الكتاب: صفة المنافق
المؤلف: جعفر بن محمد الفريابي
الجزء:
الوفاة: ٣٠١
المجموعة: مصادر الحديث السنية ـ القسم العام
تحقيق: بدر البدر
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٠٥
المطبعة:
الناشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت
ردمك:
ملاحظات:

صفة النفاق وذم المنافق
1

صفة النفاق وذم المنافقين
للإمام الحافظ جعفر بن محمد الفريابي
شرحه، وحققه، وعلق عليه
أبى عبد الرحمن المصري الأثرى
عفا الله عنه
دار الكتابة للتراث بطنطا
تلفن 331587
3

كتاب قد حوى دررا * بعين الحسن ملحوظة
لهذا قلت تنبيها
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1408 ه‍ = 1988 م
دار الكتابة للتراث بطنطا
للنشر والتحقيق والتوزيع
أول الشارع المديرية بجوار بنك قناة السويس
11 شارع محمد فريد
4

بسم الله الرحمن الرحيم
«... كنا زمانا نعتذر من الجهل،
فقد صرنا الآن نحتاج إلى الاعتذار
من العلم.
وكنا نؤمل شكر الناس بالتنبيه والدلالة
فصرنا نرضى بالسلامة،
وليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال،
ولا ينكر مع تعير الزمان،
وفي الله خلف... وهو المستعان...»
أبو محمد بن قتيبة، رحمه الله تعالى
في مقدمة كتابه الفذ: «إصلاح الخطأ في غريب
الحديث لأبى عبيد» رحمه الله تعالى، نقلا من مقدمة
شيخنا السيد أجمد صقر - حفظه الله تعالى -
لكتاب «تأويل مشكل القرآن» لابن قتيبة.
5

الإهداء
إلى الذي ما نظن أن قد رأينا مثله...
بل ما نظن أنه - هو - قد رأى مثل نفسه!...
قديم السلم... عظيم الحلم... جليل العلم...
" الذي خرجنا في هذه الصناعة وأدخلنا في عداد الجماعة "...
شيخنا النقاد.. الذي يفنى في بتعديد مناقبه المداد
ذخر الإسلام.. عالي السنام.. الذي تتقاصر في ذكر فضله الأيام والأقلام
أخينا في الله تبارك وتعالى: زين الدين أبى إسحاق الحويني الأثرى
أبى البركات، بلغه الله من رضاه أبعد الغايات..
إليه على كره منه، أهدى هذا الجهد المتواضع...
وصلى الله وسلم وبارك على معلم الإنسانية الخير سيدنا محمد وآله..
وتبارك الذي استودع قلبي كل هذا الحب لأوليائه وعياله...
لا إله غيره يغنى المحتاجين عن سؤاله، ببادرة نواله...
(وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين).
والله - جل ذكره - من وراء القصد.
وكتب:
الغارق في سباته الوسنان
عبيد الله المصري الأثرى أبو عبد الرحمن
عامله الحنان المنان بقديم الفضل وواسع الإحسان.
7

بسم الله الرحمن الرحيم
(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا
شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم
شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا
لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه
وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله
وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس
لرءوف رحيم)
«البقرة / 143»
8

توطئة
إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى
من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
إنه من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
(يا أيها الناس اتقوا ريكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها
وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله
كان عليكم رقيبا).
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم
ويغفر لكم ذبوبكم ومن يطيع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد
صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل
بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد
فما نعلم أن دينا أرسل به من عند الله تعالى رسول، ولا نعرف أن سنة
قد سنها نبي من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، قد حظيت بعناية فاقت
الفوق، ولا لقيت من الدرس والفحص والبحث والتمحيص ما بلغ المنتهى،
ولا حفظت - على الدهر - بين الجلد والعظم، ولا أخلاقا تواردوا بعد
أسلاف على حمل هذا اللواء، بقدر ما بلغت من ذلك سنة نبينا خاتم
الأنبياء وإمام المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وما نعلم
9

عددا فاق الحصر لمؤلفات ومصنفات وشروح ومختصرات ومطولات وغيرها
تدندن جميعها حول حفظ هذا الدين، وتقريب سنة نبيه - بأبى هو
وأمي - مثل ما صنف في سنة نبي الإسلام، ودين الله المليك العلام. وما
نعرف أن أمة - من بين الأمم - قد بلغت معشار ما بلغت أمة محمد صلى الله عليه وسلم
ولا قريبا من ذلك، في صون رسالته والذب عن سنته والذود عن حياضها
الطاهرة، إلى حد بذل النفس فضلا عن النفيس من مال وولد في سبيل حمايتها
والمنافحة عنها والانتساب إلها. وهل ذلك إلا من تمام حفظ الله تعالى
ذكره - لهذا الدين، الذي ارتضاه وأكمله وأتمه وأفاض به النعمة، ليكون
مسك الختام لرسالات السماء، الأمر الذي اقتضى دخول من ليسوا من أهله
في خدمته راضين أو راغمين، ليكون الأمر كما بنه إليه النبي صلى الله تعالى
عليه وآله وسلم من إن ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
وبين يدي وأنا أكتب تلكم الكلمات نسخة من كتاب الله العزيز هي آية
من آيات الإعجاز، أذكر من وجوه الإعجاز فيها:
(1) أنها تناهت حروف طبعها في الصفر بحيث لا ترى بسهولة بالعين
المجردة.
(2) أنني عندما طابقت هذه النسخة - لشئ هجس في نفسي - بطبعة
أكبر حرفا وأضخم حجما وجدته مطابقا - تماما - لمثيله الذي طبع تحت
إشراف الأزهر الزاهر مما أبعد من الذهن الظن بمحاولة تحريفه.
(3) أما ثالثة الأعاجيب أنه طبع في بلد هي قمة عالية من قمم الإباحية
والانحلال والتهرؤ الخلقي والفجور، ومثل هذا البلد ينتظر منه أن يعمل على
إبادته لا نشره بتلك الصورة المعجزة.
(4) السؤال الذي ينقدح بتلقائية في الذهن، والذي يجعل المرء ذاهلا حقا
هو: الذي حمل رجلا من مثل هذا البلد على اختراع آلة للطبع متناهية
في الصغر هذا التناهي المذهل، ليطبع كتابا ليس هو كتاب أهل ملته بل ربما
10

لم يكن هو نفسه من أهل ديانته. أترك لك الإجابة.
وبعد
فهذا الكتاب الذي بين يديك، إنما هو حلقة صغيرة في سلسلة لا منتهى
لطولها من هذا التراث الضخم، الذي لم يعرف من قبل لأمة من الأمم.
فقد أهدى إلى شيخنا المؤيد بالله أبو إسحاق الحويني الأثرى - أعزه الله،
حفظه وبارك للإسلام وللمسلمين في عمره، ونفع بعلومه أهل المشرق وأهل
المغرب - مجلده تحوى بين دفتيها خمسة كتب. والمجلدة المذكورة لها عنوان
عام يقول: من دفائن الكنوز وهو اسم يطابق لفظه معناه ثم عناوين
فرعية رصت فوق بعضها هكذا على ظهر المجلدة:
(1) «جزء في الخلع وإبطال الحيل».
(2) «ذم ما عليه مدعو التصرف».
(3) «صفة النفاق وذم المنافق».
(4) «لفتة الكبد إلى نصيحة الولد».
(5) «الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالسيف بين
يدي الساعة».
فأما الأول فتصنيف الإمام المحقق أبى عبد الله بن بطة. وأما الثاني فللشيخ
الإمام موفق الدين أبى محمد بن قدامة المقدسي ثم الدمشقي. وأما واسطة
العقد - الثالث - الذي هو كتابنا هذا، والذي طلب إلى شيخنا شرحه،
على طريقة أهل الحديث، فهو للحافظ الإمام شيخ وقته وإمام زمانه، أبى
بكر جعفر بن محمد الفرياني، القاضي، صاحب التصانيف، وأما الرابع فهو
لعالم العراق وواعظ الآفاق أبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، الغني عن
التعريف. وأما الخامس فهو للعلامة الحافظ ابن رجب الحنبلي الإمام
العلم وقام بنشر هذه المجلدة - بالوصف الذي ذكرنا - الشيخ محمد حامد
11

الفقي، رحم الله الجميع وطيب ثراهم، وعطر تربتهم بما جهدوا هذا الجهد
فخلفوا للإسلام والمسلمين العلوم النافعة والمعارف العزيزة الواسعة، وجعل
عملهم وعلمنا معهم وعمل كل مخلص لله ولرسوله خالصا لوجه الله
الكريم المجازى عن الإحسان بأحسن منه، وصلى الله وسلم على الذي من
علومه نهلنا ومن آثاره شربنا حتى ارتوينا، معلم الإنسانية الخير سيدنا
محمد خير من وطئ الحصى وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم
يقوم الناس لرب العالمين... آمين.
وما أدرى - وعمر إلهي - ما الذي حدا بشيخنا أعزه الله، إلى الإشارة
على بشرح هذا الكتاب دون غيره من سائر الكتب التي تحويها المجلدة، فلو
أنه - حفظه الله - كلفني نقل مائة وثماني عشرة من الصخور الكبيرة - هي
عدة أحاديث الكتاب - من مواضعها لكان أهون على من شرح الكتاب ليس
في ذلك أية مبالغة على ما ستعلم إن شاء الله تعالى. فالكتاب في الغالب مداره
على المقاطيع والمراسيل والمعضلات والموقوفات على الأصحاب - رضي الله
تعالى عنهم - فمن دونهم والمرفوع من الأحاديث إلى النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لا يكاد يصل إلى الثلث، والثلث كبير. والكتاب بعد ذلك
لا تكاد تخلو صفحة منه من التصحيف والتحريف والغلط في ألفاظ المتون
وفي أسماء رجال الأسانيد أو كناهم أو أنسابهم لن أتعرض لسرد ذلك هاهنا،
فقد بينته بحمد الله تعالى وتوفيقه في مواضعه من ثنايا الكتاب الذي أهلك
مني وقتا وجهدا وأنالني عناء وعنتا يعرفهما المكابد، أحتسبه عند مليك
مقتدر ما أبغي بذلك - بعزة ربى - غير وجهه الكريم جل وجهه وسوف
يعرف ذلك من له أدنى مسكة من هذا العلم الشريف ويلمسه من أوتى
أقل شم لريح الحديث الطيبة وعلومه الجليلة وفنونه الرفيعة المنشعبة المتعددة.
فإن لمس ما أصابنا من وصب في الله الكريم فليدع لنا بخير إن نحن
12

أصبنا، وليستغفر الله العظيم لنا إذا نحن أخطأنا وهذا واقع بيقين وكائن لا
محالة، وسبحان من أبى العصمة إلا لكتابة وصلى الله وسلم على أنبيائه
المعصومين.
وقد، والله بذلت وسعى أفرغت جهدي وما آلوت استرضاء لربي
الكريم ورجاء لواسع رحمته ومغفرته وحبا لا حد له لسيد ولد آدم سيدنا
محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فما حملت ناقة فوق رحلها * أبر أوفى ذمة من محمد
فإن علم الله جل ذكره - خلوص ضميري وصلاح نيتي وتجريد قصدي
لوجهه الكريم فسبيله الموقع الذي أردت وما أردت بربي إلا الخير، إن
أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
فإن انصلح ما أردت إصلاحه من اعوجاج المسار وفساد الأخلاق وكساد
النوايا وانحطاط العزائم وموات القلوب فإني أطمع أن ينير الله - تعالى -
لي قبري بعد موتى ويوسع لي فيه برحمته وفضله وروحه وريحانه وجزيل
مثوبته وعظيم إحسانه ويتجاوز عن سيئاتي في أصحاب الجنة وعد الصدق
الذي وعدنا إنه سبحانه أكرم من سئل وأبر من وصل وخير من أعطى،
وهو - جل ثناؤه - من وراء القصد إله سواه.
ويتلخص محصل عملنا في هذا الكتاب مما عليه أهل الحديث في نقاط
أبرزها:
(1) الكلام على رجال الإسناد في كل حديث وبيان كل راو من
قوة أو ضعف أو غير ذلك، معتمدين في ذلك ما نحسبه أعدل الأقوال حكما
عليه من أوثق الكتب الموجودة على ظهر الأرض اليوم والتي سنورد لها
جريدة مفصله في آخر الكتاب إن شاء الله الكريم.
(2) الحكم على الحديث وبيان درجته صحة أو حسنا أو ضعفا، طبقا
13

لما ذكرنا من إعمال القواعد العلمية والأصولية التي وضعها أهل الحديث - لله
درهم وعليه شكرهم - متحرين في ذلك ما نحسبه أقرب الأقوال إلى الصواب
وأدناها منه موقعا، وبالله التوفيق والعصمة.
(3) تخريج الأحاديث المرفوعة وما عداها من الآثار والموقوفات أو غيرها
كيفما كان شكله ورسمه من سائر كتب السنة التي بأيدينا، باذلين في ذلك
أقصى ما وسعنا إلا ما شاء الله تعالى أن يدخره لتال بعدنا، بعدنا فكم ترك الأول
للآخر وسبحان الأول والآخر.
(4) إيراد الأحاديث المرفوعة أو الآثار الموقوفة مما لم يستوعبه الكتاب
وأتيح لنا بفضل الله منزل الكتاب الوقوف عليه مشفوعا بذكر المصدر
مع الإشارة إلى رقم الجزء الصفحة ما وجدنا إلى ذلك سبيلا.
(5) بيان ما مست إليه الحاجة ودعت إليه الضرورة، من شرح غريب
أو إيضاح معنى مغلق أو بيان حكم أو حكمة فقهية أو نكتة لطيفة وذلك
في حدود ضيقة إذ ليس هذا الكتاب مظنة ذلك كما علمناك.
(6) الالتزام كليا بحرفية ما ورد في الكتاب بنصه وفصه محافظة منا
على آثار الناس وأصولهم مما تقتضيه - ضرورة - الأنة العلمية فإن كان
ثم غلط من أي نوع نبهنا عليه وأشرنا إليه إذ هو من صميم عملنا.
(7) لم أضع إصلاح الغلط في حاشية الكتاب من أسفل - كما هو دأب
البعض - وإنما ضمنته ثنايا الشرح كيلا أقطع اطراد المتابعة الفكرية في ذهن
القارئ وذلك مظنة الإملال فأتبعته موضع الغلط مباشرة حتى أجنب
غيري ما عناني كثيرا ولا أشذ عن ذلك إلا نادرا.
(8) ما كان من شرحي وعملي في الكتاب صدرته بقولي: قلت فما
كان بعدها فمن كلامي أستمد من ربى العصمة والصواب فيه.
(9) ما كان من زيادة في أحد طرق الحديث أو صلاة على النبي صلى
14

الله تعالى عليه وسلم أو ترض عن صحابي أو ترحم على تابعي أو
راو في إسناد ما ولم يكن موجودا في أصل النسخة التي أعمل منها، وضعته
بين معكفين هكذا «[]» فما كان في داخلها فهو من وضعنا أو جمعنا
لأطراف الأحاديث كما استحب ذلك وندبه العلماء الثقات الأثبات.
(10) في بعض الأحايين - وذلك قليل - أسوق جملة من الأحاديث دفعة
واحدة خاصة إذا اتحد مخرجها ثم أتكلم بعد إيرادها على نقدها جميعا
وشرحها بعدا عن الإملال بالتكرار مجلبة السآمة.
(11) في بعض الأحايين - وذلك قليل أيضا - أستعمل أوصافا أو نعوتا أو
عبارات قد لا تكون معروفة أو مطروقة في جرح أو تعديل أو كلام على إسناد
أو متن أردت بذلك تجميل شكل الأسلوب النقدي ستلمحه في ثنايا
الشرح، أرجو أن تسر به.
(12) وضعنا مقدمة لطيفة - كان لابد من وضعها - حول محتوى الكتاب
وعرضه وهو لا شك غرض خطير يتناول موضوعا أشد خطرا في باب
مست الحاجة في أيامنا هذه إلى طرقه بشدة فكان من الواجب فيما ارتأيناه
وضع هذه المقدمة سيما وأن أصل الكتاب خلو منها. نسأل الله تعالى
الإخلاص والإنصاف والتجرد في كل ما نأتي من الأمر، وفي كل ما ندع
إنه سبحانه ولى ذلك القادر عليه.
(13) كان من حسن تقدير الله جل وعلا، أن اطلع شيخنا المؤيد بالله
أبو إسحاق على هذا الشرح النافع - إن شاء الله قبل نشره - فأفادني زيادات
كثيرة في التخريجات التي تراها ملحقة بتخريجاتي في الكتاب، والتي لم تكن
مصادرها متيسرة تحت يدي إبان عملي في الكتاب، كما أفادني تلكم التنبيهات
15

والتعليقات النافعة إن شاء الله تعالى، فرأيت تمييزها عما عملته أنا فوضعت قبل
إثباتها حرف (ح) المهملة، إشارة إليه أعزه الله فما كان بعدها فهو من زياداته التي
علقها من رأس القلم والتي تدلك على مدى علو كعبه، أعلى الله رتبته ودرجاته
في الدنيا وفي الآخرة، ونفعنا والمسلمين بعلومه وجعله وإياي من خدام السنة
المطهرة على صاحبها صلوات الله وسلامه ما طلعت الشمس وغابت حتى نرد
عليه جميعا حوضه المودود، ضاحكين مستبشرين، غير خزايا ولا مفتونين ولا
مبدلين ولا مذودين، إن ربنا ولى ذلك والقادر عليه.
وبعد
فهذا جهد المقل الذي لا نملك غيره نرجو الله مولانا وولينا الحميد أن
يتقبله منا بقبول حميد، وأن يدخر لنا مثوبته ليوم تكون فيه العاقبة للمتقين،
وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن يجعل لنا غنمه وألا يؤخذنا بغرمه
وأن ينفعنا به وكل من وقع في يده وأن يغفر لنا وولوالدينا ولمشايخنا وإخواننا
الذين سبقونا بالإيمان إن ربنا لرؤوف رحيم. (لقد جاءت رسل ربنا
بالحق) جزى الله عنا سيدنا محمدا أفضل ما جازى نبيا عن أمته ورسولا
عن قومه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتيسيره وإحسانه تقضى
جميع الحاجات، نستجلب منه سبحانه جميع المكرمات والحسنات،
16

ونستدفع به جل جلاله جميع الآفات والموبقات والسيئات، وآخر دعوانا
أن الحمد الله رب العالمين.
وكتب:
أحقر خلق الله تعالى وأفقرهم وأضعفهم وأمسهم حاجة إلى رحمة باريه
عبيد الله أبو عبد الرحمن المصري الأثرى
عامله الولي بلطفه الخفي
لسبع ليال خلت من ذي الحجة المبارك في العام الرابع بعد المائة الرابعة والألف
الواحد من هجرة البشير النذير سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
17

تقدمة
رب يسر وأعن برحمتك واختم بخير يا كريم
قال الحافظ - رحمه الله تعالى - في شرح أحاديث «كتاب الإيمان»
من «صحيح الإمام أبى عبد الله البخاري» رحمه الله تعالى: «الإيمان لغة
التصديق وشرعا: تصديق الرسول فيما جاء به عن ربه، وهذا القدر متفق
عليه». ا. ه‍.
قلت: فالإيمان بهذه المثابة إنما هو من الأعمال القلبية المحضة أما كونه
يزيد وينقض فهذا معتقد الجماهير من أهل السنة والجماعة وإن كانوا قد
نوزعوا في ذلك. وهل يشترط إبداء هذا التصديق باللسان المعبر عما في
القلب، أو بالعمل بما صدقه من فعل المأمورات وترك المنهيات؟ فذلك محل
خلاف عريض سنعرض له بعد إن شاء الله تعالى.
فإن عرف ذلك تبعا له أن النفاق إنما هو - أيضا - من الأعمال
القلبية الصرفة إذ هو جحد اعتقاد ما تقوم به الجوارح من فعل ما أمر به
المكلف، وترك ما نهى عنه، وإن ظهر الإيمان. فإن قيل: وهل يقتضى
ذلك مؤاخذة وعقابا؟ فذلك ما ستعرفه من ثنايا الشرح الآتي إن شاء الله
ربنا. الكريم. قال الحافظ - رحمه الله تعالى - في «الفتح» (1 / 89...):
«النفاق لغة: مخالفة الباطل للظاهر، فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق
الكفر، وإلا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه».
ا. ه‍.
قال الإمام أبو الفداء الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (1 / 104 - عمدة /
19

شاكر): النفاق: هو إظهار الخير وإسرار الشر، وهو أنواع: اعتقادي
وهو الذي يخلد صاحبه في النار، وعملي وهو من أكبر الذنوب كما سيأتي
تفصيله في موضعه إن شاء الله تعالى، وهذا كما قال ابن جريج: المنافق يخالف
قوله فعله وسره علانيته ومدخله مخرجه، ومشهده مغيبه. قال:
ولهذا نبه الله سبحانه وتعالى على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم
المؤمنون، فيقع لذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم
وهم كفار في نفس الأمر وهذا من المحذورات الكبار أن يظن بأهل الفجور
خير، فقال تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله ويوم الآخر وما هم
بمؤمنين) أي يقولون ذلك قولا ليس وراءه شئ آخر، كما قال: (إذا
جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله) أي يقولون ذلك إذا جاؤوك
فقط لا في نفس الأمر، ولهذا يؤكدون في الشهادة ب «إن» و «لام» التأكيد
في خبرها كما أكدوا قولهم (آمنا بالله واليوم الآخر) وليس الأمر كذلك
كما كذبهم الله في شهادتهم وفي خبرهم هذا بالنسبة إلى اعتقادهم بقوله: (والله
يشهد إن المنافقين لكاذبون) وبقوله: (وما هم بمؤمنين). ا. ه‍.
قال العلامة السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى في «شرح ثلاثيات المسند»
(1 / 349): النفاق هم اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص
به وهو الذي يستر منافقة كفره ويظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفا
يقال: نافق ينافق منافقة ونفاقا وهو مأخوذ من النافقاء: أحد حجرة (جمع
حجر) اليربوع، كما نقله في الحاشية عن «القاموس» إذا طلب من أحدها
هرب لستره الكفر، وربما أطلقوا النفاق على الرياء ومنه حديث «أكثر
منافقي أمتي قراؤها» فإنه أراد بالنفاق هنا الرياء لاجتماعهما في إظهار ما
في الباطن خلافه». وقال رحمه الله تعالى في (2 / 409): «وقد قال الله
20

تعالى في حق المنافقين: (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء)
والذبذبة: الاضطراب. قال الزمخشري: «وحقيقة المذبذب، الذي يذب
على كلا الجانبين، أي يذاد ويدفع فلا يقر في جانب واحد». وقوله: (لا
إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) أي لا منسوبين إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لأنهم
ليسوا مشركين موقنين، ولا مؤمنين مخلصين. ا. ه‍.
قلت: ويؤيد هذا ويشهد له ما أحرجه أصحاب الكتب - كما سيأتي
تخريجه مستقصى في موضعه إن شاء الله تعالى - من حديث ابن عمر رضي
الله تعالى عنهما يرفعه: مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى
هذه مرة وإلى هذه مرة... وهذا اللفظ لمسلم رحمه الله تعالى.
والعائرة: المترددة. وعند أحمد رحمه الله تعالى العائرة بين الغنمين تعير إلى
هذه مرة وإلى هذه مرء لا تدرى أهذه تتبع أم هذه ولابن حبان رحمه الله
تعالى: «إن مالت إلى هذا الجنب نطحت وإن مالت إلى هذا الجنب
نطحت». وعند الطبراني رحمه الله تعالى: إذا أتت هذه نطحتها وإذا
أتت هذه نطحتها. كما أخرج الحديث أيضا - كما عندهم - إمام المفسرين
والمؤرخين أبو جعفر ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسير (9 /
333 - شاكر) وسوف نستوفي - إن شاء الله تعالى - طرق الحديث ونجمع
أطرافه كاملة عند الكلام عليه والله المستعان.
قال الحافظ رحمه الله تعالى: «... وقال النووي: [رحمه الله تعالى]:
«هذا الحديث [يعني: حديث صفة المنافق] عده جماعة من العلماء مشكلا
من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم
بكفره،... قال: وليس فيه إشكال، بل معناه صحيح، والذي قاله
المحققون،... أن معناه أن هذه خصال المنافق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه
الخصال ومتخلق بأخلاقهم». قلت: ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية
21

على المجاز، أي أن صاحب هذه الخصال كالمنافق، وهو بناء على المراد بالنفاق
نفاق الكفر. وقد قيل في الجواب عنه: إن المراد بالنفاق نفاق العمل كما
قدمنا، وهذا ارتضاه القرطبي، واستدل بقول عمر الحذيفة [رضي الله تعالى
عنهما]: هل تعلم في شيئا من النفاق؟ فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر،
وإنما أراد نفاق العمل، ويؤيده وصفه ب‍ «الخالص» في الحديث الثاني بقوله:
«منافقا خالصا». قال الحافظ: «قال النووي: في الآية [يعني: (ولكن
يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم)] دليل على المذهب الصحيح، أن أفعال
القلوب يؤاخذ بها إن استقرت [يعني في القلب]. وأما قوله صلى الله عليه
وسلم: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل»
فمحمول على ما إذا لم تستقر» قلت: ويمكن أن يستدل لذلك من عموم
قوله: «أو تعمل» لأن الاعتقاد هو عمل القلب». ا. ه‍.
قلت: والنفاق قد يكون مقابل الإيمان أي نقيضه ومعاكسه. يرشد إلى
ذلك ما أخرجه أبو عبد الله الإمام البخاري - رحمه الله - في «صحيحه»
(1 / 63 فتح) من طريق شعبة، قال أخبرني عبد الله بن عبد الله بن جبر،
قال: سمعت أنسا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق
بغض الأنصار». قال الحافظ - رحمه الله تعالى -: وقد أخرجه مسلم من
حديث أبي سعيد رفعه: «لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر»،
ولأحمد أبي سعيد رفعه: «حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق» ويحتمل أن يقال:
إن اللفظ خرج على معنى التحذير، فلا يراد ظاهره، ومن ثم لم يقابل الإيمان
بالكفر الذي هو ضده، بل قابله بالنفاق إشارة إلى الترغيب والترهيب» ا. ه‍
قال الإمام الحافظ أبو عيسى الترمذي - رحمه الله تعالى - عقيب إخراجه
حديث صفة المنافق في «جامعه» (5 / 20): «وإنما معنى هذا [يعني النفاق
المذكور في الحديث] عند أهل العلم: نفاق العمل، وإنما كان نفاق التكذيب
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا روى عن الحسن البصري [رحمه الله]
22

شيئا من هذا، أنه قال: النفاق نفاقان، نفاق العمل، ونفاق التكذيب قلت:
لعله - رحمه الله - يعني ذاك الذي رواه المصنف - رحمه الله - عن الحسن
في هذا الكتاب، والذي ستعرفه في موضعه عندما نعرض لشرحه إن شاء الله
تعالى، وبالله العون.
فصل
النفاق... كيف نبت؟
قال الإمام الحافظ أبو الفداء ابن كثير - رحمه الله - في «تفسيره» (1 /
105 - عمدة / شاكر): «وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية،
لأن مكة لم يكن فيها نفاق، بل كان خلافه، من الناس من كان يظهر الكفر
مستكرها وهو في الباطن مؤمن، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكان بها
الأنصار من الأوس والخزرج، وكانوا في جاهليتهم يعبدون الأصنام على طريقة
مشركي العرب، وبها اليهود من أهل الكتاب على طريقة أسلافهم، وكانوا
ثلاث قبائل: بنو قينقاع حلفاء الخزرج، وبنو النضير، وبنو قريظة حلفاء
الأوس. فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم من أسلم من الأنصار من قبيلتي
الأوس والخزرج، وقل من أسلم من اليهود إلا عبد الله بن سلام رضي الله
عنه، ولم يكن إذ ذاك نفاق أيضا، لأنه لم يكن للمسلمين بعد شوكة
تخاف، بل كان عليه الصلاة والسلام وادع اليهود وقبائل كثيرة من أحياء
العرب حوالي المدينة، فلما كانت وقعة بدر العظمى، وأظهر الله كلمته،
وأعز الإسلام وأهله، قال عبد الله بن أبي بن سلول، وكان رأسا في المدينة،
وهو من الخزرج، وكان سيد الطائفتين في الجاهلية، وكانوا قد عزموا على
أن يملكوه عليهم، فجاءهم الخير وأسلموا واشتغلوا عنه، فبقي في نفسه من
الإسلام وأهله، فلما كانت وقعة بدر قال: «هذا أمر قد توجه». فأظهر
الدخول في الإسلام، ودخل معه طوائف ممن هو على طريقته ونحلته،
23

وآخرون من أهل الكتاب، فمن ثم وجد النفاق في أهل المدينة ومن حولها
من الأعراب. فأما المهاجرون فلم يكن فيهم أحد، لأنه لم يكن أحد يهاجر
مكرها، بل يهاجر ويترك ماله وولده وأرضه رغبة فيما عند الله في الدار
الآخرة». ا. ه‍
قال ابن إسحاق - رحمه الله -: «ونصبت عند ذلك أحبار
يهود - لرسول الله صلى الله عليه وسلم العداوة بغيا وحسدا وضغنا لما خص الله تعالى به
العرب من أخذه رسوله منهم، وانضاف إليهم رجال من الأوس والخزرج ممن
كان عسى على جاهليته، فكانوا أهل نفاق على دين آبائهم من الشرك
والتكذيب بالبعث، إلا أن الإسلام قهرهم بظهوره واجتماع قومهم عليه،
فظهروا بالإسلام واتخذوه جنة من القتل، ونافقوا في السر، وكان هواهم
مع يهود، لتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وجحودهم الإسلام، وكانت أحبار يهود
هم الذين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعنتونه، ويأتونه باللبس، ليلبسوا الحق
بالباطل، فكان القرآن ينزل فيهم فيما يسألون عنه، إلا قليلا من المسائل في
الحلال والحرام كان المسلمون يسألون عنها...» قال - رحمه الله -: «وكان
ممن انضاف إلى يهود ممن سمى لنا من المنافقين من الأوس، ثم من بني
لوذان بن عمرو بن عوف: ذوي بن الحارث، ومن بني حبيب بن عمرو
بن عوف: جلاس بن سويد بن الصامت وأخوه الحارث بن سويد.
وجلاس هذا الذي قال - وكان ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة
تبوك -: «لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمر»، فرفع ذلك
من قوله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن سعد أحدهم، وكان في حجر جلاس،
فخلف جلاس على أمه بعد أبيه، فقال له عمير بن سعد: والله يا جلاس إنك لأحب
الناس إلي، وأحسنهم عندي يدا، وأعز علي من أن يصيبه شئ يكرهه، ولقد قلت
مقالة لئن رفعتها عليك لأفضحنك، ولئن صمت عليها ليهلكن ديني، ولإحداهما
أيسر علي من الأخرى. ثم مشي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
24

وسلم فذكر له ما قال جلاس، فحلف جلاس بالله لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد
كذب على عمير، وما قلت ما قال عمير بن سعد. فأنزل الله عز وجل
فيه: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم
وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا
يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة ومالهم
في الأرض من ولي ولا نصير). قال ابن هشام - رحمه الله تعالى -: الأليم:
الموجع. قال ذو الرمة يصف إبلا: [وهذا نستأنس منه ونستدل فليس هذا
موضعه].
وترفع وجوه شمردلات * يصك وجوهها وهج أليم
قال ابن إسحاق: فزعموا أنه تاب وحسنت توبته حتى عرف منه الخير
والاسلام» ا. ه‍
والشمردلات: الإبل الطوال، كما ذكره في الحاشية الدكتور السقا في
تحقيقه لسيرة ابن هشام (1 / 2 / 326) وما بعدها.
فصل
كيف كانت أحولهم إذ ذاك؟ كانت مسالك المسلمين الأوائل
معهم أيام ذاك؟
قال ربنا الباري جل ذكره - (2 / 14، 15): (وإذا لقوا الذين آمنوا
قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون * الله
يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون).
قال الامام ابن كثير - رحمه الله تعالى - (1 / 109 - عمدة / شاكر):
«يقول تعالى: وإذا لقى هؤلاء المنافقون المؤمنين قالوا (آمنا) أي أظهروا
لهم الإيمان والموالاة والمصافاة، غرورا منهم للمؤمنين، ونفاقا ومصانعة
وتقية، وليشركوهم فيم أصابوا من خير ومغنم؛ (وإذا خلوا إلى
25

شياطينهم) يعني: وإذا ذهبوا وخلصوا إلى شياطينهم...، فضمن
(خلو) معنى: انصرفوا لتعديته ب‍ «إلى» ليدل على الفعل المضمر والفعل
الملفوظ به. ومنهم من قال: «إلى» هنا بمعنى «مع». والأول أحسن،
وعليه يدور كلام ابن جرير» [رحمه الله]. ا. ه‍
قال الحافظ - رحمه الله تعالى - في «الفتح» (8 / 161): «والنكتة في
تعدية (خلو) ب‍ «إلى» مع أن أكثر ما يتعدى بالباء، أن الفعل الذي
يتعدى بالباء «يحتمل» الانفراد والسخرية، تقول: خلوت به، إذا سخرت
منه، والذي يتعدى ب‍ «إلى» «نص» في الانفراد، أفاد ذلك الطبري» ا.
ه‍ [رحمه الله تعالى].
قال ابن كثير - رحمه الله -: «إلى شياطينهم من يهود، الذين يأمرونهم
بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول» قاله ابن عباس [رضي الله عنهما]
وقال مجاهد: شياطينهم: أصحابهم من المنافقين والمشركين». قال ابن
جرير: «وشياطين كل شئ: مردته. ويكون الشيطان من الإنس، كما قال
تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم
إلى بعض زخرف القول غرورا). وفي «المسند» عن أبي ذر [رضي الله
تعالى عنه] قال قلت: يا رسول الله وللإنس شياطين؟ قال: «نعم» ا. ه‍
قلت: وفي كونه من الإنس وبال أشد وخطر أكبر وكيد أعظم. ألم تر
إلى تقديم ذكره في الآية على نظيره من الجنس الآخر. أما شيطان الجن فقد
وقاك الله شره وجنبك خطره وعلمك كيف تتقى ضرره بأن - فقط - تتعوذ
بجلال الله ذي الجلال والإكرام منه، لكي يزول من طريقك أثره، بخلاف
الآخر الإنسي الذي إن تولاك أو توليته، فإنه لا يزال بك يفتلك في الذروة
والغارب، حتى يوقعك فيما يرديك، ويوردك موارد الهلكة ومصارع
السوء. نعوذ بالله تعالى من ذلك، ونسأله العصمة في كل ما نأتي من الأمر
26

وفي كل ما ندع.
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: «وقوله: (قالوا إنا معكم) أي:
إنا على مثل ما أنتم عليه، (إنما نحن مستهزءون) أي إنما نحن نستهزئ بالقوم
ونلعب بهم. وقوله - تعالى - جوابا لهم ومقابلة على صنيعهم: (الله
يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) أخبر - تعالى - أنه فاعل بهم
ذلك يوم القيامة في قوله: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا
نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له
باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب) الآية، وقوله [تعالى]:
(ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم
ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين) فهذا، وما أشبهه من استهزاء الله - تعالى
ذكره - وسخريته ومكره وخديعته للمنافقين وأهل الشرك به. ا. ه‍.
قال ابن إسحاق - رحمه الله -: «وكان ممن تعوذ بالإسلام ودخل فيه مع
المسلمين فأظهره وهو منافق، من أحبار يهود من بني قينقاع: سعد بن حنيف
وزيد بن اللصيت ونعمان بن أوفى بن عمرو، وعثمان بن أوفى. وزيد بن
اللصيت الذي قاتل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بسوق بني قينقاع،
وهو الذي قال - حين ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم: يزعم محمد أنه يأتيه
خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وجاءه الخبر
بما قال عدو الله في رحله - ودل الله تبارك وتعالى - رسوله صلى الله عليه
وآله وسلم على ناقته -: «إن قائلا يقول: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء
ولا يدرى أين ناقته؟ فهي في هذا الشعب قد حبستها شجرة بزمامها» فذهب
رجال من المسلمين فوجدوها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما وصف. ورافع
ابن حريملة، وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حين مات: «قد
27

مات اليوم عظيم من عظماء المنافقين. ورفاعة بن زيد بن التابوت، وهو الذي
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هبت الريح، وهو قافل من غزوة بني المصطلق،
فاشتدت عليه - حتى أشفق المسلمون منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا
تخافوا، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة وجد رفاعة بن زيد بن التابوت مات ذلك اليوم الذي هبت فيه الريح»
ا. ه‍,
قلت: وهذا الحديث الذي رواه ابن إسحاق بلاغا، أخرجه - فيما
يحضرنا الساعة - موصولا - الإمام مسلم - رحمه الله - في «صحيحه»
(17 / 138 - نووي) من طريق حفص - يعنى ابن غياث - عن الأعمش
عن أبي سفيان عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر، فلما كان قرب
المدينة وهاجت ريح شديدة تكاد تدفن الراكب) فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: «بعثت هذه الريح لموت منافق، فلما قدم المدينة، فإذا منافق عظيم
النفاق قد مات».
ورواه الإمام أحمد - رحمه الله - في «المسند» (3 / 341) من طريق ابن
لهيعة ثنا أبو زيد عن جابر: أنهم غزوا غزاة بين مكة والمدينة فهاجت عليهم
ريح شديدة حتى دفعت الرجال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا لموت
منافق، فرجعنا إلى المدينة فوجدنا منافقا عظيم النفاق قد مات» ا. ه‍
قلت: وكما نرى - فليس في الروايتين اللتين بين يديك تسمية أشخاص
بذواتهم ولا تحديد أعيان بأنفسهم، فلعل ذلك يكون في أحد طرق
الحديث - مما لم نحط به الساعة - وإلا فالله أعلم.
قال ابن إسحاق - رحمه الله - [بعد أن ذكر أقواما آخرين من
المنافقين]: وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيستمعون أحاديث المسلمين،
ويسخرون ويستهزئون بدينهم فاجتمع - يوما - في المسجد منهم ناس،
28

فرآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - يتحدثون خافضي أصواتهم، قد لصق بعضهم
ببعض، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجوا من المسجد إخراجا عنيفا
فقام أبو أيوب خالد بن زيد بن كليب، إلى عمرو بن قيس - أحد بني غنم
بن النجار - وكان صاحب آلهتهم في الجاهلية - فأخذ برجله فسحبه حتى أخرجه
من المسجد وهو يقول: أتخرجني يا أبا أيوب من مريد بني ثعلبة (؟!) ثم أقبل أبو
أيوب أيضا إلى رافع بن وديعة - أحد بني النجار - فلببه بردائه، ثم نتره (جذبه)
نترا شديدا، ولطم وجهه، ثم أخرجه من المسجد، وأبو أيوب يقول له: «أف
لم منافقا خبيثا، أدراجك [أي ارجع خلفك] يا منافق من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن هشام: قال الشاعر:
فولى وأدبر أدراجه * وقد باء بالظلم من كل ثم
وقام عمارة بن حزم، إلى زيد بن عمرو - وكان - رجلا طويل اللحية -
وقام بلحيته، فقاده بها قودا عنيفا حتى أخرجه من المسجد، ثم جمع عمارة
يديه فلدمه بهما في صدره لدمة خر منها. قال يقول: خدشتني يا عمارة؟!
قال: أبعدك الله يا منافق، فما أعد الله لك من العذاب أشد من ذلك، فلا
تقربن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن هشام: اللدم: الضرب ببطن
الكف. قال ابن إسحاق: وقام أبو محمد - رجل من نبي النجار - كان بدريا
[وذكر ابن إسحاق اسمه وكنيته ونسبه] - إلى قيس بن عمرو بن سهل، وكان
قيس غلاما شابا، وكان لا يعلم في المنافقين شاب غيره، فجعل يدفع في قفاه حتى
أخرجه من المسجد وقام رجل من بلخدرة بن الخزرج - رهط أبي سعيد الخدري.
يقال له: عبد الله بن الحارث - حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج المنافقين من
المسجد. إلى رجل يقال له: الحارث بن عمرو وكان ذا جمة [الشعر المنسدل على
الأذنين والقفا - والله أعلم]. فسحبه بها سحبا عنيفا على ما مر به من الأرض حتى
أخرجه من المسجد. قال: يقول المنافق: لقد أغلظت يا ابن الحارث فقال:
29

إنك أهل لذلك أي عدو الله لما أنزل الله فيك فلا تقربن مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإنك نجس» (!) وقام رجل من بني عمرو بن عوف إلى أخيه ذوي
ابن الحارث فأخرجه من المسجد إخراجا عنيفا، وأفف منه، وقال: غلب
عليك الشيطان وأمره» ا. ه‍
قلت: وإنما تجشمت الإطالة في سرد هذا الكلام الطويل، لأبين ما وددت
بيانه من مسالك المسلمين الأول أهل التوحيد والعزة به، وأهل الخوف
والخشية من الله جل وعلا وحده - المخاطبين من خلال النبي صلى الله عليه
وآله وسلم بالقول الفصل: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ
عليهم) الآية...
ولأبين أيضا أن الزمان قد استدار بعد انحلال قوة المسلمين وانحطاط
عزائمهم - حتى أنالوا عدوهم منهم ما لم يكن يطمع أن يناله، وحتى أصبح
ما يحدث الآن على عكس ما كان أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم - تماما،
فصار المنافقون اليوم والكافرون أهل المذلة والمسكنة والهوان يفعلون
بالمسلمين - أهل العزة والكرامة - أو المفترض فيهم ذلك - ما ليس بحاجة إلى
تدليل على شدة نكايته وبشاعته وشناعته وفظاعته ودونما رادع، فسبحان من
له الأمر من قبل ومن بعد (!). نعم (!) كان الأمر - فيما ذكرنا - مقصورا
على إخراجهم من مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحرمانهم من
مجالسته والتمتع برؤية وجهه المنير الكريم، وسماع صوته الحبيب... أما
الآن - ولله وحده المشتكى - فإن المنافقين والكافرين يجهزون على البقية
المتبقية من اقتتال المسلمين بعضهم مع الآخر بلا سبب ولا هدف معروف (!)
نساءهم / ويهتكون حرماتهم، ويطئون بنعالهم الوسخة مقدساتهم وما ظلم
الله تعالى المسلمين أو المتمسلمين ولكن أنفسهم كانوا يظلمون، بتقصيهم عن
منهج الله تعالى، ونقضهم عرى دينه عروة عروة... فها هي ذي
30

النتيجة الحتمية لذلك. نعم (!) دانت الدولة للتائهين في الأرض والملعونين
على ألسنة الأنبياء، وتبوأوا مواطن القوة، وأخذوا - في غيبته المسلمين عن
وعيهم - أسباب الغلبة ودواعي المنعة، فما صار لهم هم سوى إبادة الإسلام
والمسلمين في شتى أصقاع الأرض. وإنا لله ربنا (؟!) فمتى يصحو المسلمون
من نومهم الذي أزرى بنوم أهل الكهف (؟!)، أما آن (!؟).
فصل
نضع عودنا على بدءنا فنقول - توفيته لمقامهم مقاله - قال الإمام
النسفي - رحمه الله - عند تأويل قول الله - جل وعلا - (وإذا قيل لهم
تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم
مستكبرون). قال: روى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لقي بني المصطلق
على المريسيع - وهو ماء لهم - وهزمهم وقتلهم، ازدحم على الماء جهجاه
ابن سعيد - أجير لعمر [رضي الله تعالى عنه]، وسنان الجهني - حليف
لابن أبي، واقتتلا، فصرخ جهجاه: يا للمهاجرين (!) وسنان: يا للأنصار
(!) فأعان جهجاها: جعال - من فقراء المسلمين - ولطم سنانا (!) فقال
عبد الله لجعال: وأنت هناك (؟!) وقال: ما صحبنا محمدا إلا لنلطم، والله
ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال: «سمن كلبك يأكلك» أما والله لأن رجعنا
إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل - غنى بالأعز نفسه، وبالأذل رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم [وحاشاه صلى الله عليه وآله وسلم فهو الأعز
في المدينة وفي غير المدينة بل في الدنيا والآخرة، وأعداؤه هم الأذلاء المقهورون
في الدارين إن شاء الله تعالى، وإلى الله المصير] ثم قال [عبد الله بن أبي]
لقومه: والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل طعامكم لم يركبوا رقابكم،
فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد... [صلى الله عليه وآله
31

وسلم]، فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث، فقال:
أنت - والله - الذليل القليل المبغض في قومك، ومحمد [صلى الله عليه وآله
وسلم] على رأسه تاج المعراج في عز من الرحمن وقوة من المسلمين. فقال:
اسكت، فإنما كنت ألعب (!) فأخبر زيد رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: دعني أضرب عنق هذا المنافق يا
رسول الله... فقال: إذن ترعد أنف كثيرة بيثرب (1)... قال: فإن كرهت
أن يقتله مهاجري فأمر به أنصاريا... قال: فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا
يقتل أصحابه (؟!)... وقال عليه الصلاة والسلام - لعبد الله -: «أنت
صاحب الكلام الذي بلغني (؟!). قال: والله الذي أنزل عليك الكتاب ما
قلت شيئا من ذلك، وإن زيدا لكاذب (!) فهو قوله [تعالى] (اتخذوا
عليه كلام غلام عسى أن يكون قد وهم (!). فلما نزلت قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لزيد: «يا غلام... إن الله قد صدقك وكذب المنافقين». فلما بان
كذب عبد الله، قيل له: قد نزلت فيك آي شداد، فاذهب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه، فقال: أمرتموني أن أومن [بمحمد]
فآمنت، وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت، وما بقي إلا أن أسجد لمحمد (!)
فنزل: (وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله...) ولم يلبث إلا
أياما حتى اشتكى ومات» ا. ه‍. (قلت: نعوذ بالله تعالى من سوء الخاتمة وكآبة
المنقلب.
فصل
كيف عاقبتهم؟! وكيف دارهم؟! وكيف مأواهم؟! قال شيخ الإسلام
حجر - رحمه الله تعالى - في «الفتح» (8 / 266): «قال العلماء:
32

عذاب المنافق أشد من عذاب الكافر لاستهزائه بالدين» ا. ه‍ قال ربنا
الباري - تقدست أسماؤه -: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من
النار...) قال الإمام أبو عبد الله البخاري - رحمه الله تعالى -: «قال ابن
عباس: أسفل النار». قال الحافظ: «قوله: «قال ابن عباس قال: الدرك
الأسفل: أسفل النار» ا. ه‍ قلت: نسأل الله تعالى السلامة والعافية. قال
ربنا جل ذكره: (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم
وما كانوا مهتدين) قال أبو الفداء ابن كثير - رحمه الله تعالى -: روى ابن
جرير وابن أبي حاتم عن قتادة: «قد - والله - رأيتموهم خرجوا من الهدى
إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة
إلى البدعة.» ا. ه‍ قال ربنا تعالى ذكره: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا
فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون *
صم بكم عمى فهم لا يرجعون *)
قال أبو الفداء رحمه الله -: «وتقرير ذلك المثل: أن الله سبحانه [وتعالى]
شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم - بعد البصر إلى
العمى - بمن استوقد نارا، فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن
يمينه وشماله، وتأنس بها، فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد
شديد لا يبصر ولا يهتدى، وهو مع ذلك أصم لا يسمع، أبكم لا
[يتكلم] ينطق، أعمى لو كان ضياء لما أبصر، فلهذا لا يرجع إلى ما كان
عليه قبل ذلك، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضا عن
الهدى، واستحبابهم الغي على الرشد وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم
كفروا، كما أخبر الله تعالى عنهم في غير هذا الموضع. والله أعلم» ا. ه‍
لطيفة: قال أبو الفداء - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة -: «وقد التفت في
33

أثناء المثل من الواحد إلى الجمع في قوله: (فلما أضاءت ما حوله ذهب
الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمى فهم لا
يرجعون). وهذا من أفصح الكلام وأبلغ النظام - فقوله: (ذهب الله
بنورهم) أي: أذهب عنهم ما ينفعهم وهو النور، وأبقى لهم ما يضرهم
وهو الإحراق والدخان. (وتركهم في ظلمات) وهو ما هم فيه من الشك
والكفر والنفاق. (لا يبصرون) لا يهتدون إلى سبل خير ولا يعرفونها،
وهم مع ذلك (صم) لا يسمعون خيرا، (بكم) لا يتكلمون بما
ينفعهم، (عمى) في ضلالة وعماية البصيرة. كما قال - تعالى -: (فإنها
لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)، فلهذا (لا
يرجعون) إلى ما كانوا عليه من الهداية التي باعوها بالضلالة» ا. ه‍ كلامه
يرحمه الله تعالى.
كيف هم اليوم (؟!) وقد بانت الحجة واستبانت المحجة (؟!) قلت:
نصوص القرآن المحكمة، والسنة المتواترة، وبضميمة ما بين يديك من
نصوص هذا الكتاب تجيبك - بجلاء - على هذا السؤال، إن كنت محتاجا
إلى معرفة إجابته، فضلا عن كونها معلومة عندك أصلا (!) فتنبه فإن الأمر
جد خطير (!) ومساربهم أدق من مسارب قطرات العرق يخرج من جلدك،
وكذا مداخلهم، والمعصوم من عصم الله تعالى. وقال شيخ الإسلام ابن
تيمية - رحمه الله تعالى -: «والمنافقون ما زالوا، ولا يزالون إلى يوم القيامة»
ا. ه‍ قلت: هم اليوم أكثر عددا، وأقوى عددا، وأخبث جانبا، وأنتن
ريحا، وأشد قحة، وأجهر دعوة، وأقل حياء في استغواء غيرهم إلى سبيلهم
الوعر. إلا من عصم الله تعالى. ولا نبالغ، ولا نعدو الحقيقة إذا قررنا أن
النفاق صار لإنسان اليوم ألزم من الماء والهواء - إلا من شاء الله وقايته -
ولست في حاجة إلى تدليل:
34

فليس يبين في الأذهان شئ * إذا احتاج النهار إلى دليل
أخرج ابن المبارك - الإمام العلم - رحمه الله تعالى - في «الزهد» له،
قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة قال: سمعت عائشة [رضي الله
تعالى عنها] تقول: قال لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم * وبقيت في نسل كجلد الأجرب
يتحدثون مخافة وملاذة * ويعاب قائلهم وإن لم يشغب
قالت: فكيف لو أدرك لبيد قوما نحن بين ظهرانيهم (؟!). قال الزهري:
فكيف لو أدركت عائشة من نحن بين ظهرانيهم اليوم (؟!) ا. ه‍ قلت: فكيف
لو أدركوا - جميعهم أقواما نحن اليوم بين ظهرانيهم (؟!).
فصل
كيف النجاء (؟!)
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في «الهدى» (3 / 63،...)
«... ومرض القلوب نوعان: مرض شبهة وشك، ومرض شهوة وغي،
وكلاهما في القرآن. قال تعالى في مرض الشبهة: (في قلوبهم مرض فزادهم
الله مرضا...) وقال تعالى: (وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون
ماذا أراد الله بهذا مثلا). وقال تعالى في حق من دعى إلى تحكيم القرآن
والسنة فأبي وأعرض: (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق
منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض
أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون *)
وهذا مرض الشبهات والشكوك. وأما مرض الشهوات: فقال الله تعالى:
(يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول
35

فيطمع الذي في قلبه مرض...). فهذا مرض شهوة الزنا. والله أعلم.
قال - رحمه الله -: «فأما طب القلوب [يعنى طرائق مداواتها وعلاجها]
فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ولا سبيل إلى حصول ذلك إلا
من جهتهم وعلى أيديهم» ا. ه‍.
قلت: هذا بدهي مسلم به، فكل صنعة لا يخبرها إلا صاحبها، وهو
أقدر من غيره على سبل مداواتها وإصلاح خللها، بحكم إنشائه لها أصلا،
فهو أدرى وأعلم بمفرداتها وأدوات تركيبها. نقول هذا - بالنظر إلى أن الرسل
إنما يتلقون عن الله جل ذكره - وهذا نقوله لتقريب الرؤية، ولله المثل
الأعلى، فهو - وحده - الخالق المقتدر العليم. أعلم بصنعته التي لم
يشأ - من تمام رحمته وكرمه - أن يدعها - هكذا - ترعى وحبلها على
غاربها، فحيث ما قر بها القرار استقرت، لا تدري من أين هي مأتية، ولو
أتيت فكيف تدفع عن نفسها؟! فحصنها - جل وعلا - بالعناية والرعاية
والإحاطة بكل سبل العون، فصارت تسير على هدى مستنير بنور النبوات
العاديات، وصيانتها من أن تورد موارد الهلكة ومواطن الردى، بما ابتعثهم
به من شرائع ومناهج ومسالك تسلك بصاحبها سبيل الهدى إلى دار السلام.
ودونك سيرة خير من وطئ الحصى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم
فتأمل مداواته للقلوب المريضة وسياسته للنفوس المعتلة، بما يعجز المرء عن
وصف عشر معشاره - بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وآله وسلم. قال ابن
القيم - رحمه الله -: «فإن إصلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها
وبأسمائه». ا. ه‍ قلت: وعارفة أيضا بمقتضيات ذلك (!) إذ لكل حكم
مقتضى كما هو معلوم - لا يتم إلا به بحيث يطابق الظاهر الباطن والقول الفعل
والاسم الرسم وهلم جرا...
36

قال: «وصفاته»... قلت: ومقتضيات ذلك (!) قال: «وأفعاله
وأحكامه»... قلت: ومقتضياتها... (!). قال - رحمه الله -: «وأن
تكون [يعنى القلوب] مؤثرة لمرضاته ومحابه، متجنبة لمناهيه ومساخطه، ولا
صحة لها ولا حياة - البتة - إلا بذلك، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة
الرسل». قال: «وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم فغلط
ممن يظن ذلك، وإنما ذلك من حياة نفسه البهيمية الشهوانية وصحتها وقوتها،
وحياة قلبه عن ذلك بمعزل (!) ومن لم يميز بين هذا وهذا فليبك على حياة
قلبه فإنه من الأموات، وعلى نوره فإنه منغمس في بحار الظلمات». ا. ه‍
قلت: والحلال - بعد ذلك - بين والحرام بين كما أخبر معلم الإنسانية
الخير سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فمن اشتغل بطريق الحلال، وتلهى
به عن طرائق الحرام كان في ذلك حياة قلبه وصلاح أمره واستقامة قناته وفلاحه
في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى. ومن تعاطى الحرام - نسأل الله تعالى
السلامة منه - واتخذه له ديدنا وجعله له سبيلا، وتلهى به عن الحلال،
كان في ذلك دمارا كيانه، وخراب قلبه، وانطفاء نوره، واعوجاج قناته،
وتفرق أمره، وضياعه في الدنيا والآخرة - نعوذ بالله تعالى من الخذلان، ومن
تضييع القصد، وسوء المنقلب. وكان من سعة رحمة الله تعالى أن جعل الحلال
كلأ مباحا ميسرا سهلا، لا عنت فيه ولا مشقة، ولا تكليف فوق الوسع.
وكان من كمال رحمته - تبارك اسمه - أن أرسل سيدنا محمدا صلى الله عليه
وآله وسلم بالحق مبشرا، ونذيرا، وهاديا، ومعلما، ومفسرا، ورحمة وسعت
الناس الأبيض والأصفر. وكان من تمام نعمته - جل ثناؤه - أن جعلنا من
أتباع هذا النبي الهادي البشير النذير، معلم الناس الخير بغير أجر (!). نسأل
ربنا الباري - تعالى ذكره - أن يرزقنا استمساكا لا انفصام له بما جاء به
رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - من عنده - وأن يرزقنا فيه فهما حسنا،
37

وفقها موفقا في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. ونسأله جل وعلا
أن يزيدنا إيمانا وتثبيتا وتسليما ويقينا وعلما وحلما، وأن يجنبنا - برحمته
وعصمته - موارد الهلكة، ومظان البوار، وأن يتجاوز عن سيئاتنا في
أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي وعدنا - إنه سبحانه أكرم مسؤول وأبر
مأمول... آمين.
أما وقد انتهينا من إلقاء بعض نقاط الضوء على ما أردنا - بحول الله
تعالى - بيانه من عملنا الكليل في مسمى الكتاب ومحتواه، وذلك جهد
المقل - ما نملك غيره - فقد آن أوان الشروع في المقصود، والعون والتوفيق
من الله الملك المعبود. ندعوه - جل جلاله - أن يجعله خالصا لوجهه الكريم
وأن يتقبله منا بقبول حسن، وألا يجعل للرياء ولا للسمعة فيه مدخلا،
إنه - جل ثناؤه - ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين، وإلى الله المصير.
وكتبه:
أحقر الخلق وأفقرهم وأمسهم حاجة إلى رحمة باريه
عبيد الله إبراهيم بن حمدي أبو عبد الرحمن المصري الأثري
عامله الله تعالى بلطفه الخفي
لسبع ليال خلت من ربيع الخير، من السنة الخامسة، بعد المائة الرابعة والألف
الأول، لهجرة المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
بباديتنا من مدينة الرياض
38

بيان لابد منه
بعد أن ناف فراغي من شرح هذا الكتاب النافع - إن شاء الله تعالى - على
ما يقارب العامين، إن لم يجاوزهما ولم يكن قد تم نشره لظروف عرضت،
وأحوال جدت أصدر أخونا الكريم الشيخ بدر البدر حفظه الله تعالى [من
الكويت] كتابا عنوانه: «صفة المنافق» للمصنف الحافظ الإمام جعفر بن
محمد الفريابي رحمه الله تعالى. وللحق... فإنني أقرر أن وقع المفاجأة كان
شديدا على نفسي! إذ كنت أحسبني سبقت غيري إلى إخراج - لا أقول
تحقيق - هذا الكتاب الخطر على صغر حجمه.
غير أني أقرر للحق أيضا أنه برغم المفاجأة - التي لا يقدرها غير من يعمل
في هذا المجال - إلا أنني عددته فألا طيبا حسنا، وبشير خير، يدل على
بركة الكتاب، وعلى أن مصنفه الإمام الفريابي رحمه الله كان حسن النية،
مخلص القصد لله رب العالمين جلت قدرته، فقيض الله عز اسمه، عالما ينتصب
لخدمة الكتاب، ذلك هو أخونا الفاضل، ربيب بيت العلم، الشيخ بدر البدر
أبو يوسف، حفظه الله، وآخر ينتسب لذلك العلم ويقف - متهيبا
خاشعا - على شاطئ بحره الزخار، ذلك هو أحقر الخلق وأفقرهم
وأضعفهم، كاتب هذه السطور، أبو عبد الرحمن المصري الأثري، عامله
الله بلطفه الخفي فلله الحمد رب السماوات والأرض رب العرش رب
العالمين، (وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم
الساعة وإليه ترجعون) أن هناك من يهتمون بتراثنا العتيد، يفحصونه
وينقبون فيه، فيستخرجون من طياته دفائن كنوزه، وفرائد قلائده وعقوده.
39

ورحم الله تعالى - الشيخ محمد حامد الفقى - سلفنا في هذا المضمار،
والذي أخرج للدنيا هذا الكتاب أول مرة - فيما نعلم - على ما وصفت في
خطبة كتابي. والذي من كتابه كان عملي القليل الكليل.
ولما كان الذي نشره الشيخ البدر إنما هو عن أصل مخطوط غير ذلك الأصل
الذي نقل عنه الشيخ الفقى - رحمه الله تعالى - على ما ظهر في خطبة كتاب
أخينا الشيخ البدر...، فقد أشار على شيخنا أبو إسحاق المؤيد بالله - أعزه
الله تعالى - بما رآه مفيدا من مضاهاة النسختين، لا سيما متون الأحاديث
وأسانيدها، والتي بذلت في تحقيقها وضبطها وتحريرها وتصويبها بمقابلتها على
نظائرها من الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة ما الله تعالى به عليم، هذا فوق
ما بذله فيها محققها وناشرها أولا الشيخ الفقى رحمه الله تعالى وأجزل مثوبته
فإنه للحق صرف فيها ما وسعه من جهد - حسب المتاح آنذاك - بل أرجو
أنى لست مغالبا إذا قلت: إنه بذل فوق ما وسعه مع ما كان مشتغلا به
حينذاك - رحمه الله - وادخره له عنده ليوم تكون فيه العاقبة للمتقين.
تلقفت إذن كتاب أخينا الفاضل الشيخ البدر بشغف بالغ شأن من هذا
شأنهم عندما يجد في هذا المجال جديد (!) ورجوت أن يكون فيه فائدة زائدة،
وكان الله عز وجل عند رجائي، فقد أفدت فعلا من كتاب الرجل إفادات
كثيرة جليلة أظن أن لو خرج كتابي بدونها لكان فيه خلل ونقص كثير، فقد
بذل في الكتاب جهدا يعرفه المكابد، فجزاه الله خيرا ونفع به.
وقد التقطعت من كتابه لقطا، ناقشته فيها نقاش أخ محب له ناصح،
ولم أجادله جدال قال له يتسقط هفواته، ويتتبع هناته، التي هي من لوازم
البشرية فينا، وسبحان من شأنه الكمال المطلق، وإني لأعجب غاية العجب
من أولئك الذي تستنفرهم شياطينهم من الجن والإنس فينفرون بخيلهم
40

ورجلهم فيملأون الأرض صخبا وعويلا ونشيجا عندما يقعون على
عثرة لأحد أو هفوة لآخر، ما هم عنها بنجوى، وما أحد منها بمنأى (!)
فيشنعون ويشغبون، وبالهجر من القول يجهرون، بدلا من الإرشاد برفق
وحلم، والتنبيه والدلالة بدليل وعلم (!) ففيم إذن اشتغالك بسنة خير من
وطئ الحصى صلى الله عليه وآله وسلم، إن لم يكن لك فيه أسوة حسنة
في خلقك، وفعلك، وقولك، وأخذك، وتركك، في كل ما تأتي من
الأمر، وفي كل ما تدع؟! أما تدري أن علمك في هذه الحالة سيكون وبالا
عليك؟! وبدلا من أن يكون حجة لك تعذر بها إلى ربك جل وعلا، فجعلته
بذلك حجة عليك؟! نعوذ بالله تعالى من الخذلان بعد العصمة، ومن الحور
بعد الكور! ونعوذ به تعالى من علم لا ينفع صاحبه ولا ينفع الناس ابتغاء
وجه رب الناس!. أعود فأقول: ناقشت أخي الشيخ البدر على النحو الذي ينبغي أن يكون
بين أهل العلم عامة، وأهل الحديث خاصة من الإدلاء بالحجة، والتدليل
بالدليل، والتعلق بالمعنى العلمي والمقارعة بالبرهان، مبينا ذلك طبقا للقواعد
العلمية، مع كوني لا أدعى العصمة من الخطأ والسهو، بل بينت ما ظهر
لي، راجيا ممن يقف على كلامي أن يوضح ما ظهر له، فما القصد إلا
بيان الصواب، طلبا للثواب كما تعلمنا من شيوخنا وأئمتنا الأماجد، لله درهم
وعليه شكرهم.
فميزت ما أفدته من كتاب أخينا الشيخ البدر وأشرت إليه وأعلمت عليه
بأن صدرته بحرف «ب» الموحدة المفردة فما كان بعدها فهو من كلامه،
فإذا انتهيت منه قلت «انتهى» أو اختصرتها على هذا الرسم «ا. ه‍». ولقد
علم الله - تقدست أسماؤه - أنى ما قصدت من مناقشته إلا تحرير الحق
وزيادة بيانه، وليس عن هوى أو شهوة أو عصبية - كما يفعل
41

بعضهم - نسأل الله العظيم لنا ولهم الهداية والمغفرة، ونعوذ بنور وجهه الكريم
من الهوى والشهوة والعصبية لغير الحق.
فليتقبله منا قبولا جميلا، ولا ينس أنه قد طلب النصح «من أخ ناصح
غيور إذا وجد في عمله عيبا أو خللا أن يؤدى واجب النصحية...» إلخ
كلامه (ص 33). فإن نحن أصبنا الحق - ونسأل الله العظيم ذلك - فليدع
لنا بخير، وإن نحن أخطأنا - وذلك كائن بيقين - فليستغفر الله لنا كما استغفرنا
له والله يهدينا جميعا إلى سواء السبيل، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا
ونعم الوكيل.
وبالله العظيم تعالى أستعين فيما قصدت إليه، راجيا إياه - عز اسمه - أن
يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يجعل علمنا حجة لنا لا علينا
يثبتنا به عند المسألة في الدنيا والآخرة، كما أسأله - من وجهه الكريم في كل
ثم - أن ينفع بهذا الكتاب كاتبه وجامعه، وناظره وسامعه، وكل عامل
مخلص لله غيور على سنة من يستسقى الغمام بوجهه الكريم سيدنا ونبينا محمد
صلى الله عليه وآله وسلم، فما حملت ناقة فوق رحلها أبر وأوفى ذمة
من محمد. إن ربنا ولي ذلك والقادر عليه، وهو - جل ذكره - ولينا من
دون الناس، وهو حسبنا وكفى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وكتب
أبو عبد الرحمن:
عبيد الله إبراهيم بن حمدي المصري الأثري،
عامله الله بلطفه الخفي لسبع ليال بقين من ربيع
الخير من المائة الخامسة بعد الألف الواحد، من
الهجرة المباركة على صاحبها صلوات الله
وسلامه ما عاقب الليل النهار.
42

ما أوقد الناس من نيران مكرمة
إلا اصطلينا وكنا موقدي النار
جرير
43

الفريابي
صفة النفاق
وذم المنافقين
حققه وشرحه وعلق عليه
أبو عبد الرحمن المصري
الأثري عبيد الله
45

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه - تعالى - ثقتي
قرأت على الشيخ الصالح أبي سعد، أحمد بن محمد بن علي الزوزني في داره في درب
السلسلة ببغداد الجانب الشرقي، في المحرم سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
قلت له: أخبركم الشيخ الثقة أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة في ذي القعدة
سنة سبع وخمسمائة، أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد
الزهري قراءة عليه، في منزلنا، في ذرب سليم، في شعبان سنة ثمانين
وثلاثمائة، وأنا أسمع به فأقر به، حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الحسن
بن المستفاض الفريابي:
47

باب
ما روي في صفة المنافق
وأن من كانت فيه ثلاث خصال فهو منافق حقا
(1) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل نافع
بن مالك بن أبي عامر عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب؛ وإذا وعد أخلف؛ وإذا ائتمن خان».
48

(2) حدثنا أبو كريب حدثنا خالد بن مخلد حدثنا محمد بن جعفر بن
كثير حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «من علامات المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد
أخلف، وإذا ائتمن خان».
49

(3) حدثنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن محمد بن قيس حدثنا العلاء
بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آية
المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان».
(4) حدثنا إسحاق بن راهويه حدثنا النضر بن شميل حدثنا أبو معشر عن
50

سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه فهو منافق،
إذا حدث كذب؛ وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» قال رجل: يا رسول
الله ذهبت اثنتان وبقيت واحدة؟ قال: «فإن عليه شعبة من نفاق ما بقي
منهن شئ».
(5) حدثنا إبراهيم بن الحجاج الشامي حدثنا حماد بن سلمة عن داود بن
أبي هند عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث
من كن فيه فهو منافق وإن صام وإن صلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث
كذب؛ وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان».
51

(6) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن عبد الرحمن
بن معمر أنه سمع سعيد بن المسيب يسأل رجلا: كيف بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: «آية المنافق؟ قال: إذا حدث كذب، وإن وعد أخلف، وإن ائتمن خان».
ثم مر عليه رجل فسأله أيضا فقال له مثل ذلك، حتى مر عليه رجلان.
52

(7) حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو داود حدثنا شعبة قال أخبرني منصور
سمعت أبا وائل يحدث عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن
خان». قال عمرو بن علي: لا أعلم أحدا تابع أبا داود على هذا. وأبو
داود ثقة.
53

(8) حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي وائل عن
عبد الله بن مسعود قال: «ثلاث من كن فيه فهو منافق: كذوب إذا حدث،
مخلف إذا وعد؛ خائن إذا ائتمن. فمن كانت فيه خصلة ففيه خصلة من
النفاق حتى يدعها».
54

(9) حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم
بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله قال: «ثلاث من كن فيه فهو منافق:
إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان» وقال عبد الله بن
عمرو: «وإذا عاهد غدر».
55

(10) حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا حدثنا أبو معاوية حدثنا
الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال عبد الله
بن مسعود: «اعتبروا المنافق بثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف،
وإذا عاهد غدر، ثم قرأ. (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن
ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله. بخلوا به وتولوا وهم
معرضون * فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه
وبما كانوا يكذبون).
57

(11) حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي حدثنا عبد الله بن وهب
عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس
بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في المنافق ثلاث؛ وإن صلى وصام وزعم
أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان».
58

(12) حدثنا أبو أمية عمرو بن هشام الحراني حدثنا عثمان بن عبد الرحمن
عن عكرمة بن عمار عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: «ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وقال إني مؤمن: من
إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف».
(13) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا الأعمش
عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا، ومن كانت فيه خلة منهن كانت
فيه خلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا
عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».
60

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة عن سماك بن
حرب عن صبيح بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو قال: «ثلاث من كن
فيه فهو منافق: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان»
ثم تلا هذه الآية (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله
لنصدقن...) إلى آخر الآيات.
(15) حدثنا أبو الوليد هشام بن عمار الدمشقي حدثنا أسد بن موسى
أبو سعيد حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «ثلاث إذا كن في عبد فلا تتحرج
أن تشهد عليه أنه منافق إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن
خان، ومن كان إذا حدث صدق، وإذا وعد أنجز، وإذا ائتمن أدى، فلا
تتحرج أن تشهد أنه مؤمن».
62

(16) حدثنا إسحاق بن راهويه أنبأنا عيسى بن يونس حدثنا الأوزاعي
عن هارون بن زباب أن عبد الله بن عمرو لما حضرته الوفاة خطب إليه رجل
ابنته فقال له: «إني قد قلت له فيه قولا شبيها بالعدة وإني أكره أن ألقى الله
عز وجل بثلث النفاق».
63

(17) حدثنا أبو بكر سعيد بن يعقوب الطالقاني حدثنا عبد الله بن المبارك
عن الأوزاعي عن هارون بن رئاب أن عبد الله بن عمرو لما حضرته الوفاة
قال: «انظروا فلانا - لرجل من قريش - فإني كنت قلت له في ابنتي قولا
كشبيه العدة، وما أحب أن
ألقى الله عز وجل بثلث النفاق؛ وأشهدكم أني قد
زوجته».
64

(18) حدثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك الحمصي حدثنا محمد بن حرب
حدثنا الزبيدي - وهو محمد بن الوليد - عن سليم بن عامر الخبائري عن أبي
أمامة الباهلي قال: المنافق الذي إذا حدث كذب؛ وإذا وعد أخلف؛ وإذا ائتمن
خان، وإذا غنم غل وإذا أمر عصى، وإذا لقي جبن، فمن كن فيه، ففيه
النفاق كله، ومن كان فيه بعضهن ففيه بعض النفاق.
(19) حدثنا عمرو بن علي حدثنا يزيد بن رزيع حدثنا يونس بن عبيد
عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فهو منافق: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا وعد أخلف».
65

(20) حدثنا وهب بن بقية أخبرنا خالد بن بيان عن عامر الشعبي قال:
من كذب فهو منافق» ثم قال: «ما أدري أيهما أبعد غورا يعني في
النار: الكذب أو الشح؟!».
66

(21) حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا حسين المعلم عن ابن بريدة
عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أخوف ما أخاف
عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان».
67

(22) حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري وأبو عبد الله محمد بن أبي بكر
المقدمي قالا حدثنا ديلم بن غزوان حدثنا ميمون الكردي عن أبي عثمان النهدي
قال: كنت عند عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فسمعته يقول في خطبته:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم
اللسان».
68

(23) حدثنا محمد بن المثنى حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا الحسن بن أبي
جعفر حدثنا ميمون الكردي عن أبي عثمان النهدي سمعت عمر بن الخطاب
في خطبته يقول: حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل منافق عليم
اللسان.
(24) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد
عن أبي عثمان النهدي قال: سمعت عمر بن الخطاب وهو
على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عدد أصابعي هذه وهو يقول: «إن أخوف
ما أخاف على هذه الأمة: المنافق العليم». قيل: وكيف يكون المنافق العليم
(؟!) قال: «عالم اللسان جاهل القلب والعمل».
69

(25) حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا حماد بن سلمة عن علي
بن زيد عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال: قدمت على عمر بن الخطاب
رضي الله عنه فاحتبسني عنده حولا؛ فقال: «يا أحنف» إني قد بلوتك وخبرتك
فرأيت علانيتك حسنة وأنا أرجو أن تكون سريرتك على مثل علانيتك،
وإنا كنا نتحدث: إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم.
(26) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن كثير بن
زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: قال عمر رضي الله عنه:
ما أخاف عليكم أحد رجلين: رجل مؤمن قد تبين إيمانه، ورجل كافر قد
تبين كفره، ولكن أخاف عليكم منافقا يتعوذ بالإيمان يعمل غيره.
70

(27) حدثنا وهب بن بقية حدثنا إسحاق بن يوسف عن زكريا بن أبي
زائدة عن عامر الشعبي عن زياد بن حدير قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
«إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: منافق يقرأ القرآن لا يخطئ فيه واوا ولا ألفا،
يجادل الناس أنه أعلم منهم ليضلهم عن الهدى، وزلة عالم، وأئمة مضلون».
71

(28) حدثنا تميم بن المنتصر أنبأنا إسحاق بن يوسف عن زكريا بإسناده
مثله سواء.
(29) حدثني زكريا بن يحيى البلخي حدثنا وكيع عن مالك بن مغول
عن أبي حصين عن زياد بن حدير قال: قال عمر بن الخطاب (ر ض)
«يهدم الإسلام ثلاثة: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة
مضلون».
72

(30) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن
عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر منافقي أمتي قراؤها».
73

(31) حدثنا محمد بن الحسن البلخي - بسمرقند - سنة ست وعشرين
ومائتين أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا ابن لهيعة حدثنا أبو المصعب مشرح
بن هاعان قال سمع عقبة بن عامر الجهني يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أكثر منافقي أمتي قراؤها».
(32) حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي بالبصرة سنة إحدى وثلاثين
ومائتين حدثنا عبد الله بن يزيد أخبرنا ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن
عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها».
76

(33) حدثنا أحمد بن خالد الخلال حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا
الوليد بن المغيرة أبو العباس المصري - ولم أر بمصر كان أثبت
منه - قال: حدثنا مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «أكثر منافقي أمتي قراؤها».
77

(34) حدثنا محمد بن الحسن البلخي حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا عبد
الرحمن بن شريح المعافري حدثنا شراحبيل بن يزيد عن محمد بن هدية عن عبد الله
بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثر منافقي أمتي قراؤها».
(35) حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا حدثنا زيد بن الحباب
حدثنا عبد الرحمن بن شريح - أبو شريح - أبو شريح الإسكندراني حدثني
78

شراحيل بن يزيد المعافري قال سمعت محمد بن هدية الصدفي قال: سمعت
عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أكثر منافقي أمتي قراؤها».
(36) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس عن أبي موسى
الأشعري قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة
ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح
لها
وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها
مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر».
79

(37) حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى حدثنا قتادة عن أنس
بن مالك عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المؤمن الذي
يقرأ القرآن كمثل الأترجة...» وذكر الحديث.
(38) حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا يحيى بن سعيد
حدثنا شعبة حدثني قتادة عن أنس بن مالك عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كمثل الأترجة طيبة الطعم
طيبة الريح، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة طيبة الطعم لا
ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة طيبة الريح وطعمها مر،
ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة مرة الطعم ولا ريح لها».
80

(39) أخبرنا أبو خالد يزيد بن خالد بن موهب الرملي بالرملة - سنة
اثنتين وثلاثين - حدثنا الليث بن سعد عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب
أن أبا إدريس الخولاني - عائذ الله - ابن عبد الله الخولاني أخبره أن يزيد بن
عميرة - وكان من أصحاب معاذ بن جبل - قال: كان معاذ بن جبل لا يجلس
مجلسا للذكر إلا قال حين يجلس: الله حكم قسط، وتتبارك اسمه، هلك المرتابون وقال
81

معاذ بن جبل يوما: «إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيه القرآن
حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والحر والعبد.
فيوشك قائلا أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم
بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره. فإياكم وما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة،
وأنذركم زيغة الحكيم فإن، الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان
الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق».
82

(40) حدثنا العباس بن محمد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا
أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب حدثني أبو إدريس الخولاني أن
يزيد بن عميرة - وكان من أصحاب معاذ - أخبره أن معاذا كان لا يجلس
مجلسا يذكر الله - عز وجل - إلا قال حين يجلس الله حكم قسط تبارك
اسمه، هلك المرتابون.
قال يزيد: قال معاذ في مجلس جلسه: «إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال
ويفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة، والصغير
والكبير، والحر والعبد... فذكر مثله».
84

(41) حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس عن إسماعيل
بن أبي خالد عن حكيم بن جابر قال: قال حذيفة: «إن من أقرأ الناس:
المنافق الذي لا يترك واوا ولا ألفا، يلفته كما تلفت البقرة الخلا بلسانها».
85

(42) حدثنا تميم بن المنتصر أنبأنا يزيد بن هارون أنبأنا حريز بن عثمان
أنبأنا سليم بن عامر عن معاوية الهذلي - وكان من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم - قال: «إن المنافق ليصلي فيكذبه الله عز وجل ويصوم فيكذبه الله
عز وجل ويتصدق فيكذبه الله، ويجاهد فيكذبه الله ويقاتل، فيقتل فيجعل
في النار».
86

(43) حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا المبارك بن فضالة حدثنا الحسن - في
هذه الآية: - (أرأيت من اتخذ إلهه هواه...) قال: هو المنافق؛ لا يهوى
شيئا إلا ركبه».
87

(44) حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام بن يحيى عن قتادة (أفرأيت من
اتخذ إلهه هواه...) قال: «إذا هوى شيئا ركبه».
(45) حدثنا أحمد بن إبراهيم عن مرحوم بن عبد العزيز عن مالك بن
دينار قال: «قرأت في الزبور: «بكبرياء المنافق يحترق المسكين».
وقرأت في الزبور: «إني أنتقم للمنافق بالمنافق، ثم أنتقم من المنافقين جميعا».
فذلك قول الله عز وجل: (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا
يكسبون).
وقال مالك: في بعض الكتب: «يا معشر الظلمة لا تجالسوا أهل ذكري
حتى تنزعوا عن الظلم، فإني روأت على نفسي أن أذكر من ذكرني،
فإذا ذكروني ذكرتهم برحمتي، وإذا ذكرتموني ذكرتكم بلعنتي».
88

(46) حدثنا أحمد بن خالد حدثنا شعيب بن حرب حدثنا أبو الأشهب
عن الحسن، قال: «المنافق يعبد هواه، لا يهوى شيئا إلا ركبه».
89

(47) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن أبي الأشهب قال:
قال الحسن: «من النفاق اختلاف اللسان والقلب، واختلاف السر والعلانية،
واختلاف الدخول والخروج».
(48) حدثنا هشام بن عمار الدمشقي حدثنا مروان بن معاوية
الفزاري حدثنا عوف الأعرابي عن الحسن قال: «كان يقال: النفاق اختلاف
السر والعلانية، والقول والعمل، والمدخل والمخرج. وكان يقال: أس النفاق
الذي يبنى عليه النفاق: «الكذب».
90

(49) حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي أنه سمع الحسن
يقول: «إنما الناس ثلاثة نفر: مؤمن؛ ومنافق؛ وكافر. فأما المؤمن فعامل
بطاعة الله، وأما الكافر فقد أذله الله تعالى كما رأيتم؛ وأما المنافق: فههنا وههنا في
الحجر والبيوت والطرق نعوذ بالله. والله ما عرفوا ربهم بل عرفوا انكارهم لربهم
بأعمالهم الخبيثة؛ ظهر الجفا وقل العلم وتركت السنة إنا لله وإنا إليه راجعون.
حيارى سكارى؛ ليسوا بيهود ولا نصارى ولا مجوس فيعذروا وقال:
إن المؤمن لم يأخذ دينه عن الناس؛ ولكن أتاه من قبل الله عز وجل فأخذه؛
وإن المنافق أعطى الناس لسانه ومنع الله قلبه وعمله. محدثان أحدثا في الإسلام:
رجل ذو رأي سوء زعم أن الجنة لمن رأى مثل رأيه فسل سيفه وسفك دماء
المسلمين واستحل حرمتهم، ومترف يعبد الدنيا، لها يغضب وعليها يقاتل،
ولها يطلب. وقال: يا سبحان الله (!) ما لقيت هذه الأمة من منافق قهرها؛
واستأثر عليها، ومارق مرق من الدين فخرج عليها. صنفان خبيثان قد غما
كل مسلم. يا ابن آدم دينك... دينك... فإنما هو لحمك ودمك. فإن
تسلم: فيالها من راحة ويا لها من نعمة (!) وإن تكن الأخرى - فنعوذ
91

بالله - فإنما هي نار لا تطفأ؛ وحجر لا يبرد، ونفس لا تموت».
92

(50) حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي حدثني أبو بشر
الضحاك بن عبد الرحمن قال: «سمعت بلال بن سعد يقول: المنافق يقول
بما يعرف ويعمل بما ينكر».
93

(51) حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا حدثنا وكيع بن الجراح
عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال: «المنافقون الذين فيكم اليوم شر
من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: فقلنا: يا أبا عبد
الله وكيف ذاك؟! قال: إن أولئك كانوا يسرون نفاقهم وإن هؤلاء يعلنون».
94

(52) حدثنا عباس بن محمد حدثنا أبو النضر حدثنا شعبة عن الأعمش
عن أبي وائل عن حذيفة قال: إن المنافقين اليوم شر من المنافقين الذين
كانوا... فذكر نحوه.
(53) حدثنا عباس حدثنا أبو النضر حدثنا شعبة عن واصل عن أبي وائل
عن حذيفة... مثله.
(54) حدثني أبو مسعود أحمد بن الفرات أنبأنا يزيد بن هارون أنبأنا
شعبة عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة قال: «المنافقون اليوم شر منهم
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل: وكيف ذاك؟ قال: إنهم كانوا يخفونه على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهم اليوم يظهرونه».
95

(55) حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن جعفر - غندر - عن
شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن حذيفة قال: «إنكم اليوم
تستعينون في غزوكم بالمنافقين».
(56) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن عمرو
بن مرة عن أبي البختري قال: قال رجل: اللهم أهلك المنافقين، فقال
حذيفة: لو هلكوا من انتصفتم من عدوكم».
96

(57) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن سلمة
بن كهيل عن حية بن جوين قال: كنا مع سلمان في غزاة، فقال
سلمان: هؤلاء المشركون - يعني: العدو وهؤلاء المؤمنون، وهؤلاء
المنافقون. فيؤيد الله المؤمنين بقوة المنافقين؛ وينصر الله المنافقين بدعوة
المؤمنين».
97

(58) حدثنا عبيد الله [بن عمر] القواريري حدثنا حماد بن زيد عن
أيوب قال: دخل عمر بن عبد العزيز على أبي قلابة يعوده، فقال له: يا
أبا قلابة تشدد ولا تشمت بنا المنافقين».
98

(59) حدثنا محمد بن عبيد بن حساب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب
قال: مرض أبو قلابة بالشام فدخل عليه عمر بن عبد العزيز؛ فقال: «يا
أبا قلابة تشدد ولا يشمت بنا المنافقون».
(60) حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدثنا مروان بن محمد حدثنا
عبد العزيز بن محمد عن قدامة بن موسى عن عبد الله بن دينار عن وهب
بن منبه أو وهب الذماري قال: «صفة المنافق: تحيته لعنة، وطعامه سحت،
وغنيمته غلول، صخب بالنهار؛ خشب الليل».
99

(61) حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سلام بن مسكين عن حبيب بن
فضالة قال: كان بعض المهاجرين يقول: «والله، ما أخاف المسلم ولا أخاف
الكافر؛ أما المسلم فيحجزه إسلامه، وأما الكافر [فقد] أذله الله عز
وجل؛ ولكن كيف لي بالمنافق (؟!)
102

(62) حدثنا أحمد بن عيسى حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس بن
يزيد عن ابن شهاب الزهري عن عبد الله بن خارجة بن زيد عن عروة بن
الزبير: قال أتيت عبد الله بن عمر فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، إنا نجلس
إلى أئمتنا هؤلاء فيتكلمون بالكلام نعلم أن الحق غيره فنصدقهم،
ويقضون بغير الحق فنقر به عليهم ونحسنه لهم، فكيف ترى في
103

ذلك؟ قال: يا ابن أخي كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعد هذا: النفاق،
ولا ندري كيف هو عندكم»؟!
(63) حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا عمر بن عبد الواحد عن
الأوزاعي عن الزهري عن عروة قال: «قلت لابن عمر: إنا لندخل على
الإمام... فذكر نحوه».
104

(64) حدثنا هشام بن عمار حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن
عبد الله بن عمر أنه رأى الناس يدخلون المسجد فقال من أين جاء هؤلاء؟
فقالوا: من عند الأمير. فقال إن رأوا منكرا أنكروه وإن رأوا معروفا أمروا
به؟ قالوا: لا. قال: فما يصنعون؟ قالوا: يمدحونه ويسبونه إذا خرجوا
من عنده. فقال ابن عمر: إن كنا لنعد النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيما دون ذلك».
107

(65) حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن
أبي الشعثاء قال: دخل نفر على عبد الله بن عمر - من أهل العراق - فوقعوا
في يزيد بن معاوية فتناولوه، فقال لهم عبد الله: هذا قولكم عندي، أتقولون
هذا في وجوههم؟! قالوا: لا، بل نمدحهم ونثني عليهم، فقال ابن عمر:
«هذا النفاق عندنا».
108

(66) حدثنا إسحاق بن سيار حدثنا أبو صالح حدثنا معاوية بن صالح عن
المهاجر بن حبيب أن عيسى بن مريم عليه السلام كان يقول: «إن الذي يصلي ويصوم
ولا يترك الخطايا مكتوب في الملكوت كذابا».
(67) حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا وكيع عن المبارك بن فضالة عن الحسن
قال: «المنافق: الذي إذا صلى راءى بصلاته؛ وإن فاتته لم يأس عليها،
ويمنع زكاة ماله» (!)
109

(68) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش، وسفيان
عن أبي المقدام ثابت بن هرمز عن أبي يحيى قال: «سئل حذيفة: من المنافق؟
قال: الذي يصف الإسلام ولا يعمل به».
(69) حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا أسد بن موسى حدثنا الفرج بن
فضالة عن لقمان بن عامر أنه سمع أبا أمامة الباهلي يقول: «المؤمن في الدنيا
بين كافر يقتله، ومنافق يبغضه؛ ومؤمن يحسده؛ وشيطان قد وكل به».
110

(70) حدثنا زكريا بن يحيى البلخي حدثنا أبو مطيع عن جعفر بن
حيان قال: قيل للحسن: إنهم يقولون: لا نفاق (!) فقال الحسن: لأن
أعلم أني برئ من النفاق أحب إلي من طلاع الأرض ذهبا».
111

«باب» ما روي فيمن كان يخاف
النفاق ويشفق منه ولا يأمنه على نفسه
(71) حدثنا عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار الحمصي حدثنا بقية بن
الوليد قال حدثني صفوان بن عمرو قال حدثني سليم بن عامر حدثني جبير بن نفير
أنه سمع أبا الدرداء - وهو في آخر صلاته وقد فرغ من التشهد - يتعوذ بالله
من النفاق فأكثر من التعوذ منه؛ قال: فقال جبير: ومالك يا أبا الدرداء
أنت والنفاق؟ فقال: دعنا عنك، دعنا عنك، فوالله إن الرجل ليقلب عن
دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه».
(72) حدثني أبو مسعود أحمد بن الفرات أنبأنا أبو اليمان أنبأنا صفوان
113

بن عمرو عن سليم بن عامر عن جبير بن نفير قال: دخلت على أبي الدرداء
منزله بحمص فإذا هو قائم يصلي في مسجده فلما جلس يتشهد فجعل يتعوذ
بالله عز وجل من النفاق؛ فلما انصرف قلت له غفر الله لك يا أبا الدرداء؛ ما أنت
والنفاق؟ ما شأنك والنفاق (؟!) فقال: اللهم غفرا - ثلاثا - لا يأمن من
البلاء من يأمن البلاء والله إن الرجل ليفتن في ساعة واحدة فينقلب عن
دينه».
(73) حدثنا أبو عبد الله محمد بن عائذ الدمشقي حدثنا الهيثم بن حميد
حدثنا الوضين بن عطاء عن يزيد بن مرثد قال: ذكر الدجال في مجلس
فيه أبو الدرداء فقال نوف البكالي: لغير الدجال أخوف مني من
114

الدجال؛ فقال أبو الدرداء: [ما هو؟ فقال نوف: أخاف أن أسلب إيماني
وأنا لا أشعر] فقال أبو الدرداء: ثكلتك أمك يا ابن الكندية، وهل في
الأرض مئة يتخوفون مما تتخوف؟ [ثكلتك أمك يا ابن الكندية، وهل
في الأرض خمسون يتخوفون ما تتخوف؟] ثم قال: وثلاثون؟ ثم قال:
وعشرون؟ ثم قال: وعشرة؟ ثم قال: وخمسة؟ ثم قال: وثلاثة؟ كل ذلك
يقول: ثكلتك أمك. ثم قال أبو الدرداء: والذي نفسي بيده ما أمن عبد
على إيمانه إلا سلبه - أو انتزع منه - فيفقده؛ والذي نفسي بيده ما الايمان
إلا كالقميص يتقمصه مرة ويضعه مره.
115

(74) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن
أسلم أبي عمران قال: سمعت أبا أيوب الأنصاري يقول: ليأتين على الرجل
أحايين وما في جلده موضع إبرة من النفاق، وإنه ليأتي عليه أحايين وما في
قلبه موضع إبرة من إيمان».
(75) حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي حدثنا عبد الله بن وهب
أنبأنا حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عمران أنه سمع أبا
116

أيوب يقول: «ليأتين على الرجل أحيان وما في جلده موضع إبرة من النفاق،
وإنه ليأتي عليه أحيان وما في جلده موضع إبرة من إيمان».
(76) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن
علي بن رباح عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «كان النفاق غريبا
في الإيمان، ويوشك أن يكون الإيمان غريبا في النفاق».
(77) حدثنا هشام بن عمار حدثنا أبو سعيد أسد بن موسى حدثنا ابن
لهيعة بإسناده مثله.
(78) حدثنا العباس بن الوليد النرسي حدثنا بشر بن السري عن محمد
بن مسلم عن يزيد بن يزيد بن جابر عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: ما
على ظهرها من بشر لا يخاف على إيمانه أن يذهب إلا ذهب».
117

(79) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جعفر بن سليمان عن الجعد أبي عثمان
قال: قلت لأبي رجاء العطاردي: هل أدركت - ممن أدركت - من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشون النفاق؟ وكان قد أدرك عمر بن الخطاب
رضي الله تعالى عنه - قال: نعم؛ إني أدركت بفضل الله صدرا حسنا، نعم
شديدا نعم شديدا».
118

(80) حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا حماد بن سلمة عن حبيب
بن الشهيد أن الحسن: كان يقول: إن القوم لما رأوا هذا النفاق يغول في
الإيمان لم يكن لهم هم غير النفاق».
(81) حدثنا هشام بن عمار حدثنا أسد بن موسى عن أبي الأشهب عن
الحسن قال: لما ذكر أن النفاق يغول الايمان لم يكن شئ أخوف عندهم
منه».
(82) حدثنا هشام حدثنا أسد بن موسى حدثنا محمد بن سليم - وهو
أبو هلال - قال: سأل أبان الحسن فقال: هل تخاف النفاق؟ قال: وما
يؤمنني وقد خاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
119

(83) حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا أبو الأشهب عن طريف قال: قلت
للحسن: يا أبا سعيد، إن ناسا يزعمون أن لا نفاق، أو لا يخافون
النفاق - شك أبو الأشهب - فقال: والله لأن أكون أعلم أني برئ من
النفاق أحب إلي من طلاع الأرض ذهبا».
(84) حدثنا هشام بن عمار حدثنا أبو سعيد أسد بن موسى حدثنا عون
بن موسى البصري سمعت معاوية بن قرة يقول: «أن لا يكون في نفاق أحب
إلي من الدنيا وما فيها. كان عمر رضي الله عنه يخشاه، وآمنه أنا؟».
120

(85) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد:
سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلا هو -: «ما مضى
مؤمن قط، ولا بقي، إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضي منافق قط،
ولا بقي، إلا وهو من النفاق آمن. وكان يقول: من لم يخف النفاق فهو
منافق».
121

(86) حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي حدثنا مؤمل بن
إسماعيل عن حماد بن زيد عن أيوب قال: سمعت الحسن يقول: «والله ما
أصبح ولا أمسى مؤمن إلا وهو يخاف النفاق على نفسه».
(87) حدثنا محمد بن عبيد بن حساب حدثنا حماد بن زيد عن يحيى
بن عتيق قال محمد بن سيرين: «لم يكن شئ أخوف على من قال هذا
القول؛ من هذه الآية: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر
وما هم بمؤمنين).
123

(88) حدثنا إبراهيم بن العلاء الحمصي حدثنا إسماعيل بن عياش عن بحير
بن سعد عن خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود العنسي أنه كان إذا خرج
إلى المسجد قبض بيمينه على شماله، فسئل عن ذلك فقال: «مخافة أن تنافق
يدي» (!)
124

(89) حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم
حدثنا الأوزاعي قال: سمعت بلال بن سعد يقول: «لا تكن وليا لله عز وجل في
العلانية، وعدوه في السر».
125

(90) حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي بالفرياب سنة
تسع وعشرين سمعت عبد الرحمن بن مهدي عن سلام بن أبي مطيع
(ح) وحدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي ببغداد سنة أربع وثلاثين
ومائتين حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سلام بن أبي مطيع قالا جميعا
سمعنا أيوب - وعنده رجل من المرجئة - فجعل الرجل يقول: إنما هو الكفر
والإيمان (!) - قال: وأيوب ساكت. قال فأقبل عليه أيوب فقال:
أرأيت قوله: (وآخرون مرجئون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب
عليهم) أمؤمنون هم أم كفار؟ قال: فسكت الرجل. قال: فقال أيوب:
اذهب فاقرأ القرآن؛ فكل آية في القرآن فيها ذكر النفاق فإني أخافها على نفسي».
126

(91) حدثنا محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا زيد بن أبي الزرقاء
عن سفيان الثوري قال: خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاث. نقول: الإيمان
قول وعمل، وهم يقولون: الإيمان قول ولا عمل؛ ونقول: الإيمان يزيد
وينقص، وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص؛ ونحن نقول النفاق، وهم
يقولون: لا نفاق».
127

(92) حدثنا محمد بن الحسن البلخي حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا
إبراهيم بن نشيط سمعت عمر مولى غفرة يقول: «أبعد الناس من النفاق؛
وأشدهم خوفا على نفسه منه: الذي لا يرى أنه لا ينجيه منه شئ؛ وأقرب
الناس منه: الذي إذا زكي بما ليس فيه ارتاح قلبه وقبله. قال: وقال: وإذا
زكيت بما ليس فيك فقل: اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما
يقولون، فإنك تعلم و [هم] لا يعلمون».
128

(93) حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان
عن أبي حيان التيمي عن إبراهيم التيمي قال: «ما عرضت قولي على عملي
إلا خشيت أن أكون مكذبا».
(94) حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا حماد بن سلمة عن حميد،
وحبيب بن الشهيد أن الحسن قال في هذه الآية: (هاؤم اقرأوا كتابيه *
إني ظننت أني ملاق حسابيه) قال: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن
العمل، وإن المنافق أساء الظن بربه فأساء العمل».
(95) حدثنا عبد الرحيم بن حبيب الفريابي حدثنا بقية بن الوليد حدثنا
129

سلمة بن كلثوم الكندي قال سمعت عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي يقول:
«إن المؤمن يقل الكلام ويكثر العمل؛ وإن المنافق يكثر الكلام ويقل
العمل».
(96) حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا أبو معاوية حدثنا
الأعمش عن خيثمة قال: كان قوم يؤذونه، فقال: إن هؤلاء يؤذونني،
والله ما طلب أحد منهم حاجة إلا قضيتها، ولا دخل علي أحد منهم مني
أذى، ولأنا أبغض فيهم من الكلب الأسود (!) أتدرون مم ذاك إنه والله
ما أحب منافق مؤمنا أبدا».
130

(97) حدثنا محمد بن الحسن البلخي أنبأنا عبد الله بن المبارك أنبأنا سفيان
الثوري قال: كان يقال: «إذا عرفت نفسك لم يضرك ما قيل فيك».
131

(98) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن أبي يونس - وهو
سليم بن جبير - مولى أبي هريرة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:
«ويل للعرب من شر قد اقترب؛ فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل
فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه
بعرض من الدنيا قليل المتمسك منهم يومئذ على دينه كالقابض على خبط الشوك أو
جمر الغضى
132

(99) أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن
العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا
بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا؛ ويمسي
مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا».
(100) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن
أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال...» فذكر
مثله.
(101) حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم
عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال
فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا
ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا».
(102) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب
عن سنان بن سعيد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تكون بين
يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا،
ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا».
134

(103) حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي حدثنا عبد الوارث بن سعيد
حدثنا محمد بن جحادة حدثنا عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل بن شرحبيل
عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بين يدي الساعة فتنا يصبح
الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا».
136

(104) حدثنا محمد بن مصفى الحمصي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا
الوليد بن سليمان عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: «ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، إلا منا
حشاه الله بعلم».
(105) حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم والوليد بن عتبة الدمشقيان قالا
حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا سعيد بن عبد العزيز وعبد الغفار بن إسماعيل
عن إسماعيل بن عبيد الله أنه سمع أبا عبد الله الأشعري يقول: سمع أبا الدرداء
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكفرن أقوام بعد إيمانهم» فبلغ ذلك أبا
الدرداء، فأتاه فقال: يا رسول الله بلغني أنك قلت: «ليكفرن أقوام بعد
137

إيمانهم»؟! قال: «نعم، ولست منهم».
(106) حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا فضيل بن عياض عن الأعمش
عن خيثمة عن عبد الله بن عمرو قال: «يأتي على الناس زمان يجتمعون في
مساجدهم ليس فيهم مؤمن».
(107) حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن سليمان عن خيثمة عن
عبد الله بن عمرو قال: «ليأتين على الناس زمان يجتمعون في المساجد وما فيهم مؤمن».
138

(108) حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة
عن سليمان عن خيثمة عن عبد الله بن عمرو أنه قال: «ليأتين على الناس
زمان يجتمعون في المساجد وما فيهم مؤمن».
139

(109) حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قيس
بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «إن الرجل
منكم ليخرج من بيته فيلقى الرجل له إليه الحاجة فيقول: ذيت وذيت،
فيمدحه، فعسى أن لا يحلأ من حاجته بشئ، فيرجع وقد أسخط الله عز
وجل عليه وما معه من دينه شئ».
(110) حدثنا أبو حفص عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار الحمصي حدثنا
أبي عن حريز بن عثمان عن أبي الحسن نمران عن أبي مليكة الذماري قال:
«إن الرجل ليدخل على الإمام فما يخرج إلا مشركا أو منافقا؛ إن أعطاه نسي
الذي أعطاه وحمده؛ وإن منعه خرج يذمه ويعيبه؛ فإذا فعل هذا بالإمام
فقد نافق وأشرك وإنما يمنع ويعطي الله عز وجل».
141

(111) حدثنا محمد بن مصفى الحمصي حدثنا بقية بن الوليد عن ثور
بن يزيد عن خالد بن معدان قال: «إياكم والخطرات، فإن الرجل قد تنافق
يده من سائر جسده».
142

(112) حدثنا رياح بن الفرج الدمشقي حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد
حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن أبي عبد رب عن أم الدرداء أن أبا الدرداء
كان إذا رأى الميت قد مات على حال صالحة قال: «هنيئا له، ليتني كذلك.
فقالت له أم الدرداء: لم تقول ذلك؟ فقال هل تعلمين يا حمقاء أن الرجل
يصبح مؤمنا ويمسي منافقا؟ قالت وكيف؟ قال: يسلب إيمانه ولا يشعر؛
لأنا لهذا بالموت أغبط مني لهذا بالبقاء في الصلاة والصيام».
143

(113) حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم
حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن أبي عبد رب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء
قال: يبلغني أن الرجل يأتيه الموت وهو على حال حسنة فأقول: هنيئا له.
فقلت: ولم؟ قال: يا حمقاء، أما تعلمين أن الرجل يصبح مؤمنا... وذكره
نحوه.
(114) حدثني أبو عمير بن النحاس الرملي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن
شوذب قال: قيل للحسن: يا أبا سعيد؛ اليوم نفاق؟ قال: لو خرجوا من
أزقة البصرة لاستوحشتم فيها».
144

(115) حدثنا صفوان بن صالح حدثنا ضمرة حدثنا ابن شوذب عن
الحسن قال: «لا تقوم الساعة حتى يسود كل قوم منافقوها».
(116) حدثنا صفوان بن صالح حدثنا ضمرة بن ربيعة حدثنا عبد الله
بن شوذب عن الحسن قال: «لا يلقى المؤمن إلا شاحبا، ولا يلقى
المنافق إلا وباصا».
145

(117) حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن الأعمش
عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا: إذا حدث كذب وإذا
وعد أخلف وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر فمن كانت فيه خصلة منهن
كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها».
(118) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا سفيان
عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمرو قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه فهو منافق، وإن كانت فيه خصلة
منها ففيه خصلة من نفاق، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد
غدر وإذا خاصم فجر».
146