فالمفسر من ذلك أولى من المجمل
قيل له هذا محال لان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر في هذه الآثار أن ذلك الواجب من العشر أو نصف العشر
فيما يسقى بالأنهار أو بالعيون أو بالرشاء أو بالدالية فكان وجه الكلام على كل ما خرج مما سقي بذلك
وقد رويتم أنتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رد ماعزا عندما جاء فأقر عند بالزنا أربع مرات ثم رجمه
بعد ذلك
ورويتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأنيس أغده على امرأة هذا فان اعترفت فارجمها
فجعلتم هذا دليلا على أن الاعتبار بالاقرار بالزنا مرة واحدة لان ذلك ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فان
اعترفت فارجمها
ولم تجعلوا حديث ماعز المفسر قاضيا على حديث أنيس المجمل فيكون الاعتراف المذكور في حديث
أنيس المجمل هو الاعتراف المذكور في حديث ماعز المفسر
فإذ كنتم قد فعلتم هذا فيما ذكرنا فما تنكرون على من فعل في أحاديث الزكوات ما وصفنا بل حديث
أنيس أولى أن يكون معطوفا على حديث ماعز لأنه ذكر فيه الاعتراف
واقراره مرة واحدة ليس هو اعترافا بالزنا الذي يوجب الحد عليه في قول مخالفكم
وحديث معاذ وابن عمر وجابر في الزكاة إنما فيه ذكر إيجابها فيما سقى بكذا وفيما
سقى بكذا
فذلك أولى أن يكون مضادا لما فيه ذكر الأوساق من حديث أنيس لحديث ماعز
وقد حمل حديث معاذ وجابر وابن عمر على ما ذكرنا وذهب في معناه إلى ما وصفنا
إبراهيم النخعي ومجاهد
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني قال أنا شريك عن منصور عن إبراهيم
قال في كل شئ أخرجت الأرض الصدقة
37

حدثنا محمد بن حميد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا موسى بن أعين عن خصيف عن مجاهد
قال سألته عن زكاة الطعام فقال فيما قل منه أو كثر العشر ونصف العشر
والنظر الصحيح أيضا يدل على ذلك وذلك أنا رأينا الزكوات تجب في الأموال والمواشي في مقدار منها
معلوم بعد وقت معلوم وهو الحول فكانت تلك الأشياء تجب بمقدار معلوم ووقت معلوم
ثم رأينا ما تخرج الأرض يؤخذ منه الزكاة في وقت ما تخرج ولا ينتظر به وقت
فلما سقط أن يكون له وقت يجب فيه الزكاة بحلوله سقط أن يكون له مقدار يجب الزكاة فيه ببلوغه
فيكون حكم المقدار والميقات في هذا سواء إذا سقط أحدهما سقط الآخر كما كانا في الأموال التي ذكرنا
سواء لما ثبت أحدهما ثبت الآخر
فهذا هو النظر وهو قول أبي حنيفة
باب الخرص
حدثنا يزيد بسفيان قال ثنا أبو بكر الحنفي قال ثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر
رضى الله تعالى عنهما قال كانت المزارع تكرى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على إن لرب الأرض ما على الساقي من
الزرع وطائفة من التبن لا أدرى كم هو
قال نافع فجاء رافع بن خديج وأنا معه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر يهود على أنهم يعملونها
ويزرعونها على أن لهم نصف ما يخرج منها من ثمر أو زرع على أن نقر كم فيها ما بدا لنا
قال فخرصها عليهم عبد الله بن رواحة فصاحوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حرصه
فقال لهم عبد الله بن رواحة أنتم بالخيار إن شئتم فهي لكم إن شئتم فهي لنا نخرصها ونؤدي
إليكم نصفها
فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عون الزيادي قال ثنا إبراهيم بن طهمان قال ثنا أبو الزبير
عن جابر رضي الله عنه قال أفاء الله خيبر فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا وجعلها بينه وبينهم
فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم ثم قال يا معشر اليهود أنتم أبغض الخلق إلي قلتم
38

أنبياء الله وكذبتم على الله وليس يحملني بغضي إياكم أن أحيف عليكم وقد خرصت عليكم بعشرين ألف
وسق من تمر فان شئتم فلكم وإن شئتم فلي
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا إبراهيم بن المنذر قال ثنا عبد الله بن نافع قال ثنا محمد بن صالح
عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرص العنب زبيبا
كما يخرص الرطب
قال أبو جعفر فذهب قوم أن الثمرة التي يجب فيها العشر هكذا حكمها تخرص وهي رطب تمرا فيعلم
مقدارها فتسلم إلى ربها ويملك بذلك حق الله تعالى فيها ويكون عليه مثلها مكيلة ذلك تمرا وكذلك يفعل
في العنب واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا ذلك وقالوا ليس في شئ من هذه الآثار أن التمرة كانت رطبا في وقت
ما خرصت في حديث بن عمر وجابر رضي الله عنهما
وكيف يجوز أن يكون كانت رطبا حينئذ فتجعل لصاحبها حق الله فيها بمكيلة ذلك تمرا يكون عليه نسيئة
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر كيلا ونهى عن بيع الرطب بالتمر
نسيئة وجاءت
بذلك عنه الآثار المروية الصحيحة قد ذكرنا ذلك في غير هذا الموضع من كتابنا هذا ولم يستثن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ذلك شيئا
فليس وجه ما روينا في الخرص عندنا على ما ذكرتم ولكن وجه ذلك عندنا والله أعلم أنه إنما أريد
بخرص بن رواحة ليعلم به مقدار ما في أيدي كل قوم من الثمار فيؤخذ مثله بقدره في وقت الصرام لا أنهم
يملكون منه شيئا مما يجب لله فيه ببدل لا يزول ذلك البدل عنهم
وكيف يجوز ذلك وقد يجوز أن تصيب بعد ذلك آفة فتتلفها أو نار فتحرقها فتكون ما يؤخذ من
صاحبها بدلا من حق الله تعالى فيها مأخوذا منه بدلا مما لم يسلم له
ولكنه إنما أريد بذلك الخرص ما ذكرنا وكذلك في حديث عتاب بن أسيد فهو على ما وصفنا من
ذلك أيضا
وقد دل على ذلك أيضا ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن خبيب
بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن مسعود بن نيار عن سهل بن أبي حثمة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع
39

فقد علمنا أن ذلك لا يكون في وقت ما يؤخذ الزكاة لان ثمرته لو بلغت مقدار ما يجب فيه الزكاة لم يحط
عنه شئ مما وجب عليه فيها فأخذ منه ما وجب عليه فيها بكماله هذا مما اتفق عليه المسلمون
ولكن الحطيطة المذكورة في هذا الحديث إنما هي قبل ذلك في وقت ما يأكل من الثمرة أهلها قبل أوان
أخذ الزكاة منها
فأمر الخراص أن يلقوا مما يخرصون المقدار المذكور في هذا الحديث لئلا يحتسب به على أهل الثمار
في وقت أخذ الزكاة منهم
وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأمر الخراص بذلك أيضا
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا أبو بكر بن عياش عن يحيى بن سعيد
عن بشير بن يسار عن سعيد بن المسيب قال بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه سهل بن أبي حثمة يخرص
على الناس فأمره إذا وجد القوم في نخلهم أن لا يخرص عليهم ما يأكلون فهذا أيضا دليل على ما ذكرنا
وقد روى عن أبي حميد الساعدي أيضا في صفة خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على ما ذكرنا
حدثنا إبراهيم بن أبي داود وعبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قالا ثنا الوحاظي ح
وحدثنا علي بن عبد الرحمن وأحمد بن داود قالا ثنا القعنبي قالا ثنا سليمان بن بلال قال ثنا
عمرو بن يحيى المازني عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبي حميد الساعدي قال خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى على حديقة امرأة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرصوها
فخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرصناها عشرة أوسق وقال أحصيها حتى أرجع إليك إن شاء الله تعالى
فلما قدمناها سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حديقتها كم بلغ تمرها قالت عشرة أوسق
ففي هذا الحديث أيضا أنهم خرصوها وأمروها بأن تحصيها حتى يرجعوا إليها
فذلك دليل على أنها لم تملك بخرصهم إياها ما لم تكن مالكة له قبل ذلك
وإنما أرادوا بذلك أن يعلموا مقدار ما في نخلها خاصة ثم يأخذون منها الزكاة في وقت الصرام على حسب
ما يجب فيها
فهذا هو المعنى في هذه الآثار عندنا والله أعلم
وقد قال قوم في الخرص غير هذا القول قالوا إنه قد كان في أول الزمان يفعل ما قال أهل المقالة الأولى من
تمليك الخراص أصحاب الثمار حق الله فيها وهي رطب ببدل يأخذونه منهم تمرا ثم نسخ ذلك بنسخ الربا فردت
الأمور إلى أن لا يؤخذ في الزكوات إلا ما يجوز في البيعات
40

وذكروا في ذلك ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا أبو الزبير عن جابر
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخرص وقال أرأيتم إن هلك الثمر أيحب أحدكم أن يأكل مال
أخيه بالباطل
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فانا قد رأينا الزكاة تجب في أشياء مختلفة منها الذهب والفضة والثمار التي
تخرجها الأرض والنخل والشجر والمواشي السائمة
فكل قد أجمع أن رجلا لو وجبت عليه على ماله وهو ذهب أو فضة أو ماشية سائمة فسلم ذلك له المصدق
على ما لا يجوز عليه البياعات أن ذلك غير جائز له
ألا ترى إن رجلا لو وجبت عليه في دراهمه الزكاة فباع ذلك منه المصدق بذهب نسيئة أن ذلك لا يجوز
وكذلك لو باعه منه بذهب ثم فارقه قبل أن يقبضه لم يجز ذلك
وكذلك لو وجبت عليه في ماشيته الزكاة ثم سلم ذلك له المصدق ببدل مجهول أو ببدل معلوم إلى أجل
مجهول فذلك كله حرام غير جائز
فكان كلما حرم في البياعات في بيع الناس ذلك بعضهم من بعض قد دخل فيه حكم المصدق في بيعه إياه
من رب المال الذي فيه الزكاة التي يتولى المصدق أخذها منه
فلما كان ما ذكرنا كذلك في الأموال التي وصفنا كان النظر على ذلك أيضا أن يكون كذلك حكم الثمار
فكما لا يجوز بيع رطب بتمر نسيئة في غير ما فيه الصدقات فكذلك لا يجوز فيما فيه الصدقات فيما بن
المصدق وبين رب المال
فهذا هو النظر أيضا في هذا الباب وقد عاد ذلك أيضا إلى ما صرفنا إليه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
التي قدمنا ذكرها
فبذلك نأخذ وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب مقدار صدقة الفطر
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا قبيصة بن عقبة قال ثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله
بن سعيد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال كنا نعطي زكاة الفطر من رمضان صاعا من طعام
أو صاعا من تمر أو صاعا من من شعير أو صاعا من أقط
41

حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله أنه سمع
أبا سعيد يقول كنا نخرج صدقة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط
أو صاعا من زبيب
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا داود بن قيس عن عياض بن عبد الله
بن سعد عن أبي سعيد قال كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر إما صاعا من طعام
وإما صاعا من تمر وإما صاعا من شعير وإما صاعا من زبيب وإما صاعا من أقط
فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكان فيما كلم به الناس فقال أدوا مدين من
سمراء الشام يعدل صاعا من شعير
حدثنا يونس قال أخبرني عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن عياض فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن مرزوق قال أنا عثمان بن عمر قال ثنا داود فذكر بإسناده مثله وزاد قال أبو سعيد
أما أنا فلا أزال أخرج كما كنت أخرج
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا روح بن القاسم عن
زيد بن أسلم عن عياض عن أبي سعيد قال كانوا في صدقة رمضان من جاء بصاع من شعير قبل منه
ومن جاء بصاع من أقط قبل منه ومن جاء بصاع من تمر قبل منه ومن جاء بصاع من زبيب قبل منه
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث ح
وحدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف قالا ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله
بن عثمان أن عياض بن عبد الله حدثه أن أبا سعيد قال إنما كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر
أو صاعا من شعير أو صاع أقط لا نخرج غيره فلما كثر الطعام في زمن معاوية جعلوه مدين من حنطة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان عن
عياض بن عبد الله قال سمعت أبا سعيد وهو يسأل عن صدقة الفطر قال لا أخرج إلا ما كنت أخرج
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط
فقال له رجل أو مدين من قمح فقال لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعلم بها
42

قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا في صدقة الفطر من أحب أن يعطيها من الحنطة أعطاها
صاعا وكذلك إن أحب أن يعطيها من الشعير أو التمر أو الزبيب
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا يعطى صدقة الفطر من الحنطة نصف صاع ومما سوى الحنطة من
الأصناف التي ذكرنا صاعا
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى أن حديث أبي سعيد الذي احتجوا به عليهم إنما فيه أخبار عما
كانوا يعطون
وقد يجوز أن كانوا يعطون من ذلك ما عليهم ويزيدون فضلا ليس عليهم
وقد روى عن غير أبي سعيد في الحنطة خلاف ما روى عن أبي سعيد
فمن ذلك ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد
وحدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة
وقال بن أبي مريم أنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله
عنهما قالت كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين من قمح
حدثنا فهد وعلي بن عبد الرحمن قالا ثنا ابن أبي مريم قال أخبرني يحيى بن أيوب أن هشام
بن عروة حدثه عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر أخبرتها أنها كانت تخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهلها
الحر منهم والمملوك مدين من حنطة أو صاعا من تمر بالمد أو بالصاع الذي يتبايعون به
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن عزيز قال ثنا سلامة عن عقيل عن هشام بن عروة
عن أبيه عن أسماء قالت كنا نخرج زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدين
فهذه أسماء تخبر أنهم كانوا يؤدون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر مدين من قمح
ومحال أن يكونوا يفعلون هذا إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لان هذا لا يؤخذ حينئذ إلا من جهة توقيفه
إياهم على ما يجب عليهم من ذلك
43

فتصحيح ما روى عن أسماء وما روى عن أبي سعيد أن يجعل ما كانوا يؤدون على ما ذكرت يعنى أسماء
هو الفرض وما كانوا يؤدون على ما ذكره أبو سعيد زيادة على ذلك هو تطوع
والدليل على صحة ما ذكرنا من هذا أن أبا بكرة قد حدثنا قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا حماد
عن يونس عن الحسن أن مروان بعث إلى أبي سعيد أن ابعث إلى بزكاة رقيقك
فقال أبو سعيد للرسول إن مروان لا يعلم إنما علينا أن نعطي لكل رأس عند كل فطر صاعا من تمر
أو نصف صاع من بر
فهذا أبو سعيد قد أخبر في هذا بما عليه في زكاة الفطر عن عبيده فدل ذلك على ما ذكرنا وأن ما روى
عنه مما زاد على ذلك كان اختيارا منه ولم يكن فرضا
وقد جاءت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فرضه في زكاة الفطر موافقة لهذا أيضا
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عارم ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قالا ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن
عمر رضي الله عنهما قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد صاعا من شعير
أو صاعا من تمر قال فعدله الناس بمدين من حنطة
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا قبيصة قال ثنا سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا يحيى بن عيسى عن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو الوليد الطيالسي وبشر بن عمر قالا ثنا ليث بن سعد عن نافع
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه لم يذكر التعديل
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره ح
وحدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الله بن مسلمة قال ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
غير أنه قال عن كل حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين
حدثنا فهد قال ثنا عمرو بن طارق قال أنا يحيى بن أيوب عن يونس بن يزيد أن نافعا أخبره
قال قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير
على كل انسان ذكر حر أو عبد من المسلمين
قال وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول فجعل الناس عدله مدين من حنطة
فقول بن عمر رضي الله عنهما فجعل الناس عدله مدين من حنطة إنما يريد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي
يجوز تعديلهم ويجب الوقف عند قولهم
44

فإنه قد روى عن عمر مثل ذلك في كفارة اليمين أنه قال ليسار بن نمير انى أحلف أن لا أعطى أقواما شيئا
ثم يبدو لي فأفعل فإذا رأيتني فعلت ذلك فأطعم عنى عشرة مساكين كل مسكين نصف صاع من بر
أو صاعا من تمر أو شعير
وروى عن علي مثل ذلك وسنذكر ذلك في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى مع أنه قد روى
عن عمر وعن أبي بكر أيضا وعن عثمان بن عفان في صدقة الفطر أنها من الحنطة نصف صاع وسنذكر
ذلك أيضا في هذا الباب إن شاء الله تعالى
فدل ذلك على أنهم هم المعدلون لما ذكرنا من الحنطة بالمقدار من الشعير والتمر الذي ذكرنا ولم يكونوا
يفعلون ذلك إلا بمشاورة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واجماعهم لهم على ذلك
فلو لم يكن روى لنا في مقدار ما يعطى من الحنطة في زكاة الفطر إلا هذا التعديل لكان ذلك عندنا
حجة عظيمة في ثبوت ذلك المقدار من الحنطة وأنه نصف صاع
فكيف وقد روى مع ذلك عن أسماء أنها كانت تخرج ذلك المقدار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا
ثم قد روى في غير هذه الآثار التي ذكرناها عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوافق ذلك أيضا
فمن ذلك ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا حماد بن زيد عن النعم ان بن راشد عن
الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صاع من بر أو قمح عن كل اثنين
حر أو عبد ذكر أو أنثى أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد عليه مما أعطى
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عفان قال ثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري
عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدوا زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير
أو نصف صاع من بر أو قال قمح عن كل انسان صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو مملوك غنى
أو فقير
حدثنا أبو بكرة قال ثنا حسين بن مهدي قال ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن
عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال زكاة الفطر عن كل حر وعبد ذكر أو أنثى صغير
أو كبير غنى أو فقير صاع من تمر أو نصف صاع من قمح
قال معمر وبلغني عن الزهري أنه كان يرفعه
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال قال الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد وعقيل
بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر مدين من حنطة
45

(حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا الليث فذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو زرعة قال أنا حياة قال أنا عقيل عن ابن شهاب أنه سمع
سعيد بن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة يقول ونأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة
الفطر بصاع من تمر أو بمدين من حنطة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرني يحيى بن أيوب قال حدثني عقيل عن ابن
شهاب عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة والقاسم وسالم قالوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
في صدقة الفطر بصاع من شعير أو مدين من قمح
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الغفار بن داود قال ثنا ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن
سعيد وعبيد الله والقاسم وسالم عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن عبد الخالق الشيباني عن
سعيد بن المسيب قال كانت الصدقة تعطى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضي الله عنهما نصف
صاع من حنطة
فقد جاءت هذه الآثار التي ذكرنا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحنطة بمثل ما عدله الناس بعده وأبو سعيد
فقد روى عنه من رأيه ما يوافق ذلك ولم يخالف ما روى عنه ما ذكره عنه عياض بن عبد الله في قوله تلك قيمة
معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها لأنه في ذلك لم ينكر القيمة وإنما أنكر المقوم
فهذا ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر وقد ذكرنا بعض ما روى عن أبي بكر وعمر وعثمان
الله في ذلك
وقد روى في ذلك أيضا عن أبي بكر وعمر وعثمان ما يوافق ذلك
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر وهلال بن يحيى قال أنا أبو عوانة عن عاصم الأحول عن أبي قلابة
قال أخبرني من دفع إلى أبى بكر الصديق رضي الله عنه صاع بر بين اثنين
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر قال أنا حماد عن الحجاج بن أرطاة قال ذهبت أنا والحكم بن
عتيبة إلى زياد بن النضر فحدثنا عن عبد الله بن نافع أن أباه سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال إني رجل
مملوك فهل في مالي زكاة
فقال عمر رضي الله عنه إنما زكاتك على سيدك أن يؤدى عنك عند كل فطر صاعا من شعير أو تمر
أو نصف صاع من بر
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا نعيم عن ابن عيينة عن الزهري عن ابن أبي صعير قال كنا نخرج
زكاة الفطر على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصف صاع
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا القواريري قال ثنا حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن
46

أبى الأشعث قال خطبنا عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال في خطبته أدوا زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا
من شعير عن كل صغير وكبير حر ومملوك ذكر وأنثى
(0) حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال ثنا القواريري فذكر بإسناده عن عثمان رضي الله عنه
أنه خطبهم فقال أدوا زكاة الفطر مدين من حنطة ولم يذكر ما سوى ذلك مما ذكره بن أبي داود
فهذا أبو بكر وعمر وعثمان قد أجمعوا على ذلك مما ذكرنا
وقد روى مثل ذلك أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما
(0) حدثنا محمد بن عمر قال ثنا يحيى بن عيسى عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال أمرت أهل البصرة إذ كنت فيهم أن يعطوا عن الصغير والكبير والحر والمملوك مدين من حنطة
وقد روى مثل ذلك أيضا عن عمر بن عبد العزيز وغيره من التابعين
حدثنا أبو بكرة قال ثنا عبد الله بن حمران قال ثنا عوف قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدى
بن أرطاة كتابا فقرأه على منبر البصرة وأنا أسمع أما بعد فمر من قبلك من المسلمين أن يخرجوا زكاة
الفطر صاعا من تمر أو نصف صاع من بر
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر قال أنا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم ومجاهد رضي الله
عنه مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر عن سفيان عن منصور عن مجاهد في زكاة الفطر صاع من
كل شئ سوى الحنطة والحنطة نصف صاع
حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام قال ثنا قتادة عن سعيد
بن المسيب في زكاة رمضان قال صاع تمر أو نصف صاع بر
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أراه عفان قال ثنا شعبة قال سألت الحكم وحمادا
وعبد الرحمن بن القاسم عن صدقة الفطر فقالوا نصف صاع حنطة
فهذا كل ما روينا في هذا الباب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه من بعده وعن تابعيهم من بعدهم كلها
على أن صدقة الفطر من الحنطة نصف صاع ومما سوى الحنطة صاع
وما علمنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من التابعين روى عنه خلاف ذلك فلا ينبغي لأحد أن
يخالف ذلك إذ كان قد صار إجماعا في زمن أبى بكر وعمر وعثمان وعلي إلى زمن من ذكرنا من
التابعين
ثم النظر أيضا قد دل على ذلك وذلك أنا رأيناهم أجمعوا على أنها من الشعير والتمر صاع
47

فنظرنا في حكم الحنطة في الأشياء التي تؤدى عنها التمر والشعير كيف هو فوجدنا كفارات الايمان قد أجمع
أن الاطعام فيها من هذه الأصناف أيضا ثم اختلف في مقدارها منها
فقال قوم مقدار ذلك من التمر والشعير نصف صاع ومن الحنطة مد مثل نصف ذلك
وقال آخرون بل هو من الحنطة نصف صاع ومما سوى ذلك صاع
وكلهم قد عدل الحنطة بمثليها من التمر والشعير فكان النظر على ذلك إذ كانت صدقة الفطر صاعا من التمر
والشعير أن يكون من الحنطة مثل نصف ذلك وهو نصف صاع
فهذا هو النظر في هذا الباب أيضا وقد وافق ذلك ما جاءت به الآثار التي ذكرنا فبذلك نأخذ وهو قول
أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب وزن الصاع كم هو
حدثنا ابن أبي عمران قال قال ثنا محمد بن شجاع وسليمان بن بكار وأحمد بن منصور الرمادي
قالوا ثنا يعلى بن عبيد عن موسى الجهني عن مجاهد قال دخلنا على عائشة رضي الله عنها فاستسقى بعضنا
فأتى بعس قالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بمثل هذا
قال مجاهد فحزرته فيما أحزر ثمانية أرطال تسعة أرطال عشرة أرطال
قال أبو جعفر فذهب ذاهبون إلى أن وزن الصاع ثمانية أرطال واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وقال لم
يشك مجاهد في الثمانية وإنما شك فيما فوقها فثبتت الثمانية بهذا الحديث وانتفى ما فوقها وممن قال بهذا القول
أبو حنيفة رحمه الله
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا وزنه خمسة أرطال وثلث رطل وممن قال بذلك أبو يوسف رحمه الله
وقالوا هذا الذي كان يغتسل به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاع ونصف
وذكروا في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زائدة عن جعفر بن برقان عن
الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من اناء واحد
وهو الفرق
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة
48

عن عائشة قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من اناء واحد من قدح واحد يقال له الفرق
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال ثنا الليث بن سعد قال حدثني
بن شهاب فذكر بإسناده نحوه
قالوا فلما ثبت بهذا الحديث الذي روى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وهي
من الفرق والفرق ثلاثة آصع كان ما يغتسل به كل واحد منهما صاعا ونصفا
فإذا كان ذلك ثمانية أرطال كان الصاع ثلثيها وهو خمسة أرطال وثلث رطل وهذا قول أهل
المدينة أيضا
فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأولى أن حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها إنما فيه ذكر الفرق
الذي كان يغتسل من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي لم تذكر مقدار الماء الذي كان يكون فيه هل هو ملؤه أو أقل
من ذلك
فقد يجوز أن يكون يغتسل هو وهي بملئه ويجوز أن يكون كان يغتسل هو وهي بأقل من ملئه مما هو
صاعان فيكون كل واحد منهم مغتسلا بصاع من ماء ويكون معنى هذا الحديث موافقا لمعاني الأحاديث
التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يغتسل بصاع
فإنه قد روى عنه في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد بن الأصهباني قال أنا عبد الرحيم
بن سليمان عن حجاج عن إبراهيم عن صفية بن شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع
حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا أبو الأحوص عن مسلم يعنى الملائي عن إبراهيم عن علقمة
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا هدبة بن خالد قال ثنا همام عن قتادة عن صفية بنت شيبة عن
عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بقدر الصاع ويتوضأ بقدر المد
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم قال ثنا أبان عن قتادة عن صفية بنت شيبة عن عائشة
رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة فذكر بإسناده مثله غير أنه
قال بالمد ونحوه
49

حدثنا محمد بن العباس بن الربيع قال ثنا أسد قال ثنا ابن المبارك بن فضالة قال حدثتني أمي عن معاذة
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع
حدثنا أبو أمية قال ثنا حياة بن شريح قال ثنا بقية عن عتبة بن أبي حكيم قال حدثني عبد الله
بن عبد الله بن جبير بن عتيك قال سألنا أنسا عن الوضوء الذي يكفي الرجل من الماء فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتوضأ من مد فيسبغ الوضوء وعسى أن يفضل منه
قال سألناه عن الغسل من الجنابة كم يكفي من الماء
قال الصاع فسألت عنه أعن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصاع قال نعم مع المد
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا أبو عوانة عن يزيد بن أبي زياد عن سالم بن أبي الجعد
عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مسدد قال ثنا بشر قال ثنا أبو ريحانة عن سفينة مولى أم سلمة
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسله الصاع من الماء ويوضيه المد من الماء
ففي هذه الآثار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بصاع وليس فيه مقدار وزن الصاع كما هو
وفي حديث مجاهد عن عائشة رضي الله عنها ذكر وزن ما كان يغتسل به وهو ثمانية أرطال
وفي حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من اناء واحد
هو الفرق
ففي هذا الحديث ذكر ما كانا يغتسلان منه خاصة وليس فيه ذكر مقدار الماء الذي كانا يغتسلان به
وفي الآثار الاخر ذكر مقدار الماء الذي كان يغتسل به وإنه كان صاعا
فثبت بذلك لما صحت هذه الآثار وجمعت وكشفت معانيها أنه كان يغتسل من اناء هو الفرق وبصاع
وزنه ثمانية أرطال
فثبت بذلك ما ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله
وقد قال بذلك أيضا محمد بن الحسن
وقد روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه أيضا ما يدل على هذا المعنى
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال ثنا شريك عن عبد الله بن عيسى
عن ابن جبير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد وهو رطلان
حدثنا فهد قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله
يعنى بن جبير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ برطلين ويغتسل بالصاع
فهذا أنس قد أخبر أن مد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصاع أربعة أمداد
50

فإذا ثبت أن المد رطلان ثبت أن الصاع ثمانية أرطال
فان قال قائل فان أنس بن مالك قد روى عنه خلاف هذا فذكر ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا أبو الوليد
الطيالسي قال ثنا شعبة قال أنا عبد الله بن عبد الله بن جبير سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول إن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمكوك ويغتسل بخمس مكاكي
قال فهذا الحديث يخالف الحديث الأول
قيل له ما في هذا عندنا خلاف له لان حديث شريك إنما فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد
وقد وافقه على ذلك عتبة بن أبي حكيم فروى عن عبد الله بن جبير نحوا من ذلك
فلما روى شعبة ما ذكرنا عن عبد الله بن جبير احتمل أن يكون أراد بالمكوك المد لأنهم كانوا يسمعون
المد مكوكا فيكون الذي كان يتوضأ به مدا ويكون الذي يغتسل به خمسة مكاكي يغتسل بأربعة منها وهي
أربعة أمداد وهي صاع ويتوضأ بآخر وهو مد
فجمع في هذا الحديث ما كان يتوضأ به للجنابة وما كان يغتسل به لها
وأفرد في حديث عتبة ما كان يغتسل به لها خاصة دون ما كان يتوضأ به وأن ذلك الوضوء لها أيضا
وسمعت بن أبي عمران يقول سمعت بن الثلجي يقول إنما قدر الصاع على وزن ما يعتدل كيله ووزنه
من الماش والزبيب والعدس فإنه يقال إن كيل ذلك ووزنه سواء
حدثنا ابن أبي عمران قال أنا علي بن صالح وبشر بن الوليد جميعا عن أبي يوسف قال قدمت
المدينة فأخرج إلى من أثق به صاع فقال هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم فقدرته فوجدته خمسة أرطال
وثلث رطل
وسمعت بن أبي عمران يقول يقال إن الذي أخرج هذا لأبي يوسف هو مالك بن أنس
وسمعت أبا حازم يذكر أن مالكا سئل عن ذلك فقال هو تحرى عبد الملك لصاع عمر بن الخطاب
رضي الله عنه
فكان مالكا لما ثبت عنده أن عبد الملك تحرى ذلك من صاع عمر وصاع عمر رضي الله عنه صاع النبي صلى الله عليه وسلم
وقد قدر صاع عمر على خلاف ذلك
فحدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا وكيع عن علي بن صالح عن أبي إسحاق
عن موسى بن طلحة قال الحجاج صاع عمر بن الخطاب رضي الله عنه
51

حدثنا أحمد قال ثنا يعقوب قال ثنا وكيع عن أبيه عن مغيرة عن إبراهيم قال عيرنا صاع
عمر فوجدناه حجاجيا والحجاجي عندهم ثمانية أرطال بالبغدادي
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سفيان بن بشر الكوفي قال ثنا شريك عن مغيرة وعبيدة عن
إبراهيم قال وضع الحجاج قفيزه على صاع عمر
فهذا أولى مما ذكر مالك من تحرى عبد الملك لان التحري ليس معه حقيقة وما ذكره إبراهيم وموسى
بن طلحة من العيار معه حقيقة
فهذا أولى وبالله التوفيق
تم كتاب الزكاة
كتاب الصيام
باب الوقت الذي يحرم فيه الطعام على الصيام
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش
قال تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة فدخلت عليه فأمر بلقحة فحلبت وبقدر
فسخنت ثم قال كل فقلت إني أريد الصوم قال وأنا أريد الصوم
قال فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة قال هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صنعت
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت بعد الصبح قال بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث عن حذيفة أنه أكل بعد طلوع الفجر وهو يريد الصوم ويحكى مثل ذلك
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك فهو ما قد روينا عنه مما تقدم ذكرنا له في كتابنا هذا أنه
قال إن بلالا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي بن أم مكتوم
52

وأنه قال لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه إنما يؤذن لينتبه نائمكم وليرجع قائمكم
ثم وصف الفجر بما قد وصفه به
فدل ذلك على أنه المانع للطعام والشراب وما سوى ذلك مما يمنع منه الصائم
فهذه الآثار التي ذكرنا مخالفة لحديث حذيفة
وقد يحتمل حديث حذيفة عندنا والله أعلم أن يكون كان قبل نزول قوله تعالى وكلوا واشربوا
حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام
إلى الليل
فإنه حدثنا أحمد بن داود بن موسى قال ثنا إسماعيل بن سالم قال ثنا هشيم قال أنا حصين ومجالد
عن الشعبي قالا أخبرنا عدى بن حاتم قال لما نزلت هذه الآية كلوا واشربوا حتى يتبين لكم
الخيط الأبيض من الخيط الأسود عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض
فجعلت أنظر إليهما فلا يتبين لي الأبيض من الأسود
فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت فقال إن وسادك لعريض إنما ذلك
بياض النهار وسواد الليل
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا هشيم قال ثنا حصين بن عبد الرحمن عن
الشعبي عن عدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا عبد الله بن إدريس الأودي عن حصين فذكر
بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا الفضيل بن سليمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد
الساعدي قال لما نزلت وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط
الأسود جعل الرجل يأخذ خيطا أبيض وخيطا أسود فيضعهما تحت وسادة فينظر متى يستبينهما
فيترك الطعام
قال فبين الله عز وجل ذلك ونزلت من الفجر
53

فلما كان حكم هذه الآية قد كان أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بين الله عز وجل لهم من ذلك
ما بين وحتى أنزل من الفجر بعد ما قد كان أنزل حتى يتبين لكم الخيط الأبيض
من الخيط الأسود فكان الحكم أن يأكلوا ويشربوا حتى يتبين ذلك لهم حتى نسخ الله عز وجل
بقوله من الفجر على ما ذكرنا ما قد بينه سهل في حديثه
واحتمل أن يكون ما روى حذيفة من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول تلك الآية فلما أنزل الله
عز وجل تلك الآية أحكم ذلك ورد الحكم إلى ما بين فيها
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا في ذلك ما حدثنا أبو أمية قال ثنا أبو نعيم والخضر بن محمد
بن شجاع قالا ثنا ملازم بن عمرو قال ثنا عبد الله بن بدر السحيمي قال حدثني جدي قيس بن طلق
قال حدثني أبي إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد كلوا واشربوا حتى
يعترض لكم الأحمر وأشار بيده وأعرضها
فلا يجب ترك آية من كتاب الله تعالى نصا وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترة قد قبلتها الأمة وعملت
بها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم إلى حديث قد يجوز أن يكون منسوخا بما ذكرناه في هذا الباب
وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب الرجل ينوي الصيام بعد ما يطلع الفجر
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن لهيعة ويحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر
عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن حفصة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لم يبيت الصيام
قبل الفجر فلا صيام له
حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا ابن لهيعة فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث بن سعد
عن يحيى بن أيوب فذكر بإسناده مثله
54

قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا لم ينو الدخول في الصيام قبل طلوع الفجر ليجزه أن يصوم
يومه ذلك بنية تحدث له بعد ذلك واحتجوا بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا هذا الحديث لا يرفعه الحفاظ الذين يروونه عن ابن شهاب ويختلفون
عنه فيه اختلافا يوجب اضطراب الحديث بما هو دونه
ولكن مع ذلك نثبته ونجعله على خاص من الصوم وهو الصوم الفرض الذي ليس في أيام بعينها
مثل الصوم في الكفارات وقضاء رمضان وما أشبه ذلك
فأما ما ذكرنا من رواية الحفاظ لهذا الحديث عن الزهري ومن اختلافهم عنه فيه فإن إبراهيم بن مرزوق
حدثنا قال ثنا القعنبي قال ثنا مالك عن ابن شهاب عن عائشة وحفصة رضي الله عنهما بذلك الذي
ذكرناه في أول هذا الباب
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن حمزة بن عبد الله عن أبيه
عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها بذلك ولم يرفعه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا حسين بن مهدي قال أنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن الزهري
عن سالم عن ابن عمر عن حفصة رضي الله عنها بذلك ولم يرفعه
فهذا مالك ومعمر وابن عيينة وهم الحجة عن الزهري قد اختلفوا في إسناد هذا الحديث كما ذكرنا
وقد رواه أيضا عن الزهري غير هؤلاء على خلاف ما رواه عبد الله بن أبي بكر أيضا
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب حدثه عن سالم عن أبيه
بذلك ولم يذكر حفصة رضي الله عنها ولم يرفعه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا صالح بن أبي الأخضر قال ثنا ابن شهاب عن السائب
بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة عن حفصة رضي الله عنها بذلك ولم يرفعه
ثم قد رواه نافع أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما بذلك ولم يذكر حفصة رضي الله عنها أيضا ولم يرفعه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا مالك عن يونس قال أخبرني أنس بن عياض عن موسى
بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما مثله
فهذا هو أصل هذا الحديث وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا في إباحة الدخول في الصيام بعد طلوع الفجر
55

حدثنا أبو بكرة وإبراهيم بن مرزوق وعلي بن شيبة قالوا ثنا روح بن عبادة قال ثنا شعبة
عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحب
طعاما فجاء يوما فقال هل عندكم من ذلك الطعام فقلت لا قال فإني صائم
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا الثوري عن طلحة فذكر بإسناده مثله
فذلك عندنا على خاص من الصوم أيضا وهو التطوع ينويه الرجل بعد ما يصبح في صدر النهار الأول
وقد عمل بذلك جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب وروح قالا ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص
عن عبد الله قال إذا أصبح أحدكم ثم أراد الصوم بعد ما أصبح فإنه بأحد النظرين
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا أبو إسحاق عن أبي
الأحوص عن عبد الله قال متى أصبحت يوما فأنت على أحد النظرين ما لم تطعم أو تشرب إن شئت
فصم وإن شئت فأفطر
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا زهير قال ثنا أبو إسحاق عن الحارث الأعور عن علي
رضي الله عنه مثله
* حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن الأعمش عن طلحة بن مصرف
عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن أن حذيفة بدا له الصوم بعد ما زالت الشمس فصام
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح قال ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن المستورد رجل من
بنى أسد عن رجل منهم أنه لزم غريما له فأتى بن مسعود رضي الله عنه فقال إني لزمت غريما لي من مراد
إلى قريب من الظهر ولم أصم ولم أفطر
قال إن شئت فصم وإن شئت فأفطر
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح قال ثنا شعبة عن أبي بشر قال قال رجل لأنس بن مالك
انى تسحرت ثم بدا لي أن أفطر
قال إن شئت فأفطر كان أبو طلحة يجئ فيقول هل عندكم من طعام فان قالوا لا قال إني صائم
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا إسماعيل بن عياش قال ثنا محمد بن يزيد
الرحبي عن شهر بن أبي حبيش ولم يكن بقي ممن شهد قتل عثمان رضي الله عنه غيره أن عثمان رضي الله عنه
أصبح في اليوم الذي قتل فيه فقال إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أتياني في هذه الليلة فقالا لي يا عثمان
إنك مفطر عندنا الليلة وإني أشهدكم أني قد أوجبت الصيام
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوحاظي قال ثنا سليمان بن بلال قال حدثني عمرو بن أبي عمرو عن
عكرمة عن ابن عباس أنه كان يصبح حتى يظهر ثم يقول والله لقد أصبحت وما أريد الصوم وما أكلت
من طعام ولا شراب منذ اليوم ولأصومن يومي هذا
56

حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك أن أبا طلحة كان
يأتي أهله من الضحى فيقول هل عندكم غداء فإن قالوا لا صام ذلك اليوم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة قال سمعت أبا الفيض قال سمعت عبد الله بن سيار
الدمشقي قال ساوم أبو الدرداء رجلا بفرس فحلف الرجل أن لا يبيعه
فلما مضى قال تعال انى أكره أن أوثمك اني لم أعد اليوم مريضا ولم أطعم مسكينا ولم أصل الضحى
ولكني بقية يومى صائم
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا شعبة قال أنا أيوب عن أبي قلابة قال حدثتنا
أم الدرداء أن أبا الدرداء كان يجئ فيقول هل عندكم من طعام فان قالوا لا قال إني صائم
حدثنا علي قال ثنا روح قال ثنا حماد عن ثابت عن عبد الله بن عتبة أن أبا أيوب كان يفعل
ذلك أيضا
حدثنا علي قال ثنا روح عن ابن جريج قال زعم عطاء أنه كان يفعل ذلك
فهذا الصيام الذي يجزئ فيه النية بعد طلوع الفجر الذي جاء فيه الحديث الذي ذكرنا عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وعمل به من ذكرنا من أصحابه من بعده هو صوم التطوع
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا أنه أمر الناس يوم عاشوراء بعد ما أصبحوا أن يصوموا وهو حينئذ
عليهم صومه فرض كما صار صوم رمضان من بعد ذلك على الناس فرضا ورويت عنه في ذلك آثار سنذكرها في
باب صوم يوم عاشوراء فيما بعد هذا الباب من هذا الكتاب إنشاء الله تعالى
فلما جاءت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا لم يجز أن يجعل بعضها مخالفا لبعض فتتنافى
ويدفع بعضها بعضا ما وجدنا السبيل إلى تصحيحها وتخريج وجهها
فكان حديث عائشة رضي الله عنها الذي ذكرناه عنها في هذا الباب في صوم التطوع فكذلك
وجهه عندنا
وكان ما روى في عاشوراء في الصوم المفروض في اليوم الذي بعينه
فكذلك حكم الصوم المفروض في ذلك اليوم جائز أن يعقد له النية بعد طلوع الفجر
ومن ذلك شهر رمضان فهو فرض في أيام بعينها كيوم عاشوراء إذ كان فرضا في يوم بعينه
57

فكما كان يوم عاشوراء يجزئ من نوى صومه بعد ما أصبح فكذلك شهر رمضان يجزئ من نوى صوم
يوم منه كذلك
وبقى بعد هذا ما روينا في حديث حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو عندنا في الصوم الذي هو خلاف هذين
الصومين من صوم الكفارات وقضاء شهر رمضان حتى لا يضاد ذلك شيئا مما ذكرناه في هذا الباب وغيره
ويكون حكم النية التي يدخل بها في الصوم على ثلاثة أوجه
فما كان منه فرضا في يوم بعينه كانت تلك النية مجزئة قبل دخول ذلك اليوم في الليل وفي ذلك اليوم أيضا
وما كان منه فرضا لا في يوم بعينه كانت النية التي يدخل بها فيه في الليلة التي قبله ولم تجز بعد
دخول اليوم
وما كان منه تطوعا كانت النية التي يدخل بها فيه في الليل الذي قبله وفي النهار الذي بعد ذلك
فهذا هو الوجه الذي يخرج عليه الآثار التي ذكرنا ولا تتضاد فهو أولى ما حملت عليه
والى ذلك كان يذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله إلا أنهم كانوا يقولون ما كان منه يجزئ
النية فيه بعد طلوع الفجر مما ذكرنا فإنها تجزئ في صدر النهار الأول ولا تجزئ فيما بعد ذلك
باب معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم
شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة
حدثنا إبراهيم بن مرزوق وعلي بن معبد قالا ثنا روح بن عبادة قال أنا حماد عن سالم بن عبد الله
بن سالم عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال شهرا عيد لا ينقصان رمضان
وذو الحجة
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر بن فارس قال ثنا شعبة عن خالد الحذاء عن
عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث أن هذين الشهرين لا ينقصان فتكلم الناس في معنى ذلك
فقال قوم لا ينقصان أي لا يجتمع نقصانهما في عام واحد وقد يجوز أن ينقص أحدهما
وهذا قول قد دفعه العيان لأنا قد وجدناهما ينقصان في أعوام وقد يجمع ذلك في كل واحد منهما
فدفع ذلك قوم بهذا وبحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه في غير هذا الموضع أنه قال في شهر رمضان
58

صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان غم عليكم فعدوا ثلاثين
وبقوله إن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وقد يكون ثلاثين
فأخبر أن ذلك جائز في كل شهر من الشهور وسنذكر ذلك بإسناده في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله
وذهب آخرون إلى تصحيح هذه الآثار كلها وقالوا أما قوله صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فان الشهر
قد يكون تسعا وعشرين وقد يكون ثلاثين فذلك كله كما قال وهو موجود في الشهور كلها
وأما قوله شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة فليس ذلك عندنا على نقصان العدد ولكنهما
فيهما ما ليس في غيرهما من الشهور في أحدهما الصيام وفي الآخر الحج
فأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما لا ينقصان وإن كانا تسعا وعشرين وهما شهران كاملان كانا ثلاثين ثلاثين
أو تسعا وعشرين تسعا وعشرين ليعلم بذلك أن الاحكام فيهما وإن كانا تسعا وعشرين تسعا وعشرين متكاملة
فيهما غير ناقصة عن حكمها إذا كانا ثلاثين ثلاثين
فهذا وجه تصحيح هذه الآثار التي ذكرناها في هذا الباب والله أعلم
باب الحكم في من جامع أهله في رمضان متعمدا
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن
محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فذكر له أنه احترق فسأله عن أمره فقال وقعت على امرأتي في رمضان
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل يدعى العرق فيه تمر فقال أين المحترق فقام الرجل فقال تصدق بهذا
59

قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن من وقع بأهله في رمضان فعليه أن يتصدق فلا يجب عليه من الكفارة
غير الصدقة واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يجب عليه أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين
مسكينا أي ذلك ما شاء فعل
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال حدثني مالك عن ابن شهاب عن حميد
بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أفطر في رمضان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا فقال لا أجد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعرق فيه تمر فقال خذ هذا فتصدق به
فقال يا رسول الله انى لا أجد أحدا أحوج إليه منى فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم
قال كله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا ابن جريج قال حدثني بن شهاب عن حميد بن
عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أفطر في شهر رمضان أن يعتق رقبة
أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا
قالوا فإنما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاه مما أمره أن يتصدق به بعد أن أخبره بما عليه في ذلك مما بينه
أبو هريرة رضي الله عنه في حديثه هذا
وخالفهم في ذلك آخرون أيضا فقالوا بل يعتق رقبة إن كان لها واجدا أو يصوم شهرين متتابعين إن كان
للرقبة غير واجد فإن لم يستطع ذلك أطعم ستين مسكينا
فكان من الحجة لهم في ذلك أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي ذكرناه في الفصل الذي قبل هذا الفصل
قد دخل فيه حديث عائشة رضي الله عنها كما ذكروا
وأصل حديث أبي هريرة رضي الله عنه ذلك فيه من التبدئة بالرقبة إن كان المجامع لها واجدا والتثنية
بالصيام بعدها إن كان المجامع للرقبة غير واجد والتثليث بالاطعام بعدهما إن كان المجامع لهما غير واجد
هكذا أصل الحديث الذي رواه الزهري في ذلك
وكذلك رواه عنه سائر الناس غير مالك وابن جريج وبينوا فيه القصة بطولها كيف كانت وكيف أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفارة في ذلك
حدثني فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر
عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء
رجل فقال يا رسول الله هلكت
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلك مالك قال وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل تجد رقبة تعتقها فقال لا
60

فقال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا والله يا رسول الله
قال فهل تجد طعام ستين مسكينا قال لا يا رسول الله فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فبينا نحن على ذلك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر والعرق المكتل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين السائل آنفا خذ هذا فتصدق به
فقال الرجل أعلى أهل أفقر منى يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها يريد الحرتين أفقر من أهل بيتي
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال أطعمه أهلك
قال فصارت الكفارة إلى عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا
حدثنا فهد قال ثنا أبو اليمان قال أنا شعيب عن الزهري فذكر بإسناده مثله
فهذا هو الحديث على وجهه وإنما جاء حديث مالك وابن جريج في ذلك عن الزهري على لفظ قول
الزهري في هذا الحديث
فصارت الكفارة إلى عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا
فالتخيير هو كلام الزهري على ما توهم من لم يحكه في حديثه عن حميد عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس قال ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري فذكر
بإسناده مثله غير أنه لم يذكر قوله فصارت سنة إلى آخر الحديث
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن منهال قال ثنا سفيان فذكر بإسناده مثله
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت النعمان بن راشد
يحدث عن الزهري فذكر بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا محمد بن أبي حفصة عن ابن شهاب فذكر
بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل بن إسماعيل قال ثنا سفيان عن منصور عن الزهري فذكر
بإسناده مثله وقال خمسة عشر صاعا تمرا ولم يشك
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا بشر بن بكر قال حدثني الأوزاعي قال سألت الزهري عن رجل
جامع امرأته في شهر رمضان
فقال حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال حدثني أبو هريرة رضي الله عنه فذكر نحوه
غير أنه لم يذكر الآصع
61

فكان ما روينا في هذا الحديث قد دخل فيه ما في الحديثين الأولين لان فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أتجد
رقبة قال لا قال فصم شهرين متتابعين
قال ما أستطيع قال فأطعم ستين مسكينا
فكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره بكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة لما لم يكن واجدا للصنف الذي
ذكره له قبله
فلما أخبره الرجل أنه غير قادر على شئ من ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فكان ذكر العرق وما كان
من دفع النبي صلى الله عليه وسلم إياه إلى الرجل وأمره إياه بالصدقة هو الذي روته عائشة رضي الله عنها في حديثها الذي
بدأنا بروايته
فحديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا أولى منه لأنه قد كان قبل الذي في حديث عائشة رضي الله عنها شئ
قد حفظه أبو هريرة رضي الله عنه ولم تحفظه عائشة فهو أولى لما قد زاده
وأما حديث مالك وابن جريج فهما عن الزهري على ما قد ذكرنا وقد بينا العلة في ذلك فيما تقدم
من هذا لباب
فثبت بما ذكرنا من الكفارة في الافطار بالجماع في الصيام في شهر رمضان ما في حديث منصور
وابن عيينة ومن وافقهما عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول
أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب الصيام في السفر
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن محمد بن عمرو
بن الحسن عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما
ورجل قد ظلل عليه فسأل ما هذا
فقالوا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر أن تصوموا في السفر
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي قال ثنا الوليد بن مسلم قال ثنا الأوزاعي عن يحيى
بن أبي كثير قال حدثني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال حدثني جابر بن عبد الله قال مر النبي صلى الله عليه وسلم
برجل في سفر في ظل شجرة يرش عليه الماء فقال ما بال هذا
قالوا صائم يا رسول الله قال ليس من البر الصيام في السفر فعليكم برخص الله التي رخص
لكم فاقبلوها
62

حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا محمد بن مصفي قال ثنا محمد بن حرب الأبرش قال ثنا عبيد الله
بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا ابن جريج قال أخبرني بن شهاب عن صفوان
بن عبد الله أن صفوان أخبره عن أم الدرداء عن كعب بن عاصم الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من
البر أن تصوموا في السفر
حدثنا علي قال ثنا روح قال ثنا محمد بن أبي حفصة عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله عن
أم الدرداء عن كعب بن عاصم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر
حدثنا محمد بن النعمان السقطي قال ثنا الحميدي قال ثنا سفيان قال سمعت الزهري يقول أخبرني
صفوان بن عبد الله فذكر بإسناده مثله
قال سفيان فذكر لي أن الزهري كان يقول ولم أسمع أنا منه ليس من أم بر أم صيام
في أم سفر
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى الافطار في شهر رمضان في السفر وزعموا أنه أفضل من الصيام واحتجوا
في ذلك بهذه الآثار حتى قال بعضهم إن من صام في السفر لم يجزه الصوم وعليه قضاؤه في أهله ورووه
عن عمر رضي الله عنه
حدثنا ابن أبي عقيل قال ثنا سفيان بن عيينة عن عاصم بن عبد الله بن عاصم عن عبد الله بن عامر
أن عمر رضي الله عنه أمر رجلا صام في السفر أن يعيد ورووه عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان مالك إسماعيل المهري قال ثنا زهير قال ثنا عبد الكريم الجزري
عن عطاء عن المحرر بن أبي هريرة رضي الله عنهما قال صمت رمضان في السفر فأمرني أبو هريرة رضي الله
عنه أن أعيد الصيام في أهلي
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إن شاء صام وإن شاء أفطر ولم يفضلوا في ذلك فطرا على صوم
ولا صوما على فطر
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به عليهم في قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام
في السفر أنه قد يحتمل غير ما حملوه عليه
يحتمل ليس من البر الذي هو أبر البر وأعلى مراتب البر الصوم في السفر وإن كان الصوم في السفر برا
إلا أن غيره من البر أبر منه
كما قال صلى الله عليه وسلم ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمر والتمرتان واللقمة واللقمتان
63

قالوا فمن المسكين يا رسول الله قال الذي يستحيي أن يسأل ولا يجد ما يغنيه ولا يفطن له
فيعطى
حدثنا بذلك بن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال ثنا خالد بن عبد الله عن الهجري عن أبي
الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا قبيصة قال ثنا سفيان عن إبراهيم الهجري فذكر بإسناده مثله
* (حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني بن أبي ذئب عن أبي الوليد عن أبي هريرة رضي الله
عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا أبو أمية قال ثنا علي بن عياش قال ثنا ابن ثوبان عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
فلم يكن معنى قوله ليس المسكين بالطواف على معنى إخراجه إياه من أسباب المسكنة كلها ولكنه أراد
بذلك ليس المسكين المتكامل المسكنة ولكن المسكين المتكامل المسكنة الذي لا يسأل الناس ولا يعرف
فيتصدق عليه
فكذلك قوله ليس من البر الصيام في السفر ليس ذلك على إخراج الصوم في السفر من أن يكون برا
ولكنه على معنى ليس من البر الذي هو أبر البر الصوم في السفر لأنه قد يكون الافطار هناك أبر منه إذا
كان على التقوى للقاء العدو وما أشبه ذلك
فهذا معنى صحيح وهو أولى ما حمل عليه معنى هذه الآثار حتى لا تتضاد هي وغيرها مما قد روى في هذا
الباب أيضا
فإنه حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر
فأفطر الناس معه وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا مالك وابن جريج قالا أنا ابن شهاب فذكر
بإسناده مثله
* (حدثنا علي قال ثنا روح قال ثنا شعبة عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
غير أنه قال حتى أتى عسفان
64

حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا إسرائيل عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أبو زرعة قال ثنا حياة بن شريح قال ثنا أبو الأسود عن عكرمة
مولى بن عباس حدثه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان فصام
حتى بلغ الكديد فبلغه أن الناس شق عليهم الصيام
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن فأمسكه في يده حتى رآه الناس وهو على راحلته حوله ثم شرب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفطر فناوله رجلا إلى جنبه
فشرب فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر
حدثنا علي قال ثنا روح قال ثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
سافر في رمضان فاشتد الصوم على رجل من أصحابه فجعلت راحلته تهيم به تحت الشجر
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأمره فدعا بإناء فلما رآه الناس على يده أفطروا
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال ثنا ابن الهاد عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام
حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس معه
فبلغه أن الناس قد شق عليهم الصيام ينظرون فيما فعل فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب
والناس ينظرون
فبلغه أن ناسا صاموا بعد فقال أولئك العصاة
حدثنا بحر بن نصر قال ثنا ابن وهب قال أخبرني معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن قزعة
قال سألت أبا سعيد عن صيام رمضان في السفر
فقال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان عام الفتح فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ونصوم حتى بلغ
منزلا من المنازل فقال إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم
65

فأصبحنا منا الصائم ومنا المفطر ثم سرنا فنزلنا منزلا فقال إنكم تصبحون عدوكم والفطر أقوى
لكم فأفطروا فكانت عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم لقد رأيتني أصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وبعد ذلك
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا يحيى بن أيوب قال حدثني حميد الطويل أن بكر
بن عبد الله حدثه قال سمعت أنسا يقولان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر ومعه أصحابه فشق عليهم الصوم
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فشرب وهو على راحلته والناس ينظرون إليه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا القعنبي قال ثنا مالك عن سمى عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن رجل
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج في الحر وهو يصب على رأسه الماء وهو صائم
من العطش أو من الحر
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ الكديد أفطر
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عاصم قال ثنا سعيد بن عبد العزيز قال ثنا عطية بن قيس عن قزعة
بن يحيى عن أبي سعيد الخدري قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لليلتين مضتا من رمضان فخرجنا صواما
حتى بلغ الكديد فأمرنا بالافطار فأصبحنا ومنا الصائم ومنا المفطر
فلما بلغنا مر الظهران أعلمنا بلقاء العدو وأمرنا بالافطار
قال أبو جعفر ففي هذه الآثار اثبات جواز الصوم في السفر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان تركه إياه إبقاء
على أصحابه
أفيجوز لأحد أن يقول في ذلك الصوم انه لم يكن برا لا يجوز هذا ولكنه بر
وقد يكون الافطار أبر منه إذا كان يراد به القوة للقاء العدو الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر من أجله
ولهذا المعنى قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم ليس من البر الصوم في السفر على هذا المعنى الذي ذكرنا
فان قال قائل إن فطر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أصحابه بذلك بعد صومه وصومهم الذي لم يكن ينهاهم عنه
ناسخ لحكم الصوم في السفر أصلا
قيل له وما دليلك على ما ذكرت وفي حديث أبي سعيد الخدري الذي قد ذكرناه في الفصل الذي قبل هذا
أنه كان يصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر بعد ذلك
فدل هذا الحديث على أن الصوم في السفر بعد إفطار النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في هذه الآثار مباح
وقد قال بن عباس رضي الله عنهما وهو أحد من روى عنه في إفطار النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا ما حدثنا يونس
66

قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك عن طاوس عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال إنما أراد الله عز وجل بالفطر في السفر التيسير عليكم فمن يسر عليه الصيام فليصم
ومن يسر عليه الفطر فليفطر
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا شعبة عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال إن شاء
صام وإن شاء أفطر
فهذا بن عباس لم يجعل إفطار النبي صلى الله عليه وسلم في السفر بعد صيامه فيه ناسخا للصوم في السفر ولكنه جعله
على جهة التيسير
فان قال قائل فما معنى قول بن عباس في حديث عبيد الله بن عبد الله الذي ذكرته عنه في ذلك وكانوا
يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل له معنى ذلك عندنا والله أعلم أنهم لم يكونوا علموا قبل ذلك أن للمسافر أن يفطر في السفر كما
ليس له أن يفطر في الحضر
وكان حكم الحضر وحكم السفر في ذلك عندهم سواء حتى أحدث لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الفعل الذي أباحه
لهم الافطار في أسفارهم فأخذوا بذلك على أن لهم الافطار على الإباحة ولهم ترك الافطار
فهذا معنى حديث بن عباس رضي الله عنهما هذا ويدل على ذلك ما قد ذكرناه عنه من قوله الذي وصفنا
وقد ذكرنا عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قريبا مما ذكرناه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
ثم قد يروى عن أنس ما يدل على إن معنى ذلك عنده مثل معناه الذي ذكرناه عن ابن عباس رضي الله عنهما
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن عاصم وهو الأحول
قال سألت أنس بن مالك عن صوم شهر رمضان في السفر فقال الصوم أفضل
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا الحسن بن صالح عن عاصم عن أنس رضي الله عنه
قال إن أفطرت فرخصة وإن صمت فالصوم أفضل
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا شعبة قال سمعت عاصما يحدث عن أنس قال إن شئت
فصم وإن شئت فأفطر والصوم أفضل
وكان مما احتج به أيضا أهل المقالة الأولى في دفعهم الصوم في السفر ما قد ذكرناه في غير هذ الموضع من
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله وضع عن المسافر الصيام
قالوا فلما كان الصيام موضوعا عنه كان إذا صامه فقد صامه وهو غير مفروض عليه فلا يجزيه
فكان من الحجة للآخرين عليهم في ذلك أنه قد يجوز أن يكون ذلك الصيام الذي وضعه عنه هو الصيام
الذي لا يكون له منه بد في تلك الأيام كما لا بد للمقيم من ذلك وفي هذا الحديث ما قد دل على هذا المعنى
ألا تراه يقول وعن الحامل والمرضع
67

أفلا ترى أن الحامل والمرضع إذا صامتا رمضان أن ذلك يجزيهما أو أنهما لا يكونان كمن صام قبل وجوب
الصوم عليه بل جعل ما يجب الصوم عليهما بدخول الشهر فجعل لهما فأخبره للضرورة والمسافر في ذلك مثلهما
وهذا أولى ما حمل عليه هذا الأثر حتى لا يضاد غيره من الآثار التي ذكرناها في هذا الباب
وكان من الحجة على أهل المقالة الأولى التي قد ذكرناها لأهل المقالة الثانية التي وصفناها أنا قد رأيناهم
كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أباح لهم الافطار في السفر يصومون فيه
فمما روى في ذلك ما حدثنا يزيد بن سنان وربيع الجيزي وصالح بن عبد الرحمن قالوا ثنا القعنبي
قال ثنا هشام بن سعد عن عثمان بن حيان الدمشقي عن أم الدرداء قالت قال أبو الدرداء لقد رأيتنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم شديد الحر حتى إن الرجل ليضع يده على رأسه من شدة الحر وما منا
صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا أبو معاوية عن عاصم عن أبي نضرة عن جابر رضي الله عنه
قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمنا الصائم ومنا المفطر فلم يكن يعيب بعضنا على بعض
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أبي نضرة
عن أبي سعيد الخدري قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة لتسع عشرة أو لسبع عشرة من رمضان
فصام صائمون وأفطر مفطرون فلم يعب هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فذكر بإسناده مثله غير
أنه قال لاثنتي عشرة
حدثنا علي قال ثنا روح قال ثنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة فذكر بإسناده مثله غير أنه
قال لثمان عشرة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب قال ثنا هشام فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام فذكر بإسناده مثله غير أنه لم
يذكر فتح مكة
حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا أبو معاوية عن عاصم عن مورق العجلي عن أنس رضي الله عنه
قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا في يوم شديد الحر فمنا الصائم ومنا المفطر فنزلنا في يوم حار
وأكثرنا ظلا صاحب الكساء ومنا من يستر الشمس بيده فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية
وسقطوا الركاب
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب المفطرون بالاجر اليوم
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم
فدل ما ذكرنا في هذه الآثار أن ما كان من إفطار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أصحابه بذلك ليس على المنع من
الصوم في السفر وأنه على الإباحة للافطار
68

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صام في السفر وأفطر
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن عبد السلام عن حماد
عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر ويفطر
حدثنا فهد قال ثنا الحسن بن بشر قال ثنا المعافى بن عمران عن مغيرة بن زياد عن عطاء عن
عائشة رضي الله عنها قالت صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر
فدل ذلك على أن للمسافر أن يصوم وله أن يفطر
وقد سأل حمزة الأسلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر فقال له إن شئت فصم وإن شئت فأفطر
حدثنا بذلك علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا سعيد وهشام بن أبي عبد الله عن قتادة
عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو الأسلمي
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو بكر الحنفي قال ثنا عبد الحميد بن جعفر قال حدثني عمران
بن أبي أنس عن سليمان بن يسار عن حمزة بن عمرو الأسلمي مثله
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أصوم في السفر وكان
كثير الصيام
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت فصم وإن شئت فأفطر
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح الصوم في السفر لمن شاء ذلك والفطر لمن شاء ذلك
فثبت بهذا وبما ذكرناه قبله أن صوم رمضان في السفر جائز
وذهب قوم إلى أنه لا فضل لمن صام رمضان في السفر على من أفطر وقضاه بعد ذلك
وقالوا ليس أحدهما أفضل من الآخر واحتجوا في ذلك بتخيير النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بن عمرو بين الافطار
في السفر والصوم ولم يأمره بأحدهما دون الآخر
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا الصوم في السفر في شهر رمضان أفضل من الافطار
69

وقالوا لأهل المقالة التي ذكرنا ليس فيما ذكرتموه من تخيير النبي صلى الله عليه وسلم لحمزة بين الصوم في السفر والفطر
دليل على أنه ليس أحدهما أفضل من الآخر ولكن إنما خيره بما له أن يفعله من الافطار والصوم وقد رأينا
شهر رمضان يجب بدخوله الصوم على المسافرين والمقيمين جميعا إذا كانوا مكلفين
فلما كان دخول رمضان هو الموجب للصيام عليهم جميعا كان من عجل منهم أداء ما وجب عليه أفضل
ممن أخره
فثبت بما ذكرنا أن الصوم في السفر أفضل من الفطر وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله
وقد روى ذلك أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه وعن نفر من التابعين
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير
قال الصوم أفضل والافطار رخصة يعنى في السفر
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا شعبة عن حماد عن إبراهيم وسعيد بن جبير ومجاهد
أنهم قالوا في الصوم في السفر إن شئت صمت وإن شئت أفطرت والصوم أفضل
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا حبيب عن عمرو بن هرم قال سئل جابر بن زيد عن صيام
رمضان في السفر
فقال يصوم من شاء إذا كان يستطيع ذلك ما لم يتكلف أمرا يشق عليه وإنما أراد الله تعالى بالافطار
التيسير على عباده
حدثنا يونس قال أنا بشر بن بكر عن الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني
القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصوم في السفر في الحر
فقلت ما حملها على ذلك فقال إنها كانت تبادر
فهذه عائشة رضي الله عنها كانت ترى المبادرة بصوم رمضان في السفر أفضل من تأخير ذلك إلى الحضر
وكان أيضا مما احتج به من كره الصوم في السفر ما حدثنا يونس رضي الله عنه قال ثنا عبد الله
بن يوسف ح
وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قالا ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير
عن منصور الكلبي أن دحية بن خليفة خرج من قريته بدمشق إلى قدر قرية عقبة في رمضان فأفطر ومعه
أناس وكره آخرون أن يفطروا
فلما رجع إلى قريته قال والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أن أراه إن قوما رغبوا عن هدى
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقول ذلك للذين صاموا ثم قال اللهم اقبضني إليك
فكان من الحجة للذين استحبوا الصوم في السفر في هذا الحديث أن دحية إنما ذم من رغب من هدى
70

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فمن صام في سفره كذلك فهو مذموم ومن صام في سفره غير راغب عن هديه بل على
التمسك بهديه فهو محمود
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو زرعة قال أنا حياة قال أنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير
يحدث عن أبي مراوح الأسلمي عن حمزة بن عمرو الأسلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا رسول الله
انى أسرد الصيام أفأصوم في السفر
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي رخصة من الله عز وجل للعباد من قبلها فحسن جميل و من تركها
فلا جناح عليه
قال وكان حمزة يصوم الدهر في السفر والحضر وكان أبو مراوح كذلك وكان عروة كذلك
فدل ما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصوم في السفر أفضل من الافطار وأن الافطار إنما هو رخصة
وقد حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو زرعة قال أنا حياة قال أنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير
أن عائشة رضي الله عنها كانت تصوم الدهر في السفر والحضر
باب صوم يوم عرفة
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا بشر بن بكر ح وحدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم ح
وحدثنا بكر بن إدريس وصالح بن عبد الرحمن قالا ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قالوا ثنا موسى بن علي
عن أبيه عن عقبة
وقال بكر وصالح في حديثهما قال سمعت أبي يحدث عن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أيام الأضحى
وأيام التشريق ويوم عرفة يوم عيد أهل الاسلام أيام أكل وشرب
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فكرهوا به صوم يوم عرفة وجعلوا صومه كصوم يوم النحر
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بصوم يوم عرفة
وكان من الحجة لهم في ذلك أنه قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بنهيه عن صوم يوم عرفة بالموقف
لأنه هناك عيد وليس في غيره كذلك وقد بين ذلك أبو هريرة رضي الله عنه
حدثنا محمد بن إدريس المكي وابن أبي داود قالا ثنا سليمان بن حرب ح
71

وحدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قالا ثنا حوشب بن عقيل عن مهدي الهجري عن عكرمة
قال كنا مع أبي هريرة رضي الله عنه في بيته فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم عرفة بعرفة
فأخبر أبو هريرة أن النهى من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة إنما هو بعرفة خاصة
فاحتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضا بما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان
عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال لم يصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان
ولا على يوم عرفة
قيل لهم هذا أيضا عندنا على الصيام يوم عرفة بالموقف وقد بين ذلك بن عمر رضي الله عنهما في غير
هذا الحديث
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح بن عبادة وأبو داود قالا ثنا شعبة عن عبد الله بن أبي نجيح عن
أبيه عن رجلان رجلا سأل بن عمر عن صوم يوم عرفة بالموقف فقال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصمه
ومع أبي بكر رضي الله عنه فلم يصمه ومع عمر رضي الله عنه فلم يصمه ومع عثمان رضي الله عنه فلم يصمه وأنا
لا أصومه ولا آمرك ولا أنهاك فان شئت فلا تصمه
فبين هذا الحديث أن ما روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما هو على الصوم في الموقف
وقد روى عن ابن عمر في الامر بصوم يوم عرفة ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سهل بن بكار
قال ثنا أبو عوانة قال ثنا رقبة عن جبلة بن سحيم قال سمعت بن عمر رضي الله عنهما سئل عن صوم
يوم الجمعة ويوم عرفة فأمر بصيامهما
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثواب صوم يوم عرفة من حديث بن عمر رضي الله عنهما وأبى قتادة
الأنصاري ما قد حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا شعبة قال سمعت غيلان بن جرير يحدث عن
عبد الله بن معبد عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال يكفر السنة
الماضية والباقية
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا أبي قال سمعت غيلان بن جرير يحدث عن عبد الله بن
معبد الزماني عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى أحتسب على الله في صيام يوم عرفة أن يكفر
السنة التي قبله والسنة التي بعده
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا يحيى بن معين قال ثنا المعتمر قال قرأت على الفضيل قال حدثني
أبو جرير أنه سمع سعيد بن جبير يقول سأل رجل بن عمر رضي الله عنهما عن صوم يوم عرفة قال كنا ونحن
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعد له بصوم سنة
فثبت بهذا الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الترغيب في صوم يوم عرفة
72

فدل ذلك أن ما كره من صومه في الآثار الأول هو للعارض الذي ذكرنا من الوقوف بعرفة لشدة تعبهم
وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب صوم يوم عاشوراء
حدثنا ابن أبي داود د قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن حبيب بن
هند بن أسماء عن أبيه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي من أسلم فقال قل لهم فليصوموا يوم عاشوراء
فمن وجدت منهم قد أكل من صدر يومه فليصم آخره
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا شعبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي هو
بن المنهال عن عمه قال غدونا على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم عاشوراء وقد تغدينا فقال أصمتم
هذا اليوم فقلنا قد تغدينا فقال فأتموا بقية يومكم
حدثنا سليمان بن شعيب قال حدثني عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أبا
المنهال يحدث عن عمه وكان من أسلم أن أناسا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم أو بعضهم يوم عاشوراء فقال أصمتم
اليوم فقال لا وقد أكلنا فقال فصوموا بقية يومكم
قال أبو جعفر ففي هذه الآثار وجوب صوم يوم عاشوراء وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بصومه بعد ما أصبحوا
دليل على أن من كان في يوم عليه صومه بعينه ولم يكن نوى صومه من الليل أنه يجزيه أن ينوي صومه
بعد ما أصبح إذا كان ذلك قبل الزوال على ما قال أهل العلم في ذلك
وقد روى في صوم يوم عاشوراء ما زاد على ما ذكرنا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الحماني قال ثنا يوسف بن يزيد قال ثنا خالد بن ذكوان عن الربيع
بنت معوذ قال سألتها عن صوم يوم عاشوراء
فقالت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمصار من كان أصبح صائما فليقم على صومه ومن كان أصبح مفطرا
فليتم آخر يومه فلم نزل نصومه بعد ونصومه صبياننا وهو صغار ونتخذ لهم اللعبة من العهن فإذا سألونا
الطعام أعطيناهم اللعبة
73

ففي هذا الحديث أنهم كانوا يمنعون صبيانهم الطعام ويصومونهم يوم عاشوراء
وهذا عندنا غير جائز لان الصبيان غير متعبدين بصيام ولا بصلاة ولا بغير ذلك
وكيف يكونون متعبدين بشئ من ذلك وقد رفع الله عز وجل عنهم القلم
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن سليمان الأعمش عن أبي ظبيان
عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال رفع القلم عن ثلاثة
عن الصبي حتى يكبر وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عفان قال ثنا حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
وقد روى في نسخ صوم يوم عاشوراء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار صحيحة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا المبارك بن فضالة عن إبراهيم بن إسماعيل عن شقيق
بن سلمة قال دخلت علي بن مسعود يوم عاشوراء وعنده رطب فقال أدنه فقلت إن هذا
يوم عاشوراء وأنا صائم فقال إن هذا اليوم أمرنا بصيامه قبل رمضان
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن أبيه عن عمارة بن عمير
عن قيس بن السكن عن ابن مسعود قال اتاه رجل وهو يأكل فقال له هلم فقال إني صائم فقال له
عبد الله كنا نصومه ثم ترك يعنى يوم عاشوراء
حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال أخبرني
عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
بصيام يوم عاشوراء قبل أن يفرض رمضان فلما فرض رمضان فقال من شاء صام عاشوراء ومن
شاء أفطر
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد وشعيب قالا ثنا الليث قال حدثني يزيد بن أبي حبيب أن
عراكا أخبره أن عروة أخبره عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود قال ثنا شيبان عن الأشعث عن جعفر بن أبي ثور عن جابر
بن سمرة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عليه فلما فرض
رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عليه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح بن عبادة قال سمعت شعبة عن سلمة بن كهيل عن القاسم بن مخيمرة
74

عن أبي عمارة عن قيس بن سعد بن عبادة قال أمرنا بصوم عاشوراء قبل أن يفرض رمضان فلما فرض
رمضان لم نؤمر ولم ننه عنه ونحن نفعله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا شعبة قال سمعت الحكم قال سمعت القاسم بن مخيمرة
عن عمرو بن شرحبيل عن قيس بن سعد مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة فذكر
بإسناده مثله
ففي هذه الآثار نسخ وجوب صوم يوم عاشوراء ودليل أن صومه قد رد إلى التطوع بعد أن كان فرضا
وقد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار أخر فيها دليل على أن صومه كان اختيارا لا فرضا
فمنها ما حدثنا أبو بكرة وعلي بن شيبة قالا ثنا روح قال ثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون
يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هذا اليوم الذي أظهر الله عز وجل فيه موسى عليه السلام على فرعون
فقال أنتم أولى بموسى منهم فصوموه
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صامه شكرا لله عز وجل في إظهاره موسى على فرعون فذلك
على الاختيار لا على الفرض
وقد حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا روح قال ثنا ابن جريج قال ثنا عبيد الله بن أبي يزيد
أنه سمع بن عباس يقول ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء
أو شهر رمضان
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أحمد بن محمد الأزرقي قال ثنا عبد الجبار بن الورد قال سمعت
بن أبي مليكة يقول حدثني عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس ليوم فضل
على يوم في الصيام إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا روح قال ثنا حاجب بن عمر قال سمعت الحكم بن الأعرج
يقول قلت لابن عباس أخبرني عن يوم عاشوراء
قال عن أي باله تسأل قلت أسأل عن صيامه أي يوم أصوم قال إذا أصبحت من تاسعة
فأصبح صائما
قلت كذلك كان يصوم محمد صلى الله عليه وسلم قال نعم
فهذا بن عباس قد روى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم يوم عاشوراء
75

وقد دل ذلك على صومه ذلك أنه كان اختيارا لا فرضا ما قد رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
في اخباره بالعلة التي من أجلها صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ
وقد حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور قال ثنا الهيثم بن جميل قال ثنا شريك عن جابر
عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء
فقد يجوز أن يكون ذلك أيضا من أجل المعنى الذي ذكره بن عباس رضي الله عنهما
وقد حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا إسرائيل عن ثور قال سمعت عبد الله بن الزبير
يقول هذا يوم عاشوراء فصوموه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بصومه
فقد يجوز أن يكون ذلك للعلة التي ذكرناها أيضا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم قال ثنا عبد الله بن ميسرة الواسطي قال ثنا مزيدة بن جابر
عن أمه أن عثمان استعمل أبا موسى على الكوفة فقال يوم عاشوراء صوموا هذا اليوم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يصومه
فهذا الحديث يحتمل ما في حديث بن عباس أيضا
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أسد قال ثنا أبو عوانة عن الحر بن الصياح عن هبيرة بن خالد عن
امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم نصف ذي الحجة ويوم عاشوراء
وثلاثة أيام من كل شهر فهذا أيضا مثل الذي قبله
حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا أبو أسامة قال ثنا أبو عميس عن قيس بن مسلم عن طارق
بن شهاب عن أبي موسى قال قال النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يوم عاشوراء يوما يصومه اليهود ويتخذونه عيدا
فصوموه أنتم
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصومه لان اليهود كانت تصومه
وقد أخبر بن عباس في حديثه بالعلة التي من أجلها كانت اليهود تصومه أنها على الشكر منهم لله تعالى
في اظهاره موسى على فرعون وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا صامه كذلك والصوم للشكر اختيار لا فرض
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني عبد الله بن عمرو الليث بن سعد عن نافع عن ابن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحب منكم أن يصوم يوم عاشوراء فليصمه ومن لم يحب فليدعه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في يوم عاشوراء إن هذا يوم كانت قريش تصومه في الجاهلية فمن شاء أن يصومه فليصمه
ومن شاء أن يتركه فليتركه
76

حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا شعبة قال سمعت غيلان بن جرير يحدث عن عبد الله
بن معبد عن أبي قتادة قلت الأنصاري قال الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في صوم يوم عاشوراء
انى أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت غيلان فذكر بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا مهدي بن ميمون وحماد بن زيد عن غيلان فذكر
بإسناده مثله
ففي هذا الحديث أنه أمرهم بصومه احتسابا لما ذكر فيه من الكفارة وليس هذا بمخالف عندنا لحديث
بن عباس لأنه قد يجوز أن يكون كان يصومه شكرا لله لما أظهر موسى على فرعون فيشكر الله به
ما شكره به من ذلك فيكفر به عن السنة الماضية
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق قالا ثنا روح قال ثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن حميد
بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية عام حج وهو على المنبر يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول في هذا اليوم هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن
شاء فليفطر
فقد يجوز أن يكون أراد بقوله ولم يكتب عليكم صيامه أي صيام ذلك اليوم في ذلك العام
وليس في هذا نفي أن يكون قد كان كتب ذلك عليهم فيما تقدم ذلك العام من الأعوام ثم نسخ بعد ذلك
على ما تقدم من الأحاديث الأول
فقد ثبت نسخ صوم يوم عاشوراء الذي كان فرضا وأمر بذلك على الاختيار وأخبر بما في ذلك من الثواب
فصومه حسن وهو اليوم العاشر قد قال ذلك بن عباس رضي الله عنهما في حديث الحكم بن الأعرج وذكر
ذلك أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا ما حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أسد قال ثنا ابن
أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن عبد الله بن عمير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لئن عشت
العام القابل لأصومن يوم التاسع يعنى عاشوراء
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عامر وأبو داود قالا ثنا ابن أبي ذئب فذكر بإسناده مثله غير أنه
قال لأصومن عاشوراء يوم التاسع
77

حدثنا ابن مرزوق وعلي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا ابن أبي ذئب فذكر مثل حديث سليمان
فقوله لأصومن عاشوراء يوم التاسع أخبار منه على أنه يكون ذلك اليوم يوم عاشوراء وقوله
لأصومن يوم التاسع يحتمل لأصومن يوم التاسع مع العاشر أي لئلا أقصد بصومي إلى يوم عاشوراء بعينه
كما يفعل اليهود ولكن أخلطه بغيره فأكون قد صمته بخلاف ما تصومه يهود
وقد روى عن ابن عباس ما يدل على هذا المعنى
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح قال ثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء أنه سمع بن عباس يقول
خالفوا اليهود وصوموا يوم التاسع والعاشر
فدل ذلك على أن بن عباس قد صرف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن عشت إلى قابل لأصومن يوم التاسع
إلى ما صرفناه إليه
وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أيضا ما حدثنا فهد قال ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى قال حدثني أبي
قال حدثني بن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم
يوم عاشوراء صوموه وصوموا قبله يوما أو بعده يوما ولا تتشبهوا باليهود
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا أبو شهاب عن ابن أبي ليلى فذكر بإسناده مثله
فثبت بهذا الحديث ما ذكرناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد بصوم يوم التاسع أن يدخل صومه يوم عاشوراء
في غيره من الصيام حتى لا يكون مقصودا إلى صومه بعينه
كما جاء عنه في صوم يوم الجمعة
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني قال أنا عبدة بن سليمان عن سعيد وهو بن أبي عروبة
عن قتادة عن سعيد بن مسيب عن عبد الله بن عمرو قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على جويرية رضي الله
عنها
يوم الجمعة وهي صائمة
فقال لها أصمت أمس قالت لا قال أفلا تصومين غدا قالت لا قال فأفطري إذا
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن قتادة قال سمعت أبا أيوب
العتكي يحدث عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها ثم ذكر مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الصمد قال ثنا شعبة وحماد بن سلمة وهمام عن قتادة فذكر
بإسناده مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح قال ثنا هشام بن حسان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله يوما أو بعده يوما
حدثنا بكر بن إدريس قال ثنا آدم قال ثنا شعبة قال ثنا عبد الملك بن عمير قال سمعت رجلا
من بنى الحارث بن كعب يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معناه
78

حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أنا شريك عن عبد الملك بن عمير عن زياد الحارثي عن أبي
هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا القاسم بن سلام بن مسكين قال ثنا أبي قال سألت الحسن عن صيام
يوم الجمعة فقال نهى عنه إلا في أيام متتابعة
ثم قال حدثني أبو رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الجمعة إلا
في أيام قبله أو بعده
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير حدثه
أن حذيفة البارقي حدثه أن جنادة بن أبي أمية الأزدي حدثه أنهم دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم جمعة
فقرب إليهم طعاما فقال كلوا فقالوا نحن صيام
فقال أصمتم أمس قالوا لا قال أفصائمون غدا قالوا لا، قال فأفطروا
حدثنا بحر بن نصر قال ثنا ابن وهب قال حدثني معاوية بن صالح عن أبي بشر عن عامر
بن لدين الأشعري أنه سأل أبا هريرة رضي الله عنه عن صيام يوم الجمعة فقال على الخبير وقعت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولان يوم الجمعة عيدكم فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله
أو بعده
فكما كره أن يقصد إلى يوم الجمعة بعينه بصيام إلا أن يخلط بيوم قبله أو بيوم بعده فيكون قد دخل
في صيام حتى صار منه
وكذلك عندنا سائر الأيام لا ينبغي أن يقصد إلى صوم يوم منها بعينه كما لا ينبغي أن يقصد إلى صوم
يوم عاشوراء أو يوم الجمعة لأعيانهما
ولكن يقصد إلى الصيام في أي الأيام كان
وإنما أريد بما ذكرنا من الكراهة التي وصفنا التفرقة بين شهر رمضان وبين سائر ما يصوم الناس غيره
لان شهر رمضان مقصود بصومه إلى شهر بعينه لان فريضة الله عز وجل على عباده صومهم إياه بعينه
إلا من عذر منهم بمرض أو سفر وغيره من الشهور ليس كذلك
فهذا وجه ما روى في صوم يوم عاشوراء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بيناه في هذا الباب وشرحناه
79

باب صوم يوم السبت
حدثنا ابن مرزوق هو إبراهيم قال ثنا أبو عاصم عن ثور بيزيد عن خالد بن معدان
عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصومن يوم السبت في غير
ما افترض عليكن ولو لم تجد إحداكن إلا لحاء شجرة أو عود عنب فلتمضغه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فكرهوا صوم يوم السبت تطوعا
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بصومه بأسا
وكان من الحجة عليهم في ذلك أنه قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم الجمعة إلا أن
يصام قبله يوم أو بعده يوم
وقد ذكرنا ذلك بأسانيده فيما تقدم من كتابنا هذا فاليوم الذي بعده هو يوم السبت
ففي هذه الآثار المروية في هذا إباحة صوم يوم السبت تطوعا وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء من هذا
الحديث الشاذ الذي قد خالفها
وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء وحض عليه ولم يقل إن كان يوم السبت فلا تصوموه
ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود عليه السلام كان يصوم يوما
ويفطر يوما وسنذكر ذلك بإسناده في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى
ففي ذلك أيضا التسوية بين يوم السبت وبين سائر الأيام
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بصيام أيام البيض وروى عنه في ذلك ما حدثنا يونس قال ثنا سفيان
عن محمد بن عبد الرحمن وحكيم عن موسى بن طلحة عن ابن الحوتكية عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لرجل أمره بصيام ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة
80

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حبان قال ثنا حمام قال ثنا أنس بن سيرين عن عبد الملك بن قتادة
بن ملحان القيسي عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم ليالي البيض ثلاث عشرة
وأربع عشرة وخمس عشرة وقال هي كهيأة الدهر
وقد يدخل السبت في هذه كما يدخل فيها غيره من سائر الأيام
ففيها أيضا إباحة صوم يوم السبت تطوعا
ولقد أنكر الزهري حديث الصماء في كراهة صوم يوم السبت ولم يعده من حديث أهل العلم بعد معرفته به
حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال سئل
الزهري عن صوم يوم السبت فقال لا بأس به
فقيل له فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهته فقال ذلك حديث حمصي فلم يعده الزهري حديثا
يقال به وضعفه
وقد يجوز عندنا والله أعلم أن يكون ثابتا أن يكون إنما نهى عن صومه لئلا يعظم بذلك فيمسك عن
الطعام والشراب والجماع فيه كما يفعل اليهود
فأما من صامه لا لإرادته تعظيمه ولا لما تريد اليهود بتركها السعي فيه فان ذلك غير مكروه
فان قال قائل فقد رخص في صيام أيام بعينها مقصودة بالصوم وهي أيام البيض فهذا دليل على أن
لا بأس بالقصد بالصوم إلى يوم بعينه
قيل له انه قد قيل إن أيام البيض إنما أمر بصومها لان الكسوف يكون فيها ولا يكون في غيرها
وقد أمرنا بالتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والعتاق ليلته وغير ذلك من أعمال البر عند الكسوف
فأمر بصيام هذه الأيام ليكون ذلك برا مفعولا بعقب الكسوف فذلك صيام غير مقصود به إلى يوم
بعينه في نفسه
ولكنه صيام مقصود به في وقت شكرا لله عز وجل لعارض كان فيه فلا بأس بذلك
وكذلك أيضا يوم الجمعة إذا صامه رجل شكرا لعارض من كسوف شمس أو قمر أو شكرا لله عز وجل
فلا بأس بذلك وإن لم يصم قبله ولا بعده يوما
81

باب الصوم بعد النصف من شعبان إلى رمضان
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حبان ويعقوب بن إسحاق قالا ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم القاص
قال ثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا صوم بعد النصف
من شعبان حتى رمضان
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى كراهة الصوم بعد النصف من شعبان إلى رمضان واحتجوا في ذلك
بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا بأس بصوم شعبان كله وهو حسن غير منهي عنه
واحتجوا في ذلك بما حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال ثنا عمى عبد الله بن وهب قال حدثني فضيل
بن عياض عن ليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن شعبان برمضان
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن منصور عن سالم عن أبي
سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا القعنبي قال ثنا أبو الغصن ثابت بن قيس عن أبي سعيد المقبري عن
أسامة بن زيد رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يومين من كل جمعة لا يدعهما
فقلت يا رسول الله رأيتك لا تدع صوم يومين من كل جمعة
قال أي يومين قلت يوم الاثنين ويوم الخميس قال ذاك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب
العالمين فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا ثابت فذكر بإسناده مثله
وزاد قال وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر ما يصوم من شعبان فقلت يا رسول الله رأيتك
تصوم من شعبان مالا تصوم من غيره من الشهور قال هو شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان
وهو شهر يرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم
حدثنا فهد قال ثنا ابن مريم قال أنا نافع عن يزيد يعني يزيد بن عبد الله بن أسامة أن بن الهاد
حدثه أن محمد بن إبراهيم حدثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان كان يصومه كله إلا قليلا بل كان يصومه كله
82

حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود الطيالسي قال ثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة قال حدثتني عائشة
رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصوم من السنة أكثر من صيامه في شعبان فإنه كان يصومه كله
حدثنا يونس قال أنا بشر عن الأوزاعي قال حدثني يحيى قال حدثني أبو سلمة قال حدثتني
عائشة رضي الله عنها فذكر مثله
حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال حدثنا عمى قال ثنا أسامة بن زيد الليثي قال حدثني محمد
بن إبراهيم عن أبي سلمة قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وكان يصوم شعبان أو عامة شعبان
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا شعبة قال ثنا يزيد الرشك عن معاذة العدوية
قالت سئلت عائشة رضي الله عنها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر قالت نعم
فقيل لها من أيه قالت ما كان يبالي من أي الشهر صامها
قالوا ففي هذه الآثار دليل على أن لا بأس بصوم شعبان كله
فكان من حجة الأولين عليهم أن الذي روى في هذه الأخبار إنما هو أخبار عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وما قبل ذلك مما فيه النهى أخبار عن قوله فكان ينبغي أن يصحح الحديثان جميعا
فجعل ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مباحا له وما نهى عنه كان محظورا على غيره فيكون حكم غيره
في ذلك خلاف حكمه حتى يصبح الحديثان جميعا ولا يتضادان
فكان من الحجة عليهم في ذلك أن في حديث أسامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في شعبان هو شهر
يغفل الناس عن صومه
فدل ذلك أن صومهم إياه أفضل من الافطار
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ما يدل على ما ذكرنا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا موسى بن إسماعيل قال ثنا صدقة بموسى عن ثابت عن أنس
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصيام بعد رمضان شعبان
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال ثنا يزيد بن هارون عن صدقة
بن موسى عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل يعنى
بعد رمضان
قال صوم شعبان تعظيما لرمضان
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبد الله بن محمد التيمي قال أنا حماد عن ثابت عن مطرف بن عبد الله
83

بن الشخير عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل هل صمت من سرر شعبان قال لا
قال فإذا أفطرت رمضان فصم يومين
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبيد الله قال أنا حماد عن الجريري عن أبي العلاء عن مطرف
بن عبد الله هو بن الشخير عن عمران رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه قال صم يوما
قال أبو جعفر وهذا في آخر شعبان ففي هذه الآثار من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ما قد وافق فعله
وقد روى عنه في ذلك أيضا ما حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا هشام بن أبي عبد الله
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقدموا رمضان بصوم
يوم ولا يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صياما فليصمه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح قال ثنا هشام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
فذكر مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت الأوزاعي قال حدثني يحيى
بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح قال ثنا حسين المعلم وهشام بن أبي عبد الله عن يحيى فذكر
بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوحاظي يعنى يحيى بن صالح قال ثنا سليمان بن بلال قال ثنا محمد
بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب قال ثنا محمد بن عمرو فذكر بإسناده مثله
فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم فليصمه دل ذلك على دفع ما قال
أهل المقالة الأولى وعلى أن ما بعد النصف من شعبان إلى رمضان حكم صومه حكم صوم سائر الدهر
المباح صومه
فلما ثبت هذا المعنى الذي ذكرنا دل ذلك أن النهى الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة
رضي الله عنه الذي ذكرناه في أول هذا الباب لم يكن إلا على الاشفاق منه على صوام رمضان لا لمعنى
غير ذلك
وكذلك نأمر من كان الصوم بقرب رمضان يدخله به ضعف يمنعه من صوم رمضان أن لا يصوم حتى
يصوم رمضان لان صوم رمضان أولى به من صوم ما ليس عليه صومه
84

فهذا هو المعنى الذي ينبغي أن يحمل عليه معنى ذلك الحديث حتى لا يضاد غيره من هذه الأحاديث
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمر به عبد الله بن عمرو ما يدل على ذلك أيضا
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس رجل من ثقيف عن عبد الله
بن عمرو قال قال النبي صلى الله عليه وسلم أحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما
حدثنا بكر بن إدريس قال ثنا آدم ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا روح قالا ثنا شعبة عن زياد بن أبي الفياض قال سمعت عياض
قال سمعت عبد الله بن عمرو يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو بكرة وعلي بن شيبة قالا ثنا روح بن عبادة قال ثنا ابن جريج فأخبرني عمرو
بن دينار أن عمرو بن أوس أخبره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحب الصيام إلى الله
عز وجل صيام داود وكان يصوم نصف الدهر
حدثنا ابن مرزوق يعنى إبراهيم قال ثنا عفان قال ثنا حماد بن سلمة قال ثنا ثابت عن شعيب
بن عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يعنى فسأله عن الصيام
فقال له صم يوما ولك عشرة أيام
قال زدني يا رسول فإن بي قوة قال صم يومين ولك تسعة أيام
قال زدني يا رسول الله فان بي قوة قال صم ثلاثة أيام ولك ثمانية أيام
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن
عبد الله بن عمرو قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام بكل حسنة
عشرة أمثالها فذلك صوم الدهر كله فشددت على نفسي فشدد على فقلت انى أطيق غير ذلك
أكثر من ذلك
فقال صم صوم نبي الله داود
طي قلت وما صوم داود نبي الله قال نصف الدهر
حدثنا يونس قال ثنا بشر عن الأوزاعي قال حدثني يحيى فذكر بإسناده مثله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا محمد بن أبي حفصة قال ثنا ابن شهاب عن
سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى أقول
لأصومن الدهر
فقال صم ثلاثة أيام من كل شهر قلت فإني أطيق أفضل من ذلك قال صم يوما وأفطر يومين
85

قلت فإني أطيق أفضل من ذلك قال فصم يوما وأفطر يوما فذلك صوم داود وهو أعدل الصيام
حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني
عقيل عن ابن شهاب أن سعيدا أخبره وأبا سلمة أن عبد الله بن عمرو قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكر مثله
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن الهاد
عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب وروح قالا ثنا شعبة عن سعيد بن إبراهيم عن طلحة بن هلال
أو هلال بن طلحة قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله صم ثلاثة أيام من كل
شهر من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها
قلت انى أطيق أكثر من ذلك قال صم صوم داود كان يصوم يوما ويفطر يوما
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا معلى بن أسد قال ثنا عبد العزيز بن المختار قال ثنا خالد الحذاء
قال حدثني أبو قلابة قال حدثني أبي المليح قال دخلت مع أبيك زيد بن عمرو على عبد الله بن عمرو
بن العاص فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له صومه
قال فدخل على فألقيت له وسادة من آدم حشوها ليف فجلس على الأرض وقال لي إنما يكفيك من
كل شهر ثلاثة أيام
قلت يا رسول الله قال فخمسة أيام قلت يا رسول الله قال فسبعة أيام قلت يا رسول الله
قال فتسعة أيام
قلت يا رسول الله قال فأحد عشر يوما قلت يا رسول الله قال أظنه قال ثلاثة عشر يوما
قلت يا رسول الله قال لا صيام فوق صيام داود شطر الدهر صيام يوم وإفطار يوم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال ثنا زائدة بن قدامة عن عطاء بن السائب
عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تصوم قلت أصوم فلا أفطر
قال صم من كل شهر ثلاثة أيام قلت انى أقوى من ذلك
قال فلم يزل يناقصني وأناقصه حتى قال فصم أحب الصيام إلى الله عز وجل صوم داود صوم يوم
وإفطار يوم
86

حدثنا أبو أمية قال ثنا علي بن قادم قال ثنا مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العاص عن
عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم أنبأ أنك تصوم الدهر وتقوم الليل
قال قلت إني أقوى
قال إنك إذا فعلت نفهت له النفس وهجمت له العين قال قلت إني أقوى قال فصم ثلاثة أيام
من كل شهر قال قلت إني أقوى قال فصم صوم أخي داود كان يصوم يوما ويفطر يوما
ولا يفر إذا لاقى
حدثنا يونس قال ثنا أسد قال ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال سمعت أبا العباس رجلا
من أهل مكة وكان شاعرا وكان لا يتهم في الحديث قال سمعت عبد الله بن عمرو فذكر مثله
* (حدثنا أبو أمية قال ثنا شريح قال ثنا هشيم قال أنا حصين ومغيرة عن مجاهد عن عبد الله
بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له صم من كل شهر ثلاثة أيام ثم ذكر مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال سمعت غيلان بن جرير يحدث عن عبد الله بن معبد
الزماني عن أبي قتادة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن يصوم يوما ويفطر يوما
قال ذاك صوم داود
قال يا رسول الله فكيف من يصوم يوما ويفطر يومين
قال وددت أنى طوقت على ذلك
فلما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار المتواترة صوم يوم وإفطار يوم من سائر الدهر دل ذلك أن صوم
ما بعد النصف من شعبان مما قد دخل في إباحة النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو
وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
87

باب القبلة للصائم
حدثنا علي بن معبد قال ثنا أبو أحمد الزبيري قال ثنا إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد
الضبي عن ميمونة بنت سعد قالت سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم فقال أفطرا جميعا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فقالوا ليس للرجل أن يقبل في صومه وإن قبل فقد أفطر
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا علي بن شيبة قال ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال قلت لأبي أسامة
أحدثكم عمر بن حمزة
قال أخبرني سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال عمر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فرأيته
لا ينظرني
فقلت يا رسول الله ما شأني قال ألست الذي تقبل وأنت صائم فقلت والذي بعثك بالحق
انى لا أقبل بعد هذا وأنا صائم فأقربه ثم قال نعم
واحتجوا في ذلك أيضا بما روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ثنا شعبة عن منصور عن هلال
بن يساف عن هانئ وكان يسمى الهزهاز قال سئل عبد الله عن القبلة للصائم فقال يقضى يوما آخر
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن منصور عن هلال عن الهزهاز عن
عبد الله مثله
واحتجوا في ذلك أيضا بما روى عن عمر من قوله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب
أن عمر كان ينهى عن القبلة للصائم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن عمران بن مسلم عن زاذان قال قال
عمر لأن أعض على جمرة أحب إلى من أن أقبل وأنا صائم
واحتجوا في ذلك أيضا بما روى عن سعيد بن المسيب
حدثنا محمد بن حميد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا موسى بن أعين عن عبد الكريم عن سعيد
بن المسيب في الرجل يقبل امرأته وهو صائم فقال ينقض صومه
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بالقبلة للصائم بأسا إذا لم يخف منها أن تدعوه إلى غيرها مما يمنع
منه الصائم
88

وكان من حجتهم فيما احتج به عليهم أهل المقالة الأولى انه قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إباحته القبلة
للصائم ما هو أظهر من حديث ميمونة بنت سعد وأولى إن يؤخذ به
وهو ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج
عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال هششت
يوما فقبلت وأنا صائم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت فعلت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم فقلت لا بأس بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ففيم
حدثنا علي بن معبد قال ثنا شبابة بن سوار قال أنا ليث بن سعد فذكر بإسناده مثله
فهذا الحديث صحيح الاسناد معروف للرواة وليس كحديث ميمونة بنت سعد الذي رواه عنها أبو يزيد
الضبي وهو رجل لا يعرف
فلا ينبغي أن يعارض حديث من ذكرنا بحديث مثله مع أنه قد يجوز أن يكون حديثه ذلك على معنى
خلاف معنى حديث عمر هذا
ويكون جواب النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه جوابا لسؤال سئل في صائمين بأعيانهما على قلة ضبطهما لأنفسهما
فقال ذلك فيهما أي أنه إذا كانت القبلة منهما فقد كان معها غيرها مما قد يضرهما
وهذا أولى مما حمل عليه معناه حتى لا يضاد غيره
وأما حديث عمر بن حمزة فليس أيضا إسناده كحديث بكير الذي قد ذكرنا لان عمر بن حمزة ليس مثل
بكير بن عبد الله في جلالته وموضعه من العلم وإتقانه
مع أنهما لو تكافئا لكان حديث بكير أولاهما لأنه قول من رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة
وذلك قول قد قامت به الحجة على عمر وحديث عمر بن حمزة إنما هو على قول حكاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم
وذلك مما لا تقوم به الحجة
فما تقوم به الحجة أولى مما لا تقوم له الحجة
ثم هذا بن عمر قد حدث عن أبيه بما حكاه عمر بن حمزة في حديثه ثم قال بعد أبيه بخلاف ذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أبي حمزة عن مورق عن ابن عمر أنه سئل
عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب
فدل ذلك أن هذا كان عنده أولى مما حدثه به عمر مما ذكره عمر بن حمزة في حديثه
89

وأماما قد احتجوا به من قول بن مسعود رضي الله عنه فإنه قد روى عنه أيضا خلاف ذلك
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا إسرائيل عن طارق عن حكيم بن جابر قال كان بن مسعود
رضي الله عنه يباشر امرأته وهو صائم
فقد تكافأ هذا الحديث وما روى الهزهاز عن عبد الله
وأما ما ذكروه من قول سعيد يعنى بن المسيب أنه ينقض صومه فان ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
من تشبيهه ذلك بالمضمضة أولى من قول سعيد
ثم قال بذلك جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مما سنذكر ذلك عنهم في آخر هذا الباب إن شاء الله
وقد جاءت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترة بأنه كان يقبل وهو صائم
فمن ذلك ما حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد بن أبي عروبة عن أيوب
عن عبد الله بن شقيق عن ابن عباس رضي الله عنهما إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصيب من الرؤوس وهو صائم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عياش الرقام قال ثنا عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن أيوب
قال ثنا عبد الله بن شقيق عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله فما دريت ما هو حتى
قيل القبلة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي هو أحمد بن خالد قال ثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير
قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقبلها وهو صائم
حدثنا علي بن معبد قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا هشام بن أبي عبد الله عن يحيى عن أبي سلمة
فذكر بإسناده مثله
حدثني ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن بكير بن عبد الله عن أبي بكر
بن المنكدر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أنها قالت قبلني
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن موسى قال أنا طلحة بن يحيى عن عبد الله بن فروخ
قال أتت أم سلمة امرأة فقالت إن زوجي يقبلني وأنا صائمة
فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم وأنا صائمة
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن شتير
بن شكل عن حفصة بنت عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل وهو صائم
90

حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا أبو عوانة عن منصور عن مسلم فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرني بن أبي الزناد قال حدثني أبي أن علي بن
الحسين أخبره عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن علي بن الحسين عن عائشة
رضي الله عنها مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا هارون بن إسماعيل الخزاز قال ثنا علي بن المبارك قال ثنا يحيى
بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عروبة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب قال أنا سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن هشام فذكر بإسناده مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا شجاع بن الوليد قال ثنا عبيد الله بن عمر قال حدثني القاسم
عن عائشة رضي الله عنها مثله
وزاد وكانت تقول وأيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس الشافعي قال ثنا سفيان قال قلت لعبد الرحمن
بن القاسم أحدثك أبوك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم
قال فطأطأ أي خفض رأسه واستحيى قليلا وسكت ثم قال نعم
حدثنا محمد بن عبد الله هو بن ميمون البغدادي قال ثنا الوليد هو بن مسلم قال ثنا الأوزاعي
عن يحيى قال حدثني أبو سلمة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم
حدثنا يونس قال ثنا بشر هو بن بكر قال ثنا الأوزاعي فذكر بإسناده مثله
(0 حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني
عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة أن عائشة رضي الله عنها قالت فذكر مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عياش الرقام قال عبد الأعلى قال ثنا محمد بن إسحاق عن نافع
عن عبد الله بن عمر قال جمع لي أبي أهلي في رمضان فأدخلهم علي
91

فدخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن القبلة يعنى للصائم فقالت ليس بذلك بأس قد كان من هو
خير الناس يقبل
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن أسد قال ثنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن يحيى
بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبيد الله
بن معمر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبلني فقلت انى صائمة فقال
وأنا صائم فقبلني
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا عمر بن أبي زائدة عن أبي إسحاق الهمداني عن
الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتنع من وجوهنا وهو صائم
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عاصم عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود قال انطلقت أنا
وعبد الله بن مسعود إلى عائشة رضي الله عنها نسألها عن المباشرة ثم خرجنا ولم نسألها
فرجعنا فقلنا يا أم المؤمنين أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم قالت نعم وكان أملككم
لإربه
فسؤال عبد الله عائشة رضي الله عنها عن هذا دليل على أنه لم يكن عنده في ذلك شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى أخبرته به عائشة رضي الله عنها عنه
فدل ذلك على أن ما روى عنه مما قد وافق ذلك كان متأخرا عما روى عنه مما خالف ذلك
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود ومسروق قالا سألنا
عائشة رضي الله عنها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم
92

فقالت نعم ولكنه كان أملك لإربه منكما أو لامره الشك من أبى عاصم
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا شجاع عن حريث بن عمرو عن الشعبي عن مسروق عن عائشة
رضي الله عنها قالت ربما قبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وباشرني وهو صائم وأما أنتم فلا بأس به للشيخ
الكبير الضعيف
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا شيبان أبو معاوية عن زياد بن علاقة عن عمرو
بن ميمون هو الأودي قال سألنا عائشة عن الرجل يقبل وهو صائم
فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال ثنا إسرائيل عن زياد عن عمرو بن ميمون
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وأنا صائمة
(0) حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال ثنا موسى بن علي قال سمعت أبي
يقول حدثني أبو قيس مولى عمرو بن العاص قال بعثني عبد الله بن عمرو إلى أم سلمة رضي الله عنها
زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال سلها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم
فان قالت لا فقل إن عائشة رضي الله عنها تخبر الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم
فأتيت أم سلمة رضي الله عنها فأبلغتها السلام عن عبد الله بن عمرو وقلت أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقبل
وهو صائم فقالت لا
فقلت إن عائشة رضي الله عنها تخبر الناس أنه كان يقبل وهو صائم فقالت لعله أنه لم يكن يتمالك عنها
حبا أما إياي فلا
وقد تواترت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل وهو صائم فدل ذلك أن القبلة غير مفطرة للصائم
فان قال قائل كان ذلك مما قد خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ترى إلى قول عائشة رضي الله عنها وأيكم كان
أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل له إن قول عائشة رضي الله عنها هذا إنما هو على أنها لا تأمن عليهم ولا يأمنون على أنفسهم ما كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمنه على نفسه لأنه كان محفوظا
والدليل على أن القبلة عندها لا تفطر الصائم ما قد روينا عنها أنها قالت فأما أنتم فلا بأس به للشيخ
الكبير الضعيف
أرادت بذلك أنه لا يخاف من أربه فدل ذلك على أن من لم يخف من القبلة وهو صائم شيئا آخر وأمن
على نفسه أنها له مباحة
وقد ذكرنا عنها في بعض هذه الآثار أنها سئلت عن القبلة للصائم فقالت جوابا لذلك السؤال كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم
93

فلو كان حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك عندها خلاف حكم غيره من الناس إذا لما كان ما علمته من فعل
النبي صلى الله عليه وسلم جوابا لما سئلت عنه من فعل غيره
وقد سألها عبد الله بن عمر لما جمع له أبوه أهله في شهر رمضان عن مثل ذلك فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يفعل ذلك
وهذا عندنا لأنها كانت تأمن عليه
فدل ما ذكرنا على استواء حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الناس عندها في حكم القبلة إذا لم يكن معها
الخوف على ما بعدها مما تدعو إليه
وهو أيضا في النظر كذلك لأنا قد رأينا الجماع والطعام والشراب قد كان ذلك كله حراما على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في صيامه كما هو حرام على سائر أمته في صيامهم
ثم هذه القبلة قد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حلالا في صيامه فالنظر على ما ذكرنا أن يكون أيضا حلالا لسائر
أمته في صيامهم أيضا ويستوي حكمه وحكمهم فيها كما يستوي في سائر ما ذكرنا
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ما يدل على استواء حكمه وحكم أمته في ذلك ما حدثنا يونس قال أنا ابن
وهب أن مالكا أخبره عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا قبل امرأته وهو صائم فوجد
من ذلك وجدا شديدا فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك
فدخلت على أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لها فأخبرتها أم سلمة رضي الله عنها
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم
فرجعت فأخبرت بذلك زوجها فزاده شرا وقال لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل الله عز وجل
لرسوله ما شاء
ثم رجعت المرأة إلى أم سلمة رضي الله عنها فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال
هذه المرأة فأخبرته أم سلمة فقال ألا أخبرتيها أنى أفعل ذلك فقالت أم سلمة رضي الله عنها قد أخبرتها
فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده شرا وقال يحل الله لرسوله ما شاء
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إني لأتقاكم لله عز وجل وأعلمكم بحدوده
94

فدل ذلك على ما ذكرنا فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد
رحمهم الله تعالى
وقد روى عن المتقدمين في ذلك ما حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا بشر بن بكر قال حدثني
الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن سالم الدوسي عن سعد بن أبي وقاص وسأله رجل أتباشر
وأنت صائم فقال نعم
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن عبد الله
بن عباس سئل عن القبلة للصائم فرخص فيها للشيخ وكرهها للشاب
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن أبي النضر أن عائشة بنت طلحة أخبرتها أنها
كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
فدخل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو صائم فقالت له عائشة رضي الله عنها
ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها
قال أقبلها وأنا صائم فقالت له عائشة رضي الله عنها نعم
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب قال ثنا الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبي مرة
مولى عقيل عن حكيم بن عقال أنه قال سألت عائشة رضي الله عنها ما يحرم على من امرأتي وأنا صائم
قالت فرجها
فهذه عائشة رضي الله عنها تقول فيما يحرم على الصائم من امرأته وما يحل له منها ما قد ذكرنا
فدل ذلك على أن القبلة كانت مباحة عندها للصائم الذي يأمن على نفسه ومكروهة لغيره ليس لأنها حرام
عليه ولكنه لأنه لا يأمن إذا فعلها من أن تغلبه شهوته حتى يقع فيما يحرم عليه
وقد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا يحيى بن أيوب قال حدثني عقيل
عن ابن شهاب عن ثعلبة بن صعير العذري هكذا قال بن أبي مريم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مسح وجهه
أنه أخبره أنه سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهون الصائم عن القبلة ويقولون انها تجر إلى ما هو أكبر منها
فقد بين في هذا الحديث المعنى الذي من أجله كرهها من كرهها للصائم وأنه إنما هو خوفهم عليه منها
أن يجره إلى ما هو أكبر منها
فذلك دليل على أنه إذا ارتفع ذلك المعنى الذي من أجله منعوه منها أنها له مباحة
وقد حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا هشام بن إسماعيل الدمشقي العطار قال ثنا مروان بن معاوية
عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه
عن قبلة الصائم
95

فقال على يتقي الله ولا يعود فقال عمر إن كانت هذه لقريبة من هذه
فقول على يتقي الله ولا يعود يحتمل ولا يعول لها ثانية أي لأنها مكروهة له من أجل صومه
ويحتمل ولا يعود أي يقبل مرة بعد مرة فيكثر ذلك منه فيتحرك له شهوته فيخاف عليه
من ذلك مواقعة ما حرم الله عليه
وقول عمر هذه قريبة من هذه أي أن هذه التي كرهتها له قريبة من التي أبحتها له
أو إن هذه التي أبحتها له قريبة من التي كرهتها له
فلا دلالة في هذا الحديث ولكن الدلالات فيما قد تقدمه مما قد ذكرناه قبله
باب الصائم يقئ
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ثنا أبي عن حسين المعلم عن
يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة
عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر
قال فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فقال صدق أنا صببت له وضوءه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو معمر قال ثنا عبد الوارث عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير
عن عبد الله بن عمرو الأوزاعي عن يعيش بن الوليد بن هشام عن معدان بن طلحة عن أبي الدرداء
ثم ذكر مثله
قال بن أبي داود قال أبو معمر هكذا قال عبد الوارث عبد الله بن عمرو
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا شعبة قال ثنا أبو الجودي عن بلح رجل من
مهرة عن أبي شيبة المهري قال قلت لثوبان حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الصائم إذا قاء فقد أفطر واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إن استقاء أفطر وإن ذرعه القئ لم يفطر
وقالوا قد يجوز أن يكون قوله قاء فأفطر أي قاء فضعف فأفطر وقد يجوز هذا في اللغة
واحتج الأولون لقولهم أيضا بما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا يزيد
96

بن أبي حبيب قال أخبرني أبو مرزوق عن حنش عن فضالة بن عبيد قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب
فقال له بعضنا ألم تصبح صائما يا رسول الله قال بلى ولكني قئت
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج ح
وحدثنا حسين بن نصر قال ثنا يحيى بن حسان قالوا ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن
يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن حنش عن فضالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
قيل لهم وهذا أيضا مثل الأول يجوز ولكني قئت فضعفت عن الصوم فأفطرت
وليس في هذين الحديثين دليل على أن القئ كان مفطرا له إنما فيه أنه قاء فأفطر بعد ذلك
وقد روى في حكم الصائم إذا قاء أو استقاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مفسرا ما قد حدثنا أحمد بن داود قال ثنا
مسدد قال ثنا عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذرعه القئ وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض
فبين هذا الحديث كيف حكم الصائم إذا ذرعه القئ أو استقاء
وأولى الأشياء بنا أن يحمل الآثار على ما فيه اتفاقها وتصحيحها لا على ما فيه تنافيها وتضادها فيكون
معنى الحديثين الأولين على ما وصفنا حتى لا يضاد معناهما معنى هذا الحديث
فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار
وأما حكمه من طريق النظر فانا رأينا القئ حدثا في قول الناس وغير حدث في قول الآخرين
ورأينا خروج الدم كذلك
وكل قد أجمع أن الصائم إذا فصد عرقا أنه لا يكون بذلك مفطرا وكذلك لو كانت به علة فانفجرت عليه
دما من موضع من بدنه
فكان خروج الدم من حيث ذكرنا من بدنه واستخراجه إياه سواء فيما ذكرنا وكذلك هما في الطهارة
وكان خروج القئ من غير استخراج من صاحبه إياه لا ينقض الصوم
فالنظر على ما ذكرنا أن يكون خروجه باستخراج صاحبه إياه كذلك لا ينقض الصوم
فلما كان القئ لا يفطره في النظر كان ما ذرعه من القئ أحرى أن يكون كذلك
فهذا حكم هذا الباب أيضا من طريق النظر ولكن اتباع ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى وعامة العلماء
97

وقد روى ذلك عن جماعة من المتقدمين
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا مالك وصخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر
أنه قال من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القئ فليس عليه القضاء
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا القعنبي قال ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد يعنى بن سلمة عن حماد عن إبراهيم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن حميد عن الحسن مثله
حدثنا محمد قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن حبان السلمي عن القاسم بن محمد مثله
باب الصائم يحتجم
حدثنا علي بن معبد قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا سعيد عن مطر الوراق عن بكر بن عبد الله
المزني عن أبي رافع قال دخلت على أبى موسى وهو يحتجم ليلا فقلت لولا كان هذا نهارا
فقال أتأمرني أن أهريق دمى وأنا صائم وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أفطر الحاجم والمحجوم
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن عروة
عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن حميد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا ثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب
قال شهد عندي نفر من أهل البصرة منهم الحسن بن أبي الحسن عن معقل الأشجعي أنه قال مر على
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أحتجم لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان فقال أفطر الحاجم والمحجوم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن سعيد عن قتادة عن شهر بن حوشب
عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفطر الحاجم
والمحجوم
حدثنا أبو بكرة قال ثنا سعيد بن عامر قال ثنا سعيد فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا يحيى بن عبد الله البابلتي قال ثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير
قال حدثني أبو قلابة قال حدثني أبو أسماء الرحبي عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في رمضان
في ثماني عشرة فمر برجل يحتجم فقال أفطر الحاجم والمحجوم
98

حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى قال حدثني أبو قلابة
أن أبا أسماء حدثه أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه ثم ذكر مثله
حدثنا فهد قال ثنا الحسن الربيع قال ثنا أبو الأحوص عن ليث عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم
* حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون قال ثنا هشيم عن خالد ومنصور عن أبي قلابة عن أبي
الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في رمضان على رجل يحتجم فقال أفطر
الحاجم والمحجوم
حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن عاصم عن أبي قلابة فذكر
بإسناده مثله
حدثنا فهد قال الحسن بن الربيع قال ثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن ابن جريج عن عطاء
قال قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمستحجم
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا لهيعة قال ثنا عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أفطر الحاجم والمحجوم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الحجامة تفطر الصائم حاجما كان أو محجوما واحتجوا في ذلك
بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يفطر الحجامة حاجما ولا محجوما
وقالوا ليس فيما رويتموه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله أفطر الحاجم والمحجوم ما يدل أن ذلك الفطر كان من
أجل الحجامة
قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنهما أفطرا بمعنى آخر وصفهما بما كانا يفعلانه حين أخبر
عنهما بذلك
كما يقول فسق القائم ليس انه فسق بقيامه ولكنه فسق بمعنى غير القيام
وقد روى عن أبي الأشعث الصنعاني وهو أحد من روى ذلك الحديث في هذا المعنى
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوحاظي قال ثنا يزيد بن ربيعة الدمشقي عن أبي الأشعث الصنعاني
قال إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم أفطر الحاجم والمحجوم لأنهما كانا يغتابان وهذا المعنى معنى صحيح
وليس افطارهما ذلك كالافطار بالاكل والشرب والجماع ولكنه حبط أجرهما باغتيابهما فصارا بذلك
مفطرين لا أنه إفطار يوجب عليهما القضاء
وهذا كما قيل الكذب يفطر الصائم ليس يراد به الفطر الذي يوجب القضاء إنما هو على حبوط الاجر
بذلك كما يحبط بالاكل والشرب
99

وهذا نظر ما حملناه نحن عليه من التأويل الذي ذكرناه وقد روى جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ذلك معنى آخر
حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل
الناجي عن أبي سعيد الخدري قال إنما كرهنا أو كرهت الحجامة للصائم من أجل الضعف
حدثنا سليمان قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا شعبة عن حميد قال سأل ثابت البناني أنس بن مالك
هل كنتم تكرهون الحجامة للصائم قال لا إلا من أجل الضعف
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا حميد الطويل قال سئل أنس بن مالك عن الحجامة
للصائم فقال ما كنت أرى الحجامة تكره للصائم إلا من الجهد
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا هدية بن خالد قال ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه
قال ما كنا ندع الحجامة إلا كراهة الجهد
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أنا شريك عن جابر عن أبي جعفر وسالم عن سعيد ومغيرة
عن إبراهيم وليث عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال إنما كرهت الحجامة للصائم مخافة الضعف
فدلت هذه الآثار على أن المكروه من أجله الحجامة في الصيام هو الضعف الذي يصيب الصائم فيفطر
من أجله بالاكل والشرب
وقد روى نحو من هذا المعنى عن أبي العالية
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا عاصم الأحول أن أبا العالية قال إنما كرهت
مخافة أن يغشى عليه
قال فأخبرت بذلك أبا قلابة فقال لي إن غشي عليه يسقى الماء
وقد روى هذا المعنى أيضا بعينه عن سالم بن عبد الله
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا يحيى بن أيوب قال حدثني يحيى بن سعيد قال سمعت
القاسم بن محمد وهو يذكر قول الناس أفطر الحاجم والمحجوم
فقال القاسم لو أن رجلا حجم يده أو بعض جسده ما يفطره ذلك
فقال سالم إنما كرهت الحجامة للصائم مخافة أن يغشى عليه فيفطر
والمعنى الذي روى في تأويل ذلك عن أبي الأشعث كأنه أشبه بذلك لان الضعف لو كان هو المقصود بالنهي
إليه لما كان الحاجم داخلا في ذلك
فإذا كان الحاجم والمحجوم قد جمعا في ذلك أشبه أن يكون ذلك لمعنى واحد هما فيه سواء مثل الغيبة
التي هما فيها سواء كما قال أبو الأشعث
100

وقد روى أيضا عن الشعبي وإبراهيم أنهما قالا إنما كرهت من أجل الضعف أيضا
حدثنا يزيد هو بن سنان قال ثنا يحيى القطان قال ثنا الأعمش قال سألت إبراهيم عن الحجامة للصائم
فقال إنما كرهت من أجل الضعف
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا داود عن الشعبي أن الحسن بن علي احتجم
وهو صائم
وقال الشعبي إنما كرهت الحجامة لأنها تضعفه
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إباحة الحجامة للصائم ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو معمر
قال ثنا عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو صائم
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو الأسود وهو النضر بن عبد الجبار المرادي قال أنا ابن لهيعة عن جعفر
بن ربيعة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني بن أبي ذئب عن الحسن بن يزيد عن عكرمة
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو غسان قال ثنا مسعود بن سعد الجعفي عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة وهو صائم محرم
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا الفريابي ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم وأبو حذيفة قالوا حدثنا سفيان عن يزيد فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا عبد العزيز بن مسلم قال ثنا يزيد بن أبي زياد فذكر
بإسناده مثله وزاد وهو صائم محرم
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن عمران قال حدثني أبي قال حدثني بن أبي ليلى عن الحكم عن
مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم محرم بين مكة والمدينة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا القاسم بن مالك عن عاصم عن أنس رضي الله
عنه أن أبا طيبة حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فأعطاه أجره ولو كان حراما ما أعطاه
101

فدل فعله هذا صلى الله عليه وسلم على أن الحجامة لا تفطر الصائم ولو كانت مما يفطر الصائم إذا لما احتجم وهو صائم
فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فانا رأينا خروج الدم أغلظ أحواله أن يكون حدثا ينتقض به الطهارة
وقد رأينا الغائط والبول خروجهما حدث ينتقض به الطهارة ولا ينقض الصيام
فالنظر على ذلك أن يكون الدم كذلك وقد رأينا الصائم لا يفطره فصد العرق فالحجامة في النظر أيضا كذلك
وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن يحيى بن سعيد أن سالم بن عبد الله
والقاسم بن محمد كانا لا يريان بالحجامة للصائم بأسا
وقالا أرأيت لو احتجم على ظهر كفه أكان ذلك يفطره
باب الرجل يصبح في يوم من شهر رمضان جنبا
هل يصوم أم لا
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن سمى مولى أبى بكر أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن
يقول كنت أنا وأبى عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول من
أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم
فقال مروان أقسمت عليك لتذهبن إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما فتسألهما
عن ذلك
قال فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة رضي الله عنها فسلم عليها عبد الرحمن ثم قال
يا أم المؤمنين انا كنا عند مروان فذكر له أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول من أصبح جنبا أفطر
ذلك اليوم
فقالت عائشة رضي الله عنها بئس ما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل
فقال لا والله
قالت فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم
102

قال ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة رضي الله عنها فسألها عن ذلك فقالت كما قالت عائشة رضي الله عنها
فخرجنا حتى جئنا إلى مروان فذكر له عبد الرحمن ما قالتا
فقال مروان أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فإنها بالباب فلتذهبن إلى أبي هريرة رضي الله عنه
بأرضه بالعقيق فلتخبرنه بذلك
فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة رضي الله عنه فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ثم ذكر
ذلك له
فقال أبو هريرة رضي الله عنه لا علم لي بذلك إنما أخبرنيه مخبر
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال ثنا عبد الله بن عون عن رجاء بن حياة
عن يعلى بن عقبة قال أصبحت جنبا وأنا أريد الصوم فأتيت أبا هريرة رضي الله عنه فسألته فقال لي أفطر
فأتيت مروان فسألته وأخبرته بقول أبي هريرة رضي الله عنه فبعث عبد الرحمن بن الحارث إلى عائشة رضي الله
عنها فسألها فقالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج لصلاة الفجر ورأسه يقطر من جماع ثم يصوم ذلك اليوم
فرجع إلى مروان فأخبره فقال إيت أبا هريرة رضي الله عنه فأخبره
فأتاه فأخبره فقال أما إني لم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إنما حدثنيه الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا ابن عون فذكر بإسناده نحوه
قال بن عون فقلت لرجاء من حدثك عن يعلى قال إياي حدث يعلى
قال أبو جعفر فذهل ذاهبون إلى ما روى أبو هريرة رضي الله عنه من ذلك عن الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم
فقالوا به وقلدوه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا يغتسل ويصوم يومه ذلك
وذهبوا في ذلك إلى ما رويناه في الفصل الأول عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
والى ما حدثنا أبو بكرة قال حدثنا أبو داود وروح قالا ثنا شعبة عن الحكم قال سمعت أبا بكر
بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يحدث عن أبيه قال دخلت على عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا ثم يغتسل ثم يغدو إلى المسجد ورأسه يقطر ثم يصوم ذلك اليوم
فأخبرته مروان فقال إيت أبا هريرة رضي الله عنه فأخبره بذلك
فقلت انه لي صديق فاعفني فقال عزمت عليك لتأتينه
فانطلقت أنا وأبى إلى أبي هريرة رضي الله عنه فأخبرت بذلك
فقال أبو هريرة رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها أعلم مني
103

قال شعبة وفي الصحيفة أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منى
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب قال أنا داود بن أبي هند عن الشعبي عن عمر بن عبد الرحمن
عن أخيه أبى بكر بن عبد الرحمن أنه كان يصوم ولا يفطر
فدخل على أبيه يوما وهو مفطر فقال له ما شأنك اليوم مفطرا
قال إني أصابني جنابة فلم أغتسل حتى أصبحت فأفتاني أبو هريرة رضي الله عنه أن أفطر
فأرسلوا إلى عائشة رضي الله عنها يسألونها فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تصيبه الجنابة فيغتسل بعدما يصبح
ثم يخرج ورأسه يقطر ماء فيصلى لأصحابه ثم يصوم ذلك اليوم
حدثنا علي قال ثنا عبد الوهاب قال ثنا سعيد عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن
عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن مروان بن الحكم بعثه إلى أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما قال فلقيت
غلامها نافعا يعنى أم سلمة رضي الله عنها
قال فأرسلته إليها فرجع إلى فأخبرني أنها قالت إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من غير احتلام ثم
يصبح صائما
ثم أتى عائشة رضي الله عنها فأرسل إليها غلامها ذكوان أبا عمرو فأخبرته أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا
من غير احتلام ثم يصبح صائما
فأتيت مروان بن الحكم فأخبرته بقولهما فقال أقسمت عليك لتأتين أبا هريرة فلتخبرنه بقولهما فأتيته
فأخبرته فقال هن أعلم
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن سمى عن أبي بكر عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا ثم يصوم ذلك اليوم
حدثنا فهد قال ثنا الحسن بن الربيع قال ثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن عمارة عن أبي بكر بن
عبد الرحمن قال قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى صلاة الفجر ورأسه يقطر من غسل
الجنابة ثم يصوم يومه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عاصم قال ثنا ابن جريج قال أخبرني بن شهاب عن أبي بكر بن
عبد الرحمن عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب
ثم يصوم
104

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد قال ثنا ليث بن سعد عن الزهري عن عبد الرحمن الحارث
بن هشام عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما زوجي النبي صلى الله عليه وسلم أنهما
حدثتاه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن
عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وزاد في رمضان
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن سمى عن أبي بكر فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير قال ثنا أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله
عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زائدة عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن
عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن
عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا جعفر بن عبد الله بن عثمان القرشي عن ابن أبي مليكه عن
عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء قال أنا سعيد عن قتادة سعيد بن المسيب
عن عامر بن أبي أمية عن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أيضا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد قال ثنا همام عن قتادة فذكر بإسناده مثله
* (حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فذكر بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح قال ثنا شعبة ح
وحدثنا يزيد هو بن سنان قال ثنا يحيى القطان قال ثنا شعبة عن قتادة فذكر بإسناده مثله
وزاد فرد أبو هريرة رضي الله عنه فتياه على هذا الخبر
قالوا فلما تواترت الآثار بما ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجز لنا خلاف ذلك إلى غيره
فكان من حجة أهل المقالة الأولى عليهم في ذلك أن قالوا هذا الذي روته أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما
إنما أخبرتنا به عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر الفضل في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد خالف ذلك
فقد يجوز أن يكون كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على ما ذكرت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما في حديثهما
ويكون حكم سائر الناس على ما ذكره الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون الخبران غير متضادين على ما يخرج عليه
معاني الآثار
فكان من الحجة للآخرين عليهم أن أبا هريرة رضي الله عنه هو الذي روى حديث الفضل وقد رجع عن فتياه
105

إلى قول عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما وعد ذلك أولى مما حدثه الفضل عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حجة
في هذا الباب
وحج أخرى أنا قد وجدنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على حكم الناس في ذلك أيضا كحكمه
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن عبد الله بن معمر الأنصاري عن أبي يونس مولى
عائشة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب وأنا أسمع
يا رسول الله انى أصبحت جنبا وأنا أريد الصوم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصوم فأغتسل وأصوم
فقال يا رسول انك لست مثلنا قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله انى لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي
فلما كان جواب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك السائل هو إخباره عن فعل نفسه في ذلك ثبت بذلك أن حكمه في ذلك
وحكم غيره سواء
فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار
وأما وجهه من طريق النظر في ذلك فانا قد رأيناهم أجمعوا أن صائما لو نام نهارا فأجنب أن ذلك لا يخرجه
عن صومه
فأردنا أن ننظر أنه هل يكون داخلا في الصوم وهو كذلك أو يكون حكم الجنابة إذا طرأت على الصوم
خلاف حكم الصوم إذا طرأ عليها
فرأينا الأشياء التي تمنع من الدخول في الصوم من الحيض والنفاس إذا طرأ ذلك على الصوم أو طرأ
عليه الصوم فهو سواء
ألا ترى أنه ليس لحائض أن تدخل في الصوم وهي حائض وأنها لو دخلت في الصوم طاهرا ثم طرأ عليها
الحيض في ذلك اليوم أنها بذلك خارجة من الصوم
فكانت الأشياء التي تمنع من الدخول في الصوم هي الأشياء التي إذا طرأت على الصوم أبطلته
106

وكانت الجناب إذا طرأت على الصوم باتفاقهم جميعا لم تبطله
فالنظر على ما ذكرنا أن يكون كذلك إذا طرأ عليها الصوم لم تمنع من الدخول فيه
فثبت بذلك ما قد وافق ما روته أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد
رحمهم الله تعالى
باب الرجل يدخل في الصيام تطوعا ثم يفطر
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد الطيالسي ح
وحدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة ح
وحدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا يحيى بن حسان قالوا ثنا حماد بن سلمة عن سماك بحرب
عن هارون بن أم هانئ أو بن بنت أم هانئ عن أم هانئ قالت دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا
صائمة
فناولني فضل شرابه فشربت ثم قلت يا رسول الله انى كنت صائمة وإني كرهت أن أرد سؤرك
فقال إن كان من قضاء يوم من رمضان فصومي يوما مكانه وإن كان تطوعا فان شئت فاقضيه
وإن شئت فلا تقضيه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فزعموا لان من دخل في صوم تطوعا ثم أفطر بعد ذلك من عذر
أو من غير عذر أنه لا قضاء عليه واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا عليه قضاء يوم مكانه
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى أن حديث أم هانئ إنما رواه كما ذكروا حماد بن سلمة وقد
رواه غيره ممن ليس في الضبط بدونه على خلاف ذلك
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا مسدد ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قالا ثنا أبو عوانة عن سماك بن حرب عن ابن أم هانئ عن
جدته أم هانئ سمعه منها قالت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشراب يوم فتح مكة فناولني فشربته وكنت
صائمة فكرهت أن أرد فضل سؤره
فقلت يا رسول الله انى كنت صائمة فقال لها تقضين عنك شيئا قالت لا قال فلا يضرك
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا أبو عوانة فذكر بإسناده مثله
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أسد قال ثنا قيس بن الربيع عن سماك بن حرب عن الرجل
107

من آل جعدة بن هبيرة عن جدته أم هانئ قالت دخلت أنا وفاطمة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح
مكة فجلست عن يمينه فدعا بشراب فشرب ثم ناولني فشربت وأنا صائمة فقلت يا رسول الله أراني
إلا قد أثمت أو أتيت حنثا عرضت على وأنا صائمة فكرهت أن أرد عليك
فقال هل كنت تقضين يوما من رمضان فقالت لا قال فلا بأس
حدثنا فهد قال ثنا الحسن بن الربيع ح
وحدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قالا ثنا أبو الأحوص عن سماك عن ابن أم هانئ
عن أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه غير أنه قال فلا يضرك
فقد خالف ما روى قيس وأبو عوانة وأبو الأحوص ما روى حماد بن سلمة لان حمادا قال في حديثه
إن كان قضاء من شهر رمضان فصومي يوما مكانه وإن كان تطوعا فان شئت فاقضيه وإن شئت
فلا تقضيه
فكان ذلك على أنه لا يجب القضاء عليها إذا كان تطوعا
وقال الآخرون في حديثهم أتقضين شيئا من رمضان قالت لا قال فلا يضرك أي أنك لست
بآثمة في إفطارك من هذا التطوع
وليس في ذلك ما ينفى أن يكون عليها قضاء يوم مكانه فقد اضطرب حديث سماك هذا
ثم نظرنا هل روى عن غيره مما فيه دلالة على شئ من ذلك
فإذا ربيع الجيزي قد حدثنا قال ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال ثنا عبد الله بن عمر العمرى عن ابن
شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت أصبحت أنا وحفصة رضي الله عنها صائمتين متطوعتين
فأهدى لنا طعام فأفطرنا عليه فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه فقال اقضيا يوما مكانه
ففي هذا دليل على أن حكم الافطار في الصوم التطوع أنه موجب للقضاء
فكان مما يحتج به أهل المقالة الأولى في فساد هذا الحديث أن أصله ليس عن عروة عن عائشة وإنما
أصله موقوف على من دون عروة
وذلك أن يونس حدثنا قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن ابن شهاب أن عائشة وحفصة
رضي الله عنهما أصبحتا صائمتين ثم ذكر مثله
قالوا فهذا هو أصل الحديث قالوا وقد سئل الزهري عن ذلك هل سمعه من عروة فقال لا
وذكروا ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا نعيم قال سمعت بن عيينة يقول سئل الزهري عن حديث
عائشة رضي الله عنها أصبحت أنا وحفصة رضي الله عنها صائمتين فقيل له أحدثك عروة فقال لا
108

حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا ابن جريج قال قلت لابن شهاب أحدثك عروة
بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أفطر من تطوعه فليقضه
فقال لم أسمع من عروة في ذلك شيئا ولكن حدثت في خلافة سليمان بن عبد الملك
حدثنا أبو بكرة قال ثنا روح فذكر بإسناده مثله وزاد ولكن حدثني في خلافة سليمان بن عبد الملك
أناس عن بعض من كان يسأل عائشة رضي الله عنها أنها قالت أصبحت أنا وحفصة رضي الله عنها صائمتين ثم
ذكر الحديث يعنى نحو حديث ربيع الجيزي
فقد فسد هذا الحديث بما قد دخل في إسناده مما ذكرنا
وقد روى في ذلك عن عائشة رضي الله عنها أيضا من غير هذا الوجه ما حدثنا أحمد بن عبد الرحمن
قال ثنا عمى عبد الله بن وهب قال أخبرني جرير بن حازم عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة
رضي الله عنها فذكر مثل حديث ربيع الجيزي غير أنه قال فبدرتني حفصة رضي الله عنها بالكلام وكانت
ابنة أبيها
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا أحمد بن عيسى المصري قال ثنا ابن وهب فذكر بإسناده مثله
فكان مما احتج به أهل المقالة الأولى في إفساد هذا الحديث أيضا أن حماد بن زيد قد رواه عن يحيى بن سعيد
موقوفا ليس فيه عمرة
حدثنا بذلك بن أبي عمران قال ثنا أبو بكرة الرمادي قال ثنا علي بن المديني قال ثنا حماد بن زيد
عن يحيى بن سعيد بذلك يعنى ولم يذكر عمرة
فهذا هو أصل الحديث
وقد روى عن عائشة رضي الله عنها أيضا في هذا من غير هذا الوجه ما حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني
قال ثنا محمد بن إدريس الشافعي قال ثنا سفيان عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن عمته عائشة بن طلحة
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله انا قد خبأنا لك
حيسا فقال أما إني كنت أريد الصوم ولكن قربيه سأصوم يوما مكان ذلك
قال محمد هو بن إدريس سمعت سفيان عامة مجالستي إياه لا يذكر فيه سأصوم يوما مكان ذلك
ثم إني عرضت عليه الحديث قبل أن يموت بسنة فأجاز فيه سأصوم يوما مكان ذلك
109

ففي هذا الحديث ذكر وجوب القضاء وفي حديث عائشة رضي الله عنها ما قد وافق ذلك وليس في حديث
أم هانئ ما يخالف ما قد ذكرنا
فأقل أحوال حديث عروة وعمرة عن عائشة رضي الله عنها أن يكون موقوفا على من هو دونهما وقد وافقه
حديث متصل وهو حديث عائشة بنت طلحة
فالقول بذلك من جهة الحديث أولى من القول بخلافه
وأما النظر في ذلك فانا قد رأينا أشياء تجب على العباد بإيجابهم إياها على أنفسهم منها الصلاة والصدقة
والصيام والحج والعمرة
فكان من أوجب شيئا من ذلك على نفسه فقال لله على كذا وكذا وجب عليه الوفاء بذلك
ورأينا أشياء يدخل فيها العباد فيوجبونها على أنفسهم بدخولهم فيها منها الصلاة والصيام والحج وما ذكرنا
فكان من دخل في حجة أو عمرة ثم أراد إبطالها والخروج منها لم يكن له ذلك وكان بدخوله فيها
في حكم من قال لله على حجة فعليه الوفاء بها
فان قال قائل إنما منعناه من الخروج منهما لأنه لا يمكنه الخروج منها إلا بتمامها وليست الصلاة والصيام
كذلك لأنهما قد يبطلان ويخرج منهما بالكلام والطعام والشراب والجماع
قيل له إن الحجة والعمرة وإن كانا كما ذكرت فانا قد رأيناك تزعم أن من جامع فيهما فعليه قضاؤهما
والقضاء يدخل فيه بعد خروجه منهما
فقد جعلت عليه الدخول في قضائهما إن شاء أو أبى من أجل افساده لهما
فهذا الذي يقضيه بدل منه مما كان وجب عليه بدخوله فيه لا بإيجاب كان منه قبل ذلك
فلو كانت العلة في لزوم الحجة والعمرة إياه حين أحرم بها وبطلان الخروج منهما هي ما ذكرت من عدم
رفضهما ولولا ذلك كان له الخروج منهما كما كان له الخروج من الصلاة والصيام بما ذكرنا من الأشياء التي
تخرج منهما إذا لما وجب عليه قضاؤهما لأنه غير قادر على أن لا يدخل فيه
فلما كان ذلك غير مبطل عنه وجوب القضاء وكان في ذلك كمن عليه قضاء حجة قد أوجبها لله عز وجل
على نفسه بلسانه كان كذلك أيضا في النظر من دخل في صلاة أو صيام فأوجب ذلك لله عز وجل على نفسه
بدخوله فيه ثم خرج منه فعليه قضاؤه
ويقال له أيضا وقد رأينا العمرة مما قد يجوز رفضها بعد الدخول فيها في قولنا وقولك وبذلك جاءت السنة
عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لعائشة رضي الله عنها دعى عنك العمرة وأهلي بالحج وسنذكر ذلك بإسناده
في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى
فلم يكن للداخل في العمرة إذا كان قادرا على رفضها والخروج منها أن يخرج منها فيبطلها ثم لا يجب
عليه قضاؤها
110

وكان من دخل فيها بغير إيجاب منه لها قبل ذلك ليس له الخروج منها قبل تمامها إلا من عذر فان خرج
منها فأبطلها بعذر أو بغير عذر فعليه قضاؤها
فالصلاة والصوم أيضا في النظر كذلك ليس لمن دخل فيهما الخروج منهما وابطالهما إلا من عذر وإن خرج
منهما قبل إتمامه إياهما بعذر أو بغير عذر فعليه قضاؤهما
فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله
وقد روى مثل ذلك أيضا عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا شعبة عن أيوب عن سعيد بن أبي الحسن عن ابن
عباس رضي الله عنهما أنه أخبر أصحابه أنه صائم ثم خرج عليهم ورأسه يقطر فقالوا أو لم تك صائما
قال بلى ولكني مرت بي جارية لي فأعجبتني فأصبتها وكانت حسنة هممت بها وأنا قاضيها يوما آخر
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال ثنا حماد بن زيد قال حدثني زياد
بن الجصاص عن أنس بن سيرين قال صمت يوم عرفة فجهدني الصوم فأفطرت فسألت عن ذلك عبد الله
بن عمر فقال يوما آخر مكانه
باب الصوم يوم الشك
حدثنا فهد قال ثنا أبو سعيد الأشج قال ثنا أبو خالد سليمان بن حيان الأزدي الأحمر عن عمرو
بن قيس عن أبي إسحاق عن صلة قال كنا عند عمار فأتى بشاة مصلية فقال للقوم كلوا فتنحى
رجل من القوم وقال إني صائم
قال عمار من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم
قال أبو جعفر فكره قوم صوم اليوم الذي يشك فيه واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بصومه تطوعا بأسا
قالوا وإنما الصوم المكروه في هذا الحديث هو الصوم على أنه من رمضان فأما تطوعا فلا بأس به
واحتجوا في ذلك بما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع من قوله لا تتقدموا رمضان
بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم فليصمه
111

كتاب مناسك الحج
باب المرأة لا تجد محرما هل يجب عليها فرض الحج أم لا
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو سمع أبا معبد مولى بن عباس رضي الله
عنهما يقول قال بن عباس رضي الله عنهما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال لا تسافر امرأة إلا ومعها
ذو محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها ذو محرم
فقام رجل فقال يا رسول الله انى قد اكتتبت في غزوة كذا وكذا وقد أردت أن أحج بامرأتي
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحجج مع امرأتك
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا ابن وهب قال ثنا ابن جريج عن عمرو فذكر بإسناده مثله
حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة قال ثنا أبو عاصم قال أنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار عن أبي
معبد عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا حامد بن يحيى قال ثنا سفيان بن عيينة قال ثنا ابن عجلان عن سعيد
بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر المرأة إلا
ومعها ذو محرم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن المرأة لا تسافر سفرا قريبا أو بعيدا إلا مع ذي محرم واحتجوا في ذلك
بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا كل سفر هو دون البريد فلها أن تسافر بلا محرم وكل سفر يكون بريدا
فصاعدا فليس لها أن تسافر إلا بمحرم
واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عمر هو الضرير عن حماد بن سلمة قال أنا سهيل
بن أبي صالح عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافر
امرأة بريدا إلا مع زوج أو ذي رحم محرم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا معلى بن أسد قال ثنا عبد العزيز بن المختار عن سهيل فذكر بإسناده مثله
قالوا ففي توقيت النبي صلى الله عليه وسلم البريد ما يدل على أن ما دونه بخلافه
112

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إذا كان سفر هو دون اليوم فلها أن تسافر بلا محرم وكل سفر يكون
يوما فصاعدا فليس لها أن تسافر إلا بمحرم
واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو أمية قال ثنا أبو نعيم قال ثنا شيبان بن عبد الرحمن عن يحيى
بن أبي كثير عن أبي سعيد عن أبيه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة
تسافر يوما فما فوقه إلا ومعها ذو حرمة
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه لم يقل فما فوقه
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن سعيد المقبري فذكر بإسناده مثله
حدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أنا ابن أبي ذئب ح
وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قالوا ففي توقيت النبي صلى الله عليه وسلم يوما دليل على أن ما هو أقل منه بخلافه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا كل سفر هو دون الليلتين فلها أن تسافره بغير محرم وكل سفر يكون ليلتين
فصاعدا فليس لها أن تسافره بغير محرم
واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بكرة قال ثنا سعيد بن عامر قال ثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير
عن قزعة مولى زياد عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين
إلا مع زوج أو ذي محرم
حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك فذكر بإسناده مثله
قالوا ففي توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ليلتين دليل على أن حكم ما هو دونهما بخلاف حكمهما
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا كل سفر يكون ثلاثة أيام فصاعدا فليس لها أن تسافر إلا مع محرم
وكل سفر يكون دون ذلك فلها أن تسافر بغير محرم
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن
عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع محرم
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا مكي بن إبراهيم قال ثنا ابن جريج قال ثنا عبد الكريم بن مالك
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
113

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا روح بن القاسم عن سهيل
بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة إن تسافر
مسيرة ثلاثة أيام إلا مع رجل يحرم عليها نكاحه
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا يحيى بن عيسى وعبد الله بن نمير عن الأعمش عن أبي صالح
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسافر المرأة سفرا ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها زوجها
أو ابنها أو أخوها أو ذي رحم محرم منها
غير أن بن نمير قال في حديثه فوق ثلاث
حدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص قال ثنا أبي عن الأعمش فذكر بإسناده مثله وقال سفر
ثلاثة أيام
حدثنا فهد قال ثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة قال ثنا وهب بن خالد قال ثنا سهيل عن أبيه
وعن المقبر حدثاه عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه قال لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إلا مع بعل
أو ذي رحم محرم
قالوا ففي توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاث في ذلك دليل على أن حكم ما دون الثلاث بخلاف ذلك
وممن قال بهذا القول أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
فقد اتفقت هذه الآثار كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم السفر ثلاثة أيام على المرأة بغير ذي محرم واختلفت
فيما دون الثلاث
فنظرنا في ذلك فوجدنا النهى عن السفر بلا محرم مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا ثابتا بهذه الآثار كلها
وكان توقيته ثلاثة أيام في ذلك إباحة السفر دون الثلاث لها بغير محرم ولولا ذلك لما كان لذكره
الثلاث معنى
ونهى نهيا مطلقا ولم يتكلم بكلام يكون فضلا ولكنه ذكر الثلاث ليعلم أن ما دونها بخلافها
وهكذا الحكيم يتكلم بما يدل على غيره ليغنيه عن ذكر ما يدل كلامه ذلك عليه ولا يتكلم بالكلام
الذي لا يدل غيره وهو يقدر أن يتكلم بكلام يدل على غيره
وهذا تفضل من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم بذلك إذ آتاه جوامع الكلم الذي ليس في طبع غيره
القوة عليه
ثم رجعنا إلى ما كنا فيه فلما ذكر الثلاث وثبت بذكره إياها إباحة ما هو دونها
ثم ما روى عنه في منعها من السفر دون الثلاث من اليوم واليومين والبريد فكل واحد من تلك الآثار
114

ومن الأثر المروي في الثلاث متى كان بعد الذي خالفه نسخه إن كان النهى عن سفر اليوم بلا محرم بعد النهى
عن سفر الثلاث بلا محرم فهو ناسخ له وإن كان خبر الثلاث هو المتأخر عنه فهو ناسخ له
فقد ثبت أن أحد المعاني التي دون الثلاث ناسخة للثلاث أو الثلاث ناسخة لها فلم يخل خبر الثلاث
من أحد وجهين
اما أن يكون هو المتقدم أو يكون هو المتأخر
فإن كان هو المتقدم فقد أباح السفر أقل من ثلاث بلا محرم ثم جاء بعده النهى عن سفر ما هو دون الثلاث
بغير محرم فحرم ما حرم الحديث الأول وزاد عليه حرمة أخرى وهو ما بينه وبين الثلاث فوجب استعمال
الثلاث على ما أوجبه الأثر المذكور فيه
وإن كان هو المتأخر وغيره المتقدم فهو ناسخ لما تقدمه والذي تقدمه غير واجب العمل به
فحديث الثلاث واجب استعماله على الأحوال كلها وما خالفه فقد يجب استعماله إن كان هو المتأخر ولا يجب
إن كان هو المتقدم
فالذي قد وجب علينا استعماله والاخذ به في كلا الوجهين أولى مما قد يجب استعماله في حال وتركه في حال
وفي ثبوت ما ذكرنا دليل على أن المرأة ليس لها أن تحج إذا كان بينها وبين الحج مسيرة ثلاثة أيام
إلا مع محرم
فإذا عدمت المحرم وكان بينها وبين مكة المسافة التي ذكرنا فهي غير واجدة للسبيل الذي يجب عليها
الحج بوجوده
وقد قال قوم لا بأس بأن تسافر المرأة بغير محرم واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب
قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعتها تقول في المرأة تحج
وليس معها ذو محرم فقالت ما لكلهن ذو محرم
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا ابن وهب عن الليث أن بن شهاب حدثه عن عمرة أن عائشة رضي الله عنها
أخبرت أن أبا سعيد الخدري يفتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يصلح للمرأة أن تسافر إلا ومعها محرم
فقالت ما لكلهن ذو محرم
فان الحجة عليهم في ذلك ما قد تواترت به الآثار التي قد ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي حجة
على كل من خالفها
فان قال قائل إن الحج لم يدخل في السفر الذي نهى عنه في تلك الآثار
فالحجة على ذلك القائل حديث بن عباس الذي بدأنا بذكره في هذا الباب إذ يقول خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال لا تسافر امرأة إلا مع محرم
115

فقال له رجل إني أردت أن أحج بامرأتي وقد اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال احجج بامرأتك
فدل ذلك على أنها لا ينبغي لها أن تحج إلا به ولولا ذلك لقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وما حاجتها إليك
لأنها
تخرج مع المسلمين وأنت فامض لوجهك فيما اكتتبت
ففي ترك النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمره بذلك وأمره أن يحج معها دليل على أنها لا يصلح لها الحج إلا به
فان قال قائل قد رويتم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم
وقد روى عنه من قوله بعد النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك
فذكر ما حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الله بن صالح قال ثنا بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث
عن بكير أن نافعا حدثه أنه كان يسافر مع بن عمر رضي الله عنهما مواليات له ليس معهن ذو محرم
قيل له ما هذا بخلاف لما رويناه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنا لم نرو عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نهيا أن تسافر
المرأة سفرا أي سفرا كان إلا بمحرم
ولكنا روينا عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تسافر المرأة سفرا ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم فكان ذلك
ناهيا لها عن السفر الذي مقدار مسافته الثلاث إلا بمحرم ومبيحا لما هو أقل منه مسافة بغير محرم
فقد يجوز أن يكون السفر الذي كان يسافره معه هؤلاء المواليات بغير محرم هو السفر الذي لم يدخل
فيما نهى عنه ما رويناه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
واحتج آخرون في إباحة السفر للمرأة بغير محرم بما روى عن عائشة رضي الله عنه أنها كانت تسافر بغير محرم
فحدثني بعض أصحابنا عن محمد بن مقاتل الرازي لا أعلمه عن حكام الرازي قال سألت أبا حنيفة رحمه الله
هل تسافر المرأة بغير محرم فقال لا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا
إلا ومعها زوجها أو أبوها أو ذو رحم منها
قال حكام فسألت العرزمي فقال لا بأس بذلك
حدثني عطاء أن عائشة رضي الله عنها كانت تسافر بلا محرم
قال فأتيت أبا حنيفة رحمه الله فأخبرته بذلك
فقال أبو حنيفة رحمه الله لم يدر العرزمي ما روى كان الناس لعائشة محرما فمع أيهم سافرت فقد
سافرت مع محرم وليس الناس لغيرها من النساء كذلك
وكل الذي أثبتنا في هذا الباب من منع المرأة من السفر مسيرة ثلاثة أيام إلا مع محرم ومن إباحة ما دون ذلك لها
من السفر بغير محرم ومن أن المرأة لا يجب عليها فرض الحج إلا بوجودها المحرم مع وجود سائر السبيل الذي
يجب بوجودها فرض الحج قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
116

باب المواقيت
التي ينبغي لمن أراد الاحرام أن لا يتجاوزها
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله
عنهم قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن
ولأهل اليمن يلملم ولم أسمعه منه
قيل له فالعراق قال لم يكن يومئذ عراق
حدثنا فهد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا جرير بن عبد الحميد عن صدقة بن يسار قال سمعت بن عمر
فذكر مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم على أن أهل العراق لا وقت لهم في الاحرام كوقت سائر البلدان
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وقالوا كذلك سائر الأحاديث الاخر المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر
مواقيت الاحرام ليس في شئ منها للعراق ذكر
ثم ذكروا في ذلك ما حدثنا يونس وربيع المؤذن قالا ثنا يحيى بن حسان قال ثنا وهيب بن خالد
قال ثنا حماد بن زيد عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن ولأهل اليمن يلملم ثم قال
فهي لهن ولكل من أتى عليهن من غيرهن فمن كان أهله دون الميقات فمن حيث يشاء حتى يأتي ذلك
على أهل مكة
117

حدثنا علي بن معبد قال ثنا كثير بن هشام قال ثنا جعفر بن برقان قال سألت عمرو بن دينار عن
امرأة حاجة مرت بالمدينة فأتت ذا الحليفة وهي حائض
فقال لها يجزيها لو تقدمت إلى الجحفة فأحرمت منها
فقال عمرو نعم حدثنا طاوس ولا تحسبن فينا أحدا أصدق لهجة من طاوس
قال قال بن عباس رضي الله عنهما وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله إلا أنه لم يذكر من قوله فمن كان
أهله إلى آخر الحديث
قالوا فكذلك أهل العراق ما أتوا عليه من هذه المواقيت فهو وقت لهم وما سواها فليس بوقت لهم
وذكروا في ذلك أيضا ما حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن ابن عمر رضي الله
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من ذي الجحفة وأهل نجد
من قرن
قال عبد الله وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يهل أهل اليمن من يلملم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة ح
وحدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان قال ثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن نافع
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال سفيان عن عبد الله بن دينار قال سمعت بن عمر رضي الله عنهما يقول وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن ولأهل اليمن يلملم
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل ميقات أهل العراق ذات عرق وقت ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
كما وقت سائر المواقيت لأهلها
وذكروا في ذلك ما حدثنا محمد بن علي بن داود قال ثنا خالد بن يزيد القطربلي وهشام بن بهرام المدائني
قالا ثنا المعافى بن عمران عن أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل
المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام ومصر الجحفة ولأهل العراق ذات عرق ولأهل اليمن يلملم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عثمان بن الهيثم قال أنا ابن جريج قال وأخبرني أبو الزبير عن جابر
رضي الله عنه أنه سمعه يسأل عن المهل فقال سمعت ثم انتهى أراه يريد النبي صلى الله عليه وسلم يهل أهل المدينة من
118

ذي الحليفة والطريق الآخر من الجحفة ويهل أهل العراق من ذات عرق ويهل أهل نجد من قرن
ويهل أهل اليمن من يلملم
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا حفص هو بن غياث عن الحجاج عن عطاء عن جابر
رضي الله عنه قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم
ولأهل العراق ذات عرق
حدثنا يحيى بن عثمان وعلي بن عبد الرحمن قالا ثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرني إبراهيم بن سويد
قال حدثني هلال بن زيد قال أخبرني أنس بن مالك أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة
ولأهل الشام الجحفة ولأهل البصرة ذات عرق ولأهل المدائن العقيق موضع قرب ذات عرق
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآثار من وقت أهل العراق كما ثبت من وقت من سواهم بالآثار التي قبلها
وهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من توقيته ما قد ذكرناه عنه في الفصل الذي
قبل هذا
ثم قد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من بعد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب
بن حميد قال ثنا وكيع قال ثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي
صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل الطائف قرن
قال بن عمر رضي الله عنهما وقال الناس لأهل المشرق ذات عرق
فهذا بن عمر يخبر أن الناس قد قالوا ذلك ولا يريد بن عمر من الناس إلا أهل الحجة والعلم بالسنة
ومحال أن يكونوا قالوا ذلك بآرائهم لان هذا ليس مما يقال من جهة الرأي ولكنهم قالوا بما أوقفهم عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال قائل وكيف يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق يومئذ ما وقت والعراق إنما كانت بعده
قيل له كما وقت لأهل الشام ما وقت والشام إنما فتحت بعده
فإن كان يريد بما وقت لأهل الشام من كان في الناحية التي افتتحت حينئذ من قبل الشام فكذلك يريد
بما وقت لأهل العراق من كان في الناحية التي افتتحت حينئذ من قبل العراق مثل جبل طي ونواحيها
119

وإن كان ما وقت لأهل الشام إنما هو لما علم بالوحي أن الشام ستكون دار إسلام فكذلك ما وقت لأهل
العراق إنما هو لما علم بالوحي أن العراق ستكون دار إسلام فإنه قد كان صلى الله عليه وسلم ذكر ما سيفعله أهل العراق في زكواتهم
مع ذكره ما سيفعله أهل الشام في زكواتهم
حدثنا علي بن عبد العزيز البغدادي قال ثنا أحمد بن يونس ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوحاظي ح
وحدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قالوا ثنا زهير بن معاوية عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم منعت العراق قفيزها ودرهمها ومنعت الشام مديها ودينارها
ومنعت مصر أردبها ودينارها وعدتم كما بدأتم وعدتم كما بدأتم وعدتم كما بدأتم ثم يشهد على ذلك لحم
أبي هريرة ودمه يزيد بعضهم على بعض في قصة الحديث
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكر ما سيفعله أهل العراق من منع الزكاة قبل أن يكون عراق وذكر مثل ذلك
في أهل الشام وأهل مصر قبل أن يكون الشام ومصر لما أعلمه الله تعالى من كونهما من بعده
فكذلك ما ذكره من التوقيت لأهل العراق مع ذكره التوقيت لغيرهم المذكورين هو لما أخبره الله تعالى
أنه سيكون من بعده
وهذا الذي ذكرناه من تثبيت هذه المواقيت التي وصفناها لأهل العراق ولمن ذكرنا معهم قول أبي حنيفة
وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب الاهلال من أين ينبغي أن يكون
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس رضي الله
عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بذي الحليفة ثم أتى براحلته فركبها فلما استوت به على البيداء أهل
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا حاتم بن إسماعيل قال ثنا جعفر بن محمد عن أبيه
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ركب ناقته القصواء فلما استوت به على
البيداء أهل
120

حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم قال ثنا أبو عمر وهو الأوزاعي عن عطاء
هو بن أبي رباح أنه سمعه يحدث عن جابر رضي الله عنه يعنى سمعه يخبر عن إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من
ذي الحليفة حين استوت به راحلته
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فاستحبوا الاحرام من البيداء لاحرام النبي صلى الله عليه وسلم منها
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحرم منها لا لأنه قصد أن يكون إحرامه
منها خاصة لفضل في الاحرام منها على الاحرام مما سواها
وقد رأيناه فعل أشياء في حجته في مواضع لا لفضل قصده في تلك المواضع مما يفضل به غيرها من سائر
المواضع من ذلك نزوله بالمحصب من منى فلم يكن ذلك لأنه سنة ولكنه لمعنى آخر قد اختلف الناس
فيه ما هو
فروى عن عائشة رضي الله عنها في ذلك ما حدثنا يونس قال أنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت له إنما كان منزلا نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح للخروج
ولم يكن عروة يحسب ولا أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما
وروى عن أبي رافع أنه قال إنما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب له الخيمة ولم يأمرني بمكان بعينه
فضربتها بالمحصب
حدثنا بذلك بن أبي عمران قال ثنا إسحاق بن إسماعيل قال ثنا سفيان عن صالح بكيسان عن
سليمان بن يسار عن أبي رافع
وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا ابن
أبي ذئب عن شعبة يعنى مولى بن عباس أن بن عباس قال إنما كانت المحصب لان العرب كانت
تخاف بعضها بعضا فيرتادون فيخرجون جميعا فجرى الناس عليها
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة
عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله غير أنه قال قد كانت تميم وربيعة يخاف بعضها بعضا
121

حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال ليس المحصب بشئ إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حصب ولم يكن ذلك التحصيب لأنه سنة فكذلك يجوز أن يكون
أحرم حين صار على البيداء لا لان ذلك سنة
وقد أنكر قوم أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من البيداء وقالوا ما أحرم إلا من عند المسجد ورووا
ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا عبد الله بن مسلمة قال قرأت على مالك عن موسى بن عقبة عن سالم
عن أبيه أنه قال بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند
المسجد يعنى مسجد ذي الحليفة
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن موسى فذكر بإسناده مثله
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب قال ثنا وهيب بن خالد عن موسى فذكر بإسناده مثله
قالوا وإنما كان ذلك بعد ما ركب راحلته
وذكروا في ذلك ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا مكي بن إبراهيم قال ثنا ابن جريج قال أخبرني
صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل حين استوت به راحلته قائمة
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أسد قال ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن نافع عن ابن عمر رضي الله
عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يهل إذا استوت به راحلته قائمة قال وكان بن عمر رضي الله عنهما يفعله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا مكي بن إبراهيم قال ثنا ابن جريج قال أنا محمد بن المنكدر عن أنس
بن مالك قال بات رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة حتى أصبح فلما ركب راحلته واستوت به أهل
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا حجاج بن إبراهيم الأزرق قال ثنا عيسى بن يونس عن ابن جريج
قال ثنا ابن شهاب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قالوا وينبغي أن يكون ذلك بعد ما تنبعث به ناقته وذكروا في ذلك ما حدثنا يونس قال أنا ابن وهب
أن مالكا حدثه عن سعيد المقبري عن عبيد بن جريج عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم
يهل حتى تنبعث به راحلته
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا علي بن مسهر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر
رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع رجله في الغرر وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة
فلما اختلفوا في ذلك أردنا أن ننظر من أين جاء اختلافهم
122

فإذا إسماعيل بن إسحاق بن سهل الكوفي قد حدثنا إملاء قال ثنا أبو نعيم قال ثنا عبد السلام
بن حرب عن خصيف عن سعيد بن جبير قال قيل لابن عباس كيف اختلف الناس
في إهلال النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت طائفة أهل في مصلاه وقالت طائفة حين استوت به راحلته وقالت طائفة حين علا على البيداء
فقال سأخبركم عن ذلك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل في مصلاه فشهده قوم فأخبروا بذلك
فلما استوت به راحلته أهل فشهده قوم لم يشهدوه في المرة الأولى فقالوا أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة
فأخبروا بذلك
فلما علا على البيداء أهل فشهده قوم لم يشهدوه في المرتين الأوليين فقالوا أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة
فأخبروا بذلك
وإنما كان إهلال النبي صلى الله عليه وسلم في مصلاه
فبين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الوجه الذي منه جاء اختلافهم وأن إهلال النبي صلى الله عليه وسلم الذي ابتدأ
الحج ودخل به فيه كان في مصلاه فبهذا نأخذ
وينبغي للرجل إذا أراد الاحرام أن يصلى ركعتين ثم يحرم في دبرهما كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد روى عن الحسن بن محمد في ذلك شئ مما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عثمان بن الهيثم قال ثنا ابن جريج قال أخبرني حبيب بن أبي ثابت أنه سمع
الحسن بن محمد بن علي يقول كل ذلك قد فعل النبي صلى الله عليه وسلم قد أهل حين استوت به راحلته وقد أهل حين
جاء البيداء
123

باب التلبية كيف هي
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا حماد بن زيد عن أبان بن تغلب عن أبي إسحاق عن
عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لبيك
لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك
حدثنا فهد قال ثنا الحسن بن الربيع قال ثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن عمارة عن أبي عطية
قال قالت عائشة رضي الله عنها اني لأحفظ كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبى فذكرت ذلك أيضا
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن تلبية
رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت كذلك وزاد والملك لا شريك لك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن منهال قال ثنا حماد بن سلمة قال أنا أيوب وعبيد الله عن
نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حاتم بن إسماعيل المديني قال ثنا جعفر بن محمد عن أبيه
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى في حجته كذلك أيضا
حدثنا أبو أمية قال ثنا محمد بن زياد عن زياد قال ثنا شرقي بن قطامي قال أنا أبو طلق العائذي
قال سمعت شرحبيل بن القعقاع يقول سمعت عمرو بن معد يكرب يقول لقد رأيتنا منذ قريب ونحن
إذا حججنا نقول
لبيك تعظيما إليك عذرا هذى زبيد قد أتتك قسرا
تغدوا بهم مضمرات شزرا يقطعن حينا وحيالا وعرا
قد خلفوا الأنداد خلوا صفرا
124

ونحن اليوم نقول كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال قلت وكيف علمكم فذكر التلبية على مثل ما في الحديث الذي قبل هذا
فأجمع المسلمون جميعا على أنه هكذا يلبى بالحج
غير أن قوما قالوا لا بأس للرجل أن يزيد فيها من الذكر لله ما أحب وهو قول محمد والثوري والأوزاعي
واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قالا ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة قال بن وهب
أن عبد الله بن الفضل حدثه
وقال أبو عامر عن عبد الله بن الفضل عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان
يقول كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك إله الحق لبيك
وذكروا في ذلك أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما ما حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا أخبره ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا أيوب وعبيد الله قالوا جميعا عن نافع
قال كان بن عمر رضي الله عنهما يزيد في التلبية على التلبية التي قد ذكرناها عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك
لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك لبيك والرغباء إليك والعمل
قالوا فلا بأس أن يزاد في التلبية مثل هذا وشبهه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا ينبغي أن يزاد في التلبية على ما قد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس
على ما ذكرنا في حديث عمرو بن معديكرب ثم فعله هو في الحديث الآخر ولم يعلم ذلك من علمه وهو ناقص
عن التلبية ولا قال له لب بما شئت مما هو من جنس هذا بل علمه كما علم التكبير في الصلاة ومما ينبغي
أن يفعل فيها مما سوى التكبير
فكما لا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئا مما علمه فكذلك لا ينبغي أن يتعدى في التلبية شيئا مما علمه
وقد روى نحو من هذا عن سعد
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أصبغ بن الفرج قال ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عجلان
عن عبد الله بن أبي سلمة عن عامر بن سعد عن أبيه أنه سمع رجلا يلبى يقول لبيك ذا المعارج لبيك
قال سعد ما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهذا سعد قد كره الزيادة على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم من التلبية فبهذا نأخذ
125

باب التطييب عند الاحرام
حدثنا أبو بكرة بكار بن قتيبة قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت قيس بن سعد
يحدث عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وعليه جبة صوف
وهو مصفر لحيته ورأسه فقال يا رسول الله انى قد أحرمت وأنا كما ترى
فقال أنزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة وما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك
فذهب قوم إلى هذا الحديث فكرهوا به التطيب عند الاحرام وقالوا بما روى عن عمر بن الخطاب
وعثمان بن عفان رضي الله عنهما
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا وهب بن خالد عن أيوب عن نافع
عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وجد ريح طيب وهو بذي الحليفة فقال ممن هذه الريح الطيبة
فقال معاوية منى فقال عمر منك لعمري منك لعمري
فقال معاوية لا تعجل على يا أمير المؤمنين إن أم حبيبة رضي الله عنها طيبتني وأقسمت على
فقال له عمر رضي الله عنه وأنا أقسمت عليك لترجعن إليها فتغسله عندها
فرجع إليها فغسله فلحق الناس بالطريق
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أيوب فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن أسلم عن عمر رضي الله عنهما مثله
* (حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن نافع عن أسلم عن عمر رضي الله عنه مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه قال كنت مع عثمان
رضي الله عنه بذي الحليفة فرأى رجلا يريد أن يحرم وقد دهن رأسه فأمر به فغسل رأسه بالطين
وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بالتطيب عند الاحرام بأسا
فقالوا أما حديث يعلى فلا حجة فيه لمن خالفنا وذلك أن الطيب الذي كان على ذلك الرجل إنما كان
صفرة وهو خلوق فذلك مكروه للرجل لا للاحرام ولكنه لأنه مكروه في نفسه في حال الاحلال وفي حال
الاحرام وإنما أبيح من الطيب عند الاحرام ما هو حلال فحال الاحلال
وقد روى عن يعلى ما بين أن ذلك الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل بغسله كان خلوقا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا محمد بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا سعيد بن أبي عروبة
126

عن مطر الوراق عن عطاء عن يعلى بن منية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآى رجلا لبى بعمرة وعليه جبة وشئ
من خلوق فأمره أن ينزع الجبة ويمسح خلوقه ويصنع في عمرته ما يصنع في حجته
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال حدثني الليث أن عطاء بن رباح حدثه عن يعلى بن منية
عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حبان بن هلال قال ثنا همام قال ثنا عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية
عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه غير أنه قال واغسل عنك أثر الخلوق أو الصفرة
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أنا عبد الملك ومنصور
وابن أبي ليلى عن عطاء عن يعلى بن أمية أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أحرمت
وعلى جبتي هذه وعلى جبته ردوع من خلوق والناس يسخرون منى
فأطرق عنه ساعة ثم قال اخلع عنك هذه الجبة واغسل عنك هذا الزعفران واصنع في عمرتك
ما كنت صانعا في حجتك
فبينت لنا هذه الآثار أن ذلك الطيب الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسله كان خلوقا وذلك منهي عنه في حال
الاحلال وحال الاحرام
فيجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بأمره إياه بغسله لما كان من نهيه أن يتزعفر الرجل لا لأنه طيب تطيب
به قبل الاحرام ثم حرمه عليه الاحرام
فأما ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في نهيه الرجال عن التزعفر فان بن أبي داود حدثنا قال ثنا أبو معمر
قال ثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مسدد قال ثنا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر للرجال
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب عن إسماعيل بن علية قال أراه عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس
قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل أن يتزعفر
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بمنصور قال ثنا هشيم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس
بن مالك رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر
127

حدثنا ابن أبي عمران وابن أبي داود قالا ثنا علي بن الجعد قال أنا شعبة قال حدثني إسماعيل بن
إبراهيم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزعفر
قال على فيما ذكر بن أبي عمران خاصة ثم لقيت إسماعيل فسألته عن ذلك وأخبرته أن شعبة حدثنا به عنه
فقال لي ليس هكذا حدثته إنما حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل
قال بن أبي عمران أراد بذلك أن النهى الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وقع على الرجال خاصة دون النساء
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا خالد بن الحارث عن شعبة عن عطاء بن السائب
قال سمعت أبا حفص بن عمرو يحدث عن يعلى أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو متخلق فقال إنك امرأة فقال لا
فقال اذهب فاغسله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عامر ح
وحدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا شعبة عن عطاء بن السائب عن رجل من ثقيف عن
يعلى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
هكذا قال أبو بكرة في حديثه
وقال علي في حديثه عن عطاء بن السائب قال سمعت أبا حفص بن عمرو وأبا عمرو بن حفص الثقفي
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عياش الرقام قال ثنا عبد الأعلى قال ثنا سعيد عن قتادة أو مطر عن
الحسن عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وطيب الرجال ريح لا لون ألا وطيب النساء
لون لا ريح
حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي قال ثنا صاعد بن عبيد قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا حميد
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد عن سالم العلوي عن أنس بن مالك رضي الله
عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه صفرة فلما قام قال النبي صلى الله عليه وسلم لو أمرتم هذا يدع هذه الصفرة
قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه الرجل بشئ في وجهه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد قال ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن جديه قالا
سمعنا أبا موسى يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل صلاة رجل وفي جسده شئ من خلوق
حدثنا أبو بكرة قال ثنا سعيد بن عامر قال ثنا شعبة عن إسحاق بن سويد عن أم حبيبة رضي الله
عنها عن الرجل الذي كان أتى النبي صلى الله عليه وسلم قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة وأنا متخلق فقال اذهب فاغتسل
128

فذهبت فاغتسلت ثم جئت فقال اذهب فاغتسل فذهبت فأخذت شيئا فجعلت أتتبع به وضره
فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال في هذه الآثار كلها عن التزعفر
فإنما أمر الرجل الذي أمره بغسل طيبه الذي كان عليه في حديث يعلى لأنه لم يكن من طيب الرجال
وليس في ذلك دليل على حكم من أراد الاحرام هل له أن يتطيب بطيب يبقى عليه بعد الاحرام أم لا
وأما ما رووه عن عمر وعثمان رضي الله عنهما في ذلك فإنه قد خالفهما في ذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر قال ثنا عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال انطلقت
حاجا فرافقني عثمان بن أبي العاص
فلما كان عند الاحرام قال اغسلوا رؤسكم بهذا الخطمي الأبيض ولا يمس أحد منكم غيره فوقع
في نفسي من ذلك شئ
فقدمت مكة فسألت بن عمر وابن عباس فأما بن عمر فقال ما أحبه
وأما بن عباس فقال أما أنا فأضمخ به رأسي ثم أحب بقاءه
فهذا بن عباس رضي الله عنهما قد خالف عمر وعثمان وابن عمر وعثمان بن أبي العاص في ذلك
وقد روى في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على إباحته
حدثنا ابن مرزوق يعنى إبراهيم قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن
الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال أنا شعبة فذكر مثله بإسناده
* حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود وأبو عامر العقدي قالا ثنا هشام بن أبي عبد الله عن حماد عن
إبراهيم فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن حماد وعطاء بن السائب عن إبراهيم فذكر
بإسناده مثله
(حدثنا حسين بن نصر قال ثنا الفريابي قال ثنا مالك بن مغول عن عبد الرحمن بن الأسود عن
أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال أنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن
129

بن الأسود عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تطيب النبي صلى الله عليه وسلم بأطيب ما تجد من الطيب
قالت حتى انى لأرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته
حدثنا ابن خزيمة قال ثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي العمر قال أنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري
عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أطيب رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالغالية الجيدة عند إحرامه
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا وهيب عن هشام بن عروة عن أخيه
عثمان بن عروة عن أبيه عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه بأطيب
ما أجد
حدثنا علي بن معبد قال ثنا شجاع بن الوليد قال ثنا عبيد الله بن عمر قال حدثني القاسم عن
عائشة رضي الله عنها قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي لاحرامه قبل أن يحرم
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد أن القاسم حدثه عن عائشة رضي الله عنها
قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم
قال أسامة بن زيد وحدثني أبو بكر بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنه عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بذلك
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله
عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم فذكر بإسناده مثله
* (حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا أفلح هو بن حميد عن القاسم عن عائشة رضي الله
عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله
عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن القاسم عن عائشة رضي الله
عنها قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه ولحله
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا سفيان بن عيينة عن عثمان بن عروة عن أبيه
قال سألت عائشة رضي الله عنها بأي شئ طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت بأطيب الطيب عند إحلاله وقبل أن يحرم
حدثنا نصر قال ثنا الخصيب قال ثنا وهيب عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها
قال طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه وحله
130

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عطاء قال قالت عائشة رضي الله عنها
طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم للحل والاحرام
قال أبو جعفر فقد تواترت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإباحته الطيب عند الاحرام وأنه قد كان يبقى
في مفارقه بعد الاحرام
وقد روى ذلك أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما فيما تقدم مما روينا في هذا الباب
وقد روى في ذلك أيضا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا محمد بن عمرو بن تمام أبو الكروس قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني ميمون
بن يحيى بن مسلم بن الأشج عن مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت أسامة بن زيد يقول سمعت عائشة بنت
سعد تقول كنت أشبع رأس سعد بن أبي وقاص لحرمه بالطيب
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا حبان بن هلال قال ثنا حماد بن زيد قال ثنا زيد بن أسلم
قال حدثتني درة قالت كنت أشبعه بالغالية أغلف رأس عائشة رضي الله عنها بالمسك والعنبر عند
إحرامها
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا حجاج بن محمد ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال أخبرتني حكيمة قال أبو عاصم ابنة
أبى حكيم عن أمها ابنة النجار أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يجعلن عصائب فيهن الورس والزعفران
فيعصبن بها أسافل شعورهن على جباههن قبل أن يحرمن ثم يحرمن كذلك يزيد أحدهما على صاحبه في
قصة الحديث
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عبد الله بن الزبير أنه كان يتطيب بالغالية الجيد عند الاحرام
فهذا قد جاء في ذلك عمن ذكرناه في هذه الآثار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما قد روته عائشة
رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم من تطييبه عند الاحرام وبهذا كان يقول أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله
وأما محمد بن الحسن رحمه الله فإنه كان يذهب في ذلك إلى ما روى عن عمر وعثمان بن عفان وعثمان بن العاص
وابن عمر من كراهته
131

وكان من الحجة له في ذلك أن ما ذكر في حديث عائشة رضي الله عنها من تطييب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند
الاحرام إنما فيه أنها كانت تطيبه إذا أراد أن يحرم
فقد يجوز أن يكون كانت تفعل به هذا ثم يغتسل إذا أراد الاحرام فيذهب بغسله عنه ما كان على بدنه
من طيب ويبقى فيه ريحه
فان قال قائل فقد قالت عائشة رضي الله عنها في حديث كنت أرى وبيص الطيب في مفارقه
بعد ما أحرم
قيل له قد يجوز أن يكون ذلك وقد غسله كما ذكرنا وهكذا الطيب ربما غسله الرجل عن وجهه أو عن
يده فيذهب ويبقى وبيصه
فلما احتمل ما روى عن عائشة رضي الله عنها من ذلك ما ذكرنا نظرنا هل فيما روى عنها شئ
يدل على ذلك
فإذا فهد قد حدثنا قال ثنا أبو غسان قال ثنا أبو عوانة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه
قال سألت بن عمر رضي الله عنهما عن الطيب عند الاحرام فقال ما أحب أن أصبح محرما ينضح
منى ريح الطيب
فأرسل بن عمر رضي الله عنهما بعض بنيه إلى عائشة رضي الله عنها ليسمع أباه ما قالت قال فقالت عائشة
رضي الله عنها أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف في نسائه فأصبح محرما فسكت بن عمر رضي الله عنهما
قال أبو جعفر فدل هذا الحديث على أنه قد كان بين إحرامه وبين تطييبها إياه غسل لأنه لا يطوف
عليهن إلا اغتسل
فكأنها إنما أرادت بهذه الأحاديث الاحتجاج على من كره أن يوجد من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب
كما كره ذلك بن عمر رضي الله عنهما
فأما بقاء نفس الطيب على بدن المحرم بعد ما أحرم وإن كان إنما تطيب به قبل الاحرام فلا نتفهم هذا
الحديث فان معناه معنى لطيف
فقد بينا وجوه هذه الآثار فاحتجنا بعد ذلك أن نعلم كيف وجه ما نحن فيه من الاختلاف من طريق النظر
فاعتبرنا ذلك فرأينا الاحرام يمنع من لبس القميص والسراويلات والخفاف والعمائم ويمنع من الطيب
وقتل الصيد وإمساكه
132

ثم رأينا الرجل إذا لبس قميصا أو سراويلا قبل أن يحرم ثم أحرم وهو عليه أنه يؤمر بنزعه وإن لم ينزعه
وتركه عليه كان كمن لبسه بعد الاحرام لبسا مستقبلا فيجب عليه في ذلك ما يجب عليه فيه لو استأنف
لبسه بعد إحرامه
وكذلك لو صاد صيدا في الحل وهو حلال فأمسكه في يده ثم أحرم وهو في يده أمر بتخليته
وان لم يخله كان إمساكه إياه بعد إحرامه بصيد كان منه بعد إحرامه المتقدم كإمساكه إياه بعد إحرامه
بصيد كان منه بعد إحرامه
فلما كان ما ذكرنا كذلك وكان الطيب محرما على المحرم بعد إحرامه كحرمة هذه الأشياء كان ثبوت
الطيب عليه بعد إحرامه وإن كان قد تطيب به قبل إحرامه كتطييبه به بعد إحرامه قياسا ونظرا على ما بينا
فهذا هو النظر في هذا الباب وبه نأخذ وهو قول محمد بن الحسن رحمه الله
باب ما يلبس المحرم من الثياب
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد وسليمان بن حرب ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قالوا ثنا شعبة عن عمرو بن دينار قال سمعت
جابر بن زيد يقول سمعت بن عباس رضي الله عنهما يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة يقول من لم يجد إزارا لبس
سراويلا ومن لم يجد نعلين لبس خفين
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن
عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ولم يذكر عرفة
(حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن منصور قال أنا هشيم قال أنا عمرو بن دينار فذكر
بإسناده مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد قال ثنا حماد بن زيد وسفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار
عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فذكر مثله
حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد
عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكر مثله غير أنه لم يقل وهو يخطب
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عمرو بدينار عن أبي الشعثاء
قال انا بن عباس رضي الله عنهما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فذكر نحوه
قلت ولم يقل يقطعهما قال لا
133

حدثنا الحسين بن الحكم الجيزي الكوفي قال ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال ثنا زهير بن معاوية
قال ثنا أبو الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد
إزارا فليلبس سراويلا
قال أبو جعفر فذهب إلى هذه الآثار قوم فقالوا من لم يجد إزارا وهو محرم لبس سراويلا ولا شئ
عليه ومن لم يجد نعلين لبس خفين ولا شئ عليه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا أما ما ذكرتموه من لبس المحرم الخف والسراويل على الضرورة فنحن
نقول بذلك ونبيح له لبسه للضرورة التي هي به
ولكنا نوجب عليه مع ذلك الكفارة وليس فيما رويتموه نفى لوجوب الكفارة ولا فيه
ولا في قولنا خلاف لشئ من ذلك
لأنا لم نقل لا يلبس الخفين إذا لم يجد نعلين ولا السراويل إذا لم يجد إزارا
ولو قلنا ذلك كنا مخالفين لهذا الحديث ولكنا قد أبحنا له اللباس كما أباح له النبي صلى الله عليه وسلم ثم أوجبنا عليه
مع ذلك الكفارة بالدلائل القائمة الموجبة لذلك
وقد يحتمل أيضا قوله صلى الله عليه وسلم من لم يجد نعلين فليلبس خفين على أن يقطعهما من تحت الكعبين فيلبسهما
كما يلبس النعلين
وقوله من لم يجد إزارا فيلبس سراويلا على أن يشق السراويل فيلبسه كما يلبس الإزار
فإن كان هذا الحديث أريد به هذا المعنى فلسنا نخالف شيئا من ذلك ونحن نقول بذلك ونثبته
وإنما وقع الخلاف بيننا وبينكم في التأويل لا في نفس الحديث لأنا قد صرفنا الحديث إلى وجه يحتمله
فاعرفوا موضع خلاف التأويل من موضع خلاف الحديث فإنهما مختلفان ولا توجبوا على من خالف تأويلكم
خلافا لذلك الحديث
وقد بين عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بعض ذلك
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يزيد بن هارون قال قال أنا يحيى بن سعيد عن عمر بن نافع عن أبيه
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا
فقال لا تلبسوا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف إلا أن يكون أحد ليست له
نعلان فليلبس خفين أسفل من الكعبين
134

حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا أسباط بن محمد عن سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن نافع
عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد بن سلمة عن أيوب فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي قال ثنا سفيان هو بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا عبد العزيز بن مسلم ح
وحدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه قالا جميعا عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر
رضي الله عنهما مثله
* (حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا شعبة قال أخبرني عبد الله بن دينار أنه سمع عبد الله
بن عمر رضي الله عنهما يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليشقهما من عند الكعبين
فهذا بن عمر رضي الله عنهما يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بلبس الخفين الذي أباحه للمحرم كيف هو وأنه بخلاف
ما يلبس الحلال
ولم يبين بن عباس رضي الله عنهما في حديثه من ذلك شيئا فحديث بن عمر رضي الله عنهما أولاهما
وإذا كان ما أبا للمحرم من لبس الخفين هو بخلاف ما يلبس الحلال فكذلك ما أباح له من لبس
السراويل هو بخلاف ما يلبس الحلال
فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار
وأما النظر على ذلك فانا رأيناهم لم يختلفوا فيمن وجد إزارا أن لبس السراويل له غير مباح لان
الاحرام قد منعه من ذلك
وكذلك من وجد نعلين فحرام عليه لبس الخفين من غير ضرورة
فأردنا أن ننظر في لبس ذلك من طريق الضرورة كيف هو وهل يوجب كفارة أو لا يوجبها
فاعتبرنا ذلك فرأينا الاحرام ينهى عن أشياء قد كانت مباحة قبله منها لبس القميص والعمائم
والخفاف والسراويلات والبرانس
135

وكان من اضطر فوجد الحر فغطى رأسه ووجد البرد فلبس ثيابه أنه قد فعل ما هو مباح له فعله وعليه
الكفارة مع ذلك وحرم عليه الاحرام أيضا حلق الرأس إلا من ضرورة
وكان من حلق رأسه من ضرورة فقد فعل ما هو له مباح والكفارة عليه واجبة
فكان حلق الرأس للمحرم في غير حال الضرورة إذا أبيح في حال الضرورة لم يكن إباحته تسقط
الكفارة بل الكفارة في ذلك كله واجبة في حال الضرورة كهي في غير حال الضرورة
وكذلك لبس القميص الذي حرم عليه في غير حال الضرورة
فإذا كانت الضرورة فأبيح ذلك له لم يسقط بذلك الضمان فكانت الكفارة عليه واجبة في ذلك كله
فلم يكن الضرورة في شئ مما ذكرنا تسقط كفارة كانت تجب في شئ في غير حال الضرورة وإنما تسقط
الآثام خاصة
فكذلك الضرورات في لبس الخفاف والسراويلات لا توجب سقوط الكفارات التي كانت تجب لو لم
تكن تلك الضرورات ولكنها ترفع الآثام خاصة
فهذا هو النظر في هذا الباب أيضا وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب لبس الثوب الذي قد مسه ورس أو زعفران في الاحرام
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو داود وأبو صالح كاتب الليث قالا ثنا إبراهيم بن سعد عن
الزهري عن سالم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا ثوبا مسه ورس أو زعفران
يعنى في الاحرام
حدثنا علي بن أبي شيبة قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
136

قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا كل ثوب مسه ورس أو زعفران فلا يحل لبسه
في الاحرام وإن غسل لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين في هذه الآثار ما غسل من ذلك مما لم يغسل فنهيه على ذلك كله
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ما غسل من ذلك حتى صار لا ينفض فلا بأس بلبسه في الاحرام لان
الثوب الذي صبغ إنما نهى عن لبسه في الاحرام لما كان قد دخله مما هو حرام على المحرم فإذا غسل فخرج
ذلك منه ذهب المعنى الذي كان له النهى وعاد الثوب إلى أصله الأول قبل أن يصيبه ذلك الذي غسل منه
وقالوا هذا كالثوب الطاهر يصيبه النجاسة فينجس بذلك فلا تجوز الصلاة فيه فإذا غسل حتى يخرج
منه النجاسة طهر وحلت الصلاة فيه
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه استثنى مما حرمه على المحرم من ذلك فقال إلا أن يكون غسيلا
حدثنا بذلك فهد قال ثنا يحيى بن عبد الحميد الأزدي قال ثنا أبو معاوية ح
وحدثنا ابن أبي عمران قال ثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي قال ثنا أبو معاوية عن عبيد الله
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل الحديث الذي ذكرناه في أول هذا الباب وزاد
إلا أن يكون غسيلا
قال بن أبي عمران ورأيت يحيى بن معين وهو يتعجب من الحماني أن يحدث بهذا الحديث فقال له
عبد الرحمن هذا عندي
ثم وثب من فوره فجاء بأصله فأخرج منه هذا الحديث عن أبي معاوية كما ذكره يحيى الحماني فكتبه
عنه يحيى بن معين
فقد ثبت بما ذكرنا استثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل مما قد مسه ورس أو زعفران
وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى وقد روى ذلك عن نفر من المتقدمين
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن المسيب أنه أتاه رجل
فقال له انى أريد أن أحرم وليس لي إلا هذا الثوب ثوب مصبوغ بزعفران
قال آلله ما تجد غيره فحلف فقال اغسله وأحرم فيه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر عن سفيان عن ليث عن طاوس قال إذا كان في الثوب
زعفران أو ورس فغسل فلا بأس أن يحرم فيه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عمر عن سفيان عن المغيرة عن إبراهيم في الثوب يكون فيه ورس
أو زعفران فغسل إنه لم ير بأسا أن يحرم فيه
137

باب الرجل يحرم وعليه قميص كيف ينبغي له أن يخلعه
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عطاء بن لبيبة عن
عبد الملك بن جابر عن جابر بن عبد الله قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد فقد قميصه من جيبه
حتى أخرجه من رجليه فنظر القوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن يقلد اليوم
ويشعر على كذا وكذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي وكان بعث ببدنه وأقام بالمدينة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فقالوا لا ينبغي للمحرم أن يخلعه كما يخلع الحلال قميصه لأنه إذا
فعل ذلك غطى رأسه وذلك عليه حرام فأمر بشقه لذلك
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل ينزعه نزعا واحتجوا في ذلك بحديث يعلى بن أمية الذي أحرم وعليه
جبة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن ينزعها نزعا وقد ذكرنا ذلك في باب التطييب عند الاحرام
فقد خالف ذلك حديث جابر الذي ذكرنا وإسناده أحسن من إسناده
فان كانت هذه الأشياء تثبت بصحة الاسناد فان حديث يعلى معه من صحة الاسناد ما ليس مع حديث جابر
وأما وجه ذلك من طريق النظر فانا رأينا الذين كرهوا نزع القميص إنما كرهوا ذلك لأنه يغطى رأسه
إذا نزع قميصه
فأردنا أن ننظر هل يكون تغطية الرأس في الاحرام على كل الجهات منهيا عنها أم لا
فرأينا المحرم نهى عن لبس القلانس والعمائم والبرانس فهي أن يلبس رأسه شيئا كما نهى أن يلبس
بدنه القميص
ورأينا المحرم لو حمل على رأسه شيئا ثيابا أو غيرها لم يكن بذلك بأسا ولم يدخل ذلك فيما قد نهى عن
تغطية الرأس بالقلانس وما أشبهها لأنه غير لابس
فكان النهي إنما وقع من ذلك على تغطية ما يلبسه الرأس لا على غير ذلك مما يغطى به
وكذلك الأبدان نهى عن إلباسها القميص ولم ينه عن تحليها بالأزر
138

فلما كان ما وقع عليه النهى من هذا في الرأس إنما هو الا لباس لا التغطية التي ليست بإلباس وكان إذا
نزع قميصه فلاقى ذلك رأسه فليس ذلك بإلباس منه لرأسه شيئا إنما ذلك تغطية منه لرأسه
وقد ثبت بما ذكرنا أن النهى عن لبس القلانس لم يقع على تغطية الرأس وإنما وقع على إلباس الرأس
في حال الاحرام ما يلبس في حال الاحلال
فلما خرج بذلك ما أصاب الرأس من القميص المنزوع من حال تغطية الرأس المنهي عنها ثبت أنه لا بأس
بذلك قياسا ونظرا على ما ذكرنا
وهذا قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد اختلف المتقدمون في ذلك
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أنا يونس عن الحسن
بن محمد بن علي
وأخبرنا مغيرة عن إبراهيم والشعبي أنهم قالوا إذا أحرم الرجل وعليه قميص فليخرقه عليه حتى يخرج منه
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا شريك عن سالم عن سعيد بن جبير
رضي الله عنه مثله
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن المغيرة وحماد عن إبراهيم
قال إذا أحرم الرجل وعليه قميص قال أحدهما يشقه وقال الآخر يخلعه من قبل رجليه
حدثنا سليمان قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا شعبة عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح أن رجلا يقال له
يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزعها
قال قتادة قلت لعطاء إنما كنا نرى أن يشقها فقال عطاء إن الله لا يحب الفساد
حدثنا سليمان قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا شعبة عن أبي سلمة الأزدي قال سمعت عكرمة وسئل
عن رجل أحرم وعليه قباء قال يخلعه
فهذا عطاء وعكرمة قد خالف إبراهيم والشعبي وسعيد بن جبير وذهبا إلى ما ذهبنا إليه من حديث يعلى
باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم به محرما في حجة الوداع
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد هو بن موسى قال ثنا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم
عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا ولا نرى إلا أنه الحج
139

* (حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة
عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا
من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بالحج وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج
فأما من أهل بالعمرة فحل وأما من أهل بالحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى يوم النحر
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أخبرني بن أبي الزناد قال حدثني علقمة
بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس عام حجة الوداع فقال ما أحب
أن يبدأ بالعمرة قبل الحج فليفعل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب قال ثنا وهيب عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه
عن أسماء رضي الله عنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مهلين بالحج
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حاتم بن إسماعيل قال ثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنه في حديثه الطويل فقال فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد ولم يزد رسول الله صلى الله عليه وسلم
على الناس شيئا ولسنا ننوي إلا الحج ولا نعرف العمرة
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني الليث وابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر
رضي الله عنه قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج مفردا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فقالوا الافراد أفضل من التمتع والقران وقالوا به كان أحرم
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من الافراد والقران وقالوا هو الذي كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله في حجة الوداع
وذكروا في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن عمرو بن مرة
عن سعيد بن المسيب قال اجتمع على وعثمان رضي الله عنهما ب عسفان وعثمان رضي الله عنه ينهى عن المتعة
فقال له على ما تريد إلى أمر قد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه
فقال دعنا منك فقال إني لا أستطيع أن أدعك ثم أهل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهما جميعا
140

حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد
بن المسيب قال حج عثمان رضي الله عنه فقال له علي رضي الله عنه ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بلى
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن الحارث
بن نوفل بن عبد المطلب أنه حدثه أنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية
بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج
فقال الضحاك لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله
فقال سعد بئس ما قلت يا بن أخي فقال الضحاك فان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نهى عن ذلك
فقال سعد قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصنعناها معه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا مالك فذكر بإسناده مثله
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا ابن المبارك عن سليمان التيمي عن غنيم بن قيس
قال سألت سعد بن مالك عن متعة الحج
فقال فعلناها وهو يومئذ مشر ك بالعرش يعنى معاوية يعنى عروش بيوت مكة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن مسلم وهو القرى قال سمعت بن عباس
يقول أهل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج وأهل هو بالعمرة فمن كان معه هدى لم يحل ومن لم يكن معه
هدى أحل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة ممن معهما الهدى فلم يحلا
حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي قال ثنا علي بن الحسن بن شقيق قال ثنا أبو حمزة عن ليث
هو بن أبي سليم ح
وحدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن ليث عن طاوس عن ابن
عباس رضي الله عنه قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات وأبو بكر رضي الله عنه حتى مات وعمر
رضي الله عنه حتى مات وعثمان رضي الله عنه حتى مات
قال سليمان في حديثه وأول من نهى عنها معاوية
حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا شريك بن عبد الله عن عبد الله بن شريك قال تمتعت فسألت
بن عمر وابن عباس وابن الزبير فقالوا هديت لسنة نبيك تقدم ثم تطوف ثم ثم تحل
141

حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا شريك فذكر بإسناده نحوه غير أنه قال قال أبو غسان
أظنه قال لسنة نبيك افعل كذا ثم أحرم يوم التروية وافعل كذا وافعل كذا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن أبي حمزة قال تمتعت فنهاني ناس عنها
فسألت بن عباس رضي الله عنهما فأمر لي بها فتمتعت فنمت فأتاني آت في المنام فقال عمرة متقبلة
وحج مبرور
فأتيت بن عباس فأخبرته فقال الله أكبر سنة أبى القاسم أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي هو أحمد بن خالد قال ثنا ابن إسحاق عن الزهري عن سالم
قال إني لجالس مع بن عمر رضي الله عنهما في المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتع
بالعمرة إلى الحج
فقال بن عمر حسن جميل فقال فان أباك كان ينهى عن ذلك
فقال ويلك فإن كان أبى قد نهى عن ذلك وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به فبقول أبى تأخذ
أم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قم عنى
حدثنا يزيد بن سنان وابن أبي داود قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني
عقيل عن ابن شهاب قال حدثني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم
في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق معه الهدى من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن
شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها أخبرته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالعمرة
إلى الحج وتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني به سالم عن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فان قال قائل فقد رويتم عن عائشة رضي الله عنها في أول هذا الباب خلاف هذا
فرويتم عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج
ورويتم عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة وعمرة ومنا من أهل بالحج
وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج
142

ورويتم عن أم علقمة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع أفرد الحج ولم يعتمر
قيل له قد يجوز أن يكون الافراد الذي ذكره هذا على معنى لا يخالف معنى ما روى الزهري عن عروة
عن عائشة رضي الله عنها
وذلك أنه قد يجوز أن يكون الافراد الذي ذكره القاسم عن عائشة إنما أرادت به إفراد الحج في وقت
ما أحرم وإن كان قد أحرم بعد خروجه منه بعمرة
فأرادت أنه لم يخلطه في وقت إحرامه به بإحرام بعمرة كما فعل غيره ممن كان معه
وأما حديث محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن عائشة رضي الله عنها فإنها أخبرت أن منهم من أهل
بعمرة لا حجة معها ومنهم من أهل بحجة وعمرة يعنى مقرونتين ومنهم من أهل بالحج ولم يذكر في ذلك التمتع
فقد يجوز أن يكون الذي قد كانوا أحرموا بالعمرة أحرموا بعدها بحجة ليس حديثها هذا ينفي
من ذلك شيئا
وأنها قالت وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفردا فقد يجوز أن يكون ذلك الحج المفرد بعد عمرة قد كانت
تقدمت منه مفردة
فيكون قد أحرم بعمرة مفردة على ما في حديث القاسم ومحمد بن عبد الرحمن عن عروة ثم أحرم بعد ذلك
بحجة على ما في حديث الزهري عن عروة حتى تتفق هذه الآثار ولا تتضاد
فأما معنى ما روت أم علقمة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ولم يعتمر فقد يجوز
أن تكون تريد بذلك أنه لم يعتمر في وقت إحرامه بالحج كما فعل بعض من كان معه ولكنه اعتمر بعد ذلك
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود أن عبد الله
مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم حدثه أنه سمع أسماء لما مرت بالحجون تقول صلى الله
على رسول الله لقد نزلنا معه ههنا ونحن خفاف الحقائب قليل ظهورنا قليلة أزوادنا فاعتمرت أنا وأختي
عائشة رضي الله عنها والزبير وفلان وفلان فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا من العشى بالحج
فهذه أسماء تخبر أن من كان حينئذ ابتدأ بعمرة فقد أحرم بعدها بحجة فصار بها متمتعا
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا همام عن قتادة عن مطرف عن عمران
قال تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيها القرآن فلم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينسخها شئ ثم قال رجل
برأيه ما شاء
143

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن حميد عن الحسن عن عمران بن حصين
قال تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متعة الحج فلم ينهنا عنها ولم ينزل الله فيها نهيا
حدثنا سليمان قال ثنا الخصيب قال ثنا همام عن قتادة عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله
قال تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ولى عمر خطب الناس فقال إن القرآن هو القرآن وإن الرسول
هو الرسول وأنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متعة الحج فافصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه
أتم لحجكم وأتم لعمرتكم والأخرى متعة النساء فأنهى عنها وأعاقب عليها
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد عن عاصم عن أبي نضرة عن جابر
رضي الله عنه قال متعتان فعلناهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عنهما عمر رضي الله عنه فلم نعد إليهما
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله ما يدل على أنه كان كذلك أيضا
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع عن ابن عمر عن حفصة
أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك
فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر
فدل هذا الحديث أنه كان متمتعا لان الهدى المقلد لا يمنع من الحل إلا في المتعة خاصة
هذا إن كان ذلك القول منه بعد طوافه للعمرة
وقد يحتمل أيضا أن يكون هذا القول كان منه قبل أن يحرم بالحج وقبل أن يطوف للعمرة فكان ذلك
حكمه لولا سياقه الهدى يحل كما يحل الناس بعد أن يطوف فلم يطف حتى أحرم بالحج فصار قارنا
فليس يخلو حديث حفصة رضي الله عنها الذي ذكرنا من أحد هذين التأولين
وعلى أيهما كان في الحقيقة فإنه قد نفى قول من قال إنه كان مفردا بحجة لم يتقدمها عمرة ولم يكن
معها عمرة
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل القران في ذلك بين العمرة والحجة أفضل من إفراد الحج ومن
التمتع بالعمرة إلى الحج
144

وقالوا كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
وذكروا في ذلك ما حدثنا يونس قال أنا بشر بن بكر عن الأوزاعي قال حدثني عبدة بن أبي لبابة
قال حدثني شقيق بن سلمة قال حدثني رجل من تغلب يقال له بن معبد قال أهللت بالحج والعمرة
جميعا فلما قدمت ظ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكرت له إهلالي فقال هديت لسنة نبيك أو لسنة
النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال أنا شريك عن منصور والأعمش عن أبي وائل مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة قال أنا منصور قال سمعت أبا وائل يحدث
أن الصبي فذكر مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا سلمة بن كهيل عن أبي وائل مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال أنا شعبة عن الحكم قال سمعت أبا وائل
فذكر مثله
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن الحكم عن أبي وائل مثله
حدثنا فهد قال ثنا الحسين بن الربيع قال ثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن أبي وائل
قال قال الصبي بن معبد فذكر نحوه
فقال الذين أنكروا القران إنما قول عمر رضي الله عنه هديت لسنة نبيك على الدعاء منه له لا على
تصويبه إياه في فعله
فكان من الحجة عليهم في ذلك مما يدل على أن ذلك لم يكن من عمر على جهة الدعاء أن فهدا حدثنا
قال ثنا عمر بن حفص بن غياث قال ثنا أبي قال ثنا الأعمش قال حدثني شقيق قال حدثني الصبي
بن معبد قال كنت حديث عهد بنصرانية فلما أسلمت لم آل أن أجتهد فأهللت بعمرة وحجة جميعا
فمررت بالعذيب بسلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان فسمعاني وأنا أهل بهما جميعا
فقال أحدهما لصاحبه أيهما جميعا وقال الآخر دعه فهو أضل من بعيره
قال فانطلقت وكان بعيري على عنقي
145

فقدمت المدينة فلقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقصصت عليه فقال إنهما لم يقولا شيئا هديت
لسنة نبيك
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال أنا وكيع قال ثنا الأعمش عن شقيق
عن الصبي بن معبد قال أهللت بهما جميعا فمررت بسلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان فعابا ذلك على
فلما قدمت على عمر رضي الله عنه ذكرت ذلك له فقال إنهما لم يقولا شيئا هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم
فدل قوله هديت لسنة نبيك بعد قوله انهما لم يقولا شيئا أن ذلك كان منه على التصويب منه
لا على الدعاء
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه ما يدل على ذلك أيضا
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم قال ثنا الأوزاعي قال ثنا يحيى
بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو
بالعقيق يقول اتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا هارون بن إسماعيل قال ثنا علي بن المبارك قال ثنا يحيى بن أبي كثير
فذكر بإسناده مثله
فأخبر عمر في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتاه آت من ربه فقال له قل عمرة في حجة
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أمر أن يجعل عمرة في حجة استحال أن يكون ما فعل خلافا لما أمر به
فان قال قائل وكيف يجوز أن ينقل هذا عن عمر رضي الله عنه وقد نهى عن المتعة وقد ذكرتم ذلك
عنه في حديث مالك عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل
وذكر في ذلك أيضا ما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا مكي بن إبراهيم قال ثنا مالك عن نافع عن ابن
عمر قال قال عمر رضي الله عنه متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهى عنهما وأعاقب عليهما متعة
النساء ومتعة الحج
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب أن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه كان ينهى عن متعة النساء ومتعة الحج
قالوا فكيف يجوز أن يعاقب أحدا على أمر قد علم أن الله عز وجل قد أمر به رسوله
قيل له ليست هذه المتعة التي في هذا الحديث هي المتعة التي استحبها أهل المقالة التي ذكرناها في الفصل
الذي قبل هذا
ولكن هذه المتعة عندنا والله أعلم هي الاحرام الذي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرموه بحجة ثم طافوا
لها وسعوا قبل عرفة وحلقوا وحلوا فتلك متعة قد كانت تفعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نسخت
وسنذكرها وما روى فيها وفي نسخها في غير هذا الموضع في كتابنا هذا إن شاء الله تعالى
146

فهذه المتعة التي نهى عنها عمر رضي الله عنه وتوعد من فعلها بالعقوبة
فأما متعة قد ذكرها الله عز وجل في كتابه بقوله فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر
من الهدى الآية وفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فمحال أن ينهى عنها عمر رضي الله عنه بل قد روينا
عن عمر رضي الله عنه أنه استحبها وحض عليها
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال سمعت
طاوسا يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال يقولون إن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة قال عمر رضي الله
عنه لو اعتمرت في عام مرتين ثم حججت لجعلتها مع حجتي
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن سلمة عن طاوس عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال قال عمر رضي الله عنه فذكر مثله
فهذا بن عباس رضي الله عنهما قد أنكر أن يكون عمر رضي الله عنه نهى عن التمتع وذكر عنه أنه
استحب القران فدل ذلك أن المتعة التي توعد عمر رضي الله عنه من فعلها بالعقوبة هي المتعة الأخرى
فان قال قائل روى عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بإفراد الحج وذكر في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا
أبو نعيم قال ثنا إسرائيل عن إبراهيم بن عبد الأعلى قال سمعت سويدا يقول سمعت عمر رضي الله عنه
يقول أفردوا بالحج
قيل له ليس ذلك عندنا على كراهته لما سوى الافراد من التمتع والقران ولكنه لإرادته معنى
آخر سوى ذلك قد بينه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا مالك ح
وحدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه قال افصلوا بين حجكم وعمرتكم فإنه أتم لحج أحدكم وأتم لعمرته أن يعتمر
في غير أشهر الحج
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن
شهاب قال قلت لسالم لم نهى عمر رضي الله عنه عن المتعة وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفعلها الناس معه
فقال أخبرني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال إن أتم العمرة أن تفردوها من أشهر
الحج والحج أشهر معلومات فأخلصوا فيهن الحج واعتمروا فيما سواهن من الشهور
فأراد عمر رضي الله عنه بذلك تمام العمرة لقول الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله
وذلك أن العمرة التي يتمتع فيها المرء بالحج لا تتم إلا بأن يهدي صاحبها هديا أو يصوم إن لم يجد
147

هديا وإن العمرة في غير أشهر الحج تتم بغير هدى ولا صيام فأراد عمر رضي الله عنه بالذي أمر به من ذلك
أي يزار البيت في كل عام مرتين وكره أن يتمتع الناس بالعمرة إلى الحج فيلزم الناس ذلك فلا يأتون البيت
إلا مرة واحدة في السنة
فأخبر بن عمر رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه في هذا الحديث أنه إنما أمر بإفراد العمرة من الحج
لئلا يلزم الناس ذلك فلا يأتون البيت إلا مرة واحدة في السنة لا لكراهته التمتع لأنه ليس من السنة
فأما قوله إنه أتم لعمرة أحدكم وحجته أن يفرد كل واحدة من صاحبتها فان ما روينا
عن ابن عباس رضي الله عنهما عنه يدل على خلاف ذلك
وقد روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما من رأيه خلافا لذلك أيضا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ثنا شعبة قال ثنا صدقة بن يسار
وأبو يعفور سمعا بن عمر رضي الله عنهما يقول لان أعتمر في العشر الأول من ذي الحجة أحب إلى من أن
أعتمر في العشر البواقي
حدثنا يونس قال ثنا سفيان قال ثنا صدقة بن يسار سمع بن عمر رضي الله عنهما يقول عمرة
في العشر الأول من ذي الحجة أحب إلى من أعتمر في العشر البواقي
فحدثت به نافعا فقال نعم عمرة فيها هدى أو صيام أحب إليه من عمرة ليس فيها هدى ولا صيام
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج قال ثنا الحماد عن عطاء بن السائب عن كثير بن جمهان
قال حججنا وفينا رجل أعجمي فلبى بالعمرة والحج فعبنا ذلك عليه
فسألنا بن عمر رضي الله عنهما فقلنا إن رجلا منا لبي بالعمرة والحج فما كفارته قال رجع بأجرين
وترجعون بأجر واحد
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب إن مالكا حدثه عن صدقة بن يسار عن عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما قال والله لان أعتمر قبل الحج وأهدى أحب إلى من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة
فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أيضا قد فضل العمرة التي في أشهر الحج على العمرة التي في غير أشهر الحج
فدل ذلك على صحة ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه لان بن عمر رضي الله عنه لو كان
سمع ذلك من عمر رضي الله عنه كما في حديث عقيل عن الزهري إذا لما قال بخلاف ذلك لأنه قد سمع أباه قاله
بحضرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا ينكره عليه منكر ولا يدفعه عنه دافع وهو أيضا فلا يدفعه عنه ولا يقول له
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان فعل هذا
ولكن المحكى في ذلك عن عمر رضي الله عنه أن يزار البيت وباقي الكلام بعد ذلك
148

فكلام سالم خلطه الزهري بروايته فلم يتميز
فأما قوله إن العمرة في أشهر الحج لا تتم إلا بالهدى لمن يجد الهدى أو بالصيام لمن لا يجد الهدى
فثبت بذلك تمام العمرة في غير أشهر الحج إذا كان ذلك غير واجب فيها وأوجب النقصان في العمرة التي في أشهر
الحج إذا كان واجبا فيها وهذا كله إذا كان الحج يتلوها
فان الحجة على من ذهب إلى ذلك عندنا والله أعلم أنا رأينا الهدى الذي يجب في المتعة والقران يؤكل
باتفاق المتقدمين جميعا ورأينا الهدى الذي يجب لنقصان في العمرة أو في الحجة لا يؤكل منه باتفاقهم جميعا
فلما كان الهدى الواجب في المتعة والقران يؤكل منه ثبت أنه غير واجب لنقصان في العمرة أو في الحجة
التي بعدها لأنه لو كان لنقصان لكان من أشكال الدماء الواجبة للنقصان ولكان لا يؤكل منه كما لا يؤكل
منها ولكنه دم فضل وإصابة خير
وقد حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا وكيع ح
وحدثنا فهد قال ثنا الخضر بن محمد الحراني قال أنا عيسى بن يونس وأبو أسامة قالوا جميعا عن
الأعمش عن مسلم البطين عن علي بن حسين عن مروان بن الحكم قال كنا نسير مع عثمان بن عفان رضي الله
عنه فإذا رجل يلبى بالحج والعمرة فقال عثمان رضي الله عنه من هذا فقالوا على
فأتاه عثمان رضي الله عنه فقال ألم تعلم أني نهيت عن هذا فقال بلى ولكني لم أكن لأدع قول
النبي صلى الله عليه وسلم لقولك
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا خلاد بن يحيى قال ثنا سفيان الثوري عن بكير بن عطاء قال حدثني
حريث بن سليم العذري عن علي رضي الله عنه أنه لبى بهما جميعا فنهاه عثمان رضي الله عنه فقال علي
رضي الله عنه أما إنك قد رأيت
فهذا علي رضي الله عنه قد أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف النهى عن قران العمرة والحج وفعل في ذلك
خلاف ما أمر به عثمان رضي الله عنه وأنكر على عثمان رضي الله عنه ما أمر به من ذلك فدل هذا من علي
رضي الله عنه أنه قد كان عنده تفضيل القران على الافراد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك لما أنكر على عثمان
رضي الله عنه ما رأى ولا فضل رأيه على رأى عثمان رضي الله عنه في ذلك إذ كانا كلاهما إنما أمرا بما
أمرا به من ذلك عن شئ واحد وهو الرأي
ولكن خلافه لعثمان رضي الله عنه في ذلك دليل عندنا على أنه قد علم فضل القران على ما سواه
من رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قرن في حجة الوداع
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن يحيى قال ثنا داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن دينار
149

عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر عمرة الجحفة وعمرته من
العام المقبل وعمرته من الجعرانة وعمرته مع حجته وحج حجة واحدة
فان قال قائل فكيف تقبلون هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد رويتم عنه في الفصل الأول
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع
قيل له قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم في بدء أمره بعمرة فمضى فيها متمتعا بها ثم أحرم بحجة
قبل طوافه فكان في بدء أمره متمتعا وفي آخره قارنا
فأخبر بن عباس رضي الله عنهما في الحديث الأول بتمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفى قول من كره المتعة وأخبر
في هذا الحديث الثاني بقرانه على ما كان صار إليه أمره بعد إحرامه بالحجة
فثبت بذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان في حجة الوداع متمتعا بعد إحرامه بالعمرة إلى أن أحرم بالحجة
فصار بذلك قارنا
وقد حدثنا فهد قال ثنا النفيلي قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا أبو إسحاق عن مجاهد قال سئل
بن عمر كم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مرتين
فقالت عائشة رضي الله عنها لقد علم بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اعتمر ثلاثا سوى عمرته
التي قرنها بحجته
فان قال قائل فكيف تقبلون مثل هذا عن عائشة رضي الله عنها وقد رويتم عنها في أول هذا الباب ما قد
رويتم من إفراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعه على ما ذكرتم
قيل له ذلك عندنا والله أعلم على نظير ما صححنا عليه حديث بن عباس رضي الله عنهما فيكون ما علمت
عائشة رضي الله عنها من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ابتدأ فأحرم بعمرة ولم يقرنها حينئذ بحجة فمضى فيها على أن
يحج وقت الحج فكان في ذلك متمتعا بها ثم أحرم بحجة مفردة في إحرامه بها لم يبتدئ معها إحراما بعمرة
فصار بذلك قارنا لها إلى عمرته المتقدمة
فقد كان في إحرامه على أشياء مختلفة كان في أوله متمتعا ثم صار محرما بحجة أفردها في إحرامه فلزمته
مع العمرة التي كان قدمها فصار في معنى القارن والمتمتع
وأرادت يعنى عائشة رضي الله عنها بذكرها الافراد خلافا للذين يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بهما جميعا
وقد حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن نافع
أن بن عمر خرج من المدينة إلى مكة مهلا بالعمرة مخافة الحصر ثم قال ما شأنهما إلا واحدا أشهدكم أنى
قد أوجبت إلى عمرتي هذه حجة
ثم قدم فطاف لهما طوافا واحدا وقال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
150

وقد حدثنا أحمد هو بن داود بن موسى قال ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب قال ثنا عبد العزيز
بن محمد عن موسى بن عقبة عن نافع أن بن عمر رضي الله عنهما أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير
فأحرم بعمرة فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال وانا نخاف أن نصد عن البيت
فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشهدكم أنى قد أوجبت عمرة ثم خرج
حتى إذا كان بظهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحدا أشهدكم أنى قد أوجبت حجا مع عمرتي
فانطلق يهل بهما جميعا حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة ولم يزد على ذلك ولم ينحر
ولم يحلق ولم يحل من شئ حرم عليه حتى يوم النحر فحلق ورأي أن قد قضى طواف الحج بطوافه ذلك
الأول ثم قال هكذا صنع النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أراد الحج عام
نزل الحجاج بابن الزبير
فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال وانا نخاف أن يصدوك عن البيت
فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم انى
أشهدكم أنى قد أوجبت حجا مع عمرتي ثم خرج
حتى إذا كان بظهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحدا أشهدكم أنى قد أوجبت حجا مع
عمرتي وأهدى هديا اشتراه ب قديد
فانطلق يهل بهما جميعا حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة ولم يزد على ذلك ولم ينحر
ولم يحلق ولم يقصر ولم يحل من شئ حرم عليه حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأي أن قد
قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول وكذلك فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم
فان قال قائل فكيف تقبلون مثل هذا عن ابن عمر رضي الله عنهما وقد رويتم عنه فيما تقدم
أن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع
151

فجوابنا له في ذلك مثل جوابنا له في حديث بن عباس رضي الله عنهما وعائشة رضي الله عنها
وقد حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا عبد السلام بن حرب عن سعيد عن قتادة عن مطرف
بن عبد الله بن الشخير عن عمران بن الحصين أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يلبى بعمرة وحجة
فإن قال قائل فقد رويتم عن عمران أيضا فيما تقدم في هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع فكيف تقبلون
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرن
فجوابنا له في ذلك مثل جوابنا في حديث بن عباس رضي الله عنهما
وقد حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لبى بعمرة وحجة وقال لبيك بعمرة وحجة
فذكر بكر بن عبد الله المزني لابن عمر قول أنس رضي الله عنه قال ذهل أنس إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالحج وأهللنا به معه فلما قدمنا مكة قال من لم يكن معه هدى فليحل
قال بكر فرجعت إلى أنس رضي الله عنه فأخبرته بقول بن عمر رضي الله عنهما فلم يزل يذكر ذلك حتى مات
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا حميد قال وحدثني
بكر بن عبد الله عن أنس رضي الله عنه مثله قال بكر فذكرت ذلك لابن عمر فقال ذهل أنس رضي الله عنه
إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج وأهللنا به
حدثنا حسين هو بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أنا حميد فذكر مثله بإسناده وزاد
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لم يكن معه هدى فليحل وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هدى فلم يحل
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن حميد عن بكر قال أخبرت بن عمر
رضي الله عنهما بقول أنس رضي الله عنه فقال نسي أنس رضي الله عنه
فلما رجع قال بكر لأنس إن بن عمر رضي الله عنهما يقول نسي فقال أن يعذونا إلا صبيانا بل سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك بعمرة وحجة معا
أفلا ترى أن بن عمر رضي الله عنهما إنما أنكر على أنس رضي الله عنه قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أهل بهما جميعا
وإنما كان الامر عند بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بحجة ثم صيرها عمرة بعد ذلك وأضاف إليها
حجة فصار حينئذ قارنا
فأما في بدء إحرامه فإنه كان عنده مفردا ثم قد تواترت الروايات بعد ذلك عن أنس رضي الله عنه
بدخول النبي صلى الله عليه وسلم فيهما جميعا
152

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حبان قال ثنا وهيب قال ثنا أيوب عن قلابة عن أنس رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استوت به راحلته على البيداء جمع بينهما
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الله بن بكر عن حميد عن أنس رضي الله عنه ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا عبد الصمد قال ثنا شعبة عن أبي قزعة عن أنس رضي الله عنه
قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لبيك بعمرة وحجة
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا أبو شهاب عن ابن أبي ليلى عن ثابت البناني عن أنس
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن حميد عن أنس رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا عبيد الله بن عمرو هو الرقي عن أيوب عن أبي
قلابة وحميد بن هلال عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كنت رديف أبى طلحة وركبتي تمس ركبة
النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزالوا يصرخون بهما جميعا بالحج والعمرة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن سفيان عن يحيى بن أبي إسحاق قال سمعت أنسا يقول
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك بعمرة وبحجة معا
حدثنا أبو أمية قال ثنا عمرو بن عاصم الكلابي ح
وحدثنا سليمان بن شعيب الكيساني قال ثنا الخصيب قالا ثنا همام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه
قال اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة من الجحفة وعمرة من العام المقبل وعمرة من الجعرانة وعمرة حيث قسم غنائم
حنين وعمرة مع حجته وحج حجة واحدة
حدثنا أبو أمية قال ثنا الحسن بن موسى وابن نفيل قالا ثنا أبو خيثمة عن أبي إسحاق عن أبي أسماء
عن أنس رضي الله عنه قال خرجنا نصرخ بالحجة
فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعلها عمرة وقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها
عمرة ولكني سقت الهدي وقرنت الحج والعمرة
153

قال أبو جعفر ففي هذا الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرن الحج والعمرة فقد دل ذلك على صحة قول من
أخبر من فعله بما يوافق ذلك
وقد حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف ح
وحدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب قالا ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبى عمران
أنه قال حججت مع موالي فدخلت على أم سلمة رضي الله عنها فسمعتها تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول أهلوا يا آل محمد بعمرة في حجة وهذا أيضا مثل ذلك
وقد حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا أبو خالد وأبو معاوية ح
وحدثنا فهد قال ثنا عمر بن حفص قال ثنا أبي قالوا جميعا عن الحجاج عن الحسن بن سعد
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة
حدثنا أبو بكر وعلي بن معبد قالا ثنا مكي بن إبراهيم قال ثنا داود بن يزيد الأودي قال سمعت
عبد الملك بن ميسرة الزراد قال سمعت النزال بن سبرة يقول سمعت سراقة بن مالك بن جعشم يقول سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال وقرن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
فقد اختلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في إحرامه في حجة الوداع ما كان فقالوا ما روينا وتنازعوا في ذلك
على ما قد ذكرنا
وقد أحاط علمنا أنه لم يكن إلا على أحد تلك المنازل الثلاثة إما متمتع وإما مفرد وإما قارن
فأولى بنا أن ننظر إلى معاني هذه الآثار ونكشفها لنعلم من أين جاء اختلافهم فيها ونقف من ذلك على
إحرامه صلى الله عليه وسلم ما كان
فاعتبرنا ذلك فوجدنا الذين يقولون إنه أفرد يقولون كان إحرامه بالحج مفردا لم يكن منه قبل ذلك
إحرام بغيره
وقال آخرون بل قد كان قبل إحرامه بتلك الحجة أحرم بعمرة ثم أضاف إليها هذه الحجة هكذا
يقول الذين قال وقرن
وقد أخبر جابر رضي الله عنه في حديثه وهو أحد الذين قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم
بالحجة حين استوت به ناقته على البيداء
وقال بن عمر من عند المسجد وهو أيضا ممن قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد بالحج في أول إحرامه
فكان بدء إحرامه عليه السلام عند بن عمر وجابر بعد خروجه من المسجد
وقد بينا عنه فيما تقدم من كتابنا هذا أنه قد كان أحرم في دبر الصلاة في المسجد
154

فيحتمل أن يكون الذين قالوا إنه قرن سمعوا تلبيته في المسجد بالعمرة ثم سمعوا بعد ذلك تلبيته الأخرى
خارجا من المسجد بالحج خاصة
فعلموا أنه قرن وسمعه الذين قالوا إنه أفرد وقد لبى بالحج خاصة ولم يكونوا سمعوا تلبيته قبل ذلك بالعمرة
فقالوا أفرد
وسمعه قوم أيضا وقد لبى في المسجد بالعمرة ولم يسمعوا تلبيته بعد خروجه منه بالحج ثم رأوه بعد ذلك
يفعل ما يفعل الحاج من الوقوف بعرفة وما أشبه ذلك وكان ذلك عندهم بعد خروجه من العمرة فقالوا تمتع
فروى كل قوم ما علموا
وقد دخل جميع ما علمه الذين قالوا أفرد وما علمه الذين قالوا إنه تمتع فيما علم الذين قالوا إنه قرن لأنهم
أخبروا عن تلبيته بالعمرة ثم عن تلبيته بالحجة بعقب ذلك
فصار ما ذهبوا إليه من ذلك وما رووا أولى مما ذهب إليه من خالفهم وما رووا
ثم قد وجدنا بعد ذلك أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أنه كان قارنا وذلك أنه عليه السلام لا يختلف عنه
أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من كان ساق منهم هديا وثبت هو على إحرامه فلم يحل منه إلا
في وقت ما يحل الحاج من حجه وقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة
فمن كان ليس معه هديا فليحل وليجعلها عمرة هكذا حكاه عنه جابر بن عبد الله وهو ممن يقول إنه أفرد
وسنذكر ذلك وما روى فيه في باب فسخ الحج إن شاء الله تعالى
فلو كان إحرامه ذلك كان بحجة لكان هديه الذي ساقه تطوعا فهدى التطوع لا يمنع من الاحلال الذي
يحله الرجل إذا لم يكن معه هدى
ولكان حكمه صلى الله عليه وسلم وإن كان قد ساق هديا كحكم من لم يسق هديا لأنه لم يخرج على أن يتمتع فيكون
ذلك الهدى للمتعة فتمنعه من الاحلال الذي كان يحله لو لم يسق هديا
ألا ترى أن رجلا لو خرج يريد التمتع فأحرم بعمرة أنه إذا طاف لها وسعى وحلق حل منها ولو كان
ساق هديا لمتعته لم يحل حتى يوم النحر ولو ساق هديا تطوعا حل قبل يوم النحر بعد فراغه من العمرة
فثبت بذلك أن هدى النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قد منعه من الاحلال وأوجب ثبوته على الاحرام إلى يوم النحر
أن حكمه غير حكم هدى التطوع فانتفى بذلك قول من قال إنه كان مفردا
وقد ذكرنا فيما تقدم من هذا الباب عن حفصة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن الناس حلوا ولم تحل
أنت من عمرتك
فقال إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر
فدل ذلك على ما ذكرنا وعلى أن ذلك الهدي كان هديا بسبب عمرة يراد بها قران أو متعة
155

فنظرنا في ذلك فإذا حفصة رضي الله عنها قد دل حديثها هذا على أن ذلك القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
بمكة لأنه كان منه بعد ماحل الناس
وقد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد طاف قبل ذلك أو لم يطف
فإن كان قد طاف قبل ذلك ثم أحرم بالحجة من بعد فإنما كان متمتعا ولم يكن قارنا لأنه إنما أحرم
بالحجة بعد فراغه من طواف العمرة
وان لم يكن طاف قبل ذلك حتى أحرم بالحجة فقد كان قارنا لأنه قد لزمته الحجة قبل طوافه للعمرة
فلما احتمل ذلك ما ذكرنا كان أولى الأشياء بنا أن نحمل هذه الآثار على ما فيه اتفاقها لا على ما فيه تضادها
فكان علي بن أبي طالب وابن عباس وعمران بن حصين وعائشة قد روينا عنهم
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع وروينا عنهم أنه قرن وقد ثبت من قوله ما يدل على أنه قدم مكة ولم يكن أحرم
بالحج قبل ذلك
فان جعلنا إحرامه بالحجة كان قبل الطواف للعمرة ثبت الحديثان جميعا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان
متمتعا إلى أن أحرم بالحجة فصار قارنا
وإن جعلنا إحرامه بالحجة كان بعد طوافه للعمرة جعلناه متمتعا ونفينا أن يكون قارنا فجعلناه
متمتعا في حال وقارنا في حال
فثبت بذلك أن طوافه للعمرة كان بعد إحرامه بالحجة فثبت بذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان في حجة
الوداع قارنا
فقال قائل ممن كره القران والتمتع لمن استحبهما اعتللتم علينا بقول الله عز وجل فمن تمتع
بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى في إباحة المتعة وليس ذلك كذلك وإنما تأويل هذه
الآية ما روى عن عبد الله بن الزبير
فذكر ما حدثنا محمد بن الحجاج ونضر بن مرزوق قالا ثنا الحصيب بن ناصح قال ثنا وهيب
بن خالد عن إسحاق بن سويد قال سمعت عبد الله بن الزبير وهو يخطب يقول يا أيها الناس ألا انه والله
ما التمتع بالعمرة إلى الحج كما تصنعون ولكن التمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج الرجل حاجا فيحبسه عدوه
أو مرض أو أمر بعذر به حتى تذهب أيام الحج فيأتي البيت فيطوف به سبعا ويسعى بين الصفا والمروة
ويتمتع بحله إلى العام المقبل فيحج ويهدى
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا إسحاق بن سويد فذكر نحو
قال فهذا تأويل هذه الآية
قيل لهم لئن وجب أن يكون تأويلها كذلك لقول بن الزبير فان تأويلها أحرى أن لا يكون كذلك
156

لما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه من بعده مثل عمر وعلى رضي الله عنهما ومن ذكرنا معهما
فيما تقدم من هذا الباب
وقد حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم أو مالك بن الحارث عن أبي نصر
قال أهللت بالحج فأدركت عليا رضي الله عنه فقلت انى أهلت بالحج أفأستطيع أن أضم إليه
فقال لا لو كنت أهللت بالعمرة ثم أردت أن تضيف إليها الحج فعلت
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا أبو عوانة عن يزيد بن أبي زيادة عن علي بن حسين
عن مروان بن الحكم قال كنا مع عثمان بن عفان فسمعنا رجلا يهتف بالحج والعمرة فقال عثمان رضي الله
عنه من هذا قالوا علي رضي الله عنه فسكت
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا الخصيب قال ثنا همام عن قتادة عن حرى بن كليب وعبد الله
بن شقيق أن عثمان رضي الله عنه خطب فنهى عن المتعة
فقام علي رضي الله عنه فلبى بهما فأنكر عثمان رضي الله عنه ذلك فقال له علي رضي الله عنه إن أفضلنا
في هذا الامر أشدنا اتباعا له
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا هشيم قال ثنا أبو بشر عن سليمان اليشكري عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال لو أهللت بالحج والعمرة طفت لهما طوافا واحدا ولكنت مهديا
قال أبو جعفر فهذا من ذكرنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صرف تأويل قول الله عز وجل فمن تمتع
بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى إلى خلاف ما صرفه إليه عبد الله بن الزبير وهو أصح
التأويلين عندنا والله أعلم لان في الآية ما يدل على فساد تأويل بن الزبير لان الله عز وجل قال فمن تمتع
بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج
والصيام في الحج لا يكون بعد فوت الحج ولكنه قبل فوته
ثم قال وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري
المسجد الحرام فكان الله عز وجل إنما جعل المتعة وأوجب فيها ما أوجب على من فعلها إذا لم يكن
أهله حاضري المسجد الحرام
وقد أجمعت الأمة أن من كان أهله حاضري المسجد الحرام أو غير حاضري المسجد ففاته الحج
أن حكمه في ذلك وحكم غيره سواء وأن حاله بحضور أهله المسجد الحرام لا يخالف حاله ببعدهم عن المسجد الحرام
فثبت بذلك أن المتعة التي ذكرها الله عز وجل في هذه الآية هي التي يفترق فيها من كان أهله بحضرة المسجد
الحرام ومن كان أهله بغير حضرة المسجد الحرام وذلك في التمتع بالعمرة إلى الحج التي كرهها مخالفنا
157

وقد روى عبد الله بن عباس في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ما قد حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا المعلي بن أسد
قال ثنا وهيب عن عبد الله بن طاوس عن ابن عباس قال كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج
من أفجر الفجور
قال وكانوا يسمون المحرم صفر ويقولون إذا برأ الدبر وعفا الأثر وانسلخ صفر
حلت العمرة لمن اعتمر
فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعه وهم ملبون بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة قالوا يا رسول الله
أي حل نحل قال الحل كله
فهذا بن عباس رضي الله عنهما قد أخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فسخ الحج إلى العمرة ليعلم الناس خلاف
ما كانوا يكرهون في الجاهلية وليعلموا أن العمرة في أشهر الحج مباحة كهي في غير أشهر الحج
فان قال قائل فقد ثبت بهذا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان بحجة مفردة
فقد خالف هذا ما رويتم عنه من تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرانه
قيل له ما في هذا خلاف لذلك لأنه قد يجوز أن يكون إحرامه أولا كان بحجة حتى قدم مكة ففسخ ذلك
بعمرة ثم أقام عليها على أنها عمرة وقد عزم أن يحرم بعدها بحجة فكان في ذلك متمتعا ثم لم يطف للعمرة
حتى أحرم بالحجة فصار بذلك قارنا
فهذه وجوه أحاديث بن عباس رضي الله عنهما قد صحت والتأمت على أن القران كان قبله التمتع
والافراد فلم تتضاد
الا أن في قوله لولا أنى سقت الهدى لحللت كما حل أصحابي دليلا على أن سياقه الهدي قد كانت
158

في وقت قد أحرم فيه بعمرة يريد بها التمتع إلى الحجة لأنه لو لم يكن فعل ذلك لكان هديه ذلك تطوعا
والتطوع من الهدى غير مانع من الاحلال الذي يكون لو لم يكن الهدى
فدل ذلك على أن إحرام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولا بعمرة ثم أتبعها حجة على السبيل الذي ذكرنا فيما تقدم
من هذا الباب
ولما ثبت بما وصفنا إباحة العمرة في أشهر الحج أردنا أن ننظر هل الهدى الواجب في القران كان
لنقصان دخل العمرة أو الحجة إذا قرنتا أم لا
فرأينا ذلك الهدى يؤكل منه وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن الهاد
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في الحديث الطويل قال وكان علي رضي الله
عنه قدم من اليمن بهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان جماعة الهدى الذي قدم به رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعلى من اليمن
مائة بدنة فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ثلاثا وستين بيده ونحر علي رضي الله عنه سبعة وثلاثين فأشرك
عليا في هديه
ثم أخذ من كل بدنه بضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رضي الله عنه من لحمها
وشرب من مرقها
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه بما ذكرنا قبل هذا الفصل أنه قرن وأنه كان عليه لذلك هدى
ثم أهدى هذه البدن التي ذكرنا فأكل من كل بدنة ما وصفنا ثبت بذلك إباحة الاكل من هدى
المتعة والقران
فلما كان ذلك الهدى مما يؤكل منه اعتبرنا حكم الدماء الواجبة للنقصان هل هي كذلك أم لا
فرأينا الدم الواجب من قص الأظافر وحلق الشعر والجماع وكل دم يجب لترك شئ من الحجة لا يؤكل
شئ من ذلك فكان كل دم وجب لإساءة أو لنقصان لا يؤكل منه وكان دم المتعة والقران يؤكل منهما
فثبت بذلك أنهما وجبا لمعنى خلاف الإساءة والنقصان
فهذه حجة قاطعة على من كره القران والتمتع بالعمرة إلى الحج
ثم الكلام بعد ذلك بين الذين جوزوا التمتع والقران في تفضيل بعضهم القران على التمتع وفي تفضيل
الآخرين التمتع على القران فنظرنا في ذلك فكان في القران تعجيل الاحرام بالحج وفي التمتع تأخيره فكان
ما عجل من الاحرام بالحج فهو أفضل وأتم لذلك الاحرام
159

وقد روي عن علي رضي الله عنه في قول الله عز وجل وأتموا الحج والعمرة لله قال اتمامها
أن تحرم بهما من دويرة أهلك
حدثنا بذلك بن مرزوق قال ثنا وهب عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي
رضي الله عنه
فلما كان في القران تقديم الاحرام بالحج على الوقت الذي يحرم به في التمتع كان القران أفضل من التمتع
وكلما أثبتنا وصححنا في هذا الباب هو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب الهدى يساق لمتعة أو قران هل يركب أم لا
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة قال اركبها
فقال يا رسول الله انها بدنة قال اركبها ويلك
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني بن أبي ذئب عن ابن عجلان عن أبي هريرة رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
* حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن عمه موسى بن يسار عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
غير أنه قال له في الثالثة أو الرابعة اركبها ويحك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجا قال ثنا حماد هو بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يسوق بدنة قال اركبها قال إنها بدنة
قال اركبها
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا معتمر عن أيوب
160

عن عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة قال اركبها قال إنها
بدنة قال اركبها بسيرها الذي في عنقها
قال فلقد رأيته يساير النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقها نعل
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا هشيم عن حجاج بن أرطاة عن نافع
أن بن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يسوق بدنة قال اركبها وما أنتم بمستنين سنة أهدى
من سنة محمد صلى الله عليه وسلم
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يسوق بدنة قال اركبها قال إنها بدنة قال اركبها
حدثنا عبد الله بن محمد بن خشيش البصري قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا هشام وشعبة
قالا ثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى إن الرجل إذا ساق بدنة لمتعة أو قران أن له أن يركبها واحتجوا في ذلك
بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إنما كان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم لضر رآه من الرجل فأمره بما أمره به لذلك
وهكذا نقول نحن لا بأس بركوبها في حال الضرورة ولا يجوز في حال الوجود
فاحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك للضرورة كما قالوا واحتمل أن يكون ذلك لا للضرورة ولكن
لان حكم البدن كلها كذلك تركب في حال الضرورة وفي حال الوجود
فنظرنا في ذلك فإذا نصر بن مرزوق قد حدثنا قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر
عن حميد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة وقد جهد قال اركبها
قال يا رسول الله انها بدنة قال اركبها
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان والنفيلي قالا ثنا زهير بن معاوية قال ثنا حميد الطويل عن ثابت
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسوق بدنة فكأنه رأى به جهدا فقال اركبها فقال إنها
بدنة قال اركبها وإن كانت بدنة
وقد روى في حديث بن عمر رضي الله عنهما حرف يدل على هذا المعنى أيضا
حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا هشيم عن الحجاج عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه
كان يقول في الرجل إذا ساق بدنة فأعيى اركبها وما أنتم بمستنين سنة أهدى من سنة محمد صلى الله عليه وسلم
161

فدل ذلك أيضا أن ما أمر به بن عمر رضي الله عنه وأخبر أنه سنة محمد صلى الله عليه وسلم هو ركوب البدنة
في حال الضرورة
ثم التمسنا حكم ركوب الهدى في غير حال الضرورة هل نجد له ذكرا في غير هذه الآثار
فإذا فهد قد حدثنا قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عن أبي
الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اركبوا الهدى بالمعروف حتى
تجدوا ظهرا
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا ابن أبي مريم ح
وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن صالح قالا ثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر
رضي الله عنه في ركوب الهدى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها
حتى تجد ظهرا
فأباح النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ركوبها في حال الضرورة ومنع من ذلك إذا ارتفعت الضرورة ووجد غيرها
فثبت بذلك أن هذا حكم الهدى من طريق الآثار تركب للضرورات وتترك لارتفاع الضرورات
ثم اعتبرنا حكم ذلك من طريق النظر كيف هو فرأينا الأشياء على ضربين
فمنها ما الملك فيها متكامل لم يدخله شئ يزيل عنه شيئا من أحكام الملك كالعبد الذي لم يدبره مولاه
وكالأمة التي لم تلد من مولاها وكالبدنة التي لم يوجبها صاحبها
فكل ذلك جائز بيعه وجائز الانتفاع به وجائز تمليك منافعه بإبدال وبلا إبدال
ومنها ما قد دخله شئ منع من بيعه ولم يزل عنه حكم الانتفاع به من ذلك أم الولد التي لا يجوز لمولاها
بيعها والمدبر في قول من لا يرى بيعه
فذلك لا بأس بالانتفاع به وبتمليك منافعه للذي يريد أن ينتفع بها ببدل أو بلا بدل
فكان ماله أن ينتفع به فله أن يملك منافعه من شاء بإبدال وبلا أبدال
ثم رأينا البدنة إذا أوجبها ربها فكل قد أجمع أنه لا يجوز له أن يؤاجرها ولا يتعوض بمنافعها بدلا
فلما كان ليس له تمليك منافعها ببدل كان كذلك ليس له الانتفاع بها ولا يكون له الانتفاع بشئ إلا
شئ له التعوض بمنافعه إبدالا منها
فهذا هو النظر أيضا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
162

وقد روى ذلك عن جماعة من المتقدمين
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة أراه عن مغيرة عن إبراهيم قال لا يشرب
لبن البدنة ولا يركبها إلا أن يضطر إلى ذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال هشام بن عروة عن أبيه قال البدنة إذا احتاج إليها
سائقها ركبها ركوب غير قادح
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن قيس عن عطاء مثله
وقد روى عن المتقدمين في قول الله عز وجل لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ما حدثنا ابن مرزوق
قال ثنا أبو عامر عن شعبة عن الحكم عن مجاهد ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة عن سفيان وحبان عن حماد كليهما عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد لكم فيها منافع إلى أجل مسمى قال في ظهورها وألبانها وأصوافها وأوبارها
حتى تصير بدنا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا ابن أبي نجيح عن مجاهد لكم
فيها منافع إلى أجل مسمى قال هي الإبل ينتفع بها حتى تقلد
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا ورقاء عن منصور عن إبراهيم لكم فيها
منافع إلى أجل مسمى قال إن احتاج إلى ظهرها ركبوا إن احتاج إلى لبنها شرب يعنى البدن
باب ما يقتل المحرم من الدواب
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا يحيى بن أيوب عن محمد بن العجلان
عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث مالك والليث
يعنى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمسة من الدواب يقتلن في الحرم العقرب والحدأ والغراب والفأرة
والكلب العقور إلا أنه قال في حديثه والحية والذئب والكلب العقور
163

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا زهير بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال الكلب العقور الأسد
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا حفص بن ميسرة قال حدثني زيد بن أسلم
عن ابن سيلان عن أبي هريرة رضي الله عنه مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا فقالوا الكلب العقور الذي أباح النبي صلى الله عليه وسلم قتله هو الأسد وكل سبع
عقور فهو داخل في ذلك
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا الكلب العقور هو الكلب المعروف وليس الأسد منه في شئ
وقالوا ليس في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكلب العقور هو الأسد وإنما ذلك
من قول أبي هريرة رضي الله عنه
وقد وجدنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ما يدفع ذلك وهو ما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا محمد
بن بكر البرساني قال أنا ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير أن عبد الرحمن بن أبي عمار
أخبره قال سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن الضبع فقلت آكلها قال نعم
قلت أصيد هي قال نعم فقلت وسمعت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا حبان وشيبان وهدبة قالوا ثنا جرير بن حازم ح
وحدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو غسان ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا جرير قال ثنا عبد الله بن عبيد بن عمير
قال ثنا ابن أبي عمار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع فقال هي من الصيد
وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا
حدثنا هارون بن كامل قال ثنا سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب قال حدثني إسماعيل بن أمية
وابن جريج وجرير بن حازم أن عبد الله بن عبيد الله بن عمير حدثهم قال حدثني عبد الرحمن بن أبي عمار
أنه سأل جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن الضبع فقال آكلها فقال نعم
قلت أصيد هي قال نعم قلت أسمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا حبان ح
164

وحدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قالا ثنا حسان بن إبراهيم عن إبراهيم الصائغ عن
عطاء عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وزاد وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا مسنا وتؤكل
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم عن منصور بن زاذان عن
عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قضي في الضبع إذا قتلها المحرم بكبش
فلما كان الضبع هي سبع ولم يبح النبي صلى الله عليه وسلم قتلها وجعلها صيدا وجعل على قاتلها الجزاء دلنا ذلك
على أن الكلب العقور ليس هو السبع وبطل بذلك ما ذهب إليه أبو هريرة وكان الكلب العقور هو الكلب
الذي تعرفه العامة
فان قال قائل فلما لا تبيحون قتل الذئب
قيل له لان النبي صلى الله عليه وسلم قال خمس من الدواب يقتلن في الحل والحرم فذكر الخمس ما هن
فذكر الخمس يدل على أن غير الخمس حكمه غير حكمهن والا لم يكن لذكره الخمس معنى
فالذين أباحوا قتل الذئب أباحوا قتل جميع السباع والذين منعوا قتل الذئب حضروا قتل سائر السباع غير
الكلب العقور خاصة
وقد ثبت خروج الضبع من القتل ولم يكن كلبا عقورا وثبت أن الكلب العقور هو الكلب الذي
تعرفه العامة
فأما ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقتل في الاحرام والحرم فما حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي وأحمد
بن عبد الرحمن قالا ثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه
قال قالت حفصة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الدواب يقتلهن المحرم الغراب والحدأ والفأرة
والعقرب والكلب العقور
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو زرعة قال أنا يونس عن ابن شهاب عن سالم أن عبد الله بن عمر
قال قالت حفصة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا أبو عوانة قال ثنا زيد بن جبير رضي الله عنه أن
رجلا سأل بن عمر رضي الله عنهما عما يقتل المحرم
فقال أخبرتني إحدى نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر ثم ذكر مثله
حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا أسباط بن محمد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يقتل المحرم فذكر مثله
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا عبد الأعلى بن حماد قال ثنا وهيب قال ثنا أيوب ح
165

وحدثنا يزيد قال ثنا موسى بن إسماعيل قال ثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يزيد قال ثنا شيبان قال ثنا جرير عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
* (حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني مالك عن نافع وعبد الله بن دينار عن ابن عمر
رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
* (حدثنا يزيد قال ثنا القعنبي قال قرأت على مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
* (حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال شعبة قلت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم وهو متناقل مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن
عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسلم بن إبراهيم قال ثنا شعبة فذكر بإسناده مثله غير أنه قال
الغراب الأبقع
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج قال ثنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الكلب العقور والفأرة والحدأ
والغراب والعقرب
حدثنا محمد بن حميد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا موسى بن أعين عن يزيد بن أبي زياد عن ابن
أبي نعم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يقتل المحرم الحية والعقرب
والفأرة الفويسقة
قال يزيد وعد غير هذا فلم أحفظ
قال قلت ولم سميت الفأرة الفويسقة
قال استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد أخذت فأرة فتيلة لتحرق على رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت
166

فقام إليها فقتلها وأحل قتلها لكل محرم أو حلال
فهذا ما أباح النبي صلى الله عليه وسلم للمحرم قتله في إحرامه وأباح للحلال قتله في الحرم وعد ذلك خمسا
فذلك ينفى أن يكون حكم أشكال شئ من ذلك كحكم هذه الخمس إلا ما اتفق عليه من ذلك أن
النبي صلى الله عليه وسلم عناه
فان قال قائل فقد رأينا الحية مباحا قتلها في ذلك كله وكذلك جميع الهوام فإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
من ذلك العقرب خاصة فجعلتم كل الهوام كذلك فما تنكرون أن يكون السباع كذلك أيضا فيكون ما ذكر
إباحة قتله منهن إباحة مثله لقتل جميعهن
قيل له قد أوجدناك عن النبي صلى الله عليه وسلم نص في الضبع وهي من سباع انها غير داخلة فيما أباح قتله من الخمس
فثبت بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد قتل سائر السباع بإباحته قتل الكلب العقور وإنما أراد بذلك خاصا
من السباع
ثم قد رأيناه أباح مع ذلك أيضا قتل الغراب والحدأ وهما من ذوي المخلب من الطير وقد أجمعوا
أنه لم يرد بذلك كل ذي مخلب من الطير لأنهم قد أجمعوا على أن العقاب والصقر والبازي ذو مخلب وأنهم غير
مقتولين في الحرم كما يقتل الغراب والحدأ
وإنما الإباحة من النبي صلى الله عليه وسلم لقتل الغراب والحدأ عليهما خاصة لا على ما سواهما من كل ذي مخلب من الطير
وأجمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح قتل العقرب في الاحرام والحرم
وأجمعوا أن جميع الهوام مثلها وأن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بإباحة قتل العقرب إباحة قتل جميع الهوام
فذو الناب من السباع بذي المخلب من الطير أشبه منه بالهوام مع ما قد بين ذلك وشده ما رواه جابر
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الضبع
فان قال قائل إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم حكم الضبع كما ذكرت لأنها تؤكل فأما ما كان لا يؤكل من السباع
فهو كالكلب
قيل له قد غلطت في التشبيه لأنا قد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح قتل الغراب والحدأة والفأرة وأكل لحوم
هؤلاء مباح عندكم فلم يكن إباحة أكلهن مما يوجب حرمة قتلهن
فكذلك الضبع ليس إباحة أكلها أوجب حرمة قتلها وإنما منع من قتلها أنها صيد وإن كانت سبعا فكل
السباع كذلك إلا الكلب الذي خصه النبي صلى الله عليه وسلم بما خصه به
فان قال قائل فكيف تكون سائر السباع كذلك وهي لا تؤكل
167

قيل له قد يكون من الصيد ما لا يؤكل ومباح للرجل صيده ليطعمه كلابه إذا كان في الحل حلالا
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل الحية أيضا في الحرم ما حدثنا أبو أمية قال ثنا موسى بن داود
قال ثنا حفص عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الحية
ونحن ب منى
فقد دل ذلك أن سائر الهوام مباح قتله في الاحرام والحرم
وجميع ما صححنا في هذا الباب هو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى غير الذئب
فإنهم جعلوه في ذلك كالكلب سواء
باب الصيد يذبحه الحلال في الحل
هل للمحرم أن يأكل منه أم لا
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قالا ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الله
بن الحارث بن نوفل أن عثمان بن عفان رضي الله عنه نزل قديد فأتى بالحج في الجفان شائلة بأرجلها
فأرسل إلى علي رضي الله عنه فجاءه والخبط يتحات من يديه فأمسك علي رضي الله عنه فأمسك الناس
فقال علي رضي الله عنه من ههنا من أشجع هل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي ببيضات وبتمير
أي بحمير وحش فقال أطعمهن أهلك فانا حرم قالوا نعم
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا لا يحل للمحرم أن يأكل لحم صيد قد ذبحه حلال
لان الصيد نفسه حرام عليه فلحمه أيضا حرام عليه
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا فهد قال ثنا محمد بن عمران قال ثنا أبي قال ثنا ابن أبي ليلى
عن عبد الكريم عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن ابن عباس رضي الله عنهما عن علي رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلحم صيد وهو محرم فلم يأكله
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن عبد الكريم عن قيس بن مسلم الجدلي عن الحسن بن علي
168

رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى له وشيقة ظبي وهو محرم فرده
قال يونس سمعته كله من سفيان غير قوله وشيقة فإني لم أفهم ذلك منه وحدثنيه بعض أصحابنا عنه
وليس في هذا الحديث ذكر علة رده لحم الصيد ما هي فقد يحتمل أن يكون ذلك لعلة الاحرام ويحتمل
أن يكون لغير ذلك فلا دلالة في هذا الحديث لأحد
وقد روى عن عائشة رضي الله عنها من رأيها في الصيد يصيده الحلال فيذبحه أنه لا بأس يأكله للمحرم
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ثنا شعبة قال حدثني شيخ
كخير الشيوخ يقال له عبيد الله بن عمران الفريعي قال سمعت عبد الله بن شماس يقول اتيت عائشة رضي الله
عنها فسألتها عن لحم الصيد يصيده الحلال ثم يهديه للمحرم
فقالت اختلف فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم من حرمه ومنهم من أحله وما أرى بشئ منه بأسا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن عمران بن عبيد الله أو عبيد الله بن عمران
رجل من بنى تميم عن عبد الله بن شماس عن عائشة رضي الله عنها مثله
فهذه عائشة رضي الله عنها لم يكن رد النبي صلى الله عليه وسلم لحم الصيد على الحلال عندها على ما قد دلها على حرمته
على المحرم
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن الحسن
بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لزيد بن أرقم حدثتني أنت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أهدى له عضو صيد وهو محرم فلم يقبله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس قال لما قدم
زيد بن أرقم أتاه بن عباس رضي الله عنهما فقال أهدى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم صيد فرده
وقال إني حرام
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء أن بن عباس رضي الله
عنهما قال لزيد بن أرقم هل علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى له عضو صيد وهو محرم فلم يقبله قال نعم
فهذا أيضا مثل حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما رد ذلك العضو على الذي
أهداه إليه لأنه حرام
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن عيينة عن الزهري عن عبيد الله
بن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بالأبواء وبودان
169

فأهديت له لحم حمار وحش فرده على فلما رأى الكراهة في وجهي قال ليس بنا رد عليك
ولكنا حرم
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا أسد قال ثنا المسعودي عن إسحاق بن راشد عن الزهري
فذكر بإسناده مثله
فقيل لهم هذا حديث مضطرب قد رواه قوم على ما ذكرنا ورواه آخرون فقالوا إنما أهدى إليه
حمارا وحشيا
حدثنا يونس قال انا بن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن
عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا ثم ذكر مثل حديثه
عن سفيان
حدثنا يونس قال انا بن وهب قال أخبرني بن أبي ذئب عن ابن شهاب فذكر بإسناده مثله
حدثنا يونس قال ثنا شعيب بن الليث عن أبيه عن الزهري فذكر بإسناده مثله
ففي هذه الأحاديث أن الهدية التي ردها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصعب من أجل أنه حرام كانت حمارا وحشيا
فإن كان ذلك كذلك فإن هذا لا يختلف أحد في حرمته على المحرم غير أن سعيد بن جبير رضي الله عنه
قد روى هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما فزاد فيه حرفا على ما رواه عبيد الله بين بذلك الحرف
أن الحمار كان مذبوحا
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا الفريابي قال ثنا سفيان عن أبي الهذيل عن معيد بن جبير عن ابن
عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا فرده وكان مذبوحا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا يقطر دما فرده عليه
وقال إني حرام
ففي هذا الحديث أن ذلك كان مذبوحا وقد رده رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه حرام
وقد روى أيضا عن سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان عجز حمار
وحش أو فخد حمار
حدثنا ابن مرزوق قال حدثني أبو عامر ووهب عن شعبة عن الحكم عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بقديد
يقطر دما فرده
170

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا معتمر بن سليمان قال سمعت منصورا
عن الحكم بن عتيبة فذكر بإسناده مثله غير أنه قال رجل حمار
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا شعبة عن الحكم وحبيب بن أبي ثابت
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أحدهما
عجز حمار وقال الآخر فخذ حمار وحش يقطر دما فرده
فقد اتفقت هذه الآثار المروية عن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث الصعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رده
الهدية عليه أنها كانت في لحم صيد غير حي فذلك حجة لمن كره للمحرم أكل لحم الصيد وإن كان الذي تولى
صيده وذبحه حلالا
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني يعقوب بن عبد الرحمن ويحيى بن عبد الله بن سالم عن
عمرو مولى المطلب عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لحم الصيد حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن
رجل من الأنصار عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا إبراهيم بن سويد قال حدثني عمرو بن أبي عمرو
عن المطلب عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فذهب قوم إلى هذا فقالوا كل صيد صيد من أجل محرم وإن كان الذي صاده حلالا فهو حرام على ذلك
المحرم كما يحرم عليه ما تولى هو صيده بنفسه
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا كل صيد صاده حلال فلحمه حلال لكل محرم وحلال
وكان من الحجة لهم في حديث المطلب الذي ذكرنا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم أو يصاد لكم يحتمل أن يكون
أراد به أو يصاد لكم بأمركم فإن كان ذلك كذلك فإنهم أيضا كذلك يقولون كل صيد صاده حلال لمحرم
بأمره فهو حرام على ذلك المحرم
وقد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث جاءت مجيئا متواترا في إباحة لحم الصيد الذي قد صاده الحلال للمحرم
إذا لم يكن صاده بأمره ولا بمعونته إياه عليه
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال أخبرني محمد بن المنكدر عن معاذ
بن عبد الرحمن التيمي عن أبيه عبد الرحمن بن عثمان قال كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن حرم فأهدى له
طير وطلحة راقد فمنا من أكل ومنا من تورع
171

فلما استيقظ طلحة وقدم بين يديه أكله فيمن أكله وقال أكلته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن
عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة عن رجل من بهز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالروحاء فإذا هو بحمار وحش
عقير فيه سهم قد مات
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه حتى يجئ صاحبه
فجاء البهزي فقال يا رسول الله هي رميتي فكلوه فأمر أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق وهم محرمون
ثم سار حتى إذا كان بالإثابة إذا هو بظبي مستظل في حقف جبل فيه سهم وهو حي
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل قف ههنا لا يراه أحد حتى تمضي الرفاق
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد رضي الله عنه أنه قال أخبرني محمد
بن إبراهيم ثم ذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو الأسود قال أنا نافع بن يزيد عن ابن الهاد أن محمد بن إبراهيم حدثه
عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة الضمري قال بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض أفناء الروحاء
وهو محرم إذا حمار معقور
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه فيوشك صاحبه أن يأتيه
فجاء رجل من بهز هو الذي عقر الحمار فقال يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فقسمه بين الناس
ثم ذكر نحو ما في حديث يزيد عن يزيد بن هارون
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن الهاد، ثم
ذكر بإسناده مثله
ففي حديث طلحة وعمير بن سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أباح للمحرمين أكل لحم الصيد الذي تولى
صيده الحلال
172

فقد خالف ذلك حديث على وزيد بن أرقم والصعب بن جثامة عن النبي صلى الله عليه وسلم
غير أن حديث طلحة وحديث عمير بن سلمة هذين ليس فيهما دليل على حكم الصيد إذا أراد الحلال به المحرم
فنظرنا في ذلك فإذا بن أبي داود قد حدثنا قال ثنا عياش بن الوليد الرقام قال ثنا عبد الأعلى عن
عبيد الله بن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى قتادة الأنصاري على الصدقة
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا عسفان فإذا هم بحمار وحش
قال وجاء أبو قتادة وهو حل فنكسوا رؤوسهم كراهية أن يحدوا أبصارهم فيفطن فرآه فركب فرسه
وأخذ الرمح فسقط منه فقال ناولونيه
فقالوا ما نحن بمعينيك عليه بشئ فحمل عليه فعقره فجعلوا يشوون منه
ثم قالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا
قال وكان تقدمهم فلحقوه فسألوه فلم ير بذلك بأسا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو عمر الحوضي قال أنا خالد بن عبد الله قال أنا عمرو بن يحيى عن عباد
بن تميم عن أبي قتادة أنه كان على فرس وهو حلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه محرمون فبصر بحمار وحش
فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعينوه فحمل عليه فصرع أتانا فأكلوا منه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا شعبة قال أخبرني عثمان بن عبد الله بن وهب
عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أنه كان في قوم محرمين وليس هو محرما وهم يسيرون فرأى حمارا
فركب فرسه فصرعه فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذلك فقال أشرتم أو صدتم أو قتلتم قالوا لا
قال فكلوا
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن أبي النضر عن نافع مولى أبى قتادة
عن ابن قتادة بن ربعي أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمون وهو غير
محرم فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه ثم سأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحهم فأبوا
فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بعضهم
فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن ذلك فقال إنما هي طعمة أطعمكموها الله
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أخبره عن
173

أبى قتادة مثله وزاد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هل معكم من لحمه شئ فقد علمنا أن أبا قتادة لم يصده في وقت
ما صاده إرادة منه أن يكون له خاصة وإنما أراد أن يكون له ولأصحابه الذين كانوا معه
فقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك له ولهم ولم يحرمه عليهم لإرادته أن يكون لهم معه
وفي حديث عثمان بن عبد الله بن وهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألهم فقال أشرتم أو سدتم أو قتلتم
قالوا لا قال فكلوا
فدل ذلك أنه إنما يحرم عليهم إذا فعلوا شيئا من هذا ولا يحرم عليهم بما سوى ذلك
وفي ذلك دليل أن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو مولى المطلب أو يصاد لكم أنه على
ما صيد لهم بأمرهم
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال بهذا القول أيضا عمر بن الخطاب
رضي الله عنه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا هارون بن إسماعيل قال ثنا علي بن المبارك قال ثنا يحيى بن أبي سلمة عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن رجلا من أهل الشام استفتاه في لحم الصيد وهو محرم فأمره بأكله
قال فلقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبرته بمسألة الرجل فقال بما أفتيته فقلت بأكله
فقال والذي نفسي بيده لو أفتيته بغير ذلك لعلوتك بالدرة إنما نهيت أن تصطاده
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث
عن أبي هريرة رضي الله عنه فذكر مثله غير أنه قال لفعلت بك يتوعده
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن سالم أنه سمع أبا هريرة رضي الله
عنه يحدث عن عمر رضي الله عنه فذكر مثله
حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني عقيل
عن ابن شهاب فذكر بإسناده مثله
فلم يكن عمر رضي الله عنه ليعاقب رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتياه في هذا بخلاف ما يرى والذي
عنده في ذلك مما يخالف ما أفتى به رأيا
ولكن ذلك عندنا والله أعلم لأنه قد كان أخذ علم ذلك من غير جهة الرأي
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل قال ثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود أن كعبا سأل
عمر رضي الله عنه عن الصيد يذبحه الحلال فيأكله الحرام
فقال عمر رضي الله عنه لو تركته لرأيتك لا تفقه شيئا
174

وقد احتج في ذلك المخالفون لهذا القول بما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا أبو عوانة
عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن أبيه قال كنا مع عثمان وعلى رضي الله عنهما حتى إذا كنا
بمكان كذا وكذا قرب إليهم طعام
قال فرأيت جفنة كأني أنظر إلى عراقيب اليعاقيب فلما رأى ذلك علي رضي الله عنه قام فقام معه ناس
قال فقيل والله ما أشرنا ولا أمرنا ولا صدنا
فقيل لعثمان رضي الله عنه ما قام هذا ومن معه إلا كراهية لطعامك
فدعاه فقال ما كرهت من هذا
فقال علي رضي الله عنه أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم
عليكم صيد البر ما دمتم حرما ثم انطلق
قال فذهب علي رضي الله عنه إلى أن الصيد ولحمه حرام على المحرم
قيل لهم فقد خالفه في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وطلحة بن عبيد الله وعائشة رضي الله عنها
وأبو هريرة رضي الله عنه وقد تواترت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يوافق ما ذهبوا إليه
وقول الله عز وجل وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما يحتمل ما حرم عليهم منه
هو أن يصيدوه
ألا ترى إلى قول الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله
منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم فنهاهم الله تعالى في هذه الآية عن قتل الصيد وأوجب
عليهم الجزاء في قتلهم إياه
فدل ما ذكرنا أن الذي حرم على المحرمين من الصيد هو قتله
وقد رأينا النظر أيضا يدل على هذا وذلك أنهم أجمعوا أن الصيد يحرمه الاحرام على المحرم ويحرمه
الحرم على الحلال
وكان من صاد صيدا في الحل فذبحه في الحل ثم أدخله الحرم فلا بأس بأكله إياه في الحرم
ولم يكن إدخاله لحم الصيد الحرم كإدخاله الصيد نفسه وهو حي الحرم لأنه لو كان كذلك لنهى عن
إدخاله ولصنع من أكله إياه فيه كما يمنع من الصيد في ذلك كله ولكان إذا أكله في الحرم وجب عليه
ما وجب في قتل الصيد
فلما كان الحرم لا يمنع من لحم الصيد الذي صيد في الحل كما يمنع من الصيد الحي كان النظر على ذلك
175

أن يكون كذلك الاحرام أيضا يحرم على المحرم الصيد الحي ولا يحرم عليه لحمه إذا تولى الحلال ذبحه قياسا
ونظرا على ما ذكرنا من حكم المحرم
فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب رفع اليدين عند رؤية البيت
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا نعيم بن حماد قال ثنا الفضل بن موسى قال ثنا ابن أبي ليلى عن نافع
عن ابن عمرو عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ترفع الأيدي في سبع
مواطن في افتتاح الصلاة وعند البيت وعلى الصفا والمروة وبعرفات وبالمزدلفة وعند الجمرتين
حدثنا فهد قال ثنا الحماني قال ثنا المحاربي عن ابن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال أبو جعفر فكان هذا الحديث مأخوذا به لا نعلم أحدا خالف شيئا منه غير رفع اليدين عند البيت
فان قوما ذهبوا إلى ذلك واحتجوا بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فكرهوا رفع اليدين عند رؤية البيت
واحتجوا في ذلك بما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن أبي قزعة
الباهلي عن المهاجر عن جابر بن عبد الله أنه سئل عن رفع الأيدي عن البيت
فقال ذاك شئ يفعله اليهود قد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعل ذلك
فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه يخبر أن ذلك من فعل اليهود وليس من فعل أهل الاسلام وأنهم
قد حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفعل ذلك
176

فإن كان هذا الباب يؤخذ من طريق الاسناد فان هذا الاسناد أحسن من إسناد الحديث الأول
وإن كان ذلك يؤخذ من طريق تصحيح معاني الآثار فان جابرا قد أخبر أن ذلك من فعل اليهود
فقد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به على الاقتداء منه بهم إذ كان حكمه أن يكون على شريعتهم
لأنهم أهل كتاب حتى يحدث الله عز وجل له شريعة تنسخ شريعتهم ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فخالفهم فلم يرفع
يديه إذا من مخالفتهم
فحديث جابر أولى لان فيه مع تصحيح هذين الحديثين النسخ لحديث بن عباس رضي الله عنهما وابن عمر
رضي الله عنهما
وإن كان يؤخذ من طريق النظر فانا قد رأينا الرفع المذكور في هذا الحديث على ضربين فمنه رفع لتكبير
الصلاة ومنه رفع للدعاء
فأما ما للصلاة فرفع اليدين عند افتتاح الصلاة
وأماما للدعاء فرفع اليدين عند الصفا والمروة وبجمع وعرفة وعند الجمرتين
فهذا متفق عليه وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا في رفع اليدين بعرفة ما حدثنا محمد بن خزيمة
قال ثنا حجاج قال أنا حماد عن بشر بن حرب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يدعو بعرفة وكان يرفع يديه نحو ثندوته
فأردنا أن ننظر في رفع اليدين عن رؤية البيت هل هو كذلك أم لا فرأينا الذين ذهبوا إلى ذلك ذهبوا أنه
لا لعلة الاحرام ولكن لتعظيم البيت
وقد رأينا الرفع بعرفة والمزدلفة وعند الجمرتين وعلى الصفا والمروة إنما أمر بذلك من طريق الدعاء
في الموطن الذي جعل ذلك الوقوف فيه لعلة الاحرام
وقد رأينا من صار إلى عرفة أو مزدلفة موضع رمى الجمار أو الصفا والمروة وهو غير محرم أنه لا يرفع
يديه لتعظيم شئ من ذلك
فلما ثبت أن رفع اليدين لا يؤمر به في هذه المواطن إلا لعلة الاحرام ولا يؤمر به في غير الاحرام
كان كذلك لا يؤمر برفع اليدين لرؤية البيت في غير الاحرام
فإذا ثبت أن لا يؤمر بذلك في غير الاحرام ثبت أن لا يؤمر به أيضا في الاحرام
وحجة أخرى أنا قد رأينا ما يؤمر برفع اليدين عنده في الاحرام ما كان مأمورا بالوقوف عنده
من المواطن التي ذكرنا
وقد رأينا جمرة العقبة كغيرها من الجمار غير أنه لا يوقف عندها فلم يكن هناك رفع
177

فالنظر على ذلك أن يكون البيت لما لم يكن عنده وقوف أن لا يكون عنده رفع قياسا ونظرا على
ما ذكرنا من ذلك
وهذا الذي أثبتناه بالنظر هو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد روى في ذلك عن إبراهيم النخعي ما حدثنا سليمان بن شعيب بن سليمان عن أبيه عن أبي يوسف
رضي الله عنه عن أبي حنيفة رضي الله عنه عن طلحة بن مصرف عن إبراهيم النخعي قال ترفع الأيدي
في سبع مواطن في افتتاح الصلاة وفي التكبير للقنوت في الوتر وفي العيدين وعند استلام الحجر وعلى الصفا
والمروة وبجمع وعرفات وعند المقامين عند الجمرتين
قال أبو يوسف رحمه الله فأما في افتتاح الصلاة في العيدين وفي الوتر وعند استلام الحجر فيجعل ظهر
كفيه إلى وجهه وأما في الثلاث الاخر فيستقبل بباطن كفيه وجهه
فأما ما ذكرنا في افتتاح الصلاة فقد اتفق المسلمون على ذلك جميعا
وأما التكبيرة في القنوت في الوتر فإنها تكبيرة زائدة في تلك الصلاة وقد أجمع الذين يقنتون قبل الركوع
على الرفع معها
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك كل تكبيرة زائدة في كل صلاة فتكبير العيدين الزائد فيها على سائر
الصلاة كذلك أيضا
وأما عند استلام الحجر فإن ذلك جعل تكبيرا يفتتح به الطواف كما يفتتح بالتكبير الصلاة وأمر به
رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن أبي يعفور العبدي قال سمعت أميرا كان على مكة من طرف الحجاج
عنها سنة ثلاث وسبعين يقول كان عمر رضي الله عنه رجلا قويا وكان يزاحم على الركن
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا حفص أنت رجل قوي وإنك تزاحم على الركن فتؤذي الضعيف فإذا رأيت
خلوة فاستلمه وإلا فكبر وامض
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا أبو عوانة عن أبي يعفور عن رجل من خزاعة
قال وكان الحجاج استعمله على مكة ثم ذكر مثله
فلما جعل ذلك التكبير يفتتح به الطواف كالتكبير الذي جعل يفتتح به الصلاة أم بالرفع فيه كما يؤمر
بالرفع في التكبير لافتتاح الصلاة ولا سيما إذ قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الطواف بالبيت صلاة
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد ح
وحدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قالا ثنا الفضيل بن عياض
178

عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله عز وجل
قد أحل لكم المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير
فهذه العلة التي لها وجب الرفع فيما زاد على ما في الحديث الأول
وأما الرفع على الصفا والمروة وبجمع وعرفات وعند المقامين عند الجمرتين فإن ذلك قد جاء
منصوصا في الخبر الأول
وهذا الذي وصفنا من هذه المعاني التي ثبتناها قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب الرمل في الطواف
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل
قال قلت لابن عباس رضي الله عنهما زعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة
قال صدقوا وكذبوا
قلت ما صدقوا وما كذبوا قال صدقوا رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وكذبوا ليست بسنة إن قريشا
قالت زمن الحديبية دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف فلما صالحوه على أن يجئ في العام المقبل
فيقيم ثلاثة أيام بمكة فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمشركون على جبل قعيقعان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأصحابه أرملوا بالبيت ثلاثا وليست بسنة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرمل في الطواف ليس بسنة واحتجوا في ذلك بهذا الحديث وقالوا إنما
كان الرمل ليرى المشركون أن بهم قوة وأنهم ليسوا بضعفاء لا لان ذلك سنة
واحتجوا في ذلك أيضا بما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد عن أيوب عن
سعيد بن جبير عن عباس رضي الله عنهما قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وأصحابه
179

فقال المشركون إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فلما قدموا قعد المشركون مما يلي الحجر
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين
قال بن عباس رضي الله عنهما ولم يمنعه أن يأمرهم بأن يرملوا الأشواط الأربعة إلا إبقاء عليهم
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حجاج بن نضير قال ثنا فطر بن خليفة عن أبي الطفيل قال قلت لابن عباس
رضي الله عنهما زعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بالبيت وأنها سنة
قال صدقوا وكذبوا قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وليست بسنة ولكن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة
والمشركون على قعيقعان وبلغه أنهم يقولون إن به وبأصحابه هزالا فقال لأصحابه أرملوا أروهم
أن بكم قوة
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمل من الحجر الأسود إلى الركن اليماني فإذا توارى عنهم مشى
قالوا فلا ترى أنه أمرهم أن يمشوا في الأشواط الثلاثة فيما بين الركنين حيث لا يراهم المشركون وأمرهم
أن يرملوا فيما بقي من هذه الأشواط ليروهم
فلما كان قد أمرهم بالرمل حيث يرونهم وبتركه حيث لا يرونهم ثبت بذلك أن الرمل كان من أجلهم
لا من أجل أنه سنة
قالوا ومما دل على ذلك أنه لم يفعل ذلك لما حج وذكروا في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا يحيى الحماني
قال ثنا قيس عن العلاء بن المسيب عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رمل
في العمرة ومشى في الحج
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرمل في حجه حيث عدم الذين من أجلهم رمل في عمرته
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا الرمل في الأشواط الثلاثة الأول سنة لا ينبغي تركها في الحج
ولا في العمرة
واحتجوا في ذلك بما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج قال ثنا حماد عن عبد الله بن عثمان بن خيثم
عن أبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة فرمل بالبيت ثلاثا
ومشى أربعة أشواط
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الأشواط كلها وقد كان في بعضها حيث يراه المشركون
وفي بعضها حيث لا يرونه
180

ففي رمله حيث لا يرونه دليل على أنه ليس من أجلهم رمل ولكن لمعنى آخر
وقد حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال ثنا ابن المبارك عن عبيد الله بن أبي زياد
عن أبي الطفيل قال رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر فهذا الحديث مثل الذي قبله
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا أسباط بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال كان بن عمر
رضي الله عنهما يرمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا ويمشي أربعا على هينته
قال بن عمر رضي الله عنهما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عفان قال ثنا سليم بن أخضر قال ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن
عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمل من الحجر إلى الحجر فهذا مثل الذي قبله أيضا
وقد استدل بذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما على ما ذكرنا ففعله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله إلا أنه ليس في ذلك أنه فعله في حج ولا في عمرة
فقد يجوز أن يكون ذلك كان منه وهو حاج فخالف ذلك ما روى عنه مجاهد
وقد يجوز أن يكون ذلك كان منه في عمرة فيكون مذهبه كان أن يرمل في العمرة ولا يرمل في الحجة
ومما يدل أيضا على ثبوت الرمل وأنه سنة ماضية في الحج والعمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعله في حجة
الوداع حيث لا عدو يريه قوته
فما روي عنه في ذلك ما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو بكر الحنفي قال ثنا عبد الله بن نافع
عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى ثلاثة ومشى أربعة حين قدم في الحج والعمرة
حين كان اعتمر
حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس عن أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معناه
فهذا خلاف ما روى مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما
وقد روي عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رمل في حجة الوداع
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني الهاد عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع سبعا
رمل منها ثلاثا ومشى أربعا
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حاتم بن إسماعيل قال ثنا جعفر بن محمد فذكر بإسناده مثله
181

حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن جعفر بن محمد عن أبيه عن رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف سبعا رمل في ثلاثة منهن من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود
فلما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رمل في حجة الوداع ولا عدو ثبت أنه لم يفعله إذا كان العدو
من أجل العدو
ولو كان فعله إذ كانوا من أجلهم لما فعله في وقت عدمهم فثبت بذلك أن الرمل في الطواف من سنن الحج
المفعولة فيه التي لا ينبغي تركها
وقد فعل ذلك أيضا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده
حدثنا فهد قال ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن
عمر قال فيما الرمل الآن والكشف عن المناقب
وقد نفى الله عز وجل الشرك وأهله على ذلك لا ندع شيئا عملناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا يحيى بن عيسى عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن يعلى بن أمية
قال لما حج عمر رمل ثلاثا وهذا بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكره عليه منهم أحد
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا فضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن شقيق
عن مسروق قال قدمت مكة معتمرا فتبعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فدخل المسجد فرمل ثلاثا
ومشى أربعا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أيوب عن نافع أن بن عمر رضي الله عنهما
كان إذا قدم مكة طاف بالبيت ورمل ثم طاف بين الصفا والمروة وإذا لبى بها من مكة لم يرمل بالبيت
وأخر الطواف بين الصفا والمروة إلى يوم النحر وكان لا يرمل يوم النحر
ففي هذا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يرمل في الحجة إذا كان إحرامه بها من غير مكة
فهذا خلاف ما رواه عنه مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم
فلا يخلو ما رواه عنه مجاهد من أحد وجهين إما ان يكون منسوخا فما نسخه فهو أولى منه
أو يكون غير صحيح عنه فهو أحرى أن لا يعمل به وأن يجب العمل بخلافه
ولما ثبت ما ذكرنا من الرمل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد عدم المشركين وعن أصحابه مبعده في الأشواط
الأول الثلاثة ثبت أن ذلك من سنة الطواف عند القدوم وأنه لا ينبغي لأحد من الرجال تركه إذا كان قادرا عليه
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
182

باب ما يستلم من الأركان في الطواف
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله
قال كنا نستلم الأركان كلها
وحدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير
عن جابر رضي الله عنه مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن من طاف بالبيت فينبغي له أن يستلم أركانه كلها واحتجوا في ذلك
بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا ينبغي أن يستلم من الأركان في الطواف غير الركنين اليمانيين
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن أبي داود عن نافع عن ابن عمر
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمر بهذين الركنين الأسود واليماني إلا استلمهما في الطواف
ولا يستلم هذين الآخرين
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو عاصم فذكر بإسناده مثله
حدثنا يزيد وابن مرزوق قالا ثنا أبو الوليد الطيالسي ح
وحدثنا يزيد بن سنان قال ثنا الليث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم
يمسح من البيت إلا الركنين اليمانيين
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال لم يكن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم من أركان البيت إلا الركن الأسود والذي يليه من نحو دار الجمحيين
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا ابن وهب عن الليث عن ابن شهاب فذكر بإسناده مثله
183

حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبيد بن جريج
أنه قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين
فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمس من الأركان إلا اليمانيين
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا زهير بن عباد قال ثنا عتاب بن بشير الجزري عن خصيف عن مجاهد
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن معاوية بن أبي سفيان طاف بالبيت الحرام فجعل يستلم الأركان كلها
فقال بن عباس رضي الله عنهما لم تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما
فقال معاوية ليس من البيت شئ مهجور
فقال بن عباس رضي الله عنهما لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة قال صدقت
فهذه الآثار كلها تخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يستلم في طوافه غير الركنين اليمانيين
ومع هذه الآثار من التواتر ما ليس مع الأثر الأول
وكان من الحجة عندنا والله أعلم لمن ذهب إلى هذه الآثار أيضا على من ذهب إلى من خالفها أن الركنين
اليمانيين هما مبنيان على منتهى البيت مما يليهما والآخران ليسا كذلك لان الحجر وراءهما وهو من البيت
وقد أجمعوا أن ما بين الركنين اليمانيين لا يستلم لأنه ليس بركن للبيت
فكان يجئ في النظر أن يكون كذلك الركنان الآخران لا يستلمان لأنهما ليسا بركنين للبيت
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر أنه من البيت ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا شيبان
بن عبد الرحمن أبو معاوية عن الأشعث بن أبي الشعثاء عن الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها
قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر فقال هو من البيت
فقلت ما منعهم أن يدخلوه فيه قال عجزت بهم النفقة
حدثنا فهد قال ثنا الحسن بن الربيع قال ثنا أبو الأحوص عن الأشعث عن الأسود بن يزيد
قال قالت عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجر أمن البيت هو قال نعم
قلت مالهم لم يدخلوه في البيت قال إن قومك قصرت بهم النفقة
فقلت ما شأن بابه مرتفع قال فعل قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ولولا أن قومك
حديثو عهدهم بجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم ذلك لنظرت أن أدخل الحجر في البيت وأن ألزق
بابه بالأرض
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا سليم بن حبان قال ثنا سعيد بن ميناء قال حدثني عبد الله
بن الزبير قال حدثتني عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية
لهدمت الكعبة وألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا ولزدت ستة أذرع من الحجر
في البيت إن قريشا استقصرته لما بنت البيت
184

حدثنا أبو بكرة قال ثنا عبد الله بن بكر السهمي قال ثنا حاتم بن أبي صغيرة عن أبي قزعة أن عبد الملك
بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال قائل عبد الله بن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول سمعتها وهي
تقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر
فقال الحارث بن عبد الرحمن بن ربيعة لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تقوله قال وددت
أني كنت سمعت هذا منك قبل أن أهدمه فتركته
فلما ثبت أن الحجر من البيت وأن الركنين اللذين يليانه ليسا بركنين للبيت ثبت أنهما كما بين
الركنين اليمانيين
فكما كان بين الركنين اليمانيين لا يستلم فكذلك هذان أيضا في النظر لا يستلمان
وقد استدل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بما استدللنا به من هذا في ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام ذينك الركنين
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله
بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن عائشة رضي الله عنها
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألم تري أن قومك حين بنو الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم عليه السلام
قالت فقلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم قال لولا حدثان قومك بالكفر
قال فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لئن كانت عائشة رضي الله عنها سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتم على قواعد إبراهيم عليه السلام
فثبت بهذه الآثار ما ذكرنا وأنه لا ينبغي أن يستلم من أركان البيت إلا الركنين اليمانيين
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
185

باب الصلاة للطواف
بعد الصبح وبعد العصر
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال أنا سفيان عن أبي الزبير عن ابن باباه عن جبير بن مطعم رفعه أنه
قال يا بني عبد المطلب لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت ويصلي أي ساعة شاء من ليل أو نهار
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال ثنا حسان بن إبراهيم عن إبراهيم
بن يزيد بن مردانبة عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بني عبد مناف إن وليتم هذا الامر
فلا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى إباحة الصلاة للطواف في الليل والنهار فلا يمنع من ذلك عندهم وقت من
الأوقات المنهي عن الصلاة فيها واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا حجة لكم في هذه الآثار لان ما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وأمر بني
عبد المطلب أو بني عبد مناف أن لا يمنعوا أحدا منه من الطواف والصلاة هو الطواف على سبيل ما ينبغي أن
يطاف والصلاة على سبيل ما ينبغي أن تصلى فأما على ما سوى ذلك فلا
ألا ترى أن رجلا لو طاف بالبيت عريانا أو على غير وضوء أو جنبا أن عليهم أن يمنعوه من ذلك لأنه
طاف على غير ما ينبغي الطواف عليه
وليس ذلك بداخل فيما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يمنعوا منه من الطواف
فكذلك قوله لا تمنعوا أحدا يصلي هو علي ما قد أمر أن يصلى عليه من الطهارة وستر العورة واستقبال
القبلة في الأوقات التي قد أبيحت الصلاة فيها فأما ما سوى ذلك فلا
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم نهيا عاما عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ونصف النهار وبعد
الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغيب الشمس وتواترت بذلك الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرت
بأسانيدها في غير هذا الموضع من هذا الكتاب
فكان مما احتج به أهل المقالة الأولى لقولهم في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد
قال ثنا بشر بن السري عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عبد الله بن باباه قال طاف أبو الدرداء
بعد العصر وصلى قبل مغارب الشمس
فقلت أنتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تقولون لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس
فقال إن هذا البلد ليس كسائر البلدان
فقالوا فقد دل قول أبي الدرداء على أن الصلاة للطواف لم يدخل فيها نهي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة
في الأوقات التي ذكرتم
186

قيل لهم فأنتم لا تقولون بهذا الحديث لأنا قد رأيناكم تكرهون الصلاة بمكة في الأوقات المنهي عن الصلاة
فيها لغير الطواف لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الأوقات ولا تخرجون حكم مكة في ذلك من حكم سائر
البلدان وأبا الدرداء فقد أخرج في الحديث الذي احتججتم به حكم مكة من حكم سائر البلدان سواها في المنع من
الصلوات في ذلك وأخبر أن النهي لم يدخل حكمها فيه وأنه إنما أريد به ما سواها مع أنه قد خالف أبا الدرداء
في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال طاف عمر
رضي الله عنه بالبيت بعد الصبح فلم يركع فلما صار بذي طوى وطلعت الشمس صلى ركعتين
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عبد
القادر مثله
فهذا عمر رضي الله عنه لم يركع حينئذ لأنه لم يكن عنده وقت صلاة وأخر ذلك إلى أن دخل عليه وقت
الصلاة فصلى وهذا بحضرة سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه منهم منكر ولو كان ذلك الوقت
عنده وقت صلاة للطواف لصلى ولما أخر ذلك لأنه لا ينبغي لأحد طاف بالبيت أن لا يصلي حينئذ
إلا من عذر
وقد روي عن معاذ بن عفراء مثل ذلك وقد ذكرت ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب
وقد روي مثل ذلك أيضا عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا همام قال أنا نافع أن بن عمر رضي الله عنهما قدم مكة عند
صلاة الصبح فطاف ولم يصل إلا بعدما طلعت الشمس
والنظر يدل على ذلك أيضا لأنا قد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الفطر ويوم النحر فكل
قد أجمع أن ذلك في سائر البلدان سواء
فالنظر على ذلك أن يكون ما نهى عنه من الصلوات في الأوقات التي نهى عن الصلوات فيها في سائر
البلدان كلها على السواء
فبطل بذلك قول من ذهب إلى إباحة الصلاة للطواف في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها
ثم افترق الذين خالفوا أهل المقالة الأولى في ذلك على فرقتين
فقالت فرقة منهم لا يصلي في شئ من هذه الخمسة الأوقات للطواف كما لا يصلي فيها للتطوع وممن قال ذلك
أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد وافقهم في ذلك ما روينا عن عمر رضي الله عنه ومعاذ بن عفراء وابن عمر رضي الله عنهما
187

وقالت فرقة يصلي للطواف بعد العصر قبل اصفرار الشمس وبعد الصبح قبل طلوع الشمس ولا يصلي
لذلك في الأوقات الثلاثة البواقي المنهي عن الصلاة فيها وممن قال ذلك مجاهد وإبراهيم النخعي وعطاء
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال طف
وصل ما كنت في وقت فإذا ذهب الوقت فأمسك
حدثنا أحمد قال ثنا يعقوب قال ثنا ابن أبي غنية عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء مثله
حدثنا أحمد قال ثنا يعقوب قال ثنا عبد الله بن رجاء وعبيد الله بن موسى عن عثمان بن الأسود
عن مجاهد قال طف
قال عبيد الله بعد الصبح وبعد العصر وصل ما كنت في وقت وقال بن رجاء في وقت صلاة
وقد روي مثل ذلك أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما
حدثنا أحمد قال ثنا يعقوب قال ثنا ابن أبي غنية عن عمر بن ذر عن مجاهد قال كان بن عمر
رضي الله عنهما يطوف بعد العصر ويصلي ما كانت الشمس بيضاء حية فإذا اصفرت وتغيرت طاف طوافا
واحدا حتى يصلي المغرب ثم يصلي ويطوف بعد الصبح ويصلي ما كان في غلس فإذا أسفر طاف طوافا
واحدا ثم يجلس حتى ترتفع الشمس ويمكن الركوع
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا موسى بن عقبة عن سالم وعطاء
أن بن عمر رضي الله عنهما كان يطوف بعد الصبح وبعد العصر أسبوعا ويصلي ركعتين ما كان في وقت صلاة
فهذا عطاء قد قال برأيه ما قد ذكرنا
وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت ويصلي
أي ساعة شاء من ليل أو نهار
فقد حمل ذلك على خلاف ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى
وكان النظر في ذلك لما اختلفوا هذا الاختلاف أنا رأينا طلوع الشمس وغروبها ونصف النهار يمنع
من قضاء الصلوات الفائتات وبذلك جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تركه قضاء الصبح التي نام عنها إلى
ارتفاع الشمس وبياضها
فإذا كان ما ذكرنا ينهى عن قضاء الفرائض الفائتات فهو عن الصلوات للطواف أنهى
وقد قال عقبة بن عامر ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا
حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل وحين تضيف الشمس للغروب حتى
تغرب وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما تقدم من كتابنا هذا
فإذا كانت هذه الأوقات تنهى عن الصلاة على الجنائز فالصلاة للطواف أيضا كذلك وكذلك كانت
188

الصلاة بعد العصر قبل تغير الشمس وبعد الصبح قبل طلوع الشمس مباحة على الجنائز ومباحة في قضاء الصلاة
الفائتة ومكروهة في التطوع وكان الطواف يوجب الصلاة حتى يكون وجوبها كوجوب الصلاة على الجنائز
فالنظر على ما ذكرنا أن يكون حكمها بعد وجوبها كحكم الفرائض التي قد وجبت وحكم الصلاة على الجنائز
التي قد وجبت
فتكون الصلاة للطواف تصلى في كل وقت يصلى فيه على الجنائز وتقضى فيه الصلاة الفائتة
ولا تصلى في كل وقت لا يصلي فيه على الجنازة ولا تقضى فيه صلاة فائتة
فهذا هو النظر عندنا في هذا الباب على ما قال عطاء وإبراهيم ومجاهد وعلى ما قد روى عن ابن عمر
رضي الله عنهما واليه نذهب وهو قول سفيان
وهو خلاف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب من أحرم بحجة فطاف لها قبل أن يقف بعرفة
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عثمان بن الهيثم قال ثنا ابن جريج قال أخبرني عطاء أن بن عباس رضي الله
عنهما كان يقول لا يطوف أحد بالبيت حاج ولا غيره إلا حل به
قلت له من أين كان بن عباس رضي الله عنهما يأخذ ذلك
قال من قبل قول الله تعالى ثم محلها إلى البيت العتيق)
* فقلت له فإنما ذلك بعد المعرف قال كان بن عباس رضي الله عنهما يراه قبل المعرف وبعده
قال وكان بن عباس رضي الله عنهما يأخذها من أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع قالها في
غير مرة
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن ابن أبي مليكة أن عروة قال
لابن عباس رضي الله عنهما أضللت الناس يا بن عباس
قال وما ذاك يا عرية
قال تفتي الناس أنهم إذا طافوا بالبيت فقد حلوا وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجيئان ملبين بالحج
فلا يزالان محرمين إلى يوم النحر
قال بن عباس بهذا ضللتم أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثوني عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
فقال عروة إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منك
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا عبد الرحمن بن زياد قال ثنا شعبة قال أخبرني قتادة قال سمعت
189

أبا حسان الرقاشي أن رجلا قال لابن عباس رضي الله عنهما يا بن عباس ما هذه الفتيا التي قد تفشت عنك
أن من طاف بالبيت فقد حل
قال سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وإن رغمتم
حدثنا علي بن معبد قال ثنا شبابة بن سوار ح
وحدثنا حسين بن نصر قال ثنا عبد الرحمن بن زياد ح
وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة عن قيس بن مسلم قال سمعت طارق
بن شهاب يحدث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء
فقال لي بم أهللت قال قلت أهللت كاهلال النبي صلى الله عليه وسلم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحسنت طف بالبيت وبين الصفا والمروة ثم أحلل ففعلت
فأتيت امرأة من قيس ففلت رأسي فكنت أفتي الناس بذلك حتى كان زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال رجل يا عبد الله بن قيس رويدا بعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك
فقلت يا أيها الناس من كنا أفتيناه فتيان فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم فيه فائتموا
فلما قدم عمر أتيته فذكرت ذلك له فقال لي عمر رضي الله عنه إن نأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله
يأمرنا بالاتمام وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا حاتم بن إسماعيل المديني قال ثنا جعفر بن محمد
عن أبيه قال دخلنا على جابر بن عبد الله فسألته عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم حاج
فقدم المدينة بشر كثير يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجنا حتى إذا أتينا ذا الحليفة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
في المسجد ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به على البيداء ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وينزل عليه القرآن
وهو يعرف تأويله ما عمل من شئ عملنا به فأهل بالتوحيد وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ولم يرد رسول
الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئا ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته
قال جابر رضي الله عنه لسنا ننوي إلا الحج لسنا نعرف العمرة حتى إذا كنا آخر طواف على المروة
190

قال إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة فمن كان ليس معه هدي
فليحلل وليجعلها عمرة
فحل الناس وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه الهدي
فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد
فقال فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى فقال دخلت العمرة هكذا في الحج مرتين
فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي
قال أبو جعفر وقول سراقة هذا للنبي صلى الله عليه وسلم وجواب النبي صلى الله عليه وسلم إياه يحتمل أن يكون
أراد به عمرتنا هذه
في أشهر الحج للأبد أو لعامنا هذا لأنهم لم يكونوا يعرفون العمرة فيما مضى في أشهر الحج ويعدون ذلك
من أفجر الفجور
فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هي للأبد
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث عن ابن الهاد عن جعفر
بن محمد فذكر بإسناده مثله غير أنه لم يذكر سؤال سراقة ولا جواب النبي صلى الله عليه وسلم إياه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن قيس بن سعد عن عطاء عن جابر
رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة لأربع خلون من ذي الحجة
فلما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها عمرة فلما كان يوم التروية لبوا
فلما كان يوم النحر قدموا فطافوا بالبيت ولم يطوفوا بين الصفا والمروة
حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن بشار قال ثنا سفيان قال ثنا عمرو بن دينار عن عطاء
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة صبيحة رابعة فأمرنا أن نحل
قلنا أي حل يا رسول الله قال الحل كله فلو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل الذي تصنعون
حدثنا محمد بن حميد الرعيني قال ثنا علي بن معبد قال ثنا موسى بن أعين عن خصيف عن عطاء
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال لما قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في حجة الوداع سأل الناس بما
أحرمتم فقال أناس أهللنا بالحج وقال آخرون قدمنا متمتعين وقال آخر وأهللنا بإهلالك يا رسول الله
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان قدم ولم يسق هديا فليحلل فإني لو استقبلت من أمري ما استدبرت
لم أسق الهدي حتى أكون حلالا
فقال سراقة بن مالك بن جعشم يا رسول الله عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد فقال بل لابد الأبد
191

حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني بن جريج عن عطاء
بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهللنا معه بالحج خالصا حتى
إذا قدمنا مكة رابعة ذي الحجة فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق هديا
أن يحل قال ولم يعزم في أمر النساء
قال جابر رضي الله عنه فقلنا تركنا حتى إذا لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس ليالي أمرنا نحل فنأتي
عرفات والمذي يقطر من مذاكيرنا ولم يحلل هو فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ساق الهدي
فبلغ قولنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر الذي بلغه من قولهم
فقال لقد علمتم أني أصدقكم وأتقاكم لله وأبركم ولولا أني سقت الهدي لحللت ولو استقبلت من أمري
ما استدبرت ما أهديت
قال جابر رضي الله عنه فسمعنا وأطعنا فحللنا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا مكي قال ثنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا وهو يخبر
عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال أمرنا بعدما طفنا أن نحل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى
فأهلوا فأهللنا من البطحاء
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عطاء أنه سمعه يحدث
عن جابر بن عبد الله قال أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة بالحج خالصا لا نخلطه بعمرة
فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فلما طفنا بالبيت وسعينا بين الصفا والمروة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن نجعلها عمرة وأن نخلو إلى النساء
فقلنا ليس بيننا وبين عرفة الا خمس ليال فنخرج إليها وذكر أحدنا يقطر منيا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأبركم وأصدقكم فلولا الهدي لحللت
فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل لابد الأبد
فكان سؤال سراقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور في هذا الحديث إنما هو على المتعة أي أنا قد صارت حجتنا
التي كنا دخلنا أولا عمرة ثم قد أحرمنا بعد حلنا منها بحجة فصرنا متمتعين فتمتعنا هذه لعامنا هذا خاصة
فلا تفعل ذلك فيما بعد أم للأبد فنتمتع بالعمرة إلى الحج كما تمتعنا في عامنا هذا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل للأبد
192

وليس ذلك على أن لهم فيما بعد أن يحلوا من حجة قبل عرفة لطوافهم بالبيت ولسعيهم بين
الصفا والمروة
وسنذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد هذا من هذا الكتاب ما يدل على أن ذلك الاحلال الذي كان منهم
قبل عرفة خاصا لهم ليس لمن بعدهم ونضعه في موضعه إن شاء الله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج قال ثنا حماد قال ثنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر
رضي الله عنهما قال إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا مكة ملبين بالحج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة
رضي الله عنها قالت خرجنا ولا نرى الا أنه الحج فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة طاف ولم يحل وكان معه
الهدي فطاف من معه من نسائه وأصحابه فحل منهم من لم يكن معه الهدي
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا داود عن أبي نضرة
عن أبي سعيد الخدري قال خرجنا من المدينة نصرخ بالحج صراخا فلما قدمنا طفنا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ا جعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي فلما كان عشية عرفة أهللنا بالحج
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب قال ثنا وهيب عن منصور عن عبد الرحمن عن أمه عن
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مهلين بالحج وكان مع الزبيري الهدي
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه من لم يكن معه الهدي فليحلل
قالت فلم يكن معي عامئذ هدي فأحللت
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا حبان بن هلال قال ثنا وهيب قال ثنا أيوب عن أبي قلابة
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين وبات بها حتى
أصبح فلما صلى الصبح ركب راحلته فلما انبعثت به سبح وكبر حتى إذا استوت به على البيداء جمع بينهما
فلما قدمنا مكة أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا فلما كان يوم التروية أهلوا بالحج
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا مكي بن إبراهيم قال ثنا عبيد الله بن أبي حميد عن أبي مليح عن معقل
بن يسار قال حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فوجدنا عائشة رضي الله عنها تنزع ثيابها
193

فقال لها مالك قالت أنبئت أنك قد أحللت وأحللت أهلك
فقال أحل من ليس معه هدي فأما نحن فلم نحلل لان معنا هديا حتى نبلغ عرفات
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذه الآثار فقلدوها وقالوا من طاف بالبيت قبل وقوفه بعرفة ولم يكن
ساق هديا فقد حل
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ليس لأحد دخل في حجة أن يخرج منها إلا بتمامها ولا يحله منها شئ
قبل يوم النحر من طواف ولا غيره
وقالوا أما ما ذكرتموه من قول الله عز وجل ثم محلها إلى البيت العتيق فهذا في البدن ليس
في الحاج ومعنى البيت العتيق ههنا هو الحرم كله كما قال في الآية الأخرى حتى يبلغ الهدي محله
فالحرم هو محل الهدي لأنه ينحر فيه فأما بنو آدم فإنما محلهم في حجهم يوم النحر
وأما ما احتجوا به من الآثار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره أصحابه بالحل من حجهم بطوافهم
الذي طافوه قبل عرفة فإن ذلك عندنا كان خاصا لهم في حجتهم تلك دون سائر الناس بعدهم
والدليل على ذلك ما حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا سعيد بن منصور وإسحاق بن أبي إسرائيل عن عبد العزيز
بن محمد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن ابن بلال بن الحارث عن أبيه قال قلت يا رسول الله أرأيت
فسخ حجنا هذا لنا خاصة أم للناس عامة قال بل لكم خاصة
حدثنا ابن أبي داود وصالح بن عبد الرحمن قالا ثنا سعيد بن منصور قال ثنا منصور قال ثنا
الدراوردي قال سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن يحدث عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه مثله
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال أنا عيسى بن يونس عن يحيى بن سعيد
الأنصاري عن المرقع بن صيفي عن أبي ذر قال إنما كان فسخ الحج للركب الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم
حدثنا فهد قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث عن يحيى بن سعيد عن المرقع الأسدي عن
أبي ذر الغفاري أنه قال كان ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا مكة أن نجعلها عمرة ونحل من كل شئ
أن تلك كانت لنا خاصة رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الناس
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قال ثنا حفص هو بن غياث عن يحيى بن سعيد قال حدثني المرقع
الأسدي قال قال أبو ذر لا والذي لا إله غيره ما كان لأحد أن يهل بحجة ثم يفسخها بعمرة إلا الركب
الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد قال أخبرني المرقع عن
أبي ذر قال ما كان لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخه بعمرة
194

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن عبد الأكرم عن إبراهيم التيمي عن أبيه أنه
قال في متعة الحج ليست لكم ولستم منها في شئ
حدثنا فهد هو بن سليمان قال ثنا عمر بن حفص بن غياث قال ثنا أبي قال ثنا الأعمش
قال حدثني إبراهيم التيمي عن أبيه قال قال أبو ذر إنما كانت المتعة لنا خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
متعة الحج
حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا شجاع بن الوليد عن سليمان بن مهران وهو الأعمش فذكر بإسناده مثله
وزاد يعني الفسخ
* حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج قال ثنا أبو عوانة عن معاوية بن إسحاق عن إبراهيم التيمي
عن أبيه قال سئل عثمان بن عفان رضي الله عنه عن متعة الحج فقال كانت لنا ليست لكم
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا أبو عوانة وصالح بن موسى الطلحي عن معاوية
بن إسحاق فذكر بإسناده مثله غير أنه قال سئل عثمان رضي الله عنه أو سألته
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا يزيد بن زريع قال ثنا داود قال ثنا أبو نضرة أنه سمع
أبا سعيد الخدري يقول قام عمر رضي الله عنه خطيبا حين استخلف فقال إن الله عز وجل كان رخص لنبيه
صلى الله عليه وسلم ما شاء ألا وان نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق به فأحصنوا فروج هذه النساء وأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا أبو شهاب عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي
سعيد الخدري قال قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصرخ بالحج صراخا فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت وبالصفا
والمروة فلما كان يوم التروية أحرمنا بالحج فلما كان عمر رضي الله عنه قال إن الله عز وجل كان رخص
لنبيه صلى الله عليه وسلم فيما شاء فأتموا الحج والعمرة
قال أبو جعفر ويدخل في هذا أيضا حديث أبي موسى الذي قد ذكرناه في أول هذا الباب
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد عن عاصم عن أبي نضرة عن جابر رضي الله
عنه قال متعتان فعلناهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما عمر رضي الله عنه فلن نعود إليهما
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد قال أخبرني كثير بن عبد الله
رجل من مزينة عن بعض أجداده أو أعمامه أنه قال ما كان لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخه بعمرة
(0 حدثنا ابن أبي داود قال ثنا إسحاق بن محمد القروي قال ثنا محمد بن حفص عن كثير بن عبد الله عن
بكر بن عبد الرحمن عن عبد الله بن هلال صاحب النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرنا عنه في هذه الآثار أن ذلك الفسخ الذي كان أمر به أصحابه خاصا لهم
ليس لأحد من الناس بعدهم وخلطنا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما رويناه عمن ذكرنا في هذا الفصل من
195

أصحابه لان ذلك عندنا مما لا يجوز أن يكونوا قالوه بآرائهم وإنما قالوه من جهة ما وقفوا عليه فهم فيما قالوا
في ذلك كمن أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقد ثبت بتصحيح هذه الآثار أن الخروج بالحج لا يكون إلا بالطواف في البيت
وقد أنكر قوم فسخ الحج وذكروا في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد بن كاسب
قال ثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
حجاجا فما حللنا من شئ أحرمنا به حتى كان يوم النحر
فمن الحجة على من أحتج بهذا أن بكر بن عبد الله قد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه قدموا مكة ملبين بالحج فقال من شاء أن يجعلها عمرة فليفعل إلا من كان معه الهدي وقد ذكر
ذلك بإسناده في هذا الباب
ففي هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل لهم أن يحلوا إن شاءوا إلا أنه عزم عليهم بذلك
فيجوز أن يكونوا لم يحلوا وقد كان لهم أن يحلوا فقد عاد ذلك إلى فسخ الحج لمن شاء أن يفسخه إلى عمرة
وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أيضا في ذلك ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا مالك
عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة
الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة ومنا من أهل بالحج وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج
فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر
فقد يجوز أن يكون ذلك عندها كما كان عند بن عمر رضي الله عنهما على ما قد ذكرنا
فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار
وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا قد وجدنا الأصل أن من أحرم بعمرة وطاف لها وسعى أنه قد فرغ منها
وله أن يحلق ويحل هذا إذا لم يكن ساق هديا
ورأيناه إذا كان قد ساق هديا لمتعة فطاف لعمرته وسعى لم يحل من عمرته حتى يوم النحر فيحل منها
ومن حجته إحلالا واحدا وبذلك جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جوابا لحفصة رضي الله عنها لما قالت له
ما بال الناس حلوا ولم تحل أنت من عمرتك قال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر
فكان الهدي الذي ساقه لمتعته التي لا يكون عليه فيها هدي إلا بأن يحج بعدها يمنعه من أن يحل
بالطواف حتى يوم النحر لان عقد إحرامه هكذا كان أن يدخل في عمرة فيتمها فلا يحل منها حتى يحرم بحجة
ثم يحل منها ومن العمرة التي قدمها قبلها معا
وكانت العمرة لو أمرهم بها منفردة حل منها بفراغه منها إذا حلق ولم ينتظر به يوم النحر
196

وكان إذا ساق الهدي لحجة يحرم بها بعد فراغه من تلك العمرة بقي على إحرامه إلى يوم النحر
فلما كان الهدي الذي هو من سبب الحج يمنعه الاحلال بالطواف بالبيت قبل يوم النحر كان دخوله في الحج
أحرى أن يمنعه من ذلك إلى يوم النحر
فهذا هو النظر أيضا عندنا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب القارن كم عليه من الطواف لعمرته ولحجته
حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري ومحمد بن إدريس المكي قالا ثنا سعيد بن منصور قال ثنا
عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من جمع
بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا على القارن بين الحج والعمرة طواف واحد لا يجب
عليه من الطواف غيره
وخالفهم بذلك آخرون فقالوا بل يطوف لكل واحد منهما طوافا واحدا ويسعى لهما سعيا
وكان من الحجة لهم في ذلك أهذا الحديث خطأ أخطأ فيه الدراوردي فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أصله
عن ابن عمر عن نفسه هكذا رواه الحفاظ وهم مع هذا فلا يحتجون بالدراوردي عن عبيد الله أصلا
فكيف يحتجون به في هذا
فاما ما رواه الحفاظ من ذلك عن عبيد الله فما حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور
قال ثنا هشيم قال ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول إذا قرن طاف لهما
طوافا واحدا فإذا فرق طاف لكل واحد منهما طوافا وسعيا
فإن قال قائل فقد روى أيوب بن موسى وموسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم ما يعود معناه إلى معنى ما روى الدراوردي
وقد ذكر في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا ابن عيينة عن أيوب
بن موسى عن نافع أن بن عمر رضي الله عنهما خرج من المدينة إلى مكة مهلا بعمرة مخافة الحصر ثم
قال ما شأنهما إلا واحدا أشهدكم أني قد قرنت إلى عمرتي حجة ثم قدم فطاف لهما طوافا واحدا وقال هكذا
فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أحمد قال ثنا يعقوب قال ثنا عبد العزيز بن محمد عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر
رضي الله عنهما نحوه
197

قالوا فقد وافق هذا ما روى الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما
عن النبي صلى الله عليه وسلم
قيل لهم فكيف يجوز أن تقبلوا هذا عن ابن عمر رضي الله عنهما
وقد حدثنا يزيد بن سنان وابن أبي داود قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني
عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة
الوداع بالعمرة ثم
أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج
فهذا بن عمر رضي الله عنهما يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان في حجة الوداع متمتعا وأنه بدأ
فأحرم بالعمرة
وقد حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قدموا مكة ملبين بالحج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء فليجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي
فأخبر بن عمر رضي الله عنهما في حديث بكر هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو ملب بالحج
وقد أخبر في حديث سالم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ فأحرم بالعمرة
فهذا معناه عندنا والله أعلم أنه كان أحرم أولا بحجة على أنها حجة ثم فسخها فصيرها عمرة فلبى
بالعمرة ثم تمتع بها إلى الحج حتى يصح حديث سالم وبكر هذين ولا يتضادان
وفسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج الذي كان فعله وأمر به أصحابه هو بعد طوافهم بالبيت قد ذكرنا ذلك في باب
فسخ الحج فأغنانا ذلك عن إعادته ها هنا
فاستحال بذلك أن يكون الطواف الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله للعمرة التي انقلبت إليها حجته مجزيا
عنه من طواف حجته التي أحرم بها بعد ذلك
ولكن وجه ذلك عندنا والله أعلم أنه لم يطف لحجته قبل يوم النحر لان الطواف الذي يفعل قبل
يوم النحر في الحجة إنما يفعل للقدوم لا لأنه من صلب الحجة
فاكتفى بن عمر رضي الله عنهما بالطواف الذي كان فعله بعد القدوم في عمرته عن إعادته في حجته
وهذا مثل ما قد روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا من فعله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أيوب عن نافع أن بن عمر رضي الله عنهما كان
إذا قدم مكة رمل بالبيت ثم طاف بين الصفا والمروة وإذا لبى من مكة بها لم يرمل بالبيت وأخر الطواف بين
الصفا والمروة إلى يوم النحر وكان لا يرمل يوم النحر
فدل ما ذكرنا أن بن عمر رضي الله عنهما كان إذا أحرم بالحجة من مكة لم يطف لها إلى يوم النحر
198

فكذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إحرامه بالحجة التي أحرم بها بعد فسخ حجته الأولى لم
يكن طاف
لها إلى يوم النحر
فليس في حديث بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من حكم طواف القارن لعمرته وحجته شئ
وثبت بما ذكرنا أيضا خطأ الدراوردي في حديث عبيد الله الذي وصفناه
واحتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضا بما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا مالك ح
وحدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله
عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه
هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعها
فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال أنقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة
فلما قضيت الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه إلى التنعيم فاعتمرت
فقال هذه مكان عمرتك
قالت فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا
من منى لحجهم
وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافا واحدا
قالوا فهذه عائشة رضي الله عنها قد قالت وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا
وهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأمره كانوا يفعلون
ففي ذلك ما يدل على القارن لحجته وعمرته طوافا واحدا ليس عليه غير ذلك
فكان من حجتنا عليهم لمخالفهم أنا قد روينا عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها
فيما تقدم من هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع تمتع وتمتع الناس معه
والمتمتع قد علمنا أنه الذي يهل بحجة بعد طوافه للعمرة
199

ثم قالت عائشة رضي الله عنها في حديث مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة فأخبرت أنهم دخلوا في إحرامهم كما يدخل المتمتعون
قالت ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما
ولم يبين في هذا الحديث الموضع الذي قال لهم هذا القول فيه
فقد يجوز أن يكون قاله لهم قبل دخول مكة أو بعد دخول مكة قبل الطواف فيكونون قارنين بتلك الحجة
العمرة التي كانوا أحرموا بها قبلها
ويجوز أن يكون قال لهم ذلك بعد طوافهم للعمرة فيكونون متمتعين بتلك الحجة التي أمرهم بالاحرام بها
فنظرنا في ذلك فوجدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه وأبا سعيد الخدري أخبرا في حديثهما اللذين رويناهما
عنهما في باب فسخ الحج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك القول في آخر طواف على المروة
فعلمنا أن قول عائشة رضي الله عنها في حديث مالك
وأما الذين جمعوا بين العمرة والحج أنها تعني جمع متعة لا جمع قران قالت فإنما طافوا طوافا واحدا
أي فإنما طافوا طوافا بعد جمعهم بين الحج والعمرة التي كانوا قد طافوا لها طوافا واحدا لان حجتهم تلك
المضمومة مع العمرة كانت مكية والحجة المكية لا يطاف لها قبل عرفة إنما يطاف لها بعد عرفة على ما كان
بن عمر يفعل فيما قد رويناه عنه
فقد عاد معنى ما روينا عن عائشة رضي الله عنها في هذا الباب وما صححنا من ذلك لنفي التضاد عنه
إلى معنى ما روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما وما صححنا من ذلك
فليس شئ من هذا يدل على حكم القارن حجة كوفية مع عمرة كوفية كيف طوافه لهما هل هو طواف
واحد أو طوافان
واحتج الذين ذهبوا إلى أن القارن يجزيه لعمرته وحجته طواف واحد أيضا بما حدثنا ربيع المؤذن
قال ثنا أسد ح
وحدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قالا ثنا ابن عيينة عن عبد الله بن أبي نجيح عن
عطاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إذا رجعت إلى مكة فإن طوافك يكفيك لحجك وعمرتك
قالوا فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي عليها لحجتها وعمرتها طواف واحد
قيل لهم ليس هكذا لفظ هذا الحديث الذي رويتموه إنما لفظه أنه قال طوافك لحجك يجزيك
لحجك وعمرتك
فأخبر أن الطواف المفعول للحج يجزيك عن الحج والعمرة وأنتم لا تقولون هذا إنما تقولون أن طواف
200

القارن طواف لقرانه لا لحجته دون عمرته ولا لعمرته دون حجته مع أن غير بن أبي نجيح من أصحاب
عطاء قد روى هذا الحديث بعينه عن عطاء على معنى غير هذا المعنى
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أنا حجاج وأنا عبد الملك
عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قلت يا رسول الله أكل أهلك يرجع بحجة وعمرة غيري
قال انفري فإنه يكفيك
قال حجاج في حديثه عن عطاء قال ألحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تخرج إلى التنعيم فتهل
منه بعمرة وبعث معها أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر فأهلت منه بعمرة ثم قدمت فطافت وسعت وقصرت
وذبح عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال عبد الملك عن عطاء ذبح عنها بقرة
فأخبر عبد الملك عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها بقصتها بطولها وأنها إنما أحرمت بالعمرة في وقت
ما كان لها أن تنفر بعد فراغها من الحجة والعمرة وأن الذي ذكر أنه يكفيها هو الحج من الحجة
والعمرة لا الطواف
فقد بطل أن يكون في حديث عطاء هذا حجة في حكم طواف القارن كيف هو
واحتج من ذهب أيضا في القارن أنه يطوف لعمرته وحجه طوافا واحدا بما حدثنا محمد بن خزيمة
قال ثنا عثمان بن الهيثم قال ثنا ابن جريج قال وأخبرني أبو الزبير رضي الله عنه أن جابر بن عبد الله
رضي الله عنه يقول دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وهي تبكي فقال مالك تبكين قالت أبكي لان الناس
حلوا ولم أحلل وطافوا بالبيت ولم أطف وهذا الحج قد حضر كما ترى
فقال هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي وأهلي بالحج ثم حجي وأقضي ما يقضي الحاج غير
أن لا تطوفي بالبيت ولا تصلي
قالت ففعلت ذلك فلما طهرت قال طوفي بالبيت وبين الصفا والمروة ثم قد حللت من حجك وعمرتك
فقلت يا رسول اني أجد في نفسي من عمرتي أني لم أكن طفت حتى حججت فأمر عبد الرحمن
فأعمرها من التنعيم
حدثنا يونس قال انا بن وهب قال أخبرني الليث عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قالوا فقد أمرها النبي صلى الله عليه وسلم وهي محرمة بالعمرة والحجة أن تطوف بالبيت وتسعى بين الصفا والمروة ثم تحل
201

فدل ذلك على أن حكم القارن في طوافه لحجته وعمرته هو كذلك وأنه طواف واحد لا شئ عليه
من الطواف غيره
فكان من الحجة على أهل هذه المقالة الأخرى أن حديث عائشة رضي الله عنها هذا قد روي
على غير ما ذكرنا
حدثنا أبو بكرة ومحمد بن خزيمة قالا ثنا عثمان بن الهيثم قال أخبرني بن جريج قال أخبرني هشام
بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال من شاء أن يهل بالحج
ومن شاء فليهل بالعمرة
قالت كنت ممن أهل بعمرة فحضت ودخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أنقض رأسي وأمتشط
وأدع عمرتي
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن أبي زائدة عن إسرائيل عن زيد بن الحسن
عن عكرمة عن عائشة مثله
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا يوسف بن عدي قال ثنا ابن أبي زائدة عن نافع عن ابن أبي مليكة
عن عائشة مثله
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها حين حاضت أن تدع عمرتها وذلك قبل طوافها لها
فكيف يكون طوافها في حجتها التي أحرمت بها بعد ذلك يجزئ عنها من حجتها تلك ومن عمرتها التي
قد رفضتها هذا محال
وقد روى الأسود عنها في ذلك أيضا ما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا أبو عوانة عن
منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا ولا نري إلا أنه الحج فلما قدم
مكة طاف ولم يحل وكان معه الهدي فطاف من معه من نسائه وأصحابه فحل منهم من لم يكن معه الهدي
قال وحاضت هي قالت فقضينا مناسكنا من حجتنا فلما كانت ليلة الحصبة ليلة النفر قلت يا رسول الله
أيرجع أصحابك بحج وعمرة وأرجع أنا بحج
قال أما كنت طفت بالبيت ليالي قدمنا قالت قلت لا قال انطلقي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي
بعمرة ثم موعدك مكان كذا وكذا
ففي هذا الحديث ما يدل على أنها قد كانت خرجت من عمرتها التي صارت مكان حجتها بفسخ الحج بحيضها
إلى عرفة قبل طوافها لها
202

لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها أما كنت طفت ليالي قدمنا أي لو كنت طفت كانت قد تمت لك عمرتك
مع حجتك التي قد فرغت منها
فلما أخبرته أنها لم تكن طافت ليالي قدموا جعلها بما فعلت بعد ذلك لحجها من وقوفها بعرفة أو توجهها
إليها خارجة من عمرتها فأمرها أن تعتمر أخرى مكانها من التنعيم
فكيف يجوز لقائل أن يقول إن طوافها بالبيت لحجة هي فيها يكون لتلك الحجة ولعمرة أخري قد
خرجت منها قبل ذلك هذا عندنا محال
وقد روى القاسم بن محمد عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في ذلك ما حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم
قال ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها
قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نذكر إلا الحج فلما جئنا سرف طمثت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأنا أبكي
فقال ما يبكيك فقلت لوددت أن لم أحج العام أو لم اخرج العام قال لعلك نفست
قلت نعم قال فإن هذا أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم فافعلي ما يفعل الحجاج غير أن
لا تطوفي بالبيت
قالت فلما جئنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه اجعلوها عمرة فحل الناس إلا من كان معه هدي
فكان الهدي معه ومع أبو بكر وعمر وعثمان وذي اليسارة ثم أهلوا بالحج
فلما كان يوم النحر طهرت فأرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفضت فأتي بلحم بقر فقلت ما هذا
فقالوا أهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر حتى إذا كانت ليلة الحصبة قلت يا رسول الله يرجع الناس بحجة
وعمرة وأرجع بحجة فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني خلفه فإني أذكر أني كنت أنعس فيضرب وجهي
مؤخرة الرحل حتى جئنا التنعيم فأهللت بعمرة جزاء عمرة الناس التي اعتمروا بها
فهذا مثل الحديث الذي قبله وقد رواه عروة عن عائشة رضي الله عنها أبين من ذلك
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
قالت خرجنا موافين للهلال
203

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء أن يهل بالحج فليهل ومن شاء أن يهل بالعمرة فليهل
فأما أنا فإني أهل بالحج لان معي الهدي
قالت عائشة رضي الله عنها فمنا من أهل بالحج ومنا من أهل بالعمرة وأما أنا فإني أهللت بالعمرة
فوافاني يوم عرفة وأنا حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعي عنك عمرتك وانقضي شعرك وامتشطي ثم لبي
بالحج فلبيت بالحج
فلما كانت ليلة الحصبة وطهرت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر فذهب بي إلى التنعيم
فلبيت بالعمرة قضاء لعمرتها
فبينت عائشة أن حجتها كانت مفصولة من عمرتها قد كانت فيما بينهما نقضت شعرها وامتشطت
فكيف يجوز أن يكون طوافها لحجتها التي بينها وبين عمرتها ما ذكرنا من الاحلال يجزء لحجتها
هذا محال وهو أولى من حديث أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه لان ذلك إنما أخبر فيه جابر رضي الله عنه
بقصة عائشة رضي الله عنها وأنها لم تكن حلت بين عمرتها وحجتها وأخبرت عائشة رضي الله عنها في هذا
بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إياها قبل دخولها في حجتها أن تدع عمرتها وأن تفعل ما يفعل الحلال بما ذكرت في حديثها
ودل ذلك أيضا على أن حديث عطاء عن عائشة رضي الله عنها كما رواه عنه الحجاج وعبد الملك لا كما
رواه عنه بن أبي نجيح
واحتج أيضا الذين قالوا يطوف القارن لحجته وعمرته طوافا واحدا بما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا
يعقوب بن حميد قال ثنا محمد بن حازم قال ثنا الحجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله
أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافا واحدا
قيل له ما أعجب هذا انكم تحتجون بمثل هذا وقد رويتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج
وعن بن جريج والأوزاعي وعمرو بن دينار وقيس بن سعد عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنهم قدموا
صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة وهو على الصفا في آخر طواف فكيف
تقبلون مثل ذلك وتدعون مثل هذا
فإن احتجوا في ذلك بما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو عامر قال ثنا رباح بن أبي معروف عن
عطاء عن جابر رضي الله عنه أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يزيدوا على طواف واحد
قيل لهم إنما يعني جابر رضي الله عنه بهذا الطواف بين الصفا والمروة وقد بين ذلك عنه أبو الزبير
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير سمع جابرا يقول لم يطف
النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا
وإنما أراد جابرا بهذا أن يخبرهم أن السعي بين الصفا والمروة لا يفعل في طواف يوم النحر ولا في طواف
الصدر كما يفعل في طواف القدوم
204

وليس في شئ من هذا دليل على أن ما على القارن من الطواف لعمرته وحجته هو طواف واحد أو طوافان
فإن قال قائل فقد صح عن ابن عمر من قوله في القارن أنه يطوف لعمرته وحجته طوافا واحدا فإلى
قول من تخالفون قوله في ذلك
قيل له إلى قول علي رضي الله عنه وعبد الله
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم أو مالك بن الحارث عن أبي نصر
قال أهللت بالحج فأدركت عليا فقلت له إني أهللت بالحج أفأستطيع أن أضيف إليه عمرة
قال لا لو كنت أهللت بالعمرة ثم أردت أن تضم إليها الحج ضمنته
قال قلت كيف أصنع إذا أردت ذلك قال تصب عليك إداوة من ماء ثم تحرم بهما جميعا وتطوف
لكل واحد منهما طوافا
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا شعبة قال أخبرني منصور عن مالك بن الحارث
عن أبي نصر السلمي عن علي رضي الله عنه مثله
قال أبو داود قال منصور فذكرت ذلك لمجاهد فقال ما كنا نفتي الناس إلا بطواف واحد
فاما الآن فلا
حدثنا محمد بن الحجاج قال ثنا الخصيب قال ثنا يزيد بن عطاء عن الأعمش عن إبراهيم ومالك
بن الحارث عن عبد الرحمن بن أذينة قال سألت عليا رضي الله عنه فذكر مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا أبو عوانة عن سليمان فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم عن مالك
عن أبي نصر مثله
قال منصور فذكرت ذلك لمجاهد فقال ما كنت أفتي الناس إلا بطواف واحد فأما الآن فلا
حدثنا ابن أبي عمران قال ثنا شجاع بن مخلد ح
وحدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قالا ثنا هشيم عن منصور بن زاذان عن
الحكم عن زياد بن مالك عن علي رضي الله عنه وعبد الله قالا القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين
فهذا علي وعبد الله قد ذهبا في طواف القارن إلى خلاف ما ذهب إليه بن عمر رضي الله عنهما
وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا رأينا الرجل إذا أحرم بحجة وجبت عليه بما فيها من الطواف بالبيت
والسعي بين الصفا والمروة ووجب عليه في انتهاك ما قد حرم عليه بإحرامه بها من الكفارات ما يجب
عليه في ذلك
وكذلك إذا أحرم بعمرة وجبت عليه أيضا بما فيها من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ووجب
عليه في انتهاك ما حرم عليه بإحرامه بها من الكفارات ما يجب عليه في ذلك
205

وكان إذا جمعهما فكل قد أجمع أنه في حرمتين حرمة حج وحرمة عمرة
فكان يجئ في النظر أن يجب عليه لكل واحد منهما من الطواف والسعي وغير ذلك من الكفارات
في انتهاك الحرم التي حرمت عليه فيها ما كان يجب عليه لها لو أفردها
فأدخل على هذا القول فقيل فقد رأينا الحلال يصيب الصيد في الحرم فيجب عليه الجزاء لحرمة الحرم
ورأينا المحرم يصيب صيدا في الحل فيجب عليه الجزاء لحرمة الحرام
ورأينا المحرم إذا أصاب صيدا في الحرم وجب عليه جزاء واحد لحرمة الاحرام ودخل فيه حرمة
الجزاء لحرمة الحرم
وهو في وقت ما أصاب ذلك الصيد في حرمتين في حرمة إحرام وحرمة حرم فلم يجب عليه لكل واحدة
من الحرمتين ما كان يجب عليه لها لو أفردها
قالوا فكذلك القارن فيما كان يجب عليه لكل واحدة من عمرته وحجته لو أفردها لا يجب عليه في ذلك
لما جمعهما إلا مثل ما يجب عليه في أحديهما ويدخل ما كان يجب عليه للأخرى لو كانت مفردة في ذلك
قيل له إنكم لم تقطعوا أن ما يجب على المحرم في قتله الصيد في الحرم جزاء واحد
وقد قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله إن القياس كان عندهم في ذلك أنه يجب عليه جزاءان
جزاء لحرمة الاحرام وجزاء لحرمة الحرم وأنهم إنما خالفوا ذلك استحسانا
ولكنا لا نقول في ذلك كما قالوا بل القياس عندنا في ذلك ما ذكروا أنهم استحسنوه
وذلك أنا رأينا الأصل المجتمع عليه أنه يجوز للرجل أن يجمع بين حجة وعمرة ولا يجمع بين حجتين
ولا بين عمرتين
فكان له أن يجمع بإحرام واحد بين شكلين مختلفين فيدخل بذلك فيهما ولا يجمع بين شيئين
من صنف واحد
فلما كان ما ذكرنا كذلك كان له أن يجمع أيضا بأدائه جزاء واحدا ما يجب عليه بحرمتين مختلفتين
وحرمة الحرم التي لا يجزئ فيها الصوم وحرمة الاحرام التي لا يجزئ فيها الصوم ويكون بذلك الجزاء
الواحد مؤديا عما يجب عليه فيهما
فلم يكن له أن يجمع بأدائه جزاء واحدا عما يجب عليه في انتهاك حرمتين مؤتلفتين من شكل واحد وهما
حرمة العمرة وحرمة الحج
كما لم يكن له أن يدخل بإحرام واحد في حرمة شيئين مؤتلفين
ولما كان ما ذكرنا أيضا كذلك وكان الطواف للحجة والطواف للعمرة من شكل واحد لم يكن
بطواف واحد داخلا فيهما ولم يكن ذلك الطواف مجزئا عنهما واحتاج أن يدخل في كل واحد منهما دخولا
206

على حدة قياسا ونظرا على ما ذكرنا مما يجمعه بإحرام واحد من الحجة والعمرة المختلفين ومما ذكرنا مما
لا يجمعه من الحجتين المؤتلفتين والعمرتين المؤتلفتين
فإن قال قائل فقد رأيناه يحل من حجته وعمرته بحلق واحد ولا يكون عليه غير ذلك فكذلك أيضا
يطوف لهما طوافا واحدا ويسعى لهما سعيا واحدا ليس عليه غير ذلك
قيل له قد رأيناه يحل بحلق واحد من إحرامين مختلفين لا يجزيه فيهما إلا طوافان مختلفان
وذلك أن رجلا لو أحرم بعمرة فطاف لها وسعى وساق الهدي ثم حج من عامه فصار بذلك متمتعا
أنه كان حكمه يوم النحر أن يحلق حلقا واحدا فيحل بذلك منهما جميعا
فكان يحل بحلق واحد من إحرامين مختلفين قد كان دخل فيهما دخولا متفرقا
ولم يكن ما وجب من ذلك من حكم الحلق موجبا أن حكم الطواف لهما كان كذلك وأنه طواف واحد
بل هو طوافان
فكذلك مما ذكرنا من حلق القارن لعمرته وحجته حلقا واحدا لا يجب به أن يكون كذلك لحكم طوافه
لهما طوافا واحدا
ولما كان قد يحل في الاحرامين اللذين قد دخل فيهما دخولا متفرقا بحلق واحد كان في الاحرامين اللذين
قد دخل فيهما دخولا واحدا أحرى أن يحل منهما كذلك
فهذا هو النظر في هذا الباب على ما روى عن علي رضي الله عنه وعبد الله من وجوب الطواف لكل
واحدة من العمرة والحجة وعلى ما ذكرنا من النظر على ذلك من وجوب الجزاء لكل واحدة منهما
في انتهاك حرمتهما
وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب حكم الوقوف بالمزدلفة
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عروة بن
مضرس قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم بجمع فقلت يا رسول الله هل لي من حج وقد أنضيت راحلتي
207

فقال من صلى معنا هذه الصلاة وقد وقف معنا قبل ذلك وأفاض من عرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه
وقضى تفثه
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال أنا وهب قال ثنا شعبة عن ابن أبي السفر وإسماعيل بن أبي خالد
عن الشعبي
وزكريا عن الشعبي وداود بن أبي هند عن الشعبي عن عروة بن مضرس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا حامد بن يحيى قال ثنا سفيان قال ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي
وابن أبي زائدة عن الشعبي وزكريا عن الشعبي وداود بن أبي هند قال سمعت عروة بن مضرس بن أوس بن
حارثة بن لائم الطائي يقول اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمزدلفة فقلت يا رسول الله جئت من جبلي طي ووالله
ما جئت حتى أتعبت نفسي وأنضيت راحلتي وما تركت جبلا من هذه الجبال إلا وقد وقفت عليه فهل لي من حج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من شهد معنا هذه الصلاة صلاة الفجر بالمزدلفة وقد كان وقف بعرفة قبل ذلك ليلا
أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه
قال سفيان وزاد زكريا فيه وكان أحفظ الثلاثة لهذا الحديث قال فقلت يا رسول الله أتيت هذه الساعة
من جبلي طي قد أكللت راحلتي وأتعبت نفسي فهل لي من حج
فقال من شهد معنا هذه الصلاة ووقف معنا حتى نفيض وقد كان وقف قبل ذلك بعرفة من ليل أو نهار
فقد تم حج وقضى تفثه
قال سفيان وزاد داود بن أبي هند قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين برق الفجر ثم ذكر الحديث
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الوقوف بالمزدلفة فرض لا يجوز إلا بإصابته
واحتجوا في ذلك بقول الله عز وجل فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام)
* وبهذا الحديث الذي رويناه
وقالوا ذكر الله عز وجل في كتابه المشعر الحرام كما ذكر عرفات وذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته
فحكمها واحد لا يجزي الحج إلا بإصابتها
208

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا أما الوقوف بعرفة فهو من صلب الحج الذي لا يجزئ الحج إلا بإصابته
وأما الوقوف بمزدلفة فليس كذلك
وكان من الحجة لهم في ذلك أن قول الله عز وجل فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند
المشعر الحرام ليس فيه دليل على أن ذلك على الوجوب لان الله عز وجل إنما ذكر الذكر ولم يذكر
الوقوف وكل قد أجمع أنه لو وقف بمزدلفة ولم يذكر الله عز وجل أن حجه تام
فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب ليس من صلب الحج فالموطن الذي يكون ذلك الذكر فيه الذي لم يذكر
في الكتاب أحرى أن لا يكون فرضا
وقد ذكر الله تعالى أشياء في كتابه من الحج ولم يرد بذكرها إيجابها حتى لا يجزئ الحج إلا بإصابتها
في قول أحد من المسلمين
من ذلك قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح
عليه أن يطوف بهما وكل قد أجمع أنه لو حج ولم يطف بين الصفا والمروة أن حجه قد تم وعليه دم
مكان ما نزل من ذلك
فكذلك ذكر الله عز وجل المشعر الحرام في كتابه ليس في ذلك دليل على إيجابه حتى لا يجزئ الحج
إلا بإصابته
وأما ما في حديث عروة بن مضرس فليس فيه دليل أيضا على ما ذكروا لان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال فيه
من صلى معنا صلاتنا هذه وقد كان أتى عرفة قبل ذلك من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه
فذكر الصلاة وكل قد أجمع على أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الامام حتى فاتته
أن حجه تام
فلما كان حضور الصلاة مع الامام المذكور في هذا الحديث ليس من صلب الحج الذي لا يجزئ الحج إلا
بإصابته كان الموطن الذي تكون فيه تلك الصلاة الذي لم يذكر في الحديث أحرى أن لا يكون كذلك
فلم يتحقق بهذا الحديث ذكر الفرض إلا لعرفة خاصة
وقد روى عبد الرحمن بن يعمر الديلي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يعلى بن عبيد قال ثنا سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر
الديلي قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات فأقبل أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج
فقال الحج يوم عرفة ومن أدرك جمعا قبل صلاة الصبح فقد أدرك الحج أيام منى ثلاثة أيام أيام
209

التشريق فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه ثم أردف خلفه
رجلا ينادي بذلك
حدثنا علي بن معبد قال ثنا شبابة بن سوار قال ثنا شعبة عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله ولم يذكر سؤال أهل نجد ولا إردافه الرجل
ففي هذا الحديث أن أهل نجد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحج فكان جوابهم لهم الحج يوم عرفة وقد علمنا
أن جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الجواب التام الذي لا نقص فيه ولا فضل لان الله تعالى قد آتاه جوامع الكلم
وخواتمه فلو كان عندما سألوه عن الحج أرادوا بذلك ما لا بد منه في الحج لكان يذكر عرفة والطواف
ومزدلفة وما يفعل من الحج
فلما ترك ذلك في جوابه إياهم علمنا أن ما أرادوا بسؤالهم إياه عن الحج هو ما إذا فات فات الحج
فأجابهم بأن قال الحج يوم عرفة
فلو كانت مزدلفة كعرفة لذكر لهم مزدلفة مع ذكره عرفة ولكنه ذكر عرفة خاصة لأنها صلب
الحج الذي إذا فات فات الحج
ثم قال كلاما مستأنفا ليعلم الناس أن من أدرك جمعا قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج ليس على معنى أنه
أدرك جميع الحج لأنه قد ثبت في أول كلامه الحج عرفة فأوجب بذلك أن فوت عرفة فوت الحج
ثم قال ومن أدرك جمعا قبل صلاة الصبح فقد أدرك الحج ليس على معنى أنه لم يبقى عليه من الحج شئ
لان بعد ذلك طواف الزيارة وهو واجب لابد منه ولكن فقد أدرك الحج بما تقدم له من الوقوف بعرفة
فهذا أحسن ما خرج من معاني هذه الآثار وصححت عليه ولم تتضاد
وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا قد رأينا الأصل المجتمع عليه أن للضعفة أن يتعجلوا من جمع بليل
وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب وسنذكر ذلك في موضوعه من كتابنا هذا
إن شاء الله تعالى
ورخص لسودة في ترك الوقوف بها
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها قالت كانت سودة المرأة ثبطة ثقيلة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع قبل أن تقف
فأذن لها ولوددت أني كنت أستأذنه فأذن لي
210

قال أبو جعفر فسقط عنهم الوقوف بمزدلفة للعذر ورأينا عرفة لا بد من الوقوف بها ولا يسقط ذلك لعذر
فما سقط بالعذر فهو الذي ليس من صلب الحج وما لا بد منه فلا يسقط بعذر ولا بغيره فهو الذي
من صلب الحج
ألا ترى أن طواف الزيارة هو من صلب الحج وأنه لا يسقط عن الحائض بالعذر وأن طواف الصدر ليس
من صلب الحج وهو يسقط عن الحائض بالعذر وهو الحيض
فلما كان الوقوف بمزدلفة مما يسقط بالعذر كان من شكل ما ليس بفرض فثبت بذلك ما وصفنا
وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب الجمع بين الصلاتين بجمع كيف هو
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا عبيد الله بن موسى قال أنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن
ابن يزيد قال خرجت مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى مكة فلما أتى جمعا صلى الصلاتين كل واحدة
منهما بأذان وإقامة ولم يصل بينهما
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أحمد بن يونس قال ثنا إسرائيل عن منصور عن إبراهيم عن الأسود
أنه صلى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاتين مرتين بجمع كل صلاة بأذان وإقامة والعشاء بينهما
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذين الحديثين فزعموا أن المغرب والعشاء يجمع بينهما بمزدلفة
بأذانين وإقامتين
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا أما الأولى منهما فتصلى بأذان وإقامة وأما الثانية فتصلى
بلا أذان ولا إقامة
وقالوا أماما كان من فعل عمر رضي الله عنه ومن تأذينه للثانية فإنما فعل ذلك لان الناس قد كانوا تفرقوا
لعشائهم فأذن ليجمعهم
وكذلك نقول نحن إذا تفرق الناس عن الامام لعشاء أو لغيره أمر المؤذن فأذن ليجتمعوا لأذانه
فهذا معنى ما روى في هذا عن عمر والذي روي عن عبد الله فهو مثل هذا أيضا
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن أبي إسحاق الهمداني عن عبد الرحمن بن يزيد قال كان بن مسعود
رضي الله عنه يجعل العشاء بمزدلفة بين الصلاتين
فقد عاد معنى ما روي عن عبد الله في هذا إلى معنى ما روي عن عمر رضي الله عنه أيضا
211

ثم نظرنا ما روي في ذلك إذا صلينا معا كيف نفعل فيهما
فإذا بن مرزوق قد حدثنا قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا شعبة عن الحكم أنه صلى مع سعيد بن جبير
بجمع المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة
ثم حدث أن بن عمر رضي الله عنهما صنع مثل ذلك وحدث بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صنع
مثل ذلك في ذلك المكان
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة عن الحكم أنه صلى مع سعيد بن جبير بجمع المغرب
ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة
ثم حدث أن بن عمر رضي الله عنهما صنع مثل ذلك وحدث بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صنع
مثل ذلك في ذلك المكان
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد قال ثنا شعبة قال أخبرني الحكم بن عتيبة وسلمة بن كهيل
قال صلى بنا سعيد بن جبير بإقامة المغرب ثلاثا فلما سلم قام فصلى ركعتي العشاء ثم حدث عن ابن عمر
رضي الله عنهما أنه صنع بهم في ذلك المكان مثل ذلك وحدث بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع
بهم في ذلك المكان مثل ذلك
حدثنا أبو بكرة قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا شعبة عن الحكم قال شهدت سعيد بن جبير أقام بجمع
الصلاة وأحسبه قال أذن فصلى المغرب ثلاثا ثم قام فصلى العشاء ركعتين بالإقامة الأولى وحدث أن بن عمر
رضي الله عنهما صنع في هذا المكان هذا وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل ذلك
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان الثوري عن سلمة عن سعيد بن جبير عن ابن
عمر رضي الله عنهما قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب عن شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مالك عن ابن عمر
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا سفيان ح
وحدثنا حسين بن نصر قال سمعت يزيد بن هارون قال أنا سفيان بن سعيد الثوري عن أبي إسحاق
عن عبد الله بن مالك قال صليت مع بن عمر رضي الله عنهما المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة
فقيل له يا أبا عبد الرحمن ما هذا فقال صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان بإقامة واحدة
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عمرو بن خالد قال ثنا زهير بن معاوية قال ثنا أبو إسحاق عن مالك
بن الحارث قال صلى بنا عبد الله بن عمر بالمزدلفة صلاة المغرب بإقامة ليس معها أذان ثلاث ركعات ثم سلم
ثم قال الصلاة ثم قام فصلى العشاء ركعتين ثم سلم
212

فقال له مالك بن الحارث ما هذه الصلاة يا أبا عبد الرحمن قال صليت هاتين الصلاتين مع النبي صلى الله عليه وسلم
في هذا المكان ليس معهما أذان
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال حدثني أربعة كلهم ثقة منهم سعيد
بن جبير وعلي الأزدي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة بإقامة واحدة
فهذا بن عمر رضي الله عنهما يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلاهما ولم يؤذن بينهما ولم يقم
وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما في هذا شئ بلفظ غير هذا اللفظ
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني بن أبي ذئب عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله
عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا لم يناد في واحدة منهما إلا بالإقامة ولم يسبح
بينهما ولا على إثر واحدة منهما
(0) حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني قال ثنا محمد بن إدريس الشافعي عن عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب
فذكر بإسناده مثله غير أنه قال لم يناد بينهما ولا على إثر واحدة منهما إلا بإقامة
وهكذا حفظي عن يونس عن ابن وهب غير أني وجدته في كتابي كما نصصته في الحديث الذي قبل هذا
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو عامر قال ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم
جمع بين الصلاتين بجمع لم يناد في كل واحدة منهما إلا بإقامة ولم يسبح بينهما
فقوله في هذا الحديث ولم يناد في كل واحدة منهما إلا بإقامة فذلك محتمل أن يكون أراد بذلك الإقامة
التي أقامها لكل واحدة منهما
ويحتمل الإقامة التي أقامها لهما غير أن أولى الأشياء بنا أن نحمل ذلك على الإقامة التي أقامها ليتفق
معنا ذلك ومعنى ما رويناه قبل ذلك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقد روي عن أبي أيوب الأنصاري وعن البراء بن عازب ما يوافق من ذلك أيضا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عمر الرومي قال أنا قيس بن الربيع قال أنا غيلان عن عدي
بن ثابت الأنصاري عن عبد الله بن يزيد الأنصاري عن أبي أيوب الأنصاري قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
المغرب والعشاء بإقامة واحدة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عمرو بن عون قال أنا أبو يوسف عن محمد بن عبد الرحمن عن عدي
بن ثابت عن عبد الله بن يزيد عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يصلي الأولى منهما بأذان وإقامة والثانية بلا أذان
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ربيع المؤذن فقال ثنا أسد قال ثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد
عن أبيه عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى المزدلفة صلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين
213

ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بأذان وإقامتين وهذا خلاف ما روى مالك بن الحارث
عن ابن عمر
وقد أجمعوا أن الأول من الصلاتين اللتين تجمعان بعرفة يؤذن لها ويقام فالنظر على ذلك أن يكون كذلك
حكم الأولى من الصلاتين اللتين تجمعان بجمع
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني مالك عن موسى بن عقبة عن كريب مولى عبد الله بن
عباس رضي الله عنهما عن أسامة بن زيد أنه سمعه يقول دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب
نزل فبال ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء فقلت له الصلاة فقال الصلاة أمامك
فركب حتى جاء بالمزدلفة فنزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان
بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئا
فقد اختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاتين بمزدلفة هل صلاهما معا أو عمل بينهما عملا فروي في ذلك ما قد ذكرنا
في حديث بن عمر رضي الله عنهما وأسامة
واختلف عنه كيف صلاهما فقال بعضهم بأذان وإقامة وقال بعضهم بأذان وإقامتين وقال بعضهم بإقامة
واحدة ليس معهما أذان
فلما اختلفوا في ذلك على ما ذكرنا وكانت الصلاتان يجمع بينهما بمزدلفة وهما المغرب والعشاء كما يجمع بين
الصلاتين بعرفة وهما الظهر والعصر فكان هذا الجمع في هذين الموطنين جميعا لا يكون إلا لمحرم في حرمة الحج
فلا يكون لحلال ولا لمعتمر غير حاج وكانت الصلاتان بعرفة تصلى أحدهما في إثر صاحبتها ولا يعمل بينهما
عمل وكانتا يؤذن لهما أذانا واحدا ويقام لهما إقامتين كما يفعل بعرفة سواء
هذا هو النظر في هذا الباب وهو خلاف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
وذلك أنهم كانوا يذهبون في الجمع بين الصلاتين بعرفة إلى ما ذكرنا ويذهبون في الجمع بين الصلاتين بمزدلفة
إلى أن يجعلوا ذلك بأذان وإقامة واحدة ويحتجون في ذلك بما روي عن ابن عمر
وكان سفيان الثوري يذهب في ذلك إلى أن يصليهما بإقامة واحدة لا أذان معهما على ما روينا عن ابن عمر
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم والذي رويناه عن جابر من هذا أحب إلينا لما شهد له النظر ثم وجدنا بعد ذلك
حديث بن عمر رضي الله عنهما قد عاد إلى معنى حديث جابر رضي الله عنه
وذلك أن هارون بن كامل وفهدا حدثانا قالا حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث
قال حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
214

قال جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع وهي المزدلفة صلى المغرب ثلاثا ثم سلم ثم أقام العشاء
فصلاها ركعتين ثم سلم ليس بينهما سجدة فهذا يخبر أنه صلاهما بإقامتين
وقد وجدنا عن ابن عمر رضي الله عنهما نفسه مما لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن لهما
حدثنا يوسف بن يزيد قال ثنا حجاج بن إبراهيم قال ثنا هشيم قال أنا بشر عن سعيد بن جبير
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع بأذان وإقامة ولم يجعل بينهما شيئا
فكان محالا أن يكون أدخل في ذلك أذانا إلا وقد علمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي رويناه عن جابر رضي الله عنه
من هذا أحب إلينا لما شهد له من النظر
باب وقت رمي جمرة العقبة للضعفاء
الذين يرخص لهم في ترك الوقوف بالمزدلفة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر ح
وحدثنا يونس قال ثنا ابن أبي وهب عن ابن أبي ذئب عن شعبة مولى بن عباس عن ابن عباس
قال كنت فيمن بعث به النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فرمينا الجمرة مع الفجر
حدثنا علي بن معبد قال ثنا خلاد بن يحيى قال ثنا إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفير عن عطاء
قال أخبرني بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعباس ليلة المزدلفة اذهب بضعفائنا ونسائنا
فليصلوا الصبح بمنى وليرموا جمرة العقبة قبل أن يصيبهم دفعة الناس
قال فكان عطاء يفعله بعد ما كبر وضعف
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن للضعفة أن يرموا جمرة العقبة بعد طلوع الفجر واحتجوا في ذلك
بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا ينبغي لهم أن يرموها حتى تطلع الشمس فإن رموها قبل ذلك أجزأتهم
وقد أساءوا
وقالوا لم يذكر بن عباس رضي الله عنهما في حديث شعبة مولاه أنهم رموا الجمرة عند طلوع الفجر بأمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بذلك
وقد يجوز أن يكونوا فعلوا ذلك بالتوهم منهم أنه وقت الرمي لها ووقته في الحقيقة غير ذلك
215

وأما ما رواه عطاء عنه فإنه لم يذكر فيه وقت رمي جمرة العقبة هل هو بعد طلوع الشمس أو قبل ذلك
واحتج أهل المقالة الأولى لقولهم أيضا بما حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن
شهاب عن سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام والمزدلفة
بليل فيذكرون الله عز وجل ما بدا لهم ثم يدفعون قبل أن يقف الامام وقبل أن يدفع
فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة
وكان بن عمر رضي الله عنه يقول رخص لأولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأخرى أنه لم يذكر في هذا الحديث عن ابن عمر رضي الله عنه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لهم في رمي جمرة العقبة حينئذ
وقد يجوز أن تكون الرخصة التي كان رخصها لهم هي الدفع من مزدلفة بليل خاصة
واحتجوا أيضا في ذلك بما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا سعيد بن سالم عن ابن جريج
قال أخبرني عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت أي بني هل غاب القمر ليلة جمع وهي
تصلي ونزلت عند المزدلفة
قال قلت لا فصلت ساعة ثم قالت أي بني هل غاب القمر أو قد غاب فقلت نعم قالت فارتحلوا
إذا فارتحلنا بها حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها
فقلت لها أي هنتاه لقد غلستنا قالت كلا يا بني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن
فقد يحتمل أن يكون أراد التغليس في الدفع من مزدلفة ويجوز أن يكون أراد التغليس في الرمي فأخبرته
أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أذن لهم في التغليس لما سألها عن التغليس به من ذلك
وكان من الحجة للذين ذهبوا إلى أن وقت رميهم بعد طلوع الشمس ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا
المقدمي قال ثنا فضيل بن سليمان قال حدثني موسى بن عقبة قال أنا كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه وثقله صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد ولا يرموا الجمرة
إلا مصبحين
216

ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإفاضة مع أول الفجر وأن يرموا حتى يصبحوا
فدل ذلك على أن الوقت الذي أمرهم بالرمي فيه ليس أوله طلوع الفجر ولكن أوله الاصباح الذي بعد ذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال أنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في الثقل وقال لا ترموا الجمار حتى تصبحوا
فاحتمل أن يكون ذلك الاصباح هو طلوع الشمس واحتمل أن يكون قبل ذلك فنظرنا في ذلك
فإذا بن أبي داود قد حدثنا قال ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش
عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني هاشميا بني أخي تعجلوا قبل
حازم الناس ولا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس
حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا المسعودي عن الحكم عن مقسم عن ابن
عباس رضي الله عنه قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفة أهله ليلة جمع
قال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسانا منهم فحرك فخذه وقال لا ترمين جمرة العقبة حتى تطلع الشمس
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال ثنا يحيى بن عيسى ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا محمد بن كثير ح
حدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قالوا حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أغيلمة بني عبد المطلب من جمع بليل فجعل يلطخ أفخاذنا
ويقول أي بني لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن عمر أن بن أبي ليلى قال حدثني أبي قال حدثني بن أبي ليلى عن الحكم
عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه قال فكان يأخذ بعضد كل إنسان منا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال أفضنا من جمع فلما أن صرنا بمنى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترموا جمرة العقبة
حتى تطلع الشمس
فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم في هذا الحديث وقت الاصباح الذي أمرهم بالرمي فيه في الحديث الذي في الفصل
الذي قبل هذا وأنه بعد طلوع الشمس
فهذا الحديث هو أولى من حديث شعبة مولى بن عباس رضي الله عنهما لان هذا قد تواتر عن ابن عباس
رضي الله عنهما بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم على ما ذكرنا
ولان الإفاضة من مزدلفة إنما رخص للضعفاء فيها ليلا لئلا يصيبهم حطمة الناس في وقت إفاضتهم فإذا صاروا
إلى منى أمكنهم من رمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس قبل مجئ الناس ما يمكن غير الضعفاء إذا جاءوا
ولان غير الضعفاء إنما يأتونهم في وقت ما يفيضون وذلك قبل طلوع الشمس هكذا أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
217

حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن ابن إسحاق ح
وحدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو عاصم عن سفيان عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال كنا
وقوفا مع عمر رضي الله عنه بجمع فقال إن أهل الجاهلية كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون
أشرق ثبير وأن رسول الله خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد ح
وحدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال كنا وقوفا
مع عمر رضي الله عنه بجمع فقال إن أهل الجاهلية كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق
ثبير كما نغير وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس بقدر صلاة المسافر صلاة الصبح
فلما كان غير الضعفاء إنما يفيضون من مزدلفة قبل طلوع الشمس بهذه المدة اليسيرة أمكن الضعفاء الذين
قد تقدموهم إلى منى أن يرموا الجمرة بعد طلوع الشمس قبل مجئ الآخرين إليهم فلم يكن للرخصة للضعفاء أن
يرموا قبل طلوع الشمس معنى لان الرخصة إنما تكون في مثل هذا للضرورة وهذا لا ضرورة فيه
فثبت بذلك ما ذكرنا من حديث بن عباس الذي رويناه في تأخير رمي جمرة العقبة إلى طلوع الشمس وهو
قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا عبيد الله بن محمد التيمي قال أنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة
أن يوم أم سلمة رضي الله عنها دار إلى يوم النحر فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة جمع أن تفيض فرمت جمرة العقبة
وصلت الفجر بمكة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر جائز واحتجوا في ذلك
بهذا الحديث
218

وقالوا لا يجوز أن تكون صلت الصبح بمكة إلا وقد كان رميها جمرة العقبة قبل طلوع الفجر لبعد
ما بين الموضعين
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجوز لأحد أن يرميها قبل طلوع الفجر ومن رماها قبل طلوع الفجر
فهو في حكم من لم يرم وعليه أن يعيد الرمي في وقت الرمي فإن لم يفعل كان عليه لذلك دم
وكان من الحجة لهم في ذلك أن هذا الحديث قد اختلف فيه عن هشام بن عروة فروي عنه على ما ذكرنا
وروي عنه على خلاف ذلك
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا محمد بن خازم عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت
أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر أن توافي معه صلاة الصبح بمكة
ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها بما أمرها به من هذا يوم النحر فذلك على صلاة الصبح في اليوم
الذي بعد يوم النحر وهذا خلاف الحديث الأول وقد عجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا من أزواجه أم سلمة رضي الله عنها
فكان مضيهم إلى منى وبها صلوا صلاة الصبح ولم يتوجهوا حينئذ إلى مكة
فمما روى في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود قال ثنا يعقوب بن حميد قال ثنا عبد العزيز بن محمد عن
عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بقاسم عن أبيه عن عائشة أن سودة بنت زمعة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن تصلي يوم النحر الصبح ب منى فأذن لها وكانت المرأة ثبطة فوددت أني استأذنته كما استأذنته
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم بن شوال أنه سمع أم حبيبة
تقول كنا نغلس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من المزدلفة إلى منى
ففي هذا أنهم كانوا يفيضون بعد طلوع الفجر فهذا أبعد لهم مما في الحديث الأول وقد ذكرنا في الباب
الذي قبل هذا الباب في أسماء أنها رمت ثم رجعت إلى منزلها فصلت الفجر فقال لها عبد الله لقد غلستنا
فقالت رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للظعن
فأخبرت أن ما قد كان رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك للظعن هو الإفاضة من مزدلفة في وقت ما يصيرون
إلى منى في حال مالهم أن يصلوا صلاة الصبح
ولما اضطرب حديث هشام بن عروة على ما ذكرنا لم يكن العمل بما رواه حماد بن سلمة أولى مما رواه
محمد بن خازم
وقد ذكر حماد بن سلمة في حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد بتعجيله أم سلمة إلى حيث عجلها لأنه يومها
أي ليصيب منها في يومها ذلك ما يصيب الرجل من أهله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم النحر فلم يبرح ب منى
ولم يطف طواف الزيارة إلى الليل
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يحيى بن سعيد القطان قال ثنا سفيان الثوري قال حدثني محمد بن طارق
219

عن طاوس وأبو الزبير عن عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر طواف
الزيارة إلى الليل
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا أحمد بن حميد قال ثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق عن
عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه فلما كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم لم يطف طواف الزيارة يوم النحر إلى الليل استحال أن يكون به إلى حضور أم سلمة رضي الله عنها
إلى مكة قبل ذلك حاجة لأنه إنما يريدها لأنه في يومها وليصيب منها ما يصيب الرجل من أهله وذلك لا يحل
له منها إلا بعد الطواف
فأشبه الأشياء عندنا والله أعلم أن يكون أمرها أن توافي صلاة الصبح بمكة في غد يوم النحر في وقت
يكون فيه حلالا بمكة وقد علم المسلمون وقت رمي جمرة العقبة في يوم النحر بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني بن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى وما سواها بعد الزوال
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال أنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر رضي الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فعلم المسلمون بذلك أن الوقت الذي رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الجمار هو وقتها
فأردنا أن ننظر هل رخص للضعفة في الرمي قبل ذلك أم لا
فوجدناه صلى الله عليه وسلم قد تقدم إلى ضعفة بني هاشم حين قدمهم إلى منى أن لا ترموا الجمرة إلا بعد
طلوع الشمس
فعلمنا بذلك أن الضعفة لم يرخص لهم في ذلك أن يتقدموا على غير الضعفة وأن يوقت رميهم جميعا وقت
واحد وهو بعد طلوع الشمس
فهذا هو وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما من طريق النظر فانا قد رأيناهم أجمعوا أن رمي جمرة العقبة لليوم الثاني بعد يوم النحر في الليل قبل
طلوع الفجر أن ذلك لا يجزيه حتى يكون رميه لها في يومها
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك هي في يوم النحر لا يجوز أن ترمي إلا في يومها وإن كان بعض يومها
في ذلك أفضل من بعض اليوم الثاني الرمي فيه أفضل من الرمي في بعضه وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
رحمهم الله تعالى
220

وقد وجدت في كتاب عبد الله بن سويد بخطه عن الأثرم مما ذكر لنا عبد الله بن سويد أن الأثرم أجازه
لمن كتبه من خطه ذلك وأجازه لنا عبد الله بن سويد عن الأثرم يعني أبا بكر قال قال لي أبو عبد الله
يعني أحمد بحنبل رحمه الله حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب عن أم سلمة
رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه يوم النحر بمكة ولم يسند ذلك غير أبي معاوية وهو خطأ
قال أحمد وقال وكيع عن هشام عن أبيه مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافيه صلاة الصبح يوم النحر
بمكة أو نحو هذا
قال وهذا أيضا عجب قال أبو عبيد الله والنبي صلى الله عليه وسلم ما يصنع بمكة يوم النحر كأنه ينكر ذلك
قال فجئت إلى يحيى بن سعيد فسألته فقال عن هشام عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي ليس
شأنه قال وبين ذي فرق يوم النحر صلاة الفجر بالأبطح
قال وقال لي يحيى سل عبد الرحمن هو بن مهدي فسألته فقال هكذا عن سفيان عن هشام
عن أبيه توافي
ثم قال لي أبو عبد الله رحم الله يحيى ما كان أضبطه وأشده كان محدثا وأثنى عليه فأحسن
الثناء عليه
باب الرجل يدع رمي جمرة العقبة يوم النحر
ثم يرميها بعد ذلك
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا ابن وهب قال حدثني عمر بن قيس عن عطاء عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الراعي يرعي بالنهار ويرمي بالليل
قال أبو جعفر فذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن في هذا الحديث دلالة على أن الليل والنهار وقت واحد
للرمي فقال إن ترك رجل رمي جمرة العقبة في يوم النحر ثم رماها بعد ذلك في الليلة التي بعده فلا شئ
عليه وإن لم يرمها حتى أصبح من غده رماها وعليه دم لتأخيره إياها إلى خروج وقتها وهو طلوع الفجر
من يومئذ
وخالفه في ذلك أبو يوسف ومحمد رحمهم الله فقالا إذا ذكرها في شئ من أيام الرمي رماها ولا شئ
221

عليه غير ذلك من دم ولا غيره وإن لم يذكرها حتى مضت أيام الرمي فذكرها ولم يرمها كان عليه
في تركها دم
واحتج محمد بن الحسن في ذلك على أبي حنيفة رحمه الله بما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن
جريج قال أخبرني محمد بن أبي بكر عن أبيه عن أبي البداح عن عاصم بن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص
للرعاء أن يتعاقبوا فكانوا يرمون غدوة يوم النحر ويدعون ليلة ويوما ثم يرمون من الغد
ففي هذا الحديث أنهم كانوا يرمون غدوة يوم النحر ثم يدعون يوما وليلة ثم يرمون الغد
فقد كانوا يرمون رمي اليوم الثاني في اليوم الثالث ولم يكن ذلك بموجب عليهم دما ولا بموجب أن حكم
اليوم الثالث في الرمي لليوم الثاني خلاف حكم اليوم الرابع
ففي ذلك دليل أن من ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فذكرها في شئ من أيام التشريق أنه رمي
ولا شئ عليه
ثم النظر في ذلك يشهد لهذا القول أيضا وذلك أنا رأينا أشياء تفعل في الحج الدهر كله وقت لها منها السعي
بين الصفا والمروة وطواف الصدر ومنها أشياء تفعل في وقت خاص هو وقتها خاصة منها رمي الجمار
فكان ما الدهر وقت له من هذه الأشياء متى فعل فلا شئ على فاعله مع فعله إياه من دم ولا غيره
وما كان منها له وقت خاص من الدهر إذا لم يفعل في وقته وجب على تاركه الدم
فكان ما كان منها يفعل لبقاء وقته فلا شئ على فاعله غير فعله إياه وما كان منها لا يفعل لعدم وقته
وجب مكانه الدم
وكانت جمرة العقبة إذا رميت من غد يوم النحر قضاء عن رمي يوم النحر فقد رميت في يوم هو من وقتها
ولولا ذلك لما أمر برميها كما لا يؤمر تاركها إلى بعد انقضاء أيام التشريق برميها بعد ذلك
فلما كان اليوم الثاني من أيام النحر هو وقت لها وقد ذكرنا مما قد أجمعوا عليه أن ما فعل في وقته من
أمور الحج فلا شئ على فاعله وكان كذلك هذا الرامي لها لما رماها في وقتها فلا شئ عليه
فإن قال قائل إنما أوجبنا عليه الدم بتركه رميها يوم النحر وفي الليلة التي بعده للإساءة التي كانت منه في ذلك
قيل له فقد رأينا تارك طواف الصدر حتى يرجع إلى أهله وتارك السعي بين الصفا والمروة حتى يرجع
إلى أهله مسيئين وأنت تقول أنهما إذا رجعا ففعلا ما كانا تركا من ذلك أن إساءتهما لا توجب عليهما دما لأنهما
قد فعلا ما فعلا من ذلك في وقته
فكذلك الرامي اليوم الثاني من أيام منى جمرة العقبة لما كان وجب عليه في يوم النحر راميا لها في وقتها
فلا شئ عليه في ذلك غير رميها
فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى
222

باب التلبية متى يقطعها الحاج
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا عبد العزيز بن محمد بن عبد الله بن أبي سلمة هو
الماجشون عن عمر بن حسين عن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما أنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عرفة فمنا المهل ومنا المكبر فأما نحن فكنا
نكبر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فقلت له العجب لكم كيف لم تسألوه ما قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل في ذلك
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال أنا أبو معاوية الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسامة
بن زيد أنه قال كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فكان لا يزيد على التكبير والتهليل وكان إذا
وجد فجوة نص
حدثنا يونس قال انا بن وهب أن مالكا حدثه عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك
رضي الله عنه وهما غاديان إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أحمد بن صالح قال ثنا ابن أبي فديك قال حدثني عبد الله بن محمد
بن أبي بكر قال أدركت أنس بن مالك رضي الله عنه ونحن غاديان من منى إلى عرفات فقلت له
كيف كنتم تصنعون في هذه الغداة
فقال سأخبرك كنت في ركب فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يهل المهل فلا ينكر عليه ويكبر
المكبر فلا ينكر عليه ولست أثبت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني بن لهيعة عن أبي الزبير قال سألت جابر
بن عبد الله عن الاهلال يوم عرفة فقال كنا نهل ما دون عرفة ونكبر يوم عرفة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الحاج لا يلبي بعرفة واختلفوا في قطعه للتلبية متى ينبغي أن يكون
فقال قوم حين يتوجه إلى عرفات وقال قوم حين يقف بعرفات واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
223

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا بل يلبي الحاج حتى يرمي جمرة العقبة وقالوا لا حجة لكم في هذه الآثار
التي احتججتم بها علينا لان المذكور فيها أن بعضهم كان يكبر وبعضهم كان يهل لا يمنع أن يكونوا فعلوا
ذلك ولهم أن يلبوا فإن الحاج فيما قبل يوم عرفة له أن يكبر وله أن يهل وله أن يلبي فلم يكن تكبيره
وتهليله يمنعانه من التلبية
فكذلك ما ذكرتموه من تهليل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكبيره يوم عرفة لا يمنع ذلك من التلبية
وقد جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار متواترة بتلبيته بعد عرفة إلى أن رمى جمرة العقبة
فمن ذلك ما حدثنا علي بن معبد قال ثنا سعيد بن سليمان قال ثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق
عن أبان بن صالح عن عكرمة قال وقفت مع الحسين بن علي رضي الله عنهما فكان يلبي حتى رمى جمرة العقبة
فقلت يا أبا عبد الله ما هذا
فقال كان أبي يفعل ذلك وأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك
قال فرجعت إلى بن عباس رضي الله عنهما فأخبرته فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما صدق أخبرني
الفضل أخي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى حتى انتهى أولاها وكان رديفه
حدثنا علي بن معبد قال ثنا إسحاق بن منصور قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة
حدثنا يونس قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس عن الفضل قال كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله
حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا يحيى بن عيسى ح
وحدثنا حسين بن نصر قال ثنا أبو نعيم قالا ثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبى حتى رمى جمرة العقبة
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن منهال قال ثنا حماد عن قيس عن عطاء عن ابن عباس
رضي الله عنهما عن الفضل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا عبيد الله بن موسى قال أنا شريك عن ثوير عن أبيه قال حججت
مع عبد الله فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة
قال ولم يسمع الناس يلبون عشية عرفة فقال أيها الناس أنسيتم والذي نفسي بيده لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يلبي حتى رمى جمرة العقبة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر الزهراني قال ثنا شعبة قال أخبرني الحكم عن إبراهيم
224

عن عبد الرحمن بن يزيد قال حججت مع عبد الله فلما أفاض إلى جمع جعل يلبي فقال رجل أعرابي فقال عبد الله
أنسي الناس أم ضلوا ثم لبى حتى رمى جمرة العقبة
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن حميد الكوفي قال ثنا عبد الله بن المبارك عن الحارث بن أبي ذهاب
عن مجاهد عن عبد الله بن سخبرة قال لبى عبد الله وهو متوجه إلى عرفات
فقال أناس من هذا الاعرابي فالتفت إلى عبد الله فقال أضل الناس أم نسوا والله ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يلبي حتى رمى الجمرة إلا أن يخلط ذلك بتهليل أو تكبير
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أبو مصعب قال ثنا الدراوردي عن الحارث بن أبي ذهاب عن مجاهد
المكي عن ابن سخبرة قال غدوت مع بن مسعود غداة جمع وهو يلبي فقال بن مسعود رضي الله عنه
أضل الناس أم نسوا أشهد لكنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبى حتى رمى جمرة العقبة
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا عاصم بن علي قال ثنا أبو الأحوص عن حصين عن كثير بن مدرك
عن عبد الرحمن بن يزيد قال قال عبد الله بن مسعود ونحن بجمع سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يلبي
في هذا المكان لبيك اللهم لبيك
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الحسين بن عبد الأول الأحول قالا ثنا يحيى بن آدم قال ثنا سفيان
عن حصين ثم ذكر مثله بإسناده
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا يحيى بن معين قال ثنا وهب بن جرير قال ثنا أبي قال سمعت
يونس عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان أسامة بن زيد ردف
النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة ثم أردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما من مزدلفة إلى منى فكلاهما
قالا لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة
فقد جاءت هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبي حتى رمى جمرة العقبة وصح مجيئها ولم يخالفها
عندنا ما قدمناه في أول هذا الباب لما قد شرحنا وبينا
وهذا الفضل بن عباس رضي الله عنهما فقد كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفع من عرفة وقد رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة يلبي حينئذ وبعد ذلك
وقد ذكرنا عن أسامة أنه قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فلم يكن يزيد على التهليل والتكبير
فدلت تلبيته بعرفة أنه كان له أن يلبي أيضا بعرفة وأنه إنما كان تكبيره وتهليله بعرفة كما كان له قبلها
لا أن يجعل مكان التلبية تهليلا وتكبيرا
ألا ترى إلى قول عبد الله في حديث مجاهد لبى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رمى جمرة العقبة إلا أنه ربما كان خلط
ذلك بتكبير وتهليل
225

فأخبر عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يخلط التكبير بالتهليل وكان التهليل والتكبير لا يدلان
على أن لا تلبية فوقتها والتلبية في ذلك الوقت تدل على أن ذلك الوقت كان وقت تلبيته
فثبت بتصحيح هذه الآثار أن وقت التلبية إلى أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر
فإن قال قائل فقد روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما صححتم عليه هذه الآثار وذكر ما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا موسى بن يعقوب عن مصعب بن ثابت عن عمه عامر
بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يهل يوم عرفة حتى يروح
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها أنها كانت تترك التلبية إذا راحت إلى الموقف
فمن الحجة عليهم لأهل المقالة الأخرى أن القاسم لم يخبر في حديثه الذي رويناه عنه عن عائشة رضي الله
عنها أنها قالت إن التلبية تنقطع قبل الوقوف بعرفة
وإنما أخبر عن فعلها فقال كانت تترك التلبية إذا راحت إلى الموقف
فقد يجوز أن تكون كانت تفعل ذلك لا على أن وقت التلبية قد انقطع ولكن لأنها تأخذ فيما سواها
من الذكر من التكبير والتهليل كما لها أن تفعل ذلك قبل يوم عرفة أيضا ولا يكون ذلك دليلا على انقطاع
التلبية وخروج وقتها
وكذلك ما رواه عبد الله بن الزبير عن عمر رضي الله عنه في ذلك أيضا وهو مثل هذا
وقد حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود
قال حججت مع الأسود
فلما كان يوم عرفة وخطب بن الزبير بعرفة فلما لم يسمعه يلبي صعد إليه الأسود فقال ما يمنعك أن تلبي
فقال أو يلبي الرجل إذا كان في مثل مقامك هذا
قال الأسود نعم سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلبي في مثل مقامك هذا ثم لم يزل يلبي حتى صدر
بعيره عن الموقف قال فلبى بن الزبير
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر عن صخر بن جويرية عن عبد الرحمن بن الأسود
قال سمعت بن الزبير يخطب يوم عرفة فقال إن هذا يوم تسبيح وتكبير وتهليل فسبحوا وكبروا فجد إلي
يعني الأسود يحرش الناس حتى صعد إليه وهو على المنبر فقال أشهد على عمر رضي الله عنه أنه لبى على المنبر
في هذا اليوم فقال بن الزبير لبيك اللهم لبيك
أفلا ترى أن الأسود لما أخبر بن الزبير بتلبية عمر رضي الله عنه في مثل يومه ذلك قبل ذلك منه وأخذ به
226

فلبى ولم يقل له بن الزبير إني قد رأيت عمر رضي الله عنه لا يلبي في هذا اليوم على ما قد رواه عامر بن عبد الله
عن أبيه عن عمر رضي الله عنه
ولكن بن الزبير إنما حضر من عمر ترك التلبية يومئذ ولم يخبره عمر أن ذلك الترك إنما كان منه لخروج
وقت التلبية
فكان ذلك عند بن الزبير لخروج وقت التلبية
فلما أخبره الأسود عن عمر رضي الله عنه بأنه لبى يومئذ علم بن الزبير أن ذلك الوقت الذي لم يكن عمر
رضي الله عنه لبى فيه وقت للتلبية وأن ذلك الترك الذي كان من عمر إنما كان لغير خروج وقت التلبية فتوهم
بن الزبير هو أنه لخروج وقت التلبية وليس كذلك فلبى ورآى أن ما أخبره به الأسود عن عمر من تلبيته أولى
مما رآه هو منه في ترك التلبية
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا إسماعيل بن أبي خالد عن وبرة قال صعد
الأسود بن يزيد إلى بن الزبير وهو على المنبر يوم عرفة فساره بشئ ثم نزل الأسود ولبى بن الزبير فظن
الناس أن الأسود أمره بذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن قيس بن سعد عن عطاء عن ابن عباس
قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلبي غداة المزدلفة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد
قال كنت مع عبد الله بعرفة فلبى عبد الله فلم يزل عبد الله يلبي حتى رمى جمرة العقبة
فقال رجل من هذا الذي يلبي في هذا الموضع قال وقال عبد الله في تلبيته شيئا ما سمعته من أحد
لبيك عدد التراب
ففي هذه الآثار أن عمر رضي الله عنه كان يلبي بعرفة وهو على المنبر وأن عبد الله بن الزبير فعل ذلك من بعده
لما أخبره الأسود به عن عمر رضي الله عنه ولم ينكر ذلك أحد من أهل الآفاق فذلك إجماع وحجة وهذا
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قد فعل ذلك
فثبت بفعل من ذكرنا لموافقتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في فعله ذلك أن التلبية في الحج لا تنقطع حتى ترمى
جمرة العقبة وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب اللباس والطيب متى يحلان للمحرم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا عبد الله بن لهيعة قال ثنا أبو الأسود عن عروة
عن جدافة بنت وهب أخت عكاشة بن وهب أن عكاشة بن وهب صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وإخاله آخر جاءاها حين
227

غابت الشمس يوم النحر فألقيا قميصها فقالت ما لكما فقالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من لم يكن أفاض
من هنا فليلق ثيابه وكانوا تطيبوا ولبسوا الثياب
حدثنا يحيى بن عثمان قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن
أم قيس بنت محصن قالت دخل علي عكاشة بن محصن وآخر في منى مساء يوم الأضحى فنزعا ثيابهما وتركا الطيب
فقلت ما لكما فقالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا من لم يفض إلى البيت من عشية هذه فليدع
الثياب والطيب
قال أبو جعفر فذهب إلى هذا قوم فقالوا لا يحل اللباس والطيب لأحد حتى يحل له النساء وذلك حين
يطوف طواف الزيارة واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا إذا رمى وحلق حل له اللباس
واختلفوا في الطيب فقال بعضهم حكمه حكم اللباس فيحل كما يحل اللباس وقال آخرون حكمه حكم
الجماع فلا يحل حتى يحل الجماع واحتجوا في ذلك بما حدثنا علي بن معبد قال ثنا يزيد بن هارون
قال أنا الحجاج بن أرطاة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها
قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شئ إلا النساء
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا مسدد قال ثنا عبد الواحد بن زياد قال ثنا الحجاج بن أرطاة عن الزهري
عن عمرة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال أنا عبد الله بن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد الليثي أن القاسم بن محمد حدثه
عن عائشة رضي الله عنها قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله حين حل قبل أن طوف بالبيت
قال أسامة وحدثني أبو بكر بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة عن
النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر رضي الله عنه قال ثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة
رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة ح
وحدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم فذكر بإسناد مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا شجاع بن الوليد قال ثنا عبيد الله بن عمر قال حدثني القاسم عن عائشة
رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا فهد قال ثنا أبو غسان قال ثنا زهير قال ثنا عبيد الله بن عمر فذكر بإسناده مثله
228

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله
عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
فهذه عائشة رضي الله عنها تخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطيب بعد الرمي والحلق قبل طواف الزيارة
بما قد ذكرناه
فقد عارض ذلك حديث بن لهيعة الذي بدأنا بذكره في هذا الباب فهذه أولى لان معها من التواتر وصحة
المجئ ما ليس مع غيرها مثله
ثم قد روي أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك غير أنه زاد عليه معنى آخر
حدثنا أبو بكرة قال ثنا مؤمل ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن الحسن العرني عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شئ إلا النساء
فقال له رجل والطيب فقال أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب هو
ففي هذا الحديث من قول بن عباس رضي الله عنهما ما قد ذكرنا من إباحة كل شئ إلا النساء إذا رميت
الجمرة ولا يذكر في ذلك الحلق
وفيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك ولم يخبر بالوقت الذي فعل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك
وقد يجوز أن يكون ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحلق ويجوز أن يكون بعده
إلا أن أولى الأشياء بنا أن نحمل ذلك على ما يوافق ما قد ذكرناه عن عائشة رضي الله عنها لا على
ما يخالف ذلك
فيكون ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله من ذلك كان بعد رميه الجمرة وحلقه على ما في حديث عائشة رضي الله عنها
ثم قال بن عباس رضي الله عنهما يعد برأيه إذا رمى فقد حل له برميه أن يحلق حل له أن يلبس ويتطيب
229

وهذا موضع يحتمل النظر وذلك أن الاحرام يمنع من حلق الرأس واللباس والطيب فيحتمل أن يكون
حلق الرأس إذا حل حلت هذه الأشياء وأحتمل أن لا يحل حتى يكون الحلق
فاعتبرنا ذلك فرأينا المعتمر يحرم عليه بإحرامه في عمرته ما يحرم عليه بإحرامه في حجته
ثم إذا رأيناه إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد حل له أن يحلق ولا يحل له النساء ولا الطيب
ولا اللبائس حتى يحلق
فلما كانت حرمة العمرة قائمة حل له أن يحلق ولا يكون إذا حل له أن يحلق في حكم من حل له ما سوى
ذلك من اللبائس والطيب كان كذلك في الحجة لا يحب لما حل له الحلق فيها أن يحل له شئ مما سواه
مما كان حرم عليه بها حتى يحلق قياسا ونظرا على ما أجمعوا عليه في العمرة
ثم رجعنا إلى النظر بين هذين الفريقين جميعا وبين أهل المقالة الأولى الذين ذهبوا إلى حديث عكاشة
فرأينا الرجل قبل أن يحرم يحل له النساء والطيب واللبائس والصيد والحلق وسائر الأشياء التي تحرم
عليه بالاحرام فإذا أحرم حرم عليه ذلك كله بسبب واحد وهو الاحرام
فاحتمل أن يكون كما حرمت عليه بسبب واحد أن يحل منها أيضا بسبب واحد واحتمل أن يحل منها بأشياء
مختلفة إحلالا بعد إحلال
فاعتبرنا ذلك فرأيناهم قد أجمعوا أنه إذا رمى فقد حل له الحلق هذا مما لا اختلاف فيه بين المسلمين وأجمعوا
أن الجماع حرام عليه على حالته الأولى فثبت أنه حل مما قد كان حرم عليه بسبب واحد بأسباب مختلفة
فبطل بهذه العلة التي ذكرنا
فلما ثبت أن الحلق يحل له إذا رمى وأنه مباح له بعد حلق رأسه أن يحلق ما شاء من شعر بدنه ويقص
أظفاره أردنا أن ننظر هل حكم ذلك أو حكمه حكم الجماع فلا يحل حتى يحل الجماع
فاعتبرنا ذلك فرأينا المحرم بالحج إذا جامع قبل أن يقف بعرفة فسد حجه ورأيناه إذا حلق شعره أو قص
أظفاره وجبت عليه في ذلك فدية ولم يفسد بذلك حجه
ورأينا لو لبس ثيابا قبل وقوفه بعرفة لم يفسد عليه بذلك إحرامه ووجبت عليه في ذلك فدية
فكان حكم اللباس قبل عرفة مثل حكم قص الشعر والأظفار لا مثل حكم الجماع
فالنظر على ذلك أن يكون حكمه أيضا بعد الرمي والحلق كحكمها لا كحكم الجماع
فهذا هو النظر في ذلك
230

فإن قال قائل فقد رأينا القبلة حراما على المحرم بعد أن يحلق وهي قبل الوقوف بعرفة في حكم اللباس
لا في حكم الجماع فلم لا كان اللباس بعد الحلق أيضا كهي
قيل له إن اللباس بالحلق أشبه منه بالقبلة لان القبلة هي بعض أسباب الجماع وحكمها حكمه تحل
حيث يحل وتحرم حيث يحرم في النظر في الأشياء كلها
والحلق واللباس ليسا من أسباب الجماع إنما هما من أسباب إصلاح البدن فحكم كل واحد منهما بحكم
صاحبه أشبه من حكمه بالقبلة
فقد ثبت بما ذكرنا أنه لا بأس باللباس بعد الرمي والحلق
وقد قال ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن
طاوس عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال إذا حلقتم ورميتم فقد حل لكم كل شئ إلا
النساء والطيب
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن
عمر عن عمر رضي الله عنه مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر
رضي الله عنه خطب الناس بعرفة فذكر مثله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا قبيصة قال ثنا سفيان عن ابن جريج وموسى عن نافع عن ابن عمر
أنه كان يأخذ من أظفاره وشاربه ولحيته يعني قبل أن يزور
فهذا عمر رضي الله عنه قد أباح لهم إذا رموا وحلقوا كل شئ الا النساء والطيب وقد خالفته عائشة رضي الله
عنها وابن عباس رضي الله عنهما وابن الزبير في الطيب خاصة
فاما عائشة رضي الله عنها وابن عباس فقد روينا ذلك عنهما فيما تقدم من هذا الباب
وأما بن الزبير فحدثنا محمد بن خزيمة وفهد قالا ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال حدثني
بن الهاد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول إذا رمى الجمرة الكبرى
فقد حل له ما حرم عليه إلا النساء حتى يطوف بالبيت وقد روى عن ابن عمر ما يدل على هذا أيضا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو حذيفة قال ثنا سفيان قال ثنا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن
عمر قال قال عمر رضي الله عنه فذكر مثل الذي رويناه عنه في الفصل الذي قبل هذا
قال فقالت عائشة رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رمى جمرة العقبة قبل أن يفيض
فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يؤخذ بها من سنة عمر
231

والنظر بعد ذلك في هذا يدل على ذلك أيضا لان حكم الطيب بحكم اللباس أشبه من حكمه بحكم الجماع لما قد
فسرنا مما تقدم في هذا الباب
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وقد روي ذلك أيضا عن جماعة من التابعين
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا أفلح بن حميد عن أبي بكر بن حزم قال
دعانا سليمان بن عبد الملك يوم النحر أرسل إلى عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعبد
الله بن عبد الله بن عمر وخارجة بن زيد وابن شهاب فسألهم عن الطيب فهذا اليوم قبل أن يفيض
فقالوا أتتطيب يا أمير المؤمنين إلا أن عبد الله بن عبد الله قال كان عبد الله بن عمر رجلا قد رأى محمد
صلى الله عليه وسلم فكان إذا رمى جمرة العقبة أناخ فنحر وحلق ثم مضى مكانه فأفاض إلى البيت
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد وعبد الله بن أبي بكر وربيعة بن
أبي عبد الرحمن أن الوليد بن عبد الملك سأل سالم بن عبد الله وخارجة بن زيد بن ثابت بعد أن رمى جمرة
العقبة وحلق عن الطيب فنهاه سالم ورخص له خارجة
باب المرأة تحيض بعدما طافت للزيارة قبل أن تطوف للصدر
حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو داود عن أبي عوانة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد
الرحمن بن الزجاج عن الحارث بن أوس الثقفي قال سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن امرأة حاضت
قبل أن تطوف قال تجعل آخر عهدها الطواف قال هكذا حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألته
فقال لي عمر رضي الله عنه رأيت تكريرك لحديث سألتني عن شئ سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيما أخالفه
حدثنا محمد بن علي بن داود قال ثنا عفان قال ثنا أبو عوانة فذكر بإسناده نحوه غير أنه قال عن
الحارث بن عبد الله بن أوس
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو الوليد قال ثنا أبو عوانة فذكر بإسناده نحو حديث بن مرزوق في
إسناده ومتنه غير أنه قال سألت عمر عن المرأة تطوف بالبيت ثم تحيض
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا لا يحل لأحد أن ينفر حتى يطوف طواف الصدر ولم
يعذروا في ذلك حائضا بحيضها
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لها أن تنفر وإن لم تطف بالبيت وعذروها بالحيض
هذا إذا كانت قد طافت طواف الزيارة قبل ذلك
232

واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن سليمان وهو بن أبي مسلم الأحول عن طاوس
عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان الناس ينفرون من كل وجه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينفرن أحد حتى يكون أخر عهده الطواف بالبيت
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه أمر الناس أن
يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه قد خفف عن المرأة الحائض
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس قال قال زيد
بن ثابت لابن عباس رضي الله عنه أنت الذي تفتي الحائض أن تصدر قبل أن يكون آخر عهدها الطواف
بالبيت قال نعم
قال فلا تفعل فقال سل فلانة الأنصارية هل أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تصدر فسأل المرأة ثم رجع إليه فقال
ما أراك إلا قد صدقت
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عمرو بن أبي رزين قال ثنا هشام عن قتادة عن عكرمة أن زيد بن ثابت
وابن عباس رضي الله عنهما اختلفا في المرأة تحيض بعد ما تطوف بالبيت يوم النحر
فقال زيد يكون آخر عهدها الطواف بالبيت وقال بن عباس رضي الله عنه تنفر إذا شاءت
فقالت الأنصار لا نتابعك يا بن عباس وأنت تخالف زيدا
فقال سلوا صاحبتكم أم سليم فسألوها فقالت حضت بعد ما طفت يوم النحر فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن أنفر وحاضت صفية فقالت لها عائشة رضي الله عنها الخيبة لك حبست أهلنا
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تنفر
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن سليمان الواسطي قال ثنا عباد بن العوام عن سعيد عن قتادة
عن أنس عن أم سليم أنها حاضت بعد ما أفاضت يوم النحر فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفر
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر الزهراوي قال ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم الأسود
عن عائشة رضي الله عنها قالت لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينفر رأى صفية على باب خبائها كئيبة حزينة
وقد حاضت
233

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لحابستنا أكنت أفضت يوم النحر قالت نعم قال فانفري إذا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال ثنا شعبة فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن عمرو بن يونس التغلبي الكوفي قال ثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش عن إبراهيم عن
الأسود عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معناه
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
وعروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث قال حدثني بن شهاب وهشام بن عروة
عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن هشام بن عروة فذكر بإسناده مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا ابن لهيعة قال ثنا عبد الرحمن الأعرج عن أبي سلمة عن
عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال أحابستنا
هي فقلت انها قد أفاضت فقال فلا إذا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر قال ثنا أفلج عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله
عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن إبراهيم بن ميسرة وسليمان خال بن أبي نجيح
عن طاوس قال كان بن عمر قريبا من سنتين ينهى أن تنفر الحائض حتى يكون آخر عهدها بالبيت
ثم قال نبئت أنه قد رخص للنساء
234

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو صالح قال ثنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني
طاوس اليماني أنه سمع عبد الله بن عمر يسأل عن حبس النساء عن الطواف بالبيت إذا حضن قبل النفر
وقد أفضن يوم النحر
فقال إن عائشة كانت تذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخصة للنساء وذلك قبل موت عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما بعام
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سهل بن بكار قال ثنا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن
عباس رضي الله عنهما أنه كان يرخص للحائض إذا أفاضت أن تنفر
قال طاوس وسمعت بن عمر يقول لا تنفر ثم سمعته بعد يقول تنفر رخص لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أبو أيوب عبد الله بن أيوب المعروف بابن خلف الطبراني قال ثنا عمرو بن محمد الناقد قال ثنا
عيسى بن يونس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال من حج هذا البيت فليكن
آخر عهده الطواف بالبيت إلا الحيض رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهذه الآثار قد ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحائض لها أن تنفر قبل أن تطوف طواف الصدر إذا كانت
قد طافت طواف الزيارة قبل ذلك طاهرا
ورجع قوم إلى ذلك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن قد كان قال بخلافه زيد بن ثابت وابن عمر وجعلا
ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرخصة في ذلك للحائض رخصة واخراجا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لحكمها من حكم
سائر الناس فيما كان أوجب عليهم من ذلك
فثبت بذلك نسخ هذه الآثار لحديث الحارث بن أوس وما كان ذهب إليه عمر من ذلك
وهذا الذي بينا هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب من قدم من حجه نسكا قبل نسك
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو أحمد قال ثنا سفيان بن مسروق الثوري عن عبد الرحمن بن الحارث بن
أبي ربيعة عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال أتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله اني أفضت قبل أن أحلق قال احلق ولا حرج
قال وجاءه آخر فقال يا رسول الله إني ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج
قال أبو جعفر ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الطواف قبل الحلق فقال إحلق ولا حرج
235

فاحتمل أن يكون ذلك إباحة منه للطواف قبل الحلق وتوسعة منه في ذلك فجعل للحاج أن يقدم ما شاء
من هذين على صاحبه
وفيه أيضا أن آخر جاءه فقال إني ذبحت قبل أن أرمي فقال ارم ولا حرج
فذلك أيضا يحتمل ما ذكرنا في جوابه في السؤال الأول
وقد روي عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك شئ
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن يحيى قال ثنا هشيم عن منصور عن عطاء عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عمن حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يحلق فقال لا حرج لا حرج
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا المعلى بن أسد قال ثنا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم النحر وهو بمنى في النحر والحلق والرمي والتقديم
والتأخير فقال لا حرج
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حبان بن هلال قال ثنا وهيب بن خالد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عمن قدم شيئا قبل شئ إلا قال لا حرج لا حرج
فذلك يحتمل ما يحتمله الحديث الأول
وقد روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه من ذلك شئ
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن قيس عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن
رجلا قال يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج
قال آخر يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح قال اذبح ولا حرج
قال آخر يا رسول الله طفت بالبيت قبل أن أذبح قال اذبح ولا حرج
فهذا أيضا مثل ما قبله والكلام فيه مثل الكلام فيما قبله
وقد روي عن أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك شئ
حدثنا أحمد بن الحسن هو بن القاسم الكوفي قال ثنا أسباط بن محمد قال ثنا أبو إسحاق
الشيباني عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئل عمن حلق قبل أن
يذبح أو ذبح قبل أن يحلق فقال لا حرج
فلما أكثروا عليه قال يا أيها الناس قد رفع الحرج إلا من اقترض من أخيه شيئا ظلما فذلك
الحرج فهذا أيضا مثل ما قبله
وقد يحتمل أيضا أن يكون قوله لا حرج هو على الاثم أي لا حرج عليكم فيما فعلتموه من هذا لأنكم
فعلتموه على الجهل منكم به لا على التعمد بخلاف السنة فلا جناح عليكم في ذلك
236

وقد روي عن ذلك مبينا ومشروحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو ثابت عن محمد بن عبيد الله قال ثنا عبد العزيز بن محمد أراه عن
عبد الرحمن بن الحارث عن زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي
بن أبي طالبا رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل في حجته فقال إني رميت وأفضت ونسيت ولم أحلق
قال فاحلق ولا حرج
ثم جاءه رجل آخر فقال إني رميت وحلقت ونسيت أن أنحر قال فانحر ولا حرج
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا ويونسا حدثاه عن ابن شهاب عن عيسى بن طلحة
بن عبيد الله عن عبد الله بن عمرو أنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع للناس يسألونه
فجاءه رجل فقال يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال اذبح ولا حرج
فجاءه آخر فقال يا رسول الله لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج قال فما سئل
رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ عن شئ قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو قال سأل
رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حلقت قبل أن أذبح قال اذبح ولا حرج
قال آخر ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد أن عطاء بن أبي رباح حدثه أنه سمع
جابر بن عبد الله يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله يعني أنه وقف للناس عام حجة الوداع يسألونه فجاء رجل
فقال لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج
قال آخر يا رسول الله لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال اذبح ولا حرج قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن شئ قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج
فدل ما ذكرنا على أنه صلى الله عليه وسلم إنما أسقط الحرج عنهم في ذلك للنسيان لا أنه أباح ذلك لهم حتى يكون لهم
مباح أن يفعلوا ذلك في العمد
وقد روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك أيضا
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا المقدمي قال ثنا عمرو بن علي عن الحجاج عن عبادة بن نسي
قال حدثني أبو زبيد قال سمعت أبا سعيد الخدري قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين الجمرتين عن رجل
حلق قبل أن يرمي قال حرج وعن رجل ذبح قبل أن يرمي قال لا حرج ثم قال عباد الله وضع الله
عز وجل الحر والضيق وتعلموا مناسككم فإنها من دينكم
أفلا ترى أنه أمرهم بتعلم مناسكهم لأنهم كانوا لا يحسنونها فدل ذلك أن الحرج والضيق الذي رفعه الله
عنهم هو لجهلهم بأمر مناسكهم لا لغير ذلك
237

وقد روي في حديث أسامة بن شريك الذي قد ذكرناه فيما تقدم من هذا الباب ما يدل على هذا المعنى أيضا
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهب وسعيد بن عامر قالا ثنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة
بن شريك أن الاعراب سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء ثم قالوا هل علينا حرج في كذا وهل علينا
حرج في كذا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل رفع الحرج عن عباده إلا من اقترض من أخيه شيئا مظلوما فذلك
الذي حرج وهلك
أفلا ترى أن السائلين لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانوا أعرابا لا علم لهم بمناسك الحج
فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لا حرج على الإباحة منه لهم التقديم في ذلك والتأخير فيما قدموا
من ذلك وأخروا
ثم قال لهم ما ذكر أبو سعيد في حديثه وتعلموا مناسككم
ثم قد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما ما يدل على هذا المعنى أيضا
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يحيى بن يحيى قال ثنا أبو الأحوص عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال من قدم شيئا من حجه أو أخره فليهرق لذلك دما
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب قال ثنا وهيب عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس مثله
فهذا بن عباس يوجب على من قدم شيئا من نسكه أو أخره دما وهو أحد من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه ما سئل يومئذ عن شئ قدم ولا أخر من أمر الحج إلا قال لا حرج
فلم يكن معنى ذلك عنده معنى الإباحة في تقديم ما قدموا ولا في تأخير ما أخروا مما ذكرنا إذ كان
يوجب في ذلك دما
ولكن كان معنى ذلك عنده على أن الذي فعلوه في حجة النبي صلى الله عليه وسلم كان على الجهل منهم بالحكم
فيه كيف هو
فعذرهم بجهلهم وأمرهم في المستأنف أن يتعلموا مناسكهم
وتكلم الناس بعد هذا في القارن إذا حلق قبل أن يذبح
فقال أبو حنيفة رحمة الله عليه دم وقال زفر رضي الله عنه عليه دمان
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله لا شئ عليه واحتجا في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذين سألوه
عن ذلك على ما قد روينا في الآثار المتقدمة وبجوابه لهم أن لا حرج عليهم في ذلك
238

وكان من الحجة عليهما في ذلك لأبي حنيفة وزفر رحمهما الله ما ذكرنا من شرح معاني هذه الآثار
وحجة أخرى وهي أن السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم هل كان قارنا أو مفردا أو متمتعا
فإن كان مفردا فأبو حنيفة رحمه الله وزفر لا ينكران أن يكون لا يجب عليه في ذلك دم لان ذلك
الذبح الذي قدم عليه الحلق ذبح غير واجب ولكن كان أفضل له أن يقدم الذبح قبل الحلق ولكنه إذا قدم
الحلق أجزأه ولا شئ عليه
وإن كان قارنا أو متمتعا فكان جواب للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على ما ذكرنا
فقد ذكرنا عن ابن عباس في التقديم في الحج والتأخير أن فيه دما وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم لا حرج
لا يدفع ذلك
فلما كان قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حرج لا ينفي عن ابن عباس رضي الله عنهما وجوب الدم كان كذلك
أيضا لا ينفيه عند أبي حنيفة وزفر رحمهما الله وكان القارن ذبحه ذبح واجب عليه يحل به
فأردنا أن ننظر في الأشياء التي يحل بها الحاج إذا أخرها حتى يحل كيف حكمها
فوجدنا الله عز وجل قد قال ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فكان المحصر
يحلق بعد بلوغ الهدي محله فيحل بذلك وإن حلق قبل بلوغه محله وجب عليه دم وهذا إجماع
فكان النظر على أن يكون كذلك القارن إذا قدم الحلق قبل الذبح الذي يحل به أن يكون عليه دم
قياسا ونظرا على ما ذكرنا من ذلك
فبطل بهذا ما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد رحمهما الله وثبت ما قال أبو حنيفة رحمه الله أو ما قال زفر
رحمه الله
فنظرنا في ذلك فإذا هذا القارن فحلق رأسه في وقت الحلق عليه حرام وهو في حرمة حجة
وفي حرمة عمرة
وكان القارن ما أصاب قرانه مما لو أصابه وهو في حجة مفردة أو عمرة مفردة وجب عليه دم فإذا أصابه
وهو قارن وجب عليه دمان فاحتمل أن يكون حلقه أيضا قبل وقته يوجب عليه أيضا دمين كما قال زفر
فنظرنا في ذلك فوجدنا الأشياء التي توجب على القارن دمين فيما أصاب في قرانه هي الأشياء التي لو أصابها
وهو في حرمة حجة أو في حرمة عمرة وجب عليه دم
فإذا أصابها في حرمتهما وجب عليه دمان كالجماع وما أشبهه وكان حلقه قبل أن يذبح لم يحرم عليه بسبب
العمرة خاصة ولا بسبب الحج خاصة إنما وجب عليه بسببهما وبحرمة الجمع بينهما لا بحرمة الحجة خاصة
ولا بحرمة العمرة خاصة
فأردنا أن ننظر في حكم ما يجب بالجمع هل هو شيئان أو شئ واحد
فنظرنا في ذلك فوجدنا الرجل إذا أحرم بحجة مفردة أو بعمرة مفردة لم يجب عليه شئ وإذا
239

جمعهما جميعا وجب عليه لجمعه بينهما شئ لم يكن يجب عليه في إفراده كل واحدة منهما فكان ذلك
الشئ دما واحدا
فالنظر على ذلك أن يكون كذلك الحلق قبل الذبح الذي منع منه الجمع بين العمرة والحج فلا يمنع منه
واحدة منهما لو كانت مفردة أن يكون الذي يجب فيه دم واحد
فيكون أصل ما يجب على القارن في انتهاكه الحرم في قرانه أن ننظر فيما كان من تلك الحرم تحرم بالحجة
خاصة وبالعمرة خاصة
فإذا جمعتا جميعا فتلك الحرمة محرمة لشيئين مختلفين فيكون على من انتهكهما كفارتان
وكل حرمة لا تحرمها الحجة على الانفراد ولا العمرة على الانفراد يحرمها الجمع بينهما فإذا انتهكت
فعلى الذي انتهكها دم واحد لأنه انتهك حرمة حرمت عليه بسبب واحد
فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة وبه نأخذ
باب المكي يريد العمرة من أين ينبغي له أن يحرم بها
حدثنا يونس قال ثنا سفيان عن عمرو بن دينار أخبره عن عمرو بن أوس قال أخبرني عبد الرحمن
بن أبي بكر قال امرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أردف عائشة إلى التنعيم فأعمرها
حدثنا فهد قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا داود بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عثمان بن خيثم
عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن أبي بكر
أردف أختك فأعمرها من التنعيم فإذا هبطت بها من الأكمة فمرها فلتحرم فإنها عمرة متقبلة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن العمرة لمن كان بمكة لا وقت لها غير التنعيم وجعلوا التنعيم خاصة
وقتا لعمرة أهل مكة وقالوا لا ينبغي لهم أن يجاوزوه كما لا ينبغي لغيرهم أن يجاوزوا ميقاتا مما وقته له
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد الاحرام إلا محرما
وخالفهم بذلك آخرون فقالوا وقت أهل مكة الذي يحرمون منه بالعمرة الحل فمن أي الحل أحرموا بها
أجزأهم ذلك والتنعيم وغيرهم من الحل عندهم في ذلك سواء
وكان من الحجة لهم في ذلك أنه يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد إلى التنعيم في ذلك لأنه كان أقرب الحل
منها لا لان غيره من الحل ليس هو في ذلك كهو
240

ويحتمل أيضا أن يكون أراد به التوقيت لأهل مكة في العمرة وأن لا يجاوزوه لها إلى غيره
فنظرنا في ذلك فإذا يزيد بن سنان قد حدثنا قال ثنا عثمان بن عمر قال ثنا أبو عامر صالح بن رستم
عن أبي مليكة عن عائشة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف وأنا أبكي فقال ما ذاك قلت حضت
قال فلا تبكي اصنعي ما يصنع الحاج
فقدمنا مكة ثم أتينا منى ثم غدونا إلى عرفة ثم رمينا الجمرة تلك الأيام فلما كان يوم النفر ارتحل
فنزل الحصبة
قالت والله ما نزلها إلا من أجلي فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر فقال احمل أختك فاخرجها من الحرم
قالت والله ما ذكر الجعرانة ولا التنعيم فلتهل بعمرة فكان أدنانا من الحرم التنعيم فأهللت
بعمرة فطفنا بالبيت وسعينا بين الصفا والمروة ثم أتيناه فارتحل
فأخبرت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد لما أراد أن يعمرها إلا إلى الحل لا إلى موضع منه بعينه
خاصا وأنه إنما قصد بها عبد الرحمن التنعيم لأنه كان أقرب الحل إليهم لا لمعنى فيه يبين به من سائر الحل غيره
فثبت بذلك أن وقت أهل مكة لعمرتهم هو الحل وأن التنعيم في ذلك وغيره سواء وهذا كله قول أبي حنيفة
وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب الهدي يصد عن الحرام
هل ينبغي أن يذبح في غير الحرم أم لا
حدثنا فهد قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه
عن سباع بن ثابت عن أم كرز قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية أسأله عن لحوم الهدي
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الهدي إذا صد عن الحرم نحر في غير الحرم واحتجوا في ذلك بهذا
الحديث وقالوا لما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي بالحديبية إذ صد عن الحرم دل ذلك على أن لمن منع من
إدخال هديه الحرم أن يذبحه في غير الحرم
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجوز نحر الهدي إلا في الحرم
وكان من حجتهم في ذلك قول الله عز وجل هديا بالغ الكعبة فكان الهدي قد جعله الله عز وجل
ما بلغ الكعبة فهو كالصيام الذي جعله الله عز وجل متتابعا في كفارة الظهار وكفارة القتل فلا يجوز غير
متتابع وإن كان الذي وجب عليه غير منطبق الاتيان به متتابعا فلا تبيحه الضرورة أن يصومه متفرقا
241

فكذلك الهدي الموصوف ببلوغ الكعبة لا يجزئ الذي هو عليه كذلك وإن صد عن بلوغ الكعبة
للضرورة أن يذبحه فيما سوى ذلك
وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى في نحر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الهدي الذي نحره بالحديبية لما صد عن
الحرم وتصدق بلحمه بقديد أن قوما زعموا أن نحره إياه كان في الحرم
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا مخول بن إبراهيم بن مخول بن راشد عن إسرائيل عن مجزأة
بن زاهر عن ناجية بن جندب الأسلمي عن أبيه قال اتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين صد الهدي فقلت يا رسول الله
ابعث معي بالهدي فلأنحره في الحرم
قال وكيف تأخذ به قلت آخذ به في أودية لا يقدرون علي فيها فبعثه معي حتى نحرته في الحرم
فقد دل هذا الحديث أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ذلك نحر في الحرم
وقال آخرون كان النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية وهو يقدر على دخول الحرم
قالوا ولم يكن صد إلا عن البيت واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سفيان بن بشر
الكوفي قال ثنا يحيى بن زائدة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان بالحديبية خباؤه في الحل ومصلاه في الحرم
فثبت بما ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن صد عن الحرم وأنه كان يصل إلى بعضه
ولا يجوز في قول أحد من العلماء لمن قدر على دخول شئ من الحرم أن ينحر هديه دون الحرم
فلما ثبت بالحديث الذي ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل إلى بعض الحرم استحال أن يكون نحر الهدي
في غير الحرم لان الذي أباح نحر الهدي في غير الحرم إنما يبيحه في حالة الصد عن الحرم في حال القدرة
على دخوله
فانتفى بما ذكرنا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم نحر الهدي في غير الحرم وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد
رحمهم الله تعالى
وقد احتج قوم في تجويز نحر الهدي في غير الحرم بما حدثنا علي بن شيبة قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان
عن يحيى بن سعيد عن يعقوب بن خالد عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر قال خرجت مع عثمان وعلي
رضي الله عنهما فاشتكى الحسن رضي الله عنه بالسقيا وهو محرم فأصابه برسام فأومى إلى رأسه فحلق
علي رأسه ونحر عنه جزورا فأطعم أهل الماء
242

حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى فذكر بإسناده مثله غير أنه لم يذكر
عثمان رضي الله عنه ولان الحسن رضي الله عنه كان محرما
فاحتجوا بهذا الحديث لان فيه أن عليا نحر الجزور دون الحرم
فكان من الحجة عليهم في ذلك أنهم لا يبيحون لمن كان غير ممنوع من الحرم أن يذبح في غير الحرم
وإنما يختلفون إذا كان ممنوعا عنه
فدل ما ذكرنا على أن عليا رضي الله عنه لما نحر في هذا الحديث في غير الحرم وهو واصل إلى الحرم
أنه لم يكن أراد به الهدي ولكنه أراد به معنى آخر من الصدقة على أهل ذلك الماء والتقرب إلى الله تعالى
بذلك مع أنه ليس في الحديث أنه أراد به الهدي
فكما يجوز لمن حمله على أنه هدي ما حمله عليه من ذلك فكذلك يجوز لمن حمله على أنه ليس بهدي
ما حمله عليه من ذلك
وقد بدأنا بالنظر في ذلك وذكرنا في أول هذا الباب فأغنانا ذلك عن إعادته ها هنا
باب المتمتع الذي لا يجد هدي ولا يصوم في العشر
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا يحيى بن سلام قال ثنا شعبة عن ابن أبي ليلى
عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم في العشر انه يصوم
أيام التشريق
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا أبو كامل فضيل بن الحسين الجحدري قال ثنا أبو عوانة عن عبد الله
بن عيسى عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها وعن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال ألم يرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم أيام التشريق إلا لمحصر أو متمتع
حدثنا محمد بن النعمان السقطي قال ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن
شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها وعن سالم عن أبيه أنهما كانا يرخصان للمتمتع إذا لم يجد
هديا ولم يكن صام قبل عرفة أن يصوم أيام التشريق
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا وأباحوا صيام أيام التشريق للمتمتع والقارن والمحصر إذا لم يجدوا
هديا ولم يكونوا صاموا قبل ذلك صاموا هذه الأيام ومنعوا منها من سواهم واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ليس لهؤلاء ولا لغيرهم من الناس أن يصوموا هذه الأيام عن شئ من ذلك
ولا عن شئ من الكفارات ولا في تطوع لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك
ولكن على المتمتع والقارن الهدي لمتعتهما وقرانهما وهدي آخر لأنهما حلا بغير هدي ولا صوم
واحتجوا في ذلك من الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا أبو عبد الرحمن
243

المقرئ قال ثنا المسعودي عن حبيب بن ثابت عن نافع بن جبير عن بشر بن سحيم الأسلمي عن علي
بن أبي طالب رضي الله عنه قال خرج منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق فقال إن هذه الأيام أيام
أكل وشرب
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا محمد بن أبي حميد المدني قال ثنا إسماعيل بن محمد بن سعد
بن أبي وقاص رضي الله عنه عن أبيه عن جده قال امرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام منى أنها أيام
أكل وشرب وبعال فلا صوم فيها يعني أيام التشريق
حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أنا ابن أبي ليلى عن عطاء
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى عز وجل
حدثنا يونس قال ثنا عبد الله بن يوسف قال ثنا الليث عن ابن الهاد عن أبي مرة مولى عقيل
بن أبي طالب رضي الله عنه أنه دخل هو وعبد الله بن عمرو بن العاص على عمرو بن العاص وذلك الغد أو بعد
الغد من يوم الأضحى فقرب إليهم عمرو طعاما
فقال عبد الله إني صائم فقال له عمرو أفطر فإن هذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بفطرها
أو ينهانا عن صيامها فأفطر عبد الله فأكل وأكلت
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال حدثني بن جريج قال أخبرني سعيد بن كثير أن جعفر
بن المطلب أخبره أن عبد الله بن عمرو بن العاص دخل على عمرو بن العاص فدعاه إلى الغداء فقال إني صائم
ثم الثانية كذلك ثم الثالثة
فقال لا إلا أن تكون سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فإني قد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني النهي عن الصيام أيام التشريق
حدثنا فهد بن سليمان قال ثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن
عبد الله بن أبي بكر عن سالم عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام
التشريق أنها أيام أكل وشرب
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح بن عبادة قال ثنا صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب عن ابن المسيب
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن حذافة أن يطوف في أيام منى ألا لا تصوموا
هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله
244

حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أنا عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سعيد هو بن منصور قال ثنا هشيم قال أنا خالد الحذاء عن أبي المليح
الهذلي عن نبيشة الهذلي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا ابن جريج قال أخبرني عمرو بن دينار أن نافع بن جبير أخبره
عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
قال عمرو وقد سماه نافع فنسيته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من بني غفار يقال له بشر بن سحيم قم فناد
في الناس إنها أيام أكل وشرب في أيام منى
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا حماد قال أنا عمرو بن دينار عن نافع بن
جبير عن بشر بن سحيم عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا شعبة ح
وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير
عن بشر بن سحيم عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي قال ثنا روح قال ثنا الربيع بن صبيح ومرزوق أبو عبد الله الشامي قالا ثنا يزيد
الرقاشي أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر عن الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال أخبرني بن لهيعة عن يزيد أبي حبيب
عن عبد الرحمن بن جبير عن معمر بن عبد الله العدوي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أؤذن في أيام التشريق ب منى
لا يصوم من أحد فإنها أيام أكل وشرب
حدثنا ربيع الجيزي قال ثنا أبو الأسود ويحيى بن عبد الله بن بكير قالا ثنا ابن لهيعة عن أبي النضر
أنه سمع سليمان بن يسار وقبيصة بن ذؤيب يحدثان عن أم الفضل امرأة عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه
قالت كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ب منى أيام التشريق فسمعت مناديا يقول إن هذه الأيام أيام طعم
وشرب وذكر الله
قالت فأرسلت رسولا من الرجل ومن أمره
فجاءني الرسول فحدثني أنه رجل يقال له حذافة يقول أمرني بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا علي بن شيبة قال ثنا روح قال ثنا موسى بن عبيدة قال أخبرني المنذر عن عمرو بن خالدة
245

الزرقي عن أمه قالت بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أواسط أيام التشريق ينادي
في الناس لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا الوهبي قال ثنا ابن إسحاق عن حكيم بن حكيم عن مسعود بن الحكم
الزرقي قال حدثتني أمي قالت لكأني أنظر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه على بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء
حتى قام إلى شعب الأنصار وهو يقول يا معشر المسلمين إنها ليست بأيام صوم إنها أيام أكل وشرب
وذكر لله عز وجل
حدثنا محمد بن عمرو بن تمام قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني ميمون بن يحيى
قال حدثني مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت سليمان بن يسار يزعم أنه سمع بن الحكم الزرقي
يقول حدثنا أبي أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ب منى فسمعوا راكبا وهو يصرخ لا يصومن أحد
فإنها أيام أكل وشرب
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا عبد الله بن صالح قال حدثني بكر بن مضر عن عمر بن الحارث
عن بكير عن سليمان بن يسار حدثه أن مسعودا حدثه عن أمه نحوه
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا عبد الله بن محمد الفهي قال أنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد أنه
سمع يوسف بن مسعود بن الحكم الزرقي يقول حدثتني جدتي ثم ذكر نحوه
حدثنا أبو بكرة قال ثنا حسين بن مهدي قال ثنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن الزهري عن مسعود
بن الحكم الأنصاري عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة أن يركب راحلته
أيام منى فيصيح في الناس ألا لا يصومن أحد فإنها أيام أكل وشرب
قال فلقد رأيته على راحلته ينادي بذلك
قالوا فلما ثبت بهذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن صيام أيام التشريق وكا نهيه عن ذلك ب منى
والحجاج مقيمون بها وفيهم المتمتعون والقارنون ولم يستثن منهم متمتعا ولا قارنا دخل المتمتعون والقارنون
في ذلك النهي أيضا
فان قال قائل فلم صار هذا أولى مما رويتم في أول هذا الباب
قيل له من قبل صحة ما جاء في هذا وتواتر الآثار به وفساد ما جاء في الفصل الأول
من ذلك حديث يحيى بن سلام عن شعبة فهو حديث منكر لا يثبته أهل العلم بالرواية لضعف يحيى
بن سلام عندهم وابن أبي ليلى وفساد حفظهما مع أني لا أحب أن أطعن على أحد من العلماء بشئ ولكن
ذكرت متقول أهل الرواية في ذلك
246

ومن ذلك حديث يزيد بن سنان الذي ذكرناه من بعده عن ابن عمر رضي الله عنهما وعائشة رضي الله عنها
أنهما قالا لم يرخص لأحد في صوم أيام التشريق إلا لمحصر أو متمتع
فقولهما ذلك يجوز أن يكونا عنيا بهذه الرخصة ما قال الله عز وجل في كتابه فصيام ثلاثة أيام
في الحج فعداها أيام التشريق من أيام الحج فقالا رخص للحاج المتمتع والمحصر في صوم أيام التشريق
لهذه الآية
ولأن هذه الأيام عندهما من أيام الحج وخفي عليهما ما كان من توقيف رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من بعد
على أن هذه الأيام ليست بداخلة فيما أباح الله عز وجل صومه من ذلك
فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار
وأما من طريق النظر فانا قد رأيناهم أجمعوا أن يوم النحر لا يصام فيه شئ من ذلك وهو إلى أيام الحج
أقرب من أيام التشريق لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهي عن صومه مما سنذكره في هذا الباب إن شاء
الله تعالى
فكما كان نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك يدخل فيه المتمتعون والقارنون والمحصرون كان كذلك نهيه عن
صيام أيام التشريق يدخلون فيه أيضا
فمما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن صوم يوم النحر ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا عثمان بن عمر
قال أنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن أبي عبيد مولى بن أزهر قال شهدت العيد مع علي وعثمان
رضي الله عنهما فكانا يصليان ثم ينصرفان يذكران الناس فسمعتهما يقولان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
صيام هذين اليومين يوم النحر ويوم الفطر
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن أبي عبيد قال شهدت العيد مع
عمر رضي الله عنه فقال هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما يوم الفطر ويوم النحر
فأما يوم الفطر فيوم فطركم من صيامكم وأما يوم النحر فيوم تأكلون فيه من نسككم
حدثنا أبو أمية قال ثنا عبيد الله بن موسى قال أنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع وسفيان بن عيينة
عن الزهري عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف قال صليت العيد مع عمر فذكر مثله
حدثنا فهد قال ثنا علي بن معبد قال ثنا إسماعيل بن أبي كثير الأنصاري عن سعيد بن سعيد
عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يومين يوم الفطر ويوم النحر
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
247

حدثنا بحر بن نصر قال ثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن المنذر بن عبيد المدني حدثه
أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة يخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا سعيد بن عامر عن الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا حدثه عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج عن أبي
هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا وهيب قال ثنا شعبة عن عبد الله بن عمر عن قزعة عن أبي سعيد
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
فلما كان يوم النحر خارجا من أيام الحج التي جعل الله عز وجل للمتمتع الصوم فيها بدلا من الهدي لما قد
أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم من الأيام التي يصام فيها بنهيه عن صومه كان كذلك أيام التشريق خارجة من أيام الحج
التي جعل الله عز وجل للمتمتع الصوم فيها بدلا من الهدي لما قد أخرجها النبي صلى الله عليه وسلم من الأيام التي تصام بنهيه
عن صومها
فثبت بما ذكرنا أن أيام التشريق ليس لأحد صومها في متعة ولا قران ولا إحصار ولا غير ذلك
من الكفارات ولا من التطوع
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
وقد روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يدل على ذلك أيضا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج بن المنهال قال ثنا حماد بن سلمة قال أنا حجاج عن عمرو
بن شعيب عن سعيد بن المسيب أن رجلا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم النحر فقال يا أمير المؤمنين إني
تمتعت ولم أهد ولم أصم في العشر
فقال سل في قومك ثم قال يا معيقيب أعطه شاة
أفلا ترى أن عمر لم يقل له فهذه أيام التشريق فصمها
فدل تركه ذلك وأمره إياه بالهدي أن أيام الحج عنده التي أمر الله عز وجل المتمتع بالصوم فيها هي قبل
يوم النحر وأن يوم النحر وما بعده من أيام التشريق ليس منها
248

باب حكم المحصر بالحج
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال ثنا الحجاج الصواف قال حدثني يحيى
بن أبي كثير عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من عرج أو كسر
فقد حل وعليه حجة أخرى
قال فحدثت بذلك بن عباس وأبا هريرة فقالا صدق
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عاصم عن الحجاج الصواف فذكر بإسناده مثله غير أنه لم يذكر
ذكر عكرمة ذلك لابن عباس وأبي هريرة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا يحيى بن صالح الوحاظي قال ثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير
عن عكرمة قال قال عبد الله بن رافع مولى أم سلمة أنه قال أنا سألت الحجاج بن عمرو عمن حبس وهو
محرم فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر مثله
فحدثت بذلك بن عباس وأبا هريرة فقالا صدق
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن المحرم بالحج أو بالعمرة إذا كسر أو عرج فقد حل حينئذ فعليه قضاء ما حل
منه إن كانت حجة فحجة وإن كانت عمرة فعمرة واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يحل حتى ينحر عنه الهدي فإذا نحر عنه الهدي حل
واحتجوا في ذلك بما حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا محمد بن عمرو بن عبد الله بن الرومي قال ثنا محمد
بن الثور قال أنا معمر عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر يوم الحديبية
قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك
حدثنا محمد بن عمرو بن تمام قال ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال حدثني ميمون بن يحيى عن مخرمة
بن بكير عن أبيه قال سمعت نافعا مولى بن عمر يقول قال بن عمر إذا عرض للمحرم عدو فإنه يحل
حينئذ قد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حبسته كفار قريش في عمرته عن البيت فنحر هديه وحلق وحل هو
وأصحابه ثم رجعوا حتى اعتمروا من العام المقبل
فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل بالاختصار في عمرته بحصر العدو إياه حتى نحر الهدي دل ذلك أن كذلك
حكم المحصر لا يحل بالاحصار حتى ينحر الهدي
249

وليس فيما رويناه أول خلاف لهذا عندنا لان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من كسر أو عرج فقد حل فقد يحتمل
أن يكون فقد حل له أن يحل لا على أنه قد حل بذلك من إحرامه
ويكون هذا كما يقال قد حلت فلانة للرجال إذا خرجت من عدة عليها من زوج قد كان لها قبل ذلك
ليس على معنى أنها قد حلت لهم فيكون لهم وطؤها ولكن على معنى أنه قد حل لهم أن يتزوجوها تزوجا يحل
لهم وطؤها هذا كلام جائز مستساغ
فلما كان هذا الحديث قد احتمل ما ذكرنا وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عروة عن المسور ما قد وصفنا
ثبت بذلك هذا التأويل
وقد بين الله عز وجل ذلك في كتابه بقوله عز وجل فان أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا
تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله
فلما أمر الله تعالى المحصر أن لا يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي محله علم بذلك أنه لا يحل المحصر من
إحرامه إلا في وقت ما يحل له حلق رأسه
فهذا قد دل عليه قول الله تعالى ثم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية
والدليل على صحة ذلك التأويل أيضا أن حديث الحجاج بن عمرو قد ذكر عكرمة أنه حدثه بن عباس وأبا هريرة
رضي الله عنهما فقالا صدق
فصار ذلك الحديث عن ابن عباس وعن أبي هريرة أيضا
وقد قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في المحصر ما قد وافق التأويل الذي صرفنا إليه حديث الحجاج
ودل عليه ما حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا يحيى بن سعيد القطان عن الأعمش عن إبراهيم عن
علقمة وأتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدي
قال إذا أحصر الرجل بعث الهدي
ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى
من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فصيام ثلاثة أيام
فإن عجل فحلق قبل أن يبلغ الهدي محله فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك صيام ثلاثة أيام
أو تصدق على ستة مساكين كل مسكين نصف صاع أو النسك شاة
فإذا أمن مما كان به فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فإن مضى من وجهه ذلك فعليه حجة وان أخر العمرة إلى
قابل فعليه حجة وعمرة وما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج أخرها
يوم عرفة وسبعة إذا رجعتم
250

قال فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال هذا قول بن عباس وعقد ثلاثين
حدثنا أبو شريح محمد بن زكريا بن يحيى قال ثنا الفريابي قال ثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن
إبراهيم عن علقمة أنه قال في قول الله عز وجل لنا فإن أحصرتم قال من حبس أو مرض
قال إبراهيم فحدثت به سعيد بن جبير فقال هكذا قال بن عباس رضي الله عنهما
فهذا بن عباس لم يجعله يحل من إحرامه بالاحصار حتى ينحر عنه الهدي
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من كسر أو عرج فقد حل
فدل ذلك أن معنى فقد حل عنده أي له أن يحل على ما ذهبنا إليه في ذلك وقد روي ذلك أيضا عن
غير بن عباس رضي الله عنهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا
حدثنا فهد قال ثنا علي بن معبد بن شداد العبدي صاحب محمد بن الحسن قال ثنا جرير بن عبد الحميد
عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال لدغ صاحب لنا بذات التنانين وهو محرم بعمرة فشق ذلك علينا
فلقينا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فذكرنا له أمره
فقال يبعث بهدي ويواعد أصحابه موعدا فإذا نحر عنه حل
حدثنا فهد قال ثنا علي قال ثنا جرير عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد
قال قال عبد الله ثم عليه عمرة بعد ذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش فذكر بإسناده مثله
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا شعبة عن الحكم قال سمعت إبراهيم يحدث عن
عبد الرحمن بن يزيد قال أهل رجل من النخع بعمرة يقال له عمير بن سعيد فلدغ فبينا هو صريع في الطريق
إذ طلع عليهم ركب فيهم بن مسعود رضي الله عنه فسألوه
فقال ابعثوا بالهدي واجعلوا بينكم وبينه يوما أمارة فإذا كان ذلك فليحل
قال الحكم وقال عمارة بن عمير وكان حدثك به عن عبد الرحمن بن يزيد أن بن مسعود رضي الله عنه
قال وعليه العمرة من قابل
قال شعبة وسمعت سليمان حدثه به مثل ما حدث الحكم سواء
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر أنه قال
251

المحصر لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة وإن اضطر إلى شئ من لبس الثياب التي لا بد له منها
والدواء صنع ذلك وافتدى
فقد ثبت بهذه الروايات أيضا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافق ما تأولنا عليه حديث الحجاج
الذي ذكرناه
ثم اختلف الناس بعد هذ في الاحصار الذي هذا حكمه بأي شئ هو أو بأي معنى يكون
فقال قوم يكون بكل حابس يحبسه من مرض أو غيره وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله
وقد روينا ذلك أيضا فيما تقدم من هذا الباب عن ابن مسعود وابن عباس
وقال آخرون لا يكون الاحصار الذي حكمه ما وصفنا إلا بالعدو خاصة ولا يكون بالأمراض وهو قول بن عمر
حدثنا محمد بن زكريا أبو شريح قال ثنا الفريابي قال ثنا سفيان الثوري عن موسى بن عقبة
عن نافع عن ابن عمر قال لا يكون الاحصار إلا من عدو
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عبن شهاب عن سالم عن أبيه أنه قال من
حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة
فلما وقع في هذا هذا الاختلاف وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث الحجاج بن عمرو وابن عباس
وأبي هريرة ما ذكرنا من قوله يعني النبي صلى الله عليه وسلم من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة
أخرى ثبت بذلك أن الاحصار يكون بالمرض كما يكون بالعدو
فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار
وأما وجهه من طريق النظر فإنا قد رأيناهم أجمعوا أن إحصار العدو يجب به للمحصر الاحلال كما قد ذكرنا
واختلفوا في المرض فقال قوم حكمه حكم العدو في ذلك إذا كان قد منعه من المضي في الحج كما منعه العدو
وقال آخرون حكمه بائن من حكم العدو
فأردنا أن ننظر ما أبيح بالضرورة من العدو هل يكون مباحا بالضرورة بالمرض أم لا
فوجدنا الرجل إذا كان يطيق القيام كان فرض أن يصلي قائما وإن كان يخاف إن قام أن يعاينه العدو
فيقتله أو كان العدو قائما على رأسه فمنعه من القيام فكل قد أجمع أنه قد حل له أن يصلي قاعدا وسقط عنه
فرض القيام
252

وأجمعوا أن رجلا لو أصابه مرض أو زمانة فمنعه ذلك من القيام أنه قد سقط عنه فرض القيام وحل أن يصلي
قاعدا يركع ويسجد إذا أطاق بذلك أو يومئ إن كان لا يطيق ذلك
فرأينا ما أبيح له من هذا بالضرورة من العدو قد أبيح له بالضرورة من المرض ورأينا الرجل إذا حال العدو
بينه وبين الماء سقط عنه فرض الوضوء ويتيمم ويصلي
فكانت هذه الأشياء التي قد عذر فيها بالعدو قد عذر فيها أيضا بالمرض وكان الحال فذلك سواء
ثم رأينا الحاج المحصر بالعدو قد عذر فجعل له في ذلك أن يفعل ما جعل للمحصر أن يفعل حتى يحل واختلفوا
في المحصر بالمرض
فالنظر على ما ذكرنا من ذلك أن يكون ما وجب له من العذر بالضرورة بالعدو يجب له أيضا بالضرورة
بالمرض ويكون حكمه في ذلك سواه كما كان حكمه في ذلك أيضا سواء في الطهارات والصلوات
ثم اختلف الناس بعد هذا في المحرم بعمرة يحصر بعدو أو بمرض
فقال قوم يبعث بهدي ويواعدهم أن ينحروه عنه فإذا نحر حل
وقال آخرون بل يقيم على إحرامه أبدا وليس لها وقت كوقت الحج
وكان من الحجة للذين ذهبوا إلى أنه يحل منها بالهدي ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأول هذا الباب لما
أحصر بعمرة زمن الحديبية حصرته كفار قريش فنحر الهدي وحل ولم ينتظر أن يذهب عنه الاحصار
إذ كان لا وقت لها كوقت الحج بل جعل العذر في الاحصار بها كالعذر في الاحصار بالحج
فثبت بذلك أن حكمها في الاحصار فيهما سواء وأنه يبعث الهدي حتى يحل به مما أحصر به منهما
إلا أن عليه في العمرة قضاء عمرة مكان عمرته وعليه في الحجة حجة مكان حجته وعمرة لاخلاله
وقد روينا في العمرة أنه قد يكون المحرم محصرا بها ما قد تقدم في هذا الباب عن عبد الله بن مسعود
رضي الله عنه
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار
وأما النظر في ذلك فإنا قد رأينا أشياء قد فرضت على العباد مما جعل لها وقت خاص وأشياء فرضت
عليهم مما جعل الدهر كله وقتالها
منها الصلوات فرضت عليهم في أوقات خاصة تؤدى في تلك الأوقات بأسباب متقدمة لها من التطهر
بالماء وستر العورة
ومنها الصيام في كفارات الظهار وكفارات الصيام وكفارات القتل جعل ذلك على المظاهر والقاتل
253

لا في أيام بعينها بل جعل الدهر كله وقتالها وكذلك كفارة اليمين جعلها الله عز وجل على الحانث في يمينه وهي
إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة
ثم جعل الله عز وجل من فرض عليه الصلوات بالأسباب التي يتقدم والأسباب المفعولة فيها في ذلك عذرا
إذا منع منه
فمن ذلك ما جعل له في عدم الماء من سقوط الطهارة بالماء والتيمم
ومن ذلك ما جعل للذي منع من ستر العورة أن يصلي بادي العورة
ومن ذلك ما جعل لمن منع من القبلة أن يصلي إلى غير قبلة
ومن ذلك ما جعل للذي منع من القيام أن يصلي قاعدا يركع ويسجد فان منع من ذلك أيضا أومئ
إيماء فجعل له ذلك
وإن كان قد بقي عليه من الوقت ما قد يجوز أن يذهب عنه ذلك العذر ويعود إلى حاله قبل العذر وهو
في الوقت لم يفته
وكذلك جعل لمن لا يقدر على الصوم في الكفارات التي أوجب الله عز وجل عليه فيها الصوم لمرض حل به
مما قد يجوز برؤه منه بعد ذلك ورجوعه إلى حال الطاقة لذلك الصوم فجعل ذلك له عذرا في إسقاط الصوم عنه
به ولم يمنع من ذلك إذا كان ما جعل عليه من الصوم لا وقت له
وكذلك فيما ذكرنا من الاطعام في الكفارات والعتق فيها والكسوة إذا كان الذي فرض ذلك عليه معدما
وقد يجوز أن يحد بعد ذلك فيكون قادرا على ما أوجب الله عز وجل عليه من ذلك من غير فوات لوقت
شئ مما كان أوجب عليه فعله فيه
فلما كانت هذه الأشياء يزول فرضها بالضرورة فيها وإن كان لا يخاف فوت وقتها فجعل ذلك ما خيف فوت
وقته سواء من الصلوات في أواخر أوقاتها وما أشبه ذلك
فالنظر على ما ذكرنا أن يكون كذلك العمرة وإن كان لا وقت لها أن يباح في الضرورة فيها ما يباح بالضرورة
في غيرها مما له وقت معلوم
فثبت بما ذكرنا قول من ذهب إلى أنه قد يكون الاحصار بالعمرة كما يكون الاحصار بالحج سواء
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
ثم تكلم الناس بعد هذا في المحصر إذا نحر هديه هل يحلق رأسه أم لا
فقال قوم ليس عليه أن يحلق لأنه قد ذهب عنه النسك كله وممن قال ذلك أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله
وقال آخرون بل يحلق فإن لم يحلق حل ولا شئ عليه وممن قال ذلك أبو يوسف رحمه الله
وقال آخرون يحلق ويجب ذلك عليه كما يجب على الحاج والمعتمر
254

فكان من حجة أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله في ذلك أنه قد سقط عنه بالاحصار جميع مناسك الحج من
الطواف والسعي بين الصفا والمروة وذلك مما يحل المحرم به من إحرامه
ألا ترى أنه إذا طاف بالبيت يوم النحر حل له أن يحلق فيحل له بذلك الطيب واللباس والنساء
قالوا فلما كان ذلك مما يفعله حتى يحل فسقط ذلك عنه كله بالاحصار سقط أيضا عنه سائر ما يحل به
المحرم بسبب الاحصار هذه حجة لأبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى
وكان من حجة الآخرين عليهما في ذلك أن تلك الأشياء من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة
ورمي الجمار قد صد عنه المحرم وحيل بينه وبينه فسقط عنه أن يفعله
والحلق لم يحل بينه وبينه وهو قادر على أن يفعله
فما كان يصل إلى أن يفعله فحكمه فيه في حال الاحصار كحكمه فيه حال الاحصار
وما لا يستطيع أن يفعله في حال الاحصار فهو الذي يسقط عنه بالاحصار فهو النظر عندنا
وإذا كان حكمه في وقت الحلق عليه وهو محصر كحكمه في وجوبه عليه وهو غير محصر كان تركه إياه
أيضا وهو محصر كتركه إياه وهو غير محصر
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد دل على أن حكم الحلق باق على المحصرين كما هو على من وصل إلى البيت
وذلك أن ربيعا المؤذن حدثنا قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال
ثنا أبو إسحاق قال حدثني عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال حلق رجال
يوم الحديبية وقصر آخرون
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال يرحم الله المحلقين
قالوا يا رسول الله والمقصرين قال يرحم الله المحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال والمقصرين
255

قالوا فما بال المحلقين ظاهرت لهم بالترحم قال إنهم لم يشكوا
حدثنا فهد قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا ابن إدريس عن أبي إسحاق فذكر بإسناد مثله
حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن
أبي إبراهيم الأنصاري قال ثنا أبو سعيد الخدري قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر يوم الحديبية للمحلقين ثلاثا
وللمقصرين مرة
حدثنا ابن مرزوق قال ثنا هارون بن إسماعيل الجزار قال ثنا علي بن المبارك قال ثنا يحيى بن أبي
كثير أن أبا إبراهيم الأنصاري حدثه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية استغفر للمحلقين
مرة وللمقصرين مرة
وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رؤوسهم غير رجلين رجل من الأنصار ورجل من قريش
قال أبو جعفر فلما حلقوا جميعا إلا من قصر منهم وفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلق منهم على من قصر
ثبت بذلك أنهم قد كان عليهم الحلق والتقصير كما كان عليهم لو وصلوا إلى البيت ولولا ذلك لما كانوا فيه الاسراء
ولا كان لبعضهم في ذلك فضيلة على بعض
ففي تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المحلقين على المقصرين دليل على أنهم كانوا في ذلك كغير المحصرين
فقد ثبت بما ذكرنا أن حكم الحلق أو التقصير لا يزيله الاحصار والله أسأله التوفيق
باب حج الصغير
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ثنا سفيان بن عيينة قال حدثني إبراهيم بن عقبة عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صبي هل لهذا من حج قال نعم ولك أجر
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالك حدثه عن إبراهيم بن عقبة فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون عن إبراهيم بن عقبة
فذكر بإسناده مثله
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الصبي إذا حج قبل بلوغه أجزأه ذلك من حجة الاسلام ولم يكن عليه
أن يحج بعد ذلك بعد بلوغه واحتجوا في ذلك بهذا الحديث
256

وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجزيه من حجة الاسلام وعليه بعد بلوغه حجة أخرى
وكان من الحجة لهم عندنا على أهل المقالة الأولى أن هذا الحديث إنما فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن للصبي
حجا وهذا مما قد أجمع الناس جميعا عليه ولم يختلفوا أن للصبي حجا كما أن له صلاة وليس تلك الصلاة
بفريضة عليه
فكذلك أيضا قد يجوز أن يكون له حج وليس ذلك الحج بفريضة عليه وإنما هذا الحديث حجة على من
زعم أنه لاحج للصبي
فأما من يقول إن له حجا وأنه غير فريضة فلم يخالف شيئا من هذا الحديث وإنما خالف تأويل
مخالفة خاصة
وهذا بن عباس رضي الله عنهما هو الذي روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قد صرف هو حج
الصبي إلى غير الفريضة وأنه لا يجزيه بعد بلوغه من حجة الاسلام
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عبد الله بن رجاء قال ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي السفر
قال سمعت بن عباس يقول يا أيها الناس أسمعوني ما تقولون ولا تخرجوا تقولون قال بن عباس أيما
غلام حج به أهله فمات فقد قضى حجة الاسلام فان أدرك فعليه الحج وأيما عبد حج به أهله فمات فقد
قضى حجة الاسلام فإن أعتق فعليه الحج
حدثنا محمد قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن يونس بن عبيد صاحب الحلي قال سألت بن عباس
عن المملوك إذا حج ثم عتق بعد ذلك قال عليه الحج أيضا وعن الصبي يحج ثم يحتلم قال يحج أيضا
وقد زعمتم أن من روى حديثا فهو أعلم بتأويله فهذا بن عباس رضي الله عنهما قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
ما قد ذكرنا في أول هذا الباب ثم قال هو ما قد ذكرنا
فيجب على أصلكم أن يكون ذلك دليلا على معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك
فإن قال قائل فما الذي دل على أن ذلك الحج لا يجزيه من حجة الاسلام
قلت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة عن الصغير حتى يكبر وقد ذكرت ذلك بأسانيده في غير
هذا الموضع من هذا الكتاب ثبت أن القلم عن الصبي مرفوع ثبت أن الحج عليه غير مكتوب وقد أجمعوا
أن صبيا لو دخل في وقت صلاة فصلاها ثم بلغ بعد ذلك في وقتها أن عليه أن يعيدها وهو في الحكم من لم يصلها
فلما ثبت ذلك من اتفاقهم ثبت أن الحج كذلك وأنه إذا بلغ وقد حج قبل ذلك أنه في حكم من لم يحج
وعليه أن يحج بعد ذلك
257

فإن قال قائل فقد رأينا في الحج حكما يخالف حكم الصلاة وذلك أن الله عز وجل إنما أوجب الحج على من
وجد إليه سبيلا ولم يوجبه على غيره
فكان من لم يجد سبيلا إلى الحج فلا حج عليه كالصبي الذي لم يبلغ
ثم قد أجمعوا أن من لم يجد سبيلا إلى الحج فحمل على نفسه ومشى حتى حج أن ذلك يجزيه وإن وجد
إليه سبيلا بعد ذلك لم يجب عليه أن يحج ثانية للحجة التي قد كان حجها قبل وجوده السبيل
فكان النظر على ذلك أن يكون كذلك الصبي إذا حج قبل البلوغ ففعل ما لم يجب عليه أجزاه ذلك
ولم يجب عليه أن يحج ثانية بعد البلوغ
قيل له إن الذي لا يجد السبيل إنما سقط الفرض عنه لعدم الوصول إلى البيت فإذا مشى فصار إلى البيت
فقد بلغ البيت وصار من الواجدين للسبيل فوجب الحج عليه لذلك فلذلك قلنا إنه أجزأه حجة ولأنه صار
بعد بلوغه البيت كمن كان منزله هنالك فعليه الحج
وأما الصبي ففرض الحج غير واجب عليه قبل وصوله إلى البيت وبعد وصوله إليه لرفع القلم عنه فإذا بلغ
بعد ذلك فحينئذ وجب عليه فرض الحج
فلذلك قلنا إن ما قد كان حجه قبل بلوغه لا يجزيه وأن عليه أن يستأنف الحج بعد بلوغه كمن لم يكن
حج قبل ذلك
فهذا هو النظر أيضا في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
باب دخول الحرم هل يصلح بغير إحرام
حدثنا علي بن معبد قال ثنا معلي بن منصور ح
وحدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا علي بن حكيم الأودي ح
وحدثنا فهد قال ثنا محمد بن سعيد قالوا ثنا شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر
بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم ح
وحدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قالا ثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب أن مالكا حدثه ح
وحدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو الوليد قال ثنا مالك بن أنس عن الزهري عن أنس رضي الله عنه
258

أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه مغفر فلما كشف المغفر عن رأسه قيل له إن بن خطل متعلق بأستار
الكعبة فقال اقتلوه
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أنه لا بأس بدخول الحرم بغير إحرام واحتجوا في ذلك بهذه الآثار
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يصلح لأحد كان منزله من وراء الميقات إلى الأمصار أن يدخل مكة
إلا بإحرام
واختلف هؤلاء فقال بعضهم وكذلك الناس جميعا من كان بعد الميقات وقبل الميقات غير أهل مكة خاصة
وقال آخرون من كان منزله في بعض المواقيت أو فيما بعدها إلى مكة فله أن يدخل مكة بغير إحرام
ومن كان منزله قبل المواقيت لم يدخل مكة إلا بإحرام وممن قال هذا القول أبو حنيفة وأبو يوسف
ومحمد رحمهم الله
وقال آخرون أهل المواقيت حكمهم حكم من كان قبل المواقيت وجعل أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد
رحمهم الله حكم أهل المواقيت كحكم من كان من ورائهم إلى مكة
وليس النظر في هذا عندنا ما قالوا أنا رأينا من يريد الاحرام إذا جاوز المواقيت حلالا حتى فرغ
من حجته ولم يرجع إلى المواقيت كان عليه دم
ومن أحرم من المواقيت كان محسنا وكذلك من أحرم قبلها كان كذلك أيضا
فلما كان الاحرام من المواقيت في حكم الاحرام مما قبلها لا في الاحرام مما بعدها ثبت أن حكم المواقيت
كحكم ما قبلها لا كحكم ما بعدها
فلا يجوز لأهلها من دخول الحرم إلا ما يجوز لأهل الأمصار التي قبل المواقيت
فانتفى بهذا ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد في حكم أهل المواقيت
واحتجنا إلى النظر في الاخبار هل فيها ما يدفع دخول الحرم بغير إحرام وهل فيها ما ينبئ عن معنى في
هذين الحديثين المتقدمين يجب بذلك المعنى أن ذلك الدخول الذي كان من النبي صلى الله عليه وسلم بغير إحرام خاص له
259

فاعتبرنا في ذلك فإذا بن أبي داود قد حدثنا قال ثنا عمرو بن عون قال ثنا أبو يوسف يعقوب
بن إبراهيم عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن
الله عز وجل حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر ووضعها بين هذين الأخشبين لم تحل
لأحد قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا يرفع لقطتها إلا منشد
فقال العباس رضي الله عنه إلا الإذخر فإنه لا غنى لأهل مكة عنه لبيوتهم وقبورهم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا مسدد قال ثنا يحيى عن أبي ذئب قال حدثني سعيد المقبري قال سمعت
أبا شريح الكعبي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل حرم مكة ولم يحرمه الناس فمن كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فلا يسفكن فيها دما ولا يعضدن فيها شجرا فإن ترخص مترخص فقال قد حلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن الله عز وجل أحلها لي ولم يحلها للناس وإنما أحلها لي ساعة
حدثنا فهد قال ثنا يوسف بن بهلول قال ثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق قال حدثني
سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي قال لما بعث عمرو بن سعيد البعث إلى مكة لغزو بن الزبير أتاه
أبو شريح فكلمه بما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى نادي قومه فجلس فقمت إليه فجلست معه
قال فحدث عما حدث عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعما جاوبه به عمرو
قال قلت إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفتتح مكة فلما كان الغد من يوم الفتح خطبنا فقال
يا أيها الناس إن الله عز وجل حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام من حرام الله إلى يوم
القيامة لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد بها شجرا لم تحل لأحد كان قبلي
ولا تحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها ألا ثم قد عادت كحرمتها بالأمس فمن قال
لكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أحلها فقولوا له إن الله عز وجل قد أحلها لرسوله ولم يحلها لك
260

قال لي انصرف أيها الشيخ فنحن أعرف بحرمتها منك إنها لا تمنع سافك دم ولا مانع خربة
ولا خالع طاعة
قلت قد كنت شاهدا وكنت غائبا وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا وقد أبلغتك
حدثنا بحر هو بن نصر عن شعيب بن الليث عن أبيه عن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح
الخزاعي عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
حدثنا علي بن عبد الرحمن قال ثنا ابن أبي مريم قال أنا ابن الدراوردي قال ثنا محمد بن عمرو بن
علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجون
ثم قال والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله لم تحل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد بعدي
وما أحلت لي إلا ساعة من النهار وهي بعد ساعتها هذه حرام إلى يوم القيامة
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا الحجاج بن المنهال وأبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي قالا ثنا حماد
بن سلمة عن محمد بن عمرو فذكر بإسناده مثله
* (حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون قال ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى قال ثنا أبو سلمة
قال حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال لما فتح الله عز وجل على رسوله عليه السلام مكة قتلت هذيل رجلا
من بني ثقيف بقتيل كان لهم في الجاهلية
فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن الله عز وجل حبس عن أهل مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين وأنها لم تحل
لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وإنها ساعتي هذه حرام لا يعضد
شجرها ولا يختلى شوكها ولا يلتقط ساقطها إلا لمنشد
حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير فذكر بإسناده
مثله غير أنه قال إن الله عز وجل حبس عن أهل مكة الفيل قال ولا يلتقط ضالتها إلا لمنشد
261

فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار أن مكة لم تحل لأحد كان قبله ولا تحل لأحد بعده وأنها إنما أحلت له
ساعة من نهار ثم عادت حراما كما كانت إلى يوم القيامة
فدل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان دخلها يوم دخلها وهي له حلال فكان له بذلك دخولها بغير إحرام
وهي بعد حرام فلا يدخلها أحد إلا بإحرام
فان قال قائل إن معنى ما أحل للنبي صلى الله عليه وسلم منها هو شهر السلاح فيها للقتال وسفك الدماء لا غير ذلك
قيل له هذا محال إن كان الذي أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم منها هو ما ذكرت خاصة إذ لم يقل ولا يحل لأحد بعدي
وقد رأيناهم أجمعوا أن المشركين لو غلبوا على مكة فمنعوا المسلمين منها حلالا للمسلمين قتالهم وشهر
السلاح بها وسفك الدماء وأن حكم من بعد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك في إباحتها في حكم النبي صلى الله عليه وسلم
فدل ذلك أن المعنى الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم خص به فيها وأحلت له من أجله ليس هو القتال
وإذا أنتفي أن يكون هو القتال ثبت أنه الاحرام
ألا ترى إلى قول عمر بن سعيد لأبي شريح إن الحرم لا يمنع سافك دم ولا مانع خربة ولا خالع طاعة
جوابا لما حدثه به أبو شريح عن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر ذلك عليه أبو شريح ولم يقل له إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد
بما حدثتك عنه أن الحرم قد يجير كل الناس ولكنه عرف ذلك فلم ينكره
وهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنه فقد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال من رأيه لا يدخل أحد
الحرم إلا بإحرام وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى
فدل قوله هذا أن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أحلت له ليس هو على إظهار السلاح بها وإنما هو على
معنى آخر
لأنه لما انتفى هذا القول ولم يكن غيره وغير القول الآخر ثبت القول الآخر
ثم احتجنا بعد هذا إلى النظر في حكم من بعد المواقيت إلى مكة هل لهم دخول الحرم بغير إحرام أم لا
فرأينا الرجل إذا أراد دخول الحرم لم يدخله إلا بإحرام وسواء أراد دخول الحرم لاحرام أو لحاجة
غير الاحرام
ورأينا من أراد دخول تلك المواضع التي بين المواقيت وبين الحرم لحاجة أنه له دخولها بغير إحرام
فثبت بذلك أن حكم هذه المواضع إذا كانت تدخل للحوائج بغير إحرام كحكم ما قبل المواقيت وأن أهلها
لا يدخلون الحرم إلا كما يدخله من كان أهله وراء المواقيت إلى الآفاق
فهذا هو النظر عندي في هذا الباب وهو خلاف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
262

وذلك أنهم إنما قلدوا فيما ذهبوا إليه من هذا ما حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور
قال ثنا هشيم قال أنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه خرج من مكة يريد المدينة فلما بلغ
قديدا بلغه عن جيش قدم المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد قال ثنا أيوب عن نافع أن بن عمر رضي الله
عنهما خرج من مكة وهو يريد المدينة
فلما كان قريبا لقيه جيش بن دلجة فرجع فدخل مكة حلالا
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن نافع أن عبد الله بن عمر أقبل من مكة حتى إذا
كان بقديد بلغه خبر من المدينة فرجع فدخل مكة حلالا فقلدوا ذلك واتبعوه وكان النظر في ذلك
عندنا خلاف ما ذهبوا إليه
وقد روي عن غير بن عمر في ذلك ما يخالف هذا
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا عثمان المؤذن قال ثنا ابن جريج قال قال عطاء قال بن عباس
رضي الله عنهما لا عمرة على المكي إلا أن يخرج من الحرم فلا يدخله إلا حراما
فقيل لابن عباس رضي الله عنهما فإن خرج رجل من مكة قريبا قال نعم يقضي حاجته ويجعل
مع قضائها عمرة
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا سليمان بن حرب قال ثنا حماد بن زيد عن علي بن الحكم عن عطاء
قال يدخل أحد الحرم إلا بإحرام
فقيل ولا الحطابون قال ولا الحطابون قال ثم بلغني بعد أنه رخص للحطابين
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد قال ثنا هشيم قال أنا عبد الملك عن عطاء بن أبي رباح
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول لا يدخل مكة تاجر ولا طالب حاجة إلا وهو محرم
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا هشيم قال أنا يونس عن الحسن
أنه كان يقول ذلك
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن قيس عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال لا يدخل أحد مكة إلا محرما
* حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا أفلح بن حميد عن القاسم بمحمد قال لا يدخل
أحد مكة إلا محرما
263

فان قال قائل أفيجوز لمن كان بعد المواقيت إلى مكة أن يتمتع
قيل له نعم وهو في ذلك أيضا خلاف أهل مكة وهذا أيضا خلاف قول أصحابنا ولكنه النظر عندنا
على ما قد ذكرنا وبينا وحاضروا المسجد الحرام عندنا أهل مكة خاصة
وقد قال هذا القول الذي ذهبنا إليه في هذا نافع مولى بن عمر وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج
حدثنا يونس قال ثنا ابن وهب قال أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت نافعا مولى
بن عمر يسأل عن قول الله عز وجل ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام
أجوف مكة أم حولها قال جوف مكة وقال ذلك عبد الرحمن الأعرج رضي الله عنها
باب الرجل يوجه بالهدي إلى مكة ويقيم في أهله
هل يتجرد إذا قلد الهدي
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عطاء
بن أبي لبيبة عن عبد الملك بن جابر عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم جالسا
فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه
فنظر القوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا وكذا
فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي وكان بعث ببدنه فأقام بالمدينة
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى أن الرجل إذا بعث بالهدي وأقام في أهله فقلد الهدي وأشعر أنه يتجرد
فيقيم كذلك حتى يحل الناس من حجهم
واحتجوا في ذلك بهذا الحديث ورووا ذلك أيضا عن ابن عباس وابن عمر
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن
أنها أخبرته أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
قال من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه وقد بعثت بهدي فاكتبي إلي بأمرك
أو مري صاحب الهدي
فقالت عائشة ليس كما قال بن عباس أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها
264

رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ أحله الله عز وجل له حتى
نحر الهدي
حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال ثنا سعيد قال ثنا هشيم قال أنا عبيد الله عن نافع قال كان
ابن عمر إذا بعث هديه وهو مقيم أمسك عما يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما
أنه كان إذا بعث بهديه أمسك عن النساء
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا يجب على أحد تجريد ولا ترك شئ مما يتركه المحرم إلا بدخوله في الاحرام
إما بالحج وإما بالعمرة
وكانوا مما احتجوا به في ذلك ما قد رويناه عن عائشة رضي الله عنها فيما أجابت به زيادا
وبما حدثنا علي بن شيبة قال ثنا يزيد بن هارون قال أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن
مسروق قال قلت لعائشة إن رجالا ههنا يبعثون بالهدي إلى البيت ويأمرون الذي يبعثون معه بمعلم لهم
يقلدونها ذلك اليوم فلا يزالون محرمين حتى يحل الناس
فصفقت بيدها فسمعت ذلك من وراء الحجاب فقالت سبحان الله لقد كنت أفتل قلائد هدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فيبعث بها إلى الكعبة ويقيم فينا لا يترك شيئا مما يصنع الحلال حتى يرجع الناس
حدثنا علي بن معبد قال ثنا يعلى بن عبيد قال ثنا إسماعيل بن أبي خالد فذكر بإسناده مثله
حدثنا علي بن معبد قال ثنا عبد الوهاب بن عطاء قال أنا داود بن أبي هند عن عامر عن مسروق
عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت أفتل بيدي لبدن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعث بالهدي وهو مقيم بالمدينة
ويفعل ما يفعل المحل قبل أن يصل إلى البيت
حدثنا فهد قال ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن
الأسود عن عائشة قالت لربما فتلت القلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقلده ثم يبعثه به ثم يقيم لا يجتنب
شيئا مما يجتنب المحرم
حدثنا ابن أبي داود قال ثنا أبو معمر قال ثنا عبد الوارث قال ثنا محمد بن جحادة عن الحكم
بن عتيبة عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها قالت كنا نقلد الشاة فترسل
أو قالت فنرسل بها ورسول الله صلى الله عليه وسلم حلال لم يحرم منه شئ
265

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها
قالت ربما فتلت القلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقلده ثم يبعث به ثم يقيم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم
حدثنا محمد قال ثنا حجاج قال ثنا حماد بن زيد عن منصور عن إبراهيم فذكر بإسناده مثله
حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا الخصيب بن ناصح قال ثنا وهيب عن منصور فذكر بإسناده مثله
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا ابن وهب عن الليث عن ابن شهاب حدثه عن عروة وعمرة عن عائشة
رضي الله عنها مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله
عنها مثله
حدثنا ربيع قال ثنا شعيب قال ثنا الليث عن هشام عن عروة عن عائشة مثله
حدثنا فهد قال ثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة
رضي الله عنها مثله
حدثنا صالح بن عبد الرحمن وربيع الجيزي قالا حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال ثنا أفلح عن
القاسم عن عائشة رضي الله عنها مثله
حدثنا يونس قال أنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا شعيب بن الليث قال ثنا الليث عن عبد الرحمن بن القاسم فذكر بإسناده مثله
* (حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا بشر بن بكر قال حدثني الأوزاعي قال حدثني عبد الرحمن بن القاسم
فذكر بإسناده مثله وزاد ولا نعلم المحرم يحله إلا الطواف بالبيت
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ابن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها
مثله غير أنه لم يذكر الزيادة التي فيه على ما قبله
فقد تواترت هذه الآثار عن عائشة بما ذكرنا بما لم يتواتر عن غيرها بما يخالف ذلك
فإن كان هذا يؤخذ من طريق صحة الأسانيد فإن إسناد حديث عائشة رضي الله عنها هذا إسناد صحيح
لا تنازع بين أهل العلم فيه
وليس حديث جابر بن عبد الله كذلك لان من رواه دون من روى حديث عائشة رضي الله عنها
وإن كان ذلك يؤخذ من طريق ظهور الشئ وتواتر الرواية به فإن حديث عائشة أيضا أولى لان ذلك
موجود فيه ومعدوم في حديث جابر
وإن كان ذلك يؤخذ من طريق النظر فإنا قد رأينا الذين يذهبون إلى حديث جابر رضي الله عنه يقولون
إن الحرمة التي تجب على باعث الهدي بتقليده إياه وإشعاره فيحل عنه إذا حل الناس بغير فعل يفعله
هو فيحل به
266

فأردنا أن ننظر في الاحرام المتفق عليه هل هو كذلك أم لا
فرأينا الرجل إذا أحرم بحج أو عمرة فقد صار محرما إحراما متفقا عليه ورأيناه غير خارج من ذلك الاحرام
إلا بأفعال يفعلها فيحل بها منه ولا يحل بغيرها
ألا ترى أنه إذا كان حاجا فلم يقف بعرفة حتى مضى وقتها أن الحج قد فاته ولا يحل إلا بفعل يفعله
من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير
ولو وقف بعرفة وفعل جميع ما يفعله الحاج غير الطواف الواجب لم يحل له النساء أبدا حتى يطوف
الطواف الواجب
وكذلك العمرة لا يحل منها أبدا إلا بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق الذي يكون
منه بعد ذلك
فكانت هذه أحكام الاحرام المتفق عليه لا يخرجه منه مرور مدة وإنما يخرجه منه الافعال
وكان من أحرم بعمرة وساق الهدي وهو يريد التمتع فطاف لعمرته وسعى لم يحل حتى يفرغ من حجه
وينحر الهدي
فكانت هذه حرمة زائدة بسبب الهدي لأنه لولا الهدي لكان إذا طاف لعمرته وسعى حلق وحل له
فإنما منعه من ذلك الهدي الذي ساقه ثم كان إحلاله من تلك الحرمة أيضا إنما يكون بفعل يفعله لا بمرور وقت
فكان هذا الاحرام المتفق عليه لا يخرج منه بمرور الأوقات ولا بأفعال غيره ولكن بأفعال يفعلها هو
وكأن من بعث بهدي وأقام في أهله وأمر أن يقلد ويشعر فوجب عليه بذلك التجريد في قول من
يوجب ذلك يحل من تلك الحرمة لا بفعل يفعله ولكن في وقت ما يحل الناس
فخالف ذلك الاحرام المتفق عليه فلم يجب ثبوته كذلك لأنه إنما يثبت الأشياء المختلف فيها إذا أشبهت
الأشياء المجتمع عليها
فإذا كانت غير مشبهة لها لم يثبت إلا أن يكون معها التوقيت الذي يقوم به الحجة فيجب القول بها لذلك
فإذا وجب ذلك انتفى الاختلاف فثبت بما ذكرنا صحة قول من ذهب إلى حديث عائشة رضي الله عنها
وفساد قول من خالف ذلك إلى حديث جابر بن عبد الله
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن
الحارث التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير أنه رأى رجلا متجردا بالعراق قال فسألت الناس عنه فقالوا
أمر بهديه أن يقلد فلذلك تجرد
قال ربيعة فلقيت عبد الله بن الزبير فقال بدعة ورب الكعبة
ولا يجوز عندنا أن يكون بن الزبير حلف على ذلك أنه بدعة إلا وقد علم أن السنة خلاف ذلك
267

حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن أيوب عن أبي العالية قال سألت بن عمر رضي الله
عنه عن الرجل يبعث بهديه أيمسك عن النساء
فقال بن عمر ما علمنا المحرم يحل حتى يطوف بالبيت
فمعنى هذا أن المحرم الذي تحرم عليه النساء هو الذي يحل من ذلك بالطواف بالبيت هذا لا طواف عليه
فلا معنى لاجتنابه ذلك
وهذا خلاف ما قد رويناه عن ابن عمر في أول هذا الباب
باب نكاح المحرم
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا وابن أبي ذئب حدثاه عن نافع عن نبيه بن وهب أخي بني
عبد الدار عن أبان بن عثمان قال سمعت أبي عثمان بن عفان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح المحرم
ولا ينكح ولا يخطب
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا بشر بن عمر قال ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر فذكر بإسناده مثله
غير أنه لم يقل ولا يخطب
حدثنا يزيد قال ثنا أبو عامر العقدي قال ثنا فليح بن سليمان عن عبد الجبار بن نبيه بن وهب عن أبيه
عن أبان بن عثمان عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب
* (حدثنا محمد بن جعفر بن حفص قال ثنا يوسف القطان قال ثنا أبو سلمة بن الفضل عن إسحاق بن
راشد عن زيد بن علي عن أبان بن عثمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله غير أنه لم يقل ولا يخطب
حدثنا أحمد بن داود قال ثنا أبو معمر قال ثنا عبد الوارث قال ثنا أيوب بن موسى المكي قال
حدثني نبيه عن أبان بن عثمان رضي الله عنه قال حدثنا عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال المحرم
لا ينكح ولا ينكح
قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا لا يجوز للمحرم أن ينكح ولا ينكح ولا يخطب
وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا لا نرى بذلك كله بأسا للمحرم ولكنه إن تزوج فلا ينبغي له أن يدخل
بها حتى يحل
واحتجوا في ذلك بما حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد قال ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال ثنا
محمد بن إسحاق ح
268

وحدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا عبد الله بن هارون قال ثنا أبي قال حدثني بن إسحاق قال ثنا
أبان بن صالح وعبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
تزوج ميمونة بنت الحارث وهو حرام فأقام بمكة ثلاثا فأتاه حويطب بن عبد العزى في نفر من قريش
في اليوم الثالث فقالوا إنه قد انقضى أجلك فاخرج عنا
فقال وما عليكم لو تركتموني فعرست بين أظهركم فصنعنا لكم طعاما فحضرتموه
فقالوا لا حاجة لنا في طعامك فاخرج عنا
فخرج نبي الله صلى الله عليه وسلم وخرج بميمونة حتى عرس بها بسرف
حدثنا يزيد بن سنان قال ثنا معلى بن أسد قال ثنا أبو عامر قال ثنا رياح بن أبي معروف عن عطاء
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث وهو محرم
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا معلى بن أسد قال ثنا وهيب عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن
عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا علي بن شيبة رضي الله عنه قال ثنا أبو نعيم قال ثنا سفيان عن ابن خيثم عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قالا ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن عكرمة عن ابن عباس
رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
حدثنا أبو بكرة وفهد قالا قال ثنا إبراهيم بن بشار ح
وحدثنا إسماعيل بن يحيى قال ثنا محمد بن إدريس قالا ثنا سفيان عن عمر بن دينار عن جابر بن زيد
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله
قال عمرو فحدثني بن شهاب عن يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهي خالته وهو حلال
قال عمرو فقلت للزهري وما يدري يزيد بن الأصم أعرابي بوال أتجعله مثل بن عباس
حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا معلى بن أسد قال ثنا أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق
عن عائشة رضي الله عنها قالت تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو محرم
269

حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا خالد بن عبد الرحمن قال ثنا كامل أبو العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة
رضي الله عنه قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم
فقال لهم أهل المقالة الأولى ومن يتابعكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم وهذا أبو رافع وميمونة
يذكران أن ذلك كان منه وهو حلال
فذكروا ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا حبان بن هلال قال ثنا حماد بن زيد عن مطر عن ربيعة
بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة رضي الله عنها حلالا وبنى بها
حلالا وكنت الرسول بينهما
حدثنا ربيع المؤذن وربيع الجيزي قالا ثنا أسد ح
وحدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا حماد بن سلمة عن حبيب بن ميمون بن مهران عن يزيد
بن الأصم عن ميمونة بنت الحارث قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف ونحن حلالان بعد أن رجع
من مكة ولم يقل بن خزيمة بعد أن رجع من مكة
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب قال حدثني جرير بن حازم أنه سمع أبا فزارة يحدث عن يزيد بن الأصم
قال أخبرتني ميمونة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالا
فكان من حجتنا عليهم أن هذا الامر إن كان يؤخذ من طريق صحة الاسناد واستقامته وهكذا مذهبهم
فإن حديث أبي رافع الذي ذكروا فإنما رواه مطر الوراق ومطر عندهم ليس هو ممن يحتج بحديثه
وقد رواه مالك وهو أضبط منه وأحفظ فقطعه
حدثنا يونس قال أنا ابن وهب أن مالكا حدثه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحارث وهو بالمدينة
قبل أن يخرج
وحديث يزيد بن الأصم فقد ضعفه عمرو بن دينار في خطابه للزهري وترك الزهري الانكار عليه وأخرجه
من أهل العلم وجعله أعرابيا بوالا وهم يضعفون الرجل بأقل من هذا الكلام وبكلام من هو أقل من عمرو بن
دينار والزهري
فكيف وقد أجمعنا جميعا على الكلام بما ذكرنا في يزيد بن الأصم
ومع هذا فإن الحجة عندكم في ميمون بن مهران هو جعفر بن برقان وقد روى هذا الحديث منقطعا
حدثنا فهد قال ثنا أبو نعيم قال ثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال كنت عند عطاء
فجاءه رجل فقال هل يتزوج المحرم
فقال عطاء ما حرم الله عز وجل النكاح منذ أحله
270

قال ميمون فقلت له إن عمر بن عبد العزيز كتب إلي أن سل يزيد بن الأصم أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
تزوج ميمونة حلالا أو حراما
فقال يزيد تزوجها وهو حلال
فقال عطاء ما كنا نأخذ هذا إلا عن ميمونة كنا نسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم
فأخبر جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران بالسبب الذي له وقع إليه هذا الحديث عن يزيد بن الأصم وأنه
إنما كان ذلك من قول يزيد لا عن ميمونة ولا عن غيرها ثم حاج ميمون به عطاء فذكره عن يزيد
ولم يجوزه به
فلو كان عنده عمن هو أبعد منه لأحتج به عليه ليؤكد بذلك حجته
فهذا هو أصل هذا الحديث أيضا عن يزيد بن الأصم لا عن غيره والذين رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو
محرم أهل علم
وأثبت أصحاب بن عباس رضي الله عنه سعيد بن جبير وعطاء وطاوس ومجاهد وعكرمة وجابر
بن زيد
وهؤلاء كلهم أئمة فقهاء يحتج برواياتهم وآرائهم الذين نقلوا عنهم
فكذلك أيضا منهم عمرو بن دينار وأيوب السختياني وعبد الله بن أبي لحيج
فهؤلاء أيضا أئمة يقتدى بروايتهم
ثم قد روي عن عائشة أيضا ما قد وافق ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وروي ذلك عنها من
لا يطعن أحد فيه أبو عوانة عن مغيرة عن أبي الضحى عن مسروق
فكل هؤلاء أئمة يحتج بروايتهم
فمما رووا من ذلك أولى مما روي من ليس كمثلهم في الضبط والثبت والفقه والأمانة
وأما حديث عثمان رضي الله عنه فإنما رواه نبيه بن وهب وليس كعمرو بن دينار ولا كجابر بن زيد
ولا كمن روى ما يوافق ذلك عن مسروق عن عائشة وليس لنبيه أيضا موضع في العلم كموضع أحد ممن ذكرنا
فلا يجوز إذ كان كذلك أن يعارض به جميع من ذكرنا ممن روى بخلاف الذي روى هو
271

فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار
فأما النظر في ذلك فان المحرم حرام عليه جماع النساء فاحتمل أن يكون عقد نكاحهن كذلك
فنظرنا في ذلك فوجدناهم قد أجمعوا أنه لا بأس على المحرم بأن يبتاع جارية ولكن لا يطؤها حتى يحل
ولا بأس بأن يشتري ليتطيب به بعدما يحل ولا بأس بأن يشتري قميصا ليلبسه بعدما يحل
وذلك الجماع هو التطيب واللباس حرام عليه كله وهو محرم
فلم يكن حرمة ذلك عليه تمنعه عقد الملك عليه
ورأينا المحرم لا يشتري صيدا فاحتمل أن يكون حكم عقد النكاح كحكم عقد شراء الصيد أو حكم عقد شراء
ما وصفنا مما سوى ذلك
فنظرنا في ذلك فإذا من أحرم وفي يده صيد أمر أن يطلقه ومن أحرم وعليه قميص وفي يده طيب أمر
أن يطرحه عنه ويرفعه
ولم يكن ذلك كالصيد الذي يؤمر بتخليته ويترك حبسه
ورأيناه إذا أحرم ومعه امرأة لم يؤمر بإطلاقها بل يؤمر بحفظها وصونها فكانت المرأة في ذلك كاللباس والطيب لا كالصيد
فالنظر على ذلك أن يكون في استقبال عقد النكاح عليها في حكم استقبال عقد الملك على الثياب والطيب
الذي يحل له به لبس ذلك واستعماله بعد الخروج من الاحرام
فقال قائل فقد رأينا من تزوج أخته من الرضاعة كان نكاحه باطلا ولو اشتراها كان شراؤه جائزا فكان
الشراء يجوز أن يعقد على ما لا يحل وطؤه والنكاح لا يجوز أن يعقد إلا على من يحل وطؤها وكانت المرأة حراما
على المحرم جماعها
فالنظر على ذلك أن يحرم عليه نكاحها
فكان من الحجة للآخرين عليهم في ذلك أنا رأينا الصائم والمعتكف حرام على كل واحد منهما الجماع
وكل قد أجمع أن حرمة الجماع عليهما لا يمنعهما من عقد النكاح لأنفسهما إذ كان ما حرم الجماع عليهما من
ذلك إنما هو حرمة دين كحرمة حيض المرأة الذي لا يمنعها من عقد النكاح على نفسها
فحرمة الاحرام في النظر أيضا كذلك
وقد رأينا الرضاع الذي لا يجوز تزويج المرأة لمكانه إذا طرأ على النكاح فسخ النكاح وكذلك لا يجوز
استقبال النكاح عليه
وكان الاحرام إذا طرأ على النكاح لم يفسخه
فالنظر على ذلك أيضا أن يكون لا يمنع استقبال عقدة النكاح وحرمة الجماع بالاحرام كحرمته بالصيام سواء
272

فإذا كانت حرمة الصيام لا تمنع عقد النكاح فكذلك حرمة الاحرام لا تمنع عقدة النكاح أيضا
فهذا هو النظر في هذا الباب وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى
وقد حدثنا محمد بن خزيمة قال ثنا حجاج قال ثنا جرير بن حازم عن سليمان الأعمش عن إبراهيم
أن بن مسعود رضي الله عنه كان لا يرى بأسا أن يتزوج المحرم
حدثنا محمد قال ثنا حجاج قال ثنا حماد عن حبيب المعلم وقيس وعبد الكريم عن عطاء أن
بن عباس رضي الله عنهما كان لا يرى بأسا أن يتزوج المحرمان
حدثنا روح بن الفرج قال ثنا أحمد بن صالح قال ثنا ابن أبي فديك قال حدثني عبد الله بن محمد
بن أبي بكر قال سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن نكاح المحرم فقال وما بأس به هل هو إلا
كالبيع
273

تم بحمد الله وعونه وتوفيقه - طبع الجزء الثاني - وبه يتم النصف الأول من كتاب شرح معاني الآثار،
ويتلوه - إن شاء الله - الجزء الثالث، وأوله كتاب النكاح.
والحمد لله أولا وآخرا، ونسأله سبحانه العون على إتمامه.
274